الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي

مجموعة من المؤلفين

عصر النبوة والخلافة الراشدة

الجزء الأول عصر النبوة والخلافة الراشدة تأليف: أ. د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر الفصل الأول *العالم قبل الإسلام جغرافية بلاد العرب: بلاد العرب شبه جزيرة، تقع جنوبى غربى قارة آسيا، يحدها «البحر الأحمر» من الغرب، و «الخليج العربى» من الشرق، و «بحر العرب» و «المحيط الهندى» من الجنوب، وبادية «الشام» من الشمال، وتبلغ مساحتها أكثر من مليونى كيلو متر مربع، ويقسمها الجغرافيون إلى خمسة أقاليم رئيسية هى: - إقليم تِهامَة: وهو شريط ساحلى يطل على البحر الأحمر، وسمى بتهامة لارتفاع درجة حرارته، وركود هوائه. - إقليم الحجاز: ويقع شرقى «تهامة»، ويمتد من «الشام» شمالاً إلى «اليمن» جنوبًا، وتقع عليه سلسلة جبال «السراة»، وسُمِّى بالحجاز؛ لأنه يحجز بين «تهامة» فى الغرب و «نجد» فى الشرق. وتقع فى هذا الإقليم «مكة» المكرمة، و «المدينة» المنورة. - إقليم نجد: ويقع شرقى «الحجاز» ويمتد من صحراء بادية «السماوة» شمالاً حتى قرب حدود «اليمن» جنوبًا، وسُمِّى «نجدًا»؛ لارتفاع أرضه. - إقليم العروض: وهو الجزء الشرقى من شبه الجزيرة العربية، ويطل على «الخليج العربى». - إقليم اليمن: وهو الجزء الجنوبى الغربى من شبه الجزيرة العربية. وهذه المساحة الكبيرة ذات طبيعة صحراوية، لا يجرى فيها نهر واحد، ولا تسقط الأمطار إلا نادرًا، باستثناء إقليم «اليمن» الذى تسقط فيه بعض الأمطار الموسمية، وبخاصة فى فصل الصيف، مما يسَّر لأهلها حياة مستقرة نتيجة اشتغالهم بالزراعة، وساعدهم على إقامة حكومات منظمة، وإقامة حضارة راقية، وقد اشتهر هذا الإقليم باليمن السعيد. أما بقية أجزاء شبه الجزيرة العربية فقد قلَّت فيها الزراعة أو كادت تنعدم؛ لندرة المياه عدا بعض الواحات التى بها عيون للمياه، ساعدت على نمو الحشائش التى ترعاها الماشية، وزراعة بعض المحاصيل كالشعير والقمح. مكة المكرمة: تقع «مكة» المكرمة فى إقليم «الحجاز»، شرقى مدينة «جدة» بنحو سبعين كيلو مترًا، وترتبط نشأتها بقصة «إبراهيم الخليل» وابنه

«إسماعيل» عليهما السلام، حيث أمر الله تعالى نبيَّه «إبراهيم» أن يذهب بابنه «إسماعيل» إلى الوادى الذى نشأت فيه «مكة»؛ وأن يسكنه فيه، فامتثل «إبراهيم» لأمر الله، وارتحل إلى ذلك الوادى وكان قفرًا (ليس به زرع أو ماء)، خاليًا من السكان، وترك زوجه «هاجر» وابنها الطفل «إسماعيل»، وفى هذا يقول الله تعالى على لسان «إبراهيم» عليه السلام: {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بوادٍ غير ذى زرعٍ عند بيتك المحرم}. [إبراهيم: 37]. وإكرامًا لإسماعيل فجَّر الله - تعالى - بئر «زمزم»، بعد أن يئست أمه «هاجر» من وجود الماء، وهى تسعى باحثة عنه بين صخرتى «الصفا» و «المروة»، وقد أصبح السعى بينهما ركنًا من أركان الحج. كان وجود الماء فى هذا المكان عجبًا، فجذب القبائل التى كانت تسكن بالقرب منه، وهى قبائل «جُرهم» فجاءوا إلى «هاجر»، وطلبوا منها السماح لهم بأن ينتفعوا بماء زمزم، فأذنت لهم ورحَّبت بهم؛ ليؤنسوا وحدتها هى وابنها، وبدءوا يقيمون بيوتهم حول بئر «زمزم»، ومن هنا كانت نشأة «مكة» المكرمة، وفيها عاشت «هاجر» وابنها «إسماعيل» بين قبائل «جرهم»، ولما كبر تزوج منهم، وأنجب أولاده الذين هم أجداد العرب المستعربة. واتسعت «مكة» شيئًا فشيئًا، وزحف إليها العمران، وذاعت شهرتها بين المدن، بعد أن أمر الله - تعالى- «إبراهيم» - عليه السلام - فى إحدى زياراته لابنه «إسماعيل» ببناء «الكعبة المشرفة»، فأصبحت «مكة» مكانًا مقدسًا، وزادها الله تشريفًا بهذا البناء. و «الكعبة» التى بناها نبى الله «إبراهيم» - عليه السلام - بناء مربع الشكل تقريبًا، يبلغ ارتفاعه نحو خمسة عشر مترًا، وعرض جداريه الشمالى والجنوبى نحو عشرة أمتار، والشرقى والغربى اثنا عشر مترًا. ويقع باب «الكعبة» فى الجدار الشرقى، وفى الطرف الجنوبى منه يقع «الحجر الأسود»، وهى منذ بنائها مثابة للناس وأمن، كما أخبر بذلك الله - تعالى - فى القرآن الكريم، وظلت قبائل «جُرهُم» تقوم

على خدمة «الكعبة»، ورعاية حجاجها، إلى أن ضعفت، فحلَّ مكانها فى تلك المهمة قبائل «خزاعة»، التى ضعفت هى الأخرى بعد فترة، فخلفتها قبيلة «قريش» بزعامة «قصى بن كلاب» الجد الرابع للنبى - صلى الله عليه وسلم -، فأسس دار الندوة فى «مكة»، وهى أشبه ما يكون ببرلمان صغير، يتشاور فيه زعماء «قريش» حول شئونها، ونظَّم «قُصىَّ بن كلاب» السقاية، وهى جلب الماء للحجاج من آبار بعيدة، بعد أن ردمت قبائل «جُرهُم» بئر «زمزم» عندما غلبتها «خزاعة» على أمرها وتركت «مكة»، واهتم بالسدانة، وبالرفادة وهى إطعام الحجاج، وبالحجابة وهى خدمة «الكعبة» وتولى مفاتيحها، وباللواء وهو راية الحرب، وكان ذلك كله فى يد «قصى»، ولكن بعد وفاته قُسمت هذه المناصب بين أحفاده. أحوال العرب قبل الإسلام: يُقسم علماء الأنساب العرب إلى: - عرب بائدة؛ وهم الذين هلكوا ولم يبق من نسلهم أحد، مثل: «عاد»، و «ثمود» و «طُسُم»، وغيرهم. - وعرب باقية، وهم قسمان: أ - عرب عاربة، وهم أهل «اليمن» الذين ينسبون إلى «يعرب ابن قحطان». ب - وعرب مستعربة، وهم الذين ينسبون إلى «عدنان» الذى يتصل نسبه بإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وسُمُّوا مستعربة؛ لأن أباهم غير عربى وهو «إسماعيل» - عليه السلام - وأمهم عربية من «جُرهُم». أحوال العرب السياسية: عرفت بلاد العرب الحياة السياسية المنظمة قبل الإسلام، وبخاصة فى «اليمن»، حيث الزراعة والاستقرار، فقامت فيها دول كثيرة متعاقبة، مثل: دولة «معين»، ودولة «قُتبان»، ودولة «سبأ» التى سُميت بها سورة من سور القرآن الكريم، ودولة «حمير» التى ظلت قائمة حتى احتلتها «الحبشة» فى بداية القرن السادس الميلادى، ثم استولى عليها «الفرس»، وظلت كذلك إلى أن حررها الإسلام من الاحتلال الفارسى، وأسلم أهلها. وقامت فى «اليمن» حضارة عظيمة، فاشتهرت ببناء السدود كسد مأرب، لخزن مياه الأمطار لاستخدامها فى الزراعة، وازدهرت فيها

التجارة؛ بسبب موقعها الجغرافى المتميز على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر؛ مما جعلها مركزًا تجاريّاً كبيرًا بين الشرق الأقصى وشرقى «إفريقيا» بل و «أوربا». وبعد انهيار «سد مأرب» وتدهور الحياة الاقتصادية هاجر العرب من «اليمن» إلى أطراف شبه الجزيرة العربية فى الشمال، وأقاموا إمارات عربية، ظلت قائمة إلى ما بعد ظهور الإسلام، فنشأت إمارة «المناذرة» فى «العراق»، وكانت عاصمتها مدينة «الحيرة»، وإمارة «الغساسنة» فى جنوب «الشام». وكانت هناك إمارات عربية أخرى فى شرقى شبه الجزيرة العربية، فى «البحرين» و «اليمن»، وفى جنوبيها الشرقى فى «عمان»، وكلها أسلمت فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأصبحت جزءًا من الدولة الإسلامية. وأما بقية شبه الجزيرة فكان يعيش أهلها حياة قبلية، حيث يحكم كل قبيلة شيخ، هو صاحب الكلمة النافذة، والأمر والنهى فيها. الحياة الاجتماعية: اختلفت الحياة الاجتماعية فى بلاد العرب من مكان إلى آخر باختلاف حياة الحضر والبدو، فالأجزاء الحضرية التى تتمتع بحياة مستقرة وبنظم سياسية يُقسم المجتمع فيها إلى طبقات: طبقة الملوك والحكام والأمراء، وهم يمثلون قمة الهرم الاجتماعى، وينعمون بحياة الترف والنعيم، تليهم طبقة التجار والأثرياء، ثم تأتى طبقة الفقراء فى أدنى الهرم الاجتماعى. أما البدو فيتألفون من طبقتين: - طبقة السادة، وهم فى الواقع كل العرب البدو، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، فالفقر لم يكن يحد من حرية الإنسان العربى وسيادته، فمهما يكن فقيرًا فهو مالك لزمام نفسه، معتز بحريته. - وطبقة العبيد والخدم، وكان يمتلكهم الأغنياء، وعلى عاتق هذه الطبقة قامت الحياة الاقتصادية. واتسمت حياة البداوة بعادات بعضها جميل محمود، أبقى عليه الإسلام وشجَّعه، كالكرم والنجدة وإغاثة الملهوف، وبعضها الآخر قبيح مرذول حاربه الإسلام حتى قضى عليه، كوأد البنات خوفًا من

العار، وهذه العادة كانت - فى واقع الأمر - فى قبائل معينة ولا تمثل نظرة العرب كلهم إلى المرأة، لأنها كانت عندهم محل اعتزاز وتقدير بصفة عامة. الحياة الدينية: عرفت بلاد العرب التوحيد قبل الإسلام بزمن طويل، فقد نزلت فيها رسالات سماوية، كرسالة «هود» - عليه السلام - فى جنوبى شرقى الجزيرة العربية، ورسالة «صالح» - عليه السلام - فى شماليها الغربى، كما عرفوا التوحيد من رسالة «إسماعيل» -عليه السلام -، ولكن بمرور الزمن نسوا هذه الرسالات، وتحولوا إلى الوثنية وعبادة الأصنام، وأصبح لهم آلهة كثيرة مثل: «هُبل» و «اللات» و «العزى». وعلى الرغم من انتشار عبادة الأصنام انتشارًا واسعًا فى بلاد العرب، فإن هناك ما يدلُّ على أنهم لم يكونوا يعتقدون اعتقادًا حقيقيّاً فيها، فيحكى القرآن الكريم على لسانهم قولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.الزمر:3]. وكان منهم من رفض عبادة الأصنام رفضًا قاطعًا، وهم الذين سُمُّوا بالحنفاء، كورقة بن نوفل، و «زيد بن عمرو بن نُفيل»، و «عثمان بن الحويرث»، و «عبيد الله بن جحش»، و «قس بن ساعدة الإيادى»، وهؤلاء لم تقبل أذهانهم عبادة الأصنام، فاعتنق بعضهم المسيحية، وترقب بعضهم الآخر ظهور الدين الحق. وإذا كانت الوثنية قد سادت بلاد العرب، فإن اليهودية والمسيحية عرفت طريقها إليها فتركزت المسيحية فى «نجران» التى كانت وقتئذٍ من أرض «اليمن»، فى حين استقرت اليهودية شمال «الحجاز»، فى «يثرب» و «خيبر»، و «وادى القرى» و «تيماء». ومن العجيب أن اليهودية والنصرانية لم تنتشرا على نطاق واسع فى بلاد العرب، ولعل ذلك راجع إلى أن اليهودية تُعدُّ ديانة مغلقة، فأهلها كانوا يعتبرونها ديانة خاصة بهم، فلم يدعوا أحدًا إليها، ولم يرحِّبوا باعتناق غيرهم لها، أما المسيحية، فعلى الرغم من أنها ديانة تبشيرية، وأهلها يرغبون فى نشرها فى العالم فإنه يبدو

أنها حين وصلت إلى بلاد العرب كانت قد بلغت درجة من التعقيدات والخلافات لم تستسغها عقول العرب. الحياة الثقافية: كان العرب قبل الإسلام أمة أمية، لا تعرف القراءة والكتابة إلا فى نطاق ضيق، ولم يكن الذين يعرفونها فى «مكة» مثلاً يزيدون على عشرين شخصًا، ومع ذلك فإنهم امتلكوا قدرًا لا بأس به من المعرفة، واتصلوا بالعالم الخارجى من خلال رحلاتهم التجارية، فعرفوا الثقافة الفارسية عن طريق إمارة «الحيرة» العربية، والثقافة اليونانية عن طريق الإمارات العربية فى «الشام». واكتسب العرب أيضًا قدرًا كبيرًا من المعارف العلمية بالخبرة والتجربة وبدافع الحاجة كالمعلومات الفلكية والجغرافية، دفعهم إلى معرفتها تنقلاتهم الكثيرة، وارتحالهم من مكان إلى آخر، وحاجتهم إلى معرفة مواسم نزول الأمطار وهبوب الرياح. وتفوق العرب على غيرهم من الأمم فى مجال «علم الأنساب»، وذلك لاعتزازهم بانتسابهم إلى قبائلهم، وبلغ من شدة اهتمامهم بعلم الأنساب أن اعتنوا بأنساب الخيل، غير مكتفين بأنساب البشر. أما الميدان الثقافى الذى برع فيه العرب فهو البلاغة والفصاحة، فالعربى كان فصيحًا بطبعه، بليغًا بفطرته، ودليل ذلك فهمهم للقرآن الكريم، الذى نزل بلغتهم وهو ذروة البلاغة والفصاحة. وبرع العرب فى ميدان الشعر براعة واضحة، فهو ديوان حياتهم، وشعراؤهم يُعدُّون بالمئات، والشعر العربى إلى جانب كونه لونًا راقيًا من ألوان الأدب يُعدُّ بعد القرآن الكريم مصدرًا من مصادر معرفة الحياة العربية بكل خصائصها ومظاهرها. وكما تفوَّق العرب فى الشعر تفوقوا فى الخطابة، وكانوا يقيمون الأسواق الأدبية التى تشبه مهرجانات المسابقات الأدبية فى الوقت الحاضر، ومن أشهر تلك الأسواق سوق «عكاظ»، وكانت تعقد فيها لجان للتحكيم بين الشعراء والخطباء، والقصيدة أو الخطبة التى يفوز صاحبها يتناقلها الناس ويحفظونها، ويشيدون بقائلها، ومن القصائد

الرائعة ما كان يعلق فى «الكعبة»، وهى التى عرفت باسم «المعلقات»، مثل معلقة «امرئ القيس» و «زهير بن أبى سلمى».

1 - 2:نشأة الرسول

الفصل الثاني *نشأة الرسول نسب الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الرسول هو «محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف»، يتصل نسبه بإسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام -. وكان جده «عبد المطلب» قد نذر وهو يعيد حفر بئر «زمزم» - بناءً على رؤية رآها - أنه إن رزقه الله بعشرة من الأولاد ليذبحن أحدهم قربانًا للآلهة، فلما تحقَّق له ذلك أراد أن يفى بنذره، فضرب الأقداح عند «الكعبة» كما كانت عادتهم على أولاده جميعًا، ومن يخرج عليه السهم يكن هو الذى ارتضته الآلهة قربانًا لها، فخرج السهم على «عبد الله» فعزم «عبد المطلب» على ذبح ابنه. ولما ذاع خبر «عبد المطلب» مع ابنه فى «مكة» فزع أهلها من هذا الحدث، وذهبوا إليه يثنونه عن أمره، فلمَّا لم يجدوا منه استجابة لرجائهم، اقترحوا عليه الذهاب إلى عرَّافة مشهورة؛ لعلهم يجدون عندها لهذه المشكلة حلاً، فوافقهم على ذلك. فلما ذهبوا إلى العرَّافة وقصُّوا عليها ماحدث، اقترحت عليهم أن يضربوا القداح عند آلهتهم، على «عبد الله» وعلى عشرة من الإبل، فإن خرجت على «عبد الله» زادوا عشرة من الإبل، حتى ترضى الآلهة وتخرج القداح على الإبل، ففعل ذلك «عبد المطلب»، حتى وصل العدد إلى مائة، وعندئذٍ خرج السهم مشيرًا إلى الإبل، ففرح «عبد المطلب»، وفرحت معه «مكة»، ونحر الإبل، وأطعم الناس ابتهاجًا بنجاة ابنه الحبيب من الذبح. زواج عبد الله من آمنة بنت وهب: بعد نجاة «عبد الله بن عبد المطلب» من الذبح زوَّجه من «آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن زُهرة». وبعد أيام من العرس خرج عبد الله فى رحلة تجارية إلى «الشام»، فخرج مع قافلة قرشية وباع واشترى، وفى عودته مر بيثرب؛ ليزور أخوال أبيه من «بنى النجار»، لكنه مرض فى أثناء زيارته، فلما بلغ «عبد المطلب» خبر مرض ابنه، أرسل على الفور أكبر أبنائه «الحارث بن عبد المطلب» إلى «يثرب» ليعود بأخيه، لكن «عبد الله» تُوفِّى قبل

أن يصل أخوه إلى «يثرب»، فحزن «عبدالمطلب» حزنًا شديدًا على موت ابنه «عبدالله» الذى لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، ولم يمضِ على زواجه سوى شهور قليلة. ولما خفَّت موجة الحزن على آمنة، بدأت تحس بجنين يتحرك فى أحشائها، فتعلَّق به أملُها، عسى أن يعوضها فقد زوجها الحبيب، وأخبرت «عبدالمطلب» بحملها، ففرح لذلك فرحًا شديدًا، وامتلأ قلبه أملاً ورجاءً فى أن يأتى هذا الحمل بولد يعوضه عن ابنه الفقيد. حادثة الفيل: بعد أن حكم «أبرهة» «اليمن» تملكته الغيرة من الكعبة المشرفة، وأراد أن يصرف العرب عن زيارتها، فبنى كنيسة ضخمة بالغة الروعة، تُسمَّى «القُلَّيس»، وساق أهل «اليمن» إلى التوجه إليها والتعبد فيها، لكنه لم يفلح فى ذلك، وزاد من غضبه أن أحد الأعراب عبث بالكنيسة وقذَّرها، فأقسم «أبرهة» ليهدمن الكعبة، ويطأن «مكة»، وجهَّز لذلك جيشًا جرارًا، تصاحبه الفيلة، وفى مقدمتها فيل عظيم، ذو شهرة خاصة عندهم. وحينما علمت العرب بنية «أبرهة» تصدَّوا له، لكنهم لم يفلحوا فى وقف زحفه، حتى إذا بلغ جيش «أبرهة» «المغمَّس» - وهو مكان بين «الطائف» و «مكة» - ساق إليه أموال «تهامة» من «قريش» وغيرها، وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم، فهمَّت «قريش» وقبائل العرب بقتال «أبرهة»، ولكنهم وجدوا أنفسهم لا طاقة لهم بحربه، فتفرقوا عنه دون قتال. أرسل «أبرهة» إلى «عبدالمطلب» يُبلغِه أنه لم يأتِ لحربهم، وإنما جاء لهدم البيت، فإن تركوه وما أراد فلا حاجة له فى دمائهم، فذهب «عبدالمطلب» إليه، فلما دخل نزل «أبرهة» من سريره، وجلس على البساط، وأجلس «عبدالمطلب» إلى جانبه، وأكرمه وأجلَّه، فطلب «عبدالمطلب» منه أن يرد عليه إبله التى أخذوها، فقال «أبرهة»: أعجبتنى حين رأيتك، وزهدتُ فيك حين كلمتنى، تترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، جئتُ لأهدمه، وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك؟

فقال: «عبد المطلب»: إنى رب الإبل (أى صاحبها) وإن للبيت ربًا سيحميه. قال «أبرهة»: ما كان ليمتنع منى، فرد عليه «عبد المطلب»: أنت وذاك، ثم رد «أبرهة» الإبل لعبد المطلب. أمر «عبد المطلب» قريشًا بالخروج من «مكة»، والاحتماء فى شعاب الجبال، وتوجه هو إلى باب «الكعبة»، وتعلَّق به مع نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه، وانطلق جيش «أبرهة» نحو «مكة»، وحينما اقترب منها برك الفيل الأكبر الذى يتقدم الجيش رافضًا الدخول، وتعبوا فى إجباره على اقتحام «مكة»، وكانوا عندما يوجهونه إلى جهة غير «مكة» ينهض ويهرول. ثم شاء الله أن يهلك «أبرهة» وجيشه، فأرسل عليهم جماعات من الطير، أخذت ترميهم بحجارة، فقضت عليهم جميعًا، وتساقطوا كأوراق الشجر الجافة الممزَّقة، كما حكى ذلك القرآن الكريم: [ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم فى تضليل وأرسل عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيل فجعلهم كعصف مأكول]. [سورة الفيل]. مولد النبى - صلى الله عليه وسلم -: وفى يوم الاثنين الموافق (12 من شهر ربيع الأول سنة 570م) (عام الفيل) ولدت «آمنة» وليدها، يتلألأ النور من وجهه الكريم، أكحل أدعج مختونًا، يرنو ببصره إلى الأفق، ويشير بسبابته إلى السماء، فهرولت قابلته، وهى «أم عبد الرحمن بن عوف» إلى جده «عبد المطلب» تزف إليه البشرى، وتنقل إليه ذلك الخبر السعيد، فكاد الرجل الوقور يطير من الفرحة، وفرح الهاشميون جميعًا، حتى إن عمه «أبالهب» أعتق الجارية «ثويبة» التى أبلغته الخبر، وكانت أول من أرضعت خير البشر. سمَّى «عبد المطلب» حفيده «محمدًا»، وهو اسم لم يكن مألوفًا أو منتشرًا فى بلاد العرب، ولما سُئل عن ذلك، قال: رجوت أن يكون محمودًا فى الأرض وفى السماء. طفولته وصباه: فى اليوم السابع لميلاد النبى - صلى الله عليه وسلم - أمر جده بجزور فنحرت، وأقام حفلا دعا إليه كبار رجالات «قريش» احتفاءً بهذا

الوليد الكريم، وانتظرت «آمنة» المرضعات اللائى كن يأتين من البادية إلى «مكة»، ليأخذن الأطفال إلى ديارهن لإرضاعهم بأجر، وكانت عادة أشراف «مكة» ألا ترضع الأم أطفالها، مفضلين أن تكون المرضعة من البادية؛ لتأخذ الطفل معها، حيث يعيش فى جو ملائم لنموه، من سماء صافية، وشمس مشرقة، وهواء نقى، وكانت هناك قبائل مشهورة بهذا العمل مثل «بنى سعد». وكان محمد من نصيب واحدة منهن تُدعَى «حليمة السعدية» لم تكن تدرى حين أخذته أنها أسعد المرضعات جميعًا، فقد حلَّت عليها الخيرات، وتوالت عليها البركات، بفضل هذا الطفل الرضيع، فسمنت أغنامها العجاف، وزادت ألبانها وبارك الله لها فى كل ما عندها. مكث «محمد» عند «حليمة» عامين، وهو موضع عطفها ورعايتها، ثم عادت به إلى أمه، وألحت عليها أن تدعه يعود معها، ليبقى مدة أخرى، فوافقت «آمنة» وعادت به «حليمة» إلى خيام أهلها. حادث شق الصدر: بقى «محمد» عند «حليمة السعدية» بعد عودتها ثلاثة أعوام أخرى، حدثت له فى آخرها حادثةُ شقِّ الصدر، وملخصها كما ترويها أوثق مصادر السيرة: أن «محمدًا» كان يلعب أو يرعى الغنم مع أترابه من الأطفال، خلف مساكن «بنى سعد» فجاءه رجلان عليهما ثياب بيض، فأخذاه فأضجعاه على الأرض، وشقا صدره وغسلاه، وأخرجا منه شيئًا، ثم أعاداه كما كان. ولما رأى الأطفال ما حدث، ذهب واحد منهم إلى «حليمة» فأخبرها بما رأى، فخرجت فزعة هى وزوجها «أبو كبشة» فوجدا «محمدًا» ممتقعًا لونه، فسألته «حليمة» عما حدث فأخبرها، فخشيت أن يكون ما حدث له مسٌ من الجن، وتخوفت عاقبة ذلك على الطفل، فأعادته إلى أمه، وقصت عليها ماحدث لطفلها. موت آمنة بنت وهب: لما بلغ «محمد» السادسة من عمره أخذته أمه فى رحلة إلى «يثرب»؛ ليزور معها قبر أبيه، ويرى أخوال جده «عبد المطلب» من «بنى النجار». وفى طريق العودة مرضت «آمنة» واشتدَّ عليها المرض، وتُوفيت فى

مكان يُسمى «الأبواء» بين «مكة» و «المدينة». وهكذا شاءت إرادة الله أن يفقد «محمد» أمه، وهو فى هذه السن الصغيرة، وهو أشد ما يكون احتياجًا إليها، فتضاعف عليه اليتم، ولكن للهِ فى خلقهِ حِكم لا يعلمها إلا هو تعالى، فإن كان «محمدٌ» قد حُرِمَ من أبويه. فإن الله هو الذى سيتولى رعايته وتعليمه. ضم «عبد المطلب» حفيده «محمدًا» إلى كفالته؛ لأن ابنه «عبد الله» لم يترك ثروة كبيرة، وكل ما تركه كان خمسة من الإبل، وبعضًا من الأغنام، و «أم أيمن» (بركة) التى أصبحت حاضنة «محمد» وراعيته بعد فقد أمه، وقد عوضته كثيرًا عن حنان الأم. لكن كفالة «عبد المطلب» لمحمد لم تدم طويلا، إذ استمرت عامين بعد وفاة «آمنة»، كان خلالهما نعم الأب الحنون، فحزن «محمد» على فقده حزنًا شديدًا، وبكاه بكاءً مرا وهو يودعه إلى مثواه الأخير. وبعد وفاة «عبد المطلب» انتقل «محمد» إلى كفالة عمه «أبى طالب»، ومع أنه لم يكن أكثر أعمامه مالا وأوسعهم ثراءً، بل كان أكثرهم أولادًا وأثقلهم مؤونة؛ فإنه كان شديد العطف عليه، والرعاية له، فضمه إلى عياله، وكان يفضله عليهم فى كل شىء. اشتغاله برعى الغنم: لم يرض «محمدٌ» أن يكون عالة على عمّه، وبخاصة أنه يرى ضيق ذات يده، فأراد أن يعمل ليعول نفسه، ويكسب قوته، ويساعد عمه إن أمكن ذلك، فاشتغل برعى الأغنام، وهو عمل يناسب سنه، وهذه كانت حرفة الأنبياء من قبله، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبى إلا ورعى الغنم»، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا». رحلته الأولى إلى الشام: وجد «محمد» فى عمه «أبى طالب» عطفًا وحنانًا عوَّضه عن فقد جدِّه، فكان يؤثره على أولاده، ولا يكاد يردُّ له طلبًا، فلما رغب «محمد» فى أن يصحب عمه فى رحلة إلى «الشام»، أجابه إلى ذلك، رغم أنه كان يخشى عليه من طول الطريق، ومشقة السفر، وهو لم يزل غلامًا صغيرًا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.

انطلق «محمد» مع عمه فى تلك الرحلة إلى «الشام»، وهناك حدثت له قصة عجيبة لفتت أنظار القافلة كلها، لكنهم لم يستطيعوا لها تفسيرًا، وذلك أن راهبًا نصرانيا، يدعى «بحيرا» كان يتعبَّد فى صومعته فى بادية «الشام»، على طريق القوافل، ولم يكن يحفل بأحدٍ يمرُّ عليه، لكنه فى هذه المرة نزل من صومعته لما رأى القافلة القرشية وذهب إليهم، ودعاهم إلى طعام، وطلب منهم أن يحضروا جميعًا ولا يتركوا أحدًا يتخلف. ولما حضر «محمد» مع القوم سأل الراهبُ «أبا طالب»: من يكون منك هذا الغلام؟ فقال: ابنى، فقال له: ما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، فقال: ابن أخى، قال: صدقت. ثم رأى خاتم النبوة على كتف النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقال لأبى طالب: ارجع بابن أخيك هذا فسوف يكون له شأن عظيم، واحذر عليه اليهود، فلو عرفوا منه الذى أعرف ليمسنه منهم شر. وقعت كلمات الراهب من «أبى طالب» موقعًا جميلا، فشكر الراهب على هذه النصيحة الغالية التى لا تصدر إلا عن رجلٍ صالح، وعاد بابن أخيه إلى «مكة». رحلته الثانية إلى الشام فى تجارة خديجة: ذهب «محمد» هذه المرة إلى «الشام» فى مهمة تجارية، لا للتنزه أو الزيارة كما كان فى الأولى، ذلك أن «أبا طالب» رأى ابن أخيه قد بلغ مرحلة الشباب، ولابد له من أن يتزوَّج ويعول أسرة، ولكن من أين لمحمد بالمال؟ فقال لابن أخيه بعد أن أحسن له التدبير: «يا ابن أخى أنا رجل لا مال لى، وقد اشتدَّ الزمانُ علينا، وقد بلغنى أن خديجة بنت خويلد استأجرت فلانًا ببكرين (أى جملين صغيرين) ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها؟» قال «محمد»: «ما أحببتَ ياعمى». ويكشف هذا الحوار القصير الظروف المالية الصعبة التى كان يمر بها «أبو طالب»، لكن ذلك لم يجعله يضيق بابن أخيه، وإنما خاطبه فى رفق وشاوره قبل أن يفاتحه فى أمر عمله مع «خديجة»، وفى الوقت نفسه نلمس أن «محمدًا» - صلى الله عليه وسلم - كان يشعر بما

يعانيه عمه، فلم يملك إلا أن يقول له: «ما أحببتَ يا عمى». توجه «أبو طالب» إلى «خديجة» وقال لها: «هل لك يا «خديجة» أن تستأجرى «محمدًا»؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلانًا ببكرين، ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة». فأجابت «خديجة» بلهجة تحمل الوداد والاحترام للشيخ الوقور: «لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا، فكيف وقد سألتَه لقريب حبيب» (1). خرج «محمد» فى تجارة «خديجة» يصحبه غلامها «ميسرة» وكان صاحب خبرة فى التجارة ومعرفة بأصولها، أثيرًا لديها، تأتمنه على مالها وتجارتها، وكانت هذه الرحلة ناجحة وموفقة كل التوفيق، وربحت أكثر من أية مرة سابقة. وفى طريق العودة اقترح «ميسرة» على «محمد» أن يسبقه إلى «مكة»؛ ليكون أول من يبشر «خديجة» بعودتهما سالمين وبنجاح تجارتها، وعندما بلغ «خديجة» الأمر سُرَّت أيما سرور، وأعجبت بما قصَّه «ميسرة» على سمعها من شأن «محمد»، من أمانة، ورقة شمائل، وسمو خلق، وازدادت إعجابًا لما سمعت «محمدًا»، وما لبث هذا الإعجاب أن تحول إلى تقدير ورغبة فى الزواج. مشاركة محمد فى الحياة العامة: شارك «محمد» - صلى الله عليه وسلم - قومه فى حياتهم العامة قبل البعثة، فاشترك فى «حرب الفِجَار»، وهو فى نحو الخامسة عشرة من عمره، وهى حرب وقعت أحداثها فى الأشهر الحرم، ولذا سميت بحرب الفجار، وسببها أن «النعمان بن المنذر» أمير «الحيرة» اعتاد أن يرسل كل موسم قافلة تجارية إلى سوق «عكاظ» بالقرب من «مكة» المكرمة، وكان يستأجرُ لها حراسًا من القبائل القريبة من «مكة»، فعرض رجلان أنفسهما لهذه المهمة، أحدهما من «هوازن» يسمى «عُروة»، والآخر من «كنانة» يسمى «البَرَّاض»، فاختار «النعمان» «عروة»، فقتله «البراض»، فوقع القتال بين قبيلتيهما لهذا السبب، واستمر أربع سنوات وانتهى بالصلح بين المتحاربين، وقد وصف النبى - صلى الله عليه وسلم - مشاركته فى هذه الحرب بقوله: «كنت أنبل على أعمامى» أى يرد إليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.

حلف الفضول: وكما شارك «محمد» قومه فى الحرب فقد شاركهم فى السلم؛ حيث شهد «حلف الفضول»، الذى تكوَّن عقب حرب الفجار، وكان أول من دعا إليه عمه «الزبير بن عبد المطلب»؛ لنصرة المظلوم أيا كان، من أهل «مكة» أو من غيرهم، واجتمعت بعض بطون «قريش»: «بنو هاشم» و «بنو زهرة»، و «بنو أسد»، و «بنو تيم» فى دار «عبد الله بن جدعان»، وتعاهدوا ليكونن مع المظلوم حتى يُردَّ إليه حقه. ويصف النبى مشاركته فى هذا الحلف بقوله: «لقد شهدت مع عمومتى حلفًا فى دار «عبد الله بن جدعان» ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو أدعى به فى الإسلام لأجبت». بناء الكعبة: نزل سيل على «الكعبة» قبل بعثة النبى بحوالى خمسة أعوام، هدَّم جدرانها، فعزمت «قريش» على إعادة بنائها، وقسَّمت العمل بين بطونها، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعمل بنفسه معهم، ويحمل الحجارة، حتى إذا ارتفع البناء نحو قامة الرجل اختلفوا فيمن يضع «الحجر الأسود» فىمكانه؛ كل قبيلة تريد أن تحوز هذا الشرف دون غيرها، واشتد الخلاف بينهم حتى تداعوا إلى الحرب، ففزع «أبو أمية بن المغيرة» وخشى عاقبة ذلك، فأشار عليهم بأن يحتكموا إلى أول رجل يدخل عليهم، فوافقوا على ذلك. كان النبى - صلى الله عليه وسلم - أول داخل عليهم، فاستبشروا خيرًا، وقالوا: هذا الأمين رضينا به حكمًا، فطلب منهم أن يبسطوا ثوبًا، ثم وضع الحجر فيه، وطلب من زعماء القبائل أن يمسك كل منهم بطرف، ليتمكَّنوا من رفع الحجر إلى موضعه، ثم أخذه النبى - صلى الله عليه وسلم - بيده الشريفة، ووضعه فى مكانه. زواج محمد من خديجة: كانت «خديجة بنت خويلد الأسدية» امرأة شريفة، ذات حسب وجمال ومال تزوجت مرتين من قبل، وعزمت بعد موت زوجها الثانى ألاتتزوج مرة أخرى، وأن تتفرغ لإدارة ثروتها، وتنمية تجارتها. ولكنها حين اتصلت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وعمل فى تجارتها، ورأت فيه من خصال الخير أعجبت به ورغبت فى الزواج منه، وأسرَّت بذلك إلى إحدى

صديقاتها المقرَّبات، فذهبت إلى «محمد» وسألته ما يمنعك أن تتزوج؟ قال ما بيدى ما أتزوج به. قالت فإن كُفِيتَ ذلك ودُعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة، ألا تجيب؟ قال فمن هى؟ قالت خديجة، فقال كيف لى بذلك؟ قالت علىَّ ذلك، فوافق علىالفور، وعادت «نفيسة» إلى «خديجة»، تزفُّ إليها تلك البشرى فسُرَّت سرورًا عظيمًا. وذهب «محمد» مع أعمامه إلى بيت «خديجة» لإعلان الخطبة، وألقى «أبو طالب» خطبة قصيرة أثنى فيها على ابن أخيه، وأنه لا يعدله شاب فى «قريش»، فى خلقه وصدقه وأمانته، وإن كان قليل المال، فالمال عرض زائل، ثم وجَّه كلامه إلى أهل «خديجة» فقال: «إن محمدًا له فى «خديجة» رغبة، ولها فيه مثل ذلك»، فوافقوا على الخطبة، وأقاموا وليمة بهذه المناسبة السعيدة، وقدَّم «محمد» لخديجة صداقًا قدره عشرون بكرة، ثم تم الزواج، وانتقل «محمد» إلى بيت «خديجة» حيث عاش معها. وهكذا شاءت الأقدار لهذه السيدة الكريمة أن تقترن بسيد الخلق أجمعين، وأن تصبح أول أُم للمؤمنين، وأن تكون خير عون له، فكانت أول من آمن به وكانت تواسيه بمالها، كما كانت حياته معها التى دامت نحو خمسة وعشرين عامًا تملؤها السعادة، ورزقه الله منها بستة أولاد؛ اثنين من الذكور هما: «القاسم» و «عبد الله»، وقد ماتا قبل البعثة، وأربع بنات، هن: «زينب» وقد تزوجها ابن خالتها «أبو العاص بن الربيع»، و «رقية» و «أم كلثوم» وقد تزوجهما «عثمان بن عفان»، واحدة بعد الأخرى، و «فاطمة» وتزوجت بعلى بن أبى طالب. من الزواج إلى البعثة: كان عمر النبى - صلى الله عليه وسلم - حين تزوج السيدة «خديجة» خمسًا وعشرين سنة، وكان عمره حين بعثه الله بالرسالة على رأس الأربعين، فماذا كان يعمل فى المدة التى بين الزواج والبعثة؟ إن مصادر السيرة النبوية لم تمدنا بمعلومات كثيرة عن هذه الفترة من حياته، سوى أنه كان دائم التأمل فى الكون الفسيح، والتفكير فى

القوة التى أبدعته وأحكمت صنعه، وأنه رفض ما عليه قومه من عبادة الأصنام، وما غرقوا فيه من الفساد والمجون، فلم يسجد لصنم، ولم يحضر مجلس لهو وعبث، بل كان يعتكف شهرًا من كل سنة فى غار «حراء»، يتعبد فيه، ويجد فيه فرصة مناسبة للتفكر والتأمل، بعيدًا عن صخب «مكة» وضجيجها. وكان شهره المفضل الذى يقضيه فى الغار هو شهر رمضان المبارك. ويبدو أنه فى تأمله هذا كان ينشد مخرجًا للعالم مما هو فيه من شرك ووثنية؛ لأن ما بقى من الشرائع القديمة لم يكن كافيًا ليريح نفسه المتشوقة إلى الحق المجرد والحقيقة المطلقة، وظل كذلك حتى أتاه «جبريل» - عليه السلام- بالوحى.

1 - 3:بعثة الرسول

الفصل الثالث *بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدء الوحى: ظل «محمد» - صلى الله عليه وسلم - يتردد على غار «حراء» حتى شارف الأربعين من عمره، وكان أول ما بدئ به من الوحى الرؤيا الصادقة، كما جاء فى حديث «عائشة»، فكان لا يرى رؤيا فى نومه إلا جاءت كفلق الصبح، وزادته رؤاه الصادقة أملا فى قرب الوصول إلى الحقيقة. وبينما هو فى غار «حراء» غارق فى تأمله وتدبره؛ إذ جاءه «جبريل» - عليه السلام - فى ليلة من ليالى رمضان، فقال: «اقرأ»، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذنى فغطنى، حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: «اقرأ»، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة، ثم أرسلنى فقال (اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم) (سورة العلق: 1 - 3) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده، فدخل على «خديجة بنت خويلد» -رضى الله عنها - فقال: «زملونى زملونى» فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيت على نفسى»، فقالت «خديجة»: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصلُ الرحم، وتحمل الكل، وتَكسِبُ المعدوم، وتَقرِى الضيف، وتعين على نوائب الحق». [صحيح البخارى، كتاب بدء الوحى]. طمأنت «خديجة» «محمدًا» بتلك الكلمات الصادقة والعبارات المواسية، وذهبت به إلى ابن عمها «ورقة بن نوفل» أحد الحنفاء العرب، وكان قد اعتنق النصرانية، فقالت له: «يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له «ورقة»: يا ابن أخى ماذا رأيت، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال له «ورقة»: هذا الناموس (جبريل أمين الوحى) الذى نزله الله على «موسى»، ياليتنى فيها جَذَعًا، ليتنى أكون حيا، إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أو مخرجى هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئتَ به إلا عُودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يلبث

«ورقة» أن تُوفِّى وفتر الوحى». توقف الوحى بعد ذلك فترة من الزمن حتى شق على «محمد» فأحزنه ذلك، فجاءه «جبريل» بسورة «الضحى»، يقسم له ربه - وهو الذى أكرمه بما أكرمه به - ما ودعه وما قلاه. المسلمون الأوائل: أخذ النبى - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام سرا، فكانت «خديجة بنت خويلد» - رضى الله عنها - أول الناس إسلامًا وإيمانًا بالله ورسوله، ثم تلاها «على بن أبى طالب» -رضى الله عنه - وكان فى نحو العاشرة من عمره، ثم «زيد بن حارثة» مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أسلم «أبو بكر بن أبى قحافة»، وكان رجلا مألفًا لقومه، محببًا سهلا، فأسلم على يديه طائفة من كبار الصحابة، أمثال: «عثمان بن عفان»، و «الزبير بن العوام»، و «عبد الرحمن بن عوف»، و «سعد بن أبى وقاص»، و «طلحة بن عبيد الله». ثم أسلمت بعد هؤلاء طائفة أخرى، عد منهم «ابن إسحاق» نحو خمسة عشر فردًا ما بين رجل وامرأة، هم: «أبو عبيدة بن الجراح»، و «أبو سلمة ابن عبد الأسد» و «عثمان بن مظعون»، وأخواه «قدامة» و «عبد الله»، و «عُبيدة بن الحارث ابن المطلب» و «سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل»، وامرأته «فاطمة بنت الخطاب»، و «أسماء» و «عائشة» بنتا «أبى بكر»، و «خباب بن الأرت»، و «عمير بن أبى وقاص»، و «عبد الله بن مسعود»، و «مسعود ابن القارى» - رضى الله عنهم - وكان ذلك فى مرحلة الدعوة السرية. الدعوة السرية: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلم تمام العلم عناد «قريش» وكبرياءها وإصرارها على التمسك بالقديم، واعتزازها بآبائها وأجدادها وعبادتها للأصنام؛ لذا فلن تُسلِّم بسهولة، أو تذعن لدعوته، بل ستقاومه حتى آخر سهم فى جعبتها، لأنها اعتقدت أن الإسلام يهدد مصالحها ويقضى على سيطرتها على «مكة» وما حولها، ولو علمت أن الإسلام سيجعلها سيدة العالم ما قاومته لحظة واحدة ولرحَّبت بدعوته. أدرك النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقرَّر أن تكون دعوته لدينه

سرا فى بادئ الأمر، وبدأ فى دعوة أصدقائه وأقرب الناس إليه، ومن يأنس فيهم خيرًا واستعدادًا لقبول الحق والهُدى، فآمن به - إلى جانب من ذكرنا - عدد من رجالات «قريش» ونسائها، وطائفة من العبيد والفقراء والضعفاء الذين رأوا فى الدين الجديد الخلاص مما هم فيه من شقاء وبؤس، مثل: «بلال بن رباح»، و «صهيب الرومى»، و «آل ياسر»، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بمن أسلم سرا فى دار «الأرقم بن أبى الأرقم» يتلو عليهم آيات القرآن الكريم، ويعلمهم شرائع الإسلام، واستمرت هذه الدعوة السرية نحو ثلاث سنوات، ازداد فيها عدد المسلمين زيادة يسيرة. ويبدو أن خبر الدعوة لم يعد سرا بصورة مطلقة بالنسبة إلى «قريش»، فقد تسرَّب إليها، لكنها لم تعبأ بهذا فى البداية، ولعلها كانت واثقة بقوتها وقدرتها على مقاومة هذه الدعوة من ناحية، وواثقة بأن حملها على ترك دين آبائها وأجدادها أمر صعب من ناحية أخرى. الجهر بالدعوة وموقف قريش: أمر الله تعالى نبيه «محمدًا» - صلى الله عليه وسلم - أن يجهر بالدعوة بعد مضى ثلاث سنوات من الدعوة سرا، فقال {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} [الحجر: 94]. وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إنى برىء مما تعملون}. [الشعراء: 214 - 216]. وامتثالا لهذا الأمر الإلهى بدأ النبى بدعوة الأقربين من أهله وعشيرته إلى الإسلام، وصنع لهم طعامًا فى بيته، وبعد أن تناولوه، حدَّثهم قائلا: «ما أعلم إنسانًا فى العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فقد جئتكم بخيرى الدنيا والآخرة، وقد أمرنى ربى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرنى على هذا الأمر؟» فأعرضوا عنه جميعًا، وهمُّوا بتركه عدا «على بن أبى طالب»، وانصرفوا دون أن يستجيبوا لدعوة النبى، غير أنهم لم يبادئوه بأذى فى أول الأمر، غير أن عداوتهم له بدأت حين شرع فى تسفيه آلهتهم. الجهاد فى العهد المكى:

قد يفهم بعض الناس أن المقصود بالجهاد الحرب فقط، لكنه يعنى كثيرًا من أنواع الجهاد، فالصبر على الأذى والمكاره لا يقل أهمية عن الجهاد بالسلاح، وقد تحمَّل النبى - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه صنوفًا من الأذى صبَّها عليهم المشركون فى الفترة المكية، فكانوا يسبونه ويتعرضون له، ويرجمونه بالحجارة، ويلقون عليه القاذورات، وأشهر من صنع ذلك معه: «عقبة بن أبى معيط»، و «أبو جهل» الذى حاول قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - عند «الكعبة». وكان موقفهم هذا من النبى - صلى الله عليه وسلم - عنادًا له وحسدًا من عند أنفسهم، لأنهم كانوا يعرفون أن دينه حق، وأن الذى يأتيه وحى من السماء، ولكن حال الحسد بينهم وبين اتباعه وتصديقه. وصبَّ المشركون جام غضبهم على المستضعفين من المسلمين، وأذاقوهم ألوانًا من العذاب، مثل: «بلال بن رباح» الذى لم ينقذه من العذاب إلا «أبو بكر الصديق» الذى اشتراه من سيده «أمية بن خلف» وأعتقه، و «آل ياسر» وكانوا يُعذَّبون إذا حميت الظهيرة برمضاء «مكة»، وكان الرسول يمر بهم ولا يملك أن يمنع عنهم العذاب، فيقول لهم: «صبرًا آل ياسر فموعدكم الجنة»، فصبروا واحتملوا ولم يتخلوا عن دينهم، حتى إن «أم عمار» طعنها «أبو جهل» بحربة فقتلها وهى على إسلامها. الهجرة إلى الحبشة: اشتد الأذى والتعذيب بأصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - دون أن يقدر على الدفاع عنهم، وكان هو فى منعة من أهله إلى حد ما، يقف بجانبه «أبو طالب» يدفع عنه الأذى، ففكَّر لهم فى مخرج مما يلاقونه من التعذيب، فقال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهى أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه» فخرج بعض المسلمين إلى أرض «الحبشة» مخافة الفتنة، وفرُّوا إلى الله بدينهم، وكانت هجرتهم أول هجرة فى الإسلام، وبلغ عددهم عشرة رجال وأربع نسوة، منهم: «عثمان بن عفان» وزوجته «رُقية» بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ثم خرجت مجموعة أخرى من المسلمين إلى «الحبشة»، كان عددها أكبر من الأولى؛ إذ بلغوا نحوًا من ثمانين رجلا وامرأة، وظلوا مدة طويلة فى «الحبشة»، بعد أن وجدوا الأمن والحماية من ملكها، وعادت آخر مجموعة من هناك مع «جعفر» فى أول السنة السابعة من الهجرة. إسلام عمر بن الخطاب: بعد هجرة المسلمين الأولى إلى «الحبشة» أسلم «عمر بن الخطاب»، وكان إسلامه حدثًا كبيرًا فى «مكة»، ونصرًا عظيمًا للإسلام؛ إذ كان من الشخصيات القوية فى «مكة»، ومن أشد أعداء المسلمين، حتى إنه أسلم فى الوقت الذى عزم فيه على الذهاب لقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأراد الله به الخير، واستجاب الله لدعوة النبى الذى كان دائمًا يردد: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين»، «عمر بن الخطاب»، و «عمرو بن هشام» (أبى جهل)! وبإسلام «عمر» قَوِى موقف المسلمين كما اشتد من قبل بإسلام «حمزة بن عبد المطلب» عمِّ النبى - صلى الله عليه وسلم -،وأهاب بالمسلمين أن يصلوا عند «الكعبة» تحت حمايته، فغلبت «قريش» على أمرها، لمعرفتها بقوة شكيمة «عمر» ومضاء عزيمته، فلم تتعرَّض لهم، وبدأت تلجأ إلى أسلوب آخر فى مواجهة الدعوة، وهو أسلوب المقاطعة. أسلوب المقاطعة: استعملت «قريش» مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أساليب العنف والتعذيب والاضطهاد، فلم تنجح فى ردهم عن دعوتهم، فلجأت إلى أسلوب الترغيب والمساومة، فعرضت على النبى - صلى الله عليه وسلم - الملك والسيادة والمال، فرفض عرضهم، لأنه لم يكن طالب ملك أو جاه، بل رسولا جاء من الله برسالة سماوية، تحمل الخير والعدل، ولابد من تبليغها، ثم وسَّطوا «أباطالب» ليكف «محمدًا» عن تسفيه آلهتهم فى مقابل ما يريد من ملك أو جاه، فكلمه قائلا: «إن القوم يطلبون منك أن تكف عن سب آلهتهم، فأبق علىَّ وعلى نفسك» فأجابه النبى بكلمات قليلة، لكنها قاطعة وحاسمة: «والله يا عم لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر

ما تركته حتى يظهره الله أو أهلِكَ دونه» سمع «أبو طالب» هذا الرد الحاسم، وأدرك إصرار النبى - صلى الله عليه وسلم - على السير فى طريق الدعوة مهما تكن الصعاب والمشاق، فقال له فى رقةٍ بالغةٍ: «يا ابن أخى امضِ فيما أنت فيه، فوالله لن أسلمك لشىء تكرهه أبدًا». ولما لم تنجح كل هذه الوسائل فى ثنى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن تبليغ دعوته، ورد أصحابه عن دينهم الجديد، لجأت قريش إلى أسلوب المقاطعة، ولم يكن هذا مألوفًا فى بلاد العرب، ولعله لم يكن مألوفًا كذلك فى أى مكان فى العالم آنذاك، ففرضت حصارًا على «بنى هاشم» و «بنى المطلب» جميعًا، ممن يقفون مع النبى - صلى الله عليه وسلم - ويذودون عنه، سواء من أسلم منهم أو لم يسلم، وقررت ألا تبيع لهم أو تشترى منهم، وألا تزوجهم أو تتزوج منهم، وألا تتزاور معهم، عقابًا لهم على مساندتهم للنبى - صلى الله عليه وسلم -،وكتبوا بتلك المقاطعة وثيقة فى صحيفة، علقوها فى «الكعبة»، ليكون لها احترام والتزام. واستمر هذا الحصار القاسى المجرد من الإنسانية نحو ثلاث سنوات، عانى منه «بنو هاشم» و «بنو المطلب» أشدَّ المعاناة، وهم صابرون صامدون، لم يتخلَّ أحدٌ منهم عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، حتى تحركت النخوة والشهامة فى نفوس بعض رجالات «قريش»، كزهير بن أبى أمية المخزومى، و «المطعم بن عدى»، و «أبى البُخترى بن هشام»، لما رأوا ما يعانيه «بنوهاشم» و «بنو المطلب» من هذه المقاطعة الظالمة، فسعوا فى نقضها وإنهائها، وأقسموا على تمزيق الصحيفة، وكان لهم ما أرادوا، فخرج النبى وأصحابه من شعبهم الذى كانوا محاصرين فيه؛ ليستأنف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوته إلى دين الله. عام الحزن: استأنف النبى - صلى الله عليه وسلم - دعوته بعد انتهاء المقاطعة، واستبشر المسلمون خيرًا بعهد جديد يمارسون فيه حياتهم الطبيعية، لكن وقع للنبى حدثان جليلان فى عام واحد وهو العام العاشر من

البعثة، فقد مات كل من عمه «أبى طالب»، وزوجته «خديجة»، وكانا نعم العون له والمساندة فى تبليغ رسالته، وعلى الرغم من ذلك فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يضعف ولم تهن له عزيمة؛ ومضى واثقًا بنصر الله يبلغ رسالة الله إلى العالمين. رحلته إلى الطائف: أراد النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج بالدعوة من نطاق «مكة»، لعله يجد نصيرًا أو معينًا بعد المضايقات الشديدة التى لقيها من «قريش» وبخاصة بعد موت «خديجة» و «أبى طالب»، فقرر الذهاب إلى «الطائف»؛ لعرض دعوته على «ثقيف» رجاء إيمانها به وبرسالته، لكنهم رفضوا ما عرضه عليهم، ولم يكتفوا بذلك بل سبُّوه وأهانوه، وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم؛ ليضربوه بالحجارة، فتأثر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلغ إحساسه بالألم مداه، فجأر بالشكوى إلى الله قائلا: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، ياأرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». وبعد أن قال الرسول هذا الكلام المؤثر جاءه «جبريل» ومعه ملك الجبال عليهما السلام، فقال له ملك الجبال: «إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين» (2)، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا، ودعا لهم قائلا: «اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون». الإسراء والمعراج: فى هذا الجو الذى بدا قاتمًا وحزينًا بعد موت «أبى طالب» و «خديجة بنت خويلد»، وما لقيه النبى من أهل «الطائف» والقبائل من عنت وإيذاء، أراد الله تعالى أن يسرِّى عنه - صلى الله عليه وسلم - وأن

يعلمه ويطمئنه، فأسرى به إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماء. وموجز هذه الحادثة كما ترويها كتب الحديث والسيرة: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان فى بيت «أم هانئ بنت أبى طالب» فجاءه «جبريل» ومعه «البراق» (وهى دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار) وأخذه إلى «بيت المقدس» فى «فلسطين»، حيث وجد فى استقباله جمعًا من الأنبياء، فيهم «إبراهيم» و «موسى» و «عيسى» - عليهم السلام - جميعًا، فصلى بهم إمامًا ركعتين، ثم عرج إلى السماوات العلى، حيث التقى بعدد من الأنبياء، وتحدث إليهم وحيوه وهنئوه، ثم ارتقى فوق السماوات العلى لمناجاة ربه، وتلك مكانة لم يبلغها نبى ولا رسول ولا ملك من الملائكة المقربين، وفى هذا اللقاء فرضت الصلوات الخمس، وقد أراه الله من آياته الكبرى، فرأى الجنة وما أعده الله من نعيم للمتقين، ورأى النار وما أعده الله من عذاب للكافرين. ثم عاد إلى «مكة» فى الليلة نفسها، مزودًا بهذه الطاقة الروحية الهائلة. أبو لهب يحذر القبائل من دعوة النبى: على الرغم مما تعرض له النبى - صلى الله عليه وسلم - من إساءات أهل «الطائف»، فإنه لم ييأس من دعوة الناس إلى الإسلام، فكان يتصدى لوفود القبائل التى تأتى إلى «مكة» فى موسم الحج، يعرض عليهم رسالة الإسلام، ومن الوفود التى التقى بها: وفد «كندة»، و «بنى حنيفة» و «بنى عامر بن صعصعة»، غير أنه لم يجد منهم مجيبًا، خاصة أن عمه «أبا لهب» كان يتتبع خطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا رآه جلس إلى وفد قبيلة من قبائل العرب؛ جاءهم قائلا لهم: لا تصدقوه إنه كذَّاب ولا تطيعوه ولا تسمعوا له. واستمر هذا الوضع حتى أذن الله بالفرج من ناحية «يثرب». الهجرة إلى المدينة: لقد سبقت الهجرة إلى «المدينة» عدة أحداث كانت بمثابة مقدمة لها، ومن بينها: بيعة العقبة الأولى: بدأت بشائر النصر تأتى ريحها من «يثرب»، فقد التقى النبى - صلى

الله عليه وسلم - أثناء عرض دعوته على القبائل بوفد من أهل «يثرب» فى موسم الحج، وعرض عليهم الإسلام، فلم يرفضوا ولم يسلموا، عدا واحدًا منهم هو «إياس بن معاذ» فقد أسلم، لكنهم حين عادوا إلى قومهم تحدثوا بما سمعوا من النبى، فنبهوهم إلى أنه من المعقول أن يكون «محمد» هو النبى الذى كانت اليهود تحدثهم عنه دائمًا، وكان فى «يثرب» كثير من قبائل اليهود (بنو قينقاع وبنو النضير وبنوقريظة)، الذين علموا من كتبهم المقدسة أن هناك نبيًا قد قرب زمانه وهو آخر الأنبياء. وهذه المعلومات التى عرفها أهل «يثرب» من «الأوس» و «الخزرج» كانت مفيدة لهم وللإسلام، فقد ذهب وفد منهم فى الموسم التالى - العام الثانى عشر من البعثة - والتقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم على استعداد للاستجابة له والتجاوب معه، فحدَّثهم عن الإسلام فآمنوا وبايعوه عند العقبة فى «مِنى» «البيعة الأولى»، على أن يؤمنوا بالله وحده، ولا يشركوا به شيئًا، وألا يسرقوا، وألا يزنوا، وألا يعصوا الله فى معروف. وأرسل النبى معهم عند عودتهم إلى «يثرب» «مصعب بن عمير»، يعلمهم القرآن ويفقههم فى الدين. وكان هذا اللقاء بداية النصر وفاتحة الخير، فإذا كانت «مكة» قد تحجرت عقولها وصمت آذانها عن سماع صوت الحق، فإن «يثرب» تفتح له قلوبها وعقولها وآذانها. بيعة العقبة الثانية: نجح «مصعب بن عمير» فيما كُلِّف به نجاحًا عظيمًا، فازداد عدد المسلمين فى «يثرب» على يديه زيادة كبيرة، ولم يبق بيت فيها إلا ولذكر الإسلام والنبى فيه نصيب، وعاد «مصعب» فى الموسم التالى (العام الثالث عشر من البعثة)، ليزف إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - بشرى نجاحه، وإقبال أهل «يثرب» على الإسلام، وأن وفدًا كبيرًا منهم سوف يأتى إلى «مكة» لمقابلته، فقدم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان لهذا الغرض، وتم اللقاء سرا عند العقبة فى «منى»، وسط أيام التشريق (الثلاثة الأيام الأولى من عيد الأضحى)، وحضر اللقاء

«العباس بن عبد المطلب»، وكان لا يزال مشركًا، لكنه رغب فى حضور هذا الاجتماع؛ ليطمئن على ابن أخيه. وفى هذا اللقاء بايع الحاضرون النبى - صلى الله عليه وسلم - «بيعة العقبة الثانية» أو «بيعة القتال»، لأن أهم ما تضمنته التزام أهل «يثرب» بالدفاع عن النبى عندما يهاجر إليهم، ومنعه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم. وبعد أن تمت البيعة اتفِقَ على ترتيبات هجرة أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى «يثرب»، وما يلتزمه أهل «يثرب» تجاههم من توفير المأوى والمعاش. وقد أثبت أهل «يثرب» أنهم أهل كرم وشهامة وتضحية، فقدموا لإخوانهم المهاجرين كل ما يحتاجون إليه، بل وآثروهم على أنفسهم. المؤامرة الكبرى: بدأ أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - من أهل «مكة» يهاجرون إلى موطنهم الجديد، أفرادًا وجماعات متخفين عن أعين «قريش»، وبقى الرسول فى «مكة»، ووقعت «قريش» فى حيرة شديدة؛ لأنها لم تكن تعرف ما هو صانع؛ هل سيبقى فى «مكة»، أم سيلحق بأصحابه إلى «يثرب»؟ وفى هذا خطر شديد عليهم، لأنه سيجد فى «يثرب» المنعة والحماية والاستعداد للدفاع عنه، مما قد يجرُّهم إلى الدخول فى عداء سافر مع «يثرب». وأمام هذه التطورات المتلاحقة قررت «قريش» أن تحزم أمرها سريعًا قبل أن يهاجر النبى ويفلت من بين يديها، فعقدوا اجتماعًا فى دار الندوة لم يحضره أحد من «بنى هاشم» سوى «أبى لهب» عم النبى، وبحثوا فيه الأمر، وعُرضَت ثلاثة اقتراحات لمواجهة الموقف، الأول: أن يضعوا «محمدًا» فى السجن، والثانى: أن ينفوه من «مكة»، والثالث: أن يقتلوه، وحاز الاقتراح الثالث الموافقة على تنفيذه، وهذه هى المؤامرة التى عبَّر عنها القرآن الكريم، فى قوله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. [الأنفال: 30]. وبعد أن اتفقوا على قتله، ناقشوا كيفية تنفيذ ذلك، فرأوا أن

تشترك جميع القبائل فى قتله، بأن تختار كل منها فتى شابا قويا من بين أبنائها، وتعطيه سيفًا بتارًا، وأن يرابط هؤلاء جميعًا أمام بيت النبى - صلى الله عليه وسلم - ليلا، حتى إذا خرج عليهم فى الصباح ضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرَّق دمه فى القبائل، ولا يقوى «بنو هاشم» على محاربة أهل مكة جميعًا. علىٌّ فى فراش النبى - صلى الله عليه وسلم -: علم رسول الله بما بيتته له «قريش»، فأعد العدة للهجرة، وأسر بذلك إلى صاحبه «أبى بكر الصديق» الذى كان ينتظر هذا بلهفة وشوق، فأعد لذلك الأمر عدته من قبل، للقيام بأعظم رحلة فى تاريخ البشرية. دعا النبى - صلى الله عليه وسلم - «على بن أبى طالب»، لينام فى فراشه فى تلك الليلة، ليضلل «قريشًا» من جهة، ومن جهة أخرى لكى يتخلف فى «مكة»، ليؤدى للناس ودائعهم التى كانت عند الرسول، وخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - فى عماية الصبح، والمتآمرون واقفون على بابه، ينتظرون لحظة خروجه، للانقضاض عليه، لكن الله أعمى أبصارهم، وأخذ النبى - صلى الله عليه وسلم - حفنة من الحصى وقذفها فى وجوههم، وقال: شاهت الوجوه»، ثم تلا قوله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. [يس: 9]. قصد النبى - صلى الله عليه وسلم - بيت «أبى بكر» الذى كان فى انتظاره ومعه الرواحل، والزاد، وكل ما يلزم الرحلة المباركة، وكان دليلهم فى رحلتهم «عبد الله بن أريقط». النبى فى غار ثور: انطلقت الرحلة المباركة قاصدة غار «ثور» فى جنوب «مكة»، مع أن وجهتهم كانت «يثرب» فى الشمال؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - يعرف أن «قريشًا» عندما تكتشف أنه نجا من كيدهم ستتجه فى بحثها عنه إلى الشمال، عندئذٍ يكون هو قد وصل إلى الغار واختبأ فيه. والحق أن خطة الهجرة كانت دقيقة وسرية إلى أقصى حد، ووضِعَ لها كل مافى وسع البشر أن يفعلوه لضمان نجاحها، فإذا لم يفلح هذا كله، فستأتى عناية الله فى اللحظة المناسبة لإنقاذ الموقف،

فالذين علموا بأمر الهجرة كان عددهم محدودًا وكانوا موضع ثقة، منهم: «عامر بن فهيرة» مولى «أبى بكر» وراعى غنمه، و «عبد الله بن أبى بكر»، وأخته «أسماء»، وكل واحد من هؤلاء له عمل محدد وفى غاية الأهمية والخطورة، فعبد الله بن أبى بكر كانت مهمته أن يتسمع أخبار «قريش» بالنهار فى أنديتها، ثم يبلغها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء الليل، وكانت مهمة «أسماء» إعداد الطعام، ولما لم تجد مرة حبلا تربط به حقيبة الزاد، شقت نطاقها الذى كانت تشد به وسطها، وربطت بأحد الشقين الحقيبة فلقبت بذات النطاقين. أما «عامر بن فُهيرة» فكانت مهمته أن يرعى الأغنام بالقرب من الغار، فإذا ما حلَّ الظلام ذهب إلى الغار؛ ليزود النبى - صلى الله عليه وسلم - و «أبابكر» باللبن، ويسير بأغنامه على آثار أقدام «عبد الله بن أبى بكر» حتى يمحوها، فلا يفطن أحد إلى مكانهم. جن جنون «قريش» حين علمت أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أفلت من قبضتها، وأن النائم فى الفراش لم يكن سوى «على بن أبى طالب»، فأخذت تبحث عن «محمد» فى كل مكان، وبعد أن أعياهم البحث فى طريق «يثرب»؛ عادوا إلى الجنوب، ووصلت طلائع بحثهم إلى باب الغار، ففزع «أبوبكر»، حتى إنه بكى من شدة خوفه على حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فسأله: «ما يبكيك يا أبا بكر؟» فقال: يارسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - مطمئنًا: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما!». وقد سجل القرآن الكريم هذا المشهد، فقال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم}. [التوبة: 40]. استئناف الرحلة: ظل النبى - صلى الله عليه وسلم -، وصاحبه فى الغار ثلاثة أيام، حتى

هدأت «قريش»، وتعبت من البحث دون جدوى، بعد أن كانت قد رصدت جائزة كبرى قدرها مائة من الإبل لمن يأتيها بمحمد حيا أو ميتًا، لكن الله - سبحانه- عصمه من ذلك أيضًا، ثم استأنف الرسول رحلته المباركة فى غرة ربيع الأول، وأخذ دليلهما طريقًا غير طريق القوافل المعروف، لئلا يستدل عليهم أحد. وكانت الرحلة شاقة واكتنفها كثير من المخاطر، من ذلك أن «سُراقة بن مالك الجشمى» علم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - و «أبا بكر» سلكا ذلك الطريق، فأراد اللحاق بهما، والقبض عليهما ليفوز بالجائزة، فلما اقترب منهما غاصت أقدام حصانه فى الرمال، وعجز عن النهوض، فدهش «سراقة»، فلم يعهد من حصانه هذا من قبل، وحاول أكثر من مرة اللحاق بهما، ولكن تكرر فشله، والنبى - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه فى إشفاق، و «سراقة» يظن أن النبى منتقم منه لامحالة، فتوسل إليه أن يعفو عنه، وعاهده على ألا يدل عليه أحدًا، فعفا عنه النبى - صلى الله عليه وسلم -. وكان أهل «يثرب» منذ أن علموا بقرب مقدم النبى - صلى الله عليه وسلم - إليهم ينتظرونه بحب وشوق ولهفة إلى رؤيته، وكانوا كل يوم يخرجون إلى مشارف المدينة، يلتمسون وصوله، فما إن وقعت عليه عيونهم حتى كادوا يطيرون من الفرح، وهتفوا مرحبين منشدين: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحبًا ياخير داع. وكان وصوله - صلى الله عليه وسلم - إلى «يثرب»، التى أصبحت عندئذٍ تسمى «مدينة الرسول»، أو «المدينة المنورة» يوم الجمعة الموافق الثانى عشر من شهر ربيع الأول؛ لأنه قضى أربعة أيام فى «قُبَاء» (3) قبل دخوله «يثرب»، فقد وصلها يوم الاثنين الثامن من شهر ربيع الأول، وبقى فيها إلى يوم الجمعة، حيث صلَّى الجمعة فى «المدينة»، وصلى خلفه المهاجرون والأنصار فى مشهد عظيم. وحادث الهجرة هو أعظم حدث فى التاريخ الإسلامى، لذلك اتخذه

الخليفة «عمر بن الخطاب» -رضى الله عنه - مبدأ للتاريخ الإسلامى؛ لأن الهجرة هى التى فتحت أمام الإسلام ذلك العالم الرحيب، ومكنت النبى - صلى الله عليه وسلم - من بناء دولته وتكوين جيشه الذى سيدافع عن دعوته، وأتاحت له أن يعلم أصحابه أصول دينهم وعلوم السياسة والحرب والسلام، والإدارة والقيادة، وهيَّأهم ليقودوا الدنيا كلها إلى الخير والعدل والحق، وينشروا فيها الحرية والعزة والكرامة لكل الناس.

1 - 4:المسلمون فى المدينة

الفصل الرابع *المسلمون فى المدينة بناء الدولة الإسلامية: أصبحت «المدينة» منذ أن وصل النبى - صلى الله عليه وسلم - إليها منزل الوحى، ومعقل الإسلام، ومركز إشعاعه الذى أضاء العالم، وشرع النبى فور وصوله فى بناء مسجده الذى شارك فى بنائه بنفسه مع أصحابه، وكان بناؤه متواضعًا؛ حيث بُنى من الطين أو الطوب اللبن، وكان سقفه من جريد النخل، وأعمدته من جذوعه، وفرشه الحصى، كما كان مربع الشكل، طول ضلعه نحو مائة ذراع. وهذا المسجد المتواضع البناء كان ذا شأن عظيم فى تاريخ الإسلام، فلم تقتصر وظيفته على أداء الصلوات فيه، بل كان مدرسة تخرَّج فيها الرعيل الأول من المسلمين، حملة لواء الإسلام ودعاته، مكانًا تُعقد فيه الجلسات لمناقشة الأمور العامة التى تتصل بحياة المسلمين ودينهم ودولتهم. وفيه استقبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفود القبائل وسفراء الملوك والأمراء. الإخاء بين المهاجرين والأنصار: وهو الأساس الثانى الذى أقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه دولته، ذلك أن «المدينة» فتحت صدرها الرحيب للمهاجرين، واستقبلهم الأنصار بحفاوة لا نظير لها فى التاريخ، فما نزل مهاجر على أنصارى إلا بقرعة، لتنافس الأنصار وتزاحمهم على استضافة المهاجرين، فآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين الفريقين إخاءً ربط بين قلوبهم جميعًا، فأصبحت عروة الإيمان فوق كل أسباب الصلات البشرية، وأصبح النسب الإسلامى مقدمًا على سائر الأنساب. معاهدة المدينة: كانت الوثيقة الخالدة التى كتبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود الأساس الثالث لدولة الرسول فى «المدينة»، فبعد أن اطمأن على قوة جبهة المسلمين وسلامتهم، التفت إلى «المدينة»، فوضع لها نظامًا عامًا ثابتًا يحدد العلاقات والحقوق والواجبات بين سكانها جميعًا؛ مسلمين وغير مسلمين، فاليهود يقيمون فى «المدينة» منذ زمن طويل، وكانوا من قبل يقتسمون الزعامة مع الأوس والخزرج،

وهؤلاء آمنوا بالله ورسوله، على حين بقى اليهود على دينهم ولم يؤمنوا، ولم يجبرهم الرسول على اعتناق الإسلام؛ إذ لا إكراه فى الدين، ومن ثم كان لابد من تحديد وضعهم فى الدولة الجديدة بنصوص صريحة، يُرجع إليها عند الضرورة. ونص المعاهدة، كما رواها «ابن إسحاق»: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبى - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين، من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس» وهذا إعلان صريح للأساس العقدى للدولة الجديدة، وباب الانتساب إليها هوالإيمان بالله ورسوله، وعلى هذا الأساس تمارس الدولة سياستها وسلطتها العليا فى الداخل والخارج. وجاء فى المعاهدة؛ وهو فى غاية الأهمية: «وأنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين، ماداموا محاربين، وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، .. وأن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عوف، .. ». وأخذت الوثيقة تعدد سائر المجموعات اليهودية فى «المدينة»، ثم أضافت شيئًا مهمًا آخر، حيث نصت: «وأنه لا يخرج أحد منهم -من «المدينة» - إلا بإذن محمد». وهذا ليس تقييدًا لحريتهم، وإنما هو إجراء وقائى اقتضته ظروف الدولة الناشئة؛ خوفًا من عمليات التجسس، ونقل أخبار الدولة إلى أعدائها، وبخاصة أنها تعتبر فى حالة حرب مع «قريش»، التى أجبرت المسلمين على ترك أوطانهم وديارهم وأموالهم. وهذه المعاهدة كانت مهمة وأساسية فى إعلان ميلاد دولة المسلمين بقيادة النبى - صلى الله عليه وسلم -، باعتراف جميع أطرافها بهذه القيادة، كما يفهم من عبارة النص الآتى: «وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى «محمد» رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الله على أتقى ما فى هذه الصحيفة وأبره».

وعلى هذه الأسس الثلاثة السابقة قامت الدول الإسلامية فى «المدينة»، وكان فى قيامها فتح جديد فى الحياة السياسية؛ إذ قررت حرية الاعتقاد والرأى، وحرمة «المدينة»، وحرمة الحياة، وحرمة المال، وحددت أعداء الدولة فى صراحة ووضوح، فمنعت إجارة «قريش» ومن نصرها. حكومة الرسول: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - أول رئيس للدولة الإسلامية، كما نصت على ذلك المعاهدة، وقد قام النبى - صلى الله عليه وسلم - بهذه المهمة طوال حياته، فهو الذى يقضى فى الحقوق المدنية والجنائية كافة، وينفذ القضاء، ويقيم الحدود، ويجبى الأموال من مواضعها الشرعية، ويوزعها فى مصارفها الشرعية، ويعلن الحرب، ويعقد معاهدات الصلح، ويخاطب رؤساء الدول، ويستقبل سفراءهم، ويولى الولاة على الأماكن البعيدة عن «المدينة». وهو فى ذلك كله مؤيد من الله - تعالى - فإذا نزلت الحادثة بالأمة، ولم يكن نزل فى شأنها وحى من الله، اجتهد النبى رأيه وشاور أصحابه من أهل العلم والرأى، وكانوا تارة يجمعون على رأى فيعمل به، وتارة يختلفون فيعمل برأى بعضهم، ويترك رأى البعض الآخر، مجتهدًا فى ترجيح رأى على رأى. ولما كانت أعباء الدولة كثيرة، وفى الوقت نفسه يقوم بمهمة تبليغ الرسالة، وهى مهمة ثقيلة، فقد احتاج إلى معاونة أصحابه فى إدارة الدولة، ومنهم تشكَّلت حكومته واختص بعضهم بملازمته، مثل «أبى بكر الصديق»، و «عمر بن الخطاب»،فأطلق عليهم «وزراء الرسول»، وكان له «صاحب سر»، أشبه ما يكون بالسكرتير الخاص، إن صح هذا التعبير، هو «حذيفة بن اليمان»، و «صاحب شرطة» هو «قيس بن سعد بن عبادة». وكان له عدد من الحرَّاس، منهم: «سعدُ بن زيد الأنصارى»، و «الزبير بن العوام». وكان له عدد من الحجَّاب الذين يستأذنون للناس فى الدخول عليه، منهم: «أنس بن مالك». وكان له خاتم لختم الرسائل والمعاهدات، يحمله اثنان هما: «حنظلة بن الربيع بن صيفى»، و «الحارث بن عوف المرِّى».

واختص بعض الصحابة باستقبال الوفود التى تأتى لمقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيعلمونهم كيف يحيونه، وينزلونهم فى بيت الضيافة الذى كان من السعة بحيث اتسع لبنى قريظة، وكانوا زهاء ستمائة رجل أثناء انتظارهم للمحاكمة بعد خيانتهم فى غزوة «الأحزاب». وكان للرسول عدد من الكتاب تجاوز الأربعين كاتبًا، منهم «أبو بكر الصديق»، و «عمر بن الخطاب»، و «عثمان بن عفان»، «وعلى بن أبى طالب»، و «الزبير بن العوام» و «خالد» و «أبان» ابنا «سعيد بن العاص»، وغيرهم، واختص بعض هؤلاء بكتابة الوحى، وبعضهم الآخر بالكتابة فى الشئون العامة للدولة. وكان له عدد كبير من السفراء، يرسلهم فى مهام إلى الملوك والرؤساء وزعماء القبائل، وحرص الرسول على تعليم بعضهم اللغات الأجنبية، إذ كانت تأتيه مراسلات بتلك اللغات، ومن هؤلاء «زيد بن ثابت الأنصارى»، وكان يجيد الفارسية والعبرية، وبعضهم كان يعرف إلى جانب لغته العربية خمس لغات هى الفارسية والعبرية واليونانية والسريانية والحبشية. وامتلك النبى - صلى الله عليه وسلم - جهازًا إعلاميا قوامه الشعراء، مثل: «حسان بن ثابت»، و «عبدالله بن رواحة»، و «كعب بن مالك»، وكانوا يردون على شعراء المشركين حين كانوا يهاجمون النبى - صلى الله عليه وسلم - ويهجونه. وللنبى - صلى الله عليه وسلم - جهاز دقيق لجمع المعلومات عن الأعداء، وهو ما يقابل الآن جهاز المخابرات فى الدول الحديثة، وكان جهازًا فعالا، ومن رجاله: «بَسبَسة بن عمرو الجُهنى»، و «طلحةُ بن عُبيدِ الله»، و «سعيد بن زيد»، و «عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى». مشروعية القتال فى الإسلام: تقطع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتصرفاته العملية بأن السلام هو الأصل والقاعدة الأساسية فى علاقات المسلمين بغيرهم من الأمم، وأن الحرب هى الاستثناء، فالحرب فى الإسلام ليست غاية، وإنما هى وسيلة لتحقيق السلام،

فإذا مال أعداء المسلمين إلى السلم وعزفوا عن الحرب، فعلى المسلمين أن يستجيبوا لهم فورًا؛ لقوله تعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}. [النساء: من90]. وقال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكَّل على الله}. [الأنفال: من 61]. وتنحصر مسوغات الحرب فى الإسلام أو أسبابها المشروعة فى ثلاث حالات هى: - الدفاع عن النفس: وهو عمل مشروع، أقرته الشرائع السماوية كافة، وكفلته القوانين الوضعية، وحددته الآية السابق ذكرها: {وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين}. [البقرة:190]. - والدفاع عن حرية نشر العقيدة: لأن العقيدة ذاتها لا تحتاج إلى قوة لنشرها إذا خلت الطريق أمامها من العوائق، ولم يحاربها الطغاة، وتركوها تشق طريقها إلى قلوب الناس فى حرية وأمان وفى هذا يقول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}. [الأنفال: من 39]. - الدفاع عن المظلومين: وهذا واجب إنسانى على المسلمين، فمن أهداف الإسلام نصرة المظلومين ودفع الظلم عنهم، يقول الله تعالى: {وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها}. [النساء: من 75]. ولم يأذن الله - تعالى - للمسلمين فى القتال، إلا بعد أن تعرضوا للظلم، وتحملوا شتى ألوان الاضطهاد والتعذيب، وطُرِدوا من بلدهم، وأخرجوا من ديارهم، وصودرت أموالهم وعندئذٍ كان لابد من الدفاع، وجاء الإذن به من السماء فى قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله .. }. [الحج: 39 - 40]. آداب الحرب فى الإسلام: هى مجموعة القواعد والمبادئ والتقاليد العسكرية، التى أرساها الإسلام، وطبقَّها النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، وكانت تعليماته

ووصاياه لقواده العسكريين، تدور فى نطاقها. فيحتم الإسلام على المسلمين الاعتناء بجرحى أعدائهم ومداواتهم وإطعامهم (4)، ويحرم الإجهاز عليهم أو إيذاؤهم بأى شكل من أشكال الإيذاء. كما يفرض على المسلمين تجنيب المدنيين شرور الحرب وأخطارها، فالأطفال وكبار السن، والنساء والمرضى، بل الفلاحون فى حرثهم والرهبان فى معابدهم، كل أولئك معصومون بحصانة الشريعة من أخطار الحرب. والإسلام لا يحرص على سلامة أرواح غير المقاتلين من الأعداء فحسب، بل يوصى المسلمين المقاتلين بعدم التعرض للأهداف المدنية، وينهاهم عن التدمير؛ لأن الإسلام إنما جاء ليبنى الحياة ويعمرها، لا ليدمرها ويهدمها. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه المثل الأعلى فى الالتزام بهذه المبادئ والآداب فى ميادين القتال، فروى «أبو ثعلبة الخشنى» رضى الله عنه: «إن ناسًا من اليهود يوم خيبر جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد تمام العهود، فقالوا: إن حظائر لنا وقع فيها أصحابك، فأخذوا منها بقلا وثومًا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «عبد الرحمن بن عوف» - رضى الله عنه - فنادى فى الناس: إن رسول الله يقول لكم: لا أحل لكم شيئًا من أموال المعاهدين إلا بحق». غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم -: لم يكن أمام النبى - صلى الله عليه وسلم - بد من اللجوء إلى القوة العسكرية إزاء الغطرسة القرشية واضطهاد المسلمين، وإخراجهم من ديارهم قسرًا، وملاحقتهم بالأذى وهم فى مهاجرهم فى «المدينة»، بالإضافة إلى مؤامرات اليهود وغدرهم وخياناتهم. من أجل ذلك كله أعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - جيشًا قويا من المجاهدين فى سبيل الله، وقاد بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، قاتل فى تسع منها، هى: «بدر»، و «أحد»، و «الأحزاب»، و «بنو قريظة»، و «بنو المصطلق»، و «خيبر»، و «فتح مكة»، و «حنين»، و «الطائف»، وأناب بعض أصحابه فى قيادة سبع وأربعين حملة عسكرية.

وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الغزوات والحملات فإن عدد الضحايا فيها كلها من الفريقين كان قليلا جدا، لا يتجاوز أربعمائة قتيل، وكان شهداء المسلمين فى تلك المعارك نحو مائتى شهيد، منهم سبعون قتلوا غدرًا فى «بئر معونة»، فى حين لم يتجاوز قتلى المشركين المائتين أيضًا، وهذا يدل على حرص النبى - صلى الله عليه وسلم - على حقن الدماء، وصيانة الأرواح، وحصر الحرب فى أضيق نطاق ممكن. وسنتناول بالدراسة أهم الغزوات ذات الأثر الكبير والحاسم فى تاريخ الإسلام، وهى: 1 - غزوة بدر الكبرى: وقعت هذه الغزوة الخالدة فى السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة عند بئر بين «مكة» و «المدينة»، وقد سمى الله - تعالى - يومها «يوم الفرقان»؛ لأنه فرَّق بين الحق والباطل، وأعلى كلمة الإسلام. وسببها أن قافلة تجارية لقريش، كانت قادمة من «الشام» إلى «مكة»، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتعرض لها والاستيلاء عليها؛ تعويضًا لهم عن أموالهم التى استولت «قريش» عليها فى «مكة»، وهذا حق وعدل، ولم يكن فى وسع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يترك «قريشًا» حرة طليقة، تجوب الطرق، وتتجر وتربح، وتعيش آمنة مطمئنة، وهى التى آذته وعذبت أصحابه، وتآمرت على حياته، وأرادت قتله، فلابد من التضييق عليها، وتهديدها فى تجارتها التى هى رزقها ومصدر قوتها؛ لتراجع نفسها، وتقتنع بأن مواصلة العداء معه ليس فى مصلحتها، ولم يقصد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا التصرف إهلاك «قريش» وتدميرها، لأنه جاء لإحيائهم وإسعادهم. وعندما وصل النبى - صلى الله عليه وسلم - بجيشه إلى المكان الذى دارت فيه المعركة علم أن القافلة أفلتت ونجت، بعد أن نجح قائدها «أبو سفيان بن حرب» فى اتخاذ طريق الساحل بعيدًا عن طريق القوافل المعتاد، حين علم بخروج المسلمين للاستيلاء عليها، وكان قبل أن يفلت بقافلته قد أرسل سريعًا إلى «قريش» يستنفرها

للخروج لاستنقاذ أموالها التى توشك أن تقع فى أيدى المسلمين فخرجت فى نحو ألف رجل للقتال، وأصروا على ذلك حتى بعد أن علموا بنجاة قافلة «أبى سفيان»، وقد حاول بعض زعماء «مكة» مثل «عتبة بن ربيعة» أن يقنعوهم بالرجوع وعدم المضى قدمًا فى الحرب، وبخاصة أن المسلمين الذين سيقاتلونهم هم أهلوهم ففيهم الآباء والأبناء والأعمام والأخوال والإخوة، لكن تلك الدعوة فشلت أمام إصرار أئمة الكفر - وعلى رأسهم «أبو جهل» - على إشعال نار الحرب، حيث أراد هو وأمثاله أن يجعل من خروجهم مظاهرة عسكرية؛ فأقسم على الذهاب إلى «بدر»، ونحر الجزور، وشرب الخمور، والاستمتاع بالرقص والغناء؛ لتسمع بهم العرب، فيهابوهم أبد الدهر. المواجهة العسكرية: عندما علم المسلمون بإفلات القافلة، رأى بعضهم العودة إلى «المدينة»، لأن كثيرًا ممن خرجوا لم يكن فى حسبانهم أنهم خرجوا لقتال وأن حربًا ستقع، وإنماخرجوا للاستيلاء على القافلة، فكرهوا القتال. لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن الرجوع إلى «المدينة» ستفسره «قريش» على أنه جبن وضعف عن لقائها ومواجهتها، وسوف تذيع ذلك فى أوسع نطاق ممكن من شبه الجزيرة العربية، وفى هذا ضرر بالغ بالدولة الإسلامية ودعوتها، فتصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكمة بالغة وبعد نظر، واستشار كبار أصحابه فيما يصنعون، فتحدث «أبو بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب» وغيرهما فأحسنوا الكلام، وأبدوا استعدادًا للتضحية والجهاد فى سبيل الله. سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كلامهم فسعد به وسُرَّ، لكنه لا يزال فى حاجة إلى معرفة رأى الأنصار فى وضوح وجلاء، لأن بيعتهم معه كانت تنص على الدفاع عنه داخل «المدينة» لا خارجها، فلما كرَّر قوله: «أشيروا علىَّ أيها الناس»، قال له: «سعد بن معاذ» وغيره من زعماء الأنصار: «لعلك تقصدنا يارسول الله»، قال: «نعم». قالوا: «يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو

الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ بنا يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذى بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر فى الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله». اطمأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لموقف أصحابه وسلامة جبهتهم، وقوة ترابطهم، وبدأ يُعدُّ للمعركة الأولى فى تاريخ الإسلام، وأعدَّ له المسلمون عريشًا (مقر قيادة) يدير منه المعركة. وعرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدد أعدائه وقوتهم من عيونه ومخابراته العسكرية فكانوا نحو ألف رجل مدججين بالسلاح، فيهم عدد كبير من الفرسان، فى حين كان عدد المسلمين نحو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فارسان فقط. وبدأت المعركة صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان سنة (2هـ) بالمبارزة، حيث خرج ثلاثة من صفوة المشركين، هم «عتبة بن ربيعة»، و «شيبة بن ربيعة»، و «الوليد بن عتبة»، يطلبون المبارزة، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - عمه «حمزة»، وابنى عمه «على بن أبى طالب»، و «عبيدة بن الحارث» بالخروج إليهم، وهذا تصرف له مغزاه من القائد الأعلى «محمد» رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث بدأ المعركة بأقرب الناس إليه، فضرب المثل فى التضحية والفداء لدين الله، واستطاع الثلاثة المسلمون القضاء على الثلاثة المشركين من أعدائهم، وتركوهم صرعى فى ميدان المعركة، ثم احتدمت الحرب، وتلاحم الناس، وحمى الوطيس، والرسول فى عريشه يدعو الله سبحانه وتعالى ويستنزل نصره الذى وعده به، فيقول: «اللهم نصرك الذى وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة من المسلمين فلن تُعبَد على وجه الأرض، يامولاى»، واستجاب الله لدعاء نبيه، وانجلت المعركة عن نصر ساحق للمسلمين، وهزيمة ماحقة للمشركين الذين قُتِلَ منهم سبعون، وأُسِرَ مثلهم، وفر الباقون، وامتلأت أيدى

المسلمين من غنائمهم التى تركوها، واستُشهد من المسلمين أربعة عشر شهيدًا، وتحقق وعد الله، فنصر القلة القليلة المؤمنة، على الكثرة المشركة المتغطرسة. الغنائم والأسرى: بينما كان حزن «قريش» طاغيًا على هزيمتها ورجالها الذين فقدتهم فى المعركة بين قتيل وأسير، كانت فرحة المسلمين عظيمة لهذا النصر المؤزر، وعادوا إلى مدينتهم يتقدمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يحملون الغنائم، ويسوقون الأسرى المقيدين بالأغلال، ومع ذلك فقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يحسنوا معاملة الأسرى وإطعامهم. أما الغنائم فقد أنزل الله على رسوله حكم التصرف فيها فى سورة «الأنفال»، التى نزلت بشأن هذه المعركة، فقضى عز وجل بأن تقسم الغنائم خمسة أقسام، خُمس للرسول، يتصرف فيه كيف يشاء فى الأمور التى حددتها الآية الكريمة، فى حين توزع الأربعة الأخماس على المجاهدين، للراجل سهم، وللفارس سهمان. أما الأسرى، فقد استشار النبى - صلى الله عليه وسلم - فيهم أصحابه، فمنهم من أشار بقتلهم؛ لأنهم عذَّبوا المسلمين وطردوهم من ديارهم وعلى رأس هذا الفريق «عمر بن الخطاب»، ومنهم من قال: يارسول الله هم أهلك وعشيرتك، فاستبقهم وخذ منهم فداء، تتقوى به على قتال أعدائنا. وكان على رأس هذا الفريق «أبو بكر الصديق»، فمال النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الرأى الأخير، وقبل منهم الفداء، وكان كريمًا معهم، فقد أطلق سراح الفقراء منهم بدون مال، وطلب ممن يعرف القراءة والكتابة منهم أن يعلم عشرة من أطفال المسلمين، ويكون هذا فداءً له، وهذا تصرف رائع من الرسول - صلى الله عليه وسلم - له دلالة عظيمة على عناية الإسلام بالتعليم، فهذه أول حادثة من نوعها فى تاريخ البشرية، فلم يُعرف أن فاتحًا منتصرًا قبله صنع مثل هذا الصنيع. عوامل النصر فى بدر: أما عن أهم العوامل التى أدت إلى هذا النصر فى أول معركة كبرى بين المسلمين والمشركين، فهى: - القيادة:

كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نعم القائد، فقد استعد جيدًا للمعركة، وأدارها بكفاءة عالية فى ظل الإمكانات المتاحة، وجعل أصحابه يبذلون طاقاتهم كلها فى الدفاع عن دين الله، فكان يستشيرهم فى كل أمر ويتقبل آراءهم واقتراحاتهم، ولا يتميز عنهم فى أى شىء، حتى إنه تناوب الركوب على بعير واحد مع «على بن أبى طالب»، و «مرثد بن أبى مرثد الغنوى». وكان لهذه الأسوة الحسنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثرها الكبير فى نفوس أصحابه، حبًا لله ولرسوله لا ينازعه شىء، وطاعة للأمر مهما يعظم، وسرعة فى تنفيذه، ودفاعًا عن دين الله ودعوة رسوله بكل ما يملكون. - العقيدة الراسخة: كان للإيمان والثقة بنصر الله أثر بالغ فى النصر، فلم يتهيبوا الحرب أبدًا، مع أنهم كانوا يعلمون أن قوة عدد المشركين ثلاثة أمثال قوتهم. - المعنويات العالية: تمتع المجاهدون المسلمون فى «بدر» بمعنويات استمدوها من الإيمان بالله، والثقة بنصره، ومن عظمة القائد وحكمته فى إدارة المعركة، ولا شك أن المعنويات العالية تُعدُّ من أهم عوامل النصر فى كل الحروب، فقد دلت التجارب أن قوة التسلح، وكثرة العدد لا تجديان ما لم يتحل المقاتلون بمعنويات عالية. 2 - غزوة أحد: وقعت هذه الغزوة فى شهر شوال من العام الثالث للهجرة عند جبل «أحد»؛ شمالى «المدينة المنورة»، فقد جندت «قريش» ثلاثة آلاف من رجالها وحلفائها للانتقام من المسلمين، والثأر لهزيمتها الساحقة فى «بدر» التى جلبت فى كل بيت من بيوت «مكة» مأتمًا. وعندما وصلت أخبار ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ جمع أصحابه على الفور، واستشارهم فى أفضل طريقة لمواجهة هذا الموقف، فأشار عليه شيوخ «المدينة» أن يتحصنوا داخلها، ويتركوا الأعداء خارجها لأن شوارع «المدينة» ضيقة، ويمكن إغلاقها عليهم، وقتالهم فيها بكل طريقة ممكنة حتى بالحجارة، ويمكن أن يشترك النساء والأطفال فى مقاومتهم، وكان هذا رأى الكبار ورأى النبى

- صلى الله عليه وسلم -. أما الشباب فقد أخذهم الحماس، وخشوا أن يتهمهم الأعداء بالجبن؛ ففضلوا الخروج لمواجهتهم فى مكان مكشوف. ولما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرأى الأخير هو رأى الأغلبية قام إلى بيته ولبس درعه وحمل سلاحه وخرج إليهم، فأدركوا أنهم أخرجوه مكرهًا، فقالوا له: يارسول الله، لقد استكرهناك وما كان لنا ذلك، فافعل ما شئت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ماكان لنبى لبس لأمته - عدة حربه - أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه». وخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى ساحة «أحد»، وجعل ظهر جيشه إلى الجبل، والأعداء أمامه، ونظر إلى ميدان المعركة نظرة فاحصة، وعرف أن الخطر يكمن خلف ظهر الجيش، فأعد خمسين رجلا ممن يُحسنون الرمى بالنبل، وأمَّر عليهم «عبدالله بن جبير الأنصارى»، وكلفهم بالصعود إلى قمة عالية خلف ظهورهم، سُميت بعد ذلك بجبل الرماة، وقال لهم فى حسم: «احموا ظهورنا، لأنُؤتى من قبلكم»، وأمرهم برمى المشركين بالنبال، وألا يتركوا مواقعهم أبدًا سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، لخطورة الموقع وأهميته، وكرر عليهم أوامره مرارًا. ودارت المعركة، وكانت الغلبة للمسلمين فى البداية، لكنهم تعجلوا النصر ولم يصبروا، وظنوا أن المعركة انتهت، فالذين فى الميدان تركوا القتال وبدءوا فى جمع الغنائم، والذين فوق الجبل خالفوا أوامر النبى - صلى الله عليه وسلم - وأوامر قائدهم «عبدالله بن جبير»، وتركوا مواقعهم، ليشتركوا فى جمع الغنائم. انتهز «خالد بن الوليد» هذه الفرصة، وانقض بفرسانه من الخلف، مستغلا الثغرة التى حدثت بترك الرماة مواقعهم، فحول بحركته العسكرية سير المعركة من نصر للمسلمين فى أولها إلى هزيمة، وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، حتى إن بعضهم أخذ يقتل بعضًا، وزاد ارتباكهم عندما أشاع المشركون أنهم قتلوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى كان قد سقط فى حفرة، وجُرِح وكُسِرَت

رباعيته، وانجلت المعركة عن هزيمة للمسلمين، وسقوط واحد وسبعين شهيدًا، وكان ذلك درسًا قاسيًا، أنزل الله بشأنه أكثر من ستين آية فى سورة «آل عمران»، وضح لهم أسباب ما حدث، وأن الهزيمة إنما كانت لمخالفة أوامر الرسول، والحرص على جمع الغنائم، قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين}. [آل عمران: 152]. ثم واساهم وعفا عنهم، وذكرهم بأنهم إن كانوا قد أصابهم قرح وخسروا معركة، فقد أصاب أعداءهم قرح مثله {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، ثم طلب من نبيه أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وألا يدع مشورتهم، حتى لو أدت إلى الهزيمة فى معركة، فخسارة المعركة أسهل من خسارة مبدأ الشورى الذى يربى الرجال ويدربهم على إبداء الرأى والمشاركة فى صنع القرار. 3 - غزوة الأحزاب: أظهر يهود «بنى قينقاع» بعد غزوة «بدر» تصرفات بالغة السوء، وأظهروا حزنًا شديدًا على هزيمة «قريش»، وساءهم انتصار المسلمين، وكان ذلك خيانة ونقضًا للمعاهدة التى وقعها الرسول معهم، كما أنهم أرسلوا وفدًا إلى «مكة» لمواساتها، وهذا يخالف ما اتفق عليه فى معاهدة «المدينة» التى نصت فى أحد بنودها على عدم إقامة أية علاقات مع «مكة»، ثم أساءوا إلى المسلمين وانتهكوا حرماتهم، كما أغلظوا القول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نصحهم بالاستقامة والالتزام بنصوص المعاهدة، وقالوا: «يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب - يقصدون «قريشًا» - فلو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس»، ولم يجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدا إزاء تصرفاتهم هذه إلا أن يجلوهم عن «المدينة» ويتخلص من غدرهم وأذاهم، ثم أجلى الرسول بعد غزوة أحد يهود «بنى النضير» بعد أن دبروا مؤامرة لقتله، فحقد اليهود

عليه، وألبوا «قريشًا» وحلفاءها لشن حرب شاملة ضد المسلمين، وذهب وفد منهم لهذه المهمة بزعامة «حيى بن أخطب» إلى «مكة»،ووعدوهم بمساعدتهم، وقالوا لهم إنهم اتفقوا مع يهود «بنى قريظة» - الذين كانوا لا يزالون يسكنون «المدينة» - على الانضمام إليهم عندما يهاجمون المسلمين فاقتنعت «قريش» بذلك، ثم ذهبوا إلى قبائل «غطفان» و «بنى أسد»، وصنعوا معهم مثلما صنعوا مع «قريش»، ونجحت خطتهم الخبيثة بأن تجمع جيش من عشرة آلاف مقاتل، من «قريش» وحلفائها، و «غطفان» و «بنى أسد» لمهاجمة «المدينة»، وكان ذلك فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. حفر الخندق: علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأخبار المفزعة، فجمع كبار الصحابة واستشارهم كيف يواجهون هذا الموقف، فأشاروا عليه بالتحصن داخل «المدينة»؛ لأنهم استفادوا من درس «أحد»، وأخذوا يعدُّون العدة لتحمل حصار طويل من الأعداء. وهنا جاءت فكرة رائعة من «سلمان الفارسى» - رضى الله عنه - وهى حفر خندق فى الجهة الشمالية الغربية من «المدينة»؛ لمنع اقتحام جيوش الأحزاب لها، لأن بقية جهاتها الأخرى كانت محصنة بغابات من النخيل، يصعب على الخيول اقتحامها. وتم حفر الخندق فى نحو أسبوع، وعمل النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع المسلمين فى حفره، وبشرهم وهم فى هذا الموقف العصيب بفتح «الشام» و «العراق» و «اليمن». جاءت قوات الأحزاب وهى واثقة لا بالنصر على المسلمين فحسب، بل باستئصالهم، لكن المفاجأة أذهلتهم عندما رأوا الخندق يحول بينهم وبين اقتحام المدينة، وظلوا أمامه عاجزين، تأكل قلوبهم الحسرة، لأنهم لم يتعودوا مثل هذا الأسلوب فى القتال، ولما حاول واحد منهم اقتحام الخندق لقى حتفه فى الحال. وعلى الرغم من أن الخندق قد حمى المسلمين من هجوم المشركين، فإن الكرب قد اشتد عليهم، وضاقوا بطول الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، وصفه الله - تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ

جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدًا}. [الأحزاب:10 - 11]. اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش» فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه، فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى - صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى أصحابه. ثم لاحت فرصة عظيمة عندما عرض «نعيم بن مسعود» - وكان قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - أن يقوم بدور فى التخفيف عن المسلمين؛ فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب. وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة» تجاه بعضهم بعضًا، ثم أرسل الله ريحًا شديدة قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الموقف بقوله: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا».أى أن قريشًا لن تستطيع مهاجمة «المدينة» مرة أخرى؛ لأن ميزان القوى أصبح يميل مع المسلمين. عقاب بنى قريظة: لما انسحبت الأحزاب، ونزع المسلمون لباس الحرب جاء «جبريل» - عليه السلام - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «يامحمد

إن كنتم قد وضعتم سلاحكم، فما وضعت الملائكة سلاحها، إن الله يأمرك أن تخرج إلى «بنى قريظة»، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادى فى الناس: «لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة»، وحاصرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بضعة وعشرين يومًا، حتى نزلوا على حكمه، وطلبوا أن يحكم فيهم «سعد بن معاذ» حليفهم، فحكم بقتل الرجال منهم؛ جزاء غدرهم وخيانتهم، وانضمامهم إلى الأعداء وقت الحرب، فلو نجحت خطة الأحزاب لقُضِى على الإسلام والمسلمين قضاءً مبرمًا. وحين قضى «سعد» بهذا الحكم، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد حكمت فيهم بحكم الله». 4 - عمرة الحديبية: قرر النبى - صلى الله عليه وسلم -، بعد هذه الحروب التى وقعت بينه وبين «قريش» أن يذهب هو وأصحابه إلى «مكة» لأداء العمرة فى شهر ذى القعدة من العام السادس للهجرة، لكن «قريشًا» رفضت رفضًا حاسمًا فيه غرور وغطرسة، مع علمها بأن الرسول إنما جاء «مكة» معتمرًا مسالمًا غير محارب، وليس من حقها أن تمنعه من زيارة البيت الحرام، الذى جعله الله للناس جميعًا مثابة وأمنًا، فعسكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى «الحديبية» على مسافة قريبة من «مكة»، وجرت بينه وبينهم مفاوضات حرصًا منه على السلام وحقن الدماء، انتهت إلى عقد هدنة عُرِفت بصلح الحديبية، وأهم شروطها ما يلى: 1 - وقف الحرب بين الفريقين لمدة عشر سنين، يأمن فيها الناس ويسافرون وينتقلون فى أمان. 2 - وأن يعود الرسول وأصحابه هذا العام بدون أداء العمرة، وكانوا نحوًا من ألف وأربعمائة فرد، على أن يأتوا فى العام التالى، وتخلى لهم «قريش» «مكة» ثلاثة أيام يؤدون مناسكهم خلالها ثم يعودون إلى «المدينة». 3 - وأن من يأتى «مكة» مسلمًا بدون إذن وليه إلى «المدينة» يرده الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم، أما من يأتى من المسلمين إلى «مكة» مرتدًا، فإنها ليست مطالبة برده إلى «المدينة».

4 - وأن من أراد من القبائل العربية أن ينضم إلى أحد طرفى المعاهدة، فله ذلك (فانضمت قبيلة «خزاعة» إلى النبى - صلى الله عليه وسلم -، فى حين انضمت قبيلة «بنى بكر» إلى «قريش»). وهذا الصلح كان فى ظاهره إجحافاً سياسياً للمسلمين، حتى إنه أثار اعتراضات بعض الصحابة، الذين رأوا فيه مهانة لهم، مثل «عمر بن الخطاب» -رضى الله عنه - غير أنه كان فى الحقيقة فتحًا مبينًا كما سماه الله -تعالى- فى سورة «الفتح» التى نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو عائد من «الحديبية»؛ إذ كانت نتائجه فى مصلحة المسلمين، وكان تمهيدًا لفتح «مكة» بعد عامين اثنين. 5 - فتح خيبر: وهى قرية كبيرة تقع شمالى شرقى «المدينة المنورة» بنحو مائة وثمانين كيلو مترًا، يسكنها بعض اليهود الذين لم تبد منهم أية إساءة إلى المسلمين من البداية، ولم يُسمع أن لهم ضلعًا فى أية مؤامرة أو موقف من مواقف اليهود المخزية ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاحترم الرسول موقفهم وحيادهم، غير أنهم تبدلوا وتغيرت مواقفهم. منذ أن نزل عندهم يهود «بنى قينقاع» و «بنى النضير»، فأفسدوهم وجعلوا بلدهم وكرًا للتآمر على المسلمين والكيد لهم. ولما كانت «خيبر» تقع على الطريق المؤدى إلى «الشام»، فكان لابد من تطهير ذلك الطريق من أية عوائق، وبخاصة أنه الطريق الرئيسى للدعوة الإسلامية وللجيوش الإسلامية التى ستخرج بعد وقت قصير لمواجهة دولة الروم، التى تكرر اعتداؤها على المسلمين؛ لذلك قرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصفية آخر وكر يهودى فى شبه جزيرة العرب؛ لتسلم قاعدة الإسلام الأساسية ومنطلقه إلى العالم من عدو ماكر، فبعد عودته من «الحديبية» بأقل من شهر - أى فى المحرم من العام السابع للهجرة - غزا «خيبر»، ودك حصونها، فاستسلمت، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - كريمًا ورحيمًا مع أهلها، فلم يجبرهم على الدخول فى الإسلام، ولم يطردهم من بلدهم،

بل أبقاهم يزرعون أرضهم، ولهم نصف محاصيلها، وللمسلمين النصف الآخر. ولما سمعت القرى اليهودية الأخرى المنتشرة فى وادى القرى، مثل: «فدك»، و «تيماء» بما حدث لخيبر، أرسلت وفودها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلبون منه أن يعاملهم معاملته مع أهل «خيبر» فاستجاب لهم. 6 - فتح مكة المكرمة: التزمت «قريش» بمعاهدة «الحديبية» لمدة عام وبعض العام، فقد ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأداء عمرة القضاء فى العام السابع من الهجرة. لكنها ما لبثت أن نقضت المعاهدة عندما أعانت قبيلة «بنى بكر» حليفتها على قبيلة «خزاعة» حليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلبت «خزاعة» من الرسول نصرتها طبقًا للمعاهدة التى بينها وبينه، فوعدهم بالنصر، وبدأ فى الاستعداد لغزو «مكة». شعر «أبو سفيان» زعيم «مكة» بالخطأ الفاحش الذى وقعوا فيه، فسافر إلى «المدينة» لمقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولتجديد المعاهدة، فلم يقبل الرسول اعتذاره. وفى بداية الأسبوع الثانى من شهر رمضان من العام الثامن للهجرة توجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش قوامه عشرة آلاف مجاهد لفتح «مكة»، وكان «أبوسفيان» يتوقع - منذ أن عاد من «المدينة» دون أن يحقق هدفه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيغزو «مكة»، ولكن لا يعرف متى يقع ذلك، فكان قلقًا ودائمًا يتحسس الأخبار. وفى ليلة من الليالى رأى أبو سفيان نيران جيش النبى التى أوقدها المجاهدون فاستبد به الخوف والهلع، فسمع صوته «العباس بن عبد المطلب»، وكان قد خرج من «مكة» من قبل، والتقى بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وأعلن إسلامه، فلما التقى بأبى سفيان أخبره بالجيش القادم لفتح «مكة»، ولا قبل لهم به، وأخذه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأعلن إسلامه، وأعطاه النبى ميزة كبيرة، بناء على اقتراح من «العباس بن عبد المطلب»، ضمن الإعلان الذى

أمره أن يبلغه لأهل «مكة»: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن». حرص النبى - صلى الله عليه وسلم - على دخول «مكة» بدون قتال، فهى بلد الله الحرام، وأحبُّ بلاد الله إليه، وفيها أهله وذووه، فكانت أوامره صريحة لجيشه، ألا يقاتلوا إلا إذا قوتلوا، وبالفعل دخل الجيش «مكة» فى العشرين من شهر رمضان دون قتال، إلا مناوشات بسيطة حدثت فى الجهة التى دخلت منها الفرقة التى كان يقودها «خالد بن الوليد» عند جبل «خندمة» فقضى عليها «خالد»، وكان قد أسلم هو و «عمرو بن العاص» بعد عمرة القضاء سنة (7هـ). دخل النبى - صلى الله عليه وسلم - «مكة» فاتحًا منتصرًا، وهى التى طردته قبل ثمانى سنوات وتآمرت على حياته، فماذا هو فاعل بهؤلاء الذين عادوه وآذوه أذى شديدًا هو وأصحابه؟ وهل فكر فى الانتقام منهم؟ لم يحدث ذلك منه، بل جمعهم بعد أن دخل «الكعبة» وطاف بها، وكسر أصنامها بيده وهو يتلو: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}. وقال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وبهذا ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة فى العفو والتسامح عندالمقدرة، فلم تحمله نشوة النصر وزهو القدرة على الانتقام ممن أساء إليه، بل نسى كل ما فعلوه معه ومع أصحابه من ألوان العذاب.

1 - 5:ما بعد فتح مكة

الفصل الخامس *ما بعد فتح مكة 1 - غزوة حنين والطائف: بعد فتح «مكة» بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرتب أمورها، فعين لها واليًا من قبله، هو «عتاب بن أسيد»، ومعلمًا يعلم أهلها شرائع الإسلام هو «معاذ بن جبل»، ولكن بعد أقل من أسبوعين من ذلك الفتح العظيم وصلت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبار بأن قبائل «هوازن» و «ثقيف» قد جمعت جموعها فى وادى «حنين» بين «مكة» و «الطائف» لمحاربته؛ لظنهم أن ذلك الفتح وعلو شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطر عليهم، ولا شك أنهم كانوا فى ذلك مخطئين، فالإسلام ليس خطرًا عليهم ولا على غيرهم، بل هو رحمة وعدل وعزة وكرامة لهم وللعرب وللعالم أجمع. أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - الجيش بالتأهب لمواجهتهم فى أوائل شهر شوال سنة 8هـ، وكان يضم اثنى عشر ألفًا بعد أن انضم إلى جيش الفتح ألفان من أهل «مكة»، واتجه به إلى وادى «حنين»، ففاجأتهم جموع «هوازن» و «ثقيف» من مكامنها فى الأودية والجبال، وكادت تهزمهم، وفر معظم المسلمين من هول المفاجأة، ولم يثبت مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة قليلة من أهله وأصحابه، تقدر بنحو عشرة رجال، وصاح النبى - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين «إلى أين أيها الناس؟ إلىَّ أيها الناس، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وأمام ثبات النبى - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته عاد المسلمون وراءه، وتماسكوا من جديد، وحملوا على عدوهم حملة صادقة، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وأسروا كذلك نحوًا من ستة آلاف، وغنموا غنائم كثيرة. وينبغى أن نشير إلى أن سبب الهزيمة التى كادت تحيق بالمسلمين فى أول المعركة هو الاغترار بالكثرة، وكانوا اثنى عشر ألفًا، وقالوا: لن نهزم اليوم من قلة، فأراد الله أن يعلمهم أن الكثرة لا تكفى وحدها فى حسم المعارك؛ إذ لابد من عون الله تعالى، وقد أشار القرآن الكريم إلى سبب ما حدث لهم فى أول المعركة، فقال

تعالى: {ولقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحُبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودًا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}. [التوبة:25 - 26]. 2 - حصار الطائف: بعد هزيمة «هوازن» و «ثقيف» فى وادى «حُنين». فرت فلولهم وتحصنت بالطائف فحاصرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من ثلاثة أسابيع، وكانت حصونهم قوية، وأخذوا فى قذف المسلمين بالنبال فآذوهم، فاضطر النبى أن يتراجع بقواته بعيدًا عن مرمى النبال، ثم استشار أصحابه ماذا يفعل معهم، فقالوا له: «يارسول الله هم كضب فى جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته فلن يضرك»، أى أنهم بعد فتح «مكة» وبعد هزيمتهم فى وادى «حنين» لن يستطيعوا الصمود فى وجهك، وهم مستسلمون لا محالة إن أطلت الحصار، وإن رفعته عنهم فسيقدمون عليك من تلقاء أنفسهم، فاقتنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الرأى، ورفع عنهم الحصار، ورفض أن يدعو عليهم عندما طلب منه ذلك بعض الصحابة، بل قال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وأتِ بهم». وبعد أقل من عام جاءت وفودهم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى «المدينة»، وأعلنوا إسلامهم، فى رمضان سنة 9هـ، وعين الرسول - صلى الله عليه وسلم - «عثمان بن العاص الثقفى» واليًا عليهم. 3 - غزوة تبوك: قام النبى - صلى الله عليه وسلم - بقيادة هذه الغزوة فى شهر رجب سنة 9 هـ، وهى آخر غزوة غزاها، وكان سببها أن أخبارًا وصلت إليه من عيونه التى بثها لمراقبة تحركات الروم فى الشمال، أنهم يعدون العدة للهجوم عليه. والحقيقة أن عدوان الروم كان قد تكرر كثيرًا على المسلمين من قبل، فاعتدى الروم على المسلمين وحاربوهم فى غزوة «مؤتة» فى جمادى الآخرة سنة 8هـ، وكادوا يستأصلونهم، لولا مهارة «خالد بن الوليد» - رضى الله عنه - الذى انسحب من أمامهم وأنقذ جيش المسلمين من براثنهم.

وكان عدوانهم ذلك بدون سبب يدعو إليه لأن المسلمين لم يذهبوا لمحاربتهم، وإنما جاءوا لتأديب القبائل القاطنة بين «الحجاز» و «الشام»، التى دأبت على قطع الطريق على المسلمين، ثم ارتكبت جرمًا كبيرًا حين قتلت «الحارث بن عُمير» أحد سفراء النبى - صلى الله عليه وسلم - الذين حملوا رسائله إلى الملوك والأمراء، فأراد النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدبهم بهذه الغزوة، ليكفوا أذاهم عن المسلمين، ولكن الروم تدخلوا بجيش كبير - أكثر من مائة ألف - بدون سبب. أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرصد تحركات الروم، فلما وصلت إليه الأخبار بعزمهم على الهجوم عليه؛ أعد جيشًا لصده، وكان عدده ثلاثين ألفًا، وهو أكبر جيش قاده النبى - صلى الله عليه وسلم - وسُمى «جيش العسرة»، لأن المسافة كانت بعيدة والجو صيف شديد الحرارة، والناس يحبون المقام فى مزارعهم وبساتينهم لجنى الثمار، والاستمتاع بالظل الوارف، ولكن مادامت الدولة الإسلامية ودعوتها فى خطر، فلابد من التضحية والاستهانة بكل راحة ومتعة، وقد ضحى أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - تضحيات كبيرة، وأسهموا فى تجهيز الجيش وإعداده بأموالهم، وبخاصة «عثمان بن عفان» الذى جهز نحو ثلث الجيش من ماله الخاص. سار النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى وصل إلى «تبوك»، فإذا به يعلم أن جيش الروم الذى كان يُعد يومئذٍ أقوى جيش فى الدنيا قد فرَّ مذعورًا إلى داخل «الشام»، فعسكر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «تبوك» ثلاثة أسابيع، رتب خلالها أوضاع المنطقة، وأظهر هيبة الإسلام وضرب هيبة الروم ضربة قاصمة، جعلت سكان الإمارات الصغيرة فى المنطقة الخاضعة لسيطرة الروم - كأيلة و «أدرح» و «الجرساء» - يهرعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذعنين، وقالوا له: ماذا تريد منا؟ فعرض عليهم الإسلام فرفضوا، وقالوا: غير هذا، قال: «تدفعون الجزية ونؤمنكم على عقائدكم وأرواحكم وأموالكم»؛ فقبلوا، فأعطاهم بذلك معاهدات، وكان

تصرف النبى - صلى الله عليه وسلم - مثلا عاليًا ودليلا على تسامح الإسلام، وأنه لا يُفرض على الناس بالقوة. وبعد أن أنجز النبى - صلى الله عليه وسلم - هذا الإنجاز الهائل، وتجشم فى ذلك المتاعب والمشقات عاد إلى المدينة المنورة؛ لاستقبال وفود القبائل العربية التى أتت من كل أنحاء شبه الجزيرة العربية تعلن إسلامها وخضوعها لله ولرسوله، فجاءت عشرات بل مئات الوفود لهذا الغرض، وسُمى العام التاسع للهجرة عام الوفود، وصدق الله العظيم القائل: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا}. [سورة النصر]. عالمية الرسالة الإسلامية: الإسلام هو الرسالة الخاتمة لرسالات الله - تعالى - إلى البشرية كلها، فليس بعد القرآن الكريم كتاب سماوى، وليس بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول؛ لقوله تعالى {ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}. [الأحزاب: من 40]. ولقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: «إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، .. فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». والإسلام هو دين الحق؛ لقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}. [آل عمران: من 19]. وهو الدين الذى دعا إليه الأنبياء جميعًا؛ فقال - تعالى - على لسان «نوح» - عليه السلام-: {وأمرت أن أكون من المسلمين}. [يونس: من 72]. وقال على لسان إبراهيم - عليه السلام: {أسلمت لرب العالمين}. [البقرة: من 131]. وأوصى نبى الله «يعقوب» بنيه بقوله: {يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. [البقرة: من 132]. وقال «موسى» لقومه: {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}. [يونس: من 84]. وكل واحد من هؤلاء الرسل الكرام كان مُرسلا إلى قومه فقط،

فرسالاتهم كانت محدودة الزمان والمكان والبيئة البشرية بنص القرآن الكريم (5). أما رسالة «محمد» - صلى الله عليه وسلم - فعامة لكل الجنس البشرى، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرا}. [سبأ: 28]. وقال تعالى: {قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعًا}. [الأعراف: من 158]. وليس معنى عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان أن يفرض على الناس بالقوة، إذ لا إكراه فى الدين، ولأن الأسلوب الذى أمر الله - تعالى - به فى الدعوة إلى دينه هو: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن}. [النحل: من 125]. والمعنى الحقيقى لعالمية الإسلام أنه رسالة مفتوحة للبشر كلهم، دون تمايز أو تفرقة، ودون قيود أو عوائق، فهو ليس ديانة مقصورة على فئة بعينها، كما يدعى اليهود - مثلا - أن ديانتهم خاصة بهم وحدهم، اختصهم الله بها دون غيرهم من البشر، بل الناس جميعًا فى الإسلام سواء، لافضل لعربى على أعجمى إلا بالتقوى، فهم من أب واحد وأم واحدة، وأكرمهم عند الله أتقاهم. وكان من بين الصحابة مسلمون من غير العرب، مثل «سلمان الفارسى»، و «صهيب الرومى»، و «بلال الحبشى»، وكانت منزلتهم عند رسول الله تفوق منزلة كثير من الصحابة، كما كان الصحابة أنفسهم يعاملونهم أكرم معاملة، حتى إن «عمر بن الخطاب» يقول عن «بلال بن رباح الحبشى»: «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا»، يقصد بلالا. رسائل الرسول إلى ملوك العالم ورؤسائه: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الفرصة المواتية، والوقت المناسب؛ ليخرج بالدعوة الإسلامية من شبه الجزيرة العربية إلى النطاق العالمى، وجاءت هذه الفرصة بعد «صلح الحديبية»، الذى أمِنَ به إلى جانب «قريش» أعدى أعدائه فى الداخل يومئذٍ، وقضى على خطر اليهود بفتح «خيبر». ومع بداية العام السابع من الهجرة ساد شبه الجزيرة العربية جو من الهدوء النسبى، فبدأ النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تبليغ دعوته

وتوجيهها إلى أكبر عدد ممكن من ملوك العالم ورؤسائه وأمرائه، فأعد عددًا من أصحابه الكرام، ليكونوا سفراء بينه وبين الملوك والرؤساء وحملهم رسائله إليهم، فأرسل «عبدالله بن حُذافة السهمى» برسالة إلى «كِسرى أبرويز الثانى» ملك الفرس، و «دِحْيَة بن خَلِيفَةَ الكَلبِى» برسالة إلى «هِرَقْل الروم»، و «حَاطِب بن أبى بَلتَعَةَ» برسالة إلى «المقوقس» حاكم «مصر»، و «عمرو بن أمية الضُّمَرى» برسالة إلى «النجاشى» ملك «الحبشة»، و «العلاء بن الحضرمى» برسالة إلى أمير «البحرين»، و «عمرو بن العاص» برسالة إلى ملكى «عمان»، كما أرسل إلى سائر أمراء العرب فى «الشام» و «اليمن». وتعد هذه الرسائل نقطة تحول فى تاريخ الإسلام من ناحية، ونقطة البداية فى علاقات الإسلام بالعالم الخارجى من ناحية أخرى، فعلى أساسها وعلى ضوء ردود الأفعال عند من أرسلت إليهم من الملوك تشكلت علاقات المسلمين مع الأمم الأخرى فى حالتى الحرب والسلام. وسنكتفى بإيراد نص رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى «هرقل»، لأن الرسائل كلها تقريبًا متشابهة فى نصوصها ومضمونها، فهى دعوة سلمية إلى الإسلام، لم تتضمن أى تهديد أو تلويح باستخدام القوة ضد من يرفض الإسلام، ونص الرسالة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد: فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرتك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين - رعايا هرقل - ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». فماذا كان رد هرقل على هذه الرسالة السلمية؟ وماذا كانت نتائجها ؟ ذكرت بعض المصادر التاريخية أن «هِرَقل» رد على رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - ردًا مهذبًا بل إنه مال إلى الإسلام، ولكن الروم

لم يطاوعوه، فاعتذر للنبى عن عدم قبول الإسلام بسبب رفضهم، فى حين لا تشير مطلقًا إلى ذلك غالبية المصادر الإسلامية، كما أن تطور العلاقات بين المسلمين والروم فى أواخر حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى عهد خلفائه الراشدين يجعلنا نميل إلى أنه لم يرد؛ لأن «هرقل» عندما وصلته رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - كان عائدًا لتوه من حربه مع الفرس، وقد انتصر عليهم انتصارًا ساحقًا، ويبدو أنه كان معتدا بنفسه اعتدادا كبيرًا، مزهوا بما حققه من فوز رد به اعتبار دولته أمام الفرس، فخورًا بإعادة الصليب الأكبر الذى أخذه الفرس إلى بلادهم أثناء غزوهم لفلسطين قبل سنوات، فلما جاءت رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو فى هذه الحالة النفسية المزهوة لم يحفل بها ولم يقدر أمرها التقدير الصحيح. ويؤكد ذلك الرأى أن تطور العلاقات بين المسلمين والروم تصاعد إلى الصدام المسلح، فاعتدى الروم على المسلمين فى غزوة مؤتة سنة (8هـ)، ثم حاولوا الاعتداء مرة أخرى سنة (9هـ) مما جعل النبى - صلى الله عليه وسلم - يخرج إليهم فى غزوة «تبوك»، ثم دارت رحى الحرب بين المسلمين والروم؛ لأنهم تدخلوا فى حركة الردة، وحرضوا القبائل عليها وساعدوها، ونجح المسلمون فى فتح «الشام» و «مصر» وطردوا الروم منها إلى الأبد، ومن ثم لا يستطيع أحد أن يلوم المسلمين؛ لأنهم حملوا السلاح دفاعًا عن أنفسهم ضد عدوان الروم المتكرر. أما علاقة المسلمين بالإمبراطورية الفارسية، وهى يومئذٍ الدولة الكبرى الثانية فى العالم، فلم تكن بأحسن حال من علاقة المسلمين بالروم، بل كان «كسرى أَبْرَوِيز الثانى» ملك «فارس» أكثر غرورًا وغطرسة من «هرقل»، فلم تكد تصل إليه رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى استشاط غضبًا وقام بتمزيقها، مع أنها رسالة سلمية للإسلام لا تخرج فى مضمونها عن رسالة النبى إلى «هرقل»، فدعا عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلا: «مزق الله ملكه»، ولم

يكتف الإمبراطور المغرور بذلك، بل أمر نائبه على حكم «اليمن» «باذان» أن يأتى له بالنبى مقيدًا فى الأغلال، ليحاكمه على جرأته وكتابته إليه يدعوه إلى الإسلام، فامتثل «باذان» وأرسل قوة من «اليمن» إلى «المدينة» لتنفيذ هذا الأمر، وفى هذه الأثناء كان «كسرى أبرويز الثانى» قد قتل فى ثورة قادها ضده ابنه «شَيْرَوَيْه»، استجابة لدعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - عليه. فلما جاء رسل «باذان» أخبرهم النبى - صلى الله عليه وسلم -، بما حدث لكسرى، واحترمهم وأكرم وفادتهم، وحملهم رسالة إلى «باذان» حاكم «اليمن»، يدعوه فيها إلى الإسلام، فإن أسلم أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - حاكمًا على «اليمن» من قبله، فشرح الله صدره للإسلام، فأسلم وأقره النبى على حكمها مع أنه فارسى، وهذا دليل على سمو مبادئ الإسلام العادلة وأنه دين المساواة. وقد تطورت العلاقات مع الفرس على طريق المواجهة، كما حدث مع الروم، لأن الفرس اعتدوا على المسلمين فى حروب الردة، وأرسلوا جيشًا مع «سجاح بنت الحارث اليربوعية»، التى ادعت النبوة؛ لمحاربة المسلمين، فاضطر «أبو بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب» من بعده أن يضعوا حدا لاعتداءات الفرس، وأن يزيلوا دولتهم ويخلصوا البلاد والعباد من ظلمهم وتجبُّرهم. أما بقية الملوك والأمراء الذين وصلتهم رسائل النبى - صلى الله عليه وسلم -. فمعظم العرب فى «اليمن» وشرقى شبه الجزيرة و «الخليج» كانت ردودهم إيجابية وأعلنوا إسلامهم، فأبقاهم على إماراتهم، وأرسل إلى كل إمارة معلمين من أصحابه يفقهونهم فى الدين. أما «المقوقس» حاكم «مصر» فلم يسلم ولكنه رد ردًا مهذبًا، مصحوبًا بكثير من الهدايا، مع جاريتين، هما «مارية القبطية» التى أعتقها النبى - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها، وأنجبت له ابنه «إبراهيم»، وأختها «سيرين» التى أهداها لشاعره «حسان بن ثابت». وأما «النجاشى» ملك «الحبشة»، فقد استقبل مبعوث النبى استقبالا

حسنًا، ورد عليها برسالة مهذبة، أعلن فيها إسلامه صريحًا واضحًا. وتُوفى «النجاشى» فى السنة التاسعة من الهجرة، ولما علم النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك صلى عليه صلاة الغائب، وقد حفظ المسلمون للحبشة موقفها من المهاجرين إليها، فظلت علاقاتهم بها حسنة على الدوام. حجة الوداع: كانت «حجة الوداع» فى العام العاشر من الهجرة، وسُميت بذلك لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - انتقل إلى الرفيق الأعلى بعدها بوقت قصير، ولأن العبارات التى افتتح بها النبى - صلى الله عليه وسلم - خطبته كانت تفيد بأنه لن يلقى أمته بعدها فى الحج أبدًا، كما سميت هذه الحجة بحجة البلاغ؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - ذكر فى نهاية الخطبة عبارات التبليغ لرسالته للناس. والحج ركن من أركان الإسلام الخمسة فُرِضَ على المسلمين فى العام التاسع للهجرة، فبعد عودته - صلى الله عليه وسلم - من غزوة «تبوك» أرسل «أبا بكر الصديق» - رضى الله عنه - أميرًا على الحج، وقضى هو أكثر من عام مشغولا باستقبال وفود العرب التى توالت عليه من كل أنحاء شبه الجزيرة العربية، تعلن بيعتها وإسلامها، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يبعث مع كل وفد من يعلمهم أمور دينهم من الصحابة. ولما اطمأن أن الإسلام قد انتشر فى بلاد العرب، وتجاوزها إلى ما حولها رغب أن يقوم بأداء فريضة الحج، ويعلِّم المسلمين المناسك بطريقة عملية، ويوصيهم خيرًا، ويلخص لهم فى خطبة شرائع الإسلام وأهدافه. فخرج من «المدينة» فى 25 من ذى القعدة من السنة العاشرة للهجرة، وأحرم بالحج والعمرة من ذى الحُلَيْفة (6)، وخلفه أكثر من مائة ألف من المسلمين، وكان المشهد رائعًا ومهيبًا، ينحنى له التاريخ إجلالا وتقديرًا، فها هو ذا الرجل الذى بدأ دعوته وحده، والعرب جميعهم يقفون ضده، ويحاربونه بكل ما يملكون يلتفون حوله، ويسيرون خلفه، ويقودهم فى تواضع وبر ورحمة ومودة.

وقد خطب النبى - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الجموع الكبيرة بعد الإحرام، فوعظهم، وعلمهم مناسك الحج، وقال لهم: «خذوا عنى مناسككم». وسار ركب الحج النبوى إلى «مكة المكرمة» فى يوم التروية -الثامن من ذى الحجة - وتوجه إلى «منى»، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وصبح يوم عرفة، وبعد الصلاة توجه إلى عرفات فى التاسع من ذى الحجة، وهناك خطبهم «خطبة الوداع»، وهى خطبة طويلة، بدأها النبى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أيها الناس، اسمعوا قولى، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا بهذا الموقف أبدًا، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا العباس بن عبدالمطلب موضوع كله، وإن كل دم كان فى الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب - ابن عم النبى - صلى الله عليه وسلم - - وكان مسترضعًا فى بنى ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية». ثم واصل خطبته مقررًا فيها قواعد الإسلام وشرائعه، هادمًا قواعد الشرك والجاهلية، موضحًا المحرمات التى اتفقت جميع الشرائع السماوية على تحريمها، وهى الدماء والأموال والأعراض، ووضع أمور الجاهلية كلها تحت قدميه، وأوصاهم بالنساء خيرًا، وحذرهم من الفتن، وختمها بتلك الكلمات المباركات، فقال: فاعقلوا أيها الناس قولى، فإنى قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبدًا، أمرًا بينًا، كتاب الله وسنة نبيه. وبعد أداء بقية مناسك الحج، عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعيدًا مغتبطًا إلى مدينته، ليستعد للقاء ربه راضيًا مرضيا عنه من ربه الذى أرسله رحمة للعالمين، ومن أمته التى بلغها رسالة ربه،

وأخرجها من الظلمات إلى النور. شخصية الرسول: كانت أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصفاته الشخصية من أهم العوامل التى ساعدت على تكوين المجتمع الإسلامى الأول تكوينًا سليمًا، فقد كانت أخلاقه رخاءً وسماحة وصفاء، وحسبه أن الله وصفه بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}. [القلم: 4]. كما كانت أخلاقه من الأسباب التى جمعت الناس حوله، لقوله تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. [آل عمران: 159]. وعُرِفَ الرسول بأخلاقه السمحة قبل البعثة، فلم يسجد لصنم قط، واشتهر بين أهله وقومه بالصادق الأمين، ولم يشترك فيما تعود شباب «قريش» أن يقوموا به من عبث ومجون، ثم ازدادت أخلاقه سموا بهدى الوحى، وأصبح أعظم العظماء فى كل شىء، فى الصدق والأمانة، والوفاء والحياء، والشجاعة والكرم، والزهد، والصبر على الشدائد، ومواجهة أعباء الرسالة، ومشكلات الحياة، رحيمًا فى معاملة أصحابه، عارفًا بأقدارهم، عطوفًا على أهله وزوجاته. وإذا كان الناس يقولون أن الرجل العظيم فى الحياة العامة قلما يكون عظيمًا فى بيته، فإن «محمدًا» - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم العظماء فى التاريخ البشرى كله، فى الحياة العامة، وأعظمهم فى بيته الذى ضم تسع زوجات، فى وقت واحد، من أعمار مختلفة ومن قبائل مختلفة، بل ومن أجناس مختلفة، فمنهن العربية واليهودية والمصرية، فكان المثل الأعلى معهن فى كل شىء، وكلهن يقدرن شخصه وخلقه، وقد عاش بعضهن بعد موته أكثر من نصف قرن، وألسنتهن تلهج بذكره والثناء عليه، فلم تشغله أعباء الرسالة وتكاليفها، وتبعات الدولة ومسئولياتها عن القيام بواجباته نحوهن على أكمل وجه، وكان يجد من الوقت ما يسمح له بملاطفتهن، وإدخال السرور على قلوبهن. وقد انبهر بأخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم - عدد من كتاب الغرب، فلم يسعهم إلا أن يقولوا كلمة الحق عنه، من ذلك ما قاله «وليم موير»: «إن من صفات محمد الجديرة بالتنويه الرأفة والاحترام اللذين

كان يعامل بهما أصحابه، فإن التواضع وإنكار الذات والرأفة والأناة والسماحة تغلغلت فى نفسه، فأحبه كل من حوله، ولم يكن الإصلاح أعسر ولا أبعد منالا منه عند ظهور محمد، ولا نعلم نجاحًا تم كالذى تركه عند وفاته». ويقول الشاعر «لامارتين»: «إن محمدًا هو أعظم رجل بجميع المقاييس التى وضعت لوزن العظمة الإنسانية، فإن كان مقياس العظمة الإنسانية هو إصلاح شعب متدهور، فمن ذا الذى يطاول محمدًا فى هذا المضمار. وإذا كان مقياس العظمة هو توحيد الإنسانية المفككة الأوصال، فإن محمدًا أجدر الناس بهذه العظمة، لأنه جمع شمل العرب بعد تفكك شامل. وإذا كان مقياس العظمة هو إقامة حكم السماء فى الأرض، فمن ذا الذى ينافس محمدًا الذى محا مظاهر الوثنية، وثبت عبادة الله وقوانينه فى عالم الوثنية والقوة». أما الدكتور «مايكل هارت» فى كتابه «المائة الأوائل» فقد وضع النبى - صلى الله عليه وسلم - على رأس القائمة، مبررًا ذلك أمام القراء الغربيين الذين يكتب لهم فى الأساس بأنه «الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوى، ونشر الإسلام وهو من أعظم الديانات، وأصبح قائدًا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد مرور القرون العديدة فإن أثره لا يزال متجددًا وقويا». والحق أن جوانب العظمة والكمال الإنسانى فى شخصية الرسول لا يستطيع أحد أن يحصرها أو يحيط بها، وستظل سيرته وأعماله وأخلاقه مجالا رحبًا للبحث والدراسة، والتأمل والاقتداء. مرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووفاته بدأ النبى - صلى الله عليه وسلم - يشعر بالمرض بعد عودته من حجة الوداع بنحو شهرين، أى فى أواخر شهر صفر من العام الحادى عشر للهجرة، وكان يشكو من الصداع، ويقول: «وارأساه». وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - فى بداية مرضه يتحامل على نفسه، ويخرج إلى الناس يصلى بهم إمامًا، فلما اشتد عليه المرض ولم

يعد قادرًا على الخروج، أمر «أبا بكر الصديق» أن يصلى بهم إمامًا، وأصرَّ على ذلك، ورفض أن يصلى بهم «عمر بن الخطاب»، وفى ذلك إيماء إلى أفضلية «أبى بكر» - رضى الله عنه - على سائر الصحابة كلهم. وفى صبيحة يوم الاثنين الموافق (12 من شهر ربيع الأول سنة 11هـ) فاضت روح النبى - صلى الله عليه وسلم - الطاهرة إلى بارئها، فكان ذلك صدمة قاسية للمسلمين، الذين روعتهم وفاة نبيهم إلى الحد الذى جعل بعضهم لا يصدق أن النبى تُوفِّى - من هول الصدمة - منهم «عمر بن الخطاب» الذى كان أكثرهم فزعًا وحزنًا، أما «أبو بكر الصديق» فلم يكن موجودًا لحظة وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - بل كان فى منزله بالسُّنح من ضواحى «المدينة» فلما بلغه الخبر المفجع جاء على الفور، فوجد الناس واجمين، قد استبد بهم الحزن، وعمتهم الحيرة، وغشيهم الكرب، ووجد «عمر بن الخطاب» يخطب فى الناس ويتهدد ويتوعد من يقول إن النبى قد مات، فلم يكلمه، وقصد بيت ابنته «عائشة» حيث جسد النبى - صلى الله عليه وسلم - مسجى هناك، فكشف الغطاء عن وجهه الشريف وتأكد من وفاته، فقبله فى جبينه، وقال: «بأبى أنت وأمى، طبت حيا وميتًا يارسول الله»، ثم خرج إلى الناس، الذين كانوا ينتظرونه، وقد تعلقت به آمالهم، لعله يعلن أن النبى لم يمت، ولكنه كان رجل الموقف العصيب، فأعلن الحقيقة التى لا مفر من إعلانها للناس، ليواجهوا الموقف بكل أحزانه وتبعاته، فقال للناس بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه: «أما بعد، فمن كان يعبدُ محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبدُ اللهَ فإن الله حى لا يموت»، ثم تلا قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزى الله الشاكرين}. [آل عمران: 144]. فقال «عمر بن الخطاب» حين سمع «أبا بكر» يتلو هذه الآية: «كأنى لم أسمعها من قبل».

هذه هى الحقيقة التى أعلنها «الصديق» على الناس، فالنبى بشر يخضع لقوانين الله فى البشر من حيث الحياة والموت، وقد قال الله له: {إنك ميت وإنهم ميتون}. [الزمر: 30]. بدأ التفكير فى تجهيز النبى - صلى الله عليه وسلم - من غسل وتكفين ودفن، فاختلفوا، أين يدفن، فقال لهم «أبو بكر الصديق»: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مامات نبى إلا دفن حيث مات». وشرعوا فى غسله، وكان الذين تولوا غسله هم أهل بيته: «على بن أبى طالب»، وعمه «العباس بن عبدالمطلب»، وابنه «الفضل»، واشترك معهم «أسامة بن زيد»، و «شقران» مولى «أسامة»، ولم يجردوه من قميصه أثناء غسله، ثم كفنوه فى ثلاثة أثواب، وصلوا عليه فرادى، الرجال أولا، ثم تلاهم النساء، ثم الأطفال، وفى يوم الثلاثاء التالى لوفاته وورى الجسد الطاهر فى التراب.

1 - 6:خلافة أبى بكر الصديق

الفصل السادس *خلافة أبى بكر الصديق قيام الخلافة: أدرك الصحابة - رضوان الله عليهم - أهمية اختيار خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وضرورة أن يختاروا لدولتهم رئيسًا يخلف النبى فى إدارة أمورهم، فاجتمع الأنصار فى «سقيفة بنى ساعدة»، التى كانت لهم مثل دار الندوة لقريش فى «مكة»؛ لاختيار خليفة منهم، ظانين أنهم أحق الناس بذلك الأمر من غيرهم، فالمدينة بلدهم، والدولة قامت على أرضهم، فرشحوا «سعد بن عبادة الخزرجى» لهذا المنصب الجليل، وفى أثناء ذلك جاء «عويم بن ساعدة»، و «معن بن عدى»، وهما من الأنصار إلى «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وأخبراهما بما يجرى فى السقيفة، فاتجها معهما على الفور إليها، وفى الطريق لقيا «أبا عبيدة بن الجراح» فذهب معهم، ولما وصلوا إلى السقيفة حيث الأنصار مجتمعون، و «سعد بن عبادة» يتكلم على الرغم من مرضه، مبينًا أحقية الأنصار بالخلافة؛ أراد «عمر بن الخطاب» أن يتكلم، لكن «أبا بكر» طلب منه أن ينتظر، فامتثل لأمر «أبى بكر» الذى تكلم، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وعلى نبيه: «إن الله بعث محمدًا رسولا إلى خلقه؛ ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ... فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له .. فهم أول من عبدالله فى الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، لا ينازعهم إلا ظالم. وأنتم يا معشر الأنصار من لا يُنكر فضلهم فى الدين ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام، رضيكم الله أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لاتفتاتون فى مشورة، ولا تنقضى دونكم الأمور»، ثم قال: «ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحى من قريش،

هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم» يقصد «عمر» و «أباعبيدة»، ولكنهما رفضا أن يتقدما على «أبى بكر»، وقالا: «لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين، وثانى اثنين إذ هما فى الغار، وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغى له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك». فقام الحاضرون فى السقيفة بمبايعة «أبى بكر» بيعة عُرفت بالبيعة الخاصة، لأن كثيرًا من المسلمين لم يحضروها، وبخاصة آل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا مشغولين فى مراسم دفنه، وتمت البيعة فى جو من السكينة والإخاء والود، بعد مشاورة ونقاش هادئ ورزين، مما دل على إحساس عميق بالمسئولية من كبار الصحابة، وضرورة استمرارية الدولة، وكراهيتهم أن يبيتوا ليلة واحدة بعد وفاة نبيهم بدون إمام يدير أمورهم، ويواجه الموقف، ويتخذ ما يلزم من قرارات، وقدموا ذلك على تجهيز النبى ودفنه - صلى الله عليه وسلم -. البيعة العامة: وفى اليوم التالى بعد الانتهاء من دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجتمع المسلمون فى مسجده وبايعوا «أبا بكر» بيعة عامة، حضرها جمهور الصحابة، وكأن البيعة الأولى كانت بمثابة ترشيح، احتاجت إلى تصديق من عامة المسلمين وتوثيقهم. والذى عليه جمهور علماء أهل السنة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يعين خليفة له، ولم يوصِ بتعيين أحد، فلو أنه حدد لهم شخصًا بعينه وجعله خليفة عليهم؛ لظن بعض الناس أنه تعيين من الله ورسوله، وسيضفى على هذا الشخص نوعًا من القداسة تجعله فوق النقد والمحاسبة، وهذا أمر خطير لا محالة، فولىُّ الأمر عند المسلمين بشر، يخطئ ويصيب، فإذا أصاب أعانوه، وإذا أخطأ قوموه. وكما لم يعين النبى - صلى الله عليه وسلم - شخصًا بعينه لتولِّى الأمر من بعده، فإنه لم يحدد للمسلمين أيضًا الطريقة التى يختارون بها من

يتولى أمورهم؛ لأنها تخضع لتطور الظروف والأحوال، ومن هنا كان فى ترك النبى لهذا الأمر مصلحة للمسلمين، حتى لا يقيدهم بشخص، أو بطريقة معينة، وقد فهم الصحابة مراد نبيهم وقصده من عدم التعيين، وتصرفوا على أساسه. وكل ما يمكن قوله فى هذه المسألة الخطيرة أن النبى أومأ إيماءة خفيفة ذات مغزى بتقديمه «أبا بكر» ليؤم المسلمين فى الصلاة أثناء مرضه، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - قد رشح «أبا بكر» للخلافة مجرد ترشيح وليس إلزامًا، وكأنه أراد أن يقول: إذا رأيتموه جديرًا بالخلافة وأهلا لها وقادرًا على تحقيق مصلحتكم فى دينكم ودنياكم، فأنتم وذاك، وإلا فلتروا رأيكم. والخلاصة أن ببيعة «أبى بكر» العامة فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى اليوم التالى لوفاته قامت دولة الخلفاء الراشدين، التى استمرت نحو ثلاثين عامًا (11 - 40هـ). الخليفة الأول 11 - 13): هو «عبد الله بن عثمان بن عامر»، من قبيلة «تيم بن مرة بن كعب»، وفى «مرة بن كعب» يلتقى نسبه مع نسب النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأمه «أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر»، تيمية كأبيه وكنيته: «أبو بكر»، ولقبه: «عتيق». ولُد «أبو بكر» سنة (573م) بعد مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أعوام، ونشأ فى «مكة»، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته. وعُرف «أبو بكر» بترفعه عن عادات الجاهلية، وما كانوا يقترفونه من مجون وشرب خمر، وارتبط قبل البعثة بصداقة قوية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الاتفاق فى الطباع وصفاء النفس من أقوى الروابط بين النبى و «أبى بكر». إسلامه: تُجمع مصادر السيرة والتاريخ على أن «أبا بكر» كان أول من أسلم وآمن بالنبى - صلى الله عليه وسلم - من الرجال الأحرار، وكان لسلامة فطرته التى كانت تعاف ما عليه قومه من عبادة الأوثان أثر فى تبكيره بالدخول فى الإسلام، وما إن دعاه النبى - صلى الله عليه

وسلم - إلى الإسلام حتى أسلم على الفور؛ لثقته بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - وأمانته، يقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: «ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة - تأخر فى الإجابة- إلا ما كان من أبى بكر بن أبى قحافة، ما عكم عنه - تأخر عنه - حين ذكرته له، وما تردد فيه». ومنذ أن أسلم وهو يهب نفسه وماله لله ورسوله، فكان يشترى من أسلم من العبيد الذين كانت «قريش» تعذبهم، ويعتقهم كبلال بن رباح، وكان يذود عن النبى - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أوتى من قوة، فيروى «البخارى» عن «عبد الله بن عمرو ابن العاص» قوله: «رأيت عقبة بن أبى معيط جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى، فوضع رداءه فى عنقه، وخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر - رضى الله عنه - حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم». [صحيح البخارى]. ومن أجَلِّ مواقف «أبى بكر» تصديقه للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى حادث الإسراء، فحين أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك أسرعوا إلى «أبى بكر» يخبرونه، ظنا منهم أنه لن يصدق، فقال لهم: «والله لئن كان قاله لقد صدق، فإنى أصدقه فى أبعد من هذا، أصدقه فى خبر السماء يأتيه فى ساعة من ليل أو نهار»، فلُقب بالصديق من يومئذٍ. واختاره النبى - صلى الله عليه وسلم - -لثقته- به ليرافقه فى رحلة الهجرة دون غيره من الصحابة، ثم لازم النبى بعد الهجرة فى ليله ونهاره، فلم يتخلف عن غزوة من غزواته أو مشهد من مشاهده، وكان مجاهدًا بنفسه وماله حتى وصفه النبى بقوله: «ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه بها، إلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبى بكر». ومما لاشك فيه أن «أبا بكر الصديق» عند علماء الأمة أفضل المسلمين مطلقًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودليل ذلك أنه

جعله أميرًا على الحج فى العام التاسع من الهجرة، وأنابه فى الصلاة عند مرضه - دون غيره -، وكان هذا أقوى مرشح له لتولى الخلافة بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -. أبو بكر الصديق ومسئوليات الخلافة: بعد أن بويع «أبو بكر الصديق» البيعة العامة قام فخطب الناس خطبة قصيرة، وضح لهم فيها منهجه فى الحكم، فقال بعد أن حمد الله وصلى على نبيه: «أما بعد أيها الناس فإنى وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله إلا ضربهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفاحشة فى قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله». كلمات قليلة وبسيطة، لكنها في غاية الأهمية، تحمل اعتراف الخليفة الأول بحق الأمة فى مراقبة تصرفات حاكمها ونقده وتقويمه إن جانب الصواب. كان أول القرارات التى اتخذها «أبو بكر» وأصعبها قراره بإنفاذ جيش «أسامة» إلى «جنوبى الشام»، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن «الصديق» أقدم عليه فى ظروف دقيقة وحرجة، فالعربُ قد ارتدت عن الإسلام، حتى «مكة» نفسها همت بالردة، لولا أن «سهيل بن عمرو» روَّعهم، قائلا: «لماذا ترتدون والنبوة كانت فيكم، والخلافة أصبحت فيكم؟»، وحاولت «الطائف» أن ترتد، فمنع من حدوث ذلك عقلاؤها؛ إذ قالوا لقومهم: لقد كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من يرتد. كما استفحل أمر مدعى النبوة «مسيلمة الكذاب» فى «اليمامة» شرقى شبه الجزيرة العربية، و «طليحة بن خويلد الأسدى» فى «بنى أسد»، فى منطقة «بذاخة» -ماء لبنى أسد يقع إلى الشرق من «المدينة المنورة» - و «لقيط بن مالك» فى «عمان» جنوبى شرقى بلاد العرب، و «الأسود العنسى» فى «اليمن».

وكل أولئك ظهروا فى أواخر حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يحفل بهم كثيرًا؛ لثقته بالقدرة على القضاء على تلك الحركات، وفى الوقت نفسه أمر بإنفاذ جيش «أسامة بن زيد» إلى جنوب «الشام»؛ لتأديب القبائل القاطنة هناك، التى تعادى المسلمين، ولتثبيت هيبة الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم فى غزوة «تبوك»، وللفت أنظار أصحابه إلى خطورة دولة الروم على الإسلام، لكن هذا الجيش لم يذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبى - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما عزم عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لكن الصحابة جميعًا عارضوا «أبا بكر» فى قراره بإرسال جيش «أسامة»، وتعللوا بأن الردة قد عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر داهم ومحدق بهم، حتى لم تسلم منه «المدينة» نفسها، واشرأبت أعناق أعداء الإسلام من يهود ونصارى وغيرهما، وتحفزوا للقضاء على الإسلام، ولذا فإن بقاء الجيش فى «المدينة» ضرورة ملحة؛ لحمايتها من الأخطار المحدقة بها. لكن ذلك كله لم يثن عزيمة الصديق عن إرسال جيش «أسامة»، ووقف كالأسد الهصور يذود عن الإسلام باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا: «والذى نفس أبى بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفتنى لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته». وقد ظهرت نتائج سياسة «الصديق» الموفقة، عندما ذهب جيش «أسامة» وحقق ما قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهداف، وعاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع فى قلوب القبائل العربية التى مرَّ عليها فى شمالى شبه الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى الشام؛ لأنهم قالوا: «لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش الكبير إلى هذا المكان البعيد فى مثل هذا الوقت»؛ ولذا كانت حركة الردة فى المناطق التى مرّ بها «أسامة» بجيشه أضعف منها فى أى مكان آخر من شبه الجزيرة العربية. حركة الردة:

يعد موقف «الصديق» من حركة الردة ومواجهته لها من أروع المواقف فى التاريخ، لأنه آمن إيمانًا عميقًا بانتصار الحق مهما تكن قوة أعدائه، وأظهر تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد. وقد بدأت حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان» و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض على «الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة، ويعدُّونها إتاوة تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر الزكاة فى التكافل الاجتماعى بين المسلمين. كان رأى فريق من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن يستجيب «أبو بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة، وخاصة أن «المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن «الصديق» لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا جازمًا قائلا له: «والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه». وكان هذا الموقف الثابت من «الصديق» رائعًا كل الروعة، فماذا لو وافق «أبو بكر» «عمر» ومن معه على رأيهم؟ ربما شجع هذا التنازل قبائل أخرى، فتمتنع عن دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما تطور الموقف إلى أبعد من هذا، فتمتنع قبائل عن إقامة الصلاة أو غيرها من أركان الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن «الصديق» حين فعل هذا تمثل واقتدى بموقف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه وفد «ثقيف» يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه إعفاءهم من أداء الصلاة، فرفض النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقال لهم: «لا خير فى دين لاصلاة فيه»، ولعل «الصديق» قصد ذلك حين قال: «والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة». ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات صائبة فحسب، بل كان يقرنها بالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك

أنهم سيهاجمون «المدينة» على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب معظم الرجال مع جيش «أسامة»، وأعلن حالة الاستعداد للدفاع عن «المدينة» عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفة عمليات عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، وأمر عددًا من كبار الصحابة بحراسة مداخل «المدينة»، على رأسهم «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيد الله»، و «الزبير بن العوام»، و «عبد الله بن مسعود» رضى الله عنهم. وحدث ما توقعه «الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة «المدينة»، فوجدوا المسلمين فى انتظارهم، فهزمهم المسلمون وردوهم على أعقابهم إلى «ذى القصة» - شرقى «المدينة». ثم تعقبهم «الصديق» وألحق بهم هزيمة منكرة، وفرت فلولهم، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ «الصديق» من «ذى القصة» مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة كلها، وفى هذه الأثناء جاءت الأخبار بوصول جيش «أسامة» سالمًا غانمًا، فأسرع «الصديق» بنفسه لاستقبال قائد الجيش الشاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيام، وبعد أن احتفى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم «المدينة»، وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير المعركة مع المرتدين بعزيمة لا تلين. أسباب حركة الردة: قبل الخوض فى الحديث عن مواجهة «أبى بكر» لحركة الردة، ينبغى معرفة أسبابها، التى جعلت تلك القبائل ترتد بعد أن أعلنت إسلامها أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى السنة الأخيرة من حياته. - السبب الأول: أن إسلام أغلب هذه القبائل كان ضعيفًا، فقد أذعنوا لقوة المسلمين، التى لم يكن لهم قِبَل بمواجهتها؛ فاستسلموا ولم يسلموا إسلامًا حقيقيًا، فظنوا أن وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ستفتُّ فى عضد المسلمين، ولن يستطيعوا مواجهتهم. - والسبب الثانى: أن العصبية القبلية كانت عندهم قوية، فمعظم المرتدين الذين التفوا حول مدعى النبوة كانوا يعلمون صدق النبى

- صلى الله عليه وسلم -، ولكن كل قبيلة كانت تريد أن يكون لها نبى من أبنائها ولو كان كذابًا، كما لقريش نبى من أبنائها، وعبروا عن ذلك بوضوح وصراحة، فيقول أحد «بنى حنيفة» لمسيلمة: «أشهد أنك كذاب، ولكن كذاب ربيعة - التى منها مسيلمة - خير من صادق مضر- التى منها محمد»، وقال «عيينة بن حصن الفزارى» عن «طليحة بن خويلد الأسدى»: «نبى من الحليفين خير من نبى من قريش، ومحمد مات، وطليحة حى». - والسبب الثالث: أن زعماء القبائل وشيوخها كانوا مستفيدين من الوضع القبلى القديم؛ إذ كانت حياة معظم القبائل تقوم على الإغارة والسلب والنهب، ويأخذ شيوخها ربع ما تحصل عليه من تلك الغارات، ولذا تزعموا حركة الردة، وحرضوا أبناء القبائل عليها، ليستمروا فى السيطرة على قبائلهم. - والسبب الرابع: أن الفرس والروم حاولا القضاء على الإسلام باستخدام العرب وتحريضهم ومساعدتهم، فلما فشلا فى ذلك تدخلا تدخُّلا مباشرًا، فحرَّض الفرس عرب الخليج على الردة، ثم أمدوا «سجاح بنت الحارث اليربوعية» - مدعية النبوة - بجيش كبير، قوامه أربعون ألف رجل، جاءت بهم من «العراق» التى كانت تحت الحكم الفارسى لمحاربة المسلمين، فلما فشلت تدخلوا مباشرة ضد «المثنى بن حارثة»، الذى كان يحارب المرتدين على حدود «العراق». وفعل الروم البيزنطيون ما فعله الفرس، فاعتدوا فى حروب الردة على جيش «خالد بن سعيد بن العاص» فى منطقة «تيماء» شمالى «الحجاز»، وألحقوا به هزيمة كبيرة وقتلوا معظم جنوده. المواجهة السلمية: أراد «أبو بكر الصديق» أن يبصِّر المرتدين بخطورة ما أقدموا عليه، فواجههم مواجهة سلمية بأن دعاهم إلى العودة بدون قتال إلى الإسلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره: «وإنى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية

الله، فمن استجاب له وأقرَّ وكف وعمل صالحًا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عليه، .. ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتابى فى كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم ... ». الاستعداد العسكرى: وفى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتال؛ كان يعد أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كل منطقة؛ ليشغل كل قبيلة بالدفاع عن نفسها فى ديارها، ولا تأخذ فرصة للتجمع والتكتل ضده، وكان هذا تصرفًا بارعًا وحكيمًا من «الصديق». واختار «الصديق» لهذه الجيوش أمهر القادة وأكثرهم خبرة بالقتال، وهم: «خالد بن الوليد»، سيف الله وعبقرى الحرب، وأمره بقتال المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» وحلفائهم بقيادة «طليحة بن خويلد» فى «بذاخة»، فإذا انتهى من مهمته توجه لقتال المرتدين من «بنى تميم» فى «البطاح»، إلى الشرق من ديار «بنى أسد». - و «عكرمة بن أبى جهل» وأردفه بشرحبيل بن حسنة، وأمرهما بالتوجه إلى «مسيلمة الكذاب» ومن معه فى «اليمامة»، وأمرهما ألا يقاتلاه حتى يأمرهما بذلك، لمعرفة «أبى بكر» بقوة جيش «مسيلمة»، وأنهما لن يقدرا على هزيمته بسهولة، بل يشغلاه حتى يحين الوقت المناسب لإرسال قوات أكبر؛ لمواجهة «بنى حنيفة» فى جموعهم الكبيرة. - و «العلاء بن الحضرمى»، وأمره بقتال المرتدين فى «البحرين» وما والاها. - و «حذيفة بن محصن»، وأمره بقتال المرتدين فى «دبا» فى جنوبى شرقى شبه الجزيرة. و «عرفجة بن هرثمة»، وأمره بقتال المرتدين فى «مهرة» فى جنوبى شبه الجزيرة. و «المهاجر بن أبى أمية المخزومى»، وأمره بقتال المرتدين فى جنوبى «اليمن».

و «سويد بن مقرن»، وأمره بقتال المرتدين فى «تهامة اليمن» على ساحل «البحر الأحمر». - و «عمرو بن العاص»، وأمره بقتال قبائل «قضاعة» فى الشمال. - و «معن بن حاجز» وأمره بقتال المرتدين فى «هوازن» و «بنى سليم». و «خالد بن سعيد بن العاص»، وأمره أن يعسكر فى «تيماء»، ولا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل. أهم معارك حروب الردة: لم يستجب المرتدون لدعوة «أبى بكر» السلمية، فبدأ قادته ينفذون ما عهد إليهم من مهام، وخاض «خالدبن الوليد» أول معارك الردة فى «بذاخة» ضد المرتدين من «غطفان» و «بنى أسد» وحلفائهم ممن التفوا حول «طليحة بن خويلد الأسدى» مدعى النبوة، وكان النصر حليف «خالد»، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمائهم أسرى إلى الخليفة، وفر «طليحة»، وظهر كذبه، ويجدر بالذكرى أن «طليحة» قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عهد «أبى بكر الصديق»، واشترك فى الفتوحات الإسلامية فى «فارس»، فى عهد «عمر بن الخطاب»، وكان له دور بارز فيها. وبعد ذلك توجه «خالد بن الوليد» إلى «البطاح» فى «نجد» لقتال المرتدين من «بنى تميم» بزعامة «مالك بن نويرة»، ونجح فى إلحاق الهزيمة بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم. معركة اليمامة: «اليمامة» مصطلح جغرافى قديم، يشمل المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية التى تقع فيها الآن مدينة «الرياض» عاصمة «المملكة العربية السعودية». ووقعت معركة «اليمامة» نفسها فى مكان قريب من هذه المدينة. وسبق أن ذكرنا أن «أبا بكر» أرسل «عكرمة بن أبى جهل» و «شرحبيل بن حسنة» للوقوف فى وجه «مسيلمة»، ولم يأمرهما بقتال؛ لكنهما تعجلا مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع «مسيلمة» فى حرب لم يصمدا فيها، وعادا منهزمين، ولعلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو. وما إن وصلت أنباء هزيمتهما إلى «أبى بكر» حتى غضب غضبًا

شديدًا، وطلب منهما ألا يعودا إلى «المدينة»، وقرر فى الوقت نفسه أن يرسل «خالد بن الوليد» إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة»، فهو أصلح الناس لهذه المهمة. وكان «خالد» قد فرغ من القضاء على فتنة المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»، فجاءته أوامر من «أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة الكذاب». امتثل «خالد بن الوليد» لأوامر الخليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيلو متر، حتى التقى بجيوش «مسيلمة» - وكانت نحو أربعين ألفًا - فى مكان يسمى «عقرباء» فى حين كانت قوات «خالد» تبلغ نحو ثلاثة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحرب بين الفريقين، وكانت حربًا شرسة، اشتدت وطأتها على المسلمين فى البداية، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر «خالد» كالأسد الهصور، ونادى بأعلى صوته «وامحمداه»، وكان شعار المسلمين فى المعركة، فاشتعلت جذوة الإيمان فى القلوب، وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فى النصر أو الشهادة، وصبروا لأعداء الله حتى هزموهم هزيمة منكرة، وقتلوا «مسيلمة» الكذاب مع نحو عشرين ألفًا من رجاله، واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومائتى رجل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم. وحين ترامت إلى المرتدين أخبار انتصارات «خالد» وما فعله فى «بنى حنيفة»، وقر فى أذهانهم أن المسلمين لا ينهزمون؛ ولذا كانت مهمة بقية القادة فى المناطق التى توجهوا إليها أقل صعوبة مما واجهه «خالد بن الوليد» فى «اليمامة». وقبل أن يمضى عام على بدء حركة الردة كان «أبو بكر الصديق» قد نجح فى القضاء عليها فى كل مكان، وعادت شبه الجزيرة العربية موحدة دينيًا وسياسيًا تحت لواء المسلمين وحكومتهم فى «المدينة» على ما كانت عليه فى آخر حياة الرسول. الفتوحات الإسلامية فى عهده: أسبابها:

من يتتبع حركة الفتوحات الإسلامية خارج شبه الجزيرة العربية يجد أنها جاءت استطرادًا، وجاءت تحت ضغط الظروف، وأن المسلمين اضطروا إليها اضطرارًا؛ إذ لم يكن لهم برنامج أو خطة معدة من قبل للفتح أو التصادم مع الآخرين؛ لأن نشر الإسلام، وهو الغاية الأولى للمسلمين، لا يتطلب أعمالا حربية أو الدخول فى معارك عسكرية، وكل ما كان يطلبه المسلمون هو أن يفسح لهم الآخرون الطريق ليدعوا إلى دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن الفرس والروم لم يعطوا المسلمين هذه الفرصة، فكادوا لهم واعتدوا عليهم، مما اضطر المسلمين إلى خوض الحروب معهم، ورد عدوانهم، وتحقيق الحرية لنشر العقيدة الإسلامية دون عوائق، وليس لنشر العقيدة، والفرق كبير بين المعنيين. فتح العراق: فى أثناء حروب الردة طارد «المثنى بن حارثة» - أحد قادة المسلمين - المرتدين إلى الشمال، على الساحل الغربى للخليج العربى، فلما وصل إلى حدود «العراق» تكاثرت عليه قوات الفرس، بعد أن رأوا فشل عملائهم من المرتدين فى القضاء على الإسلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين. ولما رأى «المثنى» أنه غير قادر بمن معه على مواجهة القوات الفارسية، أرسل إلى الخليفة يشرح له الموقف، ويطلب منه المدد، فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم، فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم. وفى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك «خالد بن الوليد» من «اليمامة»، وكان لايزال بها، بعد أن قضى على فتنة «مسيلمة الكذاب»، وتوجه إلى «العراق». حيث خاض سلسلة من المعارك ضد الفرس فى خلال عدة شهور، فى «ذات السلاسل» و «المذار»، و «الولجة»، و «أليس»، وهذه أسماء الأماكن التى دارت فيها الحروب، وكان النصر حليفه فيها، ثم توَّج انتصاراته بفتح «الحيرة» عاصمة «العراق» فى ذلك الوقت، واستقر بها فى شهر ربيع الأول من العام نفسه، ثم فتح «الأنبار» و «عين التمر» إلى الشمال من

«الحيرة»، ثم جاءته أوامر من «أبى بكر» أن يعود إلى «الحيرة» ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى. وخلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح «خالد» فى فتح أكثر من نصف «العراق»،وصالح أهله على دفع الجزية، ولم يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام». فتح الشام: كان «خالد بن سعيد بن العاص»، أحد قادة حروب الردة، معسكرًا بقواته فى «تيماء» شمالى «الحجاز» بأمر من الخليفة الذى ألزمه بألا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل، وقصد الخليفة بذلك أن يكون هذا الجيش احتياطيًا، يمد -عند الضرورة - القوات المحاربة فى جهات أخرى، وأن يراقب تحركات الروم؛ لأنه كان على يقين أنهم سوف يستغلون فرصة انشغاله بحروب الردة، ويكرروا عدوانهم. وحدث ما توقعه «أبو بكر الصديق»، فقد هجم الروم على جيش «خالد»، ومعهم القبائل العربية القاطنة فى الشام، وألحقوا به هزيمة قاسية، وقتلوا معظم جنوده، واستشهد ابنه فى المعركة، فلما وصلت أخبار الهزيمة إلى الخليفة «أبى بكر» جمع كبار الصحابة لدراسة الموقف، فاستقر رأيهم على ضرورة صد العدوان، وشرع «أبو بكر» فى حشد أربعة جيوش لتحقيق ذلك: - جيش بقيادة «أبى عبيدة بن الجراح» وجهه إلى «حمص» شمالى الشام. - وجيش بقيادة «يزيد بن أبى سفيان»، ووجهه إلى «دمشق» فى وسط الشام. - وجيش بقيادة «شرحبيل بن حسنة»، ووجهه إلى «الأردن». - وجيش بقيادة «عمرو بن العاص»، ووجهه إلى «فلسطين». وقال «أبو بكر» لقادة جيوشه: إذا عملتم منفردين، فكل واحد منكم أمير على من معه من قوات - وكان مع كل واحد منهم نحو ثمانية آلاف جندى - ثم أمير على المنطقة التى يفتحها، أما إذا ألجأتكم الظروف إلى الاجتماع فى مكان واحد، فالقائد العام «أبو عبيدة بن الجراح». موقعة اليرموك: تحرك القادة الأربعة بجيوشهم، فلما دخلوا جنوبى الشام، وجدوا جيشًا روميا، قوامه نحو (250) ألف جندى، بقيادة «تذراق» أخى

«هرقل»، يساندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا - بقيادة «جبلة بن الأيهم الغسانى»، فلم يستطيعوا الالتحام مع هذه الجموع الحاشدة، فدارت بينهم مراسلات تجمعوا بعدها فى وادى «اليرموك»، تحت قيادة «أبى عبيدة بن الجراح». لكن تجمعهم لم يؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فأخبروا الخليفة «أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا، فدع العراق، وأخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد» لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا، حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم «خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش العالم، إذ قتل منه نحو مائة وعشرين ألفًا، وقد أدرك «هرقل» إمبراطور الروم حجم الكارثة التى حلت بجيشه، فغادر المنطقة نهائيًا، وقلبه يقطر دمًا، ويتحسر على جهوده التى بذلها فى استرداد الشام من الفرس، ثم ها هى ذى يفتحها المسلمون، وقال: «السلام عليك يا سوريا، سلامًا لا لقاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومى بعد الآن إلا خائفًا». وقد استشهد من المسلمين نحو ثلاثة آلاف، وقد فتح هذا النصر

العظيم الطريق لفتح بقية الشام، الذى تم فى عهد «عمر بن الخطاب». الجمع الأول للقرآن فى عهد أبى بكر الصديق: فزع «عمر بن الخطاب» لاستشهاد عدد كبير من حفظة القرآن فى حروب الردة، وبخاصة معركة «اليمامة»، فأشار على «أبى بكر» بضرورة جمع القرآن فى مصحف واحد؛ خشية أن يُستشهد عدد آخر من الحفاظ، فيضيع القرآن، أو يدخله تحريف إذا تباعد الزمن بين نزوله وجمعه، كما حدث للكتب السابقة. تردد «أبو بكر» فى بادئ الأمر من اقتراح «عمر»، وقال: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»، فقال له «عمر»: «أرى والله أنه خير»، فلم يزل «عمر» بأبى بكر حتى قبل، ثم استدعى «أبو بكر» «زيد بن ثابت الأنصارى»، وكلفه بمهمة جمع القرآن، قائلا له: «إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه»، فقبل «زيد» هذه المهمة الثقيلة، وبدأ فى تتبع القرآن، وجمعه من الرقاع والعظام، والعسب (سعف النخل) التى كان مكتوبًا عليها ومن صدور الرجال، وجعل ذلك فى مصحف واحد. وقد ظل هذا المصحف عند «أبى بكر»، ثم انتقل بعد وفاته إلى «عمر بن الخطاب»، ثم انتقل بعد وفاته إلى ابنته أم المؤمنين «حفصة»، وفى عهد «عثمان» دعت الضرورة إلى جمع الناس على قراءة واحدة، فأخذه «عثمان» منها، ونسخ منه عدة نسخ ووزعها على الأمصار. وهكذا توَّج «أبو بكر الصديق» أعماله الجليلة بجمع القرآن. وفاة أبى بكر الصديق: قضى «أبو بكر» فى الخلافة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام قام فيها بجلائل الأعمال، ونهض بمسئولية قيادة الدولة على خير وجه، وعاش حياته للإسلام وللمسلمين، ووهب حياته لخدمة رعيته، والدفاع عن عقيدتها، دون أن يأخذ أجرًا على تحمله تبعات هذا المنصب الجليل، منصب الخليفة، وعاش مثل بقية رعيته دون أن يمتاز عنهم فى مسكن أو ملبس، بل إنه رد ما خصصه له كبار الصحابة من راتب ضئيل، كى يترك التجارة ويتفرغ لمنصبه.

وفى أواخر شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة، فاضت روح «أبى بكر» إلى بارئها بعد مرض استمر أسبوعين، كان سببه الحمى، وتولى بعده الفاروق «عمر بن الخطاب».

1 - 7:خلافة عمر بن الخطاب

الفصل السابع *خلافة عمر بن الخطاب (13 - 23 هـ) نسبه وصفته وإسلامه: هو «عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبدالعُزى بن رباح» وأمه «حنتمة بنت هشام بن المغيرة». أسلم فى العام الخامس من البعثة، وعمره سبع وعشرون سنة، بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة، أسلموا قبله، وكان قبل إسلامه معاديًا للإسلام شديدًا فى عداوته، لكن الله شرح صدره للإسلام استجابة لدعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - له: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب». وعُرف «عمر بن الخطاب» بشخصية قوية، وإرادة لا تلين، وحزم وعزم فى الأمور، وهيبة فى القلوب، وكان سفير «قريش» فى الجاهلية، وهى مهمة تحتاج إلى علم وعقل، وكياسة وحسن تصرف. عمل «عمر» فى بداية نشأته بالرعى، ثم عمل فى التجارة إلى الشام وإلى «اليمن»، وكان يحرص على مقابلة ذوى الشأن فى تلك البلاد؛ ليزداد علمًا وخبرة بالحياة، وكان واحدًا من سبعة عشر رجلا من «قريش» يعرفون القراءة والكتابة فى «مكة». واشتهر «عمر بن الخطاب» أنه كان قوى البنية، طويل القامة، إذا مشى بين الناس أشرف عليهم، كأنه راكب على دابته، أبيض اللون تعلوه حمرة، جهورى الصوت، قليل الضحك، لا يمازح أحدًا، مقبلا على شأنه. أما صفاته الأخلاقية فهى «الإحساس الكامل بالمسئولية، والشدة والفراسة، والعدل والهيبة، وواضح أن هذه الصفات هى نتاج عوامل كثيرة متنوعة، مثل نشأة «عمر» الأولى وثقافته، والقيم التى غرسها الإسلام فى نفسه. أما إحساس «عمر» الكامل بمسئوليته قِبَل الرَّعية، فذلك ما لاحاجة بنا إلى التدليل عليه، ويمكن إرجاعه إلى النزعة الدينية التى ملكت عليه شغاف نفسه، والتى شهد له بها الجميع، وعلى رأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالعقيدة وحدها هى التى تبلغ بالمرء هذا المستوى القدسى، وهى التى تجعل الإنسان رقيبًا على نفسه فى جميع حركاته وسكناته، ولن تغنى عنها أية رقابة أخرى». عمر والرسول - صلى الله عليه وسلم -:

احتل «عمر بن الخطاب» منذ أن أسلم المكانة التالية لمكانة «أبى بكر الصديق» عند النبى - صلى الله عليه وسلم -، لصفاته العالية التى سبق أن ذكرنا بعضها، ولدعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يُعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب، وكانت دعوة ناشئة عن معرفة دقيقة بخصائص الرجل الذى سيكون ثالث ثلاثة فى الإسلام قدرًا ومنزلة. وعلى أية حال فإن أخلاق «عمر» وصفاته مهما تكن لم تكن لتبلغ به ما بلغ من المكانة العالية والقدر الرفيع إلا بإسلامه وبصلته برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذى تعهده بالتربية والرعاية، وأفسح لمواهبه أن تنطلق إلى أفاق عالية، لتؤدى دورها الخلاق لا فى تاريخ الإسلام فحسب، بل فى تاريخ البشرية، وليكون صاحبها واحدًا من عظماء الدنيا، وقد وضعه الكاتب الأمريكى «مايكل هارت» بين الخالدين المائة فى التاريخ الإنسانى كله. ومنذ أن أسلم «عمر بن الخطاب»، وهو من أكثر الصحابة ملازمة للنبى - صلى الله عليه وسلم -، حتى إن الصحابة أطلقوا عليه وعلى أبى بكر الصديق: وزيرَى محمد. واشتهر «عمر» دون غيره من الصحابة بمواقف كثيرة، كان يناقش النبى - صلى الله عليه وسلم - فيها ويعترض عليه فى صراحة، مثل: موقفه من أسرى «بدر»، و «صلح الحديبية» والصلاة على «عبد الله بن أبى بن سلول» رأس النفاق، ولم يكن النبى - صلى الله عليه وسلم - يضيق بذلك، بل يسمع برحابة صدر وسعة أفق، ويشجع «عمر» وغيره على إبداء آرائهم دون خوف أو وجل، يعلمهم بذلك حرية الرأى، والمشاركة فى صنع القرار. وكثير من تلك الآراء التى عارض فيها النبى - صلى الله عليه وسلم - نزل القرآن مؤيدًا لها لفرط إخلاصه لدينه، وشفافية روحه، وقد عدَّ العلماء نحو عشرين موقفًا من هذا القبيل منها: تحريم الخمر، وضرب الحجاب على زوجات النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد وردت أحاديث كثيرة فى فضل «عمر»، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». توليه الخلافة:

أراد «الصديق أبو بكر» أن يختار المسلمون خليفتهم بأنفسهم دون قيد، وبإرادتهم الحرة بلا تدخل، فقال لهم وهو على فراش المرض: «إنى قد نزل بى ما ترون، ولا أظننى إلا ميتًا لما بى من المرض، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتى، وحلَّ عنكم عقدتى، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمّرتم فى حياة منى كان أجدر ألا تختلفوا بعدى». لكنهم طلبوا منه أن يرشح لهم من يراه أهلا لتولى الخلافة بعده، وأقدر على تحمل تبعاتها الجسام، فقبل ذلك، وطلب منهم مهلة حتى ينظر لله ولدينه ولعباده، وبعد تفكير عميق، واستشارة لكبار الصحابة مثل: «عثمان بن عفان» و «على بن أبى طالب» و «عبدالرحمن بن عوف» استقر رأيه على «عمر بن الخطاب». ولم يكن ترشيح كبار الصحابة «عمر بن الخطاب» للخلافة وتزكيتهم له، بعد «أبى بكر» غريبًا أو مفاجأة، فهم يعرفون قدره ومنزلته، وقد سبق أن ذكرنا تقديم النبى - صلى الله عليه وسلم - «أبا بكر» ليؤم الناس فى الصلاة، ورفضه أن يقوم بهذا «عمر بن الخطاب»، فلما تأخر «أبو بكر» يومًا عن الصلاة، قدَّم «بلال» «عمر بن الخطاب» اجتهادًا منه ليؤم الناس، فلما سمع الرسول «عمر» يقيم الصلاة رفض ذلك، وقال «أين أبو بكر؛ يأبى الله ذلك والمسلمون». وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التصرف التلقائى من «بلال» يدل على أن الصحابة كانوا يعلمون أن أفضل الناس بعد «أبى بكر الصديق» هو «عمر بن الخطاب». ولم يعترض على ترشيح «عمر» للخلافة إلا عدد قليل من كبار الصحابة، وعللوا ذلك بغلظته وشدته، لكن «أبا بكر» طمأنهم وبين لهم أن ما يجدونه من شدته، إنما هو لله وفى الله، وإنه يشتد لأنه يرانى أحيانًا لينًا، حتى يحدث نوعًا من التعادل، وأنه لو أفضى الأمر - أى الخلافة - إليه لترك كثيرًا مما هو فيه. ولا يقلل هذا الاعتراض من سداد رأى «أبى بكر» فى «عمر»، ولا من شأن «عمر» نفسه، بل يدل ذلك على حرية الرأى تجاه الشخصية

التى ستلى أمر الخلافة، فلن يضير «عمر» أن نفرًا من ذوى الرأى لم يؤيدوا ترشيحه، بل يكفيه أن أغلب الصحابة أجمعوا على تزكيته، ورضوا به لهذا المنصب الجليل، وهذا ما تسير عليه الآن الأمم الحرة فى اختيار حكامها، فالإجماع ليس شرطًا ضروريًا فى اختيار الحاكم. اطمأنت نفس «أبى بكر الصديق» بعد أن استشار كبار الصحابة إلى اختيار «عمر بن الخطاب» خليفة من بعده، فأشرف على الناس وهو مريض، وقال: «أترضون بمن أستخلف عليكم؟، فإنى والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا وليت ذا قربة، وإنى قد وليت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا» فقالوا: سمعنا وأطعنا. بايع المسلمون «عمر بن الخطاب»، وبذا أصبحت خلافته شرعية. وبعد الفراغ من دفن «أبى بكر الصديق» صعد «عمر بن الخطاب» منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقف على درجة أدنى من الدرجة التى كان يقف عليها «أبو بكر الصديق»، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وذكر «أبا بكر» - رضى الله عنه - بكل خير، وقال: «أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولولا أنى كرهت أن أرد أمر خليفة رسول الله ما تقلدت أمركم»، فأثنى المسلمون عليه خيرًا، وزاد ثناؤهم حين رأوه يرفع بصره إلى السماء ويقول: «اللهم إنى غليظ فليِّنِّى، اللهم إنى ضعيف فقونى، اللهم إنى بخيل فسخِّنى». وفى اليوم التالى لتوليه الخلافة خطب خطبة أخرى، أراد أن يوضح فيها طريقته فى الحكم، ويزيل ما قد علق فى نفوسهم من خوفٍ من شدته التى صرحوا بها لأبى بكر حين رشحه للخلافة، فقال: «بلغنى أن الناس هابوا شدتى وخافوا غلظتى، وقالوا: كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك فقد صدق .. إننى كنت مع رسول الله فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله تعالى بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، فكنت

بين يديه سيفًا مسلولا، حتى يغمدنى أو يدعنى فأمضى، فلم أزل مع رسول الله حتى توفاه الله، وهو عنى راضٍ، والحمد لله كثيرًا، وأنا به أسعد، ثم ولى أمر المسلمين أبو بكر، فكان من لا تنكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتى بلينه، فأكون سيفًا مسلولا، حتى يغمدنى أو يدعنى فأمضى، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عزَّ وجل، وهو عنى راضٍ، فالحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد، ثم إنى وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت - أى زادت - فارتعد بعضهم من الخوف لكنه طمأنهم فقال: ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين، فأما أهل السلامة والقصد - أى الاعتدال - فأنا ألين لهم من بعضهم على بعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا أو يتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمى على الخد الآخر، حتى يذعن بالحق، وإنى بعد شدتى تلك أضع خدى على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف، ولكم على أيها الناس خصال أذكرها لكم، فخذونى بها، لكم على ألا أجبى شيئًا من خراجكم، ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم على إذا وقع فى يدى ألا يخرج منى إلا فى حقه، ولكم على أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله - تعالى - وأسد ثغوركم، ولكم على ألا ألقيكم فى المهالك، وإذا غبتم فى البعوث فأنا أبو العيال - أى يرعاهم - فاتقوا الله عباد الله وأعينونى على أنفسكم بكفها عنى، وأعينونى على نفسى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإحضارى النصيحة فيما ولانى الله من أمركم، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم». الفتوحات فى عهد عمر بن الخطاب: مواصلة فتح العراق: بعد أن رحل «خالد بن الوليد» من «العراق» إلى الشام؛ ليتولى قيادة الجيوش فى «اليرموك»؛ تنمَّر الفرس بالمثنى بن حارثة خليفة «خالد» على قيادة الجيش فى «العراق» وبدءوا فى الضغط عليه، فطلب مددًا من «أبى بكر»، الذى كان مشغولا بحرب الروم.

فلما تأخر رد «الصديق أبى بكر» على «المثنى» جاء بنفسه ليعرف سبب ذلك، فوجد الخليفة على فراش المرض، فلم يستطع أن يكلمه، ولما علم بذلك الخليفة أدرك أن «المثنى» لم يأت إلا لضرورة، فكان أخر كلامه لعمر بن الخطاب أن أوصاه بتجهيز جيش، يرسله مع «المثنى» إلى «العراق»، لصد عدوان الفرس، فعمل «عمر» بوصية «أبى بكر»، وأرسل جيشًا على الفور إلى «العراق» بقيادة «أبى عبيد بن مسعود الثقفى». موقعة الجسر: وفى شهر شعبان من سنة 13هـ خاض «أبو عبيد بن مسعود» معركة ضد الفرس سميت بموقعة الجسر، لأن المسلمين أقاموا جسرًا على «نهر الفرات» لعبور قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، وكان عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم، لكن «أبا عبيد» لم يستجب لهم، فحلت الهزيمة بالمسلمين على يد القائد الفارسى «بهمن جاذويه»، وقُتل «أبو عبيد» نفسه، واستشهد أربعة آلاف مسلم. موقعة البويب: بذل «المثنى بن حارثة» جهدًا كبيرًا فى تأمين عبور من بقى من قوات المسلمين إلى الناحية الأخرى، وأدرك أنه لابد من خوض معركة أخرى مع الفرس، حتى لا تؤثر الهزيمة فى معنويات المسلمين، وبخاصة أنها كانت أول مرة يهزمون فيها فى هذه الجبهة منذ أن بدأت الفتوحات. استدرج «المثنى بن حارثة» قوات الفرس للعبور إلى غرب النهر، فعبروا إليه مدفوعين بنشوة النصر السابق، وظنوا أن تحقيق نصر آخر سيكون أمرًا سهلا، لكن «المثنى» فاجأهم بعد أن استثار حمية العرب القاطنين فى المنطقة، وأوقع بالفرس هزيمة كبيرة، على حافة نهر يُسمى «البويب» الذى سميت المعركة باسمه.

وعلى الرغم من هذا النصر الذى أعاد به «المثنى» الثقة إلى قواته، فإنه أدرك بعد طول تجربة أنه لن يستطيع بمن معه من قوات أن يواجه الفرس الذين ألقوا بثقلهم كله فى الميدان، فتراجع إلى الخلف، ليكون بمأمن من هجمات الفرس، وأرسل «إلى» «عمر» يخبره بحقيقة الموقف. معركة القادسية: لما وصلت إلى «عمر بن الخطاب» تقارير «المثنى» عن الوضع فى جبهة «العراق» عزم على الخروج بنفسه على رأس جيش كبير، لينسى الفرس وساوس الشيطان كما أنسى «خالد بن الوليد» الروم تلك الوساوس، لكن الصحابة لم يوافقوه على رأيه، ورأوا أن الأفضل أن يبقى هو فى «المدينة» يدير أمور الدولة، ويشرف على تجهيز الجيوش، ويختار واحدًا لقيادة الحرب ضد الفرس، فقبل نصيحتهم، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه بسعد بن أبى وقاص، وقالوا عنه: هو الأسد فى عرينه، فاستدعى «سعدًا» وأمَّره على الجيش، فاتجه به «سعد» إلى «العراق» حيث عسكر فى القادسية. وقبل نشوب المعركة أرسل «سعد» وفدًا إلى بلاط فارس، ليعرض الإسلام على «يزدجرد الثالث» أخر ملوكهم، فإذا قبله فسيتركونه ملكًا على بلاده، كما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «باذان» ملكًا على «اليمن»، وإذا رفض الدخول فى الإسلام، فلن يكرهه عليه أحد، ولكن لابد من دفع الجزية دليلا على عدم المقاومة، فإذا امتنع عن دفعها، حاربوه، لأن رفضه دفع الجزية يعنى عزمه على حرب المسلمين، ومنعهم بالقوة من تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس. سمع «يزدجرد» هذا الكلام، فأخذه العجب، وعلته الدهشة؛ لأنه لم يتعود سماع مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس، فخاطب رئيس الوفد قائلا: «إنى لا أعلم أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى -الحدود- فيكفونناكم، لا تغزون فارس، ولا تطمعون أن تقوموا لهم .. وإن كان الجهد - الجوع - دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم،

وملكنا عليكم ملكًا يرفُق بكم». فقام زعيم الوفد ورد على الملك الذى كان لا يزال يتحدث بروح السيادة، ومنطق الاستعلاء، قائلا: «إن ماقلته عنا صحيح قبل بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله فى قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله .. وقال: من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه». رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة منه بقدرة جيوشه بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب، وعاد الوفد إلى «سعد بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث، فاستعد هو للمعركة الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى الحرب بين الفريقين، واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع، وأسفرت عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل قائدهم «رستم»، وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة «القادسية» من المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر «العراق» العربى نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى دامت قرونًا، وأعادته إلى أهله العرب المسلمين. فتح المدائن: انفتح الطريق أمام المسلمين بعد انتصارهم فى «القادسية» إلى «المدائن» عاصمة الفرس، فعبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان الفارسى»، ودخل «المدائن»؛ ليجد الملك الفارسى قد فرَّ منها، وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: 25 - 29]. أرسل «سعد» إلى «عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما

حازوه من غنائم، ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد فارس، لكن «عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا وبينهم سدًا من نار، لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، حسبنا من الأرض السواد - أى أرض العراق- إنى آثرت سلامة المسلمين على الأنفال». معركة نهاوند: اعتقد «عمر بن الخطاب» أن الفرس سيجنحون إلى السلام بعد هزيمتهم فى «القادسية»، واسترداد المسلمين «العراق» وهى أرض عربية، لكن الحوادث كثيرًا ماتكون أقوى من الرجال، وتدفعهم دفعًا إلى تعديل سياساتهم، فقد وردت الأنباء إلى «عمر» أن الفرس التفوا حول ملكهم الذى هرب من «المدائن»، واحتشدوا فى جموع هائلة فى «نهاوند» تصل إلى نحو مائتى ألف جندى بقيادة «الفيرزان». وكانت سياسة «عمر بن الخطاب» أن يقف بالفتوحات الإسلامية عند حدود «العراق» و «الشام»، ولايتعداها، حيث قبائل العرب التى نزحت من شبه الجزيرة العربية وأقامت هناك، أما ما وراء ذلك من أرض الفرس والروم فلم يكن للمسلمين مطمع فى غزوه وفتحه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد حملت حوادث الفتوحات وتطوراتها «عمر بن الخطاب» على تعديل سياسته تجاه الفرس والروم. ولما وصلت أخبار استعداد الفرس جمع «عمر» كبار الصحابة واستشارهم فى كيفية مواجهة هذا الموقف، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس قبل أن ينقضوا على المسلمين فى بلادهم، فعمل بمشورتهم، وجهز جيشًا قوامه نحو أربعين ألف مجاهد تحت قيادة «النعمان بن مقرن». ودارت معركة «نهاوند»، وانتهت بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للفرس، وقد سمى المؤرخون المسلمون هذ النصر «فتح الفتوح»، لأن الفرس قد تفرقت كلمتهم، وانفرط عقد دولتهم بهذا النصر. الانسياح فى بلاد فارس: كانت معركة «نهاوند» من المعارك الفاصلة فى التاريخ، فقد أزالت نهائيًا الإمبراطورية الفارسية بعد معركتى «القادسية» و «نهاوند»، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.

وبعد «نهاوند» عقد «عمر بن الخطاب» العزم على القضاء تمامًا على التهديد الفارسى للدولة الإسلامية ودعوتها، فأعد تسعة جيوش فى وقت واحد، لفتح جميع المقاطعات الفارسية، من «خراسان» فى أقصى الشمال الشرقى إلى إقليم «فارس» فى الجنوب الغربى، ومن «أذربيجان» فى الشمال الغربى إلى «مكران» فى الجنوب الشرقى، وفى خلال سنة (22هـ) كانت تلك المقاطعات كلها تحت السيادة الإسلامية، ولم يجبر المسلمون أحدًا من سكانها على الدخول فى الإسلام، وإنما قبلوا منهم الجزية، وأعطوهم معاهدات، ضمنوا لهم بمقتضاها حرية العبادة، وحفظوا لهم أنفسهم وأموالهم. وبدأ تاريخ جديد لبلاد فارس، ذاقت فيه طعم الحرية والعدل؛ وعرفت معنى المساواة، وتحررت من استبداد الأكاسرة وظلمهم. استكمال فتح الشام: بعد تولى «عمر بن الخطاب» الخلافة عزل «خالد بن الوليد» من قيادة جيوش الشام، وأعاد «أبا عبيدة بن الجراح» إليها، وجعل «خالداً» تحت قيادته، وقد قبل القائد البطل هذا التعديل دون تذمر، لأنه كان جنديًا يعمل للإسلام لا لمجده الشخصى، وإذا كان قد احتل المكان الأعلى بين قادة الفتوحات ببطولاته وانتصاراته، فإنه اعتلى ذروة أعلى بقبوله العزل، وضرب أروع الأمثلة فى الانضباط والطاعة، وتلك أهم صفات القادة العظام. وكانت تعليمات «عمر» لأبى عبيدة بعد «اليرموك»، أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل فى مطلع فتح الشام، حين رتب ذلك «أبو بكر الصديق»، فيسير «أبو عبيدة» ومعه «خالد بن الوليد» إلى «حمص»، و «يزيد بن أبى سفيان» إلى «دمشق»، و «شرحبيل بن حسنة» إلى «الأردن»، و «عمرو بن العاص» إلى «فلسطين»، وكل قائد يكون أميرًا على منطقته التى يفتحها، على أن يكون ذلك بعد أن يشتركوا جميعًا فى فتح «دمشق». وبعد أن نجح القادة جميعهم فى فتح «دمشق» وأعطوا أهلها معاهدة صلح بقى «يزيد بن أبى سفيان» أميرًا عليها، فى حين اتجه

القادة الباقون إلى مناطقهم، وفى خلال عامين فقط تم فتح الشام كله. وفى سنة (15 هـ) جاء «عمر ابن الخطاب» إلى «فلسطين»؛ ليتسلم مفاتيح «بيت المقدس» من البطريرك «صفرونيوس»، وأعطى معاهدة لأهلها هى آية فى التسامح والعدل، أمنهم على عقائدهم وأموالهم وأنفسهم، وأخذت منهم نظير ذلك الجزية لرفضهم الدخول فى الإسلام. وقد رفض «عمر بن الخطاب» أن يصلى فى «كنيسة القيامة»، معللا ذلك بخوفه أن يأتى من المسلمين من يقول: لقد صلى «عمر» فى الكنيسة فهى من حقنا، وهذا ظلم للمعاهدين لا يقره عمر. فتح مصر: بعد فتح «بيت المقدس» اتجه «عمر» إلى الشمال، وعقد فى «الجابية» جنوبى «دمشق» مؤتمرًا حضره جميع القادة المسلمين، ناقش فيه ماتم إنجازه والترتيبات اللازمة لإدارة البلاد المفتوحة إدارة حسنة، والعمل على إشاعة العدل والحرية بين الناس بعد الظلم والاستبداد والاستعباد الذى ذاقوه من الروم. وفى هذا المؤتمر عرض «عمرو بن العاص» والى «فلسطين» على «عمر بن الخطاب» ضرورة فتح «مصر»، لأن فلول قوات الروم فى «الشام» لجأت إلى «مصر» التى كانت فى ذلك الوقت تحت حكم الروم، كما لجأ «الأطربون» قائد قواتهم فى فلسطين إلى «مصر»؛ ليستعد من جديد للانقضاض على المسلمين فى الشام، ولذا فإن بقاء «مصر» فى أيدى الروم سيكون خطرًا على فتوحات المسلمين فى الشام، بل قد يصل الخطر إلى شبه الجزيرة العربية نفسها. ولما اقتنع «عمر بن الخطاب» بما أبداه «عمرو بن العاص» أذن له بالسير إلى «مصر» لفتحها، فخرج فى أربعة آلاف جندى، ودخل «العريش» دون قتال، ثم توجه إلى «الفرما» (مدينة قديمة شرقى «بور سعيد») ففتحها بعد معارك يسيرة مع حاميتها الرومية، ثم توجه إلى «بلبيس» فى محافظة «الشرقية» الحالية، فهزم جيشًا روميا كان يقوده «الأطربون»، ثم هزم الروم مرة أخرى فى «عين شمس». ولما تجمعت قوات الروم كلها فى «حصن بابليون» بالقرب من «مصر

القديمة» الحالية؛ طلب «عمرو» مددًا من الخليفة «عمر»، فأمده بثمانية آلاف جندى، مكنته من فتح الحصن والاستيلاء عليه، ثم اتجه إلى «الإسكندرية» ففتحها، وأرسل فرقة من قواته لفتح «الفيوم». وفى نحو «عامين» (19 - 21هـ) فتُحت «مصر» بأكملها، وكان فتحًا سهلا ويسيرًا، لأن القبط لم يشتركوا فى معارك ضد المسلمين، بل ساعدوهم وقدموا لهم يد العون، فدلوهم على أيسر الطرق، وأمدوهم بالطعام، تخلُصًا من حكم الروم الذين اضطهدوهم دينيا، مع أنهم مسيحيون مثلهم، وأرهقوهم بالضرائب، واستغلوهم أبشع استغلال. ولما تعامل أهل «مصر» مع الفاتحين المسلمين أدركوا أن ما سمعوه كان حقيقة، فقد منحوهم الحرية الدينية الكاملة، وأعادوا بطريركهم «بنيامين» إلى كنيسته بالإسكندرية، وكان الروم قد نفوه إلى «وادى النطرون»، وقد حفظ الرجل هذا العمل الجليل لعمرو بن العاص، فعاونه كثيرًا فى إدارة «مصر» إدارة حسنة. وقد أتاح الفتح الإسلامى لمصر جوا من الحرية والتسامح لم تشهده البلاد منذ زمن بعيد، بنص المعاهدة التى أعطاها «عمرو بن العاص» لأهل «مصر»: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شىء من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب - أهل النوبة - وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية .. ومن دخل فى صلحهم من الروم والنوب، فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، على ما فى هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمة المؤمنين». وقد عمل المسلمون بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى أوصاهم فيها بأهل «مصر» خيرًا عندما يفتحونها؛ لأن لهم ذمة ورحمًا، كما نصحهم أن يتخذوا منها جندًا كثيفًا، فأجنادها من خير أجناد الأرض، لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة.

عوامل نجاح الفتوحات الإسلامية فى عهد عمر: فى خلال السنوات العشر التى تولى «عمر» فيها الخلافة (13 - 23هـ) امتدت حدود الدولة الإسلامية من ولاية «برقة» - فى «ليبيا» حاليًا - غربًا إلى نهر «جيحون» شرقًا، ومن بحر «قزوين» فى الشمال إلى «المحيط الهندى» فى الجنوب. وقد حار المؤرخون فى تفسير نجاح هذه الفتوحات، وتعليل أسبابها، فقد أذهلهم أن العرب الذين كانوا قبل دخولهم الإسلام قليلى الشأن، لا حول لهم ولا قوة، ولا يأبه بهم أحد ولا يحسب لهم حساب، هم فى سنوات قليلة ينجحون فى إزالة الإمبراطورية الفارسية كلها، وهى التى وقفت ندًا للإغريق والرومان نحو ألف سنة، وفى فتح الشام، و «مصر» وهما أعظم ولايات الدولة البيزنطية وأكثرها غنى فى الشرق بعد إنزال هزائم قاسية بجيوشها فى «اليرموك» وغيرها. وسبب حيرة هؤلاء المؤرخين أنهم يربطون عادة بين الانتصارات والهزائم فى الحروب، وبين أعداد الجيوش المتحاربة وما معها من عدة وأسلحة، ولما كان المسلمون أقل عددًا وعتادًا على نحو لا يقارن بما كان عند الفرس والروم، راحوا يبحثون عن أسباب أخرى غير قضية العدد والأسلحة، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى. ذهب بعضهم إلى القول بأن المسلمين واجهوا دولتى الفرس والروم، وهما فى حالة ضعف وانهيار بعد الحروب الطويلة التى دامت بينهما، وانتصروا عليهما بسهولة وفى وقت قصير. غير أن هذا التفسير بعيد عن الواقع ومخالف للحقيقة، فالمعارك التى دارت فى «القادسية» و «نهاوند» و «اليرموك» لا تؤيد هذا التعليل؛ لأنها كانت معارك كبيرة، ولم تكن جيوش الفرس والروم فيها ضعيفة، وهى لم تهزم أمام المسلمين لضعف قوتها المادية من الرجال والأسلحة، ولكن لأن معنويات أفرادها كانت منحطة إلى أبعد الحدود، فى حين كانت معنويات المسلمين عالية، ويعرفون الهدف الذى يحاربون من أجله، وكان الموت أحب إليهم من الحياة. وهذا هو السبب الرئيسى فى انتصاراتهم الذى نسيه الكتاب الغربيون

أو تناسوه، فمنبع هذه القوة وسبب هذا الانقلاب العظيم الذى لا يوجد له مثيل فى التاريخ أن العرب أصبحوا بفضل رسالة الإسلام أصحاب دين ورسالة، فبعثوا بعثًا جديدًا، وخُلقوا من جديد، وعلموا أن الله قد ابتعثهم ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، .. وعرفوا أن الله قد ضمن لهم النصر ووعدهم الفتح، فوثقوا بنصر الله ووعد رسوله، واستهانوا بالقلة والكثرة، واستخفوا بالمخاوف والأخطار. وفى ذلك قال المؤرخون: «لما أقبل خالد بن الوليد من العراق، ليتولى قيادة الجيوش فى الشام لحرب الروم، قال رجل من نصارى العرب أمامه: ما أكثر الروم وأقل المسلمين، فنهره خالد، وقال له: ويحك بل قل: ما أكثر المسلمين وأقل الروم إن الجيوش تكثر بالنصر وتقل بالهزيمة لا بعدد الرجال». وهذه الحقيقة عرفها أعداؤهم حتى إن هرقل لما انتهى إليه خبر زحف المسلمين وانتصاراتهم، قال وكان عندئذٍ موجودًا فى حمص: «ويحكم إن هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قبل لأحد بهم، فأطيعونى وصالحوهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم». نتائج الفتوحات الإسلامية وآثارها على العالم: لقد ترتب على الفتوحات الإسلامية نتائج وآثار بعيدة المدى فى تاريخ العالم، وإذا ما قورنت بغيرها - مثل فتوحات «الإسكندر» قبلها، وفتوحات المغول بعدها - فإن تلك المقارنة تظهر عظمة المسلمين، وأن فتوحاتهم كانت أكثر الفتوحات فى العالم خيرًا وبركة، ففتوحات «الإسكندر» وامبراطوريته التى شادها فى الشرق انهارت وتمزقت أوصالها بعد وفاته مباشرة، وأصبحت ذكرى من ذكريات التاريخ، أما غزوات المغول التى لم يعرف لها تاريخ العالم مثيلا من قبل فى همجيتها ووحشيتها، فقد دمرت معظم العالم الإسلامى فى الشرق بما كان فيه من حضارة مزدهرة، ولم يوقف

زحفها المدمر سوى الجيش المصرى فى معركة «عين جالوت» سنة (658هـ). وهذه الغزوات المغولية البربرية كان يمكن أن ينساها التاريخ أو يذكرها باعتبارها عملا بربريا ألم بالإنسانية فى مسيرتها الطويلة، لولا أن الله - تعالى - أدرك برحمته الواسعة هذه الجموع الوحشية وهداها إلى دينه، فأسلم أغلب المغول، وأظلهم الإسلام بحضارته، وحولهم من قوة مدمرة إلى طاقة خيرة، ومن أعداء مهاجمين إلى أتباع مدافعين، بل مشاركين فى صنع الحضارة الإسلامية. والخلاصة أن كل أرض وصلت إليها الفتوحات الإسلامية انتشر فيها الإسلام بحرية تامة، ودون إكراه، وانتشرت اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ولم يتراجع الإسلام عن أية منطقة من العالم وصل إليها سوى «الأندلس» وكان تراجعه لأسباب تعود إلى المسلمين لا إلى الإسلام وعندما تراجع فى «الأندلس» امتد فى مناطق أخرى فى «جنوب شرق آسيا» وفى «أوربا» و «إفريقيا» بدون حرب أو معارك، بل عن طريق الدعاة والتجار المسلمين، مما يدحض كلام من يقول إن الإسلام انتشر بحد السيف. كما يردد أعداء الإسلام فى كتاباتهم. عمر وإدارة الدولة: تجلت عبقرية «عمر بن الخطاب» أعظم ما تجلت فى ميادين الإدارة، فقد ضبط نظم الدولة الإسلامية، وكانت مترامية الأطراف، وأحكم إدارتها بمقدرة فائقة تثير الدهشة والإعجاب، فى وقت كانت فيه وسائل الاتصال بطيئة تمامًا. ويصعب على أى باحث أن يحيط بالجوانب الإدارية عند «عمر بن الخطاب»، ولذا سنتعرض لبعض منها: أولا: عمر واختيار الولاة: استعان «عمر بن الخطاب» برجال يديرون شئون الولايات البعيدة عنه، أما القريبة منه فكان يديرها بنفسه، وكان يقول: «ما يحضرنى من أموركم لا ينظر فيه أحد غيرى، أما ما بعد عنى فسوف أجتهد فى توليته أهل الدين والصلاح والتقوى، ثم لا أكتفى بذلك، بل لابد من متابعتهم؛ لأعرف هل يقومون بالعدل بين الناس أم لا؟». وكان لعمر بن الخطاب طريقة فى اختيار ولاته، فلم يكن يستعمل

أحدًا من أهل بيته، وقلما استعمل كبار الصحابة على الأمصار، بل استبقاهم معه فى «المدينة» ليعينوه فى شئون الدولة، ويقدموا له المشورة، ومن أهم شروط «عمر» فى الوالى: - القوة والأمانة: والمقصود بالقوة قوة الدين، وقوة الإرادة والحزم فى الأمور، ومن أقواله المأثورة: «إنى لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه»، ولذا فقد عزل «شرحبيل بن حسنة» عن «الأردن»، و «عمير بن سعد» عن «حمص»، وضم ولايتهما إلى «معاوية بن أبى سفيان»، وكان المعزولان أسبق إسلامًا من «معاوية» وأفضل، فلما كلمه الناس فى ذلك قال إنه لم يعزلهما عن سخط أو خيانة، ولكنه كان يريد رجلا أقوى من الرجل. - الهيبة مع التواضع: أدرك «عمر بن الخطاب» حاجة ولى الأمر إلى الهيبة واحترام الناس، حتى يستطيع أن يقودهم، ولكن لا ينبغى لها أن تتجاوز الحد لتصبح تسلطًا وتعاليًا، وكان يقول: «أريد رجلا - أى واليًا - إذا كان فى القوم وليس أميرهم، كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم». - الرحمة بالناس: كان «عمر» يختار للولاية من اشتهر بالرحمة ولين الجانب وحب الخير للناس، وحين كان يولى أحدًا يكتب له كتاب تولية، ويشهد عليه بعض الصحابة، ويشترط عليه ألا يظلم أحدًا فى جسده ولا فى ماله، ومن وصاياه لعماله: «ألا وإنى لم أبعثكم أمراء ولا جبارين، ولكن بعثتكم أئمة الهدى، يهتدى بكم فادرءوا على المسلمين حقوقهم، ولا تضربوهم فتذلوهم، ولاتغلقوا الأبواب دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم، ولا تستأثروا عليهم فتظلموهم، ولا تجهلوا عليهم». ثانيًا: قواعد العمل بالنسبة إلى العمال والولاة: لم يكن «عمر» يقنع بحسن اختيار الولاة وفق شروطه، وإنما كان يحدد لهم أسلوب العمل، والقواعد التى يسيرون عليها، إما فى صورة خاصة محددة كما كان يحدث فى عهد الولاية، وإما فى توجيهات عامة كما فى المؤتمرات التى كان يعقدها للعمال والولاة، وبخاصة فى موسم الحج. ثالثًا: المتابعة:

فطن «عمر بن الخطاب» إلى فاعلية المتابعة، وأثرها فى حسن سير الإدارة، ولذا لم يكتفِ بالتدقيق فى اختيار الولاة، وإنما وضع عليهم العيون والأرصاد، يحصون عليهم حركاتهم وسكناتهم، ويسجلون أعمالهم وينقلونها إلى الخليفة فور وقوعها، لأنه أدرك أن الخطأ قد يقع بدون قصد، وأن الانحراف لا يبدأ كبيرًا، وأن كل شىء يمكن وقفه فى أوله قبل استفحاله، عملا بالحكمة الخالدة: «الوقاية خير من العلاج». رابعًا: سياسة الباب المفتوح: أدرك «عمر بن الخطاب» أن آفة الإدارة فى كل عصر هى احتجاب كبار المسئولين عن أصحاب الحاجات فتضيع مصالح الناس أو تتعطل، ولذا لم يكن يتهاون مع أى أمير أو والٍ يسمع أنه يحتجب عن الناس مهما يكن شأنه، وحين بلغه أن «سعد بن أبى وقاص» قد بنى بيتًا فى «الكوفة» من طابقين، وسماه الناس قصر «سعد»، لأن بقية البيوت كانت من طابق واحد، وأنه اتخذ لمكانه الذى يباشر منه أعمال الولاية بابًا، أرسل إليه «محمد بن مسلمة الأنصارى»، وكان مبعوث «عمر» فى المهمات الكبيرة، وأمره أن يحرق ذلك الباب الذى يحول بين الأمير وبين الناس، وأن يقدم بسعد معه، فلما قدم عليه وبخه ولم يقبل اعتذاره بأن داره قريبة من السوق وأنه كان يتضايق من ارتفاع أصوات الناس وجلبتهم، ثم رده إلى عمله بعد أن أكد عليه ألا يعود إلى مثل هذا أبدًا. خامسًا: المؤتمرات العامة: ابتكر «عمر» عقد المؤتمرات العامة لمناقشة أمور الدولة، حتى يتيح لأكبر عدد من المسلمين المشاركة فى صنع السياسة والقرار بالحوار والمشاورة، فاهتدى إلى استثمار مناسبة الحج، وتجمع الناس فى البلد الحرام، وقرر أن يحج كل عام، عدا السنة الأولى من خلافته، وأن يحج معه كل ولاة الأمصار، وهناك يدور النقاش والحساب مع الولاة عما صنعوا فى عامهم الذى مضى، وما ينوون عمله فى العام القادم، وفوق ذلك تكون تقارير عيونه بين يديه قبل مجىء الولاة، بحيث تكون أمورهم كلها واضحة، ولا يستطيع أحد منهم أن ينكر

شيئًا، ولما كانوا يعرفون ذلك فإنهم حرصوا على أن تكون سجلات أعمالهم نظيفة، فالخليفة لا يتهاون فى حساب المقصر أو من تثبت عليه مخالفة لشرع الله. سادسًا: محاسبة الولاة والأمراء: دأب «عمر بن الخطاب» على محاسبة كل والٍ مقصر، أو من يشتبه أنه قصر فى عمله، لا يمنعه من ذلك كون الوالى كبير القدر أوصاحب سابقة فى الإسلام، وقلما نجا والٍ من ولاته من المحاسبة، وإذا كان الجرم صغيرًا يمكن إصلاحه؛ اكتفى بالتوبيخ، ورد الوالى إلى عمله كما فعل مع «سعد بن أبى وقاص»، أما إذا كان الجرم كبيرًا من وجهة نظره؛ فإنه يأمر بعزل الأمير على الفور، ومن أشهر إجراءاته فى هذا المجال: عزله «خالد بن الوليد» حين علم بأنه أعطى «الأشعث بن قيس» عشرة آلاف درهم، فساورته شكوك فى أن من يعطى عشرة آلاف مرة واحدة لرجل واحد، كم يكون لديه؟ فأمر «أبا عبيدة بن الجراح» أمير الأمراء فى الشام بمحاكمة «خالد» ومقاسمته ماله، فامتثل «خالد» لهذا العزل كما امتثل من قبل للعزل الأول عن القيادة العامة. ولم يكن «عمر» يقصد بهذا التصرف الإساءة إلى «خالد» قط، وإنما كان يريد أن يعلم الجميع أن الإسلام فوقهم، وليس هناك استثناء لمخالف، ولو كان قائدًا عظيمًا فى مكانة «خالد». سابعًا: القدوة الحسنة: أدرك «عمر» أثر القدوة فى سياسة الناس، وأن عليه أن يعلم الناس بأعماله قبل أن يعلمهم بأقواله. وكثيرًا ما كان يردد للناس قوله: «سأسوكم بالأعمال وليس بالأقوال»، وأن الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا. وكان «عمر» قدوة فى حياته الخاصة، يعيش كما يعيش عامة الناس دون تميز، وحين فرضوا له عطاءً (راتبًا) من بيت مال المسلمين، ليعول منه أسرته قدروا له راتبًا يمكنه من معيشة رجل من أوسط الناس، لا أغناهم ولا أفقرهم. وفوق ذلك هو يشارك المسلمين ويواسيهم إذا أصابهم ضر، كما حدث فى عام «الرمادة» المشهور سنة (18هـ) الذى أصاب الناس فيه

مجاعة شديدة فى شبه الجزيرة العربية لقلة الأمطار، فكان يجلب إليهم الأقوات من الأمصار، ويأكل مما يأكله الناس، حتى ساءت صحته، فنصحه بعض أصحابه بأن يحسِّن من طعامه، ليقوى على العمل وإنجاز مصالح المسلمين، لكنه أجاب بقوله: «كيف يعنينى شأن الرعية إذا لم يصبنى ما أصابهم؟». ولا شك أن ما عبر عنه الخليفة «عمر» هو مفتاح الحكم الصالح فى كل عصر وزمان فيوم يحس الحاكم بإحساس شعبه فسوف يستقيم الحكم، وينصلح حال الرعية، ويوم ينفصل الحاكم عن شعبه، وتكون له حياته الخاصة، فحينئذٍ ينفتح باب الفساد. وقد حرص «عمر» على أن يجعل من أبنائه وأهله قدوة كذلك، فأخذهم بما أخذ به نفسه، لأنه الناس ينظرون إليهم، وكان يقول لهم إذا عزم على أمر يهم المسلمين: «لقد عزمت على كذا وكذا، أو نهيت الناس عن كذا وكذا، وأقسم بالله لو خالفنى أحد منكم لأضاعفن له العقوبة». بهذه الإجراءات حصن «عمر» نفسه وأولاده وكل من يلوذون به ضد أية انحرافات أو إغراءات، فأطاعه المسلمون وأحبوه سواء أكانوا أمراء أم من عامة الناس، ولم يعرف التاريخ رجلا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» أطاعه كبار الأمراء وصغارهم كما أطاعوا «عمر بن الخطاب»، لا لهيبته فى عيونهم فحسب، بل للقدوة الحسنة فى حياته وانضباطه الشديد، ولهذا كله احتل مكانة عالية فى التاريخ الإنسانى. عدل عمر بن الخطاب: لم ترتبط صفة من صفات «عمر» الكثيرة باسمه كما ارتبطت به صفة العدل، فإذا ذُكر «عمر» ذكر الناس عدله، الذى كان لا يفرِّق بين قريب وبعيد، أو كبير وصغير، أو صديق وعدو، والأخبار المتواترة فى ذلك أكثر من أن تحصى، ولعل قصته مع «أبى مريم السلولى» قاتل أخيه «زيد» فى معركة «اليمامة» أصدق مثال على تجرده فى عدله، وعدم خلطه بين عواطفه ومسئولياته باعتباره حاكمًا يُجرى العدل بين الناس. فحين قابل «عمر» - وهو خليفة - قاتل أخيه بعد أن أسلم، قال له:

أأنت قاتل «زيد بن الخطاب»؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله لا أحبك أبدًا، فقال «أبو مريم»: أو تمنعنى بذلك حقا لى، قال: لا. قال: إذًا يا أمير المؤمنين إنما يأسى على الحب النساء. يريد أنه مادام لا يظلمه الخليفة فلا يعنيه أحبه أم كرهه، لأن النساء هن اللائى يأسفن على الحب. ولا لوم على «عمر» فى التعبير عن عواطفه التى لا يملكها تجاه قاتل أخيه، فقد ورد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لوحشى قاتل عمه «حمزة بن عبدالمطلب» حين رآه بعدما أسلم: «غيِّب وجهك عنى يا وحشى لا أراك». ولكن للقصة دلالة على ضبط النفس والتجرد المطلق لعمر ابن الخطاب، فلم يحمله غضبه من قاتل أخيه على ظلمه. وامتد عدل «عمر» ليشمل كل من يعيش على أرض الإسلام، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فحين رأى يهوديا يتسول أحزنه ذلك. وأخذ الرجل من يده، وأعطاه معونة عاجلة من بيت الدقيق (8)، وأمر له براتب دائم من بيت مال المسلمين. إحساسه بالمسئولية: بلغ من شدة إحساس «عمر» بالمسئولية أنه لم يكتفِ بأن يكون مسئولا عن حياة البشر الذين يعيشون فى دولته، بل مسئولا عن البهائم والدواب أيضًا. وذلك فى مقولته الشهيرة: «والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد - أسوى - لها الطريق». وأعمال «عمر» العظيمة من الفتوحات واستكمال بناء الدولة ومؤسساتها لم تشغله عن متابعة أحوال الناس وتفقدها؛ ليقف على أوجه النقص ليتلافاها أولا بأول، فكان كثير الطواف ليلا بالمدينة، وسمع ذات ليلة طفلا يبكى بكاء مستمرا، فسأل عن أمره، فعرف أن أمه منعت عنه الرضاع، لأنه لا يُفرض عطاء من بيت المال إلا للأطفال المفطومين، فانزعج «عمر»، وأصدر أوامره أن يفرض عطاء لكل مولود فى الإسلام، ونادى مناديه: لا تعجلوا فطام أولادكم. وحوادث «عمر» التى من هذا القبيل كثيرة، وقد يظنها بعض الناس

أنها من المبالغات، ولكنها متواترة فى المصادر التى أرَّخت لعمر وعصره، فمن يصدق أن خليفة المسلمين يأخذ امرأته «أم كلثوم بنت على بن أبى طالب» ومعها كل ما تحتاج إليه عملية ولادة، لمساعدة امرأة غريبة جاءها المخاض، فيشترك هو معها فى الإشراف على ولادتها؛ وصنع الطعام لها، ولما أنجز مهمته، قال لزوج المرأة: «إذا كان الغد فأتنا نأمر لك بما يصلحك»، ففعل الرجل فأجازه وأعطاه. عمر والقضاء: عندما بويع «أبو بكر» بالخلافة شكى لعمر من كثرة أعبائها وخوفه من عدم النهوض بكل مسئولياتها، فقال له «عمر»: «أنا أكفيك القضاء وأبو عبيدة يكفيك الأموال»، ومعنى ذلك أن «عمر» كان قاضيًا لأبى بكر. وفى عهد «عمر» اتسعت الدولة، واحتاج كل إقليم إلى قاضٍ، فعين «عمر» القضاة وكان يدقق فى اختيارهم، فعين: «شريح بن الحارث الكندى» على قضاء «الكوفة»، و «أبا الدرداء» على قضاء الشام، و «عثمان بن قيس» على قضاء «مصر». ولم يكن «عمر» فى حاجة إلى سن قوانين للقضاة، لأنهم يحكمون طبقًا لكتاب الله وسنة رسوله، ولكنه كان فى حاجة إلى تعليمهم كيف يتصرفون حين يلتبس الأمر عليهم، وقد كتب لأحدهم يقول له: «فإن جاءك أمر ليس فى كتاب الله ولم تكن فيه سنة من رسول الله، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أى الأمرين شئتَ، إن شئتَ أن تجتهد رأيك وتقدِّم فتقدم، وإن شئتَ أن تأخَّر فتأخر». ومن أعظم وصاياه للقضاة وصيته لأبى موسى الأشعرى، ومما جاء فيها: «آس - أى سوِّ بين الناس فى مجلسك ووجهك - حتى لا يطمع شريف فى حيفك - ظلمك - ولا ييأس ضعيف من عدلك، والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرَّم حلالا أو حلل حرامًا .. ». إصلاحات عمر بن الخطاب وإنشاءاته: لعمر بن الخطاب كثير من الإصلاحات والإنشاءات التى لم يُسبق إليها، وسماها مؤرخو سيرته «أوليات عمر»، فهو أول من سُمى أمير

المؤمنين، وأول من اتخذ حادث الهجرة مبدأ التاريخ للدولة الإسلامية، بعد أن استشار فى ذلك كبار الصحابة، وهو أول من اتخذ بيت المال، وهو يشبه خزانة الدولة، وأول من مصَّر الأمصار، أى بنى مدنًا جديدة كالبصرة و «الكوفة» فى «العراق»، و «الفسطاط» - حى مصر القديمة حاليا - فى «مصر»، وأول من وسَّع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأدخل فيه دار «العباس بن عبد المطلب»، وفرشه بالحصباء، أى الحجارة الصغيرة، وكانوا قبل ذلك يصلون على التراب. وهو أول من دوَّن الدواوين، وهى تشبه الوزارات فى الوقت الحاضر، وقد اقتبس هذا النظام من الفرس والروم، فأنشأ «ديوان العطاء»، وكان مختصًا بالعطاء الذى فرضه «عمر» للمسلمين، وأنشأ «ديوان الجند» - وزارة الدفاع حاليًا - و «ديوان الخراج» - وزارة المالية - و «نظام البريد» الذى كان يُستخدم فى أمور الدولة. ومن أعظم اجتهاداته إبقاؤه الأرض المفتوحة فى أيدى أهلها يزرعونها، ويدفعون خراجًا -إيجارًا - للدولة، تنفق منه على الجيش والمرافق العامة، كما أمر بإعادة مسح الأرض - أى قياسها واختبارها - ووضع الخراج المناسب عليها. حسب جودة الأرض. وهو أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فوضع على الأغنياء ثمانية وأربعين درهما للفرد الواحد فى السنة، وعلى متوسطى الحال أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقراء القادرين على الكسب اثنى عشر درهمًا، وأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال ورجال الدين والعاجزين عن الكسب، وقد سبق القول إنه فرض للعاجزين عن الكسب من أهل الذمة عطاءً من بيت المال. وكما ترك «عمر بن الخطاب» الأرض لأهلها يزرعونها؛ ترك معظم الدواوين - وبخاصة «ديوان الخراج» - فى أيدى أبناء البلاد المفتوحة يزاولونها بلغاتها؛ لأنها كما يقول العقاد: «ليست من أسرار الدولة، وليس من الميسور أن ينصرف إليها فتيان العرب عما هو أولى بهم، وهو فرائض الدفاع والجهاد».

ولاشك أن ترك تلك الأعمال فى أيدى أبناء البلاد المفتوحة كان مبعث ارتياح لهم، فاطمأنوا للحكم الإسلامى، بل أخذوا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون اللغة العربية. استشهاده: فى يوم الأربعاء الموافق 26 من شهر ذى الحجة سنة 23هـ وبينما «عمر بن الخطاب» يسوِّى صفوف المسلمين فى صلاة الفجر كعادته كل يوم، وبدأ ينوى مكبرًا للصلاة، إذا بأبى لؤلؤة المجوسى يسدد للخليفة عدة طعنات بخنجر مسموم، فقطع أمعاءه، وسقط مغشيًا عليه، واضطرب المسلمون فى الصلاة اضطرابًا شديدًا من هول المفاجأة، وأقبلوا على القاتل محاولين القبض عليه، لكنه أخذ يضرب شمالا ويمينًا بدون هدى، فأصاب اثنى عشر من الصحابة، مات ستة منهم، ثم أتاه رجل من خلفه وألقى عليه رداءه وطرحه أرضًا فلما أيقن «أبو لؤلؤة» أنه مقبوض عليه لا محالة، طعن نفسه بالخنجر الذى طعن به أمير المؤمنين، ومات على الفور قبل موت الخليفة نفسه ومات معه السر الخفى الذى دفعه إلى هذه الجريمة البشعة. حمل المسلمون الخليفة إلى بيته، وظل فاقد الوعى فترة طويلة، فلما أفاق كان أول سؤال سأله للمسلمين: هل صليتم الصبح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله، لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم سأل: من الذى قتلنى؟ قالوا: «أبو لؤلؤة» غلام «المغيرة بن شعبة». قال: الحمد لله الذى جعل منيتى على يد رجل كافر، لم يسجد لله سجدة واحدة يحاجنى بها عند الله يوم القيامة. المؤامرة: كان «أبو لؤلؤة» غلامًا مجوسيا، أُسِرَ فى معركة «نهاوند»، ووقع من نصيب المغيرة بن شعبة، وكان يجيد حرفًا كثيرة كالحدادة والنجارة، وكان سيده يتركه يعمل ويأخذ منه درهمين فى اليوم. فاشتكى إلى أمير المؤمنين «عمر» مستكثرًا الدرهمين، فسأله «عمر» عن صناعته، فأخبره، فقال: لا أرى ذلك كثيرًا، وكانت تلك المهن رائجة فى ذلك الوقت وتدرُّ عليه مالا وفيرًا، فحقدها العبد المجوسى وعزم على قتله. هذا هو السبب الظاهر الذى روته كتب التاريخ والسير، لكنه لا يقنع

وحده بارتكاب جريمة خطيرة كهذه، فالأمر أكبر من ذلك وأبعد مدى، ووراءه تدبير واسع ومؤامرة محكمة نُسجت خيوطها فى بلاد فارس وكان فيها «أبو لؤلؤة» أداة تنفيذ فحسب، وكان هو مستعدًا بتكوينه للقيام بها، فقد رُوى عنه أنه كان كلما رأى أسرى بلاده فى «المدينة»، يقول: «أكل عمر كبدى»، لأن «عمر» هو الذى أزال دولة الفرس وأنزل الأكاسرة من على عروشهم. ولم تكن الجريمة فارسية فقط باشتراك «أبى لؤلؤة»، و «الهرمزان» الذى كان أميرًا فارسيا وأُسِرَ فى إحدى الحروب وجاء إلى «المدينة» وأظهر الإسلام، بل كانت يهودية باشتراك «كعب الأحبار»، ونصرانية باشتراك «جفينة». وكان «كعب الأحبار» يهوديا ادعى الإسلام، جاء إلى «عمر» قبل طعنه بثلاثة أيام، وقال له: يا أمير المؤمنين اعهد - أى اختر لك خلفًا يعقبك فى الحكم - فإنك ميت بعد ثلاثة أيام، فتعجب «عمر» وسأله كيف عرفت ذلك؟ قال: أجده فى التوراة، فقال «عمر»: يا سبحان الله! هل تجد «عمر بن الخطاب» مذكورًا فى التوراة، قال: أجدك بصفتك. لكن «عمر» لم يعط لهذا الحديث اهتمامًا، فهل كان «كعب الأحبار» على علم بما دبره «أبو لؤلؤة المجوسى» وبقية شركائه؟ يقول الدكتور «هيكل»: «لابد إذًا أن يكون كعب الأحبار عرف بسر ماكان يجرى، فوجه النذير إلى «عمر»، وأغفل «عمر» أمر هذا النذير .. فحدث ما حدث، ونذير «كعب» وطعنات «أبى لؤلؤة» تدل على أن فى الأمر سرا لم يظهر ساعة ارتكاب الجريمة؛ لكنه ظهر من بعد». أما «الهرمزان» و «جفينة» فأمرهما أوضح من أمر «كعب الأحبار»، واشتراكهما فى الجريمة لا لبس فيه، فقد شهد «عبدالرحمن بن عوف» أنه رأى الخنجر الذى طُعِن به «عمر» مع «الهرمزان» و «جفينة» فى اليوم السابق ليوم الجريمة، وسألهما ماذا يصنعان به؟ فقالا: نقطع به اللحم، وشهد «عبدالرحمن بن أبى بكر الصديق» أنه مرَّ فى الليلة التى طعن «أبو لؤلؤة» «عمر» فى صبيحتها فى أحد طرق

«المدينة»، فوجد «أبا لؤلؤة» و «الهرمزان» و «جفينة» يتناجون - يتحدثون سرا - فلما طلع عليهم فجأة، قام «أبو لؤلؤة» مرتبكًا، فسقط منه الخنجر نفسه الذى طعن به «عمر». ومما يؤكد أن قتل «عمر بن الخطاب» كان مؤامرة انتحار «أبى لؤلؤة» نفسه، فليس هناك رجل يقدم على عمل كهذا من أجل بضعة دراهم، حتى لو رأى أن «عمر» لم ينصفه، فقد كان بإمكانه أن يعاود الشكوى ويأخذ حقه، ولكن العبد المجوسى مُلئ حقدًا، وأوعز عليه فأقدم على جريمته إقدام من يؤمن بأنه يقوم بعمل بطولى يستحق أن يدفع من أجله حياته. وهناك أمر آخر يؤكد المؤامرة، وأنها نُسجت خيوطها فى بلاد فارس نفسها، وهو ثورة معظم بلاد فارس على المسلمين، ونقض معاهدات الصلح، التى وقعها معهم الفاتحون المسلمون، فور سماعهم خبر مقتل «عمر»، وكأنهم كانوا ينتظرون ذلك بصبر نافد؛ لأنهم ظنوا أن وفاة «عمر» هى فرصتهم لإعادة الأمور إلى ماكانت عليه قبل الفتوحات. تفكير عمر فى أمر الخلافة ووفاته: أيقن «عمر بن الخطاب» بعد طعنه أنه لم يبق من عمره سوى ساعات، وكذلك أيقن المسلمون، ولذا ألحوا عليه أن يختار لهم من يخلفه فيهم، فرشَّح لهم ستة من الصحابة، هم بقية العشرة المبشرين بالجنة، يختارون من بينهم واحدًا للخلافة، ومع أن ابن عمه «سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل» واحد من العشرة المبشرين بالجنة، فقد استبعده من الترشيح، خوفًا أن يقع عليه الاختيار لقرابته منه، كما استبعد ابنه «عبد الله» من الترشيح تمامًا، بل رد على من اقترح عليه ترشيحه ردا قاسيًا، إبعادًا لشبهة الوراثة عن نظام الحكم الإسلامى، وجعل الأمر فى يد الأمة تختار الأصلح ليتولى أمرها. قال «عمر» لهم: «عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم من أهل الجنة، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم، ولست مدخله فيهم، ولكن الستة، هم: على بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص،

وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله». واهتم «عمر» وهو فى تلك الحال بأمر دفنه، وطلب أن يُدفن إلى جوار الرسول - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» - رضى الله عنه - فى بيت «عائشة»، لينعم بصحبته فى الآخرة كما نعم بها فى الدنيا، فأرسل ابنه «عبد الله» إلى «عائشة» - رضى الله عنهما - وقال له: قل لها: «عمر» يقرأ عليك السلام ويستأذنك فى أن يُدفن مع صاحبيه، فأتاها «عبد الله» فوجدها تبكى، فسلم عليها، ثم قال لها ما أمره به أبوه، فقالت: «كنت والله أريده لنفسى - أى المكان - ولأوثرنه به اليوم على نفسى»، فلما رجع «عبد الله»، وأخبر أباه أن «عائشة» أذنت له، تهلل وجهه، وقال: الحمد لله ماكان شىء أهم إلى من ذلك المضجع. وفى اليوم التالى لطعنه أى يوم الخميس الموافق 27 من ذى الحجة سنة 23هـ فاضت روح «عمر» بعد أن قضى فى الخلافة عشر سنوات وبضعة شهور، وكُفن فى ثلاثة أثواب أسوة بكفن رسول الله، وصلى عليه «صهيب الرومى» -رضى الله عنه - وكان «عمر» قد أمره أن يصلى بالناس بعد طعنه، ودُفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق».

1 - 8:خلافة عثمان بن عفان

الفصل الثامن *خلافة عثمان بن عفان (24 - 35) نسبه: هو «عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف»، ولِد بعد «عام الفيل» بست سنوات (576م)، وأمه «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس»،فعثمان يلتقى فى نسبه من جهة أمه وأبيه مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «عبدمناف». صفاته: كان ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه أبيض مشربًا بحمرة، غزير الشعر يكسو ذراعيه شعر طويل، طويل اللحية، ومن أحسن الناس ثغرًا. أخلاقه: أجمعت المصادر التى أرخت له على وصفه بسماحة النفس، ورقة المشاعر، وكان رضى الخلق، كريمًا، شديد الحياء، صوَّامًا قوَّامًا، محبوبًا من الناس فى جاهليته وإسلامه. وتحدث هو عن نفسه فقال: لقد اختبأت لى عند ربى عشرًا، إنى لرابع أربعة فى الإسلام، ولقد ائتمننى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنته - رقية - ثم توفيت، فزوجنى الأخرى - أم كلثوم - ووالله ما سرقت ولا زنيت فى جاهلية ولا إسلام قط ولا تغنيت، ولا تمنيت ولا مسحت فرجى بيمينى منذ بايعت رسول الله، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله، ولا مرت بى جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، فإن لم أجد فيها رقبة أعتقت فى التى تليها رقبتين. إسلامه: أسلم «عثمان» مبكرًا، وكان الذى دعاه إلى الإسلام هو «أبو بكر الصديق»، وجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على يديه بعد إسلام «أبى بكر» مباشرة، ولذا كان يقول: «إنى لرابع أربعة فى الإسلام بعد «أبى بكر» و «خديجة» و «زيد بن حارثة»، وحرص عثمان على إسلامه أشد الحرص، على الرغم من الضغوط التى تعرض لها، فعندما علم عمه «الحكم بن أبى العاص» بإسلامه أوثقه بالحبال، وقال له: «ترغب عن دين آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أدعك حتى تدع ما أنت فيه» فأجابه «عثمان»: «والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه». مصاهرته للرسول - صلى الله عليه وسلم -:

تزوج «عثمان بن عفان» من ابنتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوج «رقية»، وظلت معه حتى تُوفيت يوم انتصار المسلمين فى غزوة «بدر»، ولهذا لم يحضر «عثمان» «بدرًا»، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره بالبقاء معها لتمريضها، وقد عده النبى - صلى الله عليه وسلم - من البدريين رغم غيابه عن المعركة، وفرض له فى غنائمها، ثم زوجه النبى - صلى الله عليه وسلم - ابنته «أم كلثوم»، ولهذا لُقب بذى النورين، فلما توفيت فى العام التاسع من الهجرة؛ حزن «عُثمان» حزنًا شديدًا؛ لانقطاع مصاهرته للنبى - صلى الله عليه وسلم -، فواساه مواساة رقيقة قائلا: «لو كانت لنا أخرى لزوجناكها يا عثمان». عثمان مع النبى - صلى الله عليه وسلم -: جاهد «عثمان بن عفان» منذ أن أسلم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - بماله ونفسه، فهاجر الهجرتين: إلى «الحبشة» وإلى «المدينة»، وصاحبته زوجه رقية بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتحمل كثيرًا من الأذى. بذل «عثمان» ماله فى سبيل الله ونصرة دعوته، وكان من أكثر «قريش» مالا، فاشترى «بئر رومة» باثنى عشر ألف درهم، وجعلها للمسلمين فى «المدينة»، وكانوا يعانون من قلة المياه، وغلاء أسعارها. كما أنفق ماله فى تجهيز الجيوش وبخاصة جيش العسرة فى غزوة «تبوك» فى العام التاسع من الهجرة، فقد جهز وحده ثلث الجيش، وكان عدده نحو ثلاثين ألفًا، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير، وقال: «ماضر عثمان مافعل بعد اليوم»، قالها مرتين. وشهد «عثمان» المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عدا غزوة «بدر»، فقد تخلف عنها بأمر من النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأرسله النبى إلى «مكة» عام «الحديبية» لمفاوضة «قريش»، بعد اعتذار «عمر بن الخطاب» لرسول الله بقوله: «إنى أخشى على نفسى من «قريش» لشدتى عليها وعداوتى إياها، ولكنى أدلك على رجل أمنع وأقوى بها منى، عثمان بن عفان».

ولما أشيع أن «قريشًا» قد قتلت «عثمان»، قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانوا فعلوها فلن نبرح حتى نناجزهم»، وبايعه أصحابه «بيعة الرضوان» تحت الشجرة، وبايع النبى نفسه نيابة عن «عثمان»، وقال: «إن عثمان بن عفان فى حاجة الله وحاجة رسوله» وضرب بإحدى يديه على الأخرى مشيرًا إلى أن هذه بيعة «عثمان»، فكانت يد النبى - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم. وكان من كُتاب الوحى كما هو معلوم. ثناء النبى - صلى الله عليه وسلم - على عثمان: الأحاديث الواردة فى فضل «عثمان بن عفان» وثناء النبى عليه كثيرة، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة؟». وكان عثمان بن عفان قريبًا من الخليفتين، «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وموضع ثقتهما وأحد أركان حكومتهما، ومن كبار مستشاريهما، وكان يكتب لهما، وهو الذى كتب كتاب ولاية العهد من «أبى بكر» إلى «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنهما - وترتيب «عثمان» فى الفضل بين الصحابة كترتيبه فى تولِّى الخلافة عند جمهور علماء الأمة. أهل الشورى وبيعة عثمان: لم يشأ «عمر بن الخطاب» أن يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه، وقال: «إن أعهد - يعنى لشخص محدد - فقد عهد من هو خير منى - يقصد أبا بكر عندما عهد إليه هو نفسه - وإن لم أعهد فلم يعهد من هو خير منى - يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تركها شورى بين المسلمين». ولعل اجتهاده أدَّاه إلى أن تصرف الرسول و «أبى بكر» يعطى له الفرصة أيضًا أن يختار طريقة أخرى لاختيار من يخلفه، ليثرى بذلك طرق الاختيار، وليرسخ فى أذهان الناس أن أمر اختيار الحاكم منوط دائمًا بالأمة وإرادتها ورضاها، وهى التى تملك محاسبته وعزله إن ارتكب ما يوجب العزل. رشح «عمر بن الخطاب» ستة من الصحابة، ليتولى واحد منهم منصب الخلافة، ولم يأمر أحدًا منهم أن يصلى بالناس إمامًا، حتى لا يظن

الناس أنه يميل إليه، بل أمر صهيبًا أن يصلى بالناس، لتكون فرصتهم فى الاختيار متساوية، وشدد على ألا تمضى ثلاثة أيام بعد وفاته إلا ويكون عليهم أمير من هؤلاء الستة يتولى مسئولية الخلافة ويتحمل تبعاتها. وبعد أن فرغ المسلمون من دفن «عمر»، شرع المرشحون الستة فى التفاوض، وبعد نقاش طويل اقترح عليهم «عبد الرحمن بن عوف» أن يتنازل عن حقه فى الخلافة. ويتركوا له اختيار الخليفة، فوافقوا على ذلك، فشرع فى معرفة آرائهم واحدًا بعد واحد على انفراد، فرأى أن الأغلبية تميل إلى «عثمان»، ثم أخذ يسأل غيرهم من الصحابة، «فلا يخلو به رجل ذو رأى فيعدل بعثمان». اطمأن «عبد الرحمن» إلى أن الأغلبية تزكى «عثمان بن عفان» فأعلن ذلك على ملأ من الصحابة فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان يعلم أن الذى يلى «عثمان» فى المنزلة عند الصحابة، هو «على بن أبى طالب»، الذى مال إليه عدد منهم، فإنه رأى أن يوضح له أن الأغلبية مع «عثمان»، فقال له: «أما بعد ياعلى، فإنى نظرت فى الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا» - كأنه يحذره من المخالفة- ثم أخذ بيد «عثمان»، فقال: «نبايعك على سنة الله ورسوله، وسنة الخليفتين بعده»، فبايعه «عبد الرحمن»، وبايعه المهاجرون والأنصار؛ ولم يتخلف أحد عن بيعته من الصحابة، وكان ذلك بعد وفاة «عمر» بثلاثة أيام. خطبة البيعة: استقبل «عثمان» بخلافته أول المحرم سنة 24هـ، وصعد المنبر بعد تمام البيعة، وخطبهم قائلا -بعد حمد الله والصلاة على رسوله-: «إنكم فى دار قلعة -أى دار الدنيا - وفى بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه .. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، اعتبروا بما مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفُل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها: الذين أثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلا، ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا حيث

رمى الله بها، واطلبوا الآخرة .. ». وأول ما يُلاحظ على الخطبة الأولى، التى افتتح بها «عثمان» خلافته، خلوها من الإشارة إلى المنهج الذى سيسير عليه، ولعله اكتفى بما قاله لعبدالرحمن بن عوف لحظة البيعة، من أنه سيعمل بكتاب الله، وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين بعده. كتبه إلى العمال والولاة: كتب «عثمان» - رضى الله عنه - فى الأيام الأولى من خلافته عددًا من الكتب إلى الولاة وأمراء الجند، بل وإلى عامة الناس، تتضمن نصائحه وإرشاداته، يقول «الطبرى»: أول كتاب كتبه «عثمان» إلى عماله: «أما بعد فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة - يرعون مصالح الأمة - ولم يتقدم إليهم - أى لم يطلب منهم - أن يكون جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا دعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا دعاة، فإن عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا فى أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم مالهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذى لهم، وتأخذوهم بالذى عليهم، ثم العدو الذى تنتابون، فاستفتحوا عليهم بالوفاء». وكتب إلى أمراء الأجناد وقادة الجيوش: «أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا، بل كان عن ملإ منا، فلا يبلغنى عن أحد منكم تغيير ولا تبديل، فيغير الله ما بكم، ويستبدل بكم غيركم، فانظروا كيف تكونون، فإنى أنظر فيما ألزمنى الله النظر فيه، والقيام عليه». وكتب إلى عمال الخراج المسئولين عن الشئون المالية: «أما بعد فإن الله خلق الخلق بالحق، ولا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا الحق، والأمانة الأمانة، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها .. والوفاء الوفاء، ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله خصم لمن ظلمهم». وكتب إلى عامة الرعية: «أما بعد فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمرهذه الأمة صائر إلى

الابتداع بعد اجتماع». وهذه الكتب توضح سياسة «عثمان بن عفان» العامة، التى كان يتوخى أن يتبعها عماله وولاته فى إدارة شئون الأمة، وهى سياسة طابعها الرفق بالرعية، والسهر على مصالحها، والإنصاف فى جمع الخراج، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، والإحسان إلى أهل الذمة، ورعاية جميع طوائف الأمة. الفتوحات فى عهد عثمان بن عفان: المسلمون والفرس: كان «عمر بن الخطاب» قد أمر المسلمين بالانسياح فى بلاد فارس بعد موقعة «نهاوند» سنة (21هـ) وكلمة الانسياح من تعبيرات المؤرخين القدماء، وهى تدل على سهولة الفتح بعد «نهاوند»؛ إذ لم يلق المسلمون هناك مقاومة تذكر. وقد نجح قادة الجيوش التى أرسلها «عمر» فى فتح المقاطعات الفارسية كهمذان، و «خراسان» و «أذربيجان»، و «اصطخر»، و «أصبهان»، وكان أمراؤها الفرس قد رأوا عدم جدوى المقاومة، فسلموا بلادهم على شروط المسلمين، وقبلوا دفع الجزية، ووقعت معهم معاهدات، هى آية فى الرحمة والعدل والتسامح، من ذلك معاهدة «عتبة بن فرقد» لأهل «أذربيجان»: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان: سهلها وجبلها وحواشيها وشفارها، وأهل مللها كلهم، الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم، على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم، ليس على صبى ولا امرأة ولا زمن - مريض - ليس فى يديه شىء من الدنيا، ولا متعبد متخل ليس فى يديه شىء من الدنيا لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قِرَى المسلم من جنود المسلمين يومًا وليلة ودلالته - على الطريق -ومن حشر منهم - أى من يُستعان به فى خدمات الجيش - فى سنة، وضع عنه جزاء تلك السنة - أى لا يدفع جزية - ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك، ومن خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حرزه». وبعد مقتل «عمر» نقضت معظم المقاطعات الفارسية معاهداتها مع المسلمين، ظنا من أمرائها أن فى مقتل «عمر» فرصة لطرد المسلمين

من البلاد التى فتحوها، فوقف «عثمان بن عفان» لهذه الثورة وقضى عليها، كما فعل «أبو بكر» حيث قمع الردة فى شبه الجزيرة العربية، وأعاد إليها وحدتها الدينية والسياسية، وأخذ «عثمان» يجهزالجيوش، ويصدر أوامره إلى أمراء الأمصار: «الوليد بن عقبة» فى «الكوفة»، و «عبدالله بن عامر» فى «البصرة»، للتصدى بحزم لحركة الردة الفارسية، وإعادة الفرس إلى الطاعة والنظام. وكانت إعادة فتح تلك المقاطعات أصعب من فتحها الأول فى عهد «عمر بن الخطاب»؛ لأنها حينذاك سلمت بدون قتال تقريبًا بعد هزيمتهم فى «نهاوند» فى حين بذل المسلمون فى عهد «عثمان» جهدًا كبيرًا، وخاضوا معارك شرسة فى بضع سنوات (24 - 31هـ) لإعادة فتح بلاد فارس مرة أخرى، وقد شهدت تلك المعارك الفصل الأخير من حياة آخر ملوك «آل ساسان» «يزدجرد الثالث»، حيث لقى مصرعه على يد رجل فارسى فى «مرو» سنة (31هـ)، وبموته طويت صفحة دولة فارس من التاريخ. ومما يجدر ذكره ويثير الإعجاب أن المسلمين لم يقسوا على الفرس ولم ينكلوا بهم بعد ثورتهم وخروجهم، بل قبلوا اعتذارهم، ولم يفرضوا عليهم التزامات جديدة، واستمروا فى معاملتهم طبقًا للمعاهدات الأولى. وبدأت بلاد فارس تشهد تاريخًا جديدًا تحت راية الإسلام، يملؤه العدل والتسامح والرحمة، وأسلمت الأمة الفارسية، وأصبحت جزءًا مهما من العالم الإسلامى وأسهمت إسهامًا كبيرًا فى بناء الحضارة الإسلامية. المسلمون والروم فى عهد عثمان: بعد وفاة «عمر بن الخطاب»، قام الروم بمحاولة لطرد المسلمين، فهاجموا الشام - فى السنة الأولى من خلافة «عثمان» بقوات كبيرة من آسيا الصغيرة، جعلت والى الشام القدير «معاوية بن أبى سفيان» يطلب المدد من «عثمان بن عفان»، الذى أمر بتحريك قوات من «العراق» لنجدة الشام. وكتب «عثمان بن عفان» إلى والى «الكوفة» «الوليد بن عقبة» كتابًا يقول فيه: «أما بعد فإن معاوية بن أبى سفيان كتب إلىَّ

يخبرنى أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة - أى هاجمت - وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإن أتاك كتابى هذا، فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه، فى ثمانية آلاف، أو تسعة آلاف، أو عشرة آلاف، إليهم من المكان الذى يأتيك فيه رسولى، والسلام». ولما بلغ الكتاب والى «الكوفة»، جمع الناس وخطب فيهم وأبلغهم أمر الخليفة، وقال: «قد كتب إلىَّ أمير المؤمنين يأمرنى أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف، تمدون إخوانكم من أهل الشام، فإنهم قد جاشت عليهم الروم، وفى ذلك الأجر العظيم والفضل المبين، فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلى، فانتدب الناس، فلم يمض ثالثة - أى ثلاثة أيام - حتى خرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة، فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم، وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهرى، وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة، فشنوا الغارات على أرض الروم، فأصاب الناس ماشاءوا من سبى، وملئوا أيديهم من المغنم، وافتتحوا بها حصونًا كثيرة». محاولات الروم العودة إلى مصر: لم يكف الروم عن محاولاتهم الهجوم على المسلمين، على الرغم من هزيمتهم فى الشام، وما إن اعتلى الإمبراطور «قنسطانز الثانى» (22 - 48هـ =642 - 668م) حتى سيطرت عليه فكرة استرداد الشام و «مصر» من أيدى المسلمين، كما استردها جده «هرقل» من الفرس قبل سنوات قليلة من الفتح الإسلامى، فأرسل فى سنة (25 هـ = 645 م) حملة بحرية كبيرة إلى «مصر»، بقيادة «مانويل»، تمكنت من الاستيلاء على «الإسكندرية»، بمساندة من بقى فيها من الروم والإغريق، وبدأت تتوغل جنوبًا قاصدة «حصن بابليون»، فكلف الخليفة «عثمان» قائده «عمرو بن العاص» بمهمة الدفاع عن «مصر» وطرد الروم، وكان «عمرو» قد أعفى من ولايتها بناء على طلبه فى مطلع خلافة «عثمان»، فلم يتردد الفاتح الكبير فى العودة إلى

«مصر» للقيام بهذه المهمة، ونجح فى طرد الروم نهائيا، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة، وقتل «مانويل» قائد حملتهم. استمرار فتح شمال إفريقيا فى عهد عثمان: لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل «عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع «عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من «المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت، ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار» أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وبعد عودة «عبدالله بن سعد» إلى «مصر»، قام بفتح بلاد النوبة جنوبًا سنة (31هـ = 651م)، وعلى الرغم من أنها لم تخضع بلاد «النوبة» للمسلمين، فإنها انتهت بعقد صلح بين الطرفين، اتفقا فيه على تبادل التجارة والمنافع. نشأة الأسطول الإسلامى: يُعد إنشاء الأسطول الحربى الإسلامى من أعظم الإنجازات التى تمت فى عهد أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» فبعد الفتوحات الإسلامية فى «مصر» و «الشام» وجد المسلمون أنفسهم قد سيطروا على الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط، الذى كان يُعرَف وقتئذٍ ببحر الروم، لأن سيطرتهم عليه كانت كاملة، ولم تنازعهم فى ذلك

دولة أخرى؛ ولذا كان المسلمون فى حاجة إلى قوة بحرية تمكنهم من الحفاظ على شواطئهم ضد هجمات الأسطول البيزنطى. وكان أول من تنبه إلى ذلك «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام؛ لأنه اضطلع بفتح سواحل الشام، مثل: «صور»، و «عكا»، و «صيدا»، و «بيروت» منذ عهد الخليفتين «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وواجه صعوبات كثيرة فى فتح تلك المدن، لقوة تحصينها من ناحية، وتوالى الإمدادات التى تأتيها من البحر من ناحية أخرى، كما أنها كانت محطات للأساطيل البيزنطية. ولما أدرك «معاوية» أنه بدون قوة بحرية إسلامية فلن يتمكن من الدفاع عن كل الساحل الشامى، فعرض الأمر على الخليفة «عمر بن الخطاب»، مصورًا له حجم الخطر بقوله: «يا أمير المؤمنين، هناك قرية من قرى الروم - يقصد جزيرة قبرص - فى عرض البحر، تتخذها أساطيلهم قاعدة للعدوان علينا، وهذه القرية قريبة من حدودنا إلى درجة أن أهل «حمص» - من مدن الشام - يسمعون نباح كلابها وصياح دجاجها، فأذن لنا ببناء أسطول حربى بحرى»، لكن «عمر» رفض ذلك رفضًا قاطعًا؛ لخوفه على المسلمين من أهوال البحار، وأن الوقت لا يزال مبكرًا للدخول فى هذا المجال، وقال لمعاوية: «لمسلم واحد أحب إلى مما حوت الروم»، يقصد أن سلامة المسلمين عنده مقدمة على أى شىء آخر، وطلب من «معاوية» أن يستعيض عن ذلك بتقوية حصون السواحل، فامتثل «معاوية»، لكنه لم يفقد الأمل فى تحقيق ما يصبو إليه. بناء الأسطول: بادر «معاوية بن أبى سفيان» بعد تولى «عثمان بن عفان» الخلافة سنة (24 هـ) إلى عرض مشروعه القديم عليه، الذى يقضى بإنشاء أسطول بحرى، لكن «عثمان» رفض فى البداية، وذكره بمادار بينه وبين «عمر بن الخطاب» فى ذلك الشأن، وأنه حريص على سلامة المسلمين كحرص «عمر» من قبل لكن «معاوية» ألح عليه إلحاحًا شديدًا، وكان أجرأ عليه من «عمر»، ولم يكف عن المحاولة حتى ظفر منه بالإذن، وكان إذنًا مشروطًا، بألا يُكره أحدًا من الجنود على

العمل فى الأسطول. بدأ «معاوية بن أبى سفيان» يعمل على الفور فى بناء الأسطول، متعاونًا مع «عبدالله بن سعد بن أبى السرح»، والى «مصر»، ومستثمرًا كل الإمكانات المتاحة والصالحة لصناعة السفن فى «مصر» والشام، حيث كانت فى «مصر» دور قديمة لصناعة السفن، وعدد كبير من العمال المهرة المدربين، وأشجار «السنط» التى تصلح لعمل الصوارى وضلوع السفن، وكانت الشام تتمتع بكثير من المواد اللازمة مثل أخشاب «الصنوبر» و «البلوط» و «العرعر»، وأدى هذا التعاون بين «مصر» والشام إلى بروز الأسطول الإسلامى وظهوره. فتح جزيرة قبرص سنة (28هـ): كان أول عمل بحرى ناجح قام به الأسطول الإسلامى، هو فتح «جزيرة قبرص» التى كانت تهدد شواطئ المسلمين باستمرار لقربها منها من ناحية، وباعتبارها محطة مهمة من محطات الأساطيل البيزنطية من ناحية أخرى. وقد غزاها «معاوية» سنة (28هـ)، أى بعد أربع سنوات فقط من بناء الأسطول الإسلامى، وهى مدة ليست بالطويلة لإنشاء أسطول بحرى، ولكنها عزيمة الرجال وإصرارهم على إنجاز العمل. وكانت الغزوة مشتركة أسهمت فيها قوات الشام، وقوات «مصر» بقيادة «عبدالله بن سعد»، ونزلوا «قبرص» واستولوا عليها، فعرض أهلها الصلح، فقبل «معاوية»، واشترط لعقده عدة شروط: - أن يدفع أهل «قبرص» جزية سنوية، مقدارها سبعة آلاف دينار. - وأن يُعلموا المسلمين بأية تحركات عدائية من جانب الروم ضد سواحلهم. - وأن يقف أهل «قبرص» على الحياد، إذا نشبت حرب بين المسلمين والروم، ولكن لا يمنعون المسلمين من المرور بجزيرتهم إذا احتاجوا إلى ذلك. ولم يلتزم أهل «قبرص» بما تعاهدوا عليه فى الصلح، مما جعل «معاوية» يعاود غزو الجزيرة مرة أخرى سنة (33هـ) ويضمها إلى دولة الخلافة، وينقل إليها اثنى عشر ألفًا من المسلمين من أهل الشام، وأسكنهم فيها، وبنى لهم الدور والمساجد. موقعة ذات الصوارى سنة (34هـ): أثار بروز الأسطول الإسلامى فى البحر المتوسط حفيظة «قنسطانز

الثانى» الإمبراطور البيزنطى، وجعله يفكر فى القضاء على الأسطول الإسلامى وتحطيمه، قبل أن تكتمل قوته، ويزداد خطره، وحتى تظل السيطرة على «البحر المتوسط» للأسطول البيزنطى وحده دون غيره، فعبأ الإمبراطور قواته البحرية كلها، واتجه بها قاصدًا سواحل الشام، وهو لا يراوده شك فى قدرته على تدمير السفن الإسلامية؛ لحداثة نشأتها، وقلة خبرة رجالها، لكن المسلمين استعدوا لهذا اللقاء جيدًا وتعاون الأسطولان فى «مصر» والشام، لرد هذا العدوان، وأسندت قيادتهما إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر». والتقى الأسطولان الإسلامى والبيزنطى - الذى كان بقيادة الإمبراطور نفسه - فى شرقى «البحر المتوسط»، جنوبى شاطئ «آسيا الصغرى» (تركيا الحالية)، ودارت بينهما معركة بحرية كبيرة، سُميت بمعركة «ذات الصوارى»، لكثرة السفن التى اشتركت من الجانبين (خمسمائة سفينة من جانب الروم، مقابل مائتى سفينة من جانب المسلمين) وانتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطى، ونجاة الإمبراطور من القتل بأعجوبة. ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور إلى عاصمة «القسطنطينية» بعد المعركة، وإنما ذهب إلى «جزيرة صقلية»، قبالة شاطئ «تونس»، فى محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة الروم فى «شمال إفريقيا»، لكنه قتل فى «صقلية» سنة (68هـ = 688م). مصحف عثمان: إذا كان لعهد «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - أن يفخر بما أنجز فيه من الأعمال العظيمة؛ فإن له أن يفخر بما هو أعظم منها جميعًا، وهو جمع القرآن الكريم على لغة واحدة. للقرآن صورتان: صورة صوتية مقروءة، وأخرى مكتوبة مدونة، وقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تدوين الآيات فور نزولها، وقبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى راجع مع «جبريل» - عليه السلام - ترتيب الآيات والسور مرتين. وقد حفظ الصحابة القرآن باللهجات التى درجوا عليها، وأجاز لهم

النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولذا ظهرالاختلاف فى وجوه القراءة بين الصحابة من بدء نزول القرآن، نتيجة للهجة التى اعتادها اللسان. ولما جُمِعَ القرآن الكريم الجمع الأول فى الصحف فى عهد «أبى بكر» بهيئته المكتوبة، بقيت الصورة الصوتية كما هى، ولما فُتحت البلاد وتفرق الصحابة فيها، أخذ أهل كل إقليم يقرءون القرآن بقراءة الصحابى أو الصحابة الذين عاشوا بينهم، فتمسك أهل «الكوفة» بقراءة «عبدالله بن مسعود»، وأهل الشام بقراءة «أبى بن كعب»، وأهل «البصرة» بقراءة «أبى موسى الأشعرى»، ومع اتساع الفتوحات، زاد الخلاف بين المسلمين حول قراءة القرآن، وتحول الأمر إلى تعصب، بل كاد أن يؤدى إلى فتنة بينهم، مما أفزع «حذيفة بن اليمان» الصحابى الجليل، وكان يقرأ فى «أذربيجان»، فرجع إلى «المدينة»، وأخبر «عثمان بن عفان»» بما رأى. جمع «عثمان» الصحابة، وأخبرهم الخبر، فأعظموه، ورأوا جميعًا مارأى «حذيفة» من ضرورة جمع الناس على مصحف واحد، وأرسل «عثمان» إلى أم المؤمنين «حفصة بنت عمر» أن تبعث إليه بالمصحف الذى جُمع فى عهد «أبى بكر» - وكان «عمر بن الخطاب» قد أخذه بعد وفاة «أبى بكر»، ثم حُفظ بعد موته عند ابنته «حفصة» - ثم أمر «زيد بن ثابت» - الذى جمع القرآن الجمع الأول فى عهد «أبى بكر الصديق» - و «عبدالله بن الزبير»، و «سعيد بن العاص»، و «عبدالرحمن بن الحارث بن هشام»، أن ينسخوه، وقال لهم: إذا اختلفتم - يعنى فى كلمة أو كلمات- فاكتبوها بلسان «قريش»، فإنما نزل بلسانهم، فلما نسخوه، أرسل إلى كل إقليم مصحفًا وأمر بإحراق ما سوى ذلك، وقد سمى هذا المصحف بالمصحف الإمام أو «مصحف عثمان». الفتنة وأسبابها: سارت الأمور فى الدولة الإسلامية على خير ما يرام فى الشطر الأول من خلافة «عثمان» - رضى الله عنه - (24 - 30هـ)،ولكن مع بداية سنة (31هـ) هبت على الأمة الإسلامية رياح فتنة عاتية، زلزلت أركانها،

وكلفتها تضحيات جسيمة، واستمرت هذه الفتنة نحو عشر سنين، شملت ما تبقى من خلافة «عثمان بن عفان»، وكل زمن خلافة «على بن أبى طالب» -رضى الله عنهما- (31 - 40هـ). ومما لاشك فيه أن تلك الفتنة كانت نتيجة لمؤامرة واسعة النطاق كانت أحكم فى تدبيرها، وأوسع فى أهدافها، وأخطر فى نتائجها من مؤامرة اغتيال «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه -، لأن اغتيال «عمر» لم يخلف آثارًا خطيرة بين المسلمين، ولم يقسمهم شيعًا وأحزابًا كما حدث فى آخر عهد «عثمان»، ولأن الذين خططوا لقتل «عمر» والذين قاموا بتنفيذ ذلك كانوا غير مسلمين وغير عرب، فى حين أن الذين قتلوا «عثمان» و «عليا» من بعده كانوًا عربًا مسلمين، وهذا هو وجه الخطورة، حتى وإن كان التخطيط من غيرهم. والذى لاشك فيه أن الذى تولى التخطيط للفتنة، وقتل «عثمان»، وإغراق الأمة فى بحر من الدماء، هو «عبد الله بن سبأ» اليهودى، الذى ادعى الإسلام؛ ليتمكن من الكيد له من داخله، والذى لُقِّب بابن السوداء. وقبل الحديث عنه يحسن تناول الظروف والأجواء التى كانت سائدة فى عهد «عثمان» - رضى الله عنه - واستغلها «ابن سبأ» لتحقيق أهدافه المدمرة: أولا: تغيرت الظروف فى آخر حياة «عثمان» بل وفى بداية خلافته عما كانت عليه فى خلافة «عمر بن الخطاب»، وربما كان هذا تطورًا طبيعيا فى حياة الأمة، فقد كثرت الغنائم فى أيدى الناس، وبدءوا يتوسعون فى المأكل والملبس والمشرب، وبخاصة الجيل الجديد من العرب الذى دخل فى الإسلام بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتأدب بآدابه، ولم يتعود حياة القناعة والقصد فى المعيشة التى كان يحياها الصحابة فى حياته - صلى الله عليه وسلم -. ولم يُرضِ ذلك التوسع فى المعيشة صحابيا جليلا اشتهر بالزهد، هو «أبو ذر الغفارى»، فسخط على «عثمان» وولاته وعماله، وحملهم مسئولية ذلك التطور الاجتماعى الطبيعى الذى لم يكن من صنعهم،

وراح ينادى بتحريم امتلاك المسلم لشىء من المال فوق حاجة يومه وليلته، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}. [التوبة: 34]. ولم يوافق أحد من الصحابة «أبا ذر» فيما نادى به، وكانوا يرون أن المال إذا جُمع من حلال، وأدى عنه صاحبه حق الله وهو الزكاة: لا يعتبر كنزًا، ولا تنطبق عليه الآية موضع الاستشهاد، والنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخزن مؤنة بيوته لمدة سنة إذا كانت الظروف تسمح بذلك، وتشريع الله للمواريث فى نظام دقيق يقتضى ترك الميت ثروة تقسم بين ورثته، وكثير من الصحابة كانوا أغنياء على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعب النبى - صلى الله عليه وسلم - ثراءهم، بل يُروى أنه قال: «نعم المال الصالح للمرء الصالح». [مسند أحمد]. وقد نصح النبى - صلى الله عليه وسلم - «سعد بن أبى وقاص» حين أراد أن يتصدق بماله كله بقوله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». [صحيح البخارى، كتاب الجنائز]. ولو أن «أبا ذر الغفارى» - رضى الله عنه - احتفظ برأيه لنفسه، لكان الأمر هينًا، ولكنه أذاعه فى الناس؛ ووجد صداه عند الكسالى والذين يريدون أن يعيشوا عالة على غيرهم، فألبوا الناس على «عثمان» وولاته، وكانت تلك الدعوة سببًا من أسباب الفتنة. وعلى الرغم من اعتزال «أبى ذر» الناس فى الربذة «شرقى المدينة» امتثالا للخليفة؛ فإن دعوته كانت قد استشرت، وتلقفها «ابن سبأ» اليهودى وأشعلها بين الناس. ثانيًا: شارك عدد كبير من أهل «اليمن» ومنطقة «الخليج» فى الفتوحات الإسلامية، وكان دورهم فى تحقيق النصر لا ينكر، ولكنهم وجدوا بعد الفتح أن الإمارات والوظائف الرئيسية قد أُسندت إلى غيرهم وبخاصة أبناء «قريش»، وكبار المهاجرين والأنصار وأبنائهم، فلم يعجبهم ذلك، ورأوا أنفسهم أحق بالإمارات التى فتحوها

بسيوفهم، مع أنه كان من الضرورى أن يتولى المهاجرون والأنصار هذه الولايات؛ لأنهم يعرفون الإسلام وشرائعه أكثر، فقدمهم علمهم وفقههم فى الدين وسابقتهم فى الإسلام، وجهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أنسابهم وأحسابهم. ونتيجة لذلك تكونت جبهة عريضة من أبناء تلك المنطقة معارضة لسيطرة أبناء المهاجرين والأنصار على الدولة الإسلامية، ولم تكن شكواهم من الولاة واتهامهم بالظلم حقيقية، بل كانت ذريعة للنيل منهم، ومن الخليفة «عثمان»، وهدفًا لقلب الدولة وتغيير نظام الحكم المتهم بالظلم، وهؤلاء كانوا صيدًا سمينًا لابن سبأ فاستغل السخط الذى ملأ قلوبهم لتحقيق هدفه الشرير. ثالثًا: عندما بدأت هذه الفتنة كان معظم ولاة الأقاليم من «قريش»، بل من «بنى أمية» أهل «عثمان»، وأقربائه، مما سهل على «ابن سبأ» مهمته فى إشعال نار الفتنة، والحق أن هؤلاء الولاة، وهم «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام، و «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» والى «مصر»، و «عبدالله بن عامر» والى «البصرة»، و «الوليد بن عقبة» والى «الكوفة»، كانوا من خيرة الولاة، وممن أسهموا فى تثبيت الفتوحات الإسلامية بعد استشهاد «عمر»، وممن مارسوا الحكم قبل خلافة «عثمان»، بل إن «معاوية بن أبى سفيان» كان واليًا على الشام من عهد «أبى بكر الصديق». ومن ثم لم يولِّهم «عثمان» لهوى فى نفسه، أو لأنهم من أقربائه، بل ولاهم لكفايتهم ومقدرتهم الإدارية. ومما يؤسف له أن بعض الكتاب الكبار صوَّروا الأمر على غير ما تقتضيه الحقيقة التاريخية، وكأن «عثمان بن عفان» أتى بهؤلاء الولاة من قارعة الطريق، وعينهم على الولايات الكبيرة، وحملهم على رقاب الناس؛ لأنهم أقرباؤه فحسب. ويذهب بعضهم إلى تصوير أمر استعفاء «عمرو بن العاص» من إمارة «مصر» بناء على طلبه على أنه عزل من «عثمان» ليعين مكانه أخاه من الرضاعة «عبدالله بن سعد»، ولا يذكر شيئًا مما يعرضه مؤرخو «مصر» الإسلامية كابن

عبد الحكم و «الكندى»، من أن «عبد الله بن سعد» كان واليًا على صعيد «مصر» من قبل «عمر بن الخطاب»، فلما تولى «عثمان بن عفان» الخلافة طلب منه «عمرو بن العاص» أن يخصه وحده بإمارة «مصر» كلها، فرفض «عثمان»، فاعتزل «عمرو» الولاية بناء على طلبه، ولم يعزله «عثمان بن عفان». رابعًا: أن من أبناء البلاد المفتوحة وبخاصة بلاد فارس، من لم يسترح إلى سيادة العرب عليهم، وسيطرتهم على بلادهم، وهم الذين كانوا بالأمس يحتقرونهم وينظرون إليهم فى استعلاء، فعزَّ على أنفسهم ذلك، فلم يتركوا فرصة لزعزعة الدولة الإسلامية إلا وانتهزوها، خاصة من لم يتمكن الإسلام فى قلوبهم منهم، وهؤلاء كان لهم دور فى إثارة الفتنة على «عثمان»، واستمر حتى آخر العصر الأموى. خامسًا: أن كل ما تقدم كان يمكن تداركه وعلاجه، بل إن «عثمان» - رضى الله عنه - حاول إجابة كل مطالب الثائرين عليه والمؤلبين للناس ضده، لكنهم لم يقتنعوا؛ لأن الخليفة لان معهم وحلُم عليهم أكثر مما كان ينبغى، ولو أخذهم بالشدة والحزم كما كان يفعل «عمر بن الخطاب» مع أمثالهم لارتدعوا، ولحُسمت الفتنة. عبد الله بن سبأ: هو رجل يهودى من «صنعاء» ادعى الإسلام فى عهد «عثمان»، وأخذ يبث فى المسلمين أفكارًا غريبة وبعيدة عن الإسلام، مثل قوله بالوصية أى أن «على بن أبى طالب»، هو وصى النبى - صلى الله عليه وسلم - وخليفته من بعده، ومعنى ذلك أن الخلفاء الثلاثة، «أبا بكر» و «عمر» و «عثمان» اغتصبوا حق «على» فى الخلافة. وبدأ «ابن سبأ» من هذه النقطة، مستغلا كل الأطراف التى سبق الحديث عنها، ووضع للثائرين والناقمين على اختلاف مشاربهم وأهدافهم خطة للتحرك ضد الخليفة وولاته، وأشار عليهم بالنيل من الولاة أولا؛ لما كان يعرف أن «عثمان» نفسه فوق الشبهات، حتى إذا نجحوا فى تشويه سمعة الولاة، انتقلوا إلى «عثمان» باعتباره المسئول الأول عنهم، ومما قاله لأتباعه: «إن عثمان أخذها بغير حق،

وهذا وصى رسول الله - يقصد عليًّا - فانهضوا فى هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن فى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تستميلوا الناس». أخذ «ابن سبأ» يتنقل بهذا التدبير الشيطانى بين الأقاليم من «البصرة» إلى «الكوفة» إلى الشام إلى «مصر»، يبث أفكاره وسمومه، وكانت خطته بالغة الإحكام، جعلت أتباعه ينجحون فى زرع الشكوك فى نفوس الصحابة فى «المدينة»، مثل «على بن أبى طالب»، و «الزبير بن العوام»، و «طلحة بن عبيد الله»، والسيدة «عائشة» - رضى الله عنها - وهؤلاء كلهم كانت تصلهم معلومات كاذبة عن ظلم ولاة الأقاليم، لكنهم صدقوها للأسف، ولم يتبينوا كذبها إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن وقعت الواقعة، وقتل الخليفة الثالث مظلومًا. موقف عثمان من الفتنة: لما سمع «عثمان بن عفان» ما يقال عن ولاة أقاليمه جمع أهل «المدينة»، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه أن يرسل رجالا إلى الأقاليم للتحقيق فيما وصله من كلام عنهم، كما كان يفعل «عمر بن الخطاب»، فاستجاب على الفور، وحدد أربعة من الصحابة من غير «بنى أمية» - حتى لا يتهمهم أحد بالتحيز للولاة - للقيام بما كلفهم به، فأرسل «محمد بن مسلمة» إلى «الكوفة»، و «أسامة بن زيد» إلى «البصرة»، و «عبدالله بن عمر» إلى الشام، و «عمار بن ياسر» إلى «مصر»، وعاد الثلاثة الأول إلى «المدينة»، وقدموا تقارير للخليفة بأن الأمور تجرى على خير وجه، وأن الشكاوى التى تصل إلى «المدينة» كلها باطلة، ولا أساس لها من الصحة؛ وأن الولاة يقومون بعملهم خير قيام، أما «عمار بن ياسر» فلم يعد من «مصر»، لأنه لما وصل إليها، تصادف وجود «ابن سبأ» فيها، فاستقطبه للأسف وضمه إلى صفه، مما جعل الأمر يستفحل ويزداد خطرًا. وبعد أن تبين بطلان مزاعم أتباع «ابن سبأ»، الذين ألبوا الناس على «عثمان» - وكلهم عرب مسلمون- لان لهم الخليفة، وعطف عليهم وحاول استرضاءهم بدلا من عقابهم وأخذهم بالشدة.

ولما تهيأ الجو، ورأى زعماء الفتنة أن الفرصة سانحة للتخلص من الخليفة، خرجوا إلى «المدينة» على رأس وفود أهل «مصر» و «البصرة» و «الكوفة»، وكانوا نحو عشرة آلاف متظاهرين بالحج، مخفين نياتهم الخبيثة عن عامة الناس، الذين شكوا إلى الخليفة من تصرفات لولاتهم لا يرضونها، فوعدهم خيرًا، وأمرهم بالعودة إلى أمصارهم، فرضوا لما رأوه من سماحته وعطفه، وعادوا. أما زعماء الفتنة من أمثال: «الأشتر النخعى»، و «عمرو بن الأصم»، و «حرقوص بن زهير السعدى»، و «الغافقى بن حرب»، فقد ساءهم عودة عامة الناس الذين لا علم لهم بالمؤامرة، وسُقِطَ فى أيديهم، وعزموا على قتل الخليفة أو عزله، فتخلفوا فى «المدينة»، وزوَّروا كتابًا، ادعوا كذبًا أنهم وجدوه مع غلام من غلمان «عثمان»، موجه إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر» يأمره فيه بقتل بعض الثائرين وتعذيب بعضهم الآخر. عاد الثائرون من الطريق بهذا الكتاب، فعرضوه على «على بن أبى طالب»، فأدرك أنه مزور، لأن الذين ادعوا أنهم وجدوه هم أهل «مصر»، ولكنهم عندما عادوا عادوا جميعًا، أهل «مصر» و «الكوفة» و «البصرة»، مع أن طرقهم مختلفة، فعودتهم فى وقت واحد، تدل على أن الأمر مدبر، فقال لهم على: «كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر وطريقكم مختلف وقد سرتم على مراحل؟! هذا والله أمر أبرم بالمدينة». ولما علموا أن أمرهم قد ظهر، وخطتهم انكشفت، قالوا لعلى: «ضعوه حيث شئتم - أى الكتاب مصممين على كذبهم - لاحاجة بنا إلى هذا الرجل، ليعتزلنا»، ولا شك أن هذا تسليم منهم بأن قصة الكتاب مختلقة، وأن غرضهم الأول والأخير هو خلع أمير المؤمنين أو سفك دمه، الذى عصمه الله بشريعة الإسلام. محاصرة بيت الخليفة وقتله: تشبث الأشرار بهذا الكتاب المزور، ولم يستجيبوا لنصح الصحابة بالرجوع إلى بلادهم؛ لأن الخليفة لم يرتكب خطأ يستحق عليه العقاب، فحاصروه فى بيته، ولم تكن هناك قوة تدافع عنه، فقد رفض عرضًا

من «معاوية بن أبى سفيان» بالذهاب معه إلى الشام، وكره أن يغادر جوار رسول الله كما رفض أن يرسل «معاوية» إليه جندًا من الشام لحمايته، لأنه كره أن يضيق على أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش يضايقهم فى معاشهم. ولما رأى «على بن أبى طالب» و «الزبير بن العوام» و «طلحة بن عبيد الله» وغيرهم الحصار المضروب على بيت الخليفة؛ أرسلوا أبناءهم لحراسته، لكنه رفض ذلك أيضًا، وأقسم عليهم بما له من حق الطاعة عليهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويغمدوا سيوفهم، لأنه أدرك أن أبناء الصحابة وهم عدد قليل، إن تصدوا لهؤلاء الأشرار - وكانوا زهاء عشرة آلاف - فقد يقتلونهم جميعًا، فآثر سلامتهم وحقن دماءهم، ولعله كان يفكر أن الثوار إذا قتلوه هو فستنتهى المشكلة، فرأى أن يضحى بنفسه، حقنًا للدماء، ولم يدر أن دمه الطاهر الذى سيُسفك، كان مقدمة لبحور من دماء المسلمين، سالت بعد ذلك نتيجة مقتله. امتثل أبناء الصحابة لأمره، وعادوا إلى بيوتهم، لكنه طلب منهم ماء للشرب، بعد أن منعه الثوار عنه، وهو الذى اشترى للمسلمين «بئر رومة» ووهبها لهم، بناء على طلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى بشره بنهر عظيم فى الجنة. وكانت أم المؤمنين «أم حبيبة بنت أبى سفيان» أول المغيثين لعثمان، لكنها لم تستطع أن توصل الماء إليه لأن الثوار منعوها، وأساءوا معها الأدب وسبوها، ولم يراعوا لها حرمة. فلما فعلوا بأم حبيبة ذلك، ذهب إليهم «على بن أبى طالب» - رضى الله عنهم - وقال لهم: «إن الذى تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لاتقطعوا عن الرجل المادة (الطعام والشراب) فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقى، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟! قالوا: لا والله ولا نعمة عين - يعنى ولا قطرة ماء تصله - لا نتركه يأكل ويشرب». وبعد ذلك اقتحموا على الخليفة داره اقتحامًا، متسلقين من دور

مجاورة، وقتلوه وهو صائم يقرأ القرآن، وروعوا الأمة الإسلامية فى إمامها، الذى كانت تستحى منه الملائكة، والذى بشره النبى - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وتنبأ له بالشهادة، وكان استشهاده فى أواخر شهر ذى الحجة سنة (35هـ). قُتِل «عثمان بن عفان» مظلومًا لم يرتكب ذنبًا أو يقترف جرمًا يستحق به أن يرفع هؤلاء الأشرار أصواتهم عليه ولو كان كل ما رموه به من تُهم صحيحًا - مع أنه باطل وملفق - ما أباح لهم قتله، ولكنه الحقد الأسود والأفكار الهدامة، التى زرعها «ابن سبأ» فى نفوسهم وعقولهم، جعلهم يرون فضائله وإنجازاته تهمًا وجرائم، فاتهموه -مثلا - بأنه تخلف عن «بيعة الرضوان» فى «الحديبية»، مع أنهم يعلمون أنه عندئذٍ كان فى «مكة» سفيرًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم بمهمة اعتذر عنها «عمر بن الخطاب» لخطورتها، وناب النبى - صلى الله عليه وسلم - نفسه عن «عثمان» فى البيعة، فكانت بيعة عن «عثمان» أفضل من بيعة الصحابة لأنفسهم، كما اعتبروا جمعه للقرآن فى مصحف واحد جريمة، مع أنه أعظم أعماله باعتراف الصحابة أنفسهم. وقد وصف «أبو بكر بن العربى» قتلة «عثمان» وصفًا صادقًا، فقال: «وأمثل ما روى فى قصته - أى عثمان - أنه بالقضاء السابق، تألب عليه قوم لأحقاد اعتقدوها، ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه، أو حسد حسادة أظهر داءها، وحمله على ذلك قلة دين، وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة، وإذا نظرت إليهم دلك صريح ذكرهم على دناءة قلوبهم، وبطلان أمرهم». وقد لا يصدق بعض الناس أن رجلا واحدًا هو «عبد الله بن سبأ» يستطيع أن يفسد أمر أمة بكاملها، مهما تبلغ قدراته، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار وجوده أصلا، ولكن الواقع أن «ابن سبأ» كان موجودًا ووجوده حقيقة، وهو كأى متآمر خبيث يتمتع بقدر كبير من الدهاء والمكر، مكنه من أن يستميل إلى صفه صحابيين جليلين هما «أبو ذر الغفارى» و «عمار بن ياسر»، وأن يستغل كل الساخطين من

أبناء العرب الطامعين فى الوظائف، بالإضافة إلى الحاقدين من أبناء البلاد المفتوحة، الذين سقطت دولهم، وبادت عروشهم، وخلق من ذلك كله تيارًا عامًّا، أدى إلى فتنة عارمة، ذهب ضحيتها «عثمان بن عفان»، ولم تنته بعد موته.

1 - 9:خلافة على بن أبى طالب

الفصل التاسع *خلافة على بن أبى طالب (35 - 40) هـ نسبه ونشأته: هو «على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف»، وأمه «فاطمة بنت أسد بن هاشم»، وهى أول هاشمية ولدت هاشميًّا، وقد أسلمت وهاجرت إلى «المدينة»، وهو ابن عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتربى فى بيته، لأن أباه كان كثير العيال قليل المال، فأراد النبى أن يخفف عن عمه أعباء المعيشة، فأخذ «عليًّا» ليعيش معه فى بيته، وكان عمره يومئذٍ ست سنوات، فشاءت إرادة الله أن ينشأ «على» فى بيت النبوة، فوقاه الله أرجاس الجاهلية، فلم يسجد لصنم قط، وكان أول من أسلم من الصبيان. صفته: كان «على بن أبى طالب» ربعة من الرجال، يميل إلى القصر، أسمر اللون، حسن الوجه واسع العينين، أصلع الرأس، عريض المنكبين، غزير اللحية، قوى الجسم. عُرف «على بن أبى طالب» بالشجاعة والعلم الغزير، والزهد فى الدنيا مع القدرة عليها، وكان واحدًا ممن حفظوا القرآن كله من الصحابة، وعرضوه على النبى - صلى الله عليه وسلم -، ومن أكثرهم معرفة بالقرآن وبتفسيره وأسباب نزوله، وأحكامه، وكان من كتاب الوحى، ولذا اختص فى سيرته بلقب «الإمام» لأفضليته العلمية والفقهية، وكان أقضى الصحابة رضى الله عنهم جميعًا، واشتهر بالفصاحة والخطابة وقوة الحجة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد تآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع على بعد الهجرة، ثم زوجه ابنته «فاطمة»، وأنجب منها «الحسن» و «الحسين»، وهما اللذان حفظا نسل الرسول - صلى الله عليه وسلم -. شهد «على» المشاهد كلها -عدا تبوك - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان فى طليعة من صرعوا المشركين فى «بدر»، وواحداً من الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة «أحد»، وحمل اللواء عندما سقط من يد «مصعب بن عمير» بعد استشهاده، حمله بيده اليسرى، وظل يقاتل بيده اليمنى، وصرع فى غزوة الخندق «عمرو بن عبد ود» فارس «قريش» والعرب كلها عندما

لم يقدم أحد على مبارزته وأعطاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم «خيبر»، وقال: «لأعطين اللواء غدًا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وأخبر أن الفتح سيكون على يديه، وتحقق ذلك، وثبت مع من ثبتوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «حنين». وفى غزوة «تبوك» خلفه النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أهله يرعى مصالحهم وشئونهم، ولما تأذى من ذلك، وقال: يارسول الله، تخلفنى فى النساء والصبيان؟!، فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم -: «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبى بعدى؟»، إشارة من النبى إلى أن «موسى» عندما ذهب لمناجاة ربه، ترك أخاه «هارون»، خلفًا له فى قومه، كما جاء فى قوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}. [الأعراف:142]. وكان رضى الله عنه موضع ثقة واحترام من الصحابة جميعًا، فكان من أكبر أعوان «أبى بكر الصديق» فى قمع حروب الردة، ولازم «عمر بن الخطاب»، فكان لا يقطع أمرًا دون مشاورته، والاستنارة برأيه، وكان «عمر» يقول: «قضية ولا أبا حسن لها». وعاون «عثمان» بالرأى والمشورة مثلما كان يفعل مع «أبى بكر» و «عمر»، فلم يحجب عنه نصحه ومؤازرته فى الفتنة التى أطبقت على الأمة، وأرسل أولاده مع بقية أولاد الصحابة لحراسته والدفاع عنه، ثم ذهب بنفسه لمواجهة الأشرار. بيعته بالخلافة: رُوِّعت «مدينة» رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقتل أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - وعم الناس الهلع والرعب، لهذه الجريمة التى أقدم عليها هؤلاء الأشرار. سيطر الثائرون على «المدينة»، وظل «الغافقى بن حرب» زعيم ثوار «مصر»، وأحد كبار زعماء الفتنة يصلى بالناس إمامًا فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أيام، والدولة كلها بدون خليفة، ولم يكن فى وسع أحد من الثوار أن يرشح نفسه لها، لأنهم يعلمون أن هذا الأمر يخص المهاجرين وحدهم.

وبدأ الثائرون يعرضون منصب الخلافة على كبار الصحابة: «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيد الله»، و «سعد بن أبى وقاص»، و «الزبير بن العوام»، و «عبدالله بن عمر بن الخطاب»، فرفضوا جميعًا، وسماهم «على بن أبى طالب» الثائرين ولعنهم على فعلتهم الشنعاء، فهددهم الثائرون بقتلهم جميعًا كما قتلوا «عثمان» إن لم يقبل أحدهم منصب الخلافة. وفى مثل هذه الظروف العصيبة كان لابد من رجل شجاع غير هياب، يتقدم الصفوف لحمل الأمانة وسط الأخطار المحدقة بها، واتجهت الأنظار إلى «على بن أبى طالب»، وتعلقت به الآمال، ترجوه تحمل المسئولية، وقيادة الركب إلى بر الأمان، وألح عليه كبار الصحابة إلحاحًا شديدًا لتولى المنصب الشاغر، منصب الخلافة الجليل، فقبل تجشم تبعاتها فى هذه الظروف الدقيقة، وكان قبوله لها ضربًا من ضروب الفروسية والشجاعة، والاحتساب عند الله، والنزول على رغبة كبار الصحابة. كان «على بن أبى طالب» هو أول خليفة يخطب قبل البيعة، وكانت خطبة قصيرة، أشهد الله عليهم، وأشهدهم على أنفسهم أنهم هم الذين ألحوا عليه تقبل أمرٍ كان له كارهًا، لتبعاته ومسئولياته، فلما وافقوا بايعوه، ولهذا كان عليه أن يخطب مرة أخرى خطبة يوضح فيها أسلوبه فى الحكم، فقال: «إن الله أنزل كتابًا هاديًا، بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل دم امرئ مسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم، وإن من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر الناس أخراهم، اتقوا الله عباد الله فى بلاده وعباده، إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله فلا

تعصوه {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض}». [الأنفال: 26]. خطبة قصيرة مناسبة للمقام وللظرف الذى قيلت فيه، فقد بدأها بالتذكير بالله، وحث المسلمين على عمل الخير وتجنب الشر، وحذرهم حرمات الله والوقوع فيها، وأهمها حرمة دم المسلم، ولعله بذلك يعرض بقتلة «عثمان» ويحدد موقفه من هذه الفعلة الشنعاء، وأنه لن يتساهل فى القصاص منهم، وإقامة الحد عليهم. على والقرارات الصعبة: تمت بيعة «على بن أبى طالب» فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى الحجة سنة (35 هـ)، فاستقبل بخلافته عام (36هـ)، وكان عليه أن يواجه الموقف العصيب، الذى نتج عن استشهاد أمير المؤمنين «عثمان بن عفان»، باتخاذ قرارات صعبة تجاه عدد من المعضلات، التى كان أولها: - القصاص من قتلة «عثمان» - رضى الله عنه - وكان ذلك مطلب الصحابة، ففى أول يوم من خلافته ذهب إليه «طلحة» و «الزبير»، وطالباه بإقامة الحد على القتلة، وكان هو مقتنعًا بذلك، ولذلك قال لهما: «يا إخوتاه إنى لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم -أى يعيشون بينكم - يسومونكم ماشاءوا - أى يسيطرون عليكم - فهل ترون موضعًا لقدرة على شىء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا». ويتضح من هذا أن «على بن أبى طالب» لم يكن أقل من غيره حرصًا على إقامة الحد على قتلة «عثمان»،ولكن الظرف الذى هم فيه لا يمكنه من ذلك، فإذا كان الذين نفذوا القتل فى «عثمان» عددًا محدودًا، وهم «الغافقى بن حرب»، ومعه «سودان بن حمران» و «كنانة بن بشر التجيبى»، فإن وراءهم نحو عشرة آلاف من الثوار الذين ضللوهم، وهم مستعدون للدفاع عنهم، ولذلك عندما كانوا يسمعون قائلا يقول: من قتل «عثمان»؟ كان هؤلاء جميعًا يصيحون: نحن جميعًا قتلناه، ولذا كان رأى الإمام التريث حتى تهدأ الأمور،

ويعود الناس إلى بلادهم، حتى يتمكن من التحقيق فى الأمر وإقامة الحد، وقد اقتنع الصحابة بهذا الحل، لكن الأمور تطورت تطورًا آخر على غير ما يهوى الجميع. - وتغيير كل ولاة «عثمان» على الولايات الكبرى: «مصر» و «الشام»، و «الكوفة»، و «البصرة» حتى تهدأ الفتنة. وقد اتخذ «على» بالفعل قرارًا بذلك، فعزل «معاوية بن أبى سفيان» عن الشام، وعين بدلا منه «سهل بن حنيف»، وعزل «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» عن «مصر» وعين بدلا منه «قيس بن سعد بن عبادة»، وعزل «عبدالله بن عامر» عن «البصرة» وعين بدلا منه «عثمان بن حنيف»، وعزل «أبا موسى الأشعرى» عن «الكوفة»، وعين بدلا منه «عمارة بن شهاب». وهذا القرار الخطير راجعه فيه أقرب الناس وأخلصهم له، ابن عمه «عبدالله بن عباس»، ونصحه بالانتظار فترة ولو لمدة سنة، لتكون الأمور قد هدأت واستقرت، ويتم التغيير فى ظرف مناسب، لكن الإمام أصر على تنفيذ قراره محتجًا بأن هؤلاء الثوار ثاروا غضبًا من ولاة «عثمان»، سواء أكانوا مخطئين أم مصيبين، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا عُزِلوا. وإزاء إصرار على - رضى الله عنه - على تنفيذ قراره، اقترح «ابن عباس» أمرًا آخر، بأن يعزل من يشاء من الولاة، ويُبقى «معاوية» على ولاية الشام، وكان اقتراحًا ذكيًا وجيهًا، فمعاوية لم يكن موضع شكوى أحد من رعيته، ولم يشترك أهل الشام فى الثورة على «عثمان» وقتله، وعلى هذا فلو أقره علىّ فى ولاية الشام، فلن يلومه أحد، وكان «ابن عباس» يعرف من ناحية أخرى أن «معاوية» لن يذعن لقرار العزل، وسيبقى فى لايته، مسببًا متاعب كثيرة، ومع هذا صمم الإمام «على بن أبى طالب» على عزل ولاة «عثمان» جميعًا بما فيهم «معاوية». بدأ الولاة الجدد يتجهون إلى ولاياتهم لمباشرة أعمالهم، فذهب «قيس بن سعد» إلى «مصر»، ودخلها بدون متاعب؛ لأن واليها القديم «عبدالله بن سعد» تركها منذ علمه بمقتل «عثمان»، وذهب إلى

«فلسطين»، واعتزل الفتنة، وبقى هناك حتى مات فى مدينة «عسقلان» سنة (37هـ). وكذلك دخل «عثمان بن حنيف» «البصرة»، وتولى شئونها بدون مشاكل؛ لأن واليها «عبدالله بن عامر» كان قد تركها وذهب إلى «مكة». أما «عمارة بن شهاب» فلم يمكنه أهل «الكوفة» من دخولها، وتمسكوا بواليهم «أبى موسى الأشعرى»، فوافق الإمام «على» على ذلك، وأقر عليهم «أبا موسى الأشعرى». وكذلك لم يستطع «سهل بن حنيف» دخول الشام، فقد منعه «معاوية بن أبى سفيان»، رافضًا قرار العزل. وهنا لم يعامل الإمام «على» الشام معاملة «الكوفة»، فإنه رفض إقرار «معاوية» فى ولاية الشام، مع أن تمسك أهلها به كان أشد من تمسك أهل «الكوفة» بأبى موسى الأشعرى. بين على ومعاوية: دارت مراسلات عديدة بين «على» و «معاوية» - رضى الله عنهما - يطلب الأول من الآخر مبايعته بالخلافة، والإذعان لأوامره، باعتباره الخليفة الشرعى الذى بايعه معظم الصحابة فى «المدينة»، على حين يطلب الثانى من الأول القصاص من قتلة «عثمان»، باعتباره ولى دمه، لأنه ابن عمه، وبعدها ينظر فى بيعته. ولم تكن وجهة نظر الإمام فى قضية القصاص رافضة، لكنه كان يرغب فى تأجيلها حتى تتهيأ الظروف المناسبة، ولكن «معاوية» تمسك بالقصاص أولا، وجعله شرطًا لازمًا يسبق البيعة. ولما لم تؤد الاتصالات بينهما إلى نتيجة، وصلت رسالة من «معاوية» إلى «على» تتضمن جملة واحدة، هى: «من معاوية إلى على»، بعثها «معاوية» بيضاء مع رجل يدعى «قبيصة» من «بنى عبس»، وأمره أن يدخل بها «المدينة»، رافعًا يده حتى يراها الناس، ويعلموا أن «معاوية» لم يبايع «عليًّا»، إذ يخاطبه باسمه فقط دون أن يصفه بأمير المؤمنين. وأدرك علىٌّ رضى الله عنه- أن حمل معاوية على البيعة سلمًا غير ممكن، فأخذ يعد العدة لحمله على البيعة بالقوة، باعتباره خارجًا على طاعة الخليفة، على الرغم من أن كثيرين نصحوه بعدم اللجوء

إلى الحرب لعواقبها الوخيمة، ومن بينهم ابنه «الحسن» لكن الإمام «على» أصر على موقفه، وبينما هو يستعد لذلك، جاءته أخبار أخرى مفزعة من «مكة»، تخبره بمسير «عائشة» وجماعتها إلى «البصرة». موقعة الجمل (36هـ): كانت أم المؤمنين «عائشة» - رضى الله عنها - عائدة من أداء فريضة الحج، وسمعت بمقتل «عثمان»، فعادت من الطريق إلى «مكة»، وأعلنت سخطها على قتله، وأخذت تردد «قُتل والله عثمان مظلومًا لأطلبن بدمه»، ثم وافاها فى «مكة» «طلحة» و «الزبير» - رضى الله عنهما - و «بنو أمية»، وكل من أغضبه مقتل «عثمان»، وراحوا يتباحثون فى الأمر، وهداهم تفكيرهم إلى تجهيز جيش للأخذ بالثأر من قتلة «عثمان» والسير به إلى «البصرة»، باعتبارها أقرب بلد إليهم من البلاد التى اشترك أهلها فى الثورة على «عثمان» وقتله، وكان هذا اجتهادًا منهم مجانبًا للصواب، لأنهم بهذا العمل كأنهم أقاموا حكومة أخرى غير حكومة الإمام، المبايع شرعًا من الأمة، والمنوط به وحده إقامة الحدود والقصاص من القتلة، وربما كان الأفضل من هذا أن يتوجهوا إلى «المدينة»، ليشدوا من أزر الخليفة فى هذا الوقت العصيب الذى تمر الأمة به، ويتشاوروا معه فى إيجاد طريقة لحل المشكلات التى تواجهها الأمة. وصلت أخبار سير «عائشة» ومن معها إلى «على» وهو يتأهب للخروج إلى الشام لقتال «معاوية»، فاضطر إلى تغيير خطته، فلم يعد ممكنًا أن يذهب إلى الشام، ويترك هؤلاء يذهبون إلى «البصرة»، فاستعد للذهاب إلى هناك. خرجت السيدة «عائشة» - رضى الله عنها - ومعها فى البداية نحو ألف رجل لكن هذا العدد تضاعف عدة مرات، بانضمام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة «عائشة»، فلما اقتربوا من «البصرة»، أرسل واليها «عثمان بن حنيف» إلى أم المؤمنين «عائشة» رسولين من عنده، هما «عمران بن حصين» و «أبو الأسود الدؤلى» يسألانها عن سبب مجيئها. فقالت لهما: «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع

القبائل غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنة الله ورسوله، مع مانالوا من قتل إمام المسلمين، بلا ترة ولا عذر، فخرجت فى المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء». وكذلك سأل الرسولان «طلحة» و «الزبير» - رضى الله عنهما - عن سبب مجيئهما، فقالا: «الطلب بدم عثمان»، فرجع الرجلان وأخبرا «عثمان بن حنيف»، فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون! دارت رحى الإسلام ورب الكعبة»، وأصرَّ على منعهم من دخول «البصرة»، فدارت بينه وبينهم معركة عند مكان يُسمى «الزابوقة» قُتل فيها نحو ستمائة من الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن القتال، وانتظار قدوم الإمام «على» إلى «البصرة»، وتم الصلح على أن يتركوا للوالى دار الإمارة والمسجد وبيت المال، وينزلوا هم فى أى مكان بالبصرة. وصول «على» إلى البصرة: وصل «على» إلى «البصرة» وعلم بما حدث من سفك الدماء وهاله ذلك، فأرسل على الفور «القعقاع بن عمرو التميمى» إلى معسكر «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، ليعرف ماذا يريدون، فقالت «عائشة» - رضى الله عنها -: «خرجنا لنصلح بين الناس»، وكذلك قال «طلحة» و «الزبير»، فسألهم «ما وجه الإصلاح الذى تريدون»، قالوا: «قتلة عثمان»، قال: «لقد قتلتم ستمائة من قتلة عثمان، فغضب لهم ستة آلاف من قبائلهم، وكنتم قبل ذلك أقرب إلى السلامة منكم الآن»، قالوا: «فماذا ترى أنت؟»، قال: «أرى أن هذا الأمر دواؤه التسكين»، واقترح عليهم تجديد البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين، فقبلوا. ومعنى ذلك أن الجميع كانوا راغبين، فى الإصلاح، كل على حسب اجتهاده، لكن عناصر الشر التى كانت لاتزال فى معسكر «على» هى التى أفسدت السعى الذى قام به «القعقاع». أتباع ابن سبأ يفسدون الصلح ويبدءون المعركة: كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام «على» هى وجود كثيرين

ممن اشتركوا فى قتل «عثمان» والتخطيط له، وعلى رأسهم «عبدالله بن سبأ»، و «الأشتر النخعى»، ولم يكن لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة على إبعادهم، لكونهم قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، وقد أدرك زعماؤهم الذين تولوا كبر الثورة على «عثمان» أن الصلح بين الفريقين سيجعل «عليًّا» يتقوى بانضمام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم باعتبارهم قتلة «عثمان»، فعزموا على إفساد الأمر كله. وترتب على هذا العزم أن عقد «ابن سبأ» لهم مؤتمرًا تدارسوا فيه الأمر، فاقترح «الأشتر» أن يقتلوا «عليًا» كما قتلوا «عثمان» من قبل، فتهيج الدنيا من جديد، ولا يقدر عليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم يعجب «ابن سبأ»، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب طاحنة، لا أن يقتل فرد واحد وإن كان خليفة المسلمين، فأمرهم بشن هجوم فى ظلام الليل على جيش «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، بدون علم الإمام «على»، فاستجابوا لرأيه، وبينما الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بوادر الصلح تلوح فى الأفق، إذا بهم يفاجئون بقعقعة السلاح، وكانت هذه هى بداية حرب «الجمل» المشئومة التى راح ضحيتها خيرة الصحابة «طلحة» و «الزبير» المبشران بالجنة، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين. أسباب خروج عائشة ومن معها: لم تكن أم المؤمنين «عائشة»، ولا «طلحة» ولا «الزبير» ولا أمير المؤمنين «على» يريدون سفك الدماء، ولا يتصورون حدوث ذلك، وكل ما دفع السيدة «عائشة» ومن معها إلى الخروج إنما هو اقتناعهم بأن «عثمان» قُتل مظلومًا، وعليهم تقع مسئولية إقامة الحد على قتلته، ولم يكونوا أبدًا معادين لعلى، أو معترضين على خلافته، وقد رأينا ميلهم جميعًا إلى الصلح، لولا أن أتباع «ابن سبأ» (السبئية) أفسدوا كل شىء وأشعلوا الحرب، ولقد ندمت السيدة «عائشة» ندمًا شديدًا على ماحدث، وقالت: «والله لوددت أنى مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة». وخلاصة القول أن تبعة هذه المأساة تقع على عاتق «السبئية»، فهم

الذين أشعلوا الفتنة من البداية، وقتلوا خليفة المسلمين ظلمًا، وأشعلوا حرب «الجمل»، أما الصحابة، فقد وصف «ابن خلدون» موقفهم وصفًا دقيقًا، فقال: «وإذا نظرت بعين الإنصاف عذرت القوم أجمعين، وعلمت أنها كانت فتنة ابتلى الله بها الأمة» معركة صفين: بعد معركة «الجمل» توجه «على ابن أبى طالب» بجيش يبلغ عدده نحو مائة ألف إلى «صفين»، واستعد «معاوية» لمقابلته بجيش يقاربه فى العدد، ودارت بينهما معركة شرسة فى شهر صفر سنة (37هـ) قُتِل فيها من الجانبين نحو سبعين ألفًا، خمسة وعشرين ألفًا من جيش «على»، وخمسة وأربعين ألفًا من جيش «معاوية»، ولما رأى الناس كثرة القتلى من الجانبين تنادوا يطلبون وقف القتال، فجعل أهل «العراق» (جيش «على») يصيحون فى أهل الشام (جيش «معاوية») قائلين: من لثغور «العراق» إن فنى أهل «العراق». ويرد الآخرون: من لثغور الشام إن فنى أهل الشام. ومن هنا جاءت فكرة التحكيم. التحكيم: رفع جيش «معاوية» المصاحف للاحتكام إليها، ووقف القتال فورًا، بدلا من سفك الدماء، وكانت فكرة التحكيم من عند «عمرو بن العاص»، وقد قبلها الطرفان، وأوقفت الحرب، بعد أن فزع الناس لكثرة عدد القتلى. أوقفت الحرب، وطلب من «على» و «معاوية» أن ينيب كل منهما شخصًا يتفاوض باسمه، للفصل فى القضايا محل الخلاف، فأناب «معاوية» «عمرو بن العاص»، وأناب «على» «أبا موسى الأشعرى» على كره منه وذلك فى شهر صفر (37هـ) وكان «على» قد حاول أن ينيب عنه «عبدالله بن عباس»، لكن أنصاره، وبخاصة من أبناء «اليمن» بزعامة «الأشعث بن قيس»، رفضوا ذلك بحجة عصبية، وأعلنوها صراحة، كيف يكون الخلاف بين رجلين من «قريش»، ثم يكون الحكمان رجلين من «قريش» أيضًا، لقد حسدوا قريشًا على زعامتها للدولة الإسلامية التى استحقتها بسابقتها فى الإسلام، لا بنسبها فقط. واتفق على أن يأخذ الطرفان مهلة مدتها ستة أشهر، تهدأ فيها

النفوس، ويجتمع الحكمان للتباحث والوصول إلى حل، وبعد مفاوضات طويلة وصل الحكمان إلى نتيجة رأياها أفضل الحلول، وهى عزل «على» -رضى الله عنه- عن الخلافة، ورد الأمر إلى الأمة تختار من تشاء، أما التصرف العملى فى إدارة البلاد التى كانت تحت يد كل من الرجلين المتحاربين، فيبقى كما كان: «على» يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه (وهى كل الدولة الإسلامية عدا الشام) و «معاوية» يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه (الشام). موقف على وأنصاره من التحكيم: اجتهد الحكمان فيما توصلا إليه، وأعلناه على الناس، غير أن «عليًّا» - رضى الله عنه - لم يقبل تلك النتيجة، واعتبر الحكمين قد تجاوزا حدودهما؛ لأن الخلاف لم يكن على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة «عثمان»، وبيعة «معاوية» له، أيهما يسبق الآخر، ولذلك عدَّ نفسه فى حل من هذه النتيجة، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل التحكيم، أى إلى حالة الحرب. ظهور الخوارج: حاول «على» أن يدعو أنصاره إلى حرب «معاوية» من جديد لكنهم كانوا قد ملوا القتال، وتقاعسوا عنه، بل إنهم انقسموا إلى «شيعة» وافقوه على ماصنع «وخوارج» اعتبروا التحكيم كان خاطئًا من أساسه، مع أنهم هم الذين فرضوه عليه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر تطرفًا، فاتهموا «عليًّا» بالكفر، لأنه حكَّم الرجال فى القرآن، وصاغوا شعارًا أخذوا يرددونه «الحكم لله لا لك يا على»، وكان هو يقول لهم: «كلمة حق أريد بها باطل»، وطالبوه بأن يعلن كفره، ويتوب ويسلم من جديد، حتى يعودوا إليه ويقاتلوا معه، فإذا لم يفعل فسوف يقاتلونه. ولا يمكن لمسلم أن يتصور كيف يُكفَّر رجل من صحابة رسول الله المبشرين بالجنة، وممن رضى الله عنهم تحت الشجرة فى «بيعة الرضوان»، وإزاء هذا التطرف من «الخوارج» اضطر الإمام أن يحاربهم فى معركة شهيرة تُسمى معركة «النهروان» بالقرب من «الكوفة»، وبعدها لم يستطع أن يجمع شمل أنصاره لقتال «معاوية» من جديد

كما كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه. الاتفاق بين على ومعاوية: بعد انقسام جبهة «على» إلى «شيعة» و «خوارج» ازداد موقفه ضعفًا؛ لأن صراعه مع «الخوارج» كبده متاعب جسيمة، وفى الوقت نفسه كان موقف «معاوية» يزداد قوة، وبخاصة بعد أن استطاع الاستيلاء على «مصر» سنة (38هـ)، بجيش قاده فاتحها الأول «عمرو بن العاص»، ونشر قوات له فى أطراف «العراق»، وضم «اليمن» إليه، وأصبحت دولته تتسع بمرور الزمن، فى الوقت الذى تضيق فيه دولة «على». وانتهى الأمر بأن جرت بينهما مفاوضات طويلة، اتفقا على وضع الحرب بينهما وتكون لعلى «العراق» وبلاد فارس ولمعاوية الشام فلا يدخل أحدهما على صاحبه فى عمله بجيش ولا غارة .. وتراضيا على ذلك» .. وهكذا أجبرت الظروف التى تكون أحيانًا أقوى من الرجال «على بن أبى طالب» أن يصالح «معاوية»، ويسلم له بنصف الدولة الإسلامية تقريبًا، يحكمها حكمًا مستقلا، وهو الذى رفض فى بادئ الأمر إبقاءه واليًا على الشام وحدها يأتمر بأمره، وينتهى بنهيه. إدارة الدولة وتثبيت الفتوحات فى عهده: على الرغم من الظروف الصعبة التى واجهت الإمام «عليًّا» -رضى الله عنه- فإنه أدار الدولة باقتدار وعدالة ونزاهة وتجرد، ولم يقصر فى شأن من شئونها، واتخذ من «الكوفة» عاصمة لدولته منذ أن خرج من «المدينة» إلى «البصرة» وبعد معركة «الجمل»، وظل يحكم منها إلى أن لقى الله، وعهد بإدارة بقية أجزاء دولته إلى أقرب الناس إليه، وأخلصهم له، فجعل «عبدالله بن عباس» واليًا على «البصرة» وأخاه «عبيد الله بن عباس» واليًا على «اليمن»، وأخاهما الثالث «قثم بن عباس» على «مكة» و «الطائف»، وعزل «قيس بن سعد» عن «مصر»، وولى مكانه «محمد بن أبى بكر الصديق». ولا لوم على «عثمان» و «على» إذا وليا أهل قرابتهما؛ لأن كل واحد منهما اجتهد لمصلحة الأمة، وكان أمينًا عليها، فعهد بإدارة الدولة

إلى من رأى أنهم ينفذون سياسته، ولم يولِّ أى منهما أحدًا محاباة أو لقرابة. ولم تشغل الإمام «عليًّا» مشكلات الدولة الداخلية عن التصدى لمحاولات الانتقاض التى حدثت فى بلاد فارس، فقد حاول الفرس تكرار ما فعلوه بعد استشهاد «عمر بن الخطاب»، فأرسل إليهم «زياد بن أبيه» فى جمع كثير، «فوطئ بهم أهل فارس، وكانت قد اضطرمت، فلم يزل يبعث إلى رءوسهم، يعد من ينصره ويعينه، ويخوّف من امتنع عليه، وضرب بعضهم ببعض، فدل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس، فلم يلقَ منهم جمعًا ولا حربًا». أما الروم فلم يتحركوا؛ لأن الإمبراطور «قنسطانز» لما عرض عليه بعض قواده أن ينتهزوا فرصة الحروب التى جرت بين «على» وأصحاب «الجمل»، وبينه وبين «معاوية»، ويغيروا من جديد على «مصر» و «الشام»، رفض الإمبراطور معللا ذلك بأن غزوه لمصر والشام سيجعل المسلمين يتصالحون ويتحدون ويقاتلوننا جميعًا، ولن نقوى عليهم، فخير لنا أن نتركهم يقتل بعضهم بعضًا حتى يضعف شأنهم. استشهاد على رضى الله عنه: جاءت نهاية الإمام «على بن أبى طالب» على يد «الخوارج»، أنصاره السابقين، الذين بلغ بهم الغلو والتطرف حدًا اعتبروا فيه «عليًّا» و «معاوية» و «عمرو بن العاص» أئمة ضلالة، وحمَّلوهم مسئولية ما حدث، وقرروا قتل الثلاثة جميعًا، واتفقوا أن يتم التنفيذ فى وقت واحد، هو فجر اليوم السابع عشر من شهر رمضان سنة (40هـ)؛ تيمنًا بذكرى معركة «بدر» حسب تصور نفوسهم المريضة وعقولهم الفاسدة، وانتدبوا ثلاثة للقيام بهذه المهمة، هم «عبدالرحمن بن ملجم»، و «البرك بن عبدالله»، و «عمرو بن بكر»، على أن يذهب الأول إلى «الكوفة» لقتل «على»، والثانى إلى «دمشق» لقتل «معاوية»، والثالث إلى «مصر» لقتل «عمرو بن العاص». وشاءت إرادة الله - تعالى - أن ينجو «معاوية» و «عمرو» من القتل، وأن تكون الشهادة من نصيب «على»، حيث ضربه «عبدالرحمن بن

ملجم» بسيف مسموم فى جبهته، فشقها فمات من أثر الضربة بعد وقت يسير، بعد أن قضى أربع سنوات وبضعة شهور، لم يذق فيها طعم الراحة، وحاصرته المشكلات والمتاعب، وأنهكته الحروب من كل جانب. خلافة الحسن بن على: (40 - 41هـ) وبعد وفاة الإمام «على» بايع أنصاره ابنه «الحسن»، وكان «جندب بن عبد الله» قد دخل على الخليفة بعد طعنه وتيقن ألا أمل فى حياته، وسأله: «يا أمير المؤمنين إن فقدناك - ولا نفقدك - أنبايع للحسن؟ فقال: ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر»، ولم يوصِ لأحد من بعده، بل قال لهم: «ولكن أدعو الله - تعالى- أن يجمعكم بعدى على خيركم كما جمعنا بعد نبينا على خيرنا» -يقصد أبا بكر-، مرسخًا بذلك قاعدة الشورى التى اتُبِعَت فى بيعته هو وبيعة الثلاثة الراشدين من قبله. أراد أنصار «الحسن» أن يتأهبوا لقتال «معاوية» من جديد، لكنه رفض، ورأى عدم جدوى ذلك، بل إنه وقف ضد فكرة اقتتال المسلمين من البداية. راسل «الحسن» «معاوية» بشأن الصلح، فسر به سرورًا عظيمًا، وجاء إلى «الكوفة» فى شهر ربيع الأول سنة (41هـ)، بعد ستة أشهر من خلافة «الحسن»، وبايعه «الحسن» و «الحسين»، وتبعهما الناس، وبهذا قامت الدولة الأموية رسميًّا، وأصبح «معاوية» خليفة للأمة الإسلامية كلها، ولُقب لأول مرة بأمير المؤمنين، وكان يلقب قبل ذلك بالأمير فقط. استبشر المسلمون خيرًا بتلك المصالحة، وحمدوا الله على انتهاء الفتنة وسفك الدماء، وسمُّوا ذلك العام «عام الجماعة»، وترك صنيع «الحسن» صدى طيبًا عند جمهور المسلمين، وأثنى عليه كثير من علماء أهل السنة، ورأوا فيما فعل تحقيقًا لنبوءة جده محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذى قال «ابنى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

مراجع الجزء الأول

- المراجع: * بن الأثير (عز الدين): الكامل في التاريخ - دار الكتب العلمية بيروت - الطبعة الأولي 1987م * جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ـ جامعة بغداد ـ الطبعة الثانية ـ 1993م * بن حجر العسقلاني (أحمد بن علي): الإصابة في تمييز الصحابة ـ دار الجبل ـ بيروت ـ الطبعة الأولي ـ 1992م * بن حجر العسقلاني (أحمد بن علي): فتح الباري بشرح صحيح البخاري - المكتبة السلفية ـ القاهرة ـ الطبعة الثالثة ـ 1407م * سليمان الطماوي: عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ بدون تاريخ * السيد سابق: فقه السنة ـ دار الريان للتراث ـ القاهرة ـ الطبعة الأولي ـ 1988م * السيوطي (جلال الدين): تاريخ الخلفاء ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ بدون تاريخ * الصالحي (محمد بن يوسف): سبيل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد ـ الناشر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ القاهرة ـ 1413هـ = 1993م * الطبري (محمد بن جرير): تاريخ الطبري ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ـ 1418 هـ ـ 1998 م * عباس محمود العقاد: عبقرية عمر ـ دار نهضة مصر ـ القاهرة ـ بدون تاريخ * بن عبد البر (يوسف بن عبد الله): الدرر في اختصار المغازي والسير ـ دار المعارف ـ الطبعة الثانية ـ 1983م * بن عبد الحكم (أبو القاسم عبد الرحمن): فتوح مصر وأخبارها ـ نشره وصححه: هنري ماسية ـ القاهرة ـ 1914م * عبد الحي الكتاني: التراتيب الإدارية أو نظام الحكومة النبوية ـ دار الكتاب العربي ـ بدون تاريخ * بن كثير (إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت - الطبعة الرابعة ـ 1408هـ = 1988م * محمد بن الحسن الشيباني: كتاب السير الكبير ـ مطبعة شركة الإعلانات الشرقية ـ القاهرة ـ 1971م * محمد حسين هيكل: الفاروق عمر ـ دار المعارف القاهرة ـ بدون تاريخ

* محمد أبو زهرة: خاتم النبيين ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ الطبعة الأولي ـ 1973م * محمد أبو شهبه: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة ـ دار القلم ـ دمشق ـ الطبعة الأولي ـ 1988م * محمد صادق عرجون: محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم منهج ورسالة ـ دار القلم ـ دمشق ـ الطبعة الأولي 1405 هـ = 1985م * محمد بن عبد الله الأردي: فتوح الشام ـ تحقيق عبد المنعم عبدالله عامر ـ مؤسسة سجل العرب ـ 1970م

العصر الأموي

الجزء الثاني العصر الأموي تأليف: أ. د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر الفصل الأول *قيام الخلافة الأموية وتطورها قامت الخلافة الأموية رسميا فى شهر ربيع الأول من سنة (41هـ)، بعد أن تنازل (الحسن بن على بن أبى طالب) - رضى الله عنه - عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه - وبايعه هو وأخوه (الحسين)، وتبعهما الناس فى (الكوفة)، وأصبح بذلك (معاوية) خليفة للمسلمين وحده، ولُقِّب بأمير المؤمنين، وكان قبل ذلك يلقَّب بالأمير فقط. واستبشر المسلمون خيرًا بهذا التطور، وحمدوا الله - تعالى - على انتهاء الفتن والحروب، وسمُّوا ذلك العام عام الجماعة؛ حيث عادت إلى الأمة الإسلامية وحدتها، واجتمع شملها على خليفة واحد، بعد الفرقة والنزاع، ولقى ما فعله (الحسن بن على) كل تقدير وإجلال من جمهور المسلمين، وأثنى عليه كثير من العلماء، ورأوا فيما أقدم عليه تحقيقًا لنبوءة جده (محمد) حين قال: (إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين - صحيح البخارى تطور نظام الخلافة فى العصر الأموى: عرفنا فيما سبق كيف قامت الخلافة الإسلامية عقب وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكيف كان يتم اختيار الخليفة فى دولة الراشدين بالبيعة المباشرة من المسلمين لخليفتهم، بعد أن يرشحه عدد من الصحابة، كما حدث فى خلافة الصديق، حيث بايعه عدد من الصحابة فى (سقيفة بنى ساعدة) بيعة خاصة، كانت بمثابة ترشيح له لمنصب الخلافة، ثم جاءت البيعة العامة له فى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - - بعد مواراة جسده الطاهر تحت الثرى - لتزكى ذلك الترشيح وتوافق عليه، ومن ثم أصبح (أبو بكر الصديق) أول خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حكم الدولة الإسلامية، باختيار حُر من المسلمين. وعندما مرض (أبو بكر) -رضى الله عنه - مرض الموت قال للمسلمين: (إنه قد نزل بى ما ترون - يعنى المرض الشديد - ولا أظننى إلا ميِّتًا لما بى من المرض، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتى، وحلَّ عنكم

عقدتى، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم فى حياة منِّى كان أجدر ألا تختلفوا بعدى). وتصرُّف (أبى بكر الصديق) دليل ساطع وبرهان قوى على أن اختيار الحاكم من حق الأمة وحدها، لكن الصحابة فوَّضوه فى اختيار خلف له، وألحُّوا عليه فى ذلك، فقبل تكليفهم، ووقع اختياره على (عمر بن الخطاب) -رضى الله عنه - لكفاءته وقدرته وسابقته فى الإسلام، ولم يكتفِ (الصديق) باختياره هو لعمر بن الخطاب، بل استطلع آراء كبار الصحابة حول مرشحه، مع أنه مفوض من الصحابة فى اختيار خليفة لهم، ويعلم بأن (عمر) هو أفضل الصحابة بعده، وأصلحهم لتولِّى الخلافة، لكنه آثر ألا ينفرد وحده باختيار خليفة له. ولما اطمأنت نفسه إلى أن الغالبية ممن شاورهم تؤيد اختيار (عمر)، جمع الناس حوله، وحدَّثهم قائلا: (أترضون بمن أستخلف عليكم، فإنى والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا ولَّيت ذا قرابة، وإنى قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا). ولم تنعقد بيعة (عمر) ليصبح خليفة إلا بعد وفاة (أبى بكر)، وبمبايعة الناس له بيعة عامة، ولو لم يرضَ الناس بترشيح (أبى بكر)، ورفضوا مبايعة (عمر)، ما كان لعهد (أبى بكر الصديق) عليهم حجة أو سلطان. وجاء اختيار (عثمان بن عفان) - رضى الله عنه - ببيعة عامة حرَّة من بين الستة الذين رشحهم (عمر بن الخطاب) -رضى الله عنه - ليختاروا واحدًا منهم، وقد حصرها فيهم؛ لأنهم بقية العشرة المبشرين بالجنة، والذين تُوفِّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ. ولما قُتل (عثمان بن عفان) شهيدًا، ألحَّ الصحابة على (علىِّ بن أبى طالب) أن يقبل الخلافة، بعد أن سادت الفوضى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وامتنع كبار الصحابة عن قبول الخلافة، فقبل علىّ الخلافة؛ لينقذ الأمة من الفتن، وبايعه معظمهم، ولا جدال فى أن قيام علىّ بالأمر فى ذلك الوقت العصيب كان تضحية تنطوى على

شجاعة حيث تحمل المسئولية فى أصعب الظروف وأدقها. وكان متوقعًا أن تنهى بيعته بالخلافة حالة الفوضى التى سادت البلاد بعد مقتل (عثمان)، لكن الأحداث تطورت سريعًا من سيئ إلى أسوأ، وانتهى به الحال أن قُتل شهيدًا، وقبل وفاته استشاره أصحابه فى بيعة ابنه (الحسن) بعده، فقال لهم: (لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر)، لكنهم بايعوا (الحسن)، الذى تنازل عن الخلافة لمعاوية كما ذكرنا. وخلاصة ما سبق أن طريقة اختيار الخليفة فى عهد الراشدين كانت تتم ببيعة حرة وعامة بعد ترشيح شخص أو أكثر، وأن ترشيح الخليفة السابق لم يكن ملزمًا للأمة، بل لها أن توافق أو تعترض، وهذا هو نظام الشورى فى الإسلام الذى يشبه فى مصطلحات العصر الحديث النظام الديمقراطى. ولم يفكر أى واحد من الخلفاء الراشدين فى أن يعهد بالأمر إلى أحد من أبنائه أو أقربائه، حرصًا منهم على إبعاد فكرة الوراثة عن نظام الحكم الإسلامى إبعادًا تاما، وقد وضَّح (أبو بكر الصديق) هذا المعنى عندما رشَّح (عمر) فى قوله: (أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإنى والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا وليت ذا قرابة)، كما استبعد (عمر بن الخطاب) ابنه (عبدالله) تمامًا من الترشيح، بل استبعد ابن عمه (سعيد بن زيد) أيضًا من الترشيح مع أهل الشورى؛ دفعًا لشبهة القرابة مع أن الشروط تنطبق عليه. ولم يُؤثَر عن (عثمان) شىء من ذلك، وترك (على بن أبى طالب) الأمر للأمة لاختيار من ترضاه، ورفض ترشيح ابنه (الحسن) للخلافة أو الوصاية له بالبيعة. أسلوب اختيار الخليفة الأموى: لم يكن أحد يظن أن بيعة المسلمين لمعاوية بن أبى سفيان ستكون إيذانًا بتأسيس دولة أموية وراثية وكان المسلمون قد استبشروا خيرًا بهذه البيعة بعد فترة من الفتن والحروب، حتى إن بعض الصحابة الذين كانوا قد توقفوا فى بيعة (على) - رضى الله عنه - بايعوا (معاوية)، دعمًا لوحدة الأُمة ولمِّ شملها، مثل: (سعد بن أبى وقاص) و (عبدالله بن عمر).

وربما توقَّع الناس أن (معاوية) سيحذو حذو من سبقه من الخلفاء الراشدين ويترك الأمر شورى للمسلمين، يختارون للخلافة من بعده من يرونه أهلا لتولى تبعات هذا المنصب الجليل، أو سيجتهد فى اختيار شخص يراه أصلح الناس لتولِّى منصب الخلافة، ويكون بعيدًا عن قرابته كما فعل الخلفاء قبله، لكن (معاوية) فاجأ الأمة الإسلامية بترشيح ابنه (يزيد) للخلافة من بعده، وبدأ فى أخذ البيعة له فى حياته، بدعم من أهل الشام، ولما نجح فى ذلك لم يكن صعبًا عليه أن ينتزع البيعة لابنه من بقية الأقطار الإسلامية، بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى. ولم يعارض (معاويةَ) فى خطواته هذه سوى أهل (الحجاز)، الذين رأوا فى عمله خروجًا على ما ألفه المسلمون فى اختيار خليفتهم ببيعة حرة قائمة على الشورى، وتركزت المعارضة فى ثلاثة من أبناء كبار الصحابة، هم (الحسين بن على بن أبى طالب)، و (عبدالله بن الزبير)، و (عبدالله بن عمر). وقد تطورت معارضة الأوَّلين إلى خروج (الحسين) على (يزيد) بعد موت (معاوية)، واستشهاده فى موقعة (كربلاء) المشهورة سنة (61هـ)، وإلى دعوة (عبدالله بن الزبير) بالخلافة لنفسه بعد موت (يزيد بن معاوية) سنة (64هـ)، ثم دخوله فى صراع مع الأمويين، انتهى بمقتله سنة (73هـ)، بعد أن دامت خلافته تسع سنوات، أمَّا (عبدالله بن عمر)، فقد بايع (يزيد) حفاظًا على وحدة المسلمين، بعد أن رأى أن استمراره فى معارضته لن يكون فى مصلحة الأمة الإسلامية. وقد دافع عن عمل (معاوية) كثير من المؤرخين، ورأوا فى صنيعه عملا ضروريا للحفاظ على وحدة الأمة، واجتناب العودة إلى الحروب الأهلية، ويقف على رأس هذا الفريق المؤرخ الكبير (عبدالرحمن بن خلدون) مؤيِّدًا إقدام (معاوية) على هذه الخطوة بقوله: (والذى دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة فى اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم، باتفاق أهل الحل والعقد حينئذٍ

من بنى أمية؛ إذ بنو أمية يومئذٍ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش - أى أكثرهم قوة - وأهل الحل أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول؛ حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء، الذى شأنه أهم عند الشارع، لا يظن بمعاوية غير هذا، فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عليه، دليلٌ على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة فى قبول الحق، فإنهم كلهم أجلُّ من ذلك وعدالتهم مانعة). ويدعم (ابن خلدون) رأيه هذا بأن ولاية العهد من الخليفة القائم إلى شخص يتولى الخلافة بعده أمر جائز لا حرج فيه، فيقول: (قد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده، إذ وقع من أبى بكر - رضى الله عنه - لعمر بن الخطاب بمحضر من الصحابة، وأجازوه وأوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضى الله عنه وعنهم). وما قاله (ابن خلدون) يمكن الرد عليه بأن (أبا بكر) عهد إلى (عمر)؛ لأنه رآه أصلح الصحابة لتولى الخلافة بعده وتحمُّل تبعاتها، وقد كان كذلك بالفعل، ولم تكن تربطه به صلة قرابة قريبة، وقد أوضح ذلك بقوله: (أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإنى والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا ولَّيت ذا قرابة)، كما أن (عمر) لم يصبح خليفة بترشيح (أبى بكر الصديق) واختياره له فحسب، بل برضى المسلمين وبيعتهم له. ولو أن (معاوية) عهد إلى أحدٍ غير ابنه، واجتهد فى اختيار من هم أصلح للخلافة بعده، ما اعترض عليه أحد، ولحقَّق الغرض الذى قصده (ابن خلدون) من ولاية العهد، وهو سد أبواب الخلاف بين المسلمين، ومن ثم فإن الاعتراضات على تصرف (معاوية) جاءت من اختياره ابنه لولاية العهد دون سواه، لا من فكرة ولاية العهد نفسها. وأياً ما كان الأمر فإن الخلافة حُصِرت فى الأسرة الأموية، يتوارثها الأبناء والإخوة، ولم يكتفِ الخليفة منهم بتولية العهد لواحد فقط، بل

درجوا على تولية أكثر من ولى للعهد، وكان (مروان بن الحكم) مؤسس الفرع المروانى أول من بدأ هذا التقليد، فقد عهد إلى ابنه (عبدالملك) ثم (عبدالعزيز) بولاية العهد، وقد تابعه فى هذا كل من جاء بعده حتى آخر دولتهم، وقد جرَّ هذا الأمر عليهم المتاعب، وأوقد نار الفتنة والصراع بين أبناء الأسرة الأموية، مما كان له أكبر الأثر فى تدهور الدولة والإسراع بسقوطها فى نهاية الأمر. وعلى الرغم من استقرار الخلافة بنظام التوريث فإن الأمويين حافظوا على نظام البيعة من حيث الشكل فكان الخليفة القائم يعهد من بعده بولاية الأمر إلى ابنه أو أخيه، ثم تؤخذ البيعة من الناس لمن صدر له كتاب العهد فى حياة الخليفة القائم، ثم تجدد له بعد وفاته، ومغزى هذا أنهم كانوا على يقين أن مجرد العهد ليس ملزمًا شرعًا للناس، بل لابد من البيعة العامة. الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى: شهد العصر الأموى أوسع حركات الفتح الإسلامى وأكثرها نشاطًا فى التاريخ الإسلامى كله بعد فتوحات الخلفاء الراشدين، التى شملت (العراق) و (بلاد فارس) كلها، و (مصر) والشام، ثم توقفت الفتوحات الإسلامية، أو كادت تتوقف بسبب الفتن والحروب الأهلية التى حدثت بين المسلمين. وقد استأنف المسلمون فتوحاتهم بعد اجتماع شملهم على (معاوية بن أبى سفيان) وتوحدهم تحت رايته فى عام الجماعة سنة (41هـ)، وحقق الأمويون أعظم إنجازاتهم على الإطلاق فى ذلك الميدان العظيم، وامتدت فتوحاتهم إلى مناطق عديدة فى قارات العالم القديم (آسيا - إفريقيا - أوربا) ففتحوا فى عهد (الوليد بن عبدالملك) بلاد (ما وراء النهر) (آسيا الوسطى) وإقليم (السند) فى (شبه القارة الهندية)، واستكملوا فتح الشمال الإفريقى كله من حدود (مصر) الغربية إلى (المحيط الأطلسى)، ثم عبروا (مضيق جبل طارق) إلى القارة الأوربية، ليفتحوا (الأندلس)، و (جنوبى فرنسا)، كما استولوا على معظم الجزر

فى (شرقى البحر المتوسط) وشرقيه وجنوبيه، ثم واصلوا ضغطهم على مدينة (القسطنطينية)، عاصمة الدولة البيزنطية، وحاصروها أكثر من مرَّة. التيارات والأحزاب السياسية والدينية: شغلت الدولة الأموية فى التاريخ الإسلامى إحدى وتسعين سنة (41 - 132هـ)، وامتدت حدودها من حدود (الصين) شرقًا إلى (الأندلس) غربًا، ومن بحر (قزوين) شمالا إلى (المحيط الهندى) جنوبًا، وعمل خلفاؤها فى جد ومثابرة وحسن سياسة على نشر الإسلام فى تلك الرقعة الكبيرة، ونمت الحضارة الإسلامية ونهضت فى عهدهم. وهذه الأعمال تشهد للأمويين بدورهم البارز فى التاريخ الإسلامى، وتخفف كثيرًا من النقد الذى وجه إليهم، ومما يزيد المرء إعجابًا وتقديرًا لإنجازهم أنهم قاموا بتلك الأعمال الجليلة، وهم يصارعون أعداء أشداء من تيارات وأحزاب سياسية ودينية، لم يتركوا فرصة للثورة عليهم إلا انتهزوها. من تلك الأحزاب من تذرَّع بالدين يحارب به، ويتَّهم (بنى أمية) بالخروج على الدين وقواعده، وأنهم مغتصبون للسلطة، كالخوارج والشيعة. وهناك شخصيات أعلنت التمرد والثورة على (بنى أمية) لأهداف شخصية، ولتحقيق طموحات ذاتية، والوصول إلى الحكم بأى ثمن، مثل (المختار بن أبى عبيد الثقفى)، و (عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث)، و (يزيد بن المهلب). الخوارج: كان الخوارج من أنصار (على بن أبى طالب)، وشهدوا معه معركتى (الجمل) و (صفين)، ثم انشقوا عليه لما قبل التحكيم بينه وبين (معاوية)، فسمَوا الخوارج، لخروجهم على إمامهم، ولما بالغوا وتطرَّفوا فى عدائهم له، وعاثوا فى الأرض فسادًا، اضطر إلى مقاتلتهم فى معركة (النهروان)، ثم عادوا (بنى أمية) ودخلوا فى صراع طويل معهم. وكانوا فى مبدأ أمرهم فرقة واحدة، يدور خلافهم مع بقية الأمة حول الخلافة ومَن أحق بها، ومجمل أمرهم أن الخلافة حق لمن يصلح لها من المسلمين، وتتوافر فيه شروطها من العلم والأمانة والشجاعة،

وليس من الضرورى أن يكون عربيا فضلا عن أن يكون قرشيا. ولو أنهم حصروا خلافهم مع غيرهم فى جدل وحوار نظرى يقوم على مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل لما كان فى الأمر شىء، ولكن الخطر كل الخطر جاء من لجوئهم إلى العنف واستخدام السيف فى فرض آرائهم، وقد بدأ مع (على بن أبى طالب) مما جعل خصومهم يواجهون القوة بالقوة، وتكبَّدت الأمة الإسلامية عشرات الآلاف من الضحايا من أبنائها نتيجة هذه الخصومة العنيفة. وظل الخوارج فرقة واحدة، تتبنَّى أفكارًا ومبادئ واحدة حتى وفاة (يزيد بن معاوية) سنة (64هـ)، ثم بدأ الشقاق والخلاف يدب بينهم هم أنفسهم، فانقسموا فرقًا وأحزابًا، حتى وصل عددهم إلى ثلاثين فرقة، ثم تطور تفكيرهم بمرور الزمن، وبدءوا يخوضون فى قضايا تدخل فى صلب الدين، مثل مباحثهم فى مرتكب الكبيرة هل مؤمن أو كافر، وغير ذلك من القضايا، وأشهر فرق الخوارج التى ناصبت الدولة الأموية العداء وشنت عليها الحرب، هى: الأزارقة: هم أتباع (نافع بن الأزرق)، أحد زعماء الخوارج الكبار، وهى تعد أشد فرق الخوارج تطرفًا فى أفكارها السياسية والدينية، فهى ترى الخروج على الخليفة الذى يخالفها فى آرائها وقتاله، وأتباعها يتبرءون ممن لا يوافقهم على ذلك، ويَعدُّونهم من القاعدين، ويكفرون مرتكب الذنوب الكبيرة ويحكمون بخلوده فى النار، مخالفين فى ذلك صريح القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى:} إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {. [النساء: من 48]. ويبيحون دماء مخالفيهم فى الرأى. النجدات: وينسبون إلى (نجدة بن عامر)، وهم أقل تطرفًا من (الأزارقة)؛ لأنهم لا يقولون بكفر مرتكب الكبائر. البيهسية: وينسبون إلى زعيمهم (بيهس)، وهم أقل تطرفًا من (الأزارقة)، ويرون أن مخالفيهم فى الرأى منافقون، تجرى عليهم أحكام المنافقين، لكنهم يجيزون حوارهم، والتزاوج معهم، وميراثهم. الصفرية:

أتباع (زياد بن الأصفر)، وهم كذلك أقل تطرفًا من (الأزارقة)، ومعتدلون فى أفكارهم. الشيعة: تعنى كلمة (الشيعة): الأهل والأتباع والأنصار، كما فى قوله - تعالى، فى معرض حديثه عن (موسى)، عليه السلام -: (فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوهـ). [القصص: من 15]. وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، بعضهم لبعض، غير أن هذه الكلمة أصبحت علمًا على أنصار (على بن أبى طالب) -رضى الله عنه - وذريته من بعده، فإذا قيل: إن فلانًا من الشيعة، عُرف أنه منهم، أو قيل: فى مذهب الشيعة كذا، أى: عندهم. وقد نشأ التشيع بسيطًا فى أول الأمر ثم تطور بمضى الزمن، وأصبح مذهبًا دينيا وسياسيا، كما كان أتباعه فرقة واحدة، شأنهم فى ذلك شأن الخوارج، ثم لم يلبثوا أن تفرعوا إلى فرق، مثل: (الإمامية الاثنا عشرية)، و (الزيدية) و (الإسماعيلية). ويخالف رأى الشيعة فى الخلافة جمهور الأمة الإسلامية التى ترى أن الخلافة أمر من الأمور العامة، يفوض للأمة أمر البت فى شأنها، وتختار من تراه الأصلح لدينها ودنياها لتولى منصب الخلافة. أمَّا هم فيرون أن الإمامة ليست من المصالح العامة التى تفوَّض إلى الأمة، بل هى ركن من أركان الإسلام، لا يجوز للنبى - صلى الله عليه وسلم - إغفاله، ولا تفويض الأمة فيه، بل يجب عليه تعيين الإمام للأمة بعده، وأن الإمام لابد أن يكون معصومًا من الكبائر والصغائر، ويزعمون أن النبى - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك، وعيَّن (على بن أبى طالب)، وقد تعددت ثوراتهم المسلحة ضد الدولة الأموية طلبًا للخلافة. انتشار الإسلام فى العصر الأموى: امتدت الفتوحات الإسلامية من حدود (الصين) إلى (الأندلس)، ومن (بحر قزوين) إلى (المحيط الهندى)، وأدخلت فى الدولة الإسلامية شعوبًا كثيرة، مختلفة فى الديانات والمذاهب واللغات والأجناس والثقافات والعادات والتقاليد، ولم تكن تلك الفتوحات غزوًا عسكريا مستغلا

للشعوب ناهبًا لثرواتها، وإنما كان فتحًا دينيا وثقافيا ولغويا، فانتشر الإسلام فى البلاد المفتوحة بخطى حثيثة، وتغيرت أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن القول: إن هذا العالم الفسيح أصبح عالمًا إسلاميا واحدًا، فسيادة المسلمين عليه لاتنازع، والإسلام هو الدين الغالب فى سماحة ورحمة، والحاكم فى عدل، ولم تأخذ المسلمين نشوة النصر والغلبة، التى قد تحملهم على الكبر والتعالى وإذلال الشعوب المغلوبة، بل عاملوهم معاملة كريمة، وصانوا أرواحهم وأموالهم وعقائدهم، وحفظوا عهودهم ومواثيقهم معهم، ووفوا بها فى صدق وإخلاص، وأشركوا أبناءهم فى حكم بلادهم وإدارتها. عوامل انتشار الإسلام: أولا عالمية الإسلام: لا جدال فى أن الإسلام دين عالمى، ورسالته للجنس البشرى كله؛ لقوله تعالى مخاطبًا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا}. [النبأ: 28]. وقال تعالى: {قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعًا}. [الأعراف: 158]. وقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: (إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة؛ فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين). [صحيح البخارى]. وليس معنى عالمية الإسلام أن يُنشَر بالقوة وبحد السيف، كما يزعم أعداء الإسلام، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر النبى - صلى الله عليه وسلم -. - ثانيًا: التسامح: تعامل المسلمون الفاتحون مع أبناء الشعوب المفتوحة بتسامح ورحمة، وقد شهد بذلك غير المسلمين، فيقول (جوستاف لوبون): (لم يعرف التاريخ فاتحًا أرضى من العرب). وليس أدل على وجود هذه السياسة المتسامحة من رد (أبى عبيدة بن الجراح) الجزية التى أخذها من أهل (حمص) إليهم، حين اضطر إلى الانسحاب من (حمص) للدفاع عن (دمشق)، ولما سألوه فى دهشة عن

سبب ذلك، قال لهم: (إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه بلغنا ما جُمِع لنا من الجموع - يقصد الروم الذين تجمَّعوا للهجوم على دمشق- وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، فرددنا عليكم ما أخذنا منكم). فقال أهل (حمص): (لولايتكم وعدلكم أحب إلينا لحاكمنا فيه من الظلم والغشم -يقصدون الحكم البيزنطى- وردَّكم الله إلينا سالمين، والله لو كانوا هم ما ردُّوا علينا شيئًا). - ثالثًا: إشراك أبناء البلاد المفتوحة فى إدارة بلادهم: أدرك المسلمون أن سير الأمور فى البلاد المفتوحة سيرًا حسنًا، وتحقيق مصالح أهلها يكمُن فى الأسلوب الإدارى الذى سيتبعونه فى إدارة البلاد، ومن ثم لم يترددوا فى الاحتفاظ بالنظم الإدارية التى وجدوها فى البلاد سواء التى كانت تابعة للدولة البيزنطية مثل (مصر) و (الشام) و (شمالىّ إفريقيا)، أو التى كانت تابعة للفرس، مثل (العراق) وبلاد فارس نفسها، ولم يكتفوا بذلك، بل طوروا من النظم ما يرونه ضروريا، ليتفق مع دينهم ونظامهم السياسى والاجتماعى القائم على أسس من الشريعة الإسلامية، وما يحقق الصالح العام للدولة وللأمة. وكان (عمر بن الخطاب) هو أول من سنَّ هذه السنة، فاقتبس نظام الدواوين، الذى يشبه نظام الوزارات فى الدولة الحديثة من النظم الفارسية والبيزنطية، ولم يجد غضاضة فى ذلك. ولم يقف المسلمون عند حد الاستفادة من النظم الإدارية التى وجدوها فى البلاد المفتوحة، بل أبقوا أيضًا على الجهاز الإدارى الذى يسيِّر العمل، واحتفظوا لأنفسهم بالمناصب العليا كالإمارة، وقيادة الجيش والقضاء والشرطة. وإزاء هذه السياسة كان المجال رحبًا أمام أبناء البلاد المفتوحة الذين لم يعتنقوا الإسلام للوصول إلى المناصب العليا فى الجهاز الإدارى، التى كانوا محرومين من توليها فى ظل الحكومات السابقة على الفتح الإسلامى، على حين كان الطريق مفتوحًا لمن يسلم منهم

للوصول إلى مناصب الإمارة أو قيادة الجيوش، مثل (طارق بن زياد) الذى كان من أصل بربرى، لكنه صار من كبار الفاتحين، وفى ذلك يقول أحد الباحثين: (إن روح الإسلام الحقَّة هى التى حفَّزت العرب إلى اتباع سياسة التسامح الدينى نحو المصريين .. أى أن الأقباط أصبحوا يتمتعون بحرية تامة فى الدين، كما أصبح لهم نصيب كبير فى إدارة بلادهم .. ولم يقتصر القبط على الأعمال الإدارية الصغيرة، بل شقوا طريقهم إلى أعمال لها خطورتها، ففى ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر (65 - 85هـ) كان هناك كاتبان قبطيان لإدارة مصر، واحد لمصر العليا - الصعيد - والآخر لمصر السفلى - الدلتا - بل أكثر من ذلك فقد تولَّى ولاية الصعيد والٍ قبطى اسمه بطرس .. كما كان حاكم مريوط قبطيا اسمه تاوناس). ولم يحدث هذا فى (مصر) وحدها بل كان ذلك فى البلاد المفتوحة كلها، ففى الشام - مقر الدولة الأموية - بقى أهم الدواوين وأخطرها، وهو ديوان الخراج - الذى يمثل وزارة المالية فى الوقت الحاضر - فى أيدى المسيحيين من أسرة (سرجيوس الرومى). ونتيجة لهذه السياسولاية عبد العزيز بن مروان على مصر (65 - 85هـ) كان هناك كاتبان قبطيان لإدارة مصر، واحد لمصر العليا - الصعيد - والآخر لمصر السفلى - الدلتا - بل أكثر من ذلك فقد تولَّى ولاية الصعيد والٍ قبطى اسمه بطرس .. كما كان حاكم مريوط قبطيا اسمه تاوناس). ولم يحدث هذا فى (مصر) وحدها بل كان ذلك فى البلاد المفتوحة كلها، ففى الشام - مقر الدولة الأموية - بقى أهم الدواوين وأخطرها، وهو ديوان الخراج - الذى يمثل وزارة المالية فى الوقت الحاضر - فى أيدى المسيحيين من أسرة (سرجيوس الرومى). ونتيجة لهذه السياسة شعر أهل الذمة - اليهود والنصارى - بالأمان والاطمئنان، فأقبلوا على اعتناق الإسلام فى حرية تامة ودون إكراه. - رابعا: الأوضاع الدينية فى البلاد المفتوحة: أقبل كثير من أبناء البلاد المفتوحة على اعتناق الإسلام لبساطته

وملاءمته للفطرة الإنسانية، ولعدم اقتناعهم بالأديان التى كانت سائدة فى بلادهم، ومعظمها كانت ديانات وضعية وثنية كالزرادشتية، و (البوذية)، و (المانوية) و (المزدكية)، حتى (اليهودية) و (النصرانية) دخلها الزيف والتحريف والتعقيد، وأصبحت كل منهما تستعصى على الفهم. يقول أحد الباحثين المسيحيين: (ومن المرجح أن تأثير المسيحية فى السواد الأعظم من شعب مصر كان قليلا فى القرن السابع - عند الفتح الإسلامى لها- وأن التعليقات النظرية التى استغلها زعماؤهم فى إثارة شعور الكراهية والمقاومة فى وجه الحكومة البيزنطية، كان يمكن أن يدركها عدد قليل جدا من الناس، كما أن سرعة انتشار الإسلام قد تكون راجعة إلى عجز ديانة كالديانة المسيحية، وعدم صلاحيتها للبقاء، أكثر من أن تكون راجعة إلى الجهود الظاهرة التى قام بها الفاتحون لجذب الآهلين إلى الإسلام). - خامسًا: أثر سياسة الدولة الأموية فى انتشار الإسلام: حافظ الأمويون على روح التسامح الإسلامى فى سياستهم للبلاد المفتوحة إلى حد كبير، فالتزموا بنصوص المعاهدات وروحها التى أعطيت لأهالى تلك البلاد، فلم ينكثوا عهدًا أو ينقضوا معاهدة، وإذا حدث شىء من هذا فإن الدولة تسارع بتصحيح الخطأ، ولم تذكر المصادر التاريخية سوى حدث واحد من هذا القبيل وقع فى العصر الأموى، حين نقض (قتيبة بن مسلم) عهده مع أهل (سمرقند)، وكان قد دخل مدينتهم بناءً على اتفاق معهم على أن يخرج منها بعد أن يبنى فيها مسجدًا، لكنه لم يخرج منها ناقضًا اتفاقه معهم، فشكوا إلى (عمر بن عبدالعزيز)، فأمر الوالى بأن يحقق فى المسألة بإنصاف، فحكم القاضى المسلم بإخراج المسلمين من (سمرقند)، وأن ينابزوا أهلها على سواء، فكرهوا القتال، وأقروا المسلمين على البقاء فيها، وأسعدهم هذا المسلك من الحكومة الإسلامية التى لم تفرق بين المسلم وغير المسلم فى العدل، فأقبلوا على اعتناق الإسلام. انتشار الإسلام فى الشام:

كان معظم سكان الشام عند الفتح الإسلامى من العرب الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بعدة قرون، وأقاموا هناك ممالك وإمارات، وإلى جانب هؤلاء كانت هناك أقليات من اليهود والأرمن المسيحيين، والروم، والأكراد. وقد وقف عرب الشام فى بداية الفتوحات الإسلامية فى عهد الراشدين مع الروم ضد أبناء عمومتهم العرب الفاتحين، ظنا منهم أنهم جاءوا إلى الشام لمزاحمتهم فيه، وأخذ أرضهم وأموالهم، لكنهم حين فطنوا إلى أهداف المسلمين الرفيعة ورسالتهم السامية، القائمة على العدل والحرية والمساواة، اطمأنت نفوسهم إلى الإسلام، وأَنسوا إلى جانب المسلمين، وبخاصة بعد انتهاء المعارك ووضوح نتائجها، وزوال سلطان الروم عنهم. وقد أدَّى ذلك إلى مشاركة عرب الشام عربَ الجزيرة فى عقيدتهم ومثلهم وتطلعهم للحياة، وبخاصة أنهم وجدوا أبواب العمل فى الدولة الإسلامية مفتوحة أمامهم، فمن أسلم أصبح منهم، وربما تدفعه مواهبه إلى الصفوف الأولى مع كبار القادة العظام، مثل (حسان بن النعمان) الذى كان ينتمى إلى الأسرة الحاكمة فى الشام عند الفتح الإسلامى، ومن بقى على مسيحيته شارك فى ميادين العمل الإدارى والمالى. وكان نشر الإسلام فى الشام موضع عناية المسلمين وهدفهم، منذ الخطوات الأولى للفتح، فقد أرسل (يزيد بن أبى سفيان) إلى (عمر بن الخطاب) يطلب معلمين من الصحابة، يعلمون الناس شرائع الإسلام ويقرءونهم القرآن، فبعث إليه عددًا من كبار الصحابة، منهم: (عبادة بن الصامت)، و (أبو الدرداء)، و (معاذ بن جبل)، رضى الله عنهم، وبدأت القبائل العربية التى كانت تقطن الشام قبل الفتح الإسلامى تقبل على الإسلام عن اختيار وفى حرية تامة، فأسلمت أغلبية قبيلة (الغساسنة) كبرى القبائل العربية فى الشام، وكانت لها دولة تبسط سلطانها على (جنوبىّ سوريا)، و (شرقى الأردن)، وكذا قبائل (لخم) و (جذام) و (كلب).

ولم يقتصر الدخول فى الإسلام على القبائل العربية بل اعتنق الإسلامَ كثيرٌ من المسيحيين غير العرب؛ كالأرمن والروم، لما فيه من بساطة وسماحة، بالقياس إلى المسيحية التى تحولت إلى طلاسم وألغاز وجدل عقيم. ويذكر (توماس آرنولد) أن (انتشار الإسلام بين نصارى الكنائس الشرقية كان نتيجة شعور بالاستياء من السفسطة المذهبية التى جلبتها الروح الهللينية إلى اللاهوت المسيحى، لأنها أحالت تعاليم المسيح - عليه السلام - البسيطة السامية إلى عقيدة محفوفة بمذاهب عويصة، مليئة بالشكوك والشبهات، فأدى ذلك إلى خلق شعور من اليأس، بل زعزع أصول العقيدة الدينية ذاتها، فلما أهلَّت آخر الأمر أنباء الوحى الجديد فجأة من الصحراء، لم تعد تلك المسيحية الشرقية التى اختلطت بالغش والزيف، وتمزَّقت بفعل الانقسامات الداخلية، قادرة على مقاومة إغراء الدين الجديد - الإسلام - الذى بدَّد بضربة واحدة من ضرباته كل الشكوك التافهة، وقدَّم مزايا مادية جديدة إلى جانب مبادئه الواضحة البسيطة التى لا تقبل الجدل، وحينئذٍ ترك الشرق المسيح، وارتمى فى أحضان نبى بلاد العرب). وكان من الطبيعى أن يكون حجم انتشار الإسلام فى الشام كبيرًا، لقربه من (الحجاز) منزل الوحى، ووفود كثير من الصحابة إليه فى الفتوحات وبعدها، وإقامتهم فيه، وإقامة كثير من أفراد جيوش الفتح الوافدة من الجزيرة العربية فى الشام. ولما قامت الدولة الأموية سنة (41هـ) واتخذت من (دمشق) عاصمة لها، اتسع نطاق انتشار الإسلام بين القبائل العربية، وأصبح الشام قطرًا عربيا إسلاميا خالصًا، يعيش فيه بعض الأقليات المسيحية واليهودية فى حرية وأمان. انتشار الإسلام فى مصر: فُتحت (مصر) فى عهد (عمر بن الخطاب)، ومنذ الأيام الأولى للفتح أقبل بعض المسيحيين على الدخول فى الإسلام بحرية تامة وحتى قبل تمام الفتح، فقد كتب (يوحنا النقيوسى) - وهو رجل دين مسيحى

كان قريبًا من حوادث الفتح - أن بعض المصريين تركوا الدين المسيحى وأسلموا، وصحبوا جيوش العرب أثناء الفتح، كان منهم (يوحنا) أحد رهبان (دير سيناء). واستمرت حركة الدخول فى الإسلام فى زيادة مطردة، فدخل على عهد الخليفة (هشام بن عبد الملك) أربعة وعشرون ألفًا منهم الإسلام دفعة واحدة سنة (108هـ). ولم يكن دخول الإسلام مقصورًا على طبقة بعينها، بل دخل فيه ناس من كل الطبقات، كما اعتنقه كثير من الروم الذين بقوا فى (مصر) بعد الفتح الإسلامى. وباستمرار دخول المسيحيين فى (مصر) فى الإسلام أصبح أغلبية السكان مسلمين، وتعلموا اللغة العربية، وأصبحت (مصر) بلدًا عربيا إسلاميا، وبقى بعض الأقباط على دينهم حتى الآن، وهذا دليل سماحة الإسلام، وآية على أن من اعتنق الإسلام منهم اعتنقه عن رضى واقتناع ودون إكراه، فلو أكره الفاتحون المسلمون الأقباط على ترك دينهم والدخول فى الإسلام؛ لما بقى مسيحى واحد فى (مصر). وكان دور المسلمين فى جذب المسيحيين وغيرهم دور الداعى إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، والقدوة الطيبة، بالإضافة إلى جو الحرية وسريان روح الرحمة والتسامح الذى أشاعه الخلفاء والحكام والأمراء، ولم يعد المسلمون أنفسهم طبقة متميزة على أهل البلاد، وإنما اختلطوا بهم وتعايشوا معهم وصاهروهم، وعاملوهم بتقدير واحترام، خاصة أن النبىَّ أوصى المسلمين خيرًا بأهل (مصر) حين يفتحونها، فإن لهم ذمة ورحمًا، فهاجر أم (إسماعيل) عليه السلام منهم، وكذلك (مارية القبطية) التى تزوجها النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنجب منها (إبراهيم). انتشار الإسلام فى شمالى إفريقيا: تشمل منطقة (شمالى إفريقيا) المنطقة التى تمتد من حدود (مصر) العربية حتى شاطئ (المحيط الأطلنطى)، وهى من أكثر المناطق التى أرهقت المسلمين فى فتحها، الذى استغرق نحو سبعين سنة، وذلك بسبب المقاومة العنيدة التى لقيها المسلمون من سكان البلاد،

ومعظمهم من (البربر) الذين يعتزون بحريتهم وكرامتهم. وكانت مقاومتهم الشديدة للفتح ترجع إلى جهلهم بطبيعة الإسلام وأهدافه ومبادئه، وظنهم أن الفاتحين كغيرهم من الغزاة، جاءوا لاستغلال بلادهم والاستيلاء على خيراتها، فلما فهموا الإسلام وما يحمله من عزة وكرامة، واحتكوا بالفاتحين المسلمين وسماحتهم ورحمتهم أقبلوا على الإسلام بحماس لا نظير له، وحملوا رايته، وجاهدوا فى سبيله، وشاركوا فى فتوحاته، فكان لهم فى فتح (الأندلس) بلاءٌ حسن. وعلى الرغم من طول أمد فتح (شمالى إفريقيا)؛ بسبب المقاومة العنيدة التى أبداها السكان فإن استجابتهم للإسلام واعتناقهم له كان أسرع وأوسع انتشارًا مما حدث فى بلاد المشرق الأسبق فتحًا مثل (العراق) و (الشام) و (مصر). وقد بدأ السكان يقبلون على الإسلام منذ فتح (عمرو بن العاص) برقة فى عهد (عمر بن الخطاب)، وظل هؤلاء متمسكين بإسلامهم على الرغم من توقف الفتوحات فترة طويلة؛ بسبب الفتن الداخلية فى الدولة، بدليل وجود كثير من أهل البلاد فى جيش (عقبة بن نافع)، عندما أسند إليه (معاوية) قيادة جيش الفتح فى (شمالى إفريقيا)، كما أسلم على يدى (عقبة) فى تلك الفترة أعداد كبيرة. ثم خطا الإسلام فى المغرب خطوات واسعة، وسعى سعياً حثيثًا فى عهد (أبى المهاجر دينار)؛ لحسن سياسته التى جذبت ملك البربر (كسيلة) إلى الإسلام، وأسلم بإسلامه أعداد هائلة، وكان (أبو المهاجر) يبنى مسجدًا فى كل مدينة يفتحها، ويعمل على امتزاج العرب الفاتحين بأهالى البلاد؛ ليكون لذلك أثره فى تعليمهم الدين واللغة العربية. ثم كان ظهور (حسان بن النعمان) ومن بعده (موسى بن نصير) فى (شمالىّ إفريقيا) من عوامل التمكين للإسلام فى البلاد؛ فاستطاع (حسان) أن يقضى على الوجود البيزنطى قضاءً تاما، ثم على مقاومة (الكاهنة) التى تزعمت البلاد بعد مقتل (كسيلة). والعجيب أن هذه المرأة العنيدة وهى تخوض معركتها الأخيرة مع

(حسان)، أوصت أبناءها بالانضمام إليه واعتناق الإسلام إن هى هزمت فى الحرب، فلما حدث ذلك أسلم أبناؤها، وعيَّنهم (حسَّان) أمراء على قبائلهم، وأسلم بإسلامهم اثنا عشر ألف رجل دفعة واحدة. وأمَّا (موسى بن نصير) فقد ركز اهتمامه على نشر الإسلام بين السكان، وكان يأمر جنده العرب بتعليم (البربر) المسلمين فى جيشه القرآن الكريم، وتفقيههم فى الدين، كما ترك بين قبائل (المصامدة) سبعة عشر رجلا من العرب ليقوموا بالغرض نفسه. وكان لعمر بن عبدالعزيز أثر كبير فى نشر الإسلام بالمغرب، فقد أرسل عشرة رجال من صلحاء التابعين إلى هناك، ليعلموا الناس الدين، فتوافد عليهم الناس من أنحاء البلاد كلها، ليتلقوا عنهم أمور دينهم. ومن المعروف أن المسيحية قد دخلت (شمالى إفريقيا) منذ القرون الأولى لميلاد السيد المسيح، عليه السلام، وبخاصة فى منطقة الساحل المطلة على (البحر المتوسط) فى حين بقيت المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل على وثنيتها. انتشار الإسلام فى الأندلس: لمَّا فتح المسلمون (الأندلس) فى أواخر القرن الهجرى الأول (92 - 95هـ) كانت ديانة معظم السكان هى المسيحية الكاثوليكية، بالإضافة إلى جالية يهودية كبيرة وبعض الوثنيين، ثم بدأت أعداد كبيرة منهم تعتنق الإسلام، يأتى فى مقدمتهم طبقة الرقيق التى وجدت فى الإسلام نجاتها وخلاصها من الظلم والاضطهاد الذى كانت تعانيه تحت حكم (القوط). ولم تكن طبقة الرقيق وحدها هى التى أسرعت إلى اعتناق الإسلام، بل اعتنقه كثير من الوثنيين وأشراف المسيحيين، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الطبقات الوسطى والدنيا، بل إن بعض القساوسة اعتنق الإسلام، مثل (تيود سكلوس) الذى كان رئيس أساقفة (إشبيلية). وقد حدث ذلك كله فى السنوات الأولى، التى أعقبت الفتح الإسلامى مباشرة، دون إكراه من المسلمين لإجبار أهل (الأندلس) وحملهم على الإسلام حملا، بل أقبلوا عليه عن رضى واقتناع تام، ساعد على ذلك

بساطة الإسلام وبعده عن التعقيدات الكهنوتية التى حفلت بها ديانتهم، واختلاط المسلمين الفاتحين بأهل البلاد ومصاهرتهم، وقد فعل ذلك أعداد كبيرة من المسلمين، حتى الأمراء منهم، فقد تزوج (عبدالعزيز بن موسى بن نصير) بابنة الملك القوطى (رذريق)، وحذا حذوه كثير من القادة والجنود، ونتج عن هذه المصاهرات جيل جديد فى الأندلس) عُرف بالمولدين، وهم الذين ولدوا من آباء عرب وأمهات أندلسيات، وهؤلاء نشئوا مسلمين بطبيعة الحال، وسرعان ما تزايد عددهم، وأصبحوا يشكلون غالبية السكان، واحتلوا مكانة كبيرة فى المجتمع وكان لهم دورهم فى تسيير أمور الدولة الإسلامية. وقد أصبح هذا الجزء الذى يقع فى جنوبى غربى (أوربا) بلدًا عربيا مسلمًا فى حرية تامة ودون تعصب أو إكراه، ولم يستغل الفاتحون المسلمون انتصارهم على (القوط) فى استئصال المسيحية من البلاد كما فعل (فرديناند) و (إيزابيلا) فى استئصال المسلمين بعد ذلك بثمانية قرون. انتشار الإسلام فى العراق: كان معظم سكان (العراق) عند الفتح الإسلامى عربًا من قبائل (ربيعة)، مثل: (بكر بن وائل) و (تغلب)،ثم جاء المناذرة اللخميون ومن هم من قبائل (اليمن)، فأقاموا فى (العراق) إمارة عربية عُرفَت بإمارة (المناذرة)، كانت خاضعة للفرس، تأتمر بأمرهم، وتصد غارات القبائل العربية عليهم، وهجمات البيزنطيين وحلفائهم غساسنة الشام، وقبيل ظهور الإسلام أنهى الفرس سنة (602م) حكم المناذرة، وحكموا (العراق) حكمًا مباشرًا. ولم يكن موقف عرب (العراق) من الفاتحين المسلمين عدائيا صريحًا، وإنما تراوح بين العداء والوقوف مع الفرس وتأييدهم وبين التعاون مع العرب الفاتحين، ثم الترحيب بهم بعد توالى انتصاراتهم على الفرس فى (القادسية) و (نهاوند). وقد وجد سكان (العراق) أنفسهم بعد الفتح تحت حكم المسلمين يعاملون معاملة حسنة، تُحفظ لهم كرامتهم وحريتهم، وتصان عقائدهم، ولم تنتزع أرضهم، ولم يجبرهم أحد على الدخول فى

الإسلام، وكانوا قبل ذلك أقرب ما يكونون إلى حال الرق، ذلا واستعبادًا للفرس، فأقبلوا على اعتناق الإسلام فى حرية تامة. ولم يسلم عرب (العراق) فقط، بل أسلم كثير من الفرس أنفسهم، الذى يعيشون فى (العراق)، وقدموا للمسلمين مساعدات كثيرة، ووقفوا إلى جانبهم فى المعارك، فاستشار (سعد بن أبى وقاص) من أسلم من الفرس فى كيفية التغلب على الفيلة الفارسية المدربة على الحرب والقتال، ولم تكن للفاتحين المسلمين خبرة بمواجهتها فى ساحات المعارك، فدلوه على مقاتلها، بأن تُضرب فى عيونها ومشافرها، فلا تستطيع القتال بعد ذلك. ثم ازداد إقبال الفرس على الدخول فى الإسلام بعد انتصار المسلمين فى (القادسية)، فأسلم أربعة آلاف من (الديلم) دفعة واحدة، وجاهدوا مع الفاتحين فى (نهاوند)، ويدل تزايد الإقبال على الدخول فى الإسلام، سواء من العرب أو من غيرهم على أن اشتراك الطبقات المقهورة مع الفرس ضد المسلمين فى البداية، إنما كان خوفًا من بطشهم، فلما تحطمت قوتهم فى (القادسية) زال الخوف، وأقبل الناس على الإسلام. وإلى جانب هؤلاء أسلمت أعداد كبيرة من الأساورة والأشراف وعلية القوم، فرحَّب بهم القادة العرب، وأشركوهم معهم فى الحكم، فيروى (الطبرى) أن (سعد بن أبى وقَّاص) كتب إلى (عبدالله بن المعتم) أن أخلف على (الموصل) (مسلم بن عبداللهـ) الذى كان قد أُسِرَ فى (القادسية)، وأن (القعقاع بن عمرو التميمى) استخلف على (حلوان) - مدينة فارسية شمالى شرقى (المدائن) - بعد فتحها، رجلا فارسيا اسمه (قباذ). وقد أخذ الإسلام ينتشر فى (العراق) باطِّراد إلى أن أصبح بلدًا عربيا إسلاميا خالصًا فى العصر الأموى، ومركزًا ودعامة لتثبيت الحكم الإسلامى فى بلاد فارس، ومنطلقًا للفتوحات الإسلامية فى بلاد (ما وراء النهر) و (السند). انتشار الإسلام فى بلاد فارس: كانت الديانة الرئيسية فى بلاد فارس قبل الفتح الإسلامى هى الديانة

(الزرادشتية)، وهى ديانة وثنية، تؤمن بأن للعالم إلهين، أحدهما إله الخير، والآخر إله الشر، وإلى جانب تلك الديانة التى كان يدين بها ملوك (آل ساسان) توجد (البوذية) و (المانوية) و (المزدكية) بالإضافة إلى اليهودية والمسيحية على نطاق ضيق. ولم يأخذ المسلمون من هذه الأديان موقفًا عدائيا، ولم يتخذوا إجراءً ضدها، بل صانوا للناس حرية الاعتقاد، إلى الحد الذى اعتدُّوا فيه بالمجوسية الفارسية وهى عبادة النار، وعاملوا أتباعها معاملة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقبلوا منهم الجزية نظير بقائهم على دينهم. ولما اطمأنت نفوس أهل فارس أو معظمهم إلى حكم الفاتحين نظروا إلى دينهم، مقارنين بينه وبين ما لديهم من أديان فلم يجدوا وجهًا للمقارنة، فكلها أديان وثنية مليئة بالخرافات والأوهام، فتركوها غير آسفين، وأقبلوا على الإسلام فى حرية تامة، ودون ضغط أو إكراه، ولم يفعل ذلك أتباع الديانات الوثنية فقط، وإنما فعله كثير من المسيحيين. يقول (آرنولد): (وقد أدَّى تغير الحكومة - الساسانية - إلى تخليص الكنيسة المسيحية المضطربة فى فارس من استبداد ملوك الساسانيين الذين أثاروا الخلافات .. وزادوا فى فوضى الطوائف - المسيحية - المتنافرة، ولعل هذه الأحوال المضطربة قد هيأت عقول الناس لذلك التحول الفجائى فى شعورهم، الذى سهل تغيير العقيدة، وإلى جانب الاضطراب السياسى فى الدولة ظهرت تلك الفوضى الأخلاقية التى ملأت عقول المسيحيين .. فمالوا إلى هذا النظام العجيب من التنسيق العقلى، الذى ينمو فيه الدين الجديد فى سهولة ويسر، ويكتسح أمامه أكثر الأديان الأخرى، ويحاول أن يقيم الحالة الدينية والاجتماعية على أسس جديدة، وبعبارة أخرى كان أهل فارس قد بلغت عقليتهم درجة ساعدتهم على التحول إلى ذلك الدين الجديد، والترحيب باعتناقه فى حماسة ملحوظة؛ لما يمتاز به من البساطة، وهكذا قدر للإسلام أن يبدد بضربة واحدة كل هذه الغيوم، وأن يفتح

أمام الناس سبلا واضحة من الآمال الكبيرة، وأن يخلصهم فى أقرب وقت من عبوديتهم وحالتهم السيئة). وقد تتابع دخول الفرس بأعداد كبيرة فى الإسلام دون إكراه، مدفوعين بالدعوة الصادقة التى يقوم بها المسلمون لدينهم، والتعريف به وشرح مبادئه، والالتزام بها فى حياتهم، كل ذلك كان له عظيم الأثر فى التمكين للإسلام فى البلاد. ثم خطا الأمويون خطوات واسعة أدَّت إلى انتشار الإسلام واللغة العربية فى بلاد فارس، تمثلت فى تهجير عشرات من القبائل العربية إلى الأقاليم الفارسية وتسكينهم فيها، فنقل (زياد بن أبى سفيان) والى (العراق) فى خلافة (معاوية) سنة (51هـ) خمسين ألف أسرة عربية من أهل (البصرة) و (الكوفة) إلى (خراسان) دفعة واحدة، وتتابعت بعد ذلك الهجرات العربية إلى الأقاليم الفارسية بأعداد كبيرة؛ مما كان له أثر كبير فى نشر الإسلام عن طريق المعايشة، والقدوة العملية، وإقامة شعائر الدين. وفى الوقت نفسه هاجرت أعداد كبيرة من الفرس إلى المدن العربية الجديدة كالبصرة و (الكوفة)، بقصد العمل فى التجارة والأعمال الحرفية، كأعمال البناء التى لا يجيدها العرب، كما عمل كثيرون منهم فى دواوين الدولة، وقد بلغ عدد العمال من الفرس - أى الموظفين - المقيدين فى ديوان (عبيدالله بن زياد) والى (البصرة) (55 - 64هـ) مائة وأربعين ألفًا، وهو رقم غير مبالغ فيه، لأن ديوان (البصرة) كان يشمل الموظفين المدنيين فى جنوبى (العراق)، وكل المقاطعات الجنوبية الشرقية من بلاد فارس حتى (خراسان) شمالا. وقد علل (ابن زياد) استخدام هذا العدد الكبير من الفرس فى الديوان بكفاءتهم ومهارتهم وأمانتهم فى العمل، وهذا يعنى ثقة الدولة بالموظفين من الفرس، وهذه الثقة شجعتهم على الدخول فى الإسلام. وأدَّى وجود أعداد كبيرة من الفرس فى البيوت العربية، ومصاهرتهم للعرب، إلى انتشار الإسلام بينهم، واتخاذ أسماء وألقاب عربية.

ويمكن إجمال القول بأن غالبية الشعب الفارسى تحولت إلى الإسلام فى العصر الأموى، وأصبحت عنصرًا مؤثرًا فى المجتمع والدولة الإسلامية ذاتها، وكانت فى طليعة المجاهدين فى فتح بلاد (ما وراء النهر). موقف الموالى الفرس من الدولة الأموية: كان لبعض الموالى الفرس مواقف عدائية ضد الدولة الأموية، على الرغم من تسامح الحكومة مع الفرس وإشراكهم فى الإدارة، بل تفضيلهم أحيانًا على العرب أنفسهم؛ فلم يتركوا فرصة للخروج عليها إلا انتهزوها، ولا دعوة لثائر إلا انضموا تحت لوائه، أيا كان اتجاهه السياسى، فانضموا إلى (ابن الزبير)، و (المختار الثقفى)، و (عبدالرحمن بن الأشعث)، و (يزيد بن المهلب)، وغيرهم، وناصروا الخوارج، وتحالفوا مع الشيعة دائمًا. وهذه المواقف العدائية من الدولة الأموية جعلت بعض الباحثين يظنون أنهم فعلوا ذلك لظلم وقع عليهم من الدولة، وراحوا يكيلون التهم جزافًا للأمويين بأنهم متعصبون للعرب ضد الفرس، وهذا اتهام لا دليل عليه وبعيد عن واقع الأمر، فالدولة الأموية عُرفَت بتسامحها مع غير المسلمين من أهل الذمة، فكيف يضيق صدرها بالمسلمين من الموالى ولعل السبب الرئيسى فى عداء الموالى للدولة الأموية يكمن فى أن كثيرين من أبناء فارس لم يستطيعوا التخلص تمامًا من ماضيهم، حيث كانوا أصحاب السيادة على العرب، ولهم نفوذ فى العالم، فلما فتح المسلمون بلادهم عزَّ عليهم أن يحكمهم العرب، فعملوا كل ما فى وسعهم لتقويض الدولة الأموية. ولم يكن الموالى كلهم يعادون العرب، ولذا نستطيع أن نقسم الموالى إلى أربع طوائف رئيسية، هى: - الطائفة الأولى: أسلمت إسلامًا حقيقيا، ارتفع بها فوق العصبية القومية، مثل: (سلمان الفارسى)، رضى الله عنه، و (الحسن البصرى) التابعى المعروف، وهذه الطائفة لم تر بأسًا فى أن يحكمها العرب، ونظرت إليهم نظرة تقدير واحترام؛ لأنهم سبب هدايتها، وبادل العرب

هذه الطائفة ودا بود وتقديرًا بتقدير، وكان كبار التابعين من الموالى، مثل (الحسن البصرى)، و (محمد بن سيرين)، و (عطاء بن يسار)، و (عطاء بن أبى رباح)، موضع احترام المجتمع والدولة، وكان تأثيرهم فى الحركة العلمية عظيمًا. - الطائفة الثانية: وهى التى أسلمت إسلامًا رقيقًا، ولم تتخلص من الماضى تمامًا، وظلت تفخر بالأمجاد الفارسية القديمة، وهذه الطائفة لم ترفض الإسلام دينًا ولكنها رفضت السيادة والحكم العربيين، وظلت تسعى للقضاء عليهما بدأب شديد، وكانت نواة الحركة الشعوبية التى نادت بتفضيل الفرس على العرب. - الطائفة الثالثة: وهى التى أسلمت نفاقًا، لأنها رأت أن السبيل إلى المال والجاه والسلطان لا يكون إلا بالدخول فى الإسلام، فأعلنت اعتناقه ولم يدخل الإيمان قلوبها، ولم تدع فرصة للكيد للعرب إلا انتهزتها، كما دعت إلى الشعوبية والمذاهب الدينية القديمة، وهذه الطائفة كانت أساسًا لحركة الزندقة. - الطائفة الرابعة: وهى التى لم تسلم، وبقيت على مجوسيتها بفضل الحرية التى منحها العرب لأهل بلاد فارس. والذى نريد أن نخلص إليه أن القول باضطهاد الدولة الأموية للموالى، وعداء الموالى للدولة كان رد فعل لذلك، هو قول بعيد عن الحقيقة، فلم تكن هناك سياسة مرسومة للأمويين تعادى الموالى الفرس، وفى الوقت نفسه لا ننكر أن يكون بعض العرب قد نظر إلى الموالى الفرس نظرة تعالٍ وتكبر، لكن ذلك لم يكن سياسة دولة، وإنما كان نظرة البدو الجفاة الذين لم يفهموا الإسلام على وجهه الصحيح. انتشار الإسلام فى بلاد ماوراء النهر: فتح (قتيبة بن مسلم الباهلى) بلاد (ماوراء النهر) - آسيا الوسطى- فى خلال عشر سنوات (86 - 96هـ)، وأقبل كثير من أهالى تلك البلاد على الدخول فى الإسلام، لما فيه من عدل وسماحة ورحمة، وشجعهم على ذلك أن معظمهم وثنيون يعبدون الأصنام، وبعضهم يدين بالأديان التى كانت منتشرة فى بلاد فارس المجاورة لهم، مثل (الزرادشتية)

و (المانوية) و (المزدكية)، وكلها أديان فاسدة، ولم يكن تمسك الناس بها قويا، ولذا سرعان ما أقلعوا عنها بعد أن قارنوا بينها وبين الإسلام، فأقبلوا عليه فى حماس شديد. وعندما دخل (قتيبة بن مسلم) مدينة (سمرقند) سنة (93هـ)، وجد فيها عددًا كبيرًا من الأصنام، فقرر تحطيمها، فخوَّفه سكانُها من ذلك، وقالوا له: إن من يقترب منها تهلكه، فلم يبالِ بذلك، وأقسم ليحطمنَّها بيده، فحطمها وحرقها بالنار، فلما رأى الناس ذلك ولم يحدث لقتيبة شىء أدركوا أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر، وأسرعوا إلى اعتناق الإسلام. وقد تردَّد صدى هذه الحادثة فى المدن الأخرى، فأسلم من أهلها أعدادٌ هائلة، حتى إنه لما سار قتيبة لفتح إقليم (الشاش) فيما وراء نهر (سيحون) سنة (94هـ)، أى بعد سنة واحدة من تحطيمه لأصنام (سمرقند)، كان جيشه يضم عشرين ألف مسلم من أهل (بخارى). وحرص الفاتحون المسلمون على دعوة الناس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، والتأثير فيهم بالقدوة الطيبة، وكان (قتيبة بن مسلم) يُعنَى ببناء المساجد فى المدن والقرى؛ حتى تؤدى فيها الصلاة، ويقوم الدعاة فيها بتعليم الناس شعائر الإسلام وشرائعه. غير أن تزايد إقبال الناس على الإسلام جعل الولاة المسلمين أمام مشكلة مالية، جعلتهم يأخذون الجزية من المسلمين الجدد من أهل البلاد، مخالفين بذلك قواعد الإسلام التى تقرر أن لا جزية على من أسلم، ولم يطل هذا الأمر كثيرًا، إذ صحح (عمر بن عبد العزيز) هذا الإجراء الخاطئ وكتب إلى الولاة موبخًا إياهم على فعلتهم، قائلا قولته المشهورة: (قبَّح الله رأيكم، إن الله بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا ولم يبعثه جابيًا). وكان الخليفة (عمر بن عبد العزيز) معنيا بنشر الإسلام فى تلك المنطقة، وكتب إلى ملوك بلاد (ما وراء النهر) وأمرائهم ودعاهم إلى الإسلام، فأسلموا وتسمَّوا بأسماء عربية. وتتابعت جهود الأمويين لنشر الإسلام فى هذه البلاد بعد (عمر بن

عبدالعزيز)، وبخاصة فى عهد (هشام بن عبدالملك) (105 - 125هـ)، الذى أسند ولاية (خراسان) و (ما وراء النهر) إلى (أشرس بن عبدالله السلمى)، المسمى بالكامل لصلاحه وتقواه، فما إن استقر فى (خراسان) حتى شرع فى توجيه الدعاة والفقهاء إلى بلاد (ماوراء النهر)؛ لدعوة الناس إلى الإسلام. وقد مضت حركة نشر الإسلام فى بلاد (ما وراء النهر) مطَّردة مزدهرة، بفضل جهود (صالح بن طريف) وأمثاله من أهل الصلاح والتقوى، وإن اعترض ذلك بعض المعوقات التى كانت تأتى فى الغالب من بعض الولاة الذين كانوا يفضلون الجباية على الهداية، مخالفين بذلك قواعد الإسلام، غير أن هذه السياسة الخاطئة كانت تجد دائمًا من يصححها ويقومها من الخلفاء والولاة. وقد استاء المسلمون الجدد من أهل بلاد (ما وراء النهر) من دفع الجزية، لا لكونها عبئًا ماليا كبيرًا فحسب، بل لإحساسهم بالمهانة من دفعها وهم مسلمون؛ إذ لاجزية على المسلم، ومن ثم تمسكوا بحقهم الشرعى الذى كفله لهم الإسلام، فقاوموا الولاة، ومن أجل ذلك وجدوا استجابة من قمة الدولة لإنصافهم، وتضامنًا من إخوانهم العرب المسلمين لمساعدتهم على الحصول على حقهم. وخلاصة القول أن غالبية الناس فى بلاد (ماوراء النهر) تحولت إلى الإسلام، وأصبحت بلادهم جزءًا عزيزًا من العالم الإسلامى، وأهدت إلى العالم الإسلامى عددًا لا حصر له من العلماء فى شتى العلوم الإسلامية، وغدت بعض مدنه مثل (بخارى) و (سمرقند) و (جرجان) من أكبر المراكز الحضارية فى العالم الإسلامى وأشهرها. وقد رسخ الإسلام فى تلك المنطقة رسوخًا عميقًا، ظهر أثره فى ثبات أهلها أمام موجات الغزو العاتية التى تعرضت لها، مثل غزوات المغول المدمِّرة فى القرن (7 هـ = 13 م)، كما تعرضت لمحنة الحكم الشيوعى الملحد فى القرن (14 هـ = 20 م)، الذى حاول بشتى الطرق وبأقسى الأساليب الوحشية محو الإسلام، لكنه فشل فشلا ذريعًا

أمام ثبات المسلمين وإصرارهم على التمسك بعقيدتهم، وبعد انهيار (الاتحاد السوفييتى) سنة (1411هـ = 1991م) وزوال الحكم الملحد، تنفَّس الناس الصعداء وعادت بلادهم إلى حظيرة العالم الإسلامى. ولم يكتفِ أهالى تلك المنطقة باعتناق الإسلام، وإنما جنَّدوا أنفسهم للدفاع عنه على حدوده الشرقية عند (الصين) والأتراك الشرقيين، وأصبحت بلادهم معبرًا رئيسيا للإسلام إلى (الصين) وغيرها من بلاد شرقى آسيا وجنوبى شرقيها إلى حوض (نهر الفولجا) شمالا؛ حيث كانت قوافل الدعاة والتجار تجوب الطرق التجارية بين العالم الإسلامى وتلك البلاد، يدعون إلى الإسلام، وقد وجدوا استجابة طيبة وسريعة. انتشار الإسلام فى السند: كان إقليم (السند) مملكة مستقلة عندما فتحه المسلمون فى أواخر القرن الأول الهجرى بقيادة (محمد بن القاسم الثقفى)، وسادت فيه عدة ديانات كانت هى نفسها السائدة فى سائر ممالك شبه القارة الهندية وولاياتها، مثل: (البرهمية)، و (البوذية). ويؤكد لنا التاريخ أن الاتصال بين أهل (السند) والمسلمين سبق بزمن طويل فتح بلادهم، وأنهم عرفوا كثيرًا عن الإسلام ومبادئه، بل إن بعضهم أسلم مبكرًا، يروى (البلاذرى) أن كثيرين من أهل (السند) - المنبوذين - قد أسلموا مبكرًا، بعد أن انحازوا إلى المسلمين؛ فرارًا من اضطهاد البراهمة، فعندما كان (أبو موسى الأشعرى) يفتح إقليم (الأهواز) غربى بلاد فارس، فى عهد (عمر ابن الخطاب) أرسل له زعيم سندى اسمه (سياهـ) قائلا: (إننا قد أحببنا الدخول معكم فى دينكم على أن نقاتل معكم عدوكم من العجم) واشترط أن يفرض له ولقومه من العطاء، وأن ينزلوا حيث شاءوا من البلاد، فوافق (عمر بن الخطاب) على ذلك لما كتب له (أبو موسى) يستأذنه. وبعد انتهاء الفتح، نزل هؤلاء (البصرة)، وفرض لهم العطاء، ثم سألوا أى القبائل أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقيل لهم: (بنو تميم)، فحالفوهم وخططت لهم الأحياء السكنية.

وقد عمل كثير منهم فى بيت المال؛ لخبرتهم فى الشئون المالية، فقد كان فى بيت مال البصرة منهم فى عهد (على بن أبى طالب) أربعون رجلا، كما عمل بعضهم فى الأعمال الحرَّة، وبخاصة فى الصرافة، فيروى الجاحظ: (إنك لا ترى فى البصرة صيرفيًا إلا وصاحب كيسه - أى خزانته - سندى). وكل هذه الشواهد تؤكد اتصال أهل (السند) بالمسلمين قبل فتح بلادهم، ومن الطبيعى أن يتردد بعضهم على وطنه، وينقل للناس هناك أخبار الإسلام والمسلمين، ومعاملتهم الرحيمة ممَّا هيأ قلوبهم للإسلام، والإقبال عليه بعد الفتح الإسلامى لبلادهم. فمنذ الخطوات الأولى للفتح بدأت شخصيات كبيرة تعتنق الإسلام، وعندما تقدَّم (محمد بن القاسم) بعد فتح (الديبل)، وجه الدعوة إلى الأمراء والحكام والوزراء والأعيان وعامة الشعب؛ للدخول فى الإسلام فاستجاب له كثيرون. وكانت هناك أقاليم تدخل فى الإسلام جملة واحدة، مثل إقليم (سوسيان)، فقد روى فى سبب إسلامهم أنهم كانوا قد أرسلوا جاسوسًا من عندهم إلى معسكر المسلمين لمعرفة أخبارهم، وأثناء اختفائه حان وقت الصلاة، فقام أحد الجنود وأذَّن بالصلاة بصوت خاشع جميل مؤثر، ثم اصطف الجنود خلف قائدهم (محمد بن القاسم) فى صفوف منتظمة، فلما رأى الجاسوس السندى هذا المشهد الرائع تأثر به تأثرًا كبيرًا، وعاد إلى قومه، وأخبرهم بما رأى، فقالوا: إذا كان العرب متحدين متمسكين بدينهم على هذا النحو وهم فى وقت الحرب، فإننا لايمكننا التغلب عليهم، وقرروا إرسال وفد منهم إلى (محمد بن القاسم)، وانتهى الأمر بإسلامهم جميعًا، وانضمامهم إلى المسلمين، وأقاموا حفل تكريم للقائد المسلم (محمد بن القاسم) الذى هداهم للإسلام. وكان إقبال أهل (السند) على الإسلام عظيمًا على اختلاف طبقاتهم، فأسلم إلى جانب عامة الشعب الحكامُ والقوَّاد والوزراء وأمراء المناطق المختلفة، مثل الأمير (كاكة بن جندر) ابن عم الملك (داهر) ملك (السند).

وأدَّى سلوك المسلمين السوىُّ إلى جذب الناس إلى الإسلام، وبخاصة سلوك (محمد بن القاسم) الذى اهتم بإقامة المساجد وأداء الشعائر الدينية، فلم يكن يدخل مدينة إلا ويبنى فيها مسجدًا، وقد تابع خلفاء (محمد بن القاسم) فى (السند) سياسته فى بناء المساجد. وقد بلغ قمة النجاح فى انتشار الإسلام فى (السند) فى خلافة (عمر بن عبدالعزيز) (99 - 101هـ)، الذى كان لسمعته الطيبة أثر عظيم فى دخول أعداد كبيرة من أهل (السند) فى الإسلام لما دعاهم إلى ذلك، فأسلموا وتسمَّوا بأسماء عربية. وأصبح هذا الإقليم منذ دخول الإسلام فيه جزءًا عزيزًا من العالم الإسلامى، ولا يزال يمثل قوة رئيسية من قواه؛ فقد شارك فى صنع التاريخ الإسلامى والحضارة الإسلامية، فلولا الإسلام لبقى ذلك الإقليم منزويًا فى عزلته، دون أن يكون له مثل ذلك الدور الذى قام به فى ظل الإسلام، ونختم الحديث عن انتشار الإسلام فى (السند) بشهادة واحد من أبنائه هو العلامة (أبو الحسن الندوى) الذى يقول: (إن دخول الإسلام إلى بلاد السند وبلاد الهند، كان فاتحة عصر جديد، عصر علم ونور وحضارة وثقافة .. لم يكن العرب المسلمون من طراز أولئك الغزاة الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها، واعتبروها بقرة حلوبًا، أو ناقة ركوبًا، يحلبون ضرعها، ويركبون ظهرها، ويجزون صوفها، ثم يتركونها هزيلة عجفاء، ولا يعتبرون أنفسهم كالإسفنج، يتشرب الثروة من مكان، ويصبها فى مكان آخر، كما كان شأن الإنجليز فى الهند، وفرنسا فى الجزائر والمغرب الأقصى، وإيطاليا فى طرابلس وبرقة، وهولندا فى إندونسيا، لم يكن العرب المسلمون مثل هؤلاء الغزاة المستغلين، بل وهب العرب البلاد التى فتحوها أفضل ما عندهم من عقيدة ورسالة، وأخلاق وسجايا، ومقدرة وكفاية، وتنظيم وإدارة، وأقبلوا عليها بالعقل النابغ، والشعور الرقيق، والذوق الرفيع، والقلب الولوع، واليد الحاذقة الصناع،

فنقلوها من طور البداوة إلى طور الحضارة، ومن عهد الطفولة إلى عهد الشباب الغض، فأمنت بعد خوف، واستقرت بعد اضطراب، وأخذت الأرض زخرفها، وبلغت المدنية أوجها، وتحولت الصحارى الموحشة والأراضى القاحلة إلى مدن زاخرة وأرض خصبة، وتحولت الغابات إلى حدائق ذات بهجة، والأشجار البرية إلى أشجار مثمرة مدنية، ونشأت علوم لا علم للأولين بها، وفنون وأساليب فى الحضارة لا عهد لهم بها فى الماضى، وانتشرت التجارة، فكأنما ولدت هذه البلاد فى العهد الإسلامى ميلادًا جديدًا، ولبست ثوبًا قشيبًا). الجانب الحضارى: الحضارة الإسلامية فى العصر الأموى: تعنى الحضارة عند بعض الباحثين كل نشاط إنسانى فى الحياة، سواء أكان فكريا يتمثل فى العلوم والفنون والآداب، وما ينتج عن ذلك من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، ومن عادات وتقاليد وأخلاق، أم كان ماديا ملموسًا، يتمثل فى البناء والتشييد والعمران، كبناء المدن والقرى وتخطيطهما، والتأنق فى بناء المساكن والمساجد، ودور التعليم والقلاع والحصون، كما تتمثل فى العناية بالأوضاع الاقتصادية للبلاد، كبناء السدود والخزانات لتخزين المياه واستخدامها فى الزراعة والصناعة، أو فى تعبيد الطرق وإقامة المصانع. وقد عرفت الحضارة الإسلامية فى العصر الأموى كل هذه الأنشطة، وهى وإن اشتركت مع غيرها من الحضارة الإنسانية فى بعض السمات، فإنها تتميز عنها بسمات خاصة بها؛ لأن الإسلام هو الذى أنشأها ورعاها وتمثلت فيها قيمه ومبادئه وسماحته ورحمته وآدابه. وهى كغيرها من الحضارات البشرية أخذت وأعطت وتعلَّمت من غيرها، وعلَّمت غيرها، وانفتحت على الحضارات كلها بما فيها من ثقافات وأفكار، شعارها: الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها. ولقد قامت الحضارة الإسلامية على دعامتين أساسيتين: الدعامة الأولى: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكان تأثيرهما فى نشوء

الحضارة الإسلامية وارتقائها وتألقها من وجهين: - الأول: حثهما على العلم والتعلم والتفكر فى الكون وأسراره، وتسخيره لمنفعة الإنسان، وعدهما طلب العلم فريضة على كل مسلم، ودعوتهما إلى رفع شأن العلم والعلماء، والشواهد على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، من ذلك: قول الله تعالى: {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: من 9]. وقوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. [المجادلة من11]. وقوله تعالى فى أول ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علَّمَ بالقلم}. [العلق: 1 - 4]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (طلب العلم فريضة على كل مسلم). [ابن ماجة]. وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: (من سلك طريقًا يطلب به علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة). [رواه الحاكم]. - الوجه الآخر: يتمثل فى العلوم الكثيرة التى انبثقت من القرآن والسنة كالتفسير وعلوم القرآن، والفقه والأصول، والحديث وعلومه، والمغازى والسير والتاريخ، واللغة العربية وآدابها وغير ذلك. الدعامة الأخرى: وهى دعامة لا يُنكَر دورها فى ازدهار الحضارة الإسلامية، وتتمثل فى التراث الحضارى الهائل، الذى ورثه المسلمون عن الأمم السابقة فى البلاد التى فتحوها، كتراث الحضارة الإغريقية والفارسية والهندية والمصرية القديمة. وكان من حسن الطالع أن ذلك التراث الحضارى كان موجودًا فى المناطق التى شملتها الدولة الأموية، فحافظت عليه وصانته من الضياع، وهو ما يحسب للأمويين، فلولا يقظتهم وسعة أفقهم لضاع من الإنسانية كثير من هذه الكنوز الحضارية، التى أنتجها العقل البشرى فى القرون السابقة لظهور الإسلام، غير أن الاستفادة الكاملة جاءت فى العصر العباسى، حيث بدأت ترجمة العلوم والفنون إلى اللغة العربية، وصُحِّحت أخطاؤها، ثم أضاف إليها المسلمون من

عبقريتهم الخلاقة ما شهد به علماء الغرب فى العصر الحديث. الإدارة والنظم فى العصر الأموى: أولا: الإدارة: اتسعت الدولة الإسلامية فى العصر الأموى وامتدت حدودها شرقًا من (الصين)، إلى (الأندلس) غربًا، ومن بحر (قزوين) شمالا إلى (المحيط الهندى) جنوبًا، وأصبحت تتكون من الأقسام الإدارية الآتية: 1 - الحجاز: ويشمل (مكة المكرمة) و (المدينة المنورة) و (الطائف)، وكان الوالى يقيم فى (المدينة). 2 - اليمن: وكانت فى معظم الأحيان ولاية مستقلة، يحكمها والٍ يعين من قبل الخليفة، وأحيانًا أخرى كانت تضاف إلى والى (الحجاز)، فيعين عليها واليًا من قبله. 3 - العراق: وتشمل حدودها الإدارية كل ولايات الدولة الفارسية القديمة، وأقاليم (ما وراء النهر) و (السند)، وكان الأمويون فى أغلب الأحيان يجعلون (العراق) والشرق الإسلامى كله تحت إدارة والٍ واحد، يُعيَّن من قبله ولاة على بقية الأقاليم، وقد حدث ذلك فى عهد (معاوية بن أبى سفيان)؛ حيث عهد إلى (زياد بن أبى سفيان) بولاية (العراق) والمشرق، وفى عهد (عبد الملك بن مروان) حيث ولَّى (الحجاج بن يوسف الثقفى) أمر المشرق كله. 4 - الجزيرة: وتشمل ولايات (الموصل) و (أرمينيا)،و (أذربيجان). 5 - الشام: ولم يكن يعين لها والٍ؛ حيث كانت هى مقر الخلافة الأموية، وكان الخليفة يقوم بهذا الدور. 6 - مصر: وكان يتبعها (شمالىُّ إفريقيا)، ثم أصبحت ولاية مستقلة تقريبًا، منذ تولاها (موسى بن نصير) (85هـ)، وعاصمتها (القيروان). 7 - الأندلس: وكانت فى بداية الفتح الإسلامى لها تتبع ولاية (شمالى إفريقيا)، ثم أصبحت ولاية مستقلة منذ خلافة (عمر بن عبدالعزيز). وكان الخلفاء الأمويون يعينون لكل ولاية من هذه الولايات واليًا من قبلهم، وهو بدوره يختار مساعديه وأعوانه، وكانوا يحرصون فيمن يقع عليه اختيارهم للإمارة أن يكون من المعروفين بالحزم وحسن السياسة والقدرة الإدارية، وأن يكون من الأسرة الأموية نفسها، أو

من أكثر الرجال ولاءً وإخلاصًا لها. وتمتَّع هؤلاء الولاة بسلطات واسعة، مكنَّتهم من التصرف بما يرونه محققًا لمصالح الدولة والمجتمع، وكانت هذه السياسة التى اتبعها الأمويون مع ولاتهم مختلفة عن سياسة الخلفاء الراشدين؛ حيث كانت سلطات ولاتهم مقيَّدة، وحرصوا على الفصل بين السلطات السياسية والإدارية والعسكرية، وبين السلطات المالية والقضائية، بمعنى أنهم كانوا يعينون إلى جانب الوالى - الذى يُسمَّى والى الحرب والصلاة- واليًا لبيت المال يُسمَّى صاحب الخراج، وكان مسئولا أمام الخليفة مباشرة، حتى لا تمتد أيدى الولاة إلى أموال الدولة، كما كانوا يعينون القضاة للأقاليم بأنفسهم. أما فى العصر الأموى، فكان الولاة يشرفون غالبًا على الشئون المالية، ولاشك أن أسلوب الخلفاء الراشدين كان أسلم وأقوى حرصًا على المال العام. وإذا شئنا أن نستخدم التعبيرات العصرية فى مجال الإدارة قلنا إن إدارة الخلفاء الراشدين كانت مركزية، وكان ذلك مطلوبًا فى ذلك الوقت؛ حيث كانت الدولة فى مرحلة البناء، وكان الخلفاء الراشدون راغبين فى الاطلاع على كل شىء بأنفسهم، على حين كان طابع الإدارة الأموية لامركزيا، نظرًا لاتساع الدولة، وبُعد ما بين الولايات وعاصمة الخلافة فى (دمشق)، ولايعنى هذا أن الولاة كانوا فى العصر الأموى يفعلون ما يشاءون دون رقابة أو محاسبة من الخلفاء الذين لم يكونوا يترددون فى عزل أى والٍ مهما تكن درجة قرابته منهم إذا ثبت أنه أخل بواجبات وظيفته، أو لم يقم بما هو مكلف به على النحو الأكمل. وكانت دقة الأمويين فى اختيار ولاتهم هى التى مكنتهم من حكم هذه الدولة العملاقة وإدارتها وبسط الأمن والنظام فى ربوعها الممتدة الأطراف، التى ضمت شعوبًا مختلفة الأجناس واللغات والثقافات والعادات والتقاليد، ومن ثم فإن صهر هذه الشعوب فى بوتقة واحدة، وإخضاعها لنظام واحد، لم يكن أمرًا سهلا، فى وقت كانت فيه الخيل هى أسرع وسيلة للمواصلات.

وكان نجاح الأمويين فى إدارة الدولة الإسلامية بوساطة رجالهم - ومعظمهم كانوا من أفذاذ الرجال- دليلا على عبقرية إدارية، وقدرة فائقة فى فن الحكم وإدارة البلاد، ومهارة فى سياسة الناس، ولا يقلل من ذلك أخطاؤهم واتهامات ناقديهم. أبرز الولاة فى العصر الأموى: حفل العصر الأموى بالكثير من الأسماء اللامعة التى تألقت فى فن الحكم والإدارة، ومن أشهر تلك الأسماء: (عمرو بن العاص)، و (المغيرة بن شعبة)، و (عتبة بن أبى سفيان)، و (مروان بن الحكم)، (ومسلمة بن مخلد الأنصارى)، و (عقبة بن نافع)، و (عبدالعزيز بن مروان)، و (المهلب بن أبى صفرة) وأولاده، و (زهير بن قيس البلوى)، و (حسان بن النعمان الغسانى)، و (مسلمة بن عبدالملك)، و (قتيبة بن مسلم الباهلى)، و (محمد بن القاسم الثقفى)، و (موسى بن نصير)، وابنه (عبدالعزيز)، و (طارق بن زياد)، و (قرة بن شريك)، و (عبدالحميد بن عبدالرحمن)، و (الجراح بن عبدالله الحكمى)، و (عدى بن أرطأة)، و (السمح بن مالك الخولانى). كما برز (عمر بن هبيرة)، و (بشر بن صفوان)، و (العباس بن الوليد)، و (خالد بن عبدالله القسرى)، وأخوه (أسد بن عبدالله)، و (يوسف بن عمر الثقفى)، و (الجنيد بن عبدالرحمن)، و (أشرس بن عبدالله السلمى)، و (مروان بن محمد بن مروان)، و (يزيد بن عمر بن هبيرة)، و (نصر بن سيار). ثانيًا: النظم فى العصر الأموى: كان من الطبيعى عندما قامت الدولة الأموية أن يتوسَّع الأمويون فى إنشاء الأجهزة الإدارية والدواوين؛ لملاءمة تطور الحياة، واتساع مساحة الدولة الإسلامية المتزايد، وهذه الدواوين تقوم بالأعمال والاختصاصات التى تقوم بها الوزارات فى الدول المعاصرة، فديوان الجند الذى أنشأه (عمر بن الخطاب) كان يقوم بالعمل الذى تقوم به وزارة الدفاع حاليًا، ففيه تُدوَّن أسماء الجند وأعطياتهم - رواتبهم - ورتبهم العسكرية، وكانت الأسماء تُدوَّن حسب القبائل، حتى تتميز

كل قبيلة من غيرها، كما يقول (الماوردى)، (فكأن كل قبيلة كانت تمثل فرقة من فرق الجيش). وإلى جانب (ديوان الجند) نشأ (ديوان العطاء)، وهو المختص بالمخصصات المالية التى كانت تدفعها الدولة للناس، و (ديوان الخراج) وهو يشبه وزارة المالية فى الوقت الحاضر، فكل موارد الدولة المالية كانت تدخل إلى هذا الديوان، مثل غنائم الفتوحات، وخراج الأرض، والزكاة، والعشور، وهى ضرائب كانت تُوخَذ من التجار الذين يدخلون بتجارتهم إلى البلاد الإسلامية، وهى شبيهة برسوم الجمارك فى الوقت الحاضر، وكانت هذه الضريبة على ثلاثة أنواع تبعًا لنوعية التجار، فالتجار المسلمون يؤخذ منهم ربع عشر تجارتهم، والتجار من أهل الذمة من مواطنى الدولة الإسلامية يؤخذ منهم نصف العشر، أما التجار من الكفار الذين يدخلون البلاد الإسلامية بتجارتهم، فيؤخذ منهم العشر. وكانت حصيلة تلك الأموال تدخل (ديوان الخراج)، ويُنقَق منها على الجند، والموظفين، والمرافق العامة للدولة، وهذا الديوان كان موجودًا من عصر الراشدين، لكنه تطوَّر واتسع نطاق عمله باتساع الدولة فى العصر الأموى. وهناك دواوين أخرى أنشأها الأمويون أنفسهم، منها: ديوان البريد: وأصل هذا الديوان فى الواقع كان موجودًا منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فقد بعث كثيرًا من الرسائل إلى الملوك والأمراء المعاصرين له، يدعوهم إلى الإسلام، وحمل هذه الرسائل سفراء ومبعوثون من قِبله، لكن (معاوية بن أبى سفيان) أنشأ لهذا النوع من العمل ديوانًا خاصا، وهو الجديد فى ذلك الأمر، وجعل له موظفين معينين، يقومون على العمل به، وقام (ديوان البريد) بمهمتين: - الأولى: نقل الرسائل من دار الخلافة وإليها، وكان بعضها رسائل داخلية، وهى المتبادلة بين الخليفة وولاة الأقاليم وكبار الموظفين، وبعضها الآخر رسائل خارجية وهى التى يتبادلها الخليفة مع ملوك الدول الأجنبية وزعمائها.

- والأخرى: مراقبة أعمال الولاة وكبار الموظفين، ومتابعة سلوكهم وأسلوبهم فى إدارة ولاياتهم، وموافاة الخلافة بتقارير منتظمة؛ حتى يكون الخليفة على علم تام بكل ما يجرى فى كل الولايات. وكانت تلك المهمة جليلة الشأن، تُطْلع الخليفة على أى خلل أو قصور فى الإدارة، فيسارع إلى تدارك ذلك، ولذا اهتم الأمويون بديوان البريد اهتمامًا عظيمًا لأثره البالغ فى حسن سير الإدارة ومراقبة الموظفين. ديوان الخاتم: وهو يختص بحفظ نسخة من المراسلات التى كانت تدور بين الخليفة وولاته وكبار موظفيه فى الداخل، أو بينه وبين غيره من الحكام الأجانب، بعد ختمها بخاتم خاص، وهو بذلك أشبه ما يكون بإدارة الأرشيف فى النظم الإدارية الحديثة، وكانت النسخة المرسَلة تُطوَى وتغلق بالشمع، حتى لا يمكن فتحها والاطلاع على محتوياتها إلا عند الضرورة، وقد أنشأ هذا الديوان (معاوية بن أبى سفيان)؛ لمنع التزوير والتلاعب فى مراسلات الدولة. وكان ختم الرسائل بخاتم خاص معروفًا فى الدولة الإسلامية منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فعندما عزم النبى - صلى الله عليه وسلم - على إرسال رسائله إلى الملوك والأمراء المعاصرين له، لدعوتهم إلى الإسلام، قال له بعض أصحابه: إن الأعاجم - يقصدون (كسرى) و (قيصر) - لا يقبلون رسالة إلا إذا كانت مختومة؛ فاتخذ خاتمًا من فضة لختم رسائله، نقش عليه: محمد رسول الله، واتخذ له حاملا خاصًا، سُمى (حامل خاتم النبى)، وكان اسمه (معيقب بن أبى فاطمة الدوسى)، وظل الخلفاء الراشدون يستخدمونه فى ختم رسائلهم حتى سقط من يد (عثمان بن عفان) - رضى الله عنه - فى بئر (أريس)، فاتخذ خاتمًا آخر صنع على مثاله، لكن (معاوية بن أبى سفيان) طوَّر تلك البدايات طبقًا لمقتضيات العصر، واتساع رقعة الدولة، وكثرة المراسلات المتبادلة. ديوان الرسائل: ووظيفته صياغة الكتب والرسائل والعهود التى كانت تصدر عن دار

الخلافة، سواء إلى الولاة والعمال فى الداخل، أو إلى الدول الأجنبية، كما يتلقى الرسائل الآتية من تلك الجهات أيضًا، وعرضها على الخليفة. وكان كُتاب ذلك الديوان يختارون بعناية، من بين المشهورين بالبلاغة والفصاحة، والمعروفين بالتبحر فى اللغة العربية وآدابها وعلوم الشريعة الإسلامية، والمتصفين بالمروءة والأخلاق الحميدة، كما يراعى أن يكونوا من أرفع الناس حسبًا ونسبًا. وقد حفل العصر الأموى بأفذاذ الكتَّاب، كان أشهرهم على الإطلاق (عبدالحميد بن يحيى)، كاتب الخليفة (مروان بن محمد)، آخر خلفاء (بنى أمية)، وصاحب الرسالة المشهورة التى وجهها إلى الكُتَّاب ناصحًا ومعلمًا، وهى آية من آيات الفصاحة والبلاغة، وضمّنَها الشروط التى يجب أن توجد فى من يقوم بتلك المهمة الجليلة بين يدى الخلفاء والأمراء. واختص (ديوان الرسائل) - إلى ما سبق - بقيامه بالعلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية، وإشرافه على الوفود التى كانت تأتى من الخارج، لعقد معاهدة أو تبادل منافع، وتعهدهم فى بيوت الضيافة المعدة لذلك، وتعيين المرافقين لهم - حسب أهميتهم - طوال مدة إقامتهم، وإطلاعهم على المعالم والأماكن التى تستحق الزيارة، كما كان يشرف على الوفود التى كانت ترسلها الدولة الأموية إلى الخارج، وإعدادها الإعداد الكافى، وهذا يعنى أن (ديوان الرسائل) كان يقوم بما يشبه وظيفة وزارة الخارجية فى الحكومات المعاصرة. ديوان العمال: ويختص بتسجيل أسماء الموظفين المدنيين فى الدولة، وترتيب أعمالهم ووظائفهم، وتحديد رواتبهم، وقد سبقت الإشارة إلى أن سجلات ذلك الديوان فى (البصرة) وحدها فى ولاية (عبيدالله بن زياد) (55 - 64هـ)، كانت تحوى مائة وأربعين ألف موظف مدنى. تعريب دواوين الخراج: كانت كل الدواوين التى سبق الحديث عنها يجرى العمل فيها منذ نشأتها باللغة العربية، ما عدا (ديوان الخراج) الذى كان يستخدم

لغات أجنبية، كالفارسية فى بلاد فارس و (العراق)، واليونانية فى (مصر) و (الشام). وظل هذا الوضع مستمرا حتى خلافة (عبدالملك بن مروان) (65 - 86هـ)، الذى أخذ على عاتقه تعريب دواوين الخراج؛ لأن الضرورة التى دعت إلى استخدام اللغات غير العربية فيها قد زالت، بوجود عدد كافٍ من الموظفين العرب الذين يجيدون العمل فى تلك الدواوين، واستعد (عبدالملك) لهذا العمل استعدادًا جيِّدًا، بإعداد فريق كبير من العاملين العرب، المدربين للعمل فى دواوين الخراج، المجيدين للفارسية واليونانية؛ ليتسنَّى لهم ترجمة أعمال تلك الدواوين إلى العربية، ولم يكن ذلك العمل سهلا يسيرًا، وإنما تطلَّب جهدًا وعملا دائبًا. وأول ديوان عُرِّب هو (ديوان الخراج) المركزى فى (دمشق) عاصمة الخلافة الأموية وحاضرتها، وأشرف على ذلك العمل (سليمان بن سعد الخشنى) الذى كان يعد من أبرز الكتاب فى عهد (عبدالملك)، وشاركه عدد كبير من الموظفين، وقد نجح (سليمان) فى إنجاز ذلك العمل فى سنة كاملة، وكافأه الخليفة على ذلك بخراج إقليم الأردن كله لمدة عام، ممَّا يدل على أهمية ذلك العمل واهتمام الخلافة بإنجازه فى أقصر وقت. ثم تكفَّل (الحجاج بن يوسف الثقفى) والى (العراق) بنقل (ديوان الخراج) فيها، وفى بقية الأجزاء الشرقية من الدول الإسلامية إلى اللغة العربية، وعهد بتلك المهمة إلى كاتبه (صالح بن عبدالرحمن)، وأشرف (عبدالله بن عبدالملك بن مروان) والى (مصر) (85 - 90هـ) على نقل ديوان خراجها من اليونانية إلى العربية. واستمرت عملية تعريب دواوين الخراج نحو نصف قرن من الزمان، وكان آخر ديوان خراج تم تعريبه هو ديوان (خراسان)، على يد (نصر بن سيار) سنة (124هـ)، فى خلافة (هشام بن عبدالملك)، وبذلك أصبحت اللغة العربية هى اللغة الوحيدة السائدة فى كل المعاملات المالية فى الدولة الإسلامية. ولم يقتصر أثر تعريب الدواوين على النواحى المالية والإدارية، وإنما

كان له أثر عظيم فى انتشار الإسلام واللغة العربية فى البلاد المفتوحة، لأن أبناء تلك البلاد أقبلوا على تعلُّم العربية؛ ليبقُوا فى وظائفهم فى الديوان، ثم قادتهم العربية إلى معرفة الإسلام فأقبلوا على اعتناقه. وكما قام (عبد الملك بن مروان) بتعريب دواوين الخراج، أقدم على خطوة أخرى لا تقل أهمية عن تعريب الدواوين، وهى تعريب النقد المتداول فى الدولة، وكانت الدولة الإسلامية إلى عهده تستخدم الدنانير البيزنطية، فقضى على هذا وأمر بإنشاء دور لسك النقود فى (دمشق) وغيرها من المدن الإسلامية، لسك العملات التى تحمل شعارات إسلامية، وألغى تداول العملات غير الإسلامية، وبهذا صبغ الدولة كلها، بأجهزتها ودواوينها بالصبغة العربية الإسلامية. الحاجب: - (وظيفة الحاجب) من الوظائف المهمة فى الدولة الإسلامية، وهى وثيقة الصلة بدار الخلافة، واختص صاحبها بترتيب مواعيد الخليفة، وعرض الأعمال عليه، وتنظيم دخول القادمين لمقابلته من كبار رجال الدولة والأمراء والوزراء والقادة، فهى أشبه بوظيفة (رئيس ديوان رئاسة الجمهورية) فى النظم الجمهورية المعاصرة، أو وظيفة (رئيس الديوان الملكى) فى النظم الملكية. وقد حرص خلفاء (بنى أمية) أن يكون حُجَّابهم من أهل بيتهم، أو من أقرب الناس إليهم من أهل الشرف والحسب والنسب، ومن ذوى الفقه والرأى، والثقافة العالية، والعلم الغزير؛ لأنهم عدُّو (الحاجب) وجههم الذى يطالعون به الناس، ولسانهم الذى يتحدثون به إليهم، كما حرصوا أن يكون حجَّاب ولاتهم فى الأقاليم على المستوى نفسه. القضاء فى العصر الأموى: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتولَّى القضاء بنفسه فى (المدينة)، ثم أذن لبعض أصحابه بالقضاء بين الناس، لما انتشر أمر الدعوة الإسلامية فى شبه الجزيرة العربية، وكثرت القضايا والخصومات، وكانوا يقضون على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية، والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص من كتاب الله أو سنة رسوله،

ومن الصحابة الذين كانوا يتولون القضاء فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - (عمر بن الخطاب) و (على بن أبى طالب)،و (معاذ بن جبل)، و (عبد الله بن مسعود)، وغيرهم. ولما بويع (أبو بكر الصديق) بالخلافة، وانشغل بمحاربة المرتدين وتسيير الجيوش لفتح (العراق) و (الشام)، وكثرت عليه أعباء الدولة؛ خصَّ (عمر بن الخطاب) بالقضاء فى (المدينة). وفى عهد (عمر بن الخطاب) اتسعت الدولة اتساعًا كبيرًا، فعيَّن قضاة من قبله على الولايات، فعيَّن (كعب بن سور) على قضاء (البصرة)، و (شريحا) على قضاء (الكوفة)، ومن أشهر من تولوا القضاء فى عهد (عمر) (أبو موسى الأشعرى)، الذى كتب له (عمر) رسالة مشهورة، بين له فيها أهم الأسس والمبادئ التى ينبغى للقاضى أن يسير عليها، واستمر (عثمان) و (على بن أبى طالب) فى تعيين القضاة من قبلهم على الولايات. وسار الأمويون على سنة الراشدين فى تعيين القضاة على الأقاليم، وحرصوا على أن يكون قضاتهم من أهل الاجتهاد والورع والتقى، ولم يتدخلوا فى عملهم، وخضعوا لأحكامهم مثل غيرهم من عامة الناس. وقد اتسعت دائرة عمل القضاة فى العصر الأموى، نظرًا إلى اتساع مساحة الدولة، وكثرة المشاكل والمنازعات بين الناس، مما أدَّى إلى اتساع دائرة الفقه الإسلامى، لأن كثيرًا من أحكام القضاة فى تلك الفترة أصبحت قواعد فقهية عند تدوين الفقه بعد ذلك، وكان بعض القضاة يسجل أحكامه فى القضايا التى يفصل فيها، وأول من فعل ذلك قاضى (مصر) (سليم التجيبى) فى عهد (معاوية بن أبى سفيان). ومن أشهر القضاة فى العصر الأموى (أبو إدريس الخولانى)، و (عبد الرحمن بن حجيرة)، و (أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى)، و (عبد الرحمن بن أذينة)، و (هشام بن هبيرة)، و (عامر بن شراحبيل الشعبى)، و (عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبى)، وكثيرون غيرهم. قضاء المظالم: استُحدث هذا النظام القضائى فى العصر الأموى، وهو نوع من أنواع

القضاء المستعجل، الذى يتطلب البتّ السريع فى القضايا التى لا تحتمل الانتظار، ويبدو أن الذى أدَّى إلى استحداث هذا النوع من القضاء هو حدوث خصومات بين أطراف غير متكافئة، كأن يكون أحد طرفى الخصومة أميرًا أو واليًا أو من عِلْية القوم، الأمر الذى يتطلب حزمًا وشدة، لردع الخصم المتعالى. ولم يُعمَل بهذا النوع من القضاء فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا فى عصر الخلفاء الراشدين، لأن الناس كانوا فى الغالب لا يتعالى أحدهم على خصمه، على حين تغيَّر الحال بعض التغيُّر فى العصر الأموى، ولم يعد الوازع الدينى كما كان فى العهد النبوى وعصر الراشدين، ولم يعد القضاء العادى كافيًا للفصل فى جميع المنازعات، لمجاهرة بعض الناس بالظلم والتعالى على الخصوم، فدعت الضرورة إلى إنشاء هذا النوع المسمى بقضاء المظالم، وكان له ديوان يعرف بديوان المظالم، وكانت سلطته أعلى من سلطة القاضى. ونظرًا إلى أهمية هذا القضاء وما يتطلبه من الحزم والهيبة، فقد كان بعض خلفاء (بنى أمية) يتولونه بأنفسهم، وأول من جلس منهم لقضاء المظالم هو (عبدالملك بن مروان). وكما كان قاضى المظالم يقضى بين الأفراد عامة، فإنه كان يقضى بين الأفراد وكبار المسئولين، الذين يحيدون عن طريق العدل والإنصاف من الولاة وعمال الخراج. الحسبة: (الحسبة) نظام إسلامى يقوم بالإشراف على المرافق العامة، ومنع أى انحراف، وعقاب المذنبين، وهى وظيفة دينية شبه قضائية، عرفها التاريخ الإسلامى من بدايته. تقوم على فكرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، امتثالا لقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: من 104]. والأصل فى هذا النظام الإسلامى هو قيام الناس جميعًا بهذا الواجب الذى هو من فروض الكفاية، لكن الدولة الإسلامية لم تدع ذلك الأمر للأفراد؛ خوفًا من حدوث فتن ومشاحنات، وإنما نظَّمته، وجعلته

وظيفة خاصة لها مسئول، يعاونه عدد كبير من الناس. ولا يعنى تنظيم الدولة لوظيفة (الحسبة) منع الأفراد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل من واجبهم القيام بهذا، بشرط أن يكون القائم به عالمًا فقيهًا، وألا يؤدى أمره بالمعروف إلى منكر، ونهيه عن المنكر إلى منكر أشد، وأن يكون عمله عن طريق النصيحة. ولما لم يكن من طبيعة الناس كلهم الاستجابة إلى النصح بالتى هى أحسن، فقد نشأت وظيفة (المحتسب)، واشترط فى شاغلها أن يكون من أهل الهيبة، ليضرب بقوة على أيدى العابثين بأمن المجتمع فى غذائه وصناعته وتجارته، وعلى من لا يراعى أصول الشريعة ومبادئها فى سلوكه، ويضايق الناس بأقواله وأفعاله. ولم يقتصر عمل (المحتسب) على ضبط سلوك العامة، ومراقبة أعمالهم، وإنما شمل كبار موظفى الدولة، لحملهم على أداء عملهم على أفضل ما يكون، ومنعهم من الفساد والتعدى على الناس وقبول الرشوة، وغير ذلك. وبدأ نظام (الحسبة) مع بداية الدولة الإسلامية، مثل غيره من النظم التى سبق الحديث عن بعضها، فقد ثبت فى الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أول من باشر عمل (المحتسب) بنفسه، مما يدل على أهميته، فروى (أبو هريرة) - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل يبيع القمح فى سوق (المدينة) وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده الشريفة، فأصابت بللا، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟). فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا). [صحيح مسلم]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعين من الصحابة من يقوم بهذا العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل شىء، فكلَّف (عمر بن الخطاب) بمراقبة سوق (المدينة المنورة)، وعين (سعيد بن العاص) لمراقبة سوق (مكة) بعد فتحها. واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل (المحتسب) بأنفسهم أحيانًا،

وينيبون غيرهم للقيام به فى أحيان أخرى. ولما اتسعت الدولة الإسلامية فى عصر (بنى أمية)، عجز الخلفاء عن القيام بعمل (المحتسب) بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية، وخصصوا لهذا العمل من يقوم به، وأصبح نظام (الحسبة) ووظيفة (المحتسب) من أهم النظم الإسلامية التى تعمل على سلامة المجتمع، وتنقيته من كل المفاسد. وقد امتد عمل (المحتسب) إلى كل مجالات الحياة تقريبًا، وقد لخَّص (ابن خلدون) فى مقدمته اختصاصات (المحتسب) فقال: (ويبحث - المحتسب - عن المنكرات، ويعزِّر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة فى المدينة، مثل المنع من المضايقة فى الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار فى الحمل - لئلا تغرق السفينة بمن فيها - والحكم على أهل المبانى المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقَّع من ضررها على السابلة - أى: المارة فى الطريق - والضرب على أيدى المعلمين فى المكاتب وغيرها فى الإبلاغ - أى المبالغة - فى ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك، ويرفع إليه، وليس له الحكم فى الدعاوى مطلقًا، بل فيما يتعلق بالغش والتدليس فى المعايش وغيرها، وفى المكاييل والموازين، وله أيضًا حمل المماطلين على الإنصاف، وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بيِّنة، ولا إنفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزَّه القاضى عنها لعمومها، وسهولة أغراضها، فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء). وإذا نظرنا إلى عمل (المحتسب) الذى هدفه هو راحة الناس فى ضوء النظم الحكومية المعاصرة نجده موزعًا بين العديد من الوزارات والهيئات، مثل وزارة التموين، والصحة، والصناعة، والتعليم، والزراعة، والداخلية، والنيابة العامة، ومصلحة الدمغة، والموازين، والمرافق بمختلف أنواعها. الشرطة:

يُعدُّ جهاز (الشرطة) من أقدم الأجهزة فى الدولة الإسلامية، فقد عُرف منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان له (صاحب شرطة) - أى رئيس لها - فعن (أنس بن مالك) أنه قال: (كان قيس بن سعد بن عبادة من النبى - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير). [صحيح البخارى]. ومن الذين عُرفوا بالقيام بوظيفة الشرطى فى (المدينة) فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (سعد بن أبى وقاص) و (بديل بن ورقاء)، و (أوس بن ثابت بن عرابة)، و (رافع بن خديج). واستمر الخلفاء الراشدون فى الاستعانة ببعض الصحابة للقيام بعمل الشرطى؛ استتبابًا للأمن، وحفظًا للنظام، وتعقبًا للجناة والمفسدين فى الأرض، وتنفيذًا للأحكام والحدود التى يحكم بها القضاة. وقد ازدادت أهمية جهاز (الشرطة) فى الدولة الأموية، نظرًا إلى الظروف التى كانت تحيط بها، وكثرة الخارجين عليها والثائرين ضدها، فتوسعت فى استخدام (الشرطة)، حتى أصبح جهازًا من أكبر أجهزة الدولة، قادرًا على حفظ الأمن وتطهير البلاد من عناصر الفساد والعبث بالنظام العام للمجتمع. وحرص الأمويون على اختيار رجال شرطتهم من أهل الشرف والبأس الشديد، والعفة والمروءة والحزم، وأعطوا (صاحب الشرطة) الحرية التامة فى اختيار معاونيه، ليؤدوا مهمتهم على الوجه الأكمل، فيروى عن (الحجَّاج بن يوسف الثقفى) والى (العراق) والمشرق الإسلامى أنه قال: (دلونى على رجل للشرطة)، فقيل له: (أى الرجال تريد؟) قال: (أريده دائم العبوس - أى جاداً فى ملامحه- طويل الجلوس، سميق الأمانة، أعجف الخيانة -أى لا يخون-) فقيل له: (عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمى)، فأرسل إليه يستعمله على (الشرطة)، فقال: (لست أقبلها إلا أن تكفينى عيالك وولدك وحاشيتك)، فقال (الحجاج): (يا غلام نادِ فى الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة). ويعلّق (الشعبى) راوى هذا الخبر بقوله: (فو الله ما رأيت صاحب

شرطة قط مثله، كان لا يحبس إلا فى دين - أى: من أجل مخالفة لتعاليم الدين - وكان إذا أُتى برجل قد نقَّب على قوم وضع منقبته فى بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أُتى بنبَّاش حفر له قبرًا فدفنه فيه، وإذا أُتى برجل قاتل بحديدة أو شهر سلاحًا قطع يده، وإذا أتى برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه .. فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد - لخوف الناس منه لشدته وهيبته - فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة). وبعد هذا الحديث الموجز عن النظم والإدارة فى العصر الأموى يمكن القول: إن إدارة الأمويين للدولة الإسلامية كانت إدارة حسنة بصفة عامة، تقوم على أسس ثابتة، تبغى الصالح العام، وإشاعة الأمن والاستقرار فى الدولة المترامية الأطراف، وإن شاب ذلك بعض القصور والأخطاء، وحسب الأمويين أنهم لم يكفُّوا عن تطوير أجهزة الدولة ودواوينها التى كانت موجودة قبلهم، واستحدثوا غيرها حين دعت الضرورة إلى ذلك، وأنهم بذلوا جهدًا فى التدقيق فى اختيار الولاة والعمال والموظفين، وأحسنوا مراقبتهم ومتابعتهم، ونجحوا فى ذلك إلى حد كبير. طبقات المجتمع: من يتأمل حياة المجتمع الإسلامى فى العصر الأموى يرى أنه يمكن تقسيمه إلى خمس طبقات: - الطبقة الأولى: الخلفاء وأبناؤهم وأفراد أسرتهم، وهؤلاء بحكم وضعهم أصبحوا فى منزلة لا يدانيهم فيها أحد. - الطبقة الثانية: كبار الولاة والقادة وغيرهم من كتاب الدواوين. - الطبقة الثالثة: العلماء وإن اختلفت أجناسهم، وهذه الطبقة وإن كان ترتيبها المرتبة الثالثة من الناحية الاجتماعية، فإن كثيرين منها كانوا يحظون بحب الناس وتقديرهم ربما بأكثر مما يحظى به الخلفاء والأمراء. - الطبقة الرابعة: كبار الأثرياء والتجار ورؤساء العشائر. - الطبقة الخامسة: عامة الناس من الزراع والحرفيين. تطور معيشة الخلفاء الأمويين ومظهرهم: لم يستطع خلفاء (بنى أمية) المحافظة على نمط حياة الخلفاء

الراشدين، من بساطة وزهد فى المأكل والملبس والمسكن، ولم تطقه نفوسهم، حتى إن (معاوية بن أبى سفيان) صرَّح بعدم قدرته على مجاراة سلوكهم، وهو مؤسس الدولة، وكاتب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (لقد رمت نفسى على عمل ابن أبى قحافة - أبى بكر الصديق - فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه، وأردتها على عمل ابن الخطاب، فكانت أشد نفورًا وأعظم هربًا من ذلك، وحاولتها على مثل عثمان فأبت علىَّ، وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم؟ رحمة الله ورضوانه عليهم، غير أنى سلكت بها طريقًا لى فيه منفعة ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدونى خيركم، فأنا خير لكم). وعلى هذا عاش (معاوية) فى (دمشق) التى اتخذها عاصمة لدولته عيشة فيها توسع فى المأكل والمشرب والملبس والمسكن، والحق أن (معاوية) كان يعيش وهو أمير على الشام حياة نعمة وسعة إذا ما قورنت بحياة الخلفاء الراشدين، بل إن (عمر بن الخطاب) لم ينكر عليه مثل هذه الحياة، ولم ينهه عنها، ففى إحدى زيارات (عمر) إلى الشام لقيه أميرها (معاوية) وهو فى أبهة الملك وزيِّه، فاستنكر (عمر) ذلك فى البداية، وقال: (أكسرويه يا معاوية؟)، يعنى أتتشبَّه بكسرى؟، فقال (معاوية): (يا أمير المؤمنين إنا فى ثغر تجاه العدو -يقصد الدولة البيزنطية - وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة)، فسكت (عمر) ولم يخطِّئه لما وجد حجته قوية. وإذا كان (معاوية) توسَّع فى معيشته وهو أمير، فليس بغريب بعد أن أصبح خليفة أن تحف به مظاهر الملك، من اتخاذ الحراس والشرطة، والحجاب، وإرخاء الستور، وسكنى القصور ذات الحدائق الغنَّاء فى عاصمته (دمشق) التى تعد من أقدم مدن العالم، وكانت عامرة بالمبانى الفاخرة والحدائق والبساتين، بل إنه اتخذ مقصورة ليصلى

فيها منعزلا عن الناس بعد تعرضه لمحاولة اغتيال سنة (40هـ). ونظرًا لهذه الحياة المترفة الباذخة قيل عن (معاوية): إنه كان ملكًا لا خليفة، بل رُوى عنه نفسه أنه قال: (أنا أول الملوك)، ووصفه (ابن عباس) بأنه كان ملكًا، وقال عنه (ابن تيمية): (فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيرًا منهم فى زمان معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، أمَّا إذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل)، كما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يؤيد أن حكم (معاوية) كان بداية الملك فى الإسلام، فقال: (إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة، ثم يكون رحمة وخلافة، ثم كائن ملكًا عضوضًا). [ابن كثير]. وقال: (الخلافة بعدى ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا). [ابن كثير]. ولا يظنن أحد أن وصف (معاوية بن أبى سفيان) - رضى الله عنه - بالملك فيه انتقاص من قدره؛ لأن الملك لا يُذَم لذاته، وإنما لما يحفّ به من المظالم والطغيان، أمَّا إذا قام على الحق وبالحق فلا يُذَم، ولو كان الملك مذمومًا فى ذاته ما تمنَّاه (سليمان بن داود) - عليهما السلام - حيث قال: {رب اغفر لى وهب لى ملكًا لا ينبغى لأحد من بعدى}. [ص: من 35]. والإسلام لا يهمه ما يُلقَّب به الحاكم المسلم، خليفة كان أو ملكًا، وإنما يعنيه أن يحكم بشريعة الله وسنة رسوله. إن حياة الترف التى عاش فيها خلفاء الدولة الأموية، كانت من مقتضيات التطور الاجتماعى الطبيعى فى حياة الأمة، بعد أن كثرت الأموال فى أيديهم كثرة هائلة من الغنائم، وكان من الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى الميل إلى حياة الترف، ولم يكن فى وسع أحد أن يوقف ذلك الميل، بل إن (ابن خلدون) رأى أن الترف فى أول نشوء الدولة كان مطلوبًا؛ لأنه يزيدها قوة على قوتها، وعقد لذلك فصلا فى مقدمته -المعروفة- بعنوان: (فصل فى أن الترف يزيد الدولة فى أولها قوة إلى قوتها).

والمتأمل لتاريخ الدولة الأموية يتفق مع (ابن خلدون) فى هذا التعليل، لأن (معاوية بن أبى سفيان) ومن تلاه من أوائل خلفاء الدولة استخدموا الأموال فى تأليف الناس حولهم واستكثروا من الذرية والموالى والصنائع - الأنصار والأتباع - لترسيخ قواعد الدولة حتى بلغت أوج قوتها، وفى ذلك يقول (ابن طباطبا) بعد أن وصف (معاوية) بالحلم وحسن السياسة والتدبير للملك: (وكان كريمًا باذلا للمال، محبا للرياسة، شغوفًا بها، كان يفضل على أشراف رعيته كثيرًا، فلا يزال أشراف قريش، مثل: عبدالله بن العباس، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن جعفر الطيار، وعبدالله بن عمر، وعبدالرحمن بن أبى بكر، وأبان ابن عثمان وناس من آل أبى طالب - رضى الله عنهم - يفدون عليه بدمشق، فيكرم مثواهم، ويحسن قراهم، ويقضى حوائجهم، بمثل هذه السياسة صار خليفة العالم الإسلامى وخضع له أبناء المهاجرين والأنصار، وكل من يعتقد أنه أولى منه بالخلافة). وسار (يزيد بن معاوية) على خطى أبيه فى الإحسان إلى الناس واستمالتهم بالأموال، وكذلك فعل (مروان بن الحكم) وابنه (عبدالملك) وأولاده. تحرى بنى أمية للحق والعدل: حرص خلفاء الدولة الأموية الأوائل وأمراؤها على الالتزام بمقررات الإسلام فى جمع الأموال، والإذعان لكلمة الحق مهما يكن قائلها، فحين أراد (معاوية بن أبى سفيان) أن يزيد على أهل (مصر) فى مقدار الجزية التى فرضت عليهم عند أول الفتح الإسلامى لبلادهم، إذا بعامله على بيت المال - (وردان) - يقول له: (كيف تزيد عليهم يا أمير المؤمنين وفى عهدهم ألا يزاد عليهم) فيذعن الخليفة لقول عامله ويكف عن الزيادة، وعندما أراد (عبدالعزيز بن مروان) والى (مصر) (65 - 85هـ) أن يأخذ الجزية من المسلمين الجدد عارضه القاضى (ابن حجيرة) قائلا له: (أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول من سنَّ ذلك بمصر) فتركهم. وظلت معارضة العلماء قوية لكل من تسول له نفسه الخروج على

مبادئ الإسلام حتى جاء (عمر بن عبدالعزيز) (99 - 101هـ) فقضى تمامًا على كل سلوك شاذ، وصاح صيحته الخالدة فى وجوه العمال الذين كان همهم جمع المال بأى طريقة، قائلا لهم: (قبح الله رأيكم، فإن الله - تعالى - بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هاديًا ولم يبعثه جابيًا). وإذا كان دخول الأموال إلى بيت المال خضع للعدل والتحرى، فإن خروجه منه لم يخضع لمثل ذلك، والمصادر التاريخية التى أعطت نماذج وأمثلة كثيرة على تحرى خلفاء (بنى أمية) العدل فى جمع الأموال وجبايتها، هى نفسها التى تقدم أمثلة من التجاوزات التى كانت تحدث فى إنفاق الأموال، سواء من الخلفاء وأبنائهم، أو من عمالهم وولاتهم، وهذا دليل على نزاهة المصادر التاريخية وأمانتها بصفة عامة، وأن مؤلفيها لم يجاملوا الحكام، وكانت لديهم الجرأة والشجاعة لتسجيل كل مخالفة شرعية. والحق أن بعض الخلفاء الأمويين قد تجاوزوا سنة الخلفاء الراشدين فى نظرتهم إلى المال العام، وكان الراشدون ينزهون أنفسهم وأولادهم تمامًا عن أموال المسلمين، ويحوطون بيت المال بالضمانات التى تحفظ الأموال وتصونها؛ حتى لا تمتد إليها يد من لا يستحق، لكن هذا الوضع تغيَّر كثيرًا فى العصر الأموى، ولم يعد هناك حد فاصل بين بيت المال المركزى فى (دمشق) وبين مال الخلفاء، فأغدقوا بالمنح والعطايا والهبات على أبنائهم وأقربائهم وأنصارهم وشعرائهم الذين يمدحونهم ويروجون لأفكارهم وسياساتهم، وكذلك لم يعد هناك حد فاصل بين بيوت المال فى الأقاليم والولايات وبين مال الولاة، الذين كانت بيوت المال تحت إشرافهم المباشر يأخذون منها ما يريدون، ويعطون من يشاءون. وقد أدَّى ذلك إلى تضخُّم ثروات الخلفاء وأبنائهم وبعض ولاتهم، حتى تولَّى الخلافة (عمر بن عبدالعزيز)، الذى بدأ عهده بالعكوف على سجلات الدولة، وتحرَّى الإقطاعات والهبات التى مُنحت لأمراء (بنى أمية) وأتباعهم، وأخذ فى رد الأموال التى ثبت أنها أُعطيت

بغير حق إلى بيت مال المسلمين، وبدأ بنفسه، وعزل الولاة الذين أفسدوا الحياة الإدارية والمالية، وعيَّن فى مكانهم ولاة من أهل الخبرة والتقوى والصلاح. وقد أدَّت سياسته الإصلاحية إلى نتائج باهرة فى غضون فترات زمنية قصيرة (99 - 101هـ)، واستقامت الأمور وتحقق العدل، وتوافر الحد الأدنى من المعيشة الكريمة لكل إنسان فى الدولة الإسلامية، التى امتدت حدودها شرقًا وغربًا، ولم يعد فيها من يستحق الصدقة، حتى ليروى الإمام (الذهبى) عن (عبدالرحمن بن يزيد بن عمر بن أسيد) أنه قال: (والله ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم - الكثير - فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس). انحراف أواخر خلفاء بنى أمية عن الجادة: لم يكن خلفاء الدولة الأموية المتأخرون على درجة عالية من الكفاءة السياسية والإدارية، والسهر على رعاية مصالح المسلمين، وتحرى العدل بصفة عامة كما كان خلفاء (بنى أمية) الأوائل، وإنما كانت تنقصهم الكفاية والمقدرة السياسية، إلى جانب إفراطهم فى حياة الترف، وعكوفهم على الملذات والشهوات، وتبديد الأموال وإنفاقها فى وجوه غير مشروعة، وتركهم رعاية مصالح الأمة، وإهمالهم مقاصد الشريعة، فزالت دولتهم نتيجة لهذا السلوك المعوج، وقد فطن إلى ذلك خصمهم الخليفة العباسى (أبو جعفر المنصور) (136 - 158هـ) فقال عنهم: (ولم يزل بنو أمية ضابطين لما مهد لهم من السلطان، يحوطونه ويصونون ما وهب الله لهم منه، مع تسنمهم معالى الأمور، ورفضهم دنياتها، حتى أفضى الأمر إلى أبنائهم المترفين، فكانت همتهم قصد الشهوات، وركوب الملذات من معاصى الله، جهلا باستدراجه وأمنًا لمكره، مع إطراحهم صيانة الخلافة، واستخفافهم بحق الرئاسة، وضعفهم عن السياسة، فسلبهم الله العز، وألبسهم الذل، ونفى عنهم النعمة). مظاهر الحياة الاجتماعية:

كان المجتمع الإسلامى فى العصر الأموى مجتمعًا شابا متوقِّدًا حياة وفتوة فى كل شىء؛ ثراء عريض، وقوة عسكرية واقتصادية هائلة، ونهضة علمية فى بواكيرها تنبئ بازدهار حضارة عظيمة، وتخلل تلك الحياة الجادة بعض مظاهر اللهو والتسلية البريئة للترويح عن النفوس. مجالس الخلفاء وآدابها: كان للخلفاء مجالس يعقدونها للمسامرة مع أقربائهم وأصدقائهم، وكان لتلك المجالس آداب وطقوس خاصة، فى كيفية تعامل الناس مع الخليفة فى حضرته، فيجب أن يكون كلامهم على قدر الحاجة، وأن تكون ألفاظهم منتقاة، وكان الخلفاء يصونون مجالسهم عن الكذب والنفاق، وقلما كان يستمع الخلفاء الأمويون الأوائل إلى الغناء، وإنما كانوا يحبون سماع الشعر فى مجالسهم، على حين ترخص المتأخرون منهم فى سماع الأغانى كثيرًا، وكانوا يظهرون للندماء والمغنين، ومن أشهر من فعل ذلك، وتبذَّل حتى أزرى بمنصب الخلافة فى نظر الناس (يزيد بن عبدالملك) وابنه (الوليد). الطعام والشراب: كانت حياة العرب بسيطة، وبخاصة فيما يتعلق بالطعام، ولم يتجاوز أغلب طعامهم صنفًا أو صنفين، وكان أفضل طعامهم اللحم مع الثريد، ولكن تغير الحال بعد الفتوحات الإسلامية، واتساع الدولة وكثرة الأموال، ومخالطتهم الشعوب فى البلاد المفتوحة، وكانت أكثر منهم مدنية، فعرفوا ألوانًا من الطعام والشراب، واستخدموا أدوات للمائدة لم يكونوا يعرفونها من قبل، فاستخدموا (الفوط) و (الملاعق) الخشبية والفخارية، التى كانت تأتيهم من (الصين)، وعرفوا (الموائد) الخشبية، وجلسوا على كراسى خشبية حولها، وكانوا من قبل يجلسون على الأرض ويأكلون بأيديهم. وكان من عادة الخلفاء والأمراء والأغنياء إقامة الولائم لإطعام الناس، وكان للأكل مع الخلفاء آداب خاصة، فوق الآداب العامة المعروفة للطعام، فكما يقول (الجاحظ): (إن الأكل لم يكن للشبع وإنما للشرف، فعلى من يؤاكلهم أن يراعى ذلك وألا يكون شرهًا فى تناول الطعام). الملابس:

توسع المجتمع فى العصر الأموى وتأنق فى الملابس والأزياء، فلبس الناس الحرير والديباج والإستبرق، وبخاصة الشباب الذين كانوا يلبسون ملابس موشاة، وكانت الملابس تختلف من فئة إلى أخرى على قدر ثرائها ومراكزها الاجتماعية، فكانت ملابس الفقهاء تختلف عن ملابس الكتاب، وهؤلاء تختلف ملابسهم عن ملابس الجند، وكان شيوخ القبائل ومن فى منزلتهم من علية القوم يرتدون الأقبية التى تصل إلى الركبتين، يعلوها جلباب فضفاض يتدلَّى إلى العقبين. وكانت عناية النساء بالملابس والأزياء أكثر من عناية الرجال، وتكونت ثيابهن من سروال فضفاض وقميص مشقوق عند الرقبة، وعند خروج المرأة إلى الشارع فإنها ترتدى عباءة تغطى جسمها وتلف رأسها بمنديل يربط حول الرقبة، مثل (الإيشارب) الذى تستعمله النساء فى الوقت الحاضر. وتوسَّع النساء فى استخدام الحلى والجواهر من اللآلئ واليواقيت والذهب وسائر أدوات التجميل. وإلى جانب التأنق فى الملابس أحب الناس أنواع الطيب وأكثروا منها، واستخدموا الحناء، وخضَّبوا بها لحاهم وأيديهم، وفعل الخلفاء ذلك. مكانة المرأة فى المجتمع: كانت للمرأة مكانة كبيرة وأثر واضح فى الحياة العامة، ومن أشهر النساء: (سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب)، وكانت من أعلم النساء وأظرفهن، وأحسنهن أخلاقًا، وتذكر المصادر التاريخية أن الشعراء كانوا يجتمعون عندها وكان لها ذوق رفيع فى نقد الشعر، ومما يذكر لها فى هذا المجال أنه اجتمع عندها يومًا (جرير)،و (الفرزدق)، و (كثير عزة)، و (جميل بثينة)، وأنشدوا بين يديها أشعارهم، فنقدت شعر كل منهم، ثم أجازت كل واحد بألف دينار. وتقرن بسكينة فى هذا المجال (عائشة بنت طلحة)، وكانت نابغة فى الأدب والسخاء كأبيها (طلحة) الجواد، وقد تزوج (مصعب بن الزبير) حاكم (العراق) فى خلافة أخيه (عبدالله بن الزبير) (67 - 72هـ) كلا من (سكينة) و (عائشة بنت طلحة)، بعد أن أمهر كل واحدة منهما مليون درهم.

ومن ألمع النساء فى ذلك العصر: (أم البنين) زوج الخليفة (الوليد بن عبد الملك)، وقد اشتهرت بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة وبعد النظر، وكانت لها مكانة كبيرة عند زوجها (الوليد) وكان يستشيرها فى كثير من أمور الدولة. وقد كثرت الجوارى من سبايا الحروب فى البيوت، مما كان له أثره البالغ فى الحياة الاجتماعية، فقد نقلوا إلى البيت العربى عادات شعوبهم وتقاليدها فى الطعام والشراب والملبس. الاحتفال بالأعياد والمناسبات: عيد الفطر وعيد الأضحى من أعظم المناسبات الدينية فى الإسلام، يُظهِر فيهما المسلمون السرور، ويدخلون البهجة على أنفسهم وأسرهم وجيرانهم. كان الخلفاء يخرجون فى يوم العيد للصلاة فى موكب مهيب، يتقدمهم الجند، ويحيط بهم الأمراء وكبار رجال الدولة، وتتجاوب أصوات المسلمين بالتهليل والتكبير، وتقام الزينات، وتسطع المشاعل والقناديل فى ليالى العيد، وكان لولاة الأقاليم مواكب تشبه مواكب الخلفاء. حفلات الزواج: تطورت حفلات الزواج فى العصر الأموى لتجارى ما أصبح عليه المجتمع من ترف وثراء، بعد أن كانت فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين غاية فى البساطة والبعد عن التكلف، وبالغ الناس فى المهور، وقد سبق أن ذُكر أن (مصعب بن الزبير) أمهر كلا من زوجتيه (سكينة بنت الحسين) و (عائشة بنت طلحة) مليون درهم. وكما بالغوا فى المهور بالغوا فى إقامة الولائم الحافلة بأطيب أنواع الطعام، وفى يوم الزفاف يلعب الفتيان بالرماح، ويتسابقون بالخيل، وتجلس النساء على النمارق ويتزين بالحلى والجواهر الثمينة، وتكون العروس فى أبهى صورة وأجمل زينة، يحيط بها أترابها، يغنين لها حتى تذهب إلى بيت زوجها. وكانت تقام - أيضًا - حفلات لختان الأطفال، يحييها المغنون وأصحاب الفكاهة، وهذا كان يحدث فى بيوت الصحابة والتابعين، فيذكر (ابن قتيبة) فى (عيون الأخبار) أن (عبد الله بن عباس) - رضى الله عنهما -

دعا بعض اللعَّابين فى حفل ختان بعض أولاده، فلعبوا بألعابهم، فأعطاهم أربعمائة درهم، كما أن تلميذه (عطاء بن أبى رباح) استدعى اثنين من كبار المغنين وهما (الغريض) و (ابن سريج) فى حفل ختان ولده، وكان الناس يقيمون الموائد الفاخرة المليئة بألوان الطعام فى هذه المناسبات. وسائل الترفيه والتسلية: عرفت المجتمعات الإسلامية فى ذلك العصر ضروبًا مختلفة من اللهو واللعب والتسلية، وعلى رأسها الغناء الذى شغف به الناس كثيرًا، فازدهر وأصبحت له دور خاصة يقصدها الناس للسماع والمتعة. وشاع فى المجتمع أن اتخذ بعض الأثرياء المترفين أناسًا يضحكونهم ويدخلون السرور على أنفسهم، ويزيلون منها الملل، وهذا النوع من اللهو لا يوجد عادة إلا بعد أن تتحضَّر الأمة، وتسير أشواطًا كثيرة فى حياة الترف، ومن ثم ظهرت طائفة من المضحكين، كان على رأسهم (أشعب بن جبير) مضحك (المدينة)، وكان أشرافها يعجبون به ويجالسونه، ويقيم عندهم أيامًا فى دورهم، وقد تناقل أهل (المدينة) فكاهات (أشعب) ونوادره كما يتناقل الناس اليوم النكات، وأصبح لكل مدينة أشعبها الذى يضحكها، وربما أكثر من أشعب. وعرف المجتمع الإسلامى من وسائل اللهو والتسلية ألعاب النرد والشطرنج، وقد تسامح بعض العلماء فى ذلك، حتى يُروَى أن (سعيد بن المسيب) وهو من أئمة التابعين سُئل عن اللعب بالنرد، فقال: (إذا لم يكن قمارًا فلا بأس بهـ)، والنرد هى لعبة (الطاولة) المعروفة الآن، أخذها العرب هى والشطرنج من الفرس. وإلى جانب ذلك شغل بعض الناس أنفسهم بأنواع من الرياضة، كالصيد وسباق الخيل، وكان بعض خلفاء (بنى أمية) يحبون الصيد لفوائده الكثيرة. ورأى كثير من الناس فى سباق الخيل تسلية وترويضًا لأنفسهم على ركوب الخيل، التى كانت وسيلة القتال الرئيسية، وأقام الأمويون حلبات لسباق الخيل، ويُروَى أن أول من أقام تلك المسابقات من خلفاء بنى أمية هو الخليفة (هشام بن

عبدالملك) (105 - 125هـ)، وكانت تشترك فيها أعداد كبيرة من الخيول، بلغت فى إحدى المسابقات أربعة آلاف فرس. ويجدر بالذكر أن كل ما سبق من عادات وتقاليد وضروب الحياة الاجتماعية كان سائدًا فى كل العالم الإسلامى، على الرغم من تنوع الأجناس التى ضمتها الدولة الأموية. الأحوال الاقتصادية: كثرت المصادر التى تحدثت عن الشئون الاقتصادية والمالية، مثل كتاب (الخراج) لأبى يوسف المتوفى سنة (182هـ)، وكتاب (الأموال) لأبى عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة (224هـ)، غير أن هذه المصادر لا تقدم لنا إحصاءات عن دخل الدولة الإسلامية فى العصر الأموى، ولا شيئًا من ميزانياتها، وإنما هى أبحاث فقهية على وجه العموم، تبحث فى مسائل الغنائم والجزية والخراج وغير ذلك. ويمكن أن نكوِّن فكرة عن الأحوال الاقتصادية فى ذلك العصر، من خلال دراسة مستوى المعيشة التى كان يحياها الناس على اختلاف مستوياتهم، واحتفالاتهم فى مناسباتهم الاجتماعية، كالأعياد وحفلات الزواج والختان، ومن خلال الحركة العمرانية الكبيرة التى شهدها ذلك العصر، من بناء المدن والمساجد وتعبيد الطرق وغيرها من المنشآت، بالإضافة إلى الخدمات المجانية التى تقدمها الدولة للناس، كالعلاج وإعالة المحتاجين. وكل هذه المشروعات لم تكن لتقام إلا إذا كانت موارد الدولة المالية تسمح بذلك، كما أن السياسة المالية التى اتبعها (عمر بن عبدالعزيز) قضت على الفقر فى ربوع الدولة، إلى الحد الذى كان لا يجد فيه عمال الصدقات فقراء يعطونهم منها، لأن الناس فى كفاية من الرزق، فأمر الخليفة أن يساعد من تلك الأموال من يريد الزواج من الشباب، ويعين من يبغى أداء فريضة الحج، وأن يشترى الأرقاء لتحريرهم. موارد الدولة: وتتمثل فى: - خراج الأرض المفتوحة: ويأتى على رأس موارد الدولة فى العصر الأموى، وكانت تلك الأراضى مملوكة للدولة الإسلامية منذ الفتوحات الأولى فى عهد (عمر

بن الخطاب) - رضى الله عنه - الذى اجتهد وقرر بعد استشارة كبار الصحابة عدم تقسيم الأرض المفتوحة على المجاهدين، وجعلها ملكًا للدولة، وأبقاها فى أيدى أهلها يزرعونها، مقابل إيجار يدفعونه للدولة، وهذا الإيجار أو الخراج تنفق منه الدولة على الجيش والموظفين، وتقيم المرافق التى يحتاج إليها. وكان هذا اجتهادًا عظيمًا من (عمر)، لأنه أبقى الأرض فى أيدى أصحابها، وهم من أهل الخبرة فى فلاحتها، وضمن فى الوقت نفسه موردًا ماليا ضخمًا وثابتًا، ثم أقدم (عمر) على خطوة عظيمة الأهمية وذات دلالة كبيرة على فطنته الاقتصادية، فقد أمر بإعادة مساحة الأرض المفتوحة، وقسمها على حسب إنتاجيتها إلى ثلاثة أنواع، وفرض على كل نوع الخراج الذى يناسبه؛ لئلا يُظلَم الفلاحون، وليبذلوا طاقتهم فى تحسين الإنتاج. غنائم الحرب: وهى الأموال المنقولة من نقود وغيرها، وكانت بكميات كبيرة فى ذلك الوقت، وكان خمسها يدخل بيت مال الدولة، على حين تُوزَّع الأربعة الأخماس على المجاهدين. - الجزية المفروضة على أهل الكتاب: وهم اليهود والنصارى، ومن فى حكمهم كالمجوس؛ حيث عاملهم المسلمون فيما يتعلق بالجزية معاملة أهل الكتاب، وقد قنن الفقهاء قيمة الجزية، بعد استقراء تطبيقات الخلفاء، فقدروها بثمانية وأربعين درهمًا للأغنياء، وأربعة وعشرين للمتوسطين، واثنى عشر للفقراء القادرين على الكسب، وأعفوا منها النساء والأطفال وكبار السن، ورجال الدين، والعاجزين عن الكسب، بل إن الفقراء العاجزين عن الكسب من أهل الكتاب فُرض لهم عطاء من بيت مال المسلمين. - الزكاة: وتؤخذ من المسلمين، ومقاديرها معروفة فى كتب الفقه، وتؤدى للدولة التى عدتها موردًا من مواردها المالية، تنفق منه فى الأوجه التى حددتها الآية الكريمة: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}. [التوبة: 60].

- ضرائب التجارة الداخلة إلى البلاد الإسلامية أو الخارجة منها أو العابرة: وكانت تمثل موردًا كبيرًا من موارد الدولة؛ إذ كانت أهم الطرق التجارية وأعظمها تمر فى ذلك الوقت ببلاد إسلامية، من حدود (الصين) فى الشرق إلى (الأندلس) فى الغرب. وقد نظم المسلمون منذ وقت مبكر تحصيل هذه الضرائب، وهى المعروفة الآن برسوم الجمارك، ففرضوا على التجار المسلمين ربع عشر قيمة تجارتهم، وعلى التجار من أهل الذمة الذين هم من رعايا الدولة الإسلامية نصف العشر، وعلى التجار الكفار الذين هم من أهل الحرب العشر. ولا يظنن أحد أن فى هذا تفريقًا بين التجار المسلمين ونظرائهم من أهل الذمة من رعايا الدولة؛ لأن التجار المسلمين يدفعون زكاة أموال تجارتهم كلها بعد دفع ضريبة ربع العشر، فى حين لا يدفع التجار من أهل الذمة شيئًا سوى نصف العشر المفروض على التجارة، فهم لا يدفعون زكاة لأنها لا تُفرَض إلا على المسلمين. الركاز: وهو ما يستخرج من باطن الأرض كالذهب والفضة والنحاس، فإذا كان المستخرَج من أرض مملوكة ملكية خاصة، فإن أصحابها يدفعون للدولة الخمس، لأن الفقهاء جعلوا ذلك النوع من الأموال مثل الغنائم، التى يخصص خمسها للدولة، أمَّا إذا استخرجت هذه المعادن من أراضى الدولة، فإن ريعها يدخل بطبيعة الحال إلى بيت المال. النشاط الاقتصادى: الزراعة: عنى العرب الفاتحون بالزراعة عناية عظيمة، واستفادوا فى ذلك من خبرات أبناء البلاد المفتوحة، فعندما تم فتح (مصر) أمر (عمر بن الخطاب) واليه (عمرو بن العاص) أن يسأل أهلها عن أفضل الطرق للنهوض بها وباقتصادها، فأخبر أن أفضل طريقة للنهوض بها هى الزراعة؛ لأنها المورد الرئيسى لاقتصاد البلاد، وهذا يتطلب العناية بالنيل والترع المتفرعة عنه، وكذلك فعل (عمر بن الخطاب) فى (العراق) و (الشام). وقد سار الأمويون على هذه السياسة، فاهتموا بنظام الرى وإقامة الجسور وشق الترع وتطهيرها موسميا، وبخاصة أن الدولة كان

يجرى على أراضيها أعظم الأنهار وأكثرها طولا، من (نهر النيل) فى (مصر) إلى (دجلة) و (الفرات) وفروعهما فى (العراق)، إلى أنهار الشام الرئيسية: (بردى) و (العاصى) و (اليرموك)، إلى نهرى (جيحون) و (سيحون) فى بلاد (ما وراء النهر)، إلى الأنهار العديدة فى (الأندلس)، بالإضافة إلى رقعة واسعة من أخصب الأراضى. وقد عمل (الحجاج بن يوسف الثقفى) على إصلاح شئون الزراعة أثناء ولايته على (العراق) والمشرق، فأصلح كثيرًا من الأراضى التى لم تكن مزروعة، وأمر بعودة الفلاحين إلى قراهم، بعد أن رأى ما أصاب الزراعة من ضرر ونقص فى المحاصيل؛ نتيجة هجرتهم إلى المدن للعمل فى الأعمال الحرفية المتعلقة بالصناعة والتجارة. وهذه الخطوة التى أقدم عليها (الحجاج) لإصلاح الزراعة أساء الناس فهمها، وعدُّوها من أخطائه؛ لأنه تدخل فى حرية الناس، لكنها عند النظر الصحيح خطوة إيجابية من حاكم يفهم واجبات وظيفته، فأقدم على حل مشكلة خطيرة لا تزال كثير من الحكومات المعاصرة عاجزة عن حلها. وقد اقتدى (خالد بن عبد الله القسرى) والى (العراق) فى عهد (هشام بن عبد الملك) (105 - 125هـ) بما فعله (الحجَّاج) فى النهوض بالزراعة؛ فأصلح مساحات شاسعة فى منطقة المستنقعات، وزرعها وأضافها إلى الرقعة الزراعية. ويجدر بالذكر أن الإسلام حث على تعمير الأرض واستصلاح البور منها للزراعة؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من أحيا أرضًا ميتة فهى لهـ). [صحيح البخارى]. والمقصود بالأرض الميتة: الأرض البور أو الصحراوية التى لم تكن مزروعة، فمن يصلحها تكن له، وقد حذا الصحابة حذو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والأمويون من بعدهم فى تشجيع الناس على الزراعة وعاونوهم على ذلك. الصناعة: ازدهرت فى العصر الأموى الصناعات الحربية التى تحتاج إليها الجيوش من سيوف ودروع ورماح وحراب، وأُنشئَت الترسانات البحرية اللازمة لصناعة السفن فى مدن الساحل، كالإسكندرية و (دمياط)

و (رشيد) فى (مصر)، و (عكا) و (صور) و (صيدا) و (بيروت) فى (الشام)، وازدهرت كذلك الصناعات الخشبية اللازمة لأعمال بناء البيوت والمساجد والمستشفيات، وأثاث المنازل، وصناعات الخزف والأدوات المنزلية. وعرف العصر الأموى صناعات النسيج، وكانت أكثر الصناعات ازدهارًا فى (مصر) و (الشام) و (العراق) و (فارس) وبلاد (ما وراء النهر)، وكانت تصنع من الصوف والقطن والكتان والحرير، بالإضافة إلى صناعات المواد الغذائية القائمة على الإنتاج الزراعى والحيوانى، وصناعات الجلود. وأقام الأمويون دورًا لسك النقود؛ الدنانير الذهبية والدراهم الفضية فى عهد (عبدالملك بن مروان) وما تلاه، وهذه الصناعة صعبة لأنها تحتاج إلى استخراج الذهب والفضة من باطن الأرض، بعد استخلاصهما مما هو ممزوج بهما من رمال ومعادن أخرى، ثم صهره وتشكيله حسب الحاجة. وإذا كانت الصناعات فى عصر الأمويين بسيطة، ولا تقارن بما وصلت إليه فى الوقت الحاضر، فإنها كانت كافية ووافية بمتطلبات الحياة والأحياء فى زمانها. التجارة: كان العرب قبل ظهور الإسلام وسيطًا تجاريا مهما بين الشرق والغرب؛ حيث كانت التجارة القادمة من الشرق وبخاصة من (الهند) و (الصين) تمر ببلاد العرب عبر طريقين رئيسين: الطريق الأول: يمر بعدن فى جنوب غرب (اليمن) على مدخل (البحر الأحمر) الجنوبى؛ حيث تأتى السفن، بعضها يواصل سيره فى البحر الأحمر إلى (ميناء القلزم) - السويس - فى (مصر)، ثم تفرغ حمولتها، وتنقل البضائع بالقوافل إلى الموانئ المصرية على (البحر المتوسط)، وبخاصة (ميناء الإسكندرية)، ثم تشحن فى السفن بحرًا مرة أخرى إلى (أوربا)، وبعضها الآخر يفرغ حمولته فى (عدن)، ثم تحملها القوافل برا عبر الساحل الغربى لشبه الجزيرة العربية، المطل على (البحر الأحمر)، وتمر بمكة المكرمة، التى كانت مركزًا تجاريا مهما، وبعضها يواصل سيره إلى (ميناء غزة) فى (فلسطين).

- والطريق الآخر: يمر عبر (الخليج العربى)، حيث تواصل السفن سيرها وتفرغ حمولتها فى أقصى شماله، حيث (ميناء الأيلة) غربى (البصرة) الحالية فى (العراق)، ثم تنقل البضائع على القوافل برا عابرة (العراق) إلى (الشام)؛ حيث تفرغ حمولتها فى موانيه مثل (عكا) و (صور) و (صيدا) و (بيروت) و (اللاذقية) و (أنطاكية)، ثم تشحن بحرًا إلى (أوربا). وقامت التجارة فى أغلبها على جلب الحرير من (الصين)، والتوابل والبخور من (الهند)، وكانت هذه المواد مطلوبة على نطاق واسع فى (أوربا)، وكان العرب يقومون بدور فعال ونشط فى عملية التجارة هذه، واستفادوا منها فائدة كبيرة، بل إن بعضهم مثل عرب (الحجاز) وبصفة خاصة (قريش) كانت حياتهم الاقتصادية تقوم على التجارة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك فى سورة قريش، فقال: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}. وفى العصر الأموى لم يعد العرب وسيطًا تجاريا لنقل البضائع بين الشرق والغرب، وإنما أصبحوا سادة الموقف كله، بعد امتلاكهم الطرق التجارية البحرية والبرية، من (الصين) إلى (الأندلس)، فبالإضافة إلى ما سبق الحديث عنه بسط المسلمون سيادتهم على الطريق الذى يبدأ من شمالى الصين، ثم يجتاز هضاب وسط آسيا وسهولها - بلاد (ما وراء النهر) - ثم يتفرع إلى عدة طرق، تنتهى كلها إلى موانئ (البحر الأسود) و (البحر المتوسط)، ويمر معظمها فى الأراضى الإسلامية، ثم تنقل التجارة إلى (أوربا الشرقية) والجنوبية، أمَّا (أوربا الغربية) و (شمالى إفريقيا) و (الأندلس)، فكانت معظم تجارتها تأتى من الطريق الأول عبر الموانئ المصرية. وقد سيطر المسلمون على النشاط التجارى كله فى تلك الرقعة الواسعة من الأرض وأصبحت بلادهم تصدِّر البضائع والمنتجات إلى بلاد الشرق والغرب. فتصدر إلى (الصين) المنسوجات الصوفية والقطنية والكتانية، والبُسُط، والمصنوعات المعدنية، وخام الحديد،

وسبائك الذهب والفضة، كما كانت تستورد منها الحرير. ولم تقتصر الأرباح المالية التى كانت تجنيها الدولة الأموية على مجرد التبادل التجارى، بل كانت تحصل على أموال طائلة من التجارة العابرة على هيئة رسوم جمركية، كما خلقت هذه العملية التجارية الواسعة فرص عمل لعشرات الآلاف من الناس، وبخاصة فى مدن الموانئ على سواحل جزيرة العرب الجنوبية والشرقية، مثل (عدن) و (حضرموت)، و (صحار) و (هرمز)، و (البحرين)، و (القطيف)، و (سيراف)، و (البصرة)؛ فازدهرت هذه المدن ازدهارًا كبيرًا، كما ازدهرت الموانئ الأخرى المطلة على (البحر الأحمر)، كميناء (جدة) و (السويس)، أو المطلة على (البحر المتوسط) من (أنطاكية) شمالا حتى (غزة) جنوبًا، وكذلك موانيه الجنوبية فى (مصر) و (شمالى إفريقيا)، مثل (دمياط) و (الإسكندرية) و (طرابلس الغرب) و (تونس). وقد ساعد على ازدهار تلك الحركة التجارية العالمية اهتمام الدولة الأموية بإنشاء الطرق، وتعبيدها وتأمينها، فكانت القوافل تسير فى طرق آمنة، تنتشر على جوانبها الفنادق والاستراحات والأسواق. الحركة العمرانية فى العصر الأموى: شهد العصر الأموى نهضة عمرانية كبرى، استفاد فيها المسلمون من التراث، ومن الطرز المعمارية التى وجدوها فى البلاد المفتوحة سواء أكانت فارسية أم بيزنطية أم مصرية، وطبعوها بطابع عربى إسلامى، ووضعوا بذور فن معمارى متميز عن غيره من الفنون المعمارية الأخرى، وساعدهم على ذلك الثراء الواسع الذى كانت تتمتع به الدولة. إنشاء المدن الجديدة: أنشأ الأمويون عددًا من المدن فى المشرق والمغرب، ولا يزال معظمها قائمًا معروفًا حتى الآن، فأنشأ (عقبة بن نافع) فى عهد (معاوية بن أبى سفيان) (41 - 60هـ) مدينة (القيروان) فى (تونس)، وقد أصبحت عاصمة الشمال الإفريقى كله فى العصر الأموى، ومركزًا من أعظم المراكز الحضارية الإسلامية. وفى عهد (عبدالملك بن مروان) (65 - 86هـ) أنشأ أخوه (عبدالعزيز بن

مروان) والى (مصر) مدينة (حلوان) جنوبى (الفسطاط)، وأنشأ (حسان بن النعمان الغسانى) مدينة (تونس)، وأنشأ (الحجاج بن يوسف الثقفى) مدينة (واسط) فى (العراق) بين (البصرة) و (الكوفة)، ومدينة (قم) فى منطقة الجبال فى بلاد فارس، بين (ساوة) و (أصفهان). وأنشأ (سليمان بن عبدالملك) فى عهد أخيه (الوليد) (86 - 96هـ) مدينة (الرملة)، كما أنشأ الخليفة (هشام بن عبدالملك) (105 - 125هـ) مدينة (الرصافة) بالقرب من (الرقة) فى (العراق)، وأنشأ (الحكم بن عوانة الكلبى) مدينة (المحفوظة) فى (السند)، و (عمر بن محمد بن القاسم الثقفى) مدينة (المنصورة) فى (السند) أيضًا. القصور الأموية: كشفت الحفريات الأثرية منذ نهاية القرن الماضى ومطلع القرن الحالى عن العديد من القصور التى بناها الخلفاء الأمويون؛ وبخاصة فى صحراء الشام؛ لأنهم كانوا يحبون البادية ويحنون إليها، استمتاعًا بالهواء الطلق، وطلبًا للراحة والهدوء من عناء العمل السياسى والإدارى. ومن القصور التى اكتُشفت أخيرًا (قصر عمرة) الذى اكتشفه (موزيل) سنة (1898م) ويقع على نحو خمسين ميلا شرقى (عمَّان) عاصمة (الأردن) حاليا، ويرجح الباحثون أن هذا القصر بنى للخليفة (الوليد بن عبدالملك)، وهو يتكون من قسمين رئيسيين، هما: قاعة الاستقبال، والحمام الساخن. أما قاعة الاستقبال فهى بناء مستطيل تغطيه ثلاثة أقبية نصف أسطوانية، يفصلها عن بعضها عقدان عرضيان، وهذا الطراز المعمارى طراز فارسى أخذه المسلمون من (إيران)، وتوجد فى نهاية القبو الأوسط لقاعة الاستقبال حنية العرش، وهى مغطاة بقبو نصف أسطوانى، أقل ارتفاعًا من سقف أقبية قاعة الاستقبال، وتحلَّى حنية العرش بصورة الخليفة وهو جالس على عرشه، ويكتنف الحنية من جهتيها غرفتان لتغيير الملابس. ويقع القسم الثانى وهو الحمام الساخن إلى يسار قاعة الاستقبال، ويتكون من ثلاث غرف رئيسية؛ الغرفة الباردة ويدخل إليها من قاعة

الاستقبال، ويغطيها قبو نصف أسطوانى محوره عمودى على محور قاعة الاستقبال، ويليها الغرفة الدافئة، وهى مغطاة بقبو متقاطع، يليها الغرفة الساخنة، وهى مغطاة بقبة نصف كروية محمولة على أربعة مثلثات كروية. وهذا القصر مبنى من الحجر الجيرى الأحمر، وتغطى الأقبية طبقة سميكة من الملاط، كما تغطى الأرضية ببلاطات من الرخام، تجرى بأسفلها مواسير البخار الساخن، وهى تشبه حمامات (روما). ومن اللافت للنظر الصور التى وُجدَت على جدران ذلك القصر، ومن أهمها: صورة الخليفة وهو جالس على عرشه، ويحف به شخصان، وفوقه مظلة محمولة على عمودين حلزونيين، وتوجد على عقد المظلة كتابة كوفية تطرق إليها التلف، وصورة أخرى لستة أشخاص، اشتهرت بأنها تمثل صور أعداء الإسلام. والصور الست فى صفين، كل ثلاث فى صف، ويلبسون ملابس فاخرة، وفوق رءوس أربعة منهم وجدت كتابة بالعربية واليونانية، لا تزال باقية، وهم من اليسار إلى اليمين (قيصر الروم) فى الصف الأول، ويليه (روذريق) ملك (القوط) الأندلسى فى الصف الخلفى، والثالث فى الصف الأول هو (كسرى فارس)، والرابع فى الصف الخلفى فوقه كلمة (النجاشى). وقد استنتج الباحثون من هذه الصورة، ومن ترتيب وضع الملوك فيها أن الذين فى الصف الأول هما (كسرى) و (قيصر) من ملوك الإمبراطوريات الكبيرة، أمَّا اللذان فى الصف الخلفى فهما من ملوك الدول الصغيرة، كما استنتجوا أن الصورة الخامسة لملك (الصين)، والسادسة لأحد ملوك الترك، وهؤلاء هم الذين فتح المسلمون بلادهم فى العصر الأموى، أو فرضوا عليها سيادتهم. ومن القصور التى اكتُشفَت أيضًا القصر المسمَّى بقصر خربة، الذى يُنسَب إلى الخليفة (هشام بن عبدالملك)، ويقع على بعد ثلاثة أميال شمالى مدينة (أريحا) فى (فلسطين) وكان قصرًا شتويا، زُيِّنت جدرانه بصور ورسوم آدمية وحيوانية، كما وُجد اسم الخليفة (هشام بن عبدالملك) مسجلا على أحد الجدران، وصورة فتاة تحمل باقة من

الورد، ولوحة تمثل فتيات يرقصن وقد صبغن شفاههن وأظافر أيديهن وأرجلهن بصبغة ذات لون قرمزى، بالإضافة إلى رسوم نباتية تحمل شجرة يحيط بها من اليمين صورة أسد ينقض على غزال، ومن اليسار غزالان بين أزهار، وكلها ملونة بألوان زاهية. ومن القصور التى اكتُشفَت سنة (1840م) (قصر المشتى)، ويُنسَب إلى الخليفة (الوليد بن يزيد بن عبدالملك) (125 - 126هـ)، وهو قصر صحراوى غير تام البناء، وقد تهدِّم معظمه، ونقلت أهم زخارفه التى كانت محفورة فى الحجر الجيرى فى الواجهة الجنوبية، إلى (برلين)، مهداة من السلطان العثمانى (عبدالحميد) إلى الإمبراطور الألمانى (غليوم الثانى)، وقد وُضعَت فى (متحف برلين) منذ سنة (1903م). والقصر عبارة عن بناء مستطيل مساحته نحو (144) مترًا مربعًا، وحائطه الخارجى تكتنفه أبراج نصف دائرية، ويقع المدخل فى وسط واجهته الجنوبية، والقصر مقسم من الداخل إلى ثلاثة أقسام رئيسية، تتجه من الشمال إلى الجنوب، والمبانى الداخلية مبنية من الطوب، والمدخل يكتنفه برجان على شكل نصف منحنيين، ويتكون شكل الواجهة الجنوبية من عدة مثلثات معتدلة ومقلوبة؛ بحيث تظهر فى مجموعها على شكل خط منكسِر، وفى وسط كل مثلث وردة، وبأسفلها فى المثلثات المعتدلة موضوعات زخرفية متنوعة، بعضها يمثل حيوانين متقابلين يفصلهما إناء، وبالأرضية زخارف نباتية جميلة محفورة على الحجر، ويلى المدخل ردهة توصل إلى فناء مربع التخطيط، مساحته (14) مترًا مربعًا، ويكتنف ردهة المدخل من جهتيها حجرات مكونة من طابقين، كما توجد غرفة مستطيلة إلى يمين المدخل، فى حائطها الجنوبى محراب، استنتج الباحثون أنها كانت مسجد القصر أو مصلاه. ويلى الفناء الأول فناء كبير مساحته (57) مترًا مربعًا، يليه الجناح الملكى، ويتكون من قاعة تؤدى بدورها إلى قاعة العرش، وهى مكونة من ثلاث حنيات نصف دائرية، ويكتنفها من جهتيها بيوت

مكونة من زوجين من الغرف، وتوجد حول قاعة العرش أربع مجموعات من هذه البيوت. وهذه القصور المكتشفة تدل على تقدم فن العمارة فى عهد الدولة الأموية، وتأثره بالطرز المعمارية الفارسية والبيزنطية، وعلى الثراء الذى كانت عليه الدولة، مما مكَّن خلفاءها من بناء تلك القصور الباذخة، ومعظمها لم يكن للسكنى الدائمة، وإنما كانت مشاتى ومصايف للإقامة الموسمية المؤقتة. المساجد: ازدهرت حركة بناء المساجد فى عهد الأمويين ازدهارًا كبيرًا، فوسعوا المساجد التى كانت موجودة من قبل، كالمسجد الحرام فى (مكة المكرمة)، و (المسجد النبوى) فى (المدينة المنورة)، و (جامع عمرو بن العاص) فى (الفسطاط)، و (المسجد الكبير) فى (صنعاء) باليمن، كما أقاموا العديد من المساجد الجديدة، ومن أشهرها: (مسجد قبة الصخرة) الذى أنشأه (عبد الملك بن مروان) فى (القدس)، و (المسجد الأقصى) الذى أنشأه ابنه (الوليد)، و (المسجد الأموى) الكبير فى (دمشق) الذى أنشأه (الوليد) أيضًا. - المسجد الحرام: كانت (الكعبة المشرفة) فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين على البناء نفسه الذى أقامته (قريش) بعد السيل؛ الذى دمر (الكعبة) قبل بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم -، واستمرت على ذلك إلى أن هُدمت أثناء خلافة (عبد الله بن الزبير) (64 - 73هـ)، فقام ببنائها من جديد على قواعد (إبراهيم)، عليه السلام، وأدخل فيها حجر (إسماعيل)، واستشهد على ذلك بحديث النبى - صلى الله عليه وسلم - الذى خاطب فيه (عائشة) بقوله: (لولا أن قومك حديثو عهد بشرك أو بجاهلية لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين بابًا شرقيا وبابًا غربيا وزدت فيها من الحجر ستة أذرع .. ). [مسند الإمام أحمد]. وبعد مقتل (ابن الزبير) وانتهاء دولته سنة (73هـ) هدم الأمويون (الكعبة) وأعادوا بناءها إلى ما كانت عليه قبل زيادة (ابن الزبير). وكانت مساحة (المسجد الحرام) نفسه فضاء ولم يكن له جدران فى

عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - و (أبى بكر الصديق)، فلما كثر الناس فى عهد (عمر بن الخطاب) اشترى الدور المجاورة للبيت الحرام، وهدمها وأضافها إلى مساحته، وأقام له جدرانًا دون قامة الرجل، وكذلك فعل (عثمان بن عفان) و (عبد الله بن الزبير). واستمر هذا الوضع حتى كان عهد (الوليد بن عبد الملك) (86 - 96هـ)، فزاد فى مساحته، وبنى سوره على عمد من الرخام، ووضع صفائح من الذهب على باب (الكعبة). - المسجد النبوى فى المدينة المنورة: ظل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حالته التى بُنى عليها حتى عهد (عمر بن الخطاب)، الذى زاد فى مساحته، وأطال جدرانه، ثم أضاف (عثمان بن عفان) إليه مساحات جديدة لكثرة المصلين، وضيقه بهم، وبناه من الحجارة، وجعل له عمدًا من الحجارة، وسقفًا من الساج. وظل المسجد كذلك إلى عهد (الوليد بن عبد الملك)، فأمر ابن عمه (عمر بن عبد العزيز) واليه على (المدينة) (87 - 93هـ) بهدمه وإعادة بنائه وتوسعته، فأدخل فيه حجرات النبى - صلى الله عليه وسلم -. وعنى (الوليد) بإعادة بناء المسجد عناية عظيمة، فأرسل إلى (عمر بن عبد العزيز) أموالا كثيرة لهذا الغرض، وثمانين عاملا من عمال البناء من الشام وقبط (مصر)، وكميات كبيرة من الرخام والفسيفساء، وقد عهد (عمر) بالإشراف على البناء إلى واحد من كبار التابعين هو (صالح بن كيسان). وقد بنى أساس المسجد من الحجارة، وجعلت عمده من الحجارة المحشوة بالحديد والرصاص، وأقيمت له المآذن، وفتحت له عدة أبواب، منها (باب جبريل)، عليه السلام، و (باب النساء). واستمر العمل فى البناء نحو ثلاث سنوات، وفى سنة (90هـ) زار الخليفة (الوليد) (المدينة) ليطمئن على سير العمل فى المسجد بنفسه، وقد أعجب بالبناء، وبما عليه من روعة تليق بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقسَّم أموالا كثيرة على أهل المدينة احتفاءً بهذه المناسبة، وخطب فيهم الجمعة من فوق منبر النبى - صلى الله عليه وسلم -.

- مسجد قبة الصخرة: أمر (عبدالملك بن مروان) سنة (72هـ) ببناء مسجد فوق الصخرة التى عرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من فوقها ليلة الإسراء والمعراج. - المسجد الأقصى: وقد بناه (الوليد بن عبدالملك) بالقرب من ساحة (مسجد قبة الصخرة)، وزينه بالفسيفساء والرخام، واحتفل ببنائه كاحتفاله بالمسجد الحرام بمكة المكرمة ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى (المدينة المنورة). - المسجد الأموى فى دمشق: يعد (المسجد الأموى) من أعظم المساجد التى أنشئت فى العصر الأموى، بناه (الوليد بن عبدالملك)، وبذل فيه جهدًا كبيرًا، ولم يبخل عليه بالأموال، فجاء شامخًا عظيمًا. وأصل مكان المسجد كان معبدًا وثنيا فى عهد الرومان، ثم تحول إلى كنيسة فى العهد المسيحى، ثم فُتحت (دمشق) فى عهد (عمر بن الخطاب) صلحًا، واقتسم المسلمون بناءً على ذلك الصلح كل شىء فى المدينة مع أهلها، فقسمت الكنيسة، وجعل المسلمون نصفها مسجدًا، وبقى النصف الآخر كنيسة تقام فيها شعائر أهلها، وكان هذا آية من آيات السماحة؛ حيث لم يجد المسلمون غضاضة أن يتجاور المسجد والكنيسة، فضلا عن كونهما فى بناء واحد. وظل الأمر كذلك حتى عهد (الوليد)، الذى تفاوض مع المسيحيين، وعوَّضهم عن نصيبهم مساحة كبيرة من الأرض يقيمون عليها كنيسة كبيرة مستقلة، وهدم البناء القديم كله وأقام عليه المسجد، الذى جاء مستطيل الشكل، له ثلاثة مداخل، وأربع مآذن، وجعل فى وسطه صحنًا مكشوفًا، تحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة، وغطيت أرضيته بالرخام، وكذلك جدرانه إلى ارتفاع قامة الإنسان، وفوق الرخام زخارف من الفسيفساء المذهبة، وجعل سقفه من الرصاص، وبه ستمائة سلسلة من الذهب تتدلى منها قناديل للإنارة. وقد عنى الخليفة ببناء المسجد عناية واضحة، فأشرف على بنائه بنفسه، وأنفق عليه أموالا طائلة، بلغت خمسة ملايين دينار، تعرَّض بسببها للانتقاد، فأجاب بأنه يريد أن يكون المسجد الذى هو أعظم

رمز للإسلام لائقًا بدولته الكبيرة، واستمر العمل فى المسجد تسع سنوات (87 - 96هـ)، عمل فيه نحو عشرة آلاف عامل، حتى جاء المسجد آية من آيات فن العمارة الإسلامى، حتى ليذكر (ياقوت الحموى) أن الناس كانوا يعدونه من عجائب الدنيا. وعندما آلت الخلافة إلى (عمر بن عبدالعزيز) رأى أن الخليفة (الوليد) بالغ فى الإنفاق على بناء المسجد، وهمَّ بنزع سلاسل الذهب وبيعها، ووضع ثمنها فى بيت المال، ولما علم أهل (دمشق) بعزمه اشتد عليهم الأمر وكرهوه، وهم الذين كانوا قد انتقدوا (الوليد) من قبل، ولكن قبل أن ينفذ (عمر) ما عزم عليه جاء إلى (دمشق) وفد رسمى من قبل إمبراطور الروم، لبحث العلاقة بين الدولتين، فزار ذلك الوفد (المسجد الأموى)، وكان معهم قسيس، فلما دخلوا المسجد أغمى عليه، فحملوه إلى دار الضيافة، فسأله رفاقه بعد أن أفاق عما حدث له، فقال: كنا نتحدث أن بقاء العرب ودولتهم لن يطول، فلما رأيت ذلك البناء الشامخ حصل لى هم وغم، وأدركت أن بقاءهم سيطول، فحدث لى ما رأيتم، وكان يسمع ذلك الحوار أحد المسلمين العارفين باليونانية التى كانوا يتحاورون بها، فنقل ذلك إلى (عمر بن عبدالعزيز)، فقال: إذا كان المسجد قد أغاظهم إلى هذا الحد، فلن أنزع منه شيئًا، بل زاده جمالا وروعة وبهاءً، فأمر بترصيع محرابه بالجواهر الثمينة، وعلق له قناديل من ذهب وفضة. - العناية بالطرق: اهتمت الدولة الأموية اهتمامًا كبيرًا بإنشاء الطرق، لربط أجزائها التى امتدت من (الصين) إلى (الأندلس)، وهى مسافة تبلغ (12) ألف كيلو متر من الشرق إلى الغرب، ولتيسير الاتصال ببعضها، ولتحقيق كثير من الأغراض، منها ما هو عسكرى لتيسير حركة الجيوش، ومنها ما هو اقتصادى لتيسير حركة التجارة، ومنها ما هو إدارى لتسهيل وصول الأخبار عن طريق رجال البريد، ومنها ما هو دينى لتسهيل وصول حجَّاج بيت الله الحرام من كل أنحاء الدولة إلى (مكة المكرمة)،

لأداء فريضة الحج، وإلى (المدينة المنورة)؛ لزيارة مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد قسم الأمويون الطرق التى تربط العاصمة (دمشق) بعواصم الولايات - كالفسطاط و (القيروان) و (قرطبة) و (الكوفة) و (البصرة) و (خراسان)، و (ما وراء النهر) - إلى مسافات صغيرة محددة، وجعلوا لها علامات تحمل أرقامًا؛ ليعرف المسافرون المسافات بين المدن والأقاليم، وهى مثل العلامات الإرشادية المستخدمة الآن فى الطرق الإقليمية والدولية. وعمرت الطرق بالخانات والاستراحات، ليستريح الناس من وعثاء السفر، فوق ما كانت تتمتع به من أمن وأمان. وكان الناس يسافرون عبر هذه الطرق، ويتنقلون بين مدن الشرق والغرب دون تصريح مرور أو جواز سفر، فالدولة كلها على امتداد حدودها وطنهم، فى أى مكان منه يستطيع الإنسان أن يسكن ويتزوج ويتاجر، دون مضايقة أو طلب إقامة. الحركة العلمية: كانت الحركة العلمية بمختلف اتجاهاتها فى العصر الأموى امتدادًا للحركة العلمية التى بدأت منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ونمت فى عهد الخلفاء الراشدين، وأخذت العلوم تتمايز عن بعضها، ويصبح لكل منها مدارسه ورجاله، بعد أن كانت العلوم ممتزجة بعضها فى بعض، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم المسلمين أمور دينهم ودنياهم، ويفسّر لهم ما أبهم عليهم من القرآن الكريم، وبعد وفاته أصبح أصحابه المعلمين للتابعين. ولم يكن الصحابة - رضوان الله عليهم - على درجة واحدة من العلم والفقه، بل كانوا متفاوتين فى ذلك، ولعل أفضل ما صوَّر تباين الصحابة فى درجات العلم قول (مسروق) - وهو أحد التابعين -: (جالست أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فوجدتهم كالإخاذ - غدير الماء - فالإخاذ يروى الرجل، والإخاذ يروى الرجلين، والإخاذ يروى العشرة، والإخاذ يروى المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض صدرهم) أى: رواهم جميعًا. وقد اشتهر عدد من كبار الصحابة بالعلم دون غيرهم كالخلفاء

الراشدين، وأم المؤمنين (عائشة)، و (ابن عباس)، و (ابن مسعود)، و (زيد بن ثابت الأنصارى)، و (أبى الدرداء)، و (أبى هريرة)، و (معاذ بن جبل) رضوان الله عليهم جميعًا، غير أن هؤلاء الصحابة بقى بعضهم فى (المدينة المنورة) و (مكة المكرمة)، وتفرق بعضهم الآخر فى الأمصار المفتوحة، ولم يكن الواحد منهم يعلِّم علمًا واحدًا، وإنما يتكلَّم فى علوم كثيرة، وربما تحدث فى جلسة واحدة فى الفقه والحديث والتفسير والمغازى، والأدب شعره ونثره. وكانت المراكز الرئيسية للحركة العلمية عندئذٍ هى المساجد، ثم نشأت المكاتب لتحفيظ الصبيان القرآن الكريم، وتعليمهم مبادئ العلوم الإسلامية، ثم بدأت العلوم يمتاز بعضها عن بعض، وعرف رجال بالتفسير وآخرون بالحديث، واختص غيرهم بالفقه، ولا يعنى هذا أن المفسر أو الفقيه لا يعرف غير ما تخصص فيه من العلم واشتهر به، وإنما يوضع الرجل بين رجال العلم الذى برَّز فيه وأصبح حجة وإمامًا، فالإمام (مالك بن أنس) اشتهر بالفقه وصار صاحب مذهب فقهى معروف، لكنه من رجال الحديث الكبار، ويعرف التفسير؛ فلو لم يكن كذلك ما استطاع أن يضع القواعد الفقهية ويستنبط الأحكام من أدلتها التفصيلية، لأن الفقه يقوم على الاستنباط من القرآن والسنة. ثم خطت الحركة العلمية خطوة كبيرة فى ذلك الوقت، ببدء حركة تدوين العلوم، ولم يكن المسلمون يفعلون ذلك من قبل، وإنما اعتمد الصحابة على الذاكرة فى الحفظ. والذين أُثِر عنهم أنهم دونوا بعض أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة، عدد قليل، كأبى هريرة و (عبدالله بن عمرو بن العاص)، الذى سمح له النبى - صلى الله عليه وسلم - بتدوين أحاديثه؛ فدوَّنها فى صحيفة كان يقول عنها: الصادقة، ويفخر أن ليس بين الرسول وبينه فيها أحد. ومنذ منتصف القرن الأول للهجرة تقريبًا بدأت حركة التدوين بداية متواضعة، فيُروَى أن (معاوية بن أبى سفيان) أمر بتدوين ما يرويه

له فى مجلسه (عبيد بن شرية) من تواريخ ملوك (اليمن) القدامى وغيرهم، وكان (معاوية) مولعًا بمعرفة تواريخ الأمم السابقة، وأن (عبد العزيز بن مروان) والى (مصر) (65 - 85هـ) أرسل إلى (كثير بن مرة الحضرمى) أن يكتب له ما سمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أحاديث (أبى هريرة) فإنها موجودة عنده. ثم جاءت الخطوة الحاسمة فى التدوين، حين أمر (عمر بن عبد العزيز) أثناء خلافته (99 - 101هـ) (أبا بكر بن حزم) والى (المدينة) أن يدوِّن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفًا من ضياع العلم وذهاب العلماء، ثم تتابعت حركة التدوين، فدوَّن (ابن شهاب الزهرى) و (يزيد بن أبى حبيب المصرى) وغيرهما، وانتقل التدوين إلى العلوم الأخرى، فدون الفقه والتفسير وغيرهما. وشجع الخلفاء الأمويون الحركة العلمية بصفة عامة، وحركة التدوين بصفة خاصة، وبدأ فى عصرهم ظهور طبقة المعلمين، لأن الخلفاء أنفسهم كانوا مهتمين بتعليم أولادهم، وبخاصة العلوم الإسلامية، فاختاروا لهذه المهمة أصلح المعلمين الذين كانوا يسمون أيضًا بالمؤدبين، ولم تكن مهمتهم تعليمية فحسب، بل كانت تربوية أيضًا. ومن أشهر هؤلاء المعلمين: (دغفل بن حنظلة الشيبانى)، واختاره (معاوية بن أبى سفيان) لتعليم ابنه (يزيد) وتهذيبه، و (الضحاك بن مزاحم) و (عامر بن شراحبيل الشعبى) و (ابن أبى المهاجر)، وهؤلاء الثلاثة من كبار التابعين، واختارهم (عبد الملك بن مروان) لتعليم أولاده وتأديبهم. وقد حذا أشراف الناس والأغنياء حذو الخلفاء فى تعليم أولادهم على أيدى مربين ومؤدبين، مما أعطى دفعة للحركة العلمية فى ذلك العصر. وعلى الرغم من ضياع المدونات والمؤلفات التى كتبت فى العصر الأموى، فإن معظم محتوياتها وصلت إلينا فى المؤلفات الكثيرة التى ألفت فى العصر العباسى، فمرويات (الطبرى) عن غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسيرته أخذها ممن رواها عن كتَّاب المغازى

والسيرة الأوائل الذين ضاعت مؤلفاتهم، كأبان بن عثمان بن عفان، و (عروة بن الزبير) وغيرهما. علم التفسير: هو العلم الذى يبحث فى بيان معانى آيات القرآن وأسلوبه وبيانه، إلى غير ذلك مما حفلت به كتب التفسير من مصطلحات هذا العلم؛ كالمجمل والمفصّل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول. ومع كون الصحابة - رضوان الله عليهم - أقدر الناس على فهم القرآن الكريم، فإنهم اختلفوا فى فهمه على حسب اختلاف قدراتهم العقلية، واشتهر منهم بالتفسير وفهم القرآن الكريم: الخلفاء الراشدون، و (ابن مسعود)، و (ابن عباس)، و (أبىُّ بن كعب)، و (زيد بن ثابت). وعن هؤلاء وغيرهم تلقى التابعون، وعلى رأسهم: (مجاهد بن جبر)، و (عطاء بن أبى رباح)، و (عكرمة مولى ابن عباس)، و (سعيد بن جبير)، و (سعيد بن المسيب)، و (الحسن البصرى)، و (محمد بن سيرين)، وبعض هؤلاء ألفوا كتبًا فى التفسير، لكنها ضاعت ولم تصل إلينا، كما ضاعت كتب التفسير التى ألِّفت بعد عصر التابعين، ومنها ما نُسب إلى (سفيان بن عيينة) و (وكيع بن الجراح)، و (عبد الرزاق) وكثير غيرهم. والخلاصة أنه لم يصل إلينا كتاب فى التفسير يرجع إلى العصر الأموى، وأول كتاب فى التفسير وصل إلى أيدى الناس هو كتاب (معانى القرآن) للفرَّاء المتوفى سنة (207هـ)، ثم توالت بعده مطولات كتب التفسير، ولعل من أشهرها تفسير الإمام (الطبرى) المتوفى سنة (310هـ)، المعروف باسم (جامع البيان عن تأويل آى القرآن). علم الحديث: الحديث فى اللغة: مطلق الكلام، وفى الاصطلاح: هو كلام النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى هو المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم. وقد حرص الصحابة على حفظ كل ما يسمعونه من النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يسألونه ليبين لهم ما غمض عليهم فهمه من القرآن، وهذا من وظائفه لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}. [النحل: من 44].

وقد أمرهم الله تعالى باتِّباع النبى فى كل ما يقول أو يفعل، لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. [الحشر: من 7]. وحذَّرهم من مخالفته - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. [النور: من 63]. وسار المسلمون على نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتلقفوا كل ما يتلفظ به، يحفظونه عن ظهر قلب ويعملون به، وكان الحديث هو أول العلوم التى اشتغلوا بها، لكنهم لم يدونوه فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ويروى أنه هو نفسه نهاهم عن ذلك، لئلا يختلط بالقرآن، فقال: (لا تكتبوا عنّى، فمن كتب عنى غير القرآن فليمحهـ) [صحيح مسلم]، بالإضافة إلى أن الصحابة أنفسهم كانوا يتحرجون من الإكثار من رواية الحديث، تهيبًا وخوفًا من الخطأ والنسيان. - تدوين الحديث: ظلت أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناقلها العلماء مشافهة جيلا بعد جيل، حتى نهاية القرن الأول الهجرى، وإن دوَّن بعض الناس أحاديث رسول الله كعبدالله بن عمرو الذى أذن له النبى بكتابة الحديث فى حياته، وما رواه البخارى من أن (أبا شاه اليمنى)، التمس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب شيئًا من خطبته عام الفتح، فقال: (اكتبوا لأبى شاهـ)، ثم أمر الخليفة (عمر بن عبدالعزيز) بتدوين الحديث خوفًا من ضياعه بموت العلماء الذين يحفظونه، فكتب إلى (أبى بكر بن حزم) والى (المدينة) وغيره من ولاة الأقاليم، وطلب منهم جمع أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - وتدوينها، ومن ثم بدأ المسلمون يقبلون على ذلك، وبمضى الزمن تضاعفت جهود العلماء فى هذا الميدان، ومن أشهر الرجال الذين اشتغلوا بجمع الحديث وروايته وتدوينه فى العصر الأموى: (محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى) المتوفى سنة (124هـ)، و (ابن جريج المكى) المتوفى سنة (150هـ)، و (ابن إسحاق) المتوفى سنة (151هـ)،

و (معمر بن راشد اليمنى) المتوفى سنة (153هـ)، و (سفيان الثورى) المتوفى سنة (161هـ)، و (مالك بن أنس) المتوفى سنة (179هـ)، غير أن هؤلاء كلهم عدا (ابن شهاب الزهرى) عاشوا صدر حياتهم فى العصر الأموى وآخرها فى العصر العباسى. لكن الخطوات الحاسمة فى تدوين الحديث، ووضع المنهج العلمى الدقيق لتوثيقه، وقبول روايته، وتصنيفه إلى صحيح وحسن وضعيف، ووضع علومه، وقواعد الجرح والتعديل - أى نقد رجال السند - كل ذلك جاء فى القرن (3 هـ = 9 م)، بظهور أئمة الحديث كالبخارى و (مسلم)، و (الترمذى)، و (النسائى)، و (أبى داود) وغيرهم، وذلك فى العصر العباسى. علم الفقه: وهو من أجل العلوم الإسلامية، فهو يعرِّف المسلم كيف يعبد ربه، بما افترضه عليه من صيام وصلاة وزكاة وحج، وينظم معاملات المسلمين ويقننها فى البيع والشراء والتجارة والزراعة وسائر شئون حياتهم. ويعد الفقهاء من أكثر علماء الإسلام أثرًا فى حياة المسلمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين). [مسند الإمام أحمد]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة ويفقههم فى أمور دينهم، ثم تولَّى بعده الصحابة تلك المهمة، وبخاصة بعد أن اتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، ثم اتسع نطاق علم الفقه نتيجة لزيادة المشكلات والقضايا التى تحتاج إلى فتاوى وحلول، وأصبح له علماء متخصصون، لهم قدرة على استنباط الأحكام الفقهية من الكتاب والسنة، وعلى الاجتهاد لإيجاد أحكام للقضايا التى لم يرد لها نص فى كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأن النصوص متناهية، فى حين أن المشكلات والقضايا غير متناهية ومتجددة، ولابد لها من حلول، فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ومعنى الصلاحية أن يكون لها حل للمشكلات وإجابة عن كل الأسئلة، ومن ثم اجتهد الفقهاء فى هذا الميدان، واختلفت اجتهاداتهم طبقًا لفهمهم الكتاب والسنة؛ ونتيجة

لذلك ظهرت المذاهب الفقهية المعروفة، وتراكم تراث فقهى هائل، أخذ يتزايد بمرور الزمان. وفى العصر الأموى ظهر إمامان جليلان من أئمة الفقه الكبار، هما (أبو حنيفة النعمان) و (مالك بن أنس). أمَّا أولهما فقد وُلد فى (الكوفة) سنة (80هـ) فى خلافة (عبدالملك بن مروان)، وتوفى سنة (150هـ) فى خلافة (أبى جعفر المنصور العباسى)، أى أنه عاش أغلب حياته فى العصر الأموى. وهو من أصل فارسى، تلقى الفقه على كثير من كبار العلماء، منهم (أبو جعفر الصادق)، و (إبراهيم النخعى)، و (عامر بن شراحبيل الشعبى)، و (الأعمش)، و (قتادة)، وغيرهم، واشتهر باجتهاده، وقوة حجته، وحسن منطقه، ودقته فى استنباط الأحكام، وهو صاحب المذهب الحنفى المعروف، الذى ألَّف فيه ونشره بين الناس تلاميذه العظام، ومن أبرزهم (أبو يوسف) المتوفى سنة (182هـ) قاضى القضاة فى عهد الخليفة (هارون الرشيد)، و (محمد بن الحسن الشيبانى) المتوفى سنة (189هـ). و (زفر بن هذيل) المتوفى سنة (158هـ)، وقد انتشر المذهب الحنفى فى (مصر) و (العراق) وأواسط آسيا وغيرها. وأماَّ الآخر فقد وُلد فى (المدينة المنورة) سنة (93هـ) فى عهد (الوليد بن عبدالملك)، وتوفى سنة (179هـ) فى عهد (هارون الرشيد)، أى أنه عاش نحو نصف عمره فى العصر الأموى، وأكثر من نصفه الآخر فى العصر العباسى. نشأ (مالك بن أنس) وتفقَّه وروى الحديث فى (المدينة) وترك كتابًا عظيمًا هو (الموطأ)، الذى يجمع بين الفقه والحديث، والإمام (مالك) صاحب المذهب المالكى المعروف الذى انتشر فى (مصر) و (المغرب العربى). وقد عاصر هذين الإمامين الجليلين عدد آخر لا يقل عنهما علمًا وفقهًا، مثل: (الأوزاعى) إمام أهل الشام المتوفى سنة (157هـ)، و (الليث بن سعد) إمام أهل (مصر)، المتوفى سنة (175هـ)، غير أن مذهب هذين الإمامين الجليلين اندثر بعدهما؛ لأنهما لم يجدا تلاميذ يواصلون نشر مذهبيهما. علوم اللغة العربية:

ظهرت بعض علوم اللغة كالنحو والصرف والعروض فى العصر الأموى، وكان الناس قبل ظهور الإسلام وبعده بفترة حتى عهد (على بن أبى طالب) يتحدثون بلغة عربية، سليمة الأداء، فصيحة النطق، بالفطرة والسليقة اللغوية، دون أن يعرفوا نحوًا أو صرفًا، غير أن الأمر اختلف بعد دخول كثير من أبناء البلاد المفتوحة فى الإسلام؛ حيث بدأ ظهور الخطأ واللحن فى اللغة، ومن ثم ظهرت الحاجة إلى علم لضبط النطق السليم للكلمات العربية. نشأة علم النحو: يُعد أمير المؤمنين (على بن أبى طالب) أول من أشار بوضع قواعد علم النحو، حيث كلَّف أحد ولاته وكتَّابه وهو (أبو الأسود الدؤلى) المتوفى سنة (69هـ) بوضع قواعد علم النحو، ويروى (أبو الأسود) نفسه أنه دخل على أمير المؤمنين (على بن أبى طالب) فوجد فى يده رقعة، فسأله عنها، فقال: إنى تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد، فأردت أن أضع شيئًا يرجعون إليه، وألقى الرقعة إلى (أبى الأسود)، فوجد مكتوبًا فيها: الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبئ به -حيث يدل على الحدث وزمانه - والحرف ما أفاد معنى، ثم قال (على) لأبى الأسود: انحُ هذا النحو وأضف إليه ما وقع لك، فقال (أبو الأسود): فوضعت باب العطف والنعت، ثم بابى التعجب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى باب: إن وأخواتها ماخلا لكنَّ، فلما عرضتها على (علىِّ) أمرنى بضم لكنَّ إليها، وكنت كلما وضعت بابًا من أبواب النحو عرضته عليه، إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، فقال (على): ما أحسن هذا النحو الذى نحوت، ومن هنا ظهر علم النحو. ولما كان (أبو الأسود) من أهل البصرة، فقد ورثوا عنه حبه للنحو، والاهتمام به، وكانوا أول من اشتغل به، فطوروه، وجددوه وأضافوا إليه ما زاده بيانًا ووضوحًا، ودوَّنوا فيه المؤلفات المبكرة، ومن هؤلاء: (يحيى بن يعمر)، و (عنبسة بن معدان)، و (عيسى بن عمر الثقفى) المتوفى سنة (149هـ)، أحد علماء مدرسة (البصرة) فى النحو.

وعلى يد (عيسى بن عمر) تتلمذ أشهر علماء النحو واللغة فى ذلك العصر وهو (الخليل بن أحمد) المولود سنة (96هـ)، والمتوفى سنة (170هـ)، وهو صاحب معجم (العين) الذى هو أول معجم فى العربية، وواضع علم العروض، الخاص بأوزان الشعر العربى ومعرفة بحوره. ثم تتلمذ على يد (الخليل بن أحمد الفراهيدى) عدد من النحاة، يأتى فى مقدمتهم (سيبويه) (عمرو بن عثمان) إمام النحاة، وصاحب (الكتاب) أشهر مؤلِّف فى النحو العربى. وتُوفِّى (سيبويه) وهو فى الثانية والثلاثين من عمره سنة (180هـ). علم السير والمغازى والتاريخ: وهو يعد من أوائل العلوم التى اهتم بها المسلمون الأوائل، وبخاصة أبناء الصحابة؛ حيث حرص آباؤهم على تعليمهم مغازى الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما كانوا يعلمونهم القرآن الكريم، بالإضافة إلى شغفهم بمعرفة ما قام به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والذين معه من أجل الدعوة، ومن ثم اتجهوا إلى دراسة السير والمغازى، وأخذها من مصادرها الوثيقة، من آبائهم وأهليهم الذين شهدوا الأحداث، وشاركوا فى الغزوات، وكانوا يسألونهم مثلا: كيف كانت غزوة (بدر)؟ ومن هم الذين شهدوها؟ ومتى كانت الهجرة إلى (الحبشة)؟ وكان الصحابة يجيبون عن أسئلتهم إجابة شاهد العيان، الذى رأى وسمع. وكان من الطبيعى أن ينشأ هذا العلم فى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهى البيئة التى شهدت معظم تلك الأحداث، ومنها بدأت أولى خطوات التدوين والتأليف فى السيرة والمغازى، ومن أوائل علماء السيرة والمغازى: أبان بن عثمان: أبوه الخليفة (عثمان بن عفان)، وُلد سنة (20 هـ) بالمدينة، وكان من فقهاء (المدينة) المعدودين، ومن كبار رواة الحديث، تتلمذ لأبيه وغيره من كبار الصحابة، وتعلم على يديه كثير من علماء الحديث والسيرة، فى مقدمتهم: (محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى). وعلى الرغم من اشتغاله بالحديث والفقه، فإن شهرته فى العلم

بالمغازى والسير جعلته من علمائها البارزين، وتوفى فى نهاية القرن الأول الهجرى. عروة بن الزبير بن العوام: وُلد فى (المدينة) سنة (26هـ)، وتتلمذ على يد خالته أم المؤمنين السيدة (عائشة)، وروى عنها حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - ومغازيه، واشتهر (عروة) بأنه من فقهاء (المدينة)، مثل (أبان بن عثمان)، غير أن شهرته بالمغازى والسير كانت أكبر، وكانت له مؤلفات كثيرة، ذكر (ابن سعد) فى كتابه (الطبقات) أنه أحرقها فى يوم (الحرة)، وهى الواقعة الحربية المشهورة سنة (63هـ) فى (المدينة)، وقد حزن كثيرًا على فقدها، وتوفى (عروة) سنة (94هـ). شرحبيل بن سعد: وهو ثالث ثلاثة من كتاب الطبقة الأولى من أهل (المدينة) فى علم السيرة، نشأ فى (المدينة)، وأخذ العلم عن الصحابة، حتى صار علمًا من أعلام السير والمغازى، ويروى أنه كان أعلم الناس بالمغازى وبخاصة أهل (بدر)، وقد تُوفُّى سنة (123هـ). وهب بن منبه: وُلد فى قرية (زمار) بجوار (صنعاء) باليمن، وهو واحد من رجال الطبقة الأولى من علماء السيرة والمغازى، ومن العلماء الموسوعيين الذين كتبوا فى علوم شتىَّ، فكان مصدرًا من مصادر علوم أهل الكتاب، ومن الثقاة فى تاريخ الأنبياء. وقد ألَّف (وهب) مؤلفات كثيرة، لم يصل إلينا منها شىء، وإن وجدت مؤخرًا فى مدينة (هيدلبرج) بألمانيا أوراق بردى، يقال إنها قطعة من كتاب المغازى لوهب بن منبه، تحوى معلومات عن (بيعة العقبة)، وحديث (قريش) فى دار الندوة، وتدبيرها لقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاستعداد للهجرة إلى (المدينة). ثم تلا هذه الطبقة طبقة أخرى، واصلت عملها فى مجال التأليف والكتابة فى السيرة والمغازى، من أبرزهم (محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى)، الذى امتاز على معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين، غير أن مؤلفاته ضاعت ولم يصل إلينا منها شىء، وعلى الرغم من ذلك فإن علمه حفظه لنا تلاميذه الكثيرون، وكان من أعظمهم فى مجال السيرة والمغازى:

محمد بن إسحاق: وُلد فى (المدينة) سنة (85هـ) فى خلافة (عبدالملك بن مروان)، وتتلمذ لأبيه الذى كان محدثًا فقيهًا، ولغيره من كبار التابعين فى (المدينة)، مثل: (القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق)، و (سالم بن عبدالله بن عمر)، و (أبان بن عثمان بن عفان)، و (نافع مولى عبدالله بن عمر)، و (أبى سلمة بن عبدالرحمن بن عوف)، و (محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى)، ثم رحل (ابن إسحاق) إلى (مصر) سنة (115هـ)، والتقى بعلمائها الكبار، وفى مقدمتهم: (يزيد بن أبى حبيب)، وزار الإسكندرية، ثم عاد إلى (المدينة) ليواصل دراسته، ثم رحل إلى (العراق) بعد قيام الدولة العباسية، وقضى فيها بقية حياته، حتى تُوفِّى سنة (151هـ). وهناك إجماع بين العلماء على إمامة (ابن إسحاق) لعلم السيرة والمغازى، فقد حفظ فى كتابه معظم روايات السابقين وآثارهم العلمية، وكل من أتى بعده عالة عليه فى هذا العلم كما قال الإمام (الشافعى). ولابن إسحاق كتابان: أحدهما عنوانه (كتاب الخلفاء)، وهو مفقود حتى الآن. والآخر: كتاب (السيرة والمبتدأ والمغازى) وهو أقدم كتاب وصل إلينا عن سيرة الرسول ومغازيه، وأوفاها علمًا، وإذا كان لم يظهر إلى الوجود كاملا حتى الآن، فإنه جاء إلينا فى صورة تكاد تكون كاملة عن طريق (عبدالملك بن هشام)، المتوفَّى سنة (218هـ)، الذى أخذ سيرة (ابن إسحاق) ورواها عن شيخه (زياد بن عبدالله البكائى)، الذى رواها مباشرة عن شيخه (ابن إسحاق). وقد قام (ابن هشام) بتهذيب سيرة (ابن إسحاق)، وحذف كثيرًا من الشعر والروايات التى لم يرَ ضرورة لذكرها، وقد عرف عمله هذا بسيرة (ابن هشام)، ولاشك أنه أسدى إلى العلم بصفة عامة وإلى علم السيرة والمغازى بصفة خاصة خدمة جليلة، بحفظه هذا السفر الضخم الذى كان مصدرًا لكل كتاب السيرة والمغازى بعد ذلك، مثل (الواقدى) المتوفَّى سنة (207هـ)، وتلميذه (محمد بن سعد) المتوفى

سنة (230هـ)، و (البلاذرى) المتوفى سنة (279هـ)، و (ابن قتيبة) المتوفى سنة (276هـ)، و (الطبرى) عمدة المؤرخين المسلمين على الإطلاق، المتوفى سنة (310 هـ = 922 م). حركة الترجمة من اللغات الأجنبية: حافظ الأمويون على التراث الثقافى للبلاد التى كانت تحت حكمهم، فى (الإسكندرية) بمصر، و (بيروت)، و (دمشق) و (أنطاكية) فى (الشام)، و (نصيبين) و (حران) فى (العراق)، و (جنديسابور) فى فارس، وكانت تلك المدن هى أعظم مراكز العلم القديمة. وقد تأخر المسلمون فى البداية فى نظرهم إلى العلوم الأجنبية، نظرًا لانشغالهم بالجهاد وتوطيد الدولة الإسلامية، وتأسيس العلوم العربية والإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولعدم معرفتهم على نطاق واسع باللغات الأجنبية. ولا يعنى ما سبق أن الأمويين أهملوا العناية بتلك العلوم الأجنبية، وترجمة بعضها إلى اللغة العربية، فقد شغف (خالد بن يزيد بن معاوية)، وهو من أمراء (بنى أمية) بالكيمياء، التى كانت تسمَّى فى ذلك الوقت (علم الصنعة)، وأحضر بعض العلماء من (مصر) إلى (دمشق)، ليترجموا له بعض الكتب من اليونانية إلى العربية، ويذكر (ابن النديم) فى كتابه (الفهرست) أنه رأى بنفسه مؤلفات لخالد بن يزيد، منها: كتاب فى الحراريات، وكتاب وصيته إلى ابنه فى الصنعة. ويذكر (القفطى) من مترجمى العصر الأموى الطبيب (ماسرجويهـ) الذى ترجم كتابًا فى الطب للخليفة (عمر بن عبدالعزيز)، كما يذكر (ابن النديم) - أيضًا - أن (سالمًا) كاتب الخليفة (هشام بن عبدالملك) ترجم رسائل (أرسطو) إلى تلميذه (الإسكندر الأكبر)، وهى رسائل فى السياسة. وعلى أية حال فإن ذلك كان بداية متواضعة لحركة الترجمة، فرضتها ظروف الدولة وصراعاتها فى الداخل والخارج، وحسْب الأمويين أنهم حافظوا على تلك الثروة الهائلة، وصانوها من الضياع، ولولا ذلك ما وجد العلماء فى العصر العباسى شيئًا يترجمونه.

2 - 2:خلفاء بني أمية

الفصل الثاني خلفاء بني أمية 1 - معاوية بن أبى سفيان: هو «معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف»، وأمه «هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف»، ويلتقى نسبه من جهة أبيه وأمه مع نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى «عبد مناف»، ولُقِّب بخال المؤمنين؛ لأن أخته «أم حبيبة» أم المؤمنين كانت زوجًا للنبى - صلى الله عليه وسلم -. وُلد قبل الهجرة بنحو خمسة عشر عامًا، وأسلم عام الفتح، سنة (8هـ)، مع أبيه وأخيه «يزيد بن أبى سفيان» وسائر «قريش»، وأصبح منذ أن أسلم كاتبًا من كتَّاب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشارك فى عهد «أبى بكر الصديق» فى حروب الردة، وفى فتوح الشام تحت قيادة أخيه الأكبر «يزيد»، وأبلى فى ذلك بلاءً حسنًا. وعيَّنه «عمر بن الخطاب» واليًا على الشام كله، بعد وفاة أخيه «يزيد» سنة (18هـ)؛ لكفاءته الحربية ومهارته فى السياسة والإدارة، وظل فى ولايته مدة خلافة «عمر»، ثم أقره «عثمان بن عفان» (24 - 36هـ) على ولايته، فاستمر فى سياسته الحكيمة، ضابطًا لعمله، حارسًا لحدود إمارته، متصديا بكل حزم لأعداء الإسلام، محبوبًا من رعيته. خلافته: استقبل المسلمون خلافة «معاوية» استقبالا حسنًا، واجتمعت عليه كلمتهم، وكان هو عند حسن الظن، جديرًا بالمنصب الجليل، خبيرًا بشئون الحكم وأمور السياسة، تدعمه فى ذلك خبرة واسعة، وتجربة طويلة فى الإدارة وسياسة الناس، امتدت إلى أكثر من عشرين عامًا، هى فترة ولايته على الشام، بالإضافة إلى تمتعه بكثير من الصفات الرفيعة، التى تؤهله ليكون رجل دولة من الطراز الأول. وقد أجمع المؤرخون على أنه كان لمعاوية نصيب كبير من الذكاء والدهاء والسماحة والحلم والكرم، وسعة الأفق، وقدرة فائقة على التعامل مع الناس على قدر أحوالهم، أعداءً كانوا أم أصدقاء. وقد أفرغ «معاوية» جهده كله، ومواهبه وطاقاته فى رعاية مصالح المسلمين وتوطيد دعائم الدولة، ونشر الأمن والاستقرار فى ربوعها،

واتبع فى تحقيق ذلك سياسة حكيمة تقوم على دعائم ثابتة، تتلخص فيما يلى: - العمل على تضميد جراح الأمة، وتسكين نفوسها، وتأليف قلوبها بعد فترة مضطربة من حياتها، والإحسان والتودد إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة وأبنائهم، وبخاصة آل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدت هذه السياسة إلى تجميع القلوب حوله، وتحويل الخصوم إلى أعوان وأصدقاء. - وحسن اختياره للولاة والحكام، لأنه أدرك أنه مهما أوتى من ذكاء وفطنة، ومقدرة وحكمة، فلن يستطيع أن يحكم الدولة وحده، ومن ثم لابد له من أعوان، يساعدونه فى إدارة البلاد على خير وجه، فاختارهم بعناية فائقة من بين أقوى الناس عقلا، وأحسنهم سياسة، وأحزمهم إدارة، أمثال «عمرو بن العاص»، و «المغيرة بن شعبة»، و «زياد» و «عتبة» أخويه، وغيرهم. - ومباشرته أعماله بنفسه، وتكريسه وقته وجهده للدولة وسياستها، وعدم ركونه إلى حياة الراحة والدعة، على الرغم من استعانته فى إدارة الدولة بأعظم الرجال فى عصره. بهذه السياسة استقرت الدولة وسادها النظام، وعمَّها الأمن والسكينة، ولم يشذ عن ذلك سوى الخوارج، فأخذهم «معاوية» بالشدة؛ حفاظًا على سلامة الأمة، واتسمت سياسته الخارجية وبخاصة تجاه الدولة البيزنطية بمواصلة الضغط عليها، ومحاصرة «القسطنطينية» - عاصمتها - أكثر من مرة، وجعلها تقف موقف الدفاع عن نفسها. الفتوحات فى عهد معاوية: فتح شمالى إفريقيا: وصل المسلمون فى أواخر خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)، كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها، لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا» بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى سنة

(45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء» و «سوسة». - فتوحات عقبة بن نافع: أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن «عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان» (50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان «عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. - فتوحات أبى المهاجر: ظل «عقبة بن نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد حقق

«أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل إلى «تلمسان». معاوية ونشأة الأسطول الإسلامى: وجد المسلمون أنفسهم بعد عشر سنوات من بداية الفتوحات الإسلامية قد سيطروا على الشواطئ الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط؛ بالإضافة إلى سيطرتهم شبه الكاملة على «البحر الأحمر»، دون أن تكون لديهم قوة بحرية، فهم ليسوا أهل بحر، بل هم أهل صحراء، وإذا كانت لدى بعضهم خبرة بحرية كأهل «اليمن» و «الخليج»، فهى خبرة تجارية وليست قتالية، ولذا كان من الضرورى أن يمتلكوا قوة بحرية تمكنهم من الدفاع عن الشواطئ التى امتلكوها. وكان «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام أول من فطن إلى ذلك، ورفع الأمر إلى الخليفة «عمر بن الخطاب»، شارحًا له أهمية ذلك، لأنه عانى فى فتح مدن الشام الساحلية عناءً شديدًا بسبب وجود الأسطول البيزنطى، غير أن «عمر بن الخطاب» رفض الفكرة تمامًا، خوفًا على المسلمين من أهوال البحار؛ إذ لم تكن للمسلمين خبرة بالحروب البحرية، كما كان يرى أن الوقت لايزال مبكرًا للدخول فى ذلك الميدان الخطر، ولكن أمر «معاوية» أن يحصن الشواطئ بالحصون، ويملأها بالمقاتلين، فامتثل «معاوية». وفى خلافة «عثمان بن عفان» (24 - 35هـ) رفع إليه «معاوية» طلبه القديم بإنشاء أسطول بحرى، فرفض «عثمان» فى بادئ الأمر، لكنه عاد فوافق بعد ما اقتنع بأهمية المشروع، لكنه اشترط أن يكون الجهاد البحرى تطوعًا، ولا يكره عليه أحد. بدأ «معاوية» على الفور فى تحقيق مشروعه، فشرع فى بناء الأسطول مستغلا كل الإمكانات الموجودة فى «مصر» والشام لصناعة السفن، ولم تمضِ أربع سنوات حتى ظهر إلى الوجود أسطول إسلامى كبير، نجح فى فتح «جزيرة قبرص» سنة (28هـ)، وهزم الأسطول البيزنطى فى موقعة «ذات الصوارى». معاوية وحصار القسطنطينية: وضع «معاوية بن أبى سفيان» منذ أن ولى الخلافة أهدافًا سياسية،

كان فى مقدمتها فتح مدينة «القسطنطينية»، عاصمة الدولة البيزنطية، العدو اللدود للدولة الإسلامية، ولعله كان يستهدف بسقوطها سقوط الدولة نفسها، كما هو الحال بالنسبة إلى دولة الفرس التى لم تستطع الصمود بعد سقوط «المدائن» عاصمتها. وكانت «القسطنطينية» تُعدُّ من أمنع المدن فى العالم، لموقعها الفريد على القرن الذهبى الممتد فى مياه «خليج البسفور»؛ حيث تحيط بها المياه من الشرق والشمال والجنوب، أما فى الناحية الغربية المتصلة بالبّر، فقد أقام الأباطرة البيزنطيون سلسلة من الأسوار والأبراج لحمايتها من أية هجمات. ولم يثنِ ذلك كلُّه عزيمة «معاوية» عن فتح عاصمة البيزنطيين، فاستولى على الجزر البيزنطية الواقعة شرقى «البحر المتوسط». مثل: «رودس»، و «كريت»، و «أرواد»؛ ليتخذها محطات للأسطول الإسلامى، تمهيدًا لغزو «القسطنطينية». ولما أكمل استعداداته جهز أول حملة بحرية إليها، بقيادة «سفيان بن عوف» وجعل ابنه «يزيد» أميرًا شرفيا عليها، سنة (49هـ)، وشارك فى هذه الحملة عدد من الصحابة، مثل «عبدالله بن عمر»، و «عبدالله بن عباس»، و «أبى أيوب الأنصارى». ولم تنجح هذه الحملة فى تحقيق أهدافها؛ بسبب مناعة المدينة، وبرودة الجو الشديدة على العرب، فعادوا بعد أن استشهد عدد من الأبطال، منهم «أبو أيوب الأنصارى» الصحابى الجليل. وقد تنبأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الغزوة، ووعد أهلها المغفرة، فقال: «أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» [صحيح البخارى]. الحصار الثانى: على الرغم من عدم التوفيق الذى لحق الحملة الأولى، فإن «معاوية» لم ييأس، وأعد حملة أخرى، وفرض الحصار على المدينة سبع سنوات (54 - 60هـ)، واقتصرت العمليات الحربية على فصلى الربيع والصيف؛ لصعوبة القتال فى الشتاء. وقد أبلى المسلمون فى ذلك الحصار بلاءً حسنًا، وتحمَّلوا الصعاب والمشقات، لكنهم لم يستطيعوا الاستيلاء عليها، فقد فاجأ

البيزنطيون المسلمين بسلاح لم يكن لهم به عهد، عُرف باسم «النار الإغريقية» وهو مركب كيميائى يتكوَّن من النفط والكبريت والقار، كانوا يشعلونه بالنار، ويقذفون به السفن الإسلامية، فتشتعل بها النيران، ولم يجد «معاوية» بدّاً من رفع الحصار وعودة الجيش إلى «دمشق». - ثورات الخوارج في عهد معاوية: لجأ الخوارج إلى القوة واستخدام السيف فى فرض أفكارهم وآرائهم على الناس، وأبدوا فى صراعهم الدموى مع الدولة الأموية كثيرًا من ضروب الشجاعة والتضحية والإقدام وكانت الأعداد القليلة منهم تهزم جيوشًا جرارة للدولة، ولو أن شجاعتهم وبطولاتهم اتجهت اتجاهًا صحيحًا، ووحدوا جهودهم مع الدولة الأموية فى مجال الفتوحات الإسلامية ومحاربة أعداء الإسلام، لكان ذلك أجدى وأنفع، والعجيب أن أغلبهم لم يكونوا من طلاب الدنيا، والتطلع إلى المال والمناصب، وإنما كانوا طلاب آخرة، ولكنهم أخطئوا الطريق إليها، كما قال لهم «عمر بن عبدالعزيز». أعلن الخوارج وبخاصة «الأزارقة» حربًا شعواء على الدولة الأموية منذ قيامها، ولم تفلح معهم سياسة «معاوية بن أبى سفيان» - رضى الله عنه - القائمة على التسامح وسعة الأفق، فثاروا فى وجهه سنة (41هـ) - أى عام الجماعة - قبل أن يغادر «الكوفة»، وكان أول من ثار عليه «عبدالله بن أبى الحوساء» فى مكان قريب من «الكوفة»، ثم ثار عليه «المستورد بن عُلَّنة الطائى». وكان عجيبًا أن تشب هذه الثورات فى «الكوفة» أيام واليها «المغيرة بن شعبة» الذى انتهج سياسة متسامحة مع الناس كلهم، ولم يشأ أن يزيد فى آلام الناس فى «العراق»، أو ينكأ جروحهم بعد الحروب الكثيرة التى عانوها فى «الجمل» و «صفين». وكان حريا بالخوارج أن يركنوا إلى الهدوء ويبتعدوا عن سياسة العنف إزاء سياسة التسامح التى انتهجها «المغيرة»، لكنهم تمرَّدوا وثاروا، فاضطر «المغيرة» إلى التصدى لهم والقضاء على ثوراتهم.

ثم ازداد ضغط الدولة عليهم منذ أن ولى «زياد بن أبى سفيان» ولاية «البصرة» سنة (45هـ) فأخذ يتعقبهم فى «البصرة»، فى الوقت الذى يتعقبهم فيه «المغيرة بن شعبة» فى «الكوفة»، حتى ضيَّقا عليهم الخناق، وضربا عليهم بيد من حديد، حتى ضعفت شوكتهم. وتُوفِّى «معاوية» فى شهر رجب سنة (60هـ).

يزيد بن معاوية

2 - يزيد بن معاوية (60 - 64 هـ): هو «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان» وأمه «ميسون بنت مخول الكلبية». ولد فى «دمشق» سنة (26هـ) فى خلافة «عثمان بن عفان»، حين كان أبوه واليًا على الشام، فنشأ فى بيت إمارة وجاه، وقد عُنى أبوه بتربيته تربية عربية إسلامية، فأرسله وهو طفل إلى البادية عند أخواله من «بنى كلب»، فشب شجاعًا كريمًا، أبى النفس، عالى الهمة، شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا، حاضر البديهة، حسن التصرف فى المواقف. ويعده العلماء من الطبقة الأولى من التابعين، ولبعضهم رأى حسن فيه مع أخذهم عليه ميله إلى حياة اللهو فى صدر شبابه، فلقبه «الليث بن سعد» فقيه «مصر» الكبير بلقب «أمير المؤمنين»، وقال عنه «ابن كثير»: «وقد كان فى يزيد خصال محمودة من الكرم والفصاحة والشعر والشجاعة، وحسن الرأى فى الملك، وكان ذا جمال، حسن المعاشرة». ومنذ أن عزم أبوه على توليته الخلافة بعده أخذ يحمله على الجد والحزم، وترك حياة اللهو والترف، استعدادًا لتولى هذا المنصب الجليل، وعهد إليه بالقيام بالمهام الصعبة، فأرسله على رأس الحملة العسكرية التى وجهها فى سنتى (49 - 50 هـ) لحصار القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وكان تحت قيادته بعض كبار الصحابة. توليته الخلافة: كان «يزيد» غائبًا عن «دمشق» عند وفاة أبيه فى رجب سنة (60هـ)، فأخذ البيعة له «الضحاك بن قيس»، ولما حضر جاءته الوفود وأمراء الأجناد، لتعزيته فى أبيه وتهنئته بالخلافة وتجديد البيعة له. وقد ترسَّم «يزيد» خطى أبيه، واستوعب وصيته له التى توضِّح له معالم طريقه السياسى، وتبيِّن له كيفية التعامل مع المشكلات وأحوال الرعية، وهذه الوصية تُعدُّ من أهم الوثائق السياسية فى فن الحكم وإدارة الدول. حافظ «يزيد» على سلامة الدولة وهيبتها، وحمى حدودها، واستمرت حركة الفتوحات فى عهده، فوصل «عقبة بن نافع» إلى شواطئ «المحيط الأطلسى»، مخترقًا الشمال الإفريقى كله، وعبرت طلائع

الفتح نهر «جيحون» لفتح بلاد «ما وراء النهر» (آسيا الوسطى). الفتوحات الإسلامية في عهد يزيد: - ولاية عقبة بن نافع الثانية: أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع» مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة «كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعدوا عنه لمسافة طويلة، مما جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». ثم تسلَّم «زهير بن قيس البلوى» قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة (64هـ). الثورات في عهد يزيد بن معاوية: - ثورة الحسين بن على: لم يقم الشيعة بأى ثورة ضد «معاوية بن أبى سفيان»، طوال مدة خلافته (41 - 60هـ)، وإنما اندلعت أولى ثوراتهم بقيادة «الحسين بن على» فى خلافة «يزيد بن معاوية»، بعد أن رفض «الحسين» بيعة

«يزيد»، وكان قد رفض من قبل تعيينه وليا للعهد فى زمن أبيه. اعتصم «الحسين» بمكة المكرمة، وهناك توالت عليه رسائل أهل «الكوفة» يطلبون منه الحضور إليهم؛ ليبايعوه بالخلافة، فاستجاب لهم على الرغم من تحذير «ابن عباس» - وهو من أقرب الناس إليه - من الذهاب إلى «العراق»، لأنها دعوة من لا أمان أو عهد لهم، وقد خذل أهل العراق أباه من قبل، لكنه أصر على الذهاب، وأرسل - قبل أن يتحرك- ابن عمه «مسلم بن عقيل بن أبى طالب» إلى «الكوفة»، ليستطلع الأمر، ويكتب له بحقيقة الموقف هناك. وصل «مسلم بن عقيل» إلى «الكوفة»، فاستقبله الناس بحماس شديد وبحفاوة بالغة، وبايعه منهم نحو ثمانية عشر ألفًا، فانخدع بهم بعد أن تغافل «النعمان بن بشير» والى «الكوفة» عنه، فكتب إلى «الحسين» يطمئنه، ويطلب منه الحضور إلى «الكوفة». ولما علم «يزيد» بما فعله «مسلم» فى «الكوفة»، اضطر إلى عزل «النعمان بن بشير» عن ولايتها لتغاضيه عما يقوم به «مسلم»، وولَّى مكانه «عبيدالله بن زياد»، فحضر على الفور، وقبض على «مسلم» وقتله بعد أن انفضت عنه الآلاف التى تجمعت حوله من أهل «الكوفة»، وتركوه يلقى مصرعه وحده. وفى أثناء هذه الأحداث المتلاحقة كان «الحسين» فى طريقه إلى «الكوفة»، فلما وصلته أخبار «مسلم»، وتخاذُل الكوفيين عنه، قرر العودة إلى «مكة»، لكن إخوة «مسلم» أصروا على مواصلة السير، طلبًا لثأر أخيهم، فلم يجد «الحسين» بُدا من مطاوعتهم، وكان هذا من الأخطاء الكبيرة، فالذى قتل «مسلم» دولة لا فرد، وليس فى استطاعتهم - وهم قلة فى عددهم - التصدِّى للدولة، فقد كانوا نحو سبعين رجلا. واصل «الحسين» سيره حتى بلغ «كربلاء» بالقرب من «الكوفة»، فوجد جيشًا كبيرًا فى انتظاره بقيادة «عمر بن سعد بن أبى وقَّاص» يزيد عددُه عمَّا معه من أفراد بنحو خمسين مرة، وعسكرت القوتان دون تكافؤ بينهما فى القوة، فعرضَ «الحسين» على «عمر بن سعد»

ثلاثة حلول للخروج من هذا المأزق، إمَّا أن يتركه يعود إلى «مكة»، وإما أن يتركه يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد فى سبيل الله، وإما أن يدعه يذهب إلى «دمشق» لمقابلة الخليفة «يزيد بن معاوية» ويضع يده فى يده. وكانت هذه الخطوة من «الحسين» - رضى الله عنه - طيبة؛ لأن ذلك معناه أنه أنهى ثورته وجنح إلى السلام، كما سُرَّ بهذه الخطوة «عمر بن سعد»، لأنه لم يكن راغبًا فى مواجهة «الحسين»، ولكن عليه أن يستشير «عبيد الله بن زياد»، فهو الوالى وصاحب القرار، فرحب بالفكرة لأول وهلة، لأن فيها حقن الدماء، وبخاصة دم «الحسين» حفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير أن شيطانًا من شياطين الإنس يُدعى «شمر بن ذى الجوش» أشار على «ابن زياد» ألا يقبل من «الحسين» إلا أن يسلِّم نفسه باعتباره أسير حرب، وأن يرسله بهذه الصفة إلى الخليفة «يزيد بن معاوية» فى «دمشق». وكان من الطبيعى أن يرفض «الحسين بن على» هذا الطلب، فالموت عنده أهون عليه من هذا كما قال هو نفسه، ولو أن مشركًا أو ذميا كان فى مكان «الحسين»، وعرض عليهم هذه الحلول السلمية لكان عليهم قبولها، لكن «ابن زياد» خضع لهذه الفكرة الشيطانية، ورفض «الحسين» تسليم نفسه أسير حرب، فدارت معركة غير متكافئة بين الفريقين فى «كربلاء» فى العاشر من المحرم سنة (61هـ)، استُشْهِد فيها «الحسين»، رضى الله عنه، وقتل من كان معه من أهل بيته، ولم ينجُ من القتل إلا ابنه «على» الملقب بزين العابدين. وكانت نتيجة المعركة مأساة مروعة، أدمت قلوب المسلمين جميعًا حزنًا على «الحسين»، ريحانة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما كانت سببًا من أسباب زوال الدولة الأموية، وامتد أثرها فى تفريق كلمة المسلمين إلى يومنا هذا. ولاشك أن مسئولية دم «الحسين» تقع فى المقام الأول على أهل «الكوفة» الذين أخرجوه ثم خذلوه، ولذلك يروى أن آخر جملة قالها

قبل وفاته: «اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا»، ثم على «عبيدالله بن زياد» الآمر المباشر بقتاله، أما «يزيد بن أبى سفيان» فإنه - وإن لم يأمر بقتل «الحسين»، ولم يسعد بذلك - كان يجب أن تكون أوامره صريحة بعدم قتال «الحسين»، لاسيما أن أباه «معاوية» قد أوصاه بذلك. ثورة الخوارج: استأنف الخوارج نشاطهم على نحو أعنف بعد وفاة «معاوية» سنة (60هـ)، فأرسل إليهم «يزيد بن معاوية» حملة بقيادة «عبيدالله بن زياد»، فتصدى لهم بقوة، ثم ازدادت ثوراتهم بعد وفاة «يزيد» سنة (64هـ)، مستغلِّين فى ذلك حالة الفوضى التى سادت «العراق». وكان يمكن لعهد «يزيد» أن يكون امتدادًا لعهد أبيه، استقرارًا واستتبابًا، لولا عدة حوادث خطيرة، عكَّرت صفو الأمة الإسلامية، وألقت بظلال سوداء على عهد «يزيد»، وطمست إنجازاته، منها: حادثة استشهاد «الحسين بن على» - رضى الله عنهما - فى «كربلاء» سنة (61هـ) وغزو «المدينة المنورة» سنة (63هـ) لقمع الثورة التى قام بها أهلها ضده دون سبب قوى، ثم غزو «مكة المكرمة» للقضاء على دولة «عبدالله بن الزبير» سنة (64هـ). ولم تطل أيام «يزيد»، فقد توفى فى شهر ربيع الأول سنة (64هـ)، وهو فى الثامنة والثلاثين من عمره وتولى بعده الخلافة ابنه معاوية بن يزيد وهو «معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان»، وأمه «أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة»، ومع أنه لم ينهض بعمله باعتباره خليفة، فإنه أخذ مكانه فى سلسلة خلفاء الدولة الأموية، ويسميه بعض المؤرخين «معاوية الثانى»؛ لأن أباه قد عهد إليه بالخلافة بعده، طبقًا لنظام الوراثة الذى أسسه جده «معاوية»، وقد بايعه الناس بعد وفاة أبيه، لكنه أعلن فى صراحة أنه عاجز عن النهوض بمسئولية الخلافة، وعليهم أن يبحثوا عن شخص كفء من أهل الصلاح والتقوى لتحمل عبء مسئولية منصب الخلافة. ولم تطل حياة ذلك الشاب الورع، حيث تُوفِّى بعد أبيه «يزيد» بنحو

أربعة أشهر، أو بعد أربعين يومًا فى قول آخر.

مروان بن الحكم

3 - مروان بن الحكم (64 - 65هـ): هو «مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس»، ولد فى السنة الأولى من الهجرة، ولذلك يعده بعض العلماء من الصحابة، وهو ابن عم الخليفة «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، وكان كاتبه وأمين سره، وولاه «معاوية بن أبى سفيان» فى خلافته «المدينة المنورة» أكثر من مرة؛ ثقة منه بقدرته وخبرته السياسية التى اكتسبها طوال عمله مع «عثمان». وكان «مروان» أثناء ولايته على «المدينة» يتحرَّى العدل، ولا يصدر أمرًا إلا بعد استشارة صلحاء الناس، ومن مآثره التى جلبت ثناء الناس عليه أنه جمع صيعان «المدينة» التى يكيلون بها، وأخذ بأعدلها وأضبطها كيلا، فنسبه الناس إليه، وقالوا: «صاع مروان»، وقال عنه الإمام «أحمد بن حنبل»: «كان عند مروان قضاء - يقصد كان عادلا فى قضائه - وكان يتبع قضايا عمر بن الخطاب»، ويصفه المؤرخون بالشجاعة والشهامة، والدهاء وحسن السياسة. توليته الخلافة: اضطرب أمر «بنى أمية» بعد رفض «معاوية بن يزيد» أن يتولى الخلافة، أو يعهد بالأمر إلى أحد من أهل بيته، وفى هذه الأثناء أعلن «عبدالله بن الزبير» نفسه خليفة للمسلمين سنة (64هـ) فى «مكة»، فبايعه «العراق» و «مصر»، حتى الشام نفسها معقل الأمويين بايعه معظم أقاليمها، وبدا الأمر كما لو أن دولة الزبيريين قامت، ودولة الأمويين بادت. كان «مروان بن الحكم» وبنوه يعيشون فى «المدينة المنورة»، فأخرجهم منها «عبدالله بن الزبير» فرحلوا إلى الشام، حيت تجمع هناك كل أنصار «بنى أمية» وولاتهم، من أمثال: «عبيد الله بن زياد»، و «الحصين بن نمير»، فأخذوا يشجعون «مروان» على تحمل قيادة البيت الأموى، ومنع دولتهم من السقوط. وبعد مداولات طويلة بين زعماء القبائل استغرقت عدة شهور عقد مؤتمر فى «الجابية» بالقرب من «دمشق»، فى شهر ذى القعدة سنة (64هـ)، بويع فيه «مروان بن الحكم» بالخلافة، باعتباره أكبر أبناء البيت الأموى سنا، وأكثرهم تجربة.

كان على «مروان» بعد بيعته أن يثبت جدارته بهذا المنصب وأهليته له، بأن يسترد نفوذ «بنى أمية» وسلطانهم فى الشام، معقلهم الرئيسى، الذى خضع معظمه لعبدالله بن الزبير، ومن ثم خاض «مروان» مع أنصار «ابن الزبير» معركة كبيرة فى «مرج راهط»، شرقى «دمشق» فى نهاية سنة (64هـ)، وكان النصر فيها حليف «مروان»، وبداية الطريق لاستعادة الأمويين لدولتهم التى كانت قاب قوسين أو أدنى من الزوال. ولم يضع «مروان» وقتًا بعد هذا الانتصار، فعاد إلى «دمشق»، حيث تلقى وفود المهنئين والمبايعين. وبعد فترة قصيرة اطمأن فيها على استقرار الأوضاع فى الشام، ترك ابنه «عبدالملك» فى «دمشق» نائبًا عنه فى حكمها، وتوجه إلى «مصر» التى كانت تحت حكم «عبدالله بن الزبير»، فاستردها بسهولة، وأقام بها نحو شهرين، رتَّب فيها أوضاعها، وعيَّن ابنه «عبدالعزيز» واليًا عليها، وعاد هو إلى «دمشق»، ليستأنف صراعه مع «ابن الزبير»، لكن الموت عاجله سنة (65هـ) بعد حكم دام عشرة شهور. ثورة التوابين في عهد مروان بن الحكم: «التوابون» مجموعة من الشيعة الذين أحسوا بخطئهم الفادح حين دعوا «الحسين» إلى «الكوفة» ليبايعوه خليفة وإمامًا، ثم خذلوه لما حضر إليهم، لذلك قرروا الثأر له، وسمُّوا أنفسهم التوابين، أى الذين تابوا عن تقصيرهم فى نصرته، وتزعمهم «سليمان بن صرد الخزاعى». وقد اجتمع لهم عدة آلاف من الناس، قيل إنهم بلغوا ستة عشر ألفًا، وبايعوا «ابن صرد» على الموت طلبًا لثأر «الحسين»، لكنهم انفضُّوا عنه حين جدَّ الجد، كما انفضوا عن «الحسين» من قبل، ولم يبقَ معه سوى نحو ثلاثة آلاف، توجه بهم لقتال الأمويين، فتصدَّى لهم «عبيدالله بن زياد» فى جيش ضخم، بلغ عدده نحو ستين ألفًا، فهزمهم وقتل معظم التوابين وعلى رأسهم زعيمهم «سليمان بن صرد»، فى مكان يُسمَّى «عين الوردة» فى شمالى «العراق» سنة (65هـ). وهكذا أضيفت إلى مآسى المسلمين مأساة أخرى، أدَّى إليها

الاندفاع الأهوج، والحماس الطائش من جانب التَّوابين، وهم يعلمون أنهم يواجهون بأعدادهم القليلة جيوش الدولة التى لن تتهاون مع من يخرج عليها ويهدد أمنها.

عبدالملك بن مروان

4 - عبدالملك بن مروان (65 - 86هـ): هو «عبدالملك بن مروان بن الحكم»، ولد فى «المدينة» سنة (26هـ) فى خلافة «عثمان بن عفان»، ونشأ بها نشأة علمية، وتتلمذ لكبار الصحابة، من أمثال «عبدالله بن عمر»، و «أبى سعيد الخدرى»، و «أبى هريرة» رضى الله عنهم، وبرع فى الفقه حتى عُدَّ من فقهاء «المدينة»، وقد تواترت الأخبار عن فقهه وغزارة علمه ورجاحة عقله، قال عنه «الذهبى»: «ذكرته لغزارة علمه»، وقال «الشعبى»: «ما جالستُ أحدًا إلا رأيت لى الفضل عليه إلا عبدالملك بن مروان»، واحتج الإمام «مالك بن أنس» بقضائه. ومكث «عبدالملك» معظم حياته قبل أن يلى الخلافة فى «المدينة المنورة»، لم يغادرها إلا لحج أو لجهاد، فقد اشترك فى فتح «شمال إفريقيا» فى عهد «معاوية بن أبى سفيان». عبدالملك ووحدة الدولة الإسلامية: تولى «عبدالملك» الخلافة بعد وفاة أبيه فى رمضان سنة (65هـ)، ووجد الدولة الإسلامية قد تنازعتها خمس دول: دولته هو، وتتكون من «مصر» والشام وعاصمتها «دمشق»، ودولة «عبدالله بن الزبير» وتتكون من «الحجاز» وبعض «العراق» و «بلاد فارس»، وعاصمتها «مكة المكرمة»، ودولة للشيعة أقامها «المختار بن أبى عبيد الثقفى» فى جزء من «العراق»، وعاصمتها «الكوفة»، ودولة للخوارج الأزارقة فى إقليم «الأهواز»، جنوبى شرقى «العراق»، ودولة للخوارج النجدات فى إقليم «اليمامة» فى شرقى الجزيرة العربية وجنوبى شرقيها. رأى «عبدالملك» أن هذه الدول التى برزت خلال الفوضى التى عمَّت بعد وفاة «يزيد بن معاوية» لا رابط يجمع بينها سوى العداء لبنى أمية، فتركهم فى البداية يأكل بعضهم بعضًا، فاشتبك «ابن الزبير» مع «المختار الثقفى»، وقضى عليه تمامًا حين أرسل له جيشًا بقيادة أخيه «مصعب بن الزبير»، فتمكن من هزيمته سنة (67هـ)، وبذلك تخلص «عبدالملك» من واحد من أقوى خصومه دون أن يبذل أى جهد. وكان المختار بن عبيدالله» من الشخصيات التى كانت تسعى إلى

السلطة بأى ثمن، تقلَّب من العداء لآل البيت، إلى الاتصال بعبدالله بن الزبير حين أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ)، فلما لم يجد تجاوبًا به، انطلق إلى «الكوفة» التى كانت تموج بالفوضى بعد هزيمة التوابين فادَّعى أنه جاء مندوبًا من عند «محمد بن على بن أبى طالب»، المشهور بابن الحنفية للمطالبة بدم الحسين والأخذ بثأره. ولم يكن «المختار» صادقًا فى دعواه، وإنما هداه تفكيره الانتهازى إلى استخدام مأساة «الحسين» ذريعة للوصول إلى مطالبه، وكان الشيعة فى تلك الفترة يفتقرون إلى الزعامة بعد مقتل «سليمان بن صرد الخزاعى»، فلما وجدوا «المختار» - وكان بارعًا فى الحيل وخداع الناس - التفوا حوله وأسلموا له القيادة. ازداد نفوذ «المختار» بعد أن حالفه التوفيق فانتصر على جيش أموى، وقتل قائده «عبيدالله بن زياد» فى معركة عند نهر «الخازر» بالقرب من «الموصل» سنة (67هـ)، ولما كان «ابن زياد» يعد المسئول الأول عن قتل «الحسين» فى «كربلاء»، فقد دعم مقتله «المختار»، وزاد من ثقة الشيعة به ووقوفهم خلفه، فاستفحل أمره، وعظم شأنه، واتسع نفوذه، وقامت له دولة فى «الكوفة»، اتسعت رقعتها لتشمل معظم «العراق». لم ينعم «المختار» بدولته طويلا، فقد أزعج صعود أمره «آل الزبير» فى «مكة»، و «عبدالملك بن مروان» فى «دمشق»، فأرسل «عبدالله بن الزبير» أخاه «مصعباً» بجيش ضخم، قضى به على «المختار» فى سنة (67هـ). وانتهت بذلك حركة واحد من كبار المغامرين المتطلعين إلى السلطة فى العصر الأموى، ولم تنفعه مزاعمه وادعاءاته حب آل البيت والثأر لقتلاهم، فقد انكشفت حيله، وتخلَّى عنه الشيعة وأسلموه إلى مصيره المحتوم. عبد الله بن الزبير والدولة الأموية: هو «عبدالله بن الزبير بن العوام»، وأمه «أسماء بنت أبى بكر الصديق»، ولد فى العام الأول من الهجرة، وهو أول مولود للمسلمين فى «المدينة»، وكانت سعادتهم به عظيمة، لأن اليهود أشاعوا أنهم

سحروا المسلمين، فلن يُولَد لهم ولد. نشأ «عبد الله» نشأة إسلامية خالصة فى بيئة طيبة طاهرة، معطرة بعبق النبوة، فأبوه «الزبير» ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صفية بنت عبد المطلب»، و «أبو بكر الصديق» جد «عبد الله» لأمه، و «عائشة» أم المؤمنين خالته، وكانت تكنى به، ويقال لها: «يا أم عبد الله»، لأنها لم تنجب ولدًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُعد من الصحابة، لأنه عاش نحو عشر سنوات فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -. كان «عبد الله» شجاعًا، ذكى الفؤاد، معتدا بنفسه، ذا طموح كبير، شارك فى الفتوحات وهو حدث صغير، فحضر معركة «اليرموك» سنة (13هـ)، واشترك فى «فتح شمالى إفريقيا» فى خلافة «عثمان بن عفان»، رضى الله عنه، ولما حضر «عثمان» فى داره كان «عبد الله» من المدافعين عنه، وحضر معركة «الجمل» مع أبيه. ولما ولى «معاوية بن أبى سفيان» الخلافة سنة (41هـ) استمال إليه «عبد الله بن الزبير» وأحسن إليه كما أحسن إلى غيره من الصحابة وأبنائهم، فقابل ذلك بحسن الطاعة، بل شارك فى الغزو تحت قيادة ابنه «يزيد» فى فتح «القسطنطينية»، وظلت علاقته بمعاوية على ما يرام إلى أن أخذ البيعة لابنه «يزيد»، فأظهر «عبد الله» معارضته الشديدة لذلك. وبعد وفاة «معاوية بن أبى سفيان» رفض أن يبايع «يزيد»، وركن إلى «مكة المكرمة»، وسمَّى نفسه «العائذ بالبيت»، لكنه لم يعلن رغبته فى الخلافة لوجود «الحسين بن على»، فلما استُشهد فى «كربلاء» وتوفِّى «يزيد بن معاوية» بعد ذلك سنة (64هـ) أعلن نفسه خليفة فى «مكة». ولما سادت الفوضى الدولة الأموية بعد موت «يزيد» ورفض ابنه «معاوية» قبول الخلافة، تلفت الناس حولهم، فلم يجدوا أفضل من «عبد الله بن الزبير»، فبايعوه، واتسعت دولته حتى شملت معظم أنحاء الدولة الإسلامية، عدا «الأردن» فى الشام، غير أن «بنى أمية» استطاعوا أن يوحدوا كلمتهم، ويبايعوا «مروان بن الحكم»

بالخلافة سنة (64هـ)، فبدأ عهده بالقضاء على أنصار «ابن الزبير» فى الشام فى موقعة «مرج راهط» الشهيرة فى العام نفسه، ثم زحف إلى «مصر»، فاستردها بسهولة من والى «ابن الزبير» عليها، وعاد إلى «دمشق». وتُوفِّى سنة (65هـ)، فخلفه ابنه «عبدالملك بن مروان»، الذى أخذ على عاتقه القضاء على «ابن الزبير» وغيره من خصوم الدولة الأموية، فهزم جيوش «ابن الزبير» بقيادة أخيه «مصعب» فى «العراق» سنة (72هـ)، ثم أرسل «الحجاج ابن يوسف الثقفى» على رأس جيش للقضاء على «ابن الزبير» فى «مكة»، فنجح فى ذلك، وقتل «ابن الزبير» فى جمادى الأولى سنة (73هـ). وبمقتله انهارت دولته التى استمرت نحو تسع سنوات (64 - 73هـ)، وكانت فى مبدأ أمرها تسيطر على معظم الدولة الإسلامية. كما نجح عبدالملك فى القضاء على دولتى الخوارج، وبذلك تخلَّص من خصومه، وقضى على الانقسامات التى أضعفت الدولة الإسلامية، وأعاد إليها وحدتها، ولذا عدَّه المؤرخون المؤسس الثانى للدولة الأموية، وعدُّوا سنة (73هـ) عام الجماعة الثانى. أسباب سقوط دولة عبدالله بن الزبير: عندما بايع الناس «عبدالله بن الزبير» بالخلافة سنة (64هـ) كانت كل عوامل النجاح متوافرة له، فقد بويع له بالخلافة فى وقت لم يكن فيه للمسلمين خلافة، وهو بذلك خليفة شرعى وليس خارجًا على خليفة، وكانت تلك دعامة قوية له، ثم إن معظم أقطار العالم الإسلامى قد بايعته راضية ومقتنعة به، لماضيه وماضى أسرته، وعلاقته الوثيقة ببيت النبوة. وعلى الرغم من ذلك كله فإن «عبدالله بن الزبير» أخفق فى الحفاظ على دولته لأسباب كثيرة، منها: - أنه قبع فى «مكة»، وهى على قداستها لم تكن تصلح عاصمة سياسية لدولة امتدت حدودها، فكان عليه أن ينتقل إلى قطر غنى، يتوسط الدولة كالعراق أو الشام، ولو فعل ذلك لكان أفضل له ولشد من عزيمة أنصاره؛ لأن كفته كانت ترجح كفة «مروان بن الحكم»

وابنه «عبدالملك» عند كثير من الناس، حتى فى الشام نفسها، فقد بايعه معظم أهلها. - امتناع «بنى هاشم» عن بيعته، فقد رفض أن يبايعه زعماؤهم، مثل: «عبدالله بن عباس» و «محمد بن على بن أبى طالب»، وكان قاسيًا معهم، فلم يعاملهم بما يليق بهم من التقدير والاحترام، مثلما كان يفعل معهم «بنو أمية»، بل تهددهم وسجنهم فلم يرضخوا له، وبايعوا «عبدالملك بن مروان»، كما امتنع عن بيعته «ابن عمر»، فأضعف ذلك كله موقفه. - معارضة الخوارج له، بعد أن رفض اعتناق أفكارهم وآرائهم، فانقلبوا ضده. - خيانة أهل «العراق»، وعدم إخلاصهم له، فقد تخلى معظمهم عن أخيه «مصعب» عندما التقت جيوشه بجيوش «عبدالملك بن مروان»، وانضموا إليها. - إسراف أخيه «مصعب» فى سفك الدماء، حتى ليروى أنه قتل ستة آلاف من أهل «الكوفة» دفعة واحدة، بعد مقتل «المختار بن عبيد الله الثقفى» سنة (67هـ)؛ مما أوغر صدور قبائلهم على «آل الزبير»، فليس ببعيد أن يكون موقفهم فى معركته الفاصلة مع «عبدالملك» انتقامًا منه لما صنع بأهلهم. - شحه بالمال وعدم سخائه مع أنصاره، فى الوقت الذى كان فيه يسخو خصمه «عبدالملك بن مروان» على أنصاره، بل استطاع بالمال استمالة أنصار «ابن الزبير» نفسه إلى صفّه. ثورة عبدالرحمن بن الأشعث (81 - 83هـ): هى واحدة من أعنف الثورات التى هبت فى وجه الدولة الأموية، ولم يكن الدافع إليها خلاف مذهبى مع الدولة، كما هو الحال مع الخوارج والشيعة، وإنما كان دافعها الأساسى الطموح الشخصى الذى لعب برءوس بعض أبناء القبائل الكبرى، وكان «عبدالرحمن بن الأشعث» زعيم هذه الثورة نموذجًا لها؛ إذ استغل العداء التقليدى والحقد الدفين الذى يكنه العراقيون لبنى أمية أسوأ استغلال، وأعلن الثورة عليهم. وخلاصة القصة أن «الحجاج بن يوسف» والى «العراق» (75 - 95هـ) أمَّر «عبدالرحمن بن الأشعث» على جيش كبير سنة (80هـ) أطلق عليه

المؤرخون «جيش الطواويس»؛ لضخامته وحسن إعداده، وأمره بالتوجه إلى «سجستان» شرقىّ بلاد فارس؛ لمعاقبة ملكها «رتبيل» الذى نقض المعاهدة التى بينه وبين المسلمين، وفتح حدود بلاده للخارجين على الدولة الأموية، موفِّرًا لهم الأمن والحماية، فصبر عليه «الحجاج» على مضض، إلى أن فرغ من أمر الخوارج وقضى على «ابن الزبير»، فأرسل إليه هذا الجيش الهادر لتأديبه والقصاص منه. وبدلا من أن يمضى «عبدالرحمن بن الأشعث» لأداء المهمة المكلَّف بها، وقتال ملك كافر متمرد على الدولة، ارتد ثائرًا عليها، وشجعه على ذلك استجابة أهل «العراق» للثورة ورغبتهم فى التمرد على الدولة، وكانوا أغلبية فى الجيش الذى بلغ عدده مائة ألف مقاتل. وزاد الأمر سوءًا انخداع بعض العلماء من كبار التابعين بدعوة «ابن الأشعث»، فصدَّقوا دعواه بأنه إذا بويع بالخلافة فسيحكم بالعدل، ويعيد حكم الراشدين ويمحو مظالم «بنى أمية»، فاستجابوا له، وكان على رأسهم: «عامر الشعبى»، و «سعيد بن جبير» الذى جعله «الحجّاج» أمينًا على الأموال التى ينفق منها على الجيش، وكان لموقفهم هذا أثر كبير فى تمادى «ابن الأشعث» فى الثورة واستجابة الجنود له، وترتَّب على ذلك أعنف ثورة واجهت «عبدالملك بن مروان»، دامت نحو سنتين (81 - 83هـ)، ودارت بينهما نحو ثمانين موقعة، قتل فيها عشرات الألوف من الرجال، وكان أشهرها معركة «دير الجماجم» التى استمرت مائة يوم، وانتهت بهزيمة «ابن الأشعث» فى شهر جمادى الآخرة سنة (83هـ). لجأ «ابن الأشعث» بعد هزائمه إلى «رتبيل» ملك «سجستان»، وكان قد عقد معه اتفاقًا على أن يوفر له الحماية إذا هُزِم، لكن «الحجاج» طلب من «رتبيل» أن يسلمه «ابن الأشعث»، فعزم على تسليمه؛ لأنه كان حريصًا على عدم إثارة «الحجاج» أكثر من ذلك، فلما أحس «ابن الأشعث» بنية «رتبيل» على تسليمه، ألقى بنفسه من فوق القصر الذى كان يقيم به، فمات منتحرًا سنة (85هـ).

الفتوحات في عهد عبد الملك بن مروان: فتوحات زهير بن قيس البلوي: تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة (69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر» هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة» للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه هو ومن معه. - حسّان بن النعمان ودوره فى فتح شمالى إفريقيا: وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى «حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة «تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى «المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. عبدالملك وإدارة الدولة: أظهر «عبدالملك» براعة فائقة فى إدارة الدولة وتنظيم أجهزتها، مثلما أظهر براعة فى إعادة الوحدة إلى الدولة الإسلامية، فاعتمد على أكثر الرجال -فى عصره- مهارة ومقدرة، وأعظمهم كفاءة وخبرة، وسياسة وإدارة، ومن أبرزهم «الحجاج بن يوسف الثقفى»

الذى عهد إليه «عبدالملك» بإدارة القسم الشرقى للدولة، الذى يتكون من «العراق»، وكل أقاليم الدولة الفارسية القديمة، وكان «الحجاج» عند حسن الظن به، فبذل أقصى طاقته فى تثبيت أركان الدولة، والقضاء على كل مناوئيها، وكذلك إخوة «عبدالملك» الذين كانوا من أبرز ركائز دولته، ومنهم: «بشر بن مروان»، «ومحمد بن مروان» و «عبدالعزيز بن مروان» الذى ولى «مصر» نحو عشرين سنة (65 - 85هـ). وتفقد «عبدالملك» أحوال دولته بنفسه وتابع أحوال عُمَّاله وولاته، وراقب سلوكهم، ولم يسمح لأحد منهم بأن يداهنه أو ينافقه. وأنجز أعمالا إدارية ضخمة، دفعت بالدولة الإسلامية أشواطًا على طريق التقدم والحضارة، تمثلت فى تعريب دواوين الخراج فى الدولة الإسلامية كلها، وتعريب النقود، وتنظيم ديوان البريد، وجعله جهازًا رقابيا، يراقب العمال والولاة ويرفع إليه تقارير عن سير العمل فى الولايات. وتُوفِّى «عبدالملك بن مروان» فى شوال سنة (86هـ) بعد أن كرَّس كل وقته وجهده لتوطيد أركان الدولة، والسهر على رعاية مصالح المسلمين.

الوليد بن عبدالملك

5 - الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ): هو «الوليد بن عبدالملك بن مروان»، وُلد سنة (50هـ)، وهو أكبر أبناء «عبدالملك»، الذى حرص على تربيتهم تربية إسلامية، فعهد بهم إلى كبار العلماء والصلحاء لتعليمهم وتربيتهم، وخص ابنه «الوليد» بعناية خاصة، لأنه ولى عهده، وخليفته فى حكم الدولة الإسلامية، فشب «الوليد» على الصلاح والتقوى، حافظًا للقرآن، دائم التلاوة له. تولَّى «الوليد» الخلافة بعد وفاة أبيه، الذى ترك له دولة واسعة الثراء، غنية بالموارد، قوية الساعد، مرهوبة الجانب، موحَّدة الأجزاء، متماسكة البناء، موطَّدة الأركان، فاستثمر ذلك على أحسن وجه فى الفتوحات الإسلامية، فاستكمل المسلمون فى عهده فتح الشمال الإفريقى كله، وفتحوا بلاد «الأندلس»، وأتمُّوا فى المشرق فتح بلاد «ما وراء النهر» - آسيا الوسطى - وفتح إقليم «السند» فى «شبه القارة الهندية». وبرز فى عهده عدد من القادة الكبار، منهم من أشرف على فتح تلك البلاد، مثل: «الحجاج بن يوسف الثقفى»، ومنهم من قاد تلك الفتوحات بنفسه، مثل: «قتيبة بن مسلم الباهلى» فاتح بلاد «ما وراء النهر»، و «محمد بن القاسم الثقفى» فاتح «السند»، و «موسى بن نصير» و «طارق بن زياد» فاتحى «الأندلس». كما نهض «مسلمة بن عبدالملك» أخو «الوليد» بمنازلة الدولة البيزنطية، ومواصلة الضغط عليها، والاستعداد لمحاصرة عاصمتها «القسطنطينية». الفتوحات في عهد الوليد بن عبد الملك: - موسى بن نصير واستكمال فتح الشمال الإفريقي: حلّ «موسى بن نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة وحرية وعدل ومساواة. فتح الأندلس:

«الأندلس» أو «شبه جزيرة أيبريا» هى الجزء الجنوبى الغربى من قارة «أوربا»، وتشمل فى الوقت الحاضر دولتى «إسبانيا» و «البرتغال». عندما استقر الأمر للمسلمين فى «المغرب» فى ولاية «موسى بن نصير»، وأقاموا فيها نظامًا عادلا ورحيمًا، كانت «الأندلس» تمرُّ بأسوأ أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحت حكم «القوط» الذين استبدوا بالبلاد ونعموا بخيراتها، تاركين سواد الشعب يعانى الفاقة والحرمان، فتطلع أهلها إلى المسلمين ليخلصوهم مما هم فيه من ظلم واستعباد. وكان الذى دعا المسلمين إلى فتح تلك البلاد هو «يوليان» حاكم ولاية «سبتة» المغربية الواقعة على ساحل البحر، والخاضعة لحكم «القوط» آنذاك، ولم يكن المسلمون قد فتحوها، فاتصل حاكمها بطارق بن زياد حاكم «طنجة»، وعرض عليه الفكرة، فنقلها إلى «موسى بن نصير» الذى اتصل بالخليفة «الوليد بن عبدالملك»، فأذن له الخليفة، على أن يتأكد من صدق نيات «يوليان»، وأن يرتاد البلاد بحملة استطلاعية، ليعرف أخبارها قبل أن يدخلها فاتحًا. - حملة طريف بن مالك الاستطلاعية: كلَّف «موسى بن نصير» أحد رجاله وهو «طريف بن مالك» على رأس خمسمائة جندى، بدخول «الأندلس» وجمع ما يمكن جمعه من أخبار، كما طلب من «يوليان» أن يوافيه بتقرير عن أوضاع البلاد، فاتفقت معلومات «طريف» التى جمعها مع تقرير «يوليان»، وكلها تفيد أن البلاد فى حالة فوضى، وتعانى من الضعف العسكرى، وأن الناس ينتظرون المسلمين ليرفعوا عنهم الظلم، وعاد جيش «طريف» سنة (91هـ) محملا بالغنائم. - طارق بن زياد فاتح الأندلس: اختار «موسى بن نصير» للقيام بمهمة فتح «الأندلس» طارق بن زياد» وهو من أصل بربرى لما يتمتع به من شجاعة ومهارة فى القيادة، فخرج فى سبعة آلاف جندى، معظمهم من «البربر»، وعبر المضيق الذى يفصل بين الساحل المغربى والساحل الأندلسى، والذى لايزال يحمل اسمه، ونزل على الجبل - الذى حمل اسمه أيضًا - فى شهر

رجب سنة (92هـ)، واستولى عليه بعد عدة معارك مع القوات القوطية التى كانت تقوم بحراسته، وتوغَّل فى جنوبى البلاد. وما إن علم الملك «روذريق» بنزول المسلمين فى بلاده - وكان فى شمالى غربى البلاد مشغولا بقمع ثورة اندلعت ضده - حتى عاد مسرعًا للقاء المسلمين على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندى، ولما علم «طارق» بعودة الملك طلب مددًا من «موسى بن نصير»، فأمدََّه بخمسة آلاف، وأصبح عدد جيشه اثنى عشر ألفًا، والتقى الفريقان فى أواخر شهر رمضان سنة (92هـ)، وحقق المسلمون نصرًا حاسمًا، ويؤكد المؤرخون أن هذه المعركة المعروفة باسم معركة «شذونة» قد قررت مصير «الأندلس» لصالح المسلمين، لأن الجيش القوطى دُحر تمامًا، وهبطت روحه المعنوية إلى الحضيض، ولم يعد قادرًا على المقاومة، فانفتح الطريق أمام البطل الفاتح «طارق بن زياد»، ليستولى على مدن مهمة، مثل: «قرطبة»، و «غرناطة»، ووصل إلى «طليطلة» فى وسط البلاد، وكانت عاصمة البلاد فى ذلك الوقت. أرسل «طارق» إلى «موسى بن نصير» يبشره بهذه الانتصارات، ويطلب منه مددًا جديدًا، فعبر إليه بنفسه على رأس قوة كبيرة قوامها ثمانية عشر ألفًا، ونجح فى فتح عدد من المدن فى غربى البلاد مثل «إشبيلية» وهو فى طريقه إلى لقاء «طارق» فى «طليطلة». اتفق القائدان العظيمان على استكمال فتح «الأندلس»، فاتجه كل منهما إلى ناحية فأخذ «طارق بن زياد» طريقه إلى الشمال الشرقى، فى حين اتجه «موسى» إلى الشمال الغربى، ونجح الاثنان فى غضون عامين (93 - 95هـ) فى فتح معظم «شبه الجزيرة الأيبرية»، عدا منطقة جبلية فى أقصى الشمال الغربى، استعصت عليهم، أو لم يحفلوا بها، ولم يدروا أنها ستكون فيما بعد البؤرة التى ستنمو فيها المقاومة النصرانية. وقد استمر الإسلام فى «الأندلس» زهاء ثمانية قرون، شاد المسلمون خلالها حضارة عظيمة، جعلت منها البقعة الوحيدة المضيئة فى القارة

الأوربية كلها، التى كانت تعيش عصورًا مظلمة وتحيا حياة متخلِّفة. فتح بلاد ما وراء النهر: أطلق المسلمون اسم بلاد «ما وراء النهر» على البلاد المعروفة الآن باسم «آسيا الوسطى» الإسلامية، وتضم خمس جمهوريات إسلامية، كانت خاضعة للاتحاد السوفييتى، ثم منَّ الله عليهم، فاستقلُّوا بعد انهياره. وتقع بلاد «ما وراء النهر» بين نهر «جيحون» (أموداريا) فى الجنوب، ونهر «سيحون» (سرداريا) فى الشمال، وأهلها من أصول تركية، حلُّوا بها منذ القرن السادس الميلادى. وكانت هذه البلاد تتكون - عند الفتح الإسلامى - من عدة ممالك مستقلة، وهى: 1 - مملكة «طخارستان»، وتقع على ضفتى نهر «جيحون»، وعاصمتها «بلخ». 2 - مملكة «الخُتّل»، وهى أول مملكة شمالى نهر «جيحون»، وعاصمتها مدينة «هلبك». 3 - مملكة «صغانيان»، وعاصمتها تسمى «صغانيان» أيضًا. 4 - مملكة «الصغد»، وعاصمتها مدينة «سمرقند»، ومن أهم مدنها «بخارى». 5 - مملكة «خوارزم» وعاصمتها مدينة «الجرجانية». وكانت تُسمَّى هذه بالممالك الجيحونية، بالإضافة إلى عدة ممالك أخرى تقع على ضفتى نهر «سيحون»، سُميت بالممالك السيحونية، وهى «الشاش»، و «أشروسنة»، و «فرغانة». وهذه الممالك كلها تم فتحها خلال عشر سنوات (86 - 96هـ) فى خلافة «الوليد بن عبدالملك»، على يد «قتيبة بن مسلم الباهلى»، وبقوة دفع هائلة من «الحجاج بن يوسف الثقفى» والى «العراق» والمشرق. قتيبة بن مسلم فاتح بلاد ما وراء النهر: طرق المسلمون هذه البلاد عدة مرات منذ خلافة «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، وغزاها عدد كبير من القادة المسلمين كان آخرهم «المهلب بن أبى صفرة»، ولم تكن حملاتهم عليها للاستقرار الدائم والفتح المنظم، وإنما كانت لتعرفها ومعرفة أحوالها. وبدأت المرحلة الحاسمة فى الفتح والاستقرار مع تسلم «قتيبة بن مسلم» قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم «خراسان» سنة (85هـ)،

وكانت الظروف مواتية له تمامًا، فالدولة الأموية كانت عندئذٍ فى أحسن حالاتها استقرارًا وهدوءًا وثراءً، فاجتمع لقتيبة مهارة القائد، وعزم الوالى - «الحجاج» - وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها، فكانت فتوحاته العظيمة فى بلاد «ماوراء النهر». ولم يكن «قتيبة» قائدًا عسكريا فذا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك رجل دولة، وصانع سياسة، وواضع نظم وإدارة، فعمل بعد تسلمه أمور الولاية على القضاء على الخلافات العصبية التى كانت تعصف بالقبائل العربية فى «خراسان»، من جراء التنافس فى الولايات، وجمع زعمائهم. ولم يكتفِ «قتيبة» بتوحيد صفوف القبائل العربية تحت راية الجهاد، بل عمل على كسب ثقة أهل «خراسان» الأصليين، فأحسن إليهم، وقرَّبهم وتودَّد معهم، وعهد إليهم بالوظائف، فاطمأن الجميع إليه، ووثقوا به وبقيادته. مراحل الفتح: مرت خطوات «قتيبة» فى فتح تلك البلاد التى استمرت نحو عشر سنوات (86 - 96هـ) عبر مراحل أربع هى: - المرحلة الأولى (86 - 87هـ): وفيها أخضع «قتيبة بن مسلم» إقليم «طخارستان»، الواقع على ضفتى نهر «جيحون»، ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين تمامًا، منذ أن فتحه «الأحنف بن قيس» فى خلافة «عثمان بن عفان»، وكانت تلك بداية ناجحة، فبدون توطيد أقدامه فى «طخارستان» لم يكن ممكنًا أن يمضى لفتح «ما وراء النهر»، وأصبح يتمتع بهيبة كبيرة فى تلك البلاد؛ فما إن يسمع الملوك بمسيره إليهم، حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح. - المرحلة الثانية (87 - 90هـ): وفيها فتح «قتيبة» إقليم «بخارى»، بعد حروب طاحنة، وانتظام حملاته عليها، وكان الغزو يحدث فى الصيف، لأن شتاء تلك البلاد كان قاسيًا شديد البرودة على العرب، لكنهم صبروا وجاهدوا حتى تمَّ لهم الفتح. والحقيقة أن جهل أهل البلاد بالإسلام، وتصورهم أن المسلمين جاءوا للاستيلاء على خيرات بلادهم، هو الذى جعلهم يقاومونهم، لكنهم لما

عرفوا أن المسلمين ليسوا غزاة، وإنما هداة يحملون إليهم الإسلام، أقبلوا على اعتناقه والإيمان بمبادئه. يقول المستشرق المجرى «أرمينوس فامبرى»: «إن بخارى التى قاومت العرب فى البداية مقاومة عنيفة، قد فتحت لهم أبوابها، لتستقبلهم ومعهم تعاليم نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، تلك التعاليم التى قوبلت أول الأمر بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم عليها بعد ذلك فى غيرة شديدة، حتى لنرى الإسلام الذى أخذ شأنه يضعف اليوم فى جهات آسيا الأخرى، وقد غدا فى بخارى اليوم - (1873م) - على الصورة التى كان عليها أيام الخلفاء الراشدين». - المرحلة الثالثة (90 - 93هـ): وفيها أكمل فتح حوض نهر «جيحون» كله، وتوَّج عمله بالاستيلاء على «سمرقند»، أعظم مدائن «ما وراء النهر» كلها. - المرحلة الرابعة (93 - 96هـ): وفيها عبر «قتيبة» نهر «سيحون»، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: «الشاش»، و «أشروسنة»، و «فرغانة»، ووصل إلى إقليم «كاشغر» الذى يلامس حدود «الصين»، التى تهيأ لفتحها، لولا أن وفاة «الحجاج» سنة (95هـ)، وبعده الخليفة «الوليد بن عبد الملك» سنة (96هـ)، جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك «الصين» على دفع الجزية له مع رسوله إليه «هُبيرة بن المشمرج الكلابى». وقد أصبحت تلك البلاد جزءًا مهما وعزيزًا من العالم الإسلامى، نشأت فيه مراكز علمية وحضارية، مثل «سمرقند»، و «بخارى»، و «جرجان»، وغيرها، وخرجت عددًا هائلا من علماء المسلمين الذين ملأت أسماؤهم سمع الدنيا وبصرها. فتح السند: بدأ «الحجاج بن يوسف الثقفى» يعد العدة لفتح إقليم «السند» فى «شبه القارة الهندية»، بعد أن استقام الأمر له فى جنوبى بلاد فارس وتوطدت أقدام المسلمين هناك، وقضى على تمرد «رتبيل» ملك «سجستان»، وأخضع بلاده. ويُعد فتح بلاد «السند» شبيهًا بفتح بلاد «ما وراء النهر» من عدة وجوه، منها: - وحدة الزمان، فقد فتح المسلمون «السند» سنة (89هـ).

-ووحدة القيادة العامة التى توجه الفتوحات، والتى تمثلت فى شخص «الحجاج الثقفى» الذى وقف وراء ابن عمه «محمد بن القاسم الثقفى» كما وقف وراء «قتيبة بن مسلم»، يعضِّد الفتح ويؤازره، ويمده بالرجال والعتاد. وقد سبق الفتحَ المنظم لبلاد «السند» سلسلةٌ من الحملات والغزوات التى قام بها المسلمون لمعرفة طبيعة البلاد وجمع المعلومات عنها، كما حدث لبلاد «ما وراء النهر»، فقد بدأ المسلمون يطرقون أبواب هذا الإقليم منذ عهد «عمر بن الخطاب»، ويمدنا «البلاذرى» بمعلومات ضافية عن حملات المسلمين الأولى قبل حملة «محمد بن القاسم الثقفى» فاتح «السند» (89 - 96هـ). عزم «الحجاج» على فتح إقليم «السند»، بعد أن استقرت أحوال الدولة الأموية، فأسند هذه المهمة إلى «محمد بن القاسم» وكان دون العشرين من عمره، وجهَّزه بما يكفل له النجاح من عدة وعتاد، وأمدَّه بستة آلاف جندى من أهل الشام، بالإضافة إلى ما كان معه من الجنود، فأصبح تحت قيادته نحو عشرين ألفًا فى تقدير بعض المؤرخين. اتخذ «محمد بن القاسم» من مقاطعة «مهران» فى جنوبى «فارس» قاعدة للفتح ونقطة انطلاق، فقسَّم جيشه نصفين، أحدهما برِّى والآخر بحرى، ثم تحرك قاصدًا مدينة «الديبُل» - وهى تقع قريبًا من «كراتشى» الحالية فى «باكستان» - وفتح فى طريقه إليها «فنزبول»، و «أرمائيل»، ثم وافته السفن التى كانت تحمل الرجال والعتاد، فحاصر «الديبل» واستولى عليها بعد قتال دام ثلاثة أيام، وترك فيها حامية من أربعة آلاف رجل، وبنى لهم مسجدًا. وكان لفتح المسلمين مدينة «الديبل» أثر كبير فى أهل «السند»، فسارعوا يطلبون الصلح فصالحهم «محمد بن القاسم» ورفق بهم، ثم سار إلى «البيرون» - «حيدر آباد السند» حاليا - فتلقاه أهلها وصالحوه كذلك، وكان لا يمر بمدينة إلا فتحها صلحًا أو عَنوة، وتوَّج ذلك كله بالانتصار على «داهر» ملك «السند»، ومضى يستكمل

فتحه، فاستولى على حصن «راوَدْ»، ثم «برهماناباذ»، و «الرور» و «بهرور»، ثم اجتاز نهر «بياس» وعبر إلى إقليم «الملتان»، فاستولى عليه بعد قتال شديد، وغنم كميات كبيرة من الذهب. وبينما يواصل «محمد بن القاسم» فتوحاته؛ إذ جاءته الأخبار بوفاة «الحجاج» سنده وعونه فى الفتح، فاغتم لذلك غما شديدًا؛ لكنه واصل فتوحاته حتى أتم فتح بلاد «السند»، وجاءته قبائل «الميد» و «الجات» و «الزط» تقرع الأجراس فرحة هاتفة، مرحبة به، لأنهم عدُّوه محررهم من ظلم الهندوس واستعبادهم. وفى هذه الأثناء مات الخليفة «الوليد بن عبدالملك» سنة (96هـ)، وتولَّى أخوه «سليمان بن عبدالملك» منصب الخلافة، فعيَّن على «العراق» «صالح بن عبدالرحمن»، وكان واحدًا من ألد خصوم «الحجاج»، فقرر الانتقام منه على الرغم من وفاته سنة (95هـ)، فى شخص ابن عمه «محمد بن القاسم»، فعزله عن قيادة الجيش، ولم يكتفِ بذلك، بل أمر بالقبض عليه ووضعه فى السجن، وظل يعذبه حتى مات. ومن العجيب أن هذا البطل الذى قتله أهله وعشيرته حزن عليه أهل «السند» الذين فتح بلادهم، لما رأوا فى عهده من عدل وسماحة وحرية، وصنعوا له التماثيل كما يروى «البلاذرى». النهضة العمرانية في عهد الوليد: شهد عصر الوليد بن عبد الملك نهضة عمرانية كبرى، فأعاد بناء «المسجد النبوى» وأدخل عليه توسعات كبيرة، وعهد إلى ابن عمه والى «المدينة» «عمر بن عبدالعزيز» بمتابعة ذلك، كما بنى «المسجد الأقصى» فى مدينة «القدس»، وبنى «مسجد دمشق»، وأنفق عليه كثيرًا ليكون آية من آيات العمارة، وعُنى عناية فائقة بتعبيد الطرق التى تربط بين أجزاء الدولة، التى امتدت أطرافها من «الصين» شرقًا إلى «الأندلس» غربًا، ومن «بحر قزوين» شمالا إلى «المحيط الهندى» جنوبًا، وبخاصة الطرق التى تؤدى إلى «مكة المكرمة»، لتسهِّل سفر حجاج بيت الله الحرام. وفى عهده سبقت الدولة الإسلامية كل دول العالم فى تقديم الخدمات

للناس مجانًا، وبخاصة الخدمات الطبية لأصحاب الأمراض المزمنة، يقول «الطبرى»: «كان الوليد عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد، مسجد دمشق، ومسجد المدينة، ووضع المنابر، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقعَد خادمًا، وكل ضرير قائدًا، وفُتح فى عهده فتوح عظام». وتُوفِّى الوليد بن عبدالملك فى جمادى الآخرة سنة (96هـ).

سليمان بن عبدالملك

6 - سليمان بن عبدالملك (96 - 98هـ): هو «سليمان بن عبدالملك بن مروان»، وُلد فى «المدينة»، ونشأ فى الشام، وبُويع له بالخلافة فى اليوم الذى تُوفِّى فيه أخوه «الوليد بن عبدالملك». كان «سليمان» من أفضل أولاد «عبدالملك»، ومن أكبر أعوان أخيه «الوليد» أثناء خلافته، وولى له «فلسطين»، وصفه «الذَّهبى» بقوله: «من أمثل الخلفاء - يعنى من أفضلهم - نشر علم الجهاد، وكان ديِّنا فصيحًا مفوَّهًا، عادلا محبا للغزو، استعان فى إدارة دولته وتصريف شئونها بعظماء الرجال وصالحيهم، من أمثال: ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز»، و «رجاء بن حيوة». حافظ «سليمان» على هيبة الدولة ومكانتها، فواصل الجهاد والفتوحات، وأرسل جيشًا بقيادة أخيه «مسلمة بن عبدالملك» لحصار «القسطنطينية»، وأشرف بنفسه على هذه الحملة، حيث اتخذ من مدينة «مرج دابق» شمالى الشام مركز قيادة له؛ ليكون على مقربة من ميدان المعارك الحربية. اهتم الخليفة «سليمان بن عبدالملك» بفتح «القسطنطينية» اهتمامًا كبيرًا، وجهَّز لذلك جيشًا ضخمًا، بلغ زهاء مائة ألف جندى، ومزودًا بنحو ألف وثمانمائة سفينة حربية، وأسند قيادته إلى أخيه «مسلمة بن عبدالملك»، واتخذ هو من مدينة «مرج دابق» شمالى الشام مركز قيادة، يتابع منه أخبار الجيش وسير عملياته. وقد حاصر الجيش المدينة مدة عام كامل (98 - 99هـ) دون جدوى، فقد استعصت المدينة على السقوط، على الرغم من الاستعدادات الكبيرة للجيش الإسلامى وتضحياته الجسيمة. ولم تكن هذه الحملة والحملتان اللتان تمتا في عهد معاوية برغم عجزهم عن فتح «القسطنطينية» بغير فائدة، فقد شغلت الدولة البيزنطية بالدفاع عن نفسها وعن عاصمتها، وجعلت الاستيلاء عليها أملا إسلاميا لم يخبُ نوره أو تنطفئ جذوته عبر القرون، حتى حقَّقه السلطان العثمانى «محمد الفاتح» سنة (857هـ = 1453م)، وشيد مسجدًا بالقرب من قبر «أبى أيوب الأنصارى» أول شهيد إسلامى هناك.

وتُوفِّى سليمان بن عبد الملك في مرج دابق فى شهر صفر سنة (99هـ)، ولذا قال بعض العلماء: إنه مات شهيدًا، بعد أن توَّج أعماله بعمل يدل على صلاحه وحرصه على مصالح المسلمين، وهو تولية ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز» الخلافة من بعده.

عمر بن عبدالعزيز

7 - عمر بن عبدالعزيز (99 - 101هـ): هو «عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم»، وأمه «أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب». وُلد فى «المدينة المنورة» سنة (26هـ) على الأرجح، ونشأ بها بناءً على رغبة أبيه، الذى تولَّى إمارة «مصر» بعد ولادة «عمر» بثلاث سنوات سنة (65هـ)، فنشأ بين أخواله من أسرة «عمر بن الخطاب»، ونهل من علم علمائها من بقية الصحابة، وكبار التابعين، حتى صار من كبار الفقهاء علمًا وعملا. ظل «عمر» فى «المدينة» حتى سنة (85هـ)، وهى السنة التى تُوفى فيها أبوه، فاستدعاه عمه «عبدالملك بن مروان» إلى «دمشق»، وخلطه بأبنائه، وزوَّجه ابنته «فاطمة»، ثم عيَّنه واليًا على منطقة «خناصرة» شمالى شرقى الشام، ثم عيَّنه ابن عمه «الوليد بن عبدالملك» واليًا على «المدينة المنورة»، فكان ذلك مصدر سعادة لعمر ولأهل «المدينة» جميعًا، ونعم الناس فى فترة ولايته عليها (87 - 93 هـ) بالعدل والأمن، وأشرك معه أهل العلم والفضل منهم فى إدارة أمور الولاية. عمر فى خلافته: أخذ «عمر بن عبدالعزيز» منذ أن ولى الخلافة فى بذل كل ما يملك من طاقة، وما يتمتع به من خبرة فى إصلاح أمور الدولة، واستقرار الأمن، ونشر الرخاء والعدل، وتحقيق الكفاية والوفرة فى كل أنحائها، والحرص على مال المسلمين، وإنفاقه فى وجوهه المشروعة، وحسن التصرف فى الأمور، والدقة فى اختيار الولاة والقضاة وسائر كبار رجال الدولة، وتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى؛ لإقناعهم بالعودة إلى حظيرة الجماعة كما فعل مع الخوارج حين عاودوا نشاطهم فى عهده فاستعمل معهم أسلوب الحوار، فاستجابوا له لمَّا أقنعهم بخطأ أفكارهم المتطرفة، ووعدوه بالهدوء، لكنهم هبُّوا من جديد بعد وفاته سنة (101هـ)، ولم تهدأ ثوراتهم التى استمرت حتى آخر أيام الدولة الأموية. وقد سرت تلك الروح فى كل ناحية من نواحى الحياة فى الأمة

الإسلامية، فعمها الرخاء، وسادت فيها الكفاية والعدالة الاجتماعية، حتى إن عمال الصدقات كانوا يبحثون عن فقراء لإعطائهم فلا يجدون. سياسته الخارجية: رأى «عمر بن عبدالعزيز» أن الدولة اتسعت كثيرًا، وأن كثيرًا من المشاكل والأخطاء نشأت من ذلك الاتساع، فرأى وقف الفتوحات والاهتمام بنشر الإسلام فى البلاد التى تم فتحها، وإرسال الدعاة والعلماء لدعوة الناس بدلا من إرسال الجيوش والحملات، وقد أثمرت تلك الجهود نتائج محمودة، فأقبل أبناء الشعوب المفتوحة على اعتناق الإسلام، يجذبهم إليه سمعة الخليفة الحسنة، وسمو أخلاقه، ونبله وعدله، الذى تجاوز حدود دولته إلى غيرها من الدول، فكان موضع إعجاب وتقدير، وحمد وثناء من أهلها، وبخاصة الدولة البيزنطية. وقد استمرت خلافة «عمر» سنتين وبضعة أشهر، شهدت فيها الدولة إصلاحات عظيمة فى الداخل والخارج، وامتلأت الأرض نورًا وعدلا وسماحة ورحمة، وتجدَّد الأمل فى النفوس بإمكان عودة حكم الراشدين، واقعًا ملموسًا وحقيقة لا خيالا، وأن يقام المعوج، وينصلح الفاسد، ويُرد المنحرف إلى جادة الصواب، إذا استشعر الحاكم مسئوليته عن الأمة أمام الله، واستعان بأهل الصلاح من ذوى الكفاءة والقدرة، ومن ثم فليس بغريب أن يطلق على «عمر» «خامس الخلفاء الراشدين»، وأن يكون موضع تقدير أشد الفرق عداءً لبنى أمية كالشيعة والخوارج. وتُوفِّى «عمر بن عبدالعزيز» فى أواخر شهر رجب سنة (101هـ).

يزيد بن عبدالملك

8 - يزيد بن عبدالملك (101 - 105هـ): هو «يزيد بن عبدالملك بن مروان»، وأمه «عاتكة بنت يزيد بن معاوية ابن أبى سفيان»، وُلد فى «دمشق» سنة (71هـ) على وجه التقريب، وبويع له بالخلافة فى اليوم الذى تُوفى فيه ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز» فى نهاية شهر رجب (101هـ). وتدل أخباره قبل تولِّيه الخلافة على أنه كان يحب العلم ومجالسة العلماء، ولديه ميل إلى الاستقامة، وقد حاول بعد توليه الخلافة أن يقتدى بسلفه العظيم «عمر بن عبدالعزيز»، لكن قرناء السوء حالوا بينه وبين ذلك، وزيَّنوا له حياة اللهو واللعب، ويعبِّر عن ذلك «ابن كثير» بقوله: «فلما ولى - «يزيد بن عبدالملك» الخلافة - عزم على أن يتأسَّى بسيرة عمر بن عبدالعزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسَّنوا له الظلم». ولم تكن مناعة «يزيد» ضد الانغماس فى حياة اللهو قوية، فاستجاب لقرناء السوء ورفاق اللهو، ولولا أن الدولة الأموية كانت زاخرة بالرجال الأفذاذ، وعامرة بالأبطال من أبناء الأسرة الحاكمة، لانهارت فى عصره، فقد عوَّض هؤلاء عدم كفاءة الخليفة لقيادة الدولة، ويأتى فى مقدمتهم أخوه: «مسلمة بن عبدالملك» فارس «بنى مروان»، وابن أخيه «العباس بن الوليد بن عبدالملك»، وابن عمه «مروان بن محمد بن مروان»، وقد نجح الأولان فى القضاء على الثورة العارمة، التى أشعلها «يزيد بن المهلب» سنة (102هـ)، أحد أبناء البيوتات العربية الطامحة إلى الخلافة بعد ما نجح فى السيطرة على معظم «العراق»، وعرّض الدولة للسقوط، كما تصدّوا لحركات الخوارج وكل مناوئى الدولة، وحافظوا على سلامتها. ولم تطل خلافة «يزيد»، فقد تُوفى فى أواخر شهر شعبان سنة (105هـ).

هشام بن عبدالملك

9 - هشام بن عبدالملك (105 - 125هـ): هو «هشام بن عبدالملك بن مروان»، رابع أبناء «عبدالملك» الذين ولوا الخلافة، أمه «أم هاشم بنت إسماعيل المخزومى»، وُلد فى «دمشق» سنة (72هـ)، وبويع له بالخلافة سنة (105هـ). ومع أن المصادر التاريخية لم تحدثنا كثيرًا عن حياته قبل الخلافة، وعمَّا إذا كانت له مشاركة فى تسيير أمور الدولة أم لا، فإنها تجمع على أنه كان ذا رأى وبصيرة، وحكمة وفطنة، حازمًا ذكيا، له بصر بالأمور، جليلها وحقيرها، محشوا عقلا على حسب تعبير «الطبرى». وكان من حسن الطالع للدولة الأموية وللمسلمين أن يخلف «هشام بن عبدالملك» أخاه «يزيد»، فقد ظل فى الخلافة نحو عشرين عامًا، أدار فيها الدولة بكفاءة عالية، وأظهر حكمة سياسية فى تعامله مع الكتلتين العربيتين الرئيسيتين فى الدولة، وهما عرب الجنوب (اليمن)، وعرب الشمال (قيس)، فلم يتحيز إلى كتلة ضد الأخرى، واحتفظ بعلاقة طيبة معهما ومع الجميع بصفة عامة، ولعل هذه السياسة هى التى كفلت للدولة الاستقرار النسبى طوال حكمه. وقد تمتع «هشام» بعديد من الصفات اللازمة لرجل الدولة، من حلم وتسامح وسعة صدر، وعدل وحزم، أما أبرز صفاته الإدارية على الإطلاق فهى قدرته الفائقة على تدبير الأموال وحسن التصرف فيها، مع تحرى العدل فى جمعها وإنفاقها على حد سواء، فنعمت الدولة فى عهده باستقرار مالى كبير. وأظهر «هشام» كفاءة عالية ومقدرة فائقة فى إدارة الشئون الخارجية للدولة، فحافظ على هيبتها فى عيون أعدائها، وبخاصة الدولة البيزنطية. ثورة زيد بن علي بن الحسين: لم يعكر صفو الدولة فى عهد «هشام» سوى ثورة «زيد بن على بن الحسين بن على» سنة (121هـ)، حين حرّضه العراقيون على الثورة ضد «هشام»، والخروج عليه، ثم تخلَّوا عنه كما فعل أسلافهم مع جده «الحسين بن على» وكانت قد مضت فترة امتدت إلى أكثر من نصف قرن، منذ مصرع «المختار الثقفى» سنة (67هـ)، دون أن يقوم

الشيعة بأية ثورة ضد الدولة الأموية، بسبب الضربات المتلاحقة التى حاقت بهم، وافتقارهم إلى الزعامة القوية التى تقودهم، لأن «على بن الحسين» - وهو الوحيد الذى نجا من مذبحة «كربلاء» - كان عازفًا عن الاشتغال بالسياسة، محبا للعلم متفرغًا للعبادة، غير أن ابنه «زيد بن على» - وكان عالمًا فاضلا - حدَّثته نفسه بالخلافة، ورأى أنه أهل لها، وعرف أهل «الكوفة» منه ذلك، فزيَّنوا له الثورة على «بنى أمية»، وقالوا له: «إنا لنرجو أن تكون المنصور، وأن يكون هذا الزمان الذى يهلك فيه بنو أمية». تشكك «زيد بن على» فى صدق نيتهم، وقوة عزيمتهم، وقال لهم: «إنى أخاف أن تخذلونى وتسلمونى كفعلتكم بأبى وجدى»، لكنه استجاب لهم على الرغم من تحذير أهله وأولاد عمومته من غدر أهل «الكوفة». انخدع «زيد بن على» بأهل «الكوفة» وأعلن الثورة على «هشام ابن عبدالملك» سنة (121هـ)، فتكررت أحداث قصة جده «الحسين»، وأعاد التاريخ نفسه، فلم يتساهل الخليفة «هشام» مع ثورة تريد نقض ملكه والإطاحة بدولته، على الرغم من كراهيته لسفك الدماء، فأمر واليه على «الكوفة» «يوسف بن عمر الثقفى» فتصدَّى لزيد بن على الذى انفض عنه شيعته، وأسلموه إلى عدوه، كما أسلم أسلافهم جدَّه «الحسين»، ولم يبقَ معه فى اللحظات الحرجة من بين خمسة عشر ألفًا بايعوه وعاهدوه على النصرة، إلا نحو مائتى رجل، فاستطاع «يوسف بن عمر» أن يقضى فى سهولة ويسر على تلك الثورة، وقتل «زيد بن على» فى صفر سنة (122هـ). فحزن «هشام» على قتله، لأنه كان يكره سفك الدماء. وتُوفى «هشام بن عبدالملك» فى مطلع شهر ربيع الآخر سنة (125هـ).

الوليد بن يزيد بن عبدالملك

10 - الوليد بن يزيد بن عبدالملك (125 - 126هـ): هو أول حفيد من أحفاد «عبدالملك بن مروان» يتولى الخلافة، طبقًا لنظام الوراثة الذى سار عليه الأمويون، إذ عَهِدَ «يزيد بن عبدالملك» إلى ابنه بالخلافة بعد أخيه «هشام بن عبدالملك». وتُعد خلافة «الوليد بن يزيد» بداية النهاية للدولة الأموية، وطليعة سقوطها؛ لأنه كان على شاكلة أبيه لهوًا ولعبًا، وإذا كان أبوه قد رزق من يعوض نقص كفاءته فى الحفاظ على سلامة الدولة، من إخوته وأبناء عمومته، فإن «الوليد» لم يجد مثل هذا النوع من أفذاذ الرجال، بل ثار عليه أبناء عمومته من أبناء «الوليد بن عبدالملك» وأخيه «هشام»، وشهد عصره أول انقسام داخلى بين الأسرة الأموية وأشده خطرًا. وقد حاول «الوليد» استرضاء الجند بزيادة رواتبهم، واستمالة الناس بزيادة أعطياتهم من الأموال الكثيرة التى تركها له عمه «هشام بن عبدالملك» فى خزانة الدولة، لكن ذلك لم يمنع الثائرين عليه من أبناء عمومته بزعامة «يزيد بن الوليد» من تلطيخ سمعته واتهامه بالفسق والفجور، والمبالغة فى تلك التهم والتشهير به؛ لأن «ابن الأثير» يقول: «إن الوليد لم يكن على هذه الدرجة من السوء، غير أن خصومه نجحوا فى خطتهم، وقتلوه فى جمادى الآخرة سنة (126هـ)، فاتحين بذلك أبواب الشر على الدولة من كل جانب، مفجِّرين الثورات والفتن فى كل مكان».

يزيد بن الوليد بن عبدالملك

11 - يزيد بن الوليد بن عبدالملك (126 - 127هـ): هو أول أموى من أم غير عربية يتولَّى الخلافة، فأمه فارسية تُدعى «شاه أفريد بنت فيروز بن يزدجرد الثالث» آخر ملوك الفرس. تولَّى الخلافة بعد مقتل ابن عمه «الوليد بن يزيد» سنة (126هـ)، وحاول أن يظهر الصلاح والتقوى، ويتشبه بعمر بن عبدالعزيز فى عدله وزهده، ليمحو من أذهان الناس فعلته الشنعاء بابن عمه، لكنه لم ينجح فى ذلك، إذ اضطربت عليه الأمور، ونقم عليه الجند بعد أن أنقص أعطياتهم التى كان قد زادها الخليفة السابق، ولقَّبُوه «يزيد الناقص». وقد اضطربت الدولة فى عهده اضطرابًا شديدًا، وجرَّ عليها بفعلته كوارث لا قِبَل لها بها، وشغل أبناء الأسرة الأموية فى صراعات داخلية دمويّة، فى الوقت الذى كانوا فيه أحوج الناس إلى الوحدة والتضامن إزاء الدعوة العباسية التى نشطت استعدادًا للانقضاض على الدولة. وزاد الأمر سوءًا أن «يزيد» عجز عن المحافظة على سياسة التوازن بين القبائل العربية التى انتهجها عمه «هشام بن عبدالملك»؛ فانحاز إلى أهل «اليمن» الذين ساعدوه فى الثورة على «الوليد»؛ مما أغضب عرب «قيس»، فثاروا عليه فى الشام معقل «بنى أمية»، ثم أخذ الخلل والاضطراب يسريان فى جميع أقاليم الدولة. وفى ظل هذه الأحداث الهائجة، والأجواء العاصفة توفى «يزيد» فجأة فى نهاية سنة (126هـ)، بعد حكم لم يتجاوز ستة أشهر، تاركًا الدولة غارقة فى حالة من الفوضى والغليان.

إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك

12 - إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك (127هـ): على الرغم من مبايعة بعض الناس لإبراهيم بالخلافة بعد وفاة أخيه «يزيد» الذى كان قد عهد إليه بالخلافة، فإن الأمرلم يتم له، ولم يستطع أن يمسك بزمام الأمور فى الدولة التى انفرط عقدها، لذا يقول «الطبرى»: «كان الناس فى جمعة يسلمون على إبراهيم بن الوليد بالخلافة، وفى الأخرى بالإمارة، وفى الثالثة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالإمارة»، كما رفضت معظم أقاليم الشام بيعته، وحمَّلته هو وأخاه «يزيد» مسئولية قتل «الوليد بن يزيد» وما ترتب على ذلك من فتن وشرور. وفى هذه الأثناء تحرك «مروان بن محمد بن مروان»، والى «أرمينيا» و «أذربيجان»، لإنقاذ الدولة من السقوط والضياع، بعد أن هاله وأفزعه ما أقدم عليه أبناء عمومته، وقدم إلى «دمشق» على رأس ثمانين ألف جندى، للقضاء على «إبراهيم بن الوليد» الذى هرب، فدخلها فى ربيع الآخر سنة (127هـ)، وبايعه الناس بالخلافة، مؤملين إنقاذ الدولة من الضياع، ولكن كان للأقدار رأى آخر، فقد شاءت أن تكتب فى عهده شهادة وفاة تلك الدولة.

مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

13 - مروان بن محمد بن مروان بن الحكم (127 - 132هـ): هو آخر خلفاء «بنى أمية»، ولى حكم «أرمينيا» و «أذربيجان» منذ خلافة ابن عمه «هشام بن عبدالملك»، وكان من أكفأ الولاة، وأكثرهم خبرة وبصرًا بالأمور؛ فارسًا شجاعًا، بطلا مقدامًا، غيورًا على ملك «بنى أمية». أدرك «مروان» عواقب مقتل «الوليد بن يزيد» على البيت الأموى، فخرج من «أرمينيا» قاصدًا «دمشق»؛ ليثأر لمقتل «الوليد»، لكن الخليفة الجديد «يزيد بن الوليد» ترضَّاه، ورجاه أن يرجع، ووعده بإصلاح الأحوال، فرجع مؤمِّلا أن يفى الخليفة بوعده، غير أن الخليفة تُوفِّى فجاءة، تاركًا الدولة وأحوالها مضطربة، لأخيه «إبراهيم»، الذى عجز عن النهوض بأعباء الخلافة؛ مما دفع «مروان» إلى التحرك من جديد، قاصدًا «دمشق»، ليجد «إبراهيم» قد غادرها هربًا، فيدخلها، ويبايع له بالخلافة، ليقوم بآخر محاولة لإنقاذ الدولة الأموية، التى شاءت الأقدار أن تكون نهايتها على يديه. ولا يستطيع أحد أن يلوم «مروان» أو يحمله مسئولية زوال الدولة، فعوامل سقوطها كانت تتفاعل وتعمل من زمن بعيد، وكُتب له أن يجنى وحده الثمار المرة لأخطاء من سبقه، على الرغم مما بذله من جهد ومثابرة، وعزم لا يلين، فحارب فى أكثر من ميدان، وصارع أحداثًا عدّة، كانت كلها ضدَّه، وأول خطر واجهه هو انقسام البيت الأموى شيعًا وأحزابًا، وإشعال أبناء عمومته الثورات العارمة ضده فى الشام و «العراق»، ثم انقسام القبائل العربية؛ حيث وقفت القبائل اليمنية فى وجهه، وهم الأنصار التقليديون لبنى أمية، وانفجار المشكلات فى أنحاء الدولة كلها من «الأندلس» حتى بلاد «خراسان» و «ما وراء النهر». وقد بلغت حركة الخوارج أقصى درجات العنف فى عهد «مروان بن محمد» (127 - 132هـ)، وقد شهد آخر ثورات الخوارج وأشدها خطرًا، بقيادة «الضحاك بن قيس الشيبانى» فى «العراق»، و «أبى حمزة الخارجى» فى جنوبى الجزيرة العربية.

وفى الوقت الذى يواجه فيه «مروان» كل هذه الظروف الصعبة، منتقلا من ميدان إلى ميدان، ومن جبهة إلى أخرى دون كلل أو ملل، محاولا إنقاذ الدولة، وبث روح الحياة فيها، وتجديد الدماء فى أوصالها - تفاجئه رايات العباسيين منحدرة من «خراسان» كالسيل المنهمر، مكتسحة كل قواته فى طريقها، ولم تتوقف إلا بهزيمته وهو على رأس جيوشه فى معركة على «نهر الزاب» بالعراق، فى شهر جمادى الآخرة سنة (132هـ). ولم يجد «مروان» طريقًا سوى الهرب إلى «مصر»، غير أن العباسيين لاحقوه إلى هناك، واستطاع «صالح بن على بن عبدالله بن عباس»، عم أول خليفة عباسى أن يقتله فى قرية تُسمَّى «زاوية المصلوب» التابعة لبوصير الواقعة جنوبى «الجيزة»، فى ذى الحجة سنة (132هـ). سقوط الدولة الأموية: إن من يقرأ تاريخ الدولة الأموية منذ قيامها، ويدرس فتوحاتها ونظمها الإدارية، ومساهماتها الحضارية، وكفاءة خلفائها وولاتها، ربما لا يتوقع النهاية السريعة والسقوط المدوى لها، وبالفعل يعد سقوطها وانهيار بنيانها الشامخ من الأمور العجيبة فى التاريخ البشرى، غير أن ذلك العجب والدهشة يزولان، بعد دراسة العوامل والأسباب التى تفاعلت وعملت على تحقيق ذلك السقوط، وهى تتلخص فى الآتى: - أولا: ثورات الشيعة المتتالية ضد الدولة، بدءًا من ثورة «الحسين بن على بن أبى طالب» ضد «يزيد بن معاوية» واستشهاده فى «كربلاء» فى المحرم سنة (61هـ)، ونهاية بثورة «زيد بن على بن الحسين» سنة (121هـ) ضد «هشام بن عبدالملك». وربما لا تكون ثورات الشيعة ذات أثر عسكرى فى الدولة الأموية، باستثناء حركة «المختار الثقفى»، لكن أثرها كان بعيد المدى فى نفوس الناس، وشحنها بالعداء لبنى أمية، وهذا ما استفاده دعاة العباسيين فى مرحلة التحضير لثورتهم. - ثانيًا: ثورات الخوارج وهذه كانت من العنف والقوة بحيث أسهمت إسهامًا واضحًا فى إضعاف الدولة الأموية، فلم تتركها تستريح،

وظلت تنفجر فى أماكن كثيرة، وبخاصة فى «العراق» والجزيرة العربية حتى آخر لحظة فى حياة الدولة، فقد سبق القول: إن الخوارج شغلوا آخر خليفة أموى، وهو «مروان بن محمد» بثوراتهم العنيفة عن التنبّه للخطر الداهم الذى زحف عليه من «خراسان»، بقيادة «أبى مسلم الخراسانى». - ثالثًا: العصبيات العربية التى احتدمت بين القبائل، وبخاصة بين عرب الجنوب (اليمن) وعرب الشمال (قيس)، وكانت تلك العصبيات قد خبت وكمنت بفضل تعاليم الإسلام التى أعلت من رابطة العقيدة، وجعلت التقوى والعمل الصالح ميزان التفاضل بين الناس لا أنسابهم أو أجناسهم. ثم بدأت تطل برأسها فى عهد «عثمان بن عفان»، وكانت من أسباب الفتنة التى راح ضحيتها الخليفة نفسه، واستمرت فى خلافة «على بن أبى طالب»، وكان لها أسوأ الأثر فى إفساد الأمر عليه، فزعماء القبائل اليمنية الذين معه مثل «الأشتر النخعى» و «الأشعث بن قيس» كانوا يتصرفون من منطلق قبلى، وأعلوا عصبيتهم فوق مصلحة الإمام «على»، بل فوق مصلحة الإسلام نفسه. فلما قامت الدولة الأموية استطاع «معاوية» بمهارته السياسية الفائقة أن يتعامل مع هذه العصبية القبلية بتوازن شديد؛ فاحتفظ بصداقة الجميع وطاعتهم، وكذلك فعل «عبدالملك بن مروان» وأولاده حتى «هشام بن عبدالملك» (105 - 125هـ)، ثم انفجرت العصبيات القبلية، وفتحت فاها كألسنة النيران، دون أن يستطيع أحد أن يوقفها أو يسد فاها، لأن خلفاء الأمويين الأواخر لم يكونوا أهلا للقيادة فعجزوا عن التصدِّى لها، وزاد الأمر خطرًا أن تلك العصبيات انفجرت فى الشام، الحصن الحصين للدولة الأموية، فانقلبت عليهم القبائل اليمنية، الحليف التقليدى لهم، بسبب تقلب سياسة الخلفاء وتذبذبها من الاعتماد على اليمنيين تارة وعلى القيسيين تارة أخرى. والأخطر من ذلك أن العرب حملوا خلافاتهم وعصبياتهم فى كل أرض يحلون بها، وبخاصة «خراسان» التى أصبحت التربة الخصبة للدعوة

العباسية، بل إن بعض الولاة أسهموا فى تفاقم نار العصبية والعمل على إشعالها؛ بسوء سياستهم وضيق أفقهم، فكان إذا جاء والٍ من «اليمن»، تعصَّب لقومه وخصَّهم بالمزايا والوظائف واضطهد القيسيين، وإذا جاء والٍ من «قيس» فعل عكس ذلك. وهكذا كانت الأحوال فى «خراسان» تنتقل من سيئ إلى أسوأ؛ مما ساعد الدعاة العباسيين على إلحاق كل ذلك بخلفاء الأمويين، وقد استغل ذلك «أبو مسلم الخراسانى» واستثمره لمصلحة العباسيين. - رابعًا: الموالى وبخاصة الفرس، فقد بغض هؤلاء الدولة الأموية، ومضوا فى طريق العداء لها، فلم يتركوا ثورة أو فتنة ضدها إلا انضموا إليها واشتركوا فيها، مهما تكن هوية القائمين عليها، من شيعة إلى خوارج، إلى ثورة «ابن الأشعث» إلى ثورة «ابن المهلب»، حتى جاءتهم الدعوة العباسية، فانخرطوا فيها، وكانت على أيديهم نهاية الدولة الأموية. - خامسًا: الخلفاء الأمويون المتأخرون: أسهم هؤلاء بدءًا من خلافة «الوليد بن يزيد» (125 - 126هـ) فى سقوط الدولة وسهَّلوا لكل خصومهم مهمتهم للانقضاض على الدولة، وذلك لعدم كفاءتهم لقيادة دولة عملاقة كالدولة الأموية من ناحية، ولتناحرهم فيما بينهم على الحكم والسلطان من ناحية أخرى. وكل هذه العوامل السابقة لو وجدت رجالا من طراز «معاوية بن أبى سفيان» أو «عبدالملك بن مروان» لكان من الممكن التغلب والسيطرة عليها، لكن هؤلاء تركوا الدولة تتعرض لأشد المخاطر، وتفرغوا لمحاربة بعضهم بعضًا، حتى جاء من قضى عليهم جميعًا. - سادسًا: الدعوة العباسية: بدأت الدعوة العباسية عملها منذ نهاية القرن الأول الهجرى، فى خلافة «سليمان بن عبدالملك» عندما انتقلت الدعوة الشيعية من «عبدالله بن محمد بن على بن أبى طالب» المكنى بأبى هاشم إلى «على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب»، الذى كان يعيش فى قرية «الحميمة» جنوبى الشام، حين أسرَّ إليه «أبو هاشم» بأسرار الدعوة وأسماء رجالها.

وقد أظهر العباسيون منذ أن تولى «على بن عبدالله بن العباس» أمر الدعوة، ومن جاء بعده من أبنائه حصافة سياسية ودهاء منقطع النظير، فقد أدركوا أن أهم أسباب فشل العلويين فى الوصول إلى الخلافة هو التسرع والاعتماد على حب الناس لهم، وعواطفهم نحوهم، دون عمل منظم، فحاولوا تفادى تلك الأخطاء، وصاغوا شعارًا خادعًا لدعوتهم، هو الدعوة للرضا من «آل محمد»، فاقتنع كثير من الشيعة أن المقصود هو الدعوة لواحد من أولاد «علىِّ» أحفاد النبى - صلى الله عليه وسلم -، مع أن الشعار يتسع ليشمل العباسيين أيضًا، فهم من «آل محمد». ثم ظهرت عبقرية أئمة الدعوة من العباسيين وهم «على بن عبدالله»، وابنه «محمد» وأولاده فى اختيار الدعاة بدقة بليغة، من ذوى الفصاحة والبلاغة والقدرة الفائقة على مخاطبة الناس بما يناسبهم، ومن المخلصين للدعوة ورجالها، المتفانين فى سبيلها، حتى إن الواحد منهم إذا ألقى القبض عليه، وحقق معه الولاة الأمويون يفضل الموت، ولا يبوح بكلمة واحدة عن الدعوة ورجالها. وكما تجلت عبقرية الأئمة فى اختيار دعاتهم تجلت أيضًا فى اختيار المكان الذى ستنطلق منه الثورة المسلحة؛ لتكتسح الدولة الأموية، وهو «خراسان»؛ حيث العداء الدفين للأمويين، والعصبية العربية المحتدمة، وانطلقوا يزرعون العداء، ويبثون الدعايات المغرضة ضد «بنى أمية»، فيضخمون الأخطاء اليسيرة، وأحيانًا يختلقون الأخطاء وينسبونها إلى الخلفاء الأمويين، كاختلاقهم أن «الوليد بن يزيد» حاول شرب الخمر فوق «الكعبة»، وكانوا يقومون بذلك وهم على هيئة تجار عاديين، وفى أسلوب هادئ، حتى تحولت مشاعر الناس ضد الدولة الأموية ورجالها. واستمر هذا العمل الدءوب نحو ثلث قرن (99 - 129هـ)، وكان يجرى عبر محور «الحميمة» الرئيسى حيث مقر أئمة الدعوة، وتخرج منها التعليمات إلى «الكوفة»، ومنها إلى «خراسان». ولما حانت ساعة العمل العسكرى، عهد الأئمة بهذه المهمة إلى «أبى

مسلم الخراسانى»، وكان مسموع الكلمة عند الخراسانيين، فأعلن الثورة المسلحة على الأمويين فى «خراسان» سنة (129هـ)، وزحف بقواته إلى الغرب مكتسحًا قوات الأمويين حتى إذا وصل إلى «العراق»، أوقفه العباسيون، وأسندوا القيادة إلى «قحطبة الطائى»، وهو قائد عربى، ولم يشاءوا أن يقتحم «أبو مسلم» بقواته «العراق»، حتى لا يثيروا مشاعر العرب ضدهم، وهذا من براعة الأئمة العباسيين فى القيادة وفهمهم لنفوس الشعوب. واصل «قحطبة» عمله ضد قوات الأمويين فى «العراق» حتى قُتل، فخلفه ابنه «الحسن بن قحطبة»، واستطاع أن يستولى على معظم «العراق». حدث ذلك كله والخليفة الأموى «مروان بن محمد» مشغول من رأسه إلى قدميه فى مشكلات «العراق» و «الشام»، وفى إخماد الثورات التى أشعلها ضده أبناء عمومته، فضلا عن ثورات الخوارج وقبل أن ينتهى من ذلك كله داهمته قوات العباسيين، وألحقت به هزيمة ساحقة على يد «عبدالله بن على بن عباس» فى موقعة «الزاب» شمالى «العراق» فى شهر جمادى الأولى سنة (132هـ)؛ ففر من المعركة، وأخذ يتنقل من مكان إلى آخر حتى وصل إلى «مصر»، وهناك لاحقته الجيوش العباسية حتى قُتِل على يد «صالح بن على بن عبدالله بن عباس» فى ذى الحجة سنة (132هـ). وبمقتله انتهت الدولة الأموية فى المشرق، وقامت الدولة العباسية، حيث بويع «عبدالله بن محمد» الملقَّب بأبى العباس السفاح بالخلافة فى «الكوفة» فى ربيع الأول سنة (132هـ)، قبل مقتل «مروان بن محمد» بشهور. وسبحان الله القائل: {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير}. [آل عمران: 26].

مراجع الجزء الثاني

- المراجع: * د0 إبراهيم نجيب: القضاء في الإسلام * بن الأثير (عز الدين): الكامل في التاريخ * أحمد أمين: ضحي الإسلام - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة العاشرة- بدون تاريخ * ألأشعري (أبو الحسن علي بن إسماعيل): مقالات الإسلاميين - المكتبة العصرية - بيروت - 1990م * البلاذري (أحمد بن يحي): فتوح البلدان - دار الكتب العلمية - بيروت - 1983م * توماس أرلوند: الدعوة إلى الإسلام * بن تيميه (أحمد بن عبد الحليم): مناهج السنة النبوية - مكتبة ابن تيميه - القاهرة - الطبعة الثانية - 1989م * ثابت إسماعيل الراوي: العراق في العصر الأموي * جاك ديسلر: الحضارة العربية * ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي): سيرة عمر بن الخطاب * ابن حجر العسقلاني (أحمد بن علي): فتح الباري بشرح صحيح البخاري * د0 حسن إبراهيم حسن: النظم الإسلامية * ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد): العبر - مؤسسة جمال للطباعة - بيروت - 1979م * ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد): مقدمة ابن خلدون - تحقيق د0 علي عبد الواحد * الذهبي (شمس الدين محمد بن أحمد): سير أعلام النبلاء - مؤسسة الرسالة بيروت - الطبعة السابعة - 1991م * ابن سعد (محمد بن سعد): الطبقات * د0 سيدة الكاشف: مصر في فجر الإسلام - دار الرائد العربي - بيروت - الطبعة الثالثة - 1986م * د0 شاكر مصطفي: موسوعة دول العالم الإسلامي ورجالها * د0 شكري فيصل: حركة الفتح الإسلامي، المجتمعات الإسلامية * د0 شوقي ضيف: تاريخ الأدب العربي - دار المعارف القاهرة - الطبعة الحادية عشرة - بدون تاريخ * ضياء الدين الريس: عبد الملك بن مروان - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - القاهرة - الطبعة الأولي - 1964م * الطبري (محمد بن جرير): تاريخ الطبري * ابن عبد الحكم (عبد الله بن عبد الحكم): فتوح مصر * عبد الله الطراز: موسوعة التاريخ الإسلامي

* ابن عذارى (محمد أو أحمد بن محمد المراكثي): البيان المغرب - دار الثقافة - بيروت - الطبعة الثانية - 1980م * الفخري: الآداب السلطانية والولايات الدينية * ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم): عيون الأخبار * ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم): المعارف * ابن كثير (إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية * الإمام مالك (مالك أبن أنس): الموطأ * المالكي (الحسن بن محمد): رياض النفوس * الماوردي (على بن محمد): الأحكام السلطانية * المسعودى (علي بن الحسين): مروج الذهب * اليعقوبي (أحمد بن إسحاق): تاريخ اليعقوبي - دار صادر - بيروت - بدون تاريخ

العصر العباسي في العراق والمشرق

الجزء الثالث العصر العباسي في العراق والمشرق تأليف: أ. د. حسن علي حسن أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة د. عبد الرحمن سالم مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة الفصل الأول *الخلافة العباسية ينتسب خلفاء «بنى العباس» إلى جدهم «العباس بن عبد المطلب» عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى عاش فى «مكة» وأسلم بها، وكانت له مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أنجب «العباس» عددًا من الأبناء، أشهرهم: «عبد الله بن عباس» الذى أُطلق عليه «ترجمان القرآن» و «حَبْر الأمة» لسعة علمه وحدة ذكائه. ترك «عبد الله» كثيرًا من الأبناء منهم «على بن عبد الله»، الذى يُقال له «السجَّاد»؛ لكثرة عبادته، وأنجب «السجاد» أولادًا كثيرين، أشهرهم «محمد بن على»، الذى نظم الدعوة العباسية وخرج بها إلى حيز الوجود، وأحاط تحركاته بجو من السرية والكتمان، حتى أطلق على المرحلة التى مرت بها الدعوة العباسية فى عهده «المرحلة السرية»، وتمتد من سنة (100هـ= 718م) إلى سنة (129هـ= 746م)، وتحركت الدعوة فيها من ثلاثة أماكن هى: 1 - الحميمة: وهى قرية صغيرة منعزلة فى جنوب «الشام»، اتخذتها الأسرة العباسية مقرا لها. 2 - الكوفة: وتعد المركز الرئيسى لنشاط الدعاة العباسيين، وتتوسط بلاد «الشام» و «العراق» و «خراسان». 3 - خراسان: حيث نجح الدعاة العباسيون فى اجتذاب الآلاف إليهم. وبدأت الدعوة بجماعة تُسمَّى «النقباء»، قاموا بتكوين «مجلس شورى» برئاسة «سليمان بن كثير الخزاعى»، وكان مركز الدعوة فى «الكوفة» يتلقى التعليمات من مقر البيت العباسى فى «الحميمة» ويرسلها إلى أنصار الدعوة فى كل مكان، وخاصة «خراسان». وعقب وفاة الإمام «محمد بن على» سنة (125هـ= 742م) تولى ابنه «إبراهيم» - المعروف بالإمام - شئون الدعوة، وقد نشطت فى عهده، واتخذت اللون الأسود شعارًا لها. وقد تهيأ للدعوة العباسية أسباب النجاح منذ أن أسندت مهمة الإشراف على الدعوة فى «خراسان» إلى «أبى مسلم الخراسانى»، الذى جمع حوله الأنصار والأعوان، وخاض بهم ساحات القتال محققًا العديد من الانتصارات، وقام بدور مهم فى قيام «الدولة العباسية».

وقد واجه العباسيون بزعامة «أبى مسلم» قوى مختلفة فى «خراسان»، فور إعلان ثورتهم ليلة الخميس (25من رمضان سنة 129هـ= 9من يونيو سنة747م)، وتمثلت هذه القوى فى «نصر بن سياد» الوالى الأموى، وقبائل «اليمن» و «ربيعة»، و «الخوارج»، لكن «أبا مسلم» استطاع بذكائه ودهائه أن يوقع بينها مستغلا العنصر القبلى وإثارة العصبية بين أفرادها. وبعد معارك كثيرة استطاعت قوات «أبى مسلم الخراسانى» أن تدخل مدينة «مرو» عاصمة إقليم «خراسان»، ثم استولت على «همدان» و «نهاوند» و «حلوان» و «خانقين» وغيرها، حتى دخلت «العراق»، وكان وراء ذلك النجاح الكبير الذى أحرزه العباسيون فى نشاطهم الدعائى والعسكرى أسباب كثيرة، منها: 1 - الدعوة الدائبة والمنظمة التى استمرت ما يقرب من ثلاثين سنة على أيدى دعاة مدربين. 2 - كثرة الجيوش العباسية واندفاعها لاكتساح القوات الأموية. 3 - القيادة الحكيمة التى استطاعت تنظيم أنصار الدعوة العباسية وتسليحهم وتوجيههم إلى ميادين القتال المختلفة. 4 - تمزق صفوف الجيوش الأموية بسبب العصبية القبلية. 5 - نجاح العباسيين فى جذب مجموعة من القادة الأكفاء الذين أداروا المعركة باقتدار ضد الأمويين، ومنهم «أبو مسلم الخراسانى»، و «أبو سلمة الخلال» كبير الدعاة العباسيين بالكوفة، و «ابن شبيب الطائى» الذى قاد الجيوش العباسية المتجهة إلى «العراق». انتقلت الأسرة العباسية من «الحميمة» سرا إلى «الكوفة»، بعد إلقاء القبض على «إبراهيم الإمام» وقتله فى أحد سجون «دمشق»، وكان قد أوصى بتولية أخيه «عبدالله» شئون الدعوة. وفى «الكوفة» أقامت الأسرة العباسية عند «أبى سلمة الخلال» كبير الدعاة أربعين يومًا حتى تهيأت الظروف لمبايعة أول خليفة عباسى وهو «عبد الله بن محمد».

3 - 2:العصر العباسى الأول

الفصل الثاني *العصر العباسى الأول (132 - 232هـ = 749 - 847م): يمتد العصر العباسى الأول قرنًا من الزمان، من سنة (132هـ= 749م) إلى سنة (232هـ= 847م)، ويعد العصر الذهبى للخلافة العباسية؛ حيث تمتع الخلفاء بسلطتهم الدينية والدنيوية. وخلفاء هذا العصر تسعة، هم: 1 - أبو العباس عبدالله (132 - 136هـ= 749 - 753م). 2 - المنصور (136 - 158هـ= 753 - 775م). 3 - المهدى (158 - 169هـ= 775 - 785م). 4 - الهادى (169 - 170هـ= 785 - 786م). 5 - الرشيد (170 - 193هـ= 786 - 809م). 6 - الأمين (193 - 198هـ= 809 - 813م). 7 - المأمون (198 - 218هـ= 813 - 833م). 8 - المعتصم (218 - 227هـ= 833 - 842م). 9 - الواثق: (227 - 232هـ= 842 - 847م). الخليفة الأول: أبو العباس (132 - 136هـ= 749 - 753م): هو «عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم»،ولد سنة (100هـ= 718م) تقريبًا. بويع «أبو العباس» فى «الكوفة» فى شهر ربيع الأول سنة (132هـ= 749م). واستمر فى الحكم أربع سنوات، استطاع خلالها توطيد أركان الخلافة العباسية، والقضاء على كل مقاومة ظهرت فى عهده. موقف العباسيين من الأمويين: مما لاشك فيه أن هناك بعض التجاوزات التى حدثت فى إقليم «الشام» على يد الوالى العباسى «عبدالله بن على»، عم الخليفة «أبى العباس»؛ حيث تعقَّب الأمويين فى كل مكان وقتل كثيرًا منهم، مما دفع بعضهم إلى الفرار إلى مناطق بعيدة، كما فعل «عبدالرحمن بن معاوية» - صقر قريش - الذى فر إلى «المغرب» ومنها إلى «الأندلس»؛ حيث أسس دولة أموية هناك سنة (138هـ= 755م)، كما حاول بعضهم الآخر التخفِّى وطلب العفو. ومن ناحية أخرى لم يقف أنصار الأمويين وأعوانهم مكتوفى الأيدى أمام انتصارات العباسيين، وما ارتكبه بعض ولاتهم من مذابح تجاه البيت الأموى، فقاموا بعدة ثورات فى أماكن متفرقة، إحداها بالبلقاء و «حوران» سنة (132هـ= 749م)، وأخرى فى «قِنَّسرين»،

وثالثة فى «دمشق»،لكن قوات العباسيين استطاعت الانتصار عليها والسيطرة على الموقف. موقف الخلافة من بعض زعماء الدعوة العباسية: واجهت «الدولة العباسية» قبيل إعلانها وفى بداية قيامها انحراف بعض المسئولين فيها، ولم تكن الظروف السياسية التى صاحبت قيام «الدولة العباسية» تسمح بالتخلّص من هؤلاء، فلما بويع «أبو العباس» بالخلافة وبدأت الدولة تأخذ طريقها إلى الاستقرار، قامت بمعاقبة هؤلاء، وكان أول من عوقب «أبا سلمة الخلال» بسبب عدم تحمسه كثيرًا لانتقال أفراد البيت العباسى من «الحميمة» إلى «الكوفة»، ولم يأذن لهم بدخول «الكوفة» إلا بعد فترة، وحاول نقل الخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى إلا أنه فشل فى ذلك، كما حاول قتل «أبى العباس» وفشل فى ذلك أيضًا، فلما استقرت أمور الدولة استقر رأى أفراد البيت العباسى على أخذ رأى «أبى مسلم الخراسانى»، الذى وافق على التخلص منه، فتم اغتياله وأعلنت القيادة العباسية أن جماعة من أعداء الدولة هم الذين نفذوا هذه المؤامرة. كما قام «أبو مسلم الخراسانى» والى إقليم «خراسان» بالتخلص من أحد كبار الدعاة وهو «سليمان بن كثير»، الذى كان يُعرف بنقيب النقباء، عقب اتهامه بالاتصال بأحد أبناء البيت العلوى وتحريضه على الثورة ضد البيت العباسى. وتُوفى الخليفة العباسى الأول «أبو العباس» بالأنبار فى (13 من ذى الحجة سنة 136هـ= 9 من يونيو سنة 754م)، وعمره نحو ست وثلاثين سنة. الخليفة الثانى: أبو جعفر المنصور (136 - 158هـ= 753 - 775م): هو «عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب الهاشمى»، وكنيته «أبو جعفر». ولد سنة (95هـ= 714م) فى قرية «الحميمة» بالشام، وتربى وسط كبار الرجال من «بنى هاشم»، فنشأ فصيحًا عالمًا بسير الملوك والأمراء، ودرس النحو والتاريخ والأدب شعرًا ونثرًا وغير ذلك، كما كان كثير الأسفار والتنقل.

ولما تولى أخوه «أبو العباس» الخلافة استعان به فى محاربة أعدائه وتصريف أمور الدولة، وكان ينوب عنه فى الحج، كما أوصى «أبو العباس» قبيل وفاته مباشرة بولاية عهده لأخيه «أبى جعفر»، الذى كان غائبًا فى موسم الحج، فلما تُوفِّى «أبو العباس» قام ابن أخيه «عيسى بن موسى» بأخذ البيعة لأبى جعفر من «بنى هاشم» وغيرهم، وأرسل إلى عمه «أبى جعفر» بوفاة أخيه ومبايعته بالخلافة. ولما وصل «أبو جعفر» إلى «الأنبار» استكمل أخذ البيعة من القادة والرؤساء، ثم خطب فيهم مبيِّنًا سياسته فى إدارة الدولة فى النقاط الآتية: 1 - زهده فى منصب الخلافة، وأنه لم يكن يتطلع إلى ذلك أو يرغب فيه. 2 - تعهده بتنفيذ ما ورد فى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. 3 - تعهده بإقرار العدل ورفع الظلم عن الناس، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. يُعدُّ «أبو جعفر المنصور» المؤسس الحقيقى للدولة العباسية، وقد واجه بحزم واقتدار العديد من المشاكل والثورات حتى نجح فى السيطرة عليها والقضاء على القائمين بها، ومنها: ثورة عمه «عبد الله بن على»، وتمرد «أبى مسلم الخراسانى»، وثورة «محمد النفس الزكية»، وثورات الفرس، وحركات الخوارج. أولاً: ثورة عبد الله بن على: يُعدُّ «عبد الله بن على» - عم الخليفة «أبى جعفر المنصور» - من الشخصيات العسكرية البارزة فى «الدولة العباسية»، وقد شارك مثل غيره من أفراد البيت العباسى، فى النشاط العسكرى والسياسى حتى قامت «الدولة العباسية»، وتولى إمارة «الشام»، فلما تُوفِّى الخليفة الأول «أبو العباس»، رفض «عبد الله بن على» مبايعة الخليفة الجديد «أبى جعفر المنصور»، وأعلن أنه أحق منه بمنصب الخلافة، وأن الخليفة «أبا العباس» كان قد وعده بذلك، ولم يكن هذا صحيحًا؛ لأن الخليفة «أبا العباس» كتب وصيته قبل وفاته بتولية أخيه «أبى جعفر» الخلافة، كما أنه لم يرد عن أحد من أفراد البيت العباسى ما يؤيد دعوى «عبد الله بن على».

وقد أحدث هذا خللاً شديدًا فى كيان البيت العباسى، فحاول «أبو جعفر» رأب هذا الصدع، وأرسل إلى عمه عدة رسائل يدعوه إلى الدخول فى طاعته، ولزوم الجماعة، إلا أن عمه رفض ذلك، فأرسل إليه «أبو جعفر» قائده «أبا مسلم الخراسانى» على رأس جيش كبير، ودارت معركة فاصلة بين الجيشين فى (جمادى الآخرة سنة 137هـ= نوفمبر سنة 754م)، انتهت بانتصار جيش «أبى مسلم» وفرار «عبدالله بن على» إلى «البصرة»، ثم استطاع الخليفة «أبو جعفر» إحضاره منها إلى «الكوفة» وسجنه حتى مات سنة (147هـ= 764م). ثانيًا: تمرد أبى مسلم الخراسانى: اختلفت المصادر التاريخية فى بيان أصل «أبى مسلم الخراسانى»، والراجح أنه من أصلٍ فارسى، وقد التحق فى بداية أمره بخدمة «إبراهيم الإمام» الذى أُعجب به ووثق فيه، واستعان به فى أموره المهمة، وكان له دور بارز فى نجاح الدعوة العباسية، وقيام دولتها. ورغم الجهود والأعمال التى قام بها «أبو مسلم» فإنه ارتكب بعض الأخطاء الجسيمة فى حق الخلافة العباسية منها: انفراده بالحكم فى «خراسان»، وتجاهله شيوخ الدعوة العباسية ونقباءها هناك، وعدم تنفيذ أوامر الخليفة «أبى العباس» ثم تجاهله لأبى جعفر فى مناسبات كثيرة، وتحريضه ابن أخيه «عيسى بن موسى» على الثورة والاستئثار بمنصب الخلافة، وغير ذلك. وقد حاول الخليفة «أبو جعفر» - فى البداية - معالجة الأمور بهدوء، فاستدعى «أبا مسلم» من «خراسان» إلا أنه رفض الحضور فواصل الخليفة مراسلاته، واستعان ببعض الزعماء للضغط على «أبى مسلم» للحضور إلى مقر الخلافة فى «العراق»، إلا أن «أبا مسلم» رفض ذلك، فأرسل الخليفة إليه يهدده ويتوعده إن لم يرضخ ويستجب لأمره، وبعد مشاورات بين «أبى مسلم» وأنصاره استجاب وحضر إلى قصر الخلافة، فعدد عليه الخليفة «أبو جعفر» ما ارتكبه من أخطاء فى حق الدولة، ثم أمر بقتله. ثالثًا: ثورة محمد النفس الزكية: هو «محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب»،

المعروف بالنفس الزكية، زعيم البيت العلوى والشيعة، ومنذ مقتل الإمام «على» - كرم الله وجهه - والشيعة يحاولون الوصول إلى مقعد الحكم عن طريق الثورات والخروج على السلطة، باعتبارهم أصحاب الحق الشرعى. وبقيام «الدولة العباسية» وتولِّى العباسيين الخلافة انتقل صراع العلويين على الخلافة من محاربة الأمويين إلى محاربة أبناء عمومتهم العباسيين. وعلى الرغم من أن أسرة «محمد النفس الزكية» لم تتخذ موقفًا عدائياً واضحًا فى بدء الخلافة العباسية فإن الأمر تغير حين تولَّى «أبو جعفر المنصور» الخلافة وبدأ يتعقب «محمدًا النفس الزكية» وأخاه «إبراهيم» اللذين اختفيا وأخذا يعملان سرا فى الدعوة لنفسيهما والخروج على «الدولة العباسية». ولما فشل «أبو جعفر المنصور» فى القبض على «محمد النفس الزكية» أمر بالقبض على عدد كبير من أفراد أسرته، وحملهم إلى سجون «العراق» وعذَّبهم لإرغام «محمد النفس الزكية» على الظهور، وقد نجح «أبو جعفر» فى ذلك؛ فظهر «محمد النفس الزكية» فى «المدينة المنورة» فى (رجب سنة 145هـ= سبتمبر سنة 762م) وقتله العباسيون هناك، كما قتلوا أخاه «إبراهيم» بالعراق، وكثيرًا من أهلهما. رابعًا: ثورات الفرس: واجهت الخلافة العباسية فى عهد «أبى جعفر» عدة ثورات فارسية، كانت تعبيرًا عن معارضة بعض العناصر الفارسية للخلافة الإسلامية، ومن هذه الثورات: حركة سنباذ سنة (137هـ= 754م): حيث قاد «سنباذ» - وهو أحد أتباع «أبى مسلم» - حركة ثورية للثأر لمقتل «أبى مسلم الخراسانى»، ومحاربة الإسلام، وأحس الخليفة «المنصور» بخطر هذه الحركة فأرسل جيشًا كبيرًا استطاع القضاء على قوات «سنباذ» وقتله وهو فى طريقه لاجئًا إلى حاكم «طبرستان». حركة الرواندية (141هـ= 758م): وهم قوم من أهل «خراسان»، سُموا بذلك نسبة إلى قرية «رواند» القريبة من «أصفهان»، وكانوا من أتباع «أبى مسلم الخراسانى»، إلا أنهم زعموا أن ربهم الذى يرزقهم ويطعمهم ويسقيهم هو

«المنصور»، وأعلنوا إيمانهم بفكرة «تناسخ الأرواح» واستطاعوا دخول مدينة «الهاشمية»، عاصمة الخلافة العباسية آنذاك، وهاجموا قصر الخلافة فتصدَّى لهم بعض الجنود البواسل، وعلى رأسهم «معن بن زائدة الشيبانى»، واستطاعوا القضاء على هذه الحركة. حركة أستاذ سيس سنة (150هـ= 767م): «أستاذ سيس» رجل فارسى ادَّعى النبوة، وقاد حركة تهدف إلى تخليص بلاد فارس من قبضة العباسيين، واستطاع بجيوشه الضخمة بسط نفوذه على مناطق «سجستان» و «هراة» و «كور خراسان» وغيرها، فحشدت له الخلافة العباسية قوات ضخمة بقيادة «خازم بن خزيمة التميمى»، استطاعت القضاء على هذه الحركة، وانتهى الأمر بالقبض على «أستاذ سيس» وإعدامه. خامسًا: حركات الخوارج: نظر الخوارج إلى العباسيين على أنهم مغتصبون للخلافة التى ينبغى أن يتقلدها أجدر المسلمين بها بالانتخاب، بغض النظر عن نسبه، ومن ثم شهد العصر العباسى الأول عددًا من حركات الخوارج، بغرض القضاء على الخلافة العباسية، ومنها: 1 - ثورة ملبد بن حرملة الشيبانى سنة (137هـ= 754م) بأرض الجزيرة (ديار بكر): وشكلت خطرًا كبيرًا على العباسيين، إلا أن قائدهم «خازم بن خزيمة» استطاع القضاء عليها. 2 - ثورة حسان بن مجالد الهمدانى بالموصل سنة (148هـ= 765م): انتهت بالفشل لتفرق أنصاره عنه. وفاة المنصور: تُوفى «المنصور» فى (6 من ذى الحجة سنة 158هـ= 7 من أكتوبر سنة 775م)، وهو فى طريقه إلى الحج. وقد أشار «ابن الأثير» فى كتابه «الكامل فى التاريخ» إلى أن «المنصور» كان يجعل نهاره لتصريف أمور الدولة، فإذا صلَّى العصر جلس مع أهل بيته، فإذا صلَّى العشاء الآخرة جلس ينظر فيما ورد إليه من رسائل البلاد، حتى يمضى ثلث الليل الأول فينام، ثم يقوم فى الثلث الأخير فيتوضأ ويصلى حتى يطلع الفجر، فيصلى بالناس، ثم يجلس فى ديوانه لتصريف أمور البلاد، وهكذا يقضى وقته. الخليفة الثالث: محمد المهدى (158 - 169هـ= 775 - 785م):

هو «محمد بن عبدالله بن محمد» وُلد بالحميمة سنة (126هـ=743م)، وقد هيأه والده «المنصور» وأعده ليكون جديرًا بمنصب الخلافة من بعده، فنشأ على ثقافة عربية واسعة، ودراية بفنون الحرب وأساليب الإدارة. وقد أوصى «المنصور» ابنه وولى عهده «محمدًا» وصية جامعة، قبيل وفاته تضمنت: 1 - التمسك بأن تظل «بغداد» عاصمة للخلافة. 2 - الاهتمام بأهل بيته وحاشيته وأهل «خراسان» لدورهم فى قيام الدولة. 3 - تقوى الله وإبعاد النساء عن السياسة. 4 - تجنب إهدار دماء المسلمين، ومعاقبة المفسدين والملحدين وتتبعهم. 5 - الاستعداد المستمر بالقوة والسلاح، وأن يباشر الأمور بنفسه. وعقب وفاة «المنصور» بويع «المهدى» بيعة خاصة من قبل الزعماء بمكة، ثم بايعه جمهور المسلمين فى «بغداد» فى (ذى الحجة سنة 158هـ= أكتوبر سنة 775م). سياسة المهدى العامة: اختلفت سياسة «المهدى» عمن سبقه، فاتسم عهده بالاستقرار والهدوء والتسامح والصفح، فأطلق سراح المسجونين السياسيين، واهتم بإقرار العدل بين الناس، وجلس للنظر فى مظالم الناس مستعينًا بالقضاة، وأمر بالإنفاق على مرضى الجذام؛ حتى لا يختلطوا بالناس فتصيبهم العدوى، كما اهتم اهتمامًا خاصا بالحرمين الشريفين وبكسوة «الكعبة». وقد عفا «المهدى» عن بعض آل البيت ومنحهم الأموال والإقطاعات، وحينما أدى فريضة الحج سنة (160هـ= 777م) وزع أموالاً كثيرة على أهل «مكة» و «المدينة»، وأصدر عفوًا عاما عمن عاقبهم «المنصور» من أهل «الحجاز»؛ لمشاركتهم فى الثورة العلوية، واختار خمسمائة من رجال الأنصار وكوَّن منهم حرسه الخاص، كما قام ببث العيون والجواسيس بالبلاد لرصد أى تحرك معادٍ للدولة، ورغم ذلك فقد حاول بعض العلويين مثل «عيسى بن زيد بن على» و «على بن العباس بن الحسن» القيام بثورة ضد الخلافة العباسية، لكنها لم تنجح؛ حيث عاجلهما الموت. سياسة المهدى تجاه الخوارج: واجه «المهدى» عدة ثورات من الخوارج وقضى عليها بحزمه وسرعة

مواجهته، منها: 1 - ثورة «يوسف بن إبراهيم البرم» فى «خراسان» سنة (160هـ= 777م). 2 - حركة «عبدالسلام بن هاشم اليشكرى» فى «قنسرين» سنة (160هـ= 777م). 3 - حركة الخوارج بالموصل بزعامة «ياسين الموصلى التميمى» سنة (168هـ= 784م). الحياة الاجتماعية فى عهد المهدى: ترك «المنصور» بعد وفاته فى بيت المال أربعة عشر مليون دينار وستمائة مليون درهم، قام «المهدى» بتوزيعها على الناس؛ فشاع بينهم الترف والنعيم واللهو واللعب، كما اتبعه الناس فى حبه للآداب والفنون؛ فارتقت الآداب والفنون، وسادت بين طبقات الشعب، وكان «المهدى» أول خليفة يُحمل إليه الثلج إلى «مكة» فى الحج، كما كان مترفًا فى ملبسه ومأكله. وفاة المهدى: تُوفِّى «المهدى» سنة (169هـ= 785م) وعمره ثلاث وأربعون سنة، وقد قضى فى الحكم إحدى عشرة سنة. الخليفة الرابع: موسى الهادى (169 - 170هـ= 785 - 786م): هو «موسى» ابن الخليفة «المهدى»، تولى الخلافة فى (22 من المحرم سنة 169هـ= 5 من أغسطس سنة 785م). سياسته: اتصف الخليفة «الهادى» بالغيرة والشهامة والجرأة، ورفض تدخل أمه «الخيزران» فى سياسة الدولة كما كانت تفعل فى عهد والده «المهدى». وقد واجه «الهادى» مشاكل خطيرة على رأسها ثورة البيت العلوى بقيادة «الحسين بن على بن الحسن» فى «المدينة» سنة (169هـ= 785م)، إلا أن «الهادى» أرسل جيشًا على وجه السرعة نجح فى القضاء عليها فى (8 من ذى الحجة سنة 169هـ=11من يونيو سنة 786م) وحاول «الهادى» نقل ولاية العهد من أخيه «الرشيد» إلى ابنه «جعفر»، الذى لم يكن قد بلغ الثامنة من عمره مخالفًا وصية والده فى ترتيب ولاية العهد، إلا أن الموت عاجله فلم يتحقق له ما أراد. وفاته: تُوفِّى «الهادى» ليلة الجمعة، (نصف ربيع الأول سنة 170هـ= نصف أغسطس 786م) وبذلك تكون مدة خلافته سنة وشهرًا واثنين وعشرين يومًا. الخليفة الخامس: هارون الرشيد (170 - 193هـ= 786 - 809م):

هو «هارون بن محمد المهدى»، وُلد بالرى فى آخر (ذى الحجة سنة 145هـ= فبراير سنة 763م)، وتولى الخلافة فى الليلة التى مات فيها أخوه «الهادى» وعمره اثنان وعشرون عامًا. ويُعدُّ «الرشيد» أشهر خلفاء العباسيين وأبعدهم صيتًا، فقد ملأت أخباره كتب التاريخ شرقًا وغربًا. سياسته العامة: لما استقر «الرشيد» فى «بغداد» عاصمة الخلافة العباسية قلَّد «يحيى البرمكى» منصب الوزارة وفوضه فى إدارة شئون البلاد، ومنحه لقب «أمير»؛ فكان أول من لُقِّب بذلك من الوزراء الفرس فى «الدولة العباسية». اهتم «الرشيد» بإقامة العدل فى الناس، فأمر بإعادة الأراضى التى اغتصبها أهل بيته فى عهد الخلفاء السابقين إلى أصحابها، ورفع الظلم عن المسجونين ظلمًا، وقسم أموال ذوى القربى بين «بنى هاشم» كلهم بالعدل، وأصدر عفوًا عن المعتقلين السياسيين، فأخرج من كان فى السجن من العلويين، وسمح لهم بالعودة إلى «المدينة»، ومنحهم الرواتب، كما أجرى «الرشيد» تعديلات واسعة فى مناصب الدولة فى كل من «مكة» و «المدينة» و «الطائف» و «الكوفة» و «خراسان» و «أرمينية» و «الموصل». موقفه من الشيعة: حاول «الرشيد» فى الأعوام الأولى من خلافته مسالمة العلويين والعفو عنهم، إلا أنه كان يخشى خطورة اثنين منهم فرَّا عقب موقعة «الفخ»، أما أولهما فهو «إدريس بن عبدالله» الذى نجح فى الوصول إلى «المغرب الأقصى» وكون «دولة الأدارسة»، وأما الآخر فهو «يحيى بن عبدالله» الذى فرَّ إلى «بلاد الدَّيلم» وتجمع حوله المتشيعون لآل البيت، فأرسل إليه «الرشيد» جيشًا بقيادة «الفضل بن يحىى»؛ لإرجاعه إلى حظيرة الخلافة، فعاد به إلى «بغداد» حيث لقيه «الرشيد» بكل ما أحب، إلا أن الحاسدين سرعان ما وشوا به عند الخليفة بسبب قيام الكثير من العلويين بزيارته والتودد إليه، فأمر «الرشيد» بسجنه حتى مات. وقد استطاع بعض رجال الحاشية الذين يكنون العداء للبيت العلوى تعميق خوف «الرشيد» من زعماء

البيت العلوى واستغلال ذلك للقضاء عليهم، كما حدث مع «موسى الكاظم»؛ حيث أمر «الرشيد» بحبسِه حتى أدركه الموت. موقفه من الخوارج: واصل الخوارج نشاطهم العسكرى ضد الخلافة العباسية فى عهد «الرشيد»، فقام «الوليد بن طريف الخارجى» بحركة تمرد وعصيان فى «العراق» واستولى على أماكن عديدة، إلا أن «الرشيد» أرسل إليه جيشًا بقيادة «يزيد الشيبانى» استطاع القضاء على هذه الحركة وقتل قائدها فى (رمضان سنة 179هـ= نوفمبر سنة 795م). موقفه من البرامكة: تمتع البرامكة فى بداية عهد «الرشيد» بالسلطة والجاه والنفوذ، وتقلدوا مناصب الدولة المهمة، حتى إذا جاء شهر (صفر سنة 187هـ= يناير سنة 803م) أمر «الرشيد» بسجنهم، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، فيما عرف فى التاريخ بنكبة البرامكة. وقد تضافرت عدة عوامل كانت سببًا فيما فعله «الرشيد» بالبرامكة، منها: 1 - اتهامهم بالزندقة والخروج عن الإسلام باعتبارهم من أصل مجوسى. 2 - محاولتهم إبعاد العرب عن المناصب المهمة وتقديمهم الفرس لشغلها. 3 - استبدادهم بالأمور وإظهارهم ما لا تحتمله نفوس الملوك. 4 - قيام الحاسدين والحاقدين بتضخيم أخطاء «البرامكة». 5 - أن «الرشيد» كلف «جعفر بن يحيى البرمكى» بقتل رجل من آل «أبى طالب» فلم يفعل. المجتمع فى عهد الرشيد: ازدهر المجتمع فى عهد «الرشيد» اقتصاديا وثقافيا وعلميا وعمرانيا. فقد تدفقت الأموال من كل مكان، واتسعت رقعة الدولة واستقر الأمن بها وازدهرت التجارة، وأصبحت «بغداد» قبلة للطامحين فى الثراء والترف، كما قصدها النوابغ والعباقرة والصناع المهرة من سائر الشعوب، وشيدت فيها القصور الرائعة والمساجد الكبيرة، وانتشرت الحدائق العامة، والأسواق المتخصصة كسوق الذهب والنحاس، والنسيج وغير ذلك. وكان «الرشيد» على قدر عالٍ من الثقافة والمعرفة، واجتمع عنده أقطاب العلم والعمل والسياسة والحرب مثل: «أبى يوسف» تلميذ

الإمام «أبى حنيفة»، و «الأصمعى» الراوية المشهور، و «أبى العتاهية» و «أبى نواس» من الشعراء، وداهية السياسة «يحيى البرمكى» وابنيه «الفضل» و «جعفر»، ومن المغنين «إبراهيم الموصلى» وابنه «إسحاق»، ومن الموسيقيين «زلزل» و «برصوم»، وغيرهم من أمراء العباسيين القادة والخطباء والشعراء والساسة. وفاة الرشيد: أثناء سفر «الرشيد» من «بغداد» إلى «خراسان» اشتد المرض عليه، وتُوفِّى صباح يوم الجمعة (2 من جمادى الآخرة سنة 193هـ= 23 من مارس سنة 809م)، وعمره خمس وأربعون سنة. وقد حكم «الرشيد» البلاد ثلاثة وعشرين عامًا، بلغت فيها «الدولة العباسية» ذروة مجدها، وقد تحدث عنه كثير من المؤرخين، فقال عنه «الطبرى»: «غزا سبع مرات، وجهز عشرين حملة للجهاد فى البر والبحر». وقال عنه «ابن خلكان»: «حج فى خلافته تسع حجج، وكان يصلى فى اليوم مائة ركعة». الخليفة السادس: محمد الأمين (193 - 198هـ= 809 - 813م): هو «محمد بن هارون الرشيد»، وُلد بالرصافة وأمه «زبيدة» ابنة «جعفر الأكبر بن المنصور»، تولى الخلافة عقب وفاة أبيه «هارون الرشيد» باعتباره ولى عهده، وكان عمره حينئذٍ ثمانية وعشرين عامًا. الصراع بين الأمين والمأمون: تشير مصادر التاريخ إلى أن بداية الخلاف كانت من جانب «الأمين»، حين خالف أمر والده «الرشيد» فى مرضه، بأن يكون ما فى معسكره من أموال ومتاع وجند لأخيه «المأمون»، فى «مرو»؛ مما أحدث أثرًا سيئًا فى نفس «المأمون». وكانت الخطوة التالية قيام «الأمين» بتعيين ابنه «موسى» وليا للعهد بدلاً من أخويه «المأمون» و «المؤتمن»، فقام «المأمون» بإسقاط اسم «الأمين» من الطرز والسّكَة، ومنع البريد من الوصول إليه بأخبار «خراسان»، ثم طلب من أخيه «الأمين» أن يرد إليه مائة ألف دينار كان والده «الرشيد» قد أوصى بها إليه فرفض «الأمين»، ثم تطور الصراع بينهما إلى المواجهة العسكرية، فجهز «الأمين» جيشًا بقيادة

«على بن عيسى بن ماهان»، وجهَّز «المأمون» جيشًا ضخمًا بقيادة «طاهر بن الحسين»، ودارت عدة معارك بين الجيشين انتهت بمحاصرة «بغداد» ومقتل «الأمين» سنة (198هـ= 813م)، وقد دامت خلافة «الأمين» أربع سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام. الخليفة السابع: عبد الله المأمون (198 - 218هـ= 813 - 833م): هو «عبد الله بن هارون الرشيد»، وُلد فى منتصف (ربيع الأول سنة 170هـ= أغسطس سنة 786م) وأمه «أم ولد» فارسية تُسمَّى «مراجل»، وكان يكنى «أبا العباس»، ويُلقب بالمأمون. نشأ «المأمون» نشأة إسلامية، وتلقى العلوم العربية، وتدرَّب على فنون القتال والنزال وقيادة الجند، كما أسند والده «الرشيد» إلى وزيره «جعفر البرمكى» مهمة الإشراف على تنشئته، وقد أظهر المأمون نبوغًا خلال دراسته. ولما تولى «المأمون» الخلافةعزم أن يقدم القدوة الصالحة والسيرة الحسنة فى الناس حتى يقتدى به رجال دولته، وكان يقول: «أول العدل أن يعدل الملك فى بطانته، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى». كما اتصف «المأمون» بالعفو والحلم حتى اشتهر بذلك وهو القائل: «لو عرف الناس حبى للعفو لتقربوا إلىّ بالجرائم، وأخاف ألا أؤجر عليه»، يعنى لكونه طبعًا له يستلذ به. سياسة المأمون: انتهج «المأمون» سياسة واعية تقوم على أسس واضحة منها: 1 - تأليف القلوب بالعفو والعطاء، وقد عد «اليعقوبى» سبع عشرة حادثة يستحق صاحب كل واحدة منها القتل عند أمثال «المنصور»، لكنها قوبلت عند «المأمون» بالعفو. 2 - العناية بالعلم والعلماء: كان للمأمون ولعٌ بالأمور العلمية والفلسفية، فكان يعقد مجالس المناظرة ويبعث فى طلب العلماء والأعلام من «بيزنطة» لحضورها، وكان يتصيَّد الكتب النادرة ويدفع فيها المبالغ الطائلة، ويجعل حصوله عليها شرطًا من شروط الهدنة ووقف القتال مع الروم، كما أقام «بيت الحكمة» وجعل فيها مكتبة ضخمة، وجهازًا كبيرًا للترجمة من مختلف اللغات إلى اللغة العربية،

حشد له نحو سبعين مترجمًا. المأمون والشيعة: جمعت سياسة «المأمون» تجاه الشيعة بين أمرين هما السخط والرضا. أما العنف فقد تمثل فى سياسة «المأمون» تجاه الثورات الشيعية المسلحة التى اندلعت فى عدة أماكن، مثل حركة «ابن طباطبا العلوى» سنة (199هـ= 814م)، وحركة «الحسين بن الحسن» فى «الحجاز»، وحركة «عبدالرحمن بن أحمد» فى «اليمن» سنة (207هـ= 822م)، وقد انتهت هذه الحركات بالفشل فى تحقيق أغراضها. وأما الرضا فقد تمثل فى قيام «المأمون» باختيار أحد أبناء البيت العلوى وهو «على بن موسى الرضا» ليكون ولى العهد من بعده، وهو ما لم يفعله أحد من خلفاء «بنى العباس» قبله، وقد اختلف المؤرخون فى تعليل قيام «المأمون» بهذا الأمر، فمنهم من فسر ذلك بميول «المأمون» الشيعية وحرصه على تولية أفضل العناصر ولاية العهد، وآخرون أرجعوا ذلك إلى تأثير «الفضل بن سهل» وميوله الشيعية. وقد أحدثت بيعة «المأمون» لعلى بن موسى الرضا بولاية العهد ردود فعل عنيفة فى أنحاء «الدولة العباسية» فرفض أفراد البيت العباسى ومؤيدوهم هذه البيعة، وبايعوا «إبراهيم بن المهدى» عم «المأمون» بالخلافة سنة (202هـ= 817م) ولما علم «المأمون» بذلك وهو فى «مرو» بخراسان تحرك قاصدًا «بغداد» لمعالجة الموقف، وأثناء ذلك مات «على الرضا» ولى العهد، فهدأ الموقف، وهرب «إبراهيم بن المهدى» من «بغداد»، ودخلها «المأمون»، ثم عفا عنه. المأمون والفرس: يمكن تقسيم نشاط الفرس فى عهد المأمون إلى قسمين: 1 - نشاط سياسي. 2 - نشاط عسكرى. ويتمثل النشاط السياسى فى الدور الذى لعبه «بنو سهل» مع «الخليفة المأمون»، وهو يشبه تمامًا دور البرامكة مع «هارون الرشيد»، حيث سلم «المأمون» «الفضل بن سهل» مقاليد الأمور، فصارت مهام الدولة فى يده، وبدأ فى إبعاد العناصر العربية من بلاط «المأمون»، وتعصب للعنصر الفارسى، وارتكب مجموعة أخرى من

الأخطاء؛ مما جعل «المأمون» يفكر فى التخلص منه، فقتل أثناء سفر «المأمون» إلى «بغداد». أما النشاط العسكرى فيتمثل فى حركة «بابك الخرمى»،التى تُعدُّ أخطر الحركات الفارسية المعادية للخلافة العباسية، فقد استمرت ما يزيد على عشرين عامًا واتسمت بدقة التنظيم وبراعة القيادة، والاتصال السياسى بالأكراد والأرمن وغيرهم، وكانت تؤمن بمبادئ هدامة منها: 1 - الإيمان بالحلول والتناسخ حتى إن زعيمها «بابك» ادَّعى الألوهية. 2 - المشاعية المزدكية فى الأموال والأعراض. 3 - ضرورة التخلص من السلطان العربى والدين الإسلامى. وقد ألحقت هذه الحركة العديد من الهزائم بالجيش العباسى ولم يتم القضاء عليها إلا فى عهد «المعتصم بالله». وفاة المأمون: ظل «المأمون» خليفة للمسلمين عشرين سنة وخمسة أشهر وعشرين يومًا، وقد تُوفِّى فى (18من رجب سنة 218هـ= 833م). الخليفة الثامن: المعتصم بالله (218 - 227هـ= 833 - 842م): هو «محمد بن هارون الرشيد»، وُلد فى (شعبان سنة 180هـ= أكتوبر سنة 796م)، وأمه جارية تركية اسمها «مارده»، وقد تولى الخلافة عقب وفاة أخيه «المأمون». كان «المعتصم» يتميز بقوته الجسمية وشدته فى الحرب، حتى قيل عنه: إنه كان يصارع الأسود ويحمل ألف رطل ويمشى به خطوات ويشد على الدينار بأصبعه السبابة والوسطى فيمحو كتابته، وقال عنه المؤرخون: إنه لم يكن فى «بنى العباس» قبله أشجع منه ولا أتم تيقظًا ولا أشد قوة. ومع ذلك فقد كان «المعتصم» على خلاف أخويه «الأمين» و «المأمون» فى العلوم والآداب، فقد كان قليل البضاعة منهما، حتى ذكر بعض المؤرخين أنه نشأ أميا لا يكتب، أو أنه كان ضعيف الكتابة على حد قول «ابن خلكان» و «ابن كثير». سياسة المعتصم: اختلفت الأوضاع السياسية فى عهد «المعتصم» عنها فى عهد من سبقه، بسبب ظهور عوامل جديدة على مسرح الأحداث، كان فى مقدمتها ظهور العنصر التركى قوة مؤثرة فى حركة الأحداث؛ فتمتع

الأتراك بصفات عسكرية كالشدة والقوة والتحمل جعل «المعتصم» يستكثر منهم، يضاف إلى ذلك أن أمه تركية. إلا أن كثرة الأتراك سببت أضرارًا كبيرة لسكان «بغداد»، مما دفع «المعتصم» إلى البحث عن مكان جديد يكون عاصمة له فوقع الاختيار على المكان الذى بنيت عليه مدينة «سُرّ من رأى» (سامراء حاليا) التى بُدء البناء فيها سنة (221هـ= 836م)، ويتميز موقعها بميزات سياسية واقتصادية وعسكرية، فمن الناحية السياسية فإنها فى موقع متوسط يسهل الاتصال بأنحاء الدولة، ومن الناحية الاقتصادية فإن موقعها يسهل عمليات التبادل التجارى بين النواحى الشمالية والجنوبية، وعسكريا فإن إحاطة المياه بها يجعلها فى مأمن من أى عدوان خارجى. ومن الأعمال العظيمة التى تنسب إلى «المعتصم بالله» نجاحه فى القضاء على ثورة «بابك الخرمى»، فحينما تولى أمر البلاد جهز جيشًا بقيادة «الأفشين» وزوَّده بكل أدوات القتال وبالمال اللازم؛ حيث دارت عدة معارك، انتهت بالقبض على «بابك الخرمى» وإعدامه. المعتصم والشيعة: لم تظهر فى عهد «المعتصم» حركات علوية مؤثرة كالحركات التى حدثت فى عهد الخلفاء السابقين، وإنما حدثت بعض الحركات الضعيفة، ومنها: حركة «محمد بن القاسم» المعروف بالصوفى، سنة (219هـ= 834م): والذى تحرك فى عدة أماكن كالحجاز و «الكوفة» ثم استقر فى «خراسان»، وشكلت حركته خطرًا على «الدولة العباسية»، فكلف «المعتصم» واليه على «خراسان» «عبدالله بن طاهر» بالتصدى لهذه الحركة؛ حيث نجح فى القضاء عليها. وفاة المعتصم بالله سنة (227هـ= 841م): تُوفى «المعتصم بالله» فى شهر (ربيع الأول سنة 227هـ= ديسمبر سنة 841م)، وقد أطلق عليه بعض المؤرخين «المُثَمن»، لأن خلافته دامت ثمانى سنين وثمانية أشهر ويومين، ومولده فى الشهر الثامن من العام الهجرى، ومات عن ثمانية بنين وثمانى بنات. الخليفة التاسع: الواثق بالله: (227 - 232هـ = 841 - 847م)

هو «هارون بن المعتصم بالله»، يكنى «أبا جعفر» وأمه أم ولد رومية تُسمى «قراطيس»، وكان فطنًا لبيبًا فصيحًا ينظم الشعر ويحب الموسيقى. وقد تولى «الواثق بالله» الحكم يوم وفاة والده «المعتصم». سياسة الواثق بالله: تظهر ملامح تلك السياسة فيما يلى: أولاً: تمسكه بمذهب المعتزلة، حتى جعله المذهب الرسمى للدولة، مما أثار أهل السنة ضده، إلا أنه تصدى لهم وقبض على زعمائهم. ثانيًا: تقريبه للأتراك جريًا على سياسة والده «المعتصم»، حتى إنه قسم البلاد بين رجلين من الأتراك، الأول «أشناس» وأعطاه الشطر الغربى من الدولة إلى آخر بلاد «المغرب»، والثانى قائده «إيتاخ» وأعطاه الشطر الشرقى: «دجلة» و «فارس» و «السند»، وكان كل منهما يعين الولاة الذين يريدهم، هذا بالإضافة إلى عدد من القادة الأتراك الذين شغلوا مناصب خطيرة، مثل: «وصيف التركى» الذى أوكل إليه «الواثق» القضاء على ثورة المتمردين الأكراد، و «بغا الكبير» الذى أخمد ثورة الأعراب بنواحى «المدينة». وكان الواثق يغدق عليهم الأموال والهدايا. ثالثًا: مصادرة أموال كبار الموظفين، مثل «أحمد بن إسرائيل»، الذى أخذ منه ثمانين ألف دينار، و «سليمان بن وهب» كاتب «إيتاخ»، الذى أخذ منه أربعمائة ألف دينار، وغيرهما، مما ترك آثارًا سيئة فى الجهاز الإدارى والاستقرار المالى للدولة، وأصابهما بالفساد والخلل. رابعًا: إحسانه إلى بعض طوائف الأمة، وفى مقدمتهم العلويون حيث أغدق عليهم الأموال. وفاة الواثق بالله: استمر «الواثق» فى مقعد الخلافة خمس سنين وتسعة أشهر، ثم أُصيب بمرض الاستسقاء، ومات فى (ذى الحجة سنة 232هـ= يوليو سنة 847م)، وعمره اثنان وثلاثون عامًا، وقيل: ستة وثلاثون. السمات العامة للعصر العباسى الأول (132 - 232هـ = 749 - 847م): امتد العصر العباسى الأول مائة سنة، تولى الخلافة خلالها تسعة خلفاء، بدءًا من «أبى العباس» وانتهاءً بالواثق بالله، ويمكن تقسيم

هذا العصر إلى ثلاثة عهود رئيسية: 1 - عهد التأسيس من سنة: (132هـ=749م) إلى سنة (158هـ= 775م)، ويشمل خلافة «أبى العباس» و «المنصور». 2 - عهد الاستقرار: من سنة (158هـ= 775م) إلى سنة (218هـ= 833م)، ويشمل خلافة «المهدى» و «الهادى» و «الرشيد» و «الأمين» و «المأمون». 3 - عهد القلق: من سنة (218هـ=833م) إلى سنة (232هـ= 847م)، ويشمل «المعتصم بالله» و «الواثق بالله». ويتميز العصر العباسى الأول بالسمات الآتية: أولاً: كثرة الصراعات: ومن ذلك: 1 - الصراع بين العرب - ومنهم أسرة الخلافة - والفرس - ومنهم الوزراء والإداريون وغيرهم- مثلما حدث بين «الرشيد» و «البرامكة»، و «المأمون» و «بنى سهل». 2 - الصراع بين فروع البيت الهاشمى: العباسيين، والعلويين، مثلما حدث بين الخليفة «المنصور» و «محمد النفس الزكية». 3 - الصراع بين الخلافة العباسية والحركات المعادية لها من العرب وغيرهم، وقد تمثل ذلك فى حركات الخوارج. 4 - الصراع بين الإسلام - الدين الرسمى للدولة- وبين العقائد الأخرى التى ظهرت فى بلاد فارس كالخُرَّمية وغيرها من العقائد الفاسدة. ثانيًا: اتساع العلاقات الخارجية: فقد بسطت الخلافة العباسية سلطانها على بلادٍ كثيرة شرقًا وغربًا، وتعددت علاقاتها مع الدول الأخرى وفى مقدمتها: أ - الدولة البيزنطية: وكانت العدو التقليدى للدولة الإسلامية منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتد هذا العداء بعد استيلاء المسلمين على بعض المناطق التى كانت خاضعة للدولة البيزنطية، كالشام و «مصر» و «المغرب». وخلال العصر العباسى الأول حدث الاحتكاك المباشر بين القوات الإسلامية والبيزنطية على الحدود الشمالية فى منطقة «الشام»، فقد استغلت «الدولة البيزنطية» انشغال الخليفة العباسى الأول «أبى العباس عبد الله بن محمد»، بتثبيت أركان الدولة سنة (132هـ= 749م)، وقامت بمهاجمة الحصون والثغور الإسلامية؛ فأمر الخليفة «أبو

العباس» واليه على «الشام» بالإعداد لمواجهة البيزنطيين، ولكن الموت عاجله، وجاء «المنصور» فأمر بتحصين الثغور وإعادة بناء ما هدمه البيزنطيون، وجعل لها حكمًا إدارياً مستقلاً، وحشد فيها آلاف المقاتلين والمرابطين فى سبيل الله. وكانت هذه الثغور تنقسم إلى قسمين: 1 - الثغور الجزرية: للدفاع عن الجزيرة الفراتية وشمال «العراق» وأهم حصونها «ملطية» و «المصيصة»، و «مرعش». 2 - الثغور الشامية: وتقع غرب الثغور الجزرية، وهى للدفاع عن «الشام»، وأهم حصونها «طرسوس»، و «أدنة». وفى سنة (162هـ=779م) أرسل «المهدى» جيشًا ضخمًا بقيادة «الحسن بن قحطبة»، فتوغل فى بلاد الروم ونشر الرعب بين صفوفهم. وفى سنة (163هـ= 780م) خرج «المهدى» بنفسه على رأس الجيش متجهًا إلى الحدود البيزنطية، ووصل إلى «الموصل» ثم «حلب»؛ حيث ترك ابنه «هارون الرشيد» ليتابع جهاده ضد البيزنطيين، وفى عهد «الرشيد» (170 - 193هـ= 786 - 809م) أمر بجعل منطقة الثغور منطقة مستقلة باسم «الثغور والعواصم» وأقام خطين للدفاع عن حدود الدولة مع البيزنطيين، الخط الأول هو الثغور، والخط الثانى إلى الجنوب من الخط الأول، ويُسمَّى: العواصم. كما قام «الرشيد» ببناء حصون جديدة، مثل «عين زرية»، و «زبطرة» وغيرهما. وقد حاول «نقفور» إمبراطور «الدولة البيزنطية» الامتناع عن دفع الجزية للخلافة العباسية، فأرسل إليه «الرشيد» يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا بن الكافرة والجواب ما تراه دون أن تسمعه والسلام». وخرج «الرشيد» بنفسه على رأس جيش ضخم ألحق الهزيمة بالقوات البيزنطية وأرغم الإمبراطور «نقفور» على الخضوع ودفع الجزية مرة أخرى. ونظرًا لكثرة المعارك بين العباسيين والبيزنطيين، فقد وقع كثير من جنود الطرفين أسرى، وقد حرصت الخلافة العباسية على فداء أسرى المسلمين، فى عهد «الرشيد» سنة (181هـ= 797م).

وقد سار «المأمون» (198 - 218هـ= 813 - 833م) على سياسة والده نفسها، فى استمرار النشاط العسكرى ضد البيزنطيين، وكان النصر حليف المسلمين. وتعدُّ معركة «عمورية» سنة (223هـ= 838م)، أبرز المعارك بين المسلمين والبيزنطيين فى عهد «المعتصم بالله»، وكان سببها اعتداء الإمبراطور البيزنطى «تيوفيل بن ميخائيل» على بعض الثغور والحصون على حدود «الدولة الإسلامية»، وحين بلغ «المعتصم» ما وقع للمسلمين فى هذه المدن، وصيحة امرأة مسلمة وقعت فى أسر الروم: وامعتصماه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك، وجهز جيشًا ضخمًا أرسله على وجه السرعة لإنقاذ المسلمين، ثم خرج بنفسه على رأس جيش كبير وفتح مدينة «عمورية»، وهى من أعظم المدن البيزنطية، واستولى على ما بها من مغانم وأموال كثيرة جدا. ب - الدولة الأموية بالأندلس: وكانت علاقة العباسيين بها علاقة عداء وتربص، فقد استطاع «عبدالرحمن بن معاوية» - بعد فراره من العباسيين إلى «الأندلس» - أن يؤسس «الدولة الأموية» بالأندلس وعاصمتها «قرطبة» سنة (138هـ= 755م). وقد حاولت الخلافة العباسية بسط نفوذها على بلاد «الأندلس» والقضاء على «الدولة الأموية» بها، فدبَّر «أبو جعفر المنصور» ثورة «العلاء بن مغيث الجذامى» فى مدينة «باجة» الأندلسية سنة (146هـ= 763م)، وقام «المهدى» بمساندة الثورات الداخلية التى كانت تقوم لحساب «الدولة العباسية»، ولكن كل هذه المحاولات والثورات باءت بالفشل بسبب يقظة الأمير الأموى «عبد الرحمن الداخل» وحزمه، وقد لقبه «أبو جعفر المنصور» بصقر قريش، بل إن «عبدالرحمن الداخل» أشاع عزمه على غزو «الشام» وانتزاعه من «الدولة العباسية»، وكتب إلى أنصاره فى «الشام» بذلك وعهد إلى ابنه «سليمان» بولاية «الأندلس»، وذلك بغرض إزعاج «الدولة العباسية» وإرغامها على وقف محاولاتها المستمرة لاسترداد بلاد «الأندلس». ج - الدولة الكارولونجية:

وكانت إحدى القوى الناشئة فى غربى «البحر المتوسط» (جنوبى فرنسا حاليا)، وقام بينها وبين الدولة العباسية علاقات سياسية، وجرى تبادل السفراء بين الدولتين فى عهد «هارون الرشيد»، وقد سعى زعيم «الدولة الكارولونجية» «شارلمان» إلى كسب وده لتعزيز موقفه الداخلى والخارجى، وتبادل معه الهدايا الثمينة.

3 - 3:الأوضاع الحضارية فى العصر العباسى الأول

الفصل الثالث *الأوضاع الحضارية فى العصر العباسى الأول: أولاً: النظام السياسى والإدارى، ويشمل: أ - الخلافة: وقد أقام العباسيون دولتهم سنة (132هـ= 749م) وتولى أول خلفائهم «أبو العباس عبدالله بن محمد» السلطة بناءً على وصية أخيه «إبراهيم الإمام» بعد وقوعه فى قبضة الأمويين، وقد حكم «أبو العباس» أربع سنوات، وقبيل وفاته عهد إلى أخيه «أبى جعفر المنصور» بولاية العهد من بعده، ومن بعد «أبى جعفر»، «عيسى بن موسى»، وكتب العهد بهذا وصره فى ثوب وختم عليه بخاتمه وخواتم أهل بيته وسلمه إلى «عيسى بن موسى». ومن هنا نلاحظ أن الحكم قد بدأ وراثيا فى عهد «الدولة العباسية» منذ اللحظة الأولى، واقتصر على أهل البيت العباسى، كما أن أكثر الخلفاء كان يوصى بولاية العهد إلى أكثر من شخص؛ مما أدى إلى صراعات ساعدت على تصدع «الدولة العباسية». وحين تولى «أبو جعفر المنصور» الخلافة واجه اعتراضًا من عمه «عبدالله بن على» الذى رفض مبايعته، ودعا لنفسه بالخلافة مدعيًا أنه ولى عهد «أبى العباس»، مما دعا «المنصور» إلى توجيه جيش له بقيادة «أبى مسلم الخراسانى» تمكن من القبض عليه والقضاء على دعوته. وقد نقل «المنصور» ولاية العهد من ابن أخيه «عيسى بن موسى» إلى ابنه «محمد»، الذى تولى الخلافة بعد أبيه «المنصور» سنة (158هـ= 775م) ولقب بالمهدى، واستمر فى منصبه حتى تُوفِّى سنة (169هـ= 785م)؛ حيث تولى ابنه «موسى» الملقب بالهادى، ولم يمكث سوى سنة واحدة فى الحكم؛ حيث تولى من بعده أخوه «هارون الرشيد»، ومنذ عهد «الرشيد» أصبح الصراع السياسى على السلطة إحدى السمات المميزة للعصر العباسى الأول، وكان الصراع بين «الأمين» و «المأمون» من الأمثلة المعبرة عن هذه السمة، وقد انتهى بقتل «الأمين» وتولية «المأمون» الخلافة. ب - الوزارة: تُعدُّ الوزارة المنصب الثانى بعد الخلافة فى «الدولة العباسية» وقد قسَّم فقهاء المسلمين الوزارة إلى نوعين: - وزارة التفويض:

حيث يفوض الخليفة الوزير فى تدبير أمور الدولة برأيه واجتهاده، فتكون له السلطة المطلقة فى الحكم والتصرف فى شئون الدولة. - وزارة التنفيذ: حيث يكون الوزير وسيطاً بين الخليفة والرعية والولاة، ومجرد منفذ لأوامر الخليفة. وقد أحدث العباسيون نظام الوزارة فى بداية دولتهم متأثرين فى ذلك بالنظم الفارسية، ولم تكن مسئوليات الوزير فى بداية الأمر تبعد كثيرًا عن مسئوليات الكاتب، وقد حصر «أبو جعفر المنصور» مهمة الوزير فى التنفيذ وإبداء الرأى والنصح، ولم يكن له وزير دائم، ومن وزرائه: «الربيع بن يونس» الذى اشتهر باللباقة والذكاء وحسن التدبير والسياسة. وقد ظهرت شخصية الوزراء إلى حد كبير فى عهد الخليفة «المهدى»، لما ساد الدولة من هدوء نسبى، ومن هؤلاء الوزراء الأقوياء «يعقوب بن داود»، ثم صار للوزارة شأن كبير فى عهد «الرشيد»، و «المأمون» لاعتماد الأول على البرامكة، والثانى على «بنى سهل»، فمُنِحَ «يحيى البرمكى» وزير «الرشيد»، و «الفضل بن سهل» وزير «المأمون» صلاحيات وسلطات واسعة، جعلت نفوذهما يمتد إلى جميع مرافق الدولة، ولكن سرعان ما تم التخلص منهما. ج- الكتابة: كانت طبقة الكُتَّاب ذات أهمية كبيرة فى «الدولة العباسية»، وكان الكاتب ذا علم واسع وثقافة عريضة؛ لأنه يقوم بتحرير الرسائل الرسمية والسياسية داخل الدولة وخارجها، كما يتولَّى نشر القرارات والبلاغات والمراسيم بين الناس، ويجلس على منصة القضاء بجوار الخليفة لينظر فى الدعاوى والشكاوى ثم يختمها بخاتم الخليفة. ومن أشهر الكُتَّاب فى العصر العباسى الأول «يحيى بن خالد بن برمك» فى عهد «الرشيد»، و «الفضل» و «الحسن» ابنا «سهل»، و «أحمد بن يوسف» فى عهد «المأمون»، و «محمد بن عبدالملك الزيات» و «الحسن بن وهب»، و «أحمد بن المدبر» فى عهد «المعتصم» و «الواثق». د - الحجابة: وهى وظيفة تقوم بمساعدة الحكام فى تنظيم الصلة بينهم وبين

الرعية، فالحاجب واسطة بين الناس والخليفة، يدرس حوائجهم، ويأذن لهم بالدخول بين يدى الخليفة أو يرفض ذلك إذا كانت الأسباب غير مقنعة؛ وذلك حفاظًا على هيبة الخلافة وتنظيمًا لعرض المسائل حسب أهميتها على الحاكم الأعلى للبلاد. وقد اقتدى العباسيون بالأمويين فى اتخاذ الحُجَّاب، وأسرفوا فى منع الناس من المقابلات الرسمية، ولعل هذا هو السبب المباشر فى نشأة ما أسماه «ابن خلدون» «الحجاب الثانى»، فكان بين الناس والخليفة حاجزان عبارة عن دارين، أحدهما يُسمَّى «دار الخاصة» والآخر «دار العامة»، وكان الخليفة يقابل كل طائفة حسب حالتها وظروفها فى إحدى هاتين الدارين تبعًا لإرادة الحُجَّاب على أبوابها. هـ - ولاية الأقاليم: المقصود بالأقاليم: المناطق التى تتكون منها الدولة. وقد كان النظام الإدارى فى «الدولة العباسية» نظامًا مركزيا؛ حيث صار الولاة على الأقاليم مجرد عمال للخليفة على عكس ما كانوا عليه فى «الدولة الأموية». وقد قسم العباسيون الولاية على الأقاليم إلى قسمين، وخصوصًا فى عهد «الرشيد»، الأول: الولاية الكبرى وهى التى تكون لأحد أبناء الخليفة أو شخص مقرب من الخليفة؛ حيث يتولى هذا الوالى عدة أقاليم فى الدولة ويقوم بتصريف أمورها من العاصمة، أو من أحد تلك الأقاليم بعد الرجوع إلى الخليفة، ويرسل إليها ما يشاء من الولاة. الثانى: الولاية الكاملة: حيث يتمتع الوالى ببعض السلطات التى توسع دائرة نفوذه، مثل النظر فى الأحكام وجباية الضرائب والخراج وحماية الأمن وإمامة الصلاة وتسيير الجيوش للغزو. و الدواوين: ظهرت الدواوين فى «الدولة الإسلامية»، كبقية المؤسسات الإدارية، نتيجة لاحتياج المسلمين إليها، وقد جعل «ابن خلدون» وجود الديوان من الأمور اللازمة للملك. وللديوان أهمية كبرى فيما يتعلق بأموال الدولة وحقوقها وحصر جنودها ومرتباتهم، ويرجع الفضل فى تنظيم الدواوين فى العصر العباسى إلى «خالد بن برمك».

وقد اهتم الخلفاء العباسيون بالدواوين؛ فكثرت اختصاصاتها وتنوعت بسبب التعاون الوثيق بين العباسيين والفرس، فقد أخذ العباسيون الخبرة الفارسية فى مجال الإدارة، كما احتفظوا ببعض تنظيمات «الدولة الأموية»، خصوصًا فى الدواوين والدوائر الرسمية، كما استحدثوا بعض الدواوين كديوان المصادرات، وديوان الأزمّة (المحاسبة) وديوان المظالم، وغيرها. ز - القضاء: وهو من الوظائف المهمة فى «الدولة الإسلامية»، ويقوم على المحافظة على حقوق الرعية وإقرار العدل والإنصاف بين جميع الطبقات، وحماية الأخلاق العامة، مستمِدا أحكامه من الكتاب والسنة، ونظرًا لأهمية هذا المنصب فقد وضع العلماء المواصفات التى يجب توافرها فى القاضى، ومنها: أن يكون رجلاً قوياً عاقلاً حرا مسلمًا عادلاً، ويتمتع بالسلامة فى السمع والبصر، وأن يكون عالمًا بأحكام الشريعة. وقد حظى القضاة فى العصر العباسى الأول بالتبجيل والاحترام، وكان تعيينهم وعزلهم يتم بأمر الخليفة، وأول من فعل ذلك الخليفة «المنصور»، فقد عين قضاة البلاد بأمره سنة (136هـ= 753م). وقد استقرت المذاهب الفقهية فى عهد «الدولة العباسية»، وتحددت مهام القضاة وكيفية الإجراء القضائى، وتوحد القانون وأصبحت جلسات القاضى علنية فى المسجد وخصوصًا فى عهد «المأمون». كما اهتم خلفاء العباسيين بالتثبت من الأحكام، فعيَّنوا جماعة من المُزَكِّين، وظيفتهم تتبع أحوال الشهود، فإذا طعن الخصم فى شهادة أحد الشهود سُئل عنه المزكى، كما اهتموا بأحوال القضاة المادية حتى يعيشوا فى يسر ورخاء. وقد تطور القضاء بصورة ملحوظة فى العصر العباسى الأول، وظهر منصب «قاضى القضاة»، وكان يقيم فى عاصمة الدولة، ويقوم بتعيين القضاة فى الأقاليم والبلاد المختلفة، وأول من لقب «قاضى القضاة» «أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم»، صاحب كتاب «الخراج»، فى عهد «الرشيد». ثانيًا: الأوضاع الاقتصادية والعمرانية:

أدرك الخلفاء العباسيون أهمية الاقتصاد وتنمية الموارد المالية لمواجهة النفقات المتعددة للدولة، واتخذ «المنصور» عدة خطوات لزيادة موارد الدولة، فاستحدث نظام المصادرات للاستيلاء على الأموال لمواجهة أعباء الثورات والحركات التى واجهها، وأعاد النظر فى مقادير الضرائب المفروضة على الكور. وفى عهد «الرشيد» ازدهرت أحوال الدولة الاقتصادية، وارتفع مستوى المعيشة، بسبب تدفق الأموال على خزانة الدولة فى بغداد، وتعدد موارد الدولة المالية، فكان منها الزكاة، والخراج، والجزية، وأخماس المعدن، والرسوم على التجارة الخارجية، وغيرها. وقد أسهمت تلك الموارد فى سدّ النفقات فى مجال النشاط العسكرى والأمنى، ومجال البناء والتعمير وإنشاء المدن، مثل مدينة «بغداد» و «سامراء». مدينة بغداد: يرجع الفضل فى بنائها إلى الخليفة «أبى جعفر المنصور» ودفعه إلى ذلك عدة أسباب، منها: 1 - «ثورة الرواندية» سنة (141هـ = 758م) وما شكّلته من خطر كبير على «المنصور» نفسه؛ الأمر الذى جعله يفكر جديا فى الانتقال من «الهاشمية» لأنها لم تكن بالعاصمة الحصينة التى يأمن فيها على نفسه. 2 - أن «الهاشمية» وهى العاصمة المؤقتة للدولة العباسية كانت قريبة من «الكوفة» مركز التشيع؛ مما يشكل خطرًا على العباسيين. 3 - رغبة «المنصور» فى إنشاء عاصمة جديدة تليق بالدولة وتخلد ذكره من بعده. وقد جرت عدة محاولات لاختيار المكان المناسب لبناء عاصمة الدولة الجديدة، حتى وقع الاختيار على المكان الذى بنيت فيه مدينة «بغداد»؛ وروعى فيها أن تتمتع بمزايا عديدة أهمها: - أنها قريبة من «خراسان» مهد الدعوة العباسية، فضلاً عن قربها من المراكز العربية الأخرى، وبعدها عن مراكز الاحتكاك البيزنطى. - وأنها تقع بين نهرين كبيرين هما «دجلة» و «الفرات»، وهما يشكلان خطين للدفاع عن المدينة. - وأنها تقع وسط «العراق» وعلى مسافة متساوية بين «البصرة»

و «الموصل»؛ مما يجعلها سوقًا للبضائع والمنتجات، وملتقى للقوافل التجارية البرية والنهرية؛ إذ إنها تقع أيضًا على طريق «الشام» - الخليج العربى. هذا بالإضافة إلى طبيعة المكان السهلة والمفتوحة؛ مما يشبع رغبة العرب والمسلمين الذين اعتادوا السكنى فى مثل هذه الأماكن. وقد حشد «المنصور» لبنائها العمال المهرة فى الصناعة والبناء، وابتدأ فى بنائها سنة (145هـ= 762م)، وفقًا لأرجح الأقوال. وقد تم تصميم المدينة على شكل دائرى، يحيط بها سور، ولها أربعة أبواب، وبلغت نفقات بنائها حينئذٍ ثمانية عشر مليون درهم، وأُطلق عليها اسم «دار السلام»، إلا أن الشائع هو اسمها القديم «بغداد». مدينة سامراء: أسسها الخليفة العباسى «المعتصم بالله» (218 - 227هـ = 833 - 842م) وجعلها عاصمة للخلافة، وقد دفعه إلى إنشائها احتكاك الجنود الأتراك الذين جلبهم الخليفة للإقامة معه فى «بغداد»، بسكان المدينة وجنودها السابقين، مما أدى إلى حدوث إصابات كثيرة بين سكان «بغداد» ومقتل كثير من النساء والأطفال والشيوخ، فاضطر الخليفة «المعتصم بالله» إلى البحث عن مكان جديد، ينتقل إليه مع جنوده وحاشيته؛ فوقع الاختيار على أرض «سامراء»، على بعد ستين ميلاً شمالى «بغداد». وقد حشد لها «المعتصم» العمال والبنائين وأهل الصناعات المهرة، وشرع فى بنائها سنة (221هـ= 836م). ثالثًا: الحياة الفكرية: شهد العصر العباسى الأول نهضة فكرية عظيمة، وطفرة ثقافية كبيرة فى شتى مجالات العلم والمعرفة نتيجة امتداد رقعة «الدولة العباسية» ووفرة ثروتها ورواج تجارتها واهتمام الخلفاء بالحياة الفكرية. وقد ميز علماء المسلمين بين نوعين من العلوم: 1 - علوم تتصل بالقرآن الكريم، وهى «العلوم النقلية أو الشرعية»، وتشمل علم التفسير، وعلم القراءات، وعلم الحديث، والفقه، وعلم الكلام، والنحو، واللغة والبيان والأدب. 2 - علوم أخذها العرب عن غيرهم من الأمم، وهى «العلوم العقلية»

وتشمل: الفلسفة والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والطب والكيمياء والتاريخ والجغرافيا. وقامت المساجد بدور فعَّال فى نشر الثقافة الإسلامية؛ حيث كانت تكتظ بحلقات العلم والدرس، وبخاصة العلوم الشرعية التى ازدهرت فى العصر العباسى، ونشأت فى كنف علمى التفسير والحديث، ولم يكن الحديث مقصورًا على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ضم أيضًا ما كان مأثورًا عن الصحابة، ومن أشهر رجال الحديث فى ذلك العصر: «حماد بن سلمة» المتوفى سنة (165هـ)، و «سفيان بن عيينة» بمكة المتوفى سنة (198هـ)، و «وكيع بن الجراح» بالكوفة المتوفىسنة (196هـ)، و «عبدالله ابن المبارك» المتوفى سنة (181هـ)، و «سفيان الثورى» بالكوفة المتوفى سنة (161هـ)، و «عبدالرحمن الأوزاعى» بالشام المتوفى سنة (157هـ)، و «عبدالملك بن جريح» المتوفى سنة (150هـ)، و «معمر بن راشد» باليمن (153هـ)، و «سعيد بن أبى عروبة» بالبصرة المتوفى سنة (156هـ)، و «مالك بن أنس» بالمدينة. ومن أبرز المؤلفات فى هذا المجال: كتاب «الموطأ» الذى ألفه الإمام «مالك بن أنس» إمام دار الهجرة (المدينة المنورة) بناءً على طلب «المنصور»، فيروى أن الخليفة «أبا جعفر المنصور» قابل الإمام «مالكًا» فى موسم الحج، وكلَّمه فى مسائل كثيرة من العلم، ثم قال له: يا «أبا عبدالله» لم يبقَ فى الناس أفقه منى ومنك، وإنى قد شغلتنى الخلافة فاجمع هذا العلم ودونه ووطئه للناس توطئة، وتجنب فيه شدائد «عبد الله بن عمر»، ورُخَص «عبدالله بن عباس»، وشواذ «عبدالله بن مسعود»، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضى الله عنهم. فاعتذر الإمام «مالك»، فلم يقبل «المنصور» منه، فوضع «مالك» كتاب «الموطأ». ولم تظهر الطريقة المنظمة فى التفسير إلا فى العصر العباسى الأول؛ حيث كان قبل ذلك غير منظم ويقتصر على تفسير آيات صغيرة غير مرتبة حسب ترتيب السور والآيات باستثناء تفسير ابن عباس.

وأهم المفسرين فى العصر العباسى الأول «مقاتل بن سليمان الأزدى» المتوفى سنة (150هـ)، و «محمد بن إسحاق» المتوفى سنة (151هـ)، ولم يصل من تفاسير هؤلاء شىء إلينا. وازدهرت دراسة الفقه ازدهارًا عظيمًا وكانت له مدرستان، الأولى مدرسة أهل الرأى والقياس فى العراق ومؤسسها «أبو حنيفة النعمان» المتوفى سنة (150هـ)، وخلفه «أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم» المتوفى سنة (182هـ)، و «محمد بن الحسن الشيبانى» المتوفى سنة (189هـ)، والثانية مدرسة أهل الحجاز ومؤسسها «مالك بن أنس» وتسمى مدرسة أهل الحديث، ثم جاء الإمام الفقيه «محمد بن إدريس الشافعى» المتوفى سنة (204هـ)، وجمع بين هاتين المدرستين، أى جمع بين طريقة الحجازيين فى الاعتماد على الكتاب والسنة وطريقة العراقيين فى الاعتماد على الرأى، ومن العلوم التى ظهرت وتطورت فى ذلك العصر: علم الكلام، ويقصد به الجدل الدينى فى الأمور العقيدية ويسمى المشتغلون به المتكلمين، ومن أشهر فرقهم المعتزلة الذين دخلوا فى محاورات ومجادلات مع غيرهم من المرجئة والرافضة والشيعة، والنصارى، واليهود، والمانويين. وأهم رجال المعتزلة «واصل بن عطاء» المتوفى سنة (131هـ)، و «عمرو بن عبيد» المتوفى سنة (145هـ)، و «بشر بن المعتمر» المتوفى سنة (210هـ)، و «ثمامة بن أشدس» المتوفى سنة (213هـ)، و «أبو الهذيل العلاف» المتوفى سنة (227هـ). وشهد ذلك العصر نخبة كبيرة من علماء اللغة، منهم: «أبو عمرو بن العلاء» المتوفى سنة (54هـ)، و «خلف الأحمر» المتوفى سنة (180هـ)، و «الأصمعى» صاحب الأصمعيات المتوفى سنة (213هـ)، و «أبو زيد الأنصارى» صاحب كتاب النوادر المتوفى سنة (214هـ)، و «أبو عبيدة» صاحب «نقائض جرير والفرزدق» المتوفى سنة (210هـ)، و «محمد بن سلام الجمحى»، و «حماد الراوية» المتوفى سنة (155هـ)، و «المفضل الضبى»، و «أبو عمرو الشيبانى» المتوفى سنة (206هـ)، و «أبو عبيد القاسم بن سلام» المتوفى سنة (224هـ).

وفى النحو: «عيسى بن عمر الثقفى» المتوفى سنة (149هـ)،و «الخليل» الواضع الحقيقى لعلم النحو المتوفى سنة (170هـ)، و «سيبويه» المتوفى سنة (180هـ)، و «معاذ بن مسلم الهراء» المتوفى سنة (187هـ)، و «الكسائى» المتوفى سنة (189هـ)، و «الفراء» المتوفى سنة (207هـ)،وعنى كثير من اللغويين والنحاة بكتابة سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وأشهرهم «محمد بن إسحاق» المتوفى سنة (151هـ)، و «ابن هشام» المتوفى سنة (213هـ)، و «محمد بن عمر الواقدى» المتوفى سنة (207هـ)، و «محمد بن سعد» صاحب الطبقات المتوفى سنة (230هـ). كما نشطت كتابة التاريخ فى العصر العباسى الأول، وأشهر من اشتغل بذلك العلم: «محمد بن الحسين بن زبالة»، و «أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدى» المتوفى سنة (157هـ)، و «سيف بن عمر التميمى» المتوفى سنة (180هـ)، و «هشام بن محمد الكلبى» المتوفى سنة (204هـ)، و «المدائنى» المتوفى سنة (225هـ). كما شهد ذلك العصر نخبة كبيرة من فحول الشعراء على رأسهم «بشار بن برد» المتوفى سنة (168هـ)، و «أبو نواس الحسن ابن هانىء» المتوفى سنة (195هـ)، و «أبو العتاهية» المتوفى سنة (211هـ)، و «مسلم بن الوليد» المتوفى سنة (208هـ)، و «أبو تمام حبيب بن أوس» المتوفى سنة (231هـ)، وتطور النثر فى العصر العباسى الأول بعد دخول كثير من الثقافات اليونانية والفارسية والهندية التى امتزجت به، وأهم فنون النثر فى ذلك الوقت الخطابة والوعظ، والمناظرات، والرسائل الديوانية- العهود والوصايا والتوقيعات - والرسائل الإخوانية والأدبية، ومن أعلام الكتاب فى ذلك العصر: «ابن المقفع» المتوفى سنة (143هـ)، و «سهل بن هارون» المتوفى سنة (215هـ)، و «أحمد بن يوسف» المتوفى سنة (213هـ)، و «عمرو بن مسعدة» (217هـ). وقد شجع الرشيد العلم والعلماء، وأنشأ «بيت الحكمة»، وجمع فيه كثيرًا من المؤلفين، والمترجمين والنساخ. ومن أشهرهم: «سهل بن هارون»، و «الحسين بن سهل»، و «الفضل

بن نوبخت»، وكانوا يترجمون من الفارسية إلى العربية. و «حنين بن إسحاق»، و «يوحنا البطريق»، و «يوحنا بن ماسويه»، وكانوا يترجمون من اليونانية والسريانية إلى العربية، وفى عهد «المأمون» نشطت حركة الترجمة والنقل من اللغات الأجنبية إلى العربية، فأرسل البعوث إلى «القسطنطينية» لإحضار المصنفات الفريدة فى الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب. وبجانب اهتمام الخلفاء بحركة الترجمة والنقل، اهتم ذوو اليسار (الأغنياء) بتشجيع العلم والإنفاق على الترجمة إلى اللغة العربية، ومنهم «محمد» و «أحمد» و «الحسن» أبناء «موسى بن شاكر» الذين أنفقوا أموالاً ضخمة فى ترجمة كتب الرياضيات، وكانت لهم آثار قيمة فى الهندسة والموسيقى والنجوم، وقد أرسلوا «حنين بن إسحاق» إلى بلاد الروم فجاءهم بطرائف الكتب وفرائد المصنفات. وقد اشتغل كثير من المسلمين بدراسة الكتب التى تُرجمت إلى العربية، وتفسيرها والتعليق عليها، وتصحيح أخطائها، ومن هؤلاء: «يعقوب بن إسحاق الكندى»، الذى ترجم كثيرًا من كتب الفلسفة وشرح غوامضها، ونبغ فى علوم الطب والفلسفة والحساب والمنطق والهندسة وعلم النجوم. ومن العوامل التى ساهمت فى ازدهار الحركة العلمية فى العصر العباسى الأول ظهور الورق واستخدامه فى الكتابة، وقد أنشأ «الفضل بن يحيى البرمكى» مصنعًا للورق فى عهد «الرشيد» ببغداد، فانتشرت الكتابة فيه لخفته بعد أن كانوا يكتبون على الجلود والقراطيس المصنوعة بمصر من ورق البردى.

3 - 4:العصر العباسى الثانى

الفصل الرابع *العصر العباسى الثانى [232 - 656هـ = 847 - 1258 م] يمتد العصر العباسى الثانى أكثر من أربعة قرون، وقد قسم المؤرخون هذه الفترة إلى أربعة عصور رئيسية هى: 1 - عصر نفوذ الأتراك.2 - عصر البويهيين. 3 - عصر السلاجقة.4 - عصر ما بعد السلاجقة. أولاً: عصر نفوذ الأتراك [232 - 334 هـ = 847 - 945م]: كان «المأمون» أول من استخدم الأتراك وقربهم، ولكنهم كانوا محدودى العدد والنفوذ فى عهده، فلما تولى الخليفة «المعتصم» الحكم جعلهم عنصرًا أساسيا فى جيشه، وبلغ عددهم بضعة عشر ألفًا، وكانوا تحت سيطرة الخليفة. وبدأ نفوذ الأتراك يتزايد فى عهد «الواثق»، ثم ازداد حدة واتساعًا فى عهد الخليفة «المتوكل». ويمتد عصر نفوذ الأتراك إلى ما يزيد قليلاً على قرن من الزمان، تعاقب خلاله على كرسى الخلافة ثلاثة عشر خليفة هم: 1 - المتوكل على الله «جعفر بن المعتصم» (232 - 247هـ= 847 - 861م). 2 - - المنتصر بالله «محمد بن المتوكل» (247 - 248هـ= 861 - 862م). 3 - المستعين بالله «أحمد بن المعتصم» (248 - 252هـ= 862 - 866م). 4 - المعتز بالله «محمد أبو عبدالله بن المتوكل» (252 - 255هـ= 866 - 869م). 5 - المهتدى بالله «محمد بن الواثق بن المعتصم» (255 - 256هـ= 869 - 870م). 6 - المعتمد على الله «أحمد بن المتوكل بن المعتصم» (256 - 279هـ= 870 - 892م). 7 - المعتضد بالله «أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل» (279 - 289هـ= 892 - 902م). 8 - المكتفى بالله «أبو محمد على بن المعتضد» (289 - 295هـ= 902 - 908م). 9 - المقتدر بالله «أبو الفضل جعفر بن محمد» (295 - 320هـ= 908 - 932م). 10 - القاهر بالله «أبو منصور محمد بن المعتضد» (320 - 322هـ= 932 - 934م). 11 - الراضى بالله «أبو العباس محمد بن المقتدر بن المعتضد» (322 - 329هـ= 934 - 941م). 12 - المتقى لله «أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر» (329 - 333هـ= 941 - 945م).

13 - المستكفى بالله «أبو القاسم عبد الله بن المكتفى» (333 - 334هـ= 945 - 946م). (1) المتوكل على الله: وقد تولى الخلافة فى ذى الحجة سنة (232هـ= 847م)، وكان عهده بداية حقبة الضعف والتدهور، وتفكك بنيان الخلافة العباسية. ورغم أن «المتوكل»: كان قوى الشخصية، وافر الهيبة فإنه لم يستطع أن يضع حدا لاستفحال النفوذ التركى فى عهده، الذى كان له دور فى توليته الخلافة بعد أن كادت البيعة تتم لمحمد بن الواثق، وكان غلامًا. وقد نجح «المتوكل» فى البداية فى التخلص من أخطر العناصر التركية فى عهده، وهو «إيتاخ» الذى استفحل خطره حتى إنه همَّ يومًا بقتل الخليفة «المتوكل» حين تبسَّط معه فى المزاح، لكن الخليفة نجح فى التخلص منه سنة (235هـ= 849م)، كما عزم على التخلص من قادة الأتراك ووجوههم، مثل «وصيف» و «بُغا»، إلا أنهم استغلوا ما بينه وبين ابنه وولى عهده «محمد المنتصر» من خلاف وجفوة ودبروا مؤامرة انتهت بقتل «المتوكل» ووزيره «الفتح بن خاقان» فى الخامس من شوال سنة (247هـ= 861م)، وبايعوا ابنه «المنتصر» خليفة. وقد استطاع «المتوكل» فى عهده أن يظفر بمكانة عظيمة فى قلوب جماهير المسلمين، حين منع النقاش فى القضايا الجدلية التى أثارها المعتزلة، مثل قضية خلق القرآن، كما رد للإمام «أحمد بن حنبل» اعتباره وجعله من المقربين إليه، بعد أن اضطُهد فى عهد «المأمون» و «المعتصم» و «الواثق»؛ لعدم إقراره القول بخلق القرآن، كما أمر «المتوكل» الفقهاء والمحدِّثين أن يجلسوا للناس ويحدثوهم بالأحاديث التى فيها رد على المعتزلة فأثنى الناس عليه، حتى قالوا: الخلفاء ثلاثة: «أبو بكر الصديق» قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، و «عمر بن عبدالعزيز» رد مظالم «بنى أمية»، و «المتوكل» محا البدع وأظهر السنة. (2) المنتصر بالله: تولى الخلافة فى اليوم الذى قُتل فيه أبوه، وذلك فى شوال سنة (247هـ= ديسمبر سنة861م)، وعمره ستة وعشرون عامًا. وحاول

التصدى للنفوذ التركى بكل حزم، وصار يسب الأتراك ويقول: هؤلاء قتلة الخلفاء. ورغم أن «المنتصر بالله» كان وافر العقل قوى الشخصية فإن الأتراك احتالوا على قتله، فأعطوا طبيبه «ابن طيفور» ثلاثين ألف دينار، ففصده بمبضع مسموم فمات، فى (ربيع الآخر سنة 248هـ= يونيو سنة862م) بعد حكم دام ستة أشهر فقط، ويروى أنه حينما احتضر، قال لأمه: «يا أماه! ذهبت منى الدنيا والآخرة، عاجلت أبى فعوجلت». ومن مآثر «المنتصر بالله»، خلال فترة حكمه القصيرة، إحسانه إلى العلويين، وإزالته عنهم ما كانوا فيه من خوف وضيق فى عهد أبيه «المتوكل». (3) المستعين بالله: هو «أحمد بن المعتصم»، تولى الخلافة فى السادس من (ربيع الآخر سنة 248هـ= يونيو سنة 862م)، وعمره ثمانٍ وعشرون سنة، فعقب وفاة «المنتصر» اجتمع الأتراك بزعامة «بُغا الصغير» و «بُغا الكبير»، وقرروا عدم تولية أحد من أولاد «المتوكل» الخلافة، خوفًا من انتقامه منهم، وبايعوا «أحمد بن المعتصم»، الملقَّب بالمستعين بالله. وكان من الطبيعى ألا يكون للمستعين بالله مع الأتراك أمر ولا نهى، ولم يمضِ وقت طويل حتى غضب عليه الأتراك وقرروا خلعه ومبايعة «المعتز بالله محمد بن المتوكل»؛ فاشتعلت الحرب بين أنصار «المستعين» وأنصار «المعتز»، وانتهت بالقبض على «المستعين» وقتله فى سجنه فى (شوال سنة 252هـ= ديسمبر سنة 866م). وقد شهدت خلافة «المستعين بالله» قيام «الدولة العلوية» بطبرستان سنة (250هـ= 864م)، على يد «الحسن بن زيد العلوى» الملقب بالداعى الكبير، واستمرت هذه الدولة حتى سنة (316هـ= 928م). (4) المعتز بالله محمد بن المتوكل: بويع له بالخلافة فى شوال سنة (252هـ= ديسمبر سنة 866م)، وعمره تسعة عشر عامًا، وقد استضعفه الأتراك وطلبوا منه مالاً فاعتذر لهم بفراغ بيت المال، فثاروا عليه وضربوه ومزقوا ملابسه، وأقاموه فى الشمس، فكان يرفع رجلاً ويضع أخرى من شدة الحر، ثم سجنوه

وعذبوه حتى مات (فى شعبان سنة 255هـ= يوليوسنة 869م). وكان من أهم الأحداث التى شهدتها خلافة «المعتز» قيام «الدولة الصفَّارية» فى «فارس» بزعامة «يعقوب بن الليث الصفَّار» وذهاب «أحمد بن طولون» إلى «مصر» سنة (254هـ= 868م) نائبًا عن واليها، لكنه استطاع فى فترة لاحقة أن يستقل بها عن العباسيين، وأن يضم إليها «الشام» مكونًا بذلك «الدولة الطولونية» فى «مصر» و «الشام». (5) المهتدى بالله محمد بن الواثق: بايع الأتراك «المهتدى بالله» خليفة للمسلمين فى (رجب سنة 255هـ= يونيو سنة869م)، عقب الإطاحة بالمعتز، وقد كان «المهتدى» تقيا شجاعًا حازمًا، وكان يتخذ «عمر بن عبدالعزيز» مثله الأعلى، ويقول: إنى أستحيى أن يكون فى «بنى أمية» مثله، ولا يكون مثله فى «بنى العباس»، ولذلك نبذ الملاهى وحرَّم الغناء والخمور وحارب الظلم. حاول «المهتدى بالله» أن يوقف طغيان الأتراك واستبدادهم فقتل بعضهم، فثاروا عليه وأسروه وعذبوه ليخلع نفسه فرفض، فقاموا بخلعه وسجنه وتعذيبه حتى مات فى (رجب سنة 256هـ= يونيو 870م). وقد كان من أهم الأحداث التى شهدها عصر «المهتدى بالله»: ثورة الزَّنج: وسُميت بذلك لأن أعدادًا كبيرة من الذين شاركوا فيها كانوا عبيدًا سودًا، واندلعت هذه الثورة فى «البصرة» بزعامة «على بن محمد»، الذى قيل إنه ينتسب إلى آل البيت، وحققت مكاسب سياسية ومادية؛ فاستولت فى مدة قصيرة على بعض المدن المهمة فى «العراق»، مثل «البصرة» و «واسط» و «الأهواز»، ووصلت إلى «البحرين» و «هجر»، وارتكبت مذابح بشعة ضد السكان الآمنين، وقد استطاع القائد العباسى «الموفق طلحة بن المتوكل» القضاء على هذه الثورة - فيما بعد - سنة (270هـ= 883م) فى خلافة أخيه «المعتمد على الله». (6) المعتمد على الله، وصحوة الخلافة: تولى «المعتمد على الله أحمد بن المتوكل» الخلافة بعد خلع «المهتدى» سنة (256هـ= 870م)، وقد أتاحت الظروف التى تولى فيها

«المعتمد» مقاليد الحكم ظهور ما عُرف باسم «صحوة الخلافة» فى «العصر العباسى الثانى». فقد تصاعد النزاع الداخلى بين القادة الأتراك، وساءت معاملتهم لجنودهم، كما ازدادت شكوى الجمهور من مضايقاتهم، مما أدى إلى ظهور اتجاه قوى داخل الجيش بحتمية جعل القيادة العسكرية العليا فى يد أحد أمراء البيت العباسى؛ يقوم الخليفة باختياره، ويدين له الجميع بالطاعة، وقد اختار «المعتمد» أخاه «الموفق» قائدًا للجيش، فكانت «صحوة الخلافة»؛ حيث استردت قوتها وهيبتها واستطاع «الموفق» بحكمته وحزمه وصلابة إرادته أن يكبح جماح الأتراك، وأن يعيد تنظيم الجيش، ويقر الأمن والنظام. ورغم أن «المعتمد بالله» كان الخليفة الرسمى فإن أخاه «الموفق» كان صاحب السلطة الفعلية، فكان له الأمر والنهى، وقيادة الجيش ومحاربة الأعداء، ومرابطة الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، وكان قضاء «الموفق» على «ثورة الزنج» سنة (270هـ= 883م) أعظم إنجاز له. وقد تُوفِّى «الموفق» فى (صفر سنة 278هـ= مايوسنة 891م)، وفى العام التالى تُوفِّى الخليفة «المعتمد» فى (رجب سنة 279هـ= سبتمبرسنة 892م)، بعد أن حكم البلاد ثلاثة وعشرين عامًا. وقد حفل عهده بالعلماء الأعلام فى مجالات المعرفة المختلفة. المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفق: تولى الخلافة بعد وفاة عمه «المعتمد»، وكان قوى الشخصية؛ فحفظ هيبة الخلافة، كما كانت فى عهد أبيه «الموفق» وعمه «المعتمد»، يقول «السيوطى»: كان «المعتضد» شهمًا جلدًا، موصوفًا بالرُّجلة (أى الشجاعة)، وقد خاض الحروب وعُرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس ورهبوه أحسن رهبة، وسكنت الفتن فى أيامه لفرط هيبته، وكانت أيامه طيبة كثيرة الأمن والرخاء. وقد تمكن «المعتضد» خلال حكمه الذى دام عشر سنوات من تهيئة المزيد من القوة والاستقرار للدولة العباسية، فقضى على مصادر الفتن والثورات، وأخمد ثورة «بنى شيبان» بأرض الجزيرة سنة

(280هـ= 893م)، وثورة «حمدان بن حمدون» - رأس الأسرة الحمدانية - بالموصل، واستولى على قلعة «ماردين» التى كان يتحصن بها سنة (281هـ= 894م)، كما قضى على ثورة الخوارج فى «الموصل» بزعامة «هارون بن عبدالله الشارى» الذى وقع فى الأسر، وأمر «المعتضد» بضرب عنقه سنة (283هـ=896م)، ومن أخطر الحركات التى شهدها عصر «المعتضد»: - حركة القرامطة: وترجع بداية هذه الحركة إلى عام (278هـ= 891م) قبل تولِّى «المعتضد» الخلافة بعام، حين قدم إلى «الكوفة» رجل اسمه «حمدان» ولقبه «قَرْمَط»، تظاهر بالعبادة والتقشف والدعوة إلى إمام من آل البيت، فلقيت دعوته صدى كبيرًا عند أنصار آل البيت، وحين خمدت سيطرته الروحية عليهم أخذ يبث فيهم أفكارًا غريبة عن الإسلام، منها: الشهادة بأن «أحمد بن محمد بن الحنفية» رسول الله، وأن القبلة إلى بيت المقدس، وأن النبيذ حرام والخمر حلال، وغير ذلك من الأفكار الشاذة. وقد اشتد خطر هذه الحركة بعد ظهور زعيمها «أبى سعيد الجنَّابى» فى «البحرين» سنة (286هـ= 899م)؛ حيث استطاع بسط سلطانه على «البحرين» و «هجر»، وكسب أنصارٍ كثيرين له فى المناطق التى ينتشر فيها التشيع. وقد تحولت «البحرين» إلى مركز رئيسى للقرامطة، خرجت منه حملاتهم الحربية فى اتجاه «العراق» و «الحجاز» و «الشام»؛ لنشر أفكارهم الهدامة التى تهدف إلى هدم كيان المجتمع الإسلامى، وبسط نفوذهم بواسطة خداع العامة بمبادئ وشعارات براقة، كالعدالة والمساواة والبساطة، ومساعدة الآخرين، ولم تدرك الخلافة العباسية مدى الخطورة التى تنطوى عليها هذه الحركة، ووجهت جهودها الحربية إلى حركات أخرى تبدو أكثر منها خطورة، مثل الحركة الصفارية والطولونية وغيرهما، ومن هنا لم تظفر هذه الحركة من الخليفة «المعتضد» - الذى عاصر بدايتها الأولى - بما تستحقه من اهتمام. انتقال عاصمة الخلافة إلى بغداد: ظلت مدينة «سامراء» أو «سر من رأى» عاصمة الخلافة العباسية منذ

حوالى سنة (221هـ= 836م) - فى خلافة «المعتصم بالله» - إلى أوائل خلافة «المعتضد» الذى بنى «القصر الحسنى» ببغداد، وقرر انتقال عاصمة الخلافة إليها سنة (280هـ= 893م) .. وفاة المعتضد: تُوفِّى «المعتضد» فى ربيع الآخر سنة (289هـ= 902م)، وكان عصره يموج بالحركة العلمية والدينية والأدبية، فقد عاش فى عصره عدد من العلماء والأدباء البارزين. (8) المكتفى بالله على بن المعتضد: تولى الخلافة فى (ربيع الآخر سنة 289هـ= مارس سنة 902م) عقب وفاة أبيه، وعمره خمس وعشرون سنة، ورغم أنه كان حسن السيرة محبوبًا لدى الرعية فإنه لم يكن يتمتع بما كان يتمتع به أبوه «المعتضد»، من قوة الشخصية والحزم، فكانت خلافته تمهيدًا لعودة الأمور إلى أوضاعها السابقة، وفترة انتقالية بين «صحوة الخلافة» وانتكاستها. وقد شهد عهد «المكتفى» أحداثًا كثيرة، منها: ازدياد خطر القرامطة وتهديدهم للشام و «الحجاز» و «اليمن»، وقد جرت على يد زعيمهم «زكرويه بن مهرويه» مذابح بشعة ضد حجاج بيت الله الحرام وعامة الناس، ونشروا الفزع فى أنحاء العالم الإسلامى، واستطاع «زكرويه» أن يهزم جيشًا للخليفة «المكتفى»، وأن يقتل منه عددًا كبيرًا، فأعد له «المكتفى» جيشًا حشد فيه أكفأ القواد، نجح فى قتل «زكرويه» وكثيرًا من أتباعه عام (294هـ= 907م)، وتتبعهم فى «العراق»، ولكنه لم يستطع القضاء عليهم تمامًا، فظلوا من بعده مصدر خطر مؤكد على كيان الخلافة. ومما شهده عصر «المكتفى» أيضًا من أحداث: تولية «المكتفى» «أبى الهيجاء عبدالله بن حمدان التغلبى» ولاية «الموصل» والبلاد التابعة لها سنة (293هـ=906م)، وكان ذلك مقدمة لاستقلال الحمدانيين بالموصل - فيما بعد - وضمهم «حلب» إليها، ونشأة «الأسرة الحمدانية». وفاة المكتفى: تُوفِّى «المكتفى» وفاة طبيعية فى (ذى القعدة سنة 295هـ= أغسطس سنة 908م)، وترك خزانة الدولة ممتلئة بالأموال، وقد أرجع المؤرخون

ذلك إلى الجهد الذى بذله أبوه «المعتضد» فى جلب أسباب الاستقرار الاقتصادى إلى الدولة، وحسن سيرة «المكتفى بالله». (9) المقتدر بالله جعفر بن المعتضد: تولى الخلافة بعد أخيه «المكتفى» بعهد منه فى (ذى القعدة سنة 295هـ= أغسطس سنة 908م)، وكان صبيا فى الثالثة عشرة من عمره، ولم يلِ الخلافة قبله أصغر منه. أثار تولى «المقتدر» الخلافة اعتراض كثير من رجال الدولة بسبب صغر سنه، وعدم قدرته على الاضطلاع بشئون الخلافة مع وجود الأقدر منه على تحمل المسئولية، خاصة «عبد الله بن المعتز» الشاعر المعروف بتمام العقل وجودة الرأى، فاتفق رأى عدد منهم على خلع «المقتدر» وتولية «عبدالله بن المعتز»، وكان عمره نحو تسعة وأربعين عامًا، وعندما عرضوا الأمر على «ابن المعتز» وافق بشرط ألا يسفك دم أو تنشب حرب، فأخبروه أن الأمر يُسلَّم إليه عفوًا، وأن جميع من وراءهم من الجند والقواد والكُتَّاب قد رضوا به فبايعهم على ذلك، وتمت البيعة لابن المعتز فى (19من ربيع الأول سنة 296هـ= نوفمبر سنة 908م)، ولقب بالراضى بالله، ولكن أنصار «المقتدر» - وعلى رأسهم «مؤنس الخادم» - لم يرضوا بهذه البيعة، وتوجهوا نحو «ابن المعتز» وأنصاره وقبضوا عليهم وفتكوا بهم وأعادوا تنصيب «المقتدر» فى اليوم التالى لبيعة «ابن المعتز»، الذى لم يمكث فى الخلافة إلا يومًا أو بعض يوم، ولهذا يتجاهله المؤرخون عند ذكرهم قائمة خلفاء «بنى العباس». وقد تدهورت الأوضاع فى عهد «المقتدر»، وانتشرت الفتن وازداد تمزق الدولة، وأصبحت الخلافة نهبًا للطامعين بسبب صغر سنه، وأفلت زمام الأمور من يده، وتحكم النساء والخدم فى شئون البلاد، فكانت «أم المقتدر» وتسمى «شغب» تولِّى من تشاء وتعزل من تشاء، كما كان «مؤنس الخادم» صاحب مكانة متميزة وخطيرة فى عهد «المقتدر». وقد ازداد خطر القرامطة اتساعًا وعنفًا فى عهد «المقتدر»، ووصل مداه سنة (317هـ= 929م)، حينما دخلوا «مكة» بقيادة «أبى طاهر

القرمطى» وقتلوا الحجاج فى المسجد الحرام، واستولوا على الحجر الأسود وأخذوه إلى مركزهم الرئيسى «هَجَر» حتى تم رده إلى مكانه فى عهد «المطيع» سنة (339هـ = 950م). بداية ظهور الفاطميين: ومن أهم الأحداث فى عهد «المقتدر» بداية ظهور العُبيديين أو الفاطميين فى «شمالى إفريقيا» .. ويرجع الفضل فى قيام «الدولة الفاطمية» إلى «أبى عبدالله الحسين بن أحمد»، المعروف بأبى عبدالله الشيعى، أحد دعاة الفاطميين البارزين فى المغرب وكان يعرف أحيانًا باسم «المحتسب»؛ لأنه كان مراقبًا لأسواق «البصرة» بالعراق قبل انتقاله إلى «المغرب». وقد تمكن «أبو عبدالله الشيعى» من القضاء على «دولة الأغالبة» فى «المغرب»، والاستيلاء على عاصمتهم «رقادة» سنة (296هـ= 909م)، وتم تنصيب أول إمام من أئمة الفاطميين وهو «عبيد الله المهدى» - وكنيته «أبو محمد» - الذى قيل إنه من سلالة الإمام «الحسين بن على بن أبى طالب». وقد تلقب «عبيدالله المهدى» بأمير المؤمنين، وبنى مدينة «المهدية» عاصمةً له، وانتقل إليها من «رقادة» سنة (308هـ= 920م)، وقد نجح الفاطميون فى الاستيلاء على «مصر» سنة (358هـ= 969م)، فى عهد الخليفة الفاطمى «المعز لدين الله». قيام دولة بنى حمدان: ومن الأحداث المهمة التى شهدها عهد «المقتدر» - أيضًا - قيام دولة «بنى حمدان» فى «الموصل»، فقد استمر «أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان» يحكم «الموصل» والبلاد التابعة لها من قِبل الخليفة «المكتفى» حتى وفاته سنة (317هـ= 929م)، فورثه ابنه «حسن» الملقب «ناصر الدولة» على ولاية «الموصل»، واستطاع أن يمد سلطانه إلى «ديار ربيعة» و «مضر» بأرض الجزيرة، وقد اتسع نفوذ الحمدانيين وملكهم بعد وفاة الخليفة «المقتدر»، ونجحوا فى بسط سلطانهم على «حلب» و «شمال الشام» سنة (333هـ= 945م) بقيادة زعيمهم المعروف «سيف الدولة الحمدانى»، الذى قال فيه «المتنبى» أروع قصائد المديح.

وقد أسهم أمراء «بنى حمدان» وفى مقدمتهم «سيف الدولة الحمدانى» فى صد غارات الروم (البيزنطيين) عن مناطق الثغور الإسلامية، وفى رعاية الحركة العلمية والأدبية التى بلغت فى عهدهم مركزًا مرموقًا. وفاة المقتدر بالله: ساءت العلاقة بين «المقتدر بالله» وخادمه «مؤنس الخادم»؛ مما أدى إلى مقتله على يد أنصار «مؤنس» فى أواخر شوال سنة (320هـ= 932م)، بعد أن ظل فى الحكم خمسًا وعشرين سنة، هى أطول مدة يقضيها خليفة عباسى فى الحكم حتى عصره. ورغم تدهور أحوال البلاد السياسية فى عهد «المقتدر» فإن الحياة العلمية قد شهدت ازدهارًا ملحوظًا فى هذا العصر. وبمقتل «المقتدر» دخل عصر نفوذ الأتراك مراحله الأخيرة. (10) القاهر بالله أبو منصور محمد بن المعتضد: تولى الخلافة فى شوال سنة (320هـ= 932م)، عقب مقتل «المقتدر»، وعمره ثلاث وثلاثون سنة. وقد اتصف «القاهر» بالغلظة وقلة التثبت، ورغم أنه نجح فى التخلص من «مؤنس الخادم»، صاحب النفوذ الأكبر فى عهد «المقتدر»، ومن غيره من أعيان الدولة فإن سوء سياسته كان سببًا فى تدبير الانقلاب عليه والإطاحة به. وقد لعب الوزير المشهور «أبو على بن مقلة» الدور الأساسى فى خلع «القاهر» والتنكيل به، لخوفه منه واعتقاده أنه كان يدبر للقضاء عليه، فهاجم أعوانه الخليفة «القاهر» فى دار الخلافة وقبضوا عليه وسملوا عينيه وعذبوه وأعلنوا خلعه فى الثالث من جمادى الأولى سنة (322هـ= 934م). ولعل من أبرز التطورات السياسية التى شهدها عهد «القاهر» - رغم قصره - ظهور النفوذ البويهى فى بلاد فارس سنة (321هـ= 933م)، وكان ذلك مقدمة لامتداد نفوذهم إلى «العراق» وسيطرتهم على مقاليد الأمور هناك فى سنة (334هـ= 945م)، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، كما سنبين بعد قليل. (11) الراضى بالله أبو العباس محمد بن المقتدر: بايع الجند «الراضى بالله» فى السادس من جمادى الأولى سنة

(322هـ) وعمره خمسة وعشرون عامًا، وقد كان من خيار الخلفاء، فاضلاً سمحًا جوادًا، شاعرًا محبا للعلماء. ورغم ما كان يتحلى به «الراضى» من صفات حميدة فإن أمر الخلافة قد اختل فى عهده اختلالاً خطيرًا، وازداد تمزق الدولة واستفحل نفوذ المتطلعين للسيطرة على زمام الأمور؛ فقد ازداد نفوذ البويهيين فى فارس وتطلعوا للاستيلاء على «العراق»، وتمتع «بنو حمدان» بنفوذ مطلق فى «الموصل» و «ديار بكر» و «ربيعة» و «مضر»، واستقلت «الدولة الإخشيدية» فى «مصر» و «الشام» عن الخلافة العباسية، وكذلك «الدولة السامانية» فى «خراسان» و «ما وراء النهر» بزعامة «نصر بن أحمد السامانى»، وأصبح للأمويين خلافة مستقلة فى «الأندلس» تحت حكم «عبدالرحمن الثالث» الأموى الملقب بالناصر (300 - 350هـ= 913 - 961م)، وسيطر القرامطة بزعامة «أبى طاهر القرمطى» على «البحرين»» و «اليمامة». - ظهور منصب أمير الأمراء: وتدهورت الأوضاع فى أوائل عهد «الراضى» تدهورًا كبيرًا، بسبب عجز الوزراء وازدياد نفوذ كبار القواد وتدخلهم فى شئون الدولة، وكان «محمد بن رائق» والى «واسط» و «البصرة» واحدًا من أبرز هؤلاء القواد وأكثرهم نفوذًا وتأثيرًا، فاختاره الخليفة «الراضى» ليقوم بمهمة إنقاذ الخلافة من التدهور الإدارى الحاد الذى تعانى منه، وأسند إليه منصب «أمير الأمراء» فى عام (324هـ= 936م). وقد أصبح «محمد بن رائق» بمقتضى هذا المنصب الخطير الذى لم يظهر قبل ذلك على مسرح الأحداث السياسية فى الدولة الإسلامية، القائد الأعلى للجيش، والمسئول عن إدارة شئون الدولة والخراج، وأصدر الخليفة «الراضى» أمرًا بأن يُخطَب لابن رائق على جميع المنابر فى جميع النواحى الخاضعة للخلافة، وبذلك تحولت الخلافة إلى منصب شرفى، وأصبح شاغل منصب «أمير الأمراء» هو الحاكم الفعلى للبلاد؛ مما جعل كبار رجال الدولة أمثال «أبى عبدالله البريدى» صاحب «الأهواز»، و «بَجْكم التركى»، و «ناصر الدولة بن

حمدان» صاحب «الموصل»، و «توزون التركى» رئيس الشرطة وغيرهم، يتصارعون للوصول إليه، حتى جاء البويهيون فسيطروا على زمام الأمور ووضعوا حدا لهذا الصراع. وقد تُوفِّى الخليفة «الراضى بالله» وفاة طبيعية فى (منتصف ربيع الأول سنة 329هـ= ديسمبر سنة 940م)، بعد أن فقد السيطرة على مقاليد الأمور بصورة تكاد تكون كاملة. (12) المتقى لله أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر: تولى الخلافة فى (ربيع الأول سنة 329هـ= ديسمبر سنة 940م) بتدبير أمير الأمراء «بَجْكم التركى» وكاتبه «أبى عبدالله الكوفى»، وكان عمره حينئذٍ أربعًا وثلاثين سنة. وقد كانت خلافة «المتقى» القصيرة (329 - 333هـ= 940 - 944م) سلسلة من الصراع بين كبار رجال الدولة على منصب أمير الأمراء، مما أضاف مزيدًا من الاضطراب والفوضى إلى الأوضاع الداخلية، وفقد «المتقى» سيطرته على زمام الأمور، فقام أمير الأمراء «توزون التركى» بسمل عينيه وخلعه، وبذلك انتهت خلافته فى (صفر سنة 333هـ=سبتمبر سنة 944م). (13) المستكفى بالله وانتهاء عصر نفوذ الأتراك: تمت بيعته بالخلافة فى (صفر سنة 333هـ = سبتمبر سنة 944) بحضور أمير الأمراء «توزون التركى» وإشرافه، وعمره واحد وأربعون عامًا ولم يكن له أدنى سلطة فى إدارة شئون البلاد، بل استمر زمام الأمور فى يد أمير الأمراء «أبى الوفاء توزون التركى»، وكاتبه «أبى جعفر بن شيرزاد»، وكان من أبرز الأحداث التى شهدتها خلافة «المستكفى بالله» امتداد سلطان الحمدانيين بقيادة «سيف الدولة الحمدانى» على «حلب» و «حمص» اللتين كانتا تحت سيطرة الإخشيديين. وتدهورت الأحوال الداخلية فى عهد «المستكفى» بشكل غير مسبوق؛ مما أدى إلى تطلع البويهيين - أصحاب النفوذ فى بلاد فارس - منذ سنة (321هـ= 933م) إلى بسط سلطانهم على «العراق»، وقد نجحوا فى ذلك سنة (334هـ= 945م)، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ العصر الثانى للخلافة العباسية، عُرفت فيما بعد باسم «عصر نفوذ البويهيين».

الدول التى استقلت عن الخلافة العباسية فى عصر نفوذ الأتراك: لم ينحصر ظهور الحركات الاستقلالية فى عصر نفوذ الأتراك، بل ظهرت هذه الحركات منذ فجر الخلافة العباسية، فاستقل «عبدالرحمن الداخل» بالأندلس سنة (138هـ= 755م) فى عهد «أبى جعفر المنصور»، وقامت «دولة الأدارسة» فى «المغرب الأقصى» على يد «إدريس بن عبدالله»، و «دولة الأغالبة» على يد «إبراهيم بن الأغلب» فى «تونس»، فى عهد «هارون الرشيد». وفى خلافة «المأمون» تأسست «الدولة الطاهرية» فى «خراسان» على يد «طاهر بن الحسين» قائد «المأمون» المشهور، وكانت دولتا الأغالبة، والطاهرية تدينان بالولاء الأسمى للخليفة العباسى، وقد مرت إشارات سريعة إلى الدول التى استقلت عن الخلافة فى عصر نفوذ الأتراك وهى: «الدولة الصفَّارية»، و «السامانية» و «الطولونية» و «الإخشيدية» و «الحمدانية» و «دولة القرامطة»، و «الدولة الفاطمية»، و «البويهية». وفيما يلى نبذة مختصرة عن أهم هذه الدول: 1 - الدولة الصفارية (254 - 289هـ= 868 - 902م): أسسها «يعقوب بن الليث الصفَّار» فى بلاد «فارس» و «خراسان» على أنقاض «الدولة الطاهرية»، فى عهد «المعتز بالله» (252 - 255هـ) بعد أن أظهر كفاءة ملحوظة فى محاربة الخارجين على الخلافة والتخلص من الطاهريين بإذن من الخليفة العباسى «المعتز بالله». واستطاع «يعقوب بن الليث» أن يضم إلى «الدولة الصفارية» كثيرًا من الأماكن التى استطاع السيطرة عليها فى بلاد «فارس» و «خراسان» وأعلن ولاء دولته - فى البداية - للخلافة العباسية. وعندما تولى «المعتمد على الله» الخلافة، أصر أخوه «الموفق» على أن يكون ولاء «الدولة الصفارية» للخلافة ولاءً تاما لا صوريا، إلا أن «يعقوب بن الليث» رفض ذلك، وتدهورت العلاقة بين الطرفين، وهدد «يعقوب» بدخول عاصمة الخلافة وبسط سلطانه عليها، مما أدى إلى حدوث صدام مسلح بين «الدولة الصفارية»، والخلافة فى

منطقة «واسط» بالعراق، وكان لظهور الخليفة العباسى «المعتمد» على رأس جيش الخلافة أثر كبير فى هزيمة «يعقوب بن الليث»، ورغم هزيمته فقد استمر فى تحدى الخلافة ورفض التفاهم معها حتى تُوفى فى «جنديسابور» سنة (265هـ= 879م) ثم تولى رئاسة «الدولة الصفارية» بعد وفاة «يعقوب بن الليث» أخوه «عمرو بن الليث»، الذى كان حريصًا على كسب ود الخلافة حتى يؤكد سلطانه الروحى فى بلاده، فاعترف به الخليفة «المعتمد» واليًا على «خراسان» و «السِّند» و «سجستان» و «كرمان» و «فارس» و «أصبهان»، وعندما تولى «المعتضد» الخلافة بعد وفاة عمه «المعتمد» أقر «عَمْرًا» على ما فى يده. وقد نشط «عمرو» فى توسيع حدود دولته وتطلع إلى غزو بلاد «ما وراء النهر»، حيث «الدولة السامانية»، وعبر نهر «جيحون» ولكن السامانيين تصدوا له بقيادة زعيمهم «إسماعيل بن أحمد السامانى» وهزموه، وأخذوه أسيرًا إلى الخليفة «المعتضد» الذى سجنه حتى مات فى سجنه سنة (287هـ= 900م)، وقد تولى زعامة الصفاريين بعد هزيمة «عمرو» وأسره حفيده «طاهر بن محمد بن عمرو»، ولكن أحوال الصفاريين تدهورت بشدة خلال هذه الفترة نتيجة الهجمات المتلاحقة التى شنها عليهم السامانيون، وسقطت دولتهم سنة (289هـ= 902م). وقد لاحظ المؤرخون أن قادة هذه الدولة اتبعوا فى حياتهم مبدأ العدالة والمساواة والأخوة، والبعد عن مظاهر الترف، فكانت حياة رئيس الدولة لا تكاد تختلف فى مظهرها عن حياة أحد جنوده، وكان العطاء يوزع بالإنصاف والعدل، وقد ازدهر اقتصاد الدولة نتيجة البعد عن إنفاق الأموال فى غير وجوهها، فيروى أن «يعقوب ابن الليث» ترك فى خزانة الدولة عند وفاته ثمانين مليون دينار وخمسين مليون درهم، ولكن يؤخذ عليه اعتداده بقوته وطاعة جنده فتمرد على الخلافة وحاول الاستقلال عنها؛ مما زعزع ثقتها به وكان له آثاره السلبية فى تماسك الدولة واستمرارها. 2 - الدولة السامانية [261 - 389هـ= 875 - 999م]:

ظهر السامانيون على المسرح السياسى لدولة الخلافة العباسية فى عصر الخليفة «المأمون» (198 - 218هـ= 813 - 833م)، وسموا بذلك نسبة إلى قرية «سامان» القريبة من «سمرقند»؛ حيث كانوا يتوارثون إمارتها، ويسمى أميرهم «سامان خداه»، أى كبير قرية «سامان» وصاحبها. وقد اعتنق أحد السامانيين الإسلام أثناء خلافة الأمويين، وسمى ابنه «أسدًا»، كاسم حاكم «خراسان» فى عهد «هشام بن عبدالملك»، واسمه «أسد بن عبدالله القسرى». وطال العمر بأسد السامانى حتى أدرك «المأمون»، فذهب إليه فى «مرو»، قبل انتقاله إلى «بغداد» (فى الفترة من سنة 193هـ= 809م إلى سنة 202هـ = 817م)، ومعه أبناؤه الأربعة: «نوح» و «أحمد»، و «إلياس»، و «يحيى»، فاحتفى بهم «المأمون» وألحقهم بخدمته. وبعد انتقال «المأمون» إلى «بغداد» أمر بإسناد عمل إلى كل واحد من أبناء «أسد السامانى»، فتم إسناد حكم «سمرقند» إلى «نوح»، وحكم «فرغانة» إلى «أحمد»، وحكم «الشاش» إلى «يحيى»، وحكم «هراة» إلى «إلياس»، فكان هذا مقدمة لتمكن نفوذ السامانيين فى هذه المناطق المعروفة باسم «بلاد ما وراء النهر» (نهر جيحون) .. وقد برز «أحمد بن أسد» حاكم «فرغانة» على إخوته، وكان له سبعة أبناء هم «نصر» و «يحيى» و «يعقوب» و «إسماعيل» و «إسحاق» و «أسد» و «حميد»، وعند وفاته سنة (250هـ= 864م) حل محله ابنه الأكبر «نصر»، ودان له باقى إخوته بالطاعة والولاء. وفى سنة (261هـ= 875م) حدَث التحول الحاسم فى تاريخ السامانيين، حينما أسند الخليفة «المعتمد على الله» ولاية جميع بلاد «ما وراء النهر» إلى «نصر بن أحمد بن أسد السامانى»، فأقام «نصر» فى «سمرقند»، وعين أخاه «إسماعيل» نائبًا عنه ببخارى وعهد إلى كل أخ من إخوته الباقين بحكم إحدى الولايات، مما يمكن معه اعتبار عام (261هـ= 875م) بداية تكوُّن «الدولة السامانية». وعقب وفاة «نصر بن أحمد» فى «سمرقند» عام (279هـ= 892م) ضم

أخوه «إسماعيل» «سمرقند» إلى ملكه، وأصبح هو الحاكم الأعلى لكل بلاد «ما وراء النهر»؛ لذلك يرى بعض المؤرخين أن «إسماعيل بن أحمد بن أسد السامانى» هو المؤسس الحقيقى للدولة السامانية؛ حيث خضع له سائر الأمراء السامانيين، ووسع حدود الدولة، فضم لها «خراسان» ومعظم البلاد التى كانت خاضعة لنفوذ «الدولة الصفارية»، وبلغت «الدولة السامانية» قمة مجدها فى عهده (من 279 - 295هـ= 892 - 908م) ثم فى عهد حفيده «نصر بن أحمد بن إسماعيل» (301 - 331هـ= 913 - 943م) وبدأت «الدولة السامانية» تتدهور منذ عهد «نوح بن نصر» (331 - 343هـ= 943 - 954م)، حتى سقطت فى يد الغزنويين سنة (389هـ= 999م) .. وقد كانت «الدولة السامانية» ملتزمة بمذهب أهل السنة، وكانت علاقتها بالخلافة العباسية علاقة احترام وإجلال؛ حيث كان أمراؤها يعدون أنفسهم نوابًا عن الخليفة. وقد ازدهرت الحياة العلمية فى عصر السامانيين، وكانت «بخارى»، و «سمرقند» تنافسان «بغداد» فى مكانتها العلمية والأدبية، بسبب تشجيع الأمراء السامانيين للعلم وحبهم للعلماء، فقد سمح الأمير السامانى «أبو القاسم نوح بن منصور» (نوح الثانى) لابن سينا باستخدام مكتبة قصره، كما قام الطبيب والفيلسوف المشهور «أبو بكر الرازى» (251 - 313هـ= 865 - 925م) بإهداء كتابه المعروف فى الطب «المنصورى» إلى الأمير السامانى «أبى صالح منصور بن إسحاق» أمير «سجستان». وقد شهد الأدب الفارسى أيضًا عصره الذهبى خلال حكم السامانيين، وعاش الشاعر الفارسى المعروف «الفردوسى» شطرًا من حياته فى عصر «الدولة السامانية». 3 - دولة بنى حمدان فى الموصل وحلب (293 - 392هـ= 906 - 1002م): ينتمى الحمدانيون إلى «حمدان بن حمدون بن الحارث» من قبيلة «تغلب»، وقد ظهر نفوذ «حمدان» فى شمال «العراق» سنة (254هـ) أثناء خلافة «المعتز بالله»، وتعاون مع خوارج الجزيرة فى شمال «العراق»، واستطاع أن يسيطر على بعض المواقع الحصينة هناك،

وأهمها «قلعة ماردين»، ولكن الخليفة «المعتضد بالله» استطاع استردادها، وقبض على «حمدان» وسجنه. تعهد «حسين بن حمدان» بالطاعة والولاء للخليفة «المعتضد» وساعده فى حربه ضد الخوارج حتى هزمهم، فقربه الخليفة وعفا عن والده «حمدان بن حمدون». وفى خلافة «المكتفى بالله» (289 - 295هـ= 902 - 908م) تعاظمت مكانة «حسين بن حمدان» وقام بدور بارز فى الحرب ضد القرامطة وفى الحملة التى جهزها العباسيون لاسترداد «مصر» من يد الطولونيين فى سنة (292هـ= 905م). وقد شارك «حسين بن حمدان» فى المؤامرة الفاشلة التى دبرها أنصار «ابن المعتز» لخلع «المقتدر»، وهرب حتى عفا عنه «المقتدر» وأسند إليه ولاية بعض البلاد وأهمها «ديار ربيعة» بالجزيرة سنة (298هـ= 911م)، إلا أنه حدث بينه وبين «على بن عيسى» وزير «المقتدر» نزاع انتهى بالقبض عليه، وقتله فى سجنه سنة (306هـ= 918م) .. ورغم أن «حسين بن حمدان» كان من أعظم الأمراء بأسًا وشجاعة، وكان أول من ظهر أمره من ملوك «بنى حمدان» فإن أخاه «أبا الهيجاء عبدالله بن حمدان» كان أعمق تأثيرًا وأوسع نفوذًا فى تاريخ الأسرة الحمدانية، وقد ولاه الخليفة «المكتفى» إمارة «الموصل» وتوابعها سنة (293هـ= 906م)، ويعد «أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان» المؤسس الحقيقى لمملكة الحمدانيين فى «الموصل»، التى ظل حاكمًا لها إلى أن قتل سنة (317هـ= 929م) عقب اشتراكه فى المؤامرة الفاشلة لخلع الخليفة «المقتدر»، وقد خلفه ابنه «حسن» الملقب بناصر الدولة، واستطاع أن يمد سلطانه على أقاليم الجزيرة الثلاثة: «ديار ربيعة»، و «ديار مضر» و «ديار بكر»، بإذن من الخليفة «الراضى»، حتى أقعدته الشيخوخة، فخلفه على الحكم ابنه «فضل الله أبو تغلب الغضنفر» سنة (353هـ= 964م) .. وقد دخل «ناصر الدولة» وابنه «أبو تغلب الغضنفر» فى صراع طويل مع البويهيين، أصحاب السلطة فى «العراق» منذ سنة (334هـ =

945م)، وانتهى هذا الصراع بهزيمة «أبى تغلب الغضنفر» أمام «عضد الدولة البويهى» سنة (368هـ= 979م)، وانتهت بذلك مملكة الحمدانيين فى «الموصل» و «الجزيرة». أما «الدولة الحمدانية» فى «حلب»، فقد أسسها «على بن أبى الهيجاء عبدالله بن حمدان»، الملقب بسيف الدولة؛ حيث استطاع بمعاونة أخيه الأكبر «ناصر الدولة» انتزاع «حلب» من الإخشيديين سنة (333هـ= 944م)، ثم استطاع بعد ذلك أن يبسط سلطانه على «حمص» و «قنسرين» و «العواصم» وبعض بلاد «الجزيرة» سنة (336هـ= 947م) .. وقد قام «سيف الدولة الحمدانى» بمهمة جليلة أثناء حكمه الذى استمر حتى سنة (356هـ= 967م)، وهى حماية حدود دولة الخلافة من غارات الروم (البيزنطيين) المتواصلة، بعد أن ضعفت الخلافة المركزية عن القيام بهذه المهمة المقدسة. وكان «سيف الدولة الحمدانى» أديبًا شاعرًا، فجمع حوله العلماء والأدباء، مثل «أبى نصر الفارابى»، و «ابن خالويه»، و «أبى الطيب المتنبى»، و «أبى فراس الحمدانى» و «ابن نباتة» و «السَّرىّ الرَّفَّاء»، وغيرهم. وتُوفِّى «سيف الدولة» سنة (356هـ= 967م)، وخلفه فى الحكم ابنه «أبو المعالى شريف» المعروف بسعد الدولة، وضعفت فى عهده سلطة الحمدانيين فى «الشام»؛ لكثرة الضغوط التى تعرض لها من البيزنطيين والبويهيين فى «العراق»، والفاطميين فى «مصر» بغرض الاستيلاء على «الشام». وتُوفِّى «سعد الدولة» سنة (381هـ= 991م)، وتولَّى بعده ابنه «أبو الفضائل سعيد الدولة»، الذى تعرض لضغوط الفاطميين المتزايدة لضم «الشام» إلى «مصر»، فتحالف مع البيزنطيين لصد هجمات الفاطميين عليه، ثم انتهت إمارته بمقتله سنة (392هـ= 1002م) على يد وزيره «لؤلؤ الحاجب»، وانتهت بذلك «الدولة الحمدانية» فى «الشام» الذى أصبح خاضعًا لسلطان الفاطميين. وقد كان الحمدانيون يميلون إلى التشيع، وكانت علاقتهم بالخلافة العباسية تتأرجح بين الرضا، والسخط، والتوجس. 4 - دولة بنى بويه قبل انتقالها إلى بغداد:

ينتسب البويهيون إلى «أبى شجاع بويه» الذى نشأ فى «بلاد الديلم» التى تقع جنوبى غربى «بحر قزوين» أو «بحر الخزر» بين منطقتى «طبرستان» و «الجبال». وكانت هذه البلاد معقلاً لنفوذ العلويين، فانتشر فيها التشيع. ورغم أن «أبا شجاع بويه» كان فقيرًا فإنه كان يتحلى بروح المغامرة والشجاعة، كما تشرب الروح الشيعية التى كانت سائدة فى «بلاد الديلم». وقد انضم «أبو شجاع» إلى العلويين فى صراعهم مع السامانيين، ومع ذلك فلم يكن هو المؤسس الحقيقى لأسرة «بنى بويه»، وإنما كان أبناؤه الثلاثة «على»، و «حسن»، و «أحمد» هم الذين قاموا بذلك، فقد التحق أبناؤه بخدمة «ماكان بن كاكى» أحد القواد البارزين المناصرين للداعية الشيعى «الحسن بن على»، الملقب بالأطروش، وأبرزوا تميزًا فى خدمته فارتقوا من مرتبة الجنود إلى رتبة القادة، ثم حدث صراع بين «ماكان» و «مرداويج بن زيار» أحد القادة الفرس فى منطقة «الديلم»، وأحس أبناء «بويه» أن كفة «مرداويج» هى الراجحة فى هذا الصراع، فانضموا إليه، فيما بين عامى (316و317هـ= 928 و 929م)، وكان ذلك بداية تمكن نفوذهم فى فارس والمناطق المحيطة بها. وقد ظهر «بنو بويه» - أو البويهيون - على مسرح الأحداث فى أواخر عصر نفوذ الأتراك، فبدءوا منذ عام (321هـ= 933م) يؤسسون لأنفسهم مناطق نفوذ تخضع لسيطرتهم التامة، فاستولوا على «فارس»، و «شيراز» و «أصبهان»، و «الرى»، و «همذان» و «الكرج» و «كرمان»، وأغراهم ذلك على التطلع إلى مد نفوذهم إلى «العراق» موطن الخلافة العباسية. وقد ساعدهم على ذلك تضاؤل النفوذ التركى، واشتداد الصراع على منصب «أمير الأمراء» الذى ابتدعه الخليفة «الراضى بالله» سنة (324هـ= 936م)، مما أدى إلى تمزق الكلمة وضعف الجبهة التى يمكن أن تحمى دار الخلافة فلم يجد «أحمد بن بويه» أى صعوبة فى دخول «بغداد» والسيطرة عليها بدون قتال فى (الحادى عشر من جمادى الأولى سنة334هـ = يناير سنة 946م) ..

3 - 5:عصر نفوذ البويهيين

الفصل الخامس *عصر نفوذ البويهيين [334 - 447 هـ = 945 - 1055م] عندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى الأولى سنة (334هـ = ديسمبر سنة 945م) كان «المستكفى بالله» هو الخليفة العباسى، ولم يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل إنه زاد على ذلك فخلع عليه الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب أخاه «عليا» «عماد الدولة»، وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»، وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم على الدنانير والدراهم، وكان «على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»، و «الحسن ابن بويه» حاكمًا لعدة أقاليم أهمها «الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى حين دخل أخوهم الأصغر «أحمد» «بغداد». وقد تدهورت أحوال «الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من الناحية الواقعية حينما سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا الخليفة من كل سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة الشرعية على سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه، وسلبوه حقه فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا (سكرتيرًا) فقط يشرف على أمواله. ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم يسقطوا الخلافة العباسية السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها خلافة علوية شيعية تتفق مع مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم وسلطانهم، وليس الأمر كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم أن يفعلوا به ما يشاءون. وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى» على صدق ذلك، فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل «معز الدولة أحمد بن بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف الناس حسب مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم - وهم قوم «معز الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم هجم «الديلم» على دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى منزله، وساقوا الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه المأساة بخلع «المستكفى» وسمل عينيه.

وإذا استبعدنا خلافة «المستكفى»، فإننا نجد أن الخلفاء الذين شهدوا عصر نفوذ البويهيين كانوا أربعة هم: 1 - المطيع لله «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد» [334 - 363هـ = 945 - 974م]. 2 - الطائع لله «أبو بكر عبدالكريم بن المطيع» [363 - 381هـ= 974 - 991م]. 3 - القادر بالله «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر» [381 - 422 هـ= 991 - 1031م]. 4 - القائم بأمر الله «أبو جعفر عبدالله بن القادر» [422 - 467هـ= 1031 - 1075م]. أولاً: خلافة المطيع لله: بعد أن أمر «معز الدولة أحمد ابن بويه» بخلع «المستكفى» فى (جمادى الآخرة سنة 334هـ= 945م)، أحضر «أبا القاسم الفضل ابن المقتدر» وبايعه بالخلافة، ولقَّبه بالمطيع لله، وعمره - حينئذٍ- أربع وثلاثون سنة، وحدد له «معز الدولة» راتبًا مائة دينار فى اليوم. وقد شهدت خلافة «المطيع» أحداثًا كثيرة، أولها: نشوب الصراع بين البويهيين فى «بغداد» بزعامة «معز الدولة» (أحمد بن بويهـ)، وبين الحمدانيين فى «الموصل» بزعامة «ناصر الدولة» (الحسين بن عبداللهـ)، وقد استمر هذا الصراع طويلاً فى محاولة كل منهما الإطاحة بالآخر، وفى (المحرم سنة 335هـ = أغسطس سنة 946م) تم الصلح بين «معز الدولة البويهى» وبين «ناصر الدولة الحمدانى» على أن يدفع «ناصر الدولة» الخراج للبويهيين فى «بغداد» كل عام. وفى سنة (336هـ= 947م) استطاع «معز الدولة» أن يستولى على «البصرة» بعد هروب صاحبها «أبى القاسم عبدالله بن أبى عبدالله البريدى» إلى القرامطة فى «هجر». وجدير بالذكر أن «معز الدولة» كان نائبًا فى «بغداد» عن أخيه الأكبر «عماد الدولة» (على بن بويهـ) فى «فارس»، ثم عن أخيه الأوسط «ركن الدولة» (الحسن بن بويهـ)، عقب وفاة «عماد الدولة». ورغم أن الخليفة العباسى كان تحت سيطرة البويهيين فإنهم كانوا يخضعون له من الناحية الشكلية فقط. وقد حاول البويهيون صبغ «العراق» بمذهبهم الشيعى، واتخذ «معز

الدولة» فى سبيل ذلك خطوات بالغة الخطورة أسهمت فى إثارة عوامل الفتنة والاضطراب داخل مجتمع «العراق»؛ ففى (ربيع الآخر سنة 351= مايو سنة 962م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بأن يُكتَب على المساجد لَعْنُ «معاوية بن أبى سفيان» وغيره من الصحابة كأبى بكر و «عمر»؛ حيث يتهمهم الشيعة بإساءة معاملتهم وغصبهم حقوقهم، ولم يستطع الخليفة العباسى منع ذلك، وفى العاشر من (المحرم سنة 352هـ= يناير سنة 963م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بتوقف الناس عن البيع والشراء فى ذلك اليوم، وإظهار البكاء والعويل، وأمر النساء أن يخرجن حاسرات الرءوس قد شققن ثيابهن وهن يلطمن الوجوه على «الحسين ابن على بن أبى طالب» فى ذكرى استشهاده بكربلاء، وكان هذا أول يوم يحدث فيه ذلك ببغداد، ولم يستطع الخليفة وأهل السنة أن يمنعوا ذلك لكثرة الشيعة ومناصرة السلطان «معز الدولة» لهم. وقد أحدثت هذه المظاهر الشاذة آثارها السيئة بين الناس، ففى العاشر من (المحرم سنة 353هـ= يناير سنة 964م) - على سبيل المثال - تم إغلاق الأسواق فى «بغداد»، وفعل الناس ما تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة، أُصيب فيها كثيرون ونُهبت الأموال، وجدير بالذكر أن هذه الممارسات التى شجعها البويهيون ماتزال آثارها موجودة حتى الآن. ومن أهم ما سجله «معز الدولة» من انتصارات: تخليص «عُمان» فى (ذى الحجة سنة 355هـ = نوفمبرسنة 966م) من يد القرامطة الذين كانوا قد استولوا عليها وعاثوا بها فسادًا، فأصبحت بذلك ضمن مملكة البويهيين. ظل «معز الدولة» اثنين وعشرين عامًا يدير الأمور فى «بغداد»، حتى تُوفِّى فى الثالث عشر من (ربيع الآخر سنة 356هـ= مارس سنة 967م)، فتولى ابنه «بختيار» إمارة «العراق» بعهد منه، ولُقب «عز الدولة». وقد قدم «عز الدولة» صورة صارخة لانصرافه عن المهام الكبرى واهتمامه بملذاته الشخصية، فقد أنفق وقته فى اللهو والتسلية

وعِشرة النساء والاستماع إلى الغناء، واستولى على أموال كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الخليفة فى سبيل ذلك. ففى سنة (361هـ= 972م) هاجم الروم ثغور «الجزيرة» ومن بينها «الرها» و «نصيبين»، فأحرقوا البلاد وخربوها وغنموا وسلبوا ما استطاعوا ولم يجدوا من يردعهم بعد وفاة «سيف الدولة الحمدانى» سنة (356هـ= 967م)، فسار جماعة من أهل «الجزيرة» إلى «بغداد» لاستنفار المسلمين ضد الروم، فاستعظم الناس ذلك، وتوجهوا إلى «عز الدولة بختيار»، وأنكروا عليه انشغاله باللهو والصيد عن جهاد الروم الذين انتهكوا حرمة دار الإسلام، فوعدهم بالإعداد لغزوهم، واتصل بالخليفة «المطيع لله» يطلب منه المال ليجهز به المسلمين للغزو، ولكن «المطيع لله» أجابه بقوله: «إن الغَزاة والنفقة عليها، وغيرها من مصالح المسلمين تلزمنى إذا كانت الدنيا فى يدى، وتُجبَى إلىَّ الأموال، وأما إذا كانت حالى هذه فلا يلزمنى شىء من ذلك، وإنما يلزم مَن البلاد فى يده، وليس لى إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت»، فهدد «بختيار» الخليفة «المطيع» واضطره إلى دفع أربعمائة ألف درهم، فلما قبضها «عز الدولة» صرفها فى مصالحه وملذاته!. ونتيجة لسوء طبع بختيار واضمحلال شخصيته، بدأت أسباب الشقاق والفتنة تظهر بين البويهيين، فقد حاول ابن عمه «ركن الدولة» والملقب فيما بعد «عضد الدولة» انتزاع «العراق» من «بختيار» ولكن والده «ركن الدولة» اعترض على ذلك، فاضطر «عضد الدولة» إلى تأجيل ذلك إلى ما بعد وفاة والده. ولعل من أخطر الأحداث التى شهدتها خلافة «المطيع لله» سيطرة الفاطميين على «مصر» سنة (358هـ= 969م) وكانت «مصر» حينئذٍ تحت حكم الإخشيديين الذين كانوا يخضعون للخليفة العباسى من الناحية الشكلية، فلما دخلها القائد الفاطمى «جوهر الصقلى» فى (شعبان سنة 358هـ= يونيو سنة 969م)، شرع فى بناء مدينة «القاهرة»؛ لتصبح عاصمة للفاطميين، كما بنى الجامع الأزهر سنة

(361هـ= 972م)، وظل حاكمًا لمصر نيابة عن مولاه «المعز لدين الله» حتى سنة (362هـ= 973م)، حين قدم «المعز» إلى «مصر» فى رمضان من هذه السنة، فقام بالأمر وأصبحت «مصر» منذ ذلك الوقت مقرا للخلافة الفاطمية الشيعية حتى سنة (567هـ= 1172م). ظل «المطيع لله» فى الخلافة ما يقرب من «ثلاثين عامًا»، حتى أُصيب بالفالج - وهو الشلل النصفى - فى أواخر حياته فتعذرت حركته وثقل لسانه، مما دعا «سُبُكْتكين»، حاجب «عز الدولة بختيار» إلى أن يطلب منه خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ابنه «عبدالكريم»، فتم ذلك فى (13من ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م)، ولقب «عبدالكريم» بالطائع لله. ثانيًا: خلافة الطائع لله (363 - 381هـ= 974 - 991م). تولى «الطائع لله» الخلافة فى (ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م) وعمره ثلاث وأربعون سنة، وقد تُوفِّى والده «المطيع لله» بعد ذلك بفترة قصيرة، فى (سنة المحرم سنة 364هـ= سبتمبر 974م). فى بداية خلافة «الطائع لله» حدثت الفتنة بين «عضد الدولة بن ركن الدولة»، وابن عمه «بختيار بن معز الدولة»، فقد شجع «عضد الدولة» جند «بختيار» على الثورة عليه ووعدهم بالإحسان إليهم والنظر فى أمورهم، فثار عليه الجند وتم القبض على «بختيار» وحبسه فى (جمادى الآخرة سنة 364هـ= فبراير سنة 975م)، وأصبحت «بغداد» و «العراق» تحت سلطان «عضد الدولة» .. وقد عز على «ركن الدولة» أمير أمراء البيت البويهى ووالد «عضد الدولة» أن يتصرف ابنه «عضد الدولة» مع ابن أخيه «بختيار» بهذه الصورة، فكتب إلى أنصار «بختيار» يساندهم ويأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه عازم على المسير إلى «العراق» لإخراج «عضد الدولة» وإعادة «بختيار»، فانصرف أنصار «عضد الدولة» عنه واضطر إلى الإذعان لإرادة أبيه، فأخرج «بختيار» من سجنه ورد إليه ما سلبه من سلطانه، وعاد إلى «فارس» فى (شوال سنة 364هـ= يونيو سنة 975م)، وكان الخليفة «الطائع لله» مسلوب الإرادة خلال

هذه الفتنة، لاحول له ولا قوة. وقد قسم «ركن الدولة» ملكه بين أولاده فى (جمادى الأولى سنة 365هـ= يناير سنة 976م) فجعل لابنه «عضد الدولة» ملك البلاد من بعده، ولولده «فخر الدولة» (أبى الحسن على) «همدان» وأعمال «الجبل»، ولولده «مؤيد الدولة» (أبى منصور بويهـ) «أصبهان» وأعمالها، وجعلهما تحت رئاسة أخيهما «عضد الدولة»، وأوصاهم بالاتفاق وترك التنازع. وفى (المحرم سنة 366هـ= أغسطس سنة 976م) تُوفِّى «ركن الدولة» فأصبح ابنه «عضد الدولة» زعيم البويهيين بلا منازع. وفى العام نفسه حشد «عضد الدولة» جنوده لغزو «العراق»، وكان «بختيار» ووزيره «أبو طاهر محمد بن محمد بن بقية» يعلمان نيات «عضد الدولة» فحاولا استمالة كبار الأمراء من حكام الأقاليم المختلفة، مثل «فخر الدولة بن ركن الدولة»، و «أبى تغلب بن حمدان» وغيرهما، وحدثت بعض المعارك بين جيوش «عضد الدولة» وجيوش «بختيار» سنة (366هـ= 976م) انتهت بهزيمة «بختيار» وفراره من «بغداد» إلى «الموصل» حيث تحالف مع واليها «أبى تغلب بن حمدان» ضد «عضد الدولة»، فسار إليهما «عضد الدولة» وهزمهما بالقرب من «تكريت» فى (شوال سنة 367هـ= مايو سنة 978م) وأسر «بختيار» وقتله، وضم مملكة الحمدانيين فى «الموصل» و «الجزيرة» إلى أملاكه، واتخذ «العراق» مقرا لحكمه. اهتم «عضد الدولة» بدعم سلطانه وتوسيع أملاكه؛ ففى سنة (368هـ= 978م) فتح «ميَّافارقين» و «آمد» و «ديار بكر»، و «ديار مضر» منهيًا بذلك نفوذ «أبى تغلب ابن حمدان» فى بلاد «الجزيرة». وفى عام (369هـ= 979م) استولى على الأقاليم الخاضعة لأخيه «فخر الدولة» بسبب وقوفه إلى جانب «بختيار»، فاستولى على «همدان» و «الرى» وما بينهما من البلاد، وعين عليها أخاه «مؤيد الدولة» نائبًا عنه فى حكمها، وفى سنة (371هـ= 981م) ضم إلى نفوذه بلاد «جرجان» و «طبرستان» بعد أن أجلى عنها صاحبها «قابوس ابن أبى طاهر» و «شمكير» (أحد أمراء آل زيار)، فتعاظم بذلك نفوذ

«عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله «بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم «عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب «الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول: «أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح، وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (354هـ= 965م)، و «أبو الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان «عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى «مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن عباد» وزيرًا له سنة (366هـ= 976م)، وكان من أعظم رعاة العلم والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة» على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر المعتزلة المشهور «عبدالجبار بن أحمد» قاضى قضاة للرى سنة (367هـ= 978م) لصلته

بالصاحب بن عباد، ثم عزله «فخر الدولة» سنة (385هـ= 995م) حينما تُوفِّى «الصاحب بن عباد». وفاة عضد الدولة وبداية التفكك فى البيت البويهى: تُوفِّى «عضد الدولة» فى (شوال سنة 372هـ= مارس سنة 983م)، وعمره ثمانٍ وأربعون سنة، وقد تركت وفاته فراغًا هائلاً تعذر على خلفائه أن يملئوه. وكان أخطر ما ترتب على وفاة «عضد الدولة»، الصراع الذى نشب بين أولاده الخمسة على السلطة، وهم: «أبو كاليجار المرزبان» (صمصام الدولة)، و «أبو الحسين أحمد»، و «أبو طاهر فيروز شاه»، و «أبو الفوارس شيرزيل» الملقب «شرف الدولة»، و «أبو نصر فيروز» الملقب «بهاء الدولة». وقد استقر الأمراء والقادة على اختيار «أبى كاليجار المرزبان» ليكون خلفًا لأبيه «عضد الدولة»، ولقبوه «صمصام الدولة» وأقر الخليفة «الطائع لله» هذا الاختيار وخلع على «صمصام الدولة» سبع خلع، ولقبه «شمس الملة»، فلم يكن للخليفة دور سوى إقرار ما يتفق عليه القادة والأمراء. وقد واجه «صمصام الدولة» انشقاقًا من أخيه «شرف الدولة» الذى استطاع الاستقلال ببلاد «فارس» والاستيلاء على «البصرة»، وتعيين أخيه «أبى الحسين أحمد» نائبًا عنه فى حكمها، كما تمكن من هزيمة الجيش الذى أرسله إليه «صمصام الدولة» ليسترد منه بلاد «فارس». وقد استطاع «صمصام الدولة» استمالة عمه «فخرالدولة» إلى صفه فى هذا الصراع، ولكن جنده فى «بغداد» ثاروا عليه وأعلنوا بيعتهم لشرف الدولة، ورغم أن «صمصام الدولة» قضى على هذه الثورة فإنه لم يستطع وضع حد لازدياد قوة أخيه «شرف الدولة». ففى سنة (375هـ= 985م) استولى «شرف الدولة» على «الأهواز» وقبض على أخيه «أبى طاهر فيروز شاه» المناصر لصمصام الدولة، وفى (رمضان سنة 376هـ= يناير سنة 987م) استولى على «العراق» ودخل «بغداد» وقبض على أخيه «صمصام الدولة»، فذهب إليه الخليفة وهنأه بالسلطنة. لم يستمر «شرف الدولة» طويلاً فى إمارته على «العراق»، فقد تُوفِّى

فى غرة (جمادى الأولى سنة 379هـ= أغسطس سنة 989م)، ولم يجد حرجًا وهو فى مرض موته أن يأمر بِسَمْل عينى أخيه «صمصام الدولة» وهو فى سجنه. وخلف «شرف الدولة» أخوه «أبو نصر فيروز»، الذى لقبه الخليفة «بهاء الدولة وضياء الملة»، ولكن العلاقة بين «بهاء الدولة أبى نصر فيروز» وبين الخليفة «الطائع» وصلت بعد قليل إلى الحد الذى جعل «بهاء الدولة» يقوم بعزل الخليفة؛ فقد قلت الأموال عند «بهاء الدولة»، وثار جنده عليه، فاقترح عليه أحد خواصه وهو «أبو الحسن بن المعلم»، أن يقبض على الخليفة «الطائع» ويستولى على أمواله، فدخل «بهاء الدولة» على الخليفة ومعه جمع كثير، وتقدم أحد رجاله كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره والخليفة يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ويستغيث دون أن يلتفت إليه أحد، وتم الاستيلاء على أمواله، وحُمِل الخليفة إلى دار «بهاء الدولة»؛ حيث أُرغِم على خلع نفسه فى (التاسع عشر من شعبان سنة 381هـ= أكتوبر سنة 991م) بعد أن استمر فى الخلافة ما يقرب من ثمانية عشر عامًا، كان خلالها مسلوب الإرادة. ثالثًا: خلافة القادر بالله (381 - 422هـ= 991 - 1031م). هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. وقد دامت خلافة «القادر بالله» إحدى وأربعين سنة وحفلت بالكثير من الأحداث والتطورات، وأهمها: أ - ازدياد التفكك فى البيت البويهى: فقد نشب الصراع بين «بهاء الدولة»، وأخيه «صمصام الدولة» ولم يكن فى «بنى بويه» أظلم من «بهاء الدولة» ولا أقبح سيرة منه، ففى سنة (383هـ= 993م) قام بمحاولة للاستيلاء على المنطقة الخاضعة لإمارة أخيه «صمصام الدولة» فى بلاد «فارس» و «أرَّجان»،

فانتهت هذه المحاولة بعكس ما كان يهدف إليه؛ حيث تمكن «صمصام الدولة» من الاستيلاء على «خوزستان» الخاضعة لبهاء الدولة، وبدد شمل الجيش الذى أرسله «بهاء الدولة». وفى سنة (384هـ = 994م) استطاع «بهاء الدولة» أن يهزم «صمصام الدولة»، وأن يسترد منه بعض ما خسره قبل ذلك. وقد تجدد الصراع بينهما مرات عديدة، ووصل فى إحدى مراحله إلى استيلاء «صمصام الدولة» على «البصرة» فى «العراق» سنة (386هـ= 996م)، ولم يتوقف هذا الصراع بين «بهاء الدولة» و «صمصام الدولة» إلا بمقتل «صمصام الدولة» على يد بعض أبناء «عز الدولة بختيار»؛ انتقامًا لمقتل أبيهم «بختيار» على يد «عضد الدولة»، والد «صمصام الدولة»، وذلك فى (ذى الحجة سنة 388هـ= 998م). وعقب مقتل «صمصام الدولة» أراد بعض أبناء «بختيار» الاستيلاء على «فارس»، فنشب الصراع بينهم وبين «بهاء الدولة» وانتهى بهروبهم ومقتل أحدهم واسمه «أبو نصر» على يد أنصار «بهاء الدولة» سنة (390هـ = 1000م). وقد تُوفِّى «بهاء الدولة» (أبو نصر فيروز بن عضد الدولة) فى (جمادى الآخرة سنة 403هـ = ديسمبر سنة 1012م)، فخلفه على إمارة «العراق» ابنه «أبو شجاع فخر الملك»، الذى لقبه الخليفة «القادر بالله» «سلطان الدولة»، فولى أخاه «جلال الدولة» «أبا طاهر» إمارة «البصرة» وأخاه «قوام الدولة أبا الفوارس» «كرمان». ونشب صراع مرير بين أبناء «بهاء الدولة»: «سلطان الدولة» و «جلال الدولة»، و «قوام الدولة»، و «مشرف الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «العراق» سنة (411هـ = 1020م) وبعد وفاة «سلطان الدولة» فى (شوال سنة 415هـ = ديسمبر سنة 1024م) خلفه ابنه «أبو كاليجار» على إمارة «فارس» و «كرمان»، ودخل فى صراع مع عمه «أبى الفوارس بن بهاء الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «كرمان»، وأرغم «أبا كاليجار» على دفع خراج له قيمته عشرون ألف دينار، إلا أن «أبا كاليجار» استرد «كرمان» بدون قتال عقب

وفاة عمه «أبى الفوارس» سنة (419هـ = 1028م). وعقب وفاة «مشرف الدولة» تولى أخوه «أبو طاهر جلال الدولة» - أمير «البصرة» - إمارة «العراق»، لكنه لم يتمكن من دخول «بغداد»؛ حيث منعه أنصار ابن أخيه «أبى كاليجار» من دخولها، تمهيدًا لقدوم «أبى كاليجار» وسيطرته على «العراق»، ولكن ذلك لم يحدث لانشغاله بصراعه مع عمه «أبى الفوارس»، وبقيت «بغداد» بدون أمير بويهى لمدة عامين وبضعة أشهر، مما دعا رؤساء الجند إلى أن يطلبوا من الخليفة «القادر بالله» أن يرسل إلى «جلال الدولة» ليحضر إلى «بغداد» ويتسلم الإمارة؛ جمعًا للكلمة وحسمًا للخلاف، فاستجاب الخليفة لهم ودخل «جلال الدولة» «بغداد» فى (رمضان سنة 418هـ = سبتمبر سنة 1027م)، إلا أنه ما لبث أن دخل فى صراع مع ابن أخيه «أبى كاليجار»، الذى أراد انتزاع «العراق» من عمه «جلال الدولة»، واستمر الصراع بينهما بين النصر والهزيمة لهذا الطرف أو ذاك حتى وفاة «جلال الدولة» سنة (435هـ= 1044م). وقد أدى الصراع المستمر بين أبناء البيت البويهى إلى تطلع قوى أخرى من خارج البيت البويهى للاستيلاء على مقاليد الحكم فى دولة الخلافة العباسية، كما شغل هذا الصراع البويهيين عن توجيه أذاهم إلى الخليفة العباسى «القادر بالله»، الذى ظل واحدًا وأربعين عامًا على كرسى الخلافة حتى تُوفِّى سنة (422هـ = 1031م). ب - اتساع قوة الدولة الغزنوية: تُنسب «الدولة الغزنوية» إلى مدينة «غَزْنَة» بأفغانستان الحالية، ويقال: إن اسمها الصحيح «غَزْنين» ثم تحول عند العامة إلى «غَزْنَة»، واشتهرت به. وتمتد جذور الأسرة الغزنوية إلى مرحلة سابقة على خلافة «القادر بالله»، فقد ارتبطت بداية ظهور الغزنويين بظهور «ألبَتكين» (ويكتب أحيانًا: ألب تكين أو ألفتكين)، وهو غلام تركى التحق بخدمة السامانيين، وتدرج فى المناصب حتى وصل إلى منصب «حاجب الحجاب»، وهو منصب كان يتيح سلطة خطيرة لصاحبه، ثم تقلد

«ألبتكين» ولاية «خراسان» نيابة عن الأمير السامانى «عبدالملك بن نوح» سنة (349هـ= 960م) حتى عزله عنها الأمير «منصور بن نوح» الذى خلف أخاه «عبدالملك» فلجأ «ألبتكين» إلى «بلخ»، واستطاع هزيمة جيش «منصور» الذى أرسله إليه سنة (351هـ = 962م)، ثم توجه إلى «غزنة» فى السنة نفسها، واستولى عليها واتخذها مقرا له فى خلافة «المطيع لله». وبعد وفاة «ألبتكين» خلفه ابنه «أبو إسحاق إبراهيم»، الذى تعاون مع الأمير «منصور بن نوح» ضد أمير «غزنة» السابق «أبى على»، الذى أطاح به «ألبتكين» سنة (351هـ = 962م)، فسانده الأمير «منصور» على شرط أن يعد نفسه تابعًا للدولة السامانية، فوافق «أبو إسحاق» على ذلك. وبعد وفاة «أبى إسحاق إبراهيم» سنة (355هـ = 966م) دون أن يُعْقِب تولى إمارة «غزنة» «بلكاتكين»، ثم «بيرى تكين» على التوالى وهما من غلمان «ألبتكين»، ثم أصبح «سُبُكْتكين» أميرًا على «غزنة» فى (شعبان سنة 366هـ = مارس 977م) فكان ذلك نقطة تحول فى تاريخ الغزنويين. و «سبكتكين» غلام تركى من غلمان «ألبتكين»، كان قد قربه إليه وزوجه ابنته، وعينه قائدًا لحرسه، فلما تولى «غزنة» وسع حدودها فى اتجاه بلاد «الهند»، وحقق انتصارات كبيرة فى تلك البلاد، وأصبح بذلك المؤسس الحقيقى للدولة الغزنوية. وقد استعان الأمير «نوح بن منصور السامانى» (366 - 387هـ = 977 - 997م) بسبكتكين سنة (384هـ = 994م) للقضاء على حركة تمرد وعصيان ضده فى «بخارى»، وخلع عليه لقب «ناصر الدولة»، وعين ابنه «محمودًا» قائدًا لجيش «خراسان» ومنحه لقب «سيف الدولة». واختار «سبكتكين» مدينة «بلخ» مقرا له فى أواخر أيامه، وقد تُوفِّى فى (شعبان سنة 387هـ = أغسطس سنة 997م)، وعقب وفاته تنازع ابناه «محمود» و «إسماعيل» حول أحقيتهما فى وراثة الحكم، وانتهى هذا النزاع بانتصار «محمود» الذى أصبح رئيسًا للدولة الغزنوية سنة (387هـ= 997م)، وأحسن معاملة أخيه «إسماعيل» وأعلى منزلته.

وقد حققت إمارة «محمود بن سبكتكين» قفزة هائلة فى مسار «الدولة الغزنوية»، فترامت أطرافها، واتسع نفوذها، وذاع صيتها، وأصبحت بلا منافس من حيث هيبتها العسكرية ومكانتها الحضارية، وقد اشتهر «محمود بن سبكتكين» بلقب «السلطان»، كما خلع عليه الخليفة «القادر بالله» لقب «يمين الدولة وأمين الملة» سنة (389هـ = 999م). نجح «محمود بن سبكتكين» فى السنوات الأولى من إمارته فى تعزيز وضعه الداخلى والقضاء على معارضيه، ثم صرف اهتمامه إلى الفتوح فى بلاد «الهند»، وحقق انتصارات هائلة جعلته واحدًا من أعظم الفاتحين فى التاريخ الإسلامى؛ ففى سنة (389هـ = 999م) استولى على «خراسان» وقضى على سلطة السامانيين بها، وفى سنة (393هـ = 1003م) استولى على «سجستان» التى كان حاكمها «خلف بن أحمد» وهو من أكبر أعدائه. وتعد فتوحات السلطان «محمود بن سبكتكين» فى بلاد «الهند»،أعظم إنجاز له فى هذا المجال، ففى سنة (395 هـ = 1005م) استطاع فتح مدينة «بهاتية» الهندية بجوار إقليم «الملتان»، وأقام بها حتى أصلح أمرها واستخلف بها مَنْ يُعلِّم مَنْ أسلم مِن أهلها قواعد الإسلام وفرائضه، وفى سنة (396هـ = 1006م) استولى على «الملتان» التى كانت تخضع لحكومة إسماعيلية شيعية تعادى السلطان «محمود الغزنوى» وتتحالف ضده مع أعدائه الهنود غير المسلمين. واستمرت غزوات السلطان «محمود» المظفرة فى بلاد «الهند» بصورة شبه منتظمة حتى سنة (416هـ = 1025م) فنجح فى الاستيلاء على قلعة «ناردين» الهندية المنيعة، بعد قتال عنيف سنة (404هـ = 1013م) ودان له كثير من حكام المناطق المجاورة، وأقبل الهنود فى تلك المناطق على اعتناق الإسلام، وأرسل إليهم السلطان من يفقههم فى الدين، وفتح سنة (409هـ = 1018م) مدينة «قنوج» الحصينة على نهر «الجانج»، الذى يقدسه الهنود، واعتنق أهلها الإسلام. وفى سنة (416هـ = 1025م)، قام السلطان «محمود» بآخر غزواته

فى بلاد «الهند»، وهى غزوة «سُومْنَات» وكان بقلعة «سومنات» الحصينة معبد يضم نفائس الذهب والفضة والجواهر، مما لا يوجد له نظير فى أى مكان آخر فى شبه القارة الهندية، بالإضافة إلى صنم البراهمة الأعظم الذى يحج إليه الهنود من كل مكان، فاقتحم السلطان «محمود» هذه القلعة، فى (ذى القعدة سنة 416هـ = ديسمبر سنة 1025م) بعد أن استبسل الهنود فى الدفاع عنها، واستولى على كل ما فيها من نفائس قُدِّرت قيمتها بأكثر من عشرين مليون دينار، وحطم السلطان «محمود» بنفسه صنم البراهمة الأعظم بسومنات وأرسل منه قطعًا إلى «غزنة»، و «مكة» و «بغداد» إعلانًا بهذا الفتح العظيم، وكان السلطان «محمود» يتصل -عادة- بالخليفة «القادر بالله» فى «بغداد» بعد كل فتح عظيم فى البلاد الهندية؛ ليخبره بما فتح الله للمسلمين فى هذه البلاد، مجددًا ولاءه له. وأثناء قيامه بغزواته فى شبه القارة الهندية استطاع السلطان «محمود» أن يضم إلى نفوذه إقليم «خوارزم» ويقضى على الأسرة المأمونية المعادية له بها سنة (407هـ = 1016م)، كما ضم إليه أيضًا «الرى» و «قزوين» و «أصفهان» سنة (420هـ = 1029م) بمعاونة ابنه «مسعود»، فاتسعت مملكته فى «خراسان» و «ما وراء النهر» و «شبه القارة الهندية». وبعد غزوة «سومنات» لم يتمكن السلطان «محمود» من مواصلة حملاته الموفقة فى «شبه القارة الهندية»، بسبب اهتمامه بمواجهة ثورات «العراق» و «خراسان» وخطر الأتراك السلاجقة. وقد تُوفِّى السلطان «محمود» بغزنة فى شهر (ربيع الآخر سنة 421هـ = أبريل سنة 1030م) وعمره واحد وستون عامًا، وكان قد أوصى بالسلطة لابنه «محمد»، ولكنه لم يكن يتمتع بحب الجند والرعية فتخلَّوا عنه وبايعوا أخاه الأكبر «مسعودًا» واستتب له الأمر فى أواخر سنة (421هـ = 1030م)، ووصل إلى «غزنة» من «أصبهان» فى (جمادى الآخرة سنة 422هـ = مايو سنة1031 م) وقد ورث مملكة أبيه الشاسعة.

وقد كان السلطان «محمود بن سبكتكين» يتحلى بمواهب إدارية متميزة، فقد استطاع بعد فتوحاته فى «الهند» أن يتألَّف الهندوس، وأن يجعلهم جزءًا من نسيج دولته، وأن يستخدمهم فى جهازه الإدارى وأن يجندهم فى جيشه، كما كان السلطان «محمود» يتحلى بأخلاق رفيعة، ويكثر الإحسان إلى الرعية والرفق بهم، ويحب العلماء ويكرمهم ويعظمهم وكان على مذهب «أبى حنيفة» فى الفقه، وهو المذهب الذى مازال واسع الانتشار فى «شبه القارة الهندية» و «أفغانستان» و «أواسط آسيا»، وكان السلطان «محمود» شغوفًا بعلم الحديث النبوى، فكان الشيوخ يقرءونه بين يديه وهو يسمع. وقد قصده العلماء والشعراء من كل مكان، وكان أبرزهم المؤرخ العربى «العُتْبى» (أبو النصر محمد بن عبدالجبار) صاحب كتاب «اليمينى» الذى جمع فيه سيرة «يمين الدولة السلطان محمود»، و «الريحان البيرونى» (محمد بن أحمد) صاحب المعرفة الموسوعية فى الرياضيات والفلك والطب والتاريخ والجغرافيا، ومن أشهر كتبه «الآثار الباقية عن القرون الخالية»، والشاعر الفارسى المعروف «الفردوسى» (أبو القاسم حسن) صاحب الشاهنامة أو «كتاب الملوك» وهو ملحمة شعرية تتألف من ستين ألف بيت، وقد أهداها «الفردوسى» إلى السلطان «محمود» الذى كافأه عليها بستين ألف درهم، لكن «الفردوسى» رأى أن هذه المكافأة أقل مما كان يتوقع، فترك بلاط السلطان معترضًا!. وكان «يمين الدولة السلطان محمود» حريصًا على تقديم كل فروض الولاء لخليفة المسلمين، باعتبار منصب الخلافة رمزًا يجب صيانته والمحافظة على مكانته، فالخلافة قد ارتبطت منذ قيامها بعزة الإسلام ومجده، والتطاول على هذا المنصب العظيم يُعد استخفافًا بكل ما يرمز إليه من قيم ومعانٍ. وفاة الخليفة القادر بالله، ونبذة عن شخصيته: تُوفِّى «القادر بالله» فى شهر (ذى الحجة سنة 422هـ = نوفمبر سنة 1031م) وعمره سبع وثمانون سنة، ودامت خلافته واحدًا وأربعين

عامًا، فكانت أطول مدة يقضيها خليفة عباسى فى هذا المنصب حتى عصره. كان الخليفة «القادر بالله» يتحلى بصفات جعلته إحدى الشخصيات المتميزة فى تاريخ «الخلافة العباسية»، فقد كان راجح العقل وافر الحلم، مؤثرًا للخير، ظاهر الكرم، جميل الأخلاق، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، كما كان شغوفًا بالعلم محبا لأهله، مستقيم الطريقة فى الدين بعيدًا عن البدعة، متواضعًا، عزوفًا عن مظاهر الأبهة والتكلف، فكان يخرج من داره فى زىِّ العامة، ويزور قبور الصالحين، وكان عادلاً وصولاً ظاهر البر باليتامى والمساكين، قوى الشخصية، يحظى بالاحترام والتبجيل؛ فلم يتعرض لما تعرض له غيره من السابقين له من مهانة خلال فترة اضمحلال الخلافة، ورغم ما تعرضت له الخلافة من ظروف وأحداث وتغلغل نفوذ الترك والفرس فإن «القادر بالله» استغل كل ما أتيح له من إمكانات، وقدَّم أفضل نموذج يمكن أن نتوقعه لخليفة عباسى فى ضوء تلك الظروف. شهد القرنان (4و5 هـ= 10و11م) قمة الازدهار الحضارى بمظاهره المختلفة فى أرجاء العالم الإسلامى بصفة عامة وفى «دولة الخلافة العباسية» بصفة خاصة؛ ويمثل عصر «القادر بالله» زبدة الحضارة الإسلامية فى هذين القرنين، وهكذا كانت الأوضاع الحضارية أحسن حالاً من الأوضاع السياسية خلال تلك الفترة. رابعًا: خلافة القائم بأمر الله ونهاية عصر النفوذ البويهى (422 - 447هـ = 1031 - 1055م): تولى «القائم بأمر الله» (أبو جعفر عبدالله بن القادر) الخلافة فى اليوم الذى تُوفِّى فيه أبوه «القادر بالله» فى ذى الحجة سنة (422هـ = 1031م)، وعمره ثلاثون عامًا، وقد لقبه أبوه - قبل وفاته - بالقائم بأمر الله. وقد زادت الأوضاع الداخلية فى «دولة البويهيين» فى عهده تدهورًا وانحطاطًا، وأصبحت الدولة جسمًا بلا روح، فقد استمرت أمور «العراق» فى فوضى واضطراب؛ بسبب الصراع بين «جلال الدولة» و «أبى كاليجار» على السيطرة عليه، وضعفت مكانة «جلال الدولة»،

ورغم الصلح الذى تم بين «جلال الدولة» و «أبى كاليجار» سنة (428هـ = 1037م)، وتأكيده بزواج «أبى منصور بن أبى كاليجار» من ابنة «جلال الدولة» فإن «أبا كاليجار» انتهز فرصة وفاة «جلال الدولة» سنة (435هـ = 1044م) واستولى على زمام السلطة فى «العراق» فى (صفر سنة 436هـ = أغسطس سنة 1044م)، بعد إحباطه محاولة الابن الأكبر لجلال الدولة للاستيلاء على الحكم فى «بغداد». وأثناء إمارة «أبى كاليجار» فى «بغداد» استطاع الأتراك السلاجقة أن يسيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد الخاضعة للبويهيين، واضطر «أبو كاليجار» إلى طلب الصلح مع السلطان السلجوقى «طغرل بك» وزوَّجه ابنته، كما تزوج «أبو منصور بن أبى كاليجار» من ابنة الملك «داود» أخى «طغرل بك»، وأصبحت «الدولة البويهية» معرضة للسقوط فى أية لحظة. وعقب وفاة «أبى كاليجار» فى (جمادى الأولى سنة 440هـ = أكتوبر سنة 1048م) خلفه على إمارة «العراق» ابنه «أبو نصر خسرو فيروز» الملقب بالملك الرحيم، وكانت فترة إمارته تمثل قمة التردى فى أوضاع «الدولة البويهية»؛ حيث دخل فى صراع مع إخوته حول السلطة، واستعان بعضهم بالسلاجقة ضد أخيهم «الملك الرحيم»، وأصبح البويهيون تحت سيطرة السلاجقة، وتحدد مصير دولتهم على أيدى هذه القوة الناشئة.

3 - 6:عصر نفوذ السلاجقة

الفصل السادس *عصر نفوذ السلاجقة [447 - 590هـ= 1055 - 1194م] السلاجقة أسرة تركية كبيرة، كانت تقيم فى بلاد «ما وراء النهر»، وتنسب إلى زعيمها «سلجوق بن تُقاق»، الذى اشتهر بكفاءته الحربية، وكثرة أتباعه. وقد أسلم «سلجوق» وأتباعه، وخلَّف من الأولاد «أرسلان» و «ميكائيل» و «موسى»، وكان أبرزهم «ميكائيل»، الذى أنجب «طغرل بك» (محمد) و «جغرى بك» (داود)، اللذين قام عليهما مجد «السلاجقة». هاجر السلاجقة بزعامة «طغرل بك» وأخيه «جغرى» فى الربع الأول من القرن الخامس الهجرى إلى «خراسان» الخاضعة لنفوذ الغزنويين، وبعد سلسلة من الصراع بين الغزنويين و «السلاجقة»، استطاع «السلاجقة» السيطرة على «خراسان» بعد هزيمة الغزنويين بقيادة السلطان «مسعود بن محمود بن سبكتكين» سنة (431هـ = 1040م) أمام «طغرل بك» وأخيه «جغرى». وقد ساعد «السلاجقة» على توطيد سلطانهم انتماؤهم إلى المذهب السنى، وإعلانهم الولاء والتبعية للخليفة العباسى «القائم بأمر الله»، الذى عين «طغرل بك» نائبًا عنه فى «خراسان» وبلاد «ما وراء النهر» وفى كل ما يتم فتحه من البلاد. وقد استطاع «السلاجقة» توسيع حدود مملكتهم بسرعة هائلة، فاستولى زعيمهم «طغرل بك» على «جرجان» و «طبرستان» سنة (433هـ)، وعلى «خوارزم» و «الرى» و «همدان» سنة (434هـ = 1043م) وعلى «أصبهان» سنة (443هـ = 1051م)، وعلى أذربيجان» سنة (446هـ = 1054م)، وبدأ يتطلع للسيطرة على «بغداد»، وقد هيأت له الأوضاع السائدة فى «العراق» تحقيق هذا الهدف. دخول طغرل بك بغداد سنة (447هـ = 1055م) وسقوط دولة البويهيين: كان القائد التركى المشهور «أبو الحارث أرسلان المظفَّر بن عبدالله» المعروف بالبساسيرى، من أكابر العسكريين الأتراك فى «بغداد» فى أواخر العهد البويهى، وكان يقوم بدور الحاكم العسكرى لمدينة «بغداد»، ويعد صاحب النفوذ الأكبر فى دار الخلافة، وقد كانت هناك خصومة شديدة بينه وبين «أبى القاسم بن المسلمة» (على بن الحسن

بن أحمد) وزير الخليفة «القائم بأمر الله»، فاتهمه الوزير بالخيانة، واتصاله بالفاطميين فى «مصر» لميوله الشيعية، ولما تبين ذلك للخليفة «القائم بأمر الله» خشى أثر موقف «البساسيرى» على مستقبل «الخلافة العباسية»، فاتصل بالسلطان السلجوقى «طغرل بك»، وطلب منه القدوم إلى «بغداد» للاستيلاء على السلطة فيها ووضع حد لمحاولات «البساسيرى» الخطيرة ولعجز البويهيين عن إدارة شئون الدولة فاستجاب السلطان السلجوقى وتقدم بجنوده نحو «بغداد»، وأمر الخليفة بأن يُخطَب له على منابرها، قبل دخولها فى (25 من رمضان سنة 447هـ = نوفمبر سنة 1055م) بثلاثة أيام، وتم القبض على «الملك الرحيم» آخر ملوك البويهيين. أصبح «طغرل بك» (ركن الدين أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق) أولَ سلاطين «السلاجقة» فى «بغداد»، ابتداءً من (رمضان 447هـ = نوفمبر 1055م)، وقد استقبله الخليفة «القائم بأمر الله» بكل مظاهر الحفاوة والترحاب، ولقبه «ملك المشرق والمغرب». الخلافة فى ظل السلاجقة: رأى «السلاجقة» فى الخلافة السُّنية رمزًا دينيًا يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية وعزتها، ونظروا إلى الخليفة على أنه تجسيد حى لهذا الرمز، فأحاطوه بهالة من التقدير والإكبار، ونعمت «الخلافة العباسية» فى ظل نفوذ «السلاجقة» بأمرين: الأول: سيادة المذهب السنى فى أرض الخلافة. والآخر: إحاطة الخلافة بما هى أهل له من إكرام وإجلال؛ فأصبح من حق الخليفة اتخاذ وزير له، ورغم أن وزير السلطان السلجوقى كان بصفة عامة أوسع نفوذًا وأقوى تأثيرًا من وزير الخليفة، فإن ذلك لا يقلل من حقيقة التكريم الذى أسبغه «السلاجقة» على منصب الخلافة؛ حيث كانت السلطة الفعلية فى يد «السلاجقة»، وكانت سلطة الخليفة روحية أكثر منها سياسية. فتنة البساسيرى ومحاولة إخضاع العراق للنفوذ الفاطمى: عندما دخل «طغرل بك» «بغداد» اضطر «البساسيرى» إلى تركها،

وبدأ يجمع حوله عددًا من الأنصار الساخطين على الأوضاع فى دار الخلافة، واستطاع الاستيلاء على «الموصل» سنة (448هـ = 1056م)، وخطب فيها للخليفة «المستنصر الفاطمى»، ثم مد نفوذه إلى «الكوفة» و «واسط»، وأغرى «إبراهيم ينَّال» - وهو أخو «طغرل» لأمه - بالانشقاق على أخيه ليضمن انشغاله عنه بفتنة أخيه. وقد أمد «المستنصر الفاطمى» «البساسيرى» بما يدعم موقفه ويمكنه من مد نفوذه، فاستطاع فى (الثامن من ذى القعدة سنة 450هـ= السابع والعشرين من ديسمبر 1058م) أن يدخل «بغداد» بجيوشه، ويخطب فيها للخليفة الفاطمى، وخضعت «بغداد» للخلافة الفاطمية بمصر، واضطر الخليفة العباسى «القائم بأمر الله» ووزيره «ابن المسلمة» أن يضعا نفسيهما تحت حماية أحد أعوان «البساسيرى»، واسمه «قريش بن بدران»، فطلب «البساسيرى» من «قريش» تسليمه «ابن المسلمة»، فقتله شر قتلة فى (أواخر ذى الحجة سنة 450هـ = يناير 1059م)، وقام «قريش» بتسليم الخليفة العباسى إلى ابن عم له بنواحى «الأنبار» فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة. وحاول «البساسيرى» مد سلطانه على مدن «العراق» ما أمكنه ذلك، فاستولى على «البصرة»، وأوشك الأمر أن يستتب للفاطميين بالعراق لولا أن «المستنصر» شك فى نيات «البساسيرى» وحقيقة مخططاته، فمنع عنه عونه وتأييده؛ مما كان له أثره السيئ على موقفه فى مواجهة «طغرل بك»، الذى نجح فى القضاء على ثورة أخيه «إبراهيم ينَّال»، وقبض عليه وقتله فى (التاسع من جمادى الآخرة سنة 451هـ = يوليو سنة 1059م). وعندما اقتربت جيوش السلطان السلجوقى «طغرل بك» من «بغداد» هرب «البساسيرى» فى اتجاه «الكوفة» فى (6 من ذى القعدة سنة 451هـ = 14 من ديسمبر 1059م)، وسيطر «طغرل بك» على «بغداد» بسهولة، بعد عام كامل من سيطرة «البساسيرى» عليها، وأعاد الخليفة «القائم بأمر الله» مكرَّمًا إلى دار الخلافة فى (25 من ذى

القعدة سنة 451هـ = 14من ديسمبر سنة 1059م) ونجح فرسان «طغرل بك» فى قتل «البساسيرى» فى (8 من ذى الحجة سنة 451هـ = 15من ينايرسنة 1060م)، وبذلك بدأ السلطان السلجوقى «طغرل بك» يعمل على توطيد ملك «السلاجقة» بالعراق. بين طغرل بك والخليفة القائم بأمر الله: كان «طغرل بك» حريصًا على إبداء كل مظاهر الإجلال والتوقير للخليفة، وقد اقتدى به خلفاؤه؛ فعاملوا الخلفاء العباسيين بكل ما يليق بمكانتهم من احترام وتعظيم. يروى المؤرخون أن «طغرل بك» كان غائبًا عن «بغداد»، فلما عاد إليها سنة (449هـ = 1057م) توجه إلى دار الخلافة، فلما دخل على الخليفة قَبَّل الأرض وجلس على سرير دون سرير الخليفة، فأمره الخليفة أن يتقى الله فيما ولاه وأن يجتهد فى عمارة البلاد وإصلاح العباد ونشر العدل ومنع الظلم، فقام «طغرل بك» وقبَّل الأرض وقال: «أنا خادم أمير المؤمنين وعبده، ومتصرف على أمره ونهيه، ومتشرف بما أهلنى له واستخدمنى فيه، ومن الله أستمد المعونة والتوفيق». وعندما توجه «طغرل بك» لاستخلاص «العراق» من «البساسيرى» كان شديد الحرص على سلامة الخليفة. وقد أراد «طغرل بك» أن يمنح نفسه وأسرته شرفًا فريدًا متميزًا، وأن يضفى على سلطانه السياسى صبغة روحية، فخطب ابنة الخليفة «القائم بأمر الله» سنة (453هـ = 1061م)، فانزعج الخليفة لذلك رغم زواجه من «أرسلان خاتون» (واسمها خديجة) ابنة الأمير «داود» أخى السلطان «طغرل بك» سنة (448هـ = 1056م)، فلم يحدث أن تزوج أحد من خارج البيت العباسى منه، وحاول الخليفة «القائم» رفض هذا الزواج، ودافع بكل ما يمكنه فى سبيل ذلك، ولكنه اضطر إلى الخضوع لضغوط وزير «طغرل بك» «عميد الملك الكُنْدُرى»؛ فتم العقد لطغرل على ابنة الخليفة سنة (454هـ = 1062م) ودخل بها سنة (455هـ= 1063م). الوزير عميد الملك الكندرى ومكانته فى دولة طغرل بك: أثناء حكم «طغرل بك» فى «نيسابور» طلب رجلاً متمكنًا من اللغة

العربية يكتب له، فدلوه على «عميد الملك الكندرى» (أبى نصر محمد بن منصور بن محمد) فلما دخل «طغرل» «بغداد» سنة (447هـ = 1055م) عينه وزيرًا له، فكان ساعده الأيمن حتى وفاة «طغرل» سنة (455هـ = 1063م). ويعتبر «عميد الملك» أحد العوامل المهمة فى ازدهار دولة «طغرل بك» بفضل ما كان يتمتع به من حنكة وكفاءة، كما كان سببًا مكَّن «طغرل بك» من السيطرة على «العراق» ودار الخلافة، وإدخال الخليفة «القائم» ووزرائه وحاشيته فى طاعة «السلاجقة» دون إراقة دماء، لما تمتع به «عميد الملك» من نفاذ بصيرته فى الأمور، وبُعد نظره، وحسن سياسته، إلى جانب رسوخ قدمه فى العلم والأدب. واقترن اسم الوزير عميد الملك باسم «طغرل بك» وأصبح لا يذكر أحدهما دون أن يذكر الآخر. وفاة طغرل بك وتولى ألب أرسلان: كان «طغرل بك» من كبار الشخصيات فى التاريخ، اتصف بالشجاعة والإقدام، والعقل والحلم، وكان من أشد الناس احتمالاً وأكثرهم كتمانًا لسره، كريمًا، محافظًا على الصلوات الخمس، ويصوم يومى الإثنين والخميس. ورغم أن بعض المؤرخين وصفه بالظلم والقسوة، فإن ذلك لا يتفق مع صفاته السابقة التى سجلها له معظم المؤرخين. وقد أوصى «طغرل بك» بأن يخلفه بعد موته ابن أخيه «سليمان بن داود جغرى»؛ حيث إنه لم يخلف ولدًا، وفى (8 من رمضان سنة 455هـ = سبتمبر سنة 1063م) توفى «طغرل بك» بمدينة «الرى» ببلاد «الجبل»، وعمره نحو سبعين عامًا، وقد نفذ «عميد الملك الكندرى» وصية «طغرل بك»، ولكن الناس كانوا أميل إلى «ألب أرسلان»، فأمر «عميد الملك» بالخطبة له وتم الأمر له بمساعدة وزيره «نظام الملك»، وأصبح سلطانَ «السلاجقة». قتل عميد الملك الكندرى ووزارة نظام الملك: عقب تولِّى «ألب أرسلان» سلطنة «السلاجقة»، أقر «عميد الملك الكندرى» وزير عمه «طغرل» فى منصبه، ولكنه سرعان ما تغير عليه فعزله فى شهر (المحرم سنة 456هـ = ديسمبر سنة 1063م)، وسجنه،

ثم دبر قتله فى شهر (ذى الحجة سنة 456هـ = نوفمبر سنة 1064م)، ويبدو أن «نظام الملك» لعب دورًا فى ذلك. وبعد عزل «عميد الملك»، عين «ألب أرسلان» «نظام الملك» وزيرًا له، وكان وزيره أثناء إمارته على «خراسان» قبل توليه السلطنة، ويُعدُّ «نظام الملك» أشهر وزراء «السلاجقة» كما يعد من أشهر الوزراء فى التاريخ الإسلامى. وكانت بداية معرفة «نظام الملك» بالسلاجقة حينما اتصل بداود بن ميكائيل بن سلجوق، والد السلطان «ألب أرسلان»، وأعجب بكفاءته وإخلاصه فسلمه إلى ابنه «ألب أرسلان» وقال له: «اتخذه والدًا ولا تخالفه فيما يشير به». وقد ظل «نظام الملك» وزيرًا للسلطان «ألب أرسلان» ثم لخليفته «ملكشاه» ما يقرب من ثلاثين عامًا. ولم يكن «نظام الملك» مجرد وزير لامع، بل كان راعيًا للعلم والأدب محبا لهما، وقد سمع الحديث وقرأه، وكان مجلسه عامرًا بالعلماء والفقهاء والصوفية، مثل إمام الحرمين «أبى المعالى الجوينى» و «أبى القاسم القشيرى»، كما اهتم «نظام الملك» ببناء المدارس ووضع أسس قيام نهضة تعليمية رائعة. اتساع مملكة السلاجقة خلال حكم ألب أرسلان (455 - 465هـ = 1063 - 1073م): استطاع «ألب أرسلان» أن يوسع حدود مملكة «السلاجقة» التى ورثها عن عمه «طغرل»، وأن يسجل انتصارات رائعة ضد أعدائه فى الداخل والخارج، فنجح فى القضاء على حركات العصيان فى «خراسان» و «ما وراء النهر» و «أذربيجان»، وتمكن من تعزيز الوجود الإسلامى فى «أرمينيا»، واستولى على «حلب» وقضى على النفوذ الفاطمى بها. معركة ملاذكرد: عزم الإمبراطور البيزنطى «رومانوس الرابع» على طرد «السلاجقة» من «أرمينيا» وضمها إلى النفوذ البيزنطى، فأعد جيشًا كبيرًا سنة (463هـ = 1071م) يتكون من مائتى ألف مقاتل، وتولَّى قيادته بنفسه، وزحف به إلى «أرمينيا»، وعندما علم السلطان «ألب أرسلان» بذلك وهو بأذربيجان لم يستطع أن يجمع من المقاتلين إلا

خمسة عشر ألف فارس، فتقدم بهم إلى لقاء الإمبراطور البيزنطى وجحافله، والتقت مقدمة جيش السلطان بمقدمة جيش «رومانوس» فى «أرمينيا» فهزمتها. وقد أراد السلطان «ألب أرسلان» استغلال هذا النصر المبدئى فأرسل إلى الإمبراطور «رومانوس» يعرض عليه الصلح، إدراكًا منه لحرج موقفه بسبب قلة جنده، فرفض «رومانوس» الصلح وهدد السلطان بالهزيمة والاستيلاء على ملكه، وقد ألهب هذا التهديد حماس السلطان وجيشه وعزموا على إحراز النصر أو الشهادة، ووقف فقيه السلطان وإمامه «أبو نصر محمد بن عبدالملك البخارى» يقول للسلطان: «إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله - تعالى - قد كتب باسمك هذا الفتح، فالْقَهُم يوم الجمعة بعد الزوال، فى الساعة التى تكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة». فلما جاءت هذه الساعة صلى بهم، وبكى السطان فبكى الناس لبكائه ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قُتِلْتُ فهذا كفنى!. والتقى جيش السلطان وجيش الإمبراطور فى مدينة «ملاذكرد» بأرمينيا، وحمل المسلمون على الروم حملة رجل واحد، وأنزل الله نصره عليهم فانهزم الروم وامتلأت الأرض بجثثهم، وتمكن المسلمون من أسر إمبراطور الروم «رومانوس»، فأحسن السلطان «ألب أرسلان» معاملته، وأعفاه من القتل مقابل فدية مقدارها مليون ونصف مليون دينار، وعقد معه صلحًا مدته خمسون عامًا، وأطلق سراحه وأرسل معه جندًا أوصلوه إلى بلاده ومعهم راية مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وقد أنهت معركة «ملاذكرد» النفوذ البيزنطى فى «أرمينيا» بصورة مطلقة، وفتحت المجال لامتداد النفوذ الإسلامى السلجوقى إلى «آسيا الصغرى»، وتهديده العاصمة البيزنطية وما وراءها فى «أوربا». وقد حدثت هذه المعركة المظفرة - معركة «ملاذكرد» - فى شهر (ذى القعدة سنة 463هـ = أغسطس 1071م).

ولا يستطيع الباحثون عن جذور الحروب الصليبية التى حدثت فيما بعد أن يتجاهلوا دور هذه المعركة (ملاذكرد) فى تهيئة الظروف التى أدت إلى هذه الحروب. مقتل ألب أرسلان وانتقال السلطة إلى ابنه ملكشاه: فى أوائل عام (465هـ = 1073م) توجه «ألب أرسلان» إلى بلاد «ما وراء النهر» لتأديب أمير «بخارى» الثائر «شمس الملك نصر»، وبينما هو فى طريقه جاءوا إليه بأمير إحدى القلاع، واسمه «يوسف الخوارزمى» مقيدًا بسبب عصيانه، وأغلظ «يوسف» القول للسلطان، فطلب «ألب أرسلان» فك قيوده ليقتله بنفسه، ولكن «يوسف» كان أسرع من السلطان فطعنه بخنجر كان معه، فمات السلطان «ألب أرسلان» بعد أيام متأثرًا بجراحه فى (10 من ربيع الأول سنة 465هـ = أواخر نوفمبر سنة 1072م)، وعمره أربعون أو خمس وأربعون سنة. وقد كان «ألب أرسلان» - بإجماع المؤرخين - من عظماء سلاطين «السلاجقة»، وكان قائدًا عسكريا من الطراز الأول، وسياسيا محنكًا وحاكمًا عادلاً، فلم يتجاوز فى جمع الأموال من الرعية، وكان كثير الصدقات خاصة فى رمضان، بارا بأهله وأصحابه ومماليكه، شهمًا ذا مروءة، ولم يكن يسمح للدسائس أن تعرف طريقها إليه، فقد حاول أحد الوشاة مرة أن يفسد ما بينه وبين وزيره «نظام الملك»، فكتب له كتابًا يبين له فيه ما يرتكبه الوزير من مخالفات، وتركه له على مُصلاه فعندما أخذه «ألب أرسلان» وقرأ ما فيه، سلَّمه إلى «نظام الملك» وقال له: خذ هذا الكتاب، فإن صدقوا فى الذى كتبوه، فهذب أخلاقك، وأصلح أحوالك، وإن كذبوا فاغفر لهم زلتهم واشغلهم بمهم يشتغلون به عن السعاية بالناس. وعقب وفاة «ألب أرسلان» تولى السلطنة ابنه «ملكشاه» بعهد من أبيه، وتولى «نظام الملك» أخذ البيعة له، وأقره الخليفة «القائم بأمر الله» على السلطنة. استمرار نظام الملك فى الوزارة واتساع نفوذه فى عهد ملكشاه: لم يكتفِ «ملكشاه» بإقرار «نظام الملك» فى الوزارة كما كان فى

عهد أبيه، بل زاد على ذلك بأن فوض إليه تدبير المملكة، وقال له: «قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنت الوالد»، ولقبه ألقابًا كثيرة، أشهرها لقب «أتابك»، ومعناه الأمير الوالد، وكان «نظام الملك» أول مَن أُطلق عليه هذا اللقب. وسبب هذه المكانة الرفيعة التى حظى بها «نظام الملك» عند السلطان «ملكشاه»، أنه هو الذى مهد له الأمور، وقمع المعارضين، فرآه السلطان أهلاً لهذه المكانة. وفاة الخليفة القائم بأمر الله، وبيعة المقتدى بأمر الله: تُوفِّى الخليفة «القائم بأمر الله» فى (13 من شعبان سنة 467هـ = 3 من أبريل سنة 1075م) فى أوائل سلطنة «ملكشاه»، وعمره يزيد على ستةٍ وسبعين عامًا، وقد استمر فى الخلافة نحو خمسٍ وأربعين سنة. وقد شهدت خلافة «القائم بأمر الله» تدهور «دولة البويهيين» واندثارها، وقيام «دولة السلاجقة» ثم ازدهارها. وقد أجمع المؤرخون على أن «القائم بأمر الله» كان يتحلى بالأخلاق الحميدة، فقد كان ورعًا ديِّنًا زاهدًا عالمًا، قوى اليقين بالله تعالى، كثير الصبر، مؤثرًا للعدل والإنصاف، قاضيًا لحوائج الناس. وقد كان للقائم بأمر الله ابن وحيد، تُوفِّى فى حياته، هو «أبو العباس محمد» الملقب بالذخيرة وقد ولد للذخيرة بعد وفاته بستة أشهر غلام، اشتد به فرح جده «القائم» وسماه «عبدالله». وعندما تُوفِّى «القائم» كان «عبدالله» هذا فى العشرين من عمره فتولى الخلافة بعد جده فى (13 من شعبان سنة 467هـ = 3 من أبريل 1075م)، ولقب بالمقتدى بأمر الله. الخلفاء العباسيون فى العهد السلجوقى: كان «المقتدى بأمر الله»، أول خليفة يتقلد منصبه فى ظل «دولة السلاجقة»، وبذلك يكون الخلفاء الذين تولوا الخلافة فى العهد السلجوقى - بعد «القائم بأمر الله» - ثمانية هم: 1 - المقتدى بأمر الله (عبدالله بن محمد بن القائم بأمر اللهـ) [467 - 487هـ = 1075 - 1094م].

2 - المستظهر بالله (أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر اللهـ) [487 - 512هـ = 1094 - 1118م]. 3 - المسترشد بالله (أبو منصور الفضل بن المستظهر) [512 - 529هـ = 1118 - 1135م]. 4 - الراشد بالله (أبوجعفر المنصور بن المسترشد) [529 - 530هـ = 1135 - 1136م]. 5 - المقتفى لأمر الله (أبوعبدالله بن محمد بن المستظهر باللهـ) [532 - 555هـ = 1138 - 1160م]. 6 - المستنجد بالله (أبوالمظفر يوسف بن المقتفى) [555 - 566هـ = 1160 - 1170م]. 7 - المستضىء بأمر الله (أبو محمد الحسن بن المستنجد باللهـ) [566 - 575هـ = 1170 - 1179م]. 8 - الناصر لدين الله (أبو العباس أحمد بن المستضىء بأمر اللهـ) [575 - 622هـ = 1179 - 1225م]. وقد شهدت خلافة «الناصر لدين الله» زوال ملك «السلاجقة» فى سنة (590هـ = 1194م) وبداية استقلال الخلفاء العباسيين بالسلطة فى «بغداد» وما يحيط بها. ذروة المجد السلجوقى: بلغت «الدولة السلجوقية» ذروة مجدها وعظمتها على يد «ملكشاه» الذى استمر فى السلطنة عشرين عامًا تقريبًا؛ حيث استطاع أن يستثمر ما حققه «طغرل بك» و «ألب أرسلان» على أحسن وجه، فحقق إنجازات عظيمة بمعاونة وزيره «نظام الملك». وقد تزامنت سلطنة «ملكشاه» -فى معظمها- مع خلافة «المقتدى بأمر الله»، الذى تولى منصبه بعد ابتداء حكم «ملكشاه» بعامين، وتُوفِّى بعد وفاته بعامين. وقد اتسعت حدود «الدولة السلجوقية» فى عهد «ملكشاه» اتساعًا غير مسبوق، من حدود الصين إلى آخر «الشام»، ومن أقاصى بلاد الإسلام فى الشمال إلى آخر بلاد «اليمن»، وحمل إليه ملوك الروم الجزية. وترجع عظمة «الدولة السلجوقية» فى عهد «ملكشاه» إلى اتساع حدودها وازدهار الحركة الثقافية فيها بصورة جديرة بالإعجاب. وكان لنظام الملك أثر متميز وجهد خلاق فى ذلك، على المستوى الإدارى والعسكرى، والثقافى. فاهتم بإنشاء العديد من المدارس التى نسبت إليه فى أنحاء الدولة،

فسميت بالمدارس النظامية، وكان أشهرها: «نظامية بغداد» التى تخيَّر «نظام الملك» مشاهير الفكر والثقافة فى العالم الإسلامى للتدريس فيها مثل: «حجة الإسلام أبى حامد الغزالى» صاحب كتاب «إحياء علوم الدين»، الذى فوض إليه «نظام الملك» مهمة التدريس فى «المدرسة النظامية» ببغداد، ثم فى «المدرسة النظامية» بنيسابور، التى كان إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى يقوم بالتدريس فيها. وقد أسهمت هذه المدارس النظامية فى تثبيت قواعد المذهب السنى والدفاع عنه ضد مختلف البدع والأهواء والمذاهب المنحرفة التى انتشرت فى ذلك الوقت. وقد كان «نظام الملك» مؤلفًا مرموقًا أيضًا، فهو مؤلف كتاب «سياسة نامه» الذى تحدث فيه عن كيفية تدبير شئون الملك، وفضح معتقدات الحشاشين وغيرهم من الخارجين عن الدين. مقتل نظام الملك ووفاة ملكشاه: قتل «نظام الملك» فى (10 من رمضان سنة 485هـ = 14من أكتوبر سنة 1092م)، حين تقدم إليه أحد غلمان الباطنية (أو الحشاشين) وهو فى ركب السلطان فى صورة سائل أو مستغيث، فلما اقترب منه أخرج سكينًا كان يخفيها فى طيات ملابسه فطعنه بها طعنات قاتلة. وقد اختلف المؤرخون فى بيان السبب الذى أدى إلى مقتل «نظام الملك»، فقيل إن نفوذ «نظام الملك» وأولاده وشيعته تفاقم بصورة مثلت خطرًا على السلطان «ملكشاه» فدبر قتله، وقيل إن السبب فى ذلك حربه الدائمة ضد المذاهب الهدامة وعلى رأسها مذهب الباطنية أو الحشاشين. وعقب مقتل «نظام الملك» عين «ملكشاه» «تاج الملك أبا الغنائم الشيرازى» وزيرًا، وكان صاحب خزانة السلطان ومعروفًا بحقده على «نظام الملك». وقد تُوفِّى «ملكشاه» بعد وفاة «نظام الملك» بخمسة وثلاثين يومًا فى (15 من شوال سنة 485هـ = 18 من نوفمبرسنة 1092م)، فانطوت صفحة من أكثر صفحات التاريخ السلجوقى تألقًا وعظمة. فقد كان السلطان «ملكشاه» أعظم سلاطين «السلاجقة» وأحسنهم

سيرة، وأعدلهم حكمًا، منصورًا فى حروبه، جوادًا يحب الإنفاق فى وجوه الخير، لا يبخل بمال على ما ينفع العلم والدين، ومما يروى فى ذلك أن أحد كبار حاشيته - وهو «تاج الملك» - أراد أن يفسد العلاقة بينه وبين «نظام الملك»، فذكر له أن الوزير ينفق فى كل سنة على أصحاب المدارس والفقهاء والعلماء ثلاثمائة ألف دينار، ولو جهز بهذا المبلغ جيشًا لبلغ باب «القسطنطينية»! فطلب السلطان «ملكشاه» حضور «نظام الملك» وسأله عن حقيقة الأمر فقال له: قد أعطاك الله - تعالى - وأعطانى بك ما لم يعطه أحدًا من خلقه، أفلا نعوضه عن ذلك فى حَمَلَةِ دينه وحَفَظَةِ كتابه ثلاثمائة ألف دينار؟! ثم إنك تنفق على الجيوش المحاربة فى كل سنة أضعاف هذا المال مع أن أقواهم وأرماهم لا تبلغ رميته ميلاً، ولا يضرب بسيفه إلا ما قرب منه، وأنا أُجيش لك بهذا المال جيشًا تصل من الدعاء سهامه إلى العرش لا يحجبها شىء عن الله تعالى!! فبكى السلطان وقال: «يا أبت استكثر من الجيش، والأموالُ مبذولة لك، والدنيا بين يديك». تدهور أوضاع السلاجقة بعد وفاة ملكشاه: بدأت مظاهر الضعف تنتشر فى جسم «الدولة السلجوقية» عقب وفاة «ملكشاه»، فظهر الانقسام والتمزق والفتن، باستثناء فترة حكم السلطان «معز الدين سنجر أحمد»؛ حيث شهدت الدولة قوة وصحوة مؤقتة. ويوجد عدد من النقاط الأساسية التى لا يمكن إغفالها عند تناول تاريخ الفترة التى شهدت تدهور أوضاع «السلاجقة»، وهى: أولاً: فروع السلاجقة: يتفرع «السلاجقة» إلى خمسة فروع رئيسية هى: (أ) السلاجقة العظام: وهم ستة: «طغرل بك»، و «ألب أرسلان»، و «ملكشاه»، و «ركن الدين أبو المظفر بَرْكيَارُق» (485 - 498هـ = 1092 - 1105م) و «غياث الدين أبو شجاع محمد» (498 - 511هـ = 1105 - 1117م)، و «معز الدين سنجر أحمد» (511 - 552هـ = 1117 - 1157م). ورغم أن مصطلح «السلاجقة العظام» يطلق على هؤلاء الستة، إلا أن

الجديرين حقا بهذا الوصف هم الثلاثة الأُوَل، أما الآخرون فقد خاضوا كثيرًا من الحروب ضد أبناء بيتهم وعانت الدولة فى عهدهم من عوامل الفرقة والتمزق. (ب) سلاجقة العراق: ويطلق هذا المصطلح على أمراء «السلاجقة» الذين سيطروا على «العراق» و «الرى» و «همدان» و «كردستان»، وكان امتداد نفوذهم فى هذه المناطق على حساب «السلاجقة العظام»، واستمر نفوذهم من سنة (511هـ= 1117م) إلى سنة (590هـ= 1194م)، حين تمكن الخوارزميون من القضاء على «طغرل الثالث» آخر سلاطينهم. (ج) سلاجقة كرمان: وقد بدأ نفوذهم فى الجنوب الشرقى لفارس وفى بعض مناطق الوسط سنة (433هـ = 1042م)، قبل دخول «طغرل بك» «بغداد»، واستمر حتى سنة (583هـ = 1187م)، حين قضى التركمان الغز (41) على سلطتهم هناك. (د) سلاجقة الشام: وكان نفوذهم فى المناطق التى استولى عليها «السلاجقة» من الفاطميين أو الروم فى «الجزيرة» و «الشام»، وقد بدأ نفوذهم فى هذه المناطق سنة (487هـ = 1094م) وانتهى سنة (511هـ=1117م) على يد أتابكة «الشام» و «الجزيرة». (هـ) سلاجقة الروم: وكان نفوذهم فى الأراضى التى استطاع «السلاجقة» الاستيلاء عليها من الروم فى «آسيا الصغرى»، وكانت إمارتهم أطول إمارات «السلاجقة» عمرًا؛ حيث بدأت سنة (470هـ = 1077م) واستمرت حتى سنة (700هـ = 1301م) حين استطاع الأتراك العثمانيون القضاء عليها. ثانيًا: الحروب الصليبية والسلاجقة: كان اتساع نفوذ «السلاجقة» وتهديده للإمبراطورية البيزنطية و «أوربا»، خاصة بعد معركة «ملاذكرد»، سببًا فى قيام الحروب الصليبية. فقد عقد البابا «إربان الثانى» مجمع «كليرمونت» فى (18 من نوفمبر سنة 1095م = 28 ذى القعدة سنة 488هـ)، وألقى فيه خطابًا طالب فيه المسيحيين فى «أوربا» بالقيام بحرب دينية (صليبية) تهدف إلى مساعدة إخوانهم المسيحيين فى الشرق، وتخليص الأماكن المسيحية من قبضة المسلمين، وطرد «السلاجقة» من «آسيا الصغرى».

وكان من الطبيعى أن يقوم «السلاجقة» بالتصدى لتلك الحروب وحماية العالم الإسلامى من أخطارها، ولكن ذلك لم يحدث بسبب تمزق دولتهم بعد وفاة «ملكشاه»، واشتعال الصراع فيما بينهم للسيطرة على «الشام»؛ مما أدى إلى اضطراب الأمور وإتاحة الفرصة لنجاح الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099م = 489 - 491هـ). فقد اكتسح الصليبيون قوات «سلاجقة» الروم فى «آسيا الصغرى» بقيادة الحاكم السلجوقى «قلج أرسلان»، ثم تقدموا فى اتجاه مدينة «الرهابين»: «الموصل» و «الشام»، فاستولوا عليها وتوجَّهوا إلى «أنطاكية» فحاصروها حتى استسلمت وفر أميرها السلجوقى «باغى سيان»، وساروا بعد ذلك إلى «معرة النعمان» التى ينتسب إليها الشاعر المشهور «أبو العلاء المعرى»، فحاصروها حتى استسلم أهلها فقتلوا منهم ما يزيد على مائة ألف، ثم جاء فتح الصليبيين الأكبر بالاستيلاء على «بيت المقدس» فى (رمضان سنة 492هـ = يوليو سنة1099م) بعد محاصرته عدة أسابيع، وارتكب فيه الصليبيون مذبحةً تقشعر لها الأبدان؛ حيث قتلوا ما يزيد على سبعين ألفًا منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعُبَّادهم وزهَّادهم، الذين كانوا يتعبدون بجوار «بيت المقدس». وقد وقف «السلاجقة» عاجزين أمام طوفان الصليبيين، فقد كانت أوضاع دولتهم تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وكانت الخلافة العباسية جسمًا بلا روح، ولم يكن وضع الفاطميين فى «مصر» يتيح لهم مواجهة الصليبيين. وظل الأمر كذلك حتى ولى السلطان «محمود بن محمد بن ملكشاه» «عماد الدين زنكى» إمارة «الموصل» والبلاد التابعة لها، فكان ذلك فاتحة خير للمسلمين؛ حيث استطاع «عماد الدين زنكى» مد نفوذه إلى «الجزيرة» و «الشام»، فاستولى على «حلب» سنة (522هـ = 1128م)، وعلى «حماة» سنة (523هـ = 1129م)، ونذر نفسه للجهاد المقدس ضد الصليبيين، وكان أعظم إنجاز حققه «زنكى» فى هذا المجال استرداده مدينة «الرها» من الصليبيين فى (جمادى الآخرة

سنة 539هـ = ديسمبر سنة 1144م). وقد أعد «عماد الدين زنكى» أبناءه الثلاثة «نور الدين محمود»، و «سيف الدين غازى»، «وقطب الدين مودود» لمواصلة الجهاد المقدس ضد الصليبيين. فاستطاع «نور الدين محمود» الذى خلف أباه على حكم «سوريا» سنة (541هـ = 1146م) أن يؤمن فتوحات والده فى «الرها»، وأن ينزل هزيمة ساحقة بحاكم «الرها» الصليبى «جوسلين»، وتمكن من أسره سنة (546هـ = 1151م) كما حقق فتوحات عظيمة فى إمارة «أنطاكية» وقتل أميرها «ريموند» فى (ربيع الأول سنة544 هـ = يوليو سنة 1149م). ويرجع إلى «نور الدين محمود» الفضل فى استمرار حركة الجهاد الإسلامى ضد الصليبيين ووصولها إلى ذروتها على يد السلطان «صلاح الدين الأيوبى» الذى تربى فى خدمة «نور الدين محمود»، وتشرَّب على يديه حب الجهاد دفاعًا عن الإسلام، واستطاع أن يفتح «مصر» فى حياة «نور الدين» لتنضم إلى «الشام» وتتم عملية تطويق الصليبيين. وعقب وفاة «نور الدين محمود» فى (شوال سنة 569هـ = إبريل سنة1174م) أصبح «صلاح الدين الأيوبى» سلطان «مصر» و «الشام»، واستطاع أن يحقق أروع انتصار فى تاريخ الجهاد الإسلامى ضد الصليبيين فى معركة «حِطِّين» سنة (583هـ = 1187م)؛ حيث استرد المسلمون «بيت المقدس». ثالثًا: الباطنية والسلاجقة: «الباطنية» فرقة تجعل الباطن أساسًا لفهم أمور الدين ولا تعتمد على الظاهر، وتلجأ إلى تأويل النصوص وتضم هذه الفرقة «القرامطة»، و «الخُرَّمية»، و «الإسماعيلية»، و «الحشاشين». وقد ظهرت «حركة الباطنية» فى العصر السلجوقى بصورة أقلقت سلاطين «السلاجقة»، واستنفذت الكثير من جهودهم، فقد استطاع زعيمهم «الحسن بن الصباح» الاستيلاء على عدة قلاع حصينة فى «فارس»، أشهرها قلعة «أَلَموت» بنواحى «قزوين»، التى ظلت معقل «الحركة الباطنية» لما يقرب من قرنين من الزمان. وقد حاول «نظام الملك» أن يضع حدا لنفوذ «الباطنية» وأمر

بمطاردتهم فى كل مكان، وأرسل جيشًا للاستيلاء على «ألموت» ولكنه قتل فى (رمضان سنة 485هـ = أكتوبر سنة 1092م)، ورجح المؤرخون قيام «الباطنية» بقتله. وقد قام «السلاجقة» بمحاولات متتالية لتصفية قواعد «الباطنية» ومحاصرة نشاطهم، نجح بعضها، وواجه بعضها الفشل. وكان السلطان «ملكشاه» أول سلاطين «السلاجقة» الذين حاولوا مواجهة خطر «الباطنية»، فأرسل إليهم جيشًا بقيادة «أرسلان طاسن»، ولكنه هزم هزيمة منكرة. وتعتبر الجهود التى قام بها السلطان «غياث الدين محمد بن ملكشاه» ضد «الباطنية» أخطر ما واجهته هذه الحركة فى عهد «السلاجقة»، ففى سنة (500هـ= 1107م) توجه السلطان «محمود» بنفسه إلى «أصبهان» لحرب «الباطنية» الذين كانوا يعتصمون بقلعة «شاهْدَز» المنيعة بزعامة «أحمد بن عبدالملك بن عطاش»، وقد نجح السلطان «محمد» فى الاستيلاء على هذه القلعة وقتل زعيمها «ابن عطاش» وكثيرًا من «الباطنية» فى (ذى القعدة سنة 500هـ = يونيوسنة 1107 م). وفى عهد السلطان «معز الدين سنجر» (511 - 552هـ = 1117 - 1157م) قتل «الباطنية» وزيره «معين الملك أبا نصر أحمد بن الفضل» سنة (521هـ = 1127م)، وأدرك السلطان مدى خطورتهم، فاتبع معهم سياسة المهادنة. ورغم وفاة زعيم «الباطنية» «الحسن بن الصباح» سنة (518هـ= 1124م) فإن «السلاجقة» لم يستطيعوا استرداد قلعة «ألموت» منهم، فظلت تحت سيطرتهم حتى استولى عليها المغول سنة (654هـ= 1256م)، ولم ينحصر نشاط «الإسماعيلية الباطنية» فى عهد «السلاجقة» فى بلاد «فارس»، بل امتد إلى «الشام»، وكانت له آثاره المدمرة، واتسع نشاطهم فى «حلب» فى عهد أميرها السلجوقى «رضوان بن تُتُش بن ألب أرسلان» (488 - 507 هـ = 1095 - 1113م)، وحينما تصدى لهم أمير دمشق» «تاج الملوك بورى بن طغتكين» سنة (523هـ = 1129م)، وقتل منهم آلافًا تربصوا به وهاجموه سنة (525هـ = 1131م) وجرحوه جراحات خطيرة، تُوفِّى متأثرًا بها فى العام التالى.

وكان من أخطر محاولات «الباطنية» لاغتيال خصومهم محاولتهم اغتيال السلطان «صلاح الدين الأيوبى» أكثر من مرة فاشلة. وقد أثرت المتاعب التى أثارها «الباطنية» فى وجه «السلاجقة» فى قدرتهم على القيام بدور أكثر إيجابية فى التعامل مع الصليبيين. وقد ارتبط اسم «الحشاشين» بالباطنية الإسماعيلية فى الفترة التى أعقبت استيلاءهم على قلعة «ألموت» سنة (483هـ = 1090م) فى أواخر عهد السلطان «ملكشاه»، وحتى سقوط معاقلهم فى «فارس» و «الشام» على يد المغول، وسبب ذلك أنهم كانوا يطلبون من الذين يتم تكليفهم بالقيام بعمليات الاغتيال تعاطى مادة الحشيش المخدرة حتى يصبحوا أدوات طيعة فى أيدى من يستخدمونهم لتنفيذ هذه العمليات. رابعًا: سقوط الخلافة الفاطمية ودخول مصر تحت لواء الخلافة العباسية (567هـ = 1171م): ظلت «مصر» خاضعة للفاطميين أكثر من قرنين تعاقب خلالها على كرسى الخلافة الفاطمية بمصر أحد عشر خليفة، ابتداءً بالمعز لدين الله وانتهاءً بالعاضد لدين الله، الذى عادت «مصر» فى عهده إلى الخلافة العباسية فى (المحرم سنة 567هـ = سبتمبر 1171م)، فبعد وفاة الخليفة الفاطمى «الفائز بنصر الله» فى رجب سنة (555هـ) تولى «العاضد بالله»، آخر خلفاء الفاطميين، عرش «مصر»، وكان صبيا لم يبلغ الحلُم، فأشرف وزيره «طلائع بن رُزِّيك» الأرمنى على تدبير شئون البلاد، حتى قتل فى (رجب سنة 556هـ = يونيو سنة1161م) بتدبير من حاشية «العاضد» - فتولى الوزارة بعده ابنه «رُزِّيك بن طلائع»، الذى قتل أيضًا فى سنة (558هـ = 1163م)، على يد أحد منافسيه وهو «شاور بن مجير السعدى» الذى تولى الوزارة بعده. كان «شاور» انتهازيا سيئ الطبع، خبيثًا سفاكًا للدماء، أساء معاملة الرعية، فثار عليه أحد القادة المشهورين فى «مصر» وهو «ضِرْغام بن عامر»، واستطاع هزيمته هزيمة ساحقة وكان ذلك بداية الطريق لانتهاء النفوذ الفاطمى فى «مصر».

لجأ «شاور» بعد هزيمته إلى السلطان «نور الدين محمود» بالشام، وأطمعه فى ملك «مصر»، فأرسلَ معه حملة للاستيلاء على «مصر» بقيادة «أسد الدين شيركوه بن شاوى الكردى» عم «صلاح الدين الأيوبى»، فدخل «القاهرة» فى أواخر (جمادى الآخرة سنة 559هـ = مايو سنة 1164م)، وقتل «ضرغام»، وأعاد «شاور» للوزارة فى (رجب سنة 559هـ = مايو سنة 1164م)، إلا أن «شاور» غدر بعهده مع السلطان «نور الدين محمود» وقائده «أسد الدين»، فطلب من «أسد الدين» العودة إلى «الشام» فرفض واتجه إلى مدينة «بلبيس»، واستولى عليها وتحصن بها. استعان «شاور» بملك «بيت المقدس» الصليبى «أملريك» الذى تسميه المصادر العربية «مُرِّى»، وشرح له ما قد يتعرض له الفرنج من مخاطر إذا استولى السلطان «نور الدين محمود» على «مصر»، فاستجاب له «أملريك» وتقدم بجيشه نحو «مصر»؛ حيث اتجه مع «شاور» إلى «بلبيس» لمحاصرة «أسد الدين شيركوه»، إلا أن الأخبار جاءت إلى «أملريك» بأن «نور الدين محمود» انتهز فرصة غيابه عن «فلسطين» فهاجمها واستولى على بعض قلاعها، فاضطر «أملريك» إلى رفع الحصار عن «أسد الدين شيركوه» والتفاوض معه على العودة إلى «الشام»، فتوجه «أسد الدين» إلى «الشام» فى (ذى الحجة سنة 559هـ = أكتوبر 1164م). وفى (ربيع الآخر سنة 562هـ= فبراير سنة 1167م) قاد «أسد الدين» حملته الثانية على «مصر»، بعد استئذان السلطان «نور الدين محمود»، فاستنجد «شاور» بالصليبيين وملك «بيت المقدس» «أملريك»، والتقى الطرفان فى مكان يسمى «البابين» بنواحى المنيا بصعيد «مصر» فى (25 جمادى الآخرة سنة 562هـ = إبريل سنة 1167م)، واستطاع «أسد الدين شيركوه» أن يهزم جيش «أملريك» و «شاور» رغم قلة جنده، كما استولى على «الإسكندرية» وأناب عليها ابن أخيه «صلاح الدين»، واستولى على الصعيد. وقد حاول الفرنج انتزاع «الإسكندرية» من «صلاح الدين» فحاصروها

عدة أشهر بلا فائدة، فتم الاتفاق بين الفرنج و «أسد الدين» على تسليم «الإسكندرية» لشاور مقابل حصول «أسد الدين» على خمسين ألف دينار وانسحاب الفرنج من «مصر». وتطورت الأحداث فى «مصر» بصورة خطيرة، فقد حاول ملك «بيت المقدس» «أملريك» السيطرة على «مصر» بمعاونة «شاور»، فاستولى على «بلبيس» فى (صفر 564هـ = نوفمبر سنة 1168م) وتوجه إلى «القاهرة» وحاصرها، مما دفع الخليفة الفاطمى «العاضد» إلى أن يستغيث بالسلطان «نور الدين محمود»، الذى أرسل إليه حملة بقيادة «أسد الدين شيركوه» ومعه ابن أخيه «صلاح الدين»، فرفع الفرنج الصليبيون حصارهم عن «القاهرة» وتركوا «مصر» قبل وصول جيش «أسد الدين شيركوه»، فأصبح الطريق ممهدًا أمام «أسد الدين»، ودخل «القاهرة» فى (7 من ربيع الآخر سنة 564هـ = 8 من يناير 1169م)، وقتل «شاور» بإذن من الخليفة «العاضد» فى (17 ربيع الآخر سنة 564هـ = 18 من يناير سنة 1169م) وأصبح «أسد الدين شيركوه» وزيرًا للخليفة «العاضد»، وبعد وفاته فى (22 من جمادى الآخرة سنة 564هـ) تولى ابن أخيه «صلاح الدين» الوزارة ولقبه «العاضد» بالملك الناصر، فانتهى نفوذ الفاطميين الفعلى فى «مصر» وأصبحت خلافتهم شكلية فقط. وعقب تولى «صلاح الدين» الوزارة، بدأ يمهد الأمور للقضاء التام على النظام الفاطمى فى «مصر»، فاستقل بالأمور، ومنع الخليفة «العاضد» من التصرف فى شئون البلاد، ثم عزل قضاة «مصر» الشيعة سنة (566هـ = 1171م)، وعين «عبدالملك بن درباس» من كبار فقهاء الشافعية فى منصب «قاضى القضاة»، وأوقف الأذان بحى على خير العمل فى ديار «مصر» كلها، وهى العبارة التى تقحمها الشيعة فى صيغة الأذان المعروفة. وفى (الجمعة الثانية من شهر المحرم سنة 567هـ = سبتمبر سنة 1171م) أمر «صلاح الدين» خطباء «مصر» بقطع الخطبة للعاضد وأن يخطبوا للخليفة العباسى المستضىء، وبذلك سقطت الخلافة الفاطمية

فى «مصر»، وخضعت «مصر» مرة ثانية للخلافة العباسية، مما كان له صدى هائل من الفرح والبهجة فى مجتمع أهل السنة فى جميع بقاع العالم الإسلامى. وقد تُوفِّى الخليفة «العاضد» فى (العاشر من المحرم سنة 567هـ = 13 من سبتمبر سنة 1171م) بعد قطع الخطبة له وانتهاء خلافته بأيام قليلة. جدير بالذكر أن «صلاح الدين» كان يحكم «مصر» فى ذلك الوقت نائبًا عن السلطان «نور الدين محمود»، الذى كان خاضعًا للخليفة العباسى ببغداد من الناحية الشكلية، وقد تُوفِّى «نور الدين محمود» فى (11 من شوال سنة 569 هـ = أبريل سنة 1174م)، مما مهد الطريق أمام «صلاح الدين» للاستقلال بحكم «مصر»، وضم ممتلكات «نور الدين» فى «الشام» إلى «مصر»؛ حيث قامت «الدولة الأيوبية» التى كانت تدين بالولاء الرسمى للخلافة العباسية. خامسًا: تطور علاقة السلاجقة بالخلفاء العباسيين: رغم تعدد روابط المصاهرة بين «السلاجقة» والعباسيين واحترام السلاطين «السلاجقة» لمنصب الخلافة وإذعانهم له فقد حدث نزاع بين الطرفين فى بعض الأوقات، وصل أحيانًا إلى استخدام السيف، فبعد أن بايع الخليفة «المقتدى» ولده «المستظهر بالله» بولاية العهد، اعترض السلطان «ملكشاه» على ذلك وألزم الخليفة بخلعه وتعيين ابنه الأصغر «جعفر» وليا للعهد؛ لأنه كان ابن بنت السلطان. كما أمر السلطان الخليفة بأن يسلم له «بغداد» وأن يخرج إلى «البصرة»، فشق ذلك على الخليفة ولم ينقذه من ذلك إلا وفاة السلطان. وفى عهد الخليفة «المسترشد بالله» (512 - 529هـ = 1118 - 1135م) وابنه «الراشد بالله» (529 - 530 هـ = 1135 - 1136م) تعرضت العلاقة بين «السلاجقة» والخلفاء إلى أزمة خطيرة انتهت بقتل الأول وخلع الثانى. سادسًا: ظهور الدولة الخوارزمية وقضاؤها على السلاجقة: نشأت «الدولة الخوارزمية» فى ظلال «دولة السلاجقة»، فقد ظهر فى عهد «ملكشاه الأول» مملوك تركى اسمه «أنوشتكين»، تمتع بتقدير

خاص فى بلاط «السلاجقة»، وبسبب ما كان يتمتع به هذا المملوك من حسن الخلق والشجاعة، فقد ولاه السلطان «ملكشاه» ولاية «خوارزم». وعندما تُوفِّى «أنوشتكين» سنة (490هـ = 1097م)، تولى ابنه «محمد» إمارة «خوارزم»، وكان يلقب «قطب الدين»، و «خوارزم شاه» أى أمير «خوارزم»، واستمر فى الإمارة ثلاثين عامًا، أسس خلالها «الدولة الخوارزمية». وعقب وفاة مؤسس «الدولة الخوارزمية» سنة (522هـ = 1128م) خلفه فى منصبه ابنه «أتسز»، بموافقة السلطان «سنجر»، وتلقب بأبى المظفر علاء الدولة، ورغم أن علاقة «أتسز» بسنجر بدأت طيبة كما كانت فى عهد أبيه «محمد»، فإنها لم تلبث أن تدهورت بعد أن أظهر «أتسز» رغبته فى الاستقلال عن «السلاجقة»، مما دعا السلطان «سنجر» إلى مهاجمته وإجباره على الاستسلام، وقد تُوفِّى «أتسز» عام (551هـ = 1156م) قبل وفاة «سنجر» بعام. وقد تميز عهد «أتسز» فى «خوارزم» بازدهار الحركة العلمية والفكرية، وارتبط بهذا العهد اسم عالم من أشهر رجال الفكر الإسلامى هو «جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى الخوارزمى» صاحب الإنتاج الوافر فى علوم التفسير والكلام والنحو واللغة، ومن أشهر مؤلفاته: «الكشاف» فى تفسير القرآن الكريم. وتولى سلطنة «خوارزم» بعد «أتْسِز» ابنه «إيل أرسلان» (تاج الدين أبو الفتح)، الذى استمر فى الحكم من سنة (551 هـ = 1156م) إلى سنة (567هـ = 1172م)، ثم تولَّى بعده ابنه الأصغر «سلطان شاه» الذى دخل فى صراع مع أخيه الأكبر «علاء الدين تَكَشْ» حول السلطة، وانتهى باستيلاء «تَكَشْ» على «خوارزم» سنة (568هـ = 1173م). وتعد فترة حكم «تكش» (568 - 596 هـ = 1173 - 1300م) العصر الذهبى للدولة الخوارزمية، فقد استطاع أن يمد حدود إمارته الصغيرة إلى «الهند» و «الخليج الفارسى» جنوبًا، وإلى «الفرات» و «شمال الفولجا» غربًا. ومما أضفى مزيدًا من الأهمية على حكم «تكش» انتصاره على

السلطان السلجوقى «طغرل الثالث» (51) (571 - 590 هـ = 1175 - 1194م)، فى المعركة التى وقعت قرب «الرى» والتى انتهت بقتل السلطان السلجوقى وانهيار «دولة السلاجقة» فى شهر (ربيع الأول سنة 590هـ = مارس 1194م). وقد ترتب على ذلك سيطرة «تكش» على معظم البلاد التى كانت خاضعة لنفوذ سلاجقة «العراق»، وأهمها «همذان» و «أصفهان» و «الرى»، وصارت بلاد «الجبل» أو ما يسمى «العراق العجمى» من أملاك «الدولة الخوارزمية». وقد حاول الخليفة العباسى «الناصر لدين الله» (أبو العباس أحمد بن المستضىء) أن يضع حدا لأطماع «تكش» ونفوذه، وكان ذلك بداية المرحلة الأخيرة فى العصر العباسى الثانى.

3 - 7:عصر ما بعد السلاجقة

الفصل السابع *عصر ما بعد السلاجقة [590 - 656هـ =1194 - 1258 م] تعاقب فى منصب الخلافة فى هذا العصر أربعة خلفاء هم: 1 - الناصر لدين الله (590 - 622هـ = 1194 - 1225م). 2 - الظاهر بأمر الله (أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله) (622 - 623هـ = 1225 - 1226م). 3 - المستنصر بالله (أبو جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله) (623 - 640 هـ = 1226 - 1242م). 4 - المستعصم بالله (أبو أحمد عبدالله بن المستنصر بالله) (640 - 656هـ = 1242 - 1258م). أما أول هؤلاء الخلفاء - وهو «الناصر لدين الله» - فقد حاول أن يضع حدا لطموح «علاء الدين تكش»، الذى أراد أن يتنازل له الخليفة عن السلطة المدنية فى «بغداد»، وأن يكتفى بالسلطة الاسمية على العالم الإسلامى، فأشعل الخليفة فتيل الصراع بينه وبين سلطان الغور «غياث الدين محمد بن بهاء الدين»، ونشبت بينهما الحرب سنة (594هـ = 1198م) وانتهت بهزيمة «تكش». ولم يكتفِ الخليفة «الناصر» بالاستعانة بالغوريين لإضعاف نفوذ الخوارزميين، بل إنه استعان بالإسماعيلية الباطنية، وطلب من التتار (المغول) مساعدته فى القضاء على نفوذ أمراء «خوارزم»، فكان «الناصر» كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ حيث قضى التتار على «الدولة الخوارزمية»، وقضوا على «الخلافة العباسية» أيضًا. ظهور المغول والقضاء على الدولة الخوارزمية: المغول اسم أطلقه «جنكيز» على أتباعه، وهم شعب وثيق الصلة بالترك فى اللغة والشكل، يقيم فى المنطقة الواقعة ما بين «الصين» و «سيبريا الجنوبية» والمنطقة المعروفة اليوم باسم «منغوليا». ويرى بعض الباحثين أن «المغول» كلمة أوسع دلالة من «التتار» الذين يمثلون جزءًا من المغول، ولكن الاستعمال الشائع الآن يسوى بين الكلمتين فى الدلالة. وقد كان المغول قبائل صغيرة تعيش فى فقر وانحطاط، واستطاع «جنكيز خان» فى أواخر القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) أن يوحِّد هذه القبائل لتصبح «منغوليا» كلها تحت سلطانه

سنة (603هـ = 1206م)، وقد تلقب منذ ذلك الحين بلقب «إمبراطور»، وعرف باسم «جنكيز خان» بدلاً من اسمه الأصلى «تموُين» أو «تيمورُى». وقد استطاع «جنكيز خان» تكوين إمبراطورية شاسعة، ففى سنة (612هـ = 1215م) استولى على «بكين» وفى ذى الحجة سنة (616هـ = 1219م) استولى على مدينة «بخارى» عاصمة «ما وراء النهر» وأشعل فيها النار، فحولها إلى كومة رماد، وقتل من أهلها ثلاثين ألفًا. وفى (10 من المحرم سنة 617هـ = 17 من مارس سنة 1220م) استولى على «سمرقند»؛ فسوَّاها بالأرض بعد أن قتل أهلها بلا رحمة. وفى (شوال سنة 617هـ = نوفمبر سنة 1220م) تُوفِّى السلطان «علاء الدين محمد بن تكش» بعد أن استبد به الغم بسبب سقوط «ما وراء النهر» فى يد المغول واقترابهم من «خوارزم»، فتولى بعده ابنه «جلال الدين منكوبردى»، الذى يعرف عادة باسم «جلال الدين منكبرتى»، وهو آخر سلاطين «خوارزم». وفى أوائل عهد «جلال الدين» سنة (618هـ = 1221م) استولى المغول على «خوارزم» بعد حصار دام خمسة أشهر، وسقطت بذلك «الدولة الخوارزمية» ببلاد «ما وراء النهر»، وفر السلطان «جلال الدين» متنقلاً فى عدة بلاد حتى قتله جماعة من الأكراد الناقمين بإحدى قرى «ميافارفين»، فى منتصف (شوال سنة 628هـ = أغسطس سنة 1231م)، ففقد المسلمون بطلاً كانوا يطمعون فى توحيد صفوفهم تحت لوائه لإيقاف طوفان المغول الجارف. وقد تُوفِّى الخليفة «الناصر» فى أواخر (رمضان سنة 622هـ = سبتمبر 1225م) وعمره نحو سبعين عامًا، بعد أن استمر فى الحكم سبعةً وأربعين عامًا. وقد شهدت خلافته سقوط «دولة السلاجقة»، وظهور قوة المغول، وإسقاطهم «الدولة الخوارزمية»، وتهديدهم للعالم الإسلامى كله، وكانت الخلافة العباسية قد فقدت معظم أرضها ولم تعد كلمة الخليفة مسموعة إلا فى بعض «العراق»؛ فأصبحت الخلافة شكلاً بلا مضمون ووقفت عاجزة أمام هذه الأحداث التى زلزلت كيان الأمة الإسلامية كلها.

وقد تولى الخلافة بعد «الناصر» ابنه «أبو نصر محمد» الملقب بالظاهر بأمر الله، وكان حسن السيرة، عادلاً، لكن خلافته لم تطل، فقد تُوفِّى فى (14 من رجب سنة 623هـ = 11 من يوليو سنة 1226م)، فلم يدم فى الخلافة عامًا. وتولى الخلافة بعد الظاهر بأمر الله ابنه «أبو جعفر المنصور» الملقب بالمستنصر بالله، فسار على طريقة أبيه فى العدل والإحسان وتقريب أهل العلم والدين، وقمع المتمردين، ولكن الظروف القاسية التى أحاطت بالخلافة فى ذلك الوقت قيدت الخلفاء وشلت قدرتهم على العطاء، فقد تصاعد خطر المغول فى خلافة «المستنصر بالله» (623 - 640هـ = 1226 - 1242م)، وأصبح على أبواب «العراق»، حيث تعرضت «الجزيرة» فى شمال «العراق» لهجمات المغول المدمرة. وقد اجتمع على المسلمين فى هذه الفترة الخطر المغولى القادم من الشرق، والخطر الصليبى القادم من الشمال، وانشقاق البيت الأيوبى على نفسه عقب وفاة «صلاح الدين الأيوبى»، ولم يستطع الخليفة «المستنصر» أن يفعل شيئًا لعدم قدرته على ذلك. وبعد وفاة الخليفة «المستنصر» فى (جمادى الآخرة سنة 640هـ = نوفمبر سنة 1242م) تمت البيعة لابنه «أبى أحمد عبدالله» الملقب بالمستعصم بالله، وهو آخر الخلفاء العباسيين فى «العراق»، وكان عمره حينئذٍ ثلاثين عامًا. ورغم أن «المستعصم بالله» كان موصوفًا بالصلاح والتمسك بالسنة فإنه لم يكن كأبيه «المستنصر» أو جده «الناصر» فى التيقظ والحزم وعلو الهمة. ومما زاد الموقف سوءًا استعانته منذ سنة (642هـ = 1244م) بوزير غير ثقة هو مؤيد الدين «أبو طالب محمد بن أحمد العلقمى»، الذى وصفه المؤرخون بأنه كان رافضيا خبيثًا حريصًا على زوال «الدولة العباسية»، ونقل الخلافة إلى العلويين، ويقال إنه راسل المغول وأطمعهم فى القدوم إلى «بغداد»، حتى ينجو من القتل عندما يدخلونها. وقد شهدت خلافة «المستعصم» حدثًا خطيرًا كانت له آثاره البعيدة

فى التاريخ الإسلامى هو انتهاء حكم «الأسرة الأيوبية» فى «مصر» وبداية حكم المماليك، سنة (648هـ = 1250م)، وكان الملك المعظم «توران شاه» آخر حكام الأيوبيين فى «مصر»، ولم يستمر حكمه شهرًا، فقد تولى الحكم فى أول شهر (المحرم سنة 648هـ = منتصف إبريل سنة 1250م)، وقتل فى السابع والعشرين من الشهر نفسه بتدبير زوجة أبيه «الملك الصالح» المعروفة باسم «شجرة الدر» التى تولت الحكم بعده وتزوجت «عزالدين أيبك التركمانى»، أحد مماليك زوجها الراحل «نجم الدين أيوب»، ثم خلعت نفسها من الحكم بعد ثلاثة أشهر هى صفر وربيع الأول وربيع الثانى من عام (648هـ = 1250م)، وتولى زوجها «المعز أيبك» حكم «مصر»، وكان ذلك بداية العصر المملوكى فى «مصر». وقد استمر الملك «عزالدين أيبك» فى حكم «مصر» سبع سنوات، ثم قُتل فى الثالث والعشرين من شهر (ربيع الأول سنة 655هـ = 10 من إبريل سنة 1257م) بتدبير زوجته «شجرة الدر»، حين أراد الزواج عليها، فتولى الحكم بعده ابنه «الملك المنصور نور الدين على ابن أيبك»، وكان صبيا فى الخامسة عشرة من عمره، لا يحسن تدبير الأمور، فتم خلعه بعد ولايته بنحو سنتين وثمانية أشهر فى (17 من ذى القعدة سنة 657هـ = 5 من نوفمبر سنة 1259م)، وتولى زمام السلطة بعده «الملك المظفر سيف الدين قطز»، الذى كان له شأن كبير فى الجهاد الإسلامى ضد المغول. سقوط بغداد فى يد المغول وانهيار الخلافة العباسية فى العراق [656هـ = 1258م]: تصاعد خطر المغول فى خلافة «المستعصم بالله»، وخرج قائدهم «هولاكو» (61) - حفيد «جنكيزخان» - على رأس جيش يبلغ تعداده مائتى ألف قاصدًا «العراق»، وأرسل إلى الخليفة «المستعصم» يطالبه بالاستسلام والدخول فى طاعته، لكن الخليفة أرسل بعض الهدايا إلىهولاكو. وقد وصل جيش «هولاكو» إلى «بغداد» فى شهر (المحرم سنة 656هـ = يناير سنة 1258م) وأحاط بعاصمة الخلافة، وكان جيش «بغداد»

قليل العدد لايبلغ عشرة آلاف فارس، بعد أن كان مائة ألف فى عهد الخليفة «المستنصر»، ولم يصمد جيش «بغداد» طويلاً فى مواجهة المغول، فاقتحمت قوات «هولاكو» «بغداد» فى (10 من المحرم سنة 656هـ = 17 من يناير سنة 1258م)، وقبض «هولاكو» على الخليفة «المستعصم» وأهل بيته، بتدبير من وزيره الخائن «ابن العلقمى»، كما تم القبض على عدد كبير من علماء «بغداد» وأعيانها وأمرائها، وتم قتلهم جميعًا، واستمر القتال فى «بغداد» أربعين يومًا، وبلغ عدد القتلى أكثر من مليون شخص، وكانت بلية لم يُصب الإسلام بمثلها. وهكذا أسقط المغول «الخلافة العباسية» فى «بغداد» سنة (656هـ= 1258م)، بعد أكثر من خمسة قرون من قيامها سنة (132هـ = 749م)، وقد ظن المغول أن سقوط الخلافة العباسية قد مهد الطريق أمامهم لاكتساح العالم الإسلامى ولكن آمالهم تحطمت على صخرة الجهاد الباسل فى معركة «عين جالوت» بفلسطين فى رمضان سنة (658هـ = 1260م)، بقيادة سلطان «مصر» المملوكى «قطز»، مما مهد الطريق لإحياء الخلافة العباسية فى «مصر» على يد السلطان «الظاهر بيبرس» سنة (659هـ = 1261م).

3 - 8:الأوضاع الحضارية فى العصر العباسى الثانى

الفصل الثامن *الأوضاع الحضارية فى العصر العباسى الثانى: رغم المشاكل السياسية العديدة التى شهدتها دولة الخلافة العباسية فى عصرها الثانى فإن اللافت للنظر أن هذه الحقبة تُعدّ أخصب عصور التاريخ الإسلامى فى عطائها الحضارى المتعدد الجوانب. وسنكتفى هنا بتقديم نبذة مختصرة عن أهم هذه الجوانب: 1 - الجانب الثقافى: نشطت حركة التأليف فى فروع العلم المختلفة نشاطًا ملحوظًا طوال هذه الفترة وقدمت دولة الخلافة المترامية الأطراف علماء أفذاذًا يعترف لهم العالم كله - حتى يومنا هذا - بالفضل والمكانة. ففى مجال علوم الحديث: يتألق اسم عمدة المحدِّثين الإمام البخارى المتوفى سنة (256هـ = 870م) هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من أعلام المحدثين لعل أبرزهم الإمام مسلم المتوفى سنة (261هـ = 875م)، وأبو داود المتوفى سنة (275هـ= 888م)، وابن ماجة المتوفى سنة (273هـ = 886م)، والترمذى المتوفى سنة (279 هـ = 892م)، والنَّسائى المتوفى سنة (303هـ = 915م)، وهؤلاء هم أصحاب الصحاح المعروفون. وقد برز من غير أصحاب الصحاح أيضًا عدد من أئمة المحدثين، من أمثال داود الظاهرى المتوفى سنة (270هـ = 883م) وأبى الحسن الدَّارَقُطْنى المتوفى سنة (385هـ = 995م)، الذى يصفه ابن كثير بأنه كان «فريد عصره ونسيج وحده وإمام دهره فى أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام فى الدراية». ومن هؤلاء أيضًا الحاكم النيسابورى المتوفى سنة (405هـ = 1014م)، وقد عرف عنه أنه كان من أهل الدين والأمانة والصيانة والضبط والتجرد والورع، سمع الكثير وطاف الآفاق وصنف الكتب الكبار والصغار. وفى مجال العلوم اللغوية وجدنا أعلامًا نابهين يضيق عنهم الحصر، ومن هؤلاء محمد بن يزيد المبرِّد صاحب الكامل المتوفى سنة (285هـ = 898م)، وقد كان إمام النحاة فى عصره، ومن النحاة المشهورين

أيضًا الزَّجَّاج المتوفى سنة (311هـ = 923م)، وقد احتل عالم اللغة الشهير أبو على الفارسى (المتوفى ببغداد سنة 377هـ = 987م) مكانة متميزة فى بلاط الملك البويهى «عضد الدولة». وقد صنف الفارسى لعضد الدولة كتاب «الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان عضد الدولة يغدق عليه العطاء ويحيطه بمظاهر التكريم، وكان يقول: «أنا غلام أبى على فى النحو» وممن عاصروا الفارسى من أعلام اللغة أبو سعيد السيرافى المتوفى ببغداد سنة (368هـ = 979م)، وقد ولى القضاء ببغداد. وكان السيرافى من أعلم الناس بنحو البصريين، ومن بين مؤلفاته كتاب «أخبار النحويين البصريين» وكتاب «الوقف والابتداء». يقول عنه ابن خلكان: «كان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون: القرآن الكريم والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافى». ويبرز أيضًا من بين علماء اللغة فى القرن (4هـ= 10م) ابن فارس (أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا) المتوفى سنة (390هـ = 1000م) على أشهر الأقوال. ومن كتبه الذائعة الصيت كتاب «المجمل» فى اللغة. وقد كان ابن فارس مقيمًا بهمذان، وله رسائل أدبية أنيقة وأشعار رقيقة. على أننا لا نستطيع فى هذا السياق أن نغفل اسم عالم يُعَدُّ من أعظم علماء اللغة، لا فى العصر العباسى الثانى فحسب؛ بل على امتداد العصور الإسلامية كلها، وهو «أبو الفتح عثمان بن جنى» الذى ولد بالموصل وتوفى ببغداد سنة (392هـ = 1002م). ومن بين كتبه الذائعة الشهرة الزاخرة بالقيمة فى مجال اللغة كتاب «الخصائص». وله أيضًا «سر صناعة الإعراب»، و «المذكر والمؤنث»، و «المقصور والممدود»، «واللمع» وغير ذلك. وقد شرح ابن جنى ديوان المتنبى وكان من المعجبين بشعره. وكان ابن جنى صاحب حس أدبى مرهف، وقد انعكس ذلك على كتاباته العلمية التى اتسم أسلوبها بالجمال الأخَّاذ فضلاً عن الدقة البالغة.

وفى مجال الأدب - إبداعًا وتأليفًا - شهد هذا العصر نهضة تأخذ بالألباب، فقد لمع فيه كوكبة من أعظم شعراء العربية، نذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر- البحترى شاعر الخليفة المتوكل المتوفى سنة (284هـ = 897م)، وقد اشتهر بلغته الموسيقية العذبة ووصفه الرائع؛ وابن الرومى المتوفى سنة (283هـ = 896م)، وقد اشتهر بقدرته على توليد المعانى وابتكار الصور المعبرة؛ والمتنبى المتوفى سنة (354هـ = 965م) الذى مازال يحتل مكان السبق بين شعراء العربية قديمًا وحديثًا، وقد خَصَّ سيف الدولة الحمدانى بعيون مدائحه، كما مدح الملك البويهى عضد الدولة، وأمير مصر كافور الإخشيدى وغير هؤلاء من أعيان عصره، ومن أبرز شعراء هذا العصر أيضًا: الشريف الرضى الذى ينتهى نسبه إلى الحسين بن على بن أبى طالب، كان وثيق الصلة بالخليفة القادر بالله (381 - 422 هـ = 991 - 1031م)، وتوفى ببغداد سنة (406هـ = 1015م)، وعَدَّه بعض النقاد أشعر قريش. يقول عنه الثعالبى فى يتيمة الدهر: «هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أخبر به شاهد عدل، من شعره العالى القِدْح الممتنع عن القَدْح، الذى يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها ويبعد مداها». ويحتل الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرى مكانةً مرموقة بين شعراء هذا العصر، وقد ولد فى عام (363هـ = 974م) فى معرة النعمان، وهى بلدة صغيرة فى شمالى الشام بين حلب وحمص وتوفى فى سنة (449 هـ = 1057م)، أى أنه عاش فى فترة النفوذ البويهى وعاصر من خلفاء العباسيين الطائع لله والقادر بالله والقائم بأمر الله، ولأبى العلاء ديوان «سقط الزند» و «لزوم ما لا يلزم» المشهور باسم «اللزوميات»، وسمى بذلك لأنه ألزم نفسه فيه بما لا تفرضه عليه أصول القافية مما يدل على سعة باعه فى اللغة. ويُعَدُّ

أبو العلاء إمام الشعراء الذين صبغوا شعرهم بصبغة تأملية فلسفية. وبجانب أصحاب الإبداع الشعرى ظهر مبدعون كثيرون فى ميدان النثر الفنى فى العصر العباسى الثانى، ففى مطلع هذا العصر لمع اسم الجاحظ (أبى عثمان عمرو بن بحر) المتوفى بالبصرة سنة (255هـ = 869م). والجاحظ إمام المنشئين فى تاريخ الأدب العربى بلا جدال. كان على مذهب المعتزلة وكان موسوعى الثقافة متجدد الفكر، وقد ترك أسلوبه بصمات واضحة على أساليب كثير ممن جاءوا بعده، ومؤلفات الجاحظ عديدة وذائعة، تنمّ عن ذهن ناضج وفكر متدفق، ومن أشهر كتبه: كتاب «الحيوان» و «البيان والتبيين» و «البخلاء». وله رسائل مختلفة طبعت تحت اسم «رسائل الجاحظ»، وهى تتناول موضوعات شتى. ومن أبرز الذين تأثروا بالجاحظ وحاولوا أن ينهجوا نهجه أبو الفضل محمد بن العميد المتوفى سنة (360هـ = 971م)، ولتمكنه فى فن الإنشاء عرف باسم «الجاحظ الثانى»، وهو الذى قيلت فيه العبارة المشهورة: «بدئت الكتابة بعبدالحميد وختمت بابن العميد»، وعبدالحميد هنا هو: عبدالحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، عاش ابن العميد فى ظل البويهيين وعمل وزيرًا لركن الدولة - الحسن بن بويه - وكان - كما يصفه ابن خلكان - «متوسعًا فى علوم الفلسفة والنجوم، وأما الأدب والترسُّل فلم يقاربه فيه أحد فى زمانه». ويصفه ابن الأثير بأنه كان من محاسن الدنيا، قد اجتمع فيه ما لم يجتمع فى غيره من حسن التدبير وسياسة الملك، والكتابة التى أتى فيها بكل بديع». وقد صحب ابن العميد وتأثر به فى طرائقه «أبو القاسم إسماعيل بن عباد» المعروف بالصاحب بن عباد. ولقب بالصاحب لصحبته لابن العميد، وكان يقال له أحيانًا صاحب ابن العميد. وقد تولى الصاحب بن عباد الوزارة لمؤيد الدولة بن ركن الدولة ثم لأخيه فخر الدولة، وفضلاً عن براعة الصاحب فى فن الإنشاء - كأستاذه ابن العميد - فقد

كان محبًا للعلم ذواقة للأدب، كما كان شاعرًا جيد النظم. والجدير بالذكر هنا أن كلا من ابن العميد والصاحب بن عباد كان له مجلس يحفل بوجوه الشعراء والعلماء والمفكرين، وكان من بين المترددين على مجلس ابن العميد أبو الطيب المتنبى شاعر العربية الأكبر، وقد مدحه بقصيدة من عيون شعره، وتوفى الصاحب بن عباد بمدينة الرى فى سنة (385هـ = 995م). ومن الذين تميزوا فى مجال النثر الفنى بديع الزمان الهمذانى (وهو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى) الذى سكن هراة من بلاد خراسان وتُوفِّى بها فى سنة (398هـ = 1008م) وكان ذلك فى خلافة القادر بالله. وقد كتب بديع الزمان مقاماته الذائعة الصيت وأبدع فيها، وهو أول من استوى على يده هذا الفن فى اللغة العربية. وقد حذا حذوه ووصل بهذا الفن إلى مداه «أبو محمد القاسم بن على الحريرى البصرى» الذى اعترف فى صدر مقاماته بأنه جعل مقامات البديع مثالاً له. وقد توفى الحريرى فى حدود سنة (516هـ = 1122م) بالبصرة إبان فترة نفوذ السلاجقة، وذلك فى خلافة المسترشد بالله. والملاحظ أن شهرة مقامات الحريرى بلغت من الانتشار حدا تتضاءل بجانبه شهرة مقامات الرائد الأول بديع الزمان. وتكشف مقامات الحريرى عن البراعة الكبيرة لصاحبها فى التصرف فى اللغة وتطويعها لما يريده من معان وأفكار، وهى إحدى الوسائل المهمة لمن يبحثون عن إثراء ملكاتهم اللغوية. وبجانب الإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا تميز العصر العباسى الثانى بظهور الكثير من الموسوعات الأدبية التى تُعَدّ مراجع أساسية لطلاب المعرفة فى هذا المجال، ونكتفى هنا بذكر أمثلة لأبرز هذه الموسوعات، وقد لمع فى هذا الجانب ابن قتيبة الدينورى (أبو محمد عبدالله بن مسلم) الذى ولد بالكوفة وتثقف بها وسكن بغداد زمنًا ولكنه نسب إلى الدينور لأنه تولى قضاءها، وقد توفى ابن قتيبة فى سنة (276هـ = 889م) فى خلافة المعتمد على الله، وقد خلّف لنا

ابن قتيبة عددًا من الموسوعات الأدبية المهمة يأتى على رأسها كتاب «عيون الأخبار»، وكتاب «الشعر والشعراء»، ومن كتبه الأدبية المهمة أيضًا كتاب «أدب الكاتب» الذى يتحدث فيه عما يحتاج إليه الأديب من فنون المعرفة ليمارس صنعة الكتابة على الوجه الأمثل. ويُعَدُّ أبو الفرج الأصفهانى أبرز أصحاب الموسوعات الأدبية فى هذا العصر. وقد كان ملازمًا للوزير المشهور أبى محمد حسن بن محمد المُهَلَّبى وزير معز الدولة أحمد بن بويه، وكان المهلبى بصحبة معز الدولة عند انتقاله إلى بغداد، كما ذكرنا ذلك فى موضعه، ومما يحفظه التاريخ للمهلبى أنه كان محبا للأدب مقرِّبا لأهله، وكان يعرف لذوى القرائح الجيدة أقدارهم ويغدق عليهم من كرمه ورعايته، ومن هنا قرب أبا الفرج الأصفهانى ورعى مكانته. ولاشك أن موسوعة «الأغانى» للأصفهانى تعد من أهم الموسوعات الأدبية وأكثرها انتشارًا وشمولاً فيما يختص بتاريخ الأدب العربى والثقافة العربية حتى نحو منتصف القرن الرابع الهجرى. وقد توفى أبو الفرج الأصفهانى فى سنة (356هـ = 967م). ويتميز أيضًا بين أصحاب الموسوعات الأدبية «أبو منصور الثعالبى» (وهو عبدالملك بن محمد بن إسماعيل)، ولد بنيسابور فى سنة (350هـ = 961م)، وتوفى فى سنة (429هـ = 1038م)، أى أنه عاش حياته كلها فى فترة نفوذ البويهيين، وشهدت فترة تفتحه الأدبى خلافة الطائع لله والقادر بالله، وتوفى فى خلافة القائم بأمر الله، وكان الثعالبى غزير الإنتاج متنوع الاهتمامات العلمية، ولكن يقف على رأس مؤلفاته جميعًا كتابه الموسوعى الضخم «يتيمة الدهر فى محاسن أهل العصر»، وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها كما يقول ابن خلكان، وهو من أربعة مجلدات صرف فيها جل اهتمامه لشعراء القرن (4هـ = 10م) ورتبهم على أوطانهم، فقد تناول فى أبواب خاصة شعراء الشام ومصر والمغرب والموصل والبصرة وبغداد وأصفهان والجبل وفارس والأهواز وجرجان، وتحدث عن الدولة

السامانية وشعرائها وعن خوارزم، وتحدث أيضًا عن بنى بويه وشعرائهم وكتابهم، وأسهب فى الحديث عن ابن العميد والصاحب بن عباد، كما تحدث عن بلاط سيف الدولة وشعرائه وكتّابه، ولاشك أن يتيمة الدهر تعد إحدى الموسوعات الأدبية الأساسية فى تاريخ الأدب العربى، ولا تزال حتى يومنا هذا مصدرًا لا غنى عنه للباحثين فى الحياة الأدبية فى القرن (4 هـ = 10م). ولم تكن أنشطة البحث التاريخى بأقل حظا من الأنشطة الأدبية فى دولة الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، وهذا مجال يطول فيه الكلام ويتشعب، ولا سبيل إلى استقصاء الحديث فيه، ولكننا نكتفى بتقديم بعض النماذج لأبرز المؤرخين وأهم أعمالهم التاريخية، ويقف شامخًا بين أعلام المؤرخين فى صدر العصر العباسى الثانى أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى المتوفى سنة (310هـ = 922م) فى خلافة المقتدر بالله، وقد عاش الطبرى فى فترة التحول المهمة التى انتقلت فيها الخلافة العباسية من عصرها الأول-عصر القوة السياسية المركزية - إلى عصرها الثانى الذى بدأت فيه السلطة المركزية تضعف ضعفًا ملحوظًا، وهكذا شهد الطبرى معظم عصر نفوذ الأتراك، وقد ولد فى آمل بطبرستان فى سنة (224هـ = 839م) وأخذته الرحلة فى طلب العلم إلى كثير من بقاع العالم الإسلامى كالعراق والشام ومصر، ثم استقر به المقام أخيرًا فى بغداد وبها مات ودفن، وقد ترك لنا الطبرى موسوعته التاريخية الذائعة الصيت وهى: «تاريخ الأمم والملوك» المشهورة باسم «تاريخ الطبرى»، فى عشرة مجلدات، وتناول الطبرى فى هذه الموسوعة الضخمة تاريخ ما قبل الإسلام منذ بدء الخليقة بقدر من الاختصار فى المجلد الأول وبعض الثانى، ثم جاء علاجه المفصل للأحداث منذ بدأ يتناول سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم - وسيرة الخلفاء الراشدين، وما تلا ذلك من تاريخ الدولة الأموية والعباسية حتى عصره، وقد توقف الطبرى بتاريخه عند أحداث سنة

(302هـ= 914م) فى خلافة المقتدر، وتاريخ الطبرى منجم غنى بالمعلومات حافل بالروايات المختلفة التى تقدم المادة الأساسية للباحث، وهناك إجماع فى الشرق والغرب على أن هذا التاريخ يعدُّ عمدة الباحثين فى التاريخ الإسلامى فى القرون الثلاثة الأولى للهجرة. ومن أعلام المؤرخين الذين ظهروا فى القرن (3هـ= 9م) أيضًا - بجانب الطبرى - ابن قتيبة (عبدالله بن مسلم) المتوفى سنة (276هـ = 889م). وقد أشرنا إليه قبل ذلك عند حديثنا عن الموسوعات الأدبية، ومن أبرز الأعمال التاريخية التى تركها لنا ابن قتيبة كتاب «المعارف»، وينسب إليه أيضًا كتاب «الإمامة والسياسة». كما ظهر اليعقوبى أيضًا، وهو أحمد بن أبى يعقوب ابن واضح المتوفى نحو سنة (278هـ = 891م)، وكتابه المعروف ب «تاريخ اليعقوبى» من المصادر التاريخية الأساسية فى تلك الفترة، وهو يقع فى مجلدين، يتناول المجلد الأول التاريخ القديم حتى ظهور الإسلام، ويتناول الثانى تاريخ الإسلام حتى سنة (259هـ = 873م) فهو يغطى ثلاث سنين من خلافة المعتمد على الله، وبجانب التأليف التاريخى ألف اليعقوبى فى الجغرافيا كتابًا ذائعًا هو «البلدان» الذى يعد من أقدم مصنفات التراث الجغرافى العربى. وقد برز أيضًا من مؤرخى تلك الفترة - وهى فترة نفوذ الأتراك فى العصر العباسى الثانى - أحمد بن يحيى البلاذرى وأبو حنيفة الدينورى. أما البلاذرى فقد كان مقربًا للخليفتين المتوكل والمستعين، وتوفى فى حدود سنة (279هـ = 892م)، ويعد كتابه «فتوح البلدان» من أوثق الكتب التى تحدثت عن تاريخ الفتوح الإسلامية منذ ظهور الإسلام حتى عصره، وهو يتميز بدقته فى الأسلوب وموضوعيته فى العرض والبعد عن الحشو، وهو من بين المصادر التى تحتل قيمة خاصة فى هذا الجانب، وللبلاذرى كتاب آخر معروف هو «أنساب الأشراف»، وهو يقدم مادة تاريخية غزيرة فى صدر الإسلام والعصر الأموى والعباسى الأول من خلال أنساب الرجال

الذين يتناولهم بالبحث. أما أبو حنيفة الدينورى المتوفى سنة (282هـ = 895م) فقد كان موسوعى المعرفة، برع فى علوم كثيرة كالنحو واللغة والهندسة والفلك وغير ذلك، ولكن الكتاب الذى اشتهر به الدينورى هو كتابه التاريخى المعروف باسم «الأخبار الطوال» الذى يتناول فيه التاريخ الإسلامى منذ ظهور الإسلام حتى وفاة الخليفة المعتصم سنة (227هـ= 842م)، مع مقدمة مختصرة عن التاريخ القديم. وقد استمرت حركة التأليف التاريخى على نشاطها وازدهارها طوال مراحل العصر العباسى الثانى، ومن أبرز المؤرخين الذين شهدوا بداية مرحلة النفوذ البويهى على بن الحسين المسعودى المتوفى سنة (346هـ = 957م)، ومع أن المسعودى نشأ فى بغداد فقد كان دائم الترحل فى طلب العلم، وهو يقدِّم نموذجًا للعالم الذى جعل العلم ضالَّته، فهو ينشده لكل ما أوتى من حول وما وسعه من صبر؛ فقد ذهب إلى الهند والملتان وسرنديب (سيلان) والصين، فضلاً عن مراكز العلم الشهيرة فى أرجاء العالم الإسلامى، ومن أشهر مؤلفاته التاريخية كتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، وقد تناول فيه تاريخ الأمم القديمة، ثم تناول تاريخ الإسلام منذ ظهوره حتى خلافة المطيع لله، وهو أول الخلفاء العباسيين فى العصر البويهى، ومن بين الكتب التاريخية الذائعة للمسعودى أيضًا كتاب «التنبيه والإشراف»، وهو محاولة منه لتقديم كتاب تاريخى مختصر يضم خلاصة ما كتب، وهو يحتوى على معلومات مهمة من كتب أخرى للمسعودى لم تصل إلينا. ومن بين المؤرخين المتميزين فى فترة النفوذ البويهى أيضًا الخطيب البغدادى المتوفى سنة (463هـ = 1071م)، وهو «أبو بكر أحمد بن على بن ثابت»، وقد عاش فى بغداد التى يُنسَب إليها ومات بها، ولكنه رحل طلبًا للعلم إلى عدة مراكز علمية بارزة كالبصرة والكوفة ونيسابور وحلب وبيت المقدس وغيرها، وهو يتميز بغزارة إنتاجه وتنوع اهتماماته العلمية؛ حيث ألَّف فى فروع مختلفة من العلم

كالتاريخ والفقه والحديث والنحو والأدب وغيرها، ومعظم مؤلفاته لم تصل إلينا، ولكن موسوعته الضخمة المعروفة باسم «تاريخ بغداد» وصلت إلينا وهى التى أكسبته شهرة واسعة، وهى تاريخ شامل لبغداد من حيث نشأتها وأحيائها وقصورها ومختلف معالمها، فضلاً عن تراجم أعلامها من رجال السياسة والعلم والأدب وغير ذلك، ومن هنا تعد هذه الموسوعة مصدرًا لا غنى عنه للباحثين فى تاريخ الخلافة العباسية منذ نشأتها حتى بداية العصر السلجوقى. وقد لمع عدد آخر من المؤرخين فى المراحل المتأخرة من العصر العباسى الثانى، لعل أبرزهم عز الدين بن الأثير المتوفى سنة (630هـ = 1233م)، وهو صاحب الموسوعة التاريخية الضخمة المعروفة باسم «الكامل فى التاريخ»، وتقع فى اثنى عشر مجلدًا، وقد حذا فيها حذو الطبرى فى تاريخه، وتوقف فى روايته التاريخية عند أحداث سنة (628هـ = 1231م). وقد شهد ابن الأثير نهاية فترة النفوذ السلجوقى وعاش شطرًا من حياته فى فترة ما بعد السلاجقة، وعاصر مرحلة مهمة فى تطور الحروب الصليبية إبّان سلطنة صلاح الدين الأيوبى، فكتابه إذن من بين المصادر الأساسية فى تاريخ الحروب الصليبية، ويمكننا أن نقول إن موسوعة الكامل فى التاريخ لابن الأثير تحتل بين مصادر التاريخ الإسلامى مكانة لا يسبقها إلا موسوعة تاريخ الطبرى، ولابن الأثير مؤلفات أخرى فى غاية الأهمية لعل أبرزها «أسد الغابة فى معرفة الصحابة»، وهو موسوعة من سبعة مجلدات يتناول فيها تراجم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونستطيع أن نمضى طويلاً فى تناولنا لمختلف جوانب النهضة الثقافية فى دولة الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، وهى جوانب لايتسع المجال للحديث التفصيلى عنها هنا، ولكننا نكتفى بالقول بأن هذه النهضة الثقافية غطت كل مظاهر المعرفة والفن التى عُرفت فى ذلك الزمان، فقد شهدت دولة الخلافة العباسية وثبة رائعة فى

الثقافة الجغرافية، وعرف التراث الحضارى العباسى جغرافيين أفذاذًا كاليعقوبى صاحب البلدان، وقد أشرنا إليه، والاصطخرى من علماء القرن (4هـ= 10م)، وهو صاحب كتاب «مسالك الممالك»، وابن حوقل والمقدسى وهما من علماء القرن (4هـ = 10م) أيضًا، وللأول كتاب «المسالك والممالك»؛ وللثانى كتاب «أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم»، وهو من الكتب المتميزة فى هذا الفن. ولعل من أشهر الجغرافيين فى دولة الخلافة العباسية ياقوت الحموى المتوفى سنة (626هـ = 1229م) وقد ولد فى حماة كما يبدو من نسبته، ولكنه عاش فى بغداد، ومعجمه الجغرافى المعروف باسم «معجم البلدان» يُعدُّ من أغزر المصادر مادة فى التراث الجغرافى الإسلامى على الإطلاق، وهو يقع فى خمسة مجلدات ضخمة. كما شهد هذا العصر أيضًا نهضة لا تدانى فى الدراسات العقلية والفلسفية والكلامية، ونبغ فى هذا المجال أعلام يحتلون مكانة سامقة فى تاريخ الفكر الإنسانى كله، فمن بين هؤلاء الفيلسوف الكبير الفارابى المتوفى سنة (339هـ= 950م) فى مطلع العصر البويهى، وهو صاحب كتاب «إحصاء العلوم» وكتاب «السياسة المدنية» وغير ذلك. على أن أبرز هؤلاء هو الشيخ الرئيس ابن سينا المتوفى سنة (428هـ = 1037م)، وقد عاش شطرًا من حياته فى بخارى فى ظل الدولة السامانية. ومن كتبه الفلسفية المعروفة كتاب «الإشارات» وكتاب «الشفاء»، وكتاب «النجاة» وغيرها، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته الطبية الفائقة، وفى مجال الدفاع العقلى عن الإسلام والرد على مناوئيه برز اسم حجة الإسلام «أبى حامد الغزالى» المتوفى سنة (505هـ = 1111م)، وهو الذى ناضل الفلاسفة وكتب عن تهافتهم كتابه المعروف «تهافت الفلاسفة»، وقد باشر «الغزالى» التدريس فى المدرسة النظامية ببغداد والمدرسة النظامية بنيسابور، وكتابه «إحياء علوم الدين» من أعظم الكتب التى عرضت الإسلام عرضًا بسيطًا مقنعًا مؤثرًا، ونظرًا

لقوة تأثير هذا الكتاب قال البعض: «من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء. وقد حظيت العلوم الطبية والرياضية والفلكية والطبيعية بنصيب وافر من العناية والدراسة فى هذا العصر الحافل بالعطاء الحضارى. بل إن فن الموسيقى أيضًا وجد له مجالاً من الاهتمام. والملاحظ أن الفلاسفة العظام، أمثال الفارابى وابن سينا، كانوا يحذقون الطب والرياضة والفلك بل والموسيقى أيضًا. ويعتبر «أبو بكر محمد بن زكريا الرازى» أعظم الأطباء المسلمين فى هذا العصر على الإطلاق. وله كتاب «الحاوى» فى الطب، الذى يمكن اعتباره عمدة هذا العلم فى العصور الوسطى فى الشرق والغرب. وقد حظى الرازى برعاية ملوك الدولة السامانية، وتوفى فى حوالى سنة (320هـ = 932م)، أما «ابن سينا» فقد كتب «القانون» فى الطب، وهو الذى كان مع كتاب «الحاوى» للرازى من الأسس المهمة التى اعتمدت عليها أوربا فى عصر النهضة. وبعد هذه اللمحة الموجزة عن أهم جوانب النهضة الثقافية فى العصر العباسى الثانى نستطيع أن نقول: إن هذه النهضة كانت متكاملة الجوانب، وهذا هو شأن الحضارات العظيمة، فالحضارة روح تعود بالصحة والعافية على جسد الأمة كله فتتوازن فيه ملامح الاكتمال، وقد كان أبرز ما يميز تلك الفترة هو الرغبة العارمة فى العلم والتعطش للمعرفة، ومن هنا وجدنا أصحاب الثقافات الموسوعية الذين أشرنا إلى بعضهم، والملاحظ أن حب العلم والتنافس فى سبيله جعل الحكام والأمراء يحتضنونه وينصبون من أنفسهم حماةً له. وهكذا ظهرت مجالس العلم المعروفة على يد قادة أمراء وجدوا فى هذا النشاط سُلَّمًا للمجد والسؤدد، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا سيف الدولة الحمدانى يجعل من مجلسه محفلاً للعلماء والأدباء والشعراء، وهذا عضد الدولة البويهى يفعل الشىء نفسه، وفعل ذلك أيضًا السلطان محمود الغزنوى، ونظام الملك أعظم وزراء السلاجقة، وغيرهم، وكل هذا عاد بالخير العميم على الحركة الثقافية فى هذا

العصر، فإذا هى تفيض قوة ونشاطًا وتجددًا. 2 - الجانب الاقتصادى والعمرانى: من الطبيعى أن يرتبط الجانب العمرانى بالجانب الاقتصادى فى الدولة، فلا عمران إلا باقتصاد قوى. وقد ازدهرت الحياة الاقتصادية ازدهارًا ملحوظًا فى بعض ممالك الدولة العباسية فى العصر الثانى، ولكننا نلاحظ أن السلطة المركزية نفسها لم يعد لها من القوة الاقتصادية ما كان لخلفاء العصر العباسى الأول، وذلك بسبب تحكم الأمراء الذين استأثروا بالنفوذ الحقيقى، ومن هنا نلاحظ أن اقتصاد بعض الإمارات التى كانت تنتمى لدولة الخلافة العباسية من الناحية الشكلية كان أقوى من اقتصاد الخلافة نفسها، بل إن الخليفة فى بعض الأحيان كان مجرد موظف تابع لهؤلاء الأمراء الذين يحددون له راتبه ونشاطه. وقد توافرت مصادر القوة الاقتصادية فى دولة الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، وكان للتقدم العلمى الكبير الذى شهده هذا العصر أثره الملحوظ فى تحقيق الازدهار الاقتصادى القائم على أسس علمية صحيحة، وقد لعبت النهضة الزراعية دورها فى تحقيق هذا الازدهار الاقتصادى، فقد كانت دولة الخلافة تضم أراضى شاسعة تتسم بالخصوبة والصلاحية لإنتاج شتىالمحاصيل. وقامت المدارس الزراعية التى انتشرت فى أرجاء دولة الخلافة العباسية فى ذلك الوقت بجهد علمى كبير فى نشر الوعى الزراعى الصحيح، فتعددت المحاصيل وأدخلت أنواع جديدة منها، وزاد إنتاجها نتيجة استعمال الأسمدة المناسبة. وارتبط بذلك إعادة تطوير نظام الرى الذى حول منطقة ما بين النهرين إلى جنة وارفة الظلال، كما ازدهرت فلاحة البساتين القائمة على أسس علمية ازدهارًا كبيرًا وانتشرت كل أنواع النباتات والزهور، «وكانت الزهور تزرع حتى فى أصغر المنازل»، وارتبط بنمو الثروة الزراعية نمو الثروة الحيوانية، كما ظهرت الصناعات المعتمدة على الإنتاج الزراعى كمصانع النسيج ومعامل تكرير السكر. وقد اشتهرت صناعات أخرى فى العصر العباسى الثانى كصناعة

الورق التى انتشرت فى مصر والشام وسمرقند، ولكن شهرة سمرقند فى هذا الجانب فاقت غيرها فى ذلك العصر، وازدهرت صناعة الحديد أيضًا فى بلاد فارس. وقد ترتب على الازدهار الزراعى والصناعى الازدهار التجارى، فالمنتجات المختلفة تحتاج إلى تسويق، ومن هنا ظهر الاهتمام بتوفير الطرق التجارية المناسبة والعناية بالموانى والأساطيل التجارية، وقد ازدهرت تجارة المسلمين الخارجية فى ذلك العصر مع الهند والصين والبلاد الأوربية. والجدير بالملاحظة هنا أن الإسلام انتشر فى بقاع عديدة عن طريق التجار المسلمين، وكانت بغداد ودمشق والإسكندرية وعدن والبصرة من بين المراكز التجارية المهمة فى ذلك العصر. وقد اشتهر عدد من دول العصر العباسى الثانى بالقوة الاقتصادية، ومن بين هذه الدول - على سبيل المثال - الدولة الصفارية التى يقال: إن مؤسسها «يعقوب بن الليث» ترك فى بيت المال عند وفاته ثمانين مليون دينار وخمسين مليون درهم، كما ازدهر أيضًا اقتصاد الدولة السامانية، وهى التى قامت فى منطقة تتمتع بإمكانات اقتصادية هائلة، وهى بلاد ما وراء النهر، وكذلك ازدهر اقتصاد الدولة البويهية، أما اقتصاد الدولة الغزنوية فقد وصل مدى رائعًا من القوة نتيجة اتساع أطراف تلك الدولة، وما استطاعت أن تحققه من فتوحات رائعة فى بلاد الهند والسند وأفغانستان وغيرها. وكان النشاط العمرانى الواضح ثمرة مباشرة للاستقرار الاقتصادى، فأنشئت الطرق والمدارس والمساجد والقصور والرُّبط فى أماكن مختلفة من دولة الخلافة العباسية، ولايتسع المقام هنا للدخول فى تفاصيل هذا الجانب، ولكننا نكتفى ببعض أمثلة قليلة توضح ذلك، وتستحق الدولة البويهية وقفة خاصة هنا، فقد اهتمت هذه الدولة اهتمامًا خاصًا بالجانب العمرانى، ولاشك أن عضد الدولة كان أبرز ملوكها فى هذا الجانب، فقد صرف كثيرًا من جهده للعمارة والتشييد فى الأماكن التى خضعت لسلطانه فى فارس والرى وأصفهان

والجبال وغيرها، أما بغداد - بعد انتقاله إليها - فقد حظيت منه باهتمام بالغ، يذكر المؤرخ ابن الأثير فى تناوله لأحداث سنة (369هـ = 979م) أن عضد الدولة شرع فى عمارة بغداد فى ذلك العام، وكانت قد خربت بتوالى الفتن عليها، فعمَّر مساجدها وأسواقها .. وألزم أصحاب الأملاك الخراب بعمارتها، وجدد ما دثر من الأنهار وأعاد حفرها وتسويتها، وأصلح الطريق من العراق إلى مكة .. واهتم اهتمامًا كبيرًا بمشهد الإمام على والإمام الحسين رضى الله عنهما .. وأذن لوزيره «نصر بن هارون» -وكان نصرانيًا - فى عمارة البيَع والأديرة. ومن بين الإنجازات العمرانية المهمة التى قام بها عضد الدولة فى بغداد بناؤه لمستشفاه الكبير الذى عرف باسم «البيمارستان العضدى»، وقد كان فى هذا المستشفى عند إنشائه أربعةوعشرون طبيبًا فى التخصصات المختلفة، وكان أشبه ما يكون بالمستشفيات التعليمية الجامعية فى عصرنا هذا؛ فقد كانت المحاضرات تلقى فيه، وتدرس فيه الكتب ذات المكانة العلمية، وكان لهذا المستشفى مورد ماء مستمد من دجلة، وله جميع الملحقات التى تزود بها القصور الملكية كما بنى عضد الدولة فى شيراز مستشفى آخر عرف أيضًا باسم «البيمارستان العضدى»، وأقام صهاريج الماء فى أماكن مختلفة من مملكته. وبنى سورًا حول مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وتتميز الدولة السلجوقية كذلك بنشاطها العمرانى الكبير فى مجالاته المختلفة، ويبرز فى هذا الجانب بصفة أخص «ملكشاه» ووزيره العظيم «نظام الملك»، فقد أنشأ «نظام الملك» مدارسه النظامية المعروفة، وزودها بكل احتياجات طلابها، ووجد فى ذلك كل تشجيع من السلطان السلجوقى المتميز «ملكشاه». والملاحظ أن النشاط العمرانى فى دولة الخلافة العباسية فى العصر الثانى كان يقوم به فى الأساس أمراء وسلاطين وملوك الدول التى كانت تخضع للخلافة العباسية خضوعًا روحيا أو شكليا، أما الخلفاء -

بصفة عامة - فلم يكونوا بالمكان الذى يجعلهم قادرين فى الأمور بصورة مستقلة طوال معظم هذه الفترة. 3 - الجانب الإدارى: كان لضعف الخلافة العباسية المركزية فى العصر الثانى تأثير واضح فى النظام الإدارى فى دولة الخلافة، وأوضح مظاهر هذا التأثير يبدو فى نظام «الوزارة»، فقد كانت الوزارة فى العصر العباسى الأول - بصفة عامة - تابعة للخليفة خاضعة لنفوذه، وعندما كان الوزراء يحاولون التصرف بصورة مستقلة كانوا يجدون ما يردعهم من بطش الخليفة، أما فى العصر العباسى الثانى فقد اختلف الأمر، وقد استمرت الوزارة فى فترة نفوذ الأتراك، ولكن الوزراء كانوا أكثر استقلالاً ونفوذًا وسطوة وتنامت ثرواتهم لأنهم لم يكونوا يجدون الخليفة الحازم الذى يحاسبهم أشد الحساب، وهذا إذا استثنينا فترة صحوة الخلافة. فلما كانت السنوات الأخيرة فى فترة نفوذ الأتراك بطل منصب الوزارة وحل محله منصب أمير الأمراء الذى جار تقريبًا على كل سلطات الخليفة، فلما وقعت الخلافة تحت النفوذ البويهى زال أيضًا منصب أمير الأمراء، فلم يعد هناك للخليفة وزير ولا أمير للأمراء، وتصرف البويهيون فى كل شئون الخلافة تصرفًا مطلقًا وحرموا الخليفة حتى من سلطاته الشكلية، مع أنهم اتخذوا لأنفسهم وزراء. وفى فترة النفوذ السلجوقى عاد منصب الوزارة، وأصبح للخليفة وزيره، وللسلطان السلجوقى وزيره، ولكن السلطة الحقيقية كانت فى يد السلطان السلجوقى ووزيره، رغم أن السلاجقة عاملوا الخلفاء بما يستحقون من توقير. وبعد زوال نفوذ السلاجقة أصبح للخلفاء وزراؤهم المستقلون عن نفوذ الخليفة، ولكن الخلافة فى هذه الفترة كانت فى طريقها إلى الزوال الكامل، ولم تكد دولة الخلافة تتجاوز بغداد وبعض الأقاليم الأخرى المحدودة. وقد تطور منصب الكتابة فى العصر العباسى الثانى تطورًا ملحوظًا، فاتسعت سلطة الكاتب وتنامى نفوذه، وكان الكاتب يرأس ديوان

الرسائل الذى كان يعد من أخطر دواوين الدولة العباسية، وكان صاحب هذا المنصب يقوم بكتابة الرسائل السياسية وختمها بخاتم الخلافة بعد عرضها على الخليفة، وكان ينوب عن الخليفة أحيانًا فى مكاتبة الملوك والأمراء، على أن من أهم التطورات التى شهدها هذا المنصب فى العصر العباسى الثانى أنه لم يعد مقصورًا على الخلفاء بل بدأ الأمراء والسلاطين يتخذون لأنفسهم كتابًا أوسع نفوذًا من كاتب الخليفة. وقد كان ذلك نتيجة طبيعية لضعف منصب الخلافة فى هذا العصر. ومع أن العصر العباسى الأول عرف نظام الحجابة فقد تطور هذا النظام كثيرًا فى العصر العباسى الثانى، فقد كان الحاجب فى العصر العباسى الأول يقوم بمهمة أساسية هى حجب العامة عن السلطان، فلا يأذن بالدخول على السلطان إلا لمن يرى أنه يستحق هذا الإذن، أما الحاجب فى العصر الثانى فقد تجاوز هذه المهمة المحددة وادَّعى لنفسه سلطات واسعة أصبح ينافس بها سلطات الوزير، وأصبح الحجاب يتدخلون فى أهم شئون الدولة، وقد فتح ذلك مجالاً للصراع بين الحجاب والخلفاء والوزراء. أما منصب الإمارة على البلدان - وهو من المناصب المهمة فى النظام الإدارى - فقد طرأ عليه أيضًا كثير من التطور فى العصر العباسى الثانى، فقد كان هذا المنصب منذ ظهور الإسلام وحتى نهاية العصر العباسى الأول يخضع فى العادة لسلطة الخليفة؛ فهو الذى يملك حق الولاية والعزل، أما فى العصر العباسى الثانى فقد اختلفت الأمور تمامًا، ذلك أن الخليفة أصبح يخضع لسلطة عليا من القوى الدخيلة، وهى التى تملك غالبًا حق توليته وعزله، وهكذا تدخلت هذه السلطات أيضًا فى تعيين الأمراء (أو العمال) فى الأقاليم التى تخضع لنفوذهم وكان هذا التطور متمشيًا تمامًا مع ما آل إليه منصب الخلافة من تدهور فى ذلك العصر. وقد اتسع نظام البريد فى العصر العباسى الثانى اتساعًا كبيرًا، فقد كانت مهمة البريد فى بداية نشأته توصيل رسائل الخليفة إلى عماله

وولاته ونقل رسائلهم إليه وكذلك أخبارهم، ثم اتسعت مهمة البريد - وبالذات فى العصر العباسى الثانى - لتشمل أيضًا مراقبة العمال والتجسس عليهم، وأن يقدم صاحب البريد إلى الخليفة تقارير دورية وافية بكل ما يحدث فى مكان عمله، هذا إذا كان تابعًا للخليفة، ويفعل الشىء نفسه إذا كان خاضعًا لنفوذ الدول المختلفة التى ظهرت فى هذا العصر، ولهذا أصبح نظام البريد فى ذلك العصر أشبه ما يكون بقلم المخابرات فى عصرنا.

مراجع الجزء الثالث

- المراجع: * أدم منز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري - ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة - القاهرة - 1948م * بن الأثير (علي بن أبي الكرم): الكامل في التاريخ - دار الكتاب العربي - بيروت 1967م * أحمد أمين: ضحي الإسلام - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة الطبعة الخامسة - 1956م * بن الجوزي (عبد الرحمن بن علي): المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - حيدر آباد - الهند - 1357هـ * حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة - 1973م * حسن أحمد محمود وأحمد إبراهيم الشريف: العالم الإسلامي في العصر العباسي - دار الفكر العربي - القاهرة - 1966م * الخطيب البغدادي (أحمد بن علي): تاريخ بغداد - القاهرة - 1349هـ = 1931م * خليل السامرائي وآخرون: تاريخ الدولة العربية الإسلامية في العصر العباسي - الموصل - العراق - 1408هـ = 1988م * سامي الكيالي: سيف الدولة وعصر الحمدانيين - دار المعارف - القاهرة - 1959م * السيوطي (جلال الدين) تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد - القاهرة - 1389هـ = 1969م * شاكر مصطفي: دولة بني العباس - الكويت - 1393هـ = 1973م * الطبري (محمد بن جرير): تاريخ الرسل والملوك - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار المعارف القاهرة - 1966م * عبد النعيم حسنين: دولة السلاجقة - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - 1975م * فاروق عمر: الخلافة العباسية في عصورها المتأخرة - دار الخليج - 1403هـ = 1983م0 * كارل بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية - ترجمة نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي - دار العلم للملايين - بيروت - 1965م * بن كثير (إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية - دار الكتب العلمية بيروت - 1408هـ = 1988م * محمد الخضري: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) - القاهرة - 1970م

* محمد مسفر الزهراني: نظام الوزارة في الدولة العباسية - مؤسسة الرسالة - بيروت - 1406هـ = 1986م * المسعودى (علي بن الحسين): مروج الذهب ومعادن الجوهر - دار الأندلس - بيروت - 1385هـ = 1965م * مسكوية (أحمد بن محمد): تجارب الأمم وتعاقب الهمم - نشره آم دروز - مطبعة التمدن - القاهرة - 1914م * ابن النديم (محمد بن إسحاق): الفهرست - المطبعة الرحمانية - القاهرة - 1384هـ * ياقوت الحموي: معجم الأدباء - دار المأمون - القاهرة - 1355هـ = 1936م

المشرق الإسلامي بعد العباسيين

الجزء الرابع المشرق الإسلامي بعد العباسيين تأليف: أ. د. عصام الدين عبد الرؤوف أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة أ. د. محسن جمال الدين أستاذ اللغات الشرقية بجامعة عين شمس الفصل الأول *العالم الإسلامى قبيل الغزو المغولى كانت الدولة العباسية آنذاك تحت حكم الخليفة «الناصر لدين الله» الذى حكم فترة طويلة امتدت من سنة (575هـ) حتى سنة (622هـ)، وعلى الرغم من طول هذه المدة التى لم تتح لخليفة قبله، فإنه لم يستغلها استغلالا حسنًا فى صالح دولته وما ينفع الناس، حتى وصفه «ابن الأثير» بقوله: «كان قبيح السيرة فى رعيته، ظالمًا، فخرب العراق فى أيامه، وتفرق أهله فى البلاد وأخذ أملاكهم وأموالهم»، وإلى جانب ذلك لم يعمل على توحيد الصف بين الإمارات الإسلامية، فأشعل الفتنة بينها وألَّب بعضها على بعض. ولم يكن نفوذ الخليفة العباسى قويا إلا على «بغداد» والمنطقة المجاورة؛ حيث كانت المنطقة الشمالية من العراق فى أيدى أتابكة «الموصل»، وباقى «العراق» الغربى خاضعًا للسلاجقة، على حين سيطر الأيوبيون ومن بعدهم «المماليك» على «مصر» وأجزاء كبيرة من «الشام» و «فلسطين». وفى المشرق كانت السيادة هناك لدول «الأتابكة»، و «الغور»، والخوارزمية، والإسماعيلية، وأصبحت سلطة الخليفة رمزًا روحيا محدودًا، لا يتدخل فى شىء إلا إذا طلب منه التدخل للتصديق على ما يطلب منه فحسب. وتُوفى الخليفة «الناصر لدين الله» فى أواخر رمضان سنة (622هـ) بعد أن شهدت خلافته سقوط دولة السلاجقة، وظهور قوة المغول بزعامة «جنكيزخان واكتساحهم بلاد «ما وراء النهر» و «خراسان» وإسقاطهم للدولة الخوارزمية وزحفهم نحو «الجزيرة» و «العراق» و «الشام» وتهديدهم للعالم الإسلامى. وتولى الخلافة بعد «الناصر لدين الله» ابنه «الظاهر بأمر الله»، لكن خلافته لم تطل، إذ تُوفى فى (14 من رجب سنة 623هـ)، وتولى بعده ابنه «المستنصر بالله»، وفى عهده تصاعد الخطر المغولى وأصبح على مشارف العراق، وبعد وفاته فى جمادى الآخرة سنة (640هـ) بويع لابنه «المستعصم بالله»، وهو آخر الخلفاء العباسيين فى العراق. الخوارزميون: أولاً: محمد خوارزمشاه وأطماعه فى الدول المجاورة:

تولى السلطان «محمد خوارزمشاه» حكم الدولة الخوارزمية سنة (596هـ)، وبدأ عهده بالدخول فى منازعات متصلة مع الدول المجاورة له، فاشتبكت معه الدولة الغورية التى كانت تقع فى منطقة «أفغانستان» الحالية، حين ظن الأخوان «غياث الدين» و «شهاب الدين» ضعف السلطان «محمد خوارزمشاه» بحكم صغر سنه، وجرَّدا جيشًا كبيرًا للاستيلاء على منطقة «خراسان»، مكَّنهما من الاستيلاء على عدد من مدن «خراسان»، إلا أن «محمد خوارزمشاه» تمكن بعد ذلك من إلحاق الهزيمة بهما، ثم مات «غياث الدين» فجأة، فتمكن السلطان «محمد» من طرد «الغوريين» من «خراسان» فى سنة (600هـ). ثم خرج «شهاب الدين الغورى» بقواته وكان مقيمًا بالهند إلى لقاء «محمد خوارزمشاه» وألحق بجيشه عدة هزائم متتالية، ووصلت جيوشه إلى «جرجانية» عاصمة «الدولة الخوارزمية»، وحاصرها، ولكن أهلها قاوموه وصمدوا فى وجهه، واتصل السلطان «محمد» بالقراخطائيين وبعثمان خان سلطان «سمرقند»، طالبًا العون والمساعدة، فلما وصل إليه المدد تمكن من إلحاق الهزيمة بشهاب الدين الغورى فى منطقة «هزاراسب»، وتتبع «القراخطائيون» «الغوريين» وطاردوهم حتى أوشكوا على القضاء عليهم، إلا أن «عثمان خان» تدخل فى اللحظة الأخيرة ومنع القراخطائيين من تحطيم الجيش الغورى، وهرب «شهاب الدين» إلى «الهند»، ثم تُوفى فى سنة (603هـ)، فتولى ابنه السلطان «محمود» حكم «الدولة الغورية» فى «هراة» و «فيروزكوه»، وكان شابا مستهترًا، مولعًا بالخمر، فانصرف عنه أتباعه، وقُتل فى سنة (609هـ.) كان للسلطان «محمد خوارزمشاه» أخ يدعى «تاج الدين على شاه»، وقد هرب هذا الأخ من أخيه خوفًا من بطشه؛ بسبب خصومة حدثت بينهما، ثم توجه إلى بلاط السلطان «محمود الغورى» الذى رحَّب به وأحسن وفادته، وقد نجح «على شاه» فى توطيد علاقته برجال البلاط والعلماء والفقهاء فى «الدولة الغورية»، فلما قتل السلطان

«محمود الغورى»، نصَّبه هؤلاء ملكًا على «الدولة الغورية» فى عام (609هـ)، فأرسل إلى أخيه السلطان «محمد خوارزمشاه» يبشره بما وصل إليه، فبعث إليه مَنْ تمكن من قتله بالحيلة، واستولى «محمد خوارزمشاه» على أملاك «الدولة الغورية» دون حرب أو قتال، ثم ضم «غزنة» إلى ممتلكاته فى سنة (611هـ)، وتوجه منها إلى «سمرقند» حيث نجح فى ضمها إلى دولته، ثم تمكن فى العام نفسه (611هـ) من الاستيلاء على الجانب الغربى من «الدولة القراخطائية» فدانت له بذلك منطقة بلاد «ما وراء النهر» كلها، وعهد إلى ابنه «جلال الدين منكبرتى» بحكم بلاد «فيروزكوه» و «هراة» و «غزنة « ثانيًا: السلطان محمد والخلافة العباسية: عمل السلطان «محمد خوارزمشاه» على إعداد جيش قوى؛ لكى يهاجم به الخلافة العباسية، للأسباب الآتية: 1 - رغبته فى أن تكون له الكلمة العليا على الخليفة العباسى، شأن ما كان عليه سلاطين الدولتين «البويهية» و «السلجوقية»، وكان الخليفة العباسى يأبى ذلك الأمر. 2 - أنه حين استولى على أملاك «الدولة الغورية»، وجد فى خزائن السلطان «شهاب الدين» مجموعة من الرسائل بعث بها إليه الخليفة «الناصر لدين الله» يحرضه فيها على مهاجمة الخوارزميين وسلطانهم، ويزين له ذلك. 3 - وأنه وصل إلى علمه أن الخليفة يؤلب عليه حكام الدول الإسلامية المجاورة مثل: «أتابكة أذربيجان»، و «أتابكة أصفهان»، بل إنه حرض «الإسماعيلية» على قتل «أغلمش» نائبه على العراق العجمى. 4 - وأنه رأى أن الخلافة العباسية لم تعد تمثل الإسلام فى شىء؛ حيث انشغل الخلفاء بمصالحهم الشخصية عن الجهاد فى سبيل الله ونشر الدعوة الإسلامية فى المناطق الوثنية المجاورة، ومن ثم لا تترتب للخليفة العباسى أية حقوق على حكام المسلمين. وقد أعلن «السلطان محمد» أن الخليفة العباسى لا حق له فى خلافة المسلمين، وأن هؤلاء العباسيين - فى الأصل - ما هم إلا مغتصبون

لهذه الخلافة من أبناء «على بن أبى طالب» رضى الله عنه، وأن الشيعة هم أولى الناس بتولى هذه الخلافة، ومن ثم اختار رجلا من أعقاب العلويين يدعى «علاء الملك الترمذى»، ونصبه خليفة على المسلمين فى «خوارزم» بعد أن استصدر فتوى من فقهاء بلاده وعلمائها تنص على أن الخليفة العباسى لا يحق له أن يحكم المسلمين. أعد «السلطان محمد» جيشه فى عام (614هـ)، وتحرك به قاصدًا «بغداد»، فلما وصل منطقة العراق العجمى خرجت إليه جيوش «الأتابك سعد بن زنكى» الذى حرضه الخليفة العباسى على اقتطاع هذه المنطقة والاستيلاء عليها من «الخوارزميين»، وتمكن «السلطان محمد» من هزيمة هذه الجيوش، والاتفاق مع «سعد بن زنكى» على حكم «بلاد فارس» مقابل دفع جزية سنوية إلى «الدولة الخوارزمية»، وواصل «محمد خوارزمشاه» طريقه إلى «بغداد»، فاعترضه جيش - بعث به الخليفة- بقيادة «أتابك أذربيجان»، فانتصر عليه «السلطان محمد» وأسر قائده، ثم أطلق سراحه فى مقابل تعهده بدفع جزية سنوية، ثم مضى فى طريقه واقترب من «بغداد» فى خريف السنة نفسها، وتأهب السلطان «محمد» لغزو «بغداد»، ولكن أمطارًا غزيرة انهمرت وعواصف ثلجية شديدة هبت على منطقة «أسد آباد» التى كان يعسكر فيها بجنوده، فأهلكت معظم الدواب، وقتلت عددًا كبيرًا من الجنود، واضطر السلطان الخوارزمى إلى العودة إلى «خوارزم» دون أن يفعل شيئًا فى مواجهة الخليفة العباسى، وبدأ نجمه فى الأفول بعد ذلك؛ حيث واجهه الخطر المغولى واعترضته نكبات كثيرة. ثالثًا: نظرة عامة على الحالة السياسية والاجتماعية فى الدولة الخوارزمية: اجتمعت أسباب الرفاهية ورغد العيش فى الدولة الإسلامية، وبالغ الناس فى جمع المال والثروات، وانتشرت الأمراض الاجتماعية والمؤامرات السياسية فى هذه الفترة، لذا فإن من كان ينظر إلى «الدولة الخوارزمية» يتصور أنها دولة قوية متماسكة، وأنها أقوى

الدول على الإطلاق فى تلك المنطقة، غير أن الواقع كان على خلاف ذلك، فقد استنزفت الحروب الطويلة التى دخلها «الخوارزميون» مع الدول المجاورة الواحدة تلو الأخرى كل ثرواتهم، واستهلكت عناصر الفروسية فى جيوشهم، وقضت على خيرة الجنود والمقاتلين. كان الجيش الخوارزمى يشتمل على أخلاط وأجناس مختلفة من قبائل «الأتراك القنفلى» و «الغور» و «البلوج»، وغيرها من العناصر التى كانت -غالبًا- تتنافر، وتدب بينها الخلافات - أحيانًا - لأتفه الأسباب؛ ومن ثم كان الجيش الخوارزمى غير متجانس، ومتفرق الأهواء والمقاصد. أما من الناحية الداخلية: فقد كانت علاقة «السلطان محمد» بالعلماء والفقهاء علاقة سيئة للغاية، وأدى ذلك إلى سوء علاقته بالشعب، وكانت الفتوى التى انتزعها «السلطان محمد» من العلماء والفقهاء - بعدم أحقية الخلفاء العباسيين بالخلافة، وأن العلويين أحق بها منهم - من بين أسباب تفاقم الخلاف بين الجانبين، حيث جاءت هذه الفتوى رغم أنوف العلماء، وبتهديد السلاح. لم تكن البلاد التى استولى عليها الخوارزميون راضية عن دخولها تحت حكم «محمد خوارزمشاه»، ولم تمل بأى حال إلى الخوارزميين؛ ولهذا جاءت مواقفها متراخية حين طلب منها «السلطان محمد» المدد بعد عبور المغول نهر سيحون، وتباطأت فى تقديم المدد والعون للخوارزميين؛ مما اضطر السلطان الخوارزمى إلى الانسحاب. ومهما يكن من أمر فإن المؤرخين العرب يقرون بتدين السلطان «محمد خوارزمشاه» وحسن عقيدته وشجاعته، على الرغم من أخطائه السياسية والأخلاقية الفاحشة التى أودت بدولته، وعرضت العالم الإسلامى كله للخراب والدمار، وقد تمثلت هذه الأخطاء فيما يلى: 1 - محاربة «محمد خوارزمشاه» للغوريين فى الشرق والجنوب حتى اضطرهم إلى الانحسار فى جزء محدود، واختتم علاقاته بهم بقتل أخيه. 2 - تحطيم الدولة القراخطائية التى كانت تمثل سدًّا منيعًا؛ يمنع غارات القبائل المغولية البربرية على دولته.

3 - سوء علاقته بالخليفة العباسى. 4 - استنزاف خيرة القادة والفرسان والجنود فى حروبه التى خاضها فى «إيران» و «تركستان». وقد تناول الأستاذ «أبو الحسن الندوى» فى كتابه «تاريخ دعوة وعزيمة» أبرز عيوب «الدولة الخوارزمية» وسلطانها «محمد خوارزمشاه» بقوله: لقد صدر عن الملوك الخوارزميين الخطأ الكبير نفسه الذى وقع فيه الحكام العرب فى الأندلس .. ولم يعفُ عنهم قانون الجزاء الإلهى .. ذلك لأنهم بذلوا كل قواهم فى توسيع رقعة الملك ودعمه، وقمع الخصوم، ولم يبذلوا أى اهتمام بتبليغ رسالة الإسلام إلى ذلك القسم البشرى الذى كان يعيش بجوار حدودهم، وكان بنفسه عالمًا مستقلا، فبصرف النظر عن الدافع الدينى والواجب الإسلامى، كان مقتضى الحزم السياسى وبعد النظر أن يُعنوا بإيجاد التوافق العقائدى فى هذه الدنيا الواسعة، وبذلك يكونون قد أقاموا حولهم سياجًا يحفظهم عن ذلك الخطر الذى لم يواجههم وحدهم، بل اكتسح المسلمين كلهم. الأوضاع السياسية فى وسط آسيا قبل ظهورجنكيزخان: انقسمت منطقة «أواسط آسيا» فى أواخر القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) إلى دول وحكومات متعددة ومختلفة، على النحو الآتى: أولا: الصين: وانقسمت إلى قسمين، أحدهما شمالى (الصين الشمالية) وعاصمته «بكين»، وكان تحت حكم أسرة «كين» التى سيطرت عليه، والقسم الآخر جنوبى، وكان يضم الأقاليم الجنوبية، التى سيطرت عليها أسرة «سونج»، وقد اتخذت من مدينة «هانج تشيو» عاصمة لها. ثانيًا: الدولة الأويغورية: وهى دولة مستقلة كونها جماعة من الأتراك الأويغور فى «التركستان» شمالى غرب أواسط آسيا، وكانت هذه الدولة ذات حضارة متميزة؛ أسهمت بنصيب وافر فى جذب القبائل البدوية فى المناطق المجاورة إلى الأخذ بمظاهرها. ثالثًا: الدولة القراخطائية: وتقع فى الجنوب الغربى بين «مملكة الخوارزميين» من جهة الغرب، ومساكن المغول فى الشرق، وكانت تمثل - بموقعها هذا- حائط الصد

الفاصل لهجمات القبائل المغولية على «الدولة الخوارزمية»، التى فصلها «نهر سيحون» عن ممتلكات القراخطائيين. رابعًا: الدولة الخوارزمية: وحكمت فيما وراء «نهر سيحون»، وكانت الدولة الإسلامية الوحيدة بين دول هذه المنطقة، وقد بسطت هذه الدولة حكمها على «إيران» كلها تقريبًا، وشاركها فى حكم البلاد الفارسية دولة قوية أنشأها «الإسماعيلية» فى المنطقة الواقعة جنوب بحر «قزوين» فى عام (483هـ)، ثم بسطت حكمها على أجزاء أخرى من إيران. وإلى جانب ذلك كان هناك مجموعة من قبائل البدو الرحَّل فى أقصى الشمال على حدود «سيبيريا المغولية»، وفى إقليم «السهوب» شمالى صحراء «جوبى»، وكانوا أشبه بخلية النحل من حيث كثرة تحركاتهم وتنقلاتهم من مكان إلى مكان، وتمتعهم بصفات بدنية تتناسب مع البيئة التى عاشوا فيها، حيث كانت تجتاحها الرياح الثلجية فى الشتاء، والملتهبة الحرارة خلال الصيف القصير. وكانت هذه القبائل تنقسم إلى مجموعات لاحصر لها؛ تتفاوت فيما بينها من حيث عدد أفرادها، ومناطق نفوذها، وأشهر هذه القبائل: 1 - قبائل التتار: وهى من أشد قبائل الجنس الأصفر وحشية وجبروتًا، وتعيش فى صراع دائم فيما بينها، كما كانت خاضعة فى أغلب الأوقات لحكام «الصين الشمالية» من أفراد أسرة «كين»، وقد عاشت هذه القبائل حياة متدنية للغاية، ولبس أفرادها جلود الكلاب والفئران وغيرها من القوارض، كما أكلوا من لحومها. وكانوا من ألد أعداء المغول، ويناصرون الثائرين عليهم، فلما أصبح «جنكيزخان» قائدًا للمغول تمكن من القضاء على قبائل التتار، ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل، وعلى إثر ذلك أطلق اسم «التتار» على «جنكيزخان» وأتباعه من المغول تيمنًا بما فعلوا، ولم يمضِ وقت طويل حتى أطلق عليهم اسم «المغول» أيضًا، فعرفوا بالاسمين معًا. 2 - قبائل كرايت: وكانت تسكن الواحات الشرقية الداخلية لصحراء «جوبى»، وامتدت مساكنهم حتى «سور الصين العظيم»، وظلت

أقوى القبائل فى المنطقة المغولية فى القرنين الخامس والسادس الهجريين، وبسطت نفوذها وسيطرتها على معظم القبائل المجاورة لها والمحيطة بها، واعتنق ملكُ «الكرايت» المسيحية فى سنة (398هـ)، فتبعه رعاياه، وعرفت هذه القبائل فى «أوربا» منذ ذلك الحين. 3 - قبيلة نايمان: إحدى القبائل التركية التى غلب عليها الطابع المغولى، وقد اعتنقت هذه القبيلة المسيحية، شأنها شأن قبائل «كرايت»، ومع ذلك فإن أفرادها ناصبوا قبائل «كرايت» العداء، وكثيرًا ما نشبت الحروب بينهم. 4 - المغول: نشأ «المغول» الأصليون فى المنطقة المعروفة باسم «هضبة منغوليا» شمالى صحراء «جوبى»، وتنقسم منغوليا إلى قسمين: قسم شمالى غربى، به جبال كثيرة؛ تتخللها وديان تغطيها الحصباء، وقسم جنوبى شرقى، منخفض؛ يشمل بقية صحراء «جوبى»، وهو سهل متسع، تغطيه طبقة من الحصباء شديدة الصلابة، وكانت القبائل المغولية فى هذه المنطقة تعيش مستقلة عن بعضها، وتتقاتل فيما بينها، أو مع جيرانها، ولاسيما التتار. وقد ظهرت طائفة «قيات» التى نشأ فيها «جنكيزخان» من بين هذه القبائل. امتاز مناخ هذه المنطقة بشتاء طويل تشتد فيه البرودة، وتهطل فيه الأمطار، وتنخفض درجة الحرارة فى بعض جهاتها إلى (58) درجة تحت الصفر، فتتجمد المياه، فإذا ما حل الصيف القصير -بضعة أسابيع- تشتد الحرارة وترتفع درجاتها - أحيانًا - إلى (60) درجة مئوية. وقد انقسمت القبائل المغولية من حيث المعيشة والعمل إلى نوعين: الأول: عمل بالرعى، ويعيش إلى جوار المراعى. والنوع الآخر: عمل بصيد الأسماك من الأنهار، والحيوانات من الغابات، لذا فقد كانت هذه القبائل تبدو أكثر بدائية وتوحشًا، ولا علاقة لها بالعالم المتحضر - بسبب معيشتهم بالغابات - إلا عن طريق القبائل الرحالة، التى استفادت من جوارها للأويغوريين المتحضرين، ولامبراطورية «كين» فى «الصين الشمالية»، ومع ذلك لم يكن لهم

نصيب من الحياة الحضرية، إذ لم تكن لهم مدن يعيشون فيها، وإنما كانوا دائمى الترحال من مكان إلى آخر، وقد أقاموا خيامهم على عربات ذات عجل؛ كى يسهل نقلها معهم فى ترحالهم. والواقع أن بيئة هذه المناطق فرضت على المغول أن يعيشوا فى نزاع وصراع من أجل البقاء، فضلا عن أنهم كانوا لا يؤمنون بدين ولا شريعة، ولا يعرفون حلالا أو حرامًا، ولا منطق بينهم إلا للقوة، ولاحكم إلا للسيف، ولذلك كانوا يشكلون ضغطًا متواصلا على الدول المتحضرة التى تعيش إلى جوارهم، وينتهزون الفرصة للإغارة عليها. فكان لابد لهذه الحالة من الفوضى السياسية والاجتماعية - التى كانت تعيشها هذه القبائل المغولية - أن تتمخض - فى النهاية - عن وجود شخصية قوية توحد شتاتها، وتكوِّن منها دولة فتية موحَّدة، فظهر شاب مغولى اسمه «تموجين» هو نفسه «جنكيزخان»، ونجح بعد كفاح طويل فى تأسيس وبناء امبراطورية المغول الفسيحة، فامتدت حدودها بين «الصين» شرقًا، و «بحر الإدرياتيك» غربًا.

4 - 2:نشأة الامبراطورية المغولية

الفصل الثاني *نشأة الامبراطورية المغولية أولا: جنكيزخان وتوحيد القبائل: وُلد «جنكيزخان» فى سنة (549هـ = 1154م)، بإحدى المناطق المغولية، وكان أبوه «يسوكاى بهادر» رئيسًا لقبيلة «قيات» المغولية، وكان يحارب - أحيانًا- القبائل المجاورة له، كما كان يصطدم ببعض قبائل التتار، وقد خرج مرة لمحاربة رئيس إحدى القبائل التترية، وانتصر عليه، وتمكن من أسره وقتله، فلما عاد إلى موطنه وجد امرأته قد ولدت مولودًا، فأسماه «تموجين» بنفس اسم رئيس قبيلة التتار الذى تمكن من أسره وقتله، تيمنًا بانتصاره عليه. عاش «تموجين» حياة عز ودلال فى مطلع حياته، إلا أنه لم ينعم بها طويلا، حيث مات أبوه وهو فى الثالثة عشرة من عمره، فتغير الحال، وانفض عنه أكثر الناس، واضطر إلى الاعتماد على نفسه فى رعاية أسرته، فكونت هذه الفترة شخصيته، وطبعته بطابع الجد والصرامة، لدرجة أنه كان يستطيع أن يبقى ثلاثة أيام دون طعام أو شراب، فلما بلغ السابعة عشرة من عمره التف حوله جماعة من الناس، وتمكن من خلالهم أن يكون قوة يُخشى بأسها فى المنطقة، فبدأ يفرض نفوذه على القبائل المجاورة، واحدة تلو الأخرى. كانت شخصية «تموجين» القوية من بين الأسباب التى دفعت الناس إلى الالتفاف حوله، فبدأ بفرض نفوذه، ثم السيطرة على القبائل الكبيرة، وتمكن فى سنة (599هـ) من إحراز نصر كبير على قبيلة «كرايت»، وأسرعت القبائل الأخرى إلى الدخول فى طاعته، وقضى على ملك «النايمان»، ودخلت قبائله تحت إمرته فى سنة (600هـ)؛ التى اجتمعت فيها القبائل وأجمعت على اختيار «تموجين» إمبراطورًا لها تحت اسم جنكيزخان. وتُعدُّ هذه السنة بداية للدولة المغولية، التى وضع لها «جنكيزخان» مجموعة من القوانين الصارمة عرفت باسم «دستور الياسّا» فى عام (603هـ)، وكان على كل من يخضع لهذه القوانين أن يدين لها بالولاء، أما من يخرج عليها فليس له من جزاء إلا القتل فورًا، وهكذا

استطاع «جنكيزخان» أن يوحد شتات هذه القبائل فى دولة واحدة تخضع لدستور واحد، واستغل قُوى هذه الأقوام والقبائل فى تكوين جيش قوى استطاع به - بعد ذلك- أن يطيح بالدول المجاورة له، الواحدة تلو الأخرى. ثانيًا: سيطرة «جنكيزخان» على الدول المجاورة: 1 - الدولة الأويغورية وانضمامها إلى امبراطورية جنكيزخان: دخل «الأويغور» فى طاعة ملك «الخطا»، الذى أرسل إليهم قوات من عنده لكنها أساءت معاملة الأهالى الأويغوريين، فهاجمتها الأهالى وقضت عليها، فأرسل إليهم «ملك الخطا» قوة كبيرة تمكنت من إخضاع «الأويغور» لسطوتها، ونكلت بهم أشد أنواع التنكيل، فبعث «الأويغور» إلى «جنكيزخان» يطلبون منه المساعدة، فى الوقت الذى ثاروا فيه على جنود «الخطا»، وتمكنوا منهم وقتلوا رئيسهم، ثم دخلوا بعد ذلك تحت حماية «جنكيزخان» فى سنة (606هـ)، ونتيجة لذلك فقد شاع «الخط الأويغورى» بين أتباع «جنكيزخان»، وأصبحوا يدَوِّنون به سجلاتهم وكتاباتهم. 2 - سيطرة جنكيز على أقاليم الصين الشمالية: لاحظ «جنكيزخان» أن ملوك «الصين» الشمالية يحاولون الوقيعة بين القبائل المغولية الخاضعة لسيطرته، ويعملون على تأليب أفراد هذه القبائل عليه وعلى قبيلته، فخرج إليهم على رأس جيش كبير، وأخذ معه كل أبنائه فى قيادة هذا الجيش، ودخل فى حروب متواصلة، بدأت فى عام (608هـ)، وانتهت فى عام (612هـ)، حين سيطر «جنكيز» على العاصمة «بكين»، واستولى على كنوز «الصين» ونفائسها، فارتقت حياة المغول، وصاروا يصنعون خيامهم من الحرير، ويرصعون سيوفهم بالجواهر. وقد انتفع المغول من خبرات «الصين» العسكرية؛ إذ تمكن الصينيون من اختراع البارود، وتطوير آلات الحرب القديمة وعدتها، مثل «المجانيق» و «العَرَّاوات» وغيرها، مما مكنهم من فتح أحصن القلاع وأمنعها، وأصعب المناطق العسكرية، كما استفادوا من استيلائهم على «بكين» الأثر النفسى الذى تكوَّن لدى الناس من المفاجأة التى

سيطرت عليهم حين سمعوا بأن مجموعة من القبائل البربرية الهمجية قد أطاحت بدولة كبرى مثل «الصين الشمالية»، ولم يستطع بعض الملوك تصديق هذا الحدث، مثلما فعل «محمد خوارزمشاه» الذى لم يصدق هذا الأمر حتى سنة (615هـ)، وبعث ببعض خاصته تحت رئاسة أحد العلماء فى بعثة استكشافية للتحقق من صحة هذا الخبر، فلما تيقن من ذلك أبدى دهشته، ووقر فى نفسه أن هذه القوة الوليدة لابد أنها تمتلك قوة خارقة، وعليه أن يحتاط لذلك، وسيطر عليه هاجس امبراطورية المغولية الوليدة، وهكذا نُصر المغول بالرعب، وخافهم الملوك، ورؤساء الدول المحيطة بهم. ثم عاد «جنكيزخان» من «الصين» إلى بلاده فى سنة (618هـ)، لكى يطارد رؤساء القبائل الفارِّين منه، والذين تسببوا فى إحداث بعض الاضطرابات والمشاكل فى بلاده. 3 - قضاء جنكيزخان على الدولة القراخطائية: فر عدد من رؤساء القبائل وأبنائهم من وجه «جنكيزخان» إبان المذابح التى قام بها أثناء محاولته توحيد شتات القبائل التركية المغولية، وكان من بينهم «كوجلك خان» ابن ملك قبائل «النايمان» الذى هام على وجهه متوجهًا نحو الغرب وبصحبته مجموعة من جنوده، حتى عبر حدود «الدولة القراخطائية»، فتم القبض عليه وعلى من معه، وأمر «كورخان» ملك هذه الدولة بإيداعهم السجن. وأثناء ذلك نشب نزاع بين القراخطائيين والخوارزميين، حيث امتنع السلطان «علاء الدين محمد خوارزمشاه» عن دفع الجزية السنوية التى كانت تدفع للدولة القراخطائية»، وكان مقدارها ثلاثين ألف دينار، وكان السلاطين الخوارزميون يوصون أبناءهم بدفع هذه الجزية لهم؛ لأنهم يمثلون السد الذى يمنع عن بلادهم غارات القبائل الهمجية من جهة الشرق، فلما امتنع «محمد خوارزمشاه» عن دفع هذه الجزية، كان لابد من قيام الحرب بين الطرفين. استطاع «كوجلك خان» - من سجنه - أن يخدع «كورخان» ملك «الخطا» ويقنعه بأنه خير معين له فى حربه ضد «خوارزمشاه»، وأنه

يستطيع بسهولة أن يجمع جيشًا كبيرًا من الجنود الذين فروا أمام «جنكيزخان»، وأن بوسعه أن يلحق الهزيمة بخوارزمشاه. وكان «كورخان» فى حاجة إلى من يساعده، فوافق على عرض «كوجلك»، وأطلق سراحه، وأمَّنه، وسمح له بالخروج لجمع الجنود وتكوين الجيش، فما كان من «كوجلك» إلا أن اتصل بمحمد خوارزمشاه واتفق معه على أن يجمع جيوشه ويهاجم القراخطائيين جهة الشرق، فى الوقت الذى يهاجمهم فيه الخوارزميون من الجهة الغربية، مقابل اقتسامها، فوافقه «محمد»، وتم تنفيذ هذا المخطط، وتمكن «كوجلك» من قتل «كورخان»، ثم تزوج ابنته بعد أن ارتد عن دينه إلى البوذية من أجل هذا الزواج. اضطهد «كوجلك» المسلمين فى المناطق التى سيطر عليها، وأخذ يُضيِّق عليهم، ويستولى على أرزاقهم، ويمنعهم من أداء شعائرهم، ويهدم مساجدهم، ويمنعهم من رفع الأذان، ويحاول إرغامهم على ترك الدين الإسلامى واعتناق البوذية، فضج المسلمون من ذلك وطلبوا العون من «جنكيزخان»، فأرسل إليهم جيشًا بقيادة أحد قادته الكبار للتخلص من «كوجلك»، وتمكن هذا الجيش ببراعة عسكرية فائقة من القضاء على جيش «كوجلك» فى وقت قصير جدا، وفر «كوجلك» من أمام القائد المغولى، ولكن المغول تتبعوا خطواته حتى أدركوه، وقضوا عليه فى سنة (615هـ). دهش «محمد خوارزمشاه» من الطريقة التى تمكن بها القائد المغولى من السيطرة على «الدولة القراخطائية»، فى حين أنه كان يخشى بأس «كوجلك» ويهابه، لدرجة أنه أمر سكان القرى الحدودية بينه وبين دولة «كوجلك» بهجرها حين دب خلاف بينهما، خشية أن يهاجمه «كوجلك»، فشعر بالقلق وسيطر عليه الخوف، خاصة أن بلاده أصبحت مجاورة لأملاك «جنكيزخان» بعد أن ساعد هو نفسه فى زوال «الدولة القراخطائية» التى كانت بمثابة حائط الصد المنيع لبلاده ضد غارات المغول البربر. الخوارزميون والمغول: حدث صدام بين السلطان «محمد خوارزمشاه» وفيلق من المغول فى

سنة (612هـ) بعد أن تغلب المغول بقيادة «جنكيزخان» على جميع البلاد المتحضرة المجاورة لهم فلم يقصدوا بلدًا إلا فتحوه، حتى بلاد «الصين» التى ظلت فى نظر القبائل المغولية أرضًا لايمكن أن تستباح حرمتها بأية قوة، تمكن «جنكيزخان» من دخولها، وفتح «بكين» عاصمة «الصين الشمالية» فى سنة (612هـ)، التى وقع فيها الصدام بين الخوارزميين والمغول حين قاد أحد زعماء القبائل الفارين من وجه «جنكيزخان» مجموعة من أبناء قبيلته وانطلق شمالا، واستقر فى منطقة قريبة من نفوذ الخوارزميين، فأرسل «جنكيزخان» ابنه «جوجى» (توشى) على رأس فرقة صغيرة من جنوده لتعقب هؤلاء الفارين، فقضى «جوجى» عليهم، ثم عاد أدراجه قاصدًا «منغوليا»، فالتقى فى طريق العودة بجيش كان يقوده السلطان «محمد خوارزمشاه» بنفسه، فبعث «جوجى» إليه برسالة مؤداها أن المغول ما قدموا إلا من أجل دفع الثوار الخارجين، ولم يأتوا لمحاربة المسلمين، وليست عندهم أوامر بذلك، فلما قرأ «السلطان محمد» الرسالة ركبه الغرور، وأعلن الحرب عليهم، وهاجمهم، واستمرت الحرب سجالا بين الطرفين طيلة النهار حتى أتى الليل، فأشعل المغول النار فى معسكرهم، ثم انسحبوا فى جنح الليل، واكتشف السلطان أمرهم عند طلوع النهار، فأثر ذلك فى نفسه وترك بداخله جرحًا عميقًا وخوفًا شديدًا، فقد رأى بنفسه ما يتمتع به هؤلاء المغول من مقدرة على خوض غمار الحروب. فلما هاجم المغول بلاده - بعد ذلك - أخذ يتقهقر أمامهم بغير انتظام، وفقد القدرة على مواجهتهم ومنازلتهم، وقد استولت عليه الدهشة عندما سمع بنبأ فتح المغول للعاصمة الصينية «بكين»، ولم يصدق ذلك حيث كانت «الصين» تتمتع بنظام إدارى وعسكرى فريد، وبعث «بهاء الدين الرازى» أحد أركان دولته لاستطلاع هذا الخبر، فلما تأكد «الرازى» من صحة الخبر، عاد إلى السلطان «محمد خوارزمشاه» ووصف له ما رأى خلال رحلته بقوله: «عندما وصلنا إلى

حدود طمغاج واقتربنا من عاصمة التون خاتون (أى عاصمة أباطرة الصين الشمالية وهى بكين) تراءى لنا من مسافة بعيدة أكمة بيضاء عالية .. تلك الأكمة العالية تبعد عن المكان الذى كنا فيه نحو مسيرة ثلاثة أيام أو أكثر، فخيل إلينا نحن مبعوثى خوارزمشاه أن تلك الأكمة العالية ربما كانت جبلا تكسوه الثلوج، فسألنا المرشدين وأهل المنطقة، فقالوا لنا: إنما هى مجموعة عظام الذين قُتلوا. وعندما تقدمنا مرحلة أخرى فى الطريق، كانت الأرض قد صارت لزجة سوداء (بسبب ما اختلط بها من دماء الآدميين) .. وعندما وصلنا إلى أبواب طمغاج وجدنا فى موضع أسفل برج القلعة عظامًا آدمية كثيرة، فاستفسرنا عنها، قيل: إنه فى يوم فتح المدينة ألقى أهلها بعشرين ألف فتاة عذراء من هذا البرج، فهلكن هناك حتى لا يقعن فى أيدى جيش المغول، فهذه العظام كلها ما هى إلا رفات تلك الفتيات. وعندما شاهدنا «جنكيزخان» أحضروا أمامنا ابن التون خان (إمبراطور الصين) ووزيره مقيدين .. ولدى عودتنا أرسلوا معنا إلى خوارزمشاه الكثير من التحف والهدايا، وقال لنا: قولوا لمحمد خوارزمشاه: إننى ملك مشرق الشمس، وأنت ملك مغرب الشمس، وبيننا عهد ومودة ومحبة وصلح مستحكم، فليستمر التجار، ولتستمر القوافل رائحة غادية بين الطرفين، ولينقلوا إليك الطرائف والسلع التى فى ولايتى، وبلادك أيضًا يكون لها نفس الحكم. كان السلطان «محمد» -آنذاك- يشعر أنه فى أوج قوته، فقد استطاع بسط سيطرته ونفوذه على «إيران» بأكملها عدا ولايتى «فارس» و «خوزستان»، وضم «العراق» وبلاد «ما وراء النهر» و «تركستان الشرقية»، وفكر - فى وقت ما - فى غزو بلاد «الصين» وضمها إلى حوزته، كما فكر فى أن تكون له الهيمنة على «بغداد» والخلافة العباسية، كما كانت لسلاطين السلاجقة، ولكن أمله خاب فى هذا الشأن حين هاجمت جيوشه العواصف والأمطار الغزيرة والثلوج، ومات عدد كبير من جنوده وهلكت خيوله فى طريقه إلى غزو «بغداد»،

فعاد إلى بلاده خائبًا منكسرًا فى سنة (614هـ)، فكانت هذه أول صدمة صادفته منذ ولى أمور الحكم فى سنة (596هـ)، ولذلك قال أحد المؤرخين: «إن هيبة السلطان قد قلت فى قلوب الناس بعد عودته من العراق، وعد الناس قصده دار الخلافة شؤمًا عليه». لم يعد «السلطان محمد» إلى بلاده مباشرة حين رجوعه من «العراق»، وإنما توجه إلى بلاد «ما وراء النهر»، واستقبل هناك وفدًا من تجار المغول المسلمين، برئاسة «محمود الخوارزمى» الذى تنتمى أسرته إلى إقليم «خوارزم»، حاملا رسالة من «جنكيزخان» إلى «السلطان محمد» يقول له فيها: «إن الخان الكبير (يعنى جنكيز) يسلم عليك، ويقول: ليس يخفى علىَّ عظيمُ شأنك، وما بلغت من سلطانك، ولقد علمت بسطة ملكك، وإنفاذ حكمك فى أكثر أقاليم الأرض، وأنا أرى مسالمتك من جملة الواجبات، وأنت عندى مثل أعز أولادى، وغير خافٍ عليك - أيضًا- أننى ملكت الصين وما يليها من بلاد الترك، وقد أذعنت لى قبائلهم، وأنت أخبر الناس بأن بلادى مثارات العساكر، ومعادن الفضة، وإنها لغنية عن طلب غيرها، فإن رأيت أن تفتح للتجار فى الجهتين سبيل التردد، عمت المنافع وشملت الفوائد. شعر «السلطان محمد» بغيظ شديد تجاه هذه الرسالة، إذ كانت تحمل فى طياتها طابع التهديد والوعيد، فضلا عن الإهانة التى شعر بها حين اعتبره «جنكيزخان» فى منزلة الابن، وهذا يعنى التبعية للمغول، ومهما يكن من أمر فقد وافق «السلطان محمد» على إبرام المعاهدة التجارية التى عرضها عليه «جنكيزخان» إلا أنه سرعان ما قضى عليها بنفسه وهى مازالت فى مهدها، لشعوره بأنه مازال قويا، ويجب عليه ألا يعبأ بهؤلاء الهمج من المغول، فضلا عما عرف عنه من تكبر، وبغض للتواضع والتملق والمداهنة. بعث «جنكيزخان» - ثانية- برسالة إلى «السلطان محمد»، وكان يحملها مجموعة من التجار وبصحبتهم عدد من أتباع «جنكيزخان»، وكانت القافلة كلها من المسلمين، ووصلت إلى مدينة «أترار» التى

تقع على حدود ممالك «السلطان محمد»، فطمع «نيال خان» حاكم هذه المدينة فى الهدايا التى تحملها هذه القافلة، وبعث إلى «السلطان محمد» يخبره بأمرهم، وشكه فى أنهم ربما يكونون جواسيس، فأمره السلطان بقتلهم على الفور، فقتلهم جميعًا إلا رجلا واحدًا تمكن من الفرار، وذهب إلى بلاط «جنكيز» وأخبره بما حدث، فاستشاط غضبًا، وهاله الأمر. كان «جنكيزخان» يظن أن «الدولة الخوارزمية» دولة قوية متماسكة، وليس بوسعه غزوها، إلا أنه أدرك أن الحرب مع الخوارزميين لا مفر منها، وعليه أن يتريث قليلا حتى يعد لذلك العدة، فبعث برسالة يحملها وفد رسمى من أتباعه المسلمين إلى «السلطان محمد»، يقول له فيها: «إنك قد أعطيت خطَّك ويدك بالأمان للتجار ألا تتعرض لأحد منهم، فغدرت ونكثت، والغدر قبيح، ومن سلطان الإسلام أقبح، فإن كنت تزعم أن الذى ارتكبه نيال خان كان من غير أمر صدر منك، فسلِّم نيال خان إلىَّ، لأجازيه على ما فعل، حقنًا للدماء، وتسكينًا للدهماء، وإلا فأذن بحرب ترخص فيها غوالى الأرواح». رفض «السلطان محمد» احتجاج «جنكيزخان» كما رفض تسليم «نيال خان»، وأمر بقتل الوفد المغولى الذى حمل إليه الرسالة، وكان ذلك فى عام (615هـ)، الذى بدأ «جنكيزخان» فيه الاستعداد لحرب الخوارزميين، ووضع خطة لذلك، وبدأها بتأمين ظهره من المناوئين لسلطته، وقضى على دولة «النايمان» وحاكمها «كوجلك خان»، فبات الطريق أمامه مفتوحًا لغزو «الدولة الخوارزمية. تسرب القلق والحيرة إلى نفس السلطان «محمد»، وغلب عليه التوتر والخوف، وجفاه النوم، كلما سمع باقتراب المغول من بلاده، وأشار عليه بعض مستشاريه بجمع جيش كبير يقف به على ساحل «نهر سيحون»؛ ليحول دون عبور المغول إلى بلاد «ما وراء النهر»، ولكن الأمراء الخوارزميين أشاروا عليه بأن يستدرج المغول ويدعهم يعبرون إلى بلاد «ما وراء النهر»، ثم يستدرجهم إلى الجبال والممرات

التى يصعب عبورها، ثم ينقض عليهم بجيوشه من كل جانب، فراقت هذه الفكرة «السلطان محمد»، وفرق جيشه وأمراءه على المدن الرئيسية ببلاد ما وراء النهر. ولبث محمد خوارزمشاه ينتظر المغول، ثم ترك جيوشه وقواده ببلاد «ما وراء النهر» وعاد إلى «خراسان» بسبب بعض الأمور الداخلية التى أقلقته، والتى كان من أبرزها سيطرة أمه وزيادة نفوذها على البلاد والجيش، لدرجة أنها تفوقت عليه فى النفوذ. فلما وصل «جنكيزخان» إلى بلاد «ما وراء النهر»، قسم جيوشه عليها، وتمكن من السيطرة على هذه المنطقة فى وقت قصير، واستولت جيوشه على «أترار» و «بخارى» و «سمرقند»، وأمهات مدن بلاد «ما وراء النهر»، ولم يجد المغول المقاومة الشرسة التى انتظروها، فأدرك «جنكيزخان» حالة السلطان النفسية، وعمد إلى المبالغة فى القتل والسلب والنهب ليزداد خوف الخوارزميين وغيرهم، وقتل سكان مدينة «أترار» عن بكرة أبيهم، وأحرق «بخارى» عن آخرها، وقتل كثيرًا من سكانها، وأخذ من بقى منهم على قيد الحياة رقيقًا؛ ليستخدمهم فى حروبه التالية، فجمع الخوارزميون أمرهم على بناء سور عظيم حول مدينة «سمرقند» آخر أمل لهم فى الصمود والبقاء، ولكن المغول كانوا أسرع منهم ووصلوا إلى «سمرقند» قبل أن يشرعوا فى بناء سورها، وتمكنوا من اقتحام هذه المدينة، فانهار «السلطان محمد» وأخذ يولى الأدبار من مكان إلى مكان، وأرسل بعض أتباعه لكى ينقلوا زوجاته وبنيه من «خوارزم» إلى «مازندان»، فانتقلت عدوى الخوف والاضطراب من السلطان الهارب إلى ثقاته وأتباعه ومستشاريه، واختلفت بينهم الآراء فيما ينبغى أن يقوموا به فى سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، واستقر الأمر بالسلطان إلى أن اختار التوجه إلى بلاد العراق العجمى غربى «إيران»؛ ليبتعد بنفسه وجيشه قدر الإمكان عن هؤلاء الغزاة، ثم يستجمع قواه وجنوده، ويستعد للقاء المغول، وعاد من جديد وولى وجهه شطر الشمال الغربى إلى «نيسابور»، وأثناء ارتحاله سمع بسقوط

«بخارى» و «سمرقند» فى أيدى المغول فزادت حالته النفسية سوءًا. ومما لاشك فيه أن السرعة التى تمتعت بها جيوش المغول فى الاقتحام والتوغل، كانت من العوامل التى تركت آثارًا نفسية بعيدة الغور فى نفوس المسلمين، مثلها فى ذلك مثل المذابح الرهيبة التى نصبوها بعد فتح المدن المحاصرة؛ وهى المدن التى تركوها خرابًا يبابًا، ليس فيها نفس واحد يتردد، كمدينة «نيسابور» التى قتلوا كل من فيها من الأحياء حتى القطط والكلاب، وبقروا بطون الحوامل، وأخرجوا الأجنة منها وذبحوها. ولاشك أنه كانت هناك أسباب أخرى أدت إلى حدوث هذه الحالة من الشلل التى أصابت تفكير الناس وحركتهم تجاه المغول أثناء غزوهم لبلادهم، فإلى جانب السرعة التى تمتع بها المغول فى التحرك والقسوة المتعمدة، ساعد مظهرهم البغيض، وما كانوا عليه من عادات قبيحة كريهة على زيادة الرعب والفزع والقلق والخوف فى قلوب الناس. وكان المغول إذا أرادوا الإغارة على مدينة، بعثوا برسالة إلى أهلها ويختمونها بقولهم: «ولسنا نعلم ماذا تفعل بكم الأقدار إذا لم تسرعوا إلى تقديم الخضوع والاستسلام لنا، والله وحده هو الذى يعلم ما هو نازل بكم». وهكذا نظر المسلمون إلى المغول وتصرفاتهم بالكثير من الاشمئزاز والنفور والكراهية، باعتبارهم غير خاضعين للمقاييس والمعايير الإنسانية الأساسية، ولذلك امتلأت نفوس الناس بالرعب منهم. تعرض «السلطان محمد» لمحاولة قتله على أيدى بعض المتمردين من قادته قبل أن يدخل «نيسابور»، إلا أنه تمكن من النجاة، وسارع بالتوجه إلى «نيسابور»، فلما دخلها جاءته الأخبار بأن «جنكيزخان» بعث جيشًا كبيرًا فى أثره للقضاء عليه، فانطلق بقواته المتبقية إلى الشمال الغربى، فما لبثت هذه القوات التى كانت تصاحبه أن انفرط عقدها، وتفرقت من حوله، واستطاع «السلطان محمد» أن يهرب بنفسه ومعه بعض أولاده إلى جزيرة منعزلة فى «بحر قزوين»، ثم

اعتلت صحته، واهتدى الجيش المغولى الذى كان يطارده ويتعقبه إلى القلعة التى كانت تختبئ فيها زوجاته فى «مازندان»، فاقتحموها وأسروا زوجاته، وقتلوا مَنْ وجدوه بالقلعة من أبنائه ورجاله، فلما علم «السلطان محمد» بذلك فقد وعيه، واستولى عليه القلق والاضطراب، وأخذ يبكى بكاءً مرا حتى وافاه أجله فى سنة (617هـ) بعد أن استولى المغول على معظم أقاليم «إيران» وأحسنها. وهكذا كان للعامل النفسى دوره واعتباره فى حروب «جنكيزخان» على «الدولة الخوارزمية»، وهو دور لا يقل أهمية عن الدور الذى لعبته العوامل السياسية والعسكرية التى تسببت فى هزيمة الخوارزميين واندحارهم أمام الغزاة. السلطان جلال الدين المنكبرتى وجهاده ضد المغول: المرحلة الأولى من جهاد جلال الدين: كان السلطان «محمد خوارزمشاه» - قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة - قد منح ولاية العهد لابنه الأكبر «جلال الدين»، المعروف باسم «منكبرتى» بدلا من ابنه «أوزلاغ» المعروف باسم «قطب الدين»، وتوجه «جلال الدين» -عقب وفاة أبيه- إلى «خوارزم»، فقوبل بمعارضة شديدة من أتراك «القنفلى» الذين يتكون منهم عصب الجيش، حيث كانوا يرغبون فى أن يكون «غياث الدين» سلطانهم؛ لأن أمه من طائفتهم، ولم يكتفِ هؤلاء الجنود بالمعارضة، بل دبروا لقتل «جلال الدين»، إلا أنه تمكن من الفرار بأتباعه عبر الصحراء إلى «غزنة»، التى كان هو واليها فى عهد أبيه، ويعرفه الناس هناك ويحترمونه ويقدرون كفاءته العسكرية وأعماله البطولية. واستطاع هناك تكوين جيش كبير بلغ ثلاثين ألف مقاتل، وانضمت إليه الفلول التى كانت هاربة من المغول، وبذلك ألحق هزيمة كبيرة بمقدمة أرسلها المغول للبحث عنه فى هذه المنطقة فى سنة (618هـ.) خشى «جنكيزخان» أن يتسع نفوذ «جلال الدين» فأرسل جيشًا كبيرًا بقيادة أحد كبار القادة المغول لمحاربته، فالتقى الجيشان بالسهول القريبة من «بروان»، واستطاع «جلال الدين» أن يلحق

هزيمة ساحقة بالجيش المغولى، وسمع الناس بذلك ففرحوا فرحًا شديدًا، وثار أهالى «هراة» فى وجه رئيس الحامية المغولى وقتلوه هو وجنوده، فبعث «جنكيز» بابنه «تولوى» إلى هذه المدينة، فدمرها وقتل جميع سكانها، وخرج «جنكيز» بنفسه على رأس جيش كبير لملاقاة «جلال الدين»، فى الوقت الذى حدث فيه خلاف بين اثنين من قادة «جلال الدين» على توزيع الغنائم، وانسحب أحدهما بجنوده تاركًا «جلال الدين» فى هذه الظروف الحرجة، فاضطر إلى الانسحاب بجنوده صوب بلاد «الهند» - حين سمع بقدوم المغول- ولكن «جنكيز» أدركه، ودارت بينهما معركة حامية؛ أبلى فيها «جلال الدين» بلاءً حسنًا، ولكن جيش «جنكيز» كان أقوى عدة وأكثر عددًا فأدرك «جلال الدين» أنه لا فائدة من القتال، وانطلق صوب «نهر السند» وعبره بجنوده، فلم يصل منهم إلى الجانب الآخر من النهر إلا أربعة آلاف فارس، وبقى «جلال الدين» فى بلاد «الهند» بضع سنوات (618 - 622 هـ)، ثم عاد بعدها إلى إيران. وفاة جنكيزخان وتقسيم الإمبراطورية المغولية: بعد أن سيطر «جنكيزخان» على كل المنطقة الشرقية من العالم الإسلامى، وعين عليها ولاة من قِبَله؛ عاد إلى بلاده، ثم تُوفى فى سنة (624هـ)، فعقد المغول مجلسًا عاما للمشاورة فيمن يخلفه على العرش، واتفقوا على أن يتولى العرش «تولوى» أصغر أبنائه، ثم قسمت - بعد ذلك - الأراضى التى سيطر عليها المغول بين أبناء «جنكيز» الأربعة: جوجى: واختص بالجزء الواقع «جنوب روسيا» الحالية، ويبدأ من جنوب «بحر قزوين» فى الغرب حتى سواحل «نهر آرتش» فى الشرق، وكان اسم هذه البلاد «القبجاق»، وعرف أبناء «جوجى» باسم «القبيلة الذهبية» نسبة إلى المخيمات التى اتخذوها لأنفسهم بلون الذهب. جغتاى: واختص بالقسم الذى يضم بلاد «الأويغور» ومنطقة بلاد ما وراء النهر. أوكتاى: واختص بجزء صغير فى غربى منغوليا. تولوى: واختص بالمنطقة الأصلية التى عاش فيها المغول.

ثم ما لبث المغول أن اختاروا «أوكتاى» إمبراطورًا أعظم للمغول فى سنة (626هـ). المرحلة الثانية من كفاح جلال الدين: انتهز «جلال الدين» فرصة انشغال المغول عن البلاد الفارسية بعد وفاة «جنكيز» وانطلق بجيشه نحو «إيران»، وعبر «نهر السند»، ودخل فى حروب عديدة مع مَن رآهم سببًا فيما حلَّ بالدولة الخوارزمية، فحارب «الأتابكة» فى «فارس» و «كرمان» و «يزد»، ثم حارب الخليفة العباسى، وانتصر عليهم جميعًا، ولكن مجموعة من الولاة الذين يحكمون بلاد «ما وراء النهر» بقيادة «الملك الأشرف الأيوبى» فى «الموصل»، تمكنوا من إلحاق الهزيمة بجلال الدين، فاستغل «الإسماعيلية» الفرصة وأرسلوا إلى «أوكتاى» إمبراطور المغول يخبرونه بأن الحلف العربى هزم «جلال الدين»، وقد أقدم «الإسماعيلية» على ذلك لأن «جلال الدين» حاربهم من قبل وانتصر عليهم، فجرد «أوكتاى» جيشًا كبيرًا قوامه (50) ألف جندى بقيادة أشهر قواده «جرماغون»، الذى تمكن من مطاردة «جلال الدين» وتفريق جيشه، ففر «جلال الدين» فى سنة (628هـ) إلى «الجبال الكردية» الواقعة فى منطقة «جبال بكر»، فقتله هناك أحد الأكراد حين عرف أنه السلطان، ثأرًا لمقتل أخيه على يد جيش «جلال الدين» فى إحدى الحروب. غزو هولاكو لغرب إيران وقضاؤه على الخلافة العباسية: هولاكو والإسماعيلية: بعد سلسلة من الصراعات على السلطة بين أمراء البيت الملكى، انتقل الحكم إلى بيت «تولوى بن جنكيزخان، وتولى «منكوقا آن بن تولوى» الحكم فى سنة (648هـ)، وعمل منذ تسلم أمور الحكم على تنفيذ التوجهات التوسعية التى كانت تضطرم بها نفوس المغول، فأرسل أخاه «قوبيلاى» على رأس جيش كبير للسيطرة على جنوب «الصين» ومنطقة «جنوبى شرق آسيا»، وأرسل أخاه الأصغر «هولاكو» إلى «إيران» وبقية العالم الإسلامى للسيطرة عليها، وحدد له هدفين هما: 1 - القضاء علىالإسماعيلية. 2 - القضاء على الخلافة العباسية.

تحرك «هولاكو» من «سمرقند» فى سنة (653هـ) وأرسل طليعة جيشه لاستكشاف قلاع «الإسماعيلية» ومهاجمة بعضها؛ حيث كان «الإسماعيلية» يقيمون قلاعهم على قمم الجبال، بحيث يصبح مهاجموهم تحت سيطرتهم مباشرة، فإذا ما هاجمهم جيش أرسلوا عليه وابلا من السهام والحجارة لإعاقة حركته، ومنعه من الصعود، فلا يصل إليهم، وكانت أهم هذه القلاع التى يحتفظون فيها بالمؤن الكثيرة، قلاع: «الموت»، و «ميمون در»، و «لنبهْ سر» وكَردكوه. أرسل «هولاكو» قائده «كيتبوقا نوين» لفتح قلعة «كَردكوه» فاستعصت عليه، فسار «هولاكو» بنفسه لفتحها فى أواخر سنة (653هـ)، إلا أنه لم يتمكن منها، وفتح بعض القلاع الصغيرة، فحل به وبجنوده اليأس، خاصة وقد حل شتاء سنة (654هـ)، وقلت الأغذية، وتعرضت جيوشه للهجمات الفدائية التى قتلت الكثيرين من الجنود، فعمد «هولاكو» إلى الحيلة وسياسة الترغيب والترهيب، فنجحت حيلته، وبعث إليه «ركن الدين خورشاه» ملك «الإسماعيلية» برسالة يعلن فيها استعداده للتسليم، فوافقه «هولاكو» وأمَّنه، وسلم «خورشاه» نفسه فى سنة (654هـ) وقتله المغول بعد فترة قصيرة، ثم سيطروا على قلاع «الإسماعيلية» وأطرافها، واتخذ «هولاكو» من الفيلسوف والعالم الفلكى الرياضى «نصر الدين الطوسى» الذى كان يعيش مع «الإسماعيلية» فى قلاعهم؛ مستشارًا له ووزيرًا. هولاكو وسقوط الخلافة العباسية: بعد أن قضى «هولاكو» على «الإسماعيلية»؛ توجه بجيش كبير نحو الغرب، وبعث برسالات التهديد إلى الخليفة العباسى؛ فرد عليه بالأسلوب نفسه اعتقادًا منه أن حكام الدول الإسلامية سيقفون إلى جواره فى صد الخطر المغولى عن رمز العالم الإسلامى، فاستشار «هولاكو» «نصر الدين الطوسى» فزين له الهجوم على «بغداد»، فحاصرها فى شهر المحرم سنة (656هـ)، فخرج «الدواتدار» قائد الجيش العباسى على رأس قوة كبيرة فى محاولة لفك الحصار المغولى، فخدعه المغول وأوهموه أنه انتصر عليهم، وأخذوا

يتراجعون إلى الخلف، فتوغل بجنوده بعيدًا عن أسوار «بغداد»، فأطبق عليه المغول من كل جانب وحاصروه وفتكوا بجنوده، وتمكن من الفرار بأعجوبة مع عدد قليل من جنوده، وعاد بهم إلى بغداد. عمد «هولاكو» إلى إغراء الخليفة العباسى «المستعصم بالله» بالوعود الكاذبة، فسلم الخليفة نفسه وأهله وأمواله إلى «هولاكو»، فأمر بقتله؛ ثم دخل المغول «بغداد»، واستباحوها، وهدَّموا أكثر مبانيها، وقتلوا نحو مليون شخص، وجمع المغول كل الكتب والمخطوطات التى كانت موجودة بمكتبة «بغداد»، وألقوها فى «نهر دجلة» لتكون جسرًا يتمكن الجنود بواسطته من عبور النهر إلى الجانب الآخر، وهكذا سقطت «بغداد» بعد أن ظلت أكثر من خمسة قرون (132 - 656هـ) حاضرة المسلمين، ومنارة العلم والحضارة للعالم الإسلامى، وترتب على ذلك انتقال مركز الخلافة من «بغداد» إلى «مصر» فى سنة (659هـ)، وفقدت اللغة العربية سيادتها فى «إيران» والمشرق الإسلامى، وعادت الفارسية ثانية واحتلت الرقعة العلمية والثقافية فى هذه البلاد، كما كان لسقوط «بغداد» رنة فرح شديدة عند النصارى، الذين أشادوا بهولاكو وهللوا له؛ لأنه خلصهم من منافسهم الخطير المتمثل فى الخلافة الإسلامية، غير أنهم ندموا على سقوط هذه الخلافة بعد ذلك، حين تبين لهم سماحة المسلمين فى المعاملة ووفاؤهم بالعهد، وهذه الصفات لم يكن المغول يتمتعون بها، ولايعرفون عنها شيئًا. هزيمة المغول فى عين جالوت: توقف «هولاكو» ببغداد فترة، ثم أرسل جيشًا بقيادة قائده «كيتبوقا» (أو «كتبغا» كما يسميه المؤرخون العرب) للسيطرة على «فلسطين» و «مصر» فى سنة (658هـ)، وكان يحكم «مصر» - آنذاك- «سيف الدين قطز»، وعلم بمقدم المغول، فتأهب بجيشه بقيادة «ركن الدين بيبرس» (الظاهر بيبرس البندقدارى) للدفاع عن «فلسطين»، والتقى بجيش المغول فى منطقة «عين جالوت» فى رمضان سنة (658هـ)، وأسفرت المعركة عن هزيمة منكرة لحقت بالمغول، لأول

مرة منذ عهد السلطان «جلال الدين الخوارزمى»، وتم أسر قائد الجيش المغولى «كتبغا» ثم قتله، فكان لهذه المعركة عدة نتائج من أهمها: أنها حالت دون تقدم المغول إلى «مصر»، وقضت على خرافة الجيش المغولى الذى لا يُقهر، وتبدو أهمية هذه المعركة إذا ما تصورنا أن الهزيمة هى التى حلَّت بالمسلمين، فلا شك أن المغول كانوا سيقضون على آخر معقل للإسلام فى فلسطين ومصر. وأدى نجاح المصريين فى هذه المعركة إلى إدراك الأهمية الكبرى للوحدة بين «مصر» وبلاد الشام، وإلى توطيد العلاقات بين المماليك فى «مصر» والشام وحكام منطقة «القبجاق»، الذين كان يحكمهم -آنذاك- «بركة خان بن جوجى بن جنكيزخان»، الذى اعتنق هو ورعيته الإسلام، وطلب العون من المماليك فى «مصر»، لكى يقفوا إلى جانب بلاده ضد «المغول الإيلخانيين» الذين كانوا يحكمون «فارس»، ولاشك أن هذه المعركة أكسبت «القاهرة» مكانة ممتازة فى الجانب السياسى، إلى جانب ما كانت تتمتع به من مكانة حضارية وثقافية وعلمية. ولقد ارتد المغول على أعقابهم بعد ذلك وانحصر مدهم، وتقلص نفوذهم حتى حدود منطقة «العراق»، وانشغل «هولاكو» بالحروب الكثيرة التى دخلها مع «بركة خان»، ولم يستطع أن يتفرغ للثأر من المصريين الذين هزموه فى «عين جالوت»، حتى مات فى سنة (663هـ)، بعد أن عين «شمس الدين محمد الجوينى» وزيرًا، وعهد إلى أخيه «علاء الدين الجوينى» بحكم «بغداد». وظل المغول فى حدود منطقة «العراق» حتى أقاموا دولتهم الجديدة التى عُرفت باسم «الدولة الإيلخانية» فى «إيران» و «العراق» وآسيا الصغرى.

4 - 3:الدولة الجغتائية

الفصل الثالث *الدولة الجغتائية [624 - 760 هـ = 1227 - 1358 م]. النشأة والتكوين: تنسب «الدولة الجغتائية» إلى مؤسسها «جغتاى» الابن الثانى لجنكيزخان الذى أصبح ولى عهده بعد وفاة أخيه الأكبر «جوجى» فى حياة والدهما، فلما مات «جنكيزخان» فى سنة (624هـ = 1227م)، آلت إلى «جغتاى» أملاك «الدولة الجغتائية» (خانات جغتاى)، التى تُعرف باسم: «منطقة التركستان»، وهى تعتبر حدا فاصلا بين دولة «القبجاق» ودولة الخاقانات. حكم «جغتاى» مؤسس هذه الدولة منذ وفاة والده فى عام (624هـ = 1227م) إلى عام (639هـ =1242م)، وكان رجلا حازمًا وصارمًا وعنيدًا، ذلك لأنه كان المسئول عن تنفيذ الياسا، وقد اشتُهر بسوء معاملة المسلمين، وتعطشه لسفك دمائهم. ثورة تارابى: تنتسب هذه الثورة إلى زعيمها «محمود الترابى»، الذى كان يعمل صانعًا للغرابيل، بقرية «تاراب»؛ أقدم قرى مدينة «بخارى»، وهدفت هذه الثورة - التى أطلق عليها بعض المؤرخين الفرس: حركة شعبية - إلى رفض الحكم المغولى، واعتمدت على الدين كأساس لها فى ذلك، فالتف الناس حولها، على الرغم من أن دعاتها اعتمدوا على الخرافات، وادعوا اتصالهم بالأرواح، إلا أن انضمام «شمس الدين المحبوبى» أحد علماء «بخارى» إليها أكسبها قوة؛ إذ كان على خلاف مع أئمة «بخارى»، فساند «محمود تارابى» زعيم الثورة، وذكر له أن أباه قرأ فى أحد الكتب نبوءة مفادها: أن رجلا سيظهر ببخارى، سيكون فتح العالم على يديه، وأن مواصفات هذا الرجل تنطبق على «محمود تارابى»، وأكد المنجمون صدق ذلك، وأعلنوا أن نجم «محمود تارابى» قد بزغ، وأن الحظ سيحالفه، ولأن هذه المعتقدات كانت سائدة آنذاك، فقد اهتم الناس بأقوال المنجمين، والتفوا حول زعيم هذه الثورة، وحققوا انتصارات كبيرة، ودخلوا «بخارى»، غير أن المغول تمكنوا من صد الثورة ومقاومتها، وسقط «التارابى» و «محبوبى» صريعين، فأعلن الثوار «محمدًا» و «عليا»،

أخوىْ «تارابى»، زعيمين للثورة، فعزز المغول قواتهم، وتمكنوا من القضاء على هذه الثورة، وقبضوا على الثائرين، وأرادوا معاقبتهم، ولكن «محمود يلواج» استطاع الحصول على العفو لهم من قادة المغول. العلاقات الخارجية: كانت دولة «خانات جغتاى» دولة تابعة للدولة الأم التى أسسها «جنكيزخان»، وكانت ذات علاقة حدودية بين هذه الدولة الأم (دولة الخاقانات) من جانب، ودولة «القبجاق والإيلخانية» من جانب آخر؛ ولذلك فقد دخلت فى صراعات طويلة مع هذه الدول بسبب موقعها المتوسط بينها، ولم تكن صراعاتها من أجل التوسعة أو الوصول إلى حكم دولة مغولية أخرى، وإنما كان صراعًا على عرش «دولة الخاقانات»؛ فعندما تُوفى «متكوقا آن» الحاكم الأعظم (الخاقان) (4) لدولة «خاقانات المغول»، كان ابنه «قوبيلاى» يقود الجيوش ببلاد «الصين» لتوسعة أملاك «دولة الخاقانات» بها، وكان «أريق بوقا» فى «قراقورم» عاصمة الدولة، وتم إعلانهما خاقانين على البلاد خلفًا «لمتكوقا آن»، وحيث إن «قراقورم» كانت منطقة فقيرة، فقد أراد «أريق بوقا» أن يوفر لقواته ما يلزمهم، وأغار على «الدولة الجغتائية»، وأخضع حاكمها «آلغو بن بايدار بن جغتاى» تحت سلطانه ليأمن شره، ويضمن عدم تحالفه مع غيره، ولكن ذلك لم يتم؛ فقد انقلب عليه حاكم «الدولة الجغتائية» وانضم إلى «قوبيلاى قا آن» حين عاد من «الصين»، واعترف به خاقانًا للمغول، فاضطر «أريق بوقا» إلى الاستسلام لخصمه «قوبيلاى»، الذى انفرد بحكم دولة الخاقانات وأسس بها حكمًا جعله لأسرته، التى عُرفت فى التاريخ باسم (أسرة اليوان). وهكذا دخلت «الدولة الجغتائية» فى صراع لم تكن سببًا فى حدوثه، بل لم تسلم من الصراعات بعد ذلك، فقد دخلت فى صراع مع «قايدوخان» (وهو من نسل أوكتاى قا آن)، بتحريض من «بركة خان» حاكم «القبجاق»، ودارت الحروب سجالا بين الطرفين إلى أن مات «ألغو بن بايدار» حاكم «الجغتائيين»، فاعتلى «مباركشاه»

عرش الدولة فى عام (662هـ =1264م)، ولكنه لم يلبث طويلا فى الحكم، إذ استطاع «براق خان» الاستيلاء على العرش فى عام (664هـ = 1266م)، بمساعدة «قوبيلاى قا آن» خاقان المغول، وذلك يؤكد أن العلاقة الخارجية لهذه الدولة كانت ذات صلة وثيقة بالسياسة الخارجية لدولة خاقانات المغول. مظاهر الحضارة فى الدولة الجغتائية: تُعد «بخارى» أعظم مدن «الدولة الجغتائية»، وكانت حاضرتها التى يشار إليها بالبنان ضمن بلاد «ما وراء النهر»، إذ كانت تزخر بالأبنية الفخمة، والحدائق الغناء، والبساتين والمتنزهات والثمار الكثيرة، التى يعد البرقوق أشهرها حتى الآن، كما كانت سوقًا ومركزًا تجاريا مهما، فبها مصانع للحرير والديباج، وأخرى للمنسوجات القطنية، وكذلك كانت ذات مكانة خاصة فى العالم الإسلامى، ولم يضارع «بخارى» فى كل ذلك سوى «سمرقند» بأضرحتها وبفواكهها، ومصنوعاتها من الجلود، والمنسوجات القطنية. ولعل القارئ يتساءل كيف انتعشت الحضارة فى «بخارى» و «سمرقند» مع ما لحق بهما من دمار عمَّ بلاد «ما وراء النهر» أثناء الغزو المغولى؟ خاصة وأن أحد البخاريين الذين فروا من الدمار الذى لحق بمدينته أخبر عن حالها - بالفارسية- حين سئل عن ذلك بقوله: «آمدند وكندند وسوخستند وكشتند وبردند ورفتنك. وترجمة ذلك: جاءوا، ودمروا، وأحرقوا، وقتلوا، ونهبوا، ثم رحلوا. فكانت إجابته تصويرًا لما لحق بهذه المدينة التى خرَّجت العلماء الأجلاء، ولم تكن «سمرقند» بأسعد حظا منها، ولكن لم تمضِ عدة سنوات حتى استعادت هذه المناطق رونقها وبهاءها، لوفرة المحاصيل الزراعية بها، ولرغبة المغول فى كسب ود هذه البلاد؛ لأنها مركز الثورات، وحركات التمرد والعصيان ضدهم، لذا تمكنت هذه البلاد من استرداد قوتها وإعادة بنائها مرة ثانية. ولقد شهدت بلاد «ما وراء النهر» فترة ازدهار حضارى على يد حاكمها «مسعود يلواج» فى ظل «الدولة الجغتائية»، وبنى ببخارى

مدرسة نسبها إليه هى «المدرسة المسعودية»، فدمرها الإيلخانيون فى عام (1273م)، فأعاد البخاريون بناءها ثانية، ودفن بها «مسعود يلواج» فى عام (1289م). ولم يقتصر مجهود «يلواج» على «بخارى» وحدها، بل تعداها ليشمل منطقة حكمه كلها، وشيد «بكاشغر» «مدرسة مسعودية» أخرى، وبذا تمكنت بلاد «ما وراء النهر» من الصمود أمام غزوات المغول عليها، وأن تعيد بناءها بفضل موقعها ومناخها، وبفضل حكامها الذين عملوا على تأسيس الحضارة فيها وبنائها.

4 - 4:الدولة الإيلخانية

الفصل الرابع *الدولة الإيلخانية فى إيران والعراق [654 - 744 هـ= 1256 - 1344م]. تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع، و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. 1 - آباقا خان: يعد «هولاكو» المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق» الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة (756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى «العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة قراقورم. وساعد البعد الجغرافى الذى يفصل بين «منغوليا» والإيلخانيين فى «إيران» و «العراق»، على أن يتخذ الإيلخانيون أساليب وعادات ونظمًا وغير ذلك من التقاليد الحضارية التى كانت موجودة فى «إيران»، والتى لم يعهدها المغول من قبل، فأصبح الإيلخانيون وكأنهم من ملوك الفرس. اتخذ «آباقا» من «تبريز» عاصمة له، فاحتلت فى عهده مكانة ممتازة، وجعل «آباقا» قائده الأمير «سونجاق» واليًا على «العراق» وإقليم «فارس»، ففوض هذا الأمير بدوره المؤرخ «علاء الدين عطا ملك الجوينى» فى حكم «العراق»، وعهد «آباقا» بمنصب الوزارة إلى «شمس الدين محمد الجوينى» أخى «علاء الدين»، فكانا سببًا من أسباب ازدهار دولة «آباقا»، وعلى الرغم من الجهود الذى بذلها الجوينيون فى خدمة هذه الدولة وتوطيد أسسها، ودعم أركانها، فإنهم تعرضوا - فى نهاية الأمر - لنكبة تشبه نكبة البرامكة عندما تكاثر عليهم الأعداء والخصوم، وقُتل الجوينيون جميعًا فى عهد

«أرغون» سنة (683هـ) الذى قضى على جميع أفراد هذه الأسرة. تزوج «آباقا» ابنة امبراطور «القسطنطينية»، فتوطدت علاقته بالنصارى، وأكثر من القساوسة فى بلاطه، على الرغم من أنه كان إلى ذلك الوقت وثنيا، وحرص المسيحيون على مداهنة المغول واجتلابهم نحو المسيحية؛ أملا فى انضمام هؤلاء المحاربين الأشداء إلى صفوف النصارى ومحاربة أشد أعدائهم، المسلمين. وفى الوقت نفسه كان «آباقا» يريد من وراء توطيد علاقته بالمسيحيين أن يحصل على معاونتهم فى حربه ضد المسلمين، وخاصة المماليك، ليثأر لهزيمة المغول أمامهم فى «عين جالوت»، غير أن محاولاته ذهبت جميعها عبثًا، ولحقت به الهزائم فى كل مرة التقت فيها جيوشه بجيوش المماليك بقيادة «الظاهر بيبرس»، وكانت معركة «أبلستين» التى قامت بين الطرفين فى عام (675هـ) من أهم المعارك التى دارت بين الجانبين، وانتصر فيها المماليك فى «مصر» و «الشام» انتصارًا حاسمًا، ثم تُوفى «آباقا» فى سنة (680هـ.) 2 - أحمد تكودار [681 - 683هـ]: كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه «أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى «الياسا»، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس «أرغون»، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار» إيلخانًا فى سنة (681هـ). اعتنق تكودار المسيحية فى صغره، لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين، وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه، وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام من الإيلخانيين. كان إسلام السلطان «أحمد» عاملا قويا فى تهذيب طباعه وتقويم خلقه، ولم يعد ذلك المغولى الذى كان كل همه سفك دماء المسلمين

وتخريب ديارهم، وإنما أصبح يرى المسلمين إخوته، ويجب أن يحل بينهم الوئام؛ لذا تبادل الرسائل الودية مع السلطان «قلاوون» سلطان المماليك فى «مصر»، فقضى بذلك - مؤقتًا- على الأحقاد والضغائن، ولم تحدث حروب بين الجانبين، وكذلك كان لإسلام «أحمد تكودار» أثر كبير فى «إيران»، فقويت شوكة المسلمين، وعادت المعابد البوذية وكنائس النصارى إلى مساجد كما كانت من قبل؛ ووصل المسلمون إلى المناصب الرئيسية فى الدولة، وتطلَّع أبناء البلاد الأصليين من الفرس إلى شغل المناصب الإدارية بالدولة المغولية. ونتيجة لذلك كله خاف أمراء المغول على مصالحهم الشخصية -خاصة أن السلطان كان يحرص على خطب ودهم - وبخاصة الأمير «أرغون» الذى كان يطمع فى العرش فثار على السلطان «تكودار» وتمكن من قتله فى سنة (683هـ)، وضعفت بذلك شوكة المسلمين فى «إيران» ثانية. 3 - أرغون خان [683 - 690هـ]: بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على «خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان «أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. وزارة سعد الدولة اليهودى: بعد مقتل الوزير الجوينى «شمس الدين» ازداد نفوذ الأمير «بوقا» إلى حد كبير، وأصدر «الإيلخان» قرارًا يقضى بأنه ليس لأحد فى الدولة الحق فى محاسبة الأمير «بوقا» - حتى إذا ارتكب أكبر الجرائم - إلا السلطان نفسه، ولاشك أن هذه السلطة المطلقة التى حصل عليها «بوقا» جعلته يميل إلى الاستبداد والبطش والهيمنة على شئون

الدولة، ولم يبقَ للسلطان (الإيلخان) إلا الاسم فقط. لم يقتصر عداء «بوقا» على المسلمين وحدهم بل امتد بطشه إلى أمراء المغول أنفسهم، كما أنه لم يكن على دراية كافية بشئون البلاد الإدارية والمالية، فأدى ذلك إلى حالة من الفوضى والارتباك فى البلاد، وقد أثار ذلك حنق الأمراء المغول وغضبهم وجعلهم يفكرون فى التخلص منه، فحرضوا الإيلخان «أرغون» على التخلص من الأمير بوقا. وكان من أشد أعداء هذا الأمير طبيب يهودى يدعى سعد الدولة وكان اجتماعيا؛ يكثر الاختلاط بالناس ويوسع دائرة معارفه بينهم، كما كان ملما بأحوال الموظفين والصيارفة فى «بغداد»، ويجيد عدة لغات، ويعمل بالطب الذى كان وقفًا فى بلاد الإيلخان على اليهود وحدهم، ولذا عملوا على التدخل فى شئون الدولة من خلال عملهم، وحملوا الإيلخان «أرغون» على تعيين «سعد الدولة» طبيبًا لبلاطه، وتصادف أن اعتلَّت صحة الإيلخان، ومرض مرضًا شديدًا، وتمكن «سعد الدولة» من معرفة الدواء المناسب لمرضه، فشفى «الإيلخان»، وكافأ «سعد الدولة» وقرَّبه منه، وزاد قدره عنده، فاستغل الطبيب ذلك، وأخذ يشى بالأمير «بوقا» ويزيِّن للسلطان التخلص منه، حتى أوغر صدره ضده، فأمر السلطان بالقبض على «بوقا» وقتله بتهمة التآمر على السلطان، وتعيين الطبيب «سعد الدولة» وزيرًا له على البلاد. استطاع الوزير سعد الدولة أن يستميل إليه قلوب الناس برفع المظالم عنهم، وإجراء الصدقات على فقرائهم ومحتاجيهم، فمدحه الشعراء، وقصد بابه الأدباء والعلماء، ولكنه لم يكد يطمئن إلى ثبات مركزه فى الدولة، وارتفاع منزلته عند السلطان حتى أخذ يكيد للمسلمين ويعمل على التضييق عليهم، فضاقوا به وتحينوا الفرصة للخلاص منه، كما ضاق به الأمراء المغول لاستبداده بالحكم، وقضائه على ما كانوا يتمتعون به من نفوذ، وانتظروا كذلك الفرصة للقضاء عليه، فمرض «أرغون» فجأة، واشتد عليه المرض، وحاول الأطباء برئاسة «سعد

الدولة» معالجته وإنقاذه بكل السبل، ولكنهم عجزوا عن ذلك، فقبض الأمراء المغول على «سعد الدولة» وقتلوه فى شهر صفر سنة (690هـ)، ولم يلبث الإيلخان بعده إلا فترة قصيرة ثم مات، فعمت مشاعر البهجة والسرور أنحاء البلاد الإسلامية؛ لمقتل «سعد الدولة»، وثار الناس على اليهود فى كل مكان، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا. سياسة أرغون الخارجية: حاول «أرغون» أن يحد من نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول» ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»، و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات (المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون» لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. 4 - كيخاتو خان [690 - 694هـ]: بعث الأمراء المغول عقب وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه «قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب جهان»، ثم انصرف «كيخاتو» إلى ملذاته وشهواته وإنفاق الأموال فى سبيلها دون حساب، فاضطربت مالية الدولة، وأصبحت خزانتها شبه خاوية ومهددة بالإفلاس، ووقف الوزير حائرًا لا يدرى ماذا يفعل حيال ذلك، فظهر له رجل اسمه «عز الدين محمد بن المظفر» - وكان

على دراية بالأحوال المالية فى «بلاد الصين» - واقترح عليه العدول عن استخدام الذهب والفضة فى المعاملات المالية، واستخدام أوراق مالية - تعرف عند الصينيين باسم «الجاو» - بدلا منها، لإنقاذ البلاد من الإفلاس، كما فعل الصينيون، فاستحسن الوزير هذا الاقتراح، واستصدر قانونًا من الإيلخان فى سنة (693هـ) ينص على التعامل بهذه الأوراق، ويحرم التعامل بالذهب والفضة تحريمًا تاما. رفض الناس التعامل بالأوراق المالية فى معاملاتهم، على الرغم من أنهم أُجبِروا على ذلك بالقوة، فاضطربت أحوال البلاد والناس اضطرابًا كبيرًا، وكسدت التجارة، وتعذرت الأقوات، وانقطعت الموارد من كل نوع، وامتنع البائعون عن بيع سلعهم بهذه الأوراق، فكان الرجل يضع الدرهم تحت إحدى الأوراق المالية (الجاو) ويعطيها الخباز أو القصاب وغيرهما، ليحصل على ما يريد، خوفًا من أتباع السلطان الذين يراقبون الناس والبائعين فى تعاملاتهم، فضاقت الحياة أمام الناس واستحكمت الأزمة، وكاد الأمر ينذر بثورة عارمة، إلا أن الإيلخان تدارك الموقف وأصدر قانونًا لإبطال التعامل بهذه الأوراق، والعودة إلى النظام القديم. ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول - ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ). 5 - بايدوخان [694هـ]: بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع «كيخاتو»، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها، وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»،

وسلك مسلك «آباقا خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»، وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير «نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»، فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). 6 - السلطان محمود غازان [694 - 703هـ]: تولى «غازان» عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون». عرف «غازان» بشخصيته القوية، ونشاطه الموفور، وصبره الذى لا ينفد، وبأنه رجل دولة من الطراز الأول يقف على كل صغيرة وكبيرة فى شئون البلاد، فضلا عن إحاطته الكاملة بتقاليد قومه وعاداتهم، وإلمامه التام بمختلف الحرف والصناعات السائدة فى عصره، واطِّلاعه

على العلوم المعروفة لدى المسلمين، وإجادته عدة لغات إلى جانب لغته المغولية، لكنه كان قاسيًا على أعدائه، ولا يأبه بحياة الناس حين تتعارض مع تحقيق أهدافه وطموحاته، وتجلى ذلك حين تخلص من الأمير «نوروز» الذى ساعده ووقف إلى جانبه فى كثير من المواقف بسبب وشاية، وكذلك حين أمر بقتل وزيره «صدر الدين» فى رجب سنة (697هـ)، وعين بدلا منه المؤرخ «رشيد الدين فضل الله» الذى توسم فيه النبوغ والعبقرية والإخلاص، وأشرك معه رجلا يدعى «سعد الدولة» لمساعدته فى مهام الوزارة. حملات غازان خان على بلاد الشام: قام «غازان» بثلاث حملات على «بلاد الشام»، كانت الأولى فى سنة (699هـ)، وانتصر فيها على قواد «الناصر محمد بن قلاوون» بالقرب من منطقة «مرج المروج» شرقى «حمص»، وقد انتشر المغول بعد انتصارهم فى الأماكن المجاورة، وخربوا البلاد جريًا على عادتهم القديمة، وكأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامى، ثم عين «غازان» واليًا من قبله على البلاد التى استولى عليها، وعاد بعد ذلك إلى «إيران». وفى سنة (700هـ) عاود المغول الكرَّة على بلاد الشام، واستولوا على مناطق جديدة بها، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقدم والاستمرار؛ إذ هطلت عليهم الأمطار بغزارة، واشتدت البرودة، وكثر الوحل، وهلك كثير منهم، ووجد «غازان» نفسه مضطرًا إلى العودة إلى «إيران»، ولكنه عاد بعد ذلك بعامين فى سنة (702هـ) بحملته الثالثة على «سوريا»، وتحرك إلى مدينة «عانة» على شاطئ «الفرات»، وبرفقته وزيره المؤرخ «رشيد الدين» ثم عاد أدراجه إلى عاصمته «تبريز» تاركًا جيشه بالشام ليواصل مهمته، ولكن النتيجة جاءت على غير ما كان يتوقع، إذ هُزم جيشه هزيمة منكرة على يد السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» فى موقعة «مرج الصفر» بالقرب من «دمشق» فى (2 من رمضان عام 702هـ)، فاعتلَّت صحته، وغلبه المرض، وتآمر عليه الأمراء، وكثرت من حوله الدسائس، ومات فى

شوال سنة (703هـ)، وهو لايزال فى ريعان شبابه. إصلاحات غازان: قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات، واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن، فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان» هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. 7 - السلطان أولجايتو [703 - 716هـ]: قدم السلطان «أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين الساوجى.

إنشاء مدينة السلطانية: بدأ إنشاء هذه المدينة فى عهد السلطان «غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان»، فعمد «أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن «أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم «جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ «أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). سياسة أولجايتو الخارجية: شق الأمير المملوكى «شمس الدين قرا سنقر» حاكم «دمشق» عصا الطاعة على السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» سلطان المماليك فى «مصر» و «الشام» فى سنة (712هـ)، وفر إلى «إيران» لاجئًا، فاستقبله «أولجايتو» أحسن استقبال، فشجعه «قرا سنقر» على القيام بحملة على «الشام»، فوافقه وخرج بحملته، وحاصر مدينة «الرحبة» بالعراق، ولكن أهل المدينة استعطفوه، وتدخل الوزير «رشيد الدين» فرفع «أولجايتو» الحصار فى رمضان سنة (712هـ)، وعاد بجيشه إلى عاصمته دون الدخول فى معارك مع المماليك، فكانت هذه الحملة آخر حملات الإيلخانيين على المماليك فى «مصر» والشام. 8 - السلطان أبو سعيد بهادر [716 - 736 هـ]: تولى «أبو سعيد» حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو»، وكان لايزال فى الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد» استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم، وأعاد

إلى البلاد استقرارها وهدوءها. الوزارة: شهد منصب الوزارة تغييرات كثيرة، حيث أبقى السلطان «أبو سعيد» على «رشيد الدين الهمدانى» و «تاج الدين التبريزى» فى منصب الوزارة، ولكن «تاج الدين» الذى كان يجيد المعاملات التجارية والمالية مع كونه أميا لا يعرف القراءة والكتابة، أراد أن ينفرد بهذا المنصب، وعمد إلى الدهاء والوقيعة لدى السلطان للتخلص من «رشيد الدين» ونجح فى ذلك، وأمر السلطان بقتل «رشيد الدين» فى سنة (718هـ)، فانفرد «تاج الدين عليشاه» بالوزارة حتى وفاته فى أوائل سنة (724هـ)، فوليها من بعده «دمشق خواجه» ابن الأمير «جوبان»، وصارت أمور الجيش والشعب فى أيدى الأمير وابنه وعلا شأنهما، وتجاهلا السلطان فى معظم الأمور، فغضب السلطان من ذلك وأمر بقتلهما، ثم نصب «غياث الدين بن رشيد الدين فضل الله» فى هذا المنصب، لشعوره بالندم على قتل أبيه فضلا عن أن «غياث الدين» كان أصلح الناس لهذا المنصب فى ذلك الوقت؛ حيث إنه كان واسع الأفق، ومطَّلعًا على العلوم العقلية والنقلية، فأحسن إدارة شئون الدولة وتوخى العدل، وعمل على رعاية مصالح الناس، وظل فى منصبه حتى وفاة «أبى سعيد» فى (13 من ربيع الأول سنة 736هـ). كان «أبو سعيد» آخر سلاطين الإيلخانيين الأقوياء، كما كان كريمًا جوادًا، شجاعًا، محبا للعلم، فراجت فى عهده العلوم والآداب، وعاش فى بلاطه كثير من الشعراء والمؤرخين؛ حين كان هو نفسه شاعرًا وله أشعار جيدة باللغة الفارسية، واشتهر بجودة الخط والغناء. سياسة أبى سعيد الخارجية: تعرضت العلاقة بين «مصر» والبلاد الفارسية فى عهد الإيلخانيين لنوبات من الحرب والسلام، ولكن هذه العلاقة دخلت مرحلة جديدة من الصداقة والوئام فى عهد السلطان «أبى سعيد»، وتم توقيع اتفاقية بين الطرفين فى عام (721هـ) فى عهد السلطان «أبى سعيد» الإيلخانى، والسلطان المملوكى «الناصر محمد ابن قلاوون». انهيار دولة الإيلخانيين المغول:

تعرضت «الدولة الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد «أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة (756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى: - دولة آل جلائر (الجلائريون). - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. - دولة السربداريون. - دولة آل كرت. وأخذت هذه الدويلات الخمس تتنازع فيما بينها، ودخلت كل منها فى حروب طاحنة مع غيرها، وظلت على ذلك حتى خرج عليها الأمير «تيمورلنك» وتمكن من القضاء عليها نهائيا بحملاته المتعددة التى بدأها فى سنة (788هـ) على إيران والعراق. مظاهر الحضارة: - الإدارة ونظم الحكم: استعان المغول بالموظفين الفرس فى إدارة شئون الدولة، إذ لم يكن بوسع هؤلاء المغول الأميين وحدهم إدارة شئون هذه البلاد المترامية الأطراف، وجمع الضرائب والأموال، وإقرار الأمن. وكانت هناك أسر فارسية تتوارث منصب الوزارة، مثل: أسرة الجوينيين، وأسرة رشيد الدين فضل الله، ولقد كان لهذه الأسر فضل كبير فى تحقيق الاستقرار الداخلى، لاطمئنان أفراد الشعب بأن حكامهم المباشرين ليسوا غرباء عنهم ولا خصومًا لهم، كما كان لهذه الأسر فضل آخر فى التأثير على ملوك المغول وأمرائهم وجذبهم بالتدريج إلى الاندماج فى الحياة الاجتماعية على نمط فارسى إسلامى، فبدا لمن يرقب أحوالهم ويتتبع تفصيلات حياتهم أنهم كانوا وكأنهم أسرة من الأسر الإيرانية الحاكمة. وعلى الرغم من ذلك ظل المغول ينظرون إلى الفرس على أنهم خصوم وأعداء لهم حتى دخل المغول فى الإسلام أفواجًا فى عهد «السلطان غازان»، فتغيرت عندئذٍ نظرتهم، ولم يعودوا يرون أهل البلاد الأصليين غرباء عنهم وخصومًا لهم.

ولاشك أن القوانين والإصلاحات الجديدة التى وضعها غازان أدت إلى تحسن الأوضاع الإدارية والاقتصادية والاجتماعية فى إيران والعراق، وصاغتها صياغة جديدة، نالت قبول الناس جميعًا، وظل هذا التحسن مستمرًا إلى نهاية عهد السلطان أبى سعيد بهادر، آخر سلاطين الإيلخانيين العظام (736هـ)، فعادت الشئون الإدارية والاقتصادية والاجتماعية إلى الاضطراب من جديد. وأيا ما كان الأمر، فقد نهجت الدولة الإيلخانية فى إيران والعراق نهج الإمبراطورية المغولية الكبرى التى اتخذت من قراقورم عاصمة لها، فحذت فى تشكيلاتها الإدارية والسياسية حذوها وسارت على نسقها. لقد كان الأمراء الملكيون (شاهزادهـ) والقادة العسكريون (نوين) والأمراء المغول تابعين تبعية مباشرة للإيلخان، أو السلطان فيما بعد، وكان الإيلخان يخصص لهم أراضى واسعة ومدنًا بأكملها كإقطاع لهم، ويتولون جمع خراج هذه الإقطاعات ويخصون به أنفسهم. كان الجهاز الحاكم فى الدولة الإيلخانية ينقسم إلى أربعة أقسام تتفاوت فيما بينها بتفاوت الجنسية، واللغة، والدين، والمستوى الاجتماعى، على النحو التالى: 1 - قادة المغول. 2 - الموظفون المدنيون، وكان معظمهم من الفرس. 3 - رجال الدين المسلمون، ولقد كان رجال الدين من المسلمين والمسيحيين فى بلاد القوقاز وآسيا الصغرى خاصة فى مرتبة واحدة. 4 - الأعيان المحليون فى أقاليم فارس والعراق. وكان اهتمام الدولة منصبا أساسًا على جمع أكبر قدر من الأموال والضرائب من أفراد الشعب. ويرأس الإدارة المدنية فى الدولة «صاحب الديوان» أو رئيس الوزراء. ويعهد إليه الإشراف على شئون الخزانة، والدخل والخرج، والشئون المكتبية والإدارية وتعيين الموظفين وعزلهم. وبالإضافة إلى الديوان العالى للإدارة المركزية، كانت هناك دواوين أخرى مثل «ديوان إينجو» الذى كان يتولى إدارة الأملاك المنقولة - وغير المنقولة - للإيلخان نفسه، ولأقاربه من الدرجة الأولى، وهذا الديوان يشبه إلى

حد بعيد «ديوان الخاص» الذى عرف فى مصر فى عهد المماليك. وأبقى الإيلخانيون على منصب قاضى القضاة، وكان شاغله يقوم بالفصل بين الخصوم، والحكم بين الناس، وتولية القضاة ومراقبتهم، وكذلك مراقبة أحوال الناس ومعيشتهم وصنائعهم، وله الحق فى الأخذ على يد الخارج منهم. وكانت هناك مناصب: الصدر، والناظر، والشحنة، وهى وظائف إدارية تشرف على الإدارة المحلية، وجمع الأموال وصرفها، والإشراف على نظام الأمن، ومراقبة ولاة الأقاليم التابعة للدولة الإيلخانية. الوضع الاقتصادى: نهضت الزراعة فى الدولة الإيلخانية لخصوبة الأرض، ووفرة مياه الأنهار والأمطار، وتميز الإيلخانيون بنظام الإقطاع وجعلوه نوعين: أولهما الإقطاع المُملك، وهو أن يمنح الإيلخان الأمراء والأعيان وكبار رجال الدولة، مساحات من الأرض الزراعية، ويجعلها ملكًا خاصا بهم، وثانيهما: الإقطاع المستغل والمقصود به استغلال الأرض فى الزراعة والاستفادة منها دون تملكها. واعتمد اقتصاد الإيلخانيين على الثروة الزراعية الآتية من مناطق: ما بين النهرين، والبصرة، والفرات (بين الأنبار وعانة)، ودجيل، ومنطقة على نهر دجلة، وخراسان، كما اعتمد على نظام الإقطاع فى الإنفاق على التجهيزات العسكرية والجيوش. وتعددت الضرائب فى نظام دولة الإيلخانات فكانت هناك: ضريبة الأرض، وضريبة الرؤوس، وضريبة البيوت والعقارات، وضريبة الأسواق، وضريبة التمغات، وضريبة المراعى، وضريبة المساعدات والقروض. وتعمد الجباة إرهاق الناس فى جمع الضرائب، وحصلوا منهم على أموال كثيرة لم تكن مفروضة عليهم، وتآمر الحكام والجباة على الشعب، وظهر الفساد بصورة جلية فى هذا الشأن. ولعل مشكلة العملة الورقية (الجاو) التى فرضها السلطان «كيخاتوخان» على الناس فى سنة (693هـ = 1294م)، كانت من أبرز المشاكل الاقتصادية التى اعترضت سبيل الدولة الإيلخانية، إذ رفض الناس التعامل بهذه العملة الورقية التى أجبرهم السلطان على

تداولها، واضطربت أحوال الشعب، وأغلق التجار محالهم، وامتنعوا عن البيع والشراء، فانتهى الأمر بإلغاء هذه العملة. وعمد الإيلخانيون إلى إصلاح ما أفسدته وخربته الحروب، وأعادوا فتح الأسواق، وأكثروا منها، وازدهرت صناعة المنسوجات، وصناعة اللؤلؤ. ونشطت التجارة وأصبحت العراق وإيران من أشهر مراكز التجارة فى ذلك الوقت، وقامت علاقات تجارية واسعة بين الإيلخانيين والصينيين والتركستان، وصُدِّرت المصنوعات الحريرية، واللؤلؤ إلى أوربا عن طريق الهند. وكانت «تبريز» مركز رواج وازدهار التجارة لوجود عدة طرق برية بها، تمر منها القوافل. وعلى الرغم من الطبيعة البدوية التى غلبت على المغول الأُول، وعدم اكتراثهم بالمنشآت العمرانية وتفضيلهم للعيش فى الخيام، فإن هولاكو - على سبيل المثال -شرع بعد استقراره فى إيران فى إنشاء المبانى الكبيرة والقصور الفخمة فى أذربيجان و «تخت سليمان»، كما بنى مرصدًا فى مراغة سنة (658هـ)، وعهد إلى العالم الفيلسوف «نصير الدين الطوسى» بالإشراف على بنائه وإدارته، وقد تم تأسيس مكتبة كبرى إلى جوار هذا المرصد، ولم يكن يعمل فيه الفلكيون العرب والإيرانيون فحسب بل عمل فيه أيضًا المنجمون الصينيون والهنود. الوضع الدينى: تدهور الوضع الدينى منذ البداية فى الدولة الإيلخانية، حيث نشبت الصراعات المذهبية والدينية بين أهل السنة بالعراق، وأصحاب المذهب الشيعى بالدولة الإسماعيلية بإيران، ومما لاشك فيه أن فتنة الكرخ التى حدثت بالعراق، وما ترتب عليها من فوضى أمنية كانت سببًا رئيسًا فى الاجتياح المغولى لهذه البلاد. وقد ظل الصراع محتدمًا بين السنة والشيعة فى ظل حكم دولة الإيلخانيين، وتبوأ المسيحيون مكانًا بارزًا على الرغم من الاختلافات المذهبية التى كانت قائمة بين أتباعها، واستغل البوذيون كل هذه الخلافات والصراعات وتبوءوا مكانة عالية. ومع ذلك كان الإيلخانيون

ينظرون إلى الجميع نظرة واحدة مؤداها أنهم رعية، وعليهم السمع والطاعة. ولقد ظل هذا الوضع قائمًا حتى تولى السلطان «محمود غازان» الحكم، فأعلن الدين الإسلامى دينًا رسميا للدولة الإيلخانية، ومن ثم اقتصرت وظائف الدولة على المسلمين. وبعد: فقد تكونت «الدولة الإيلخانية» من قبائل وطوائف متعددة، لم يكن بينها رابط ثقافى أو وطنى، ولم تكن تجمعها تحت راية واحدة إلا قوة الإيلخانيين الأقوياء، فلما مات السلطان «أبوسعيد» آخر السلاطين العظماء ولم يعقِّب ولدًا يخلفه على العرش؛ تبددت القوة المركزية للدولة، وانتقلت المبادرة إلى أيدى الأمراء المغول الذين غلب عليهم طابع البداوة، فاختل التماسك، وتمزقت البلاد، وضاع الهدف الذى من أجله أقيمت هذه الدولة، وطغت المصلحة الشخصية على المصالح العامة، ثم ما لبثت الدويلات التى أقامها الأمراء على أنقاض الدولة الأم أن ضاعت هى الأخرى على يد «تيمورلنك»، فأسرع جانب من المغول الذين كانوا يقيمون فى «إيران» إلى الاندماج فى العناصر التركية التى تعيش فى تلك البلاد، بينما اندمج جانب آخر منهم فى الإيرانيين الفرس الذين يعيشون بينهم، وذابوا فيهم، وهكذا سقطت «الدولة الإيلخانية» على أيدى أمرائها.

4 - 5:الدولة الجلائرية

الفصل الخامس *الدولة الجلائرية فى العراق وأذربيجان [736 - 835 هـ = 1335 - 1431م]. النشأة والتكوين: ضمت «الدولة الإيلخانية» التى أسسها «هولاكو» فى عام (654هـ= 1256م) شعوبًا متعددة، وأقاليم كثيرة، شملت «العراق» و «إيران»، واستمرت فى حكمها حتى عام (716 - 736هـ= 1316 - 1335م)، ثم تصارع الأمراء على الانفراد والاستقلال بحكم ما تحت أيديهم من أجزاء هذه الدولة، فتفككت وانقسمت إلى دويلات، وبات الحكم فيها لأسر بعينها، مثل: أسرة «آل جلائر» التى استقلت بحكم «العراق» بعد وفاة السلطان أبى سعيد بهادرخان. كان «آل جلائر» من القبائل المغولية، ويعد «تاج الدين شيخ حسن بزرَك بن حسين» أول حكام «آل جلائر» ومؤسس دولتهم «الجلائرية»، وثالث مَن تولى الحكم فى «الدولة الإيلخانية»، وقد امتد سلطانه إلى «العراق»، واتخذ «بغداد» عاصمة له، وأعلن نفسه ملكًا عليها، فظهرت بذلك الدولة «الجلائرية» إلى حيز الوجود. الوضع الداخلى: شهدت اللبنات الأولى لقيام «الدولة الجلائرية» عدة حروب بين الأمراء المغول بهدف الوصول إلى الحكم، إلا أن «حسن الجلائرى» تمكن من الاستقلال بالعراق واستطاع أن يوحد الصفوف لتأسيس دولته الوليدة، ومع ذلك لم تتوقف الصراعات والحروب مع بقايا الإيلخانيين، إلى أن تمكن «الشيخ حسن الجلائرى» من طردهم إلى خارج حدود دولته - «العراق» - فى عام (748هـ= 1347م). كان «الشيخ حسن الجلائرى» سياسيا حكيمًا، وأراد أن يضمن لدولته قوتها ووحدتها، فلم يعلن نفسه خانًا أو سلطانًا؛ بل أعلن ولاءه للسلطان المملوكى فى «مصر» ليكون سنده الذى يحتمى به إذا ما فكر المغول فى غزوه، خاصة وأن دولته قريبة ومتاخمة للإمارات والممالك المغولية فساعده هذا التصرف على استقرار بلاده، وشجعه على الاستيلاء على «لورستان»، و «الموصل»، و «تستر»، وبسط نفوذه على غيرها، فاتسعت رقعة بلاده، وامتد نفوذ حكمه، ثم مات فى عام (757هـ = 1356م)، وخلفه ابنه «الشيخ أويس بن حسن

الجلائرى»، فبلغت الدولة فى عهده أقصى اتساع لها، إذ ضم إليها «أذربيجان»، و «آران»، و «موقان»، واتخذ من «تبريز» عاصمة لبلاده، وانتقل نشاط الدولة السياسى ومركزها من «العراق» إلى «أذربيجان»، فأدى ذلك إلى قيام حركات التمرد فى «بغداد» على الجلائريين، وكانت حركة «مرجان» نائب «الشيخ أويس» على «بغداد» من أشهر هذه الحركات، وكان «مرجان» طواشيا للشيخ أويس. لقد أخطأ «الشيخ أويس» فى حساباته عندما ابتعد عن «العراق» واتخذ له عاصمة فى «إيران»، فضلا عن تقريبه الفرس دون العرب، فكانت النتيجة انضمام العرب بمختلف طوائفهم إلى «مرجان» وحركته، وحُذف اسم «الشيخ أويس» من الخطبة؛ رمز السيادة فى الدولة، وخُطب للسلطان المملوكى فى «مصر». خرج «الشيخ أويس» من «تبريز» إلى «بغداد» فى سنة (765هـ = 1363م)، واستطاع وزيره أن يستميل أعوان «الخواجة مرجان» إلى صفه، فانفضوا من حول «مرجان» وفشلت حركته، ودخل «الشيخ أويس» «بغداد» ثم جعل «شاه خازن» نائبًا له عليها، ولكن «مرجان» لم ييأس من المحاولة، وعاد مرة ثانية إلى حكم «بغداد» عقب وفاة «شاه خازن»، مما يؤكد حب أهل «العراق» لمرجان ومكانته عندهم، فاضطر «الشيخ أويس» إلى الصفح عنه، ثم أرسل ابنه «الشيخ علىّ» ليحكم «العراق». تُوفى «الشيخ أويس» عام (776هـ = 1373م)، وخلفه فى الحكم ابنه «جلال الدين حسين بن أويس» (776 - 784هـ = 1373 - 1382م)، فضاعت هيبة الدولة فى عهده، وبدأت فى التدهور والانهيار؛ حيث اهتم بملذاته ومصالحه الشخصية على حساب أمور الدولة والرعية، وزادت الأمور اضطرابًا فى عهد أخيه «أحمد بن أويس» الذى خلفه فى الحكم (784 - 813هـ = 1382 - 1410م)، إذ تمكن «تيمورلنك» من إسقاطه عن عرشه عدة مرات، ثم دخل «بغداد» فى عام (795هـ = 1393م)، ففر «أحمد بن أويس» إلى «مصر» مستنجدًا بالسلطان المملوكى «برقوق»، وتمكن «الشيخ أحمد» -أخيرًا - من العودة إلى

«بغداد» فى عام (804 هـ = 1401م)، وتمكن من استعادتها فى عام (807هـ= 1404م)، بعد أن خرجت عدة مرات من حكم «آل جلائر» إلى حكم التيموريين، ثم استعاد «تبريز» فى عام (809هـ= 1406م)، ولم يلبث أن فقدها ثانية فى العام نفسه على يد حفيد «تيمورلنك». وفى عام (813هـ = 1410م)، اختلف «أحمد بن أويس» مع زعيم قبيلة «قراقيونلو»، وحدث صدام بينهما، فقُتل «الشيخ أحمد»، وتمكن زعيم «قراقيونلو» من انتزاع «تبريز» وما والاها من الجلائريين، ثم أسس دولة له فى «أذربيجان». تولى الحكم بعد «أحمد بن أويس» عدد من السلاطين، وصلت الدولة فى عهدهم إلى أقصى مراحل الضعف حتى انتهت بموت «حسين بن علاء الدولة» آخر السلاطين الجلائريين سنة (835هـ)، وسلاطين هذه الفترة هم: - شاه ولد (813 - 814هـ). - محمود بن شاه ولد (814 - 818هـ). - أويس بن شاه ولد (818 - 824هـ). - محمد بن شاه ولد (824 - 827هـ). - حسين بن علاء الدولة (827 - 835هـ). العلاقات الخارجية: اتسمت علاقة الجلائريين بالعالم الخارجى بالعداء والصراعات؛ لأن دولتهم قامت على أنقاض «الدولة الإيلخانية»، فنشب الصراع بينهم وبين «الدولة الجوبانية» نتيجة استجابة السلطان المملوكى للشيخ «حسن الجلائرى» حين طلب منه الحماية، غير أن مقتل «حسن الجوبانى» على يد زوجته «عزت الملك» فى عام (744هـ = 1344م)، قد أراح «حسن الجلائرى» من نزاعات وصراعات كثيرة كانت ستحدث حول أملاك الجلائريين الشرقية، ثم جاءت نهاية «الجوبانيين» على يد «القبجاق»، فوضعت النهاية للصراع الجلائرى الجوبانى. ولم تكن علاقة الجلائريين بالدولة المظفرية بأفضل حال من سواها، فقامت بينهما المنازعات، إذ قدم المظفريون المساعدات إلى المناهضين للحكم الجلائرى، وإلى المتمردين عليه، ثم أطاح التيموريون فى النهاية بالجلائريين والمظفريين معًا. دخلت علاقة «الدولة الجلائرية» مع «الدولة المملوكية» بمصر فى دور

التبعية، بهدف الاستفادة من المماليك فى حماية دولتهم ومساعدتها ضد أعدائها، خاصة الجوبانيين والتيموريين، وقد ساعد السلطان المملوكى «برقوق» السلطان الجلائرى «أحمد بن أويس» فى استعادة «بغداد» من أيدى التيموريين. كانت علاقة الجلائريين الخارجية «بقراقيونلو» علاقة صداقة - فى بداية الأمر- ثم ما لبثت أن تحولت إلى عداوة وشقاق، واستولت هذه القبيلة على أملاك «الدولة الجلائرية» فى «أذربيجان» ثم أقامت بها دولتها المستقلة. مظاهر الحضارة فى الدولة الجلائرية: تمتعت «الدولة الجلائرية» باستقلالها فى عهد «الشيخ حسن الجلائرى» الذى أدت سياسة حكمه إلى انتعاش اقتصاد البلاد، وبناء حضارة زاهرة، وتشييد المدارس والمكتبات وأماكن العلاج، فتردد طلاب العلم على «بغداد» من كل مكان؛ طلبًا للعلم والمعرفة، فأعاد لبغداد عهدها القديم المشرق، واعتمد على العرب والترك فى الجيش، فقل تأثير الفرس على المجتمع العراقى، وبات «آل فضل» العرب ذوى مكانة خاصة فى هذه الدولة، ولكن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ تولى «الشيخ أويس بن حسن» عرش «الدولة الجلائرية» واعتمد فيها على العنصر الفارسى، وأساء إلى العرب، فتقلص نفوذ العرب ونشاطهم فى الدولة، وازداد الأمر سوءًا حينما اتخذ «الشيخ أويس» «تبريز» عاصمة لبلاده بدلا من «بغداد»، وجعل اللغة الفارسية لغة بلاده الرسمية؛ فازداد نفوذ الفرس، واشتعلت الثورات فى «العراق»، وطمع المظفريون فى فارس، فأحدقت الأخطار بالدولة الجلائرية من كل جانب فغزاها التيموريون، فأفقدها ذلك القدرة على مواصلة الإصلاح الاقتصادى، وأهملت المنشآت الخاصة بالزراعة والرى، وأصبح شغل الحكام الجلائريين الشاغل هو الحفاظ على وجودهم فى الحكم، ونشبت بينهم الصراعات الكثيرة التى أطاحت بهم جميعًا فى النهاية. كما ساعدت الفيضانات والأوبئة التى تعرضت لها هذه الدولة على انهيار اقتصادها، وتدهور الأحوال فيها، واضطر الحكام إلى فرض

الضرائب لملاحقة المجهود العسكرى، فضجر الناس من ذلك، وانتكست تجارتهم بسبب الضرائب، وأصيبت الصناعة بالخمول والكساد أيضًا، ولم تبقَ إلا بعض الصناعات القليلة مثل: صناعة الحرير، وصناعة الأسلحة، وبات هَمُّ الحكام الحفاظ على العرش، وضحوا فى سبيل تحقيق ذلك بكل غالٍ ونفيس.

4 - 6:الدولة المظفرية

الفصل السادس *الدولة المظفرية فى فارس وكرمان وكردستان [713 - 795 هـ = 1313 - 1393م] النشأة والتكوين: ينسب «آل مظفر» إلى الأمير «مبارز الدين محمد» ابن الأمير «شرف الدين بن منصور بن غياث الدين حاجى الخراسانى»، وقد تولى الأمير «شرف الدين» عدة مناصب فى عهد الإيلخانيين، فولاه السلطان «أولجايتو» مدينة «ميبد» (6)، ثم توفى «شرف الدين» بعد أن قضى على المتمردين فى منطقة «شبانكاره»، فاتخذ السلطان «أبو سعيد بهادرخان» ابنه «مبارز الدين محمد» ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره مكان أبيه، وولاه مناصبه فى عام (717هـ= 1317م)، ولذا يعد الأمير «مبارز الدين» أول حكام المظفريين. الوضع الداخلى: استقل الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بإقليم «فارس» عقب سقوط الحكم الإيلخانى، ثم استولى على «كرمان» فى سنة (741هـ = 1340م)، وطمح فى تكوين إمبراطورية واسعة الأرجاء، فضم كثيرًا من المدن الإيرانية إلى دولته، وأعلن ولاءه للخليفة العباسى «المعتضد بالله» واتخذ لنفسه لقب «ناصر أمير المؤمنين»؛ ليضفى الشرعية على حكمه، وظل يسعى إلى تحقيق هدفه حتى بات الخليفة ألعوبة فى يده. اعترض «آل إينجو» بزعامة «الشيخ أبى إسحاق» طريق «آل مبارز» فى تحقيق حلمهم، ونشبت الخلافات والصراعات بينهما، وظلت العلاقة بين الطرفين سيئة حتى قتل المظفريون «الشيخ أبا إسحاق» عقب إحدى المعارك التى دارت بينهما فى عام (758هـ = 1356م)، واستولى «شاه شجاع» ابن الأمير «مبارز الدين» على «شيراز»، فانتقل إليها الأمير «مبارز» وأقام بها وأرسل ابنه «شاه شجاع» إلى حكم «كرمان». وفى عام (758هـ) فتح الأمير «مبارز الدين» منطقة «تبريز»، ثم لما علم بقدوم الشيخ إدريس الجلائرى إليها، غادرها إلى «شيراز»، وهناك اصطدم بولديه «شاه شجاع»، و «شاه محمود»، اللذين تحالفا مع «شاه سلطان» أحد الناقمين على أبيهما، فقبضوا عليه، وأمر ابنه «شاه شجاع» بسمل عينيه، ثم حبسوه فى إحدى القلاع،

والتمس الأب عطف ولديه، وطلب منهما الصلح، فعفوا عنه، وحكما البلاد نيابة عنه، وضربا السكة باسمه، وظل الوضع على ذلك فترة، ثم أرسلاه للإقامة بقلعة «بم» بكرمان، ولكن الأمير «مبارز الدين» كان قد اشتد به المرض ومات فى الطريق قبل أن يصل إلى هذه القلعة قى عام (765هـ = 1364م). وظل أبناء «مبارز الدين» يحكمون من بعده «كرمان» و «فارس» و «كردستان»، فحكم «جلال الدين شاه شجاع» فى حياة أبيه فى سنة (759هـ = 1357م)، وظل فى الحكم حتى سنة (786هـ = 1384م)، وقضى فترة حكمه فى مطاردة المارقين والعصاة والخارجين على الدولة، ثم تولى بعده ابنه «مجاهد الدين زين الدين» (786 - 789هـ = 1384 - 1387م)، إلى أن عزله الأمير «تيمور كوركان»، فخلفه «شاه يحيى» فى «يزد»، و «سلطان أحمد» فى «كرمان». وكان «شاه منصور» آخر حكام دولة «آل المظفر» فى «أصفهان»، وسقطت «الدولة المظفرية» فى عام (795هـ = 1393م). وقد اشتهر المظفريون بحبهم للعلم والثقافة طيلة اثنتين وسبعين سنة هى عمر دولتهم من النشأة حتى السقوط. العلاقات الخارجية: عانت «الدولة المظفرية» كثيرًا من الصعاب من أجل الاحتفاظ بالحكم، فدار صراع بينها وبين «آل إينجو» بزعامة الشيخ «أبى إسحاق»، ودخلت حروب عدة مع «الدولة الجلائرية»، وكذلك مع «الدولة التيمورية» التى اجتاحت من اعترض سبيلها من الدول والحكام، ولم تستطع دولة «آل المظفر» الصمود أمام تسلط «تيمور كوركان» الذى قسم أملاكها بحجة الوصاية التى منحه إياها الأمير «مجاهد الدين زين العابدين» لرعاية أولاده من بعده، فوضع «تيمور» النهاية لهذه الدولة فى عام (795هـ = 1393م) بعد أن فرق وحدتها، وشتت حكمها، وقسم أرضها، ثم عمد بعد ذلك إلى إسقاطها. مظاهر الحضارة فى الدولة المظفرية: تميز عهد الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بالنشاط الحضارى، والازدهار الفكرى والثقافى، بفضل تشجيعه للعلماء والفقهاء

والنابغين، فتعهد علماء «شيراز» بالرعاية، وبنى فى «كرمان» مسجدًا كبيرًا أوقف عليه الأملاك لرعايته، وضرب السكة فى عهده ونقش عليها اسم الخليفة العباسى رمز المسلمين، وتذكر المصادر الفارسية أن «مبارز الدين» كان ضيق الصدر، ويعاقب المخطئ بنفسه؛ حتى أُطلِق عليه: «الملك المحتسب»، وكان شاه شجاع محبا للشعر والشعراء، فازدهر الشعر فى عصره، ونبغ عدد كبير من الشعراء منهم: «الشاعر الحافظ الشيرازى»، و «العماد الفقيه الكرمانى». وعلى الرغم من أن «آل المظفر» قد أحبوا العلم، وساعدوا العلماء، ونشروا الثقافة، فإنهم كانوا يتصفون بالقسوة، ويغلب عليهم العنف فى تعاملهم مع الرعية، وأيضًا فيما بينهم، وليس أدل على ذلك مما حدث من ابنى الأمير «مبارز الدين» مع أبيهما، ليمنعوه من الحكم، ولعل هذه الصفات كانت السبب الرئيسى فى زوال ملكهم.

4 - 7:ملوك كرت

الفصل السابع *ملوك كرت 643 - 791 هـ = 1245 - 1389 م. النشأة والتكوين: استقل ملوك «كرت» ببلادهم استقلالا محدودًا تحت لواء الإيلخانات فى «إيران»، وإن استمروا فى الحكم فترة بعد سقوط «الدولة الإيلخانية»، وقد استقر ملوك «آل كرت» فى «هراة»، و «بلخ»، و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»، ولم يصلوا إلى ما وصلت إليه الأسر المغولية الأخرى من أهمية فى تاريخ المشرق الإسلامى؛ إذ حكموا الجزء الشرقى لإيران من منتصف القرن السابع الهجرى إلى نهاية القرن الثامن الهجرى، وأزال ملكهم الأمير «تيمور كوركان» مثلما أزال ملك الأسر المغولية الأخرى. الوضع الداخلى: كان «شمس الدين الأول محمد»، أول ملوك «آل كرت»، وهو ابن ابنة «ركن الدين بن تاج» الذى تزوج ابنة السلطان «غياث الدين محمود الغورى»، الذى عينه حاكمًا على قلعة «خنسيار» (تقع بين هراة والغور) والتى آل أمرها -فيما بعد - إلى الملك «شمس الدين». عندما زحف المغول على العالم الإسلامى رأى الجد «ركن الدين بن تاج» الدخول تحت لوائهم، ليضمن سلامة ملكه، فتركه المغول، وبعث بحفيده «شمس الدين كرت» إليهم ليكون فى خدمتهم، تعبيرًا عن الطاعة والولاء. حكم «شمس الدين كرت» مناطق كثيرة، منها: «هراة»، و «بلخ»، و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»،ووصل بملكه إلى ضفاف «سيحون»، و «سيستان»، و «كابل» حتى «نهر السند»، وتمكن من الاستقلال بالحكم فى سنة (648هـ)، ومن المؤكد أن «شمس الدين» لعب دورًا كبيرًا فى حملة «هولاكو خان» على بلاد طائفة «الإسماعيلية»، إذ كان أول المشاركين فيها إظهارًا لولائه وطاعته للمغول، وكان له الفضل فى تسليم «ناصر الدين محتشم» «قلعة قهستان» إلى المغول. لم تسر سياسة «شمس الدين» على نهج واحد فى علاقته بالمغول، إذ انحاز إلى «براق خان» الجغتائى فى هجومه على «آباقا خان بن هولاكو» للاستيلاء على «خراسان» التابعة للدولة الإيلخانية، وذلك

بعد وفاة «هولاكو»، وتولى ابنه «آباقا خان» الحكم خلفًا له، فغضب «آباقا خان» على «شمس الدين» لموقفه، وخشى «شمس الدين» على حياته من غضب «آباقا خان» وانتقامه. شعر «براق خان» بقرب نهاية دولته (الدولة الجغتائية)، فعرض على «شمس الدين كرت» أن يعرف له أسماء الأغنياء فى «خراسان» -طمعًا فى مالهم- مقابل أن يحصل «شمس الدين» على تفويضه فى أملاك «الدولة الإيلخانية»، فأحس «شمس الدين» بذكائه قرب زوال ملك الجغتائيين، خاصة أن جيشهم بدت عليه أمارات القسوة والتجبر، فعاد إلى «هراة»، واعتصم بقلعة «خنسيار»، وانتظر ما ستسفر عنه الأحداث، ولكنه لم يلبث طويلا وتمكن من النجاة بشفاعة «شمس الدين الجوينى» صاحب الديوان (7) له عند «آباقا خان» الذى عفا عنه، ومات «شمس الدين كرت» فى «تبريز» مسمومًا فى عام (676هـ = 1277م)، فولَّى «آباقا خان» «ركن الدين بن شمس الدين» حكم «هراة» (677 - 682هـ = 1278 - 1283م). واتخذ هذا الابن لقب أبيه وعرف باسم «ركن الدين بن شمس الدين الأصغر». فلما تُوفِّى الإيلخان «آباقا خان» خشى ركن الدين على حياته، واعتصم بقلعة «خنسيار» الحصينة حتى وفاته سنة (705هـ = 1305م)، ثم تولى ابنه «فخر الدين» مكانه من قِبَل «غازان خان» سنة (695هـ= 1295م)، وشغل عهده بالخلاف مع «غازان»، حتى تُوفِّى سنة (706هـ = 1306م)، فعين «أولجايتو» مكانه أخاه «غياث الدين»، وظل فى الحكم حتى سنة (729هـ = 1328م)، فخلفه بالتتابع ولداه «شمس الدين الثانى» الذى مات سنة (730هـ = 1329م)، و «الملك حافظ» الذى قتل سنة (732هـ = 1331م)، ثم جاء من بعدهما الأخ الثالث «معز الدين حسين»، وكان من أبرز حكام «بنى كرت»، فقد قرئت الخطبة باسمه، وأهداه «سعد الدين التفتازانى» كتابه المشهور فى البلاغة باسم «المطول» وقد توفى «معز الدين حسين» سنة (771هـ = 1370م)، وحل مكانه ابنه «غياث الدين بير على» الذى

دعاه «تيمورلنك» للاجتماع به، فلما لم يلبِّ دعوته، قاد بنفسه جيشًا تمكن من الاستيلاء على هراة سنة (783 هـ = 1381م)، وأسر «غياث الدين» وابنه «بير محمد» وأخاه الملك «محمدا» والى «سرخس» وأركان حكومته، وساقهم إلى «سمرقند»، ثم أعدمهم فى أواخر سنة (784هـ) وبذلك انقرضت أسرة ملوك كرت. العلاقات الخارجية: أتاح اتصال ملوك «كرت» بالغوريين فرصة الوصول إلى الحكم، فلما غزا المغول البلاد الإسلامية انضوى «ركن الدين» تحت لوائهم، وعمل على مسالمتهم ليأمن شرهم على نفسه وعلى مُلك «آل كرت» فى «هراة» وغيرها. ثم جاء «شمس الدين كرت» ومضى على الدرب نفسه فى موالاة المغول، وانضم إليهم فى حملة «هولاكو خان» على بلاد «الإسماعيلية»، وكان له دوره البارز فى استسلام «ناصر الدين محتشم»، وتسليمه لقلعة «قهستان» للمغول، ومضى «آل كرت» فى طاعتهم للإيلخانيين الذين أسسوا دولتهم فى «إيران» و «العراق»، باستثناء بعض الأوقات التى خرج فيها بعض ملوك «آل كرت» على سيطرة الإيلخانيين المغول، ثم سرعان ما يعودون ثانية إلى الانضواء تحت اللواء المغولى، كما فعل «شمس الدين كرت» نفسه حين انضم إلى «الجغتائيين» فى صراعهم مع الإيلخانيين، ثم عاد ثانية إلى طلب العفو والصفح عنه من الإيلخان «آباقا» المغولى. وبذا يمكن القول: إن أمر تولية «آل كرت» الحكم كان يرجع إلى رغبة «الإيلخان» المغولى، وأصبحت مناطق نفوذ «آل كرت» إمارات تابعة - إلى حد بعيد- للمغول الإيلخانيين، وظلوا على ذلك حتى انتهى أمرهم على يد التيموريين الغزاة فى عام (791هـ= 1389م). مظاهر الحضارة فى إمارة آل كرت: كانت إمارة «آل كرت» إمارة ثرية؛ إذ ضمت إلى حكمها مناطق عدة اشتهرت بثرواتها وخيراتها ومزروعاتها، وسعة أرضها، وعذوبة مائها، وخصوبة تربتها، فاشتهرت «هراة» ببساتينها الكثيرة، و «غزنة» بسعة أرضها وخصوبة تربتها ووفرة مائها العذب، وكانت

تقع فى أطراف «خراسان» وتربطها بالهند، أما «سرخس» فتقع بين «مرو» و «نيسابور» وبها خيرات كثيرة، واشتهرت «نيسابور» (إحدى مدن خراسان) بالفواكه والثمار، والمعادن الكثيرة وبخاصة الفيروز، كما كانت تزخر بالعلماء الفضلاء، وتعد هذه المدينة عتبة الشرق. والواقع أن تلك البقاع التى شملتها أقاليم «آل كرت» كانت تفيض بالخير والثراء، فلم يجد الحكام صعوبة فى توفير احتياجات البلاد، وكذلك لم يكن لهم طموح فى توسيع حدودهم، أو إدخال دولة ما تحت تبعيتهم؛ إذ كانوا أنفسهم تابعين للحكم الإيلخانى المغولى، وحرص الإيلخانيون على ولائهم وكسب ودهم، وبقاء تبعية «آل كرت» لهم. وقد أدى استقرار الأوضاع الاقتصادية فى دولة «آل كرت» إلى استقرار الأوضاع السياسية، فشجع «الحكام» العلماءَ والأدباء، وعمدوا إلى مساعدتهم، فبرز منهم عدد كبير، ومنهم «ابن يمين» (المتوفى عام 769هـ)، وقد مدح بأشعاره «آل كرت» والسربداريين، وتضمن شعره الحكم والمواعظ، ومما يجدر ذكره أن العالم الجليل والقطب الكبير «جلال الدين الرومى»، قد وُلد وعاش فى «بلخ» فى الفترة من (604هـ إلى 672هـ)، وهو من أكبر شعراء الصوفية الفرس، وصاحب كتاب «مثنوى».

4 - 8:أمراء قراقيونلو

الفصل الثامن *أمراء قراقيونلو [780 - 873 هـ = 1378 - 1468 م]. النشأة والتكوين: ظهرت جماعة من التركمان أطلقوا على أنفسهم اسم «قراقيونلو» فى أواخر عهد السلطان «أبى سعيد بهادرخان» آخر حكام «الدولة الإيلخانية» - فى النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى = النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى - فى الشمال الغربى لآسيا جنوبى بحيرة «وان». ومما لاشك فيه أن هذه الجماعة قد استفادت استفادة كبيرة من الضعف الذى منيت به «الدولة الإيلخانية» فى عهد خلفاء السلطان «أبى سعيد بهادرخان»، ودخلوا فى صراع مع التيموريين، واعتنقوا المذهب الشيعى، ويرجع نسب أمرائهم إلى الأمير «محمد تورمش ابن بيرام خواجة». الوضع الداخلى: استطاع الأمير «أبو نصر قرا يوسف نويان بن محمد» أول أمراء «قراقيونلو» أن يقود كتائبهم المنتشرة بالأقاليم المجاورة لأرمينيا و «أذربيجان»، ويستولى على «تبريز» ويجعلها عاصمة لإمارته، ثم اصطدم بأحمد بن أويس الجلائرى فى عام (813هـ = 1410م)، وتمكن منه وقتله، ومد سلطانه وسيطرته على «أذربيجان» (أذربايجان). ولما غزا «تيمور» بلاد «قرا يوسف» فى عام (802هـ = 1400م)، سلبه ملكه، ولكنه استعاد ما سلب منه فى عام (808هـ = 1405م)، ونادى بابنه «بيربوداق» أميرًا على «أذربيجان» سنة (810هـ = 1407م)، فاستطاع أن يتخلص من «قرا عثمان» رئيس «الآق قيونلو» فى «ديار بكر»، ويحقق لقبيلته كثيرًا من الانتصارات والفتوح من ناحية الغرب، ثم توجه إلى الشرق لصد القوات التيمورية بقيادة «شاه رخ»، ولكنه توفى فجأة فى الطريق بأذربيجان، وكذلك توفى والده «قرا يوسف» فى الوقت نفسه، فتولى الأمير «إسكندر بن قرا يوسف» الحكم فى عام (823هـ = 1420م)، واستمر حتى عام (841هـ = 1437م). وفى أثناء هذه الفترة وقعت أحداث كثيرة، فهاجم «شاه رخ» الذى كان يحكم القسم الشرقى لإيران الأمير إسكندر بن قرا يوسف، وألحق به الهزيمة فى «تبريز»، وطرده من «أرمينية» فى عام

(824هـ = 1421م)، ولكن الأوضاع الداخلية للدولة التيمورية أجبرت الأمير «شاه رخ» على العودة إلى «خراسان»، مما أتاح الفرصة للأمير «إسكندر» للعودة إلى إمارته واسترداد ملكه، وتحقيق انتصارات متتالية فى «أرمينية» و «أران»، و «بلاد الأكراد». واستمر الصراع بينهما حتى قتل الأمير إسكندر سنة (841هـ) فتولى أخوه الأمير «جهانشاه» زعامة أمراء «قراقيونلو»، واصطدم بالتيموريين وهزم «الميرزا علاء الدولة التيمورى» واستولى منه على «خراسان»، وفى الوقت نفسه تمرد ابن «جهانشاه» عليه فى «أذربيجان»، فاضطر إلى مصالحة التيموريين ثانية، وأعاد إليهم «خراسان»، ثم عاد إلى «تبريز» عاصمته ليتمكن من مواجهة ابنه والقضاء على تمرده، فخرج عليه «حسن بيك» أحد أفراد قبيلة «آق قيونلو»، وقتله فى سنة (872هـ = 1467م). كان الأمير «حسن على» هو آخر أمراء هذه الدولة، وهو ابن الأمير «جهانشاه» الذى اعتقله فى «باكو» نحو خمسة وعشرين عامًا؛ فلما ولى الأمير «حسن» الحكم، لقى هزيمة منكرة على أيدى قبيلة «آق قيونلو» بزعامة «أوزون حسن» فى عام (873 هـ = 1495 م)، وسقطت أسرة «قراقيونلو»، فكانت النهاية. العلاقات الخارجية: كانت دولة أمراء «قراقيونلو» فى «أذربيجان» ذات علاقات عديدة مع جيرانها، اتصفت -فى المقام الأول- بأنها علاقات ذات صفة حربية، فقد بدأت هذه العلاقة بتبعية هذه القبيلة للدولة الإيلخانية، ثم أقاموا علاقات صداقة مع الجلائريين والعثمانيين بهدف مواجهة الغزو التيمورى، ومما لاشك فيه أنهم استفادوا من هذه العلاقة، خاصة أن «بايزيد» قد وفر الحماية لأمراء «قراقيونلو»، الذين فروا إلى «الأناضول» هربًا من التيموريين، ولكن هذه العلاقة لم تسر على وفاق مع الجلائريين، وقتل «قرا يوسف» «أحمد بن أويس الجلائرى» فى عام (813هـ= 1410م). أبعد التيموريون أمراء «قراقيونلو» عن مقار حكمهم أكثر من مرة،

وكانت العلاقة سيئة بينهما، وجاءت نهاية أمراء «قراقيونلو» على أيدى قبيلة «آق قيونلو» (9)، إحدى القبائل التركمانية التى تنتمى إلى عنصرهم ذاته. مظاهر الحضارة فى دولة أمراء قراقيونلو: لم تتح الحروب والمعارك العسكرية فرصة كافية أمام أمراء «قراقيونلو» للاهتمام بمظاهر الحضارة، فقد عاشت دولتهم فى صراعات متواصلة من أجل الحفاظ على حدودها من الجلائريين والتيموريين، ولكن ذلك لم يمنع الأمير «جهانشاه» من الاهتمام بالأدب والشعر، إذ كان هو نفسه ينظم الشعر، وكان محبا له. وقد شيد «جهانشاه» مسجدًا يعد تحفة فنية فى عمارته، وهو «المسجد الأزرق» الذى يمثل العمارة الإسلامية فى هذه المنطقة. لم يمنح التيموريون أيا من أمراء «قراقيونلو» فرصة الاتجاه نحو الاهتمام بمظاهر الحضارة، لأنهم كانوا يحطمون كل شىء ويقضون على الأخضر واليابس فى غزوهم الشامل على مناطق نفوذ أمراء «قراقيونلو»، لذا لم يهتم هؤلاء الأمراء بمظاهر الحضارة، وصرفوا جهودهم إلى النشاط الحربى.

4 - 9:الدولة الصفوية

الفصل التاسع *الدولة الصفوية [907 - 1148 هـ = 1502 - 1736م]. النشأة والتكوين: ينتسب الصفويون إلى «صفى الدين الأردبيلى» الذى عاش فى الفترة من (650هـ = 1252م) إلى (735هـ = 1334م)، وهو أحد شيوخ الصوفية، وقد درس فى مطلع حياته العلوم الدينية والعقلية فى موطنه، ثم ارتحل إلى «شيراز»، واتصل بالشاعر المعروف «سعدى الشيرازى»، ثم رحل إلى «أردبيل» ومنها إلى «كيلان»، ودخل فى زمرة الشيخ «زاهد الكيلانى» وتزوج ابنته، وخلفه فى الطريقة، وعهد إلى أبنائه وأتباعه بالعمل على جذب الأتباع والدراويش، والاجتهاد فى نشر طريقتهم والدعاية لها، وكان هؤلاء ينتسبون إلى المذهب الشيعى. الوضع الداخلى: شهدت «إيران» فترة عصيبة ضاعت فيها حقوق المواطنين، وساءت معاملتهم، فى الفترة التى سبقت قيام «الدولة الصفوية»، فمهد ذلك الطريق أمام شيوخ الصفويين، وتحولوا من أصحاب دعوة وشيوخ طريقة إلى مؤسسى دولة لها أهدافها السياسية والمذهبية. وكانت «إيران» - آنذاك - مقسمة إلى عدة أجزاء، يحكمها عدة حكام، ويستقل كل منهم بما تحت يديه، فعاش الناس حياة قلقة يشوبها الصراع على الحكم، وبحثوا عن مخرج لذلك ناشدين الراحة والهدوء، فلم يجدوا أمامهم سوى أن يكونوا مريدين وأتباعًا لشيوخ الصفويين وطريقتهم، وذلك فى الوقت الذى آلت فيه رئاسة الأسرة الصفوية إلى «إسماعيل»، الابن الثالث لحيدر حفيد الشيخ «صفى»، فأسس «إسماعيل» «الدولة الصفوية» فى عام (907هـ = 1502م)، ثم دخل «تبريز» وأعلن نفسه فيها ملكًا على «إيران»، وتلقب بأبى المظفر شاه إسماعيل الهادى الوالى، وأصدر السكة باسمه، وفرض المذهب الشيعى، وجعله المذهب الرسمى لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السنى، وقال حين أعلن ذلك: «لا يهمنى هذا الأمر، فالله، وحضرات الأئمة المعصومين معى، وأنا لا أخشى أحدًا، وبإذن الله - تعالى - لو قال واحد من الرعية حرفًا، فسأسحب سيفى، ولن أترك أحدًا يعيش».

وأمر المؤذنين أن يزيدوا فى الأذان عبارتَى: «أشهد أن عليا ولى الله»، و «حى على خير العمل». مضى الشاه «إسماعيل» فى إرساء قواعد دولته، وترسيخ دعائم مذهبه، وتنظيم إدارة بلاده، فاتخذ من «حسين بك لله» نائبًا له، وجعل «الشيخ شمس الدين اللاهيجى» حاملا للأختام، واستوزر «محمد زكريا»، ثم قضى على قبيلة «آق قيونلو»، ودخل «شيراز»، وأقر فيها مذهبه الشيعى، فأصبحت «إيران» دولة شيعية بين قوتين سنيتين هما: «الهند» والأتراك من جهة الشرق، والعثمانيون والشام فى الغرب. قاست «بلاد الكرج» و «أرمينية» مرارة الصراع بين الصفويين والعثمانيين؛ إذ إنها تارة تصير تابعة للصفويين، وأخرى تابعة للعثمانيين. ويعود لمراد الرابع الفضل فى تحديد حدود «إيران» الغربية، حيث ضم «بغداد» و «الجزيرة» إلى الحكم العثمانى سنة (1048م)، كما نجح «أحمد درانى» فى إقامة دولة مستقلة فى «أفغانستان» بعد أن كانت تابعة مرة للهند، وأخرى لإيران، فلما ضُمت «هراة» إلى «أفغانستان» رُسمت حدود «إيران» الشرقية، ثم حددت حدودها الشمالية باستيلاء الروس على المناطق الشمالية، وبقيت هذه الحدود قائمة حتى تمت «اتفاقية الجزائر» فى عام (1975م). الشاه إسماعيل الأول [900هـ = 1494م]: تميز الشاه «إسماعيل» بالصبر والذكاء وقوة الإرادة، والشجاعة والإقدام وحسن الإدارة، فالتف الناس حوله بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، وأقام دولته على أساس مذهبى ذى أصول سياسية واقتصادية وإدارية، ووضع الأساس الذى استمرت عليه هذه الدولة نحو قرنين من الزمان، وباتت ذات دور مؤثر وحيوى فى المنطقة، وقد أُعجب معاصرو الشاه «إسماعيل» به وبسياسته، وقد وصفه «ميرخواند» فى كتابه «روضة الصفا» بقوله: «كان ذلك الملك نادرة الزمان، وأعجوبة الليل والنهار». ولعل من أبرز إنجازات «إسماعيل الصفوى» هى إقراره لوحدة «إيران» الوطنية والسياسية، وتحديد معالم شخصية دولته فى الداخل

والخارج، غير أنه صعَّد -فى الوقت نفسه- حدة الصراع بين الصفويين والعثمانيين، وعمَّق الخلاف المذهبى بين السنيين والشيعة. خلف الشاه «طهماسب الأول» أباه «إسماعيل الأول» على العرش فى (يوم الاثنين 19 من رجب عام 930هـ = 1524م)، وحكم أكثر من نصف قرن دخل خلالها فى حروب كثيرة مع العثمانيين والأوزبك و «كرجستان»، ثم خلفه ابنه الشاه «إسماعيل ميرزا» الذى تلقب بالشاه «إسماعيل الثانى» فى عام (984هـ = 1576م]، واعتمد سياسة الاعتدال فى نشر المذهب الشيعى، فأبعد عددًا من علماء الشيعة المتعصبين عن بلاطه، وأمر بمنع لعن الخلفاء الثلاثة والسيدة «عائشة» فوق المنابر وفى الطرقات، وحاول إعادة المذهب السنى إلى البلاد بالتدريج، مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وأغلبية المجتمع، وقرروا عزله وتعيين ابن أخيه «حسن ميرزا» إذا لم يتراجع عن ذلك، فعمل على تهدئة الثورة التى قامت ضده، وأبعد علماء المذهب السنى عن بلاطه، ونقش على السكة بيتًا مضمونه: أن عليا وآله أولى بالخلافة فى العالم الإسلامى كله. لم يتمكن الشاه «إسماعيل الثانى» من البقاء فى الحكم فترة طويلة، حيث قُتل، وقد اختلفت الروايات فى كيفية قتله، وتم اختيار «محمد خدا بنده» ملكًا على «إيران» فى عام (985هـ = 1578م)، فكثرت فى عهده الاضطرابات التى لم يستطع السيطرة عليها، إذ لم يكن جديرًا بالحكم، فخلفه ابنه الشاه «عباس الأول» على العرش من عام (996هـ = 1588م) إلى عام (1038هـ = 1629م)، ويعد عهده من أبرز عهود الحكم الصفوى فى «إيران» وأهمها؛ إذ عمل على رفاهية شعبه وتعمير بلاده، ونقل عاصمة دولته من «قزوين» إلى «أصفهان»، وأعاد الحكم المركزى إلى «الدولة الصفوية»، على الرغم من الصعوبات والحروب الكثيرة التى اعترضت سبيله، ونجح فى إقرار أمن بلاده وتأمين رعيته؛ واتخذ مجلسًا لبلاطه ضم سبعة أشخاص بسبع وظائف هى: «اعتماد الدولة» - «ركن السلطنة» - «ركن

الدولة» - «كبير الياوران» - «قائد حملة البنادق» - «رئيس الديوان» - «كاتب مجلس الشاه»، وبالرغم من وجود هذا المجلس كان هو صاحب القرار الأول والأخير فى الدولة. ثم توالى على حكم «الدولة الصفوية» - عقب وفاة الشاه «عباس الصفوى» - شاهات ضعاف؛ أدى الصراع فيما بينهم على السلطة إلى ضعف الدولة، فضلا عن أن ذلك أعطى الفرصة للأعداء الخارجيين الذين كانوا متربصين بالدولة، وبخاصة الأتراك العثمانيون، لغزوها ومحاولة السيطرة عليها. وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرًا من الرحالة الأوربيين الذين وفدوا على بلاط الصفويين؛ وصفوا مدى الأبهة والعظمة التى وفرها الصفويون فى بلاطهم، ولعل أبرز ما كان يميز هذا البلاط هو سيطرة رجال الدين واتساع نفوذهم، حتى بات أمر الدولة كله فى أيديهم، نظرًا إلى أنها دولة مذهبية، اتخذت من الدين أساسًا لقيامها، والدعوة إلى مذهبها. بدأ نجم «الدولة الصفوية» فى الأفول عقب وفاة الشاه «عباس الصفوى»، وحكمها «صفى الأول» عام (1038هـ= 1629م)، ثم «عباس الثانى» عام (1052هـ = 1642م)، ثم «سليمان الأول» عام (1077 هـ = 1667م)، ثم «حسين الأول» عام (1105هـ = 1694م)، ثم «طهما سب الثانى» (1135هـ= 1722م) ثم «عباس الثالث» الذى حكم من عام (1144هـ = 1731م) إلى عام (1148هـ = 1736م). وجميع هؤلاء الشاهات الصفويين لم تكن لديهم الصفات التى تمتع بها الشاه «عباس الأول»، وبدت الأمور أمامهم مجرد مظاهر ملكية يجب الحفاظ عليها، ونسوا أمور بلادهم، فضعفت الدولة، وضاعت هيبتها، وسقطت أجزاؤها واحدا تلو الآخر، فضاعت الدولة، وسقط العرش، وسقطت «الدولة الصفوية» فى عام (1148هـ = 1736م) فانقسمت «إيران» إلى عدة مناطق منفصلة. العلاقات الخارجية: أقام الصفويون علاقات متميزة مع سائر الدول، وكان الاقتصاد -ممثلا فى التجارة - هو المحرك الأساسى لعلاقاتهم الخارجية، ولعل حركة البضائع الشرقية كانت سببًا فى نشاط الكشوف الجغرافية وظهور

قوتين عظميين لعبتا دورًا مهما فى هذا الميدان، هما: «البرتغال» و «إسبانيا»، ومما لاشك فيه أن هذا النشاط الكشفى كان الهدف منه إيجاد طريق جديدة للتجارة الأسيوية، خاصة تجارة «الهند» التى كانت التوابل أهم عناصرها. وفى سبيل هذا عمد البرتغاليون إلى البحث عن طريق بعيدة عن «البحر المتوسط» الذى يهيمن عليه المماليك فى «مصر» و «الشام» من ناحية، وتهيمن عليه بعض المدن الإيطالية من الناحية الأخرى. حاول «بارثليميودياز» البرتغالى فى عام (892هـ =1487م) الدخول إلى «المحيط الهندى» عن طريق الالتفاف حول طريق «رأس الرجاء الصالح»، ولكنه فشل، وبعده باثنى عشر عامًا استطاع البحَّار البرتغالى «فاسكو داجاما» الوصول إلى «الهند» بواسطة طريق «رأس الرجاء الصالح»، وأقام البرتغاليون مستعمرات لهم فى «الهند» و «آسيا»، وأخضعوا أمير «هرمز» لهم، وأخذوا منه غرامة حربية، وفرضوا عليه مبلغًا من المال يدفعه سنويا خراجًا لدولتهم، فى الوقت نفسه طالب الشاه الصفوى «إسماعيل الأول» هذا الأمير بتسديد الخراج السنوى المفروض عليه من قِبَل «الدولة الصفوية»، فاستعان «أمير هرمز» بالقائد البرتغالى «البوكيرك» لتخليصه من ذلك، فأرسل «البوكيرك» إلى الشاه «إسماعيل الأول» برسالة جاء فيها: «إن استيلاء البرتغال على هرمز كان بالقوة، والقدرة لملك البرتغال، وليس لأحد من حق فى الخراج إلا له»، ثم أرسل هذا القائد بعض طلقات البنادق والمدافع والبارود إلى أمير «هرمز» وأمره أن يرسلها إلى الشاه «إسماعيل الصفوى» بدلا من الخراج الذى طالب به، ويخبره أن إجابة ملك البرتغال على الأعداء تكون بهذه الأشياء. ولم تلبث الأوضاع طويلا بين الطرفين على هذه الحال، وتم توقيع معاهدة بين الدولتين الصفوية والبرتغالية فى عهد الشاه «إسماعيل الأول»، إذ كان للبرتغاليين نفوذ قوى فى الخليج، وكانوا يحتكرون التجارة فى موانى جنوب «إيران».

انفتح الإيرانيون على العالم الخارجى، وزادت علاقاتهم مع الدول الأوربية فى عهد الشاه «عباس الأول»، ووفد على «إيران» العديد من السفراء الأوربيين، كما أوفد السفراء الإيرانيون إلى البلاد الأوربية، لإبرام الاتفاقات، وعقد المعاهدات - سواء التجارية أو السياسية - بين «أوربا» و «إيران»، وتم الاتفاق على فتح طريق تجارى بين «أوربا» و «آسيا» عبر «بحر الشمال»، وفى سنة (960هـ = 1553م) ذهب الإنجليزى «ريتشارد شانسلر» إلى «موسكو»، وتمكن من إقامة علاقات اقتصادية لبلاده مع ولايات «إيران» الشمالية فى عهد الشاه «طهماسب الأول»، والملكة «اليزابيث». وقد سجلت إحدى الوثائق السياسية الإنجليزية أحداث لقاء تم بين الإنجليزى «آرثر ادوارد»، والشاه «طهماسب الأول الصفوى»، وتمخض هذا اللقاء عن منح التجار الإنجليز حرية السفر إلى «جيلان»، أو إلى أى مكان فى أملاك «الدولة الصفوية»، ووعد الشاه «طهما سب» الإنجليز بحماية سفنهم فى بحر «الخزر» من أى عدوان، ومنحهم عدة امتيازات أخرى غيرها. وخلاصة القول: إن حكام «إيران» الصفويين لم تقتصر علاقاتهم الخارجية على دولة بعينها، بل تعدت إلى العالم الأوربى عامة، وكذلك كانت لهم علاقات جيدة مع «هولندا» و «ألمانيا». مظاهر الحضارة فى الدولة الصفوية: تمكن الصفويون من إقامة دولة قومية لهم فى «إيران» على أسس مذهبية، وأحيوا بها الروح القومية، ووحدوا عناصر الشعب تحت لواء مذهبهم الذى قاموا بنشره بالترهيب والترغيب بين الطبقات كافة. وانتفع الصفويون فى تكوين حضارتهم بالصراع العسكرى فى حروبهم ضد العثمانيين؛ إذ كلفوا «روبرت»، و «أنتونى شيرلى» الإنجليزيين بإنشاء مصنع للمدافع لهم، فكان سببًا من أسباب تقدم حضارتهم العسكرية، وانتقل «طهما سب» بعاصمة بلاده من «تبريز» إلى «قزوين» نتيجة توغل السلطان العثمانى «سليمان القانونى» فى «العراق»، ثم فى «تبريز» و «أصفهان»، وأخذ «طهما سب» فى

بلاطه الجديد بكل أسباب التحضر والتأنق والدقة، حيث كان خطاطًا ماهرًا، وله دراية عالية بفنون النقش من خلال دراساته فى هذا المجال. وفى سنة (1007هـ = 1598م)، نقل الشاه «عباس الصفوى» عاصمة بلاده إلى «أصفهان»؛ فدبت بها حياة جديدة، وراجت بها التجارة، وازدهرت الصنائع والفنون، وعمد «الشاه عباس» إلى تطوير الجيش وتحديثه، فاستبدل جيشه القديم -المكون من قوات قبلية- بجيش نظامى جديد، واستحدث فيه فرقة عسكرية جديدة أطلق عليها اسم «أصدقاء الملك»، وكانت هذه الفرقة تضم عشرة آلاف فارس، وكان ضعف هذا العدد من المشاة، ثم مضى فى طريق التحديث العمرانى فشيد الطرق، وشق القنوات، وأعد الأماكن اللازمة لنزول القوافل التجارية فى طول البلاد وعرضها، وأقام مدينة ملكية جديدة فى «أصفهان»، وجعلها مجاورة للمدينة القديمة، وأنشأ بها الإنشاءات اللازمة، ثم ضاعف هذه الإنشاءات فى عام (1020هـ = 1611م)، وبنى لنفسه بها قصرًا عظيمًا، وأنشأ حول ميدانه مسجدًا كبيرًا أسماه «مسجد شاه»، وجعل بجواره مسجدًا آخر أصغر منه، وأحاط المدينة بسور من الآجر والطين، وأقام بها الأسواق المسقوفة، ومائة واثنين وستين مسجدًا، وثمانيًا وأربعين مدرسة دينية، وألفى رباط لإقامة القوافل، وثلاثمائة حمام عام، وجعل لكل منزل بها حديقة خاصة، كما جعل شوارع هذه المدينة متعرجة وضيقة، ربما لأسباب أمنية ودفاعية، فبلغ تعداد السكان بالمدينة الجديدة نحو ستمائة ألف نسمة فى ذلك الوقت، ولقد بقيت آثار هذه المدينة شاهد صدق على عظمة الحضارة الصفوية إلى وقتنا الحاضر.

4 - 10:شاهات إيران

الفصل العاشر *شاهات إيران [1135 - 1344هـ = 1722 - 1925م]. أ - الأفاغنة: تمرد الأفغانى «محمود بن ميرويس» ورفع راية العصيان على «الدولة الصفوية» فى عهد الشاه الصفوى «حسين الأول»، فلما لم يجد هذا الرجل من يأخذ على يديه ويوقف عصيانه؛ تمكن من الاستيلاء على مدينتى «هراة» و «مشهد»، وهما من أهم مدن دولة الصفويين، ولم يكتفِ بذلك: بل استولى على العاصمة «أصفهان» فى سنة (1135هـ = 1722م)، فدخلت دولة الصفويين فى طور السقوط والانهيار النهائى، وتحولت من دولة كانت تتمتع بالنفوذ والسطوة والهيبة فى عهد «عباس الأول» ومَن سبقوه، إلى هيكل ضعيف لاحول له ولا قوة، وظهرت إلى جانبها قوى أخرى جديدة وفتية سلبتها حق التمتع بإمكاناتها وممتلكاتها، وسلبت حكامها حق الانفراد بحكم البلاد. أقام الأفغانيون دولتهم على ما سلبوه من أراضى الدولة الصفوية، وكان أول حكامهم هو «محمود بن ميرويس» الذى حكم فى (11من المحرم عام 1135هـ = 1722م)، وقُتل فى سنة (1137هـ = 1725م)، فخلفه «أشرف بن عبدالله» فى الحكم، وظل به حتى عام (1142هـ = 1729م)، ثم ظهر الأمير الأفغانى «آزاد خان» مطالبًا بالحكم فى «أصبهان» فى سنة (1166هـ = 1753م)، وتم له ما أراد، وظل فى الحكم حتى سنة (1169هـ = 1756م). ب - الأفشارية: لم يستمر حكم الأفاغنة طويلا؛ إذ استعان الشاه «طهما سب الثانى» - على دفع تهديد الأفغان- بالقوى المحيطة، فأسرعت «روسيا» إلى مساعدته فيما طلب، نظير السماح لها بدخول «استراباد»، وهكذا تمكن الروس من وضع أقدامهم فى هذه المناطق. ثم ظهرت قوة جديدة حكمت فى الفترة من سنة (1148هـ = 1736م) إلى سنة (1210هـ - 1796م) عرفت باسم الأفشارية، واستطاع «نادر شاه الأفشارى» أن يقضى على حكم الأفغان، ويخلع الشاه «طهماسب الثانى» ويسجنه مع طفله الرضيع «الميرزا عباس الثالث»، ثم أعلن تتويجه ملكًا على «إيران» فى سنة (1148هـ = 1736م)،

وظلت أسرته تحكم أكثر من ستين عامًا، أى إلى سنة (1210هـ = 1796م)، وقد اتسم حكم «نادر شاه» بالسطوة والعنف ضد الرعية، مما أسرع بقتله على يد أحد ضباطه، فأدى ذلك بدوره إلى ظهور «الزنديين»، وأصبح زعيمهم «محمد كريم خان» شاه «إيران» فى سنة (1163هـ = 1750م)، ولكن هذه الأسرة لم تستطع مد نفوذها إلى «خراسان» التى كانت فى قبضة «شاه رخ» الأفشارى، وبقيت هذه الأسرة الزندية فى الحكم مدة خمسين عامًا، حتى قُتل آخر حكامهم «لطف على» على يد «آقا محمد القاجارى» فى الرابع عشر من المحرم عام (1211هـ = 1799م)، فظهرت الأسرة القاجارية. ج - الأسرة القاجارية: هى إحدى الأسر المغولية، وانتشر أفرادها فى البلاد الإسلامية، وأقاموا بصفة خاصة بأرمينية، واقتصر دورهم فى عهد الشاه «إسماعيل الأول الصفوى» على تقديم العون إلى الصفويين، حيث اتخذ منهم جنودًا لمواجهة شر القبائل المهاجمة لحدوده، فازدادوا بذلك قوة ونفوذًا، ثم استطاع «آقا محمد خان» توحيد فروع قبيلته بالقوة والعنف حتى تمكن من الاستيلاء على «طهران» فى سنة (1193هـ = 1779م)، ثم أقام «الدولة القاجارية»، وأصبح أول ملوكها، وأطلق على نفسه لقب ملك «إيران» فى عام (1211هـ = 1796م)، وقضى على «الزنديين»، وحقق السيطرة الكاملة على «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه «فتحعلى شاه» فى الفترة من (1212هـ = 1797م) إلى (1250هـ = 1834م)، وامتاز عصره بالهدوء النسبى، وإن تخللته بعض الاضطرابات والمشاكل السياسية. العلاقات الخارجية: دفع الأفاغنة «الشاه طهما سب الثانى الصفوى» إلى الاستعانة بروسيا، وإلى عقد معاهدة مع قيصرها «بطرس»، وتخلت «إيران» بموجبها رسميا عن «دربند»، و «باكو»، والسواحل الجنوبية لبحر «مازندران» حتى «استراباد»، فتحقق لروسيا حلم الوصول إلى هذه المناطق، وأطمعها ذلك فى شمال البلاد حين نشب الصراع على السلطة بين الصفويين والأفاغنة، ولعل ذلك هو الذى دفع العثمانيين

إلى الهجوم على بلاد «الكرج». ثم أسس «نادر شاه الأفشارى» دولته بإيران، وبذل جهودًا مضنية للقضاء على الانقسام القائم فى الجزء الشرقى من العالم الإسلامى، وأعلن المذهب السنى مذهبًا رسميا للبلاد؛ عوضًا عن المذهب الشيعى، واضطهد زعماء الشيعة، ولكن محاولاته وجهوده هذه لم تسفر عن نتائج قاطعة، فقام بتوسعات وفتوحات كثيرة، ودخل «دلهى» ونهب قصورها، وضم «جزيرة البحرين» إلى «إيران» فى عام (1151هـ = 1738م)، ثم مضى إلى فتح «العراق» فى سنة (1156هـ = 1743م). لم تسفر حروب «نادر شاه» الخارجية عن فائدة فعلية لشعبه، بل على العكس من ذلك، فقد قاد جيوشه من أقصى الشرق إلى الغرب، وحمَّل الشعب أعباء الإنفاق على هذه الجيوش، فى حين كان من الممكن أن يصرف هذا الإنفاق على تنمية البلاد ورفاهية هذا الشعب. استطاع «أقا محمد القاجارى» أن يسيطر على كل «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه ابن أخيه «فتحعلى شاه»، فأقامت «إيران» فى عهده علاقات سياسية مع الدول الأوربية، وعقد فى سنة (1222هـ = 1807م) معاهدة تحالف مع «فرنسا»، ولذا كان من المتوقع أن تسمح «إيران» لنابليون بونابرت بالمرور عبر طريقها البرى للوصول إلى «الهند» فى مقابل أن تمد فرنسا «الدولة القاجارية» بالأسلحة، ومدربى الجيش، لكى تتمكن «إيران» من التصدى لروسيا القيصرية التى استولت على «جورجيا» فى عام (1216هـ = 1801م)، ولكن الأمور لم تسر وفق ما كان متوقعًا، فقد اتفق «بونابرت» مع «روسيا»، ووقع الروس والإيرانيون معاهدة «كلستان» فى عام (1229هـ = 1813م)، واعترفت «إيران» بموجب هذه المعاهدة بحق ملكية «روسيا» لجورجيا، ومع ذلك لم تستقر الأوضاع، ودخلت «إيران» فى سلسلة من الحروب مع «روسيا»؛ التى استولت على «تبريز»، وفرضت على «إيران» غرامة مالية، بموجب معاهدة «تركمان جاى» التى عُقدت فى سنة (1244هـ = 1828م)، فضلا عن تنازل «إيران» عن إقليمى «إريوان» و «نخجوان» لروسيا،

ووضع «بحر قزوين» تحت الرقابة الحربية الروسية، فباتت «إيران» بين شقى رحى فى علاقاتها الخارجية مع «روسيا» التى تعمل على التوسع فى «آسيا» على حساب ولايات «إيران» الشمالية للوصول إلى مياه الخليج الدافئة، و «بريطانيا» التى تعمل على تأمين الطريق إلى مستعمراتها فى «الهند» من خلال السيطرة على «الخليج الفارسى»، والأراضى المجاورة للهند. وجدير بالذكر أن خمس عشرة دولة أجنبية حصلت على امتيازات لرعاياها فى «إيران» فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادى، ثم امتلأت «إيران» بالأجانب فى عهد «ناصر الدين شاه القاجارى»، فى الوقت الذى تزايد فيه نفوذ رجال الدين الشيعة، لسيطرة مذهبهم الشيعى على كل «إيران»، وكذلك على حكامها. وقد شهد الربع الأول من القرن العشرين تطورًا فى سياسة «إيران» الخارجية، حيث عقدت مع «روسيا» فى عام (1340هـ = 1921م) معاهدة صداقة، أُلغيت بمقتضاها جميع المعاهدات السابقة التى كانت تضر بالمصالح الإيرانية، وأسقطت «روسيا» بموجبها ديون «إيران» التى لم تُسدد من قبل، وتنازلت عن امتيازاتها وممتلكاتها فى «إيران» مثل: خط السكة الحديدية، وخطوط البرق، ولعل الذى دفع «روسيا» إلى التنازل عن كل ذلك هو خوفها من محاولات «بريطانيا» للتدخل فى شئون «إيران» ووضعها تحت سيطرتها. مظاهر الحضارة فى إيران: كان لموقع «إيران» الجغرافى أهميته البالغة - ومازالت - فى تحقيق أسباب حضارتها ومدنيتها؛ حيث إنها المعبر البرى بين الشرق والغرب، وقد حقق لها ذلك مزية الرواج التجارى، ونقل الثقافات، والاستفادة من خبرات الآخرين، وفى الوقت نفسه جرَّ عليها الأطماع. وقد تحملت «إيران» العناء والخراب والدمار الذى لحق بها وبمواطنيها - منذ القدم - بسبب موقعها الجغرافى، ومع ذلك لا يمكن لأى مؤرخ منصف أن ينكر دور «إيران» الحضارى فى الثقافة والفنون والتقاء الحضارات المتعددة وتمازجها.

ومن الحقائق الثابتة أن الحكم الإيرانى قد تأسس على السلطة المطلقة للملك، الذى كان يسانده مجموعة من الإقطاعيين أُُطلق عليهم لقب «الولاة»، نظرًا لمساحة الأراضى الشاسعة، فكان كل واحد من هؤلاء «الولاة» ينوب عن الملك فى حكم إحدى مقاطعات البلاد، وله حق توريث الولاية من بعده، فنشأ نظام «الأسر الإقطاعية» التى زادت سطوتها، واتسع نفوذها، وقاد أمراؤها حركات التمرد على الشاه الموجود فى العاصمة، كما قاموا بالحركات الانفصالية، التى كان لها من السند والقوة ما يحول دون إمكانية القضاء عليها، ولعل هذه الأوضاع هى التى أوجدت الثراء الفنى والثقافى، فى طول البلاد وعرضها، وعملت على تنوعه وتعدد اتجاهاته.

4 - 11:التيموريون

الفصل الحادي عشر *التيموريون [771 - 906 هـ = 1329 - 1500م] النشأة والتكوين: ينتسب التيموريون إلى قبيلة «برلاس» المغولية، ويرجعون فى أصلهم إلى «تيمور بن ترغاى بن أبغاى»، الذى أحاط المؤرخون نسبه بهالة من الرفعة وعلو الشأن، ليبرروا استيلاءه على «بلاد ما وراء النهر»، فقد كان أبوه «أمير مائة» عند السلطان المغولى، وكان المغول يستخدمون الأتراك فى دواوينهم، وأكثروا منهم، حتى صارت اللغة التركية هى لغة البلاط والمجتمع فى «بلاد ما وراء النهر»، فلما دخلت «الدولة المغولية» مرحلة الاضمحلال والضعف؛ قامت «الدولة الجغتائية» بمساعدة قبيلة «برلاس»، فحفظ الجغتائيون هذا الجميل، وولوا «تيمور لنك»، ولاية «كش»، حين التجأ إليهم أثناء الاضطرابات التى عصفت ببلاد «ما وراء النهر» ثم لم يلبث أن أخرج الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر»، وطارد قبائل «الجتة» البدوية؛ التى اتسمت بالعنف والوحشية، وتمكن من طردهم من «بلاد ما وراء النهر»، ثم أعلن نفسه سلطانًا فى بلخ» على هذه المنطقة، واتخذ «سمرقند» عاصمة لملكه، وأعلن ذلك رسميا فى عام (800هـ = 1397م)، ثم مضى فى تنظيم حكومته الجديدة، واتبع قانون «جنكيزخان» (الياسا المغولية)، بما لا يتعارض مع القرآن الكريم والسنة النبوية. كان «تيمور لنك» ميالا إلى الفتح والتوسع، وغزا «خوارزم» فى عام (773هـ)، ثم دخلها وسيطر عليها فى عام (781هـ)، فأضحت «آسيا الوسطى» كلها تحت سلطانه. الوضع الداخلى: بدأ حكم «تيمور كورخان» (تيمورلنك) منذ دخل «سمرقند» فى عام (771هـ = 1329م)، فكوَّن مجلس شورى من كبار الأمراء والعلماء، وعلى الرغم من أنه كان الحاكم الفعلى للبلاد، فإنه عمد إلى اختيار الأمير الجغتائى «سيورغتمش بن دانشمندجة»، وجعله رمزًا للحكم ولقبه بلقب السلطان فى الفترة من سنة (771هـ = 1329م) إلى سنة (790 هـ = 1387م)، ثم اتخذ من بعده «محمود بن سيورغتمش» من عام (790هـ = 1387م) إلى عام (800هـ = 1397م).

وقد اتسمت سياسة «تيمور لنك» بالتوسع، فزحف إلى «إيران» فى سنة (782هـ = 1380م)، وتمكن من الاستيلاء على «خراسان» و «جرجان»، و «مازندران»، و «سيستان»، و «أفغانستان»، و «فارس»، و «أذربيجان»، و «كردستان»، ثم دخل «جورجيا» وغرب «إيران» فى عام (786هـ = 1384م)، وتمكن من فتح «العراق» و «سورية» (حلب ودمشق)، وهزم المماليك فى الشام، وحقق انتصارات عظيمة فى «الهند» عقب وفاة «فيروزشاه» سلطان «دلهى» فى عام (799هـ = 1397م)؛ حيث استولت جيوشه على حصن «أوكا»، وأسقطت «الملتان»، وفتحت «آباد»، ودخلت «هراة» بالأمان، ولاقى «تيمورلنك» مقاومة شديدة وصعوبة فى دخول «دهلى» على يد سلطانها «محمود تغلق»، ولكن هذه المقاومة لم تستمر طويلا، ودخل «تيمور» هذه المدينة، فقدم إليه أعيانها وعلماؤها فروض الولاء والطاعة، وخُطب له فيها، وعلى الجانب الآخر حقق «تيمورلنك» انتصارات كثيرة على الأتراك العثمانيين، وأسر حاكمهم «بايزيد خان». وتُوفى «تيمورلنك» فى «أترار» عن عمر يناهز السبعين عامًا فى سنة (807هـ = 1405م) بعد أن دانت له البلاد من «دهلى» إلى «دمشق»، ومن «بحيرة آرال» إلى «الخليج العربى»، فلما علمت بوفاته الأسر الحاكمة من «آل المظفر»، و «آل جلائر» و «ملوك كرت»، وكذا الأسر التركية والتركمانية أخذت جميعها تطالب باستقلالها عن خلفاء «تيمور»، وعودتها إلى الحكم ثانية، فأثارت الفتن والقلاقل، وكثرت الاضطرابات والمشاكل فى طول البلاد وعرضها، وتعرضت «الدولة التيمورية» إلى نكسة حقيقية عقب وفاة عاهلها ومؤسسها «تيمور»، وتمكنت بعض الأسر الحاكمة - من قبل - من العودة إلى الحكم، وإعادة ما سلب من أملاكها وممتلكاتها، فصارت هناك عدة أسر حاكمة تنافس خلفاء «آل تيمور» ثم خلف «تيمورلنك» ابنه «شاهرخ» على العرش سنة (807هـ = 1405م) واستمر فى الحكم إلى سنة (850هـ = 1447م) فعاشت البلاد فى عهده أفضل فترات الحكم؛

إذ كان محبا للعلم والعلماء، وحفيا بالثقافة، كما كان عادلا وتقيا وورعًا، فاشتهر بسلوكه الحسن وسيرته الطيبة بين الرعية. ولى «شاهرخ» أملاك «الدولة التيمورية» فيما عدا «سوريا» و «العراق العربى»، فقام بإصلاحات كثيرة فى البلاد، وشيد المبانى، وبنى المدارس الكثيرة فى «بخارى» و «سمرقند»، وأنشأ مرصده الشهير، ثم خلفه ابنه «أولوغ بك» على العرش، وقتله ابنه «عبداللطيف بن أولوغ» فى سنة (853هـ = 1449م)، ثم قُتل هو الآخر من بعده، ولم يستفد، من قتل أبيه، وتمكن «أبو سعيد ميرزا» من الاستيلاء على الحكم بسمرقند فى سنة (854هـ = 1450م)، ثم تولى من بعده «أحمد» فى سنة (872هـ = 1467م)، ثم من بعده «محمود» فى سنة (899هـ = 1493م)، ولم يلبث بالحكم سوى عام واحد فقط، ثم حدثت الاضطرابات فى سنة (906هـ = 1500م)، وقضى «الشيبانيون» على «الأسرة التيمورية» فيما عدا «ظهير الدين بابر» الذى فر إلى «الهند»، وتمكن بعد ذلك من تأسيس دولة عظيمة بها. العلاقات الخارجية: اتسمت علاقة «الدولة التيمورية» بالعالم الخارجى بالعداء والتناحر، بسبب رغبتها فى التوسع على حساب جيرانها، وقد طرد «تيمورلنك» الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر»، ثم أسس دولته التيمورية بها، واستولى على «خوارزم» فى عام (781هـ)، ثم استولى على «إيران»، و «أفغانستان»، و «أذربيجان»، و «العراق»، و «سورية»، ودخل حروبًا كثيرة من أجل تحقيق ذلك، وأحرز انتصارات متعددة فى بلاد «الهند»، ثم دخل «دهلى»، فأصبح ذا ملك عظيم، وسيادة على مساحة شاسعة من الأرض، ولكن خلفاءه لم يحافظوا على ما سعى من أجل تحقيقه طيلة حياته، وكأن وفاته جاءت إيذانًا بالعودة إلى أعداء الدولة ومنافسيها، لاستعادة عروشهم، والاستقلال ببلادهم التى اغتصبها التيموريون جبرًا، وقسرًا، وعدوانًا، وعلى الرغم من ذلك لا يجب إغفال دور «شاه رخ بن تيمورلنك» (807 - 850هـ = 1405 - 1447م)؛ إذ كان رجلا عادلا

تقيا، غير محب للحرب، وغير ميالٍ إلى سفك الدماء، إلا إذا اضطرته الضرورة إلى ذلك، وكان اهتمامه موجهًا إلى إصلاح شأن البلاد والنهوض بها وبعمرانها، فعاشت البلاد فى عصره أزهى فترات تاريخها. مظاهر الحضارة فى الدولة التيمورية: كان «تيمورلنك» رجلا واسع المعرفة، يتقن التحدث بلغات ثلاث هى: «التركية»،و «الفارسية»، و «المغولية»، محبا للأطباء والفلكيين، وكذا الفقهاء، وقد جمع الفنيين وأصحاب الحرف من كل أطراف الدنيا فى عاصمته «سمرقند»، وكانت حياة المحاربين وأخبار الحروب وتواريخها من أحب المعارف التى يسعى إلى معرفتها، والقراءة فى الكتب التى تناولتها. شيد «تيمورلنك» حضارة عظيمة فى بلاده، وأقام بها المنشآت الشامخة، ولعل المدرسة الدينية الكبيرة التى بناها لزوجته الصينية «بيبى خاتون» خير دليل على عظمة حضارة «الدولة التيمورية» فى عهده، فهى تحفة فنية مكونة من أربعة إيوانات، وفى وسطها فناء واسع، تحيط به عقود ذات قباب، على رأس كل منها منارة، وتعد المقبرة التى بناها لنفسه آية من آيات البناء، ومثالا لسمات المعمار فى العصر التيمورى. ولم يشهد العهد التيمورى ازدهارًا فى مناحى الحياة كافة مثلما حدث فى عصر «شاهرخ»؛ الذى يعد من أكثر حكام «إيران» ثقافة وذكاءً ومعرفة، فقد جعل من «هراة» مركزًا ثقافيا لأواسط آسيا، وتبوأ المهندسون والمعماريون والرسامون والشعراء والعلماء مكانة بارزة فى بلاده، وأغدق عليهم بالعطايا، وتولى رعايتهم بنفسه، فشهدت البلاد فى عصره نهضة حضارية فى كل الفنون ومختلف التخصصات، ويعد مسجد «جوهر شاد» (12) من أبرز إنجازات هذا العصر، وظل العمل فى بنائه اثنى عشر عامًا فى الفترة (808 - 820هـ = 1405 - 1417م)، وقد أقيم تكريمًا لزوجته - التى حمل المسجد اسمها - بمدينة «مشهد». وكذلك بنى المعمارى «قوام الدين الشيرازى» مدرسة كبيرة - بتكليف من شاهرخ- بمنطقة «خركرد» التى تقع إلى الغرب من

«هراة»، وتقع حاليا فى شرقى «إيران»، ثم خلف «ألوغ بيك» أباه على العرش، فكانت فترة حكمه قصيرة، ومع ذلك فقد حرص خلالها على رعاية الفنون والآداب الفارسية. يعد «شمس الدين محمد حافظ الشيرازى» ألمع شخصية أدبية عرفها العصر التيمورى، ويمثل شعره ازدهارًا للحركة الثقافية فى هذا العصر، وقد توفى فى سنة (792هـ = 1389م)، وكذلك يُعد «الجامى» المتوفى فى سنة (898هـ= 1492م)، من أبرز العلماء والشعراء فى هذا العصر؛ إذ ألف ستة وأربعين كتابًا فى مختلف فروع العلم، ثم يأتى «نظام الدين الشامى»، صاحب كتاب «ظفرنامة»، الذى يعد سجلا لفتوحات «تيمورلنك».

4 - 12:الدولة الغزنوية

الفصل الثاني عشر *الدولة الغزنوية [351 - 582 هـ = 962 - 1186 م]. النشأة والتكوين: اعتمد السامانيون على الأتراك فى صفوف الجيش، وفى تولى المناصب الكبيرة فى «الدولة السامانية»، فعلا شأن الأتراك، وازداد نفوذهم، ويعد «البتكين» الذى ولى منصب صاحب الحجاب للأمير «عبدالله بن نوح» (343 - 350هـ = 954 - 961م) أبرز الشخصيات التركية فى بلاط السامانيين، وبلغ من نفوذه أن خشى الأمير «عبدالله بن نوح» منه على ملكه فأبعده عن العاصمة، وأسند إليه ولاية «خراسان» فى عام (349هـ = 961م). ولما تولى «منصور بن نوح» الإمارة خلفًا لأخيه «عبدالله» الذى توفى سنة (350هـ = 961م)؛ تمرد عليه «البتكين» فى «خراسان»، وأرسل جيشًا لمحاربته والقضاء على تمرده، وأسند «خراسان» إلى «أبى الحسين سيمجور»، فتوجه «البتكين» إلى «غزنة» واستولى عليها من حاكمها السامانى، وأسس بها إمارة مستقلة عن السامانيين، ثم جعلها مركز حكمه وعاصمة دولته المناهضة للدولة السامانية. حاول الأمير «منصور» جاهدًا أن يقضى على تمرد «البتكين» فى غزنة، ويوقف تأسيس دولته المناهضة، لكن جهوده جميعها باءت بالفشل. الوضع الداخلى: لم يتمكن «البتكين» أول حكام «الدولة الغزنوية» ومؤسسها من ترسيخ دعائم دولته الجديدة، فقد وافاه أجله فى سنة (352هـ)، بعد عام واحد تقريبًا من توليه الحكم، ثم خلفه ابنه «إسحاق»، ثم غلامه «بلكانين» - من بعده - ولكنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك، فلما ولى «سبكتكين» أمور الدولة سنة (366هـ)، تمكن بهمته العالية وحسن سياسته أن يبسط نفوذه ويُوطد دعائم دولته، ويحقق لها ما لم يقدر عليه سابقوه، فعُدَّ المؤسس الفعلى لها. ويُعد «محمود الغزنوى» -الذى ولى الحكم فى الفترة من سنة (388هـ) إلى سنة (421هـ) - من أكبر الشخصيات فى التاريخ الإسلامى وأشهرها، إذ قاد الجيوش والحملات والفتوحات من أجل نشر الدين الإسلامى بالهند، ونزل من أعالى «إيران الشرقية» إلى

«هندوستان»، ثم واصل جهاده حتى بلغ حدود «كشمير» و «البنجاب»، وغزا «سومنات» ومنها إلى «كجرات»، ثم استولى على بلاد «الغور» فى عام (401هـ= 1010م)، وأخضع مناطق «ما وراء النهر»، ومدينتى «بخارى» و «سمرقند» لحكمه، فلقبه المؤرخون بلقب «مكسر الأصنام»، كما كان أول من تلقب بلقب السلطان من أمراء المسلمين. وأضحت مدينة «غزنة» فى عهده منارة للعلم، ومقصدًا للعلماء، ووفد عليها أشهر أدباء هذا العصر أمثال الشاعر «الفردوسى»، وأصبحت عامرة بالمساجد والسدود والأبنية الخيرية، التى لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التى اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة. وتُوفى السلطان «محمود» فى عام (421هـ = 1030م)، بمدينة غزنة. وفى سنة (556هـ = 1161م)، أسقط الغوريون «غزنة» وسيطروا عليها، ولم يستطع أحفاد السلطان «محمود الغزنوى» الصمود أمام هجمات الغوريين، ولم يتمكنوا من استعادة عاصمة بلادهم، فسقطت «الدولة الغزنوية» فى سنة (582هـ = 1186م). العلاقات الخارجية: أقام الغزنويون علاقات عديدة مع كل الدول المحيطة والمجاورة، وبصفة خاصة مع «هندوستان»، وتجدر الإشارة إلى أن حكم المسلمين لبلاد «الهند» بدأ مع خروج الحملات الغزنوية لفتحها؛ إذ اتخذت هذه الحملات من «لاهور» مقرا لها، ومركزًا لنشر الدعوة الإسلامية، فلما ورث الغوريون دولة الغزنويين، تولوا سلطنة «دهلى»، وواصلوا الطريق، ونشروا الدين، وبسطوا نفوذ المسلمين على كل بلاد الهند الشمالية. ولعل فتوحات السلطان «محمود الغزنوى» بالهند قد بلغت مدى لم تبلغه أية قوة إسلامية بعده، فكان له فضل نشر الدعوة، ودخول أعداد كثيرة فى دين الله، فأعز الله به الإسلام، وأعلى كلمة التوحيد فى هذه البلاد. المظاهر الحضارية فى الدولة الغزنوية: ضمَّت أراضى «الدولة الغزنوية» عناصر وأجناسًا سكانية متعددة، شملت الأتراك والفرس واليهود والنصارى وغيرهم، واعتمد الغزنويون

على الأتراك فى بلاطهم، وأكثروا منهم فى الجيش، فزاد نفوذهم، كما زاد نفوذ الفرس فى جوانب الثقافة والأدب والعلوم والاقتصاد، ونهضت الدولة فى هذه المجالات بفضل جهودهم، ولذا فقد اهتم الغزنويون بإحياء أعيادهم والاحتفال بها، إلى جانب الاحتفال بأعياد المسلمين كعيدى الفطر والأضحى، على أن هذه الاحتفالات كانت تتوقف فى المناسبات الحزينة التى تمر بالدولة، مثلما حدث فى عيد الأضحى سنة (341 هـ = 1039م)، حين ألغى السلطان «مسعود الغزنوى» الاحتفال به، بسبب الهزيمة التى منيت بها الدولة أمام السلاجقة، وكانت المجاملة من الأمور التى حرص عليها الشعب الغزنوى فى المناسبات مثل: استقبال وفود الخليفة إلى السلطان وتوديعهم، أو تنصيب السلطان، أو تعيين وزير، أو صاحب منصب كبير، وكان الشعب يتسابق فى تقديم الهدايا فى هذه المناسبات، كما كان من عاداته ارتداء البياض رمزًا للحزن فى مناسبات الحداد. ومن المؤكد أن السلاطين الغزنويين قد عاشوا حياة مترفة، أنبأتنا بها قصورهم الفخمة، ومواكبهم المهيبة، وكذلك مظاهر الزينة والأبهة التى تناقلتها ووصفتها مصادر المؤرخين ومراجعهم، ويتجلى هذا الترف فى المواكب السلطانية وحفلات الزواج، ومراسم تولية السلطان أو تنصيب الوزير. ولم يغفل الغزنويون الترفه بأنواع التسلية، فكانت المصارعة وحمل الأحجار الثقيلة، والمبارزة، والصيد، من أنواع الرياضة التى اهتم بها أمراء البيت الحاكم، وكان السلطان «مسعود» - قبل أن يلى السلطة - يهتم بهذه الرياضة ويقول: «ينبغى التعود على مثل ذلك؛ حتى لا يعجز المرء إذا قابلته مهام صعاب، أو ساعات شداد»، ولذا كان يبارز الأسود وهو جالس على ظهر فيل، ولا يسمح لأحد بمساعدته فى ذلك، وكان الصيد يتم - أحيانًا - بواسطة الفهود والكلاب، وكانت التسلية المفضلة عند الشعب الغزنوى هى ركوب السفن فى بعض الأنهار. النهضة الثقافية فى الدولة الغزنوية:

ولعل أبرز ما يميز «الدولة الغزنوية» عن مثيلاتها من الدول المستقلة فى شرق العالم الإسلامى هى نهضتها الثقافية، التى ازدهرت على أيدى أمرائها الذين قدَّروا رجال الأدب، وعملوا على تشجيعهم والعناية بهم، فقد كان كل أمير يريد أن يحيط نفسه برجال العلوم والفنون؛ ليتفوق على أقرانه، وبرزت «غزنة» فى أواخر القرن الرابع الهجرى كمركز إشعاع كبير فى جنوبى غرب «آسيا»، بفضل تشجيع السلاطين الغزنويين الذين لم يألوا جهدًا فى سبيل رفع شأن العلوم والفنون فى دولتهم، واستطاع السلطان «محمود الغزنوى» أن يضم إليه رجال العلم والأدب الذين كانوا يحيطون بأمراء البلاد المجاورة، وزيَّن «غزنة» بأجمل ما حصل عليه من مغانم «الهند»، وأعاد تشييد مسجدها الجامع، وأضاف إليه مدرسة كبيرة، ووضع بها مؤلفات وتصانيف نقلها من خزائن الملوك السابقين فى العلوم كافة، ليقوم علماء «غزنة» وفقهاؤها بدرسها وتدريسها. وجدير بالذكر أن السلطان «محمود بن سبكتكين» كان مولعًا بعلم الحديث، ويستمع إلى علمائه، ويستفسر عما يتلونه عليه من أحاديث، وكان يستدعى إلى «غزنة» كل من له سعة فى العلم والأدب والشعر، مثل «بديع الزمان الهمذانى» صاحب فن المقامات، قال عنه «الثعالبى»: «إنه معجزة همذان، وغرة العصر، كان ينشد القصيدة إذا سمعها مرة واحدة، ويترجم ما يستمع إليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعانى الغريبة إلى الشعر العربى، فيجمع فيها من الإبداع والإسراع». ومنهم أبو ريحان محمد بن أحمد البيرونى (362 - 440هـ) الذى يعد من أعظم رجال الحضارة الإسلامية وأبرزهم، وقد نال تقديرًا علميا كبيرًا، وترجمت كتبه إلى اللغات الأوربية، وسمَّت روسيا جامعة حديثة باسمه وأقيم له تمثال فى جامعة موسكو، وأصدر اليونسكو وبعض جامعات أمريكا وألمانيا فهارس بأعماله. وكذلك ظهر عشرات العلماء والفقهاء والشعراء فى «الدولة

الغزنوية»، وبلغ اهتمام الغزنويين بالنهضة الثقافية والعلمية مدى كبيرًا تفوقت به على مثيلاتها؛ لدرجة أنها كادت تتفوق على «بغداد» مركز الإشعاع الثقافى فى العالم الإسلامى.

4 - 13:الدولة الغورية

الفصل الثالث عشر *الدولة الغورية [543 - 612 هـ = 1148 - 1215م]. النشأة والتكوين: كان الغوريون أسرة صغيرة تحكم «ولاية الغور» التى تقع بين «هراة» و «غزنة»، وكانت «قلعة فيروزكوه» مقر حكمهم، ودأبوا على شن الغارات على رعايا «الدولة الغزنوية»، واتخذوا من وعورة بلادهم وصعوبة مسالكها معصمًا يقيهم من بطش السلطان «محمود الغزنوى»، حين أراد معاقبتهم بعد أن باتوا خطرًا جسيمًا يهدد دولته. ولكن السلطان «محمود الغزنوى» تمكن من استمالة «محمد بن سورى» - أحد رؤسائهم - فى عام (401هـ = 1010م)، ثم عين أولاده فى حكم «فيروزكوه» و «باميان»، ومن ثَمَّ تصاهر الغوريون مع الغزنويين، واتحدوا مع ملوك «غزنة»، فلما قتل «بهرامشاه الغزنوى» «قطب الدين محمود» والد زوجته الغورية، نهض أخوه «سيف الدين سورى» مطالبًا بثأره، واحتل «غزنة» فى عام (543هـ = 1148م). ولمَّا تمكن «بهرامشاه الغزنوى» من قتل «سيف الدين سورى» فى عام (543هـ = 1148م)، قام «علاء الدين حسين» (جهانسوز) الأخ الثانى لقطب الدين بالهجوم على «غزنة»، ثم دخلها ونهبها، ولكنه وقع أسيرًا - بعد فترة قصيرة- فى قبضة السلطان «سنجر السلجوقى»، وتُوفى فى عام (556هـ = 1161م)، فخلفه «غياث الدين محمد»، وأقيمت له الخطبة فى «غزنة»، ولكن الغز طمعوا فى «غزنة» بعد وفاة «علاء الدين» واستولوا عليها، وظلت فى أيديهم مدة خمس عشرة سنة، ثم ألحق «غياث الدين محمد» أمير الغور الهزيمة بالغز وطردهم من «غزنة»، إلا أنه لم يكتفِ بذلك، وعمل على استئصال شأفة «آل سبكتكين»، وتمكن منهم، وضم أملاكهم إلى دولته، ثم اتجهت فتوحات «الغور» إلى «الهند» لعدم قدرتهم على الزحف إلى أواسط «آسيا» حيث توجد «الدولة الخوارزمية»، ودولة الخطا، اللتان وقفتا حصنًا منيعًا أمام راغبى التوسع فى هذه المناطق، ثم جاءت نهاية «الدولة الغورية» على أيدى الخوارزميين فى عام (612هـ = 1215م). العلاقات الخارجية:

أقام «الغوريون» دولتهم على أنقاض «الدولة الغزنوية» بعد قضائهم عليها، ثم دخلوا حروبًا كثيرة مع بلاد «الهند» حين فشلوا فى توسيع سلطانهم على حساب جيرانهم «الخوارزميين» و «الخطا»، ولكن الخوارزميين لم يمهلوهم، وقضوا على دولتهم، وما من شك فى أن الغوريين يرجع إليهم الفضل فى توطيد دعائم الحكم الإسلامى فى البلاد الشمالية للهند، فإذا كان «آل سبكتكين» هم الذين فتحوا «الهند»، فإن الغوريين هم الذين ثبتوا الحكم الإسلامى بها. مظاهر الحضارة فى الدولة الغورية: كانت مدينة «فيروزكوه» أشهر مدن الغوريين، ومركز حضارتهم، وقصبة ملكهم، وكان السلطان «غياث الدين محمد» الذى تُوفى فى عام (599هـ = 1202م) من أعدل وأعظم حكام «الدولة الغورية»، وكان شافعى المذهب ومع ذلك لم يحمل الناس على اتباع مذهبه، وقرَّب إليه الشعراء والعلماء، ونبغ منهم الكثيرون فى عهده.

4 - 14:سلطنة دهلى الإسلامية

الفصل الرابع عشر *سلطنة دهلى الإسلامية [602 - 689 هـ = 1206 - 1290 م]. النشأة والتكوين: شهد العالم الإسلامى فترة من تاريخه، تبوَّأ فيها الأرقاء والعبيد عرش البلاد، وتقاليد الحكم، ومناصب الدولة المهمة، وكان هؤلاء العبيد من الأتراك الذين جلبهم السلاطين للخدمة فى صفوف الجيش، فتدرجوا فى مناصبه حتى بلغوا المناصب القيادية المهمة، فزاد نفوذهم، وعلا شأنهم، وباتوا قوة ضاربة تتحكم فى سير الأمور وتطورها؛ حتى إن أحدهم انتزع الملك لنفسه حين توفى أحد السلاطين، ولم يكن له وارث، وأقام المماليك دولتهم بالهند عقب زوال دولة الغور، وظلَّت دولتهم قائمة مدة أربعة وثمانين عامًا فى الفترة من سنة (602هـ= 1206م) إلى سنة (689هـ = 1290م). الوضع الداخلى: كان «قطب الدين أيبك» الذى حكم من سنة (602 هـ= 1206م) إلى سنة (607هـ = 1210م)، أول سلاطين المماليك فى «الهند»، واشتهر بحبه للعدل، وإقراره السلام والأمن فى نواحى بلاده، وبنى مسجدين كبيرين، أحدهما بدهلى والآخر بآجمبر. وتوفى هذا السلطان فى عام (607هـ= 1210م)، ثم خلفه ابنه «آرام شاه»، وعجز عن تسيير أمور البلاد وإدارتها، فاستدعى رجال الدولة والبلاط «ألتُمش» وطلبوا منه أن يلى أمور السلطنة، فوافق على مطلبهم وطرد «آرام شاه» من السلطنة، وتربع على عرشها فى عام (607هـ = 1211م). يُعدّ «شمس الدين ألتمش» المؤسس الحقيقى لدولة المماليك فى «الهند»، وهو مملوكى اشتراه «قطب الدين أيبك» من «غزنة»، وحمله معه إلى «الهند»، ثم جعله رئيسًا لحرسه، ثم أسند إليه حكم ولايات «الهند»، فتعرض «شمس الدين» لمحاولات كثيرة للإطاحة به، وما كاد يتخلص منها حتى ظهر له خطر المغول، وألحقوا بدياره الخراب والدمار، ولكنهم لم يتحملوا حرارة جو بلاده، واتجهوا صوب الغرب ثانية، فنجت البلاد من شرورهم. لم ير «ألتُمش» فى أبنائه الذكور مَنْ يصلح للحكم من بعده، فأوصى

به لابنته «رضية»، ولكن رجال البلاط عهدوا بالملك عقب وفاته إلى الأمير «ركن الدين فيروز شاه»، إلا أنه لم يهنأ بالملك بسبب الفتن والاضطرابات التى عمت أنحاء البلاد، وكان نتيجة ذلك أن قُتل هو وأمه، فآلت أمور الحكم إلى السلطانة «رضية» فى عام (643هـ = 1236م). يعد السلطان «بِلْبان» (بِلْبِن) الذى حكم فى الفترة من عام (664هـ = 1265م) إلى عام (686هـ = 1287م)، من أقوى سلاطين «الهند» وأعظمها فى تاريخها الوسيط، إذ واجه المغول الذين عادوا إلى تهديد «الهند» ثانية، وأعاد الهدوء والاستقرار إلى بلاده، ثم قضى على «الهندوس» الذين قطعوا الطريق بين «دهلى» و «البنغال»، وأقر الأمن والنظام فى ربوع دولته. عهد «بلبان» - حين شعر بدنو أجله - بالحكم إلى ابنه «بغراخان»، إلا أن ابنه رفض ذلك، فعهد به إلى حفيده «كيخسرو بن بغراخان»، فتولى أمور البلاد، ولكنه كان ضعيفًا لا يقوى على تسيير أمور الحكم بمفرده، فأسندها إلى «نظام الدين» الذى اعتمد على خواصه والمقربين إليه فى إدارة شئون البلاد، فاستبدوا بها، وحاول «بغراخان» أن يتخلص من «نظام الدين» ولكن الترك لم يمكنوه من ذلك، وعزلوا ابنه «كيخسرو» وولوا «كيقباد» أحد أطفاله الصغار، فتصدى لهم «الخلجيون» بقيادة زعيمهم «فيروز شاه»، وقضوا عليهم، فزال حكم المماليك بالهند على أيديهم. العلاقات الخارجية: اتسمت العلاقة الخارجية لسلطنة «دهلى» الإسلامية فى عهد الملوك المماليك (القرن السابع الهجرى - الثالث عشر الميلادى) بأنها كانت علاقة عسكرية فى المقام الأول؛ إذ عمد سلاطينها إلى توطيد ملكهم بعد زوال دولة الغور على أيديهم. يضاف إلى ذلك الخطر الذى واجهه هؤلاء السلاطين وبلادهم على أيدى المغول، الذين طمعوا فى ملك بلا حدود، والهندوس الذين سعوا إلى إسقاط حكمهم والتوسع على حسابهم، واستطاع «بلبان» - كما مر - أن يتصدى للغزاة والطامعين، وحفظ لبلاده استقرارها وهدوءها.

ثم تمكن الخلجيون من إسقاط هذا الحكم، وإقامة آخر باسم جديد لدولة جديدة تحمل اسمهم. مظاهر الحضارة: نعمت «دهلى» بالاهتمام ببعض مظاهر الحضارة فى عهد الملوك المماليك، فبنى «قطب الدين أيبك» مدرسة كبيرة إلى جانب مسجده الشهير الذى بدأ بناءه فى عام (1191م)، ثم أكمله له «ألتُمش» فى عام (1230م)، ولاتزال منارة هذا المسجد - التى كانت مكونة من سبعة طوابق - قائمة حتى الآن، ولم يتبقَّ من طوابقها سوى خمسة فقط. كما قام «ألتُمش» بتشجيع العلوم والآداب فى السلطنة، وأنفق أموالا كثيرة فى نسخ أعداد كثيرة من القرآن الكريم لتكون فى متناول أفراد شعبه، وأسس العديد من المدارس، وزيَّن بلاطه بالعلماء والشعراء، وأولى الفن المعمارى عناية فائقة، فأتم مسجد «أيبك» فى «دهلى»، وشيَّد آخر فى «آجميز»، وجعل عاصمته أحد مراكز العلوم والآداب المهمة.

4 - 15:الخلجيون

الفصل الخامس عشر *الخلجيون (الأفغانيون) [689 - 720 هـ = 1290 - 1320 م]. النشأة والتكوين: يرجع الفضل فى ظهور «الخلجيين» فى «بلاد الهند» إلى الأمير «قطب الدين أيبك»، الذى ولى «الهند» نيابة عن سلطان «الغور»، فحرص على توسيع رقعة ولايته بها، وأسند أمرها إلى قائده «محمد بن بختيار الخلجى»، الذى قام بدوره على خير وجه، واستولى على «بندنتيورى» عاصمة «إقليم بهار» من ملوك أسرة «بالا»، ثم استولى على الإقليم كله، وقضى على «البوذية» التى كانت منتشرة هناك، وحطم معابدها وأصنامها، ونشر الدين الإسلامى فى ربوع هذه المملكة، ثم استولى على عاصمة إقليم «البنغال»، وأقام الخطبة فيها للسلطان الغورى. حرص خلفاء هذا القائد على توطيد نفوذهم بالأقاليم الهندية التى استولوا عليها، فلما قامت «دولة المماليك» بالهند، وولى «شمس الدين ألتُمش» أمور السلطنة بدهلى، قامت فى وجهه المشاكل والاضطرابات الداخلية التى هدفت إلى الإطاحة بحكمه، ثم أعقبها وفاة «قطب الدين أيبك»، فانتهز «الخلجيون» هذه الفرصة، وسيطروا على «بهار» والبنغال. الوضع الداخلى: عمد سلاطين «دولة المماليك» بالهند إلى القضاء على حركات الاستقلال التى تزعمها «الخلجيون» للانفصال عنهم، والاستقلال بما تحت أيديهم، فتصدى «الخلجيون» لهم، وعوَّلوا على تغيير نظام الحكم فى «دهلى»؛ حيث استبد الأتراك بالأمر فيها، ثم جمعوا قواتهم تحت قيادة زعيمهم «فيروز»، وأحدثوا انقلابًا فى «دهلى»، وأطاحوا بالسلطان الطفل، وأعلنوا «فيروز» سلطانًا عليهم، ولقبوه بجلال الدين، وذلك فى سنة (689هـ = 1290م)، فكان أول السلاطين الخلجيين الذين استمر حكمهم ثلاثين عامًا تقريبًا، حتى سنة (720هـ =1320م). يعد «علاء الدين الخلجى»، الذى حكم فى الفترة من سنة (695هـ = 1295 م) إلى سنة (715هـ = 1315م)، من أعظم سلاطين عصره، حيث كان محاربًا شجاعًا، وحاكمًا عادلا، وكان أول من قاد الجيوش فاتحًا

شبه القارة الهندية، رافعًا راية الجهاد تحت لواء الإسلام. العلاقات الخارجية: اتسمت العلاقات الخارجية للخلجيين بالعداء مع كل القوى والممالك المحيطة بهم تقريبًا، فقد وقفوا فى وجه المغول وصدوهم حين هاجموا بلادهم، وأرادوا اجتياحها، كما وقفوا بالمرصاد لمملكة الكجرات و «الممالك الراجبوتينية»، وممالك «شيتور» و «زانثميهور»؛ حيث كانت تقف من «دهلى»، موقفًا عدائيا، فضلا عن موقف بلدان سلطنة «دهلى»، مثل «يوجين» وغيرها؛ حيث كانت تنتظر الفرصة المناسبة للاستقلال عن مركز الحكم فى دهلى. جاءت نهاية «الخلجيين» على أيدى «الكجراتيين» البوذيين بقيادة زعيمهم «خسرو شاه» الذى سعى إلى إسقاط هذه الأسرة الخلجية انتقامًا منها، لأنها كانت السبب فى تدمير معابد البوذيين، وتحطيم أصنامهم. مظاهر الحضارة: تأثر الخلجيون بالبيئة الأفغانية التى انتشر بها التصوف على يد رجل فارسى يُدعى «سيدى مولى»، الذى فر إلى «الهند» عقب الغزو المغولى لبلاد فارس، فالتف حوله الناس من مختلف الطبقات، ووفدوا عليه من كل مكان، فقويت شوكته، وتدخل فى شئون الحكم، ودبر مؤامرة للإطاحة بجلال الدين الخلجى، ولكن «جلال الدين» أحبط هذه المؤامرة، ثم خلفه السلطان «مبارك شاه» فى عام (716هـ = 1316م)، فى الوقت الذى كانت البلاد تمر فيه بظروف صعبة، وتحتاج إلى حكومة قوية؛ تنقذها من هاوية الأزمات التى تردت فيها، فعمل على إعادة الهدوء والسكينة إلى البلاد، وأصلح شئونها، وأغدق على المحتاجين من رعاياه، ومنح الجنود المكافآت، وخفف عن الناس عبء الضرائب، وشجع التجارة، وألغى القوانين التى تحدد أرباحها، فانتعشت وراجت، وكان لذلك أثره المباشر فى تنمية موارد البلاد وازدهار حضارتها، رغم الفترة القصيرة التى قضاها «مبارك شاه» فى الحكم، حيث قُتل فى عام (720هـ = 1320م).

4 - 16:التغلقيون

الفصل السادس عشر *التغلقيون [720 - 815 هـ = 1320 - 1412م]. النشأة والتكوين: استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم قادهم إلى «دهلى»، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية»، وفقد عدد كبير من جيش «خسرو شاه»، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور»، وخسر الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه»، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد الهند. الوضع الداخلى: قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد «الهند»، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ = 1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم السلطان «غياث الدين تغلق»، ويرجع أصله إلى الجغتائيين الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند»؛ لخدمة بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين»، ثم دخل فى خدمة «أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق»، فشغل هذا المنصب إلى عهد «خسرو شاه»، أعلن الثورة، ودخل «دهلى»، ودارت بينه وبين «خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله، والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق»؛ حيث ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم، وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)، حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه.

كان «محمد بن تغلق» غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة «ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه، ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق» وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام (752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام (790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية، وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين «آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى»، ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى» للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح «الهندوستان»، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. العلاقات الخارجية: لاشك أن السياسة التعسفية التى انتهجها «خسرو شاه» فى عدائه السافر للمسلمين، وتحيزه لبنى جنسه، هى التى دفعت المسلمين إلى الفرار من صفوفه والانضمام إلى صفوف «تغلق شاه» مؤسس «الدولة التغلقية». وتعرضت أسرة «آل تغلق» للاضطرابات والمشاكل، وقامت بدولتهم عدة حركات انفصالية، واقتحم زعيم القبائل الجغتائية المغولى حدود بلادهم فى سنة (727هـ = 1327م)،

واستولى على «لمغان» و «الملتان»، وسلك طريقًا إلى «دهلى» العاصمة، فأسرع التغلقيون إلى كسب ود المغول ومهادنتهم، فانسحبوا من بلادهم بعد أن ألحقوا بها الضرر. حاول «محمد تغلق» غزو بلاد «الصين» من أجل الوصول إلى «ولايات الهملايا» العليا؛ لكى ينشر الدين الإسلامى فى ربوع هذه المناطق، أو - كما يدعى بعض المؤرخين - للاستيلاء على الكنوز التى كانت تزخر بها «الصين» فى هذا الوقت. ولاشك أن «آل تغلق» قد عانوا كثيرًا فى سبيل الحفاظ على ملكهم؛ حيث كانت الأخطار محدقة بهم فى الداخل والخارج. مظاهر الحضارة: شجع «تغلق شاه» رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق، كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب الأدباء والعلماء. وجملة القول أن سلاطين دهلى عنوا بتشجيع الثقافة الإسلامية، وأنفق السلطان المملوكى «ألتُمش» أموالا طائلة فى نسخ أعداد كثيرة من القرآن الكريم؛ للاستفادة منها، وأسس العديد من المدارس، وزيَّن بلاطه بالشعراء والأدباء، وحرص السلطان «بلبن» على عقد المناظرات بين الشعراء والأدباء والعلماء فى بلاطه، وضم بلاط السلطان «علاء الدين» الكثير من العلماء والأدباء، وشهد عهده الكثير من الفلاسفة والحكماء والشعراء والمؤرخين والمترجمين والأطباء والفلكيين، ولم يجتمع على باب أحد سلاطين «دهلى» من

رجال العلم والفقه والأدب ما اجتمع على باب «علاء الدين»، فازدهرت الحياة الثقافية فى عهده، وتميزت بإنتاج أدبى غزير ومتنوع. وكان «أميرخسرو» - بلا جدال - أعظم شعراء عصره، وتعددت مواهبه، وبلغت شهرته الآفاق، فحظى بتقدير الناس ممن عاصروه. نبغ عدد من المؤرخين فى العهد «الخلجى»، منهم «أمير أرسلان كولاهى»، و «كبير الدين بن تاج الدين العراقى»، كما كان «أمير خسرو»، و «ضياء الدين بارانى» من مؤرخى ذلك العصر، وقد عاصرا «السلطان علاء الدين»، ولهما مصنفات أدبية وتاريخية يشار إليها بالبنان، وقد وضع «بارانى» عدة مؤلفات مهمة منها: «تاريخ فيروز شاهى»، وكتاب «السنة المحمدية»، وكتاب «نعم الله وآياته»، وكتاب «مآثر السادة»، و «تاريخ البرامكة»، وله كتاب عن «الأحكام السلطانية»؛ يشمل القيم والمبادئ والقوانين والسياسات والنظم التى يجب على الحكومة الإسلامية اتباعها، ويرجعها كلها إلى الشريعة الإسلامية. ويُلاحظ أن الأدب الدينى قد ازدهر فى هذا العصر، وكتب علماء الدين عن أساتذتهم، وترجموا لهم، وأبرزوا فضلهم، وتحدثوا عن تراثهم، فعكست هذه الترجمات مظاهر الحياة الاجتماعية، والاتجاهات الثقافية فى هذا العصر، فضلا عن أنها مصدر غنى للمعلومات عن هذه الفترة التاريخية. وفى القرن الرابع عشر الميلادى اشتملت مؤلفات الكُتَّاب الهنود على أعمال نثرية وشعرية باللغة السنسكريتية؛ تضمنت الفولكلور وقصص الأبطال، والروايات الأسطورية للممالك والولايات الهندية، ومما لاشك فيه أن قيام الدولة الإسلامية فى «الهند» و «البنغال» قد أثر تأثيرًا ملحوظًا فى تطور الأدب السنسكريتى والبنغالى، حيث فضل الحكام والسلاطين اللغتين العربية والفارسية، ثم فقدت اللغة السنسكريتية أهميتها، واستعاضت عنها «بلاد الهند» باللغات المحلية التى عبرت بها شعوبها عن آدابها وثقافاتها. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى عهد «بنى تغلق»،

ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب، وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس، وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس، وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام (734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق»، وتولى منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة «الفيروزشاهية»، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء، وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع الناس، وخير الكلام ما قل ودل». شهدت «الهند» نهضة علمية كبيرة، فانتشرت بها المدارس، وتزايدت أعداد طلاب العلم والمشتغلين به، وأصبح للكتاب أهمية كبرى فى تلبية حاجات الأساتذة والطلاب، وضمت المدارس والجامعات مكتبات

ضخمة، تضم أعدادًا كبيرة من الكتب، فلما فتح العرب ثم الغزنويون بلاد «الهند»، وانتشر الإسلام بها؛ ازدادت الرغبة فى دراسة علوم المسلمين والعرب وحضارتهم، وأقبل الهنود المسلمون على قراءة الكتب الإسلامية، وأهملوا الكتب الهندوسية والبوذية، فحل الكتاب الإسلامى محل الكتاب الهندى فى سلطنة دهلى. كان الهنود يتناقلون آدابهم شفاهًا، وأدى ذلك إلى ضياع معظمها، كما أدت الحروب الكثيرة التى شهدتها بلاد «الهند» إلى ضياع الكثير من كتبها، فلما دخل المسلمون «الهند» طوروا الفكر والثقافة بها، وجلبوا إليها الورق من «الصين» عن طريق «آسيا الوسطى»، فلم تعد هناك صعوبة أمام المؤلفين والكُتاب فى تصنيف كتبهم، وساهم ذلك مساهمة فعالة فى نمو العلوم والثقافة بالهند. امتزج التراث الفارسى بالثقافة العربية بعد أن فتح العرب بلاد فارس، واتخذت الثقافة الفارسية ثوبًا إسلاميا، فتأثرت بذلك بلاد «الهند»، وامتزجت الثقافة الفارسية بالثقافة الهندية، فنتج عن ذلك «اللغة الأوردية» التى ترمز إلى التوفيق بين أنواع الحضارات الإسلامية والفارسية والهندية، ولعل أبرز ما يميز الثقافة الهندية أنها درست وفهمت طبع الإنسان وعلاقاته مع غيره من موجودات الكون، ومع الكون نفسه حق الفهم، وقامت هذه الثقافة على حب العطاء، وقد قال حكماء «الهند» موعظة جاء فيها: «قم بواجبك ولا تنتظر ثوابًا أو صلة، لأن القيام بالواجب هو خير ما تتقرب به إلى الله؛ لأن الرجال الأخيار العظماء لا تهمهم حقوقهم، بل واجباتهم». لقد تطلَّع العرب منذ اتصالهم بالهند عن طريق الفتح والتجارة إلى الاستفادة من علوم «الهند» وآدابها، ولكن ذلك لم يتم إلا فى العصر العباسى، حين تطلع كبار رجال الدولة العباسية إلى تقوية الصلة بحضارات الأعاجم، وبدءوا بترجمة أهم الكتب الهندية إلى الفارسية ومنها إلى العربية، ثم أخذ العرب علم الحساب وعلوم الرياضيات عامة

من الهنود، وأخذوا عنهم الترقيم المعروف لدينا اليوم [1 - 2 - 3 ... ]. وازدهرت علوم الطب والرياضيات فى بلاد «الهند»، فلما قويت الصلة بين العباسيين والهنود، جلب العباسيون الأطباء الهنود لعلاجهم، فكان الطبيب الهندى يعالج الخلفاء وكبار رجال الدولة، وكان الناس يقبلون على هؤلاء الأطباء من كل مكان طلبًا للتداوى. استفاد المسلمون من آداب «الهند»، وترجموا كتاب «ألف ليلة وليلة» وغيره من الكتب إلى الفارسية ومنها إلى العربية، فانتقلت بعض العلوم الهندية إلى الدولة الإسلامية، وأثرت فى الفكر الإسلامى والثقافة الإسلامية، ومنح الخليفة «هارون الرشيد» الشاعر «أبان عبد الحميد اللاحقى» جائزة قدرها مائة ألف درهم على نظمه قصة «كليلة ودمنة». وقد نشأ «يحيى بن خالد البرمكى» وزير «الرشيد» فى «كشمير»، وتعلم بها، ودرس علوم النجوم والطب والحكمة، وهو الذى جلب من «الهند» إلى «بغداد» كبار العلماء والأطباء أمثال: «بهلة»، و «سنكه»، و «باذيكر»، و «قلبرقل»، و «سندباد». واستعان «يحيى بن خالد البرمكى» و «جعفر بن يحيى البرمكى»، و «إسحاق بن سليمان» بالهنود فى مجال الطب، وفى حركة الترجمة، فتُرجم كتاب «سيرك» فى الطب إلى الفارسية، ثم نقله «عبدالله بن على» إلى العربية، وترجم «منكه» كتاب «سرد»، كما ترجم كتاب «أسماء عقاقير الهند»، ونقل «ابن دهن» كتاب «مختصر الهند فى العقاقير» إلى العربية، كما نقل كتاب «استنكر الجامع». الديانات والمعتقدات فى سلطنة دهلى: تعددت ديانات «الهند»، فضمت «الهندوسية» و «البرهمية» و «البوذية» إلى جانب الإسلام. أما «الهندوسية» فقد وفدت على «الهند» عن طريق الآريين فى سنة (1500 ق. م)، ثم دخلتها وطوَّرتها عقائد إيرانية، فباتت ديانة توحيد وتعدد فى الوقت نفسه، وتظهر فىها عبادة البقر والأجداد وقوى الطبيعة، وتقوم معتقداتها الأساسية على تناسخ الأرواح والنظام الطبقى، ووحدة الوجود،

وتقديم القرابين .. الخ، وهى ديانة السواد الأعظم من الهنود الذين بقوا على وثنيتهم. وأما البراهمة فهم المنكرون للنبوَّات أصلا، وأكثرهم على مذهب الصابئة، ومنهم قائل بالروحانيات، وقائل بالهياكل، وقائل بالأصنام، إلا أنهم جميعًا مختلفون فى شكل الهياكل التى ابتدعوها، وكيفية أشكالها، وقد ظهرت البرهمية فى القرن الثانى قبل الميلاد على أيدى «البراهمة» الذين استمدوا شرائعها من «الهندوسية». وظهرت البوذية على يد «غوتامابوذا» الذى وُلد فى أواسط القرن السادس قبل الميلاد، وتوفى فى سنة (487 ق. م) عن عمر يناهز الثمانين عامًا، وقد نشأ فى بيت عز وثراء، فلما بلغ مبلغ الشباب تأمل فى عجائب الكون ومتغيرات الطبيعة، ونظر إلى أحوال الناس وطبائعهم، وأيقن أن الموت نهاية حتمية لكل الكائنات، فأعرض عن مباهج الدنيا، وتحول إلى الزهد والتصوف، واعتزل الناس سبعة أعوام كاملة فى غابة يعيش فيها مع تأملاته، ثم عاد إلى وديان «نهر الكنج» وظل يتنقل بين الناس خمسًا وأربعين سنة، ينشر بينهم رسالته، وآمن بدعوته الملايين فى «الهند» وخارجها، وخلاصة هذه الدعوة التى عمل على نشرها، أن الشر والألم لا ينفصلان عن عالم الوجود، والنجاة أن يحرر الإنسان نفسه بمراقبتها من الوقوع فى الجهل الذى يولد الشهوات، وعليه الاعتصام من الذنوب، وبذل الصدقة، وفعل أعمال الخير، إلى جانب التفكير والتأمل. ثم جاء الإسلام فحرر «الهند» من هذه العقائد التى تكلف الإنسان ما لا يطيق من الزهد والتقشف، وتمنع الناس من العمل والإنتاج، فالإسلام يدعو إلى الوسطية، فهو دين عمل وعبادة، ولا تمنع العبادة المسلم من العمل، فالمسلم يعمل وفى الوقت نفسه يؤدى ما عليه من فرائض وتعاليم إسلامية.

4 - 17:إمبراطورية المغول فى الهند

الفصل السابع عشر *إمبراطورية المغول فى الهند [932 - 1275 هـ = 1526 - 1858 م]. النشأة والتكوين: ترجع نشأة المغول إلى «عمر شيخ» الذى تولى إمارة «فرغانة»، ثم دخل فى حروب طويلة مع جيرانه وأصهاره المغول، وإخوته الأتراك، لتوسيع أملاكه، ثم تُوفى فى عام (899هـ = 1493م)، نتيجة سقوطه من فوق حصن له، وخلفه ابنه «ظهير الدين محمد بابر»، وكان عمره اثنتى عشرة سنة آنذاك، وحكم سلاطين الإمبراطورية المغولية «الهند» نحو ثلاثة قرون. الوضع الداخلى: ولد «ظهير الدين بابر» فى عام (888هـ = 1482م) بإمارة «فرغانة» التى كان يحكمها والده، ثم أخرجه منها «الأزبك» و «الشيبانيون»، فاتجه إلى «أفغانستان»، واستولى على «كابل» فى عام (910هـ = 1504م)، ثم استولى على «قندهار» فى عام (913هـ = 1507م)، ومن ثم عقد العزم على غزو «هندوستان»، والاستيلاء عليها، وأعد العدة لذلك، ثم خرج بقواته وجيوشه، وبصحبته قادته الأتراك الذين أطلق عليهم اسم «المغول»، وقصد «هندوستان»، فغزا «البنجاب» واستولى على «لاهور» فى (السابع من شهر رجب سنة 932هـ = 20 من إبريل سنة 1526م)، وانتصر على «إبراهيم اللودى» وقضى على اللوديين فى معركة «بانى بت»، وتمكن من السيطرة على «دهلى» و «آكره»، ثم واصل زحفه إلى «هندوستان»، وسيطر على شمالها من «نهر السند» إلى سواحل «بنكاله»، ولكن وافاه أجله فى عام (937هـ = 1530م)، قبل أن يدخل «بنكاله»، و «كجرات»، و «مالوه». كان «ظهير الدين» قد بعث بابنه «همايون» على رأس الجيش للاستيلاء على «آكره»، فاستولى عليها، وعلى كنوزها الثمينة التى كانت تضم جوهرة «كوه نور» أثمن جوهرة فى العالم، فأثار ذلك ملوك الهندوس، فتحالفوا ضده، إلا أنه تمكن من الانتصار عليهم، فى معركة «رانا سنك»، وأسس «بابر» دولته، واهتم بالإصلاحات الداخلية فيها. خلف «ناصر الدين هُمايون» أباه «ظهير الدين بابر» فى التاسع من جمادى الأولى عام (937هـ = 1530م)، وكان عمره آنذاك تسعة

عشرة عامًا، فواجه صعوبات شديدة، وتوفى فى عام (963هـ = 1556م)، وخلفه ابنه «أكبر شاه» الذى انتقل بالبابريين من مجرد غزاة إلى أصحاب دولة قوية راسخة البنيان؛ إذ استولى على أهم مناطق «الهند»، وانتصر فى معركة «بانى بت» فى عام (964هـ= 1556م) - وهى المنطقة نفسها التى انتصر فيها «بابر» من قبل - ونجح «أكبر شاه» فى تنظيم حكومة أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها، وذلك فضلا عن النهضة الثقافية التى حدثت فى عصره، والتى بلغت مكانة سامية لم تصل إليها بلاد «أوربا»، ثم تُوفى «أكبر شاه» فى سنة (1014هـ = 1605م)، وخلفه ابنه «سليم» الذى تلقَّب باسم «نور الدين بادشاه» «جهانكيز»، وكان عمره -آنذاك- ستا وثلاثين سنة، فنهج سياسة أبيه فى التسامح، وأشاع العدل بين رعاياه، ثم خلفه ابنه «شاه جهان» فى عام (1037هـ = 1628م). وإذا كانت «نورجهان» زوجة «جهانكيز» قد اشتهرت بمكائدها، فقد اشتهرت «ممتاز محل» زوجة «شاهجهان» بالطيبة والصفات الحميدة، والبر بالفقراء، ودفعت زوجها إلى العفو عن المذنبين، واستخدام «التأريخ الهجرى» بدلا من «التأريخ الألفى» الذى وضع فى عهد «جلال الدين أكبر». أحب «شاه جهان» زوجته حبا شديدًا، وبلغ وفاؤه لها مبلغًا عظيمًا، وبنى لها مقبرة «تاج محل»، التى تعد من روائع الفن المعمارى، وإحدى عجائب الدنيا، ومازالت قائمة حتى الآن. وفى عهد «شاه جهان» حدثت مجاعة شديدة بالهند، فاستغلها البرتغاليون فى خطف الأهالى وأسرهم، ثم بيعهم فى سوق الرقيق، وقد استطاع «قاسم خان» تخليص عشرة آلاف فرد منهم من أيديهم، وعهد «شاه جهان» بالحكم إلى ابنه «أورنك زيب»، بعد أن عهد إلىه بالقضاء على ثورات «الدكن». تولى «أورنك زيب» العرش فى سنة (1069هـ)، فألغى الاحتفال بأعياد «النيروز»، وتمسك بتعاليم السنة، وأمر بتعمير المساجد، وعين لها العلماء والوعاظ، وعمل على نهضة هذه البلاد، ثم أدت

الاضطرابات التى قامت وعمت مناطق واسعة من الإمبراطورية المغولية إلى سقوط هذه الإمبراطورية فى قبضة الإنجليز فى عام (1275هـ = 1858م). العلاقات الخارجية: أقام المغول علاقات وطيدة مع بعض بلدان العالم الخارجى، لدرجة أن الشاه الصفوى أمد «ظهير الدين بابر» بجنود من الفرس؛ لكى يستعيد المناطق التى سلبت من دولته ببلاد «ما وراء النهر»، وأرغم هؤلاء الجنود الناس على اعتناق المذهب الشيعى بالقوة، وقاموا بإقامة مذابح لسكان هذه المناطق، فاتحد هؤلاء السكان وطردوا جنود الفرس، بل اتحدوا مع «الأزبك» وطردوا «بابر» نفسه؛ حيث فشل فى منع الفرس من قتل الناس وتعذيبهم، فتوجه «بابر» ناحية «الهندستان» واستولى عليها بعد أن انتصر على «الراجبوتيين» فى «خانوه». كما أقام المغول علاقات مع البرتغاليين، الذين أمدوهم بالمدافع للوقوف أمام حاكم «الكجرات» فى عهد «همايون»، واستعان «همايون» بالشاه «طهما سب بن إسماعيل الصفوى» فى استعادة حكمه على «هندستان»، بعد قضائه على أسرة «شيرشاه»، خاصة أن شاه «إيران» هو الذى آواه فى محنته. وقد وفد على «الهند» فى عهد «جهانكيز» مبعوثان إنجليزيان هما: «وليم هوكنز» و «توماس راو»، ليعملا سفيرين لبلادهما من قبل الملك «جيمس الأول»، وكان الهدف من هذه السفارة منافسة البرتغاليين فى هذه البقاع؛ حيث كانت لهم عدة مراكز على شواطئ «الهند»، وقد استعان «جهانكيز» بالإنجليز على طرد البرتغاليين من بلاطه، ومحاربتهم ببحار «الهند»، ومنح الإنجليز امتيازات تجارية كثيرة. يرجع زوال إمبراطورية المغول بالهند - فى المقام الأول - إلى انصراف رجال الدولة إلى شئونهم ومصالحهم الخاصة، وتركهم مصالح البلاد والعباد، وإيثار أنفسهم بالكنوز التى استولوا عليها فى فتوحاتهم. ومن الحقائق المهمة أن عظماء الإمبراطورية المغولية حكموا قرنين من الزمان، وكان هدفهم الأول هو العمل من أجل

مصلحة الدولة واستقرار أوضاعها وأمنها، ثم تبدلت الأوضاع خلال القرن الثالث والأخير لهذه الإمبراطورية، حيث غزا «نادر شاه» بلاد «الهند»، وخرب عمرانها، وقضى على مظاهر الحضارة فيها، ثم تركها لأعداء الإمبراطورية المغولية من «السيخ»،و «الهندوس» و «الإنجليز». كان «بهادر شاه الثانى» آخر حكام المغول فى «الهند»، وعزل فى (13من شعبان سنة 1274هـ = 1858م)، ثم استولت «إنجلترا» على الإمبراطورية المغولية، واستعمرت بلاد «الهند»، فعانت هذه البلاد من تعسف «الإنجليز» وظلمهم وطغيانهم، واستنزفت الشركة البريطانية ثروات هذه البلاد واستعبدت أهلها، وأسفر ذلك فى النهاية عن ثورة وطنية ضد هذا الظلم وذلك الإجحاف. مظاهر الحضارة فى الإمبراطورية المغولية بالهند: اتسم حكام الإمبراطورية المغولية بالهند بالتسامح والعدل بين الرعية، وأدى ذلك إلى اقتراب الناس منهم، ومصاهرتهم، وإلى انتشار الإسلام فى ربوع دولتهم، وقد تجلى هذا التسامح فى أبهى صوره فى عهد السلطان «جلال الدين أكبر»، الذى نادى بأن تكون «الهند» لأهلها من المسلمين والهندوس. ظلت السلطة الفعلية فى أيدى السلاطين، إذ كانوا يسيطرون على نظم الحكم كلها، فقويت البلاد فى عهد الحكام الأقوياء، وسقطت بالسلاطين الضعفاء، ولم تكن للوزير أو الوالى سلطات قوية. انقسمت إدارة الأراضى الزراعية للدولة إلى نوعين، أولهما: إقطاع القادة والأمراء مساحات من الأرض، ليقوموا على زراعتها ورعايتها، ثم ينفقوا من غلتها على جنودهم وخدمهم وتابعيهم، والنوع الثانى: شبيه بما يحدث اليوم؛ إذ كان الرجل يأخذ قطعة أرض مقابل الالتزام بدفع بدل يؤديه إلى خزانة الدولة. ولعل العمارة كانت من أبرز مظاهر الحضارة فى الإمبراطورية المغولية فى «الهند»، إذ اهتم بها البابريون اهتمامًا بالغًا، وعمدوا إلى تعمير المدن، وأصبح لهم طرازهم المعمارى المميز، الذى كان مزيجًا من فنون المسلمين والهندوس، وكانت أهم سماته القباب

البصلية الشكل؛ المرصعة بالأحجار الكريمة، و «الميناء» و «الخزف»؛ فضلا عن الأقواس الحادة، والأبواب الفخمة التى فى أعلاها نصف قبة، يُضاف إلى ذلك «تاج محل» إحدى عجائب الدنيا، ذلك البناء الذى شيده «شاهجهان» ليكون مثوى لزوجته «ممتاز محل» تخليدًا ووفاءً لذكراها. عنى أباطرة «الدولة المغولية» عناية فائقة بالحركة الفكرية بالهند، حيث ساهموا فى إخراج كتب قيمة للناس مثل كتاب: «بابرنامه» الذى وضعه «بابر» عن نفسه وحكمه، وأظهر هذا الكتاب إلمام «بابر» الواسع بالتاريخ وتقويم البلدان، والعلوم العقلية والنقلية، كما أظهر إلمامه بالآداب العربية والتركية والفارسية. وكذلك كتبت «كلبدن بيكيم» ابنة «بابر» كتاب «همايون نامه» الذى يعد مرجعًا وثيقًا فى تاريخ «همايون» ثانى سلاطين الإمبراطورية المغولية. أعفى «أكبر» الهنادكة من ضريبة الرءوس، واهتم بالعلوم والآداب والفنون، وأصدر القوانين والتشريعات الاجتماعية التى تكفل للناس حقوقهم، وتحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم، ونبغ فى عصره العديد من المؤرخين والعلماء والأدباء من المسلمين والهنادكة.

مراجع الجزء الرابع

- المراجع: * أدم منز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري - القاهرة - 1940م * بن الأثير (عز الدين): الكامل في التاريخ - تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي - دار الكتب العلمية - بيروت -1407 هـ - 1987م * أحمد أمين: ضحي الإسلام - دار الكتاب العربي -بيروت - الطبعة العاشرة - بدون تاريخ * أحمد أمين: ظهر الإسلام - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة - 1961م * أحمد الساداتي: تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم - مكتبة الآداب ومطبعتها - القاهرة - 1957م * بن بطوطة: رحلة ابن بطوطة - بيروت - دار الكتب العلمية 1413هـ - 1992م * البيروني (أبو الريحان محمد بن أحمد): الآثار الباقية عن القرون الخالية - لينبرج - 1932م * بن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - دار الكتب المصرية - القاهرة * حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي - مكتبة النهضة المصرية - القاهرة - 1973م * بن خلدون (عبد الرحمن بن محمد): تاريخ ابن خلدون - مؤسسة جمال للطباعة - بيروت - 1979م * بن خلكان (احمد بن محمد): وفيات الأعيان - تحقيق إحسان عباس - دار صادر - بيروت - 1398هـ = 1987م * زامبادور: معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي - ترجمة زكي حسن وحسن أحمد محمود - مطبعة جامعة فؤاد - القاهرة 1951 و 1952م * السيوطي (عبد الرحمن بن أبي بكر): تاريخ الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الله - القاهرة - 1351هـ * عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند - دار العهد الجديد للطباعة - القاهرة - 1959م * العتبي (أبو نصر محمد): تاريخ اليميني - القاهرة - 1486هـ * بن العماد الحنبلي (أبو الفلاح بن عبد الحي): شذرات الذهب في أخبار من ذهب - القاهرة - 1350هـ * فؤاد الصياد: الشرق الإسلامي في عهد الإلخانيين - الدوحة - 1987م

* القلقشندي (أحمد بن علي): صبح الأعشى في صناعة الإنشا - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولي - 1987م * كارل بروكلمان: تاريخ الشعوب الإسلامية - بيروت - 1948م * ابن كثير (إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية - دار الكتب العلمية - بيروت - 1408هـ = 1988م مراجع فارسية: * أحمد بادكر: تاريخ سلاطين أفغان - مجموعة اليوت (5) * عباس خان سرواني: تاريخ شير شاه - مجموعة اليوت (4) * عبد الحميد لاهوري: بادشاهنامه - مجموعة اليوت (7) * عبد القادر بن ملوك شاه بدواني: منتخب التواريخ -كلكتا - 1868م * علاء الدين عطا ملك الجويني: تاريخ جهانكشاي - ليدن - 1937م * غلام حسين سليم: رياض السلاطين أو تاريخ بنغالة - كلكتا - 1890 , 1898م * غياث الدين بن همام الدين الحسيني: حبيب السير في أخبار أفراد البشر - طهران - 1373هـ * محمد قاسم هندوشاه - تاريخ فرشته - لكنو - 1323هـ

مصر والشام والجزيرة العربية

الجزء الخامس مصر والشام والجزيرة العربية تأليف: أ. د. عبد المقصود عبد الحميد باشا أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر الفصل الأول *مصر فى عصر الولاة [21 - 254 هـ = 642 - 868 م] .. أصبحت «مصر» بعد الفتح الإسلامى سنة (21هـ = 642م) ولاية تابعة للخلافة الإسلامية فى «المدينة المنورة»، ثم فى «دمشق»، ومن بعدهما «بغداد» فترة قرنين وربع القرن تقريبًا، ثم حكمها الطولونيون فأصبحت دولة مستقلة فى الفترة من سنة (254هـ = 868م] إلى سنة [292هـ = 905م]. أشهر ولاة مصر فى ذلك العصر: -1عمرو بن العاص: هو فاتح «مصر»، وأول والٍ عليها من قِبل الخليفة «عمر بن الخطاب»، وكان واليًا عادلا، عمل على نشر الأمن والأمان فى ربوع «مصر»، ومنح الأقباط الحرية الدينية التى افتقدوها قبل الفتح الإسلامى، وأعاد البطريق «بنيامين» من منفاه فى «وادى النطرون» إلى «كنيسة الإسكندرية»، لذلك أحبه المصريون. قام «عمرو بن العاص» بالإصلاحات المالية والإدارية فى «مصر»، واعتمد فيها على الأقباط من أهلها، فنعم المصريون -جميعًا- فى ولايته بالحرية الدينية والحياة الكريمة. تأسيس الفسطاط: لم يقتصر دور «عمرو بن العاص» على الإصلاحات المالية والإدارية، بل أسس مدينة «الفسطاط» (مصر القديمة حاليا)؛ لتكون عاصمة لمصر الإسلامية بأمر من الخليفة «عمر بن الخطاب»، ثم أسس مسجده - الذى لايزال يحمل اسمه حتى الآن - فى وسط تلك المدينة. وهو أول مسجد فى قارة إفريقيا. ومن أهم أعمال «عمرو بن العاص» حفر قناة تصل «النيل» بالبحر الأحمر، بأمر من الخليفة «عمر بن الخطاب»، لتسهيل السفر والتجارة بين «مصر» والجزيرة العربية، وكان اسم هذه القناة: «خليج أمير المؤمنين». وقد تولى «عمرو بن العاص» ولاية «مصر» مرتين، كانت الثانية من سنة (38هـ = 658م) حتى سنة (43هـ = 663م). 2 - مسلمة بن مخلد الأنصارى [47 - 62هـ = 667 - 681م]: والى «مصر» من قِبل الخليفة «معاوية بن أبى سفيان»، وكان من خيرة الولاة فى حسن السياسة ونشر العدل، كما كان متسامحًا مع

الأقباط، وسمح لهم ببناء كنيسة فى مدينة «الفسطاط»، وقام بتجديد مسجد «عمرو» وتوسعته، وشيد له المنارات لأول مرة. 3 - عبدالعزيز بن مروان [65 - 86هـ = 684 - 705م]: والى «مصر» من قِبل أبيه الخليفة «مروان بن الحكم»، واستمر فيها حتى زمن خلافة أخيه «عبدالملك بن مروان»؛ لذا كانت فترة ولايته أطول فترة فى عصر الولاة. أوصاه أبوه حين ولاه «مصر» بوصية حكيمة، نصحه فيها بأن يحسن إلى الناس، ويعمهم برعايته حتى يحبوه، فعمل بوصية أبيه؛ فكانت فترة ولايته من أحسن الفترات فى حكم «مصر»، قام خلالها بالكثير من الإصلاحات، أبرزها إنشاء مدينة «حلوان» سنة (73هـ). -4 صالح بن على بن عبدالله بن عباس [133هـ = 750م]: من أشهر ولاة «مصر» فى العصر العباسى. أسس لمصر عاصمة جديدة شمالى مدينة «الفسطاط» أسماها «مدينة العسكر» (منطقة «السيدة زينب» الحالية)، كما أنه زاد فى «مسجد الفسطاط» زيادة كبيرة. ولى «مصر» مرتين، استمرت الأولى سنة واحدة، ثم وليها ثانية من سنة (136 هـ = 753م) حتى سنة (138هـ = 755م). -5 الفضل بن صالح بن على [169هـ = 785م]: أحد الولاة العباسيين، أسس مسجدًا إلى جانب «دار الإدارة» بمدينة العسكر، أصبح من المساجد الجامعة، وسمح للناس بالبناء حول «مدينة العسكر»، فاتصل عمرانها بمدينة «الفسطاط». 6 - موسى بن عيسى [171هـ= 787م]: ولاه العباسيون إمرة «مصر» ثلاث مرات، كانت الأولى من سنة (171هـ) حتى سنة (173هـ)، والثانية من سنة (175هـ) حتى سنة (176هـ)، والثالثة من سنة (179هـ) حتى سنة (180هـ)، وحظى خلالها «موسى بن عيسى» بمحبة الناس واحترامهم، لحبه للخير والعدل، وتسامحه مع الأقباط، فقد سمح لهم ببناء الكنائس. -7 عنبسة بن إسحاق [238 - 242هـ = 852 - 856م]: من أشهر ولاة العصر العباسى، ومن أهم أعماله: إقامة التحصينات فى «دمياط» و «تنِّيس»، بعد أن تعرضت لغارات الروم، وقد اشتهر

«عنبسة بن إسحاق» بالورع، وإقامة العدل بين الناس. أهم الأحداث فى عهد الولاة: أ - انتشار الإسلام فى مصر: من الثابت أن كثيرًا من أقباط «مصر» دخلوا الإسلام قبل استكمال الفتح الإسلامى لها، فى الوقت الذى كان «عمرو بن العاص» فى طريقه إلى فتحها، وزاد إقبال المصريين على الدخول فى الدين الإسلامى نتيجة السياسة الحسنة التى انتهجها الولاة المسلمون معهم، فشعروا بالحرية، ونعموا بالتسامح الذى أشاعه المسلمون، وأخذ الإسلام ينتشر تدريجيا بينهم، ولم يأتِ القرن الثالث الهجرى إلا كان غالبيتهم يدينون بالدين الإسلامى بحرية تامة، ودون أى إكراه. ب - انتشار اللغة العربية: بدأ انتشار اللغة العربية فى «مصر» مع بداية الفتح الإسلامى لها، وساعد على ذلك اختلاط المسلمين العرب بأهل «مصر» والتزوج منهم، كما كان على مَنْ اعتنق الإسلام من المصريين أن يتعلم اللغة العربية لمعرفة تعاليم دينه الجديد، ثم كان لتعريب الدواوين فى عهد «عبدالملك بن مروان» الأثر الكبير والفعال فى انتشار اللغة العربية فى «مصر»، فمن المعروف أن المسلمين قد عهدوا إلى المصريين بالكثير من الأعمال الإدارية، كما أشركوهم فى إدارة البلاد، الأمر الذى افتقده المصريون لفترات طويلة، وظلوا محرومين منه فى العهد البيزنطى، فكان عليهم - حين عُرِّبت الإدارة- أن يجتهدوا فى تعلم اللغة العربية ليحافظوا على وظائفهم ويحتفظوا بها، فتهيأت كل الظروف لتصبح اللغة العربية لغة المصريين عربًا وأقباطًا على السواء. النظام الإدارى فى عهد الولاة: وجد المسلمون بمصر - حين فتحوها - نظمًا إدارية رأوها صالحة؛ فلم يغيروها، وتولَّوا الوظائف الرئيسية، وتركوا الوظائف الأخرى للمصريين، فسعدوا بها، وأخلصوا للولاة المسلمين، فدل ذلك على الوعى السياسى والإدارى لهؤلاء الولاة. وكان الخليفة هو الذى يقوم بتعيين الخليفة أو الأمير، ويأمره بإمامة

المسلمين فى الصلاة إلى جانب مسئوليته السياسية والإدارية الكاملة عن كل شئون «مصر»، وكذلك كان على الخليفة أن يحدد الوظائف الكبرى واختصاصاتها، فجعل لقائد الجند مسئولية الجيش والدفاع عن البلاد، ولصاحب الشرطة حفظ الأمن الداخلى وتنفيذ الأحكام، وأوكل توصيل المكاتبات بين الولاية وعاصمة الخلافة لصاحب البريد، ووضع الخليفة نظام رقابة إدارية لمتابعة الوالى وكبار الموظفين فى أعمالهم، فإذا حدثت مخالفة ما من أحدهم وصل خبرها على الفور إلى الخليفة، فلا يتردد فى معاقبة المخالف أيا كان منصبه. أما صاحب الخراج فأوكلت إليه مسئولية الشئون المالية، ولصاحب الحسبة مسئولية إزالة المنكرات، ومنع أى خروج على الآداب العامة، وعليه مراقبة الأسواق، ومنع أى غش فى الكيل والميزان، أو فى المصنوعات والمأكولات، وغيرها. وكان على القاضى أن يحكم بين الناس بالعدل، وأن يقضى بين المتخاصمين طبقًا لشرع الله وشريعة الإسلام. بعض مظاهر الحضارة فى مصر فى عصر الولاة: 1 - العلوم الإسلامية: كان جيش الفتح الإسلامى لمصر يضم عددًا من كبار الصحابة، وقد استقر بعضهم بها بعد الفتح، فكانوا النواة الرئيسية للحركة العلمية الإسلامية فيها، بما علموه للناس من تفسير وحديث وفقه ولغة .. إلخ. وكان «عبدالله بن عمرو بن العاص» من أشهر الصحابة الذين صحبوا جيش الفتح، ثم تلا جيلَ الصحابة جيلُ التابعين، واشتُهر منهم: «يزيد بن أبى حبيب»، الذى عهد إليه الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» (99 - 101هـ) بالفُتيا فى «مصر»، فأقام بها، وتُوفِّى فيها سنة (128هـ). و «عبدالله بن لهيعة»، الذى ولى القضاء من سنة (155هـ) حتى وفاته سنة (162هـ)، ثم خرَّجت «مدرسة الدراسات الشرعية» فى «مصر» إمامًا من كبار الأئمة فى الفقه هو «الليث بن سعد» المتوفى سنة (175هـ). ثم يأتى الإمام «الشافعى» - من بعدهم - لزيارة «مصر» فيقضى فيها الشطر الأخير من حياته حتى وفاته سنة (204هـ)، تاركًا

خلفه جمهرة من تلاميذه، الذين عملوا على نشر مذهبه، ومنهم: «أبو يعقوب يوسف البويطى»، و «الربيع بن سليمان الجيزى» ومن أبرز أعلام «مدرسة الدراسات الشرعية» فى «مصر»، «عثمان بن سعيد» (المعروف بورش)، وهو من أصل قبطى، برز ونبغ بصفة خاصة فى علم القراءات، وتوفى سنة (197هـ). 2 - علوم اللغة والتاريخ: قامت إلى جانب «مدرسة الدراسات الشرعية» فى «مصر» مدارس للغة العربية وآدابها، وأخرى لعلم التاريخ، وكان خير من مثَّل هاتين المدرستين: «عبد الملك بن هشام»، صاحب كتاب «السيرة النبوية» الشهير والمتوفى سنة (218هـ)، كما أن «ابن عبد الحكم»، صاحب كتاب «فتوح مصر وأخبارها»، كان من أشهر مؤرخى «مصر» فى ذلك الوقت، وقد تُوفِّى سنة (257هـ). -3 العلوم الطبيعية: قامت فى «مصر» أيضًا - إلى جانب ما سبق من مدارس - مدرسة للعلوم الطبيعية، كالطب والكيمياء وغيرهما، ومن أشهر من اشتغلوا بهذه العلوم: » ابن أبجر الطيب»، والصوفى الشهير والفيلسوف والكيميائى «ذو النون المصرى». الإسلام فى الشام: تم فتح الشام سنة (15هـ = 636م) تقريبًا، فأصبحت - منذ ذلك الحين - جزءًا رئيسيا من العالم الإسلامى، وكانت الصلة بينها وبين «مصر» قوية ووثيقة بحكم الموقع، وقد تبعت هذه الولاية - فى البداية - مقر الخلافة مباشرة، فتولى إمرتها فى عهد الخلفاء الراشدين: «يزيد بن أبى سفيان»، ومن بعده أخوه «معاوية»، الذى أصبح خليفة للمسلمين فى سنة (41هـ)، فاتخذ من «دمشق» عاصمة للخلافة، فأصبحت الشام مركز العالم الإسلامى كله طوال العصر الأموى حتى عام (132هـ)، وكان الخليفة نفسه هو الذى يحكم هذا الإقليم مباشرة خلال تلك الفترة. انتشار الإسلام واللغة العربية: كان معظم سكان الشام - قبل الفتح الإسلامى - عربًا، ومع ذلك قاوموا هذا الفتح فى البداية؛ لظنهم أن العرب القادمين جاءوا ليستولوا على بلادهم وديارهم وأموالهم، كما فعل البيزنطيون من

قبل، ولكنهم مالبثوا أن فهموا طبيعة الإسلام، وأنه جاء ليحررهم من الحكم البيزنطى البغيض، وأن الفاتحين لم يأتوا لاستغلالهم؛ فهم أهلهم، وهدفهم لم يكن الاستيلاء، وإنما جاءوا لنشر الإسلام الذى حمل لهم الخير، فرأوا العدل والحرية والمساواة التى تحلى بها الولاة المسلمون فى حكمهم، فهرعوا إلى اعتناق الدين الجديد بمحض إرادتهم، ومن أراد منهم البقاء على دينه -يهوديا كان أو نصرانيا- كانت له الحرية فى ذلك دون إكراه، والدليل على ذلك بقاء عدد كبير من المسيحيين بالشام حتى الآن. وكانت جيوش الفتح الإسلامى تضم عددًا كبيرًا من الصحابة؛ الذين قاموا بتعليم المسلمين الجدد تعاليم دينهم، كما أرسل الخليفة «عمر بن الخطاب» عددًا آخر من كبار الصحابة إلى الشام للإقامة فيها، لتفقيه الناس بأمور دينهم، ومن أبرز هؤلاء الصحابة الذين أسسوا مدرسة الدراسات الشرعية فى الشام: «معاذ بن جبل»، و «أبو الدرداء»، وقد ازدهرت ازدهارًا كبيرًا فى العصر الأموى، وكان من أنجب رجالها: الإمام «الأوزاعى» المتوفَّى سنة (157هـ). أما بالنسبة إلى اللغة العربية، فلم تكن هناك مشكلة؛ لأنها كانت لغة السكان - أو معظمهم - قبل الفتح، ومع ذلك كانت اللغة اليونانية هى اللغة الإدارية - فى البداية - ثم ما لبث أن تحولت إلى اللغة العربية.

5 - 2:الدولة الطولونية

الفصل الثاني *الدولة الطولونية فى مصر والشام [254 - 292 هـ = 868 - 905 م]. تنسب هذه الدولة إلى مؤسسها «طولون»، الذى ينحدر من أسرة كان موطنها «بخارى» ببلاد «التركستان»، وفى سنة (200هـ) وصل «طولون» إلى «بغداد» إبان خلافة «المأمون» (198 - 218هـ)، فأهدى بعض الرجال إلى الخليفة «المأمون»، الذى رأى فيه اتزانًا فى الفكر وبسطة فى الجسم، فجعله رئيسًا لحرسه الخاص، فعلا نجم طولون فى الدولة، ومهَّد لنفسه ولأسرته طريق السيادة والسلطة فيها. أمراء الدولة الطولونية: أحمد بن طولون [254 - 272هـ = 868 - 885م]. وُلد «أحمد بن طولون» سنة (220هـ = 835م)، وعُنى أبوه بتربيته عناية كبيرة، فعلَّمه الفنون العسكرية، وعلوم اللغة والدين، وتردد على العلماء، وأخذ من معارفهم، وروى عنهم الأحاديث، فأصبح موضع ثقة الخلفاء العباسيين لشجاعته وعلمه، وعمل تحت رعايتهم فى خلافة «المتوكل» (242 - 247هـ)، و «المستعين» (248 - 252هـ)، و «المعتز» (252 - 255هـ)، و «المعتمد» (256 - 279هـ). فلما مات «طولون» سنة (240هـ) عهد «المتوكل» إلى «أحمد بن طولون» بما كان يتولاه أبوه من الأعمال، فأظهر كفاءة عالية، وهمة نادرة، كما احتل مكانة بارزة فى قلوب رجال البلاط العباسى حين حاولت جماعة من اللصوص الاستيلاء على قافلة كانت متجهة من «طرسوس» إلى «سامراء» تحت قيادته، فتصدى لهم «ابن طولون»، وأظهر كفاءة عسكرية فريدة، وتمكن من القضاء على هؤلاء اللصوص، ونجا بقافلته، وعندما علم الخليفة بذلك ازداد إعجابًا به وتقديرًا له. أحمد بن طولون فى مصر 254 272 هـ: كان من عادة الخلفاء أن يعينوا ولاة للأقاليم الخاضعة لسلطانهم، وكان هؤلاء الولاة يعينون من ينوب عنهم فى حكم هذه الولايات؛ رغبة منهم فى البقاء بالعاصمة؛ أملا فى الحصول على منصب أعلى وخوفًا من المؤامرات. وكانت «مصر» - آنذاك - تحت ولاية القائد التركى «باكباك» الذى

أناب «أحمد بن طولون» عنه فى حكم «مصر»، لما رآه من شجاعته وإقدامه، وأمده بجيش كبير دخل به «أحمد بن طولون» «مصر» فى (23 من رمضان سنة 254هـ). فلما تُوفى «باكباك» تولى مكانه القائد التركى «بارجوخ»، فعهد إلى «أحمد بن طولون» بولاية «مصر» كلها، فلما آل الأمر إلى «ابن طولون» فى حكم «مصر» واجهته المصاعب والعقبات، وأشعل أصحاب المصالح فى «مصر» الثورات حتى لا يتمكن «ابن طولون» من تنفيذ إصلاحاته التى عزم عليها، ولكن «ابن طولون» تمكن من القضاء على كل العقبات والصعوبات واحدة تلو الأخرى بكياسة وحزم، كما أخمد الثورات فى كل مكان، ولم يكد يفعل ذلك حتى أعلن «أحمد بن المدبر» عامل الخراج على «مصر» عن حقده على ابن طولون، وعمل على الوقيعة بينه وبين الخليفة، ولكن «أحمد بن طولون» تمكن من كشف ذلك التدبير، وكتب إلى الخليفة يطلب منه عزل عامل الخراج «ابن المدبر» وتعيين «محمد بن هلال» مكانه، فوافق الخليفة على ذلك لثقته بابن طولون، وأمر بعزل «ابن المدبر»، الذى رفض تسليم ما تحت يديه لمحمد بن هلال عامل الخراج الجديد، فقبض عليه «أحمد بن طولون» وحبسه، وتخلص بذلك من منافس قوى هدد كيان البلاد. أحمد بن طولون والى الشام والجزيرة: كان بالشام - بعد تولية «أحمد ابن طولون» «مصر» - ولاة يتبعون الخلافة العباسية، ولكن اعتداءات البيزنطيين المتكررة على حدود المسلمين بالشام جعلت الخليفة «المعتمد» يقوم بتكليف «أحمد بن طولون» بالسير لمحاربة البيزنطيين سنة (264هـ) فنفذ «ابن طولون» الأمر، وانتصر على البيزنطيين، ومد سلطانه حتى «طرسوس» و «نهر الفرات» و «دمشق»، فأقره الخليفة العباسى على حكم «مصر» والشام والجزيرة العربية ومناطق الثغور، فظل مسيطرًا عليها بشخصيته القوية ورجاحة عقله حتى وفاته سنة (272هـ). خمارويه بن أحمد بن طولون [272 - 282هـ = 885 - 895م]. بعد وفاة «أحمد بن طولون» خلفه ابنه «خمارويه»، فعمل على تذليل

العقبات التى واجهته كى تتوطد أركان دولته، وزوج ابنته «أسماء» المعروفة بقطر الندى من الخليفة العباسى «المعتضد»، وقام «خمارويه» بتجهيز ابنته، وغالى فى ذلك، مما أدى إلى إفلاس مالية البلاد. وظل واليًا على «مصر» والشام والجزيرة حتى وفاته سنة (282هـ). أولاد خمارويه وسقوط الدولة الطولونية: بعد وفاة «خمارويه» سنة (282هـ)، بدأت الدولة الطولونية فى الانحلال، فتولَّى زمامها طائفة من أفراد البيت الطولونى، وكانت تنقصهم الحنكة السياسية، وهم: «أبو العساكر جيش بن خمارويه» (282 - 284هـ)، الذى خلعه الجند، فتولَّى من بعده أخوه «أبو موسى هارون بن خمارويه» (284 - 292هـ)، وهو فى الرابعة عشرة من عمره، فازدادت البلاد ضعفًا حتى مات، فتولى بعده عمه «شيبان»، إلا أن الجند رفضوا تعيينه، وكان ذلك إيذانًا بزوال الدولة الطولونية، وعودة «مصر» والشام والجزيرة إلى ولايات تابعة مباشرة للخلفاء العباسيين، بعد أن استقلت منذ عهد «أحمد بن طلون». علاقة مصر والشام بالخلافة العباسية فى عهد أحمد بن طولون: كان خليفة المسلمين - إبان حكم «أحمد بن طولون» - هو الخليفة «المعتمد»، ثم جاء من بعده أخوه «الموفق» الذى استطاع أن يسيطر على الجيش، ويستبد بالسلطة فى خلافة أخيه «المعتمد». وكانت علاقة «أحمد بن طولون» بالخليفة «المعتمد» طيبة وقوية لدرجة أن الخليفة فكر فى نقل مقر الخلافة إلى «مصر» ليتمتع فيها بقوة «أحمد بن طولون» وحمايته له، إلا أن «الموفق» علم بنية أخيه فأعاده إلى «سامراء»، وكان لهذا الموقف أثره السيىء على علاقة «الموفق» بأحمد بن طولون، وأضمر له العداوة، ثم ما لبث أن أعلن عنها حين أرسل إلى «ابن طولون» يطلب منه أموالا كثيرة، فلم يرسل إليه سوى مبلغ صغير، فأثار ذلك حفيظته وخرج لمحاربة «ابن طولون»، ولكن هذه الحروب لم تدم طويلا، ولم تسفر عن شىء، ولكن العلاقات بين «مصر» والشام والخلافة العباسية ظلت سيئة،

وظل الأمر على ذلك حتى تولَّى «خمارويه»، وعمل على إزالة أسباب الخلاف، وزوج ابنته من الخليفة «المعتمد»، وعقد صلحًا مع «الموفق»، فكان هذا الزواج سببًا من أسباب زوال العداء بين الطولونيين والعباسيين، كذلك يدلنا هذا الزواج على حرص الخلافة العباسية على كسب ود مصر والشام، لما تمثلانه من قوة. مظاهر الحضارة فى الدولة الطولونية: كان «أحمد بن طولون» مثلا عاليًا للحاكم العادل والوالى المصلح، وكان عهده عهد سلام شامل، ورخاء تام، وفنون وآداب عالية المستوى، وخلَّف «ابن طولون» آثارًا رائعة بقى منها جامعه الذى مازال معروفًا باسمه حتى الآن. ومن مظاهر الحضارة فى عهد الدولة الطولونية: أ - إنشاء القطائع: أقام «أحمد بن طولون» عاصمة خاصة به شمالى مدينة «الفسطاط»، وبناها على نظام مدينة «سامراء» عاصمة الخلافة العباسية، وبنى بها مستشفى عظيمًا، وقسم المدينة وجعل لكل من كبار رجاله وقواده وغلمانه قطيعة خاصة به، وكذلك فعل مع أرباب الحرف والصناعات والتجار، فسُميت المدينة «بالقطائع»؛ وهى ثالث عواصم «مصر» بعد «الفسطاط» و «العسكر». ب - جامع ابن طولون: هو أحد مآثر الدولة الطولونية، فلايزال شاهد صدق على عظمة هذه الدولة، ويقع بجهة «الصليبة» و «قلعة الكبش»، ويُعد أقدم بناء إسلامى بقى على أصله حتى اليوم، والناظر إليه يرى مدى ما وصلت إليه الفنون والعمارة الإسلامية من ازدهار، وتُعدُّ مئذنته من أقدم المآذن التى لاتزال قائمة حتى اليوم. ج - الجانب الاقتصادى: بلغت عناية الطولونيين بالناحية الاقتصادية مبلغًا عظيمًا، ليضمنوا لبلادهم الرخاء والاستقلال، خاصة بعد اتساع رقعة دولتهم وانضمام الشام إلى «مصر» تحت إمرتهم، فشجعوا الصناعات وعملوا على ازدهارها، كصناعة النسيج التى كانت أهم الصناعات فى هذا العهد، وأقاموا مصانع للأسلحة، وتقدمت صناعة ورق البردى وصناعة الصابون والسكر والخزف فى عهدهم، وظلت التجارة رائجة،

ونشطت فى «مصر» و «الشام» وذلك لموقعهما الفريد المتحكم فى طرق التجارة، فأصبحتا حلقة اتصال بين تجارة الشرق والغرب، إلى جانب ما كانتا تحصِّلانه من ضرائب جمركية على البضائع التى تمر بهما. كما اهتم الطولونيون بالزراعة، واعتنوا بتطهير «نهر النيل»، وأقاموا الجسور، وشقوا الترع، وشجع «أحمد بن طولون» الفلاحين على امتلاك الأراضى، وخصص لذلك ديوانًا أسماه: «ديوان الأملاك»، كما قلل من الضرائب، وأصلح «مقياس الروضة»، وأنشأ القناطر، وحفر الآبار فى الصحراء حين علم بما يعانيه الناس فى هذه المناطق فى الحصول على الماء، فتقدمت الزراعة فى عهده ونشطت، كما تقدمت الصناعة والتجارة، وبلغت مالية «مصر» و «الشام» فى عهده مبلغًا عظيمًا، فكثرت الإنشاءات العظيمة، مثل «الحصن المنيع» الذى بناه «أحمد بن طولون»، ليكون مأوى له إذا ما حاق به خطر، وقد تكلفت هذه المشروعات العظيمة أموالا طائلة، تدل على تحسن الأحوال المالية والاقتصادية فى هذا العهد، وعاش الناس فى رخاء وسعة. د - الناحية الاجتماعية: يبدو أن الأتراك قد حظوا بمكانة عظيمة فى عهد الطولونيين، وشاركهم فى ذلك طبقة الأشراف؛ التى نالت احترام الشعب والأمراء، وإلى جانبهم كانت تعيش طبقة الأغنياء من كبار التجار وكبار الملاك. أما عامة الشعب فقد تحسنت أحوالهم نتيجة استقرار الأوضاع، واهتمام الحاكم بشئونهم، وحرصه على إقامة العدل بينهم؛ لدرجة أن «أحمد ابن طولون» تولَّى القضاء بنفسه فى فترة من الفترات، وعامل أهل الذمة معاملة كريمة طيبة، جعلتهم يقبلون على أعمالهم بشغف واطمئنان. واهتم الطولونيون بإحياء الأعياد الإسلامية كعيدى «الفطر» و «الأضحى»، كما اهتموا أيضًا بإحياء الأعياد المسيحية كعيد الميلاد، وكانت ألعاب الفروسية التى أولاها الطولونيون عنايتهم من أهم مظاهر الترفيه فى هذه الأعياد. حكمت الدولة الطولونية زهاء ثمانٍ وثلاثين سنة، انتعشت فيها البلاد،

واستردت قوتها وعظمتها، وراجت التجارة ونشطت الزراعة والصناعة، وقوى الجيش وأُنشئ له أسطول بحرى، فأصبحت الدولة الطولونية إمبراطورية تمتد من «العراق» إلى بلاد «برقة» بما فى ذلك «آسيا الصغرى» و «الشام» و «فلسطين»، وكان عهد هذه الدولة عهد نهوض بفنون العمارة والزخرفة والنقش، كما كان عهد سلام ورخاء وعناية بالمرضى والضعفاء، وفيه نال العلم والعلماء تشجيعًا جعل «المقريزى» يذكر فى خططه عن القاضى «أبى عمرو النابلسى»، أنه رأى كتابًا لا يقل فى حجمه عن اثنتى عشرة كراسة، يحوى فهرست شعراء «أحمد بن طولون»، فإذا كانت أسماء الشعراء فى اثنتى عشرة كراسة، فكم يكون شعرهم؟. فلا عجب إذن إذا رثى الشعراء - بعد ذلك - هذه الأسرة، وتذكروا أيامها بالحزن والألم والحسرة، فيكفيها فخرًا أنها الواضعة لأساس مدنيات الأسر التى تلتها فى حكم «مصر»، خاصة المماليك والفاطميين. النظام الإدارى فى عهد الطولونيين: قُسِّمت «مصر» فى عهد الدولة الطولونية إلى كور، كان على رأس كل منها حاكم يُسمَّى: «صاحب الكورة» - هو بمثابة المدير حاليا - وتعهد إليه إمامة الناس فى الصلاة بالمساجد الرئيسية التى توجد فى عاصمة مديريته. وكانت «مصر» تنقسم إلى ثلاثة أقسام هى: «مصر العليا»، و «مصر الوسطى»، و «مصر السفلى»، وكثيرًا ما قام «ابن طولون» ومن بعده ابنه «خمارويه» بالتفتيش على تلك الأقسام الإدارية المختلفة بنفسيهما؛ لاستطلاع أحوال الأمن فيها، والاطمئنان على أمور الرعية، ولحث الحكام على العناية بأقاليمهم، وتنفيذ سياسة الدولة التى تهدف إلى رعاية المصالح العامة للرعية. الشرطة: وكان نظام الشرطة فى الدولة الطولونية ينقسم إلى قسمين، أولهما: «الشرطة الفوقانية»، والثانى: «الشرطة السفلانية»، أو «الشرطة العليا»، و «الشرطة السفلى»، ولم تقتصر سلطة صاحب الشرطة على تنفيذ الأوامر، والمحافظة على النظام؛ بل كانت له اختصاصات

قضائية، وكان يُعيَّن من قِبل الوالى، ويكون مقره عاصمة الولاية: وانحصرت اختصاصات «الشرطة العليا» فى النظر فى أحوال الطبقة العليا من القادة والعلماء والعظماء، أما «الشرطة السفلى» فكانت تختص بإقامة العدل، وتوطيد الأمن بين عامة الناس، ولذلك تحقق العدل فى عهد الطولونيين. البريد: كان لابن طولون صاحب بريد يتخذ له مساعدين يمثلونه فى مختلف كور «مصر»، وكانت مهمة صاحب البريد الرئيسية أن يدرس من كثب أحوال الأقاليم، ثم يقدم بها التقارير إلى الوالى؛ ليتعرف كل ما يحدث فى البلاد. واتخذ «ابن طولون» كاتبًا للإنشاء والمراسلات، فكانت مهمته تحرير الكتب التى يرسلها الوالى إلى غيره من الملوك والأمراء، وما يترتب على ذلك من رسائل يتبادلونها فيما بينهم. وإلى جانب وظيفة كاتب الإنشاء كانت توجد وظيفة كاتب السر - بمثابة السكرتير الخاص - ومهمته تدوين كل ما يجرى فى حضرة الأمير فى محضر الجلسة، سواء كان الحضور من الوفود أو من كبار العلماء، أو من أصحاب الظلامات الذين حظوا بعرضها على الأمير؛ فكانت هذه الوظيفة تتطلَّب السرعة مع الدقة التامة، والهمة والنشاط واليقظة. الحاجب: أنشىء نظام الحجابة على عهد البلاط الطولونى - وهى وظيفة مهمة تشبه وظيفة كبير الأمناء الآن- وكان الكثيرون يحملون هذا اللقب فى بلاط «ابن طولون»، ولم يتولَّ أحدهم منصب كبير الحجاب إلا فى عهد «هارون ابن خمارويه»؛ حيث تولى هذه المكانة «نسيم الخادم» فى عهد «أحمد بن طولون»، وإن لم يُلقَّب به رسميا، واعتمد عليه «ابن طولون» فى مهامه مع البلاط العباسى، فكان «نسيم الخادم» يقوم بها على خير وجه. مصر والشام بعد الدولة الطولونية: عادت «مصر» والشام ولايتين تابعتين للخلافة العباسية بعد انتهاء الدولة الطولونية، وظلتا كذلك إحدى وثلاثين سنة، حتى قامت دولة الإخشيديين، فاستقلت بهما من جديد، وتولَّى «مصر» خلال هذه

الفترة «محمد بن سليمان»، وبقى عليها أربعة أشهر، ثم خلفه عليها «عيسى النوشرى» ((292 - 297، ومن بعده «أبو منصور تكين» (297 - 302هـ)، وظلت «مصر» دون تطور ملموس فى الفترة ما بين حكم الطولونيين، وحكم الإخشيديين الذين ما إن تولوا حكم «مصر» والشام حتى دخلت البلاد فى دور جديد من أدوار التقدم والعمران. وفى عهد «أبى منصور تكين» والى «مصر» حدث أول احتكاك حربى بين «مصر» و «المغرب»، وتوالت بعد ذلك حملات الفاطميين على «مصر».

5 - 3:الدولة الإخشيدية

الفصل الثالث *الدولة الإخشيدية [323 - 358 هـ = 935 - 969 م]. الولاة الإخشيديون: 1 - «أبو بكر محمد بن طغج الإخشيدى» [323 - 334هـ = 935 - 946م]. 2 - «أبو القاسم أنوجور بن الإخشيد» [334 - 349هـ = 946 - 960م]. 3 - «أبو الحسن على بن الإخشيد» [349 - 355 هـ = 960 - 966م]. 4 - «أبو المسك كافور الإخشيدى» [355 - 357هـ = 966 - 968م]. 5 - «أبو الفوارس أحمد بن على» [357 - 358 هـ = 968 - 969م]. وجميع هؤلاء الولاة من الأسرة الإخشيدية، ماعدا «كافوراً» الذى انتسب إليهم. 1 - «محمد بن طغج الإخشيد» [323 - 334هـ]: هو «محمد بن أبى بكر بن طغج (معناها فى التركية: عبدالرحمن) بن جق»، أحد أبناء ملوك «فرغانة» ببلاد «ما وراء النهر»، وكان الملوك فى هذه البلاد يتخذون من لفظة «الإخشيد» لقبًا لهم، فأطلق هذا اللقب على «محمد بن طغج»، وتسمت به دولته، وعُرفَت باسم «الدولة الإخشيدية». اتصل «جق» جد «الإخشيد» بالخلفاء العباسيين، أما «طغج» والده؛ فقد كان على درجة عظيمة من الثراء وسعة العيش، واتصل بخدمة الطولونيين فى عهد «خمارويه»؛ الذى ولاه على «دمشق» و «طبرية»، فلما سقطت الدولة الطولونية، تولَّى «محمد ابن طغج» ولاية «دمشق»، ثم أُضيفت إليه ولاية «مصر»، ولكنه أناب عنه من يحكمها، ولم يغادر «دمشق»، ولكن محاولات الفاطميين للسيطرة على «مصر» جعلت الخليفة العباسى «الراضى» يطلب من «ابن طغج» أن يقوم بنفسه على حكم «مصر» والشام، حتى يُوقِف الزحف الفاطمى، ويعيد الاستقرار والأمان إلى الولايتين. الإخشيد فى مصر: جاء «محمد بن طغج» سنة (323هـ)، وبدأ يؤسس دعائم دولته الكبرى بها، وضُمت إلىه «الحجاز» - التى ظلت مرتبطة بمصر عدة قرون بعد ذلك - كما حصل من الخليفة سنة (323هـ) على حق توريث حكم البلاد التى تحت يده لأسرته من بعده، فأصبحت هذه الولايات فى عداد الدول المستقلة. بذل «محمد بن طغج» جهودًا كبيرة فى إعادة الاستقرار والأمان إلى

بلاده، واستطاع بكفاءته وذكائه أن يتغلب على العواقب التى صادفته كافة، وأخذت «مصر» والشام و «الحجاز» تستعيد مكانتها ثانية، بعد أن استطاع «ابن طغج» رد الفاطميين وإيقاف زحفهم على «مصر»، فحاول الفاطميون استمالته إلى جانبهم، ولكنه رفض، وظل وفيا للخلافة العباسية، واستطاع فى مدة قصيرة أن يبسط سلطانه على «مصر» والشام، وأعاد إليهما النظام، وعرف كيف يسوس الناس فيهما، فعاش حياته عزيزًا كريمًا. فلما شعر بدنو أجله عهد إلى ابنه «أبى القاسم أنوجور» بالحكم من بعده، وجعل «كافورًا» وصيا عليه لأن «أنوجور» كان فى ذلك الوقت صغيرًا، ومات الإخشيد بدمشق سنة (334هـ = 946م). كافور وأولاد الإخشيد: [334 - 357هـ = 946 - 968م]:. كافور: وُلد «كافور» بين سنتى (291 و308هـ) فلم تُحدَّد سنة ولادته تحديدًا دقيقًا - وكانت كنيته «أبا المسك»، وبدأ حياته مملوكًا بسيطًا، اشتراه «محمد بن طغج» من رجل يُدعَى «محمود بن وهب»، وتوسَّم فيه «الإخشيد» الذكاء، فاحتفظ به ورباه فى بيته تربية عالية، فلما رآه يتقدم ازداد إعجابه به واختصه من بين عبيده وأولاه ثقته وأعتقه، وأخذ يرقيه فى بلاطه حتى جعله من كبار قواده؛ لما يتمتع به من ذكاء وصفات طيبة، وبعثه قائدًا أعلى على رأس جيوشه لمحاربة أعداء الدولة، وعهد إليه بتربية ولديه «أبى القاسم أنوجور» و «أبى الحسن على»، كما عهد إليه بأن يكون وصيا عليهما فى الحكم من بعده. وصاية كافور على أنوجور وأبى الحسن: عندما تولَّى «أنوجور» حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده،

وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ). ولاية كافور على مصر [355 - 357هـ]. كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة. ويصفه المؤرخ «أبو المحاسن» بقوله: «كان كافور يُدنى الشعراء ويجيزهم، وكانت تُقرأ عنده فى كل ليلة السير، وأخبار الدولة الأموية والعباسية، وله ندماء، وكان عظيم الحرمة، وله حُجَّاب، وله جوارٍ مغنيات، وله من الغلمان الروم ما يتجاوز الوصف، وقد زاد ملكه على ملك مولاه «الإخشيد»، وكان كثير الخلع والهبات، خبيرًا بالسياسة، فطنًا ذكيا، جيد العقل». مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها الفاطميون سنة (358هـ). علاقة الدولة الإخشيدية بالخلافة العباسية: كانت علاقة «الإخشيد» بمركز الخلافة العباسية علاقة طيبة فى بادئ الأمر، إلا أن «ابن رائق» أمير الأمراء كانت له الغلبة فى مركز الخلافة، وحنق على «الإخشيد»، وحاول أن يستولى منه على

«مصر» والشام، ولكن صلحًا تم بينهما أمام الخليفة الذى أقر «الإخشيد» على ما تحت يديه من ولايات، وكان الخليفة «المتقى» على صلة طيبة بالإخشيد، وعزم على نقل مقر الخلافة إلى «مصر»، للتخلص من نفوذ الأتراك، ولكن ذلك لم يتحقق، فعمل الخليفة العباسى على تقوية جانب «الإخشيد» ماديا وأدبيا، ليلجأ إليه عند الحاجة، ومد سلطانه وولاه «مكة» و «المدينة» إلى جانب «مصر» والشام، كما جعل هذه الولاية له ولأولاده من بعده مدة ثلاثين عامًا. أما علاقة «كافور» بالخلافة العباسية فكانت علاقة وئام ووداد، واتضحت هذه العلاقة حين سار «كافور» بابنى «الإخشيد»: «أنوجور» و «على» إلى «بغداد»؛ لتجديد ولاء الإخشيديين للخلافة العباسية، غير أن «كافور» سمح -فى عهده - لدعاة الفاطميين بدخول «مصر» والدعوة لمذهبهم فيها، فهيأ بذلك الظروف لدخول الفاطميين «مصر» سنة (358هـ). الجوانب الحضارية للعهد الإخشيدى: كان الاتجاه الحضارى فى العهد الإخشيدى شديد الشبه بالاتجاه الحضارى فى العصر الطولونى؛ لقرب الصلة الزمنية بين العهدين، وتميزت حضارة الإخشيديين بزيادة العمران بالفسطاط ومدِّ ضواحيها، وتشييد القصور وإقامة البساتين الجميلة، كما كان «ضرب السَّكَّة» من مظاهر الاستقلال فى العهد الإخشيدى، فقد ضربوا السكة وجعلوا عليها أسماء الإخشيديين إلى جانب الخليفة، وفى عهدهم ظهر منصب «الوزارة» رسميا، لأول مرة فى «مصر» منذ الفتح الإسلامى لها، وكان «أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات» أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة (327هـ)، ثم من بعده ابنه «جعفر»، الذى ظل يشغل هذا المنصب حتى نهاية الدولة الإخشيدية، وكذلك كان منصب «الحاجب» من المناصب التى ظهرت أهميتها فى البلاط الإخشيدى، وقد أولى الإخشيديون القضاء عنايتهم، وكان من أشهر قضاتهم: «محمد ابن بدر الصيرفى» و «الحسين بن أبى زرعة الدمشقى»، وكان «عمر ابن الحسن الهاشمى» من أشهر القضاة فى

عهد «كافور»، وكذلك «أبو طاهر الزهلى» الذى ظل على قضاء «مصر» حتى دخلها الفاطميون. لعل من أبرز مآثر «الإخشيد» أنه كان يجلس للنظر فى المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع، وحذا «كافور» حذوه فى ذلك، كما أن «الإخشيد» كان ذا عزيمة، فقد أعد جيشًا قويا بلغ أربعمائة جندى فيما عدا حرسه الخاص، فنعمت البلاد بالرخاء والثراء خلال هذا العهد الذى لم يبخل فيه «الإخشيد» بأى مال أو معونة، وأنعم على الفقراء وقدم لهم المساعدات، ومضى «كافور» على نفس الدرب، ويُروَى عنه أنه كان يعمل على إسعاد الفقراء وخاصة فى الأعياد، وكان يخرج من ماله يوم عيد الأضحى حمل بغل ذهبًا، وكشوفًا بأسماء المحتاجين، وينيب عنه من يمر عليهم ويعطى كلا منهم نصيبه. العلم: كان للعلم والأدب دولة ذات شأن فى بلاط الإخشيديين، ونبغ فى عهدهم عدد كبير من العلماء منهم: «أبو إسحاق المروزى» المتوفَّى سنة (340هـ) أحد الأئمة المعروفين بسعة معارفهم وكثرة مؤلفاتهم، و «على بن عبدالله المعافرى» قاضى «الإسكندرية» المتوفى سنة (339هـ)، ومن المحدثين: «الحسن بن رشيق المصرى» المتوفَّى سنة (370هـ) ومن النحاة: «أحمد بن محمد بن الوليد التميمى المصرى»، ومن المؤرخين: «أبو عمرو الكندى»، ومن الشعراء: «المتنبى»، وغيره كثيرون، وكان لهؤلاء العلماء أثر كبير فى الحياة الحضارية والعلمية فى «مصر»، فقد عملوا على شرح علومهم وتبسيطها للناس، فزاد عدد المتعلمين، وارتفع مستوى التفكير والفهم لدى الناس خلال هذه الفترة من حكم الإخشيديين. الإصلاحات: اهتم الإخشيديون بالبناء والإصلاح، ولكن معظم ما أقاموه قد زال، ولم يبق منه سوى الاسم فقط. قام «الإخشيد» بالكثير من مشروعات الإصلاح، فتحسنت أحوال البلاد الاقتصادية، ونهضت نهضة قوية أدهشت المؤرخ الشهير «أبا الحسن على المسعودى»، الذى زار «مصر» فى عهد «الإخشيد»، وأُعجب بما أقامه «الإخشيد»، ووصف نظام الرى، وجبر الخليج، وقطع

السدود، وليلة الغطاس فى ذلك العصر، الذى نعمت فيه البلاد بالأمن والأمان فى ظل قيادة قوية، تخاف عليها وتحميها، يدعمها جيش قوى وأسطول حديث، فتقدمت البلاد خطوات واسعة فى مجالات الحضارة. - الإدارة فى العهد الإخشيدى: الوزير: يُعدُّ الوزير هو الرئيس الأعلى للسلطة الإدارية فى نظام الخلافة، ولم يظهر هذا المنصب فى «مصر» زمن الخلفاء الراشدين والأمويين، حيث اكتفى هؤلاء بإرسال ولاة الأقاليم لإدارة شئونها. عُرفت الوزارة فى «مصر» -لأول مرة - فى عهد الإخشيديين، وأبرز من تقلد هذا المنصب - آنذاك - هو «أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات»، ولم يكن تعيينه بهذا المنصب من قِبل «الإخشيد»، وإنما جاء من الخليفة العباسى «الراضى» الذى منحه سلطات واسعة، فكان لهذا الوزير أثر كبير فى مجرى الحوادث فى «مصر» فى العصر الإخشيدى، وارتبط بالإخشيد وصاهره، وكانت العلاقة بينهما قائمة على أساس وطيد من المودة والمحبة، لدرجة أن «الإخشيد» كان يخرج فى وداعه إذا ما غادر البلاد، واستقباله إذا ما عاد إليها، ومات الفضل فى «الرملة» بالشام سنة (327هـ)، فحزن عليه «الإخشيد» حزنًا بالغًا، وتأثر الخليفة «الراضى» تأثرًا عميقًا بوفاته. ويُعدُّ ظهور منصب الوزير فى عهد الإخشيديين تطورًا يُحسَب لهم فى نظام الإدارة، فكان الوزير يحضر مجلس «الإخشيد» الذى يعقَده يوم الأربعاء من كل أسبوع للرد على المظالم والشكايات، وكذلك كان يحضره القضاة والفقهاء والشهود وأعيان البلاد، وظل هذا المجلس يُعقد فى عهد «كافور» الذى كان يمضى على درب «محمد بن طغج الإخشيد».

5 - 4:الدولة الفاطمية

الفصل الرابع *الدولة الفاطمية (358 هـ - 567 هـ). الخلفاء الفاطميون: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 - المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 - المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 - العاضد. أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الروحية والزمنية على ذرية الإمام «على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث «غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم «إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه «موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا، فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر»، ثم من بعده ابنه «محمد»، فابنه «جعفر الصادق»، فابنه «محمد الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد أسلاف «المعز»، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى «بغداد»، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس وشقاء فى أواخر عهد «كافور»، كما كان لانخفاض النيل الذى استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها، فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» - عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع رواتبهم، ونشط جواسيس

«المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز» رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه، وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه، وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر». سار «جوهر الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة (358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»، وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج «المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل «جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد الجديد. بلغ أهل «الفسطاط» نبأ استيلاء الفاطميين على «الإسكندرية»، فندبوا الوزير «جعفر بن الفرات» للذهاب إلى «الإسكندرية» ومقابلة «جوهر»، فأناب الوزير عنه «أبا جعفر مسلم بن عبدالله الحسينى» أحد الأشراف العلويين وبرفقته وفد كبير من العلماء والقضاة والأعيان، وتقابل الوفد مع «جوهر» فى «تروجة» - مكان بالقرب من «الإسكندرية» - وهنأه الشريف العلوى بالفتح، فقال «جوهر»: «التهنئة للشريف بما هنأ».

طلب الوفد من «جوهر» العهد بإطلاق الحرية المذهبية للمصريين على اختلاف مذاهبهم وأديانهم، وأن يتعهد بنشر العدل والطمأنينة فى النفوس، وأن يقوم بإصلاح مرافق البلاد. حينما اقترب «جوهر» من «الفسطاط» أراد بعض الإخشيديين وأنصار الوالى - الذين خافوا على نفوذهم من دخول الفاطميين - منعه من دخول «الفسطاط»، ودارت بينهما مناوشات توسط بعدها الشريف العلوى «أبو جعفر مسلم» عند «جوهر»، فقبل شفاعته، وعبر الجنود «نهر النيل»، وطاف صاحب الشرطة فى «الفسطاط» ليعطى الأمان للناس من جديد، وكان يحمل علمًا عليه اسم «المعز لدين الله». وفى (17 من شعبان سنة 358هـ) خرج الأعيان والأهالى لتهنئة «جوهر»، فوجدوه قد حفر أساس قصر «المعز»، ورسم الخطوط الرئيسية لمدينة «القاهرة»، فلما علم «المعز» بذلك سُرَّ سرورًا عظيمًا، ولم يلبث الفاطميون فى «مصر» طويلا حتى امتدت دولتهم من «مصر» شرقًا إلى المحيط الأطلنطى غربًا، وتحقق حلمهم فى الاستيلاء على «مصر» واتخاذها حاضرة لخلافتهم الشيعية الفتية، فأخذوا بذلك الخطوة الأولى لمد نفوذهم إلى الشام و «الحجاز» تمهيدًا للاستيلاء على «بغداد». سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا، واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى، وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى من أصعب الفترات وأخطرها،

حيث تم فيها إقامة معالم دولة وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى. و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم. وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة التى بنيت عند إنشاء «القاهرة». وأيا كانت نسبة هذه التسمية إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك الفاطميين قد توطدت فى «مصر»، عمل على تحقيق ما جاء من أجله، فزاد فى الأذان عبارة: «حى على خير العمل»، وجهر بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى، وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. اللهم صلِّ على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة «المعز»، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس الخضراء شعار

العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى «مصر»، فوافقه «المعز»، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة (362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة» عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر»، اتجه ببصره تجاه بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة قاصدة «دمشق»، واستولت فى طريقها على «الرملة» و «طبرية»، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية - جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق»، وتمكن «جعفر» من السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان العباسيين فى الشام. كان «جعفر» على النقيض من «جوهر» فى الجانب السياسى، ففى الوقت الذى تمكن فيه «جوهر الصقلى» من كبح جماح جنده، وتأليف قلوب الناس فى «مصر» حوله ومعاملتهم بالحسنى؛ كان «جعفر» يتعالى على أهالى «دمشق»، ويغلظ فى معاملتهم، كما ترك جنوده فعاثوا فى المدينة فسادًا، وتمنى الدمشقيون زوال هؤلاء الفاطميين، واستنجدوا بالقرامطة والأتراك. الخطر القرمطى التركى: كان استنجاد أهل «دمشق» بالقرامطة فرصة للحسن القرمطى زعيمهم، فاتصل بأمير الرحبة - على «نهر الفرات» - وببعض القبائل

العربية، واتحد معهم على الفاطميين، لأن «جعفر بن فلاح» منع عنه ثلاثمائة ألف دينار كانت «دمشق» تدفعها له سنويا، وخرج «الحسن القرمطى» بمن اتحد معه قاصدًا «دمشق»، فلما وصل إليها دارت رحى المعركة، وهُزم جيش الفاطميين، وقُتل «جعفر»، واستولى القرامطة على «دمشق»، وأمر «الحسن القرمطى» بلعن «المعز الفاطمى» من فوق المنابر، على الرغم من أن القرامطة شيعة كالفاطميين. وقد انتهز الروم فرصة الخلاف بين الفاطميين والشاميين، فأسرعوا للاستيلاء على «دمشق»، وكانوا يقتلون ويسرقون ويحرقون كل ما يقابلهم فى طريقهم إليها، ولكن «أفتكين» القائد التركى بالبلاط العباسى أدركهم، وتفاوض مع إمبراطورهم، وتمكن من شراء رحيله مع جنوده مقابل ثلاثين ألف دينار، ودخل «أفتكين» «دمشق» دون قتال، وأعاد الخطبة فيها للخليفة العباسى، ثم عاد القرامطة سنة (365هـ)، وهاجموا «يافا» و «عكا» و «صيدا»، فتصاعد الخطر، ووجد الفاطميون أنفسهم بالشام بين شِقَّى الرحا. العزيز بالله بن المعز: تولَّى «العزيز بالله» الدولة الفاطمية فى قمة مجدها، ولكنه كان رجلا لا يعرف المستحيل، وحاول استمالة «أفتكين» القائد التركى إلى صفه؛ ليجد طريقه إلى الشام، ولكن «أفتكين» أعرض عن مكاتباته، ورد على محاولاته بصلف وعناد، فبعث إليه «العزيزُ بالله» القائد «جوهرَ الصقلى» على رأس حملة كبيرة، فلما وصلت الحملة إلى «دمشق» بعث «جوهر» بالأمان إلى «أفتكين» على أن يترك «دمشق»، ولكن القائد التركى رفض واستنجد بالحسن القرمطى الذى جاءه على عجل على رأس جيش كبير تصدى لحملة «جوهر»، وأجبرها على التراجع عن «دمشق» إلى «الرملة» سنة (366هـ)، ثم إلى «عسقلان» بعد مناوشات بين الطرفين، فتحصن «جوهر» بجنوده فى «عسقلان»، وحاصره «الحسن القرمطى» و «أفتكين»، وطال الحصار حتى نفد ما مع جيش «جوهر» من زاد، فأكلوا دوابهم، ثم بحثوا عن الميتة فأكلوها من شدة الجوع، فاضطر «جوهر» إلى

عرض الصلح على «الحسن القرمطى» و «أفتكين»، وتمت له الموافقة على هذا الصلح بشرط أن يخرج من باب عُلِّق عليه سيف «أفتكين»، ودرع «الحسن»، فوافق وخرج ناجيًا برجال حملته بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وعاد إلى «القاهرة». لم ييأس الخليفة «العزيز» من تحقيق مراده، وخرج بنفسه على رأس الجيش إلى «الشام»، وأعطى الأمان للقائد التركى، فرفضه، ودارت رحى الحرب بين الفريقين فى معركة شرسة، تطايرت فيها النبال كالأمطار، ولمعت السيوف كالبرق، واشتد الغبار، وانجلت المعركة عن عشرين ألف قتيل من جيشى القرامطة و «أفتكين»، وأُسِر «أفتكين»؛ ففداه «العزيز» من أسره بمائة ألف دينار - بإيعاز من «جوهر» - وحمله إلى «القاهرة»، ثم عفا عنه وأنزله بدار فسيحة، وأجرى عليه الرزق حتى مات سنة (372 هـ)، على عكس ما كان متوقعًا، وما هو متبع فى مثل هذه الظروف. صفا «الشام» للفاطميين، وامتد ملكهم من بلاد «الشام» شرقًا إلى ساحل «المحيط الأطلسى» غربًا، ومن «آسيا الصغرى» شمالا إلى بلاد «النوبة» جنوبًا، وخُطب للعزيز بالموصل وأعمالها سنة (382هـ)، وضُرب اسمه على العملة، وكُتب على الأعلام، وخُطب له باليمن - كما فُتحت له «حمص» و «حماة» و «شيزر» و «حلب»، فانصرف إلى نشر عقائد المذهب الشيعى، وأصبحت دواليب الإدارة كلها فى يد الشيعة. الحاكم بأمر الله: بويع «أبو على منصور الحاكم بأمر الله» بالخلافة وهو فى الحادية عشرة من عمره، وعين أستاذه «برجوان» التركى وصيا عليه؛ لذا لم يكن للحاكم من أمره شىء حتى تم القضاء على الوصى، وحل محله «ابن عمار الكتامى» المغربى وصيا ووزيرًا، فاستبد بالأمر، ولم يسلم من شره أحد، سواء كان من الشيعة أو من السنة أو من أهل الذمة، وكذلك ساءت سيرته بين الجند، فنشب القتال فى شوارع «القاهرة» و «الفسطاط»، وطالب الجميع بحياة «ابن عمار»، ولكنه اختفى، وأصبح زمام الأمور فى يد «الحاكم»، وهو بعد فى الخامسة عشرة

من عمره، وأنشأ المرصد الحاكمى على سفح المقطم، وقد روى المؤرخون مواقف غريبة تدل على غرابة أطواره. حاولت «ست الملك» أخت «الحاكم بأمر الله» ردعه عما يفعل، لكنه أبى أن يرتدع، فدبرت مع «سيف الدولة بن دواس الكتامى» أمر قتله، فلما تم ذلك، حمل جثمانه إليها، فدفنته فى مجلسها. بعد مقتل «الحاكم بأمر الله» خرج اثنان من أتباعه هما: «حمزة الدرزى»، و «حسن الأخرم»، وبالغا فى وصفه، وأعلنا مذهب الدروز. الظاهر: ولى «أبو الحسن الظاهر» الخلافة فى شوال سنة (411هـ)، بعد مقتل أبيه مباشرة، وكان لعمته «ست الملك» النفوذ والسيطرة فى تسيير دفة الدولة، وقامت بذلك على أحسن وجه، وبذلت العطاء للجند، وتمكنت من تهدئة الأمر حتى وافاها الأجل فى سنة (415هـ)، فانتهج «الظاهر» نهجها وعمل بسياستها، وألغى ما سنَّه أبوه «الحاكم» من قوانين مجحفة، واهتم بتحسين شئون البلاد وأحوال الرعية، ومنح الناس الحرية الدينية، فنعموا بالكثير من إنجازاته، وعلى الرغم من أن مجاعة حدثت فى عهده استمرت ثلاث سنوات، نتيجة انخفاض النيل، فإنه عمل على تخفيف المعاناة عن الشعب، وعقد اتفاقًا مع إمبراطور الروم ليمده بالقمح بمقتضاه، على أن يقوم «الظاهر» بإعادة بناء «كنيسة القيامة» بالقدس. مرض «الظاهر» بالاستسقاء، ولم يلبث أن تُوفِّى سنة (427هـ). المستنصر: ولى «المستنصر» عقب وفاة والده «الظاهر» فى جمادى الآخرة سنة (427هـ)، ويُعدُّ أطول الخلفاء عهدًا، إذ قضى بالخلافة نحو ستين سنة، لم تكن على وتيرة واحدة، حيث وصف «ناصر خسرو» «مصر» فى أوائل عهد المستنصر بقوله: «كانت تتمتع بالرخاء، وأن الشعب محب لخليفته». وفى الفترة الأولى من عهده بلغ النفوذ الفاطمى أقصى مداه، إذ دُعى للخليفة على منابر بلاد الشام و «فلسطين» و «الحجاز» و «اليمن»، بل دُعِى له فى «بغداد» حاضرة العباسيين نحوًا من سنة، ودُعى له - أيضًا - فى «صقلية» و «شمال إفريقية».

وكما شهد «المستنصر» مجد دولته، شهد أيضًا تقلُّصَ نفوذه، فقد زالت سلطة الفاطميين فى بلاد «المغرب الأقصى» سنة (475هـ)، واستولى النورمانديون على «صقلية»، وخلع أميرا «مكة» و «المدينة» طاعتهما - من قبل - فى سنة (462هـ)، وانقطع ماء النيل، وحدث ما عُرِف فى عهده بالشدة العظمى أو المستنصرية، وغلت الأسعار، وانتشرت المجاعات والأوبئة حتى قيل إنه كان يموت بمصر كل يوم عشرة آلاف نفس، ووصل الحال بالناس إلى أكل القطط والكلاب، فلما لم يجدوها بعد ذلك كان بعضهم يحتال على خطف بعضهم الآخر ليذبحه ويأكله، وبلغت الشدة منتهاها، وباع المستنصر جميع ممتلكات قصوره، وقام صراع عنيف بين الأتراك والسودانيين، وظل الجنود فترة طويلة لا يتقاضون فيها رواتبهم، فنهبوا قصور الخلفاء، واستولوا على ما فى المكتبات ودور العلم من مؤلفات باعوها بثمن بخس، واتخذوا من جلودها نعالا وأحذية، واستولى «ناصر الدولة ابن حمدان» زعيم الجند الأتراك على مقاليد الأمور، وهدد بإزالة الخلافة الفاطمية، بل حذف اسم الخليفة من الخطبة فى بعض المناطق، ووصلت الحال بالخليفة إلى درجة أنه لم يتمكن من حماية أمه من دخول السجن، ففرت مع بناتها إلى «بغداد» طلبًا للحماية، واستمرت هذه الشدة تسع سنوات، حتى جاء «اليازودى»، فعالج الأمور، وضبط الأسواق وضرب بشدة على أيدى العابثين، ولكن الوشاة دسُّوا له عند «المستنصر» بأنه على صلة بالسلاجقة وأنه يراسلهم، فقتله «المستنصر»، وعادت البلاد ثانية إلى ما كانت عليه، وظلت تنتقل من سيئ إلى أسوأ مدة تسع سنوات تولَّى الوزارة فيها أربعون وزيرًا، فاستنجد «المستنصر» ببدر الدين الجمالى حاكم «عكا»، فأتى على الفور، وألقى القبض على العابثين والعناصر المتنافرة، وضرب بيد من حديد على أيدى الخارجين على النظام والقانون، وعَمَّر الريف، واهتم بالزراعة، وحصن مدينة «القاهرة» التى كانت قد خُربت أسوارها من جراء

الفتن، وبنى جامعه المعروف بجامع الجيوش بالمقطم، فتحسنت الأحوال فى عهده باستثناء إذكائه روح العداء بين الشيعة والسنة، لأنه كان شيعىا متعصبًا، وظل وزيرًا للمستنصر حتى وافاه أجله فى عام (487هـ)، بعد أن عهد إلى ابنه بالوزارة من بعده، ليصبح هذا الأمر تقليدًا جديدًا، لم يُعمَل به من قبل. المستعلى: ولى الخلافة بعد أبيه المستنصر سنة (487هـ) على الرغم من حداثة سنه، وعدم شرعية خلافته لوجود أخيه «نزار» الأكبر منه فى السن، ولكن الوزير «الأفضل بن بدر» أسهم إسهامًا كبيرًا فى هذا ليتمكن من السيطرة على الخليفة الصغير، وخرج «نزار» إلى الإسكندرية ليكون فى حماية واليها «أفتكين» فخرج إليهما «الأفضل» بجيش كبير، ودارت الحرب بين الفريقين، فاضطر «نزار» و «أفتكين» إلى طلب الأمان، فأجابهما «الأفضل» إلى مطلبهما، ثم قتلهما بعد أن هدأت الأمور، فانقسم الشيعة على أنفسهم، وأعلنت الباطنية (فرقة تفرعت عن الشيعة لها معتقداتها الخاصة) وعلى رأسهم «الحسن بن الصباح» أن نزارًا كان الأحق بالخلافة، لأن «الحسن» زار «مصر» وسأل «المستنصر» عمن يكون خليفته، فقال له: إنه «نزار». الآمر: ظل «المستعلى» خليفة حتى وفاته سنة (495هـ)، وولى ابنه الملقب بالآمر الخلافة عقب وفاته، ولم يكن حاله مع وزيره «الأفضل ابن بدر» بأفضل من حال أبيه، وازداد تعصب «الأفضل» لمذهبه الشيعى على حساب أهل السنة، وأغلق دار العلم؛ لأن بعض أهل السنة دخلوها وأثروا على بعض مرتاديها من الشيعة، ويؤرخ «المقريزى» لهذا بقوله: «إن الأفضل ألغى الاحتفالات الخاصة بمولد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ومولد فاطمة ومولد «على» رضى الله عنهما، ومولد الخليفة القائم بالأمر، وخاف الآمر على سلطانه، فأوعز إليه مَنْ قتله، ثم قتل مَنْ قتله، وذلك باتفاق مع المأمون البطائحى أحد خواص الأفضل بعد أن وعده الآمر بالوزارة، فعاد إلى الآمر كثير من نفوذه،

وانتقلت إليه ثروة الأفضل التى كانت تُقدَّر بستة ملايين دينار، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا، فسرعان مازال نفوذ الخليفة بعد تولِّى «أبى على ابن الأفضل» الوزارة. كان الآمر محبا للأدب ومشجعًا للشعراء، وأنشأ «الجامع الأقمر»، وبنى «قصر الهودج» لزوجته البدوية حتى لا تشعر بغربة فى بيئة تختلف عن تلك التى نشأت بها. تُوفِّى سنة (524هـ)، ولم يُعقِّب، فخلفه ابن عمه «الحافظ». الحافظ: تولَّى الخلافة عقب وفاة ابن عمه «الآمر»، ولم تكن حاله مع وزيره «على بن الأفضل» بأحسن من حال ابن عمه، فقد كان يتحكم فيه، وجعله كالمحجور عليه، ولا يسمح لأحد بزيارته إلا بإذن منه، وانعطفت سياسة الدولة -فى عهده- انعطافًا خطيرًا يهدد بزوالها، فقد عين اثنين من القضاة الشيعة، ومثلهما من السنة، وجعل لكل الحق فى إصدار حكمه وفق مذهبه، ولقب نفسه بالأكمل مالك فضيلتى السيف والقلم، مولى النعم، رافع الجور عن الأمم، وأسقط اسم الخليفة من الخطبة، فكانت نهايته القتل جزاءً لما صنع. لم يكد الخليفة يستريح من سيطرة «ابن الأفضل» حتى وقع تحت سيطرة ونفوذ «بهرام الأرمنى» والى «الغربية»، الذى تقلد الوزارة، واستقدم الكثيرين من بنى جلدته حتى تجاوزوا ثلاثين ألفًا، وكلهم من الشيعة المتعصبين لمذهبهم، فأذاقوا أهل البلاد الهوان، وبنوا الكنائس والأديرة، فأثار ذلك حفيظة الناس، وثار «رضوان بن الولخشى» والى «الغربية»، وقاد جيشه، وهاجم به الوزير «بهرام» الذى انهزم، وفرَّ هاربًا إلى «أسوان»، فتولى «رضوان» الوزارة بدلا منه، ولكنه ارتكب أعمالا أثارت عليه حفيظة الخليفة، فاستدعى الخليفة «بهرام» من أسوان ليتولى الوزارة من جديد، فهرب «رضوان» إلى الشام، ثم عاد إلى «مصر» ثانية على رأس جيش تصدى له جنود الخليفة، فهزموه وأسروا «رضوان»، ثم قُتل. تُوفِّى «الحافظ» فى سنة (544هـ)، وقد تميز عصره بالنزاع الدائم من

أجل الوصول إلى منصب الوزارة بالقوة والجيوش المسلحة. الظافر: ولى «الظافر» عقب وفاة أبيه «الحافظ»، فسلكت الدولة فى عهده مسلكًا خطيرًا؛ لم يكن معهودًا من قبل؛ إذ استعان الوزراء بالقوى الخارجية للوصول إلى منصب الوزارة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث بين «ابن السلار» و «ابن مصال»، فقد استعان الأول على منافسه الثانى بنور الدين محمود صاحب «حلب»، ودارت بين الطرفين حرب شعواء قُتل فيها «ابن مصال»، ثم تبعه «ابن السلار»، فسعد الخليفة سعادة بالغة لقتل «ابن السلار» لاستعانته «بنور الدين محمود»، ودلل الخليفة على مدى سعادته بمكافأته لنصر بن العباس قاتل «ابن السلار» بمبلغ عشرين ألف دينار. كان الصليبيون قد أسسوا عدة إمارات لهم - فى ذلك الوقت - بالشام، وبدأت طموحاتهم تتجه إلى «مصر»، ويتحينون الفرصة لتحقيقها فى الوقت الذى كان «نور الدين محمود» يترقب فيه الأوضاع للاستيلاء على «مصر»، وظل كلاهما على ذلك حتى قام «نصر بن عباس» - بالاتفاق مع والده - بقتل الخليفة «الظافر» وإخوته، فغلت «القاهرة» كالمرجل، وهرب «عباس» إلى الشام، فقُتل فى طريقه إليها، وقُبض على ابنه «نصر» ثم وُضِع فى قفص من حديد بعد أن جُدع أنفه، وقطعت أذناه، وطِيف به فى أنحاء المحروسة، ثم صُلِبَ حيا على باب زويلة حتى مات، فأُحرقت جثته. وتولى «الفائز» الخلافة. الفائز: ترك «الظافر» ابنه «الفائز» وعمره أربع سنوات فحسب، فولى الخلافة فى هذه السن عام (549هـ)، وكانت البلاد فى حالة من الفوضى والاضطراب الشديدين، حتى إن نساء القصر لم تأمن على حياتهن فى ظل هذه الظروف، فاستنجدن بطلائع بن زريك والى الأشمونيين، الذى حضر على الفور، وقضى على الفتنة والشغب، وضرب على أيدى صانعى الفتنة، وظل الخليفة - بالطبع - مسلوب الإرادة حتى وفاته سنة (555هـ). العاضد: خلف «الفائز» فى تولِّى الخلافة، فتخلص من الوزير «طلائع» بقتله،

وأسند منصبه إلى ابنه «أبى شجاع العادل بن طلائع»، فرأى «شاور» والى الصعيد أنه أحق بالوزارة من «أبى شجاع»، وقدم على رأس قواته، وتمكن من خلع «أبى شجاع» من الوزارة، وتنصيب نفسه مكانه سنة (558هـ)، ولكنه لم يهنأ بمنصبه الجديد إذ استطاع «ضرغام» أمير البرقية (فرقة من المغاربة» خلعه، فهرب «شاور» إلى الشام مستنجدًا بنور الدين محمود ليعيده إلى منصبه، فأحس «ضرغام» بالخطر وخشى من ضياع منصبه فاستنجد بعمورى الصليبى ملك «بيت المقدس»، ولبى كل طرف نداء مَنْ استنجد به، وقدمت القوات الإسلامية كما قدمت القوات الصليبية فى ثلاث حملات، ولكن «أسد الدين شيركوه» قائد حملات «نور الدين محمود» كانت له عقلية سياسية حكيمة، كما كان يجيد التخطيط الجيد، فتولى الوزارة بنفسه بعد أن قُضى على الخصمين المتنافرين، وظل على ذلك حتى مات، فخلفه فى منصبه ابن أخيه «صلاح الدين الأيوبى» السنىُّ المذهب، فكان بمثابة المسمار الأخير فى نعش الدولة الفاطمية الشيعية. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى» كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة «العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه، وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر»، فعمل «صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس، وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين» يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه إزالة الخلافة الفاطمية،

والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى سنة (567هـ). علاقات الفاطميين الخارجية: 1 - صقلية: فتحها «أسد بن الفرات» قاضى الأغالبة، وأسلم أكثر سكانها، وظلت تابعة للأغالبة إلى زوال ملكهم سنة (296هـ)، ثم أصبحت تابعة للدولة الفاطمية الإسماعيلية، فحرص الفاطميون عليها لموقعها الجغرافى، ووفرة مواردها، وخصوبة أرضها، وظلت كذلك حتى عهد «المستنصر»، فلما حلت الشدة بمصر، وتعرضت للمجاعة، انشغل الخليفة عن متابعة أمر «صقلية»، فعمتها الثورات، وزادت فيها الاضطرابات، واستعان بعض أهلها بالفرنجة، فقدموا إليها، وفتحوها، وفشل «المعز بن باديس» - والى الفاطميين على «المغرب» - فى استعادتها، وظلت فى أيدى الفرنجة حتى استولى النورمانديون عليها، فخرجت نهائيًّا من حكم الفاطميين. 2 - البيزنطيون: تجاورت ممتلكات الدولتين بعد دخول الشام فى حوزة الفاطميين، وتذبذبت العلاقة بينهما بين السلم والحرب، ففى عصر «المعز» تحالف البيزنطيون مع القرامطة، ثم مع «أفتكين»، وحاول «العزيز» غزوهم عن طريق البحر، وعقدت هدنة بينهما مدتها سبع سنوات، ولكن «باسيل الثانى» الإمبراطور البيزنطى تحالف مع الحمدانيين وحقق

بعض الانتصارات على سواحل الشام، وفشل «العزيز» فى صدهم بعد أن احترق أسطوله فى ميناء «المقس»، فبنى أسطولا آخر، وخرج به تحت قيادته، ولكنه مرض وتُوفِّى فى «بلبيس»، فتسلم ابنه «الحاكم» زمام الأمور. وحقق انتصارًا كبيرًا فى «أفامية»، ثم عقدت الهدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات، ولكن العلاقات عادت إلى التوتر ثانية، ثم هدأت فى عهد «الظاهر»، وفترة طويلة من عهد «المستنصر» الذى عقد اتفاقًا مع الإمبراطور البيزنطى «قسطنطين التاسع»، يمد «البيزنطيون» بمقتضاه «مصر» بالغلال، إلا أن هذا الاتفاق لم يتم لوفاة الإمبراطور، وتولّى «تيودور» العرش بدلا منه، فنقض العهد، واشترط شروطًا أخرى لم يوافق عليها «المستنصر» فظلت العلاقات متوترة وعدائية بين الطرفين حتى نهاية الدولة الفاطمية. 3 - الشام وفلسطين: جعل الفاطميون «الشام» و «فلسطين» هدفهم عقب استيلائهم على «مصر»، باعتبارهم ورثة الإخشيديين، فأعدوا الجيوش، وجعلوا عليها القائد الشهير بالجرأة ذا الكفاءة العسكرية «جعفر بن فلاح الكتامى»، فخرج بها، واستولى على «الرملة» و «طبرية»، ثم اتجه إلى «دمشق» واستولى عليها بعد صمود شديد من أهلها، وجعل الخطبة فيها للفاطميين فى شهر المحرم سنة (359هـ)، وعاث الكتاميون فى البلاد فسادًا، وعبثوا بكل ما فيها، فاستنجد أهل «دمشق» بالقرامطة لتخليصهم، فأتوا وانضم إليهم الدمشقيون وتصدوا لجيش الفاطميين، وتمكنوا من هزيمته وقتل قائده «جعفر»، ثم خرج عليهم «أفتكين» التركى سنة (364هـ)، وحاول «العزيز بن المعز» استمالته فلم ينجح، فأخرج إليه «جوهر الصقلى» على رأس الجيش، ثم خرج إليه بنفسه. وأعاد نفوذ الفاطميين ثانية إلى تلك البلاد. وفى سنة (462هـ) حاول السلاجقة الاستيلاء على «الشام» فكان نجاحهم جزئىا، ثم استتب الأمر أثناء الشدة العظمى التى مرت بها «مصر»، وأصبح «الشام» و «فلسطين» يتقاسمهما السلاجقة من

ناحية، والصليبيون من ناحية أخرى، ولم يبق بحوزة الفاطميين فى أوائل عهد الخليفة الظاهر إلا «مصر» وبعض البلاد الشامية. 4 - العباسيون فى بغداد: لاشك أن الخلافتين الفاطمية والعباسية كانتا على طرفى نقيض؛ لاعتقاد كل منهما أنها أحق بالخلافة، وأن الأخرى مغتصبة لها، فقد قامت الخلافة الفاطمية - أساسًا - فى «إفريقية»، وهى أرض تابعة للخلافة العباسية، وامتد نفوذهم على مساحة كبيرة من الأرض هى أيضًا تابعة لهم، مثل «برقة» و «مصر»، ولم يحاول العباسيون صد الحملة الأخيرة للفاطميين على «مصر»، فتأسست مدينة «القاهرة» لتنافس «بغداد»، وامتد سلطانها ليشمل «الشام» و «فلسطين» و «الحجاز»، بل إن البويهيين الشيعة فكروا فى إلغاء الخلافة العباسية فى «بغداد»، إلا أن خوفهم على نفوذهم هو الذى منعهم من إتمام هذا الأمر، ففضلوا خليفة سنيا ضعيفًا خاضعًا لهم على خليفة فاطمى قوى يخضعون له، ومع ذلك فقد جاهر «بهاء الدولة بن بويه» بمناصرته للفاطميين، فأصدر الخليفة العباسى «القادر» منشورًا فى سنة (402هـ) يقدح فيه فى نسب الفاطميين، وحذا ابنه وخليفته «القائم» حذوه، وطعن فى نسبهم، وشفع ذلك بوثيقة عليه توقيعات علماء «بغداد»، تمامًا كما فعل أبوه من قبل، ولكن هذا لم يؤتِ ثماره المرجوة، وامتد النفوذ الفاطمى حولا كاملا، مما جرَّأ العامة على نهب دار الخلافة العباسية، وأُرْسِلَت عمامة الخليفة القائم وعرشه وخلعته إلى «القاهرة»، ثم بيعت أثناء الشدة المستنصرية، وظل أمر الشيعة غالبًا بالعراق حتى استنجد الخليفة بالسلاجقة، فقدِم «طغرل بك» وقتل «البساسيرى» سنة (451هـ)، وحاول التوسع فى الشام على حساب الفاطميين، وتمكن «ملكشاه» من فتح «الرملة» و «بيت المقدس» و «دمشق» وتقدمت جيوشه صوب «مصر»، فأوقفها «بدر الجمالى» وتمكن من تحقيق النصر عليها، وبذلك أصبحت مملكة الفاطميين نهبًا مباحًا لكل طامع، وتقلص نفوذها حتى

تمكن «نور الدين محمود» من الاستيلاء عليها بواسطة قائده «صلاح الدين الأيوبى»، الذى أزالها وأقام على أنقاضها الدولة الأيوبية.

5 - 5:الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى

الفصل الخامس *الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم: قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا لهم. إرثًا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ويختلفون فى ذلك عن أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى»، بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه «إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى «مصر»، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام، وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم. كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر، كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا،

وكان له حق الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر، باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات. وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة. النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 - القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة - مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها

الباطنى هو الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى «مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين، ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى، عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه

الشهرى مائة دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى «المقريزى»: «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا»، ويروى «القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى «ديوان الجهاد»، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون والمماليك. مُنْشآت الفاطميين:

تميز العصر الفاطمى بمنشآته العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة»، وإنشاء «الجامع الأزهر»، وتشييد «القصر الشرقى»، و «القصر الغربى»، و «قصر البحر»، و «قصور عين شمس»، و «جامع الحاكم»، و «جامع الأولياء». تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم، ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء، وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد «المعز»، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛ فذكر «ابن دقماق»: أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له «القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى: «لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا»، فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة»، وهناك من ذكر أنها سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة» بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت مدينة «الفسطاط»، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس»، ثم وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز»، ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة، وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى «المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين»، وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة 359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة 360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس

التدريس فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ. وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس «قاعة الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة» وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ «الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح «جوهر» «مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز» (285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر».

بزغ نجم «مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين»، التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة، وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا، وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى «عيذاب»، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد، ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية، ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط

الوزراء على الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى»، وقويت شوكتهم فى عهد «الحاكم»، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم. مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات منهن ثروات طائلة، مثل: «رشيدة ابنة المعز لدين الله»، التى بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة» خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز» أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته

«ست الملك»، فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت «ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر «المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه «المقريزى»: «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد». أما الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد: «عيد رأس السنة الهجرية»، الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من شهر ذى

الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى»، وفيهما تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم بين «مكة» و «المدينة»، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نزل بموضع «الغدير»، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «علىٌّ منى كهارون من موسى، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن»، ذلك إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ، بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة».

5 - 6:الدولة الأيوبية

الفصل السادس *الدولة الأيوبية [567 - 648 هـ = 1171 - 1250م]. أصل الأيوبيين: يرجع أصل الأيوبيين إلى «نجم الدين أيوب» الكردى الأصل، وأبوهُ يُدعَى «شادى» من قبيلة «الهذبانية» إحدى القبائل التى استقرت ببلدة «روبن» بأطراف «أرمينية». اتصل «شادى» والد «نجم الدين أيوب» برجل اسمه «بهروز» كان مربيًا لأبناء السلطان السلجوقى «مسعود»، ثم أصبح حاكمًا لبغداد تحت سلطة السلاجقة سنة (502هـ)، وكانت له مكانة سامية لدى السلطان السلجوقى، فأقطعه السلطان «قلعة تكريت»، فأسند «بهروز» حراستها إلى «نجم الدين أيوب بن شادى»؛ الذى ظل فى حكمها وحراستها عدة سنوات اكتسب خلالها الخبرة بشئون الإدارة، وتمتع فيها بحب الأهالى. دب خلاف بين «بهروز» و «نجم الدين أيوب»، فخرج «نجم الدين» وأخوه «شيركوه» وأهلهما من «تكريت» عقب هذا الخلاف سنة (532هـ)، فحزن الأهالى على ذلك حزنًا شديدًا؛ لما كان يحظى به «نجم الدين» من محبة فى قلوبهم. اتصال أيوب بعماد الدين زنكى: خرج «أيوب» من القلعة، وعزم على المغامرة فى حوادث الشرق الأدنى، وربط مستقبله بشخصية «عماد الدين زنكى» الذى عظمت مكانته، واشتدت قوته، ورحب بمقدم أسرة «أيوب» إلى «الموصل»، واستقبلهم وأكرم وفادتهم، ثم أسند حكم «بعلبك» بعد فتحها إلى «أيوب» سنة (534هـ)، وقلد «شيركوه» قيادة الجيش؛ فكانا عند حسن ظنه، وأصبح «أيوب» محبوبًا من رعيته لعدله، واتصف «شيركوه» بالشجاعة والإقدام والمغامرة وحب القتال. صلاح الدين الأيوبى: شاءت الأقدار أن يولد لأيوب ولد أسماه «يوسف» ليلة رحيله عن «قلعة تكريت» سنة (526هـ)، فنشأ «يوسف» فى بلاط «زنكى» بالموصل وعُرف باسم «صلاح الدين»، وقضى طفولته فى ظل والده «أيوب» ببعلبك، وأخذ عنه براعته فى السياسة، وشجاعته فى الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث.

رحل «صلاح الدين يوسف» مع والده إلى «دمشق» بعد وفاة «عماد الدين زنكى»، ثم دخل فى خدمة «نور الدين بن عماد الدين زنكى» سلطان «حلب»، فاستعان «نور الدين» بشيركوه وابن أخيه «صلاح الدين» فى ضم «مصر» إليه. قيام الدولة الأيوبية: فى أواخر العصر الفاطمى قام صراع محموم بين «شاور» و «ضرغام» على منصب الوزارة، فاستنجد «شاور» بنور الدين محمود، فلبى نداءه وأرسل حملة كبيرة تحت قيادة «شيركوه» ومعه ابن أخيه «صلاح الدين»، فكان النصر حليف الحملة على «ضرغام» والصليبيين الذين استنجد بهم، وقُتل «شاور» فى المعركة، فاعتلى «أسد الدين شيركوه» كرسى الوزارة، ولكنه تُوفِّى بعد قليل، فخلفه فى المنصب ابن أخيه «صلاح الدين» سنة (565هـ) وهو فى الثانية والثلاثين من عمره. عمل «صلاح الدين» على توطيد مركزه فى «مصر»؛ لتأسيس دولة قوية تحل محل الدولة الفاطمية التى ضعفت، وتحقق له ذلك بعد وفاة «العاضد» آخر خلفاء الدولة الفاطمية سنة (567هـ). العقبات التى اعترضت صلاح الدين: لم تكن الأوضاع مهيأة أمام «صلاح الدين» لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، خاصة أن العالم الإسلامى كان مفككًا وضعيفًا ويحيط به الأعداء من كل جانب، بالإضافة إلى كونه نائبًا عن «نور الدين محمود» فى «مصر» التى يطمع الصليبيون وبقايا الفاطميين فى امتلاكها والسيطرة عليها، فعمل على مواجهة هذه العقبات والقضاء عليها واحدة بعد الأخرى كالآتى: أ - إلغاء المذهب الشيعى فى مصر: كان «صلاح الدين» وزيرًا سنيا فى دولة شيعية، وتولَّى أكبر المناصب بعد الخليفة، وأصبحت له الكلمة العليا فى إدارة شئون البلاد، فتحولت مهمته المؤقتة التى جاء من أجلها مع عمه «شيركوه»، إلى إقامة دائمة بمصر مع ولائه لسيده «نور الدين محمود»، وحذف اسم الخليفة الفاطمى «العاضد» من الخطبة، وجعلها للخليفة العباسى ولسيده «نورالدين» من بعده، فزاد حاسدو «صلاح

الدين»، وأدرك أن تعدد المذاهب هو السبب الرئيسى فى ضعف المسلمين، فعمل على إلغاء المذهب الشيعى فى «مصر»، وتم له ما أراد، وهوى نجم الدولة الفاطمية، وسقطت، وتولى «صلاح الدين» رئاسة الدولة بعد صراع مرير مع بقايا الفاطميين وأنصارهم، وأصبح المذهب السنى هو مذهب البلاد. ب - الفتن الداخلية: لاشك أن الإصلاح الحقيقى لأى بلد يحتاج إلى فترة كى يتفهمه الناس ويشعروا به، لذا فقد صعب على دعاة الفتن مسعى «صلاح الدين» لإصلاح أمر الأمة وتأسيس دولة قوية، خاصة أن الأعداء يحيطون بمصر من كل جانب، فقامت حركات مناهضة لما يقوم به «صلاح الدين»، وكان من أشدها وأخطرها: الحركة التى قادها الشاعر «عمارة اليمن»، الذى طالما مدح الفاطميين وأيامهم، واعتبر الأيوبيين مغتصبين للعرش الفاطمى، فعمل على إعادة الحكم للفاطميين، ودعا عددًا كبيرًا من الجند، وانضم إليه المناصرون وبقايا الفاطميين، وأصبحت حركته خطرًا يهدد دولة الأيوبيين الوليدة، إلا أن «صلاح الدين» تمكن من إفشالها، وقبض على قادتها، وما كادت الأوضاع تهدأ حتى قامت فتنة أخرى فى «أسوان» تدعو إلى عودة البيت الفاطمى، فأرسل «صلاح الدين» أخاه «العادل» الذى تمكن من دخول «أسوان» والقضاء على هذه الفتنة فى سنة (570هـ). ج - تطور العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين محمود: لم تكن الفتن الداخلية هى العقبة الوحيدة التى واجهت «صلاح الدين» فى بداية حكمه لمصر فحسب، ولكنه كان أحد قواد «نور الدين محمود»، وحكم «مصر» نيابة عنه، وذكر اسمه فى الخطبة بعد الخليفة العباسى، وضرب السكة باسمه. وقد كانت تبعية «صلاح الدين» لنور الدين تبعية اسمية، ولم يتدخل «نور الدين» فى شئونه، وكان هو الحاكم الفعلى لمصر، وله جيشه وحاشيته، ويتمتع بحب رعيته، ولكن «نور الدين» كان يعتمد على مساعداته لصد أعدائه من السلاجقة والصليبيين، إلا أن الفتن الداخلية

التى قامت فى وجه «صلاح الدين» لم تمكنه من مساعدة «نور الدين» فى حربه، وظل على ذلك حتى وفاة «نورالدين» سنة (569هـ)، فتولى من بعده ابنه الملك «إسماعيل بن نور الدين» وكان لايزال طفلا صغيرًا، فضعفت الدولة فى عهده. د - وحدة المسلمين: كان لنجاح «صلاح الدين» فى التغلب على الفتن الداخلية التى واجهته منذ أن أصبح وزيرًا بمصر، وارتداد الحملة الصليبية إلى «دمياط» سنة (564هـ) أكبر الأثر فى ذيوع اسمه فى أرجاء العالم الإسلامى، ونظر إليه الناس نظرة إجلال، واعتبروه أحد القادة العظماء؛ لوقوفه فى وجه الصليبيين، ونجاحه فى فتح «اليمن»،ونجاحه فى القضاء على حركة «عمارة اليمن». وقد أثرت وفاة «نور الدين محمود» على دولته فى بلاد الشام، وقام تنازع شديد بين الأمراء على مَن يعتلى العرش، وانتهى الأمر بتولية «إسماعيل بن نور الدين» عرش أبيه وهو مايزال فى الحادية عشرة منْ عمره، فوقع فريسة للصراع بين الأمراء، وضاعت بذلك هيبة الدولة النورية وقوتها، وبدت عليها مظاهر التفكك والضعف لدرجة أن أحد الأمراء لم يقو على مواجهة الفرنجة وقتالهم، فعمل على مهادنتهم واسترضائهم بالمال؛ ليأمن شرهم ويتجنب مواجهتهم. كان «صلاح الدين» متابعًا للأحداث التى تجرى فى العالم الإسلامى من حوله، فقرر التدخل فى شئون «الشام» وضمه إلى «مصر» كى يحول دون وقوعه غنيمة فى أيدى الصليبيين، وليحمى «مصر» والإمارات الإسلامية من أى خطر يهددها، وجعل هدفه توحيد صفوف المسلمين وقوتهم فى جبهة واحدة؛ ليتمكنوا من صد الصليبيين وحصرهم بين شِقَّى الرحى فى الجزيرة والشام من جهة، وفى «مصر» من جهة أخرى، وانتظر «صلاح الدين» الفرصة لتحقيق ذلك حتى واتته الفرصة حين استنجد به بعض أمراء «دمشق»، فسار إلى الشام وتمكن دون قتال من السيطرة والاستيلاء على «دمشق» سنة (570هـ)، ثم على «حمص» و «حماة»، وحال الملك «الصالح إسماعيل» دون دخوله إلى «حلب»، فقرر «صلاح الدين» حصارها،

فاستنجد أهالى «حلب» بأعداء الدولة، واضطر «صلاح الدين» إلى فك الحصار عن «حلب»، واستولى على «بعلبك» ليحمى جيشه من الخلف، ثم عاد ثانية لحصار «حلب»، وأعلن استقلاله، وحذف اسم «الصالح إسماعيل» من الخطبة، واتصل بالخليفة العباسى، فمنحه لقب سلطان. هـ - السلطان صلاح الدين وتوحيد باقى الولايات الإسلامية: بعد حصول «صلاح الدين» على لقب السلطان استقل عن أسرة «نور الدين»، وأصبح حاكم «مصر» الرسمى، وقوى مركزه باستيلائه على «منبج» و «إعزاز»، وشدد حصاره على «حلب»، وعزلها عن جيرانها حتى طلب «الصالح إسماعيل» الصلح، فوافق «صلاح الدين»؛ لأن هدفه كان وحدة المسلمين وحماية بلادهم. تُوفِّى صاحب «الموصل» سنة (578هـ)، ومن بعده تُوفى «الصالح إسماعيل»، فعاد الانقسام ثانية من أجل الوصول إلى كرسى الحكم، فزحف «صلاح الدين» إلى الشام فى سنة (578هـ)، وانضمت إليه بعض المدن دون قتال، واستولى على «حلب»، وبذا أصبح شمال الشام كله تحت سيطرته، ولم يعد أمامه سوى مدينة «الموصل» التى سعى حاكمها إلى التصالح مع «صلاح الدين»، وتعهد بإرسال المساعدات الحربية إذا طُلب منه ذلك، فخضعت بذلك جميع الإمارات الإسلامية الشامية تحت سلطان «صلاح الدين»، وتمكن من توحيد كلمة المسلمين تمهيدًا للنضال ضد الصليبيين. موقف صلاح الدين من الصليبيين: ظل «صلاح الدين» يعمل على توحيد العالم الإسلامى مدة عشر سنوات فى الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامى، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك ما يأتى: واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م]: تعد «حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد الصليبيين، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها مثل: موقعة «مرج

العيون» سنة (574هـ) التى انتصر فيها عليهم، ثم موقعة «مخاضة الأحزان» سنة (575هـ)، ثم حدثت الهدنة بين الطرفين، ولكن الصليبيين لم يكفُّوا عن محاولة السيطرة على «مصر» وبلاد الشام، وظل «صلاح الدين» وفيا بعهده؛ لما عرف عنه من الشجاعة والمروءة والمحافظة على العهد، إلى أن نقض «أرناط» حاكم «حصن الكرك» الهدنة معه فى سنة (583هـ)، وهاجم إحدى قوافل الحج، فكانت هذه الجريمة هى الشرارة التى أشعلت نار الحرب بين الفريقين، فقد غضب «صلاح الدين» من هذا العمل الوحشى، خاصة وأن القافلة كانت فى طريقها إلى حج بيت الله الحرام، فهدد «صلاح الدين» «أرناط» وأنذره بالقتل إذا تمكن منه، وأعد عدته لقتال الصليبيين، ووافته الإمدادات من المدن الشامية والمصرية، وسار إلى «طبرية» وحاصرها، فلما علم الصليبيون باستعداداته الحربية اجتمعوا ببلدة تُدعى «صفورية»، وتناقشوا فى خطة الحرب الواجب اتباعها إزاء «صلاح الدين»، واستقر رأيهم على هجوم المسلمين، وتقدموا واحتلوا تلا على مقربة من «حِطِّين» فى الوقت الذى تمكن فىه «صلاح الدين» من السيطرة على مدينة «طبرية» باستثناء قلعتها التى استعصت عليه، فتركها ومضى لملاقاة الصليبيين. وفى سنة (583هـ = يولية 1187م) دارت الموقعة الحاسمة بين جيش المسلمين بقيادة البطل الشجاع «صلاح الدين» وبين الصليبيين، فشن جيش المسلمين حملة هزت جنبات «حطين»، وكان نداء «الله أكبر» و «لا إله إلا الله محمد رسول الله» حافزًا قويا ومؤثرًا فى دخول الجنود المعركة ولا هم لهم إلا النصر أو الشهادة، فنصرهم الله نصرًا مؤزرًا، ونال الصليبيون هزيمة ساحقة، وفر مَنْ بقى منهم هربًا، فسجد «صلاح الدين» شكرًا لله على ما منحه من نصر، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت «قلعة طبرية» وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه «صلاح الدين» صوب الساحل وحاصر «عكا»

حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقى المدن الساحلية التى تقع جنوب «عكا» وهى: «نابلس» و «الرملة» و «قيسارية» و «أرسوف» و «يافا» و «بيروت»، وكذا المدن الواقعة شمال «عكا» مثل: «الإسكندرونة»، وكلها حصلت على العهد بالأمان من «صلاح الدين» الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى فى طريقه إلى «فلسطين»، فاستسلمت «عسقلان» له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير «بيت المقدس». الفتح المبارك: شاءت إرادة الله أن يكون تحرير «المسجد الأقصى» - أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - على يدى البطل الشجاع «صلاح الدين الأيوبى»، الذى حاصر مدينة «بيت المقدس» حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح، فأجابهم «صلاح الدين» إلى طلبهم وأمهلهم مدة أربعين يومًا للجلاء عن المدينة ومعهم أمتعتهم، وترك بسماحته زوجة «أرناط» تخرج من المدينة بسلام مع مَن خرج، ولم يتعرض «صلاح الدين» لأحد بسوء، وسمح لبطريق المدينة بالخروج مثل باقى الأهالى الذين حملوا معهم ثرواتهم وكنوزهم وتحفهم، ودخل «بيت المقدس»، وبدأ على الفور فى إصلاحها، ورمَّم «المسجد الأقصى»، وأقام فيه فترة بعد أن حرره من المغتصبين المستعمرين، ليعلو صوت الحق والعدل من جديد، ويصبح «صلاح الدين» ثانى القادة الفاتحين - الذين دخلوا هذه المدينة - بعد «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه-الذى فتحها الفتح الأول. صلح الرملة: أوشكت الأمور على الاستقرار بعد الانتصارات العظيمة التى حققها «صلاح الدين الأيوبى»، ولكن أوربا أرادت أن تحول دون تحقيق ذلك، وأرسلت حملة من أقوى الحملات الصليبية وأكثرها عددًا وعدة وعتادًا؛ ضمت ملوك أوربا بعد أن دعا البابا إلى حرب المسلمين، وأعلن قدسية هذه الحرب، فتشكلت حملة من «ألمانيا» وأخرى من «فرنسا» وثالثة من «إنجلترا»، وخرجت جميعها فى طريقها إلى

العالم الإسلامى لتخريبه، فوقف «صلاح الدين» صامدًا أمام هذه الحملات الكبيرة التى أتت من البر والبحر، واستطاعت السيطرة على المناطق الساحلية، ومع ذلك عمد «صلاح الدين» إلى تقوية جيشه وتنظيم جبهته الداخلية على الرغم من مرضه، فطلب الصليبيون الصلح الذى عُرف بصلح الرملة، وبدأت المفاوضات بين «الملك العادل» نائبًا عن «صلاح الدين»، و «ريتشارد» قائد حملة الصليبيين، واتفق الطرفان على «صلح الرملة» الذى كان من أهم شروطه: أ - تخريب «عسقلان»؛ لأنها مفتاح «بيت المقدس». ب - يحكم الصليبيون الساحل من «صور» إلى «يافا»، ويكون جنوبى ذلك الساحل لصلاح الدين، على أن يقع «بيت المقدس» فى حدوده وتحت سيطرته. ج - يُسمَح للمسيحيين بالحج إلى «بيت المقدس» فى أمن وأمان. وهكذا اتفق الطرفان على بنود هذا الصلح التاريخى، ليكون بداية مرحلة جديدة لهذه البلاد، التى فقدت قائدها «صلاح الدين» عقب هذا الصلح، ليأخذ الصراع مع الصليبيين وضعًا آخر. وفاة صلاح الدين الأيوبى: خرج «صلاح الدين» من «القاهرة» لآخر مرة فى طريقه إلى الشام سنة (578هـ)، لتوحيد صفوف المسلمين وإعدادهم لقتال الصليبيين، وعلى الرغم من طول فترة حكمه التى بلغت أربعة وعشرين عامًا فإنه لم يمكث فى مصر سوى ثمانى سنوات فقط، فلما أراد مغادرة «القاهرة» فى المرة الأخيرة، خرج رجال القصر لتوديعه عند بركة الجيش وأنشده أحد الشعراء شعرًا استاء منه، وشعر أنه لن يرى «مصر» ثانية، وقد صح حدسه؛ إذ مرض أثناء مفاوضاته مع الصليبيين فى «صلح الرملة» ولزم فراشه؛ ثم لقى ربه فى سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامى بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودى به وتوقعه فى أيدى الأعداء. يُعدُّ «صلاح الدين» من الشخصيات العظيمة النادرة فى التاريخ

الإسلامى، فقد كان سياسيا ماهرًا، وقائدًا محنكًا نبيلا، مخلصًا فى تصرفاته، ميالا إلا التسامح والعفو، محبا للعلم والأدب، وفيا مع أصدقائه وأعدائه على السواء. خلفاء صلاح الدين [589 - 648هـ = 1193 - 1250م]: بعد وفاة «صلاح الدين» انقسمت السلطنة الأيوبية بين أبنائه الثلاثة وأخيه وبعض أقاربه، فاستقل ابنه «العزيز» بمصر، واستقل ابنه «الأفضل» بدمشق و «وسط سوريا»، وابنه «الظاهر» بحلب، أما أخوه «العادل» فحكم «العراق» و «ديار بكر» و «الرها»، وتولَّى أبناء عمومته «حماة» و «حمص» و «بعلبك» و «اليمن»، وهكذا قضى أبناء «صلاح الدين» وأقاربه على وحدة الدولة، ولم يفهموا الهدف الذى سعى طيلة حياته من أجل تحقيقه. العزيز عماد الدين [589 - 595هـ = 1193 - 1199م]: خلف «صلاح الدين» على عرش «مصر» أصغر أبنائه «الملك العزيز»، وكان شابا فى الحادية والعشرين من عمره، يتصف بالشجاعة والرحمة والعفة والأخلاق الحميدة، وحكم «مصر» فى حياة أبيه «صلاح الدين» نيابة عنه، ومكَّنه ذلك من اعتلاء عرشها عقب وفاته، إلا أنه كان يفتقد إلى الدراية السياسية فى تسيير أمور البلاد واستقرار أحوالها، فاستعان بعمه «العادل» واستوزره ليقوم بهذه المهمة، ومات «العزيز» فى سنة (595هـ). المنصور ناصر الدين [595 - 596هـ = 1199 - 1200م]: خلف «العزيز» ابنه «الملكُ المنصور» وهو طفل فى التاسعة من عمره، فحكم «مصر» مدة سنة وتسعة أشهر، فرأى «الملك العادل» أن الدولة أوشكت على الانهيار تحت حكم الملك الطفل، فجمع العلماء والفقهاء فى مجلس للتشاور فيما يجب فعله، فقرر الجميع وجوب خضوع الصغير للكبير، وتولى «العادل» عرش «مصر»، فأصبحت تحت يده أهم أجزاء دولة «صلاح الدين»، واعترفت الولايات بسيادته، وساهمت فى حروبه، وضربت «السكة» باسمه، وخُطب له فوق كل المنابر الإسلامية: السلطان العادل سيف الدين [596 - 615هـ = 1200 - 1218م]:

يعد «العادل» أعظم سلاطين الأيوبيين بعد «صلاح الدين»، فقد اكتسب خبرة واسعة من اشتراكه مع أخيه «صلاح الدين» فى غزواته ومفاوضاته وإدارة الأقاليم، إذ وكل إليه «صلاح الدين» معاونة «العزيز» فى حكم «مصر»، كما عهد إليه بحكم «حلب»، ثم «العراق»، وذاع صيت «العادل» بين ملوك «أوربا»، واشتهر بالكفاءة والدهاء والدراية بشئون الحكم، ولم يتأخر فى حمل المسئولية حين رأى تدهور الأوضاع بمصر وحاجتها إليه، فكان الرجل المناسب لتلك المرحلة. بعض الصعوبات التى واجهت العادل: تأثر «العادل» تأثرًا بالغًا بشخصية أخيه «صلاح الدين»، فسار على نهجه فى إدارة البلاد، رغم الصعوبات التى واجهته، فقد ثارت ضده طائفة الشيعة الإسماعيلية مثلما ثارت من قبل فى وجه أخيه «صلاح الدين»، وحاولت هذه الطائفة زعزعة ملك «العادل» وتفريق البلاد وتشتيت الصفوف، فعمل «العادل» على الحيلولة دون حدوث ذلك، وتمكن من القبض على عناصرها وسجنهم سنة (605هـ)، فخرجت جماعة أخرى تنادى بتولية أحد أبناء «صلاح الدين» أمور الدولة، وكان هذا الابن لايزال طفلا صغيرًا، فاستطاع «العادل» التغلب عليهم وإعادة الاستقرار إلى بلاده، إلا أن انخفاض مياه النيل كان إحدى العقبات الطبيعية التى واجهته، فقد حدثت بسببه مجاعة وقحط شديدان؛ نتيجة قلة الزراعة، كما أن الحملات الصليبية لم تهدأ فى عهده؛ إذ لم ترضَ «أوربا» عن استقرار أحوال البلاد الإسلامية، فعملت على زعزعتها، وأرسلت حملة صليبية هاجمت «مصر» ووصلت إلى «دمياط» وحاصرت حصونها، ثم تمكنت منها، واستولت على برجها الحصين «برج السلسلة»، يضاف إلى ذلك كله العقبات الداخلية التى واجهت «العادل» أثناء حكمه لمصر. وفاة العادل: على الرغم مما واجهه «العادل» من صعاب داخلية وخارجية فى الحكم، فقد اتسع ملكه إلى حد كبير، وقلَّده الخليفة العباسى بمرسوم رسمى حكم «مصر» والشام وأرض الجزيرة، وخلع عليه

الخلع الثمينة، فوزع «العادل» حكم مملكته الواسعة بين أبنائه التسعة عشر نيابة عنه؛ ليضمن وحدتها وتماسكها، فأناب ابنه «الكامل» عنه فى «مصر»، وجعل «المعظَّم عيسى» على الشام، و «نجم الدين أيوب» على «ميافارقين» ونواحيها، وأناب ابنه «الأشرف مظفر» على «الولايات الشرقية». وقد ضمن «العادل» وحدة دولته فى حياته، إلا أنه تركها إرثًا موزعًا بين أبنائه بعد وفاته، فكان لذلك أثره الخطير فى قوة الدولة وتماسكها. وحين سمع «العادل» بسقوط «برج السلسلة» بدمياط حزن حزنًا شديدًا، فمرض ومات سنة (615هـ)، وكتم أصحابه خبر موته ونقلوه إلى «دمشق»، حيث تولى ابنه «الكامل» حكم «مصر». كان «العادل» حاكمًا عادلا، ذكيا، حليمًا، حسن التدبير، محبًا للعلماء والأدباء ومشجعًا لهم، كما كان سياسيا محنكًا، قام برحلات عديدة جاب بها أطراف مملكته الشاسعة، كى يضمن استتباب الأمن والنظام، كما كان متفقدًا لأحوال أبنائه فى الأقاليم التى أنابهم عنه فى حكمها. الكامل ناصر الدين [615 - 635هـ = 1218 - 1237م]: حكم «الكامل» «مصر» نيابة عن أبيه «العادل» فى حياته، فلما مات استقل الكامل بحكم «مصر» فى ظروف حرجة، إذ كان الصليبيون منتصرين فى «دمياط»، وكان عليه دحر هذا الانتصار الذى أدى إلى موت أبيه كمدًا، وخرج عليه عدد من الأمراء لعزله فى الوقت الذى يتصدى فيه للصليبيين بدمياط، فتمكن من التغلب عليهم، ولكن الصليبيين استغلوا حالة التمرد والتفكك الداخلى واستولوا على «دمياط»، إلا أن «الكامل» استطاع توحيد بلاد المسلمين، وتمكن من دخول «نابلس»، وتحرير «بيت المقدس»، واتسع ملكه لدرجة جعلت أئمة المساجد يدعون له من فوق المنابر بقولهم: «سلطان مكة وعبيرها، واليمن وزبيرها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين». ورث عن أبيه صفاته الطيبة، فكان قائدًا قديرًا، وسياسيا بارعًا،

وإداريا نشيطًا، حازمًا يدير أمور دولته بنفسه، لدرجة أنه لم يعين وزيرًا بعد وفاة وزير أبيه، وقام بالأمر بمفرده، وكان محبا للحديث، مشجعًا للعلماء والأدباء، فقد كان عالمًا، ينظم الشعر ويجيده. ظل فى حكم البلاد التى تحت يديه حتى وفاته سنة (635هـ)، فأخذت الدولة فى الضعف والانحلال من بعده. العادل الثانى [635 - 637هـ = 1237 - 1240م]: يُطلَق اسم «العادل الصغير» أو «العادل الثانى» على هذا السلطان، تمييزًا له عن الملك «العادل» أخى «صلاح الدين»، وقد كان «العادل الثانى» نائبًا عن أبيه «الكامل» فى حكم «مصر»، فلما مات أبوه أصبح سلطانًا على «مصر»، ولكن اضطراب الأوضاع، وضعف الدولة جعلاه لا يستمر طويلا فى حكم البلاد، فتولى أخوه «الصالح نجم الدين أيوب» الحكم من بعده. الصالح نجم الدين أيوب (637 - 647هـ = 1240 - 1249]: ورث «الصالح نجم الدين أيوب» عرشًا مضطربًا، مزعزع الأركان جلب عليه الكثير من المشاكل والمتاعب، فدبر أموره، وأعد عدته وتمكن من القضاء على أكثر هذه المصاعب التى واجهته رغم شدتها، فلما تم له ما أراد تحول بقوته إلى مواجهة الصليبيين، ولم يألُ جهدًا فى جهاده ضدهم، واستطاع استعادة «بيت المقدس» ثانية من قبضتهم، فاستقرت له الأحوال، وحل السلام بينه وبين أمراء مملكته، وتفرغ لمواصلة جهاده ضد الصليبيين؛ أملا منه فى تحرير البلاد كافة من أطماعهم. بداية المماليك: أكثر «الصالح نجم الدين أيوب» من استجلاب المماليك لمساعدته فى حروبه ضد الصليبيين، فنبغ منهم عدة أشخاص كان لهم أكبر الأثر فى تغيير مجرى السياسة المصرية، ومنهم «شجرة الدر» الأرمينية الأصل، والتى كانت أم ولد للصالح نجم الدين أيوب، ولازمته فى حياة أبيه «الكامل»، وظلت معه بذكائها حتى أنجبت من «الصالح أيوب» ابنه «خليل» فتوطدت مكانتها، فلما أصبح سلطانًا على «مصر» اتخذها إلى جواره ملكة غير متوَّجة، فقد كانت تعمل على راحته، ووجد فيها ما يحبه.

وفاة الصالح نجم الدين أيوب: مات «الصالح أيوب» فى ليلة النصف من شعبان سنة (647هـ)، وكانت الحرب لاتزال دائرة بين المسلمين والصليبيين أمام «المنصورة»، فأعملت «شجرة الدر» عقلها وتجلى ذكاؤها، وأخفت خبر وفاته عن الناس فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ «مصر» و «الشام»، وأمرت أحد أطبائه بغسل جثمانه ووضعه فى تابوت، ثم حمله فى الظلام إلى «قلعة الروضة»، ثم إلى «قبو» بجوار المدرسة الصالحية ودفنه هناك، وأخبرت الأمراء أن «السلطان مريض لا يصل إليه أحد»، ولم تعلن خبر وفاته إلا بعد انتصار المسلمين على الصليبيين، ورد حملتهم، فاستمر العزاء ثلاثة أيام بلياليها بمدرسته، وبعثت «شجرة الدر» بالسناجقة السلطانية، وأمرت بأن تُعلَّق داخل القاعة على ضريح «الملك الصالح»، ليرى الزائر آلات الجهاد التى كان يحملها آخر سلاطين «بنى أيوب» فى جهاده ضد الصليبيين فى معركة «المنصورة»، فقد كان «الصالح أيوب» من أعظم سلاطين «مصر» وأشجعهم. المعظم توران شاه [647 - 648 هـ = 1249 - 1250م]: قبل أن تعلن «شجرة الدر» عن وفاة الملك «الصالح أيوب» أرسلت فى استدعاء ابنه «توران شاه» الذى كان غائبًا عن «مصر»، فقد كان فى «حصن كيفا»، وقبل وصوله أصدرت أوامرها للأمراء وأكابر رجال الدولة بأن يحلفوا يمين السلطنة لتوران شاه، وأمرت خطباء المساجد بالدعاء له، وأدارت «معركة المنصورة» حتى وصل «توران شاه»، فتسلم قيادة الحرب وزمام الملك، ولم يمكث على عرش السلطنة أكثر من شهرين، ثم خرج لملاقاة الصليبيين الذين دخلوا «المنصورة»، وأخذوا يتقدَّمون نحو «القاهرة»، فتصدَّى لهم، وقاد المعركة بمهارة فائقة حتى تم النصر للمسلمين، فأحبه الناس وقدروه، إلا أن سيرته لم تكن حسنة، فقتل سنة (648هـ). نهاية الدولة الأيوبية: تولت «شجرة الدر» زمام سلطنة «الأيوبيين» فى «مصر» لمدة ثمانين يومًا عقب مقتل «توران شاه»، ثم تزوجت «عز الدين أيبك»

التركمانى، وتنازلت له عن العرش بسبب المشاكل التى واجهتها، وعدم رضى الخليفة العباسى عن توليها السلطنة، ولكن «عز الدين» كان رجلا ضعيف الرأى، فأسدل الستار على الدولة الأيوبية، إحدى أعظم الدول الإسلامية فى العصور الوسطى، بعد أن نالت مكانة عظيمة فى تاريخ المسلمين، وبدا فى الأفق ظهور دولة جديدة فى تاريخ المسلمين هى دولة المماليك. النظم والحضارة فى العصر الأيوبى: النظام السياسى: كان السلطان الأيوبى يطلب من الخليفة العباسى - بصفته الرئيس الأعلى لبلاد المسلمين - تفويضًا يجعل حكمه فى «مصر» شرعيا، رغم أن سلطان الأيوبيين على البلاد التى تحت أيديهم كان سلطانًا مطلقًا، ولم تكن للخلافة العباسية عليه أية نفوذ، ولكن سلاطين الدولة الأيوبية حرصوا على الحصول على هذا التفويض دومًا، وكان «الناصر صلاح الدين» أول مَنْ اتشح بخلعة الخليفة العباسى من سلاطين «مصر» الأيوبيين. ألقاب السلطان وأعماله: يُعدُّ «صلاح الدين» أول مَنْ اتخذ لقب السلطنة من حكام «مصر»، وقد حصل على لقب «سلطان»، ولقب: «محىى دولة أمير المؤمنين» لأعماله الجليلة التى قام بها فى نشر المذهب السنى والقضاء على المذهب الإسماعيلى الشيعى، ونجاحه فى مناهضة الصليبيين وصدهم عن بلاد المسلمين، ومع ذلك فقد كان «صلاح الدين» رجلا متواضعًا، واتخذ من لقب: «السلطان الملك الناصر» لقبًا للتعامل، رغم حصوله على ألقاب عديدة تحمل فى طياتها معانى العظمة والأبهة والجاه مثل: «السيد العالم العادل المظفر المنصور، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، إسكندر الزمان، صاحب القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، سيد الملوك والسلاطين»، ومما لاشك فيه أن هذه الألقاب تبين عظمة ما بلغه سلاطين الدولة الأيوبية، خاصة أن لكل لقب من هذه الألقاب موقفًا عظيمًا وحادثًا جللا خاضه السلطان فمُنح اللقب على إثره.

دُوِّنت الألقاب فى الرسائل التى تُبودلت بين السلاطين وملوك «أوربا» وفى الكتابات التاريخية، وعلى السكة والعمائر، والتحف الفنية، وفهارس دار الآثار العربية. كان السلطان يقيم مع أسرته وحاشيته ورجال بلاطه فى «قلعة الجبل»، وهو رئيس الدولة الأعلى الذى له الحق فى الهيمنة على شئون الأمراء الخاصة والعامة، وفى تدرجهم الوظيفى، وفى توزيع الإقطاعات والجنود عليهم وتحديد أنصبتهم، وكان على السلطان تعيين موظفى الدولة وعزلهم، وتأديبهم والنظر فى المظالم وقيادة الجيوش فى الحروب. وكان للدولة الأيوبية مجلس شورى تُقَرُّ من خلاله مشروعات الدولة الحيوية كإعلان حرب أو إبرام صلح أو إصلاح لهيكل من هياكل الدولة، وكان هذا المجلس يُسمَّى: «مجلس السلطنة»، وكان أعضاؤه من كبار موظفى الدولة للاستئناس بآرائهم ومشورتهم قبل الإقدام على تنفيذ المشروعات والخطط، ويتولى «أمير مجلس» -الذى يشبه منصبه منصب كبير الأمناء - الآن - الأمور الخاصة بمجلس السلطنة، وله حق التصرف فى شئون البرتوكول، كما كان يتمتع بالجلوس فى حضرة السلطان بحكم هذه الوظيفة. نائب السلطان: نيابة السلطنة وظيفة استحدثها السلاطين الأيوبيون، فأصبح النائب كأنه سلطان ثانٍ، ويشترك مع السلطان فى منح لقب الإمارة، وتوزيع الإقطاعات، وتعيين الموظفين، وتوقيع المراسيم والمنشورات، وتنفيذ القوانين، والخروج على رأس فرق الجيش فى المواكب الرسمية، يحف به الأمراء عند دخوله أو خروجه من قصر السلطان، وكان يُلقَّب بكامل المملكة الشريفة الإسلامية، لأن من اختصاصاته تصريف أمور الدولة عامة سواء أكان السلطان بالقاهرة أم كان متغيبًا عنها. وهناك نوع آخر من النيابة يقول عنه «المقريزى»: «يقوم النائب فيها بمهام الدولة إذا خرج السلطان إلى الصيد، أو سار على رأس الجيش فى حرب خارجية». الوزير: اتخذ سلاطين الدولة الأيوبية فى «مصر» وزراء لم يحددوا سلطتهم،

ولم يجعلوها مقصورة على التنفيذ، بل جعلوها سلطة مطلقة، فأصبحت الوزارة أعلى الوظائف وأرفعها، وأصبح صاحبها باب الملك المقصود، ولسانه الناطق، ويده المعطاءة. النظام القضائى فى عهد الأيوبيين: فى سنة (564هـ) افتتح الناصر «صلاح الدين» مدرستين لتدريس الفقه، وجعل إحداهما لتدريس الفقه الشافعى، وجعل الأخرى للفقه المالكى، وفصل جميع القضاة الشيعة، وعين بدلا منهم قضاة من الشافعية السنيين، فاقتصر القضاء على مذهب الإمام «الشافعى»، كما أن قاضى الشافعية «صدر الدين درباس» لم يُنب عنه فى أقاليم «مصر» إلا من كان شافعيا، ومن ثم انتشر المذهب الشافعى فى «مصر» وما يتبعها من أقاليم. وكان الذى يتولى منصب القضاء فى «القاهرة» وسائر أعمال الديار المصرية، فى عهد الأيوبيين قاضٍ واحد هو بمثابة قاضى القضاة، وله حق إنابة نواب عنه فى بعض الأقاليم. أعوان القاضى: كان للقاضى فى عهد الأيوبيين أعوان يساعدونه على العدل فى الحكم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فكان منهم «الجلواز» الذى يستعين به القاضى على تنظيم قاعة الجلسة، وحفظ النظام، وترتيب الخصوم وفق ترتيب حضورهم، ومنعهم من التقدم إلى القاضى فى غير دورهم، ومراعاة الآداب فى مجلس القضاء. ومنهم «الأعوان» ومهمتهم إحضار الخصوم إلى المحكمة، والقيام بين يدى القاضى عند نظره فى الخصومات إجلالا لمركزه .. ومنهم «الأمناء» ومهمتهم حفظ أموال اليتامى والغائبين. ومنهم «العدول» ومهمتهم مراعاة دقة عبارات السجلات والعقود ومطابقتها للشرع، وتزكية الشهود. وقد استقرت النفوس وهدأت فى ظل هذا النظام القضائى المنضبط، لأن القضاء العادل من شأنه أن يجعل الناس سواء، خاصة أن مصادر القضاء الإسلامى المتمثلة فى القرآن والسنة وإجماع العلماء والاجتهاد كانت هى الأسس التى سار عليها قضاة ذلك العصر، فقلَّت المظالم، واستقرت أحوال البلاد. التطور الاقتصادى فى العهد الأيوبى:

تأخذ الأمم القوية بأسباب قوتها، وتعمل على استثمار الإمكانات المتاحة لها لتنمية ثرواتها، لذا فإن تقدم الأمم وقوتها مرتبط بنجاح اقتصادها وقوته واستمرار روافده، وكانت الدولة الأيوبية إحدى الدول القوية ذات الاقتصاد القوى، فقد امتلكت ما تركه الفاطميون عقب سقوط دولتهم، ونظمت الخراج والجزية، بالإضافة إلى غنائم حروبها وفدية الأسرى، واستخدمت هذه الموارد لصالح البلاد الإسلامية كافة، وأنفقت على تسليح الجيش وإعداده جزءًا كبيرًا منها، وبنت القلاع والحصون، وقامت بالإصلاحات الداخلية فى البلاد. غَيَّر «الناصر صلاح الدين» النظام الاقتصادى الذى كان سائدًا قبله، وقلل من النظام الإقطاعى، فقضى بذلك على استقلال أمراء الإقطاعات، وقوَّى الحكومة المركزية، فكان لهذا أثره الكبير فى ازدهار حالة البلاد الاقتصادية. وقد أولى «الأيوبيون» الزراعة عنايتهم؛ فهى عماد حياة البلاد، فطهَّروا الترع، وأقاموا الجسور، ونظموا وسائل الرى، لدرجة أن السلطان «الكامل» كان يراقب المهندسين بنفسه أثناء إقامتهم السدود والخزانات، وغير ذلك من أعمال الرى الخاصة، فنشطت الزراعة دون أن تؤثر الحروب عليها، فقد كانت حروب الأيوبيين تتوقف فى «سوريا» شتاءً، وهو موسم الزراعة فى «مصر». ونشطت التجارة كما ازدهرت الزراعة فى العصر الأيوبى، وأصبحت «مصر» -آنذاك - همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب، وعقد السلطان «العادل» معاهدة تجارية مع «البندقية» فى سنة (605هـ = 1208م)، حصل البنادقة بمقتضاها على تسهيلات تجارية فى الموانى المصرية، خاصة «الإسكندرية»، فى مقابل أن يمنعوا الصليبيين، من التقدم نحو «مصر»، فلما ولى السلطان «الكامل» حكم البلاد أقر ما اتفق عليه السلطان «العادل» مع أهل «البندقية»، وسمح لهم بتأسيس سوق تجارية فى الإسكندرية، سُمِّيت «سوق الأيك»، ومنح الامتيازات نفسها لأهل «بيزة» الذين أرسلوا قنصلا لهم إلى

«الإسكندرية»، فأدت هذه الخطوات إلى ازدهار التجارة وانتعاش الاقتصاد، وزيادة دخل الدولة. وجدير بالذكر أن «مصر» مرت بانتكاسة اقتصادية فى عهد «العادل» نتيجة انخفاض مياه النيل الذى ترتب عليه قلة الزراعة، فحدثت المجاعة واشتد القحط، وبذل «العادل» جهودًا كبيرة لمواجهة هذه الأزمة، فكان يخرج بنفسه أثناء الليل ويوزع الأموال على الفقراء والمساكين والغرباء، ولكن الموقف ازداد سوءًا وتفاقم خطره حين وقع زلزال مروِّع وقت المجاعة هدم كثيرًا من المبانى، وأزهق أرواحًا لا تُحصَى فى «مصر» والشام، ولكن الأوضاع سرعان ماعادت إلى طبيعتها بعد زيادة مياه النيل سنة (601هـ = 1204م)، فزادت الغلال وخفت المجاعة، وانتهى أمر النكبة بعد أن تكاتف الجميع للقضاء عليها وإعادة الاقتصاد إلى سابق عهده؛ ليتتابع الكفاح ضد الصليبيين من جديد. وهكذا كان اقتصاد الدولة الأيوبية اقتصادًا منظمًا زادت فيه موارد الدولة وشعر الجميع بانتعاش اقتصادى عَمَّ أرجاء البلاد. النظام الحربى فى عهد الأيوبيين: كانت حياة الأيوبيين سلسلة متتابعة من الجهاد والنضال والقتال، ولذا كان اهتمامهم بالجيش وعنايتهم بأمره، لدرجة أن سلاطين «بنى أيوب» أنفقوا معظم إيرادات الدولة على إصلاح الجيش، وبناء ما يلزمه من الحصون والقلاع، فلعب الجيش دورًا خطيرًا خلال تلك الحقبة من التاريخ الإسلامى. تألف معظم الجيش الأيوبى من الترك والأكراد، وكان له «مجلس حرب» اعتاد السلطان أن يستشيره فى الخطط التى يجب أن تُتبع، وكان يخضع لرأى المجلس مهما يكن. قسم الأيوبيون الجيش إلى عدة فرق، تُنسَب كل منها إلى أحد القواد العظماء، فكانت هناك فرقة «الأسدية» نسبة إلى «أسد الدين شيركوه»، و «الصلاحية» نسبة إلى «صلاح الدين» .. إلخ، وكان لأمراء هذه الفرق نفوذ كبير، وكان الجيش مكونًا من الفرسان والمشاة، وكانت أسلحته من السهام والرماح والنبال والنار اليونانية.

ألَّف «الصالح أيوب» جيشه من الأتراك والمماليك الذين استكثر من شرائهم، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة جهزها بالأسلحة والآلات الحربية والأقوات، وأسكنهم فيها، وعُرفوا منذ ذلك الحين باسم المماليك البحرية، وقد أسسوا دولة -فيما بعد- عُرِفَت باسمهم. البحرية فى العهد الأيوبى: لم يقتصر إعداد «صلاح الدين» على الجند فى البر وتحصين البلاد، بل وجه اهتمامه إلى سلاح البحرية الذى بلغ درجة عظيمة من التقدم، واهتم بتأسيس الأسطول اهتمامًا كبيرًا خاصة أن الصليبيين كانوا يستخدمون البحر فى هجومهم على البلاد الإسلامية، ومن ثَمَّ أصبح لزامًا على المسلمين الاستعداد لحملات الصليبيين البحرية، فأعد «الناصر صلاح الدين» العدة لتأسيس وتكوين أسطول إسلامى يستطيع مجابهة حملات الصليبيين المعتدين، وكانت أولى خطواته فى ذلك: تخصيص ديوان كبير، عُرف باسم «ديوان الأسطول». وأفرد له «صلاح الدين» ميزانية خاصة، وعهد به إلى أخيه «العادل». واستطاع «صلاح الدين» تكوين أسطول قوى تمكن بواسطته من مواجهة الصليبيين، وأصبح هذا الأسطول من أكبر الأساطيل فى ذلك الوقت، ورابط فى البحر الأحمر، وفى شرق البحر الأبيض، وتمكن من تحقيق انتصارات هائلة. لم يألُ الأيوبيون جهدًا فى سبيل تنظيم الجيش والأسطول، وليس أدل على اهتمام السلاطين بالأسطول البحرى من أنهم كانوا يشركون معهم الأهالى عند عرض الجيوش والأساطيل، أو عند توديعهم للغزو، فقد كان قدر هذه الدولة أن تقوم بمحاربة الصليبيين وردهم عن البلاد الإسلامية، فأدت هذه الأسباب فى النهاية إلى وجود دولة قوية ذات سيادة، فرضت احترامها على أصدقائها وأعدائها، وحررت بلاد المسلمين من الأعداء، لأنها عرفت الأسباب التى تؤدى إلى القوة والازدهار. المنشآت الحضارية فى العهد الأيوبى: رغم كثرة حروب العهد الأيوبى إلا أنه كان حافلا بالإنشاءات العظيمة، فقد بُنيت فيه المدارس والمستشفيات، ونُسِّقت الحدائق،

وأُقيمت المنشآت الحربية للدفاع عن الدولة أو للهجوم على العدو طبقًا لظروف الدولة الحربية، وكان من أهم هذه الإنشاءات الحربية وأولها: - قلعة الجبل: وتُعدُّ من أبرز ما خلَّفه الأيوبيون من منشآت فى «القاهرة»، فمازالت شاهد صدق على عظمة هذه الدولة إلى اليوم، وإن الناظر إليها ليدرك مدى عناية الأيوبيين بالمنشآت والقلاع الحربية التى كانت منتشرة فى بلادهم، خاصة المدن الشامية التى هى خط الدفاع والهجوم الأول للدولة، لم يكن بناء «قلعة الجبل» مجرد تقليد أو مظهر أراده «صلاح الدين» ليظهر به، وإنما بناها لتكون مقرا لحكومته، ومعقلا لجيشه الكبير، وحصنًا يمكِّنه من الإشراف على حاضرة دولته. ويحميه من القلاقل الداخلية، وكذلك لتكون نقطة دفاعية يصد منها غارات المغيرين على «مصر» سواء أكانوا من الصليبيين أم غيرهم. وقد استخدم «صلاح الدين» الأسرى فى تشييد قلعته، ومع ذلك لم يتمكن من إتمام تشييدها فى عهده، فلم يتم منها سوى الهيكل والبئر الحلزونى. وكانت بالقلعة - على الرغم من ارتفاعها - بئر عمقها تسعون مترًا، مملوءة بالماء العذب، مثقوبة فى الحجر، بأسفلها سواقٍ تدور فيها الأبقار، فتنقل الماء إلى وسطها الذى توجد فيه أبقار تنقل بدورها الماء إلى أعلاها، ويُعدُّ هذا البئر من أعجب الآبار، ويعرف باسم «بئر يوسف» نسبة إلى «صلاح الدين يوسف بن أيوب». أتم السلطان «الكامل محمد» بناء «القلعة» فى سنة (604هـ)، ثم انتقل من دار الوزارة إليها. وكان للقلعة سور، وأبراج، وثلاثة أبواب، أحدها من جهة «القرافة» و «جبل المقطم»، والثانى من جهة جدارها البحرى ويُعرَف باسم «باب السر»، والثالث يقع مدخله فى أول الجانب الشرقى من القلعة، ويصل الداخل منه إلى فناء مستطيل به دواوين الحكومة، وبهذا الفناء باب يُسمَّى: «باب القبلة»، وتمتد منه دهاليز فسيحة، وعلى يسار الداخل منها باب يوصل إلى جامع

الخطبة وهو من أعظم الجوامع لاتساع أرجائه، وكثرة زخرفته، وفى وسطه قبة تليها مقصورة ليصلى فيها السلطان صلاة الجمعة، وبصدر الدهاليز مدخل يوصل إلى الإيوان الكبير الذى نُصب به سرير الملك؛ وهو منبر من الرخام، وتمتد من هذا الإيوان مساحة كبيرة بها القصر الذى بناه «الظاهر بيبرس» فيما بعد. صارت «قلعة الجبل» منذ تم بناؤها مقر الدواوين السلطانية ودور الحكومة، فقد كانت حصينة جدا، وتشتمل على كثير من القصور، والإيوانات، والطباق والأحواش، والميادين، والإصطبلات، والمساجد، والمدارس، والأسواق، والحمامات، وكانت بها دار الوزارة، وديوان الإنشاء، وديوان الجيش، ودار النيابة، وبيت المال، وخزانة السلطان الخاصة، والدور السلطانية، وكذلك الأبراج التى كان الخارجون على السلطان ونظام الدولة يُحبسون بها. وكان نقش بابها: «بسم الله الرحمن الرحيم». أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة، المجاورة لمحروسة القاهرة بالعرصة، التى جمعت نفعًا وتحصينًا وسعة على من التجأ إلى ظل ملكه مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بن أيوب محىى الدولة أمير المؤمنين فى نظر أخيه وولى عهده الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد خليل أمير المؤمنين، على يد أمير مملكته ومعين دولته قراقوش عبدالله المكى الناصرى فى سنة تسع وسبعين وخمسمائة». إنشاء المدارس: عُنى «صلاح الدين» ببناء المدارس، فبنى مدرسة بالقرب من قبر الإمام «الشافعى» بالقرافة، وبنى مدارس الناصرية والقمحية، وكذلك نهج نهجه سلاطين «بنى أيوب»، فأسس الملك «الكامل» مدرسة دار الحديث الكاملية؛ نسبة إليه، وكانت عبارة عن بناء متجه إلى القبلة، وفى وسطه صحن كبير مربع، وفى كل جانب من جوانبه الأربعة إيوان، وتعلوها قبة تحتها محراب، ومن ثَمََّ لم تختلف المدارس عن المساجد من حيث الهيئة والشكل. وكان الطلبة يذهبون إلى تلك المدارس بانتظام لتلقى العلم مجانًا،

وكان سلاطين الدولة الأيوبية يهتمون بالمدارس وإنشاء المزيد منها، ويوقفون عليها الأوقاف الكثيرة، ويرتبون لها الفقهاء والعلماء لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، فكثرت بها المباحثات والمناقشات بتشجيع من السلاطين الذين شُغفوا بالبحث العلمى، كما كان منهم مَنْ ينظم الشعر ويجيده كالملك الكامل. تأسيس المنصورة: يُعدُّ إنشاء مدينة «المنصورة» من الأعمال العظيمة التى خلدت ذكر دولة الأيوبيين، فقد أنشأها السلطان «الكامل» سنة (616 هـ = 1218م)؛ إذ قام بإنشاء مدينة على الشاطىء الشرقى لفرع «دمياط» عقب سقوط «دمياط» فى أيدى «لويس التاسع»، واتخذ «الكامل» المدينة الجديدة مركز دفاع له يقاوم به الصليبيين. وبعد أن تمكن «الكامل» من استرجاع مدينة «دمياط» من أيدى الصليبيين أطلق اسم «المنصورة» على مدينته الجديدة تيمنًا بالنصر، ثم ما لبثت هذه المدينة الجديدة أن اتسعت، واشتهرت منذ إنشائها بأنها مدينة حصينة، وكانت سجن «لويس التاسع» ومَنْ كانوا معه حين تم أسرهم ووضعهم بدار الحكمة، التى مازالت معروفة لدى العامة حتى اليوم باسم «دار ابن لقمان» نسبة إلى «القاضى فخر الدين بن لقمان» الذى كان ينزل بها كلما جاء إلى «المنصورة». قلعة الروضة: بناها السلطان «الصالح نجم الدين أيوب» فى جنوب «جزيرة الروضة» سنة (638هـ)، وهى تشغل مساحة كبيرة من الأرض، وقد عُمِّرت بالأبنية والقصور، وجُهزت بالأسلحة والمعدات والآلات الحربية. وأنشأ فيها «نجم الدين» جامعًا، وشيد برجًا، وبنى لمماليكه البحرية ثكنات لسكناهم، فلما تم بناؤها وتجهيزها انتقل إليها مع أفراد أسرته ومماليكه البحرية، واتخذها مقرا لحكمه. وظلت «قلعة الروضة» عامرة حتى زالت الدولة الأيوبية، وتولى «أيبك» السلطنة، فأمر بهدمها، ونقل جميع ما بها إلى «قلعة الجبل» التى أسسها «صلاح الدين». عاصمة مصر فى العصر الأيوبى: ربما يتبادر إلى الذهن سؤال حول عاصمة الأيوبيين، ولماذا لم يعمد

«صلاح الدين» إلى إنشاء عاصمة جديدة لدولته جريا على سياسة مَنْ سبقوه من ولاة «مصر» وخلفائها؟ والإجابة: أن «صلاح الدين» استن فى ذلك سنة جديدة، وضم «الفسطاط» و «العسكر» و «أطلال القطائع» و «القاهرة» بعضها إلى بعضها الآخر بقصد توسيع مدينة «القاهرة» وجَعْلها فى ثوبها الجديد عاصمة لدولته، بعد أن أحاطها بسور عظيم طوله خمسة عشر كيلو متر (15كم)، ومتوسط عرضه ثلاثة أمتار، وبنى واجهة هذا السور من الحجر المنحوت وتتخلله الأبراج، ولاتزال بقاياه قائمة حتى اليوم فى جهات متفرقة، وأظهر هذه البقايا موجود بالفسطاط، وقد اقتضى ضم تلك العواصم إلى بعضها وإحاطتها بالسور وبناء القلعة هدمَ المبانى الموجودة فى ضواحى «القاهرة» من «مصر القديمة» إلى «السيدة زينب»، وأقيمت حدائق للفاكهة مكان هذه المبانى، كما أقيم سد من الحجارة على حافة الصحراء بالجيزة؛ لحماية «القاهرة» من ناحية الغرب، وأصبحت هذه العواصم مجتمعة - بعدما أُدخل عليها من تعديل - عاصمة الدولة الأيوبية فى «مصر» آنذاك. وبعد: فقد كان العصر الأيوبى عصرًا حافلا بالإصلاحات والإنشاءات التى خدمت فن العمارة خدمات بارزة فى «مصر» و «سوريا»، وكما خدم الأيوبيون العلم بإنشاء المدارس وتشجيع العلماء ومساعدة الطلبة؛ كذلك خدموا العالم الإسلامى بالمحافظة على المذهب السنى والقضاء على المذهب الإسماعيلى الشيعى، ذلك بالإضافة إلى إسهاماتهم الجليلة التى قدموها للمسلمين كافة فى المجالات السياسية والاقتصادية والحضارية والحربية. رحم الله سلاطين «بنى أيوب» الذين ضحوا بكل شىء فى سبيل إعلاء كلمة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إرضاءً لله وخدمة للمسلمين، وإعلاءً لمكانة الأمة الإسلامية.

5 - 7:دولة المماليك البحرية

الفصل السابع *دولة المماليك البحرية [648 - 784 هـ = 1250 - 1382 م]. أصل المماليك: أكثر الأيوبيون من شراء المماليك الأتراك، وبنوا لهم الثكنات بجزيرة الروضة، وأطلقوا عليهم اسم «المماليك البحرية»، فقويت شوكتهم، وزادت سطوتهم، وسنحت لهم الفرصة بعد ذلك، فتولوا حكم «مصر». كانت الغالبية العظمى من جماعات المماليك الذين جلبهم الأيوبيون وسلاطين المماليك من بعدهم تأتى من «شبه جزيرة القرم» و «بلاد القوقاز»، و «القفجاق»، و «آسيا الصغرى»، و «فارس»، و «تركستان»، و «بلاد ما وراء النهر»، فكانوا خليطًا من الأتراك، والشراكسة، والروم، والروس، والأكراد، فضلا عن أقلية من مختلف البلاد الأوربية. والمماليك طائفة من الأرقَّاء الذين اشتراهم سلاطين «مصر» وأكثروا منهم، لاسيما فى العهد الفاطمى، ثم تهيأت لهم الظروف ليحكموا «مصر» و «الشام»، وبلاد أخرى، ومع ذلك احتفظوا أثناء حكمهم لمصر بشخصيتهم، ولم يختلطوا بأى عنصر من عناصر السكان فى «مصر» وفى غيرها من البلاد التى حكموها. وكان المماليك ينقسمون فيما بينهم إلى أحزاب وطوائف متنافسة، ولكن هذا الانقسام لم يكن يؤثر على وحدتهم أمام العالم الخارجى حين يواجهونه، فقد كانوا يظهرون كعصبة واحدة متحدة، ويفسر ذلك سر قوتهم وأسباب تفوقهم وانتصاراتهم الحربية. وكان باب الترقى فى حكومة المماليك مفتوحًا على مصراعيه أمام كل مملوك يثبت كفاءته فى العمل، فيترقى من مملوك إلى أمير حتى يصل إلى عرش المملكة بكفاءته واجتهاده، فالسلطان لم يكن إلا واحدًا من أمراء المماليك، قدموه على أنفسهم لقوة شخصيته، ووفرة أنصاره، وكثرة جنوده، وقدرته على المنافسين الطامعين فى العرش، ولقد سطرت دولة المماليك الأولى «المماليك البحرية» صفحة مضيئة من تاريخ «مصر» خاصة، والتاريخ الإسلامى عامة، على أيدى سلاطينها الأقوياء الذين عملوا على توحيد البلاد، ورفع رايات الجهاد، وهم: -1 العز أيبك:

بعد أن زالت دولة الأيوبيين، وانتقل الحكم إلى المماليك باختيار «عز الدين أيبك التركمانى» لعرش السلطنة (648 - 655هـ) لم تستقر الأوضاع تمامًا، شأن كل فترات الانتقال من نظام إلى نظام، أو بناء دولة وليدة على أنقاض أخرى بائدة، ولم يخلُ عهد «أيبك» من المنازعات التى نشبت بينه وبين المماليك على السلطنة، خاصة أن «فارس الدين أقطاى» رئىس «المماليك البحرية» لم يكن مقتنعًا بأيبك، فدارت بينهما مناوشات كثيرة، وتمكن «أيبك» من القضاء على «أقطاى»، ولكنه لم يلبث طويلا بعد ذلك وقُتل؛ ليتولى العرش من بعده ابنه «على». 2 - على بن أيبك (المنصور نور الدين) [655 - 657هـ]: تولى «المنصور» عرش السلطنة عقب مقتل أبيه، وتلقب بالمنصور نور الدين، إلا أنه لم يكن أهلا لهذه المسئولية الجسيمة، خاصة أن البلاد الإسلامية - آنذاك - كان يتهددها خطر المغول، الذين سيطروا على مركز الخلافة الإسلامية، بالإضافة إلى أن «المنصور» كان لايزال طفلا فى الحادية عشرة من عمره، ولذلك لم يجد الأتابك «سيف الدين قطز» صعوبة فى عزله وتولى عرش السلطنة بدلا منه. 3 - سيف الدين قُطُز: كان «قطز» أتابكًا للمنصور نور الدين على بن أيبك، ورأى هولاكو قائد المغول قد سيطر على «بغداد»، وقتل خليفة المسلمين، وزحف يهدد بغزو «مصر»، فأحس أن ظروف البلاد تتطلب منه أن يقوم بدور فعال فى إنقاذها من خطر الغزو فى هذه المرحلة الخطيرة، فعزل «على بن أيبك» الذى كان صغيرًا لا يدرك عاقبة الأمور، وتولى السلطنة، وقام بتنظيم الجيش وإعداده، وخرج لملاقاة التتار فى أواخر شهر شعبان عام (658هـ)، وتمكن فى رمضان من العام نفسه من إلحاق هزيمة نكراء بهم فى «عين جالوت» (تقع بين «بيسان» و «نابلس» بفلسطين)، وقتل من جيش التتار ما يقرب من نصفه، وأجبر الباقى على الفرار، ثم دخل بعد ذلك «دمشق»، ثم عاد إلى «مصر». وفى «القصير» (بمحافظة الشرقية)، وفى طريق عودة «قطز» إلى

«مصر» أمر جنوده بالرحيل تجاه «الصالحية»، وبقى مع بعض خواصه وأمرائه للراحة، فاتفق عدد من المماليك بزعامة «بيبرس» على قتله، وتم لهم ما أرادوا فى ذى القعدة سنة (658هـ)، بعد أن قام «قطز» بدحر التتار وهزيمتهم، وتشتيت جيشهم، وحفظ العالم الإسلامى من شرهم الذى لم يسلم منه أحد فى طريقهم. 4 - الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ): انتقل عرش السلطنة بعد «قطز» إلى «ركن الدين بيبرس»، الذى يُعدُّ المؤسس الفعلى لدولة المماليك وأعظم سلاطينها؛ إذ اجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام. عقد «بيبرس» العزم على أن تكون «مصر» والشام من أعظم البلاد آنذاك، ووهب حياته للجهاد، وجعل هدفه رفع شأن الأمة الإسلامية، وإليه يرجع الفضل فى انتقال الخلافة العباسية إلى «القاهرة» بعد سقوطها فى «بغداد»، وأصبحت مصر دار الخلافة الإسلامية؛ إذ استقدم «بيبرس» «أحمد بن الخليفة الظاهر العباسى»، وبايعه بالخلافة فى حضرة الأمراء والعلماء ورجال الدولة. وفى (4 من شعبان سنة 659هـ)، عقد الخليفة اجتماعًا منح فيه «بيبرس» تفويضًا منه لتسيير أمور البلاد، فكان ذلك تقوية له ضد خصومه ومنافسيه، كما كان إقرارًا بمشروعية النظام المملوكى، وبحقه فى تولى شئون البلاد. عادت إلى العالم الإسلامى هيبته بإحياء الخلافة الإسلامية، وأضحت «القاهرة» مقر الخلافة، ومركز السلطة الإسلامية المركزية، ومقصد المسلمين من كل حدب وصوب، وظلت على ذلك حتى انتقلت منها الخلافة إلى «استانبول» بعد قرابة ثلاثة قرون. ملامح من إصلاحات بيبرس: سَنَّ «بيبرس» نظام ولاية العهد لأول مرة فى تاريخ دولة المماليك البحرية، وحصر وراثة العرش فى أسرته بتعيين ابنه «محمد بركة خان» وليا للعهد، ليحد من تدبير الدسائس والمؤامرات حول عرش السلطنة، وما يجره ذلك من اضطراب وضعف للدولة. قام «بيبرس» بإصلاحات جوهرية فى البلاد، وأعاد إلى الأسطول

البحرى قوته، وعين قضاة من المذاهب الأربعة للفصل فى الخصومات، بعد أن كان القضاء مقصورًا على المذهب الشافعى، فعادت إلى العالم الإسلامى قوته على أسس تنظيمية دقيقة، إذ كان «بيبرس» إداريا حازمًا، وقائدًا شجاعًا، فدأب على رعاية شئون البلاد، وتنمية مواردها، وحفر الترع، وأصلح الحصون، وأسس المعاهد، وبنى المساجد التى من أشهرها مسجده المعروف باسمه فى ميدان «الظاهر» بالقاهرة. وكانت لبيبرس هيبة كبيرة فى قلوب أمراء البلاد، فخشوا بأسه لدرجة أن أحدهم لم يجرؤ على الدخول عليه فى مجلسه إلا بطلب وإذن منه. وقام «بيبرس» بدوره على خير وجه فى محاربة المغول والصليبيين تقليدًا للقائد البطل «صلاح الدين»، وأصدر عدة قوانين لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإصلاح الأوضاع الاجتماعية فى «مصر»، وأمر فى سنة (664هـ) بمنع بيع الخمور، وإغلاق الحانات، ونفى المفسدين. وكان «بيبرس» قائدًا شجاعًا، ضُربَت ببطولته وشهامته الأمثال، فقد خاض معارك ومواقع عديدة، سجل فيها بطولات رائعة، وأبلى بلاءً حسنًا فى مطاردة الصليبيين وتشتيتهم وإجلائهم عن الشرق الأدنى، واستعاد فى سنة (666هـ) «قيسارية»، و «أرسوف»، و «صفد»، و «شقيف»، و «يافا»، و «طرابلس»، و «أنطاكية»، فأضعف ذلك الصليبيين، وأنهكهم، وزاد من قوة المسلمين، وحرص على أن يؤكد صورة الحاكم العادل الذى يجلس بنفسه للمظالم، ويعطف على الفقراء. وفى (27 من المحرم سنة 676هـ = 1277م) تُوفِّى «الظاهر بيبرس» إثر عودته من واقعة «قيسارية» بالقرب من «دمشق»، وقد دُفن بها بعد حياة حافلة بالبطولة والشجاعة، سطر خلالها صفحات مجيدة مازال التاريخ يحفظها له وسيظل. أولاد بيبرس فى السلطنة (بركة خان، وسلامش): تولى «السعيد بركة خان» السلطنة عقب وفاة أبيه، وكان عمره تسع عشرة سنة، وكانت تنقصه الحنكة السياسية التى كانت متوافرة لأبيه، فنشبت الصراعات الحادة بين أمراء المماليك على

السلطنة، واضطربت الأوضاع وزادت القلاقل، ولم يتمكن «بركة خان» من السيطرة على الموقف، أو النهوض بدوره؛ لقلة خبرته بمثل هذه الأمور، ولذا لم يتمكن من الاستمرار طويلا على عرش السلطنة، وتولى من بعده شقيقه «بدر الدين سلامش» فى سنة (678هـ)، ثم عين «سيف الدين قلاوون» «أتابكًا» له، وكان أحد أمراء «المماليك البحرية» الأقوياء، فتحكَّم فى أمور السلطنة، وجعلها جميعها فى يده، وذلك لضعف «بدرالدين سلامش» وقلة مهاراته السياسية والحربية، ولذا لم يستمر «سلامش» أكثر من ثلاثة أشهر فى حكم السلطنة خُلع بعدها من منصبه، وتولى «سيف الدين قلاوون» بدلا منه، لتدخل البلاد فى عهده مرحلة جديدة تنهض فيها سياسيا وحربيا وحضاريا. السلطان قلاوون [679 - 689هـ = 1280 - 1290م]: انتقل الملك بعد «سلامش» (ابن «الظاهر بيبرس») إلى أتابكه «المنصور سيف الدين قلاوون»، الذى استمرت السلطنة فى بيته وأسرته حتى انتهاء دولة المماليك البحرية فى سنة (784هـ)، ولعل التجارب السياسية التى مر بها وتعرض لها فى خدمة «بيبرس» ومن قبله «قطز»، هى التى مهدت له السبيل لكى يكون أحد سلاطين المماليك الأقوياء والبارزين، وسار على نهج «بيبرس» السياسى فى إدارة شئون البلاد والتقرب من الشعب، واستقدم كثيرًا من المماليك وأطلق عليهم اسم «البرجية» نسبة إلى أبراج القلعة التى أقاموا فيها وجعلهم عونًا له، وأعدهم ليكونوا عونًا لأبنائه من بعده فى تثبيت عروشهم. ومضى على نهج «بيبرس» فى إخراج الصليبيين من بلاد الشام، واستعاد «اللاذقية» و «طرابلس» من أيديهم فى سنة (688هـ)، وتابع التتار وطارد فلولهم وهزمهم وأبعد أذاهم نهائيا عن «مصر» و «الشام». ويُعدُّ «قلاوون» من أبرز سلاطين الدولة المملوكية العظماء، كما يُعد أحد مؤسسى هذه الدولة، إذ أنفق أموالا طائلة على الإصلاحات والإنشاءات، وأشرف على سير العمل فيها بنفسه فى حزم وعزم

شديدين، ولعل أبرز الإنشاءات التى ترجع إلى عصره تلك القبة التى بناها، ودُفن تحتها، كما بنى «مدرسة» و «مارستانًا» -حملا اسمه - عام (688هـ)، ومازال هذا المارستان قائمًا حتى الآن ويُعرف باسم: مستشفى قلاوون»، وظل «قلاوون» يقوم بدوره الحربى والسياسى والاجتماعى والحضارى فى البلاد على أكمل وجه حتى وفاته سنة (689هـ). السلطان الأشرف خليل بن قلاوون [689 - 693هـ = 1290 - 1294م]: خلف الأمير «خليل» أباه على عرش السلطنة، فعاد فى عهده نفوذ الأمراء، وتجددت الصراعات الداخلية، إلا أنه استطاع التغلب على هذه المصاعب كلها على الرغم من قصر مدة حكمه للبلاد، وبرهن على أنه حاكم كفء مهيب، شديد البأس، عارف بأحوال المملكة، لدرجة أن «ابن إياس» قال عنه فى تأريخه: «كان الأشرف بطلا لا يكل عن الحروب ليلا ونهارًا، ولا يُعرف من أبناء الملوك مَنْ كان يناظره فى العزم والشجاعة والإقدام». ويكفى «الأشرف خليل» مجدًا يخلد اسمه بين أعظم قادة التاريخ الإسلامى أنه استطاع استعادة «عكَّا» من أيدى الصليبيين سنة (692هـ)، بعد أن استعصت على مَنْ كان قبله من السلاطين لحصانتها، كما تابع جهاده فى تتبع جيوش الصليبيين بالشام، واستعاد «صور» و «حيفا» و «بيروت»، وظل يضيف انتصارات عظيمة إلى سجل هذه الدولة كان من شأنها أن يظل العالم الإسلامى قويا مترابطًا، ويقوم بدوره فى البناء الحضارى. السلطان الناصر محمد بن قلاوون [693 - 741هـ = 1294 - 1341م]: بعد وفاة «الأشرف خليل» انتقل حكم السلطنة إلى «الناصر محمد ابن قلاوون» الابن الثانى للسلطان «قلاوون»، وكان قد نشأ فى بيت الملك محاطًا بالأمراء والنواب والحراس، غير أنه لم يتمتع طويلا بعطف ورعاية أبيه «قلاوون»، الذى مات ولما يبلغ «الناصر محمد» الخامسة من عمره، غير أنه لحسن حظه لم يحرم من عطف أخيه «الأشرف خليل» ورعايته، فاهتم بتربيته وأحسن معاملته، فنشأ «محمد» ولديه

من صفات أبيه وأخيه الكثير، فأصبح كأسلافه مهتما بالمشروعات الحيوية، ومحبا للغزو والجهاد. اعتلى «الناصر محمد» عرش «مصر» ثلاث مرات، استمرت الأولى عامًا واحدًا فى الفترة: (من سنة 693 إلى سنة 694هـ)، ثم اغتصبها منه «زين الدين كتبغا» الذى لقب نفسه بالعادل، و «حسام الدين لاُين» الذى تلقب بالمنصور، واستمرت فترة الاغتصاب هذه أربع سنوات عاشت البلاد خلالها عهدًا من الفتن والاضطرابات، وانتابتها مظاهر الضعف والانحلال، مما هيأ السبيل إلى عودة «الناصر محمد» إلى السلطنة ثانية ليتدارك تفاقم هذه الأوضاع. السلطنة الثانية للناصر محمد [698 - 708هـ]: لعل أبرز ما يميز الفترة الثانية لتولى «الناصر محمد» عرش السلطنة، الفتن والاضطرابات التى أحدثها وأشعلها أمراء المماليك سعيًا وراء الوصول إلى العرش، الأمر الذى اضطر «الناصر محمد» إلى الرحيل فى عام (708هـ) إلى «قلعة الكرك» للاحتماء بها بعيدًا عن مؤامرات الأمراء ودسائسهم، فمكن ذلك «بيبرس الجاشنكير» -أحد القادة العسكريين- من السيطرة على مقاليد الأمور، على الرغم من رسائل أمراء المماليك التى بعثوا بها إلى «الناصر محمد» يرجونه فيها العودة إلى «مصر»، إلا أنه تمهل حتى يقف على حقيقة الأمور، فلما رأى حاجة البلاد إليه قرر العودة إلى «مصر» ثانية، وتمكن من طرد «الجاشنكير»، وبدأ مرحلة ثالثة على عرش البلاد، كانت من أهم فترات تاريخ «مصر» والشام. السلطنة الثالثة للناصر محمد [709 - 741هـ]: استمرت فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة على «مصر» و «الشام» وما يتبعهما اثنين وثلاثين عامًا متصلة، انفرد فيها بحكم البلاد، وتمكن من القضاء على الفتن والدسائس، ونعمت البلاد فى عهده بأطول فترة استقرار شهدتها فى العهد المملوكى، وتعلق الشعب به وأحبه لما قدمه من أعمال جليلة وعظيمة رفعت من شأنه. تُعد فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة من أزهى عهود دولة المماليك

البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت دعائم البلاد، واستقرت أساليب الحكم والإدارة فيها، وازدهرت الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة» حاضرة لإمبراطورية شاسعة تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية، وكذلك بلاد «اليمن» التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب وده ملوك «أوربا» و «آسيا»، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه، وأرسلوا إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه. لم يقتصر نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من أنه نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل اتجه إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها - لتدينه الشديد- بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى شيدها، والتى مازال بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق على بره وتقواه، وذوقه الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل أشهرها: «المدرسة الناصرية» التى شيدها بشارع «المعز لدين الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى بناه بالقلعة سنة (718هـ)، ثم هدمه وأعاد بناءه سنة (735هـ) لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما شرع فى سنة (703هـ) أثناء سلطنته الثانية فى تجديد «المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان «قلاوون» سنة (688هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة، وأنشأ «خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة القادمين منهم من البلاد الشرقية. وقد أرخ «ابن إياس» لحكم «الناصر محمد»، وعبر عنه بقوله: «ولا يُعلَم لأحد من الملوك آثار مثله ولا مثل مماليكه، حتى قيل لقد تزايدت فى أيامه الديار المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار النصف من جوامع وخوانق وقناطر، وغير ذلك من العمائر». ولاشك أن هذه المنشآت كانت تعتمد على اقتصاد قوى، ورؤية حضارية من «الناصر محمد»، الذى وضع أسس السياسة العامة لدولة المماليك، وعُدَّ المنفذ الأكبر لها، فكان شديد البأس، سديد الرأى، يتولى أمور دولته بنفسه، مطَّلعًا على أحوال مملكته، محبوبًا من

رعيته، مهيبًا فى أمراء دولته، فكان المثل الأعلى لرجل السياسة فى دولة المماليك، كما كان «بيبرس» المثل الأعلى للقائد الحربى، وانطلقت بوفاته فى سنة (741هـ)، ألسنة الشعراء والأدباء لتأبينه والثناء عليه، والإشادة بذكره، وقد أطراه المؤرخ «أبو المحاسن بن تغرى بردى» بقوله: «إنه أطول الملوك فى الحكم زمانًا، وأعظمهم مهابة، وأحسنهم سياسة، وأكثرهم دهاء، وأجودهم تدبيرًا، وأقواهم بطشًا وشجاعة، مرت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلب مع الدهر ألوانًا، ونشأ فى الملك والرياسة، وله فى ذلك الفخر والسعادة، خليقًا بالملك والسلطنة؛ فهو سلطان ابن سلطان، ووالد ثمانية سلاطين؛ فهو أجل ملوك المماليك وأعظمهم بلا مدافع». وكانت وفاة «الناصر محمد» فى (20 من ذى الحجة سنة 741هـ). أولاد الناصر محمد وأحفاده [741 - 784هـ = 1341 - 1382م]: جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر محمد» أولاده وأحفاده فى الفترة من سنة (741هـ) إلى سنة (784هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد الآخر حتى سقوط دولة المماليك البحرية عام (784هـ)، وفى مدة بلغت ثلاثًا وأربعين سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد وأربعة أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف السنة، وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه، لسهولة خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا واضحًا، وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه أو يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛ فاضطربت أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن. بعد وفاة «الناصر محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر» (741 - 742هـ)، وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه، لامتناعه عن الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه الأمراء وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (742هـ=

1341م)، وعمره إذ ذاك يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وتم عزله بعد فترة وجيزة. ثم تولى أخوه «أحمد» عرش السلطنة ولقب نفسه بالناصر فى سنة (742 - 743هـ)، إلا أنه لم يستمر طويلا فى الحكم كسابقيه، ووقع الاختيار على أخيه «إسماعيل» سنة (743هـ)، ولكنه مالبث أن مرض ومات سنة (746هـ)، فتولى ابنه «شعبان» من بعده سنة (746 - 747هـ)، ولم يكن عهده خيرًا من سلفه، فخلفه أخوه «حاجى» سنة (747هـ)، ولم يستكمل عامًا واحدًا حتى اعتلى العرش «الناصر حسن» سنة (748هـ)، وهو لايزال فى الحادية عشرة من عمره، ولم يلبث أن عُزل، ثم عاد وتولى السلطنة ثانية فى سنة (755هـ)، وظل على العرش ست سنوات ونصف السنة، فعاد فى عهده الاهتمام بالعمائر الإسلامية، وبنى مسجده الشهير المعروف باسمه «مسجد السلطان حسن» بالقاهرة، ومع ذلك فقد ظلت حالة عدم الاستقرار فى البلاد سائدة، فكانت فرصة سانحة لظهور دولة المماليك الثانية المعروفة «بدولة المماليك البرجية».

5 - 8:دولة المماليك البرجية

الفصل الثامن *دولة المماليك البرجية [784 - 923 هـ = 1341 - 1517 م] كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر، وآخر سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان «حاجى» صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه عشر سنوات، فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه وضعفه، واستدعى الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم «القاضى بدر الدين بن فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين، وياسادتى القضاة: إن أحوال المملكة قد فسدت، والوقت قد ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى على خلع الملك الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية البلاد، فاعتلى عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك البحرية بعد أن حكمت مائة وستا وثلاثين سنة. عُرفت الدولة الجديدة باسم: «دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها كانوا ينتمون إلى لواء من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق على جنوده اسم «المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية» الذين كانت إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك باسم: «المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم الأصلى الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)، وفيما يلى سوف نعرض لأهم الملامح الشخصية لسلاطين هذه الدولة، وظروف عصرهم. السلطان برقوق [784 - 801هـ = 1382 - 1399م]: يُعدُّ «برقوق» المؤسس الأول لدولة «المماليك البرجية»، فعلى يديه تم عزل آخر سلاطين دولة المماليك البحرية السلطان «الصالح حاجى»، فسقطت دولة البحرية، وقامت دولة البرجية، فكثرت الصراعات الداخلية طمعًا فى السلطنة، وسادت الفوضى، وعَمَّت الفتن، وتميز عهد «برقوق» بالمعارضة الشديدة له، فاهتم بالقضاء على هذه الفتن، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى أرجاء ملكه، ثم عمل على إصلاح أحوال البلاد الداخلية، وظل على ذلك حتى استقرت له الأمور

فى أواخر عهده، ومات فى سنة (801هـ)، بعد أن عهد إلى ابنه «فرج» بالسلطنة من بعده. السلطان فرج بن برقوق [801 - 815هـ = 1399 - 1412م]: تولى «فرج» العرش بعد أبيه وله من العمر ثلاث عشرة سنة، فكثرت فى عهده الاضطرابات والفتن، وخرج عليه الأمراء، خاصة أمراء «سوريا» الذين عارضوا حكمه، فحاول «فرج» أن يسيطر على الموقف وظل يكافح كفاحًا مضنيًا طويلا من أجل تحقيق ذلك، وتمكن من القضاء على فتنة الأمراء فى «سوريا»، ومع ذلك تهدد عرشه بالسقوط أكثر من مرة، إلا أنه ظل يقاوم حتى قُتل فى سنة (815هـ). السلطان «شيخ المؤيد» [815 - 824 هـ = 1412 - 1421م]: بعد القضاء على السلطان «فرج ابن برقوق» جلس الخليفة «المستعين» على عرش «مصر» بهدف إعادة الاستقرار إليها وإلى العالم الإسلامى، إلا أنه لم يلبث على ذلك طويلا، وتولى السلطان «شيخ المؤيد» أمور السلطنة، واستطاع أن يقضى على الثورات، وأعاد إلى البلاد وحدتها واستقرارها، فأتاح له ذلك أن يحكم البلاد حكمًا هادئًا فى جو مستقر، وقام ببعض الإصلاحات الداخلية، وبنى جامعه المعروف باسمه بجوار باب زويلة مكان سجن قديم. مات «شيخ المؤيد» بعد مرض لم يمهله طويلا، فترك العرش لابنه «أحمد». السلطان ططر [824هـ]: كان «أحمد» الذى خلف والده «شيخ المؤيد» طفلا رضيعًا عمره سنة ونصف. فتولى الوصاية عليه الأمير «طونبغا»، فنافسه عليها الأمير «ططر»، وتمكن من عزله وعزل «أحمد»، وتولى هو عرش السلطنة، ولكنه لم يمكث طويلا، فقد توفى بعد شهرين من سلطنته، فتولى من بعده ابنه «محمد بن ططر» الذى كان صغيرًا، ولم يستمر فى الحكم أكثر من سنة واحدة، ثم تولى السلطان «برسباى» السلطنة. السلطان برسباى [825 - 841 هـ]: امتاز عهد «برسباى» بالهدوء والاستقرار، فقد نجح فى القضاء على قراصنة البحار الذين هددوا التجارة، واستولى من القراصنة على غنائم كثيرة، لدرجة أن ملك «قبرص» قبَّل الأرض بين يديه

عرفانًا له بما صنع، وكذلك هدأت الأوضاع فى «سوريا»، وبسط «برسباى» سلطته على «مكة» و «جدة» واحتكر لبلاده طرق التجارة، وعزز اقتصادها، فانتعشت «مصر» اقتصاديا وحضاريا. تُوفِّى «برسباى» سنة (841هـ) وترك العرش لابنه «يوسف» وكان لايزال طفلا صغيرًا، فلم يحكم سوى ثلاثة أشهر، وخلفه «جمقمق» على عرش السلطنة. السلطان جمقمق [841 - 857هـ]: واجه «جمقمق» صعابًا عديدة فى بداية عهده؛ إذ واجهته الثورات، واشتعلت فى بلاده الفتن، وزادت القلاقل، وكان رجلا يمتاز بالقوة والمثابرة، فتمكن من السيطرة على الموقف وقضى على الصعوبات التى واجهته، واتجه إلى الإصلاح الداخلى وإعادة الهدوء إلى البلاد، ثم عمل على توطيد علاقاته مع الإيرانيين وأمراء «آسيا الصغرى»، وتزوج من ابنة «دلجادير» حاكم مدينة «أبلستين»، فمضى فى حكمه بعد ذلك فى هدوء، ثم مات سنة (857 هـ)، وتولى من بعده ابنه السلطان «عثمان بن جمقمق» الذى أساء إلى الرعية، فتم عزله، وتولى عرش «مصر» من بعده السلطان «إينال». السلطان إينال [857 - 865 هـ = 1453 - 1461م]: تولى قائد الأسطول الإسلامى «سيف الدين إينال» السلطنة، وسار فى الناس سيرة حسنة أرضت عنه المماليك الذين أغدق عليهم بالهبات والأموال والعطايا، وتمكن من القضاء على الفتن التى واجهته، ولم تتعرض البلاد فى عهده لأى غزو خارجى، نظرًا إلى العلاقات الحسنة التى أقامها مع زعماء الدول الخارجية، واستطاع أن يستولى على «كرمان»، فتميز عهده بالهدوء، وظل على ذلك حتى وفاته سنة (865هـ)، فخلفه ابنه «أحمد بن إينال» على العرش، إلا أنه سرعان ما تنازل عنه، وابتعد عن الدسائس والمؤامرات والفتن التى كان يدبرها أمراء المماليك، فأخذ السلطان «خشقدم» مكانه وتولى عرش السلطنة. السلطان خشقدم [865 - 872هـ]: كان عهد «خشقدم» أكثر العهود اضطرابًا، فوجد نفسه أمام عدة قوى مناهضة كان عليه أن يواجهها، فعمل على تفتيتها والقضاء

عليها بالسلم أو بالحرب أو بالحيلة، حتى استطاع القضاء على معظمها، ومات ولايزال بعضها منقسمًا على نفسه نتيجة محاولات التشتيت التى قام بها حيالهم. السلطان قايتباى [872 - 901هـ = 1467 - 1496م]: لم يتولَّ «قايتباى» السلطة مباشرة بعد «خشقدم»، وإنما سبقه على العرش «بلباى» و «تيموربنا» اللذان حكما شهرًا واحدًا لكل منهما، فقد كان ذلك العهد مليئًا بالاضطرابات والفتن، وظل على ذلك حتى تولى «قايتباى» مقاليد الأمور، وكان رجلا شجاعًا جريئًا ذا مروءة عالية، تجلت حين علم باضطهاد المسلمين فى «إسبانيا»، فأرسل إلى ملكها يتهدده ويتوعده إذا لم يقلع عن الإساءة إلى المسلمين فى بلاده. واجه «قايتباى» عدة صعاب استطاع التغلب على أكثرها، وتفرغ للإصلاحات الداخلية، والمنشآت الحضارية التى خلدت اسمه، ولعل أبرزها قلعته الحصينة الشهيرة بالإسكندرية. مصر بعد قايتباى [901 - 906هـ]: شهدت هذه السنوات القليلة التى تلت حكم «قايتباى» عددًا من السلاطين تميز جميعهم بالضعف وسوء الإدارة، كما تميزت فترات حكمهم بالدسائس والمؤامرات والفتن والاضطرابات، فقد تولى «السلطان الناصر محمد بن قلاوون» الحكم عقب وفاة أبيه، وكان صغير السن، فتولى القائد «قانصوه الخمسمائة» الوصاية عليه فى بداية عهده، ولكن «الناصر محمد» ترك العرش وتنازل عن السلطنة حين رأى الدسائس والفتن والاضطرابات من حوله، فتولى من بعده عدد من السلاطين، كانت مدة حكم كل منهم قصيرة، فساعد ذلك على زيادة الاضطرابات واشتعالها، وظل الوضع على ذلك حتى تمكن «قانصوه الغورى» من الوصول إلى العرش، وهؤلاء السلاطين هم: «قانصوه الأشرفى»، و «جنبلاط»، و «طومان باى الأول». السلطان قانصوه الغورى [906 - 922هـ=1501 - 1516م]: بدأ السلطان «الغورى» عهده بتشتيت شمل مثيرى الفتن والقلاقل، وقاوم بصلابة وحزم الثورات التى قامت، وأعد أسطولا لحماية التجارة من غارات البرتغاليين، فقد دأب البرتغاليون بقيادة

«فاسكودى جاما» على إثارة القلاقل فى الدول الإسلامية المتاخمة لطريقهم إلى المشرق محاولين بذلك السيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب، إلا أن سلاطين المماليك وقفوا لهم بالمرصاد، واستطاعوا ردهم على أعقابهم أكثر من مرة، على الرغم مما كان يعانيه هؤلاء السلاطين من الفتن والاضطرابات داخل البلاد. حاول «الغورى» إعادة السيطرة البحرية إلى بلاده ودعم موقفه، وبعث إلى البابا يهدده إذا لم يكف البرتغاليون عن غاراتهم، إلا أن الضعف العام الذى حل بالدولة نتيجة الاضطرابات وزيادة نفقات المماليك أدى إلى سيطرة البرتغاليين على طرق التجارة، وعمل «الغورى» على رد غارات البرتغاليين، وأخذ يستعد لذلك، إلا أن الدولة العثمانية أرسلت قوة حربية للسيطرة على بلاد الشام، ثم أمدت هذه القوة بالجنود والمعدات وحولتها إلى جيش كبير حارب المماليك فى منطقة «مرج دابق» بالشام، فتمكن العثمانيون من هزيمة المماليك، وقتلوا السلطان «الغورى» الذى كان يقود الجيش بنفسه فى سنة (922هـ). السلطان طومان باى الثانى [922 - 923 هـ = 1516 - 1517م]: بعد مقتل «الغورى» بالشام استقر الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»، وجلس «طومان باى» على العرش فى فترة كانت شديدة الحرج فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها. حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على

أيدى العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر «القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج «طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ)، بعدما بذل كل جهوده وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم، ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين. المماليك حماة الإسلام: إن المتتبع لأحداث العالم الإسلامى عبر صفحات التاريخ، سوف يجد أمرًا فريدًا تميزت به بلاد المسلمين عن غيرها من بلاد العالم، وكان الدين الإسلامى هو العامل الرئيسى والوحيد وراء هذا التميز والتفرد، فنجد فى تاريخ المسلمين عبر فتراته المختلفة أن الدين الإسلامى هو سر القوة الكامن فيهم وفى وحدتهم، ويجد المتتبع أن دولة الإسلام إذا حل بها ضعف فى مكان ما منها؛ فسرعان ما تقوم قوة إسلامية فى مكان آخر لتعوض هذا الضعف، وترفع راية الجهاد، لكى تستكمل مسيرة البناء والحضارة، فنجد أن الخلافة حين ضعفت فى «بغداد» ظهرت قوة الأيوبيين والمماليك فى «مصر»، فلما حل الضعف بالمماليك، قامت قوة العثمانيين، وهكذا فى تتابع عجيب؛ ليؤدى كلٌّ دوره الحضارى والتاريخى فى هذا البناء العظيم الذى أقامه المسلمون فى كل مكان حل به الإسلام. ولأن المماليك إحدى هذه القوى التى قامت باستكمال ما عجزت عنه بعض القوى الأخرى نتيجة قصور فى شىء أو ضعف ما، فقد قاموا بخدمات جليلة لرفع شأن الإسلام، وتعظيم هيبة المسلمين، وجاهدوا فى سبيل تحقيق ذلك بأموالهم وأوقاتهم وأرواحهم، وخاضوا غمار المعارك للذود عن الإسلام والمسلمين، وفيما يلى سوف نعرض لأهم المعارك التى خاضوها.

عين جالوت [658هـ]: لم تكد الأمور تهدأ فى «مصر» فى بداية عهد المماليك حتى سقطت الخلافة فى «بغداد» على أيدى التتار الذين اجتاحوا بلاد المسلمين وسيطروا عليها، ولم يعد أمامهم سوى «مصر»، فسعوا إلى الإيقاع بها ليكون العالم الإسلامى كافة فى قبضتهم. فبعد سقوط «بغداد» زحف التتار بقيادة «هولاكو» تجاه «سوريا» واحتلوا «حلب»، وقتلوا خمسين ألفًا من سكانها، ثم احتلوا «حماة» و «دمشق» وعقدوا معاهدة مع «أنطاكية» (على حدود الروم) للتحالف ضد المسلمين، ولم يكتفِ «هولاكو» بذلك، بل أرسل إلى ملك «مصر» يطلب منه التسليم، ويهدده بالقضاء على جيوش المسلمين كلها إن لم يُسرع بذلك، فقد رأى «هولاكو» أثر تهديداته بهذه الصورة على مقر الخلافة فى «بغداد»، وظن أن يجد الصدى نفسه لدى حكام «مصر»، ويدخل «مصر» بسهولة ودون مقاومة مثلما دخل «بغداد»، إلا أن «سيف الدين قطز» أجبره على أن يفيق من أحلامه بصاعقة لم تكن متوقعة، فقد مزق رسالته وقتل رسله وعلق رءوسهم على مداخل «القاهرة»، وتوعده بالموت والهلاك إن لم يرحل عن هذه البلاد التى قتل من مسلميها ما لايُحصَى عدده، وجعل الدماء أنهارًا فى «بغداد» والشام. خرج «المظفر قطز» فى أواخر شهر شعبان سنة (658هـ) لملاقاة التتار الذين وصلت طلائعهم إلى غزة بقيادة «كتبغا»، ودارت رحى المعركة بين الطرفين فى «عين جالوت» بفلسطين فى رمضان من سنة (658هـ)، وأظهر فرسان المماليك، والجند المصريون شجاعة بالغة بقيادة السلطان «المظفر قطز» وبجواره «بيبرس» أعظم فرسان المماليك البحرية. وتجدر الإشارة إلى الارتباك الشديد الذى حدث بين صفوف المسلمين فى بداية المعركة، فلما رأى «قطز» ذلك عمل على رفع معنويات جنده وشد عزيمتهم، وألقى خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصاح بأعلى صوته: واإسلاماه .. واإسلاماه؛ فاستجاب له الجند، ودوت الصيحة فى ميدان المعركة، ورفع المسلمون أصواتهم

بالتكبير .. الله أكبر .. الله أكبر، وعمدوا إلى قتال عدوهم، وجاهدوا بإخلاص وثقة فى سبيل الله للحفاظ على الدين والأرض والمال والولد، فكتب الله لهم النصر المؤزر على جحافل التتار، وقضوا عليهم قضاء مبرمًا. ويعد الانتصار العظيم الذى حققه المسلمون على التتار فى «عين جالوت» من أعظم الانتصارات فى التاريخ الإسلامى على الإطلاق، فلم يكن مجرد انتصار عسكرى فحسب، بل كان انتصارًا للحضارة، وإنقاذًا للمدنية الإنسانية كلها من أمة همجية، لم تكتف بالقتل والذبح والتشريد؛ بل عملت على الهدم والتخريب والدمار، فقتلت المسلمين بوحشية، وهدمت مكتبات «بغداد»، وألقت بأعظم المؤلفات العلمية والحضارية فى نهرى «دجلة» و «الفرات»، ولولا رحمة الله -تعالى- بهذه الأمة بأن قيض لها قادة عظماء، ورجالا يخشون الله تعالى، وفرسانًا يعملون على إعلاء كلمة «لا إله إلا الله»، والحفاظ على وحدة الأمة؛ لتغيرت أحداث التاريخ، واختلفت مجريات الأمور، وتباينت صور الحضارة فى هذه البلاد. ولكن الله - تعالى - أراد السلامة لهذه الأمة من خطر التتار وهمجيتهم، فردهم على أعقابهم مدحورين خاسرين. علاقة المماليك بالصليبيين: تمتعت «مصر» فى عهد المماليك بمركز ممتاز بين دول العالم شرقًا وغرباً؛ فهى التى هزمت الصليبيين فى معركة «حِطِّين»، وهزمت المغول فى «عين جالوت» وأخضعت «أرمينية» لسلطانها، وبسطت نفوذها على بلاد «اليمن» و «الحجاز»، ووسعت أملاكها فى «إفريقية»، وأصبحت - بحق - مقر الحكومة الإسلامية، خاصة بعد انتقال الخلافة الإسلامية من «بغداد» إليها. لم تستقر الأوضاع تمامًا فى عهد سلاطين المماليك، ومع ذلك لم يكونوا أقل حماسة فى طرد الصليبيين من أسلافهم الأيوبيين، إذ لم تكن الحملة الصليبية السابعة - التى فشلت وأسر قائدها بالمنصورة فى العهد الأيوبى - آخر جولات الصليبيين مع «مصر»، فقد رأى «الظاهر بيبرس» - حين استتب الأمر للمماليك وقويت شوكتهم - متابعة

سياسة «صلاح الدين الأيوبى» وخلفائه فى مطاردة الصليبيين وإجلائهم عن الشرق الأدنى، ولم يكن ذلك بالأمر الهين؛ إذ كان يتعين عليه مواجهة الكيانات الصليبية فى «أنطاكية» و «طرابلس»، وفى الجزء الباقى من مملكة «بيت المقدس» ليقضى على إماراتهم فيها، ولكى يصل إلى تحقيق ذلك رأى القضاء على كل إمارة منها على حدة، فسارعت بعض المدن بعقد الصلح معه، وبدأ جهاده بحصار «قيسارية»، ثم استولى عليها، فرفع هذا النصر من معنويات جنوده، فتابع انتصاراته واستولى على «صفد»، و «شقيف»، و «يافا»، ثم على «أنطاكية» التى تحالفت مع التتار ضد المسلمين، فكان لسقوطها دوىّ هائل فى الإمارات الصليبية التى أسرعت بعقد الصلح مع «الظاهر بيبرس»، ذلك الرجل الذى وهب حياته للجهاد فى سبيل الله. وبعد أن هدأ القتال مع الصليبيين اتجه «بيبرس» إلى مواجهة المغول وانتصر عليهم فى معركة «عين جالوت»، ثم تعقبهم حتى أجلاهم عن بلاد الشام. لقد كانت حياة «الظاهر بيبرس» وجهاده محاولة منه لإعادة مسيرة الناصر «صلاح الدين» والمظفر «قطز» معًا، ولم يبخل فى سبيل تحقيق استقرار أمن المسلمين ودولتهم بكل ما يملك من وقت وجهد ومال، فأصبح عصره من أزهى عصور المسلمين فى التاريخ، وأعاد إلى البلاد هيبتها وأمنها واستقرارها بعد ما مر بها من فترات عصيبة سبقته، وكذلك أعاد إلى الخلافة الإسلامية مكانتها ونقلها إلى «القاهرة»، وأسس جيشًا قويا، وأسطولا عظيمًا، ويكفيه فخرًا أن «مصر» حققت انتصاراتها العظيمة على الصليبيين والمغول فى عهده وتحت قيادته. جهاد قلاوون وأسرته ضد الصليبيين: استأنف السلطان «قلاوون» الجهاد ضد الصليبيين فى سنة (685هـ)،وبدأ بمناوشتهم، وحاصر «اللاذقية» التى كانت تحت سيطرتهم، ثم استولى عليها وعلى «طرابلس الشام» من بعدها، ولم يبق فى أيدى الصليبيين فى الشرق الأدنى سوى «بيروت» و «صور»، و «عكا» التى كانت من أمنع الحصون الصليبية، فرغب فى

السيطرة عليها ثأرًا لبعض التجار المسلمين الذىن قتلهم الصليبيون، وزحف بجيشه وحاصرها إلا أنه مات قبل أن يتمكن من دخولها، وبقيت «عكا» فى أيدى الصليبيين حتى تولى «الأشرف خليل بن قلاوون» مهام السلطنة، وتمكن من فتح «عكا» ودخولها فى سنة (692هـ) بعد حصار ظل أربعة وأربعين يومًا، فعادت «عكا» إلى أيدى المسلمين بعد أن بقيت مائة عام كاملة تحت سيطرة الصليبيين، ثم توجه الأشرف بجيشه تجاه «صور»، و «حيفا» وتمكن منهما بعد جهاد عنيف أشاد به الشعراء ونظموا له القصائد، وهكذا تمكن «الأشرف خليل» من تحقيق هدفه وأمل أبيه من قبله، وقضى على بقايا الجيوب الصليبية فى الشام، وبذلك قضى على دولتهم فيها، فاتخذوا من جزيرة «أرواد» مستقرا لهم، وأخذوا يغيرون منه على سكان المدن الإسلامية فى الشام، وقطعوا الطريق على المارة، فاستغاث نائب السلطان على الشام بالسلطان «الناصر محمد بن قلاوون» الذى آلت إليه السلطنة. جهاد الناصر محمد: حين بلغت «الناصر محمد» استغاثة نائبه على الشام، جهز أسطوله البحرى وانضم به إلى جيش «طرابلس الشام» فى عام (702هـ)، وحاصر «جزيرة أرواد» بالجيش والأسطول معًا، وانتهى الأمر بهزيمة ساحقة للصليبيين، وعودة هذه الجزيرة - ذات الموقع الاستراتيُجى المهم، والتى افتتحها المسلمون الأوائل سنة (54هـ) - إلى ظل الحكم الإسلامى مرة ثانية، فانتهت دولة الصليبيين فى الشرق الأدنى والأراضى المقدسة. لم يتوقف «الناصر محمد» عند هذا الحد من الجهاد، بل تقابل فى سنة (702هـ) مع المغول بقيادة زعيمهم «غازان» فى «مرج الصقر» على مقربة من «حمص»، فقد حاول المغول الثأر لهزيمتهم فى «عين جالوت»، فواجههم «الناصر محمد» بما تميز به من شدة وبأس وقوة عزيمة، وهزمهم هزيمة ساحقة مات على إثرها «غازان» زعيم المغول حزنًا، وقوبل «الناصر محمد» بأعظم مظاهر الترحيب حين عودته من الشام إلى «مصر»، وأقيمت له أقواس النصر، وخرج الشعب كله

لاستقباله وتهنئته والترحيب به. لم يركن «الناصر محمد» إلى الراحة طيلة فترة حكمه للسلطنة، وعمد إلى الحفاظ على وحدة بلاد المسلمين، ورفع شأنهم، وخرج إلى «أرمينية» على رأس جيوشه حين نقضت العهد الذى كان بينها وبين المسلمين، وصمم على غزوها والسيطرة عليها تأديبًا لحكامها على نقضهم العهد، واجتاحت الجيوش الإسلامية بقيادته بلاد «أرمينية»، وتمكنت منها ودخلتها سنة (726هـ)، فعادت تبعيتها إلى الدولة الإسلامية، وقامت بدفع نفقات جيش المسلمين. لقد كتبت دولة المماليك بجهادها صفحة مجيدة من صفحات الجهاد فى التاريخ الإسلامى، وقامت بدورها كاملا فى حماية أراضى البلاد ومقدساتها من طمع أعدائها، سواء أكانوا من الصليبيين أم المغول، وحافظت على استقرار الأمن ورفع شأن المسلمين، ولم يكن الجهاد حكرًا فى هذه الحقبة من التاريخ على دولة «المماليك البحرية» وحدها، بل كان لدولة «المماليك البرجية» دورهم البارز فى هذا الشأن؛ إذ اشتبكت الجيوش الإسلامية فى عهد السلطان «برسباى» مع الصليبيين فى «قبرص»، وتمكن المسلمون من هزيمتهم فى موقعة «شيروكيتوم»، وأسروا ملك «قبرص» وجاءوا به إلى «القاهرة»، وظلت «قبرص» تحت سيطرة المماليك حتى دخل العثمانيون «مصر» سنة (923هـ).

5 - 9:النظم والحضارة فى عهد المماليك

الفصل التاسع *النظم والحضارة فى عهد المماليك النظام الحربى والبحرى: لاشك أن الانتصارات الرائعة التى أحرزها المماليك تعود إلى إعداد جيد للجيش وتنظيم دقيق له وللقائمين عليه، ولعل الفضل فى ذلك يعود إلى «الظاهر بيبرس» الذى أولى الجيش عنايته منذ ولى عرش «مصر»، فقد قام بنفسه بإعداده وتنظيمه وتسليحه، ليكون سنده فى الحروب ووقت الشدة، فاستكثر من شراء المماليك وعنى بتربيتهم تربية دينية وعسكرية، وعين لكل فئة منهم فقيهًا يعلمهم القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة، حتى إذا وصلوا إلى سن البلوغ أوكلهم إلى من يدربهم ويمرنهم على الأعمال الحربية، فإذا أتموا ذلك وأجادوه ألحقوا بجيش السلطان لتبدأ حياتهم الجهادية فى سبيل الله. فلما ولى السلطان «قلاوون» مقاليد الأمور فى سنة (679هـ)، زادت عنايته بشئون تدريب الجند المماليك، وأشرف على طعامهم بنفسه وكان يتذوقه قبل تقديمه إليهم، وكان لا يسمح لهم بمغادرة «قلعة الجبل» ليلا أو نهارًا، وظلوا على ذلك حتى ولى السلطان «خليل بن قلاوون» فى سنة (689هـ)، فسمح لهم بالخروج نهارًا فقط، ومنعهم من المبيت خارجها، ثم بنى لهم «الناصر محمد بن قلاوون» - فيما بعد - «الطباق» بساحة الإيوان بالقلعة وجعلها مقرا لهم. تكوين الجيش: كان جيش المماليك يتكون -عادة- من المماليك السلطانية وجنود الحلقة، وكانت لكل فريق من هاتين الطائفتين مرتبة لا يتجاوزها إلى غيرها، فالمماليك السلطانية هم مماليك السلطان، وتنفق عليهم الخاصة السلطانية، لأنهم حرس السلطان الخاص، وكان لهم نظام دقيق فى التدرج القيادى رتبة بعد رتبة، فمنهم من أطلق عليه أمير خمسة، وأمير عشرة، وأمير أربعين، وكذلك أمير مائتين، وكانت لكل صاحب لقب من هذه الألقاب واجبات والتزامات معينة، فأمير خمسة يكون فى خدمته خمسة مماليك، وأمير عشرة تكون عدته عشرة مماليك، أما «أمير الأربعين» فكان يطلق عليه «أمير طبلخانة» لحقه

فى دق الطبول على قصره كما يحدث للسلطان، ولم يكن لطبقة الأمراء هذه ضابط فى عدد أتباعها من المماليك، فقد يتفاوت عدد مَنْ يكون فى خدمة كل أمير منهم ما بين أربعين وثمانين مملوكًا، أما «أمير مائة» فكان فى خدمته «مائة» مملوك، ومقدم فى الوقت نفسه على ألف جندى فى الحروب، فيقال: «أمير مائة مقدم ألف». أما جنود الحلقة فكان لكل أربعين جنديا منهم رئيس لا حكم له عليهم إلا إذا خرجوا إلى القتال، فيقوم بترتيبهم فى أماكنهم، وليس له الحق فى أن يُبعد أحدهم من الخدمة إلا بإذن من السلطان. كانت هناك طائفة أخرى من المماليك تضاف إلى الطائفتين السابقتين، وهى طائفة مماليك الأمراء التى كان ينفق عليها أمراؤها، فقد كان مماليك هذه الفئة يحرسون أمراءهم ويساعدونهم على أعدائهم. ولم تكن مرتبات الجند ثابتة، وقد استبدل نظام المرتبات بإقطاعات كان السلطان يمنحها لهم ليتمتعوا بغلاتها وإيراداتها، فبات أمراؤهم - خاصة أمراء المماليك السلطانية - ذوى ثروة كبيرة ونفوذ عظيم، ذلك إذا وضعنا فى الاعتبار أن السلطان كان يمنحهم جزءًا من الغنائم، ورواتب أخرى من اللحم والتوابل والعليق والزيت. أساليب المماليك فى القتال: كانت شجاعة المماليك وفروسيتهم التى عُرفوا بها، وولاؤهم للأمير الذى يجلبهم، من أهم الأسباب لاستقدامهم من بلادهم، وكانت لهم خطوات دقيقة قبل الدخول فى أية معركة، وأهمها: عقد «مجلس الجيش» برياسة السلطان، وعضوية أتابك العساكر، والخليفة، وقضاة المذاهب الأربعة، وأمراء المائتين الذين بلغ عددهم أربعة وعشرين أميرًا؛ وكان الغرض من عقد هذا المجلس هو الاستنارة بآراء كبار رجال الدولة قبل الإقدام على الحرب، وجعل إعلان الحرب أمرًا مشروعًا، فإذا ما وافق المجلس على خوض الحرب؛ يأمر السلطان باستدعاء الجنود من مختلف جهات «مصر»، فيحلفون يمين الطاعة والولاء فى حضرته، ويتسلمون ما يلزمهم من عتاد الحرب من خزانة

السلاح التى كان يُطلق عليها اسم «السلاح خانة»، ثم يستعرضهم السلطان بنفسه وهو بلباس الحرب، وهو ما يعرف باسم «النفير»، فإذا مااستعرض السلطان الجند وتفقد أحوالهم وسلاحهم، اختار من كبار قواده قائدًا يسير على رأس الحملة الحربية، وقد جرت العادة أن يتخذ القائد مركزه فى القلب؛ حتى يراه جميع جنوده، وينفذوا أوامره، أو يتخذ مركزه فى المقدمة ليثير الحماسة فى نفوسهم، ويلقى الرعب فى قلوب أعدائه. كان المماليك يأخذون فى حروبهم بطريقة قتال الصفوف التى يقف فيها الجندى بجانب زميله حتى يكاد يلتصق به كما يحدث فى صفوف الصلاة، ويسير الجنود على هذا النحو حتى يصلوا إلى حيث استقر العدو فينازلوه ويناجزوه، وكان الخليفة - أحيانًا - يصحب الجيوش فى حملاتهم ليحث الجنود على الجهاد، ويبث الروح الدينية فى نفوسهم. اعتمد المماليك على الخيل فى حروبهم، لذا عنوا بها عناية فائقة، حتى صارت الفروسية فى عهدهم فنا عظيم الشأن، أفردوا لدراسته الكتب والرسائل العديدة التى مازالت موزعة بين خزائن المخطوطات فى العالم حتى الآن، وكذلك تعددت أسلحتهم الحربية، فكان منها: «السيف»، و «الخنجر»، و «الطبر»، و «البلطة»، و «الفأس»، و «القوس»، و «السهم»، و «المقلاع»، و «المنجنيق»، «والدبابات ذات الخيول»، و «الصنبور»، و «القلاع المتحركة»، و «النار اليونانية»، وجعلوا لهذه الأسلحة على اختلاف أنواعها دارًا تحفظ وتخزن فيها أطلقوا عليها اسم: «الزرد خانة»، أو «السلاح خانة»، أى بيت السلاح، وجعلوا رئاسة هذه الدار لأحد أمراء المائتين، وأطلقوا عليه لقب: «أمير السلاح»، وجعلوا جماعة من الموظفين عُرفوا باسم «السلاح دارية» لمعاونة الأمير فى مهام عمله، وكذلك كان يعمل بالدار جماعة من الصناع عُرفوا باسم: «الزرد كاش»، ومعناها: صانع الزرد، لصناعة وصيانة الأسلحة، واختص كل منهم بنوع معين من أنواع السلاح. لقد ظل المماليك محافظين على صنعتهم الحربية حتى بعد أن ضعف

شأنهم باستيلاء العثمانيين على «مصر» سنة (1517م)، لأن هذه النظم هى التى جعلت لهم السبق فى الاهتمام بالجانب الحربى، وأهَّلتهم لخوض المعارك الطاحنة، ومكنتهم من بسط نفوذهم ومد سلطانهم على «مصر» والشام و «الحجاز»، و «اليمن»، و «جزر المتوسط»، ومع ذلك كانوا دائمًا يتطلعون إلى ترسيخ دعائم دولتهم، وتحديث نظمهم ومعداتهم الحربية لأنهم يعلمون جيدًا أن عدوهم متربص بهم من البر والبحر، فعمدوا إلى الاهتمام بالسلاح البحرى إلى جانب اهتمامهم بتدريب الجند وتوفير ما يلزمهم. البحرية فى عهد المماليك: عندما آلت السلطة إلى سلاطين المماليك عمل «الظاهر بيبرس» منذ سنة (658هـ) على إعداد قوة بحرية قوية يستعين بها على صد الأعداء المتربصين بالبلاد من جهة البحر، فاهتم بأمر الأسطول، ومنع الناس من التصرف فى الأخشاب التى تصلح لصناعة السفن، وأمر بإنشاء الشوائى (وهى السفن الحربية ذات الأبراج والقلاع العالية للدفاع والهجوم) لكى تحمى «الإسكندرية» و «دمياط»، وكان السلطان يذهب بنفسه إلى دار صناعة السفن بالجزيرة ويشرف على تجهيز هذه الشوائى حتى تمكن فى النهاية من إعداد أسطول مكون من أربعين قطعة حربية، سَيَّرها إلى «قبرص» فى سنة (669هـ)، إلا أن هذا الأسطول هلك، فقام «بيبرس» بإنشاء أسطول آخر مما يدلل على المركز المالى القوى الذى تمتعت به دولة المماليك. نسج الأشرف «خليل بن قلاوون» على منوال «الظاهر بيبرس» فى عنايته بالأسطول، فقد أنشأ أسطولا مكونًا من ستين مركبًا جُهِّزت بالآلات الحربية والرجال، وأقام احتفالا كبيرًا حضره الناس من كل مكان حين ذهب إلى استعراض هذا الأسطول فى دار صناعة السفن بجزيرة الروضة. عُنى السلطان «الناصر محمد» بالأسطول مثلما فعل «بيبرس» و «خليل» من قبله، فأصبح لمصر أسطول من أقوى أساطيل هذا العهد، فقد كان يجمع بين «الشوائى»، و «الحراريق» (سفن حربية أقل من الشوائى)، و «الطرادات» (سفن حربية سريعة الحركة صغيرة

الحجم)، و «الأغربة» (سفن حربية تشبه رءوسها رءوس الفرسان والطيور)، و «البطش» (سفن تحمل المجانق)، و «القراقر» (سفن تستخدم فى تموين السفن)، وليس أدل على مبلغ اهتمام المماليك بالقوة البحرية مما ذكره «المقريزى» حين وصف الاحتفال بإنزال الشوائى إلى البحر للسفر إلى «طرابلس» بقوله: «وفى المحرم من سنة 705هـ تبحرت عمارة الشوائى، وجهزت بالمقاتلة والآلات مع الأمير «جمال الدين أقوش الفاوى العلائى» والى «البهن»، واجتمع الناس لمشاهدة لعبهم فى البحر، فركب «أقوش» فى «الشيئى» الكبير، وانحدر تجاه المقياس، وكان قد نزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك، واجتمع من العالم ما لم يحصهم إلا الله -تعالى- وبلغ كراء المركب الذى يحمل عشرة آلاف نفس مائة درهم، وامتلأ البران من «بولاق» إلى دار الصناعة حتى لم يوجد موضع قدم خالٍ، ووقف العسكر على بربستان الخشب، وركب الأمراء الحراريق إلى «الروضة»، وبرزت الشوائى للعب كأنها فى الحرب؛ فلعب الأول والثانى والثالث، وأعجب الناس بذلك إعجابًا زائدًا لكثرة ما كان فيها من آلات الحرب، ثم تقدَّم الرابع وفيه «أقوش» فما هو إلا أن خرج من منية الصناعة بمصر، وتوسط النيل. وإذا بالريح حركة، فانقلبت، وأنقذ الناس الشيئى، وأصلحوه، وسافروا بالشوائى لطرابلس، وليس أدل على اهتمام المماليك بأمر الأساطيل من اشتراك الأهالى مع الحكومة فى عرض الجيوش الحربية والأساطيل، والعمل على تقويتها وبناء سفن كثيرة، وقد أطلق الشعب على رجال الأسطول لقب: «المجاهدون فى سبيل الله والغزاة فى أعداء الله» وكان الناس يتبركون بدعائهم تعظيمًا لهم». وهكذا كانت عناية المماليك بالجيش، وكذلك كان اهتمامهم بالأسطول، وبذلك وصلت الأمة الإسلامية إلى ماوصلت إليه من مكانة سامية وشأن عظيم على أيديهم. النظم الإدارية فى عهد المماليك: أهم الدواوين: تكون الجهاز الإدارى فى «مصر» والشام من عدة دواوين حكومية،

يشرف كل منها على ناحية معينة من نواحى الإدارة العامة، وكانت أهم هذه الدواوين فى هذا العهد ما يلى: «ديوان الأحباس»، و «ديوان النظر»، و «ديوان الخاص»، و «ديوان الإنشاء». أما «ديوان الأحباس» فيشبه وزارة الأوقاف فى وقتنا الحالى، ويتولى صاحب هذا الديوان الإشراف على المساجد والربط، والزوايا، والمدارس، والأراضى، والعقارات المحبوسة عليها، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين. و «ديوان النظر» يشبه وزارة المالية حاليًا، وترجع إليه سائر الدواوين فى كل ما يتعلق بالمسائل الخاصة بالمتحصل والمنصرف من أموال الدولة، وله فوق ذلك الإشراف على حساب الدولة، وأرزاق الموظفين الدائمين والمؤقتين، وكان هذا الديوان يتخذ من القلعة مقرا له. وفى سنة (727هـ) أنشأ السلطان «الناصر محمد» «الديوان الخاص» لإدارة الشئون المالية التى تتعلق بالسلطان، ويتولى الإشراف عليه «ناصر الخاص» الذى عُرف من قبل فى عهد الفاطميين والأيوبيين، ولكنه لم يبلغ من الأهمية القدر الذى بلغه فى عصر المماليك خاصة فى عهد «الناصر محمد». أما ديوان الإنشاء فكانت أهم اختصاصاته تنظيم العلاقات الخارجية للدولة، وهو أول ديوان وُضع فى الإسلام، وقد نُظِّم فى عهد المماليك بأسلوب يتناسب مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وكان مقره «قاعة الصاحب» بقلعة الجبل، حيث ترد المكاتبات إليه من جميع أنحاء الولايات والممالك التى بينها وبين بلاد المسلمين علاقات سياسية، كما كانت تحرر فيه الكتب التى كان يرسلها السلطان إلى الملوك والأمراء، وقد لُقب صاحب ديوان الإنشاء بألقاب عديدة فى أوائل عهد المماليك، فلقبوه تارة باسم: «صاحب الدست الشريف»، وأخرى باسم: «كاتب الدرج» وثالثة باسم: «كاتب الدست» وبقيت هذه تسميته إلى أن تولى «القاضى فتح الدين بن عبدالظاهر» هذا الديوان فى عهد السلطان «قلاوون» فتلقب بلقب «كاتب السر»؛ لأنه كان يكتم سر السلطان، وكانت وظيفته من أعظم

الوظائف الديوانية وأجلِّها قدرًا، وكان له معاونون يساعدونه فى أداء ما عليه من التزامات وواجبات. كان من أبرزهم: «نائب كاتب السر»، ثم يليه فى المرتبة كُتَّاب الدست المتصلون بديوان الإنشاء، وكانوا يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل. كانت هناك دواوين أخرى - فى العهد المملوك - أقل شأنًا من تلك الدواوين السابق ذكرها، مثل «ديوان الأهراء» (وهى شئون الغلال السلطانية)، و «ديوان الطواحين»، ويتولى صاحبه الإشراف على طحن الغلال، و «ديوان المرتجعات»، ويشرف صاحبه على الأمور الخاصة بتركات الأمراء، وكذلك كانت هناك دواوين أخرى ذكرها «القلقشندى» على أنها دواوين مستقلة، ولكنها لم تكن - فى حقيقة الأمر - سوى إدارات تتصل اتصالا مباشرًا بالقصر السلطانى، أو بأحد الدواوين الرئيسية السابقة، وذكر «القلقشندى» منها - مثلا - «ديوان الإصطبلات»، و «ديوان المواريث»، و «ديوان الخزانة» و «ديوان العمائر»، و «ديوان المستأجرات». سارت دواوين الحكومة فى عصر المماليك على نسق واحد من حيث التنظيم الإدارى، فكان على رأس كل ديوان موظف كبير هو «ناظر الديوان»، وكانت مهام عمله تشبه إلى حد كبير ما يقوم به الوزير حاليا، ويليه فى المرتبة «مستوفى الصحبة»، و «مستوفى الدولة» ومهمتهما الإشراف على موظفى الدواوين المختلفة، ويلى هؤلاء طبقة الموظفين والكتاب وما يليهم. البريد: كان البريد أحد أهم إدارات «ديوان الإنشاء»، إذ كان واسطة الاتصال بين دولة المماليك فى «مصر» ونياباتها فى الشام وغيرها من الأقاليم، ولم يقتصر المماليك على البريد العادى فى إرسال رسائلهم، بل عمدوا إلى استخدام الحمام الزاجل فى نقلها، وجعلوا القلعة مركزًا لأبراجه، كما أقاموا مراكز معينة فى جهات مختلفة لتكون مراكز للبريد البرى، وخصصوا لكل محطة منها عددًا من الحمام الزاجل، وجعلوا على رعاية شئونه عددًا من الموظفين المتخصصين

فى ذلك، وكان فى كل محطة من هذه المحطات برج أو أكثر ليعيش فيه الحمام الذى سيقوم بنقل الرسائل إلى المحطة التالية، وقد عنى سلاطين المماليك عناية شديدة بما كانت تحمله هذه الحمائم من رسائل، لدرجة أن بعضهم أمر بإدخالها عليه حال وصولها، كما كان بعضهم يترك طعامه أو يستيقظ من نومه فى الحال عند وصولها. وهكذا كان تنظيم الدواوين فى عهد الدولة المملوكية غاية فى الدقة، ومظهرًا من مظاهر الرقى الحضارى الذى وصلت إليه هذه الدولة بما صنعته وحققته، ومثلا من أمثلة المتابعة الدقيقة التى آل سلاطين هذه الدولة على أنفسهم أن يتخذوها فى مراقبة شئون الدولة؛ لتحقيق الاستقرار الداخلى، الذى ينعكس - بطبيعة الحال - على كل مناحى الحياة فى الدولة. كبار الموظفين الإداريين: - الأتابك: «الأتابك» هو القائد العام للجيوش، وكلمة «أتابك» لفظة تركية مركبة من «أطا»، (وتعنى: أب) و «بك» (وتعنى: السيد أو الأمير) فيكون «الأتابك» هو: السيد الأب، أو الأمير الأب، أى أنه أبو الأمراء أو كبيرهم، وقد أُطلق هذا اللقب فى عهد المماليك على مقدم العساكر، أو القائد؛ لأنه يعتبر أبًا للعساكر والأمراء جميعًا، وكثيرًا ما خلع الأتابكة أبناء السلاطين من على العرش، واستولوا عليه وتولوه بدلا منهم. - الوزير: تطور نظام الوزارة فى «مصر» فى عهد المماليك، ولم يتمتع وزراء هذا العصر بنفوذ مطلق؛ لاستقرار منصب «نائب السلطان» الذى استحدثه الأيوبيون وعمل به المماليك، وقد حرص «الظاهر بيبرس» على اختيار وزرائه من أرباب الأقلام والسيوف، فإذا كان الوزير من أرباب القلم أُطلق عليه اسم: «الصاحب» مضافًا إليه صفة الوزير فيصبح لقبه: «الصاحب الوزير» أو «وزير الصحبة»؛ وهو وزير متنقل يرافق السلطان فى أسفاره وحروبه، وتكون مهام وظيفته مقصورة على تسيير شئون الوزارة فى هذه الأثناء. أما إذا كان هذا الوزير

من أرباب السيف اكتفى بتلقيبه بالوزير دون الصاحب، ويُعدُّ - بهذا - الوزير الأصلى الذى يحضر مجالس السلطان مع أمراء المائتين، وله حق التصرف فى جميع أمور المملكة. كان الوزير يتقاضى راتبًا شهريا قدره مائتان وخمسون دينارًا، عدا ما خصص له كل يوم من مقادير وفيرة من الغلال واللحوم والخبز وسائر ما يحتاج إليه، وقد ألغى السلطان «الناصر محمد» منصبى «الوزير» و «نائب السلطان» فى آنٍ واحد فى سنة (727هـ). - والى القاهرة: استلزمت شئون الإدارة تعيين موظف كبير يُعدُّ فى الواقع من أهم الموظفين الإداريين عرف باسم: «والى القاهرة»، فهو الذى ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، ويتعقب المفسدين، ومثيرى الفتن، ومدمنى الخمر، ويعاقب كلا منهم على حسب جريمته، كما كانت عليه مراقبة أبواب «القاهرة»، والطواف بأحياء التجارة والمال فيها، لذا أُطلِق عليه أحيانًا: «صاحب العسس» أو «والى الطواف»، واقتصر نفوذه على العاصمة وضواحيها. - ولاة الأقاليم: كانت فئة من الموظفين هى التى تشرف على كل عمل من أعمال الوجهين البحرى والقبلى بمصر، وكان على رأس هذه الفئة «والى الإقليم»، الذى يمثل الإدارة المحلية، وكانت مهمته تتركز فى العمل على استتباب الأمن والنظام، والمحافظة على أموال الناس وأرواحهم فى الإقليم الذى أوكلت إليه إدارته. - أمير جاندار: هى وظيفة إدارية تطلبتها ظروف هذا العصر، وكان على «أميرجاندار» أن يقوم بتنظيم إدخال الناس على السلطان وهو جالس بإيوانه بقلعة الجبل. - الحاجب: كان على «الحاجب» أن يقوم بما يقوم به «أميرجاندار» على أن يراعى مقامات الناس، وأهمية أعمالهم، وقد عظمت أهمية الحاجب فى العصر المملوكى. - الدوادار: هو الرجل الذى يتولى أمر تبليغ الرسائل إلى السلطان، كما يقوم بتقديم المنشورات إليه للتوقيع عليها. لقد كان نظام الإدارة فى عهد المماليك نظامًا دقيقًا قويا، تطلَّب

اختيار موظفين من أصحاب المواهب الفريدة والخبرات المتميزة فى تخصصاتهم، فنجحت سياسة الدولة المملوكية فى تسيير شئون البلاد، وتيسير مصالح الناس وحاجاتهم إلى حد كبير. النظام القضائى: تعهد «الظاهر بيبرس» النظام القضائى بالإصلاح والتعديل، ورأى فى تقسيم مناصب القضاء بين قضاة المذاهب الأربعة ما يضمن العدالة بين الناس، والتيسير عليهم، فقد عين فى سنة (663هـ) أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وكتب لكل منهم تقليدًا، وأجاز لهم أن يولوا نوابًا عنهم فى أنحاء البلاد. امتد اختصاص قاضى القضاة، وقضاة الأقاليم، وزاد نفوذهم، وامتد فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات الحقوق والحكم بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال التى ليس لها ولى معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى، وتفقد أحوال المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل السفه، ونظر -أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة ينظرون فى مصالح الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها وتثبيت فروعها، وقبض ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك كانوا يقبضون المال الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم بتسلم أموال المواريث المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء وحفظها حتى يحضر ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة ونوابهم على المدنيين، بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة عُرف كل منهم باسم: «قاضى العسكر»، واختصوا بشئون العسكر للفصل فى القضايا الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين المدنيين، وكانت جلسات القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية ويحضرها مَنْ شاء من الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه الجلسات، كما كانت دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم يكن هناك دور معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى الخصومات رتب القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم أحد على الآخر لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم قاعة الجلسة

بعدد من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»، و «الأمناء»، و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب والنساء فى الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا شهريا، عدا ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى إدارتها، بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير والخبز واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك تنظيمًا دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة وطهارة الذمة وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم يقبلوا تدخل أحد - مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما كانوا يطلبون إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول أحد تهديد كرامتهم، أو الاعتداء من قريب أو بعيد على استقلالهم، فقد كانوا لا يقبلون الرشوة ولا الهدية، لذا أصبحت لهم مكانتهم الكريمة ومقامهم المرموق فى الدولة، وفى نظر السلاطين والأمراء، وجميع طبقات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة للتدليل عليهم: «القاضى عبدالعزيز»، المعروف بعز الدين بن عبدالسلام (سلطان العلماء)، و «القاضى تقى الدين عبدالرحمن الشافعى» ابن بنت «الأعز»، و «القاضى تقى الدين محمد بن دقيق العيد»، وغيرهم، فقد كانوا أمثلة عظيمة وواضحة لما يجب أن يكون عليه القاضى العادل والشريف. الإفتاء: يلى القضاة فى الأهمية «مفتو دار العدل»، وقد كانوا أربعة يمثلون المذاهب الإسلامية الأربعة، ولم تكن فى سلطتهم الفصل فى الخصومات سواء أكانت بين المدنيين أم بين العسكريين أم بين العسكريين والمدنيين، بل كانت مهمتهم شرح وتبيين حكم الشرع فيما يُسألون عنه من المسائل الفقهية، كل حسب مذهبه. المحتسب: كانت مهمة المحتسب النظر فيما يتعلق بالجنايات والنظام العام، وكان عليه الفصل فيها على وجه السرعة، وقد عهد إليه بالإشراف على نظام الأسواق، وكان له نواب يطوفون فيها ويفتشون أماكنها، ويشرفون على السَّقَّائين للتأكد من نظافتهم، وتغطيتهم القرب،

ولبسهم السراويل، كما كان على المحتسب ونوابه الحيلولة دون بروز الحوانيت (الدكاكين) حتى لا تعوق نظام المرور بالشوارع، وكذلك عليهم الإشراف على نظافة الشوارع والأزقة، والحكم بهدم المبانى المتداعية للسقوط وإزالة أنقاضها، وكذلك الكشف على صحة الموازين والمكاييل، التى كانت لها دار خاصة تُعرف باسم: «دار العيار»، فكان المحتسب يطلب جميع الباعة إلى هذه الدار فى أوقات معينة ومعهم موازينهم ومكاييلهم ليتأكد بنفسه من ضبط عيارها، فإن وجد بها خللا صادرها وألزم صاحبها بإصلاحها أو شراء غيرها. وقد ارتقى نظام الحسبة وشمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. صاحب المظالم: كان «الظاهر بيبرس» أول من جلس للمظالم من سلاطين المماليك، وهو الذى أقام دار العدل فى سنة (661هـ)، وقد خصص يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع ليجلس فيهما للفصل فى القضايا المهمة، ويحيط به قضاة المذاهب الأربعة، وكبار الموظفين الإداريين والماليين، وكاتب السر. وظلت دار العدل مقرا لمحكمة المظالم - التى كانت تعقد جلساتها برئاسة السلطان - حتى جاء السلطان «قلاوون» وبنى الإيوان الخاص، واتخذه مقرا لهذه المحكمة فى سنة (679هـ)، ولم تكن محكمة المظالم تنظر فى قضايا الأفراد فحسب، بل كانت تنظر فى شكاوى الناس كافة، ويذكر «المقريزى» أن السلطان «بيبرس» عُرضَت عليه فى سنة (662هـ) قضية رجل من عِلْية القوم وذكر فيها أن «المعز أيبك» قد اغتصب منه بستانًا، وقدم ما يثبت ملكيته لهذا البستان، فأمر «بيبرس» برد البستان إليه. وقد قام «بيبرس» بخفض ثمن الغلال فى سنة (663هـ) بعد أن ارتفع ثمنها، ولذا تميز النظام القضائى فى عهد المماليك بالحيدة والنزاهة وتحقيق العدل بين الرعية. المنشآت الحضارية فى عهد المماليك: حفلت كتب التاريخ التى تناولت عهد المماليك بذكر الآثار التى خلَّفها هذا العصر، والتى مازال معظمها شاهد صدق على مدى عظمة هذه

الدولة حتى الآن، فقد تقدمت فنون البناء والعمارة والزخرفة، وتوافرت الأموال اللازمة لها خلال هذا العهد المجيد من تاريخ العالم الإسلامى، فقد قام «الظاهر بيبرس» ببناء مسجده، المعروف باسمه بميدان الظاهر بالقاهرة فى عام (665هـ)، وجلب لبنائه الرخام والأخشاب وأدوات البناء من سائر البلاد، وزيَّنه بزخارف الجص، فأصبح مثالا للمساجد الكبيرة الضخمة التى شُيدت فى عهد دولة المماليك البحرية. كما قام «بيبرس» ببناء برج لقلعة الجبل، وشيد «قناطر السباع» على «الخليج المصرى»، وقد عُرفت هذه القناطر بهذا الاسم؛ لأن «بيبرس» نصب عليها سباعًا من الحجارة، كما أصلح منارتى «رشيد» و «الإسكندرية». أما السلطان «قلاوون» فقد أنشأ القبة التى دُفِن تحتها، كما أنشأ مسجده ومدرسته، ومارستانه الذى عُرف بمستشفى «قلاوون»، ثم يأتى ابنه «السلطان الناصر محمد ابن قلاوون»، وكان شغوفًا بسياسة أبيه فى الإنشاء والبناء، فشيد «المدرسة الناصرية» (بحى النحاسين)، وعين بها مدرسين للمذاهب الأربعة، وألحق بها مكتبة حافلة بنوادر الكتب وأمهاتها، ولاتزال هذه المدرسة باقية بحالة جيدة حتى اليوم، وكذلك بنى «الناصر محمد» «القصر الأبلق» بقلعة الجبل، وسُمى بذلك لأنه بنى من الحجر الأبيض والحجر الأسود، وفى سنة (718هـ) شيد «الناصر» مسجده بالقلعة، ثم هدمه فى سنة (735هـ) ليعيد توسيعه وبناءه من جديد، وقام بتجديد بناء المارستان الكبير الذى أسسه والده «قلاوون»، وأنشأ «خانقاه» (بيت لفقراء الصوفية) فى «سرياقوس» من ضواحى «القاهرة» فى سنة (723هـ)، (أصبحت «سرياقوس» اليوم تابعة لمركز «الخانكة» بمحافظة «القليوبية»)، وقد شيد «الناصر» سبيلا ألحقه بجوار مدرسته وجامع أبيه «قلاوون»؛ لأنهما متجاوران. ولعل أعظم إنشاءات دولة المماليك البحرية ما قام به السلطان «حسن بن الناصر محمد بن قلاوون» حين أنشأ مسجده ومدرسته بالقرب من القلعة. منشآت دولة المماليك البرجية:

ازدادت المنشآت فى عصر دولة المماليك البرجية، ولعل أفضل مثال على منشآت ذلك العهد ماقام به «الأشرف برسباى» للعمارة الإسلامية، فقد قام بتأسيس عدة مبانٍ كان أهمها مدرسته الأشرفية التى عند «سوق الوراقين» بالقاهرة، إذ رسم حدودها فى سنة (826هـ) وعين «الشيخ علاء الدين ابن الرومى الحنفى» أستاذًا لها، ثم أتم بناءها فى سنة (829هـ)، وكذلك قام «برسباى» بإنشاء مدرسة بجوار «خانقاه سرياقوس» فى سنة (841هـ)، وكانت هذه المدرسة مجمعًا دينيا يشمل: مدرسة، وكُتَّابًا، وسبيلا، وخانقاه للصوفية، وكان القاضى «محب الدين بن رسول الكرادى» الحنفى، المعروف بابن الأشقرت، أحد الذين تولوا أمر المدرسة والخانقاه فى سنة (863هـ). كذلك أقام «برسباى» مسجدًا وتربة وزاوية بالصحراء، ولم يكن وحده هو الذى فعل ذلك، فقد كان أغلب سلاطين المماليك يحرصون على بناء مسجد ومدفن لكل منهم فى الصحراء بشرق «القاهرة»، ذلك إضافة إلى ما يقومون به من منشآت فى أرجاء البلاد، مثلما فعل «بيبرس» حين أقام «قنطرة المجذوب» بأسيوط، وجدد «الحرم الشريف» بمكة، و «الجامع الأزهر» بمصر. ويُعدُّ «قايتباى» أشهر سلاطين المماليك البرجية شغفًا بالبناء والعمران، إذ أنفق مائة ألف دينار على إعادة تشييد «مسجد المدينة المنورة» بخلاف ما أنفقه على تشييد وبناء مسجده، وبناء «قلعة الإسكندرية» المعروفة باسمه، وكذلك أقام مبانى جديدة بقلعة الجبل، وقام «السلطان الغورى» من بعده بتحصين «الإسكندرية» و «رشيد». ويعد عصر المماليك- بحق - أحد العصور الذهبية فى تاريخ العمارة الإسلامية، فقد كان الإقبال غظيماً على تشييد المساجد والمدارس والأضرحة، والاهتمام بالمهارات الفنية والزخرفية، والعمل على إتقان بناء المنارات والقباب وواجهات المنشآت والإيوانات والأعمدة وزخرفتها، وزخرفة المدارس والمساجد من الداخل والخارج، وقد كانت العناية بزخرفة وتجميل كل ذلك إحدى سمات هذا العصر.

النهضة فى مجال العلوم والآداب: لاشك أن المؤسسات العلمية التى أنشأها المماليك نهضت بمستوى العلم وتقدمه فى عهدهم، وأبرزت نخبة من ألمع العلماء فى مختلف مجالات الثقافة والعلوم، فكان منهم الفقهاء: شيخ الحنابلة «أحمد بن تيمية»، ومن المؤرخين: «أبو الفدا» صاحب «التاريخ والسير»، و «المقريزى المصرى» صاحب «الخطط» و «السلوك»، و «ابن خلكان» صاحب «وفيات الأعيان»، كما كان من كُتَّاب السير الطبيب الشهير «ابن أبى أصيبعة»، الذى درس بدمشق و «القاهرة»، ثم وضع تراجم للأطباء فى مؤلفه: «عيون الأنباء»، وكذلك كان «ابن إياس» صاحب «بدائع الزهور»، و «القلقشندى» صاحب «صبح الأعشى»، ومن الشاميين نجد المؤرخ «شمس الدين الدمشقى» صاحب «نخبة الدهر فى عجائب البر والبحر»، و «ابن فضل الله العمرى»، الذى شغل منصب «صاحب الخاتم» فى بلاط المماليك بالقاهرة، وهو صاحب كتاب: «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار»، ولقد عاش «عبدالرحمن الجبرتى» أشهر علماء التاريخ فى بلاط المماليك، ويعد «ابن خلدون» واضع علم الاجتماع ومؤسس فلسفة التاريخ، وهو صاحب كتاب: «العبر وديوان المبتدأ والخبر»، وقد وضع فى مقدمته لهذا الكتاب أسس كتابة التاريخ التى اشتهرت شهرة واسعة النطاق فى أنحاء العالم. وهكذا برزت -خلال عهد المماليك - جماعة من أفضل علماء المسلمين فى التاريخ الإسلامى، وشجعهم على ذلك اهتمام سلاطين المماليك بالعلم والعلماء. وإن نظرة واحدة فى حُجة أحد سلاطين هذه الدولة لتظهر لنا مدى ما وصل إليه هؤلاء من حب وتقدير للعلم والعلماء والمتعلمين، وقد حرص «الأشرف برسباى» فى حُجته على تعيين المشايخ لمدرسته، وقام بوقف الأراضى لكى يُنفق من إيرادها على التعليم، وكذلك على المتعلمين الذين أنفق عليهم بسخاء، فخرج منهم العلماء والفقهاء والأئمة فى مختلف المجالات والتخصصات والمذاهب، وأصبح هذا العمل مفخرة لهذا العصر، وسببًا من أهم أسباب تقدم المسلمين

وتفوقهم فى مجالات العلوم والحضارة. وبعد: فقد عاش المماليك فى بلاد المسلمين واتخذوا منها مواطن لا يعرفون غيرها، فأنشئوا بها حضارتهم الخاصة التى تفوقت على حضارات الأمم الكبيرة آنذاك، والتى مازالت آثارها باقية حتى اليوم، شاهد صدق على حب هؤلاء المماليك لهذه البلاد، ودليلا قاطعًا على عظمة سلاطينهم، فمازالت «القاهرة» مليئة بالآثار التى تركها المماليك، والتى تدل على مدى التقدم الرائع لهذا العصر فى الفنون جميعها، وبخاصة الزخرفة التى لا يخلو منها مسجد أو قبة أو مدرسة من آثارهم، ولاشك أن ذلك يعود إلى اهتمام سلاطين هذه الدولة بهذه الفنون، وبتوفير التمويل المالى اللازم لتنفيذها. - الحالة الاقتصادية فى عهد سلاطين المماليك: مما لاشك فيه أن الحالة الاقتصادية لأية أمة من الأمم تمثل العمود الفقرى لها، فإذا كان الاقتصاد قويا وأحسن استغلاله فى تيسير حاجات البلاد، وبناء نهضتها، وتشييد حضارتها؛ كان ذلك مدعاة إلى التقدم والازدهار فى جميع المجالات، ووقوف البلاد فى صفوف الأمم المتقدمة ذات السيادة العالمية. أما إذا كان اقتصاد أى بلد عكس ذلك، فإنه يكون مدعاة للظلم والقهر والسلب، وخذلان البلاد ووقوفها فى ذيل قائمة البلاد المتقدمة، منتظرة قراراتها فى تسيير أمورها وشئونها الخاصة، ولا تتوافر لهذه الأمم الضعيفة القدرة على اتخاذ القرار فيما يخصها، وتصبح فريسة للتدخل الأجنبى، وطمع المستعمرين، ولقد كان المماليك من القوة الاقتصادية لدرجة أن دولتهم بلغت حدا من الثراء لم تؤثر عليه الحروب العديدة التى خاضوها، بالإضافة إلى الإنشاءات والإصلاحات التى قامت بها فى طول البلاد وعرضها؛ إذ تعددت مصادر الثروة التى زخرت بها خزائن المماليك، فبالإضافة إلى ضرائب الخراج، والتركات التى لا وارث لها كانت هناك مصادر أساسية وثابتة لزيادة موارد الدولة؛ إذ اهتم المماليك بالزراعة والصناعة والتجارة، وأقاموا مقاييس للنيل،

وطهروا الترع، وأنشئوا الجسور ونظموا الرى وحسَّنوا وسائله، كما اعتنوا بصناعة المنسوجات، ونشطوا فى اكتشاف واستخراج المعادن، التى كان من أهمها: «الزمرد» و «الشب» و «النطرون»، فكان «الشب» يُستخرج من الوجه القبلى والواحات، ويُحمل إلى «قوص» أو إلى «أسيوط» و «أخميم» و «البهنسا»، ثم ينقل منها عن طريق النيل إلى «الإسكندرية» وفيها يباع للأوربيين، وخصصت الحكومة ثلث ثمنه لدفع رواتب الأمراء، ولتوفير بعض احتياجات الجيش الكثيرة؛ لكثرة حروبهم فى ذلك الوقت. وكانت التجارة - بحق - أعظم مصادر الثروة فى العهد المملوكى؛ إذ قاموا بتشجيعها، وعقدوا المحالفات والاتفاقات التجارية مع إمبراطور «القسطنطينية»، وملوك «إسبانيا»، وأمراء «نابلس»، و «جنوة»، و «البندقية» وسلاجقة «آسيا الصغرى»، وكاد المماليك أن يحتكروا تجارة «الهند» - خاصة التوابل - بالاتفاق مع أمراء الموانئ الإيطالية، فكان لذلك أكبر الأثر فى نمو ثروات البلاد وزيادتها، خاصة بعد أن بسط المماليك سلطانهم على «مكة» و «جدة»، وأصبحت «مكة» من أشهر الأسواق التجارية فى الشرق فانتعشت حالة البلاد الاقتصادية وازدهرت، ويدل على ذلك كثرة الإنشاءات المعمارية والتجهيزات الحربية فى ذلك الحين، إلا أن لحالة الركود - التى كانت تصيب الاقتصاد أحيانًا نتيجة لظروف القلق وما يصاحبها من السلب والنهب - أثراً على خزينة الدولة، ومع ذلك لم يكن تأثيرها خطيرًا؛ لأن الدولة سرعان ما كانت تتدارك الأخطاء وتعالج العيوب، وتعمل على سد النقص فى اقتصادها، ولعل أخطر الأحداث الاقتصادية التى كان لها أكبر الأثر فى سقوط دولة المماليك هو تحول طرق التجارة بين «أوربا» و «الشرق» عن طريق «مصر» إلى طريق «رأس الرجاء الصالح» الذى اكتشفه «فاسكو دى جاما» البرتغالى سنة (1498م)، فأحدث هذا الاكتشاف انقلابًا خطيرًا فى عالم التجارة، وكارثة حقيقية على دولة المماليك التى كانت تعتمد

بصورة كبيرة على التجارة التى تحولت من حوض «البحر الأبيض المتوسط» إلى «المحيط الأطلسى» ونضبت خزائن «مصر» من الأموال التى كانت تأتيها من تجار «البندقية» و «جنوة»، الذين كانوا ينقلون تجارتهم من «الشرق» إلى «أوربا» عن طريق «مصر» ويدفعون لها الضرائب عن دخول تجارتهم وخروجها منها، فكان لذلك أثره على كساد التجارة والزراعة، ولم تعد «مصر» تنتج للأسواق الخارجية كثيرًا، فقلت موارد البلاد، وتهددتها المجاعات، وانحط شأن «الإسكندرية»، وقل عدد الأجانب بها، وتأخرت الصناعات الحيوية، وتدهورت الحالة الفنية؛ لقلة الأموال اللازمة، فهيأ هذا الوضع الفرصة للسلب والنهب الذى قام به بعض أفراد المماليك، فدب الضعف فى أوصال الدولة، وبدأت تأخذ طريقها إلى الضعف والتلاشى؛ لأن موارد البلاد لم تعد كافية لسد احتياجاتها الضرورية، وزاد الأمر سوءًا فى نهاية عصر المماليك إذ كثرت الدسائس والمؤامرات، وحوادث السلب والنهب، وتعرضت «مصر» للمجاعة والاضطراب فى عهد «السلطان برقوق» و «السلطان شيخ المؤيد» و «السلطان قايتباى»، وزادت الاضطرابات فى أنحاء البلاد، ولا تكاد تستقر حتى تعود إليها الفوضى ثانية؛ بسبب الفتن التى زادت حدتها فى عهد المماليك البرجية على وجه الخصوص، لدرجة أن «فايربك» أحد أمراء المماليك البرجية هو الذى ساعد العثمانيين - بخيانته - على الدخول إلى «مصر» والشام، وهذا دليل قاطع على مدى التدهور والضعف اللذين وصلت إليهما الدولة فى آخر أيامها. لقد انتهت دولة المماليك بعد أن ظلت مدافعة عن العالم الإسلامى حقبة دامت أكثر من قرنين ونصف القرن، شهد العالم الإسلامى خلالها حضارة زاهرة مازالت آثارها باقية حتى الآن، ونعم المسلمون فيها بالرخاء والعزة والعدل والطمأنينة، إذ عُرف المماليك بالعدل وحب العمران، كما عرفوا بمهاراتهم الفائقة فى الفروسية والقتال، فهم الذين ردوا المغول ودحروا الصليبيين، وتاريخهم المجيد يشهد لهم

بذلك، وعلى الرغم مما حدث من هنات فى بعض فترات حكمهم، فإن الحكم النهائى على أية دولة لا يكون إلا على ما خلَّفته، ومما لاشك فيه أن المماليك قاموا بدور لا يمكن تجاهله أو نسيانه، وخدموا المسلمين فى كل مكان على الأرض، وأنشئوا حضارة راسخة، وشجعوا العلم والعلماء والمتعلمين، وكونوا جيشًا قويا، وبنوا أسطولا عظيمًا، وساعدوا الفقراء والمحتاجين، وشيدوا المدارس والجوامع والأسبلة والقلاع والمستشفيات والقصور، وعاشوا مع أهل البلاد فى وئام وسلام، وذابوا فى وحدة العالم الإسلامى، وبنوا له حضارته، ودافعوا عن أرضه، ورفعوا من شأنه، وأخذوا بيده إلى القمة فى صدر صفوف دول العالم المتقدمة آنذاك.

5 - 10:الحجاز

الفصل العاشر *الحجاز علاقة الحجاز بمصر فى عهد الأيوبيين: كان سقوط الدولة الفاطمية فى سنة (567هـ = 1771م)، وقيام الدولة الأيوبية عاملا من عوامل تقوية العلاقات بين «مصر» و «الحجاز»؛ إذ قامت خطة «صلاح الدين الأيوبى» على تحقيق الوحدة الداخلية بين الأقطار الإسلامية كمرحلة أولى، تتلوها المواجهة مع الصليبيين، وحرص على أن ينال رضا الخليفة على خطته، ليكون رضاه عاملا من عوامل توحيد صفوف المسلمين وجمع شملهم. لم يتدخل «صلاح الدين» فى شئون «الحجاز» الداخلية؛ بل اكتفى بإجراءات تحقق الأمن والعدل لسكانه وللحجاج القادمين إليه، ولم يغير نظام الحكم الذى كانت تتولاه أسرة الهواشم فى الحرمين الشريفين، وأسقط فى سنة (572هـ) المكوس عن الحجاج إلى «مكة» فى البحر عن طريق «عيذاب»، وعوض أمير «مكة» عن ذلك بثمانية آلاف إردب قمحًا، تُحمل إليه سنويا إلى ساحل «جدة»، وأوقف لذلك أوقافًا بصعيد «مصر»، وأرسل الأقوات إلى المجاورين والفقراء بالحرمين الشريفين. وحينما حج الملك المعظم «توران شاه بن نجم الدين أيوب» أخى «صلاح الدين»، قادمًا من «اليمن» فى سنة (570هـ)؛ منح أهل الحرمين عطاءً كبيرًا وأغدق عليهم، وعمهم بالخير، وقام بعدة إصلاحات فى الحرمين الشريفين. حاول الصليبيون غزو «المدينة المنورة» فى سنة (578هـ) للتنكيل بالمسلمين، وعبر الصليبى «أرناط» أمير «الكرك» «بحر القلزم» (الأحمر) إلى «عيذاب» على الساحل الشرقى للبحر الأحمر، وقتل وأسر الكثيرين من أهاليها، ومضى يريد «المدينة المنورة»، وبلغ ذلك «صلاح الدين»، فأمر بتجهيز جيش عظيم بقيادة الحاجب «حسام الدين لؤلؤ» لرد عدوان «أرناط»؛ فخرج الجيش ونجح فى هزيمة «أرناط» وإحراق أسطوله وإفشال حملته، وأُسِر عدد كبير من جنوده، فأمر «صلاح الدين» بقتل الأسرى من جنود «أرناط»؛ ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حرم الله -تعالى- وحرم رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

كانت وفاة «صلاح الدين» سنة (589هـ)، وكان تقسيم المملكة بين أبنائه وأخيه «العادل» بداية لتطورات جديدة فى العلاقات الأيوبية الحجازية، فقد ازداد تدخل الأيوبيين فى شئون «الحجاز» الداخلية؛ بسبب النزاع الذى نشب بين «مكثر» حاكم «مكة»، وأخيه «داود»، ولم ينته الصراع بينهما حتى مات «مكثر»، فخلفه «أبو عزيز قتادة بن إدريس الحسنى» المعروف بالنابغة، والذى كان يستوطن مع أهله «نهر العلقبة» من «وادى ينبع» وأصبحت له الرئاسة على قومه، وباتت فى يديه أزمَّة أمورهم، وبلغه ما صارت إليه حال الهواشم من خلافات، فزحف على «مكة»، ثم تطلع إلى زعامة «المدينة» التى كانت تتوارث بين أفراد الفرع الحسينى من الأسرة العلوية، فزحف إلى «المدينة»، إلا أنه لم يستطع دخولها؛ فعاد إلى «مكة» ثانية. عظم فى هذا الوقت أمر «بنى رسول» فى «اليمن» بعد وفاة السلطان «مسعود الأيوبى» سنة (626هـ)، وحاولوا بسط نفوذهم على «مكة» و «المدينة»، وتمكنوا من السيطرة على «مكة» وظلت تحت أيديهم إلى سنة (630هـ)، حتى جاء «الشريف راجع» وتمكن من استرجاعها منهم بشرط أن يظل تحت نفوذهم (نفوذ «آل رسول»). شهد تاريخ «مكة» و «المدينة» بعد وفاة «الكامل» فى سنة (635هـ)، نزاعًا متصلا بين «آل رسول» والأيوبيين وظل الأمر على ذلك حتى وفاة «الشريف راجع»، فرأى «ابن رسول» أن يصرف نظره عن أبناء «راجع» الذين ولَّوْا «أبا نهى» بعد أبيه «الحسن بن قتادة» بالاشتراك مع عمه «إدريس»، فشغل «أبو نهى» وأولاده من بعده الشرافة فى «مكة» و «المدينة» قرنًا من الزمان تقريبًا. وهكذا كانت «الحجاز» مرتبطة بمصر ارتباطًا وثيقًا فى بداية عهد الدولة الأيوبية، وزاد من هذا الارتباط أن سلاطين الأيوبيين الأوائل لم يتدخلوا فى شئون «الحجاز» الداخلية، واكتفوا بتأمين حجاجها، وتوفير العدل والأمان لأهلها، إلا أن وفاة «صلاح الدين»، والصراع

الذى دار بين حكام «الحجاز» أنفسهم كانا من أسباب تدخل الأيوبيين المباشر فى شئون «الحجاز»، وظلوا على ذلك حتى دخلت المنطقة فى مرحلة جديدة تحت حكم المماليك. المماليك والحجاز: خلفت دولة المماليك الأولى دولة الأيوبيين فى ملكها الواسع ونفوذها العريض، وحملت لواء الجهاد من بعدها فى وجه الصليبيين والمغول، فلما تعاظمت قوة المماليك، وصارت «القاهرة» مقرا للخلافة العباسية تطلع المماليك إلى السيطرة على الحرمين الشريفين كمظهر مكمل لسيطرتهم على العالم الإسلامى، فأدرك «أبو نهى» حاكم «مكة» أن المماليك غدوا مركز الثقل فى المنطقة، فأعلن الولاء لهم، وبدأ عهد جديد فى علاقة «مصر» بالحجاز سياسيا واقتصاديا، ودينيا، واجتماعيا، وعلميا، إذ حرص «الظاهر بيبرس» عندما ذهب للحج فى سنة (667هـ) على تثبيت سلطان المماليك فى «الحجاز»، وتقوية علاقتهم بها، فكان «أبو نهى» محور هذه العلاقات فترة طويلة، ثم من بعده أولاده وأحفاده الذين دخلوا فى سلسلة طويلة من المنازعات والخصومات، فكان سلاطين المماليك -دائمًا - يعملون على إيجاد الحلول لخصوماتهم، وتسليم السلطة فى «الحجاز» لمَنْ يثقون به منهم، ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلا فى عهد المماليك الشراكسة، حيث ظهرت بالحجاز شخصيات قوية مثل «الحسن بن عجلان» الذى سيطر على الأمر فى «الحجاز»، وحاول المماليك التدخل، ولكنهم لم يستطيعوا - فى أواخر عهدهم - أن يغيروا من أوضاع «الحجاز» السياسية، وظل الأشراف مسيطرين على «الحجاز» طوال عهد المماليك، ومن بعدهم. أمَّن المماليك طرق التجارة بين «مصر» و «الحجاز»؛ فقد كانت تدر عليهم أموالا طائلة، وأصدروا أوامرهم بإلغاء المكوس التجارية فى الحرمين الشريفين، وأصدروا مراسيم تحدد مكوس التجارة الواردة إلى «جدة»، وكانوا يهبُّون إلى نجدة أهل الحرمين فى أزماتهم الاقتصادية، ويرسلون إليهم المعونات من الحبوب والمؤن.

ولقد بذل المماليك جهودًا كبيرة فى تأمين طرق الحج، والمحافظة على حجاج بيت الله الحرام من المعتدين وقطاع الطرق، وقام السلاطين بإصلاح طرق الحج، وحفر آبار جديدة لكى يأمن الحجاج من العطش أثناء رحلتهم لقضاء المناسك ذهابًا وإيابًا، وكان يصحب قافلة الحجاج المصريين كثير من الأمراء والقادة وتابعيهم للدلالة على قوة السلطنة المملوكية، وكانت هذه القافلة تحمل معها كسوة الكعبة التى صنعت فى «مصر»، والتى حرص السلاطين على إرسالها كل عام فى موكب مهيب، وأوقفوا عليها الأوقاف كى لا تنقطع، وكى تظل تأكيدًا على نفوذ المماليك فى «الحجاز»، وحينما حاول «شاه رخ» أن يكسو الكعبة فى عهد السلطان «برسباى» وطلب السماح له بذلك، رفض «برسباى» بشدة ومن ورائه الشعب والقضاة والعلماء، لأن كسوة الكعبة شرف يمثل أقوى الروابط الإسلامية فى نظرهم، ولا يمكنهم التخلى عنه. وقد حرص سلاطين المماليك على أداء فريضة الحج وزيارة الأراضى المقدسة بالحجاز؛ لكى يكونوا من بين حجاج بيت الله الحرام دون أية أبهة أو عظمة كسائر الناس. كانت الحياة الاجتماعية فى الحرمين فى عهد المماليك حياة هادئة باستثناء سنوات قليلة تعرضت فيها «الحجاز» للقحط، ولم يكن للمماليك يد فى ذلك، فقد أجروا السبل، وحفروا الآبار والعيون حفاظًا على مدن «الحجاز» خاصة الحرمين الشريفين. لم يقتصر دور المماليك فى «الحجاز» على الحرمين الشريفين؛ بل كانت لهم اليد الطولى فى إثراء الناحية الثقافية بالحجاز، وأقاموا المدارس، وبذلوا الأموال للمدرسين والدارسين معًا، وكثيرًا ما أرسلوا الكتب من «مصر» لكى تدرس فى الحرمين، ويُستفاد منها فى تلك المدارس التى ربطوا لها الأوقاف الكثيرة للإنفاق عليها؛ لذا كان عهدهم عهد ازدهار واستقرار للحرمين الشريفين وسكانهما، فقد كفاهم المماليك شرور الغزو، وتسلط الأعداء. وإنصافًا لحق سلاطين الدولة المملوكية لا يجب أن نلقى عليهم

باللائمة فيما حدث بالحجاز من أحداث داخلية حرمته استقراره حينًا من الوقت، لأن أمراء «الحجاز» أنفسهم هم المسئولون عن ذلك بما قام بينهم من منازعات وصراعات كانت السبب الرئيسى فى إشعال نار الفتن؛ التى كثيرًا ما كان يتدخل المماليك لإطفائها من أجل مصلحة سكان الحرمين الشريفين وما حولهما، إلا أن الضعف الذى دب فى أوصال الدولة المملوكية فى أواخر أيامها بعد اكتشاف طريق «رأس الرجاء الصالح» وتحول مسار التجارة العالمية عن «مصر»، كان سببًا جوهريا لدخول العلاقات بين «مصر» و «الحجاز» فى دور جديد فى عهد السلطان «الغورى»، وحُرمت «الحجاز» من مصدر مالى شديد الأهمية وتلا ذلك سقوط المماليك فى الشام فى معركة «مرج دابق» سنة (922هـ)، ثم معركة «الريدانية» بمصر سنة (923هـ)، فسقطت بذلك دولة المماليك وتوارت، وارتفع الستار عن الدولة العثمانية، القوة الجديدة فى العالم الإسلامى؛ فكان على «الحجاز» أن ينضوى تحت لوائها ويبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ علاقاته.

5 - 11:عمان

الفصل الحادي عشر *عُمَان تقع «عُمَان» فى أقصى الجنوب الشرقى لشبه الجزيرة العربية، ممتدة شمالى «بحر العرب»، وعلى طول «خليج عمان» حتى إمارة «الفجيرة» (إحدى إمارات دولة «الإمارات العربية» الآن)، وتقع «اليمن» غرب «عمان»، وهى تطل على البحر من جهة، وعلى الصحراء من جهة أخرى، وبذلك يمكن تقسيم سكانها إلى طائفتين متميزتين هما: «الحضر»، و «البدو»، ويسكن «الحضر» على الساحل وبخاصة فى مسقط، وهم أخلاط ممتزجة من السكان. أما «البدو» فيعيشون فى المناطق الداخلية، وهم أكثر بساطة من «الحضر»، ويميلون إلى المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم. وتبلغ مساحة «عمان» حوالى مائة وعشرين ألف ميل مربع، وعدد سكانها - الآن - نحو مليونى نسمة. عمان الإسلامية: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرسائل إلى الملوك ورؤساء القبائل فى الجزيرة العربية وخارجها، يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكانت «عمان» آنذاك تحت حكم أسرة «الجُلَنْدِى الأزدى». وكان ملكها «جيفر» رجلا حكيمًا تميز بعدله وسيرته الحسنة بين الرعية، فبعث إلىه النبى - صلى الله عليه وسلم - بعمرو بن العاص ومعه رسالة يدعوه فيها إلى الدخول فى دين الله، فأسلم «جيفر» وقومه ووجوه العشائر وبقية الناس، ولم يكتف «جيفر» بذلك، بل عمل على نشر الدين الإسلامى قدر استطاعته، وأرسل من قِبَله رسلا تحمل دعوة الإسلام إلى «مهرة» وغيرها من المناطق المجاورة لعمان، فكانت «عمان» بذلك من أولى البلاد التى دخلت فى الإسلام طواعية، وكان ملكها أحد الذين عملوا على نشر الإسلام فى أهله وجيرانه. عمان فى العهد الأموى: بعد موقعة «النهروان» التى دارت رحاها بين أمير المؤمنين «على بن أبى طالب» والخوارج، وبعد انقسام الخوارج على أنفسهم اتجهت الفئة المعتدلة منهم - التى كانت تعتنق «المذهب الإباضى» - إلى «عمان»، وقاموا بترويج مذهبهم ونشره بين أهل «عمان»؛ فلاقى هذا المذهب القبول بين أهل «عمان»، فلما آل أمر الخلافة إلى

الأمويين أصبحت «عمان» من مراكز المعارضة لهم، وأعلنت استقلالها عن الخلافة الأموية وساعد العمانيين فى ذلك بُعد بلادهم عن مركز الخلافة، وطبيعتهم الاجتماعية التى لا تقبل سيطرة خارجية، وطبيعة البلاد الجغرافية التى تجعل التوغل فيها أمرًا عسيرًا، وكذلك انشغال الخلفاء الأمويين عنهم، فلما تولى «عبدالملك بن مروان» الخلافة جعل «العراق» تحت سلطة «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى تطلع إلى السيطرة على أرض «عمان» و «الخليج»، وتم له ما أراد بعد صراع طويل بين جيشه وأهل هذه البلاد، ففرت أسرة «الجلندى» إلى «زنجبار» التى كانت «عمان» على صلة وثيقة بها، امتدت لتشمل ساحل إفريقيا الشرقى كله. وكان «الخيار بن حبر الجاشعى» أحد ولاة «عمان» فى عهد الخليفة الأموى «عبدالملك بن مروان». المذهب الإباضى فى عمان: عاش «الإباضية» من أتباع «عبدالله بن إباض» فى «عمان»، فكانوا يضمرون ثورتهم على نظام الخلافة حينًا، ويعلنونها أحيانًا، حتى ولى العباسيون الخلافة فاستعاد العمانيون سلطانهم كاملا. والمذهب الإباضى هو أقرب المذاهب إلى مذهب أهل السنة، وقد قام الإباضيون فى «عمان» بدور واسع فى الصراع العسكرى ضد الأمويين، فامتزجت حركة العمانيين الاستقلالية بالفكر الإباضى، ونتج عن ذلك فكر جديد ساد «عمان» منذ ذلك الحين، يرفضون فيه وصفهم بالخوارج، ويفضلون الارتباط بعبدالله بن إباض، وقد تناول أحد مؤرخى «عمان» فى كتابه «سلطنة عمان» الامتزاج الذى تم بين المذهب الإباضى والدم العمانى فقال: «كان المذهب الإباضى هو اللواء الذى عاش فى ظله العمانيون، ووحَّد بينهم فى كفاحهم لنيل استقلالهم، وكانوا يستبسلون فى الدفاع عن عقيدتهم وتقاليدهم». عمان فى العصر العباسى: لم تطل مدة ارتباط «عمان» بالخلافة العباسية؛ إذ سرعان ما استقل أهل «عمان» بشئونهم عن الخلافة العباسية، وكان «أبو جعفر المنصور» أول ولاة العباسيين على شئون «العراق» الجنوبى،

فاستعمل على «عمان» «جناح بن عباد بن قيس بن عمر الهنائى» صاحب المسجد المعروف باسمه بصحار، ثم عزله «المنصور» وولى ابنه «محمد بن جناح» الذى اتسم برزانة العقل وحكمة التفكير، فأدرك رغبة العمانيين فى أن يكون واليهم منهم، وأن يكون لهم حق انتخابه بأنفسهم، فسمح لهم بذلك ووافقهم عليه، فعقدوا الإمامة للجلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى، الذى بدأ به نظام الإمامة الإباضية فى «عمان» سنة (135هـ)، إلا أن العباسيين لم يوافقوا على ذلك، وأرسلوا جيشًا حارب العمانيين، وقتل إمامهم، وظلت «عمان» بدون إمامٍ حتى عادت إليها الإمامة ثانية فى سنة (145هـ). الأئمة الإباضية فى عمان: كان «جلندى بن مسعود» الذى تولى إمامة «عمان» فى سنة (135هـ) أول إمام على «عمان» من «الإباضية»، ولم يكن نظام الإمامة متوارثًا، بل كان يتم انتخاب الأئمة بالاختيار المباشر، كما كان يتم عزل بعض الأئمة أحيانًا. وأول أئمة عمان من الإباضية هو: «جلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى الأزدى» (135هـ). قتل بعد ذلك بعامين فى حرب ضد العباسيين، وعادت الإمامة إلى «عمان» مرة ثانية فى بداية سنة (145هـ)، فتولى الإمامة منذ ذلك الحين الأئمة: 1 - «محمد بن عفان الأزدى». (145هـ). 2 - «الوارث بن كعب اليحمدى». (185هـ). 3 - «غسان بن عبدالله». (192هـ). 4 - «عبدالملك بن حميد الغسانى». (208هـ). 5 - «مهنا بن جعفر اليحمدى». (226هـ). 6 - «الصلت بن مالك الأزدى». (237هـ). 7 - «راشد بن نصر (أو ابن النظر)». (273هـ). 8 - «عزان بن تميم». (277هـ). 9 - «محمد بن الحسن». (284هـ). 10 - «عزان بن خضر». (285هـ). 11 - «عبدالله بن محمد». (286هـ). 21 - «الصلت بن القاسم». (287هـ). 13 - محمد بن الحسن (للمرة الثانية). (287هـ). 14 - «الحسن بن سعد» (287هـ). لم يكن بعض هؤلاء الأئمة محمود السيرة، مثلما وُصِف «محمد بن عفان»، الذى عزله المسلمون حين ساءت سيرته، كما ساءت سيرة

«عزان بن تميم» وكثر تنازع العمانيين فيما بينهم فى عهده، فانفض الناس من حوله. عُمان حتى نهاية القرن الرابع الهجرى: عاشت «عمان» ابتداءً من القرن الثالث الهجرى فترة مضطربة؛ بسبب الخلافات والمنازعات التى خلَّفت دمارًا كبيرًا أثَّر على الأوضاع الاقتصادية فى «عمان»، التى شهدت خلال تلك الفترة صراعًا مريرًا بين «النزارية» و «اليمنية» وصل إلى قمته فى سنة (278هـ) بهزيمة «النزارية»، ففتح هذا الصراع الباب على مصراعيه لصراع دام طويلا فى «عمان». ولقد شهدت «عمان» ومنطقة الخليج خلال هذه الفترة صراعًا فكريا عنيفًا أدى إلى التصادم الحربى فى معارك حربية، استلزمت جهودًا كبيرة، كانت أهمها تلك المعركة التى وقعت حين هبت ثورة القرامطة التى استنفدت جهود العباسيين وأموالهم، وقامت الحرب بين العباسيين والقرامطة، وامتد خط الصراع بينهما من «البحرين» إلى «عمان»، فاضطربت الأوضاع فى «عمان» نتيجة لسيطرة القرامطة عليها، وللحرب التى نشبت بين العباسيين والقرامطة. حاول الخليفة «المعتضد» (279 - 289هـ) بسط سلطانه على «عمان»، فولى عليها «محمد بن القاسم السلمى» الذى تمكن من تكوين دولة له فى «عمان» توارثها أبناؤه من بعده، وفى الوقت نفسه كانت توجد بعمان أسرة «بنى وجيه» وحكمت بعض مناطقها، ثم قويت شوكتها لدرجة أن ملوكها تطلعوا إلى السيطرة على البصرة. فى وسط هذه الصراعات عرفت «عمان» سلطتين متعارضتين؛ إذ كان بها ملك «سلطان» فى منطقة، وإمام فى المنطقة الأخرى، فأدى ذلك إلى حدوث الصراعات والاضطرابات. ملوك آل نبهان: ظهر ملوك «آل نبهان» ولاة للبويهيين على «عمان» فى القرن الرابع الهجرى الذى ساءت خلاله أحوال «عمان»؛ نتيجة الصراعات والاضطرابات الداخلية التى زادت بتولى «آل نبهان» حكم «عمان»؛ إذ استبدوا بأمورها، وأساءوا معاملة أهلها، ومع ذلك لم يكونوا وحدهم المسئولين عما ألمَّ بعمان من اضطرابات، فقد ساعدتهم فى

ذلك صراعات الأئمة التى شهدتها «عمان» خلال تلك الفترة، وظل «آل نبهان» يحكمون «عمان» حتى القرن التاسع الهجرى، ثم عادت إلى الأئمة قوتهم السياسية فى «عمان» من جديد. وكان أهم ملوك «آل نبهان» خلال هذه الفترة: «أبو عبدالله محمد بن عامر بن نبهان» وإخوته، ثم «الحسين أحمد» و «أبو محمد نبهان» وغيرهم. فلما زالت دولة «آل نبهان» بدأ الأئمة يستعيدون مجدهم وسلطتهم من جديد. الأئمة بعد آل نبهان: بعد زوال دولة «آل نبهان» ظهر الأئمة من جديد فى سلسلة متصلة تولوا خلالها أمور «عمان»، وأئمة «عمان» بعد النبهانيين هم: 1 - «أبو الحسن عبدالله خامس ابن عامر الأزدى». (839هـ). 2 - «عمر بن الخطاب بن محمد بن أحمد بن شاذان بن الصلت اليحمدى». (855هـ). 3 - «عمر الشريف». (896هـ). 4 - «أحمد بن محمد». (897هـ). 5 - «أبو الحسن بن عبدالسلام». (905 هـ). 6 - «محمد بن إسماعيل». (906هـ). 7 - «بركات بن محمد بن إسماعيل». (936هـ). 8 - «عبدالله بن الهنائى». (967هـ). وكما أن الأئمة لم يسمحوا لآل نبهان بالتفرد بالسلطة فى «عمان»، فإن النبهانيين سعوا إلى سلب السلطة من الأئمة بعد أن استقرت فى أيديهم، وخرج «سليمان بن سليمان النبهانى» على الإمام «عمر ابن الخطاب اليحمدى» وحاربه فى سنة (885هـ)، وتمكن الإمام «عمر» من السيطرة على الموقف وتم له النصر، فنشأ عن هذا الصراع المستمر على السلطة تمزق «عمان» وتقطيع أوصالها، وبات فيها - قبل قيام دولة اليعاربة - خمسة من صغار الملوك حكموا «الرستاق»، و «النخل»، و «سمائل»، و «سمد»، و «أبدا»، كما كانت بعض الحصون والمدن فى قبضة بعض رؤساء القبائل.

5 - 12:اليمن

الفصل الثاني عشر *اليمن الإسلام فى اليمن: حين ظهر الإسلام فى شبه الجزيرة العربية كان الفرس مسيطرين على بعض البلاد العربية، ومنها «اليمن»، وكان عليها - آنذاك - «باذان» الذى ولاه «كسرى» إمبراطور الفرس، فلما وصل أمر الدعوة الإسلامية إلى «باذان» آمن بها وأعلن إسلامه، فأقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - على «اليمن»، فوجد الإسلام طريقه للانتشار بنواحى «اليمن»، ووفد على الرسول فى العام التاسع للهجرة المعروف بعام الوفود؛ وفود متعددة قدمت من «اليمن» و «حضرموت» كانت منها وفود: «همدان»، و «خولان»، و «النخع»، و «الصرف»، و «عذرة»، و «جهينة»، و «مراد»، وغيرها، وكذلك وفد على الرسول من «اليمن»: «وائل بن حجر بن ربيعة» وكان من أبناء ملوك «اليمن»، فأدناه الرسول منه، وأجلسه على ردائه، وأقطعه أرضًا، وأرسل معه «معاوية بن أبى سفيان» ليسلمها له، وكان «أبو موسى الأشعرى» وأخوه «أبو بردة»، و «ياسر بن عمار العنسى» من أشهر المسلمين الذين وفدوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من «اليمن». بنو نجاح فى زبيد [403 - 555هـ): استتب الأمر للأمير «نجاح» فى «زبيد» و «تهامة»، فكتب إلى الخليفة العباسى فى «بغداد» معلنًا له ولاءه وطاعته للدولة العباسية، فأقره الخليفة عليها، ونعته بالمؤيد نصر الدين، وكان «نجاح» سمحًا يتبع المذهب الشافعى، فدانت له تهامة طيلة حياته، فلما وافته المنية فى سنة (452هـ) دار صراع طويل بين أولاده وأحفاده من جانب ودولة «صليح» التى نشأت فى «صنعاء» سنة (429هـ) من جانب آخر، واستقر الأمر لبنى نجاح - بعد معارك طويلة - فى عام (472هـ) وبقى فيهم حتى سنة (554هـ)، وأمراء «بنى نجاح» هم: 1 - الأمير «نجاح» (403 - 452هـ). 2 - «سعيد بن نجاح» (452 - 481هـ). 3 - «جياش بن نجاح» (483 - 498هـ). 4 - «فاتك بن جياش» (498 - 503هـ). 5 - «منصور بن فاتك» (503 - 521هـ). 6 - «فاتك بن منصور» (521 - 540هـ). 7 - «فاتك بن محمد بن فاتك» (540 - 554هـ).

سقوط آل نجاح: جاء سقوط «بنى نجاح» على أيدى «بنى المهدى» الذين يعودون فى نسبهم إلى أسرة حميرية هالها تحكم «بنى نجاح» الأحباش فى «اليمن»، فجمع زعيمها «على بن مهدى» الجموع حوله وغزا مدينة «الكدراء» فى سنة (538هـ)، وظل «بنو المهدى» من ذلك التاريخ يعملون للسيطرة على «زبيد»، وتحقق لهم ذلك فى سنة (553هـ)، عندما عجز «آل نجاح» عن صدهم، ودخل المهديون «زبيد» واستقر لهم الأمر فيها. بنو المهدى الحميريون فى زبيد [553 - 569هـ]: يرجع الفضل فى تولية المهديين على «زبيد» إلى «على بن مهدى الحميرى» الذى ينحدر من أسرة «الأغلب بن أبى الفوارس بن ميمون الحميرى»، وقد عاش «آل المهدى» فى قرية «العنبرة» من سواحل «زبيد». نشأ «على بن المهدى» نشأة دينية، وحج البيت الحرام، ولقى العلماء وأخذ عنهم العلم، ونهل من المعارف حتى أصبح واعظًا بارعًا، وعالمًا فصيحًا، فاستمال القلوب حوله، وظهر أمره بساحل «زبيد»، فقربته «أم فاتك بن منصور»؛ لصلاحه وتقاه، وأغدقت عليه هو وأهله، حتى أصبحوا من الأثرياء، وباتوا قوة كبيرة التف حولها الناس من كل مكان، فى الوقت الذى ضعف فيه «آل نجاح»، ونظر إليهم اليمنيون على أنهم أحباش تحكموا فى بلادهم، فسعى «على بن المهدى» إلى طرد «آل نجاح» من السلطة، وعمل على تحقيق ذلك جاهدًا حتى تم له ما أراد فى سنة (553هـ) بعد معارك طويلة، ثم أسس دولته التى سعد بها اليمنيون، لأن المهديين كانوا وطنيين امتاز مؤسس دولتهم بالعلم والخلق الطيب، فانضمت إليه جميع بلاد «اليمن» وذخائرها، إلا أن أمراء هذه الأسرة الذين جاءوا بعد «على بن المهدى» مؤسس دولتهم اتجهوا إلى معاملة الناس بالقسوة والشدة؛ وانحرفوا عن الطريق التى رسمها الأمير «على»، فتهيأ الجو لاستقبال أى فاتح يخلص «اليمن» منهم، فلم تدم دولتهم طويلا لدخول الأيوبيين «اليمن». وولاة أسرة «المهدى» هم: 1 - «على بن المهدى» (553هـ). 2 - «مهدى بن على» (553 - 558هـ).

3 - «عبدالنبى بن على» (558 - 569هـ). صنعاء هى عاصمة «اليمن» الرئيسية، وأهم مدنها وأجملها، وكان اسمها «أوزال»، فلما وقعت «اليمن» تحت حكم الأحباش تغير اسمها إلى «صنعاء»، ومعناها: «حصينة». ظلت «صنعاء» عاصمة «اليمن الأولى» فى العصر الإسلامى، وإن قامت إلى جانبها عواصم أخرى للولايات المتعددة التى قامت باليمن، وقد عرفت «صنعاء» الحركات الانفصالية ببنى يعفر، مثل غيرها من المدن والولايات اليمنية فى ذلك العهد. دولة بنى يعفر بصنعاء [225 - 387هـ]: بدأ نفوذ «بنى يعفر» فى «شبام» بحضرموت سنة (225هـ)، وامتد نفوذهم إلى «صنعاء» عن طريق «جعفر بن على الهاشمى» الذى وَلَّى «عبدالرحيم بن إبراهيم الحوالى الحميرى» اليمن نيابة عنه، فلما تُوفِّى «عبدالرحيم» قام ابنه «يعفر» مقامه، وصارع فى ميادين عديدة، كان من أهمها: صراعه ضد «حمير بن الحارث» والى «اليمن»، وصراعه ضد «ابن زياد» حاكم «زبيد»، فلما تُوفِّى «ابن زياد» فى سنة (245هـ) استقر سلطان «يعفر» فى «صنعاء»، فبدأ بتأسيس دولته فيها، وتم له ذلك فى سنة (247هـ)، فاعتبر المؤرخون هذه الدولة هى صاحبة الفضل فى تحقيق استقلال «اليمن»، إلا أنها اختلت اختلالا واسعًا فى عهد «محمد بن إبراهيم» نتيجة لاقتحام الأئمة والقرامطة البلاد، فعمت فيها الفوضى، وانتهت فى سنة (387هـ). وأمراء «بنى يعفر» بصنعاء هم: 1 - «يعفر بن عبدالرحيم» [247 - 259هـ]. 2 - «محمد بن يعفر» [259 - 279هـ]. 3 - «إبراهيم بن محمد بن يعفر» [279 - 285هـ]. 4 - «أسعد بن إبراهيم بن يعفر» [286 - 288هـ] وتولى مرة ثانية [303 - 332هـ]. 5 - «محمد بن إبراهيم» [332 - 352هـ]. بنو صليح فى صنعاء [429 - 532هـ]: نجح «محمد بن على الصليحى» فى السيطرة على زمام الأمور فى «صنعاء»، وزاد موقفه رسوخًا عندما استطاع السيطرة على «زبيد»، ويكفيه أنه حقق وحدة «اليمن» فى عهده، ويقول عنه «تاج الدين

اليمانى» أحد مؤرخى «اليمن»: «إن الصليحى طوى اليمن طيا، سهله وجبله، وفى سنة (455هـ) ملك الصليحى جميع اليمن إلى حضرموت، وولاه المستنصر الفاطمى أمر مكة، واتخذ صنعاء عاصمة له، وبنى فيها عدة قصور، وأحسن سيرته فى الرعية، وعلى الرغم من تشيعه فإنه سمح لأهل السنة بإظهار مذهبهم، وأسكن معهم ملوك اليمن الذين أزال ملكهم، وكان إذا حج اصطحبهم معه»، وأمراء الصليحيين هم: 1 - «على بن محمد» [429 - 459هـ]. 2 - «المكرم أحمد بن على» [459 - 484هـ]. 3 - «شمس المعالى سبأ الصليحى» [484 - 492هـ]. 4 - السيدة «أروى بنت أحمد الصليحية» [492 - 532هـ]. نهاية دولة بنى صليح: بدأ انهيار دولة «بنى صليح» عقب وفاة «على بن محمد الصليحى» الأمير الأول، وقد بذل ابنه «المكرم» وزوجه «أروى» جهودًا كبيرة لاستعادة بناء الدولة إلا أن جهودهما لم تحقق الهدف المرجو منها، ولم تستطع «أروى» استعادة زمام الأمور بعد وفاة زوجها حتى ماتت سنة (532هـ)، فتفككت المملكة الصليحية بعد أن حققت فترة استقرار وأمن لليمن كان فى حاجة إليها، وقد تميزت فترة الصليحيين بروح الود وبخاصة مع الدولة الفاطمية التى كان يجمعها مع الصليحيين المذهب الشيعى. بنو همدان فى صنعاء [492 - 596هـ]: عقب وفاة «سبأ الصليحى» سنة (492هـ) مرت «صنعاء» بفترة اضطراب، وكان «حاتم الهمدانى» أول من تولاها بعد «سبأ» وكان رجلا ذكيا محبا للنهضة، كما كان ابنه «محمد» شجاعًا وجوادًا، فبقيت «صنعاء» فى أيدى «بنى حاتم» الهمدانيين حتى اضطربت أحوالها فى نهاية عهدهم، وعمتها الفوضى، فمهد ذلك الطريق للأيوبيين، فضموها إلى سلطانهم مع ما ضموه من «اليمن». وسلاطين الهمدانيين باليمن هم: 1 - «حاتم بن الغشم الهمدانى». 2 - «هشام بن القبيب الهمدانى». 3 - «حاتم بن أحمد بن عمران». 4 - «عبدالله بن حاتم». 5 - «حماس بن القبيب». 6 - «على بن حاتم». 7 - «معن بن حاتم». بنو زريع فى عدن [476 - 569هـ]:

عندما استولى «الصليحى» على «اليمن» مد سلطانه إلى «عدن»، فوجد بها «بنى معن» الحميريين؛ فأبقاهم عليها بعد أن أظهروا ولاءهم له، فلما استقر الأمر -بعد ذلك - للمكرم الصليحى فى «عدن» وما حولها جعل ولايتها «للعباس» و «مسعود» ابنى «المكرم الجشمى بن يام بن أصبى الزريعى» وجعل «العباس» على حصن «التعكر» وما يليه من البر، وجعل «مسعود» على حصن «الخضراء» وما يليه من البحر وله كذلك «عدن»، فعظم سلطان «بنى زريع» وأصبحوا شبه مستقلين فى هذه المناطق، وبخاصة بعد نهاية دولة الصليحيين. وسلاطين آل زريع هم: - فى حصن التعكر 1 - «العباس بن المكرم» [470 - 477هـ]. 2 - «زريع بن العباس» [477 - 480هـ]. 3 - «أبو السعود بن زريع» [480 - 494هـ]. - فى حصن الخضراء وعدن: 1 - «المسعود بن المكرم» [470 - 480هـ]. 2 - «أبو الغازات بن مسعود» [480 - 485هـ]. 3 - «محمد بن أبى الغازات» [485 - 488هـ]. 4 - «على بن محمد» [488 - 489هـ]. الداعى سبأ بن أبى السعود على المنطقتين [489 - 533هـ]: كان «محمد بن سبأ بن أبى السعود بن زريع» رجلا شجاعًا عظيم الشخصية، فتمكن من ضم حصن «التعكر» إلى حصن «الخضراء» و «عدن» فى حياة أبيه، فلما ولى بعد أبيه دانت له المنطقة كلها، وقلده الخليفة الفاطمى بمصر أمر الدعوة الفاطمية فى بلاده، وأطلق عليه لقب «الداعى سبأ»؛ لما كانت بينهما من علاقة طيبة، وظل فى ملكه حتى مات سنة (533هـ). فجاء من بعده «عمران بن محمد بن سبأ» [550 - 560هـ]، ثم «أبو الدُّر جوهر المعظَّمى» وصيا على أولاد «عمران» (560 - 569هـ)، ثم دخل الأيوبيون «اليمن» فى سنة (569هـ). مصر واليمن فى العهد الفاطمى: دأب الفاطميون قبل أن يفتحوا «مصر» وينتقلوا بخلافتهم إليها على نشر دعوتهم الشيعية فى شمالى «إفريقيا»، وفى الأماكن القريبة من أضرحة أئمة آل البيت فى «النجف» و «كربلاء»، وكانت «اليمن» المكان الملائم لدعوتهم، فبعثوا إليها بدعاتهم الذين تمكنوا من

السيطرة عليها ونشر دعوتهم بها، فلما دخل الفاطميون «مصر» واستقرت أمور دولتهم بها لم ينسوا «اليمن»، وأقاموا معه علاقات وثيقة الصلة، ووجدوا فى «بنى صليح» وسيلتهم للسيطرة على «اليمن»، فساعدوهم ماديا وأدبيا حتى قامت دولتهم بصنعاء واتسعت فى أماكن أخرى، وزاد الترابط والصلة بين «مصر» و «اليمن»، وظلت هذه العلاقة قائمة حتى سقطت دولة الفاطميين. الأيوبيون فى اليمن [569 - 626هـ]: اتجه الأيوبيون عقب سيطرتهم على مقاليد الأمور فى «مصر» إلى توحيد صفوف العالم الإسلامى، فقد كان ذلك هدف «صلاح الدين الأيوبى» الذى سعى من أجل تحقيقه، فأرسل جيشًا بقيادة «توران شاه» إلى «اليمن» فى شوال من سنة (569هـ)، فاتجه الجيش إلى «زبيد» وقضى على مقاومة «عبدالنبى بن المهدى»، ثم اتجه إلى «عدن» وقضى على «آل زريع» فيها، ثم غادرها إلى «ذى جبلة» حيث يحكم الصليحيون دعاة الفاطميين، فتمكن منهم وقضى على دعوة الفاطميين فيها، وامتد حكم الأيوبيين إلى «صنعاء» ومناطق كثيرة من «حضرموت» بسبب ضعف الزيديين فيها، وأحكم الأيوبيون سيطرتهم على بلاد «اليمن» واتخذ «توران شاه» من «تعز» عاصمة جديدة له. نهاية دولة بنى رسول: ظلت دولة «بنى رسول» فى بلاد «اليمن» أكثر من قرنين من الزمان، ثم تعرضت لعوامل الضعف التى ساعدت على انهيارها حين نشب الصراع بين الأمراء من «بنى رسول»، وكانت نهاية الدولة حين ذهب السلطان «مسعود» آخر سلاطين «بنى رسول» لزيارة «مصر»، فاستبد عبيده بالسلطة وأساءوا التصرف، وعاملوا الناس بغلظة، فلجأ الناس إلى «بنى طاهر» أبرز عمال «بنى رسول»؛ لينقذوهم من تسلط العبيد، فتقدم «بنو طاهر» وأزالوا سلطان العبيد وسيطروا لصالحهم على مقاليد السلطة، فسقطت بذلك دولة «بنى رسول». بنو طاهر فى اليمن [858 - 923هـ]: تمكن «عامر بن طاهر» من السيطرة على مقاليد السلطة فى «اليمن»، بعد أن أزال دولة «بنى رسول»، إلا أن الأمور لم تكن سهلة

- آنذاك - فقد كان نفوذ الأئمة قويا، ورأوا أنهم أحق بالسيطرة على «اليمن» كله من الطاهريين، فى حين طمع «بنو طاهر» فى أن يكون لهم ملك «بنى رسول» فى شمالى «اليمن» وجنوبيه، ونشب صراع مذهبى عنيف بين الفريقين، واستمر لفترة طويلة حتى تمكن الظافر الثانى «عامر بن عبدالوهاب بن طاهر» من هزيمة الأئمة، فدانت له «اليمن» شمالا وجنوبًا، واستكمل الطاهريون ما بدأه «آل رسول» فى بناء حضارة «اليمن»، فانتشرت فى عهدهم المدارس والمساجد، واختطوا مدينة «المقرانة» فى «رواع»، وشيدوا بها القصور العظيمة، وأقاموا الحدائق البديعة، وشهدت «اليمن» فى عهدهم نهضة علمية عظيمة، وبرز فيها العلماء والمؤرخون، وبلغت العلوم الرياضية والفلكية والبحرية والجغرافية فى عهدهم شأوًا كبيرًا، فكان «أحمد بن ماجد العدنى»، و «سليمان المهرى» من علماء هذا العصر، وتتلمذ على أيديهما البحارة والجغرافيون من البرتغاليين والأتراك، ولأحمد بن ماجد مؤلفات بلغ الموجود منها أربعين مؤلفًا فى الجغرافيا والملاحة وأحوال البحار وطرقها، وظل الطاهريون فى دأبهم من أجل بناء حضارة «اليمن» حتى جاءت نهايتهم على أيدى المماليك فى سنة (945هـ) بحجة حماية طرق التجارة. وسلاطين بنى طاهر هم: 1 - الظافر (الأول) «عامر بن طاهر» [857 - 870هـ]. 2 - «المجاهد على بن عمر» [870 - 883هـ]. 3 - «المنصور عبدالوهاب بن طاهر» [883 - 894هـ]. 4 - الظافر (الثانى) «عامر بن عبدالوهاب» [894 - 923هـ]. 5 - «عامر بن داود بن طاهر» [929 - 945هـ] (احتفظ «عامر» بعدن حتى سنة 945هـ). المماليك فى اليمن [923 - 945هـ]: ترك المماليك «اليمن» تحت حكم أبنائه من «بنى رسول» و «بنى طاهر»، وظل اسم سلطان المماليك واسم الخليفة العباسى يذكران فى الخطبة وينقشان على السكة باليمن حتى عهد المماليك الجراكسة، وذلك مظهر من مظاهر سيادة المماليك على بلاد «اليمن»، ثم استطاع البرتغاليون فى نهاية القرن الخامس عشر الميلادى أن

يجدوا طريقًا تجاريا إلى «الهند» و «الشرق الأقصى» بدون المرور على «البحر الأبيض» و «البحر الأحمر»، فكان هذا الاكتشاف الذى عرف بطريق رأس الرجاء الصالح ضربة قاصمة لسلطان المماليك فى «مصر» والشام، وحاول البرتغاليون تأمين طريقهم الجديد، فعمدوا إلى احتلال بعض المناطق المهمة، واحتلوا «جزيرة كمران» اليمنية وهاجموا «عدن» واحتلوها، ثم بسطوا نفوذهم على أجزاء كبيرة من «اليمن»، فاتجه المماليك بقيادة السلطان «الغورى» إلى محاولة استعادة نفوذهم، وقطع طريق البرتغاليين الجديد، وكان الصراع محتدمًا - وقتها - فى «اليمن» بين الأئمة والطاهريين، فدخل المماليك «اليمن» وقضوا على الطاهريين بعد أن رفضوا مساندتهم فى حربهم ضد البرتغاليين، فكان دخول المماليك «اليمن» لرد البرتغاليين عنه، ولحماية طرق تجارتهم، واستعاد المماليك «جزيرة كمران» التى احتلها البرتغاليون بيد أن الأمور لم تستقر لهم فى هذه البلاد؛ إذ كثرت مناهضة الأئمة الزيديين لهم، ودخل العثمانيون الشام و «مصر» بعد هزيمة المماليك فى موقعتى «مرج دابق» و «الريدانية»، فسقطت دولة المماليك، وبسط العثمانيون نفوذهم على «مصر»، ومن ثَمَّ مدوه على «اليمن» فدانت لهم فى سنة (945هـ)، ودخل «اليمن» مرحلة جديدة من الحكم فى تاريخه تحت حكم العثمانيين.

5 - 13:البحرين

الفصل الثالث عشر *البحرين كانت المناطق التى تقع على امتداد الساحل الغربى للخليج العربى تُسمَّى: «البحرين» أو «الإحساء» أو «هجر»، وذكر ذلك «ياقوت الحموى» بقوله: «البحرين اسم جامع للبلاد على ساحل الخليج بين البصرة وعمان، وتُسمَّى هذه المنطقة أيضًا هجر وقيل: إن هجر قصبة البحرين، فيها عيون ومياه وبلاد واسعة». الإسلام فى البحرين: بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعلاء بن الحضرمى إلى «البحرين» ليدعو أهلها إلى الإسلام، وأرسل - صلى الله عليه وسلم - كتابًا إلى «المنذر بن سلوى التميمى» حاكم «البحرين» يدعوه فيه إلى الإسلام، فأسلم من ساعته، فثبته النبى فى مكانه، فظل به حتى وفاته سنة (11هـ) فتولى «البحرين» من بعده «العلاء بن الحضرمى» الذى تُوفِّى سنة (20هـ)، فتولى من بعده عدد من كبار الصحابة والتابعين، ومنهم: «قدامة بن مظعون»، و «أبو هريرة»، و «عثمان بن أبى العاص»، و «مروان بن الحكم»، و «عبيدالله بن العباس»، و «المهاجر ابن عبدالله الكلابى»، وجدير بالذكر أن «عثمان بن أبى العاص» أحد ولاة «البحرين» كان أحد القادة الكبار فى عهد «عمر بن الخطاب»، وأسهم فى فتح بلاد فارس، وقد ترك أخاه «المغيرة بن أبى العاص» خليفة له على «البحرين» حين جهاده فى فتح فارس. البحرين فى عهد الخلفاء الراشدين: ظهرت الردة فى بعض قبائل «البحرين»، ووحدوا صفوفهم لمحاربة المسلمين، فأرسل إليهم «أبو بكر الصديق» جيشًا بقيادة «العلاء بن الحضرمى» تمكن من إخماد ردتهم، وإعادتهم إلى الإسلام ثانية، وتمكن «العلاء» من توجيه عدة ضربات إلى الفرس الذين يثيرون القلاقل فى المنطقة حتى استدعاه «عمر بن الخطاب» وولاه على «البصرة»، وظلت «البحرين» موضع عناية الخلفاء الراشدين. البحرين فى العهد الأموى: اهتم الأمويون بالبحرين؛ لصلتها ببلاد فارس التى كانت تثير القلاقل فى البلاد الإسلامية كلما سنحت لها الفرصة، وظلت «البحرين» موضع

عناية الأمويين حتى قامت ثورة «ابن الزبير» فانشغل بها «مروان بن الحكم»، و «عبدالملك بن مروان» من بعده عن منطقة الخليج؛ فضعفت الرقابة عليها، فانتهز الخوارج هذه الفرصة وأتخذوا من «البحرين» مستقرا لهم، فاجتمع حولهم عدد كبير، وحاربوا من وقف فى طريقهم، وزاد نشاطهم بصورة كبيرة، وأصبحت لهم شوكة قوية فى عهد «بنى أمية» وساعدهم فى ذلك الاضطرابات التى كانت فى المنطقة إضافة إلى انشغال الخلافة عن هذه البقعة، وظلت سيطرتهم فى «البحرين» قائمة قوية حتى تمكن الأمويون من كسر شوكتهم والقضاء عليهم فى سنة (105هـ)، وتعتبر فرقة «النجدات» من أشهر فرق الخوارج التى دخلت «البحرين» فى هذه الفترة، وينسبون إلى «نجدة بن عامر الحنفى» الذى جمعهم بالبحرين. البحرين فى العصر العباسى: شهدت منطقة الخليج استقرارًا ملحوظًا خلال العهد العباسى، باستثناء بعض الثورات المتفرقة، التى لم تؤثر على سياسة الدولة العباسية حتى نهاية العصر العباسى الأول فى سنة (232هـ)، ثم انتقلت البلاد بعد ذلك إلى مرحلة تميزت بازدياد نفوذ الأتراك وتسلطهم، فجذبت منطقة «البحرين» كثيرًا من الحركات القوية المدمرة التى اتسمت بانحرافها الفكرى، مثل «حركة صاحب الزنج»، و «حركة القرامطة» التى استهدفت الإسلام، واستنزفت أموال المسلمين والخلافة العباسية وجهودهم، فخلَّف ذلك أضرارًا هائلة فى النواحى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلاد، حتى تمكن المسلمون من القضاء على «حركة الزنج» سنة (270هـ)، ثم على القرامطة من بعدهم. العيونيون فى البحرين: «العيونيون» فرع من «بنى عبدالقيس»، وكانوا يسكنون على مشارف «العيون» بالإحساء، وكان منهم «عبدالله بن على العيونى» الذى ثار على القرامطة وقضى عليهم، ثم سيطر «العيونيون» على «البحرين» وبدأ حكمهم فيها فى عام (467هـ)، وشمل «الإحساء»، و «البحرين»، و «القطيف»، فنعمت البلاد فى عهدهم بالاستقرار

والهدوء وانتعشت التجارة، واتسع ملكهم حتى شمل «نجد»، وتميز عهدهم بالحضارة العلمية الزاهرة، وظل الأمر مستقرا فى «البحرين» حتى نشبت الصراعات والخلافات الداخلية من جديد، فهيأ ذلك الفرصة أمام الفرس لدخولها. وأهم أمراء «العيونيين» هم: 1 - «الفضل بن عبدالله بن على». 2 - «محمد بن الفضل». 3 - «محمد بن أحمد بن عبدالله». الفرس فى البحرين: انتهز ملك فارس الخلاف الذى وقع بين أمراء «العيونيين»، وضعف البلاد، فدخل «جزيرة قيس» وأخلاها من العرب، ثم اجتاز بجنوده البحر إلى «البحرين»، واستولى عليها وعلى «الإحساء» و «قطيف» وغيرها من بلدان الخليج؛ فاضطر العرب إلى عقد الصلح معه، فكان ملك الفرس يولى على «البحرين» ولاة من العرب يحكمون باسمه، فأضعف ذلك حالة «البحرين» وبلاد الخليج عامة. المغول فى البحرين: بدأ الزحف المغولى على العالم الإسلامى فى القرن السابع الهجرى، فدمروا كل ما قابلهم من حضارة أقامها المسلمون بجهودهم وأموالهم فى فترات طويلة، وعاث المغول فى الأرض الفساد، وأراقوا دماء الآلاف من المسلمين، وخضعت «البحرين» لسيطرتهم، كما خضعت غيرها، وبقيت قوى الشر والفساد مسيطرة حتى كتب الله النصر للمسلمين عليهم فى «عين جالوت»، فخرجوا من العالم الإسلامى. المماليك فى البحرين: كان لانتصار المماليك على المغول أكبر الأثر فى توحيد صفوف المسلمين حولهم، فأقبلت الوفود على السلطان «بيبرس» من كل مكان لتعلن ولاءها لحكمه، وتعترف بدولته، وكان «آل عامر» بزعامة «محمد بن أحمد» فى طليعة الوفود التى وفدت إلى «مصر»، فأكرمهم السلطان «بيبرس»، وأغدق عليهم المنح والعطايا، وأقرهم على «البحرين»، فظلت «البحرين» منذ ذلك التاريخ تابعة لحكم المماليك حتى حل العثمانيون، فدخل العالم الإسلامى كله طورًا جديدًا فى تاريخه فى ظل الخلافة العثمانية.

مراجع الجزء الخامس

- المراجع: * إبراهيم علي طرخان: مصر في عصر دولة المماليك الجراكسة - القاهرة - 1960م * بن الأثير (عز الدين): الكامل في التاريخ - دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولي - 1987م * بن إياس (محمد بن أحمد): بدائع الزهور في وقائع الدهور - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - الطبعة الثانية - 1402هـ = 1982م * بن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة - القاهرة - 1963م * حكيم أمين عبد السيد: قيام دولة المماليك الثانية - الدار القومية للطباعة والنشر-القاهرة - 1966م * بن خلدون (عبد الرحمن بن محمد): تاريخ ابن خلدون - مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت - 1979م * بن خلكان (أحمد بن محمد): وفيات الأعيان - تحقيق إحسان عباس - دار صادر - بيروت - 1398هـ = 1978م * سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام - دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة الأولي - 1965م * السيد الباز العريني: مصرفي عصر الأيوبيين - القاهرة - 1960م * أبو شامة (شهاب الدين عبد الرحمن): كتاب الروضتين في أخبار الدولتين - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر -القاهرة - 1962م * الطبري (محمد بن جرير): تاريخ الطبري - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار المعارف - القاهرة - بدون تاريخ * بن القلانسي (حمزة بن أسد): ذيل تاريخ دمشق - مكتبة المتنبي -القاهرة - بدون تاريخ * القلقشندي (أحمد بن علي): صبح الأعشى في صناعة الإنشا - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولي - 1987م * بن كثير (إسماعيل بن عمر): البداية والنهاية - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الرابعة - 1987م * الكندي (أبو عمر محمد بن يوسف): كتاب الولاة والقضاء - نشر رفن جست - مطبعة الآباء اليسوعيين - بيروت-1908م

* محمد جمال الدين سرور: النفوذ الفاطمي في بلاد الشام والعراق - دار الفكر العربي - القاهرة - 1957م * محمد عبد الله عنان: الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية - لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة - الطبعة الثانية - 1379هـ = 1959م * محمد كرد علي: خطط الشام - دمشق - 1925م * المقريزي (أحمد بن علي): السلوك لمعرفة دول الملوك - تحقيق محمد مصطفي زيادة وسعيد عبد الفتاح عاشور - القاهرة - 1973: 1956م * النويري (أحمد بن عبد الوهاب): نهاية الأرب في فنون الأدب - الهيئة المصرية العامة - القاهرة - تواريخ مختلفة * بن واصل الحموي: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب - تحقيق محمد جمال الدين الشيال - القاهرة - 1953م * ياقوت الحموي: معجم البلدان - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1979م

المغرب الإسلامي

الجزء السادس المغرب الإسلامي تأليف: أ. د. حسن علي حسن أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة الفصل الأول *المغرب الإسلامى يمثل «المغرب الإسلامى» الجناح الغربى لأقاليم الدولة الإسلامية؛ وقد أسهم منذ اعتناق أبنائه الإسلام فى بناء صرح الحضارة الإسلامية، ويمتد من «برقة» شرقًا حتى «المحيط الأطلسى» غربًا، ويطل على «البحر المتوسط» شمالا. وقد استخدم بعض المؤرخين لفظة «المغرب» بمعناها العام على المنطقة الواقعة غرب «مصر» والممتدة من «برقة» حتى «المحيط الأطلسى»، بينما أطلق آخرون لفظة «المغرب» على أقاليم بعينها، ولذا قسموا المغرب إلى ثلاثة أقاليم متميزة هى: 1 - المغرب الأدنى: (أى إفريقية) وكانت قاعدته فى صدر الإسلام مدينة «القيروان»، وقد اشتمل هذا الإقليم على عدة مدن منها: «باجة» و «بونة» و «بنزرت» و «قسطيلة» و «صفاقس» و «قفصة» و «تونس» و «سوسة»، وغيرها من المدن. 2 - المغرب الأوسط: ويمتد من «بجاية» إلى «وادى ملوية»، وقاعدته مدينة «تلمسان»، ويشتمل على عدة مدن منها: «تنس» و «جيجل» و «القلعة» و «المسيلة» و «طبنة» و «مليلة»، وغيرها من المدن. 3 - المغرب الأقصى: ويمتد من «وادى ملوية» و «جبال تازا» حتى «المحيط الأطلسى»، وقاعدته مدينة «فاس» ثم «مراكش»، ويشتمل على عدة مدن منها: «فاس» و «مكناسة» و «سلا» و «درعة». السطح: كان لمظاهر السطح فى بلاد «المغرب» دورًا أثر فى التاريخ السياسى للمنطقة، بما اشتمل عليه من سهول ساحلية، وأودية وجبال وصحراء ممتدة، وقد ظهر تأثير هذا فى عملية الفتح الإسلامى للمغرب؛ إذْ استغرق نحو سبعين سنة، وينقسم سطح المغرب إلى ثلاث مناطق متميزة هى: 1 - المنطقة الساحلية: وهى المنطقة المطلة على «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، ويفصلها عن الداخل سلسلة «جبال أطلس»، التى تمتد من أقصى الغرب متجهة إلى الشرق. وتختلف المنطقة الساحلية ضيقًا واتساعًا؛ تبعًا لاقتراب الجبال من البحر أو بعدها عنه، فقامت تجمعات سكانية فى المناطق الساحلية الواسعة، وساعدتها الظروف الطبيعة والأرض الخصبة والمناخ المعتدل على

إقامة زراعة ناجحة، نتج عنها نمو اقتصادى، فأصبحت هذه المناطق مطمعًا للمستعمرين من «الرومان» و «الوندال» و «البيزنطيين»؛ حيث أقاموا فى هذه المناطق وأسسوا بها المدن والقواعد العسكرية. إلى جانب السهل الساحلى تُوجد منطقة سهول داخلية، تكونت حول مجارى الأنهار التى أسهمت إسهامًا بارزًا فى مدِّ السكان بما يلزمهم من المياه، وربطت إقليم الساحل بالمناطق الداخلية؛ ولعل أبرز هذه السهول: سهل «شادية» و «دكالة» بالمغرب الأقصى، وسهل «وادى شليف» بالمغرب الأوسط، وسهل «وادى مجردة» بالمغرب الأدنى. 2 - منطقة الجبال: مثلت منطقة الجبال حاجزًا طبيعيا بين منطقة السهول ومنطقة الصحراء، وقد وصفها «ابن خلدون» بقوله: «بقاصية المغرب من أعظم جبال المعمورة بما أعرق فى الثرى أصلها. وذهبت فى السماء فروعها، ومدت فى الجو هياكلها. ومثلت سياجًا على ريف المغرب سطورها. وتبتدئ من ساحل البحر المحيط عند آسفى وما يليها، وتذهب فى المشرق إلى غير نهاية». وتبرز أهمية هذه الجبال فى الدور الذى لعبته فى تاريخ هذه البلاد؛ حيث وقفت سدا منيعًا فى وجه الطامعين من «الفينيقيين» و «الرومان» و «الوندال» وغيرهم. وقد حصرت جبال «أطلس التل» و «الأطلس الصحراوى» هضبة امتلأت بالمراعى، فاستغلها السكان فى تنمية ثرواتهم الحيوانية بالمغرب الأوسط، ويُطلق عليها: «منطقة الشطوط». 3 - منطقة الصحراء: وتنقسم إلى عدة أجزاء، أولها: منطقة «الواحات»، وهى المنطقة التى تلى منطقة الجبال، وتمتد من «مصر» شرقًا حتى «وادى درعة» فى جنوب «المغرب الأقصى». وتعود أهمية هذه المنطقة إلى كونها حلقة الاتصال بين الأقاليم المختلفة بالمغرب، كما كانت طريق القوافل والحجاج، لتوفر آبار المياه بها، وتمتعها بالأمن الذى وفرته القبائل المقيمة بهذه المنطقة نظير بعض المال، وقِصَر المسافة التى تقطعها القوافل إذا قيست بطريق الساحل المحفوف بالمخاطر.

وتلى منطقةُ «القبلات» منطقة «الواحات» من الناحية الجنوبية، وهى آخر العمران فى الصحراء، وتضم: «فزان» فى «ليبيا»، و «بسكرة» فى «الجزائر»، و «سجلماسة» فى «المغرب الأقصى»، وتمتعت «القبلات» بمركز تجارى بارز؛ حيث كانت ملتقى قوافل التجارة الآتية من الشمال أو من جنوب الصحراء الكبرى. ثم تلت منطقةُ رمال الصحراء المعروفة بالعرق منطقة «القبلات»، وهى بداية الصحراء الكبرى التى تنعدم فيها الحياة، وتتخللها الهضاب المرتفعة المعروفة باسم: «الحمارات»، وقد أُطلق على هذه المنطقة اسم: «مناطق الموت»؛ نظرًا إلى انعدام مظاهر الحياة بها. سكان المغرب: عاش بالمغرب قبل الفتح الإسلامى ثلاثة أنماط من السكان، لكل منها سماته ومميزاته، هى: 1 - الروم: وهم الطبقة الحاكمة للشريط الساحلى للمغرب؛ إذ لم تمكنهم طبيعة البلاد وصعوبة الحياة بها من التوغل إلى داخلها، فضلا عن بغض القبائل لسلطة المستعمرين، واستقر بعض هؤلاء الروم هناك واشتغلوا بالتجارة وزرعوا الأرض، إلى جانب عملهم بالإدارة الحكومية. 2 - الأفارقة: وهم خليط من بقايا الأمم التى احتلت بلاد المغرب من الرومان والوندال وغيرهم، وهم ليسوا من البربر، ولكنهم انصهروا فى حياتهم الجديدة بمدن المغرب واستقروا بها، واختلطوا بالمتحضرين من البربر، ولم تكن تجمعهم بأهالى البلاد إلا الحياة المشتركة، المرتبطة بأسباب المعيشة. 3 - البربر: وهم الغالبية العظمى من سكان بلاد المغرب؛ وأصحاب البلاد الأصليون، وقد تصدوا للفتح الإسلامى - فى أول الأمر- ثم لم يلبثوا أن ساندوه، بعد أن اختلطوا بالمسلمين وعرفوا الدعوة الإسلامية ومبادئها السامية، فأقبلوا على الإسلام وآمنوا به، وحملوا رايته إلى «الأندلس»؛ مبشرين به ومدافعين عنه. المغرب قبل الفتح الإسلامى: تعرض إقليم المغرب قبل الفتح الإسلامى لموجات من الغزو الرومانى والوندالى والبيزنطى، وعاشت المنطقة فى ظل سلطة أجنبية حاولت

صبغها بحضارتها وأسلوبها فى الحياة على النحو الآتى: - الحكم الرومانى للمغرب: بدأ أول اتصال بين المغرب والرومان حين استولى الرومان على «إفريقية» فى سنة (146 ق. م)، ثم على «نوميديا» فى سنة (46 ق. م)، واتجه الرومان منذ وطئت أقدامهم هذه البلاد إلى بناء المدن على السواحل وفى الداخل؛ لاتخاذها مراكز وقواعد لإقامة الحاميات الرومانية وحكام الولايات، وقد تضمنت هذه المدن بين جنباتها كثيرًا من المنشآت والمعابد والساحات والملاعب وغيرها، ويتضح ذلك فى مدينة وليلى التى بناها الرومان على رأس جبل، وجعلوا لها أبوابًا عالية واسعة، ويبلغ طول سورها نحو ستة أميال، وقد حوت هذه المدينة آثارًا وأنقاضًا كثيرة، ترسم صورة لمعالم الحضارة الرومانية التى كانت قائمة فى تلك المنطقة، وقد حاول الرومان نشر حضارتهم ولغتهم وديانتهم بين أهل المدن من البربر، وبخاصة الذين كانوا يعملون بمزارعهم وضياعهم، لكنهم لم يجدوا استجابة لمحاولاتهم، ولم تتمكن الحضارة الرومانية من فرض نفسها بصورة واضحة على البربر، خاصة فى الداخل، حيث تضعف السيطرة الرومانية. - الحكم الوندالى للمغرب: خلف الوندالُ الرومانَ فى احتلال بلاد المغرب سنة (429هـ)، ولم يكونوا أهل حضارة بل كانوا شعبًا همجيا، عُرف بوحشيته وقسوته، فاهتم حكامه بفرض الضرائب التى أثقلت كاهل المغربيين وجمعها، فضلا عن ذلك فقد خرَّب القائد الوندالى «جنعديك» القلاع والحصون فى المدن المغربية باستثناء «قرطاجنة» العاصمة، حتى لا يتحصن بها البربر ويشقوا عصا الطاعة على الوندال، ومن ثَم لم يُخلف الوندال آثارًا حضارية بالمغرب، وكان حكمهم بمثابة سحابة سوداء جثمت قرنًا من الزمان على أرض المغرب. - الحكم البيزنطى للمغرب: قامت الإمبراطورية البيزنطية على أنقاض الإمبراطورية الرومانية، فاستعاد البيزنطيون الحكم فى بلاد المغرب فى سنة (533م)، واهتموا بالعمارة وأنشئوا القصور والكنائس

والحصون، ذات الطابع البيزنطى، التى تأثر بها المسلمون فى إنشاء مساجدهم، واستخدموا ما تبقى من آثارهم فى تشييد أبنيتهم، ومع ذلك لم تختلف سياسة البيزنطيين عن سابقيهم، ففرضوا الضرائب، وتعسفوا فى جمعها، وانصرفت جهود حكامهم إلى جمع الأموال بكل السبل، فأدى ذلك إلى تخلى المزارعين عن أراضيهم، واضطر التجار إلى إغلاق متاجرهم، واتجه كثير من الناس إلى السلب والنهب، مما أدى إلى قيام العديد من الثورات ضد هذا الظلم. ولقد تركت هذه الأمم بصماتها على حياة البربر، وخاصة فى المدن والمناطق الساحلية، كما تأثر الشعب المغربى بحضاراتهم على مراحل متعاقبة من الزمن. ومما سبق نلمس تمركز الإدارة الأجنبية بقواتها فى منطقة الساحل، وحرص هذه الإدارة على الاستفادة بقدر ما تستطيع من خبرات البلاد، ولعل هذا يفسر مدى مقاومة المغاربة للعرب، الذين مكثوا سبعين سنة فى محاولات دائبة ومستمرة لفتحها، إذ عدُّوهم أجانب مثل غيرهم من الرومان والوندال فقاوموهم كل هذه الفترة مقاومة شديدة. الفتح الإسلامى للمغرب: بعد أن فتحت مصر على يد القائد «عمرو بن العاص» سنة (21هـ = 642م)، كان من الطبيعى أن يمتد هذا الفتح تجاه المغرب فى «برقة» و «طرابلس» باعتبارهما الامتداد الجغرافى الطبيعى للمنطقة، وإلى رغبة المسلمين فى تخليص هذه الشعوب من قبضة المستعمرين، وإتاحة الفرصة أمامها لتعرُّف الدين الإسلامى للدخول فيه والإيمان به. وقد مرَّ الفتح الإسلامى لهذه البلاد بعدة مراحل هى: المرحلة الأولى وهى مرحلة الاستطلاع: وتبدأ من سنة (21هـ=642م) إلى سنة (49هـ= 669م) وتشمل هذه المرحلة جهود ثلاثة من قادة الفتح الإسلامى وهم: - عمرو بن العاص: هو القائد العسكرى الخبير، والصحابى الجليل «عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم» الذى أعلن إسلامه فى العام الثامن الهجرى، وشارك بدور بارز فى النشاط العسكرى للمسلمين فى عهد النبى - صلى الله

عليه وسلم-، وعهد «أبى بكر الصديق»، فلما تولى «عمر بن الخطاب» أمور الخلافة أسند إليه بعض المهام العسكرية، ومنها فتح «مصر»، فلما فرغ من ذلك توجه بقواته إلى مدينة «برقة» فاستسلمت للقائد المسلم دون قتال، ووافقت على شروطه، ودخل بعض أبنائها فى الإسلام، وارتضى بعضها الآخر دفع الجزية مقابل الاحتفاظ بعقيدته. وكان أغلب سكان هذه المدينة من قبيلة «لواته» البترية. فلما اطمأن «عمرو» إلى استقرار الأوضاع ببرقة قسّم قواته إلى جزئين، وخرج على رأس أحدهما نحو «طرابلس»، وبعث بالجزء الثانى إلى «زويلة» و «الواحات الداخلية»، حتى لا يكون الفتح مقصورًا على الشريط الساحلى فحسب، ولكى يأمن الهجوم عليه من الخلف وقد دل عمرو بن العاص بذلك على براعة عسكرية وخبرة بفنون القيادة ومعرفة بأحوال المنطقة وطبيعتها. كانت «طرابلس» مدينة حصينة ذات أسوار عالية فحاصرها فترة ثم تمكن من فتحها بعد صدام لم يطل مع القوة البيزنطية الموجودة بالمدينة، ولم يمكث «عمرو» طويلا بعد أن تم له فتح «طرابلس»، وسارع بإرسال جزء من جيشه إلى مدينة «سبرت» لمفاجأتها قبل أن تستعد لملاقاته، وفوجئ أهلها بالمسلمين على أبواب مدينتهم، فسقطت دون عناء. وكان يمكن لعمرو بن العاص أن يمضى فى مسيرته ليفتح إفريقية، لكنه لم يكن ليفعل ذلك دون استئذان الخليفة «عمر بن الخطاب» ومشاورته، فبعث إليه برسالة جاء فيها: «إن الله قد فتح علينا طرابلس، وليس بينها وبين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها، ويفتحها الله على يديه فعل». ولكن الخليفة رفض رغبة «عمرو بن العاص» فى استمرار الفتح، لحرصه على حياة الجنود، وعدم الزَّجِّ بهم فى ميادين بعيدة عن مقر الخلافة، خاصة وأن الخليفة «عمر بن الخطاب» كان على علم ودراية بأحوال إفريقية، ولديه انطباع بأنها تمثل خطورة شديدة على الجيش الفاتح لكثرة ثوراتها واشتعال الفتن والقلاقل بها من حين إلى آخر، ولذا

توقف الفتح ورجع «عمرو بن العاص» إلى «مصر» قبل منتصف سنة (23هـ = 644م)، بعد أن مهَّد الطريق لمن سيأتى بعده. عبدالله بن سعد بن أبى السرح: أحد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلم قبل الفتح الإسلامى بمكة، وتولى إمارة «مصر» فى سنة (25هـ = 646م)، خلفًا لعمرو بن العاص، فأخذ يصرف أمورها ويدبر شئونها، ويبعث بالسرايا للإغارة على أطراف إفريقية، ولكنه شعر أن هذه السرايا لم تعد كافية لتأمين الحدود الغربية لمصر، فبعث إلى الخليفة «عثمان بن عفان» يستأذنه فى الخروج على رأس حملة عسكرية تجاه إفريقية لتأمين «مصر» والمسلمين من الخطر البيزنطى المسيطر على إفريقية، فتشاور الخليفة مع مَن حوله، ووافق على مطلب «ابن أبى السرح»، وأمده بجيش كبير، ضم نخبة من الصحابة والتابعين بقيادة «الحرث بن الحكم»، فلما وصل «مصر» انضم إلى قوات عبدالله بن أبى السرح فصارت نحو عشرين ألفًا، وانطلق بها إلى إفريقية التى كانت تحت حكم القائد البيزنطى «جريجوريوس» المعروف باسم «جرجير» فى المصادر العربية. استعد هذا القائد استعدادًا جيدًا لملاقاة المسلمين، وتحصن فى مدينة «سبيطلة»، وعسكر المسلمون فى بلدة «قمونية» التى تبعد بضعة أميال عن مدينة «سبيطلة»، ثم بدأت المفاوضات بين الطرفين، وعرض المسلمون شروطهم كما أمر الإسلام، وهى: الإسلام، أو الجزية، أو القتال، ولكن المفاوضات فشلت، وفشل معها الحل السلمى، وبدأت المناوشات العسكرية بين الطرفين، وشعر المسلمون بقوة البيزنطيين؛ لقوة تحصيناتهم وكثرة عدد جنودهم، وحين ظنوا أن النصر لن يحالفهم أقبل عليهم «عبدالله بن الزبير» بمدد من «المدينة» كان له أثر فى تحقيق النصر للمسلمين، ففتحوا مدينة «سبيطلة» وقتلوا القائد البيزنطى «جُرجير»، وتمكنوا من الاستيلاء على المعاقل والحصون، وجمعوا مغانم كثيرة، حتى إن سهم الفارس بلغ ثلاثة آلاف دينار (للفرس ألفا دينار، ولفارسه ألف) وللراجل ألف

وكان من المتوقع بعد هذا النصر العظيم أن يواصل المسلمون زحفهم صوب «المغرب الأوسط»، إلا أن «عبدالله بن أبى السرح» قرر فجأة العودة بجنده إلى «مصر»، ولعل الذى دعاه إلى ذلك ما علمه من تأهب البيزنطيين واستعدادهم لخوض معركة شرسة ضد المسلمين انتقامًا لمقتل «جرجير» وسقوط «سبيطلة»، فآثر عدم المخاطرة بجنوده، واكتفى بما حقق، خاصة أن المسلمين لم تكن لهم قاعدة عسكرية قريبة يلجأون إليها عند الحاجة، ولذا عاد بجيشه إلى «مصر». ثم توقف النشاط العسكرى فى إفريقية بعد ذلك لتوالى الأحداث وتلاحقها فى المشرق، حيث ثار بعض الخارجين على الخليفة «عثمان بن عفان»، وانتهى الأمر باستشهاده، فخلفه الإمام «على بن أبى طالب»، ولم يلبث أن استشهد هو أيضًا، فتولى «معاوية بن أبى سفيان» خلافة المسلمين. معاوية بن حديج: أدرك «معاوية بن أبى سفيان» أهمية إفريقية من الناحية الاقتصادية، ودورها المؤثر فى البحر المتوسط، فضلا عن موقعها المجاور لمصر الإسلامية، فأرسل «معاوية بن حديج» على رأس جيش لمتابعة الجهاد فى إفريقية، فخرج إليها سنة (45هـ=665م)، والتقى بالبيزنطيين عند «قمونية»، ودار قتال مرير بينهما أسفر عن انتصار كبير للمسلمين، وقتل كثير من البيزنطيين، ثم مضى المسلمون نحو «جلولاء» واستولوا عليها بعد قتال شديد. وإلى هنا تنتهى المرحلة الأولى من مراحل الفتح التى أُطلق عليها: «مرحلة الاستطلاع»، وترجع أهميتها إلى أنها مكنت المسلمين من الاحتكاك بالبربر على أرض «المغرب»، ومعرفة أحوال هذه البلاد، مما كان له أثر فى إقبال بعض سكان المنطقة من البربر -وبخاصة فى «برقة» - على الإسلام. المرحلة الثانية: وهى مرحلة الارتكاز والانتشار، وتمتد من سنة (50هـ=670م) إلى سنة (64هـ= 684م)، وتتضمن ولايتى: «عقبة بن نافع» الأولى والثانية، وولاية: «أبى المهاجر دينار». عقبة بن نافع: تولى «عقبة بن نافع» إمرة الجيش فى سنة (50هـ=670م) وتوجه إلى

إفريقية، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتوجه فيها إلى إفريقية؛ إذ إنه اشترك من قبل فى حملة «عمرو بن العاص» على «برقة»، وتولى فتح المناطق الداخلية بها، وأقام فيها فترة، ونشر الإسلام بين سكانها، فأكسبه ذلك خبرة ومعرفة بأوضاع البلاد وحالة سكانها. انطلق «عقبة» على رأس قواته التى بلغت عشرة آلاف مقاتل إلى إفريقية، متخذًا الطريق الداخلى، ومبتعدًا عن الطريق الساحلى؛ لكثرة القلاع والحصون البيزنطية على الساحل، ولرغبته فى استخدام عنصر المفاجأة مع سكان الواحات، لتحقيق نصر سريع فتحقق له ما أراد، واستولى على كثير من المدن والقلاع والحصون مثل: «ودن»، و «جرمة» و «قصور فزان»، و «خادار»، و «غدامس»، كما استولى على مدينتى «قنصة» و «قصطيلية». رأى «عقبة» أن أفضل طريقة لتثبيت الفتح الإسلامى فى هذه المنطقة هو بناء مدينة يسكنها الناس تصبح قاعدة عسكرية، وتكون مركزًا لأعمال الفتح القادمة، فوقع اختياره على مكان مدينة «القيروان»، وكان واديًا كثير الشجر، تأوى إليه السباع والوحوش والهوام، فأعده هو ومَن معه من المسلمين وبنى به مسجدًا ودارًا للإمارة، ثم بنى الناس دورهم حول المسجد، وظلت عمليات البناء هذه حتى سنة (55هـ=675م). وتجلَّت عبقرية «عقبة» فى حسن اختياره لمكان المدينة؛ إذ توافر فيه البعد الكافى عن شواطئ البحر المتوسط، ليأمن المسلمون غارات الأسطول البيزنطى المتكررة، والقرب من قبائل البربر ووسط معاقلهم، وهى خطوة عملية فى سبيل اجتذابهم إلى الدين الإسلامى، واندماجهم مع العرب الفاتحين، يضاف إلى ذلك أن موقع «القيروان» كان على الطرق الموصلة إلى «مصر»، وبذلك ضمن «عقبة» سلامة خطوط إمداده من «مصر»، ولكنه لم يستمر ليجنى ثمرة جهوده، إذ تم عزله، وتولى «أبو المهاجر دينار» إمارة الجيوش وولاية المغرب بدلا منه. أبو المهاجر دينار: أقبل «أبو المهاجر» على «القيروان»، وكره المقام فيها، فاختط

لجنوده معسكرًا يبعد عنها نحو ميلين، ثم أقام به، وأخذ يوجه نشاطه الدينى والعسكرى منه، ويروى أنه خرج على رأس حملة كبيرة وصلت إلى مدينة «تلمسان»، كما فتح «جزيرة شريك»، وعامل البربر بمودة وعرفهم بحقيقة الدين الإسلامى وعمل على نشره بينهم، ولم يستمر «أبو المهاجر» طويلا؛ إذ تم عزله، وعودة «عقبة ابن نافع» مرة ثانية. عقبة بن نافع: عاد «عقبة» إلى المغرب ثانية فى سنة (62هـ=682م)، بقرار من الخليفة «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان»، وقد اختلفت ولايته الثانية عن سابقتها؛ إذ بينما تميزت ولايته الأولى ببعض الأعمال العسكرية الداخلية فى «إقليم الواحات»، وقضاء الشطر الأكبر منها فى تأسيس مدينة «القيروان» وتعميرها، نراه فى ولايته الثانية يقوم بغزوة كبرى، يصل فيها إلى شواطئ «المحيط الأطلسى»، وقد انطلق عبر الطريق الداخلى بعيدًا عن الساحل، ودخل فى معارك عنيفة مع الروم حتى أجبرهم على الفرار، وتمكن من فتح أمنع حصونهم مثل: «لميس»، و «باغاية»، ثم فتح «أذنة» قاعدة «الزاب»، واستولى على مغانم كثيرة منها، بعد معارك ضارية مع أهلها، ثم اتخذ طريق الساحل ليطرق أبواب «المغرب الأقصى»، وتم له ذلك، فكان أول فاتح عربى تطأ قدماه هذا الإقليم، فبادر «بطنجة» أهم مدن الإقليم، فأسرع حاكمها «يليان»، وقدم فروض الطاعة لعقبة مع كثير من الهدايا والتحف، فانطلق «عقبة» عقب ذلك إلى مدينة «وليلى» ومنها إلى بلاد «درعة» و «السوس» والتقى هناك مع جموع البربر فى معركة حامية، وتمكن من هزيمتهم، وواصل مسيرته حتى بلغ المحيط. ولم ينس خلال كل هذه الأحداث الهدف الأسمى الذى خرج من أجل تحقيقه، فبنى مسجدًا بالسوس وآخر بدرعة وجعل بهما بعض فقهاء المسلمين ودعاتهم، لتعليم سكان هذه البلاد قواعد الدين الجديد، ثم أذن «عقبة» لجزء كبير من قواته بالعودة إلى «القيروان» لطمأنة أهاليهم، بعد غياب استمر ما يقرب من عام، وبقى «عقبة» مع الجزء

المتبقى من الجيش، وكان عدده نحو خمسة آلاف مقاتل. استعان «كسيلة» زعيم البربر بالروم على العرب الفاتحين، وأعد كل منهما عدته وجنوده لملاقاتهم، ثم قطعوا خط الرجعة على «عقبة» ومَن معه عند «سهل تهودة»، فاقتتل الفريقان قتالا شديدًا، واستشهد «عقبة» وعدد كبير ممن كانوا معه، ودخل «كسيلة» زعيم البربر مدينة «القيروان»، فانتهت بذلك المرحلة الثانية من مراحل الفتح. المرحلة الثالثة: وهى مرحلة إتمام الفتح، وتمتد من سنة (69هـ=688م) إلى سنة (90هـ=709م)، وتشمل جهود ثلاثة من القادة الفاتحين، وهم: «زهير بن قيس»، و «حسان بن النعمان»، و «موسى بن نصير». - زهير بن قيس البلوى: أحدث استشهاد القائد «عقبة بن نافع» ومن معه من أبطال المسلمين أثرًا سيئًا فى نفوس المسلمين المقيمين بالقيروان، وضاعت جهودهم فى الإقامة بالمنطقة؛ حيث زحف «كسيلة» وجنوده على «القيروان»، وبذل «زهير بن قيس» - الذى خلف «عقبة» فى إدارة شئون البلاد- كل جهوده فى بث الحماسة والحمية فى نفوس المقيمين بها، وحثهم على الثبات بقوله: «يا معشر المسلمين، إن أصحابكم قد دخلوا الجنة، وقد منَّ الله عليهم بالشهادة، فاسلكوا سبيلهم، ويفتح الله لكم دون ذلك». ولكن الخوف كان قد سيطر على نفوس الناس، فآثروا الرحيل على الإقامة، وذهبت كل جهود «زهير» سدىً، واضطر إلى التخلى عن «القيروان»، وتوجه إلى «برقة» مع من استطاع الرحيل من المسلمين، وظل بعض المسلمين - ذوى الظروف الخاصة- بالقيروان، وطلبوا الأمان من «كسيلة» فمنحهم إياه، وأعلن نفسه أميرًا على المدينة. توقف النشاط العسكرى بالمغرب مدة خمس سنوات تقريبًا، بسبب الأحداث التى واجهتها الخلافة الأموية فى دمشق، حيث توفى الخليفة «يزيد بن معاوية» فاضطرب البيت الأموى نتيجة لذلك، ثم تولى «مروان بن الحكم» الخلافة، وقامت ثورة «عبدالله بن الزبير» بمكة، فاستنزفت هذه الثورة وقت وجهد «مروان بن الحكم» وابنه «عبدالملك» من بعده.

ثم تولى «عبدالملك بن مروان» الخلافة بدمشق فى سنة (65هـ= 685م)، فواجهته المشاكل والثورات العديدة، ولكن ذلك لم يمنعه من التفكير فى أوضاع إفريقية، وضرورة استعادة نفوذ المسلمين بها، واستشار من حوله فى ذلك، واستقر الرأى على ضرورة تجهيز حملة جديدة، يكون على رأسها «زهير بن قيس»؛ لمعرفته بطبيعة المنطقة وأحوال الناس هناك، فضلا عن شجاعته وحبه للجهاد، فأرسل الخليفة بذلك إلى «زهير» ببرقة، وأمده بما تحتاج إليه هذه الحملة، وحشد إليه وجوه العرب، ووفر له المال اللازم، فرتب «زهير» أموره، وخرج للقاء «كسيلة» وجموع البربر والروم، فعلم «كسيلة» بتحركات «زهير» وفضَّل الخروج لملاقاته خارج «القيروان». خشية أن ينضم المسلمون المقيمون بها إلى جيش «زهير»، واختار منطقة «ممس» التى تبعد مسافة يوم عن «القيروان»، لتكون معسكرًا لجنوده، لوفرة المياه بها وقربها من الجبال، التى يمكن الاحتماء بها، أو الهروب إليها إذا ما حلَّت الهزيمة بجنوده. وصل «زهير» على رأس قواته إلى «القيروان»، واستراح خارجها عدة أيام عبأ فيها قواته، وتجهز للمعركة، ثم انطلق للقاء «كسيلة» وجموعه من البربر والروم عند «ممس»، ودارت بين الفريقين معركة حامية؛ حمى فيها الوطيس، وكثر عدد القتلى من الفريقين، ولكن المسلمين صمدوا، وتمكنوا من قتل «كسيلة»، فدبَّ الضعف والوهن فى جموع البربر والروم، وتكاثر عليهم المسلمون من كل مكان، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وتتبعوهم حتى فروا من أرض المعركة؛ يجرون وراءهم أذيال الهزيمة المنكرة. انتهز الروم فرصة رحيل الجيش الإسلامى من «برقة» إلى «القيروان»، وقرروا مباغتة مدينة «برقة»، مستعينين ببعض قطع أسطولهم الراسية على شواطئ «صقلية»، وانطلقوا بها صوب «برقة»، فلم تستطع المدينة مقاومتهم وسقطت بين أيديهم، فألحقوا بها الدمار واستولوا على ما فيها من أموال، فضلا عن السبايا والأسرى، ولما

بلغت هذه الأنباء المؤلمة مسامع «زهير» أسرع بمن معه من الجنود -وكانوا قلة- لنجدة المدينة، ولكن الروم كانوا كثرة، فخرجوا عليه وعلى جنوده من كل مكان، وأسفر ذلك عن هزيمة المسلمين واستشهاد «زهير». - حسان بن النعمان: لم يستطع الخليفة «عبدالملك بن مروان» اتخاذ موقف حاسم إزاء الكارثة التى حلت بالمسلمين بإفريقية، نظرًا لانشغاله بثورة «عبدالله بن الزبير»، فلما قضى عليها، عاوده التفكير ثانية فى إفريقية، وكيفية معالجة أوضاعها، وبدأ فى البحث عن قائد جديد يتولى مهمة قيادة حملة جديدة على إفريقية، ووقع اختياره على القائد «حسان بن النعمان». الذى كانت له مكانة مرموقة لدى بنى أمية، وحرصت الخلافة على أن تهيىء له عوامل النصر، فحشدت له أعدادًا غفيرة من الجنود، ووفرت له العدة والعتاد اللازمين فانطلق «حسان» إلى إفريقية على رأس جيش تعداده أربعون ألف مقاتل، وعزم على القضاء على قوة الروم، وخطورتهم على التواجد الإسلامى بهذه البلاد، وما إن وصل بجيشه إلى «القيروان» - على أرجح الآراء - فى سنة (74هـ= 693م) حتى أخذ يستفسر ويسأل عن أماكن تجمعات الروم، وعدد جنودهم، وأنواع معداتهم، فعلم أن «قرطاجنة» هى مركز تجمعات الروم وعاصمتهم بإفريقية، فانطلق بقواته نحوها، ثم حاصرها. وقد كانت مدينة حصينة وتضم أعدادًا كبيرة من الروم، وكتب الله له شرف اقتحامها وفتحها بعد مشقة وجهد كبيرين، ثم مضى نحو «صطفورة» وقضى على من بها من جنود الروم والبربر، ثم توجه إلى «بنزرت» وفتحها؛ وقضى على معاقل الروم بها، ثم عاد إلى «القيروان» لكى يرتاح الجند، ويستعدوا للمواجهة القادمة. وبعث «حسان» بالعيون لمعرفة إمكانات «البربر» وأماكن تجمعاتهم، وأخذ يسأل من حوله عنهم وعن زعمائهم، فعرف أن هناك كاهنة تدعى «داهيا» من قبيلة «جرادة» البربرية، تمكنت بادعاءاتها وكهانتها من السيطرة على معظم قبائل البربر، وبسطت

نفوذها عليهم منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، وهى تقيم فوق جبل «أوراس»، وقد اتخذته هى وأعوانها معقلاً وحصنًا. وانطلق «حسان» بجنوده صوب معقل الكاهنة وجموعها من البربر، والتقى الفريقان فى وادى «مسكيانة»، ودارت بينهما معركة طاحنة، انتهت بهزيمة المسلمين، وانسحاب «حسان» بمن معه منها، وعادوا إلى «برقة»، ثم بعث «حسان» بما حدث إلى الخليفة «عبدالملك»، موضحًا له عوامل الهزيمة، ومدى قوة الكاهنة بمن معها من حشود البربر، فبعث إليه الخليفة بأن يقيم بجنوده فى مكانه حتى تعدّ الخلافة الإمدادات اللازمة لجولة أخرى، وامتثل «حسان» لقرار الخليفة، وشيد هو ومَن معه مساكن للإقامة بها. وكانت الكاهنة قد أسرت جماعة من المسلمين، وأبقت على حياتهم لتعرف منهم أخبار المسلمين وإمكاناتهم، وقد استأثرت بخالد ابن يزيد - أحد الأسرى -ومنحته عطفها، وجعلته فى منزلة ابنها، فاستغل هذه الفرصة وأمدَّ قائده-سرًّا - بالمعلومات عن أوضاع الكاهنة وأخبار معاونيها، ومن معها من البربر، فى الوقت نفسه ظنت الكاهنة أن المسلمين مثلهم مثل بقية الغزاة الذين جاءوا إلى هذه البلاد بغية الاستيلاء على أموالها وثرواتها وخيراتها، ولذا أمرت أعوانها بتخريب البلاد وهدم حصونها ونهب أموالها، راجية من وراء ذلك أن يرحل المسلمون عن هذه المنطقة لانعدام السبب الذى جاءوا من أجله. ولاشك أن هذا تصور خاطئ، وظن ليس فى محله، لأن هدف المسلمين الأوحد هو إتاحة الفرصة للشعوب لتعرُّف الإسلام، ونشر العدل والمساواة بين الناس، وقد جاءت خطوة التخريب التى قام بها أعوان الكاهنة بعكس ما كان متوقعًا، فضلا عن تدهور اقتصاد البلاد، وسارع سكان هذه المدن باللجوء إلى المسلمين والاحتماء بهم، مطالبين بإنقاذهم مما حل بهم على أيدى الكاهنة وأعوانها، فكان لذلك أثره فى دعم قوة المسلمين. خاصة وأن أهل «قابس» و «قفصة» وغيرهم، أمدوهم بالمال وأعلنوا لهم الطاعة.

انطلق «حسان» بقواته لملاقاة الكاهنة، ودارت بينهما معركة عنيفة؛ أسفرت عن مقتل أعداد كثيرة من أتباع الكاهنة، ثم مقتل الكاهنة نفسها عند بئر، عرف فيما بعد باسم: «بئر الكاهنة». وهكذا استطاع «حسان» أن يقضى على مقاومة البربر مثلما قضى من قبل على جحافل الروم، وعمد إلى تثبيت أقدام المسلمين فى «إفريقية» و «المغرب الأوسط»، وقام ببعض الأعمال المهمة، التى من شأنها تثبيت عملية الفتح فى المنطقة، فعمَّر مدينة «ترشيش»، وهى تبعد نحو (12) ميلا عن شرقى «قرطاجنة»، لتكون ميناء عربيا إسلاميا، بدلا من «قرطاجنة» البيزنطية التى تم هدمها فى المعارك، ثم أنشأ بها دارًا لصناعة السفن، ليكفل حماية شواطئ المغرب الإسلامية من تطلعات البيزنطيين وغاراتهم، واتبع «حسان» سياسة جديدة فى إدارة شئون هذه البلاد، ووضع الأسس التى تجعل من «المغرب» ولاية عربية؛ تعتمد على مواردها، دون الاعتماد على غيرها فى شىء، ومن هذه الأسس: أولاً: أنشأ إدارة حكومية، واعتبر أرض المغرب مفتوحة صلحًا لا عنوة مع الذين أسلموا من أهلها، ومعنى ذلك أن يؤدوا عنها ضريبة العشر، أما الأراضى التى كانت ملكًا للبيزنطيين ومَن قاوم الفتح من الأفارقة وغيرهم، فقد اعتبرها «حسان» مفتوحة عنوة، ولذا اعتبرها من أملاك المسلمين، واعتبر مَن وجدهم عليها موالى لهم، فكان لهذه الناحية الاقتصادية المهمة أثر بالغ فى نفوس البربر. ثانيًا: عمد إلى إشراك البربر بجيشه، ورغبهم بالغنائم، وعاملهم معاملة الجند العرب فى الحقوق والواجبات، وأدى ذلك إلى مزيد من الاحتكاك بين المسلمين والبربر، مما دفع الكثيرين منهم إلى الدخول فى الإسلام. ثالثًا: وزع مسئولية الحكم على القبائل المختلفة، واختص كل قبيلة بناحية معينة تمشيا مع طبيعة البلاد. ولهذه السياسة التى رسمها «حسَّان بن النعمان» وأرسى قواعدها أعظم الأثر فى نفسية البربر، وفى علاقتهم بالعرب الفاتحين،

وازدادت معرفتهم بالدين الجديد الوافد عليهم، ودخله الكثيرون منهم، ودخل «المغرب» فى طور جديد من التنظيم السياسى، ثم عُزل «حسان»، وعُيِّن «موسى بن نصير» مكانه. - موسى بن نصير: وصل الوالى الجديد «موسى بن نصير» إلى «القيروان»، سنة (86هـ= 705م)، فألقى على الناس فور وصوله خطبة، أعلن لهم فيها سياسته التى سينتهجها لفتح بقية أقاليم المغرب، ثم انطلق موسى على رأس قواته إلى قلعة «زغوان» التى على مسيرة يوم من «القيروان»، واستولى عليها، فى الوقت الذى أرسل فيه أبناءه على رأس مجموعات من الجند لإخضاع المناطق المحيطة بالقيروان، وقد نجحوا فى تحقيق ما خرجوا من أجله، وكان هدف «موسى» من ذلك تأمين خطوطه الخلفية إذا ما خرج للجهاد بالمغربين الأوسط والأقصى، فلما تحقق له ما أراد، انطلق إلى «المغرب الأوسط» وأخضع قبائله، وفتح قلاعه وحصونه، ثم انطلق إلى «المغرب الأقصى»، متَّبعًا سياسته التى سار عليها فى جميع حملاته العسكرية، وتتمثل فى توزيع نشاطه العسكرى فى شتى الاتجاهات فى آنٍ واحد، لبث الرعب فى قلوب الأعداء، فأُجبر البربر على الفرار إلى المناطق البعيدة، ونجح فى بسط نفوذ المسلمين على «المغرب الأقصى» حتى بلاد «درعة»، ثم استولى بعد ذلك على «طنجة»، وكان أول مَن نزلها، واختط فيها للمسلمين، وجعل عليها مولاه «طارق بن زياد». وقد اتبع «موسى بن نصير» سياسة من سبقه من الولاة فى نشر الدين الإسلامى بين صفوف «البربر»، وترك الدعاة يحفظون الناس القرآن الكريم، ويعلمونهم تعاليم الدين، وكذلك بنى المساجد، وأشرك البربر -مثلما فعل «حسان» من قبل- فى حكم البلاد. ويتضح ذلك فى توليته «طارق بن زياد» -الذى يرجع نسبه إلى البربر- شئون «طنجة» عاصمة «المغرب الأقصى» وأهم مدنه - آنذاك- وقد قاد طارق -فيما بعد- جيشًا كبيرًا من البربر لفتح بلاد «الأندلس». ثم صدرت الأوامر من قِبَل الخلافة باستدعاء «موسى»، فأسرع بتنفيذ

الأمر، وترك ابنه «عبدالله» بالقيروان، خلفًا له فى إدارة «المغرب»، وانطلق صوب المشرق فى سنة (96هـ= 715م)، فانتهت بعودته إلى المشرق أعمال الفتح المختلفة؛ وبدأ بالمغرب عصر جديد؛ هو عصر الولاة. لقد استمرت أعمال فتح «بلاد المغرب» نحو سبعين سنة، وأخذ ذلك جهدًا كبيرًا؛ بذلت فيه الخلافة الإسلامية كثيرًا من الرجال والأموال، وهذا يغاير بصورة واضحة أعمال الفتح الأخرى التى قام بها المسلمون فى الأقاليم الأخرى، مثل: «الشام» و «مصر»، وكان لذلك أسبابه، مما أخَّرَ عملية الفتح. أولاً - طبيعة المكان: لعل من أبرز أسباب تأخر فتح «بلاد المغرب» هو بُعْد هذه المنطقة عن مقر الخلافة الإسلامية، فضلاً عن طبيعة منطقة القتال، وهى ساحل ضيق، تركزت فيه مقاومة البيزنطيين، وتجاورها جبال شاهقة، لجأت إليها جموع البربر واعتصمت بها، يضاف إلى ذلك وجود صحراء واسعة يشق على المحارب اجتيازها. ثانيًا - البيزنطيون: وهم الذين استعمروا هذه المنطقة منذ زمن بعيد، ولذلك عرفوا أهميتها، ومقدار خيراتها وثرواتها، فدافعوا عنها بكل ما يملكون رغبة منهم فى إبقاء هذا المورد الثَّرِّ، الذى يدعمون بما يحصلون عليه منه اقتصاد بلادهم وبقاء حضارتهم، وقد عمد البيزنطيون إلى محاربة المسلمين، فضلا عن تأليب جموع البربر عليهم، كما حدث فى علاقة «كسيلة» معهم. ثالثًا - سكان البلاد (البربر): بات «البربر» لا يرحبون بأى قادم نحوهم، دفاعًا عن حريتهم وأرضهم، وذلك ناتج عن القهر والذل والهوان الذى سيطر عليهم أعوامًا طويلة على يد الاستعمار الأجنبى لبلادهم، وكانت المقاومة أشد وأعنف من قبل هؤلاء الذين نالوا حظا من الحضارة، حيث كانوا ملاصقين للبيزنطيين، ومتأثرين بدعايتهم. رابعًا - المسلمون الفاتحون: لعل الأحداث السياسية التى كان يمر بها المشرق الإسلامى، فضلا عن الفتن والثورات التى انشغلت بها الخلافة الإسلامية - آنذاك - من بين أسباب تأخر فتح «بلاد المغرب».

6 - 2:عصر الولاة

الفصل الثاني *عصر الولاة - الولاة فى العصر الأموى: تعد فترة تبعية المغرب للخلافة (عصر الولاة) - والتى تمتد من سنة (96هـ = 715م) إلى سنة (184هـ =800م) - من أهم الفترات وأخطرها فى تاريخ المغرب الإسلامى، وقد اختلفت هذه الفترة عن سابقاتها، لأن فترة الفتح كان يغلب عليها النشاط العسكرى، واتسمت بالامتداد والانحسار، والخوف والاضطراب، ولم يعرف المسلمون شيئًا من الاستقرار بالمغرب إلا بعد تأسيس مدينة «القيروان» على يد «عقبة بن نافع»، ثم تمَّ لهم الاستقرار بفضل جهود: «زهير بن قيس»، و «حسان بن النعمان»، و «موسى بن نصير». وقد اتسم عصر الولاة بسمات وصفات معينة؛ فهو عصر الاستقرار العربى على أرض «المغرب»، ووضح فيه موقف الخلافة من المنطقة، وما ترتب على ذلك من علاقة بين الخلافة والولاة، فضلا عن علاقة الولاة بسكان هذه البلاد، يضاف إلى ذلك الأوضاع السياسية المختلفة التى ترتبت على هذه العلاقات؛ حيث ثار «المغرب الأقصى» وانفصل عن «الخلافة الأموية»، ثم انتقلت عدوى الثورة إلى المغربين الأوسط والأدنى، وبذلت «الخلافة العباسية» جهودًا كبيرة، وأموالا طائلة، ورجالا كثيرين، فى سبيل الحفاظ على هذه الأقاليم، ولكن الأمور أسفرت عن مجرد سلطة اسمية للخلافة العباسية على «المغرب الأدنى» مُمثَّلة فى قيام «دولة الأغالبة»، وقامت دويلات مستقلة بالمغربين الأوسط والأقصى. وسوف نعرض تاريخ هذا العصر، ونستعرض تاريخ ولاته، وهم: - محمد بن يزيد: استشار الخليفة «سليمان بن عبدالملك» فيمن يصلح لولاية إقليم المغرب، فأشار عليه المحيطون به بمحمد بن يزيد مولى قريش، لما يتمتع به من صفات الفضل والحزم، فوقع عليه اختيار الخليفة «سليمان بن عبد الملك»، ومنحه ولاية «المغرب» وأوصاه بقوله: «يا محمد بن يزيد اتق الله وحده لاشريك له، وقم فيمن وليتك بالحق والعدل. اللهم اشهد عليه»، فعمل «محمد» بهذه الوصية منذ تولى

مقاليد البلاد، واستقر بالقيروان، فأقام سياسة العدل بين سكان هذه البلاد، وسار فيهم بأحسن سيرة، ثم عمد إلى تجديد النشاط العسكرى، وأرسل السرايا والبعوث إلى أماكن متفرقة من أرض المغرب، فحققت نجاحًا ملحوظًا فيما ذهبت من أجله، وعادت بالمغانم الكثيرة والنصر المظفر. وظل «محمد بن يزيد» واليًا على «المغرب» حتى وفاة «سليمان بن عبدالملك»، فعزل من ولايته بعد أن قضى بها سنتين وعدة أشهر. - إسماعيل بن عبدالله (100 - 101هـ= 718 - 719م): اختاره الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» لصفاته الحسنة وسمعته الطيبة، لتولى هذا المنصب فى سنة (100هـ=718م)، وبعث معه مجموعة من التابعين، منهم: «سعد بن مسعود التجيبى»، لمعاونته فى نشر الإسلام، وتعليم الناس قواعده، وقد أثمرت سياسة «إسماعيل» الطيبة بين الرعية، فى إقبال البربر على اعتناق الدين الإسلامى، وأسلم جميع البربر فى أيامه كما ذكر «ابن خلدون». ولاشك أن سياسة الدولة الإسلامية عامة، التى انتهجها الخليفة العادل «عمر بن عبدالعزيز»، كان لها أثرها الواضح على كل أقاليم الدولة، خاصة وأن الخليفة قد حرص على اختيار ولاة أكفاء؛ يتخلقون بأخلاق الإسلام، لذا أشار كثير من المؤرخين إلى الدور الإيجابى الذى قام به «إسماعيل بن عبدالله» فى تعليم «البربر» القرآن، وقواعد الحلال والحرام، وقد عُزل «إسماعيل» من منصبه عقب وفاة الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» فى سنة (101هـ= 720م)، فتولى «يزيد بن أبى مسلم» ولاية «المغرب» خلفًا له. - يزيد بن أبى مسلم: لم يُقر الخليفة «يزيد بن عبدالملك» -الذى تولى الخلافة خلفًا لعمر بن عبدالعزيز فى سنة (101هـ = 720م) - سياسة اللين والتسامح التى انتهجها الخليفة السابق «عمر»، واستوجب ذلك تغييرًا عاما فى سياسة الدولة، فعزل جميع الولاة، وعين آخرون مكانهم. وكان «يزيد بن أبى مسلم» من بين الولاة الجدد. أقبل «يزيد» إلى «القيروان» فى سنة (101هـ=720م)، وتولى مقاليد

الأمور فيها، واتبع سياسة الشدة والحزم تجاه أهل «المغرب» مثلما اتبعها مع أهل «العراق» من قبل، وفرض الجزية على مَن أسلم من أهل الذمة ليزداد الدخل المالى فى خزينة الدولة، كما أنه خصَّ طائفة من قبيلة «البتر» البربرية بحراسته دون غيرها، وأساء إلى آل «موسى بن نصير» وبعض الشخصيات العربية المقيمة بالقيروان، فأثار عليه ذلك حفيظة بعض حرسه من غير «البتر» وقتلوه. - بشر بن صفوان: تحرك «بشر» تجاه «المغرب» فى أواخر سنة (102هـ=721م)، وقد بدأ أعماله بالتحقيق فى مقتل «ابن أبى مسلم»، واكتشف أن هناك بعض المحرضين للجند على فعل ذلك لإشعال الفتنة، فأمر بإعدامهم كما أمر بعزل «الحسن بن عبدالرحمن» والى «الأندلس» من منصبه، وولى مكانه «عبدالله بن سحيم الكلبى»، ثم قام فى سنة (109هـ= 727م) بحملة بحرية على «جزيرة صقلية»، وعاد منتصرًا ومحملا بكثير من المغانم والأسلاب، ثم مرض عقب عودته من هذه الغزوة، ومات فى العام نفسه. - عبيدة بن عبدالرحمن السلمى: وصل القيروان فى سنة (110هـ=728م)، فأرسل «المستنير بن الحبحاب الحرشى» أحد القادة العسكريين على رأس حملة بحرية إلى «صقلية»، ولكن هذه الحملة لم تحقق نجاحًا، وغرقت معظم سفنها. وقد عين «عبيدة» بعض الولاة من قِبله على «الأندلس» فى سنة (114هـ=732م)، ثم توجه إلى مقر الخلافة بدمشق، وطلب إعفاءه من منصبه، فأُجيب إلى مطلبه. - عبيدالله بن الحبحاب: وصل «عبيدالله» إلى «المغرب» فى سنة (116هـ=734م)، وبدأ ولايته بتجهيز حملة بقيادة «حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع»، وبعث بها لفتح بعض المناطق؛ لتأمين الأقاليم الإسلامية بالمغرب، فتوغلت هذه الحملة حتى وصلت إلى «السوس الأقصى»، وأرض «السودان»، وحققت الأهداف التى خرجت من أجلها. وقد انتهج «عبيدالله» سياسة مغايرة لسابقيه، فأسرف فى جمع الأموال مستخدمًا القسوة والقوة وشرع فى تخميس البربر، أى اعتبر

من أسلم منهم ومن لم يسلم فيئًا للمسلمين، بخلاف ما اعتاد عليه هؤلاء البربر حيث منح الولاة من أسلم منهم نفس الحقوق والواجبات الخاصة بالمسلمين كما أنه أزكى نار العصبيات القبلية، حيث حابى أبناء قبيلته من القيسية وأساء معاملة اليمنية وغيرهم، فكانت النتيجة أن قامت الثورات المدمرة فى أقاليم «المغرب»، ودخل البربر فى صراع مسلح مع ولاتهم من العرب، وترتب على ذلك انفصال «المغرب الأقصى» عن سلطة الخلافة بدمشق. كلثوم بن عياض القشيرى: وقع اختيار الخلافة عليه، لتولى مقاليد الأمور بالمغرب، ومواجهة الأحداث الخطيرة التى نشبت على أرضه، وتوجه على رأس جيش كبير تعداده سبعون ألف مقاتل إلى هذه البلاد، ودعمته الخلافة بكل ما يحتاج إليه، ووصل على رأس جيشه إلى «بقدورة» بالمغرب الأقصى، ودخل فى معركة شرسة مع جحافل البربر، وقد انتهت هذه المعركة بهزيمة جيش العرب، فضلا عن مقتل «كلثوم» نفسه ومعه كثير من زعماء الجيش، وفرَّ الباقى إلى «طنجة» ومنها إلى «الأندلس». - حنظلة بن صفوان الكلبى: كان «حنظلة» واليًا على «مصر»، وكان ذا كفاءة عالية وخبرة كبيرة، فضلا عن إلمامه بأخبار «المغرب» وأوضاعه بحكم الجوار بين «مصر» و «المغرب»، فوقع عليه اختيار الخليفة «هشام بن عبدالملك» لتولى شئون «المغرب»، وأمره بالتوجه إليها فى سنة (124هـ= 742م)، فخرج على رأس جيش بلغ تعداده ثلاثين ألف مقاتل، قاصدًا «القيروان»؛ لمواجهة أحداث المغرب. ووصلت الأخبار إلى «حنظلة» بمسير البربر إليه فى جيشين كبيرين، أحدهما بقيادة «عكاشة الصفرى الخارجى»، والآخر بقيادة «عبدالواحد بن يزيد الهوارى»، وقد سار الجيشان فى طريقين مختلفين، فاضطر «حنظلة» إلى لقاء كل جيش على حدة، وبدأ بمحاربة جيش «عكاشة» وأنزل به هزيمة كبيرة؛ أعادت الثقة إلى نفوس جيشه، ثم كان اللقاء الثانى بجيش «عبدالواحد» عند «باجة»، ودارت بين الفريقين معركة عنيفة، انتهت بهزيمة جيش الخلافة،

وعودة ما تبقى منه إلى «القيروان» استعدادًا لمحاولة ثانية. ثم حشد «حنظلة» كل ما استطاع من قوة، وخرج للقاء البربر، ودارت بينهما معركة، أثبت جيش «حنظلة» فيها كفاءة عالية وصبرًا على القتال، فانتصر جيش الخلافة وقُتل «عبدالواحد» قائد البربر، فضلا عن مقتل عدد كبير من جنوده، فمكن هذا النصر للأمويين فى البلاد، ودعم وجودهم فيها، وعمد «حنظلة» إلى إقرار الأمن والطمأنينة فى النفوس، ثم بعث بأخبار هذا النصر إلى مركز الخلافة «بدمشق» فى شعبان سنة (125هـ= يونيو 743م)، فتوافق هذا الوقت مع وفاة الخليفة «هشام بن عبدالملك»، وتولى «الوليد الثانى بن يزيد» خلفًا له. واجه «حنظلة» مشكلة كبيرة، تمثلت فى نزول «عبدالرحمن بن حبيب» أحد زعماء العرب على شواطئ «تونس» قادمًا من «الأندلس»، وقد استغل هذا الرجل اضطراب الأوضاع فى «دمشق»، وضعف والى «القيروان» بسبب الحروب الكثيرة التى خاضها مع البربر، وسعى إلى جمع عناصر من العرب والأفارقة والبربر حوله، ثم نزل بهم منطقة «سمنجة» فى سنة (127هـ=745م)، استعدادًا للاستيلاء على «القيروان» وعلى مركز السلطة فيها. وحاول «حنظلة» معالجة الأمور بطريقة ودية، فاختار خمسين من فقهاء «القيروان» وزعمائها، وأرسلهم إلى «عبدالرحمن» للتفاوض معه، فألقى القبض عليهم وهدَّد بقتلهم إن لم يتخلَّ «حنظلة» عن الإمارة، ويترك «القيروان» خلال ثلاثة أيام، وألا يأخذ من بيت المال إلا ما يكفيه مئونة السفر، فوافق «حنظلة» على مطالب «عبدالرحمن» حفاظًا على أرواح مَن بعث بهم إليه، وترك «القيروان» فى جمادى الآخرة سنة (127هـ= مارس745م) فدخلها «عبدالرحمن». ثم وافقت الخلافة على تعيينه واليًا على بلاد «المغرب». الولاة فى العصر العباسى: استقر «عبدالرحمن بن حبيب» بالقيروان فى سنة (127هـ)، وعمل على الاستقلال بالمغرب، فواجه العديد من ثورات البربر، ولكنه تمكن

من التغلب عليها، وهاجم معاقلهم، وقضى على تجمعاتهم، ثم أرسل حملتين عسكريتين فى سنة (135هـ= 752م) إلى جزيرتى «صقلية» و «سردانية»، فحققت الحملتان أهدافهما، وعادتا منتصرتين. فلما قامت الدولة العباسية، أسرع «عبدالرحمن بن حبيب» بالخطبة للعباسيين على المنابر، وأرسل لهم مبايعته وطاعته، فرحب به الخليفة العباسى «أبو العباس السفاح» وأقرَّه على ولايته، ولكن الأمور تغيرت فى عهد «أبى جعفر المنصور»، الذى تولى الخلافة فى ذى الحجة سنة (136هـ= مايو 754م)، حيث أقر «عبدالرحمن» على «المغرب» فى البداية، ثم توترت بينهما العلاقات، فخلع «عبدالرحمن» طاعة العباسيين واستقل بحكم إقليم «المغرب الأدنى». ولقد حاول «عبدالرحمن بن حبيب» نقل ولاية العهد من أخيه «إلياس» إلى ابنه «حبيب»، فدبر له «إلياس» مؤامرة انتهت بقتله فى سنة (137هـ=754م) بعد أن قضى نحو عشر سنوات بالحكم، أمضاها فى معارك متصلة ضد الثائرين والخارجين، ومن ثَم ثارت جموع البربر، وعادت الاضطرابات إلى المنطقة ثانية، وتمكن «إلياس» من إحكام سيطرته على «القيروان»، إلا أن «حبيب بن عبدالرحمن» دخل فى صراع طويل معه، وانتهى الأمر بمقتل إلياس فى سنة (138هـ= 755م)، وتولى «حبيب» مقاليد الحكم بالقيروان، ولجأ عدد من أفراد أسرته إلى قبيلة «درفجومة» البربرية، وكان زعيمها «عاصم بن جميل كاهنًا» يدعى النبوة، فدخل «حبيب» فى حروب مع هذه القبيلة، ولكنهم هزموه، فاضطر إلى الفرار، ودخل «عاصم» «القيروان» واستحل حرماتها وخرَّب مساجدها وقضى على مظاهر حضارتها. وهكذا سقطت «القيروان» فى قبضة هذه القبيلة التى أساءت معاملة الناس، فاضطر بعضهم إلى اللجوء والاستنجاد بالخلافة العباسية، ولجأ آخرون إلى «أبى الخطاب عبدالأعلى بن السمح المعافرى» وكان أحد وجوه العرب، ويعتنق المذهب الإباضى، فهبَّ لنجدتهم، وجمع مَن حوله من البربر المعتنقين لآراء الخوارج، وأثار فيهم

الحمية، ثم خرج بهم لملاقاة قبيلة «درفجومة»، فاستولى على «طرابلس»، ثم قصد «القيروان» فى سنة (141هـ= 758م)، وتمكن من قتل «عاصم بن جميل» وعدد كبير من أتباعه، ودخل مدينة «القيروان». وحين علم الخليفة العباسى «أبو جعفر المنصور» بما حدث ببلاد المغرب، عين «محمد بن الأشعث بن عقبة الخزاعى» على ولاية «مصر»، وأمره بمعالجة الأمور بالمغرب، فاضطر «ابن الأشعث» بعد فترة إلى الخروج بنفسه على رأس الجيش إلى «المغرب» للقضاء على نفوذ الإباضية فيها، وقد تمكن من ذلك بعد عدة حروب، وقتل «أبا الخطاب» وأتباعه، ثم دخل مدينة «القيروان» فى سنة (144هـ= 761م)، وتولى مقاليد الأمور بها، وبنى حولها سورًا كبيرًا لحمايتها، ثم هاجم معاقل البربر، وقضى على تجمعاتهم، ولكنه أساء معاملة جنده، فثاروا عليه، وأجبروه على التخلى عن الولاية، والعودة إلى المشرق فى ربيع الأول سنة (148هـ= إبريل 765م). - الأغلب بن سالم التميمى: وقع اختيار الخلافة عليه لتولى إفريقية، لحزمه وشجاعته وسداد رأيه، فدخل «القيروان» فى جمادى الآخرة سنة (148هـ= يوليو 765م)، وبلغه احتشاد البربر بقيادة «أبى قرة بن دوناس» الخارجى فى «تلمسان» للتوجه إلى «القيروان»، فخرج «الأغلب» بجنوده لملاقاتهم، ولكنهم انسحبوا إلى «المغرب الأقصى» دون قتال، فانتهز «الحسن بن حرب الكندى» فرصة خروج الجيش من «القيروان» واحتلها، فلما علم «الأغلب» بذلك دخل مدينة «قابس» استعدادًا لطرد هذا المحتل، ثم دخل معه فى معركة حامية، واستشهد «الأغلب»، وصمد جيشه، وتمكن من قتل «الحسن بن حرب» وهزيمة جيشه. - عمر بن حفص: وقع عليه اختيار الخلافة لتولى مهام إقليم «المغرب» عقب استشهاد «الأغلب بن سالم التميمى»، وكان «عمر» رجلاً شجاعًا، ذا شخصية قوية، فدخل مدينة «القيروان» فى سنة (151هـ= 768م)، وانتهج سياسة جديدة تجاه أهلها وعاملهم بالحسنى، وتودد إلى زعمائها

وأنزلهم منازلهم، فاستقرت له الأوضاع، وهدأت الأمور، ثم خرج إلى مدينة «طبنة» لإصلاح أحوالها، وبناء سورها، ففاجأته جموع البربر، وحاصرت مدينة «القيروان»، كما حاصرته مع جنوده بمدينة «طبنة»، فلجأ إلى استعمال الحيلة، وأغدق بالأموال على الجيش المحاصر لطبنة، فانصرف عدد كبير من جنود البربر عن المدينة، وتمكن «عمر» من هزيمة الجزء المتبقى منهم، ثم دخل «القيروان» بالحيلة والتمويه، وتولى مهمة الدفاع عنها، ولكن «إباضية» «طرابلس» بزعامة «أبى حاتم» كانوا قد أحكموا حصارهم وسيطرتهم على «القيروان»، وظلوا كذلك ثمانية أشهر، فساءت الأوضاع داخل المدينة، واضطر الناس إلى أكل دوابهم وخيولهم، وفشلت كل محاولات «ابن حفص» لفك الحصار عن المدينة، فخرج على رأس قواته، ودخل فى معركة شديدة مع المحاصرين، فاستشهد هو وكثير من رجاله فى سنة (154هـ = 771م) ودخل «الإباضية» بقيادة «أبى حاتم» المدينة. - يزيد بن حاتم: تولى «يزيد بن حاتم» إمرة «مصر» فى عهد الخليفة «أبى جعفر المنصور» فى سنة (144هـ=761م)، وأثبت فيها كفاءة عالية، فوقع عليه اختيار الخلافة ليكون واليًا على «المغرب»، وجهز له الخليفة جيشًا كبيرًا، ضم تسعين ألف مقاتل، وتم تجهيزه بثلاثة ملايين درهم، وخرج «يزيد» على رأس الجيش قاصدًا إفريقية، ووصلها فى سنة (154هـ= 771م)، فانضمت إليه فلول الجند المنهزمة أمام «أبى حاتم»، وتم اللقاء بين الجيش العباسى وجيش الخوارج بقيادة «أبى حاتم» فى شهر ربيع الأول سنة (155هـ= فبراير 772م)، فكانت المعركة حاسمة، وهُزم جيش الخوارج، وقتل قائده «أبو حاتم»، وبعث «يزيد» بجنوده لاستئصال شأفة الخوارج ثم دخل «القيروان» رافعًا أعلام العباسيين، وبث الطمأنينة فى نفوس أهلها، ومات «يزيد بن حاتم» بالقيروان فى سنة (170هـ= 786م)، فخلفه ابنه «داود» فى الولاية. - داود بن يزيد بن حاتم: تولى «داود» مقاليد الأمور خلال فترة مرض والده كمعاون له، فلما

مات والده، تولى إدارة البلاد ريثما تتخذ الخلافة قرارها، وواجه ثورة الإباضية بحزم، وحافظ على ما حققه والده من انتصارات ومكاسب، ولم يستمر فى الحكم سوى تسعة أشهر، ثم سلم مقاليد الأمور إلى عمه «روح ابن حاتم»، وعاد إلى المشرق. - روح بن حاتم: اختاره الخليفة «هارون الرشيد» خلفًا لأخيه «يزيد» فقدم إلى إفريقية فى سنة (170هـ=787م)، وتولى مقاليد أمورها، وأحدث تغييرات فى إدارتها، وقضى على ثورات ما تبقى من البربر بها، فهدأت أوضاعها، واستقر أمنها ثم مات «روح» فى رمضان سنة (174هـ= يناير 791م). - نصر بن حبيب: اقتفى «نصر» سياسة الوالى السابق، وعدل بين الناس وحسنت سيرته بينهم، ولكنه لم يستمر طويلا فى الولاية، حيث تم عزله بعد سنتين وثلاثة أشهر قضاها فى الحكم. - الفضل بن روح بن حاتم: اختاره «الرشيد» بدلا من «نصر ابن حبيب»، فوصل إلى مدينة «القيروان» فى سنة (177هـ= 793م)، وجعل ابن أخيه «المغيرة ابن بشير بن روح» على مدينة «تونس»، وكان «المغيرة» غِرا تنقصه التجارب والكياسة، فأساء معاملة الجند، وفرق بينهم فى المعاملة، فثاروا عليه بقيادة «ابن الجارود» المعروف بابن عبدويه، وعزلوه عن «تونس»، وأجبروه على تركها، فأدرك «الفضل بن روح» خطورة الموقف، وأرسل «عبدالله بن يزيد» واليًا جديدًا على «تونس» لتهدئة الموقف، ولكن الثوار قتلوه على أبواب المدينة، وشرعوا فى استمالة قادة الجيش بالقيروان وزعماء الجند إليهم للتخلص من «الفضل»، وقد نجحوا فى ذلك، وحاصروا مدينة «القيروان»، ثم دخلوها، وأرغموا «الفضل» على تركها مع بعض أفراد أسرته، ولكن «ابن الجارود» أرسل خلفه مَن يأت به إلى «القيروان» ثانية، وأودعه السجن فترة، ثم قتله فى شعبان سنة (178هـ= نوفمبر 794م)، فلما بلغ «الرشيد» ذلك بعث بيحيى بن موسى إلى «تونس» برسالة ليُهدِّىء النفوس، ويدعو «ابن الجارود» إلى «بغداد»، فامتثل «ابن

الجارود» للأمر، وهدأت الثورة، وعين الخليفة «الرشيد» «هرثمة بن أعين» على إفريقية. - هرثمة بن أعين: تسلم «هرثمة» مهام منصبه بالقيروان فى ربيع الآخر سنة (179هـ= يونيو 795م)، فنهج سياسة حسنة فى رعاياه، وأعاد إليهم استقرارهم وأمنهم، ثم شرع فى العمران والبناء، فأنشأ سورًا حول «طرابلس»، وبنى القصر الكبير بالمنستير، ولم تحدث فى عهده ثورات ذات أهمية، سوى ثورة «عياض بن وهب الهوارى»، إلا أن «هرثمة» استطاع القضاء عليها فى مهدها. ظل «هرثمة» بإفريقية نحو سنتين ونصف السنة، ثم ألح على الخلافة فى أن تعفيه من منصبه، فأجابه الخليفة إلى طلبه، وعاد «هرثمة» إلى المشرق. - محمد بن مقاتل العكى: اختاره «الرشيد» لتولى إمرة بلاد «المغرب الأدنى»، فوصلها فى رمضان سنة (181هـ= أكتوبر 797م)، ويبدو أنه لم يكن على دراية بأوضاعها، وظروف الجند بها، فوقع فى عدة أخطاء، وقطع أرزاق الجند، وأساء معاملة وجوه القوم وزعمائهم، فثاروا عليه بقيادة «تمام بن تميم التميمى» ثم توجه بها إلى «القيروان» وحاصرها، ثم دخل مع «العكى» فى معركة وهزمه فيها، ولكن «إبراهيم بن الأغلب» والى «الزاب» من قبل «العكى» كانت له طموحات فى هذه المنطقة، فأسرع إلى نجدته بقواته، وقضى على جموع الثائرين. وعمد «إبراهيم بن الأغلب» إلى التقرب إلى أهالى «القيروان» لتحقيق أهدافه ومطامعه بالمنطقة، وظهر بمظهر المدافع عن سلطة الخلافة وممتلكاتها، وقد ساعدته كراهية الناس لابن مقاتل العكى فى تحقيق مبتغاه، وطلب منه وجهاء القوم مراسلة «الرشيد» وإعلامه بمسلك «العكى» العدائى تجاه السكان، ومطالبة الرعية بعزله، فاستجاب لمطلبهم، وبعث إلى «الرشيد» برسالة وضح له فيها هذه الأمور، فعينه «الرشيد» على هذه الولاية، ودخل «المغرب الأدنى» فى مرحلة سياسية جديدة عقب تولية «إبراهيم بن الأغلب» عليه، الذى سعى إلى تحقيق أهدافه، والاستقلال بحكم المنطقة عن

الخلافة، وباتت السلطة الحقيقية فى يده، وأورثها من بعده أبناءه، ولم تعد المنطقة مرتبطة بالخلافة سوى بالدعاء للخليفة على المنابر. وهكذا انتهى عصر الولاة بالمغرب الأدنى وبدأ عصر الاستقلال الذاتى وظل الحكم إرثًا فى «بنى الأغلب» بالمنطقة طيلة قرن من الزمان حتى سقطت هذه الأسرة على أيدى الفاطميين فى سنة (296هـ=909م).

6 - 3:دولة الأغالبة

الفصل الثالث *دولة الأغالبة [184 - 296هـ=800 - 909م]: قامت أربع دول إقليمية ببلاد المغرب فى الفترة من سنة (140هـ= 757م) إلى سنة (296هـ=909م)، وسوف نعرض لهذه الدول وفقًا لأماكن تواجدها على خريطة «المغرب» دون التقيُّد بالزمن الذى قامت خلاله هذه الدول، ونبدأ من ناحية الشرق بدولة الأغالبة، التى تأسست بالمغرب الأدنى (ليبيا وتونس) فى سنة (184هـ= 800م) ثم «الدولة الرستمية» بالمغرب الأوسط (الجزائر) فى سنة (161هـ=778م)، ثم دولة «الأدارسة» بالمغرب الأقصى فى سنة (172هـ=788م)، وأيضًا دولة «بنى مدرار» فى «سجلماسة» بجنوب «المغرب الأقصى» فى سنة (140هـ=757م). ينسب الأغالبة إلى «الأغلب بن سالم التميمى»، وهو عربى من قبيلة «تميم»، التى شاركت فى القضاء على «الأمويين»، وإقامة «الدولة العباسية»، وقد تولى «الأغلب» إفريقية فى سنة (148هـ=765م)، ثم استشهد بها فى حربه ضد الطامعين بقيادة «الحسن بن حرب الكندى». إبراهيم بن الأغلب [184هـ=800م]: تلقى «إبراهيم بن الأغلب» - فى نشأته الأولى - دروسه الدينية بمسجد الفسطاط على يد الإمام «الليث بن سعد»، فلما بلغ مبلغ الشباب التحق بالجندية، ثم جاء إلى «المغرب» وشارك فى أحداثها، ثم ظهر على مسرح الأحداث فى إفريقية - كما سبقت الإشارة إليه - فى عهد «محمد بن مقاتل العكى». استقل «إبراهيم» بحكم «المغرب الأدنى» عن الخلافة، وعمد إلى إقرار الأمن والاستقرار بهذا الإقليم، فضلاً عن تعريبه، واستكمال نظامه الإدارى، وتنمية اقتصاده، فباتت «القيروان» مركزًا من مراكز العلم والحضارة بالدولة الإسلامية، وظهرت أهمية المدن التابعة لها. مثل: «تونس»، و «سوسة»، و «قابس»، و «قفصة»، و «توزر»، و «نفطة»، و «طبنة»، و «المسيلة»، و «بجاية»، وغيرها. ولكن ذلك لم يمنع من وقوع بعض الثورات بالمنطقة، مثل ثورة «عمران بن مجالد الربيعى» الذى جمع حوله أهل «القيروان» فى محاولة للقضاء على

حكم «الأغالبة»، ولكن محاولتهم باءت بالفشل، حيث تصدى لهم «إبراهيم بن الأغلب» بحزم وشدة، واستمر فى منصبه حتى وافته منيته فى شوال سنة (196هـ= يونيو 812م)، فذكره المؤرخون بأنه كان أحسن الولاة سيرة، وأفضلهم سياسة، وأوفاهم بالعهد، وأرعاهم للحرمة، وأرفقهم بالرعية، وأخلصهم لأداء واجبه. أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب [196هـ=812م]: تولى «أبو العباس» «المغرب» خلفًا لوالده، فاستقامت له الأمور واستقرت، ولكنه انتهج سياسة ضريبية سيئة، أسفرت عن سخط الناس عليه، وظل «أبو العباس» بالحكم مدة خمس سنوات ثم مات من جرَّاء قرحة أصابته تحت أذنه. زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب [201هـ=816م]: تولى «زيادة» مقاليد الحكم بالمغرب خلفًا لأخيه «أبى العباس» واستمر فى هذه الإمارة حتى سنة (223هـ= 838م)، فتمتعت البلاد فى عهده بالرخاء والازدهار، فضلا عن التشييد والعمران بالمدن المغربية، مثل: «القيروان»، و «العباسية»، و «تونس»، و «سوسة» وقد وجه «زيادة» قدراته العسكرية للقضاء على الثورات التى قامت بالمنطقة، ومنها: ثورة «زياد بن سهل» المعروف بابن الصقلبية فى سنة (207هـ=822م)، وثورة «عمرو بن معاوية العيشى» فى سنة (208هـ=823م)، وثورة «منصور الطنبذى» فى سنة (209هـ=824م)، وكذلك وجه «زيادة» كفاءته الحربية فى العناية بالأسطول الإسلامى، ثم توجيهه لغزو بعض الجزر القريبة من «تونس»، وإليه يرجع الفضل فى إعداد حملة بحرية كبيرة بقيادة «أسد بن الفرات» لغزو الجزر القريبة من «تونس»، ثم تُوفى فى سنة (223هـ=838م). أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب [223هـ=838م): تولى الإمارة خلفًا لأخيه «زيادة» فى سنة (223هـ=838م)، ومكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات؛ نعمت البلاد خلالها بالهدوء والاستقرار، وحرَّم «أبو عقال» صنع الخمور بالقيروان، وعاقب على بيعها وشربها، فكان لذلك صداه الطيب فى نفوس الناس عامة، فضلا عن

الفقهاء والعلماء، ومات «أبو عقال» بالقيروان فى سنة (226هـ=841م). أبو العباس محمد بن الأغلب [226هـ=841م]: تولى الإمارة خلفًا لأبيه «الأغلب»، وظل بها أكثر من خمسة عشر عامًا، اتسمت بالخلافات بين أبناء «الأسرة الأغلبية»، فضلا عن محاولة أخيه «أحمد» الفاشلة للإطاحة به والوصول إلى الحكم، يضاف إلى ذلك انتفاضات الجند التى لم يكتب لها النجاح بمنطقتى «الزاب»، و «تونس»، وقد تُوفى «أبو العباس» فى سنة (242هـ) بالقيروان. أبو إبراهيم أحمد بن محمد [242هـ=856م]: تولى خلفًا لأبيه عقب وفاته فى سنة (242هـ)، وتميزت فترة حكمه بالهدوء والاستقرار، وقد غلب الطابع الدينى على سلوكه، فكان يخرج فى شهرى شعبان ورمضان من مقر إقامته ليوزع الأموال على الفقراء والمساكين بالقيروان، واهتم «أبو إبراهيم» بالبناء والتعمير، وزاد فى «مسجد القيروان»، وجدد «المسجد الجامع» بتونس، وحصَّن مدينة «سوسة» وبنى سورها، كما اهتم بإمداد سكان المدن بمياه الشرب، وقد تُوفى فى سنة (249هـ=863م). أبو محمد زيادة الله الثانى [249هـ=863م]: تولى «أبو محمد» خلفًا لأخيه «أبى إبراهيم أحمد»، ولم يستمر فى منصبه سوى عام واحد، ثم تُوفى فى سنة (250هـ=864م). أبو عبد الله محمد بن أحمد [250هـ=864م]: خلف عمه «أبا محمد زيادة» فى الإمارة فى سنة (250هـ=864م). وقد اشتهر «أبو عبدالله» بأبى الغرانيق؛ لولعه بصيد «الغرانيق»، وبنى لذلك قصرًا كبيرًا، أنفق عليه أموالا كثيرةً، كما شاد الحصون والمحارس الكثيرة على سواحل البحر المتوسط وتوفى «أبو الغرانيق» فى سنة (261هـ). إبراهيم بن أحمد [261هـ=875م]: ولى أمور الحكم عقب وفاة أخيه «أبى الغرانيق» فى سنة (261هـ=875م)، وامتد عهده أكثر من ثمانية وعشرين عامًا؛ ظهر خلالها «أبو عبدالله الشيعى»، الذى استقطب إلى دعوته الشيعية عددًا من القبائل، وقد اختلف المؤرخون فى تقييم شخصية «إبراهيم

بن أحمد»، فذكر بعضهم أن عهده كان عهد استقرار وهدوء، وإقرار للعدل، وتأمين للسبل، فضلا عن قيامه بإتمام بناء المسجد بتونس، وبناء الحصون والمحارس على سواحل البحر، يضاف إلى ذلك تأسيسه مدينة «رقادة»، وبناؤه جامعًا بها، فى حين يصفه «ابن خلدون» بقوله: «وذكر أنه كان جائرًا، ظلومًا ويُؤخذ أنه أسرف فى معاقبة المعارضين له بالقتل والتدمير، لكنه حاول فى أخريات أيامه إصلاح ما أفسده، وبخاصة بعد ظهور داعية الشيعة «أبى عبدالله» وانضمام كثير من الناس إلى دعوته، فأسقط المغارم، ورفع المظالم عن طبقات الشعب الكادحة، كما تجاوز عن ضريبة سنة بالنسبة إلى أهل الضياع، ووزع الأموال على الفقراء والمحتاجين، وختم حياته بالجهاد فى «صقلية»، حيث مرض أثناء حصاره لإحدى المدن، ومات ليُحمل ويدفن فى مدينة «بلرم» فى سنة (289هـ=902م)، وذكر «ابن الأثير» أنه حُمل فى تابوت ودفن بالقيروان. أبو العباس عبدالله بن إبراهيم [289هـ=902م]: تولى الإمارة فى سنة (289هـ=902م)، ولم يستمر بها سوى عام ونصف العام، حيثُ قُتل على يد ابنه «زيادة الله»، وكانت فترة حكمه امتدادًا لسياسة والده «إبراهيم بن أحمد» فى الحكم، فبدأت عوامل الضعف والوهن تدب فى أوصال دولة الأغالبة. زيادة الله بن أبى العباس عبدالله [290هـ=903م]: تولى «زيادة» الحكم عقب مقتل أبيه، وانتهج سياسة أبيه وجده، وتتبع أفراد أسرته بالقتل، فى الوقت الذى نشط فيه «أبو عبدالله الشيعى» وأحرز الانتصارات تلو الأخرى، واستولى على كثير من المدن الأغلبية، ولم تفلح جيوش «زيادة» فى صده أو إيقاف زحفه، فوجد «زيادة» نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى «مصر»، وحمل معه كل ما استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من «رقادة» فى (26من جمادى الآخرة عام 296هـ= مارس 909م)، فباتت المدينة سهلة المنال «لأبى عبدالله الشيعى»، فبعث «عروبة بن يوسف» أحد قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون

قتال، وطويت بذلك صفحة «الأغالبة».

6 - 4:الدولة الرستمية

الفصل الرابع *الدولة الرستمية [161 - 296هـ = 778 - 909م]: عبدالرحمن بن رستم [162هـ=779م]: بويع «عبدالرحمن» ليكون أول إمام للدولة الإباضية الناشئة فى ربوع «المغرب الأوسط»، وقد كان أحد طلاب العلم، ودرس على يد «أبى عبيدة مسلم ابن أبى كريمة»، فلما أتم تعليمه عمل على نشر «المذهب الإباضى» ودعمه، ثم عينه «أبو الخطاب» نائبًا له على «مدينة القيروان»، فاكتسب الخبرة الإدارية، وعرف طبائع الناس وظروفهم، ولم يدخر جهدًا فى محاربة الولاة العباسيين، وجَمْع شمل «الإباضية»، خاصة بعد مقتل «أبى الخطاب». كان «عبدالرحمن» رجلاً زاهدًا، وذا صبر على الشدائد، وملتزمًا بكتاب الله وسنة نبيه، واشترط على الناس حين وقع اختيارهم عليه للإمامة أن يسمعوا له ويطيعوا ما لم يحد عن الحق، ثم اختط مدينة «تهيرت»، ودخل فى طاعته العديد من القبائل مثل: «لماية»، و «سدرانة»، و «مزاتة»، و «لواتة»، و «مكناسة»، و «غمارة»، و «أزداجة»، و «هوارة»، و «نفوسة»، وقد افترشت هذه القبائل مساحات واسعة، امتدت من «تلمسان» غربًا حتى «طرابلس» شرقًا. ومضى «عبدالرحمن» فى حكم البلاد بالعدل، منتهجًا سياسة شرعية فى إدارتها، مما أشاع الاستقرار والأمن بين الناس، فلما شعر بدنو أجله اختار مجلسًا للشورى، ليُختار من بين أفراده مَن يصلح للإمامة من بعده، واختار ابنه «عبدالوهاب» ضمن أفراد هذا المجلس، ثم مات فى سنة (168هـ= 784م). عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم [168هـ=784م]: اختاره مجلس الشورى ليكون خلفًا لأبيه فى الإمامة، واتسم عهده ببعض الاضطرابات والقلاقل، وواجه العديد من الثورات التى اتخذ بعضها طابعًا مذهبيا، وبعضها الآخر طابعًا قبليا، فأثَّرت إلى حد بعيد على «الدولة الرستمية»، وعلى رمزها الدينى المتمثل فى الإمام. ومات «عبد الوهاب» فى سنة (198هـ=814م). أفلح بن عبدالوهاب [198هـ= 814م]: بويع الإمام «أفلح» خلفًا لأبيه، وكان ذا صفات طيبة، وجاءت مبايعته

على عكس ما نهجه الخوارج فى تعيين الإمام، إذ اختاره أبوه للإمامة قبل وفاته، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة الظروف التى ألمت بالبلاد، حيث أحاط الأعداء بمدينة «تهيرت»، وكان لابد من اختيار رجل شجاع يتمكن من مواجهة الأعداء. وقد اتسم عهد «أفلح» بالهدوء والاستقرار، وبلغت الدولة فى عهده أوج ازدهارها، ونشطت التجارة، وأقبل الناس من كل مكان قاصدين العاصمة «تهيرت»، وتُوفِّى الإمام «أفلح» فى سنة (240هـ)، إثر حزنه الشديد على وقوع ابنه «أبى اليقظان» فى أيدى العباسيين. أبو بكر بن أفلح بن عبدالوهاب [240هـ=854م]: كان «أبو اليقظان» مرشحًا لمنصب الإمامة، ولكن وقوعه فى أيدى العباسيين حال دون ذلك، وتولاها أخوه «أبو بكر» الذى لم يكن فى شدة آبائه وأجداده وحزمهم، فضلا عن انغماسه فى الترف والنعيم وميله إلى الراحة، وقد تفرغ لراحته وملذاته حين خرج أخوه «أبو اليقظان» من سجن العباسيين وشاركه الحكم، ولكن «أبا بكر» دبر مقتل «محمد بن عرفة» وهو من الشخصيات البارزة بالعاصمة، ليتخلص من نفوذه، فكان ذلك سببًا فى نشوب الصراع بين طوائف الدولة الرستمية، وحاولت كل طائفة تحقيق أهدافها من خلال المعارك الطاحنة، التى أسفرت عن هزيمة حكام البيت الرستمى، واعتزال «أبى بكر» منصب الإمامة. أبو اليقظان محمد بن أفلح بن عبدالوهاب [268هـ= 881م]: شهدت العاصمة «تهيرت» فترة من القلاقل والاضطرابات، ثم نجح «أبو اليقظان» فى تهدئة الأوضاع ودخول العاصمة «تهيرت» فى سنة (268هـ=881م)، فتولى منصب الإمامة، وتجنب سياسة التعصب وتفضيل قبيلة بعينها على غيرها، وجلس لبحث شكاوى رعاياه والبت فيها بنفسه، واستعان بمجلس الشورى الذى ضم إليه شيوخ القبائل ووجهاءها، فاستقرت الأوضاع، وهدأت النفوس، وظل «أبو اليقظان» يدير دفة الأمور فى دولته حتى وفاته فى سنة (281هـ=894م). أبو حاتم يوسف بن محمد [281هـ=894م]:

تولى «أبو حاتم» الإمامة عقب وفاة والده «أبى اليقظان»، لأن أخاه الأكبر «يقظان» كان غائبًا فى موسم الحج، وقد لعب العامة -بزعامة «محمد بن رباح» و «محمد بن حماد» المعروفين بالشجاعة والنجدة- دورًا بارزًا فى المطالبة ببيعة «أبى حاتم» بالإمامة لسخائه وكرمه، ولكن هذا الدور الذى لعبه العامة أطمعهم فى التدخل فى شئون الحكم وتحقيق المكاسب، فرفض «أبو حاتم» ذلك وضرب على أيديهم وطردهم من المدينة، فعمدوا إلى تأليب القبائل ضده، ونجحوا فى طرده من العاصمة «تهيرت»، وبايعوا عمه «يعقوب بن أفلح» بالإمامة، فصار هناك إمامان من بيت واحد، يقفان وجهًا لوجه فى صراعٍ دامٍ على السلطة، ولكن أحدهما لم يحقق نجاحًا ملموسًا على الآخر، فاحتكما وعقدا هدنة، وعاد «أبو حاتم» إلى العاصمة إمامًا على البلاد، وانسحب عمه «يعقوب» بعد أن حكم العاصمة «أربع سنوات». وقد حاول «أبو حاتم» إصلاح ما أفسدته الحروب داخل العاصمة «تهيرت»، وكوَّن مجلسًا استشاريًا من زعماء القبائل ومشايخها للاستعانة بهم فى إدارة البلاد، ولكن محاولاته الإصلاحية كانت بمثابة صحوة الموت للبيت الرستمى، خاصة بعد أن ضعفت قوتهم العسكرية فى محاولة لإنهاء الصراع الذى وقع حول مدينة «طرابلس». وقد تآمر أفراد البيت الرستمى أنفسهم على حياة إمامهم «أبى حاتم»، وقتلوه فى سنة (294هـ=907م). اليقظان بن أبى اليقظان [294هـ=907م]: بويع بالإمامة عقب مقتل أخيه فى سنة (294هـ=907م)، واتسم عهده بالفتن والقلاقل، وتطلع مختلف القبائل والطوائف إلى الاستئثار بالحكم، كما دبرت المؤامرات من داخل البيت الرستمى على يد «دوسر» ابنة «أبى حاتم»، وتكاتفت فرق الخوارج مثل: «المالكية» و «الواصلية» و «الشيعة» لإحباك الفتن والمؤامرات للإطاحة بالإمام، وقد نجح «اليقظان» إلى حد بعيد فى كبح جماح هذه الطوائف والحد من نشاطها، فهربت «دوسر»، ولجأت إلى «أبى عبدالله الشيعى»

الذى نجح فى بسط نفوذه على مساحات كبيرة من أرض «المغرب»، واستنجدت به للثأر لأبيها، فاستجاب لها، واتجه إلى «تهيرت»، فخرجت لمقابلته وجوه أهل «تهيرت» ورحبوا بمقدمه، واستسلم «اليقظان» لمصيره، وخرج مع بنيه إلى «أبى عبدالله»، فأمر بقتلهم ودخل العاصمة فى سنة (297هـ= 910م)، واستولى على ما بها من أموال ومغانم، فطويت صفحة «الدولة الرستمية».

6 - 5:دولة الأدارسة

الفصل الخامس *دولة الأدارسة [172 - 300هـ = 788 - 913م]: إدريس بن عبدالله (172هـ= 788م): اضطهد العباسيون منذ اللحظة الأولى لقيام دولتهم أبناء عمومتهم من العلويين، وأسرف بعض الخلفاء العباسيين فى ذلك، فأسفر الأمر عن قيام عدة ثورات، كانت آخرها ثورة «الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب» على والى «المدينة» فى سنة (169هـ=785م)، ولكن العباسيين استطاعوا قمعها، وقتلوا زعيمها ومجموعة من أهل بيته. وكان «إدريس بن عبدالله» ومولاه «راشد» ممن فرَّ من أرض المعركة، واتجها إلى «مصر»، ومنها إلى «المغرب الأقصى»، ونزلا مدينة «وليلى» عاصمة هذا الإقليم، ثم توجها إلى أميرها وزعيمها «إسحاق بن محمد بن عبدالحميد الأوربى»، زعيم قبيلة «أوربة» التى فرضت نفوذها وسيطرتها على مدينة «وليلى» وما حولها، وعرفه «إدريس» بنفسه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه «الحجاز»، ولجوئه إلى بلاده، فرحب به «إسحاق» وآمن بدعوته، وبايعه بالإمامة، وكذلك بايعته قبيلته «أوربة»، ومعها بقية القبائل فى رمضان سنة (172هـ=788م)، ومن ثَم نجح «إدريس» فى تأسيس دولة حملت اسمه بالمغرب الأقصى. لكن ذلك أقلق الخلافة العباسية، خاصة بعد أن مدَّ «إدريس» نفوذه إلى مدينة «تلمسان» بالمغرب الأوسط. عمد الخليفة العباسى «الرشيد» إلى الحيلة للقضاء على نفوذ «الأدارسة»، فقيل إنه بعث برجل يدعى «الشماخ» إلى «إدريس»، فتظاهر بحبه لآل البيت، وفراره من بطش العباسيين، ولازم «إدريس» فترة ثم اغتاله حين سنحت له الفرصة، وهكذا نجحت الخلافة العباسية فى التخلص من «إدريس» أبرز المناوئين لها، وفقدت «دولة الأدارسة» مؤسسها فى سنة (175هـ=791م) بعد ثلاث سنوات ونصف فقط من قيامها. إدريس بن إدريس بن عبد الله: [175 - 213هـ = 791 - 828م]: بات مقعد الإمامة شاغرًا عقب اغتيال «إدريس»، والتف البربر حول مولاه «راشد»، وانتظروا مولود «كنزة» جارية «إدريس بن عبدالله»،

فلما وضعت حملها أسموه «إدريس» تبركًا باسم والده، وتعهده «راشد» بالتربية والرعاية، ونشَّأه تنشأة دينية، حتى إذا بلغ الحادية عشرة من عمره أقبلت القبائل على مبايعته بالإمامة، فدعا ذلك الخلافة العباسية إلى التحرك ثانية للقضاء على هذه الدولة، وأوكلت هذه المهمة إلى والى «المغرب الأدنى» «إبراهيم بن الأغلب» الذى نجح فى استمالة مجموعة من البربر بأمواله وهداياه، ثم أوكل إليهم مهمة قتل «راشد»، فقاموا بتنفيذها فى سنة (186هـ= 802م)، لكن «الدولة الإدريسية» واصلت مسيرتها، وانتقلت كفالة «إدريس» والوصاية عليه إلى «أبى خالد بن يزيد بن إلياس العبدى»، وجُدِّدت له البيعة فى سنة (188هـ= 804م)، حين بلغ الثالثة عشرة من عمره، وأصبح فى سن تؤهله لخلع الوصاية، وإدارة البلاد، وعزز مركزه إقبال الوفود العربية من «القيروان» و «الأندلس» للعيش فى كنف دولته فرارًا من بطش الحكام، فدعم بهم نفوذه، واتخذ منهم الوزراء والكتاب والقضاة، وجعلهم بطانته وحاشيته، وقد شجعه هؤلاء على بناء عاصمة جديدة لدولته، فبنى مدينة «فاس»، ثم استقر بها. وفى سنة (197هـ= 813م) خرج «إدريس الثانى» على رأس قواته لإخضاع «قبائل المصامدة» التى هددت أمن بلاده، ونجح فى ذلك نجاحًا كبيرًا، وامتد نشاطه حتى منطقة «السوس الأقصى»، ودخل مدينة «نفيس» ثم عاد إلى عاصمته «فاس»، وخرج فى العام التالى صوب الشرق لتأمين حدود دولته، ودخل مدينة «تلمسان»، وأقام بها ثلاث سنوات، يرتب أمورها، ويرمم مسجدها، ثم عاد إلى «فاس» فى سنة (201هـ)، وظل فى الحكم حتى وافته المنية فى سنة (213هـ=828م). محمد بن إدريس بن إدريس (213 - 234هـ= 828 - 848م): تولى «محمد» أكبر أبناء «إدريس الثانى» الإمامة فى سنة (213هـ=828م)، فنفذ وصية جدته «كنزة» بتقسيم أقاليم الدولة بين إخوته، فكان لذلك أثره السيئ على وحدة دولة «الأدارسة»، ولما يمضِ على قيامها أربعون سنة بعد، وطمع كل أخٍ فى الاستقلال

بإقليمه، وشقََّ عصا الطاعة على السلطة المركزية. ولكن «محمد بن إدريس» تصدى لإخوته وضم ممتلكات أخويه «عيسى» و «القاسم» بعد هزيمتهما إلى أخيه «عمر». ولم تشهد البلاد بعد هذا التقسيم استقرارًا إلا فى بعض الفترات مثل: عهد «يحيى بن محمد» الذى تولى الإمامة فى سنة (234هـ=848م)، فازدهرت فى عهده مدينة «فاس» وشهدت تطورًا ملحوظًا فى أنشطتها، ثم عهد «يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس» عام (292هـ= 905م)، الذى وصفه المؤرخون بأنه كان أعظم ملوك «الأدارسة» قوة وسلطانًا وصلاحًا وورعًا وفقهًا ودينًا، وقد ظل بالحكم حتى سنة (305هـ = 917م) حتى طرق «مصالة بن حيوس» أبواب مدن «المغرب الأقصى»، فأطاعه «يحيى بن إدريس»، وبايع «أبا عبيد الله المهدى»، فدخلت دولة «الأدارسة» منذ ذلك الحين فى طور التبعية للفاطميين تارة، وللحكم الأموى بالأندلس تارة أخرى.

6 - 6:دولة بنى مدرار فى سجلماسة

الفصل السادس *دولة بنى مدرار فى سجلماسة [122 - 354 هـ = 740 - 965م]: ساهمت الظروف السياسية التى مر بها إقليم «المغرب» عقب نجاح الثورة التى قادها «ميسرة المضفرى الصفرى» ضد الدولة الأموية فى سنة (122هـ=740م) فى استقلال «المغرب الأقصى» وانفصاله عن الحكم الأموى، فأسهم ذلك -إلى جانب اضطراب الأوضاع فى إقليمى «المغرب الأوسط» و «الأدنى» - فى قيام تجمع مذهبى فى جنوب «المغرب الأقصى»؛ هو تجمع «الصفريين» الذين وجدوا بمنطقة «سجلماسة» المجال المناسب لإقامتهم، ثم أسسوا مدينة تحمل اسم المنطقة، لتكون نواة لدولة صفرية، وبايعوا «عيسى بن يزيد بن الأسود» إمامًا لهم، وسانده «أبو القاسم سمكو» زعيم قبيلة «مكناسة» بمبايعة قبيلته له، ولكن جماعة «الصفرية» - بعد خمس عشرة سنة- أخذوا عليه بعض المآخذ، وأنكروا عليه بعض الأمور، وقتلوه فى سنة (155هـ= 772م)، وقد تولى «أبو القاسم بن سمنون بن واسول المكناسى بن مدرار» الحكم خلفًا لعيسى، وجعل الحكم متوارثا فى أفراد «الأسرة المدرارية» حتى سقوط المدينة فى أيدى الفاطميين، وقد توالى الأئمة بعد وفاة «مدرار»، حتى جاءت سنة (174هـ= 790م) فتولى «اليسع بن أبى القاسم» الملقب بأبى منصور شئون الحكم، وظل فى مقعد الإمامة حتى سنة (208هـ=823م)، وشهدت المدينة فى عهده ازدهارًا اقتصاديا، ونفوذًا سياسيا كبيرًا، لذا يعد «اليسع» المؤسس الحقيقى لدولة «بنى واسول» المعروفة بدولة «بنى مدرار»، وامتد نجاح «اليسع» إلى تعمير العاصمة «سجلماسة»، فشهدت فى عهده تطورًا واتساعًا، ومات «اليسع» فى سنة (208هـ= 823م). وتولى «مدرار» خلفًا لوالده فى سنة (208هـ= 823م)، ولقب نفسه بالمنتصر، وظل بالحكم حتى سنة (223هـ=838م)، ونشب النزاع- خلال هذه الفترة - بين أبناء «مدرار»، مما أضعف نفوذهم، وفكَّكَ وحدة بيتهم. وخلفه «محمد بن ميمون بن مدرار»، ووافاه أجله فى سنة (270هـ= 883م)، فتولى من بعده عمه «اليسع بن مدرار»، ودخل «عبيدالله

المهدى» وابنه «القاسم» إلى «سجلماسة» فى عهده، فلما اكتشف حقيقة أمرهما، قبض عليهما، وأودعهما السجن، فظلا به حتى أقبل «أبو عبدالله الشيعى» على رأس قواته وخلصهما، ثم استولى على المدينة فى سنة (296هـ=909م)، وحاول بعض أفراد البيت المدرارى استرداد مدينتهم واستعادة حكمهم من قبضة الفاطميين، وقد حققوا نجاحًا نسبيا فى ذلك، ولكن «جوهر الصقلى» تمكن من القضاء على مُلكهم فى سنة (347هـ=958م)، وقبض على «الشاكر بالله» آخر أمرائهم، وأودعه سجن مدينة «رقادة»، فمات به فى سنة (354هـ= 965م). وطويت صفحة التاريخ السياسى لمدينة «سجلماسة» فى القرن الثالث الهجرى.

6 - 7:العلاقات الخارجية والأوضاع الحضارية للدول الأربعة

الفصل السابع *العلاقات الخارجية والأوضاع الحضارية للدول الأربعة شهد المسرح الجغرافى لمنطقة «المغرب» فى الفترة من سنة (140هـ =757م) إلى سنة (296هـ= 909م) قيام أربع دول على أرضه هى: «دولة الأغالبة» بالمغرب الأدنى [184 - 296هـ= 800 - 909م)، و «الدولة الرستمية» بالمغرب الأوسط (160 - 296هـ= 777 - 909م)، و «دولة الأدارسة» بالمغرب الأقصى (172 - 300هـ = 788 - 912م)، و «دولة بنى مدرار» بجنوب «المغرب الأقصى» (140 - 296هـ = 757 - 909م). وقد سبقت الإشارة إلى أن تولية «إبراهيم بن الأغلب» إدارة «المغرب الأدنى»، واستقلاله بها عن سلطة الخلافة، وتوريثه حكمها لأبنائه من بعده؛ قد غيرت فى الوضع السياسى للمنطقة، إلا أن ذلك لم يمنع الأمراء الأغالبة من استمداد سلطانهم مباشرة من الخليفة، والخطبة له على المنابر، وكان كل خليفة جديد يجدد البيعة للأمير الأغلبى، كما كان الأمير يجدد البيعة بدوره للخليفة، ويحلف له يمين الولاء والإخلاص، ومعنى ذلك أنهم كانوا يستمدون شرعية حكمهم من بيعتهم للخلافة، ومبايعتها لهم. ولم يمنع استقلال الأغالبة بالمغرب الأدنى من تدخل الخلافة أحيانًا فى بعض شئونهم، مثلما فعل الخليفة المعتضد مع «إبراهيم الثانى بن أحمد» حين استبد بالرعية، وأنزل عقوبات غاشمة بثوار «تونس» فى سنة (283هـ= 896م)، حيث عنفه الخليفة، وهدده بالخلع. وهكذا حرص «الأغالبة» على إظهار ولائهم وارتباطهم بالخلافة العباسية فى بغداد، وكانت انتصاراتهم تصل إلى بغداد أولا بأول، وكان للخليفة نصيبه من المغانم والسبى فى بعض الأحيان، فضلا عن الهدايا التى حرص الأمراء الأغالبة على إرسالها إلى الخلافة ببغداد. أما «الدولة الرستمية» بالمغرب الأوسط، فكانت على خلاف مع الخلافة العباسية؛ حيث عد العباسيون «إقليم المغرب» تابعًا لدولتهم بعد سقوط «الدولة الأموية»، وعدوا الرستميين مقتطعين لجزء من

الدولة العباسية؛ فنظروا إليهم نظرة عداء؛ كان لها أثر فى العلاقة بينهما، فضلا عما بينهم من اختلافات مذهبية؛ حيث كان مذهب العباسيين الرسمى هو مذهب أهل السنة، على حين اتخذ الرستميون المذهب الإباضى مذهبًا رسميا لدولتهم. وقد سبق قيام الدولة الرستمية عدة معارك بين جموع الإباضية وجنود الخلافة؛ أسفرت عن مقتل «أبى الخطاب» زعيم الإباضية، وانتقال «عبدالرحمن ابن رستم» نائب أبى الخطاب على القيروان إلى قبيلة «لماية» التى ناصرته وساندته حتى بويع بالإمامة. وتنوعت العلاقات بين الرستميين والعباسيين، فتارة تكون هادئة مستقرة، كما حدث فى عهد «عبدالرحمن بن رستم» وابنه «عبدالوهاب»، وتارة يشوبها التوتر والعداء كما حدث فى عهد «أفلح بن عبدالوهاب»؛ حيث احتوت الخلافة الخارجين عليه، ورحبت بهم فى «بغداد»، ثم بلغت العلاقة بينهما قمة العداء حين قبض الخليفة «الواثق» على «أبى اليقظان محمد ابن أفلح»، وأودعه السجن، وهو فى طريقه لأداء فريضة الحج، ولكن الأوضاع تحسنت بينهما ثانية بعد أن أطلق الخليفة «المتوكل» سراح «أبى اليقظان» وأكرمه، وسمح له بالعودة إلى بلاده. وأما «دولة الأدارسة» فقد اتسمت علاقتها بالدولة العباسية بالعداء؛ حيث شكل قيام الأدارسة بالمغرب الأقصى خطرًا على ممتلكات الدولة العباسية بالمغرب الأدنى (إفريقية)، وزادت خطورة «الأدارسة» بعد أن أخضع «إدريس ابن عبدالله» «تلمسان» إلى سلطانه، وبنى بها مسجدًا، ومعنى ذلك أنه تطلع إلى فصل «المغرب» عن بقية العالم الإسلامى، وتوحيده تحت قيادته. وقد استعانت الدولة العباسية بإبراهيم بن الأغلب والى إفريقية للقضاء على «دولة الأدارسة» بالمغرب الأقصى لكنها لم تنجح فى ذلك. وقد وقفت «دولة بنى مدرار» موقفًا وسطًا بين القوى المتصارعة بالمغرب، ولم تتخذ موقفًا عدائيا من الخلافة العباسية، بل اعترف «المدراريون» بسلطان الخلافة وعملوا على مداراة «الأغالبة»،

وتوثيق صلتهم بالرستميين، على الرغم من الاختلافات المذهبية بينهم. ولم تنجح «سجلماسة» رغم اعتصامها بصحراء المغرب الجنوبية، وموازنة سياستها مع «تهيرت» و «القيروان»، فى النجاة مما آلت إليه على أيدى الفاطميين. الأوضاع الحضارية: شهدت منطقة «المغرب» خلال القرنين الثانى والثالث الهجريين قيام عدة عواصم رئيسية هى: «القيروان»، و «تهيرت»، و «فاس»، و «سجلماسة»، وقد لعبت هذه العواصم دورًا بارزًا ورئيسيا فى مضمار الحضارة بالمنطقة على النحو الآتى: أ - القيروان: بناها «عقبة بن نافع» وأطلق عليها «القيروان» ومعناها فى العربية: موضع اجتماع الناس والجيش، وقد شهدت هذه المدينة تطورًا كبيرًا فى ظل «الأغالبة»، واستمرت عمليات البناء والتعمير على أيديهم بها، وباتت مقر الولاة ومركز الحكم، وظلت محتفظة بمنزلتها ومكانتها لدى «الأغالبة»، على الرغم من اتخاذهم عواصم جديدة كالعباسة و «رقادة». وقد تميزت هذه المدينة بالهدوء والاستقرار فى عهد «الأغالبة»، على الرغم من الثورات المتعددة التى اندلعت هنا وهناك بالمنطقة، وقد ساعد هذا الاستقرار على إيجاد نوع من التعاون بين فئات الشعب على اختلاف أصولهم؛ حيث كان هناك العرب الذين مثلوا الطبقة الحاكمة، وعاشوا بالقيروان منذ تأسيسها، فاكتسبوا مكانة خاصة، واشتغلوا بالتجارة وغيرها، وعاش إلى جوارهم سكان البلاد الأصليون من «البربر»، واختلطوا بهم، وعملوا بالزراعة والتجارة، فضلا عن الأفارقة؛ وهم بقايا المسيحيين البيزنطيين واليهود، وقد عاشوا يمارسون حياتهم فى ظل الحكم الأغلبى. وقد شهدت «القيروان» ازدهارًا اقتصادياًّ كبيرًا، تمثل فى علاقاتها المتعددة مع مَن حولها من المدن المغربية، وقصدتها القوافل التجارية من كل أنحاء «المغرب»، كما خرجت منها القوافل قاصدة المدن الأخرى، فانعكس هذا الرواج على أمراء البلاد وعامة الشعب. ب - تهيرت: جاء تخطيط هذه المدينة وبناؤها فى سنة (161هـ= 778م)، تلبية

لاحتياجات جموع «الإباضية» التى استقرت بالمغرب الأوسط، وقد توافرت لهذه المدينة أسباب الأمن والحماية؛ فهى منطقة داخلية يتخللها نهران هما: «نهر مينة» الذى يجرى فى جنوبها مارا بالبطحاء، ونهر آخر بشرقها يجرى من «عيون تاتش»، ومنه شرب أهلها، ورووا بساتينهم وزراعاتهم، فتمتعت بالمراعى الواسعة، والأراضى الزراعية المتنوعة، التى أسهمت فى ازدهار اقتصادها، ورخاء أهلها الذين قامت على أكتافهم «الدولة الرستمية»؛ لأنهم من القبائل التى كانت تدين بالمذهب الإباضى فى هذه المنطقة. ولاشك أن وقوع العاصمة الرستمية «تهيرت» وسط معاقل «الإباضية» المؤيدين لها ولمذهبها، كان له أكبر الأثر فى حمايتها واستقرارها، ومنحها الفرصة كاملة لأداء دورها السياسى والحضارى بالمنطقة، وانفرادها بحكم نفسها فى ظل زعامة إباضية، بعد أن تخلصت من سيطرة الأمويين، ثم العباسيين من بعدهم. وقد أحيطت المدينة بسور عظيم تتخلله مجموعة من الأبواب، لحمايتها من هجمات أعدائها، وأنشئت بالقرب منها عدة حصون دفاعية، فضلا عما أنشىء بداخلها من مساجد ودور وقصور، وأسواق عامرة، حفلت بها، حيث إنها كانت ملتقى القوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء، والمتجهة إليها، كما كانت ملتقى تجار الشرق والغرب، وقد وفرت لها مراعيها الشاسعة ثروة حيوانية كبيرة؛ فضلا عن الصناعة التى قامت بها على بعض المعادن التى استُخرجت من باطنها، فأحدث ذلك كله رواجًا اقتصاديا، وانتعاشًا انعكست آثاره على رفاهية السكان. ج - فاس: هى عاصمة «دولة الأدارسة»، وقد بدأ «الإمام إدريس» بناءها على الجانب الشرقى لنهر «فاس» فى سنة (192هـ= 808م)، لازدحام العاصمة القديمة «وليلى» بالوفود العربية التى قدمت من «القيروان» و «الأندلس»، فضلا عن خوف «إدريس» من نوايا بعض جموع البربر المحيطين به، وكان اختيار هذا المكان عاصمة لدولتهم صائبًا؛ فهو فسيح تحيط به الأشجار والحشائش، وتنفجر المياه فيه من عيون

«نهر سبو» وروافده، وقد دعا الإمام «إدريس» - حين وضع أساس هذه المدينة - بقوله: اللهم اجعلها دار علم وفقه، يتلى فيها كتاب الله، وتقام بها حدوده، وأن يُجعل أهلها متمسكين دائمًا بكتاب الله. وقد قُسِّمت المدينة إلى قسمين هما: عدوة الأندلسيين، وعدوة القرويين، واتخذت قبائل البربر مواضعها كما أقام الوافدون، فى أماكن حددت لهم، وهكذا استطاع الأدارسة تدعيم سلطتهم بالمغرب الأقصى، وباتت لمدينة «فاس» آثارها الدينية والاقتصادية بالمنطقة، بعد أن حُرمت منها منذ انقضاء عهد «الرومان»، ومازالت هذه المدينة تحتفظ بآثارها الحضارية - حتى الآن - على عكس «تهيرت» و «سجلماسة» اللتين فقدتا ازدهارهما منذ أمد بعيد. د - سجلماسة: رأى «الصفريون» أن تكون لهم مدينة، بعد أن ازداد عددهم بالمغرب الأقصى، تصبح نواة لدولة صفرية مستقلة بجنوب «المغرب الأقصى»، فوقع اختيار «أبى القاسم سمكو بن واسول المكناسى» على منطقة «سجلماسة»، التى كانت نقطة التقاء البربر المقيمين بها وحولها، لتبادل السلع والبضائع. وقد نجح المؤسسون لهذه المدينة فى اختيار البقعة المناسبة لها؛ إذ تقع فى منطقة «تافللت» على طرف الصحراء، وبينها وبين جنوب مدينة «فاس» مسيرة عشرة أيام، ومعنى ذلك أنها تقع فى منطقة نائية، فأعطاها هذا البعد سياج أمن وأمان لها ولساكنيها. وبدأ تخطيط «سجلماسة» فى سنة (140هـ=757م)، بصورة بسيطة، حيث أسس «الصفريون» بها حصنًا فى وسط الساحة، سموه «العسكر»، ثم أسسوا المسجد الجامع، ودار الإمارة، وشرع الناس بعد ذلك فى إقامة دورهم، وقد ساهمت طوائف البربر من قبائل «مكناسة» و «صنهاجة» و «زناتة» فى تأسيس هذه المدينة وتعميرها، ثم تطورت بعد ذلك واتسعت، وأحيطت فى عهد «اليسع بن مدرار» (208هـ= 823م) بسور كبير لحمايتها. وقد وصفها «ابن حوقل» بقوله: «كانت القوافل تجتاز المغرب إلى سجلماسة، وسكنها

أهل العراق، وتجار البصرة والكوفة والبغداديون الذين كانوا يقطعون الطريق؛ فهم وأولادهم وتجاراتهم دائرة، ومفرداتهم دائمة، وقوافلهم غير منقطعة إلى أرباح عظيمة وفوائد جسيمة ونعم سابغة، قلَّ ما يدانيها فى بلاد الإسلام سعة حال». ولقد تضافرت جهود القادة والولاة والدعاة فى القرن الأول الهجرى على نشر الإسلام بين سكان «المغرب»، فأقبل البربر على اعتناقه، وتعلمه وتفهمه دون الانخراط فى فرقة بعينها، أو الانضمام إلى مذهب محدد، وكان الكتاب والسنة هما مصدر التشريع الأوحد فى هذه المنطقة، فلما أقبل القرن الثانى الهجرى، تطورت مسيرة الإسلام، نظرًا للتغيرات السياسية والمذهبية التى عاشتها «بلاد المغرب»؛ حيث وضحت تيارات المذاهب، وتحددت ملامح الفرق، ومثل المذهب المالكى والمذهب الحنفى القاعدة الشعبية العريضة لسكان «المغرب»، وباتت «القيروان» مركز أهل السنة من المالكية، وظهرت بها مجموعة من العلماء أمثال: «البهلول بن راشد» و «رباح بن يزيد»، و «عبدالله بن فروخ»، و «ابن غانم الرعيثى»، و «أسد بن الفرات»، وغيرهم، ومن ثم انتشر هذا المذهب عن طريقهم إلى بقية المدن المغربية، بعد أن أرسوا قواعده بها. وشاركت مدينة «فاس» التى أسسها «الأدارسة» أختها «القيروان» فى الأخذ بهذا المذهب عن طريق الهجرات العربية الوافدة إليها عبر المضيق من «الأندلس»، ثم انتشر هذا المذهب فى كل من: «تلمسان» و «تونس» و «سوسة» و «صفاقس»، وغيرها من المدن المغربية. ولقد شهد «المغرب» التيار الخارجى بشقيه «الصفرى» و «الإباضى» فى العقد الثالث من القرن الثانى الهجرى، ونجح «الصفرية» فى تأسيس «سجلماسة» فى سنة (140هـ)، كما نجح «الإباضية» فى تأسيس «تهيرت» فى سنة (161هـ= 778م)، واعتنقت القبائل البربرية مذهبيهما، وقامت على أكتافهم دولتاهما. ثم وجد الشيعة والمعتزلة والمرجئة طريقهم إلى هذه البلاد، إلا أن

صَوْتَى «المعتزلة» و «المرجئة» كانا خافتين، ولم يجدا صدىً يُذكر لأفكارهما ودعوتيهما. وتجدر الإشارة إلى أن المذهب المالكى قد لعب دورًا كبيرًا فى حياة سكان «بلاد المغرب» السياسية والحضارية منذ القرن الثانى الهجرى حتى وقتنا الحاضر، وصار الإمام مالك هو القدوة والمثل الأعلى لأفعال وتصرفات المالكيين بالمغرب، وقلدوه فى معاشه وملبسه وكيفية جلوسه للتدريس، وطريقته فى الحديث، كما تبوأ تلامذته مكانة مرموقة بالمغرب. ولم تقف الاختلافات المذهبية بالمغرب فى سبيل علاقاتها واتصالاتها الفكرية بالعواصم والمدن الإسلامية بالمشرق، بل كانت اتصالاتها مستمرة، وعلاقاتها وثيقة، وظهرت آثار احتكاك طلابها بعلماء المشرق واضحة فى الحياة الدينية التى عاشتها المنطقة خلال القرن الثالث الهجرى، وتوجَّه أبناء «تهيرت» و «فاس» و «سجلماسة» إلى مدينة «القيروان»؛ لتحصيل العلم على أيدى علمائها، كما أَمَّ أبناء «القيروان» مدن «تونس» و «سوسة» وغيرهما، لطلب العلم هناك، ونهل جميعهم من معين الإسلام الذى لا ينضب، ودرسوا الفقه والأصول والحديث والتفسير، وغيرها من العلوم. وكان لكل من «القيروان» و «تهيرت» أثر سياسى وثقافى بارز فى بلاد المغرب، وشهدتا ازدهارًا فكريا، ونهضة حضارية، واقتصادًا قويا، وزخرًا بالفقهاء والعلماء، وأصبحتا مقصد طلاب العلم من كل مكان، حتى نافستا العواصم الشرقية الكبيرة بالسماحة، وسعة الأفق، ومناظرات العلماء. وقد شاركت مدينة «فاس» فى هذا الدور بنهضتها الفكرية وازدهارها الحضارى، وأسهمت كذلك فى نشر الإسلام والثقافة العربية.

6 - 8:الدولة الفاطمية بالمغرب

الفصل الثامن *الدولة الفاطمية بالمغرب [296 - 362هـ = 908 - 973م] قامت «الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة»، التى تنتمى إلى بربر «البرانس»، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها، ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية» و «قسنطينة»، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد «كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة» بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته فى السفر معهم إلى «مصر»، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم، فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)، واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج «الأندلس» و «المغرب الأقصى»، والمتوجهين لأداء فريضة الحج. وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية، وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء «كتامة»، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة «كتامة»، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله» على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض

أبناء القبائل الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى: «الأغالبة» بالمغرب الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار» بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن «المغرب الأقصى»، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة «كنيونة»، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ= 906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة» وقضى على نفوذ «الأغالبة»، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى «المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة» فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ= 969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد [297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 - 334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 - 341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ = 952 - 975م]. وقد وُلد «المهدى» أول الخلفاء بالعراق فى سنة (266هـ = 880م)، وتوفى بالمهدية فى سنة (322هـ = 934م)، ثم تلاه ابنه «محمد» الذى ولد «بسَلَمْيه» فى المحرم سنة (278هـ = أبريل 891م)، ورحل

مع أبيه إلى «المغرب»، وتولى الإمامة من بعده، ومات فى سنة (334هـ= 945م)، فجاء من بعده ابنه «إسماعيل» الذى وُلد «بالمهدية» فى الليلة الأولى من جمادى الآخرة فى سنة (303هـ= ديسمبر 915م)، وبويع له فى شوال سنة (334هـ= 945م) وتوفى يوم الأحد فى الثالث والعشرين من شوال سنة (341هـ= فبراير953م)، وكان فصيحًا بليغًا، خطيبًا حاد الذهن، حاضر الجواب، ثم جاء «المعز» آخر الخلفاء الفاطميين، فتولى الأمر بعد أبيه فى شوال من العام نفسه، وكان عمره أربعًا وعشرين عامًا، وقد وُلد بالمحمدية فى يوم الاثنين 10 من رمضان سنة (319هـ)، وكان أول الخلفاء الفاطميين الذين دخلوا «مصر» وانتقلوا بالخلافة إليها، ومكث بها عامين وتسعة أشهر. بعض المشكلات الداخلية: حين قدم «المهدى» إلى بلاد «المغرب»، وجد أن داعيته «أبا عبدالله الشيعى» قد استحوذ على قلوب الناس فيها، وأصبح ذا نفوذ وسلطة كبيرين بالمنطقة، فأراد «المهدى» أن يحد من سلطاته ونفوذه، فأنقلب عليه «أبو عبدالله» وتآمر ضده، وجمع زعماء «كتامة» وأخبرهم بتشككه فى شخص «المهدى» وأنه ربما يكون شخصًا آخر غير الذى دعا إليه، فبلغ هذا الأمر «المهدى»، فتخلص منه بالقتل، فسخط الكتاميون وثاروا، وأتوا بطفل صغير وقالوا: إنه «المهدى»، فحاربهم «المهدى الفاطمى» وقتل هذا الطفل. ثم تعرضت «المغرب» فى عهد «القائم بالله» وابنه «أبى العباس» من بعده لثورة «أبى يزيد مخلد بن كيداد اليغرنى»، الذى ينتمى إلى قبيلة «يغرن» الزناتية، وقد ولد بالسودان، ونشأ بتوروز وتعلم بها، ثم اتصل بالإباضية، ومن ثَم هاجم ما استحدثه المذهب الشيعى على المجتمع المغربى، واجتمع الناس حوله، ورحل إلى «جبل أوراس» عقب وفاة المهدى فانضمت إليه جموع القبائل، فقام بثورته واستولى على العديد من المدن، واستغرقت ثورته نحو أربعة عشر عامًا، فشملت عهد «القائم بالله» كله، وعامين من عهد «أبى

العباس»، الذى تصدى لها وتمكن من القضاء عليها وعلى زعيمها «أبى يزيد»، وسجل انتصاره هذا بإنشاء مدينة «المنصورية» فى سنة (337هـ). العلاقات الخارجية: قام الفاطميون بحملات متكررة على «مصر» للاستيلاء عليها، ففشلت جميعها، إلا حملة «جوهر الصقلى» الذى نجح فى دخول «مصر» فى سنة (358هـ=969م) ثم أسس بها مدينة «القاهرة»؛ لتصبح عاصمة الفاطميين، فانتقلت إليها الأسرة الفاطمية، وباتت «القاهرة» عاصمتهم حتى سقوط دولتهم. وقد سعى الفاطميون إلى بسط نفوذهم على بلاد الأندلس، بالدعوة تارة، وبالحروب أخرى، ولكن جهودهم ضاعت هباءً، ولم تجد دعوتهم صدى فى نفوس الأندلسيين من أهل السنة، فضلا عن أن حكام الأندلس وقفوا لهم بالمرصاد وحصنوا بلادهم، وعززوا أسطولهم، فتراجع الفاطميون عن ذلك، واتجهوا إلى «مصر». واستهدف الفاطميون من اتخاذ «مصر» قاعدة لحكمهم تحقيق الأمن والاستقرار لوجودهم، خاصة بعد أن اشتعلت فى وجوههم الثورات الخطيرة التى كادت تودى بكيانهم على أرض «المغرب»، فضلا عن أملهم فى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية فى «مصر»؛ إذ إنها بموقعها وثرواتها وإمكاناتها تحقق لهم ما يريدون من مال وثروات وازدهار اقتصادى، كما أن الاستيلاء عليها يعد ضربة قاصمة للعباسيين الذين قتلوا كثيرًا من أبناء البيت العلوى ولذا أرادوا الانتقام منهم والثأر لأنفسهم. النظم الفاطمية: - الخلافة: قامت الخلافة الفاطمية على أساس فكرة عصمة الإمام، وأسس خلفاؤها لهذا الغرض مدارس خاصة لتعليم عقائد مذهبهم الذى يقوم على تقديس الأئمة، وحاولوا نشرها فى «مصر» و «اليمن» و «بلاد فارس» و «الهند» وفى غيرها من أنحاء العالم الإسلامى. وقد تلقَّب الخلفاء بألقاب كثيرة منها: «الخليفة الفاطمى»، و «الخليفة العلوى»، و «أمير المؤمنين»، و «الإمام»، و «صاحب الزمان»، و «الشريف القاضى»، وساروا على نهج الأمويين والعباسيين فى

تولية أبنائهم ولاية العهد؛ فكان الخليفة إذا شعر بدنو أجله، يعهد بالخلافة إلى أحد أبنائه، ثم تتجدد هذه البيعة بعد وفاته، فلما تسرب الضعف إلى الخلافة الفاطمية فى عهد «المستنصر»، أصبح اختيار الخليفة بيد القادة وكبار رجال الدولة. - الوزارة: كانت الوزارة فى العصر الفاطمى الأول (308 - 465هـ= 920 - 1073م) وزارة تنفيذ، لأن الخلفاء كانوا أقوياء، ويديرون أمور الدولة بأنفسهم، ثم تحولت بمصر فى سنة (466هـ=1074م) إلى وزارة تفويض، وبات الخلفاء منذ ذلك العهد - نظرًا لضعفهم- تحت نفوذ الوزراء وسيطرتهم. - الكتابة: كانت الكتابة تلى الوزارة فى الرتبة فى عهد الفاطميين، وكان الخلفاء يسندونها إلى مَن أنسوا فيهم الكفاءة والقدرة على معالجة الأمور، وعُنى الفاطميون عناية فائقة بالشعراء والكتاب وغيرهم من رجال الأدب، لنشر مذهبهم وإذاعة أبهتهم، وكان اختيار الكاتب يتم - عادة - من بين مَن اشتهروا بسعة الاطلاع وجودة الأدب، وامتازوا بدقتهم ومقدرتهم فى فن الإنشاء. - الدواوين: كانت هناك عدة دواوين، على رأس كل منها موظف كبير، ومنها: «ديوان الجيش»: وكانت تعرض على صاحبه شئون الأجناد وخيولهم، وما إلى ذلك. و «ديوان الكسوة والطراز»: ويتولاه أحد كبار الموظفين من أرباب الأقلام. و «ديوان الأحباس»: وهو يشبه وزارة الأوقاف حاليا. و «ديوان الرواتب»: ويشبه وزارة المالية الآن. بناء المهدية: حين بويع «المهدى» بالخلافة بالمغرب اتخذ من مدينة «رقّادة» عاصمة له، إلا أن الظروف التى أحاطت به فى بداية عهده، جعلته يفكر جديا فى اتخاذ عاصمة جديدة لدولته الوليدة، ليتحصن بها من مؤامرات أعدائه، فنجح فى اختيار منطقة تبعد عن «القيروان» ستين ميلا تقريبًا، يحيط بها البحر من جهات ثلاث، وهى على شكل يد متصلة بزند، فأطلق عليها اسم: «المهدية»، وشرع فى تخطيطها وتشييد مبانيها، وجعل لها بابين من الحديد، وأقام بها ثلاثة وستين

صهريجًا، لتزويد المدينة بالمياه اللازمة، وبنى بها دارًا لصناعة السفن، فصارت مرفأ مهما وسوقًا رائجة للسلع التى كانت تحملها السفن إليها من «الإسكندرية»، وقد فرغ من بنائها فى سنة (305هـ= 917م)، ثم انتقل «المهدى» للإقامة بها فى سنة (308هـ= 920م)، فاتسعت جنباتها، وزادت أسواقها، وازدهرت التجارة بها، وظلت عامرة، وآهلة بالسكان، حتى استولى عليها خليفة الموحدين «عبدالمؤمن بن على» فى سنة (555هـ=1160م). النشاط المذهبى للفاطميين ببلاد المغرب: شهدت المنطقة طوال عهود الخلفاء الفاطميين فى المغرب صراعًا مذهبيا بين المالكية - غالبية أهل السنة - وبين الشيعة، الذين استخدموا كل الوسائل الممكنة، لنشر مذهبهم وطمس معالم المذاهب الأخرى، وجعلوا الوظائف قاصرة على الشيعة، واستبدلوا قواعد مذهبهم بأحكام المذهب السنى، وعقدوا المجالس والمناظرات لإقناع أهل البلاد بصحة مبادئهم، ثم لجئوا إلى العنف والرعب والاضطهاد حين فشلت وسائلهم فى إدخال سكان البلاد فى مذهبهم، ففشلت هذه الوسائل أيضًا، حتى عاد المذهب السنى مذهبًا رسمياً للبلاد فى عهد «المعز ابن باديس».

6 - 9:بنو زيرى بالمغرب

الفصل التاسع *بنو زيرى بالمغرب يرجع نسب «بنى زيرى» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التى تنتمى إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهاجة» مجرد قبيلة؛ بل كانت شعبًا عظيمًا، لا يكاد يخلو قطر من أقطار «المغرب» من بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر. وقد سكنت «صنهاجة» فى مساحات شاسعة؛ امتدت من «نول لمطة» فى جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان» بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خلدون» - تتوافق مع طباعهم، ورغبتهم فى الابتعاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر. وظهرت أسرة «بنى زيرى» -فى أول أمرها- فى طاعة الفاطميين، وتعاونت معهم فى صد الأخطار التى تعرضت لها دولتهم بالمغرب، وكان أول اتصال بينهما فى عهد «المنصور الفاطمى»، حين قدم «زيرى بن مناد» وأهل بيته وقبيلته لمحاربة «أبى يزيد الخارجى» فى سنة (335هـ=946م)، فخلع عليه «المنصور»، ووصله، وعقد له على أهل بيته وأتباعه وقبيلته، فعظم شأنه، وصار «بنو زيرى» أعوانًا وأتباعًا للفاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهاجيين، وقبائل «زناتة»، لأن «زناتة» كانت دائمة الإغارة على ممتلكات «الدولة الفاطمية». وحين عزم «المعز» على الرحيل إلى «مصر» فى سنة (361هـ= 972م) للانتقال إليها بخلافته، وقع اختياره على «يوسف بُلكِّين ابن زيرى بن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين. 1 - يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجى [362 - 373هـ= 973 - 983م]: عينه «المعز» على ولاية «المغرب»، واستثنى من ذلك «طرابلس المغرب»، و «أجدابية» و «سرت»، وعين معه «زيادة الله ابن القديم» على جباية الأموال، وجعل «عبدالجبار الخراسانى» و «حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيرى. واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان

أهل «تهيرت»، ثم سيطرة قبيلة «زناتة» على مدينة «تلمسان»، وقد توجه إلى «تهيرت» بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه فى سنة (365هـ= 976م). وفى سنة (373هـ=984م) خرج الأمير «يوسف» على رأس جيوشه لاستعادة «سجلماسة» من أيدى بعض الثوار الذين استولوا عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته فى شهر ذى الحجة سنة (373هـ= مايو 984م). 2 - المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى [373 - 386هـ= 984 - 996م]: أوصى الأمير «يوسف بلكين» قبل وفاته بالإمارة من بعده لابنه «المنصور» الذى كان بمدينة «أشير» حين بلغه خبر وفاة والده، وأقبل عليه أهل «القيروان» وغيرها من المدن، لتعزيته، وتهنئته بالولاية، فأحسن إليهم وقال لهم: «إن أبى يوسف وجدى زيرى، كانا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتاب، ويُعزل بكتاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخليفة الفاطمى بمصر لا يقدر على عزله بكتاب. وقد واجهت «المنصور» عدة مشاكل، كانت منها غارات قبائل «زناتة» المستمرة على المدن المغربية فى سنة (374هـ = 985م)، واستيلاء «زيرى بن عطية الزناتى» على مدينتى «فاس» و «سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير». ثم تصدى الأمير «المنصور» فى سنة (376هـ= 986م) لعمه «أبى البهار» الذى نهب مدينة «تهيرت»، ففر «أبو البهار» أمامه، ودخل «المنصور» المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم تُوفى فى يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386هـ= مارس 996م)، ودُفن بقصره. 3 - باديس بن المنصور [386 - 406هـ= 996 - 1015م]: وُلد «باديس» فى سنة (374هـ=985م)، وتكنى بأبى مناد، وخلف أباه على «المغرب» فى سنة (386هـ=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية

من «الحاكم بأمر الله الفاطمى» من «مصر»، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»، وولاه عليها، وأعطاه خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هى نقطة البداية لانقسام «بنى زيرى» إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى فى «ليبيا» و «تونس»، وتحكم الأخرى - أسرة «بنى حماد» - فى «الجزائر»، متخذة من قلعة «بنى حماد» مقرا للحكم. وانفرد «بنو حماد» بإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد. وقد واصل «باديس» مطاردة «زناتة، وأُخبر فى سنة (387هـ= 997م) بأن «زيرى بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير «باديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم فى «أشير»، فلما علم الزناتيون بذلك انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات فى سنة (406هـ= 1015م). 4 - المعز بن باديس [406 - 453هـ= 1015 - 1061م]: أُخذت البيعة للمعز بمدينة «المحمدية»، وتولى الأمر يوم وفاة أبيه وفرح الناس بتوليته لما رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه. وقد حدثت فى عهده بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعى، وخلع طاعة الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء عمومته الحماديين سنة (408هـ= 1017م)، وواصل مطاردة «قبائل زناتة» جهة «طرابلس»، فى أبناء «حماد». ثم أُصيب «المعز بن باديس» بمرض فى كبده أودى بحياته فى سنة (453هـ= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة. 5 - تميم بن المعز بن باديس [453 - 501 هـ = 1061 - 1108م]: وُلد بالمنصورية فى منتصف رجب سنة (422هـ= يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة «المهدية» فى عهد والده «المعز» فى سنة (445هـ=1053م)، ثم خلف والده فى الإمارة فى سنة (453هـ= 1061م)،

فواجه عددًا من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير من مناطق «إفريقية»، وثار عليه أهل «تونس» وخرجوا عن طاعته، فأرسل إلى «تونس» جيشًا، حاصرها سنة وشهرين، فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى «المهدية»،ثم ثارت عليه مدينة «سوسة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم. وقد تعرضت «المهدية» فى عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر «قابس» و «صفاقس»، واستولى عليهما من أيدى الهلالية الذين كانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته فى «الجزائر»، وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير «الجزائر»، وأرسلها إليه فى موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفى فى سنة (501هـ= 1107م). 6 - يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 - 509هـ= 1107 - 1115م]: ولد بالمهدية فى (26 من ذى الحجة سنة 457هـ)، وولى الإمارة وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة فى الرعية، ثم فتح قلعة «أقليبية» التى استعصى على أبيه من قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على الجزر التابعة لدولة الروم فى البحر المتوسط، ومات فجأة فى يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م). 7 - على بن يحيى بن تميم [509 - 515 هـ = 1115 - 1121م]: لم يكن الأمير «على» حاضرًا بالمهدية - التى وُلد بها - حين وفاة والده، فلما وصل إليه الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة «جَرْبَة»، لأن أهلها قطعوا الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان «رافع» عامله على «قابس»، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع لمهاجمة «المهدية». وقد تُوفى الأمير «على» فى العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة (515هـ= يونيو 1121م).

8 - الحسن بن على بن يحيى [515 - 543هـ= 1121 - 1148م]: ولى الإمارة عقب وفاة والده الأمير «على»، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة، فقام «صندل الخصىّ» بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفى بعد فترة قصيرة، فتولى القائد «أبو عزيز موفق» الإشراف على أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومى الذى هاجم بعض حصون الزيريين فى سنة (517هـ= 1123م)، وكذلك ألحق الأمير «الحسن» الهزيمة بجيش «يحيى بن عبدالعزيز بن حماد» أمير «بجاية» الذى جاء لمهاجمة «المهدية» والاستيلاء عليها فى سنة (529هـ= 1135م). وفى سنة (537 - 543هـ= 1142 - 1148م) حل القحط بإفريقية واستغل ملك «صقلية» ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا، وتوجه به قاصدًا «المهدية»، ولم يستطع «الحسن» الدفاع عنها، وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من «بنى حماد»، فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف فى شىء من أمواله، ودخل الروم مدينة «المهدية» دون قتال أو ممانعة، فسقط حكم «بنى زيرى»، وسقطت إمارتهم، وكان «الحسن بن على» آخر أمراء «الدولة الزيرية». العلاقات الزيرية الفاطمية: شكلت العلاقات الزيرية الفاطمية حجر الزاوية فى وضع «بنى زيرى» بالمغرب؛ إذ أسفرت هذه العلاقات عن هجوم القبائل الهلالية على أقاليم «الدولة الزيرية»، بمساعدة الفاطميين فى «مصر» وتوجيههم، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى سقوط «بنى زيرى» وانتهاء دولتهم، كما اتخذ «المعز بن باديس» خطوات جريئة فى سبيل الاستقلال بإمارته عن الخلافة الفاطمية، حين قاطع أهل «إفريقية» صلاة الجمعة بالمساجد لأنها تمثل المذهب الشيعى، فضلا عن نبذ الرعية للمذهب الشيعى وتمسكهم بالمذهب المالكى، وبدأ «المعز» فى السعى إلى الاستقلال عن الفاطميين وراسل الخلافة العباسية فى سنة (435هـ= 1044م)، وبعث رسولاً من قِبله إلى «بغداد» ليأتيه بالعهد واللواء، ورحب «العباسيون» بذلك، للانتقام من الفاطميين،

واسترجاع بعض مظاهر سيادتهم على هذه المناطق التى انفصلت عنهم منذ زمن بعيد، وبعثوا بالعهد واللواء مع «غالب الشيرازى» أحد رجالهم، ولكن «غالب» وقع فى قبضة الروم، وأرسلوه إلى أصدقائهم الفاطميين بمصر، فأحرق الفاطميون العهد واللواء، وطافوا بالرجل فى شوارع «القاهرة»، فقطع «بنو زيرى» علاقتهم بالفاطميين، وعادوهم ولعنوهم على المنابر، ودعوا للعباسيين، ثم دعموا استقلالهم وارتباطهم بالعباسيين، وهدموا دار «الإسماعيلية»؛ مركز نشر الدعوة الفاطمية بالبلاد، وغَيَّروا العملة، واتخذوا اللون الأسود شعار العباسيين رمزًا لهم. وقد حاولت الخلافة الفاطمية إرجاع العلاقات إلى ما كانت عليه بالترغيب والترهيب حتى وصل «اليازورى» إلى منصب الوزارة وقبض على مقاليد الأمور بالخلافة، فعمد إلى تشجيع القبائل الهلالية على التوجه إلى «القيروان» وأطلق لها العنان فى التدمير والتخريب، وامتلاك كل ما يقع تحت سيطرتها. ويرجع تشجيع الوزير الفاطمى لهذه القبائل لعدة أمور، منها: رغبته فى الانتقام من «المعز بن باديس»، وتوفير الأموال الطائلة التى ستنفقها الجيوش إذا ما خرجت إلى المغرب لمحاربة «بنى زيرى»، فضلاً عن أمله فى التخلص من القبائل الهلالية ذاتها؛ لأنها تشكل مصدر إزعاج وقلق للسلطة الحاكمة بالقاهرة. وقد فرض الوزير الفاطمى «اليازورى» دينارًا وبعيرًا لكل رجل من «الهلالية»، فخرجت هذه القبائل قاصدة «القيروان» واستولت على مدينة «برقة» دون مقاومة، وتقاسمت فيما بينها المناطق الشرقية، واستأثرت بعض قبائل «بنى هلال» بالمناطق الغربية، واتجهت جموع «دياب» و «عُرف» و «زغب». وبقية البطون الهلالية إلى «إفريقية»، واستولوا على «سرت» و «أجدابية» ودمروها، كما دمَّروا بقية المدن والقرى فى طريقهم إلى «القيروان». وخرج «المعز بن باديس» بجيشه وجموع «زناتة» و «صنهاجة» و «عبيدة» لملاقاة الهلاليين، ولكنهم تغلبوا عليه وهزموه على الرغم

من أن عددهم كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف فارس، فى حين بلغ تعداد جيش «المعز» ثلاثين ألف مقاتل، وأسرع المعز إلى «القيروان» وأقام حولها سورًا لحمايتها فى سنة (446هـ= 1054م)، ثم أمر السكان من النساء والأطفال والشيوخ بالانتقال إلى مدينة «المهدية» الحصينة للاحتماء بها، فلما يئس من حماية «القيروان»، انتقل برجال دولته وحاشيته إلى «المهدية»، فدخلها الهلاليون فى سنة (449هـ= 1057م). ولم يمكث «المعز» طويلا بعد سقوط «القيروان» والكثير من مدن دولته، وتوفى بالمهدية فى سنة (453هـ= 1061م)، ومن ثَم انهار الحكم الزيرى بالمنطقة، وتحكمت فيها القبائل الهلالية، وامتد تأثيرهم السياسى حتى وصل إلى «المغرب الأوسط»، وهادنهم «بنو حماد»، وأعطوهم نصف غلات بلادهم اتقاء لشرهم، ودفعًا لأذاهم وخطرهم. بعض المظاهر الحضارية لدولة بنى زيرى بالمغرب: كانت الزراعة هى دعامة الحياة الاقتصادية فى المنطقة، التى تمتعت بالهدوء والاستقرار فى ظل الحكم الزيرى فيما عدا الفترة التى شهدت هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الرى على تطور الزراعة، فعرفت المنطقة زراعة «القطن» و «قصب السكر» و «الشعير» وازدهرت زراعة «التمر» و «العنب» و «الموز»، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما فى حياة الفلاح المغربى. وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن المغربية بدور مهم فى تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها من الأسواق التى ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة فى مدينة «القيروان»، فأصبحت «المغرب» بلدًا غنيا، وباتت قبلة تجار الشرق والغرب. ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها، واشتهرت مدينة «باجة» بتصدير كميات كبيرة من «القمح»، كما صُدِّر «زيت الزيتون» عن طريق ميناءى «سوسة» و «صفاقس» إلى بلدان المشرق، وبلاد «أوربا»، فأدى هذا الازدهار إلى تطور الصناعات، وعرفت المدن

المغربية صناعات «النسيج» و «الجلود»، و «الأوانى الفخارية»، وغيرها من الصناعات المتنوعة. أما الناحية الفكرية: فقد شهدت ازدهارًا كبيرًا وتطورًا ملحوظًا، وبخاصة فى مدينة «القيروان» التى أصبحت فى طليعة العواصم الإسلامية ذات الأثر فى تاريخ الفكر الإسلامى، وشهدت مساجد المغرب المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة، والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكى وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدى الشيعة الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم الرسمى منذ ذلك الوقت حتى الآن. وتطورت الحركة الأدبية فى عهد «المعز بن باديس» الذى اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم، وأحسن معاملتهم، مثلما أخبرعنه «ياقوت» بقوله: وكانت «القيروان» فى عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال «المعز» على أهل العلم والأدب وعنايته بهم. ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان «المغرب» أثره الكبير فى تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب، فانتشرت اللغة العربية فى مناطق كثيرة من المغرب، ومن ثم انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد.

6 - 10:دولة المرابطين

الفصل العاشر *دولة المرابطين تمهيد: شهد «المغرب الأقصى» خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين فترة مزدهرة؛ عُدَّت من أخصب فترات حياته؛ حيث قامت على أرضه أكبر دولتين عرفتهما المنطقة فى هذا الوقت، هما: «دولة المرابطين»، و «دولة الموحدين»، اللتان أبرزتا شخصية «المغرب الأقصى» باعتبارها دولاً مستقلة؛ قامت على أكتاف أبنائها، وبسطت نفوذها على مناطق شاسعة بالشمال الإفريقى، فضلا عن «الأندلس»، وشاركت مع غيرها فى إرساء قواعد الحضارة الإسلامية فى غربى العالم الإسلامى، بنظمها، وحضارتها واقتصادها المزدهر، ومبانيها، فضلا عن ثقافتها، وعلمائها ومفكريها. - الأوضاع السياسية فى بلاد المغرب الأقصى قبل قيام دولة المرابطين: أصيبت «دولة الأدارسة» التى أسسها «إدريس بن عبدالله» بالمغرب الأقصى فى سنة (172هـ = 788م) بالضعف والاضمحلال بعد دخول جيوش «أبى عبدالله الشيعى» بقيادة «مصالة بن حيُّوس المكناسى» إلى هذه المنطقة فى سنة (305هـ= 917م)، ومن ثَم مرت المنطقة بفترة حالكة فى تاريخها، وباتت تدعو على منابرها للفاطميين تارة، ولحكام «الأندلس» تارة أخرى، وخيَّمت عليها المنازعات القبلية والحروب الطاحنة وتوزعت المنطقة بين القبائل المختلفة والأسر المتناحرة، وانقسمت الخريطة السياسية للمغرب الأقصى إلى أربعة تجمعات، هى: 1 - منطقة «فاس» وما حولها، وهى خاضعة لأمراء «مغرادة». 2 - منطقة «سلاوتادلا»، وكانت خاضعة لبنى يغرن. 3 - منطقة «سجلماسة» و «درعة»، وكانت خاضعة لبنى خزردن. 4 - إمارة «برغواطة» فى سهول «تامسنا». أما «فاس»؛ فكانت خاضعة لأمراء «مغرادة»، وقد دخلها «زيرى بن عطية» أول هؤلاء الأمراء فى سنة (377هـ= 987م)، واستوطن بها، ثم جعلها قاعدة إمارته، ودخل فى عدة حروب مع «بنى يغرن»، ومع جيوش «الدولة الأموية» التى كان خاضعًا لها، وقد انتهت هذه الحروب بوفاة «زيرى» متأثرًا بجراحه فى سنة (391هـ= 1001م)،

فلما ولى ابنه «المعز» الإمارة أصلح علاقته بالدولة الأموية فى «الأندلس»، ثم توالى الأمراء على «فاس»، واتسمت فترة حكمهم بكثرة الحروب، وكان «تميم بن معتصر بن حماد» الذى تولى فى سنة (460هـ= 1068م) هو آخر الأمراء، وقد دخل فى صراع طويل مع «المرابطين»، ولكنهم نجحوا فى دخول فاس فى سنة (462هـ= 1070م)، وقتل «تميم»، وطويت صفحة أمراء «مغرادة»، وتولى المرابطون السلطة. أما منطقة «سلاوتادلا»، فكانت خاضعة لأمراء «بنى يغرن»، الذين دخلوا فى صراع مع أبناء عمومتهم من أمراء «مغرادة»، وكان آخر أمرائهم هو «محمد بن تميم بن زيرى» الذى تولى الإمارة فى سنة (448هـ= 1056م)، وقتل على أيدى المرابطين فى سنة (462هـ= 1070م). أما «سجلماسة» و «درعة» فقد تولى حكمها «بنو خزردن» فى سنة (366هـ= 976م)، واستمروا فى الحكم حتى أسقطهم المرابطون فى سنة (477هـ= 1084م). أما إمارة «برغواطة» - التى احتلت المناطق الساحلية جنوبى «طنجة» إلى «آصيلا» واشتملت على مناطق «تامسنا» - التى أقامت بها عدة قبائل من «زناتة»، فقد دخلت هذه الإمارة فى صراع مع «بنى يغرن»، و «الأدارسة»، ثم مع المرابطين الذين قضوا على الحكم فيها، وغيروا سياستها ونظمها. قيام دولة المرابطين: قامت «دولة المرابطين» على أساس دعوة دينية، نمت وازدهرت فى «ديار الملثمين» بجنوب «المغرب الأقصى» بفضل جهود الفقيه المالكى «عبدالله ابن ياسين»، الذى تمتع إلى جانب علمه وفقهه ببعد النظر ونفاذ البصيرة، وتوجه إلى قبيلة «جدالة» بصحبة زعيمها «يحيى بن إبراهيم»، ففرحت بمقدمه، ثم ما لبث هذا الفرح طويلا حتى تحول إلى جفوة وإعراض حين بدأ «ابن ياسين» فى تغيير ما ألفوه من عادات وملذات تخالف أحكام الدين، وحسبه الزعماء والنبلاء ينتقص من حقوقهم، ويُسوِّى بينهم وبين مواليهم، وساءت العلاقة بينهم وبين «ابن ياسين» ونهبوا داره وهدموها، واضطر هذا الفقيه إلى الرحيل بمن تبعه إلى جزيرة منعزلة بالسنغال.

وبدأ «ابن ياسين» فى هذه الجزيرة بإعداد التلاميذ ونشر الدعوة، فذاع صيته، وكثر عدد أتباعه، فأطلق عليهم لقب: «المرابطين»، ومضوا فى تنفيذ ما أمر به. وقد بدأ المرابطون نشر دعوتهم بين قبيلة «جدالة» التى تمردت على «ابن ياسين» من قبل، فقصدوا قبيلتى «لمتونة» و «سوقة» ونجحوا فى نشر دعوتهم بينهما، فكان ذلك مدعاة لانضواء بقية القبائل تحت لوائهم. انتقال السلطة إلى قبيلة لمتونة: تُوفِّى الأمير «يحيى بن إبراهيم الجدالى» فى سنة (447هـ= 1055م)، فاختار «ابن ياسين» «يحيى بن محلاكاكين اللمتونى» قائدًا لجند المرابطين، فنقل بذلك السلطة العسكرية من «جدالة» إلى «لمتونة» التى كانت تتمتع بمكانة مرموقة بين بقية «قبائل الملثمين»، فضلا عن سيطرتها على طرق التجارة الساحلية، وهكذا ظهرت قبيلة «لمتونة» على مسرح الأحداث، وتتابع أبناؤها فى السلطة حتى نهاية حكم المرابطين. وفى سنة (447هـ= 1055م) استغاث فقهاء «درعة» و «سجلماسة» بعبدالله بن ياسين لإنقاذ بلادهم من الفساد والظلم، فاستجاب لهذه الدعوة، وخرج بجيشه متوجهًا إلى «درعة» و «سجلماسة»، وتمكن من القضاء على أمراء «مغرادة»، وولى المرابطون عمالا تابعين لهم على هذه البلاد. ولم يستمر الهدوء طويلاً بمدينة «سجلماسة» وقامت بها ثورة؛ اضطرت المرابطين بقيادة «يحيى بن محلاكاكين» إلى العودة إليها، ونجحوا فى إخماد ثورتها، إلا أن قائدهم «يحيى اللمتونى» استشهد فى المعركة، فوقع اختيار «ابن ياسين» على الأمير «أبى بكر بن عمر» فى سنة (448هـ= 1056م) لقيادة الجيوش، فانتقل «أبو بكر» بالدعوة من مرحلة تلبية نداء المعونة لسجلماسة و «درعة» إلى مرحلة الغزو المسلح للمغرب الأقصى، ودخل مع قبائل «برغواطة» التى اعتنقت المجوسية فى عدة معارك، فأصيب الداعية «ابن ياسين» فى إحداها بإصابات قاتلة أودت بحياته فى سنة (451هـ= 1059م). وواصل «أبو بكر» جهاده، وفرَّق جموع «برغواطة»، واستأصل

شأفتهم، ثم رجع إلى مدينة «أغمات» التى اتخذها عاصمة له. وقد شاركه فى نشاطه المسلح ابن عمه «يوسف بن تاشفين الصنهاجى اللمتونى»، الذى أثبت كفاءة عالية، ومقدرة فائقة، وحقق نجاحًا بارزًا؛ غير أن أحداثًا ما وقعت بالصحراء، جعلت «أبا بكر» يتوجه إلى الجنوب تاركًا قيادة بقية المرابطين لابن عمه «يوسف». يوسف بن تاشفين: يعد «ابن تاشفين» المؤسس الحقيقى لدولة المرابطين بالمغرب الأقصى، وقد تجمعت فيه صفات الزعامة والشجاعة والقيادة والحزم، والتفت حوله قلوب المرابطين، وشرع فى بناء مدينة «مراكش» عاصمته الجديدة فى سنة (454هـ= 1062م) ونجح فى بسط نفوذه على «المغرب الأقصى» فى سنة (467هـ= 1074م). وقد نجح ابن «تاشفين» إلى جانب توحيد «المغرب الأقصى» فى وقف الزحف النصرانى على «الأندلس»، وضمَّها إلى «دولة المرابطين» التى اتسعت أطرافها وزادت خيراتها، وتمتعت بالازدهار والرقى فى مختلف المجالات، ثم مرض «يوسف» فى سنة (498هـ= 1104م)، ثم أسلم روحه فى سنة (500هـ= 1106م) ودفن بمدينة «مراكش». على بن يوسف بن تاشفين: ولى الأمير «على» الحكم واقتفى سياسة والده، وسار بين الناس بالحكمة والعدل، واستعان بالفقهاء والعلماء فى حكم البلاد، فتبوأ مكانة طيبة فى نفوس رعيته. ومضى «على بن يوسف» فى استكمال الجهود الحربية التى بدأها والده بالأندلس، وعبر إليها بنفسه أربع مرات؛ لتثبيت سلطان المرابطين، ومواجهة الهجمات المتكررة للمسيحيين، فأحرز انتصارات كبيرة، ونال رضا الخلافة العباسية. تاشفين بن على: تُوفِّى الأمير «على» فى سنة (537هـ= 1142م)، فتولى ابنُه «تاشفين» الحكم من بعده، فدخل فى صراع مع دولة «الموحدين»، ولم تفلح جهوده فى صد موجاتهم المتتابعة، وانتهى به الأمر إلى «وهران»؛ حيث قُتل فى سنة (539هـ= 1144م)، فَفَتَّ ذلك فى عضد الدولة، وسقطت أجزاء كثيرة منها فى أيدى الموحدين. إسحاق بن على:

حاول المرابطون الاحتفاظ بكيانهم المتداعى، وأمَّروا عليهم «إبراهيم بن تاشفين» إلا أنه لم ينعم بالسلطة طويلا، حيث نازعه عليها عمه «إسحاق بن على ابن تاشفين»، وتولى مكانه، ولكنه لم يستطع أن يدفع حصار الموحدين بقيادة «عبدالمؤمن» خليفة «ابن تومرت» حول العاصمة «مراكش» فى سنة (541هـ= 1146م)، فسقطت «مراكش» فى يد «عبدالمؤمن» الذى أعمل فيها السيف وقضى على كثير من أهلها، وترتب على ذلك سقوط «دولة المرابطين». عوامل سقوط دولة المرابطين: ضعفت القيادة العليا للمرابطين منذ تولى «على بن يوسف» حكم البلاد، واستبد كثير من الأمراء بالأمر، ثم جاء الخلاف الخطير بين «إبراهيم بن تاشفين» وعمه «إسحاق بن على» على السلطة، فى الوقت الذى كان يزحف فيه الموحدون نحو العاصمة «مراكش». يضاف إلى ذلك تخاذل الجند، فضلا عن الحروب المستمرة التى خاضوها بالأندلس، فاستنزفت قواهم واقتصاد بلادهم، وظهور شخصية «ابن تومرت» الذى نجح فى جذب أعداد كبيرة إليه. فكان ذلك كله من أسباب سقوط «دولة المرابطين» وقيام «دولة الموحدين». العلاقات الخارجية لدولة المرابطين: تركزت علاقات المرابطين فى جبهتى «الأندلس» و «الدولة العباسية»؛ حيث هبوا لنجدة «الأندلس» من النصارى الإفرنج، ثم قرروا -بعد عدة معارك- ضمها إلى دولتهم، وظلت المعارك هى الطابع المميز لعلاقة المرابطين بالممالك الإفرنجية فى الشمال الأندلسى. أما علاقتهم بالعباسيين فقد بدأت بعد أن قاموا بنشر دعوتهم بأرجاء «المغرب الأقصى»، ومن ثم اتصلوا بالخلافة واعترفوا بسلطة الخليفة الروحية فى العالم الإسلامى، وطلبًا لتأييد «الخلافة العباسية» لهم، وفى ذلك دعم لدعوتهم التى تأسست عليها دولتهم، وكان الترحيب والاستجابة سمة العلاقة بين الجانبين. الأوضاع الحضارية فى دولة المرابطين: - الوزارة: بعد أن وطَّد «يوسف بن تاشفين» دعائم دولته، وأخضع «الأندلس»

لسلطته، اتخذ صهره «سير بن أبى بكر» وزيرًا له؛ حيث كان من أبرز زعماء «لمتونة» وقادتها، وقد أسند «ابن تاشفين» إليه مهمة الاستيلاء على مدن «الأندلس». وإلى جانب الوزارة العسكرية، كانت هناك وزارة مدنية؛ اُختير معظم مَن تقلدوها من الفقهاء الذين نالوا حظًّا كبيرًا من الثقافة العربية، أمثال «مالك بن وهب» وزير «على بن يوسف». وقد انقسم الوزراء من حيث إقامتهم إلى وزراء مركزيين، يقيمون بمراكش بوصفها عاصمة البلاد، ووزراء إقليميين، تابعين للأمراء المحليين. وتنوعت اختصاصات الوزراء وسلطانهم بالإشراف على الشئون المالية، أو الاختصاص بالكتابة، أو بشئون العمال والمتصرفين فى أموال الدولة، ذلك فضلا عن الوزير المختص بشئون الحرب والفنون العسكرية. - أمراء الأقاليم: شمل إقليم «المغرب الأقصى» ست ولايات عدا العاصمة «مراكش» وهذه الولايات هى: «فاس» و «سجلماسة» و «السوس» و «تلمسان»، أما الصحراء و «سبتة» و «طنجة» فكانت إقليمًا واحدًا، ويتم اختيار الولاة من الأسرة الحاكمة بمراكش أو من ذوى قرباهم، أو من القبائل المؤسسة للدولة. وقد تمتع ولاة «المغرب الأقصى» فى ظل «دولة المرابطين» بسلطات واسعة، وكان من حقهم عزل وتعيين من دونهم من الولاة المحليين، والقيام بتحركات عسكرية داخل مناطق نفوذهم، ولذا أشرف أمراء المرابطين عليهم، ورسموا لهم السياسات وتابعوا تطبيقها، وحاسبوا وعاقبوا على التقصير فيها. - الدواوين: عمل «يوسف بن تاشفين» بنظام الدواوين فى سنة (464هـ= 1072م)، فأنشأ «ديوان الرسائل» (الإنشاء) وجعل عليه موظفًا كبيرًا عُرف باسم: «الكاتب»، وأقام أربعة دواوين على مالية الدولة، وهى: 1 - «ديوان الغنائم ونفقات الجند». 2 - «ديوان الضرائب». 3 - «ديوان الجباية». 4 - «ديوان مراقبة الدخل والخرج». - الشرطة: اتخذ أمراء المرابطين الشرطة للمحافظة على أرواح الناس، وحماية ممتلكاتهم، وصيانة حقوقهم، وقد أُطلق على صاحب الشرطة بالمغرب

الأقصى لقب: «العريف» أو «صاحب الليل» لما يقوم به من الحراسة ليلاً. وكان على صاحب الشرطة معاونة الحكام وأصحاب المظالم وإقامة الحدود والتعازير، وإشخاص الناس لذلك، فضلاً عن مراقبة أبواب المدينة وتحصيناتها. النظام القضائى: أقام المرابطون نظامهم القضائى على الأسس القضائية التى أحكمها الأمويون بالأندلس؛ إذ فصلوا بين السلطتين الإدارية والقضائية، واستعان المرابطون بكثير من القضاة من مختلف المناطق مثل: «موسى بن حماد الصنهاجى» الذى تولى القضاء بمراكش فى عهد «على بن يوسف بن تاشفين»، وتُوفى فى سنة (535هـ=1140م)، والقاضى «ابن ملجوم»، من «فاس»، وتولى القضاء بفاس ومات فى سنة (543هـ= 1148م)، والقاضى «عياض بن موسى بن عياض اليحصبى» من «سبتة»، وقد تولى القضاء بسبتة، وتُوفى بمراكش فى سنة (544هـ= 1149م). واشتُرِط فى القاضى أن يكون رجلا عاقلا حرا مسلمًا عادلاً، مع السلامة فى السمع والبصر، وأن يكون عالمًا بالأحكام الشرعية، وأن تكون مصادره فى القضاء الكتاب والسنة وما وقع عليه إجماع الأمة والاجتهاد، والمتكلَّم به عند الفقهاء. الحياة الاقتصادية فى دولة المرابطين: شهد «المغرب الأقصى» فى عهد «دولة المرابطين» ازدهارًا اقتصادياً ورخاءً فى مناحى الحياة كافة؛ حيث حرص المرابطون على النهوض بالزراعة والصناعة والتجارة، واهتموا بالنظام المالى وإدارته وكيفية جمعه وإنفاقه، واتخذ «يوسف بن تاشفين» حصنًا صغيرًا لحفظ الأموال والسلاح، ثم دَوَّن لذلك الدواوين حين اتسعت أعمال دولته واستقرت أوضاعها فجعل للمالية دواوين: «الغنائم»، و «نفقات الجند»، و «الضرائب»، و «الجباية»، و «مراقبة الدخل والخرج»، وكان الكتَّاب يقومون بتدوين النواحى المالية المختلفة، والعمال الذين يقومون بجبايتها، وكان جمع أموال الزكاة والجزية المفروضة على أهل الذمة يتم كل عام، أما غير ذلك من مصادر المال كالغنيمة والعشور، فإنها كانت مرتبطة بظروفها.

وكان المشتغلون بمالية الدولة -دائمًا- تحت المراقبة الشديدة، والحساب المستمر، والعقاب السريع فى حالة التقصير. وتأتى الزكاة فى مقدمة مصادر الدخل المالى لهذه الدولة، ثم تليها الجزية المفروضة على أهل الكتاب نظير ما يتمتعون به من أمن وحماية، وقد فُرضت الجزية على الرجال الأحرار العقلاء، ولم تُؤخذ من النساء، ولا من الصبية والمجانين والعبيد، وكان مقدارها موكولاً إلى ولاة الأمر واجتهادهم. أما فيما يتعلق بالضرائب، فإن المرابطين فى بداية عهدهم التزموا بأحكام الشرع، ولم يفرضوا إلا ما جاء بالكتاب والسنة، وألغوا ما عدا ذلك من الضرائب بالمغرب والأندلس، وشكلت الغنيمة مصدرًا مهما من مصادر الدخل للدولة، نظرًا للمعارك الكثيرة التى خاضها المرابطون ضد الإفرنج. وقد ساهمت المصادر المالية المتنوعة فى الإنفاق على تجهيز الحملات العسكرية المتكررة، وإقامة المنشآت، والإنفاق على أوجه الإصلاح والتعمير، فضلا عن المرتبات والأرزاق، وأصدر المرابطون العملات النقدية لتأكيد سلطانهم الاقتصادى. واهتموا بالزراعة وما يتعلق بها، فشيد «على بن يوسف» قنطرة على نهر «تانسيفت» لتوزيع المياه اللازمة للزراعة، فشهدت البلاد - لخصوبة أرضها- وفرة فى المزروعات، وكذلك فى الغابات التى نبتت فى أجزاء متفرقة من البلاد. فأمدت البلاد بكميات وفيرة من الأخشاب التى استخدمت فى كثير من الصناعات مثل صناعة السفن. وكان للصناعة دور بارز فى ازدهار اقتصاد «دولة المرابطين»؛ حيث ازدهرت صناعات كثيرة ومتنوعة نتيجة استقرار الأوضاع، وتوافر المواد الخام، ووجود الخبرة الصناعية المتمثلة فى الأيدى العاملة التى حركت عجلة التصنيع، ودفعتها إلى الأمام. وقد ظهرت عدة صناعات منها: صناعة السفن والزجاج، وأدوات النحاس والحديد، واستخراج الزيوت من الزيتون، والسكر من القصب، وكذلك صناعة الملابس من القطن والصوف، وصناعة دبغ الجلود.

وشاركت التجارة فى دفع عجلة الاقتصاد بدولة المرابطين منذ تأسيسها؛ حيث وجه أمراء هذه الدولة اهتمامهم إلى التجارة، وعملوا على تنشيطها؛ بتشجيع التجار على ارتياد البلاد، ووفروا لهم سبل الإقامة، وأنشأوا لهم الفنادق، مثلما فعل «يوسف بن تاشفين» حين دخل مدينة «فاس» فى سنة (462هـ= 1069م). وقد وُجدت المراكز التجارية فى أنحاء دولة المرابطين، وبخاصة فى العاصمة «مراكش» التى حظيت باهتمام التجار، وصارت مركزًا للتجارة الداخلية بين مدن الشمال والجنوب، كما كانت مدينة «فاس» مركزًا تجارياًّ مهماًّ، لموقعها الممتاز فى قلب البلاد، وتوافر المحاصيل الزراعية والصناعات المختلفة بها. وارتبطت مراكز التجارة الخارجية بالمغرب الأقصى فى عهد المرابطين، بعدة طرق برية يضاف إليها الطريق الملاحى الذى تنقل التجارة بواسطته من هذه البلاد وإليها، وكانت أهم الطرق البرية هى: الطريق الذى كان يربط البلاد بمنطقة «السنغال» و «النيجر»؛ إذ كان يمر بسجلماسة «ودرعة» ومدن «المغرب الأقصى»، متجهًا إلى «أودغشت»، ثم إلى منحنى «النيجر»، وهناك طريق الساحل الذى يربط «دولة المرابطين» بالشرق حتى «مصر»، إلى جانب طريق آخر من «أودغشت» و «سجلماسة»، تسير فيه القوافل بالصحراء حتى «الواحات الداخلة» بمصر. وكان للموانى المنتشرة على ساحل «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى» أثر كبير فى تنشيط حركة التجارة، فتنوعت صادرات البلاد، وشملت: القطن، والقمح، والسكر، والزيتون، والزيت المستخرج من الأسماك، والنحاس المسبوك، وغيرها من الصادرات. أما أهم وارداتها، فكانت: الذهب، والزئبق، وبعض أنواع النسيج البلنسى، والعطر الهندى، وبعض الواردات الأخرى. الحياة الاجتماعية فى دولة المرابطين: شكل البربر الغالبية العظمى من سكان «بلاد المغرب» الذين تأسست على أيديهم دولة المرابطين، وقد شاركهم العرب فى الإقامة بالمنطقة

منذ بدأت فتوح المسلمين لهذه البلاد، ثم جاءت القبائل العربية الهلالية بعد ذلك إليها، وشاركهم السودانيون الذين انضموا إلى جيوش المرابطين، فضلاً عن تواجد عنصر الروم والصقالبة الذين عاشوا فى ظل المرابطين، واتخذ منهم بعض الأمراء حرسه الخاص، كما استخدمهم بعض الأمراء فى جباية الأموال. وقد تبوأت المرأة مكانة مرموقة فى المجتمع المرابطى، وتمتعت بوضع كريم فى القبيلة الصنهاجية؛ إذ كانت تشترك فى مجلس القبيلة، وتشارك فى الأمور المهمة. وبلغ احترام المرابطين للمرأة حدا جعل القادة والأمراء يُلقبون أنفسهم بأسماء أمهاتهم، تقديرًا لدور المرأة فى المجتمع، فنجد «ابن عائشة»، و «عبدالله بن فاطمة»، وهما من أبرز قادة المرابطين. وعاش أهل الذمة فى بلاد المرابطين إلى جانب غيرهم من طبقات المجتمع وفئاته فى ظل حماية القيادة العليا للبلاد، وأصبحت طائفة اليهود على قدر كبير من الثراء، ولكن بعض أهل الذمة عمدوا إلى مساعدة أعداء البلاد، وتحريضهم على غزوها، فكان رد فعل أمراء المرابطين هو نفى عدد كبير من هؤلاء، ومنْع اليهود من المبيت بالعاصمة «مراكش»، والسماح لهم بالعمل نهارًا، والانصراف منها ليلاً؛ وهو إجراء وقائى للحفاظ على العاصمة من المؤامرات والدسائس والفتن، وبها ما بها من تجمعات الجند وقادة الجيوش، وإدارة البلاد، فضلا عن كونها مقر أمير البلاد وأسرته وأعوانه وحاشيته. البناء والتعمير: انتعشت حركة البناء والتعمير فى «دولة المرابطين»، وقد بدأها الأمير «يوسف بن تاشفين» بتأسيس مدينة «مراكش» وبنائها، وغيرها من المنشآت، وتبعه فى ذلك ابنه «على» والأمراء من بعده، وامتازت مبانى المرابطين بالضخامة والقوة والاتساع، والاقتصاد فى الزخرفة تمشيًا مع بساطتهم. وتعد «مراكش» من أبرز أعمال المرابطين، وكان سبب بنائها، ازدحام مدينة «أغمات» بقبائل المرابطين القادمين من الجنوب، يضاف إلى

ذلك موقعها الاستراتيجى فى مفترق طرق الأطلس والصحراء، وقربها من مواطن المصامدة الذين يشكلون غالبية السكان، وكذلك قربها من صحراء المرابطين ومواطن «لمتونة»؛ حيث توجد الإمدادات العسكرية، وتأسست «مراكش» على أرجح الآراء فى سنة (454هـ= 1062م)، وشارك الأمير «يوسف» فى البناء لتشجيع من حوله فى المساهمة، ثم بنى فيها ابنه الأمير «على» قصره المعروف بدار الحجر، وأحاطه بالأسوار. الحياة الفكرية: عاشت «دولة المرابطين» نهضة فكرية مزدهرة، ازدهرت فيها علوم الأدب واللغة والعلوم والفلسفة والطب، ووفد طلاب العلم على المدن المغربية من كل مكان، وقد ساعد على ذلك تشجيع الأمراء المرابطين للعلماء وطالبى العلم، فقصد العلماء العاصمة «مراكش»، وانتظم الطلاب فى دراساتهم، واجتهد كل ذى موهبة فى إبراز ما لديه، ورغب كثير من أبناء «المغرب» فى طلب العلم، لأن مناصب الدولة ووظائفها كانت مقصورة على المتعلمين والمثقفين. وأصبحت «مراكش» تضاهى «بغداد» فى ازدهار العلوم وكثرة العلماء وشاركتها مدينة «فاس» التى أسسها «إدريس بن عبدالله» فى المكانة، وظل مسجدها الكبير (جامع القرويين) مركز إشعاع علمى يقصده طلاب العلم من كل مكان. العلوم الدينية: أسهمت الروح الدينية التى سادت «بلاد المغرب» منذ قيام «دولة المرابطين» فى ازدهار العلوم الشرعية؛ مثل: علوم التفسير والحديث والفقه والكلام، ووفود كثير من علماء الأندلس على مراكش وغيرها فأسهموا فى دفع حركة التأليف، وشاركهم أبناء المغرب الذين أقبلوا على الدراسة والبحث فى دفع هذه الحركة، فنبغ عدد كبير من العلماء. وعنى المغاربة بكتاب «الوجيز» فى التفسير لعبدالحق بن غالب بن عطية المحاربى، المتوفى فى سنة (541هـ= 1146م)؛ حيث جمع فيه «ابن غالب» خلاصة التفاسير كلها، وتحرَّى منها ما هو أقرب إلى الصحة. ونال علم الحديث عناية فائقة من ولاة الأمر، وكان «موطأ» الإمام

«مالك» مدار الدراسات فى الدولة، وكذلك نشط علم الفقه، ولم ينل علم الكلام الرعاية والعناية خلال حكم المرابطين، لأنهم نهجوا طريق السلف، ولم يميلوا إلى الخوض فى هذا العلم. الحياة الأدبية والعلمية: ازدهر الأدب بنوعيه الشعر والنثر فى هذه الفترة باعتباره مظهرًا من مظاهر الحركة الفكرية بالبلاد، وحظى الأدباء برعاية الولاة، وكان بالبلاط المرابطى بعض كبار الكتاب والأدباء الأندلسيين، أمثال: «أبى القاسم بن الجد»، و «ابن القبطرنة»، و «أبى عبدالله بن أبى الخصال»، و «ابن خلدون» وغيرهم. وقد أثر المذهب المالكى وعلماؤه وفقهاؤه فى توجيه الأدب المغربى وجهة تميزت بالبساطة والوضوح، وبعدت عن الزخرف والصنعة وبعدته عن تناول بعض الأغراض التى تناولها أدباء المشرق مثل: «الخمريات»، التى تتنافى مع الجو الدينى الذى ساد البلاد. المكتبات: كثر عدد المكتبات التى ازدحمت بالمؤلفات فى عهد المرابطين، نظرًا لكثرة العلماء والمؤلفين والكتاب، واهتمام ولاة الأمر بهم وتكريمهم لهم، وقد ساعد ذلك على ازدهار الحركة الفكرية للبلاد. ولم تكن الرغبة فى جمع الكتب مقصورة على ولاة الأمر، بل تعدتها إلى أبناء الشعب، ودفع الكثير منهم مبالغ كبيرة لشراء مرجع أو اقتناء كتاب. مثلما فعل القاضى: «عيسى بن أبى حجاج بن الملجوم» الذى اشترى من «أبى على الغسانى» نسخة من «سنن أبى داود» بخمسة آلاف دينار. وكان منصب «أمين مكتبة الخزانة العلية» من المناصب الرفيعة فى الدولة، ولا يتولاه إلا أحد أكابر العلماء المشهورين بالثقافة والكفاءة ودقة التصنيف. وقد تحددت أماكن كثيرة لبيع الكتب بدولة المرابطين، ففى «مراكش» كانت متاجر بيع الكتب المخطوطة إلى جوار جامع الكتبيين، وكانت فى «تلمسان» سوق لبيع الكتب. وهكذا ساهمت المكتبات فى دفع تيار الثقافة بالبلاد، وتزويدها بما تحتاجه من مختلف فروع العلم والمعرفة.

6 - 11:دولة الموحدين

الفصل الحادي عشر *دولة الموحدين ظهور المهدى بن تومرت: لم تنعم «دولة المرابطين» بالهدوء والاستقرار منذ ظهور الداعية «محمد ابن تومرت» على مسرح الأحداث، وقد نشأ «ابن تومرت» نشأة دينية بقبيلة «هرنمة» إحدى قبائل المصامدة، ولكن ما تلقاه من علوم فى وطنه لم يَرْوِ ظمأه، فسافر إلى المراكز الثقافية المشهورة بالعالم الإسلامى، وبدأ رحلاته إلى «الأندلس» فى مطلع القرن السادس الهجرى، ثم إلى المشرق مارَّا بالإسكندرية، ومنها إلى «مكة» ثم إلى «بغداد» حيث التقى هناك بأكابر العلماء أمثال «أبى بكر الطرطوشى»، واستغرقت رحلته فى طلب العلم نحو خمسة عشر عامًا مكنته من التزود بقدر كبير من الثقافة والمعرفة، وتعرُّف أحوال العالم الإسلامى، ومدى انقسام المسلمين وفرقتهم بالمشرق. وبعد أن عاد إلى «المغرب» بدأ دعوته بمدن المغرب محاولاً إصلاح الأوضاع الفاسدة وتغييرها. فوجدت دعوته قبولاً وترحيبًا من الجماهير، ورفضًا شديدًا من الحكام؛ إذ رأوها خطرًا يهدد مصالحهم ومراكزهم. والتقى «ابن تومرت» خلال هذه الرحلة بعبد المؤمن بن على الذى أصبح من أخلص تلاميذه، وصاحبه فى كل مكان يذهب إليه، ثم دخل «ابن تومرت» العاصمة «مراكش» فى منتصف ربيع الأول سنة (515هـ= 1121م)، وقام بدوره فى الوعظ والإرشاد، واعترض على سياسة الدولة فى بعض الأمور، فوصل خبره إلى الأمير «على بن يوسف» الذى استدعاه، وجمع كبار العلماء والفقهاء لمناظرته. وانتهى الأمر بطرده من العاصمة خشية التأثير على العامة وإضعاف مراكز الفقهاء. وكانت الحصافة السياسية تقتضى سجن هذا الداعية أو التحفظ عليه لخطورته على الدولة، وهو ما تحقق عقب مغادرة «ابن تومرت» «مراكش»، إذ أعلن عن نياته فى مواجهة السلطة الحاكمة، وخلعه الأمير «على بن يوسف»، وبايعه مَن حوله إمامًا للدعوة الجديدة فى سنة (515هـ= 1121م)، واتخذ من مدينة «تينملل» مقرا له، ومركزًا لدعوته، وشرع فى تحقيق أهدافه السياسية

والدينية لإقامة خلافة إسلامية بالمغرب، ولم يدخر فى ذلك وُسعًا ولا وسيلة إلا استغلها، وعمد إلى نشر دعوته بين السذج، وألَّف لهم فى التوحيد والعقيدة بلغتهم البربرية حتى يسهل عليهم التعلم، ويسهل عليه السيطرة عليهم، ومن ثم باتت له الكلمة العليا فى كل شئونهم. وفاة ابن تومرت [524هـ= 1130م]: شارك «ابن تومرت» فى الكفاح المسلح ضد «دولة المرابطين»، وتذكر المراجع أنه اشترك فى تسع غزوات، وكانت معركة «البحيرة» التى أصيب فيها الموحدون بالهزيمة هى السبب الرئيسى فى خيبة أمل «ابن تومرت» ومرضه؛ حيث قتل فيها عدد كبير من أتباعه، ولكن بقاء تلميذه ومساعده «عبد المؤمن بن على» على قيد الحياة كان سببًا فى تخفيف هذه الصدمة، ومع ذلك لزم «ابن تومرت» داره، واشتد عليه مرضه، وفارق الحياة فى سنة (524هـ= 1130م)، وخلَّف وراءه حربًا مشتعلة على أرض «المغرب الأقصى». عبدالمؤمن بن على: حمل «عبدالمؤمن» أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه، وشُغل بتنظيم شئون الموحدين، مدة عام ونصف العام، ثم شرع فى الكفاح ضد المرابطين فى منطقة «الأطلس» جنوبى «مراكش» فى «وادى درعة» و «بلاد السوس» و «بلاد جاحة» القريبة من «تينملل»، ثم استولى الموحدون على «مراكش» عاصمة المرابطين فى سنة (541هـ= 1146م)، بعد كفاح دام أكثر من عشر سنوات كان النصر فيها حليفًا للموحدين. وقد نجح «عبدالمؤمن» فى إحكام قبضته وسيطرته على «المغرب الأقصى» بعد سقوط دولة المرابطين بسقوط عاصمتهم «مراكش»، ثم وجه اهتمامه إلى الشرق، وبعث بحملاته المتتابعة التى وصلت حتى «طرابلس» بإفريقية، فساعد هذا النصر على تحقيق الوحدة السياسية للمغرب الإسلامى، وتلقب «عبدالمؤمن» بلقب خليفة، واتخذ من «مراكش» عاصمة للخلافة، ثم شرع فى تجهيز حملة كبيرة لدفع النصارى عن مدن «الأندلس» فى سنة (556هـ= 1161م)، إلا أن مرضه حال دون إتمام هذه الحملة، ومات فى سنة (558هـ= 1163م). يوسف بن عبدالمؤمن:

بويع «يوسف» فى سنة (558هـ= 1163م)، ليكون خلفًا لوالده. وما إن استقر فى العاصمة حتى واجهته ثورة «مرزدغ الصنهاجى» بجبال «غمارة»، فنجح فى القضاء عليها وتفريق أعوانها، ثم أمر بقتل «مرزدغ»، وحمل رأسه إلى العاصمة «مراكش». ووجه «ابن عبدالمؤمن» جُلَّ جهوده إلى دعم سلطة الموحدين بالأندلس، وبعث بالحملات المتتابعة إليها، وخرج على رأس إحداها فى سنة (566هـ= 1170م)، لتأمين ثغور «الأندلس» وضبطها وإصلاحها، ثم خرج فى سنة (579هـ= 1183م) على رأس حملة كبيرة إلى «الأندلس» لغزوها، إلا أنه أصيب بسهم عند أسوار «شنترين»، فأسرع الجند بحمله والعودة به مصابًا إلى «مراكش»، فقضى نحبه فى سنة (580هـ= 1184م). المنصور الموحدى: ولى «يعقوب بن يوسف بن عبدالمؤمن» خلفًا لوالده فى سنة (580هـ= 1184م)، ولقب نفسه بالمنصور، وتوزعت جهوده العسكرية فى أكثر من ميدان؛ حيث قامت ثورة بزعامة «الجزيرى» الذى أخذ يدعو لنفسه بين القبائل فى سنة (585هـ= 1189م)، فقضى عليها «المنصور» وقتل زعيمها، ثم قامت ثورة أخرى ببلاد «الزاب» بزعامة رجل يدعى «الأشلّ» فى سنة (589هـ = 1193م)، فكان مصيرها الفشل مثل سابقتها. أما ثورة «بنى غانية»، التى استهدفت إحياء «دولة المرابطين» والدعاء للخلافة العباسية على المنابر بإفريقية، فكانت الخطر الحقيقى الذى هدد «دولة الموحدين»، فوجّه «المنصور» إليها كل جهوده للقضاء عليها، وعلى الرغم من تكرار المحاولة فإنه لم ينجح فى القضاء عليها نهائياًّ. وقد أولى «المنصور» «الأندلس» اهتمامه وعنايته، ودخل فى عدة معارك مع الإفرنج؛ كانت أبرزها معركة «الأرك» فى سنة (591هـ= 1195م)، تلك التى أوقفت زحف النصارى، وزادت من هيبة الموحدين ومكانتهم بالشمال الإفريقى، ثم أصيب المنصور بوعكة صحية أدت إلى وفاته فى سنة (595هـ = 1199م). الناصر الموحدى: تولى «الناصر أبو عبدالله محمد بن يعقوب» خلفًا لوالده «المنصور»،

فحدثت فى عهده بعض التطورات السياسية والعسكرية التى انتقلت بدولة الموحدين من مرحلة القوة والسيادة إلى مرحلة الانهيار والسقوط؛ حيث تمكن فى بداية حكمه من القضاء على ثورة «بنى غانية» بإفريقية التى دخلها فى سنة (598هـ= 1202م)، وعاد منها فى سنة (604هـ= 1207م)، بعد أن ولى على «إفريقية» «أبا محمد عبد الواحد بن أبى حفص» أحد أشياخ الموحدين، فعكف «ابن أبى حفص» على معالجة شئون «إفريقية»، ودعم سلطان الموحدين بها، إلا أن ولاية «أبى حفص» كانت البداية لقيام «دولة الحفصيين» بتونس؛ حيث استقل أبناؤه - بعد ذلك - بها وأسسوا ملكًا مستقلاً. وقد فُجع الموحدون بهزيمة قاسية بالأندلس فى معركة «العقاب» التى راح ضحيتها عدد كبير من الجند، مما أضعف «دولة الموحدين» وأفقدهم هيبتهم، وأُصيب «الناصر» بالمرض، وتوفى فى سنة (610هـ= 1213م). وقد عرف الانهيار والضعف طريقهما إلى «دولة الموحدين» عقب وفاة «الناصر»، ودخلت الدولة مرحلة من الفوضى، والصراع بين أفراد البيت الموحدى، فضلاً عن اندلاع الثورات والقلاقل فى أماكن متعددة، وظل هذا حالها حتى سنة (668هـ= 1269م)، التى قتل فيها «أبو دبوس» آخر خلفاء الموحدين أمام أسوار العاصمة «مراكش» التى دخلها «المرينييون» وقضوا على «دولة الموحدين». وقد تولى عقب وفاة «الناصر» عدد من الخلفاء الضعاف، هم: 1 - أبو يعقوب يوسف الثانى المستنصر بالله [611 - 620هـ]. 2 - أبو محمد عبدالواحد المخلوع [620 - 621هـ= 1223 - 1224م]. 3 - أبو محمد عبدالله العادل [621 - 624هـ = 1224 - 1227م]. 4 - المأمون أبو العلاء إدريس ابن يعقوب المنصور [624 - 630هـ= 1227 - 1233م]. 5 - أبو محمد عبدالواحد الرشيد [630 - 640هـ= 1233 - 1242م]. 6 - أبو الحسن على السعيد المقتدر بالله [640 - 646هـ= 1242 - 1248م]. 7 - أبو حفص عمر المرتضى [646 - 665هـ = 1248 - 1267م]. 8 - أبو العلاء إدريس الثانى (المعروف بأبى دبوس) [665 - 668هـ=

1267 - 1269م]. العلاقات الخارجية: انحصرت علاقات الموحدين الخارجية فى جبهتين هما: «الأندلس»، و «الخلافة العباسية». أما «الأندلس»، فقد استولى عليها الموحدون مع غيرها من المدن من المرابطين، وساروا على نهج من سبقهم فى التصدى لعدوان النصارى، وأعدوا الحملات، وخاضوا المعارك من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى عام (609هـ= 1212م)، كانت بداية انحسار نفوذهم على أرض «الأندلس»، ومن ثَم بدأت القوى النصرانية تحقق انتصاراتها حتى زالت «دولة الموحدين». وقد اختلف موقف الموحدين من الخلافة العباسية عن موقف المرابطين؛ حيث لم يعترف الموحدون بالعباسيين، واعتبروا أنفسهم خلفاء، وأن مركز الخلافة مدينة «مراكش»، وليس «بغداد»، ودعموا خلافتهم بالادعاء بأن «ابن تومرت» و «عبدالمؤمن» من نسل الرسول عن طريق «الأدارسة»، واتخذوا اللون الأخضر شعارًا لهم كى يظهروا ميلهم إلى الدعوة العلوية، وتشبهوا بالرسول فى تصرفاته وأفعاله. الأوضاع الحضارية فى دولة الموحدين: أولا: السلطة العليا فى البلاد: عمد ابن تومرت تنظيم أصحابه فى نظام إدارى معين، وعلى قمة هذا التنظيم الإدارى هيئة العشرة التى تختص بالعظيم من الأمور، ولم يتركهم «ابن تومرت» إلا وقد عهد إلى «عبدالمؤمن بن على» أن يتولى خلفًا له قيادة الموحدين. وقد بويع «عبدالمؤمن» بيعتين: بيعة خاصة، وبيعة عامة، أما الخاصة فكانت عقب وفاة «ابن تومرت» (524هـ= 1129م)، واقتصرت هذه البيعة على أهل الجماعة. وأما العامة فكانت فى سنة (527هـ= 1132م) على أرجح الأقوال. وقد اتخذ خلفاء الموحدين الوزراء لمعاونتهم فى إدارة شئون البلاد، وأصبح للخليفة وزير أو أكثر، وكان اختيار الوزير يتم عادة من الأسرة الحاكمة أو من أسر وقبائل معينة، ثم أصبح الوصول إلى هذا المنصب يتم وفقًا لصفات وشروط يجب أن تتوافر فيمن سيقع عليه الاختيار لهذه المكانة.

وقد تولى عدد من أفراد أسرة الخلافة منصب الوزارة، منهم: «عمرو» ابن الخليفة «عبدالمؤمن»، وهو أول وزير من أسرة الخلافة، و «أبو حفص بن عبدالمؤمن» أخو الخليفة «يوسف». واختير عدد من الوزراء من أسرة «بنى جامع»، وقبيلة «هنتاتة»، وقبيلة «كومية»، وأشهر وزرائهم على التوالى هم: «أبو العلاء إدريس بن إبراهيم بن جامع»، و «أبو عمر بن أبى زيد الهنتانى»، و «عبدالسلام بن محمد الكومى». وهناك وزراء أهَّلتهم صفاتهم ومواهبهم لتولى هذا المنصب، مثل: «أبى جعفر أحمد بن عطية». ثانيًا: النظام الإدارى: استعان الموحدون فى بداية عهدهم بأشياخهم فى تولى أقاليم الدولة، ثم أنشأ الخليفة «عبدالمؤمن» بمراكش مدرسة جمع فيها أولاده وثلاثة آلاف طالب من قبائل المصامدة، وزوَّدهم بمختلف العلوم، وأشرف على تعليمهم إدارة شئون البلاد، وتدريبهم على شئون الحرب والقتال، فلما أتموا تعليمهم استبدلهم بأشياخ الموحدين فى تولى السلطة بأقاليم الدولة، ثم عين أبناءه بعد ذلك على الأقاليم. الدواوين: اهتم الموحدون بإنشاء الدواوين المختلفة ويأتى فى مقدمتها ديوان الإنشاء الذى يختص بالمراسيم السلطانية والرسائل الموجهة إلى الولاة والقضاة، ولذا حشد له الخلفاء نخبة ممتازة من أدباء المغرب والأندلس، ثم يأتى بعده «ديوان الجيش» الذى يتفرع إلى ديوانين لكل منهما اختصاصه. كما كان هناك «ديوان الأعمال المخزنية» الذى يشرف على تحصيل الأموال العامة، وعلى إنفاقها، ويراقب العمال والمشرفين ويحاسبهم. الشرطة: كانت الشرطة من المناصب الإدارية المهمة التى اهتم بها الموحدون، وظهر ذلك فى عهد «يوسف بن عبدالمؤمن» الذى زود المدن المغربية بنخبة ممتازة من الرجال للسهر على أمنها وحمايتها، كما خُصص للأسواق رجال من الشرطة لحمايتها من اللصوص والمتسللين. النظام القضائى: اتخذ الموحدون نظامًا قضائيًّا مشابهًا لنظام المرابطين، وحرص خلفاء

الموحدين على تعيين كبار القضاة بأنفسهم، وأحاطوهم بالهيبة والجلال، وجعلوهم نوعين، هما: قضاة المدن المغربية، وقاضى الجماعة بالعاصمة، وكان قاضى الجماعة أعظم رتبة ومنزلة من بقية القضاة، وهو يوازى قاضى القضاة بالمشرق، وكان مقصورًا على قاضى «مراكش» وقاضى «قرطبة» ويتم تعيينه من الخليفة مباشرة. ومُنح القضاة الحق فى مراقبة جميع العمال والولاة، وجمع بعضهم بين وظائف القضاء والكتابة والمظالم، كما جمع بعضهم بين وظيفتى القضاء بالمغرب و «الأندلس». الحياة الاقتصادية فى دولة الموحدين: نعمت البلاد بالرخاء الاقتصادى فى عهد الموحدين؛ إذ وضعوا نظامًا مالياًّ دقيقًا، تمثل فى الإدارة المشرفة على الجوانب المالية فى الجباية والإنفاق، فضلا عن وجود دواوين للمال بالعاصمة، وديوان للمال بكل إقليم يختص بماليته، وأفرد الموحدون دارًا للإشراف على النواحى المالية، كما استحدثوا منصب الوزير المسئول عن الشئون المالية أطلقوا عليه اسم «صاحب الأشغال»، ومهمته استخراج الأموال وجمعها وضبطها، وتعقب نظر الولاة والعمال فيها، ثم تنفيذها على قدرها وفى مواقيتها، وكان يعاون صاحب الأشغال رؤساء الدواوين المالية بالدولة. فوفرت هذه المصادر إلى جانب الزكاة وخمس الغنائم أموالا كثيرة لخزينة الدولة، أُنفق معظمها على إعداد الجيش فى البر والبحر، ودفع مرتبات الوزراء ورجال البلاط والحشم والقضاة والفقهاء، وكذلك فى الإنفاق على الطلبة المنتظمين بالمدرسة التى أنشأها الخليفة «عبدالمؤمن»، كما أنفق منها على إنشاء المدن والقصور والحصون وغيرها من المنشآت. وأصدر الموحدون عملة نقدية من الدنانير والدراهم. وقد اهتم الموحدون بالزراعة وشجعوا المزارعين على استغلال الأرض، ووفروا لهم المياه اللازمة للزراعة، فتوافرت محاصيل القمح والشعير، والقطن، وقصب السكر، وغير ذلك من المحاصيل، كما نعمت البلاد بأصناف الفواكه المتنوعة مثل: العنب والتفاح والكمثرى،

وغيرها، وانتشرت الغابات بالبلاد، وتوافر بها شجر الأَرْز والزان والبلوط. ونشطت الحركة الصناعية، وتوافرت المراكز الصناعية بالبلاد، مثل مدينة «فاس» و «مراكش»،وغيرها من المدن التى تنوعت بها الصناعات وضمت: صناعة الصابون، والتطريز، والدباغة، وسبك الحديد والنحاس، وصناعة الزجاج، والفخار، وغير ذلك من الصناعات. وازدهرت التجارة فى الداخل والخارج، وكثرت المراكز التجارية التى أولاها الموحدون عنايتهم، وشيدوا بها عدة أسواق، كما شيدوا بها الفنادق، كما ساهمت «مكناسة» فى دعم ازدهار التجارة حيث كانت محطة للمسافرين يبيعون ويشترون بها، فضلاً عن وجود عدد من الأسواق العامرة والتجارات المختلفة بها. وتمتعت البلاد بنهضة تجارية خارجية، لوجود شبكة من الطرق التى ربطت المدن المغربية بغيرها من المراكز التجارية، فضلاً عن وجود عدد من الموانئ المطلة على «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، وكانت محطات للسفن المحملة بالبضائع القادمة أو الخارجة منها، فتنوعت الصادرات مثل: القطن والقمح والسكر، وكذلك الواردات مثل: الذهب وبعض أنواع النسيج البلنسى، والعطر الهندى. ولعب ميناء «سبتة» على «البحر المتوسط»، وميناء «سلا» على «المحيط الأطلسى»، دورًا بارزًا فى تنشيط الحركة التجارية فى ظل حماية الأسطول الموحدى. الحياة الاجتماعية فى دولة الموحدين: شكلت قبائل المصامدة العنصر الرئيسى لسكان دولة الموحدين، وقد استقرت بالمنطقة منذ زمن، واتخذت المعاقل والحصون والقلاع، وشيدت المبانى والقصور، وامتهن أفرادها الزراعة وفلاحة الأرض، ولم يحاولوا الهجرة من أرضهم، بل تمسكوا بها، ودافعوا عنها ضد أى محاولة للاعتداء أو الاستيلاء عليها. أما العنصر الثانى من سكان «دولة الموحدين» فهم العرب الهلالية الذين ظهروا على مسرح الأحداث، وعمد الموحدون إلى تهجيرهم من «إفريقية» إلى «المغرب الأقصى»، ليتخلصوا من ثوراتهم، كما

استخدموهم فى عمليات الجهاد بالأندلس، فأقبلت أعداد كبيرة منهم إلى «المغرب الأقصى»، وانتقلت أعداد أخرى إلى الإقامة بالأندلس من خلال الحملات التى قام بها الموحدون هناك، ثم حدد الموحدون إقامة بعض القبائل. وقد تمتع العرب الهلالية بما يتمتع به جند الموحدين، وأقطعهم ولاة الأمر بعض الأراضى، وأنفقوا عليهم النفقات الكبيرة، وأغدقوا عليهم بالعطايا حتى يوفروا لهم الاستقرار ويبعدوهم عن الفتن وإثارة القلاقل والاضطرابات. ونالت المرأة حظها من التكريم والإنصاف والاحترام فى «دولة الموحدين»، وأتاحت لها الظروف أن تنال حظا من العلوم المختلفة، وقسطًا من ثقافة العصر وأدبه، وبرزت الكثيرات من النساء مثل: «زينب» بنت الخليفة «يوسف بن عبدالمؤمن»، والشاعرة العالمة «حفصة بنت الحاج الركونية»، و «فاطمة بنت عبدالرحمن». وعاش أهل الذمة فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكانت لهم أحياؤهم بالعاصمة «مراكش» وبمدينة «سجلماسة»، وكانوا يشتغلون بالبناء. البناء والتعمير: اهتم الموحدون بالبناء والتعمير بالمغرب و «الأندلس»، وحظيت «مراكش» و «الرباط» وغيرهما من المدن المغربية بكثير من المنشآت الموحدية، وأنشأ الخليفة «عبدالمؤمن» «مدينة الفتح»، كما شيد المساجد والقصور فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكان «المنصور» مولعًا بالعمارة، فشهدت البلاد نهضة معمارية استمرت طيلة عهده. الحياة الفكرية: شهدت «بلاد المغرب» حركة فكرية نشيطة فى عهد المرابطين، واستمرت كذلك فى عهد الموحدين، وساعدها على ذلك استقرار الأوضاع بالبلاد، والصلة الوثيقة بين «المغرب» و «الأندلس»، إلى جانب رغبة الكثيرين من أبناء «المغرب» فى طلب العلم، فضلاً عن تكريم الموحدين للعلماء، والمتعلمين ووصلهم بالعطايا، والهبات، والإنفاق عليهم، كما كانت الأسس الدينية التى قامت عليها «دولة الموحدين» سببًا فى انتعاش دراسة علوم الدين، وانتعاش الحركة الفكرية. المذهب المالكى:

شن «ابن تومرت» حربًا شعواء على العلماء والفقهاء واتهمهم بالجمود، ولكنه لم يستطع مهاجمة المذهب المالكى الذى رسخ فى أذهان عامة الشعب وقلوبهم، وتحايل على ذلك بإعداد مُؤَلَّف جمع فيه الأحاديث النبوية التى وردت بموطأ الإمام «مالك»، وحذف منها معظم الإسناد للاختصار، فى محاولة لصرف أذهان الناس عن المؤلفات المالكية، ثم جاء «عبدالمؤمن» من بعده وأمر بحرق كتب الفروع، والاقتصار على الأحاديث النبوية. فلما تولى «المنصور الموحدى» عمد إلى محو المذهب المالكى من البلاد، وجمع كتب المذهب المالكى وحرقها، وأمر بجمع الأحاديث المتعلقة بالعبادات من كتب الأحاديث مثل: «البخارى» و «مسلم» وغيرهما، وألزم الناس بدراستها وحفظها، وعاقب علماء المذهب المالكى المتمسكين بتدريسه، وعلل ذلك بميله إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والأخذ بظاهرهما، وكراهيته للخلافات التى امتلأت بها كتب الفروع، ولكن علماء المالكية لم يؤثر فيهم التهديد والعقاب، وظلوا يكافحون فى سبيل بقاء مذهبهم وتدريسه، فسُجن بعضهم مثل «ابن سعيد الأنصارى»، وتُوفى بعضهم نتيجة التعذيب مثل: «أبى بكر الجيانى المالكى»، ومع ذلك نجح هؤلاء العلماء فى إبقاء هذا المذهب وظل مذهب المالكية راسخًا ببلاد المغرب. العلوم الدينية: ازدهرت العلوم الدينية بدولة الموحدين، وزاد الإقبال على تفسير القرآن ودراسته باعتباره مصدر التشريع الأول للبلاد، وبرز عدد من المفسرين منهم: «عبدالجليل بن موسى الأنصارى الأوسى» المتوفى عام (608هـ= 1211م)، و «أبو بكر بن الجوزى السبتى»، كما لاقى علم القراءات رعاية ولاة الأمر، واشتهر فيه: «أبو بكر بن يحيى بن محمد بن خلف الإشبيلى» المتوفى عام (602هـ= 1205م)، و «على بن محمد بن يوسف اليابرى الضرير» المتوفى عام (617هـ= 1220م). أما علم الحديث فقد صار له شأن كبير واهتم به الخلفاء، وأمر الخليفة «عبدالمؤمن» بحرق كتب الفروع، وردّ الناس إلى قراءة الحديث،

وأملى ابنه «يوسف» وحفيده «المنصور» الأحاديث بنفسيهما على الكُتاب لتوزيعها على الناس، واشتهر «أبو الخطاب بن دحية السبتى» و «ابن حبيش» المتوفى عام (584هـ= 1188م)، و «القاضى عياض السبتى» بتمكنهم من علم الحديث، ووضع بعضهم المصنفات فى هذا العلم، أما فى مجال الفقه فقد وضع «ابن تومرت» كتابه «الموطأ» على غرار «موطأ الإمام مالك» بعد حذف أسانيده. ومن أعلام الفقه فى هذا العصر: «عبدالملك المصمودى» قاضى الجماعة بمراكش، و «إبراهيم بن جعفر اللواتى» الفقيه المعروف بالفاسى. ويعد كتاب: «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» للقاضى عياض من أبرز مؤلفات هذا العصر الفقهية. وقد نال علم الكلام عناية الموحدين منذ قيام دولتهم؛ حيث دعا «ابن تومرت» إلى دراسته، واتهم علماء المرابطين بالجمود لتحريمهم دراسة هذا العلم، وقد اشتهر فى هذا العلم: «أبو عمرو عثمان بن عبدالله السلالجى» المتوفى سنة (564هـ= 1168م)، و «محمد بن عبدالكريم الغندلاوى الفاسى» المعروف بابن الكتانى المتوفى عام (596هـ= 1200م). الحياة الأدبية والعلمية: تابعت اللغة العربية انتشارها بدولة الموحدين، لأنها لغة البلاد الرسمية فى مكاتباتها ومعاملاتها وشئونها، وقد ساعد مجىء العلماء إلى المدن المغربية على انتشار اللغة العربية وازدهارها، كما كان لقدوم القبائل الهلالية إلى «المغرب الأقصى» واستيطانهم بعض مناطق البلاد أكبرالأثر فى دعم اللغة العربية وانتشارها؛ لتمسك هذه القبائل البدوية باللسان العربى وما فيه من مفردات وتراكيب وبلاغة فى الأساليب. وازدهر الأدب بفرعيه الشعر والنثر، وبلغ درجة عالية من الرقى، وكثرت محافله ببلاد المغرب، وأقبل ولاة الأمر على تشجيعه ودعمه، وسعى المغاربة إلى المساواة بالأندلسيين الذين يفتخرون بمنزلتهم الأدبية، فضلا عن رغبة المغاربة فى الوصول إلى المناصب العليا التى لا يرقى إليها إلا ذوو العلم والأدب.

وقد تدفق أدباء «الأندلس» وغيرهم على البلاط الموحدى؛ حيث العطايا والمنح، وبرزت مجموعة من الشعراء منهم: «أحمد بن عبدالسلام الجراوى»، و «أبو عبدالله محمد بن حبوس» من أهل «فاس»، و «أبو بكر بن مجبر» من «شقورة»، وغيرهم كثير. وكانت أبرز أغراض الشعر آنذاك هى الوصف والغزل والمدح. حرص خلفاء الموحدين على تزويد أنفسهم من مختلف الثقافات، لدعم موقف دولتهم، التى قامت على أساس دينى، ولذا تنوعت ثقافة الخليفة «عبدالمؤمن»، وأجاد فى علوم الفقه والجدل والأصول، كما حفظ الأحاديث النبوية، وأحاط بالنحو واللغة، والأدب، والتاريخ، وعلم القراءات، والأنساب، وتنوعت ثقافة ابنه «يوسف»، حيث حظى بقسط وافر من العلوم المختلفة حين كان واليًا من قِبل أبيه على «الأندلس»، وكذلك كان «المنصور» عالمًا بالحديث والفقه واللغة. أما طبقات الشعب فقد قامت المؤسسات التعليمية بتثقيفهم، سواء بالمكتب أو الرباط أو المسجد أو المدرسة، وقد قامت المدرسة التى أسسها الخليفة «عبدالمؤمن» بدور فعّال فى إثراء ثقافة طبقات الشعب؛ إذ جمعت هذه المدرسة بين الدراستين النظرية والعملية. وكان أبرز علومها النظرية هى: حفظ القرآن وتدريسه، ودراسة «موطأ تومرت»، وحفظ «صحيح مسلم»، أما العلوم العملية، فكانت: ركوب الخيل والرمى بالسهم والقوس، وتعليم السباحة فى بحيرة صنعت من أجل ذلك بالمدرسة. المكتبات: سبقت الإشارة إلى ازدهار التأليف وكثرة عدد المكتبات العامة والخاصة التى ازدحمت بمئات الكتب فى شتى فنون المعرفة بدولة المرابطين، فلما قامت «دولة الموحدين»، أولى خلفاؤها هذا المجال عنايتهم، وجمعوا الكتب من كل مكان، وحرصوا على اقتنائها. وكانت هناك المكتبات العامة والخاصة إلى جانب مكتبات المساجد والمدارس والزوايا، فضلا عن مكتبة الخزانة العلية التى أنشأها خلفاء الموحدين، وزودوها بالكتب والمراجع من مختلف العلوم والفنون

للاطلاع والدراسة كما كانت هناك «المكتبة الشارية» بسبتة، تلك المكتبة التى أسسها «أبو الحسن على بن محمد الغافقى» المعروف بالشارى، وقد جعلها وقفًا على علماء المغرب. وكذلك كانت هناك أعداد كثيرة من المكتبات الخاصة، ومنها: مكتبة «ابن صقر» المتوفى (569هـ= 1173م) بمراكش، ومكتبة «عبدالرحمن بن الملجوم» بفاس، ومكتبة «عبدالرحمن بن موسى الأزدى الفاسى» المتوفى (605هـ= 1208م)، وقد باعتها ابنته بأربعة آلاف دينار.

6 - 12:الدول المغربية بعد سقوط الموحدين

الفصل الثاني عشر *الدول المغربية بعد سقوط الموحدين دولة بنى مرين بالغرب الأقصى: [668 - 869 هـ= 1269 - 1465م]: تمهيد: كانت هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» بالأندلس فى سنة (609هـ = 1212م) إيذانًا باضمحلال دولتهم؛ حيث تسببت هذه المعركة فى سريان الضعف فى كيانات الدولة، بالإضافة إلى اعتلاء عرشها مجموعة من الخلفاء الضعاف، وقيام عدد من الثورات وحركات الانفصال التى حدثت بالدولة. وقد استغلت القبائل المغربية ضعف الموحدين، وعدم قدرتهم على التصدى لمحاولات الانفصال، فتأسست مجموعة من الدول على أرض «المغرب»، وبسطت نفوذها وسلطانها على المنطقة، وهذه الدول هى: - دولة «بنى مرين» بالمغرب الأقصى [668 - 869هـ= 1269 - 1465م]. - ثم دولة «بنى وطاس» التى قامت على أنقاض دولة «بنى مرين» بالمغرب الأقصى [869 - 962هـ= 1465 - 1555م]. - دولة «بنى زيان» بالمغرب الأوسط (الجزائر وتلمسان) [637 - 962هـ= 1239 - 1555م]. - «الدولة الحفصية» بإفريقية (تونس) [625 - 981هـ= 1519 - 1573م]. وهكذا فقد المغرب وحدته، وصارت تحكمه تجمعات قبلية فى أنحاء متفرقة. ينتمى المرينيون إلى قبائل «زناتة»، وهم - على أرجح الآراء- من فرع بربر البتر، الذين كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر سعيًا وراء الماء والكلأ، وبدأ ظهورهم على مسرح الأحداث خلال عهد المرابطين حيث شاركوا فى مجريات الأحداث بزعامة «المخضب بن عسكر» أحد أبناء «بنى مرين»، وكان زعيمًا قويا مرهوب الجانب، ونجح فى السيطرة على جميع «بلاد زناتة» و «بلاد الزاب»، فحاول المرابطون مصانعته، وأرسلوا إليه الهدايا والأموال. ثم انتقل ولاء المرينيين إلى الموحدين وساعدوهم فى إقامة دولتهم، وتثبيت أقدامهم، وشاركوهم فى معاركهم بالميدان الأندلسى. ولقد كان ضعف الموحدين سببًا رئيسيا فى انتقال «بنى مرين» من المغربين الأدنى والأوسط إلى «المغرب الأقصى» حيث الخصب والرخاء. مراحل قيام دولة بنى مرين:

أولا: مرحلة تثبيت أقدامهم فى مناطق التلول والأرياف: (592 - 614هـ = 1191 - 1217م). اتصف الأمير عبدالحق زعيم قبائل بنى مرين بالتقوى والصلاح والشجاعة والعدل والعطف على الفقراء مما كان له أثره على جموع المرينيين الذين التفوا حوله، وجذبوا إليهم عددًا من القبائل المغربية التى انضمت إليهم، وعمدوا إلى التوسع وفرض النفوذ على حساب الموحدين، ودخلوا فى عدة معارك كانت أشهرها معركة «وادى نكور» التى خسرها الموحدون. وقد حمل «عثمان بن عبدالحق» (614 - 637هـ=1217 - 1239م) راية المرينيين عقب مقتل والده الأمير «عبدالحق»، فواصل حملاته العسكرية، وفرض نفوذه على مساحات واسعة من أرض «المغرب»، ثم دعا شيوخ القبائل واتفق معهم على خلع طاعة الموحدين، والقيام بأمر الدنيا والدين، والنظر فى صلاح المسلمين، فعملوا على تحقيق ذلك حتى عام (625هـ= 1228م)، فقوى شأنهم، وخضعت لهم جميع قبائل «المغرب»، وسيطروا على جميع موانى «المغرب» التى امتدت من «وادى ملوية» إلى «رباط الفتح». ثانيًا: مرحلة الاستيلاء على المدن الكبرى: وحمل أعباء هذه المرحلة فارس «زناتة» الأمير «أبو يحيى أبو بكر ابن عبدالحق»، الذى كان بطلا شجاعًا، قوى الإرادة، حازم الرأى، فقام بتأمين الجبهة الداخلية للمرينيين، وأخضعها لإشراف مالى وإدارى دقيق، ثم واصل مهاجمة المدن المغربية الكبرى، واستولى على «مكناسة»، و «فاس»، و «سلا»، و «رباط الفتح»، و «سجلماسة»، و «درعة». ثالثًا: المرحلة الأخيرة للاستيلاء على العاصمة مراكش: هيأ الله لبنى مرين فى هذه المرحلة أن يقوم بقيادتهم الأمير «أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق» (656 - 685هـ = 1258 - 1286م)، الذى اعتبرته المصادر سيد «بنى مرين» على الإطلاق، وبدأ عهده بمواجهة بعض المشاكل التى واجهت المرينيين فى هذه الفترة، ودخل فى عدة معارك مع الموحدين تمهيدًا لدخول العاصمة «مراكش». وقد أعد «أبو يوسف» حملة كبيرة، ثم خرج بها من «فاس» فى

شعبان سنة (666هـ=إبريل 1268م)، وعبر بها النهر المجاور لمدينة «فاس»، ثم هاجم كل القوى والقبائل المعاونة للموحدين. ونجح فى إخضاعها والسيطرة عليها، ثم كانت المعركة الأخيرة بين الموحدين والمرينيين فى شهر المحرم سنة (688هـ= يناير 1289م) عند «وادى غفو»، ودارت بين الفريقين معركة قوية، أسفرت عن هزيمة الموحدين، ومقتل «أبى دبوس» خليفتهم، ثم دخل الأمير «أبو يوسف يعقوب» العاصمة «مراكش» معلنًا سقوط «دولة الموحدين»، وقيام «دولة بنى مرين». استقرار دولة بنى مرين واتساعها: ظلت «دولة بنى مرين» فى اتساعها ودعم استقرارها مدة خمس وسبعين سنة، فى الفترة من سنة (685هـ= 1286م) إلى سنة (759هـ= 1359م)، وحكمها خلال هذه الفترة مجموعة من السلاطين الأقوياء، هم: 1 - أبو يعقوب يوسف بن يعقوب [685 - 706هـ= 1286 - 1306م]. 2 - أبو ثابت عامر بن أبى عامر [706 - 708هـ= 1306 - 1308م]. 3 - أبو الربيع سليمان بن أبى عامر [708 - 710هـ= 1308 - 1310م]. 4 - أبو سعيد عثمان (الثانى) بن يعقوب [710 - 732هـ= 1310 - 1332م]. 5 - أبو الحسن على بن عثمان [732 - 749هـ = 1332 - 1348م]. 6 - أبو عنان فارس المتوكل بن على [749 - 759هـ= 1348 - 1358م]. وقد اتسمت هذه الفترة بتوسع نفوذ «بنى مرين» بالمغرب و «الأندلس»، على الرغم من الثورات الكثيرة والقلاقل المتتابعة التى واجهتهم. مرحلة ضعف بنى مرين وسقوط دولتهم [759 - 869هـ= 1358 - 1465م]: كان مقتل السلطان «أبى عنان فارس المتوكل بن على» فى سنة (759هـ= 1358م) إيذانًا بدخول «دولة بنى مرين» فى مرحلة الضعف والانهيار؛ حيث انتقلت السلطة من أيدى «بنى مرين» إلى أيدى الوزراء، فضلا عن فقدان الدولة لنفوذها، وانكماشها داخل حدودها بالمغرب الأقصى، وتعرضها للأزمات الاقتصادية، والأوبئة والكوارث الطبيعة، التى حلَّت بالمغرب الأقصى، مما عجَّل بسقوط الدولة، فى عهد السلطان «عبدالحق بن أبى سعيد»، الذى تمكن الثوار من القبض

عليه وقتله فى صبيحة يوم الجمعة (27من رمضان سنة 869هـ= 23 مايو 1465م). العلاقات الخارجية: تعددت العلاقات الخارجية لدولة «بنى مرين»، وشملت «الأندلس»، و «دول المغرب» المختلفة، وتراوحت علاقتهم ببنى الأحمر بالأندلس بين الود والعداء، وشابها الحذر والترقب، على الرغم من أنهما تحالفا ضد الفرنج وهزموهما فى سنة (676هـ= 1277م) بالأندلس، وانحصرت العلاقات بينهما فى أحايين كثيرة على التمثيل الدبلوماسى وتبادل الرسائل. وكانت علاقة المرنييين بجيرانهم من «بنى عبد الواد» بالمغرب الأوسط علاقة عدائية لتضارب المصالح بينهما، وكانت فترات السلام بينهما قليلة وقصيرة، لأن «بنى عبدالواد درجوا على نقض ما بينهما من معاهدات، على الرغم من أن المرينيين سعوا إلى كسب ودهم؛ ليتفرغوا للجهاد بالأندلس، واضطر السلطان «أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق» إلى مهاجمة «المغرب الأوسط» وإلحاق هزيمة نكراء بجيوش «بنى عبد الواد»، ثم عقد الصلح معهم. وحاول «بنو عبدالواد» الإغارة على الحدود الشرقية لدولة «بنى مرين» فى سنة (679هـ= 1280م)، فخرج إليهم المرينيون للدفاع عن بلادهم وألحقوا بهم الهزيمة بالقرب من «تلمسان». وفى سنة (698هـ= 1299م) حاصر السلطان «أبو يعقوب يوسف» مدينة «تلمسان» ودام الحصار مدة سبع سنوات؛ ذاق فيها «بنو عبدالواد» مرارة الحصار، ولم ينقذهم من الهلاك سوى مقتل السلطان «أبى يعقوب» وعودة المرينيين بعدها إلى بلادهم. ثم دخلت «دولة بنى عبدالواد» فى تبعية «بنى مرين» بعد أن غزاهم السلطان «أبو الحسن على»، واستولى على عاصمتهم «تلمسان» فى سنة (732هـ= 1332م)، ثم استغلت بقايا «بنى عبد الواد» الخلافات التى دبت بالبيت المرينى وعادوا إلى عرش بلادهم فى «تلمسان» سنة (749هـ= 1348م)، ولكنهم عادوا إلى تبعية «بنى مرين» ثانية فى سنة (759هـ= 1358م)، وظلوا على عدائهم لبنى مرين، وحاولوا العودة إلى «المغرب الأوسط» مرتين خلال فترة نفوذ

الوزراء بدولة المرينيين، كانت الأولى فى سنة (772هـ= 1370م)، والثانية فى سنة (791هـ= 1389م). بعض مظاهر الحضارة: - نظام الحكم والإدارة: اتخذ «بنو مرين» وزراء تنفيذ حتى سنة (759هـ= 1358م)، وكانت مهمة الوزير - آنذاك- تجهيز الجيوش والكتابة، أو الولاية على إقليم ما لأهميته أو لخطورة أوضاعه، أو القيام بالحجابة على باب السلطان. ثم تحول الوزراء من منفذين لأوامر السلاطين إلى مسيطرين على مقاليد الحكم والبلاد، وبدأ ذلك من سنة (759هـ= 1358م) واستمر حتى سقوط دولة «بنى مرين». وكانت هناك طبقة الكُتاب التى أفرد لها السلاطين ديوانًا مستقلا أُطلق عليه «ديوان الإنشاء والعلامة»، وضم هذا الديوان عددًا كبيرًا من أئمة الفصاحة والبيان، منهم: «عبدالرحمن بن خلدون»، و «عبدالمهيمن بن محمد الحضرمى»، و «أبو القاسم بن أبى مدين»، وقد أسند السلاطين إلى كُتابهم بعض المهام الكبيرة - أحيانًا- ليرفعوا من شأن هذه الوظيفة وشأن أصحابها. وقد عرف البلاط المرينى «الحاجب» باسم «المزوار»، وكان يترأس مجموعة الحرس السلطانى الذين عرفوا باسم «الجنادرة»، وكان يشرف على السجون، وينفذ أوامر السلطان وعقوباته، ويتولى تنظيم الناس لعرض مظالمهم على السلطان. وقسم المرينيون دولتهم إلى تسعة أقاليم، تُدار بواسطة ولاة يعينهم السلطان بنفسه، ويساعدهم بعض الموظفين الرئيسيين، وهم: «صاحب القضية»، و «صاحب الشرطة» و «القاضى»،و «المحتسب». وتضمن الجهاز الإدارى لدولة المرينيين عددًا من الدواوين، منها: «ديوان الإنشاء والعلامة»، و «ديوان العسكر»، و «ديوان الخراج». واحتفظ «بنو مرين» بأهمية القضاء وجلاله، واختص السلاطين بتعيين «قاضى الجماعة» الذى كان له حق مراقبة صاحب الشرطة والمحتسب، وشارك السلاطين معهم ولاة الأقاليم فى تعيين القضاة العاديين، وجعلوا قاضيًا للعسكر، للفصل فى القضايا الخاصة بالجيش والجنود. الحياة الاقتصادية:

شهدت «الدولة المرينية» رخاءً وازدهارًا فى نواحى الحياة كافة. وجعل المرينيون كل إقليم من أقاليم دولتهم وحدة اقتصادية مستقلة، وجعلوها جميعًا تحت إشراف الوزير المختص أو صاحب الأشغال، وقد تعددت مصادر الدخل المالى وشملت الزكاة، والخراج، والجزية، والضرائب، والغنائم، والمصادرات، وكذلك تنوعت أوجه الإنفاق وشملت: الرواتب، والعطايا، ونفقات الجيش، والبناء والتعمير. وقد ازدهرت الزراعة ببلاد «المغرب الأقصى» نظرًا لتوافر أسبابها؛ حيث تمتعت البلاد بعدد من الأنهار، إلى جانب الأمطار التى تسقط على جهات متفرقة، مع تنوع المناخ، فضلا عن خصوبة التربة، واهتمام السلاطين بالزراعة، فأسفر ذلك عن وفرة وتنوع فى المحاصيل مثل: القمح، والفول، والشعير، والزيتون، وقصب السكر، والبقول، وكذلك توافرت الفواكه والخضراوات، ونمت الغابات فى مساحات واسعة، فأمدت البلاد بأنواع الأخشاب المختلفة لصناعة السفن والمنازل وغير ذلك من الأغراض. وشهدت الصناعة ازدهارًا ورواجًا كبيرًا، وتعددت أغراضها ونشطت مراكزها، خاصة وأن الموحدين تركوا وراءهم صناعة مزدهرة بهذه البلاد، وجاء المرينيون فازدهرت فى عهدهم صناعة عصر الزيتون وصناعة السكر، واهتموا بالصناعات الحربية نظرًا لكثرة حروبهم، ويُروى أنهم كانوا روَّادًا فى استعمال البارود، بل لعلهم - كما يقول «ابن خلدون» - أول من استعمله فى صناعة المدافع التى استخدمت فى قذف الأسوار وتحطيمها. ولم يهمل «بنو مرين» التجارة، بل حرصوا على توفير الأمن للقوافل واهتموا بالتجارة، وأكثروا من الأسواق المتخصصة، وزادوا من عدد الحوانيت ووفروا الراحة للتجار، وأنشأوا لهم الفنادق مثل: «فندق الشماعين»، الذى كان من أهم مراكز التجميع لكبار التجار. وقد تعددت طرق التجارة، وأقام المرينيون علاقات تجارية مع كثير من الأقطار، فنشطت التجارة الخارجية، وكان التجار المغاربة يحملون

الذهب والصمغ من «السودان» إلى «الأندلس»، وقاموا بتصدير المنسوجات الصوفية والجلدية إلى «أوربا»، واستوردوا الآلات الحديدية والأحواض الرخامية، وكان لميناء «سبتة» وغيره من الموانى دور بارز فى تسهيل عمليتى استيراد هذه البضائع وتصديرها. الحياة الاجتماعية: تشكل المجتمع المرينى من عدة عناصر جاء البربر فى مقدمتها، وجاءت «قبيلة هنتانة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة فى مقدمة القبائل البربرية. ولاشك أن هذه القبيلة التى أسست «الدولة المرينية» قد احتلت مركز الصدارة بالدولة، وتلتها فى المرتبة القبائل الهلالية، ثم القبائل التركية، ثم بقايا الروم والفرنج الذين انضموا إلى الجيش المرينى. وقد اتسم بلاط المرينيين فى بداية عهدهم بالبداوة، ثم أخذوا بمظاهر الرقى والترف بعد أن استقرت لهم أوضاع البلاد، وثبتت أركانها وتنوعت احتفالات المرينيين، وتعددت بها مظاهر الأبهة والعظمة وكان لاستقبال الوفود وتوديعها احتفال خاص يليق بالدولة، كما كان الاحتفال بعيدى الفطر والأضحى، والمولد النبوى، من أهم ما حرص عليه سلاطين هذه الدولة. وحظى البناء والتعمير بمرتبة رفيعة لدى المرينيين، واهتموا به اهتمامًا بالغًا، وشيدوا عدة مدن تأتى فى مقدمتها مدينة «فاس الجديدة» أو «الدار البيضاء» التى أنشأها السلطان «يعقوب بن عبدالحق»، فى سنة (674هـ= 1275م)، لتكون عاصمة لبلاده بدلا من العاصمة القديمة «فاس» التى ازدحمت بالناس. كما بنى «يوسف بن يعقوب» مدينة «المنصورة» أثناء حصاره لمدينة «تلمسان» سنة (698هـ= 1299م) واختط بها قصره ومسجدًا، ومساكن للجند والدور والفنادق والبساتين، ثم أُحيطت المدينة بسور كبير. هكذا بنى المرينيون المساجد الكبيرة بشتى مدن «المغرب الأقصى»، وعنوا بفرشها وتزويدها بالماء اللازم للوضوء، وكان المسجد الجامع الذى بنى بفاس الجديدة سنة (677هـ= 1278م) من أهم هذه المساجد.

وكانت المدارس من أهم المنشآت التى حرص المرينيون على إقامتها، فأقاموا «مدرسة الصفارين» فى عهد السلطان «يعقوب» الذى عين لها المدرسين، وأجرى على طلبتها النفقات اللازمة، وزودها بخزانة للكتب، وبنى السلطان «أبو سعيد» عدة مدارس منها: مدرسة العطارين، ومدرسة المدينة البيضاء، ومدرسة الصهريج. ولم يغفل المرينيون إنشاء المستشفيات، فأقام السلطان «يعقوب بن عبد الحق» عدة مستشفيات للمرضى والمجانين، ووفر لها الأطباء، وأجرى عليهم المرتبات، كما خصص جزءًا كبيرًا من أموال الجزية لرعاية الجذامى والعميان. الحياة الفكرية: ورث «بنو مرين» عن المرابطين والموحدين ثروة ثقافية كبيرة، فأسهموا بدورهم فى زيادة هذه الثروة، وأنشئوا المؤسسات العلمية كالمساجد والمدارس، ورحبوا بالعلماء القادمين من «الأندلس» وغيرها؛ وشجعوهم على بذل ما لديهم دفعًا للحركة العلمية بالبلاد. فاهتم العلماء بتفسير القرآن، وبرع عدد كبير منهم فى هذا العلم أمثال: «محمد بن يوسف بن عمران المزداغى» المتوفى عام (655هـ= 1257م)، و «محمد بن محمد بن على» المعروف بابن البقال المتوفى عام (725هـ= 1325م)، و «محمد بن على العابد الأنصارى» الذى اختصر تفسير الزمخشرى المتوفى عام (762هـ= 1361م). أما علم الحديث فقد ازدهر باعتباره المصدر الثانى للتشريع، ومن أبرز علمائه: «عبدالمهيمن الحضرمى»، و «محمد بن عبدالرازق الجزولى»، و «ابن رشيد» الذى تُوفى فى سنة (721هـ= 1321م). وقد تقدم علم الفقه تقدمًا كبيرًا بسبب تشجيع سلاطين «بنى مرين» للفقهاء؛ فكثرت المؤلفات، وظهر كثير من الفقهاء مثل: «محمد بن محمد بن أحمد المقرى» المعروف بالمقرى الكبير المتوفى عام (758هـ= 1357م)، و «أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن الجذامى» الذى عُرف بالقباب المتوفى عام (778هـ= 1376م). وإلى جانب هذه العلوم الدينية ازدهرت علوم اللغة، والنحو والتاريخ، والسير، والرحلات، والجغرافيا، والفلك، والرياضيات، والفلسفة

والمنطق والطب، كما ازدهرت الحركة الأدبية، واشتهر عدد كبير من الشعراء، مثل: «أبى القاسم رضوان البرجى» الذى تولى وظيفة الإنشاء فى عهد «أبى عنان المرينى»، و «لسان الدين بن الخطيب» أشهر الشعراء الأندلسيين الذين عاشوا مدة طويلة بالدولة المرينية، وكذا اشتهر عدد كبير فى فن النثر، منهم: «ابن خلدون» و «ابن مرزوق الخطيب». وأسهمت المكتبات إسهامًا بارزًا فى تنشيط الحركة الفكرية، وكان السلطان «أبو عنان المرينى» قد أفرد دارًا للكتب وزوَّدها بالكتب فى شتى مجالات العلوم والمعرفة، واستخدم بها الأمناء لحفظ الكتب وترتيبها وتصنيفها، وكذا لاستقبال الزائرين. بنو وطاس بالمغرب الأقصى: [869 - 962هـ= 1465 - 1555م]: تمهيد: «بنو وطاس» فخذ من قبيلة «بنى مرين»، ولكنهم ليسوا من فرع الأسرة المرينية الحاكمة، وقد قامت علاقة حذرة بين أسرتى «بنى وطاس» و «بنى مرين»، ثم تعدى «بنو وطاس» هذا الحذر، واتخذوا موقفًا عدائيا من دولة «بنى مرين» منذ قيامها، وساندوا الموحدين فى صراعهم معهم، ومن ثم عمد المرينيون- بعد قيام دولتهم واستقرار الأوضاع لهم - إلى إحكام قبضتهم على حصن «تازوطا» الذى كان مقر «بنى وطاس» فى ذلك العهد، ولكن الوطاسيين قاموا بثورة فى سنة (691هـ= 1292م) للاحتفاظ بنفوذهم فى هذا الحصن، وامتدت ثورتهم فشملت منطقة الريف، ثم طردوا الوالى المرينى وحاشيته، وسيطروا على الحصن، مما دفع السلطان «يوسف بن يعقوب المرينى» إلى تجهيز جيش كبير، وجعل عليه «عمر بن المسعود بن خرباش» أحد قادته المخلصين، وأمره بالتوجه إلى حصن «تازوطا»، ثم خرج السلطان بنفسه على رأس جيش آخر، وحاصر الجيشان الحصن مدة عشرة أشهر، وتمكن «عمر» و «عامر» ابنا «يحيى بن الوزير الوطاسى» زعيما الوطاسيين من الفرار بأموالهما إلى «تلمسان»، ودخل السلطان الحصن، وأنزل العقاب بالوطاسيين ثم عاد إلى عاصمته «فاس» فى آخر جمادى الأولى سنة (692هـ= أبريل1693م).

وقد تآمر «زيان بن عمر الوطاسى» مع الأمير «أبى عبدالرحمن المرينى» ضد والده السلطان «أبى الحسن»، فى محاولة للاستيلاء على السلطة، ولكن محاولتهما باءت بالفشل، وسُجن الأمير، وفر «الوطاسى» إلى «تونس». وعلى الرغم من كل ما سبق فإن الوطاسيين نالوا حظا وافرًا من المراكز العامة بالدولة المرينية، وتغلغل نفوذهم داخل مراكز الحكم المدنى، وكذا العسكرى، ووصل بعضهم إلى منصب الوزارة، مثل: «رحو بن يعقوب الوطاسى» الذى ولى الوزارة فى عهد السلطان «عامر بن عبدالله المرينى»، واستمر إلى عهد «سليمان بن عبدالله»، وتولى «عمر بن على الوطاسى» الإمارة فى مدينة «بجاية» فى عهد «أبى عنان المرينى» فى سنة (759هـ= 1358م). الأوضاع الداخلية بدولة بنى وطاس ثم سقوطها: دخل «محمد الشيخ الوطاسى» سلطان الوطاسيين فى مواجهة مستمرة - منذ أسس دولته- مع الفتن والقلاقل والثورات التى قامت بالدولة على أيدى العرب الذين أغاروا على «فاس» و «مكناسة» ودمروهما، ثم واجه ثورة «على بن راشد» فى «شفادن» وهى مدينة قريبة من «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، و «مضيق جبل طارق»، ثم حاول «محمد بن أحمد المرينى» الاستقلال بمدينة «دبرو» التى تقع شمال شرق «المغرب»، ونجح فى ذلك، وبسط نفوذه على المناطق الغربية منها، فأدرك «محمد الشيخ» خطورته، وخرج لمواجهته مرتين، كانت الأولى فى سنة (895هـ= 1490م)، وهُزم فيها الوطاسيون، وكانت الثانية فى سنة (904هـ= 1498م)، وانتصر فيها «بنو وطاس»، وعقد سلطانهم الصلح مع «محمد بن أحمد المرينى»، وزوج السلطان ابنتيه لولدىّ الأمير «محمد»، فحل بينهما السلام. وقد واجهت هذه الدولة ثورة بالمنطقة الجنوبية، قادها «عمرو بن سليمان الشيظمى»، الشهير بالسياف، فى سنة (870هـ= 1465م)، ولم تهدأ هذه الثورة إلا بعد أن اُغتيل «الشيظمى» على يد زوجته فى سنة (890هـ= 1485م). والواقع أن «بنى وطاس» لم يتمكنوا من فرض سلطانهم ونفوذهم

على كل «المغرب الأقصى»، بل يمكن القول بأن نفوذهم لم يتجاوز العاصمة «فاس»، واقتسمت القبائل والأشراف والزعامات المحلية ومشايخ الصوفية باقى البلاد. فأدى هذا إلى نشوب الاضطرابات والقلاقل بالبلاد، وتزايد الانقسامات بها، واستغلال البرتغال والإسبان لهذه الأوضاع للتوسع وفرض النفوذ ونشر المسيحية. ثم بدأت مرحلة أخرى من الصراع بين الوطاسيين والسعديين الذين حشدوا الناس إلى جانبهم بحجة الدفاع عن البلاد من خطر الإسبان والبرتغال، وكانوا فى حقيقة الأمر يسعون لإسقاط «دولة الوطاسيين»، ونجحوا فى السيطرة على بعض المدن المغربية، ثم دخلوا «مراكش»، وفشل «بنو وطاس» فى صدهم، وتدخل العلماء للصلح بينهما، ونجحت محاولتهم، واتفق الفريقان على اقتسام «بلاد المغرب الأقصى»، ولكنهما دخلا فى صراع ثانية، وتوسع السعديون على حساب أملاك الوطاسيين، ثم دخلوا مدينة «فاس»، وقتلوا السلطان الوطاسى «أبا حسون على بن محمد بن أبى ذكرى» فى يوم السبت (24 من شوال سنة 961هـ=22 من سبتمبر 1554م)، وبدأ السعديون بقيادة «محمد الشيخ السعدى» فى فرض نفوذهم على بقية المناطق التابعة للوطاسيين، وهكذا سقطت دولة «بنى وطاس». العلاقات الخارجية: تعددت العلاقات الخارجية بين «بنى وطاس» و «دول المغرب»، فضلا عن الإسبان والبرتغال، وحاولوا كسب ود الحفصيين بتونس، وبايعوهم، ولكن هذا الود لم يدم، لأن الحفصيين ساندوا ثورة «الشيظمى» التى استمرت نحو عشرين عامًا، وكذلك حاول «بنو وطاس» مسالمة الإسبان والبرتغال، وعقد «محمد الشيخ الوطاسى» مؤسس الدولة معاهدة سلام مع البرتغال فى سنة (876هـ= 1471م)، ولكن البرتغاليين نقضوا هذه المعاهدة، ثم توالت الاتفاقات بين الطرفين. وقد تطورت العلاقات بين «بنى وطاس» و «الإسبان»، أثناء الصراع الذى دار بين «ابن حسون الوطاسى» والسعديين؛ حيث التمس «ابن حسون» العون من الإسبان، وأعلن ولاءه لامبراطورهم، واستعداده

لتسليمهم «بادس» فى مقابل مساعدته فى استرداد عرش «فاس»، وساعده الاسبان بالسفن والأموال، ولكنه فشل فى استعادة عرشه، فلجأ إلى البرتغال، وساندوه بالجنود والأموال وعدة الحرب، ولكن هذه المساعدات لم تحقق أغراضها؛ إذ حاصرتها قوات الدولة العثمانية واستولت عليها، مما جعل «ابن حسون» يلجأ إليهم طلبًا للعون فى مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة العثمانى، فمكَّنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته «فاس» ثانية فى سنة (961هـ= 1554م)، ثم مالبث الأتراك أن سيطروا على مقاليد الأمور بفاس، وضاق الناس بذلك، فاضطر «ابن حسون» إلى تعويض الأتراك بمبالغ مالية كبيرة للرحيل عن العاصمة، ففعلوا، وواصل «ابن حسون» نشاطه ضد السعديين، حتى سقط قتيلا، ومن ثم سقطت «دولة بنى وطاس». بعض المظاهر الحضارية: - النظام السياسى والإدارى: كان الحكم وراثيا فى «بنى وطاس»، وكان السلطان يعين كبار مستشاريه من كبار الشخصيات، وكان للسلطان أمين سر مهمته الإشراف على أموال السلطان، كما كان السلطان يُعيِّن حكامًا على كل مدينة، وجعل لهم الحق فى التصرف فى مواردها، وتزويد جيش السلطان بالجنود من مدنهم، وتعيين وكلاء من طرفهم على القبائل التى تسكن الجبال، وجباية الأموال، وأخضع السلطان كل ذلك لسلطته، وأحكم قبضته على مقاليد الأمور، كما أخضع كل موارد الدولة لخدمة الأغراض العسكرية. واتخذوا الوزراء من أقاربهم، واستوزر «محمد الشيخ الوطاسى» أخويه «محمد الحلو» و «الناصر أبا زكريا»، وعين مسعود بن الناصر خلفًا لأبيه على الوزارة، وقد تنوعت اختصاصات الوزراء بين المهام السياسية والحربية إلى جانب أعمالهم الإدارية. وتنوعت الوظائف الإدارية وشملت: الباشا، والقائد، والقاضى، والمحتسب، ويساعدهم مجموعة من الموظفين، منهم: الأمين والناظر، وأمين المواريث. وقد نشطت حركات الاستقلال أثناء ضعف الحكومة المركزية بفاس، وغياب سلطتها عن مناطق الأطراف، والمناطق النائية.

النواحى الاقتصادية: نجحت الزراعة نجاحًا عظيمًا، كعادتها ببلاد «المغرب»، وكثرت المحاصيل وزادت أنواع الفواكه، وساعدت هجرة الأندلسيين إلى «بلاد المغرب» على إدخال النظم الزراعية الحديثة، واستحداث أنواع كثيرة من المحاصيل بالبلاد. وقد ترتب على ازدهار الزراعة قيام صناعات كثيرة، إلى جانب الصناعات التى كانت موجودة من قبل، واشتهرت «فاس» بصناعات الأحذية والأوانى النحاسية والخيوط والمنسوجات. وكذلك صناعة الحلى. ونشطت التجارة - خاصة فى أوقات السلم- وتوافرت الطرق الداخلية التى تربط بين المدن، كما توافرت الطرق الرئيسية التى تسير فيها القوافل من المدن المغربية وإليها، مثل: «سوسة» و «درعة» اللتين حظيتا بنشاط تجارى كبير. وتنوعت صادرات «المغرب» من الأوانى النحاسية، والمصنوعات الجلدية والزجاجية، والقطنية والحريرية، وكذلك التمور بأنواعها والتين والحلى، أما وارداتهم فكانت الذهب وبعض التوابل. الحياة الاجتماعية: لم تختلف طبقات المجتمع كثيرًا فى العهد الوطاسى عما سبقه من عهود، واحتل الجيش مكانًا بارزًا، نظرًا لكثرة الحروب التى خاضها الوطاسيون، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين هما: الجيش النظامى، وأفراده من البربر، ويضم: الفرسان والرماة وراشقى السهام، والمشاة، والقسم الثانى: من المتطوعة من العرب وغيرهم، وقد عرف جيش الوطاسيين نظام الحصون والحاميات. وتوقف نشاط الوطاسيين العمرانى على مدينة «فاس»، ويرجع ذلك إلى الأوضاع السياسية المضطربة التى سادت تلك الفترة، وانصراف «بنى وطاس» إلى المعارك والحروب، وصرف إمكاناتهم المادية فى التسليح والإنفاق على الجيش. وقد أدى كل ذلك إلى توقف النشاط العمرانى، وتناقص عدد الفنادق والمستشفيات، وقلة الاهتمام بالمرضى. الحياة الفكرية: شهدت العلوم الدينية نشاطًا ملحوظًا، وبرز عدد كبير من العلماء فى المجالات كافة، منهم: «أبو عبدالله بن أبى جمعة الهبطى»، صاحب

كتاب: «الوقف فى القرآن الكريم»، والمتوفى عام (930هـ= 1524م)، والفقيه «محمد بن عبدالله بن عبدالواحد الفاسى» المتوفى عام (894هـ= 1489م)، وألف «الوتشريشى» عدة كتب منها: «المعيار المعزب، والجامع المعرب عن علماء إفريقية والأندلس والمغرب»، وهو فى اثنى عشر جزءًا. وفى علم التاريخ برز القاضى «أبو عبدالله محمد الكراسى الأندلسى»، الذى ألف منظومة عن «بنى وطاس»، أسماها: «عروسة المسائل فيما لبنى وطاس من فضائل». وتقع هذه المنظومة فى نحو ثلاثمائة بيت، وهى المصدر الوحيد الذى يعتمد عليه المؤرخون فى التأريخ لهذه الفترة، حيث لم يصل إليهم غيره. ويعد كتاب «وصف إفريقيا» للجغرافى «حسن الوزان» من أهم الكتب وأشهرها فى هذا المجال، وقد تناول فيه جغرافية «إفريقية» عمومًا، و «المغرب الأقصى»، و «مملكة فاس»، و «مملكة مراكش»، كما تناول العادات والتقاليد والحياة الاقتصادية والفكرية والدينية، والنظم الإدارية. وتنافس الشعراء والوعاظ - فى هذه الفترة- فى تأليف الخطب والقصائد الحماسية؛ لحث الناس على جهاد الأسبان والبرتغال، ومن أبرز هؤلاء المؤلفين «أبو عبدالله محمد بن عبد الرحيم التازى» المتوفى عام (920هـ= 1514م)، وله مؤلف عنوانه: «تنبيه الهمم العالية، والانتصار للملكة الذاكية، وقمع الشرذمة الطاغية، عجل الله دمارها، ومحا ببواتر المسلمين آثارها». ووجدت علوم اللغة اهتمامًا بالغًا، وألف «عبدالعزيز بن عبدالواحد اللمطى الميمونى» ألفية فى النحو تضاهى ألفية «ابن مالك»، و «ابن عبدالواحد»، وهو من أهل «فاس» وقد توفى عام (880هـ= 1475م)، وكذلك قام العالم «أبو العباس أحمد بن محمد» المتوفى عام (995هـ= 1587م) بتدريس الفلك والحساب بجامع القرويين بفاس. دولة بنى زيان: [633 - 962هـ= 1235 - 1555م] تمهيد: ترجع تسمية هذه الدولة بهذا الاسم إلى «زيان بن ثابت»، والد «يغمراس» مؤسسها، كما أنها تسمى بدولة بنى عبدالواد (العبد

الوادية) نسبة إلى قبيلة «عبد الواد» التى ينتمى إليها «بنو زيان». وقد قامت هذه الدولة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا) وكان يحدها غربًا «نهر ملوية»، ومدينة «قسنطينة» من الجانب الشرقى، وكانت هذه المنطقة تضم عدة مدن منها: «بجاية»، و «الجزائر»، و «وهران»، و «قسنطينة»، و «مليانة»، و «تلمسان». قيام دولة بنى زيان: شجع ضعف «دولة الموحدين» عقب هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى سنة (609هـ= 1212م)، بعض القوى على الاستقلال، فشجع ذلك بدوره «بنى عبدالواد» على الاستقلال بالمغرب الأوسط، فاستولوا على «تلمسان» فى سنة (627هـ= 1230م). ويعد «يغمراس بن زيان» الذى تولى الإمارة بعد أخيه فى سنة (633هـ= 1235م) هو المؤسس الحقيقى لهذه الدولة، حيث سالم جيرانه من الموحدين كى لا يعرض دولته الناشئة لمعارك جانبية، تصرفه عن تأسيس الدولة، وبنى سياسته فى هذه المرحلة على عاملين مهمين هما: العامل العسكرى: جاور «الحفصيون» «بنى زيان» من جهة الشرق، وجاورهم «بنو مرين» من الغرب، وهاجم «بنو حفص» مدينة «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، فهادنهم «بنو زيان» وبايعوهم، ودعوا على منابرهم للحفصيين، وفى الوقت نفسه بعثوا بجنودهم إلى الجبال واتخذوا من الإغارة على القوات الحفصية وسيلة لطردهم من «تلمسان» و «المغرب الأوسط»، فاضطر الحفصيون إلى عقد الصلح معهم وأعادوا «يغمراس» إلى مقر حكمه بتلمسان ثانية، وكذلك فعل «بنو زيان» مع الموحدين فى سنة (646هـ= 1248م) ثم قاموا بغارات كثيرة على القبائل الموجودة داخل «المغرب الأوسط»، مثل قبائل «توُين» و «مغرادة». العامل السلمى: لم يكتف «يغمراس» بالمعارك والغارات، وعمد إلى تحصين بلاده شرقًا وغربًا، وجاء بقبيلة «بنى عامر» وأقطعها نواحى «وهران» و «تلمسان» لتكون حائط الصد لأعدائه، ثم دعم كيان دولته بمصاهرة الحفصيين، حيث زوج إحدى بناته لعثمان ابن الأمير الحفصى «أبى

إسحاق»، فأمن بذلك شرهم، وهجماتهم على الحدود الشرقية لدولته. تطور دولة بنى زيان: كانت القبيلة من أهم العوامل التى أثرت فى سياسة دولة «بنى زيان» وكيانها؛ حيث دخلت هذه الدولة فى صراع طويل مع قبائل: «بنى توُين» و «مغرادة» من البربر، و «بنى عامر سويد» من العرب، لرفض هذه القبائل الخضوع لغيرها، ولتعصبها لبنى جلدتها وقبيلتها، وشقت عصا الطاعة، ثم زادت حدة موقفها بعد وفاة «يغمراس» فى سنة (681هـ= 1282م)، واضطر الأمير «عثمان» الذى خلف والده «يغمراس» إلى مواجهتهم، فاستولى على «مازونة» من «مغرادة» فى سنة (686هـ= 1287م)، ثم احتل مدينة «تنس»، ودخل «إنشريش» ولكن هذا الاتساع عاد إلى الانكماش ثانية نتيجة احتلال «بنى مرين» للمغرب الأوسط، وحصارهم «تلمسان» فى سنة (698هـ= 1299م)، وعادت القبائل مرة أخرى إلى التمرد والعصيان عقب وفاة الأمير «عثمان»، فخرج إليهم الأمير «أبو زيان محمد الأول» (703 - 707هـ= 1303 - 1307م)، ثم خضعت هذه الدولة أكثر من مرة لدولة بنى مرين مثلما حدث فى سنة (670 - 680هـ= 1271 - 1281م) وسنة (689هـ= 1290م) وسنة (737 - 749هـ= 1336 - 1348م) ولكن بنى زيان كانوا يرفضون هذا الخضوع، وينتهزون الفرصة للعودة إلى حكم بلادهم. وقد عاشت هذه الدولة فى حروب واضطرابات دائمة، ونشبت الخلافات بين أفراد البيت الزيانى، وأدى التهافت على السلطة بينهم إلى أن يشهر الولد السيف فى وجه أبيه، بل يتعدى ذلك، ويقتل أباه، مثلما حدث مع «أبى تاشفين (الثانى) عبد الرحمن» (791 - 795هـ=1389 - 1393م) ووالده السلطان «أبى حمو موسى (الثانى) بن يوسف»، حين خلع «تاشفين» أباه من السلطة، واستولى على الحكم، ثم اعتقل أباه وإخوته فى سنة (788هـ= 1386م) فقامت حروب بين أفراد هذه الأسرة، وعاد «أبو حمو» إلى عرشه، واستعان «ابنه تاشفين» ببنى مرين عليه، وحاربه، ثم قتله وعاد «تاشفين» إلى الحكم فى ظل التبعية لبنى مرين. سقوط دولة بنى زيان:

تفشت ظاهرة قتل السلاطين بدولة بنى زيان، وزاد التناحر بين أفراد البيت الزيانى، وتكررت هجمات الاسبان على الشواطئ المغربية، واستولوا على «مرسى وهران» فى سنة (911هـ= 1505م)، ثم استولوا سنة (912هـ= 1506م) على «وهران» و «بجاية» و «تدلس» وهى موانى تابعة «لبنى زيان»، وارتضى «أبو حمو الثالث» (909 - 923هـ= 1503 - 1517م) دفع ضريبة سنوية للإسبان لكى يبقى فى مقعد الحكم، فاستنجد الناس بالأتراك العثمانيين لتخليصهم من هذا الاحتلال، فأسرع لنجدتهم الأخوان «عروج» و «خير الدين» ابنا «يعقوب التركى»، اللذان كانا يحملان المتطوعين فى السفن لإنقاذ مهاجرى الأندلس، ونقلهم إلى أرض «المغرب»، ودارت معركة بين الطرفين، وأرسلت إسبانيا بالإمدادات لتعزيز قواتها وحليفها «أبى حمو» الذى فر إلى «وهران» للاحتماء بالقوة الإسبانية هناك، وحاصر الإسبان مدينة «تلمسان» واستشهد «عروج» فى سنة (924هـ= 1518م)، ومات «أبو حمو الثالث» فى السنة نفسها. وتوالت الاضطرابات، وزاد التنافس على العرش، وأقبل السعديون من «المغرب الأقصى» واستولوا على «تلمسان» فى سنة (957هـ= 1550م). وانقسم البيت الزيانى إلى طوائف ثلاث: إحداها تضامنت مع الأتراك، والأخرى استعانت بالأسبان، والأخيرة تحالفت مع السعديين، وتحرك الأتراك، ودخلوا فى معركة مع السعديين وهزموهم، فعادوا إلى «المغرب الأقصى»، ودخل الأتراك العاصمة «تلمسان». وكان آخر حكام «بنى زيان» هو «الحسن بن عبدالله» (957 - 962هـ= 1550 - 1555م) الذى ثار عليه الناس لميله إلى الإسبان فخلعه الأتراك، وضموا «تلمسان» إلى حكومة «الجزائر» التركية فى سنة (962هـ= 1555م). العلاقات الخارجية: كان موقع «الدولة الزيانية» بالمغرب الأوسط حافزًا للقوى الأخرى بالمغرب على التطلع إليها، بغرض السيطرة وفرض النفوذ، ولعل هذا هو ما فعله الموحدون، و «بنو مرين»، و «الحفصيون». وظلت العلاقات

بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف، وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (640هـ= 1242م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم، وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين» فى سنة (668هـ= 1269م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين، فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان» لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (868هـ= 1464م)، ومن ثم حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (871هـ= 1466م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة، وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام قبضتهم عليهم، ويضمنوا

تبعيتهم، وتم لهم ذلك واستمر حتى دبَّ الضعف والتفكك بين سلاطين «بنى حفص» وأفراد أسرتهم، فوجه إليهم بنو زيان عدة ضربات متوالية، وتمكنوا من هزيمتهم والاستيلاء على «تونس» فى سنة (730هـ= 1330م). وعلى الرغم مما سبق فقد شهدت العلاقات الزيانية الحفصية - أحيانًا- بعض حالات الهدوء، وحسن الجوار، وتجلى ذلك حين صاهرهم «يغمراس» وزوَّج ابنه «عثمان» إحدى بنات «أبى إسحاق الحفصى» فى سنة (681هـ= 1282م). بعض المظاهر الحضارية: - النظام السياسى والإدارى: كان الحكم فى «دولة بنى زيان» وراثيا، وكانت ألقاب حكامهم تتراوح بين «أمير المسلمين» ولقب «السلطان»، وقد تفشت ظاهرة قتل سلاطينهم على أيدى أفراد أسرتهم الحاكمة للوصول إلى الحكم، كما فعل «تاشفين» مع والده «أبى حمو». وتعددت المناصب الإدارية فى هذه الدولة، وجاء منصب «الوزارة» فى مقدمتها، كما كان قاضى القضاة يتقدم مجموعة القضاة بالدولة، وكذلك كان قائد الجيش من رجال هذه الدولة البارزين، ولذا كان السلطان يختاره من أفراد أسرته، أو يتولى هو مكانه، ويخرج بنفسه على رأس الجيوش. وكان ديوان الإنشاء والتوقيع من أبرز الدواوين، لأنه يختص بالمراسيم السلطانية، ومراسلات الدولة مع غيرها من الدول. الحياة الاقتصادية: تمتع «المغرب الأوسط» بسطح متنوع، جمع بين السهل الساحلى والوديان الداخلية، وسلسلة جبال الأطلس، فضلاً عن تمتعه بمناخ يختلف من منطقة إلى أخرى، وبتربة خصبة صالحة للزراعة، وبأنهار منتشرة فى كل مكان مثل نهرى «شلف» و «سيرات»، وبعيون مائية منبثة، وبأمطار تسقط على منطقة الساحل، فهيأت كل هذه العناصر لقيام زراعة ناجحة، أولاها ولاة الأمر عنايتهم ورعايتهم، فتنوعت المحاصيل الزراعية، كما ازدهرت صناعة الأقمشة الحريرية والصوفية، وصناعة السجاد والبسط، وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية، والأسلحة، والمصنوعات الجلدية، والمشغولات الذهبية والفضية والنحاسية.

وكان لموقع «المغرب الأوسط» دور كبير فى تنشيط التجارة، باعتباره همزة الوصل بين المغربين الأدنى والأقصى، حيث تمتد شواطئه، وتكثر موانيه المطلة على «البحر المتوسط»، فضلا عن طرق التجارة المتعددة بجنوبه، والتى كانت تمر منها القوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء قاصدة الموانى المطلة على «البحر المتوسط»، لتكمل رحلتها إلى «أوربا» وغيرها من المناطق. وقد تعددت صادرات «المغرب الأوسط»، وكان الصوف والأسلحة والمنتجات الزراعية من أهم صادرات «بنى زيان» وأسهمت موانى: «وهران» و «تنس» و «الجزائر» و «بجاية» إسهامًا بارزًا فى تنشيط التجارة، وازدهار الاقتصاد، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى اهتمام سلاطين «بنى زيان» بالبناء والتعمير، فتنوعت فى عهدهم المؤسسات وعُنوا بإنشاء المساجد والمدارس والقصور، والمنشآت العسكرية، وكانت أبرز مساجدهم هى: «مسجد أبى الحسن» الذى أمر «عثمان بن يغمراس» ببنائه سنة (696هـ= 1296م)، و «مسجد الولى إبراهيم» الذى تم بناؤه فى عهد أبى حمو الثانى، كما شهد عهد «أبى تاشفين الأول» نهضة عمرانية كبيرة. وتعددت المدارس بتلمسان ووهران، وكانت أبرز هذه المدارس هى «المدرسة التاشفينية» (أو المدرسة القديمة) التى أنشأها «أبو تاشفين بن عبد الرحمن» (718 - 736هـ = 1318 - 1336م)، و «المدرسة اليعقوبية» التى بناها «أبو حمو موسى الثانى»، وكان افتتاحها فى الخامس من صفر سنة (765هـ= نوفمبر 1363م). وبنى «بنو زيان» الحصون والأبراج والأسوار والقلاع العسكرية لتحصين بلادهم، ومن أبرز قلاعهم: قلعة «تامز يزدكت» التى كانت مركز مقاومتهم على الحدود الشرقية مع «بنى حفص». الحياة الفكرية: اهتم «بنو زيان» بتنشيط الحركة الفكرية فى بلادهم، ودعموها بإنشاء المدارس والمساجد والكتاتيب والزوايا لتعليم الطلاب، ولم يختلف أسلوب التعليم فى دولتهم عن مثيله فى «دولة بنى مرين» و «دولة الحفصيين»، وامتلأت المؤسسات التعليمية بالعلماء

المتخصصين فى كل علم وفن، وقد لقى هؤلاء من الدولة معاملة حسنة وأغدقت عليهم المنح والعطايا، وولتهم المناصب الرفيعة حتى ينهضوا بالمستوى التعليمى والفكرى فى البلاد. واستعاد المذهب المالكى مكانته بدولة «بنى زيان» كما استعاده فى بقية الدول الأخرى عقب سقوط «دولة الموحدين»، وازدهرت علوم التفسير والفقه والحديث والمنطق والجدل والكلام، وغيرها من العلوم، وتبوأت مجموعة من العلماء مكانة ممتازة لدى «بنى زيان»، منهم: «أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسى» المتوفى عام (680هـ= 1281م)، و «أبو عبدالله محمد بن محمد المقرى» المتوفى عام (759هـ= 1358م) والذى تتلمذ على يديه مجموعة من العلماء النابغين، أمثال: ابن الخطيب، وابن خلدون، والشاطبى وغيرهم. وبرزت كذلك جماعة من العلماء فى علوم اللغة والأدب منهم: «أبو عبدالله بن عمر بن خميس التلمسانى» المتوفى عام (708هـ= 1308م)، وقد أشرف على «ديوان الإنشاء» بتلمسان فى عهد «عثمان بن يغمراس»، و «أبو عبدالله محمد بن منصور القرشى التلمسانى» الذى أنشأ «ديوان الرسائل» فى عهد أبى حمو الأول. الدولة الحفصية: [625 - 893 هـ= 1228 - 1488م]: ينتسب الحفصيون إلى «أبى حفص عمر بن يحيى» الذى ينتمى إلى «قبيلة هنتانة»، وهى من قبائل المصامدة التى عاشت بالمغرب الأقصى، واتخذت المعاقل والحصون، وشيدت المبانى والقصور، وامتهنوا الفلاحة وزراعة الأرض. وقد طمع الحفصيون فى الاستقلال بإفريقية بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» بالأندلس فى سنة (609هـ= 1212م)، وعملوا على تحقيق ذلك حتى سنة (625هـ= 1228م)، فوصل «أبو زكريا بن عبدالواحد الحفصى» إلى مقعد الإمارة بتونس، ومهد لقيام «دولة الحفصيين» حتى سنة (627هـ= 1230م) فبايعه الحفصيون واستقل عن طاعة الموحدين وضم إليه «الجزائر» و «تلمسان». وقد واجهت الدولة الحفصية عدة ثورات، إلا أنها تمكنت من القضاء عليها فى عهد قوتها، فلما حل الضعف بخلفاء الأمير «أبى زكريا

الحفصى»، زادت الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة، وقامت الثورات فى أماكن كثيرة، ولم يتمكن أمراء الحفصيين من مواجهة هذه الاضطرابات، فحل الضعف بدولتهم حتى سقطت على أيدى العثمانيين سنة (893هـ=1488م). العلاقات الخارجية: تنوعت علاقات «الدولة الحفصية»، وشملت «الأندلس»، و «أوربا»، ودول: «بنى مرين» والوطاسيين والزيانيين. واتسمت علاقتهم بالأندلسيين بالهدوء تارة وبالتوتر والمنافسة تارة أخرى، وكذلك تمثلت علاقتهم بالأوربيين فى عدة حملات عسكرية، عُرفت باسم الحروب الصليبية، وسعى الصليبيون إلى تحويل مسلمى «المغرب الأدنى» إلى المسيحية، غير أن وباءً تفشى بالمعسكر الصليبى، وتوفى لويس متأثرًا بهذا الوباء، فلجأ الصليبيون إلى التفاوض والصلح مع الحفصيين، ثم الانسحاب فى سنة (669هـ= 1270م) ولكن الصليبيين عاودوا الهجوم على مدينة «طرابلس» فى سنة (755هـ= 1354م)، واستولوا عليها واستباحوها، ولم يخرجوا منها إلا بعد الحصول على قدر كبير من المال، ثم توالت حملاتهم الصليبية بعد ذلك على بلاد «المغرب الأوسط» ومدنه. وقد مرت العلاقات الحفصية المرينية بعدة مراحل ارتبطت بالأحوال والظروف السياسية التى كانت تمر بها كل من الدولتين، واتسمت هذه العلاقات بالصراع بين الطرفين، ودخول بنى حفص فى تبعية «بنى مرين» فى أحايين كثيرة، ولكن ذلك لم يمنع من قيام بعض العلاقات الطيبة فى فترة حكم «عثمان ابن أحمد المرينى» (801 - 823هـ = 1398 - 1420م)، و «عبدالحق بن سعيد المرينى» (863 - 869هـ = 1459 - 1465م). - بعض المظاهر الحضارية: الجانب السياسى والإدارى: عرفت «دولة بنى حفص» نظام الخلافة، وكان الحكم بها وراثياًّ، ويعاون الخليفة هيئة استشارية، يُطلق عليها اسم أشياخ البساط، وجميعهم من قبيلة «هنتانة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة، وكذلك عرفت هذه الدولة نظام الحجابة، وتطور هذا النظام لدرجة أن

الحاجب كان يفصل فى الأمور دون الرجوع إلى الخليفة، وجاء منصب الوزارة فى مرتبة تلى منصب الحجابة، ويأتى إلى جانبهما منصب القضاء الذى أولاه الحفصيون عنايتهم لأهميته. الحياة الاقتصادية: تنوعت مصادر الدخل فى «دولة بنى حفص»، وشملت: الضرائب والزكاة، والجزية، والمصادرات، والخراج، وانتعشت الزراعة وكثرت المحاصيل، ونشطت الصناعات مثل: المنسوجات بأنواعها، والصناعات الجلدية والزجاجية، وصناعة الأسلحة والسفن، واستخدم «بنو حفص» عملة خاصة بهم ليؤكدوا استقلالهم. الحياة الاجتماعية: تشكل المجتمع الحفصى من عدة عناصر، وكانت قبيلة هنتاتة البربرية فى مقدمة هذه العناصر، كما كان العرب المقيمون، والعرب الهلالية ممن شكلوا هذا المجتمع، تضاف إليهم مجموعات الروم والأتراك. وشهدت «الدولة الحفصية» حركة واسعة فى البناء والتعمير، وأقام الحفصيون المؤسسات التعليمية مثل: الكتاتيب، والزوايا والمساجد، فقامت بدورها فى دعم العلوم المختلفة وتدريسها، ثم أنشأ الحفصيون المدارس بالعاصمة «تونس»، وكانت أول مدرسة هى «المدرسة الشماعية» التى أنشأها «أبو زكريا يحيى الأول» فى سنة (633هـ= 1235م)، وتلتها «التوفيقية» فى سنة (650هـ= 1252م). وأخذت «الدولة الحفصية» بالمذهب المالكى، واهتمت بالعلوم الدينية مثل تفسير القرآن، وعلم الحديث، والفقه، وكذلك اهتم الحفصيون بالعلوم العقلية مثل: المنطق والكيمياء والفلك وغيرها. وساهمت المكتبات - التى زُوِّدت بالكتب فى شتى فروع المعرفة- فى تنشيط الحركة الثقافية بالبلاد، وكذا ساهمت المجالس العلمية، التى شجعها بعض الحكام الحفصيين فى إثراء النشاط العلمى ودعمه. وقد أثمرت هذه الحركة الثقافية المزدهرة مجموعة من العلماء البارزين فى شتى فروع العلم والمعرفة، فكان من الفقهاء «أبو عبدالله محمد بن عرفة» المتوفى عام (802هـ= 1399م)، ومن المحدثين: «أبو بكر بن سيد الناس» المتوفى عام (659هـ= 1261م)،

ومن النحويين: «أبو الحسن على بن موسى» المعروف «بابن عصفور» المتوفى عام (969هـ= 1561م)، ومن الشعراء: «حازم القرطاجنى» المتوفى عام (684هـ= 1285م)، و «ابن الأبار» المتوفى عام (662هـ= 1264م). وقد أسهم هؤلاء وغيرهم فى دعم المعرفة، وتنشيط الثقافة، ومؤازرة الحركة الفكرية فى دولة «بنى حفص».

مراجع الجزء السادس

- المراجع: * إبراهيم العدوي: الأمويون والبيزنطيون - مكتبة الأنجلو المصرية -القاهرة - 1953م. * بن الأثير (عز الدين): الكامل ففي التاريخ - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولي - 1987م. * أحمد بن أبي الضياف: إتحاف أهل الزمان - الدار التونسية للنشر - تونس - 1989م. * بن حجرالعسقلاني (أحمد بن علي): الدرر الكامنة - دار الجيل - بيروت - 1414هـ = 1993م. * الحسن الوزان: وصف إفريقية - ترجمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر - دار الغرب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثانية - 1983م. * حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته - العصر الحديث للنشر والتوزيع - بيروت - الطبعة الأولى - 1413هـ = 1992م. * بن الخطيب (لسان الدين محمد): الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية - رباط الفتح - 1936م. * بن خلدون (عبد الرحمن بن محمد): تاريخ ابن خلدون - مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت - 1979م. * بن أبي دينار (محمد بن أبي القاسم): المؤنس في أخبار إفريقية وتونس - تونس - 1303هـ. * روبار برنشفيك: تاريخ أفريقية في العهد الحفصي - ترجمة: حمادي الساحلي - دار الغرب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأولى - 1988م. * بن أبي زرع (أبو الحسن علي بن عبد الله): الأنيس المطرب بروضة القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس - باريس - 1860م. * السراج (محمد بن محمد): الحلل السندسية في الأخبار التونسية - تحقيق محمد الحبيب الهيلة - دار الغرب الإسلامي - الطبعة الأولي - 1985م. * سعد زغلول عبد الحميد: تاريخ المغرب العربي - منشأة المعارف - الإسكندرية - 1979م. * السلاوي (أحمد بن خالد): الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - الدار البيضاء - 1954م. * السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير - العصر الإسلامي - القاهرة - 1964م.

* بن عبد البر (يوسف بن عمر): الاستيعاب في معرفة الأصحاب - تحقيق: علي محمد البجاوي - دار نهضة مصر - القاهرة - بدون تاريخ. * عبد الله علي علام: الدولة الموحدية بالمغرب - دار المعارف - القاهرة - 1964م. * علي الجزنائي: زهرة الآس في بناء مدينة فاس - الجزائر - 1923م. * بن القاضي (أحمد بن محمد بن العافية): جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس - طبعة حجرية بمدينة فاس - 1309هـ. * القلقشندي (أحمد بن علي): صبح الأعشى في صناعة الإنشا - دار الكتب المصرية - القاهرة - 1923م. * المراكشي (عبد الواحد بن علي): المعجب في تلخيص أخبار المغرب - تحقيق: محمد العربي ومحمد سعيد العريان - القاهرة - 1962م. * النويري (أحمد بن علي): نهاية الأرب في فنون الأدب - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1403هـ = 1983م. * الهادي روجي: الدولة الصنهاجية - ترجمة: حمادي الساحلي - دار الغرب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأولي - 1922م.

المسلمون في الأندلس

الجزء السابع المسلمون في الأندلس تأليف: أ. د. عبد الله جمال الدين أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة الفصل الأول *بلاد الأندلس لمحة جغرافية: تطلق كلمة الأندلس على الأجزاء التى سيطر عليها المسلمون من شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، وظلت تطلق على ما فى أيديهم حتى عندما انحصر وجودهم فى مدينة «غرناطة» وحدها. وتعود كلمة «الأندلس» فى أصولها إلى كلمة «الوندال»، وهى تعنى مجموعة القبائل الجرمانية التى غزت أيبيريا فى القرن الخامس الميلادى، وأقامت فى طرفها الجنوبى الذى كان آنذاك باسم «أندلوسيا»، فلما فتح المسلمون هذه المناطق قيل لهم: إن هذه أرض «وندلس» فحولها العرب إلى «أندلس»، وبقيت الكلمة مستخدمة حتى نهاية الحكم الإسلامى. ولاتزال كلمة «أندلوسيا» مستخدمة حتى اليوم فى «الإسبانية»، وتطلق على ثمانى محافظات فى جنوب إسبانيا، هى: المرية، وغرناطة، وجيان، وقرطبة، ومالقة، وقادش، وولبة، وإشبيلية. وشبه الجزيرة الأيبيرية مخمسة الشكل، تصل مساحتها إلى (600) ألف كيلو مترمربع، تحتل إسبانيا (6/ 5) من هذه المساحة، وهى هضبة متوسطة الارتفاع، بها سلاسل جبلية كثيرة تشقها بالعرض، ويفصل بين كل سلسلة جبلية وأخرى وادٍ يجرى فيه نهر بالعرض أيضًا، وتنبع معظم هذه الأنهار من وسط شبه الجزيرة، وتصب فى المحيط الأطلسى. ويفصل أوربا عن شبه الجزيرة سلسلة جبال تغلق الطريق إلى جنوبى فرنسا إلا من خلال ممرات، ومن هنا جاءت تسمية جبال البرت، أى جبال الأبواب. الثغور الإسلامية: وجدت فى الأندلس ثلاثة ثغور عبارة عن مناطق حدودية بينها وبين إسبانيا النصرانية، وهذه الثغور هى: أ - الثغر الأعلى، وعاصمته سرقسطة ويواجه مملكة نبرَّة. ب - الثغر الأوسط وعاصمته مدينة «سالم» ثم «طليطلة»، ويواجه مملكتى قشتالة وليون. ج - الثغر الأدنى، بين نهرى «دويرة» و «تاجة» وعاصمته طليطلة ثم قورية. وقد تمكن النصارى فى نحو القرن الرابع الهجرى من إقامة ثلاث دويلات نصرانية، هى: أ - ليون فى الشمال والشمال الغربى، وعاصمتها مدينة «ليون»،

وتضم مملكتى «جليقية» و «أشتوريس». ب - نبرّة، فى الشمال والشمال الشرقى؛ حيث تعيش قبائل البشكنس، وعاصمتها «بنيلونة». ج - قشتالة، وتقع بين مملكتى ليون ونبرة، وعاصمتها «برغش». ومن هذه الدويلات الثلاث ستبدأ حركة المقاومة ضد الوجود الإسلامى فى الأندلس. عهود الحكم الإسلامى بالأندلس: ظل المسلمون يحكمون الأندلس نحو ثمانية قرون منذ تم فتحها سنة (92هـ)، إلى أن سقطت «غرناطة» آخر معاقلها بيد النصارى سنة (897هـ)، وقد مرت البلاد بعهود يمكن إجمالها على النحو الآتى: أولا: عهد الفتح (92 - 95هـ = 711 - 714م). ثانيًا: عهد الولاة (95 - 138هـ = 714 - 755م). ثالثًا: عهد الإمارة (138 - 316هـ = 755 - 928م). رابعًا: عهد الخلافة (316 - 400هـ = 928 - 1009م). خامسًا: عهد ملوك الطوائف (400 - 484 هـ = 1009 - 1091م). سادسًا: عهد المرابطين والموحدين (484 - 620هـ = 1091 - 1223م). سابعًا: مملكة غرناطة (620 - 897 هـ = 1223 - 1492م). أولا: الفتح الإسلامى للأندلس: كانت شبه الجزيرة الأيبيرية خاضعة لحكم القوط قبل الفتح الإسلامى، ويتولى أمرها ملك ظالم يدعى رودريك (لذريق) فأبغضه الناس وفكروا فى الثورة عليه وإبعاده عن الحكم بالاستعانة بالمسلمين الذين دانت لهم بلاد الشمال لإفريقى، فقام بهذه الوساطة حاكم «سبتة» الكونت يوليان، واتصل بطارق بن زياد قائد القوات الإسلامية المعسكرة عند مدينة «طنجة» بالمغرب الأقصى والقريبة من مدينة «سبتة». وأقبلت الوفود على «طارق» تدعوه لعبور المضيق والوصول إلى شبه الجزيرة، وتصور هؤلاء أن المسلمين سينزلون ضربة قاصمة بالقوط ثم يعودون إلى بلاد المغرب محملين بالغنائم، وغاب عنهم أن المسلمين حملة رسالة سامية، وأنهم مكلفون بتبليغها لكل الناس، وأن ما يشغلهم قبل كل شىء هو نشر مبادئ دينهم السمحة وتعريف الشعوب به. وقد رحّب «طارق» بهذا الطلب ووجد فيه فرصة طيبة لمواصلة الفتح

والجهاد، وأرسل إلى «موسى بن نصير» والى الأمويين على المغرب يستأذنه فى فتح الأندلس، فنصحه باختبار مدى مقاومة القوط بإرسال بعض السرايا إليهم، وبالتأكد من ولاء «يوليان» وصدق كلامه، ثم أرسل «موسى بن نصير» إلى الخليفة الأموى «الوليد بن عبدالملك» يستأذنه فى فتح «الأندلس»، ويشرح له حقيقة الأوضاع هناك، فتردد الخليفة فى أول الأمر، خوفًا على المسلمين من المخاطرة بهم فى بلاد لا عهد لهم بها من قبل، لكن «موسى» نجح فى إقناعه بأهمية الفتح، وتم الاتفاق على أن يسبق الفتح حملات استطلاعية. وفى سنة (91هـ = 710م) أرسل «طارق بن زياد» بعثة استطلاعية بقيادة «طريف بن زرعة» فنزلت فى الطرف الجنوبى لشبه الجزيرة، ولم تلق مقاومة، وعادت بغنائم وفيرة، ومنذ ذلك الحين أُطلق اسم «طريف» على إحدى تلك المناطق. وقد شجعت نتيجة حملة «طريف» «طارق بن زياد» فعبر المضيق فى (شعبان 92هـ = أبريل- مايو 711م)، وتجمع المسلمون عند الجبل الذى يعرف من ذلك التاريخ بجبل طارق، وأقام «طارق» بتلك المنطقة عدة أيام، بنى خلالها سورًا أحاط بجيوشه سمَّاه «سور العرب»، كما أقام قاعدة عسكرية بجوار الجبل على الساحل؛ لحماية ظهره فى حالة اضطراره إلى الانسحاب، هى مدينة الجزيرة الخضراء، أو جزيرة «أم حكيم»، نسبة إلى جارية كان طارق قد حملها معه، ثم تركها فى هذا المكان، وهذا الميناء يسهل اتصاله بميناء «سبتة» المغربى، على حين يصعب اتصاله بإسبانيا لوجود مرتفعات بينهما، ولم يكتفِ طارق بذلك، بل أقام قاعدة أمامية أخرى وبنى حصنًا، وطلب من «يوليان» ومن معه من الجند حراسة هذا الموضع وحمايته من كل هجوم منتظر. ثم واصل «طارق» السير جنوبًا حتى بلغ الساحل الجنوبى لشبه الجزيرة، ومشى فى محاذاته، وعبر نهرًا صغيرًا يسمى «وادى لكه»، وأقام معسكره فى منطقة واسعة يحدها من الشرق «وادى لكه»، ومن الغرب «وادى البرباط»، وهى منطقة سهلية واسعة تكثر

فيها المدن، مثل: «قادش» على البحر، وإلى جوارها من الداخل مدينة «شريش»، وفى الشمال على الطريق إلى «قرطبة» مدينة شذونة (سيدونيا)، وفى ذلك السهل الواسع أخذ «طارق» ينظم قواته ويرتب لمعركته انتظارًا للقاء القوط. علم «لذريق» بمجىء القوات الإسلامية، وهو مشغول بمحاربة أعدائه فى شمالى شبه الجزيرة، فأصيب بهلع ورعب عظيمين، وجمع جنوده وانحدر بهم لمواجهة المسلمين، ووصلت أنباء تلك الحشود الضخمة إلى «طارق بن زياد»، فكتب إلى «موسى بن نصير» يخبره بذلك، فأمده بخمسة آلاف جندى صار بهم مجموع جنود المسلمين بالأندلس (21) ألف جندى. وصل «لذريق» إلى بلدة «شذونة» وأتم بها استعداداته، ثم اتجه للقاء المسلمين ودارت بين الفريقين معركة فاصلة فى كورة «شذونة» جنوب غربى إسبانيا، استمرت ثمانية أيام من (الأحد 82 من رمضان إلى الأحد 5 من شوال سنة 29هـ = 91 - 62 يوليو 117م)، وكانت معركة هائلة، اقتتل فيها الطرفان اقتتالا شديدًا حتى ظنوا أنه الفناء، وكان النصر فى النهاية حليف المسلمين، وفر «لذريق» من أرض المعركة، وتبعه المسلمون حتى أدركوه وقتلوه بالقرب من بلدة «لورقة». وبعد هذا النصر العظيم الذى حققه «طارق بن زياد»، وامتلاء أيدى أصحابه بالغنائم - اتجه إلى الشمال فاستولى على بعض القلاع، ثم عبر نهر الوادى الكبير قاصدًا مدينة «طليطلة» عاصمة القوط، وكانت تبعد عن أرض المعركة بنحو ستمائة كيلومتر، وكلها جبال ووديان ومضايق عسيرة، وقد تمكن المسلمون بعزيمتهم وإصرارهم وإيمانهم الجياش من دخول العاصمة بعد مقاومة عنيفة من القوط. وفى أثناء سير «طارق» إلى «طليطلة» أرسل جزءًا من قواته لفتح «البيرة» كما أرسل «مغيث الرومى» إلى «قرطبة» ففتحها بعد حصار دام ثلاثة أشهر، وكانت آنئذ معسكرًا رومانيا قديمًا يقع على ضفة نهر الوادى الكبير وعندها بُنيت قنطرة حجرية على النهر. وأثبت «طارق» بهذا التصرف أنه على خبرة واسعة بشئون الحرب

وفنون القتال، لأن السيطرة على هذه القنطرة تيسّر له طريق العود. استقر «طارق بن زياد» فى «طليطلة»، فهرب منها كبار القوط وكبار رجال الدين الذين حملوا معهم ذخائر كنيستهم، فأدرك المسلمون هؤلاء الفارين عند بلدة صغيرة تسمى قلعة «عبدالسلام»، وغنموا ما كان معهم من ذخائر بالغة القيمة، وتجل عن الحصر، من بينها مذبح الكنيسة الذى سموه «مائدة سليمان» - ولاصلة لنبى الله سليمان بهذه المائدة - التى كانت من الزبرجد الخالص، ومزدانة بالجواهر، وتوضع فى صدر الكنيسة وعليها الصلبان والكؤوس والكتب المقدسة، وبعد أن حل الشتاء آثر «طارق» العودة إلى «طليطلة»، وكتب إلى «موسى» يحيطه بأنباء الفتح وما أحرزه من نجاح، ويطلب منه المدد. موسى بن نصير والمشاركة فى فتح الأندلس: قرر «موسى بن نصير» التوجه إلى الأندلس على رأس قوات مقدارها ثمانية عشر ألفا معظمهم من العرب - على حين كان معظم جند طارق من البربر - فغادر القيروان، ووصل إلى «طنجة» سنة (93هـ = 712م)، ثم عبر المضيق ونزل الجزيرة الخضراء. سار «موسى بن نصير» بجنوده فى غير الطريق الذى سلكه «طارق بن زياد»، بناءً على نصيحة رجاله وحلفاء المسلمين؛ ليكون له شرف فتح بلاد أخرى غير التى فتحها طارق، فنزل «شذونة»، واستولى على حصنين كبيرين بجوارها، هما «قرمونة» وقلعة «وادى إبرة»، ثم تقدم نحو «إشبيلية» فحاصرها حتى استسلمت وانسحبت حاميتها إلى مدينة «لبلة» فى الغرب، وهى الآن مدينة برتغالية. ثم اتجه «موسى» ناحية بلد كبير يحيط به سور حصين، تسمَّى «ماردة» كان يعتصم به قسم كبير من جيش «لذريق»، فحاصرها واشتد فى حصارها على الرغم مما كابده المسلمون من خسائر، حتى استسلمت صلحًا فى (أول شوال سنة 94هـ = 30 من يونيو 713م)، وغنم المسلمون ما كان بها من ذخائر نفيسة. وبعد شهر تقدم «موسى» نحو «طليطلة» حيث التقى بطارق عند نهر «التاجو»، ثم سارا معًا لمواصلة الفتح، وفى أثناء ذلك حدثت ثورة

معادية للمسلمين فى «إشبيلية»، فأرسل «موسى» ابنه «عبدالعزيز» فقضى على تلك الثورة وفتح مدن: «لبلة» و «باجة» و «أكشونبة» وهى تكوِّن النصف الجنوبى من البرتغال الآن، ثم وصل المسلمون إلى ساحل المحيط الأطلسى من تلك الناحية. استقر «موسى بن نصير» فى «طليطلة» فى شتاء سنة (95هـ = 714م)، وبدأ فى ممارسة عمله، باعتباره أول مسلم يحكم قطرًا أوربيا، فأمر بضرب عملة إسلامية، مكتوب على أحد وجهيها باللاتينية «شهادة أن لا إله إلا الله»، وعلى الوجه الآخر «ضربت فى إسبانيا سنة (714م)»، ثم أرسل رسولين هما «على بن رباح اللخمى»، و «مغيث الرومى» إلى الخليفة «الوليد بن عبدالملك» يحملان إليه نبأ الفتح العظيم، وطرفًا من الذخائر والتحف التى غنمها المسلمون. وفى سنة (95هـ = 714م) اتجه «موسى» ناحية الشمال الشرقى قاصدًا مدينة «سرقسطة» مفتاح منطقة «وادى أبرة» كلها ونجح فى الاستيلاء عليها، ثم قام «حنش بن عبدالله الصنعانى» وهو من التابعين الذى قدموا فى جيش «موسى ابن نصير» باختطاط جامع سرقسطة، الذى أصبح واحدًِا من أكبر مساجد الأندلس، ثم فتح «موسى» مدينة «وشقة»، وأتبعها فتح مدينة «لاردة» سالكًا بجيشه الطريق الرومانى الكبير «المبلط» المسمى بالطريق القيصرى، وبدأ فى الاستعداد للسير فى اتجاه «برشلونة». وفى تلك الأثناء عاد «مغيث الرومى» من «دمشق» وطلب من «موسى» أن يذهب إلى عاصمة الخلافة ومعه «طارق بن زياد» ليقدما بيانًا شافيًا عن فتوحاتهما، فاستجاب «موسى» للطلب، ولكنه عزم على إرجائه حتى يتم فتح الشمال الغربى والشرقى لشبه الجزيرة الأيبيرية، وأمر طارقاً فواصل السير مع الطريق القيصرى، على حين سار هو فى اتجاه الشمال الغربى، حتى وصل إلى خليج بسكاى عند «خيخون». وقد نجح «طارق» فى إخضاع منطقة «أراجون»، ثم اتجه غربًا ليلحق بموسى، فاستولى على بعض الحصون، وعلى مدينتى «اشترقة»

و «ليون»، وبهذه الإنجازات التى حققها القائدان شعرا أنهما أتما فتح شبه الجزيرة، وأن بإمكانهما الآن تلبية دعوة الخليفة «الوليد» وبخاصة أنه قد بعث برسول يتعجَّل عودتهما. أخذ الفاتحان العظيمان طريق العودة إلى المشرق فى (ذى القعدة 95هـ = يوليو 714م) بعدما نظما شئون البلاد، ورسما سياسة الحكومة، واتخذا «إشبيلية» عاصمة؛ لموقعها وقربها من البحر، ثم أسرعا السير نحو العاصمة «دمشق» فوصلاها بعد تولية «سليمان بن عبدالملك» الخلافة، خلفًا لأخيه «الوليد»، وظلا هناك ولم يعودا لمواصلة الفتح. وكان «موسى بن نصير» قد ترك ابنه «عبدالعزيز» واليًا على الأندلس، فقضى أيام ولايته فى استكمال فتح شبه الجزيرة الأيبيرية، فى شرقها وغربها، ففتح كورة تدمير (مرسية) صلحًا بعد أن استسلم ملكها، وقضى على جيوب المقاومة ولذا عده بعض المؤرخين ثالث فاتحى الأندلس، وكان معروفًا بالصلاح والتقوى والشجاعة والإقدام، بارعًا فى تنظيم الحكومة وترتيب إدارتها، متبعًا سياسة الرفق والاعتدال والوفاء بالعهد. وبنجاح الفتح الإسلامى تنفس أهالى «الأندلس» نسيم الحرية، فقد رفعت عنهم المغارم والأعباء، وعرف الناس سياسة التسامح والإنصاف، وأمنوا على حياتهم وأموالهم وحرياتهم، وعاشوا حياة العدل والمساواة، وترك لهم حق اتباع قوانينهم والخضوع لقضاتهم، ولم يظلم أحد بسبب دينه أو عقيدته، ولم يفرض الإسلام عليهم فرضًا، ومن أسلم عن طواعية ودون إكراه فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ومن بقى على دينه لم يكلف بأكثر من الجزية. مقابل حمايته والدفاع عنه وتأمين حقوقه. حريق السفن وخطبة طارق: يرتبط بفتح المسلمين للأندلس مسألة حرقهم لمراكبهم بعد عبورهم المضيق، والخطبة التى ألقاها «طارق» بعد هذا العبور. أما مسألة إحراق السفن فإن الدراسة التاريخية ترفض التصديق بقيام مثل هذا العمل من «طارق»، فلم يكن المسلمون فى حاجة إليه

ليخلصوا فى القتال ويتحمسوا له، لأن عملهم جهاد فى سبيل الله ينتظر المسلم من ورائه النصر أو الشهادة، وقتال من أجل عقيدة يفدونها بدمائهم وأرواحهم، كما أن إحراق السفن ليس عملا عسكريا مناسبًا، لأنهم فى حاجة إليها بصفة دائمة للاتصال ببلاد المغرب. وأما الخطبة المنسوبة إلى «طارق» والتى حث فيها المسلمين على الجهاد، وقال فيها: أين المفر .. البحر من ورائكم والعدو أمامكم .. ، فلا توجد كاملة فى المصادر الأندلسية الأولى، مما يشير إلى عدم شيوعها ويقلل من الثقة بواقعيتها. وأنها مليئة بالسجع المتكلف الذى لم يكن شائعًا فى ذلك العصر، كما أن طارقًا وأكثر جنوده كانوا من البربر، ولايتوقع أن تكون لغتهم العربية إلى هذا المستوى العالى من البيان، وهذا لايمنع أن يكون القائد قد ألقى كلمته فى جنده البربر بلغتهم التى يفهمونها، ثم جاء من كتاب العرب من نقل معانى تلك الخطبة إلى اللغة العربية، فأصابها شىء من التعديل والتغيير.

7 - 2:عهد الولاة بالأندلس

الفصل الثاني *عهد الولاة بالأندلس [97 - 138 هـ = 715 - 755 م]. يقصد بالولاة حكام الأندلس الذين عينتهم الحكومة الأموية فى دمشق، أو والى الشمال الإفريقى الذى كانت الأندلس تابعة له أحيانًا، وقد تولى على الأندلس خلال هذه الفترة (22) واليًا، حكم اثنان منهم مرتين، وهذا يعنى أن متوسط فترة حكم الوالى تقل عن سنتين، وهذا يعنى أن عدم الاستقرار هو السمة الغالبة على هذه الفترة، ويعود ذلك إلى اضطراب السياسة العامة بعد وفاة «الوليد بن عبدالملك» وانتشار العصبيات القبلية والشخصية، ونزاع العرب مع البربر. أيوب بن حبيب البلخى: قتل «عبدالعزيز بن موسى بن نصير» والى الأندلس عندما وثب عليه جماعة من الجند على رأسهم وزيره «زياد بن عذرة البلوى» أثناء صلاته بأحد مساجد «إشبيلية»، وذلك فى (رجب 97هـ = فبراير 716م)، لتبدأ فترة عهد الولاة. وقد آل أمر الأندلس إلى «أيوب بن حبيب البلخى» ابن أخت «موسى بن نصير»، وهو من العرب الذين اشتركوا فى فتح هذه البلاد، ثم استقروا بها، ورأوا أنهم أولى من غيرهم بحكم الأندلس، ولم تزد ولاية «أيوب» على ستة أشهر لم يفعل فيها شيئًا يذكر سوى نقله العاصمة من «إشبيلية» إلى «قرطبة» لأن موقعها أوسط وأقرب إلى منازل جماعات العرب فى الشرق، والجنوب، والجنوب الشرقى. الحر بن عبدالرحمن الثقفى: لم تجر الأمور على النحو الذى أراده «أيوب»؛ إذ قام والى إفريقية الذى تتبعه الأندلس بتعيين «الحر بن عبدالرحمن» واليًا عليها، ودام حكمه سنتين وثمانية أشهر، بدأت فى (ذى الحجة 98هـ = يوليو 717م)، واستطاع خلالها أن يقمع المنازعات التى كانت بين العرب والبربر، ويصلح الجيش، وينظم الإدارة، ويوطد الأمن. وينسب إلى «الحر» إقامته دار الإمارة فى «قرطبة» فى مواجهة «قنطرة الوادى»، وكانت من قبل مقرا للحاكم القوطى، فاعتنى بها «الحر» وسمى القصر والأرض الواسعة أمامه على ضفة النهر «بلاط الحر».

وبعد أن تولى «عمر بن عبدالعزيز» الخلافة عزل «الحر» عن ولاية الأندلس، لاضطراب النظام فى آخر عهده. السمح بن مالك الخولانى: كانت الأندلس تابعة لإفريقية من الناحية الإدارية، فلما ولى «عمر بن عبدالعزيز» جعلها تابعة للخلافة مباشرة لأهميتها واتساعها، وأقام عليها «السمح ابن مالك الخولانى» سنة (100هـ = 719م)، غير أن تبعية «الأندلس» لإفريقية عادت مرة أخرى فى عهد «يزيد بن عبدالملك». ويعد «السمح» من خيرة ولاة «الأندلس»، فضلا وصلاحًا وكفاءة وقدرة؛ حيث نظم شئون البلاد، وأعاد بناء القنطرة التى كانت مقامة على الوادى الكبير، وكانت قد تهدَّمت ولم يعد الناس يستطيعون العبور إلا فى السفن، وكان العرب فى أمسِّ الحاجة إلى قنطرة متينة يستطيعون العبور إليها من الجنوب إلى عاصمتهم الجديدة، كما أعاد الأمن والاستقرار إلى البلاد لحسن سياسته، وحمله الناس على طريق الحق، ورفقه بهم. ولم يكن «السمح بن مالك» كفءا من الناحية الإدارية فحسب، بل كان أيضًا قائدًا عسكريا ممتازًا قام بحملة شاملة، اخترقت «جبال البرت» من الشرق، وسيطر على عدد من القواعد هناك، واستولى على «سبتمانيا» وأقام حكومة إسلامية بها فى هذا الوقت المبكر، واتخذ من «أربونة» قاعدة للجهاد وراء «البرت»، وقد استشهد فى معركة مع النصارى عند «تولوز» فى يوم عرفة من سنة (102هـ = 721م)، فتولى القيادة «عبدالرحمن بن عبدالله الغافقى»، وأقر واليًا للأندلس حتى يأتى الحاكم الجديد. عنبسة بن سحيم الكلبى: قدم إلى الأندلس فى (صفر سنة 103هـ = 722م)، وكان كالسمح بن مالك صالحًا قويا، فأنفق وقته فى تنظيم الإدارة، وضبط النواحى، وإصلاح الجيش، وإعداده لغزوات جديدة، وقد عبر «عنبسة» بجيوشه «جبال البرت»، وتمكن من بسط سلطان المسلمين فى شرقى جنوب فرنسا، وفى أثناء عودته داهمته جموع من الفرنجة، فأصيب فى المعركة، ثم توفى سنة (107هـ = 725م).

وبعد «عنبسة» توالى على «الأندلس» سبعة من الولاة بين سنتى (107 - 112هـ = 725 - 730م) تفاقمت خلالها المشكلات، وازدادت الاضطرابات، وانتشر الخلل والخلاف بين الزعماء ورجال القبائل فى الأندلس، وتجددت المنازعات بين العرب البلدانيين (وهم العرب الذين طال بهم المقام والعمل فى إفريقية حتى سمو بالبلدانيين)، والشاميين، وهاجم الأعداء القواعد الإسلامية. عبدالرحمن الغافقى: ظلت الأمور تجرى على هذا النحو المضطرب حتى عُيِّن «الغافقى» واليًا على الأندلس من قبل والى «إفريقية»، فى (صفر 112هـ = مارس / إبريل 730م) لتبدأ فترة ولايته الثانية، وقد أيد الخليفة هشام بن عبدالملك ذلك الاختيار. وكان «الغافقى» من كبار رجالات الأندلس عدلاً وصلاحًا، وقدرة وكفاءة، نظَّم شئون البلاد، وأصلح نظم الحكم والإدارة، وعين أصحاب الكفاءات فى المناصب المختلفة، وقمع الظلم، ورد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم، وفرض ضرائب عادلة وعنى بتنظيم الجيش وإصلاحه، وأنشأ فرقًا من العرب والبربر، وحصن القواعد والثغور الإسلامية، وجمع أعظم جيش سيره المسلمون إلى فرنسا. موقعة بلاط الشهداء: فى أوائل سنة (114هـ = 732م) سار «الغافقى» بجيوشه نحو الشمال وعبر جبال «البرت» من طريق «بنبلونة» ودخل فرنسا؛ حيث قام بمعارك ناجحة ضد أعدائه، وفتح نصف فرنسا الجنوبى كله من الشرق إلى الغرب فى بضعة أشهر، وواصل زحفه المظفر حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار، وهناك احتشد له «شارل مارتل» بجيش ضخم من الفرنج والمرتزقة نصف العراة، ويتشحون بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية. استولى المسلمون على مدينتى «بواتيه» و «تور»، ثم فاجأهم العدو دون أن تشعر به طلائع المسلمين أو تحسن تقدير عدده، وأراد عبدالرحمن أن يقتحم «اللوار» ففاجأه «شارل مارتل» بجموعه الجرارة فارتد إلى السهل الواقع بين مدينتى «بواتيه» و «تور»،

وعبر جيش الفرنج «اللوار» وعسكر غربى الجيش الإسلامى. عزم «الغافقى» على لقاء العدو على الرغم من أن بعض قبائل البربر فى جيشه كانت تتوق إلى الانسحاب بما تحمله من غنائم كثيرة، وأن عدد جنوده قد قل بسبب تخلف حاميات كثيرة فى المدن والقرى المفتوحة. ودامت المعركة تسعة أيام دون أن يحقق الفريقان نصرًا حاسمًا، وفى اليوم العاشر أبدى كلا الطرفين غاية الجلد والشجاعة، وظهر الإعياء على الفرنج، وبدت علامات انتصار المسلمين، لكن حدث أن افتتح الفرنج ثغرة فى معسكر غنائم المسلمين وارتفعت فيه صيحة مجهول تقول إن معسكر الغنائم سيقع فى يد العدو، فارتدت قوات كبيرة إلى ماوراء الغنائم لحمايتها، واختلت صفوف المسلمين، وبينما يحاول «الغافقى» إعادة النظام إلى جيشه أصابه سهم أرداه من فوق جواده قتيلا، فعم الاضطراب بين المسلمين، وكثر القتل فيهم، واشتد الفرنج عليهم، لكنهم صبروا حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل فى (أوائل رمضان 114هـ = 21 أكتوبر 732م)، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم فى «سبتمانيا» تاركين غنائمهم. وفى فجر اليوم التالى تقدم «شارل» بحذر فوجد المعسكرات الإسلامية خالية إلا من الجرحى ومن لم يتمكنوا من مرافقة الجيش المنسحب فذبحوهم، وخشى «شارل مارتل» الخديعة فاكتفى بانسحاب المسلمين ولم يتعقبهم، وآثر العودة بجيشه إلى الشمال. وكان مقتل «الغافقى» خسارة فادحة للمسلمين، وضربة شديدة لمشاريع الخلافة فى الغرب؛ إذ أخفقت آخر محاولة بذلتها لفتح العالم الغربى. عبدالملك بن قطن الفهرى: تولى «عبدالملك بن قطن الفهرى» بعد استشهاد «الغافقى»، فعبر إلى الأندلس فى جيش من جند إفريقية فى أواخر سنة (114هـ = 732م) وسار إلى «أراجون» وهزم الثائرين فى عدة مواقع، ثم عبر جبال البرت إلى بلاد «البشكنس» سنة (115هـ = 733م)، وكانت أشد المقاطعات الجبلية مراسًا وأكثرها انتفاضًا وثورة، فشتت جندها

وألجأهم إلى طلب الصلح، ثم اضطر بعد ذلك إلى أن يرتد إلى الجنوب دون أن يتوغل كثيرًا فى أرض العدو، لقلة ما معه من الجند، ثم سخط عليه الزعماء، ودب خلاف بين القبائل، وأدى ذلك إلى عزله. عقبة بن الحجاج السلولى: تولى سنة (116هـ = 734م) بعد «عبدالملك بن قطن» وكان رجلاً عظيمًا مثل «الغافقى»، فنشر العدل ورد المظالم، وأنشأ المساجد ودور العلم ونظم الجيش، وتوغل فى أراضى «جليقية» شمالى الأندلس، واهتم بتحصين جميع المواقع الإسلامية، ومنح عناية خاصة لثغر «أربونة» واتخذه قاعدة للجهاد، وأمد رجاله بالجند والذخيرة. وكان يخرج للغزو كل عام على مدار خمس سنوات فى الجنوب والشمال الشرقى من فرنسا، حتى أصبح نهر «الرون» رباط المسلمين ومعقل فتوحاتهم بعد أن كان الفرنج قد استردوا مافى أيدى المسلمين، وقد استشهد «عقبة» فى معركة مع الأعداء سنة (121هـ = 739م)، فكان خاتمة الولاة المجاهدين وراء البرت. عبدالملك بن قطن: أقام عرب الأندلس «عبد الملك بن قطن» واليًا عليهم للمرة الثانية، فكان عهده بداية عهد من الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية؛ إذ اشتعلت ثورة البربر بسبب تعصب العرب لبنى جنسهم وتعاليهم على غيرهم، وكان معظم هؤلاء من «القيسية» الذين يرون أن الدولة الأموية دولتهم، على حين كان العرب البلدانيون ومعظمهم من «اليمنية» بعيدين عن هذه النزعة. وقام البربر فى الأندلس أثناء ثورتهم بإخراج العرب من المناطق التى شكلت أغلبية بربرية، وبخاصة «جليقية» ومناطق نهر تاجة وغيرها، وظن «عبدالملك بن قطن» وهو كبير البلدانيين أن الثورة موجهة ضد الشاميين، ثم مالبث أن تبين أنها موجهة إلى العرب جميعًا، وأن البربر يسيرون فى جيوش ثلاثة: واحد منها متجه إلى «طليطلة»، والثانى نحو «قرطبة»، والثالث نحو «الجزيرة الخضراء». وفى تلك الأثناء كان «بلج بن بشر القشيرى» أحد قادة والى المغرب محاصرًا فى «سبتة» مع عشرة آلاف من جنده من قبل البربر

الذى ثاروا فى إفريقية ضد العرب، تلك الثورة التى انتقلت أصداؤها إلى الأندلس، فثار البربر هناك ضد العرب. وقد استغاث هؤلاء المحاصرون بوالى الأندلس «عبدالملك بن قطن» وطلبوا منه أن يسمح لهم بالعبور إليه لمعاونته فى القضاء على ثورة البربر، فاستجاب على مضض، وطلب من «بلج» أن يعود بمن معه إلى شمال إفريقيا متى صلحت الأحوال. وقد حقق هؤلاء مع «عبدالملك» انتصارات على البربر فى شذونة، وقرطبة، ثم فى معركة حاسمة قرب طليطلة عند وادى سليط قرب الجزيرة الخضراء فى أوائل سنة (124هـ = 742م)، وأخذ العرب الشاميون يطاردون البربر، فتركوا أراضيهم فى الوسط والشمال الغربى، وعادوا إلى إفريقيا فى هجرات جماعية تركت آثارًا سيئة على مستقبل المسلمين فى الأندلس. وكان من نتيجة تلك الهجرات أن تركت الأراضى شمالى نهر تاجة خالية من المسلمين تقريبًا، فامتد إليها نفوذ نصارى الشمال، فساحوا فيها، ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت تلك الأراضى نصرانية، وخسر المسلمون بذلك ربع شبه الجزيرة، نتيجة انقسامهم وتفرقهم. رفض «بلج» العودة إلى المغرب حسب الاتفاق، وقام بعزل «عبدالملك» وزعم أنه الوالى الرسمى بتأييد من اليمانية، وانقسمت الأندلس إلى معسكر للشاميين يضم مائتى ألف، وآخرللعرب البلدانيين ضم مائة ألف، ونشبت معارك قتل فيها «بلج» ومع ذلك انتصر الشاميون، وولوا على الأندلس «ثعلبة بن سلامة العاملى» فى (شوال سنة 124هـ = أغسطس742م)، فحاول أن يعيد الأمن والاستقرار، لكن الحكومة كانت قد ضعف سلطانها، وانقسمت البلاد إلى عدة مناطق نفوذ، واشتعلت الحرب من جديد، ولم ينقذ الموقف إلا قدوم الوالى الجديد. أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبى: أرسله والى إفريقية فقدم إلى «الأندلس» فى (رجب سنة 125هـ = مايو 743م)، وبدأ ولايته بتأمين العرب البلدانيين والبربر على ممتلكاتهم ومصالحهم، وحال بين الشاميين وبين إيذائهم، وعمل على

القضاء على المنازعات القبلية بين السكان، ورأى بعد نصيحة ذوى الرأى أن يفرق الشاميين فى مناطق لايوجد فيها بلدانيون أو يمنيون، ويستقر كل فريق منهم بناحية ويأخذ ثلث خراج الأرض مقابل أن يقدموا عددًا معينًا من الجند، كلما طلبت السلطات منهم ذلك، كما تتبع الزعماء الخارجين وسلك معهم سبيل الحزم، وكان عادلا؛ فَرضى عنه الجميع. غير أن «أبا الخطار» مالبث أن تخلى عن تلك السياسة الحكيمة، ومال إلى قومه من اليمنية وتنكر للمُضَرية، فعادت المعارك بينه وبين خصومه من جديد، وقتل بعضهم بعضًا، وانفضت عنه جنده، وعمت الفوضى البلاد إلى أن تولى الفهرى. يوسف بن عبدالرحمن الفهرى: تولى الأندلس سنة (129هـ = 747م) دون مصادقة من إفريقية أو من دمشق التى كانت قد بدأت فترة من الضعف فلم تتمكن الخلافة من الإشراف على الولايات، واستقلت الأندلس بشئونها. استقل «يوسف» بولاية الأندلس نحو عشرة أعوام، واتفق مع «الصميل ابن حاتم» زعيم المضرية على أن يتداولا السلطة فيما بينهما، لكن الأمور لم تستقر، وتجدد النزاع بين المضرية واليمنية، ولم تستقر الأوضاع ليوسف إلا بعد مقتل زعيم اليمنية سنة (130هـ = 748م). وقد حاول «يوسف» إصلاح الدولة، فنظم شئونها المالية، وقسم البلاد إلى خمس ولايات إدارية على نحو ماكانت عليه زمن القوط، كما عنى بتنظيم الجيش وإصلاحه، والقضاء على خصومه، وشغلت الخلافة بمشاكلها عن الأندلس. ثم ظهر فى شمال البلاد رجل يدعى «عامر بن عمرو بن وهب العبدرى»، وبدأ يراسل الخليفة العباسى «أبا جعفر المنصور»، وعين نفسه واليًا على الأندلس، وأصبح الشمال فى قبضته، وخرج عن سلطان «يوسف» الذى توجه إلى «سرقسطة»، وحاصرها بشدة سنة (137هـ = 754م) حتى استسلم «عامر»، ثم اتجه «يوسف» بعد ذلك إلى «طليطلة». وفى طليطلة جاء رسول من قرطبة بخبر مؤداه أن فتىً من بنى أمية يدعى «عبدالرحمن بن معاوية» قد نزل فى ثغر المنكب بالأندلس،

واجتمع حوله أشياع بنى أمية فى كورة غرناطة، وأن دعوته انتشرت بسرعة فى الجنوب، وقد ذاع هذا الخبر فى جند يوسف فأحدث فزعًا واضطرابًا، وتفرق عنه جنده، فاضطر هو و «الصميل» بالعودة بمن معهما متوجهين إلى قرطبة؛ لمواجهة هذا الخطر الداهم، وكان ذلك سنة (138هـ= 755م). وأثناء هذه الفتن استولى الفرنج على جميع القواعد الإسلامية فى الشمال ماعدا «أربونة» أمنع قلاع المسلمين فيما وراء جبال البرت، وقد قاوم المسلمون بها، وصبروا على مدار أربعة أعوام، ولم تستسلم إلا بعد خيانة القوط بها، وقد دخلها الفرنج، وخربوا مساجدها ومعاهدها ودورها سنة (142هـ = 759م)، وبذلك انتهى الوجود الإسلامى فيما وراء جبال البرت بعد أن استمر هناك ما يقرب من نصف قرن، وقد حدث هذا فى الوقت الذى كانت فيه قوى الإسلام فى شبه الجزيرة مشغولة بتمزيق بعضها بعضًا. وقد استفادت المجموعة التى اعتصمت فى جبال «استوريا» و «جليقية» فى شمالى غرب إسبانيا، والتى عرفت بمجموعة «بلاى» من هذا التمزق، وأخذت تنمو مع الزمن، ويشتد ساعدها ابتداءً من القرن الثامن الميلادى حتى صارت شوكة فى جنب المسلمين هناك. وأدت الحروب المتوالية بين العرب بعضهم بعضًا، وبينهم وبين البربر إلى مجاعة شديدة بلغت أقصاها سنة (136هـ = 753م)، وترتب عليها تزايد حركة الهجرة إلى إفريقية وقلة عدد المسلمين فى شبه الجزيرة الأيبيرية، ولايستثنى من ذلك سوى إقليم «سرقسطة» الذى كان معظم سكانه من اليمنيين، فاستقروا به واشتغلوا بالزراعة.

7 - 3:الدولة الأموية بالأندلس

الفصل الثالث *الدولة الأموية بالأندلس عهد الإمارة الأموية الأندلسية [138 - 316هـ = 755 - 928م]. عبدالرحمن الداخل يحكم الأندلس (138 - 172هـ = 755 - 788م): سقطت الدولة الأموية بالمشرق سنة (132هـ = 749م)، واضطهد العباسيون الأمويين، وطاردوهم فى كل مكان، لكن واحدًا منهم هو «عبدالرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبدالملك» تمكن من الوصول إلى الأندلس، بعد أن عبر فلسطين ومصر، ثم لحق به مولاه «بدر» وهو رومى الأصل، ومولاه «سالم» ومعهما شىء من المال والجواهر، ثم وصل «عبدالرحمن» إلى «برقة» والتجأ إلى أخواله من «بنى نفزة» - من برابرة طرابلس - وأقام عندهم مدة، ثم غادر إلى المغرب الأقصى، وتجول هناك، متغلبًا على ما قابله من صعاب، وأقام حينًا عند شيوخ البدو، وحينًا عند بعض رجال قبيلة زناتة، وكان أثناء ذلك يدرس أحوال الأندلس، ويرقب الفرصة المناسبة للعبور إليها. وقد اتصل بمعونة مولاه «بدر»، الذى كان قد نزل بساحل «لبيرة» فى كورة «غرناطة» موطن أهل «الشام» بموالى خلفاء البيت الأموى والقرشيين عامة، وبالكلبية اليمنية، خصوم الوالى يوسف الفهرى، ثم عبر عبدالرحمن إلى الأندلس فى ربيع سنة (137هـ = 754م)، ونزل بثغر «المنكبّ» لموقعه الممتاز، وقد التف الناس حوله بما فى ذلك جماعات البربر، على أمل أن ينقذهم من الأوضاع المتردية. تقدم عبدالرحمن نحو العاصمة «قرطبة»، وجمع «يوسف الفهرى» و «الصميل» ما أمكنهما من قوات، والتقى الفريقان عند «المصارة» أو «المسارة» بالطرف الغربى، وتمكن عبد الرحمن من تحقيق انتصار حاسم، دخل على إثره قرطبة وصلى بالناس الجمعة، وخطب الجند، وعُد ذلك اليوم ميلادًا للدولة الأموية فى الأندلس، ولقب «عبدالرحمن بن معاوية» بعبدالرحمن الداخل، لأنه أول من دخل الأندلس من بنى أمية حاكمًا. ولم يكن عمر «عبدالرحمن الداخل» حين حقق هذا الإنجاز يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، لكنه كان رجل الموقف، شحذت همته

الخطوب والمحن، وأعدته لحياة النضال والمغامرة، فقضى بقية عمره اثنين وثلاثين عامًا فى كفاح مستمر، لاينتهى من معركة إلا ليخوض أخرى، ولايقمع ثورة إلا تلتها ثورة، ولم تبق بالأندلس ناحية أو مدينة إلا ثارت عليه، ولاقبيلة إلا نازعته فى الرياسة، فكانت الأندلس طوال عهده بركانًا يشتعل بنيران الحرب والثورة والمؤامرة، لكنه صمد لتلك الخطوب جميعًا، واستطاع بما أوتى من حزم وحسن سياسة وبعد الهمة والجلد والإقدام أن يغالب تلك الأخطار والقوى وأن يقبض على زمام الأمور بالأندلس بيده القوية. وقد تصور اليمنيون أن من حقهم ماداموا قد ناصروا «عبدالرحمن» أن يفعلوا ما يشاءون، فينشروا الفوضى ويستولوا على أموال الناس، ويغرقوا البلاد فى مستنقع العصبيات القبلية كما كان الحال من قبل، لكن عبدالرحمن أثبت أنه لايفرق بين شامى أو بلدى، أو بين بربرى ويمنى، فجميعهم يضمهم وطن واحد، وعليهم أن يخضعوا لسلطان العاصمة المركزية. غير أن تلك السياسة لم تعجب اليمنيين، وعدُّوها لونًا من الجحود والنكران فثاروا عليه، لكنه تمكن من القضاء عليهم فى الجزيرة الخضراء، وإشبيلية، وطليطلة، وباجة، معتمدًا على حشود البربر وأهل البلاد وأعوان بنى أمية. ولعل من أخطر الثورات التى واجهت عبدالرحمن ثورة «العلاء بن مغيث الحضرمى»، من وجوه باجة ومن ذوى الرئاسة بها، وكان قد كاتب «أبا جعفر المنصور» الخليفة العباسى، واستصدر منه سجلا بولاية الأندلس، وجمع حوله جندًا عظيمًا، ورفع العلم الأسود شعار العباسيين سنة (146هـ = 763م)، فاشتعلت باجة بنيران الثورة، وتحالفت «شذونة» مع الثائر، فخرج عبدالرحمن من قرطبة ولجأ إلى الدفاع أولا، فلما ضعف خصمه تحوَّل إلى الهجوم، ونشبت معارك هزم فيها العلاء وتشتت جنده، وقتل الآلاف بما فيهم العلاء نفسه، وحمل عبدالرحمن رءوس الزعماء والقادة وبعث بها إلى القيروان، ووضع رأس العلاء فى سفط ومعه اللواء الأسود، وسجل المنصور

بتوليته، وحمله بعض ثقاة التجار إلى مكة، وكان المنصور يحج، وألقى هذا أمام سرادقه، فلما حمل إليه قال: «مافى هذا الشيطان مطمح، فالحمد لله الذى جعل بيننا وبينه البحر». ولم يكن على عبدالرحمن أن يواجه مشاكل الجنوب فقط بل شمالى الأندلس أيضًا، فقد ثار عليه «سليمان بن يقظان» والى «برشلونة» و «الحسين بن يحيى» والى «سرقسطة»؛ مستغلين طبيعة بلادهم الجبلية وانشغال عبدالرحمن بحركات الثائرين فى الجنوب، ثم استفحل خطرهم بعد انتصارهما على جيش أرسله عبدالرحمن. ولم يكتفِ الثائران بذلك بل قدما على رأس وفد إلى «شارلمان الأكبر» إمبراطور الدولة الفرنجية، وكان فى ولاية «سكونيا» شمالى ألمانيا حاليا، واقترحا عليه غزو الولايات الأندلسية الشمالية، وتعهدا بمعاونته ضد عبدالرحمن، وأن يعمل جميعهم على خلعه، وتسليم البلاد إلى شارلمان والخضوع له. وقد رحب شارلمان بهذا العرض واجتاز جبال البرت، والتقى بحلفائه على نهر الإيرو عند سرقسطة، لكن حاكم سرقسطة عدل عن موقفه فى آخر لحظة، ورفض تسليم مدينته لشارلمان، وحصّنها فتمكنت من رد هجماته عليها، وكذلك فعل والى برشلونة، واضطر «شارلمان» أن يرتد إلى بلاده بسبب ثورات قامت عليه سنة (161هـ = 778م)، وهكذا شاءت العناية الإلهية أن يبوء عاهل الفرنج بالفشل بعد أن اختلف معه هؤلاء الخارجون على عبدالرحمن، وانقلبوا إلى مقاومته. وفى الوقت الذى كانت تجرى فيه هذه الحوادث فى الشمال، كان عبدالرحمن فى الجنوب يحارب الثائرين عليه، فقضى على ثورة مؤيدة للعباسيين فى «مرسية»، وقمع ثورات أخرى فى غرناطة وطليطلة والجزيرة الخضراء، ثم توجه إلى سرقسطة فى جيش ضخم وعقد صلحًا مع الثائرين بها، ثم عاد إليها مرة أخرى فحاصرها وضربها بالمنجنيق، ثم اتجه إلى الشمال الشرقى واخترق بلاد البشكنس، ففرض عليها الجزية، ثم عاد مظفرًا إلى قرطبة سنة (167هـ = 783م) وبعدها عقد صداقة مع شارلمان استمرت بقية

حياته، ثم قاد حملة سنة (168هـ = 784م) إلى طليطلة؛ حيث هزم زعيم الفهرية هناك بعد معارك شديدة وقتال فى أكثر من موقع. ولما شعر عبدالرحمن بهدوء نسبى، استدعى بنى أمية من المشرق، فأقبل إليه كثيرون، استعان بهم فى تحمل بعض المسئوليات، لكنه فوجئ بأن من بينهم من ينقم عليه، ويقيم ضده المؤامرات، فاضطر إلى أن يعتمد على المخلصين من موالى بنى أمية ومن انضم إليه من أهل البلاد، بالإضافة إلى قوة من الصقالبة اشتراهم صغارًا من بلاد النصارى ورباهم تربية إسلامية، ونشأهم تنشأة عسكرية، وأصبح هؤلاء عنصرًا أساسيا من عناصر القوة السياسية فى الأندلس. وتُوفِّى عبدالرحمن فى (10من جمادى الآخرة 172هـ = 16 من أكتوبر 788م) بعد حياة طويلة قضاها فى كفاح متواصل، ومواجهة للصعاب والأهوال، وأقام ملكًا ودولة فوق بركان يضطرم بالثورات والمؤامرة، وأثبت أنه بطل فريد من أبطال التاريخ، لا يجود الزمان بمثله كثيرًا، فتى شريدًا بلا أنصار وأعوان يفر من الموت الذى تعرضت له أسرته، لكنه يستغل ظروف الأندلس فيقودها بكثير من الدهاء والحزم والعزيمة والذكاء، ويقيم دولة على أسس إدارية وسياسية ومالية ثابتة. ويزيد من قيمة ما قام به أن من حكمهم تعودوا على الفوضى والأنانية، وتقديم المصالح الشخصية على المصالح القومية، ولم يكن باستطاعة عبدالرحمن إلا أن يعامل هؤلاء بما يستحقون من شدة وقسوة، لكنه أصبح فى أخريات أيامه شديد الاستبداد، لايقبل المناقشة من أحد حتى مولاه «بدر» غضب عليه، وأقصاه بعد طول خدمة. وأفضل ماتميز به؛ عقله المرتب وأسلوبه المنظم، فقد كان يدرس مشاكله، ويتلقى أخبار الثورات بجنان ثابت، ثم يرسم خطته للقضاء عليها، ويصفه ابن حيان أمير مؤرخى الأندلس بقوله: «كان راجح العقل، واسع العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم .. متصل الحركة لايخلد إلى راحة، ولايسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لاينفرد فى إبرامها برأيه، شجاعًا، مقدامًا .. ».

نظام حكومة عبدالرحمن: لم يكن هناك نظام لولاية العهد، وكان اختيار ولى العهد يترك للأمير، وأنشأ عبدالرحمن منصب الحجابة، وأحاط نفسه بمجموعة من الأعوان يساعدونه فى القيام بمهام الحكم بدلا من الوزراء، وقد اختارهم فى أول الأمر من بين أعوانه الذين استقبلوه وقاتلوا معه، فكانت حكومته عربية شكلا وروحًا، ثم مال إلى البربر والموالى بعد أن استراب فى العرب وشك فى ولائهم له، لثوراتهم المتعددة عليه. وقد منح الجيش عناية خاصة، فجنَّد مائة ألف عدا حرسه البالغ أربعين ألفًا من العرب والموالى والرقيق، كما عنى بالبحرية فى أخريات حياته، وأنشأ عدة قواعد لبناء السفن. عناية الداخل بالإنشاء والتعمير: عنى «عبدالرحمن الداخل» عناية فائقة بالإنشاء والتعمير فى قرطبة على الرغم من كثرة مشاغله، فحصَّن العاصمة وزينها بالحدائق، وأنشأ منية الرصافة وقصرها العظيم فى الشمال الغربى على بعد (4) كم من قرطبة، وقد أحاطها بالحدائق الزاهرة، وأطلق عليها الرصافة، تخليدًا لذكرى الرصافة التى أنشأها جده «هشام بن عبدالملك» بالشام، وكان هذا القصر يطل من ناحية الجنوب على الحقول التى تفصله عن قرطبة، ويطل من الشمال على أرض واسعة تسمى «فحص السرادق»، وقد اتخذ عبدالرحمن من ميدانها الفسيح منازل لجنده وقواده، ومكانًا يتدرب فيه الجنود بصورة مستمرة ومنتظمة. كما بدأ عبدالرحمن سنة (150هـ= 767م) فى إنشاء سور قرطبة الكبير الذى استمر العمل فيه أعوامًا، كما أنشأ مساجد محلية كثيرة فى قرطبة وغيرها، وعلى رأسها المسجد الأموى الجامع الذى بدأ فى إنشائه سنة (170هـ = 786م)، وجلب إليه الأعمدة الفخمة، والرخام المنقوش بالذهب واللازورد؛ وبلغ ما أنفقه عليه 100 ألف دينار، ثم زاد خلفاؤه من بعده فى هذا العمل، حتى أصبح أعظم مساجد الأندلس. ويقع هذا المسجد فى الجهة المقابلة لقصر الإمارة، وبينهما مساحة واسعة استغلها عبدالرحمن فى إنشاء قصر خاص لنفسه، وعدد من

القصور الصغيرة لآل بيته، أحاطها بالحدائق الغناء، وبسور يدور حولها، وقد امتدت هذه القصور حتى وصلت إلى ضفة نهر الوادى الكبير، فبنى عبدالرحمن قصور الإدارة ناحية النهر، وفتح بابًا فى الشارع بين النهر والسور سمى «باب السدة»، فتح للجمهور، ويفضى إلى المكاتب الحكومية، وإلى جانب باب السدة خُصِّصت مواقع الكتَّاب الذين يعاونون الناس فى كتابة شكاواهم وطلباتهم، والذين يشبهون من نسميهم اليوم بالكتاب العمومين. ومن منشآت عبدالرحمن التى بناها فى قرطبة، «دار السكة» لضرب النقود على النحو الذى كانت تضرب عليه نقود بنى أمية فى المشرق من حيث الوزن والنقش. هشام الأول بن عبدالرحمن المعروف بالرضى [172 - 180هـ = 788 - 796م] خلف «هشام» أباه «عبدالرحمن» على حكم الأندلس، الذى اختاره لا لأنه أكبر أبنائه، بل لما توسَّمه فيه من المزايا الخاصة، وقد أبدى «هشام» لينًا وورعًا، وحسن سياسة، وبصرًا بالأمور، فجذب الناس إليه بإقامته للحق وتحريه للعدل، ومعاقبته للولاة المقصرين. ولم يعكر صفو أيام «هشام» إلا اشتعال بعض الثورات، منها: الثورة التى قام بها أخواه «سليمان» و «عبدالملك»، وانتهت بالصلح سنة (174هـ = 790م) على أن يقيما بعدوة المغرب، كما قاد حملة على نصارى الشمال الذين أغاروا على البلاد، فنجح فى القضاء عليهم سنة (175هـ = 791م) ثم تكررت حملاته عليهم، حتى قضى على محاولاتهم التي استهدفت التوسع جنوبًا. وأهم ما يتميز به عهد «هشام» ذيوع مذهب الإمام «مالك بن أنس»، وحلوله محل مذهب الأوزاعى إمام أهل الشام الذى اتبعه الأندلسيون، وكان الإمام مالك معاصرًا لهشام بن عبدالرحمن، كثير الثناء عليه، وقد وفد بعض الأندلسيين إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك، أمثال: الغازى بن قيس، وزياد بن عبدالرحمن المعروف بشيطون، وغيرهما، فلما عادوا إلى الأندلس رحَّب بهم هشام، وسمح لهم بتدريس مذهب «مالك»، وأخذ القضاة يصدرون أحكامهم بناءً عليه،

واتخذ منهم هشام كبار قضاته ومستشاريه، وشيئًا فشيئًا أصبح المذهب المالكى هو المذهب الرسمى للدولة. وحرصت الإمارة الأندلسية على جعل اللغة العربية لغة الدواوين الرسمية، ولغة الدرس والتعليم، ولم تكن تقبل إلا ما هو عربى، وكان ذلك اتجاهًا عاما سار عليه الأمويون فى حياتهم وتبعهم الناس فى ذلك، وبلغ من اهتمام هشام بالعربية أن جعلها لغة نصارى الأندلس ويهودها، وترجم إليها الكتاب المقدس ونصوص الصلوات، وساعد ذلك كله على التحول إلى الإسلام، وانتشار اللغة العربية وأصبحت الأندلس مركزًا من أهم مراكز الحضارة العربية. ويكاد يجمع المؤرخون على أن «هشاماً» كان رقيقًا تقيا، صارمًا فى الحق، محبا للجهاد، أنفق كثيرًا من الأموال فى فداء الأسرى، كما كان شغوفًا بالإصلاح والتعمير، فأتم بناء مسجد قرطبة الجامع، وأنشأ مساجد أخرى، وزين «قرطبة» بكثير من الحدائق والمبانى، وجدَّد قنطرة قرطبة التى بناها «السمح بن مالك»، ونظَّم وسائل الرى، وجلب إلى الأندلس الأشجار والبذور. وكان هشام يحب مجالس العلم والأدب، وبخاصة مجالس الفقه والحديث، فقرَّب إليه الفقهاء والعلماء، وبوَّأهم أهم المناصب، خلافًا لما كان عليه زمن والده، وقد ترتب على ذلك نتائج سياسية واجتماعية ظهرت فيما بعد. الحكم الأول بن هشام المعروف بالربضى [180 - 206هـ = 796 - 822م] بدأ «الحكم» عهده بالجهاد ضد البشكنس (ثافارا)، لكنه اضطر إلى تركه لمواجهة الثورات التى اشتعلت ضده فى الثغر الأعلى سنة (181هـ = 797م)، وكان عمَّاه «سليمان» و «عبدالله» قد أتيا إليها سرا واتصلا بملك الفرنج وطلبا مساعدتهما، ولما علم «الحكم» سار بجيوشه إلى الشمال، فاضطر الفرنج إلى الانسحاب، فأحكم سيطرته على هذه المناطق، وفى هذه الآونة حاول عمَّاه الإغارة على قرطبة، فعاد الحكم وهزمهما، وقتل «سليمان»، على حين فرَّ «عبد الله» إلى «بلنسية» والتزم الهدوء طوال فترة الحكم.

وفى سنة (185هـ = 801م) سير «شارلمان»، جيشًا لغزو «برشلونة»، وكان الحكم مشغولا بمطاردة الخارجين عليه، فلم يتمكن من نجدة المدينة، فسقطت بعد كفاح مشرف، وقد استقل حكام القوط بهذه المنطقة عن الفرنج بعد فترة وأنشئوا إمارة «قطلونية» النصرانية، التى اتحدت مع مملكة أراجون، وتمكنوا من غزو الجانب الشرقى من مملكة الإسلام فى الأندلس، وخسر المسلمون بذلك حصنًا منيعًا، وارتدت حدود الأندلس إلى الثغر الأعلى بعد أن كانت قد تجاوزت جبال البرت. ولم تهدأ العواصف والثورات ضد الحكم، فاكتشف فى سنة (189هـ = 805م) مؤامرة للإطاحة به، لكنه أحيط علمًا بما يدبره خصومه فقضى عليهم، وأعدم (72) منهم فى صورة بالغة القسوة، مما أثار غضب أهل قرطبة وحنقهم عليه، كما قضى على الثورات المتكررة التى قام بها أهالى طليطلة، مستخدمًا أسلوب القتل والاغتيال، حتى إن واليه على طليطلة أعد وليمة دعا إليها كبار زعماء طليطلة، ثم أعدمهم، وألقى جثثهم فى حفرة خلف القصر سنة (191هـ = 807م)، وفى تلك الأثناء غزا الفرنج الثغر الأعلى وحاصروا مدينة «طرطوشة» لكن المسلمين تمكنوا من هزيمتهم، وإنقاذ المدينة المحاصرة سنة (193هـ =809م)، كما توالت حملات النصارى على أطراف الثغر الأدنى والمنطقة التى بين نهرى دويرة والتاجة لبعدها عن قرطبة، وضعف وسائل الدفاع عنها، وعانى المسلمون كثيرًا فى تلك المناطق من جراء تلك الغزوات، ولما بلغت الأنباء مسامع «الحكم بن هشام» خرج بنفسه سنة (194هـ = 810م) على رأس جيشه، وهزم النصارى فى عدة مواقع وأسر وغنم غنائم كثيرة، كما أرسل فى العام التالى جيشًا إلى الثغر الأعلى، غزا قطالونية، وهاجم برشلونة، وانتهى الأمر بصلح دام حتى وفاة «شارلمان» سنة (198هـ= 814م)، ثم كانت آخر غزوات الحكم سنة (200هـ = 815م) إلى «جليقية» حيث توغل المسلمون فيها، ونشبت بينهم وبين النصارى مواقع حربية، انتهت بهزيمة النصارى وارتدادهم إلى الداخل.

وفى أواخر عهد الحكم اشتعلت فى «قرطبة» ثورة عنيفة سميت ثورة الربض، بسبب كراهية «المولِّدين» للحاكم، وبغضهم له لصرامته وقسوته، واتهامهم له بممارسة اللهو والشراب، والمبالغة فى فرض الضرائب، وقد تأجج لهيب الثورة فى الربض الجنوبى المسمى «شقندة» بصفة خاصة يوم (13 من رمضان 202هـ = 25 من مارس 818م) وتوجه الثوار إلى القصر، وتأهب الحكم ورجاله لردِّهم، وقد نجحوا فى ذلك، ثم مالبث أن شقت قوات الحكم طريقها إلى النهر، وعبرته إلى الضاحية الأخرى موطن الثائرين وأضرمت النيران فى جوانبها، فأسرع الثوار إلى دورهم، لإطفاء النيران وإنقاذ الأهل والعشيرة. وفى هذه اللحظة أحاط الجنود بالثوار، وأوسعوهم قتلا ومطاردة ونهبوا دورهم، واستمرت هذه المأساة ثلاثة أيام، فرَّ خلالها إلى طليطلة من استطاع، ثم نودى بالأمان بعد أن هدأت الفتنة، ثم أصدر الحكم قرارًا بهدم دور الثوار ولاسيما فى الضاحية التى شهدت ميلاد الثورة، فتم محوها تمامًا، ثم أمر بإخراج الثائرين من قرطبة، فتفرقوا فى الثغور، وعبر بعضهم إلى العدوة الأخرى بالمغرب، وهاجر بعضهم إلى طليطلة وشمالى غربى الأندلس. كما ركب نحو (15) ألفًا منهم سفنًا رست بهم فى ميناء الإسكندرية، حيث أقاموا فيها، غير أن والى مصر «عبدالله بن طاهر» أجبرهم على الرحيل، فتوجهوا إلى جزيرة «كريت» وفتحوها سنة (212هـ = 827م)، وأسسوا بها دولة زاهرة، بقيت هناك إلى أن استولى عليها البيزنطيون سنة (350هـ = 961م). وعلى الرغم من نجاح «الحكم» فى القضاء على هذه الحركة الثائرة، فإن أهل «قرطبة» تضاعفت كراهيتهم له، وزاد من نفورهم منه ما فرض عليهم من ضرائب. مرض الحكم بعد ذلك، وأخذ البيعة لولى عهده فى حياته، وأبدى أسفه لما وقع منه لأهل الربض، ثم مات فى (26 من ذى الحجة 206هـ = 22 من مايو 822م) بعد أن لُقِّب بالربضى، نسبة إلى ماقام به من أعمال شنيعة فى منطقة الربض الجنوبى.

ولم يكن الحكم الربضى كأبيه محبا للعلماء والفقهاء، فتراجعت مكانتهم فى زمنه وآثر عليهم حضور مجالس الإماء والشعراء، وانصرف إلى حياة اللهو والصيد. ويُعدُّ الحكم أول من أظهر هيبة الملك بالأندلس وفخامته، ورتَّب للبلاط نظمه ورسومه، واستكثر من الموالى، فظهر «الصقالبة» بكثرة فى بلاطه، وأسند إليهم معظم شئون الحكم والحرس الخاص، ووصل بهم إلى مراتب القيادة والرياسة، كما كانت له شرطة قوية وعيون على الناس. وضمَّت حكومته شخصيات بارزة فى تاريخ الأندلس، منهم: «ابن مغيث» الذى تولَّى حجابته، واستحدث منصبًا يهتم بشئون أهل الذمة، سمَّى شاغله بالقومس أو «القمط». وعلى الرغم من اشتعال الفتن والثورات فى عهد الحكم، فقد ازدهرت العلوم والآداب ونبغ عدد كبير من الكتاب والشعراء والعلماء، منهم «عباس بن ناصح الثقفى»، وابنه «عبدالوهاب»، و «أبو القاسم عباس بن فرناس»، و «يحيى الغزال». عبدالرحمن الثانى (الأوسط) بن الحكم [206 - 238هـ = 822 - 852م] تولى «عبدالرحمن» الحكم فى (27 من ذى الحجة 206هـ = 822م) بعهد من أبيه؛ وكان «عبدالرحمن» منذ صغره شغوفًا بدراسة الأدب والحديث والفقه، ذا عقل مستنير، خبيرًا بشئون الحرب والسياسة، هادئ الطباع، حسن العشرة، متقربًا إلى الناس، حازمًا فى أمره، ولهذا كان مؤهلاً لإزالة ما خلفته إمارة أبيه الحكم من آثار سيئة. وقد واجه «عبدالرحمن» فى أول ولايته سنة (207هـ = 823م) ثورة فى «بلنسية» دامت عدة سنوات، ولم تنته إلا فى سنة (213هـ = 828م) حيث نجح فى القضاء عليها وإخماد فتنتها، كما واجه ثورة فى قرطبة نجح فى القضاء عليها أيضًا. استأنف «عبدالرحمن الثانى» برنامجه فى الجهاد مبكرًا، فأرسل فى سنة (208هـ = 823م) حملة عسكرية بقيادة «عبدالكريم بن عبدالواحد بن مغيث» إلى «ألبة والقلاع» بعد أن أغار ملك جليقية (ليون) على مدينة سالم فى الثغر الأعلى، وقد نجحت الحملة فى إلحاق الهزيمة

بالنصارى فى عدة مواقع، وخربت مدينة «ليون» وأحرقت حصونها، وأطلقت سراح المسلمين، وألزمت القوات المعتدية بدفع جزية كبيرة وعادت الحملة بقيادة «عبدالكريم» إلى قرطبة مثقلة بالغنائم، وكانت تلك آخر غزوات هذا القائد المظفر الذى استمر يدافع عن الأندلس فى ميادين القتال أكثر من ثلاثين سنة؛ حيث توفى فى سنة (209هـ = 824م) ثم تعرَّضت البلاد لعدد من الثورات والفتن والقلاقل فى «طليطلة» و «ماردة» دامت سنوات طوال، واستنفدت كثيرًا من الجهد والمال وإراقة الدماء حتى تمكن «عبدالرحمن» من القضاء عليها. عاود «عبدالرحمن» نشاط الجهاد، فبدأ يرسل الصوائف كل عام إلى الشمال تارة إلى أطراف الثغر الأعلى لتشتبك مع الفرنجة، وتارة إلى «ألبة والقلاع» حيث تغير على بلاد البشكنس وأطراف مملكة جليقية (ليون)، وكان أحيانا يقود تلك الصوائف، مثلما فعل سنة (228هـ = 843م) حيث سار بجيشه إلى الشمال، وزحف على بلاد البشكنس، وألحق بملكها الهزيمة، واضطر إلى طلب الأمان، وعاد عبدالرحمن إلى قرطبة بعد أن وطد نفوذه هناك، وفرض هيبته وقوته على البشكنس، حتى لايتجرءوا على مهاجمة أراضى المسلمين مرة أخرى. غزوات النورمان: المقصود بالنورمان: هم أهل الشمال سكان اسكنديناوه ودانيماركه، الذين اشتهروا بجوب البحار ومحاولة التغلب على قسوة الجليد وأهوال الطبيعة، وبدأت جموعهم تغزو فرنسا وشواطئ أوربا الغربية فى أوائل القرن التاسع الميلادى، تحملهم سفن صغيرة ذات أشرعة سوداء، تدخل مصبات الأنهار، وتنشئ لها مراكز داخل البلاد، وتغير على المدن وتنهب خيراتها، ثم توقد النيران للتعمية، ثم تهرب مسرعة. وكان ظهور هؤلاء فى مياه الأندلس لأول مرة سنة (230هـ= 845م)؛ حيث جاء أسطول لهم فى ثمانين سفينة، ورسا فى مياه «إشبونة» فكتب حاكمها إلى «عبدالرحمن» يخبره بذلك، وحدث احتكاك بين هؤلاء والمسلمين مدة ثلاثة عشر يومًا، ثم سار الأسطول النورمانى

إلى «قادش»، ومنها إلى «شذونة» ونهب كل ما وجده فى طريقه، ثم اخترق نهر الوادى الكبير إلى «إشبيلية»، وظهر هناك بصورة مفاجئة، ولما لم تكن هناك بحرية تدافع عن تلك المنطقة أو استعداد لمواجهة هذا النوع من العمليات، فقد عاث النورمان فيها فسادًا لمدة سبعة أيام، وأحرقوا الدور والمسجد الجامع، ثم غادروا مدينة «إشبيلية»، وعسكروا فى الناحية الغربية منها. وإزاء هذه التحركات هرع المسلمون لرد العدوان، ونشبت معارك تفوق فيها النورمان فى أول الأمر، ثم هزمهم المسلمون بعد قتال عنيف عند «طليطلة» شمالى «إشبيلية» فى (25 صفر سنة 230هـ = 845م) ولقى قائدهم مصرعه، وأحرقت ثلاثون سفينة من سفنهم، فأقلعت السفن الباقية نحو الجنوب حيث غادروا مياه الأندلس بعد أسابيع من الفزع والرعب. نشأة الأسطول: كان لمفاجأة النورمان أثرها، فبدأت الحكومة الأندلسية تعطى الاهتمام الكافى للأسطول والتحصينات البحرية، فبنى «عبدالرحمن» سورًا ضخمًا حول «إشبيلية»، واتخذ قواعد بحرية، ودورًا لصناعة السفن فى «إشبونة» و «إشبيلية»، و «المرية» و «بلنسية» و «مالقة»، وعنى بصناعة السفن الكبيرة، وأعد لها المقاتلة، وأصبح للأندلس أسطولان، أحدهما فى المحيط الأطلسى ومركزه إشبونة، والآخر فى البحر المتوسط وقاعدته مالقة. وبدأت تظهر أهمية البحرية الأندلسية منذ منتصف القرن التاسع الميلادى وأثمرت جهوده فى فتح الجزائر الشرقية (جزر البليار)، وهى ميورقة ومنورقة ويابسة، وتم ضمهما إلى الإمارة الأندلسية سنة (234هـ = 848م). وقد أدرك النورمان أن الأندلس لن تكون فريسة سهلة لغزواتهم، فسعوا إلى الصلح مع الأمير عبدالرحمن، وبعثوا رسلهم يطلبون السلام، فأرسل الأمير إليهم الشاعر «يحيى الغزال» ردًا على سفارتهم. وبعد الانتهاء من مشكلة النورمان استأنف «عبدالرحمن» عمليات الجهاد فى الشمال، فأرسل صائفة اخترقت قشتالة القديمة، وسارت

فى اتجاه نابارَّا (نافار)، وغزت بنبلونة سنة (230هـ = 845م)، ثم توجهت فى العام التالى صائفة إلى «جليقية»، وحاصرت «ليون» عاصمتها، وحملت النصارى على اللجوء إلى الجبال، كما أرسل قوة بحرية إلى جزيرتى ميورقة ومنورقة سنة (234هـ = 848م) تمكنت من السيطرة عليهما. وفى سنة (237هـ = 851م) قامت حرب بين المسلمين وبعض قوات البشكنس الذين هاجموا أراضى المسلمين فى أطراف بلاد الثغر الأعلى، انتهت بانتصار المسلمين. وقد حرص «عبدالرحمن» على موالاة إرسال الصوائف فى كل عام إلى الحدود الشمالية مما يلى «طليطلة» شمالا، لأن الصراع هناك كان شديدًا، ولأن أهل طليطلة كانوا يستنجدون بالإمارات النصرانية فى منازعاتهم مع الإمارة الأندلسية، ويستنجدون أيضًا بنصارى الشمال وبخاصة ملوك ليون. المتعصبون النصارى يثيرون فتنة فى الأندلس: تعرضت البلاد فى أواخر عهد «عبد الرحمن» الأوسط لفتنة شديدة، أملتها روح التعصب، فقد كره بعض القساوسة والرهبان سيطرة الثقافة واللغة العربية على المجتمع، وانتشار الإسلام، فلجئوا إلى الشكوى لموت الثقافة المسيحية وإلى مواجهة المسلمين وتحديهم فلم يفلحوا، فراحوا يجهرون بسب النبى - صلى الله عليه وسلم - والإساءة إليه، وإهانة المقدسات الإسلامية علنًا وعلى مرأى الناس وفى الطرقات العامة. وقد حمل رجال الشرطة هؤلاء القساوسة والرهبان إلى القضاة، فكرروا الشىء نفسه أمامهم وأصروا على رأيهم، وحاول القضاة استعمال الرفق معهم فى ثنيهم عن أفعالهم فلم ينجحوا، وتكررت الجرائم، فاضطر القضاة إلى الحكم بإعدام هؤلاء المتعصبين، وقتل كثير منهم فى صيف سنة (237هـ = 851م)، فعدهم أحبار النصارى شهداء، وكان هذا هو هدف هؤلاء المتعصبين، وتأزم الموقف، والتهبت نيران الفتنة. واجه «عبدالرحمن» هذه المشكلة بما تستحقه من صبر، فطلب من قادة النصارى عقد مجمع دينى فى قرطبة لمعالجتها بحكمة واتزان،

فأوضح المجمع عواقب هذا العمل الوخيمة، وأن المعتدلين من النصارى يبرءون منه ويستنكرونه، وكان من نتيجة ذلك استقرار الأوضاع وعودة الوئام بين المسلمين والنصارى بفضل معالجة عبدالرحمن وحسن تأنيه فى الأمور. وفاة عبدالرحمن الأوسط: توفى «عبدالرحمن» فى (3 من ربيع الآخر 238هـ = 23 من سبتمبر 852م) عن عمر يناهز (62) سنة، بعد أن حكم البلاد أكثر من إحدى وثلاثين سنة، عدت من أزهى سنوات الحكم الإسلامى فى الأندلس، فقد عاش الناس فى رخاء وعم الهدوء والاستقرار البلاد، وقام الحكم على أسس من العدالة والنظام. وقد اعتمد «عبدالرحمن الأوسط» على عدد من الزعماء والوزراء والقادة المخلصين، وكان الوزراء يعقدون اجتماعاتهم فى قصر «السدة» فى بيت يسمى بيت الوزارة، ويحمل «الحاجب» رئيس الوزراء نتيجة مناقشاتهم للأمير، لاتخاذ ما يراه مناسبًا. وكان الوزير يتقاضى مرتبًا شهريًا قدره (350) دينارًا وجرى عبدالرحمن على سنة أبيه فى اصطفاء الموالى والصقالبة، وكان له خمسة آلاف، منهم ثلاثة آلاف يرابطون إزاء أبواب القصر على الرصيف، وألفان على أبواب القصر، وهم الذين كانوا يسمون الخرس بسبب عجمتهم. ولم يكن عبدالرحمن الأوسط أميرًا فحسب، وإنما كان أديبًا شاعرًا وعالمًا حكيمًا، أحاط نفسه بجماعة كبيرة من الشعراء والعلماء والأدباء، كما كان أول من عُنى بجمع الكتب من أمراء الأندلس، وقد أوفد شاعره «عباس بن ناصح» إلى المشرق يبحث له عن كتب، فجمع منها طائفة كبيرة كانت نواة مكتبة قرطبة العظيمة، ومن الشخصيات التى أحاطت به: - على بن نافع: الموسيقى المعروف بلقب زرياب (الطائر الأسود)، وكان قد غادر بغداد إلى قرطبة، فاستقبله «عبدالرحمن الأوسط» بكل حفاوة، وعاونه على إظهار فنه، فأنشأ معهدًا لتعليم الموسيقى وابتكر طريقة لكتابتها، وأنشأ فرقة موسيقية تجمع بين العازفين والمنشدين، واخترع وترًا خامسًا أدخل به تعديلا على العود، كما

أدخل كثيرًا من مظاهر الحياة المتحضرة فى المجتمع الأندلسى، وتوفى فى (ربيع الأول 238هـ= أغسطس 852م). - عباس بن فرناس: كان من رجال الحكم الربضى وابنه عبدالرحمن، وهو فيلسوف ورياضى وشاعر وموسيقى وكيميائى، من أصل بربرى، توصل إلى صناعة الزجاج من طحن الأحجار، واخترع آلة تسمى «الميقانة» تعتمد على الظل فى معرفة الوقت، واشتهر بأول محاولة يقوم بها الإنسان للطيران فى الجو، كما اخترع شيئًا شبيهًا بقلم الحبر، وقد أدركته الوفاة فى عهد الأمير محمد بعد ذلك. - يحيى بن الحكم الجيانى «الغزال»: هو فيلسوف شاعر، من أصل عربى، ولد فى جيان بالأندلس، ولقب بالغزال لأناقته وجمال هيئته، كان من الندماء المقربين من عبدالرحمن الأوسط، فأعجب به وكلفه بالسفارة عنه إلى إمبراطور الدول البيزنطية، فقام بمهمته خير قيام، فشجع ذلك النجاح الأمير عبدالرحمن فبعث به إلى ملك النورمان فى الدنيمارك ليتباحث معه فى أمر الصلح بين الدولتين. وتوفى يحيى الغزال سنة (250هـ= 864م). المظاهر الحضارية فى عهد عبدالرحمن الأوسط: ظهرت آثار الرخاء وترف الحضارة فى عهد عبدالرحمن فيما بناه الناس من قصور جميلة، تم تزيينها بالأثاث الفاخر والفرش الوثيرة، والجوارى الحسان اللاتى جلبن من المشرق، وانتشرت فى قرطبة البيوت المحاطة بالحدائق المزدانة بالأشجار وأطلقوا عليها اسم «المنى»، وتوسَّع بعض الأغنياء فى الحدائق المحيطة بهذه المنازل حتى أصبحت رياضًا، أطلق عليها اسم «الجور»، وفى كل منها مكان معد لغناء المغنيات. وامتاز عهد عبدالرحمن بالأمن والسكينة. وازدهار الصناعة والزراعة والتجارة، وازدياد موارد الدولة التى بلغت نحو مليون دينار سنويا مكنت الأمير من الإنفاق على الحملات العسكرية وإقامة المنشآت العامة، كما أشرفت الحكومة المركزية على أعمال الحكام من خلال ديوان المظالم المختص بالنظر فى شكاوى الناس من تصرفات بعض رجال الحكومة.

ونالت إقامة المبانى والمنشآت قسطًا عظيمًا من عناية «عبدالرحمن الأوسط»، فبنى مسجد إشبيلية الجامع، وزاد فى المسجد الجامع بقرطبة قدر بهوين كبيرين من ناحية القبلة، ونقل المحراب إلى الجزء الجديد، وأقام أعمدة أخرى، وأقواسًا فوق الأعمدة الأصلية، فكانت الأقواس المزدوجة التى يعدها المعماريون من روائع العمارة الإسلامية، وكان صحن المسجد مكشوفًا يدور حوله سور، وتزرع فيه أشجار النارنج، ولهذا سُمِّى بهو النارنج، وهو الآن صحن الكنيسة. ولايزال مسجد قرطبة الجامع باقيًا حتى اليوم بكل عقوده الإسلامية وأروقته ومحاريبه، وقد تحوَّل إلى كاتدرائية فى القرن السادس عشر الميلادى، وأقام المسيحيون هياكلهم فى عقوده الجانبية، وبنوا مصلى على شكل صليب فى وسطه، وأزالوا كثيرًا من قباب المسجد وزخارفه الإسلامية، وجعلوا مكانها زخارف نصرانية، وعلى الرغم من ذلك فإن آيات القرآن الكريم، والنقوش الإسلامية لاتزال تزين محاريبه الفخمة وأبوابه. تجديد الشعر الأندلسى: بدأت طلائع الشعر الشعبى الأندلسى فى الظهور فى عهد عبدالرحمن الأوسط، وهو شعر يصاغ بعامية الأندلس التى هى خليط من العربية والبربرية وغيرهما مع الالتزام بأوزان بحور الشعر العربى وبخاصة بحرا الرمل والرجز، وهو ما عرف باسم «الزجل» وقد وصل هذا الفن إلى أوج رقيه بعد ذلك فى زمن ملوك الطوائف على يد ابن قزمان وغيره. وقد برز من الشعراء فى هذا العصر «ابن عبدربه»، صاحب العقد الفريد، ومؤمن بن سعيد، والشاعر الضرير أبو بكر بن هذيل. الأمير محمد بن عبدالرحمن الأوسط [238 - 273هـ = 852 - 886م] رشَّحه أبوه لولاية العهد، لأنه رأى أنه أصلح من يتولى الملك، وإن لم يكن أكبر أبنائه، وقد وصفه المؤرخون بالاتزان والذكاء والعقل وهدوء الأعصاب. تولى الأمير «محمد» الحكم فى (4من ربيع الآخر 238هـ = 24 من سبتمبر 852م)، وقدر له أن يقضى فترة حكمه فى إخماد الثورات

ومواجهة أعداء دولته من النصارى، فخرج فى (المحرم سنة 240هـ = يونيو 854م) على رأس جيشه إلى «طليطلة» لمواجهة الثائرين فيها من المولدين والنصارى الذين استعانوا بملكى «ليون» ونبرة «نافارة»، وقد سار الأمير ببعض قواته، وترك بقية جيشه متخفية وراء تلال «وادى سليط»، فاغترت قوات طليطلة بقلة قوات الأمير فخرجت لقتاله، وتظاهر الأمير بالهزيمة، وارتد إلى الخلف، وعندئذ برزت بقية قوات المسلمين، وأطبقت على الثوار وحلفائهم من النصارى ومزقتهم تمزيقًا، وقتل منهم ما بين أحد عشر إلى عشرين ألفًا، بينهم كثير من القساوسة. وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت الفتنة فى طليطلة، وواصل النصارى تحريضهم زاعمين أنهم يتعرضون لاضطهاد دينى واجتماعى، فاضطر الأمير «محمد» إلى أن يخرج إلى «طليطلة» سنة (244هـ = 858م) بعد أن أرسل حملتين قبل ذلك لم تنجحا فى إخماد الفتنة، فحاصر المدينة، ولجأ إلى الحيلة فى تحقيق النصر، فهدم قواعد القنطرة الكبيرة مع تركها قائمة، فلما احتشد الثائرون لقتاله سقطت بهم القنطرة فى نهر تاجة وغرق منهم عدد كبير، ثم استخدم كل إمكاناته فى سحق المدينة حتى استسلم أهلها وطلبوا الأمان والصلح سنة (245هـ = 859م)، ثم حاكم الأمير كثيرًا من القساوسة مشعلى الفتنة ونالوا جزاءهم، وخبت جذوة التعصب. ويجدر بالذكر أن «طليطلة» تعد من أمنع مدن العصور الوسطى بسبب موقعها على المنحدر الصخرى من نهر تاجة، وإحاطة النهر بهذا المنحدر، ثم لما فيها من حصون قوية وأسوار عالية ضخمة. ولم تكن «طليطلة» هى المدينة الثائرة وحدها، فقد قامت ثورات أخرى فى شمال غربى الأندلس فى المناطق الجبلية هناك، وكانت «ماردة» الواقعة فى النواحى الغربية المعروفة الآن باسم البرتغال الموطن الرئيسى للمتمردين المولدين بزعامة «عبدالرحمن بن مروان الجليقى» فخرج إليها الأمير محمد سنة (254 هـ = 868م)، وداهم «ماردة» وهدم أسوارها وحصونها، فاضطر الثوار إلى طلب الأمان.

ثم تجددت الثورة بعد ذلك بأعوام فى «ماردة» و «بطليوس»، واستولى الثوار على بعض القلاع وتحصنوا بها وكثرت جموعهم، ولم تفلح حملات الأمير محمد فى إخماد الفتنة والقضاء على الثورة، وانتهى الأمر بقبول شروط زعيم الثائرين عبدالرحمن الجليقى، بأن يستقل بحكم بطليوس، ويعفى من الفروض والمغارم، وأن يكون من حلفاء الإمارة. ولم تشغل تلك الثورات المتتابعة الأمير محمد عن أمر الجهاد، فتتابعت حملاته العسكرية إلى «ألبة» و «القلاع» وهزمت النصارى فى عدة مواقع، كما اتجهت إلى «نبرة» سنة (246هـ = 860م)، وقامت بتخريب بنبلونة وحصونها وقراها لمدة أسابيع أسر خلالها ابن ملك «نبرة»، وكان ملك «نبرة» قد تحالف مع ملك «ليون» وقاما بمهاجمة الأراضى الإسلامية. وكان يمكن للأمير «محمد» أن يحقق نتائج أفضل فى جهاده مع النصارى لولا كثرة الثائرين عليه، واتساع أراضى البلاد ووعورتها، مع قلة العرب بالمقارنة إلى المستعربين والمولدين الذين كثرت ثوراتهم وقوى ميلهم إلى الاستقلال. وكان على الأمير «محمد» أن يواجه خطر النورمان الذين عادوا للهجوم على الأندلس من جديد، فجاءوا بسفنهم إلى «جليقية» فى (62) سفينة عاثت فسادًا فى الشاطئ الغربى، لكن السفن الأندلسية كانت متأهبة لها هذه المرة فطاردتها، فاتجهت نحو مدينة صغيرة تسمى «باجة» تقع فى البرتغال اليوم، لكن المسلمين هزموهم هناك واستولوا على بعض سفنهم، فاتجهت باقى السفن نحو الشواطئ الجنوبية عند مصب الوادى الكبير، ثم انحدرت جنوبًا نحو مياه الجزيرة الخضراء، وقد اتجهت وحدات الأسطول الإسلامى ناحية الغرب وتمت تعبئة القوات وتجهيز السفن بالنفط والرماة، وحدثت معارك برية وبحرية عند «شذونة» انتصر فيها المسلمون أولا، لكن السفن النورمانية عادت وتغلبت ثم توجهت جهة الجزيرة الخضراء وأحرقوا مسجدها الجامع وأفسدوا ونهبوا، ثم قصدت بعض سفنهم نحو عدوة

المغرب ونزلوا شاطئ الأندلس الجنوبى، وجرت هناك معارك برية وبحرية استمرت أشهرًا، فقد النورمان فيها كثيرًا من سفنهم، فاتجهوا نحو شواطئ أسبانيا الشرقية، وعبرت وحدات منهم نهر «ابرو» إلى «نافار»، فى حين أغارت وحدات أخرى على الجزائر الشرقية وشواطئ «بروفانس» ومن هناك عبروا مصب نهر «الرون» عائدين إلى بلادهم. وهكذا لم يسلم من تخريب هؤلاء؛ لا الأندلس الإسلامية ولا إسبانيا النصرانية، ولكن غزوتهم هذه المرة لم تكن مفاجئة ولم يتمكنوا من القيام بعمل كبير، ولم يكن تأثير عملياتهم واسعًا كما حدث فى المرة الأولى، وعلى كل حال فتلك آخر محاولة قام بها النورمان ضد الأندلس، وانتهى خطرهم نهائيا، فلم نعد نسمع بهم بعد سنة (245هـ = 859م). ثورة عمر بن حفصون: وهو من أصل إسبانى قوطى، ظهر فى جبل «ببشتر» ضمن سلسلة الجبال بين «رندة» و «مالقة» التى تعد مأوى العصاة والخارجين على القانون. وقد قامت ثورة ابن حفصون فى ولاية «رية» بمحافظة «مالقة» الآن، وقد التف حوله جماعة من المفسدين ونزلوا جميعًا بجبل «ببشتر» شمال شرقى «رندة». ويرجع السبب المباشر للثورة إلى إصرار الحكومة المركزية على بسط سلطانها الكامل على النواحى كافة. وعنف الوالى مع المواطنين وإرهاقهم وتشدده فى جباية الأموال ومطالبتهم بالعشور المتأخرة، كل ذلك دون أن ينال سكان هذه المناطق الجبلية شيئًا من عناية الحكومة المركزية، مما شحنهم بالغضب وجعلهم مهيئين للثورة. وقد بدأ هؤلاء تمردهم وعدم استجابتهم لواليهم عام (265هـ= 878م)، واعتصموا فى جبالهم، وحاول الأمير «محمد» إخماد حركتهم بالقوة فلم يصل إلى ما يريد، وفى العام التالى أرسلت صائفة إلى كورة «رية» اشتدت فى التعامل مع الثائرين وبقيت مع ذلك حركة العصيان وعمت الإقليم كله وانتشرت الفوضى هنا وهناك. فى وسط هذه الظروف ظهر «عمر بن حفصون»، وناب عن الناس فى

تقديم مطالبهم للحكومة المركزية، لكنه لم يصل إلى شىء. وبدأ يُغِير على أطراف الإقليم وينهب ويخرب؛ ثم يعود إلى الاعتصام بجبل « ببشتر»، وقد سارع عامل «رية» إلى التوجه إليه لكنه تعرض للهزيمة على يدى «ابن حفصون»، فساعد هذا على تقوية مركزه والتفاف العصاة والمفسدين والأشرار حوله، وتولى على الإقليم عامل جديد، اتجه إلى محاربة ابن حفصون الذى اعتصم بحصونه وانتهى الأمر بهدنة بين الفريقين. وقد رأى الأمير محمد ضرورة حسم ثورة ابن حفصون هذه فأرسل إليه جيشًا كبيرًا على رأسه الوزير «هاشم بن عبدالعزيز»، الذى شدد حصاره على «ابن حفصون»، حتى حمله ومن معه على التسليم وحملهم جميعًا إلى قرطبة؛ حيث عفا الأمير «محمد» عن ذلك الثائر وضمه إلى ضباطه لما لمسه فيه من شجاعة وفروسية. اشترك «ابن حفصون» فى الحملات العسكرية التى قادها «المنذر بن محمد» إلى الشمال، لكن الرجل كان بطبعه ميالا إلى التمرد والعمل لحسابه الخاص؛ لذلك فرَّ هاربًا من جيش الإمارة، وعاد مرة أخرى إلى الاعتصام بجبال «رية» وضم إليه كثيرًا من العصاة واستأنف ثورته مرة أخرى سنة (271هـ = 884م)، ونشر الرعب فى المنطقة. وفى صيف (273هـ = 886م) قاد «المنذر بن محمد» جيشًا توجه إلى «ابن حفصون» لمقاتلته، وبدأ بالزحف على مدينة «الحامة» شمالى شرقى «مالقة» حيث يوجد واحد من حلفاء «ابن حفصون» وقد سار الأخير لنجدة حليفه، وحاصرهما «المنذر» مدة شهرين ثم خرجا لمقاتلة جند الإمارة عندما أوشكت أقواتهما على النفاد، وبعد معركة عنيفة هزم الثوار، وارتد «ابن حفصون» إلى «الحامة» واعتصم بها، وبينما «المنذر» يحاصره ويشتد عليه تلقى نبأ وفاة والده فترك «الحامة»، وعاد إلى قرطبة فى (29 صفر 273هـ =26 أغسطس 886م)، وبذلك تنفس «ابن حفصون» الصعداء، واستأنف غاراته وفساده ونشر سلطانه على «رية» و «رندة» و «أستجة» وغيرها. سياسة الأمير محمد:

عُنى الأمير محمد بالجيش بسبب الظروف التى عاشتها الإمارة فى زمنه، وكان حريصًا على فرض أعداد من الفرسان على كل ناحية أندلسية تحشد دائمًا للصوائف، وهؤلاء كانوا يسمون «الفرسان المستقرين» يضاف إليهم حشود المستنفرة والمتطوعة، مما يدل على ضخامة الجيش الذى كانت الإمارة تستطيع تعبئته. كما عنى بالأسطول لحماية الشواطئ الغربية من ناحية، وغزو مملكة «جليقية» من ناحية أخرى، واهتم بتحصين أطراف الثغور، وأقام قلاعًا منيعة؛ لحماية مدينة «سالم» و «طليطلة»، وبنى حصونًا فى «طلمنكة» و «مجريط» بمنطقة وادى الحجارة. أما من ناحية سياسته الخارجية فقد جمعته مع أمراء المغرب المعاصرين علاقة صداقة متينة خاصة «بنى رستم» فى «تيهرت» و «بنى مدرار» فى «سجلماسة»، وكان يشاورهم فى أموره ويهتم بأخبارهم ويستنصحهم، وتتردد الكتب والرسل بينه وبين هذه الدول بهدف متابعة أخبار «بنى العباس» وأعمالهم فى إفريقية وبلاد الشام. كذلك قامت علاقة صداقة بين الأمير «محمد» وملك «فرنسا» وتبادلا الرسائل والهدايا. أما من الناحية المالية فقد خفَّف الضرائب على المواطنين رغم حاجته إلى المال للإنفاق على الجهاد والقضاء على الثورات المستمرة، وكان يكتفى من أهل «قرطبة» بجهادهم ولايكلفهم أعباء مالية، وكان الأمير «محمد» بارعًا فى مراجعة الحسابات وموازنة الدخل والخرج، وقد ساعده هذا الضبط للأمور المالية على مواجهة بعض المحن الطبيعية التى تعرضت لها الإمارة فى زمنه. النظام الإدارى ومظاهر الحضارة: فقد الصقالبة والجوارى كثيرًا من نفوذهم فى القصر أيام الأمير «محمد» واستمر النظام الإدارى سائدًا كما كان أيام أبيه وتولى مناصب الوزارة الرجال أنفسهم، ونظمت أعمال الوزراء وتحددت اختصاصاتهم حتى أصبحت قريبة من اختصاص الوزراء فى أيامنا هذه؛ حيث اختص كل واحد منهم بفرع من فروع الإدارة، وقدم وزراء أهل الشام على غيرهم، وقد تولى الحجابة للأمير «محمد» «عيسى

بن شهيد» وهو الذى تولى الحجابة لوالده ورشحه عنده لولاية العهد، واجتمعت السلطات فى أيدى أسرتى بنى «شهيد» وبنى «أبى عبدة» - من أعظم الأسر القرطبية آنئذ - ثم آل منصب الحجابة إلى «هاشم بن عبدالعزيز» من أسرة مولَّدة، وكان وزيرًا أيام «عبدالرحمن الأوسط» وأصبح من أكثر الوزراء حظوة عند الأمير «محمد»، وهو من أشهر رجالات الحرب والسياسة. وكان مع ذلك من الأدباء والشعراء المطبوعين. ومن وزراء الأمير «محمد» «تمام بن عامر الثقفى» الشاعر المؤرخ صاحب «أرجوزة» فى فتح «الأندلس» وأشهر لاعب شطرنج فى زمنه، و «سليمان بن وانسوس» من أصل بربرى، وكان أديبًا تولى خطة السوق والحسبة، ومنهم الكاتب البليغ «عبدالملك بن عبدالله ابن أميتة». وقوى نفوذ الفقهاء فى بلاط الأمير «محمد»، وكان لهم دور فى توجيه سياسته مع النصارى، وكان متسامحًا معهم كما كان يفعل أبوه، وقد أبقى عددًا منهم فى مناصبهم. وقد عُرف الأمير «محمد» بالحلم والأناة ومودة آل بيته، كما كان أديبًا ذواقة، يجتمع حوله أكابر الناس والعلماء والشعراء من أمثال: «عباس بن فرناس» و «ابن عبدربه» و «ابن حبيب»، ومن أمثال: «بقى بن مخلد» أعظم فقهاء الأندلس فى زمنه. وعلى الرغم من أن أحداث فترة حكم الأمير «محمد» لم تتح له فرصة كبيرة للقيام بأعمال إنشائية، فإنه أولى للمسجد الجامع فى قرطبة اهتمامًا كبيرًا، فأتم الزيادة التى بدأها أبوه فى وسط الجامع وأقام فيه المقصورة، وكان أول من اتخذها، وأصلح القسم القديم الذى بناه جده «الداخل» وجدده، كما أصلح جوامع «استجة» و «شذونة» وغيرها .. وأضاف زيادات لقصر الإمارة، وجدد «منية الرصافة» واستجلب لها الأشجار النادرة واتخذها متنزهًا، وأنشأ منية خاصة جنوب غربى قرطبة أسماها «منية كنتش» جعلها متنزهًا له كذلك. الأمير المنذر بن محمد [273 - 275هـ = 886 - 888م]. كان «المنذر» ولى عهد أبيه ومحل ثقته، وفارسًا شجاعًا، وقائدًا

متميزًا اعتمد عليه أبوه كثيرًا فى مواجهة المشاكل ومحاربة العصاة وقيادة الحملات. وفى أول ولاية «المنذر» عادت «طليطلة» إلى الثورة كعادتها، وانضم إلى أهلها كثير من البربر، فأرسل الأمير حملة قضت على الثورة وقتلت الألوف، وفى العام نفسه قام حاكم الثغر الأعلى بغزو «ألبة والقلاع» ودخل فى حرب ضد النصارى وهزمهم، لكن أعظم ماكان يشغل «المنذر» هو القضاء على «ابن حفصون»، بعد أن استفحل خطره وانتشر سلطانه فى نواحٍ كثيرة وانضم إليه المغامرون والثائرون والعصاة فى كل الأندلس. وكان «ابن حفصون» صاحب دعوة سياسية تبغض العرب والبربر معًا، وعنده نزعة إلى الاستقلال والتحرر؛ لأن العرب حملوا الناس فوق طاقتهم وزادوهم رهقًا وهو إنما قام ليثأر لهم، وقد لقيت دعوته استجابة لدى سكان المناطق الجبلية خاصة، وكان الرجل متواضعًا يكرم الشجعان، فساعد ذلك على التفافهم حوله. وقد أرسل «المنذر» بعض قواته، فاستردت قسمًا من الحصون التى كان «ابن حفصون» قد سيطر عليها، وفى ربيع (274هـ = 887م) خرج «المنذر» بنفسه مصممًا على القضاء على «ابن حفصون» واجتثاث ثورته من جذورها، وقد نجح فى فتح بعض الحصون، وأسر بعض أعوان ذلك الثائر، وبعث بهم إلى قرطبة حيث صلبوا، بينما بقى «ابن حفصون» ممتنعًا بجبال «ببشتر». ولما شدد «المنذر» حصاره وقطع كل علاقات «ابن حفصون» بالخارج، لجأ «ابن حفصون» إلى الحيلة والخديعة وطلب الصلح على أن يسير ومعه أهله وولده إلى «قرطبة» فوافق الأمير وبعث إليه فى قلاعه بكل ما طلبه من الأدوات ووسائل النقل، وتم رفع الحصار، وعاد الأمير بجيشه إلى قرطبة. ولما لم يكن «ابن حفصون» وفيا؛ فقد هرب فى جنح الظلام وامتنع مرة أخرى بجبال «ببشتر» مستفيدًا بما حصل عليه من زادٍ وأقوات وإمدادات، فاشتد غضب الأمير ورجع لمحاصرته، وأصر على عدم العودة إلى «قرطبة» إلا بعد القبض على «ابن حفصون» حيا أو ميتًا،

ودام الحصار ثلاثة وأربعين يومًا بعدها مرض «المنذر»، وطلب من أخيه «عبدالله» أن يحضر؛ لينوب عنه فى متابعة الحصار، ثم مات تحت أسوار «ببشتر» بعد حكم لم يستمر أكثر من عامين وكان موته فى (صفر 275هـ = يونيو 888م)، وتم رفع الحصار، وعاد الجيش إلى «قرطبة»، ومرة أخرى يتنفس «ابن حفصون» الصعداء. الأمير عبدالله بن محمد [275 - 300هـ = 888 - 912م]. ما كاد الأمير «عبدالله» يتولَّى الحكم حتى قامت الثورات ضده فى المناطق الجبلية، بل تجاوزت ذلك إلى المدن والقواعد الكبرى، ولم تعد تقتصر على القادة من المولدين بل تجاوزتهم إلى العرب أنفسهم، وبرز العنصر البربرى واعتصم كثير من زعمائه فى الحصون النائية، وتنوعت المعارك وتعددت بين العرب والمولدين وبين العرب والبربر، وبين العرب أنفسهم بعضهم ضد بعض، وأعلن بعض زعماء العرب استقلالهم فى «جيان» «البيرة» و «لورقة» و «مدينة سالم»، وغيرها. واستقل زعماء البربر فى «الثغر الأعلى» و «بطليوس» و «مرسية» وبعض مناطق «جيان» وغيرها، وأضحت «إشبيلية» مسرحًا لقتال مرير بين العرب والبربر، ونشر «ابن حفصون» سلطانه فى أغلب النواحى الجنوبية القريبة، ولم يبق لحكومة «قرطبة» إلا العاصمة وضواحيها تمارس فيها سلطاتها وتخضع لسيطرتها. وكان على الأمير «عبدالله» أن يواجه ذلك كله، ورأى أن أخطر ما يواجهه هو ثورة «ابن حفصون»، وفى الوقت نفسه رأى «ابن حفصون» أنه فى حاجة إلى فترة هدنة وسلام يستغلها فى الاستعداد وتنظيم أموره، لذلك بعث يطلب الصلح مع الأمير، على أن يستقر فى «ببشتر»، ويكون تابعًا للإمارة الأموية، فوافقه عبدالله وأكرم رسله، وبعث أميرًا من عنده يشاركه فى حكم الإقليم، ولكن لم تمض شهور حتى نكث بعهده، وطرد الأمير المشارك، وعاد يفسد ويخرِّب ويغير على البلاد المجاورة. سار الأمير بنفسه عام (276هـ= 889م) ووصل إلى منطقة «ببشتر»، واجتاحها إفسادًا وتدميرًا، لكنه لم يصل إلى نتيجة وبقى اضطرام

الثورة فى الجنوب. وواصل «ابن حفصون» غاراته فى اتجاه الشمال حتى وصل إلى ضواحى «قرطبة» بل حاول إحراق مخيم الأمير نفسه فى ضاحية «شقندة» القريبة من العاصمة، وأصر الأمير على الخروج إليه وحشد كل مااستطاع حشده من قوات، وذهب فى اتجاه حصن فى الجنوب الشرقى من قرطبة يُسمى «حصن بلاى» كان «ابن حفصون» قد حشد فيه قواته، والتقى الفريقان على فرع من فروع نهر الوادى الكبير قريب من الحصن الذى يعتصم به «ابن حفصون»، ونجح فرسان الأندلس فى إلحاق هزيمة بالجناح الأيمن لابن حفصون ومزقوا قواته؛ فركب الرعب قلوب بقية الثائرين، وفروا هاربين والخيل تتبعهم، وقُتِل كثير منهم وفرَّ «ابن حفصون» إلى الجبال الجنوبية بمن معه واستولى الأمير «عبدالله» على حصنه، ورغم أن ابن حفصون قد أُصيب فى المعركة فإن الأمير آثر ألا يطارده، واتجه غربًا نحو «أستجة» التى كانت تناصره، وحاصرها حتى استسلمت ثم سار إلى «ببشتر» فلم يخرج زعيم الثوار لمواجهته وجبن عن لقائه، وأثناء ارتداد جيش الأندلس راجعًا اشتبك ابن حفصون مع مؤخرته لكنه هزم فى ربيع عام (278هـ = 891م). وعلى الرغم من أن ثورة «ابن حفصون» لم تنته تمامًا فإنها قد وهنت وأصبح الطريق ممهدًا للقضاء عليها. وقد شهدت المناطق الجنوبية شرقى الأندلس ثورة القبائل العربية، فقد رأت أن حكومة قرطبة تؤثر الموالى، وأن فى ذلك مهانة لها؛ فاستغلت اشتعال فتنة المولدين فى الجنوب والثغر الأعلى فقامت بثورتها فى الجنوب متخذة من كورة البيرة «غرناطة» مركزًا لها، وتزعم الثورة «يحيى بن صقالة القيسى» عام (275هـ = 888م)، والتف العرب حوله وقام بمطاردة المولدين والنصارى، ولكنه قتل فى موقعة معهم فخلفه «سوار بن حمدون القيسى»، وكان شجاعًا ناصره قومه، ولذلك نجح فى انتزاع معظم حصون النصارى والمولدين، ووصل نفوذه إلى قلعة رباح، ومنها زحف إلى البيرة، حيث دارت معركة تسمى «معركة المدينة» بينه وبين جند الإمارة،

انهزم فيها والى البيرة ووقع فى الأسر، وقتل كثير من رجاله، ثم أطلق سراحه؛ فانضم إلى «ابن حفصون» وتحالف معه. أما «سوار» فقد قوى أمره وتضاعف مؤيدوه، وتوجه نحو غرناطة حيث دارت معارك بينه وبين المولدين، وتمكن من هزيمة «ابن حفصون»، ولكن خصوم «سوار» دبروا له من قتله فى كمين فلم تدم رئاسته للعرب إلا نحو عام، وخلفه سعيد بن سليمان بن جودى السعدى زعيم هوازن، وكان معروفًا أيضًا بالفروسية والخطابة والشعر، ونجح بفضل التفاف القبائل حوله من إلحاق الهزيمة بابن حفصون مرارًا، ورأى الأمير «عبدالله» أن العرب يسيطرون على البيرة فعين سعيداً واليًا عليها وبقى بها عدة أعوام ثم انتهى أمره مقتولاً. وآلت رئاسة العرب لمحمد بن أضحى الهمذانى صاحب حصن الحامة (الحمة)، وأقر الأمير اختياره، وتجددت المعارك بينه وبين «ابن حفصون» ولم تسفر عن نتيجة حاسمة، واستمر «محمد» رئيسًا على المنطقة حتى تمكن «عبدالرحمن الناصر» فيما بعد من الاستيلاء على حصن الحامة وغيره من المناطق الثائرة. وقد اتسع نطاق الثورة بين المولدين والعرب فثار فى «بطليوس» وغربى الأندلس عدد من زعماء المولدين، وقامت ثورات أخرى فى عدد من المواقع شرقى الأندلس، واستمر بعض الزعماء على تمردهم واستقلالهم حتى عهد الناصر. أما إشبيلية فكانت مسرحًا لفتنة طال أمدها، ويرجع ذلك إلى طبيعة سكانها الذين كانوا مزيجًا من العرب والمولدين والنصارى، وكان سكانها العرب من أصحاب الثروات والنفوذ وقد جرى لها ما جرى لغيرها، فظهر فيها ثائرون متطلعون للزعامة من أمثال بنى عبدة، وبنى حجاج، وبنى خلدون، وإلى جانب هؤلاء وجد بعض المولدين الأغنياء وكان التنافس بينهم وبين العرب شديدًا أدى ذلك إلى فوضى واضطراب فى المجتمع. ولم تشغل الثورات فى «إشبيلية» و «باجة» و «البيرة» و «تدمير» وغيرها حكومة قرطبة عن العمل للقضاء على المولدين وزعيمهم «عمر بن حفصون» فى الجنوب، ولم يمض عامان على هزيمته فى

«بلاى» حتى أعاد تنظيم قواته، فأخذت الإمارة توالى إرسال الحملات عليه فسار إليه «المطرف ابن الأمير عبدالله» فى سنة (281هـ= 894م) وحاصره فى «ببشتر» وخرج الثائر للقتال، فانهزمت قواته، وقتل أشجع قواده. وما إن عاد جيش الأمير إلى قرطبة حتى جمع ابن حفصون مجموعة وتوجه نحو «أستجه» فى الجنوب الغربى من العاصمة، واستولى عليها ثانية عام (284هـ= 897م) فتوجه المطرف لقتاله فى العام التالى واخترق الجزيرة الخضراء، وقام بالهجوم على بعض الحصون ووصل إلى «ببشتر»، وقامت بعض المعارك التى لم تسفر عن شىء. وفى عام (286هـ = 899م) أعلن «ابن حفصون» اعتناقه النصرانية وتسمى باسم «صمويل»، وكان هذا بداية نهايته، فقد تخلى عنه بعض جنده وقواده وظلوا معتصمين فى حصونهم، وأرسلوا يعلنون ولاءهم للأمير عبدالله واستعدادهم للجهاد معه ضد «ابن حفصون»، وحاول «ابن حفصون» من جانبه تقوية مركزه فعقد تحالفًا مع ملك ليون، وبعض أمراء غربى الأندلس. وعادت الحرب من جديد بين «ابن حفصون» يعاونه أمير «إشبيلية» وبين جند الإمارة، وكان اللقاء الأول عند «استجة» وانتهى بهزيمة «ابن حفصون» هزيمة منكرة عام (289هـ = 902م)، وتخلى عنه حليفه «إبراهيم بن حجاج» وعاد إلى طاعة الأمير، وتوالت حملات الأمير بعد ذلك ووصل إلى حصون «ابن حفصون» ومعقله فى «ببشتر» وطاردته، وقد حطمت قوى هذا الثائر وأنهكته وأضعفت قواه إلا أنها لم تصل إلى القضاء عليه تمامًا. ويجدر بالذكر أن سلطة الأمير الأندلسى لم تنكمش كما انكمشت فى عهد الأمير «عبدالله»، فلم تتجاوز سيطرته أحيانًا قرطبة وضواحيها وقضى خمسة وعشرين عامًا هى مدة حكمه فى كفاح وصراع دائمين بهدف حماية الدولة والحكم الأموى من الانهيار، وقد نجحت جهوده فى تفرقة الثوار والسيطرة على بعض القواعد والحصون المهمة، وفى استمالة بعض الزعماء من ذوى النفوذ، وكان ذلك معاونًا للأمير عبدالرحمن الناصر فيما تحقق من نتائج فيما بعض.

ولاينبغى هنا نسيان الجهد الذى قام به بعض القادة العسكريين الموهوبين فى تحقيق النجاح للأمير «عبدالله» ويأتى على رأس هؤلاء «بنو عبدة» موالى «بنى أمية» ومنهم: «أبو العباس أحمد بن أبى عبدة» الذى قضى من عمره ثلاثين سنة يجاهد فى سبيل وحدة الأندلس، وكذلك ابن أخيه «عبيدالله محمد بن أبى عبدة» الذى حقق انتصارًا رائعًا على «ابن حفصون» فى حصن «بلاى»، والقائد «جعد بن عبدالغافر» الذى أسهم كثيرًا فى إضعاف قوى «ابن حفصون»، وكذلك الزعيم البربرى «سليمان بن دانوس». ومن الطبيعى فى ظل هذه الفتن الدائمة ألا يتمكن الأمير «عبدالله» من القيام بغارات ضد النصارى بسبب انشغاله بمحاربة الثائرين والمتمردين، ولم يقم النصارى من جانبهم بأية محاولة ضد الأراضى الإسلامية غير أن ملك ليون (جليقية) حاول إشعال الفتنة بين المسلمين وتشجيع الثوار وعلى رأسهم «ابن حفصون» على العمل ضد حكومة قرطبة. ومن الحوادث البارزة فى زمن الأمير «عبدالله» فتح جزر «البليار» أو الجزائر الشرقية، ومن المعروف أن «عبدالرحمن الأوسط» كان قد أرسل حملة إلى «ميورقة» فلما كانت سنة (290هـ = 903م) سارت إليها قوة بحرية من المجاهدين يقودها «عصام الخولانى»، وقامت بمحاصرتها حتى تم فتحها، وتولى القائد إمارتها، ومنذ ذلك الحين وهى جزء من الدولة الإسلامية. وكان من الطبيعى أيضًا ألا يتسع عهد الأمير «عبدالله» للأمور الإنشائية ولايذكر له فى هذا المجال إلا «الساباط» الموصل بين القصر والمسجد الجامع وهو ممر مسقوف مبنى فوق عقد كبير يفضى من القصر إلى الجامع ويتصل به قريبًا من المحراب. كان الأمير «عبدالله» عالمًا أديبًا شاعرًا فصيحًا يتصف بالتواضع والجود والبر بالفقراء، حريصًا على رفع الظلم والتخفيف من معاناة الشعب، وقد خصص يومًا من كل أسبوع للفقراء، كما أقام بابًا حديديا أسماه «باب العدل» تقدم عنده الشكاوى والتظلمات، وكان

صارمًا عنيفًا مع الطغاة، فشاع العدل فى زمنه، وقد آثر الاحتشام والتقشف فى حياته الخاصة. وقد تولى الحجابة له «عبد الرحمن بن أمية بن شهيد»، ثم «سعيد بن محمد بن السليم» ثم عزله ولم يولِّ أحدًا، واكتفى بالوزراء والكتاب، وبرز من بينهم بدر الخصى الصقلبى. وقد اعتمد - بالإضافة إلى العرب والبربر - على الموالى والفتيان، وقدَّم الموالى الشاميين على البلدانيين كما فعل أبوه. وقد جرى حادث مؤسف داخل الأسرة الأموية يتمثل فى قتل الأمير «عبد الله» لولده «محمد» لاتهامه بالتواطؤ مع الثوار لكنه ندم على ذلك، وتحول ندمه، إلى عطفٍ وبر بطفل للقتيل لم يكن قد تجاوز عمره أسابيع ثلاثة عند مقتل أبيه فعنى بتربيته وتعليمه وجعله موضع سره، وشاء الله أن يتولى هذا الطفل أمر الأندلس بعد جده ويصبح أعظم حكامها على الإطلاق. وللأمير أشعار جيدة خاصة فى الغزل والزهد، وكان يقرب الشعراء ويؤثر مجالسهم ومجالس العلماء، ويأتى على رأس شعرائه «ابن عبدربه» وغيره، و «بقى ابن مخلد» على رأس الفقهاء وأصحاب الرأى الذين كان الأمير عبد الله يستشيرهم ويستأنس برأيهم. وقد توفى الأمير «عبد الله» فى (أول ربيع الأول سنة 300هـ = 912م). عبد الرحمن الناصر (العصر الذهبى لبنى أمية فى الأندلس [300 - 350 هـ = 912 - 961 م]. بدأ «عبد الرحمن» حكمه فى (ربيع الأول سنة 300هـ = أكتوبر 912م) بعد أن بايعه الجميع بنفس راضية فى المجلس الكامل بقصر قرطبة مع وجود كثير من أعمامه، لكن «عبد الرحمن» اكتسب محبة الناس بحسن أخلاقه وتوسطه بين الأمراء وأهل الدولة وبين جده فنال محبتهم وولاءهم، وكان عليه أن ينهض بمهمة ثقيلة، فقد تعرضت الإمارة للثورات من كل ناحية حتى أصبحت لايحسد عليها صاحبها، ولعل هذا أحد الأسباب التى جعلت أعمام «عبد الرحمن» ينصرفون عن منافسته، لشعورهم بعظم المسئولية التى تنتظر من يتولى الإمارة. وقد أثبت هذا الشاب أنه يمكن إعادة بناء دولة ضعف بنيانها بالخلق

المتين وحسن التدبير غير أنه لا ينبغى نسيان فضل الأمير «عبدالله»، فلولا إصراره على تحطيم قوى الثائرين - خاصة «ابن حفصون» - ولولا تدبيره شئون الدولة بالقليل من المال، ما استطاع «عبدالرحمن» أن يوحد البلاد وينهض بها، وكذلك لا ينبغى نسيان فضل البيوت العربية التى وقفت إلى جانب الإمارة تعاونها وتشترك معها فى مواجهة المشاكل بأنواعها كافة. عبدالرحمن والأوضاع الداخلية: أدرك عبدالرحمن أنه لابد من مواجهة الكفاح ضده وعدم تمكينه من تحقيق هدفه، فبدأ بإرسال جيش بعد أسابيع قليلة من ولايته إلى قلعة «رباح» شمالى قرطبة لمواجهة ثائر من زعماء البربر يدعى «الفتح بن موسى بن ذى النون» وتمكن من هزيمته، كما هزمت الحملة نفسها بعض المتحالفين معه، وكان لهذا الانتصار فى مطلع ولاية «عبدالرحمن» أثره فى إرهاب الثائرين. ثم أرسل «عبدالرحمن» جيشًا فى (جمادى الأولى سنة 300هـ = ديسمبر 912م) أعاد مدينة «أستجة» التى كان «ابن حفصون» قد ضمها إليه، وقام القائد بهدم أسوارها وهدم قنطرتها، وانقطع رجاء أهلها فى القيام بثورة، بعد ذلك جهز «عبدالرحمن» جيشًا ضخمًا أنفق زمانًا طويلا فى إعداده واختار فرسانه بنفسه وزوده بكل ما يحتاج إليه، وخرج على رأسه فى (شعبان سنة 300هـ = مارس 913م)، واتجه أولا إلى الجنوب الشرقى حيث انضم إليه أحد المخلصين للإمارة، ثم مضى فى طريق «جيان»، وأرسل بعض قواته إلى مالقة، وأمَّنها، وهناك عسكر فى قلب المنطقة التى ظن «ابن حفصون» أنها معقله، وهنا رغب عدد من الثائرين فى الاستسلام فمنحهم «عبدالرحمن» الأمان، ثم استولى على وادى أسن، وحصن المنتلون، وأسر عددًا من حلفاء «ابن حفصون» فى ولاية «غرناطة» واستولى على كل ما كان بيده فى ولاية «جيان»، ثم واصل سيره حتى وصل إلى ساحل البحر، ومازال عبدالرحمن يجول فى تلك الأنحاء ويستولى على حصونها المهمة واحدًا تلو الآخر حتى قضى

على عناصر الثورة بها وبلغ عدد هذه الحصون نحو سبعين حصنًا، ثم عاد إلى قرطبة أيام عيد الأضحى بعد غياب دام نحو ثلاثة أشهر. ثم أرسل الأمير حملة حاصرت «إشبيلية» وهدمت أسوارها سنة (301هـ = 913م) وانتهت بذلك ثورة العرب والمولدين فى هذه القاعدة المهمة التى كان «ابن حفصون» يتعاون مع الثائرين بها، ورأى الأمير أنه إذا حرمه من هؤلاء الحلفاء، فإنه سيستسلم من تلقاء نفسه. وفى (شوال من عام 301هـ = مايو 914م)، سار «عبدالرحمن» إلى جبال «رنده» التى بها المعقل الرئيسى لابن حفصون - وكان قد بسط نفوذه عليها ثانية - واستولى الأمير على عدد من الحصون فى الطريق؛ حيث بدأ بمحاصرة قلعة «طرش» - شرقى مالقة - ثم سار إلى حصون «رية» يفتحها الواحد وراء الآخر، والتقت قواته مع «ابن حفصون» وتعرض الثائر وحلفاؤه لهزيمة مريرة اضطر إلى الارتداد ناحية الغرب، واستولى «عبدالرحمن» على سفن كانت تحمل له زادًا قادمًا من بلاد المغرب ثم توجه إلى الجزيرة الخضراء واقتحم حصونها، ثم سار منها إلى «شذونة» ثم «قرمونة» ورجع بعد ذلك إلى «قرطبة» بعد أن ضيق الخناق على «ابن حفصون». وقد ظن «ابن حفصون» أنه إذا ارتد إلى النصرانية، فإن ذلك يكسبه ولاء طائفة المستعربين فى الأندلس، لكن هذا الارتداد أضره فانصرف عنه كثير من المسلمين والنصارى، بل إن أبناءه أنفسهم - باستثناء ولد له وبنت - لم يوافقوا على التنصر، واضطر ابن حفصون إلى أن يبعث برسالة إلى «عبدالرحمن الناصر» يطلب الصلح والأمان وقد وافق الناصر على الفكرة مع الحذر من مكر الثائر وغدره، واتصل بأكابر أعوانه ومنحهم الأمان، وتمت كتابة شروط الصلح، وبمقتضاها دخل مائة واثنان وستون حصنًا فى طاعة الناصر، وقد سُرَّ كلا الطرفين بهذا الصلح، وتلقى الناصر هدية قيمة من ابن حفصون بهذه المناسبة وكافأه عنها بأضعافها. وفى شهر (ربيع الأول سنة 306هـ = أغسطس 918م) مات «عمر بن

حفصون» عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا بعد أن قاد أكبر ثورة قام بها المولدون ضد الإدارة الأموية فى غرب الأندلس كله، وتنفست الحكومة الأموية بوفاته الصعداء بعد أن كان شاغلها الشاغل طوال ثلاثين عامًا. وقد سار «عبدالرحمن» بنفسه إلى مواطن ثورة «ابن حفصون» وقضى على جيوب المقاومة بها وطهرها من آثاره، وصلى فى مسجدها الجامع واستولى على كل معاقلها وحصونها، وأعدم ابنة لابن حفصون لإصرارها على الارتداد إلى النصرانية، وانتهى بذلك أمر تلك الثورة العنيدة تمامًا. وقد بالغت المصادر الأوربية فى تصوير «عمر بن حفصون»، وقدمته على أنه بطل قومى رمى إلى غاية نبيلة، وهى تحرير وطنه من نير المتغلبين عليه ورده إلى ديانته النصرانية. والحقيقة أن الرجل لم يكن أكثر من قاطع طريق وثائر عنيف ولم تكن تدفعه أغراض قومية أو نبيلة، ولم تحمسه الشهامة أو العزة القومية، بل إن كل ما قام به يتعارض مع الشرف والمروءة والشهامة. أنفق عبدالرحمن الناصر بعد ذلك أربع سنوات فى القضاء على حركات الثوار فى غربى الأندلس وجنوبها ولم يغفل لحظة عن مطاردة العصاة، فحاصر «طليطلة» التى كانت معقلا للثوار مدة عامين حين قام بالخروج فيها أحد زعماء المولدين حتى يئست واستسلمت وخرج بنفسه فى أواخر (317هـ = 929م) متوجهًا ناحية الغرب وأنذر العصاة وحاصر «بطليوس» وغيرها ومنع عنها كل مورد وضربها بشدة حتى اضطرت إلى التسليم، وفعل الشىء نفسه فى «باجة» وفى «أكشونة» قرب ساحل المحيط التى أتى الثائر بها معتذرًا فقبل «الناصر» عذره. وكما طارد الناصر العصاة فى الغرب طاردهم أيضًا فى شرق البلاد، فبعث وزيره «ابن بسيل» لمقاتلة بنى ذى النون، فقصد معقلهم «شنت بريه» واقتحمه وقتل رجاله ولم يتركه إلا بعد أن خضع له، وفى سنة (317هـ = 929م) افتتحت مدينة «شاطبة» بعد أن ترددت عليها الحملات العسكرية لمدة خمسة أعوام، وبذلك أخمدت كل

الثورات فى أنحاء الأندلس كافة بعد أن بقيت نحو نصف قرن تستنفد موارد البلاد وتمنعها من الجهاد ضد عدوها المتربص بها فى إسبانيا النصرانية. علاقة الناصر مع ملوك قشتالة وبنبلونة: تعرضت الحدود الشمالية لقرطبة لأخطار جسيمة قبل أن يتولى «عبدالرحمن الناصر»، وفى الأيام الأولى للناصر تمكن «ألفونسو الثالث» ملك «اشتورياس» من الاستيلاء على حصون «قلمرية» - فى البرتغال حاليا - كما سيطر على حصون ليون واشترقة وأماية وسمورة منتهزًا فرصة انشغال الأمير فى المشاكل والثورات الداخلية، وقام بتسكين أعداد كبيرة من نصارى الأندلس المستعربين الذين هاجروا إلى الشمال واستقروا فى الممالك النصرانية، وعقب موت «ألفونسو» الكبير هذا استولى خليفته على حصن «أرماج» -الذى سيكون له شأن فى الصراع بين الإسلام والنصرانية زمن الناصر- ومعنى ذلك أن مملكة «اشتورياس» توسعت وتضاعفت مساحتها وأصبحت تسمى مملكة ليون فى الأيام الأولى لحكم الناصر، بل تجرأ بعض قواد النصارى ووصلوا إلى ضفاف نهر «الدويرو». وقد انتهز أمراء بنبلونة - عاصمة نبرة - وغيرها من الإمارات النصرانية الصغيرة الواقعة جنوبى جبال «البرت» الفرصة، وتمكنوا بمعاونة أصحاب الثغر الأعلى الأندلسى من تهديد المعاقل الإسلامية فى «تطيلة» وغيرها، ونجح ملك قشتالة الجديد فى مد حدود دولته لتشمل أراضى قشتالة الجديدة، التى كانت أراضى إسلامية بها عدد قليل من المسلمين فى ذلك الوقت، كذلك أمكن لإمارة «قطالونية» التى تمكن ملوك الإفرنجة من إنشائها فى عهد «عبدالرحمن الداخل»، أن تتوسع أيضًا على حساب أراضى المسلمين. وهكذا كان على عبدالرحمن الناصر عند توليه أن يواجه موقفًا بالغ الخطورة على حدوده الشمالية من ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى ساحل المحيط الأطلسى. راميرو الثانى ملك ليون: تولى «راميرو الثانى» الحكم فى «ليون» فى السنة نفسها التى

تولى فيها «الناصر»، وكان «راميرو الثانى» ملكًا طموحًا دائب الحركة، ولهذا بدأ فى العام الثانى لحكمه يهاجم أراضى المسلمين، ووصل إلى «يابرة» - فى البرتغال الحالية - على رأس جيش بلغ تعداده ثلاثين ألفًا وتصدى له عامل البلدة المسلم، ولكنه هُزِم وتمكن النصارى من دخول البلد وارتكبوا مذبحة ضد أهلها وأسروا أربعة آلاف، فيهم عدد من النساء والأطفال، وقد خشى عمال البلاد من مهاجمة هذا الملك لبلادهم، فحصنوها وأحاطوها بالأسوار الحجرية المتينة، ومع ذلك استطاع ملك ليون مهاجمة مدينة «ماردة» ونهب أراضيها ودخل بعض حصونها وقتل فيها ألوف المسلمين، وأنشأ هناك كنيسة تسمى كنيسة القديسة «ماريا الليونية». وكان «عبدالرحمن» يؤثر فى أول الأمر غض الطرف عن محاربة النصارى إلى أن يتمكن من تطهير الأندلس من الثائرين، لكن هذا التخريب والفساد والعبث من جانبهم جعل الناصر يتخلى عن خطته، فبعث بجيش قوى سنة (304هـ = 916م) التقى بجموع النصارى وهزمهم فى عدة مواقع وعاد محملا بالغنائم وفى العام التالى ضج المسلمون وطلبوا من الأمير إنقاذهم، فأرسل إليهم قوات يتزعمها «أبو العباس أحمد بن محمد بن أبى عبدة» قائده الكبير، وقد استعد له ملك النصارى وجهز أحسن مالديه من عدة وسلاح. والتقى الفريقان بالقرب من بلدة «أرماج» وانهزم المسلمون وقتل قائدهم وتتبع النصارى فلولهم لمسافات بعيدة، وكانت تلك نهاية «أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى عبدة» القائد المغوار صاحب الفضل فى المحافظة على بقاء الإمارة الأموية طوال فترة حكم الأمير «عبدالله»، وقد قام ملك النصارى بتعليق رأس هذا القائد العظيم على سور البلدة المذكورة وبجواره خنزير برى نكاية به. هنا أدرك «عبدالرحمن» أن الأمر جد خطير وبخاصة بعد تحالف ملك ليون مع ملك نبرة، وسارت قواتهما معًا تريد الاستيلاء على مدينة «طلبيرة» غربى «طليطلة» وفى الوقت نفسه توجهت قوات تابعة

لملك «نبرة» لمهاجمة أراضى «بنى قسى» أصحاب «طليطلة»، وأحرقت الزروع وعاثت فسادًا، وأحرقت بعض المساجد، ولهذا أعد عبدالرحمن جيشًا ولَّى قيادته حاجبه «بدر بن أحمد» الذى احتشد له النصارى من كل ناحية، وتقدم المسلمون كالسيل إلى حدود ليون وهزموا النصارى هزيمة ساحقة فى موقعتين، ومع ذلك استمر النصارى يغيرون على الأراضى الإسلامية، وجرت حروب كانت سجالا. صمم عبدالرحمن على أن يخرج بنفسه لمقاتلة النصارى، فخرج من قرطبة فى (13 من المحرم سنة 308هـ = أوائل يونيو سنة 920م) فى جيش ضخم، وانضم إليه كثير من أهل الثغور، وقد اخترق أراضى الثغر الأوسط من طليطلة شمالا واتجه إلى طريق ألبة والقلاع «قشتالة»، ووصل إلى «قلونية» ونسف وخرب دون أن يعترضه النصارى لأن ملكى ليون ونبرة كانا ينتظران بجموعهما فى الشمال. وقد عرج «عبدالرحمن» على «تطيلة» واستولى على حصون مهمة بها، ثم عبر نهر «إبرة» حيث وجد الملكين فى كامل قواتهما، وقد أرادا استدراج الناصر إلى شُعَب الجبال، لكنه نجح فى سحبهما إلى السهل المنبسط وعسكر غربى «بنبلونة» عند بلدة تسمى «خونكيرا»، وعندما انحدر النصارى من الجبل إلى السهل، أوسعهم المسلمون قتلا وأسرًا وفتكوا بالعديد من أساقفتهم وزعمائهم ومزقوهم، ثم هدم عبدالرحمن حصونهم، وأصلح حصون المسلمين بهذه النواحى، وجرت هذه الموقعة فى (6من ربيع الأول سنة 308هـ = 26 من يوليو سنة 920م)، وقد استغرقت غزوة الناصر هذه ثلاثة أشهر، وكانت أول غزوة له ضد ملوك النصارى. لم ترتدع قوى النصرانية رغم ما تعرضوا له من هزائم وأخذوا يهاجمون الأراضى الإسلامية، واستولوا على بعضها، لذلك خرج «عبدالرحمن» إليهم مرة أخرى فى (المحرم سنة 312هـ = 17 من أبريل 924م) وسلك اتجاه الشرق مخترقًا كورة تدمير فبلنسية، ثم دخل إلى طرطوشة فسرقسطة ثم تطيلة، ثم دخل أراضى «نبرة» حيث استولى على كثير من الحصون وهدمها، ثم قصد بعد ذلك بنبلونة -

عاصمة مملكة نبرة - ودمرها وهزم ملكها، وأنهى مقاومته تمامًا وفى طريق عودته إلى «قرطبة» عرج على «موسى بن ذى النون» وقبل طاعته وقد استغرقت هذه الغزوة أربعة أشهر وعرفت بغزوة «بنبلونة». مات ملك ليون وحدثت مشاكل داخلية انتهت بتولية ملك جديد عمل على توسيع الفتنة بين المسلمين، وكانت «طليطلة» آنئذٍ تقوم بثورة معارضة، فقام الملك النصرانى بتشجيع الثوار، وبدأ «عبدالرحمن» من ناحيه يرسل العلماء لحث الثوار على الطاعة، فلم يستجب أحد مطمئنين إلى محالفة ملك النصارى لهم، لذلك اضطر الناصر إلى أن يخرج إلى الثائرين فى قوات ضخمة فى (ربيع الثانى سنة 318هـ = مايو 930م)، وبعد حصار شديد غادر عبدالرحمن المدينة وترك على حصارها بعض قواته، ثم عاد إليها بعد عامين فسار ملك ليون لإنقاذ «طليطلة» واستولى فى طريقه على حصن مجريط (مدريد) لكن المسلمين استردوه، ففر ملك ليون واضطر أهل «طليطلة» إلى التسليم، وانتهت بذلك ثورة من أخطر الثورات التى واجهها الناصر. وواصل «عبدالرحمن» ضرباته فى بلاد الشمال، ولم يجد ملوك النصارى مفرا من طلب الصلح، وأصبحوا من أتباع الناصر، يخطبون وده ويطلبون العلاج فى عاصمته. ولكن ملك ليون آلمه أن يخضع ملوك النصارى لأمير قرطبة، فحرضهم على حربه وجمع جيشًا كبيرًا يواجه به المسلمين فاستعد له عبدالرحمن استعدادًا كبيرًا؛ خاصة وقد تمكن الملك النصرانى من الاستيلاء على حصن مجريط وهدد طليطلة سنة (320هـ = 932م) وقصد الجيش النصارى عن طريق وادى الحجارة، ثم سار إلى سرقسطة وبعث بقوات إلى «تطيلة» و «طرطوشة»، وتحول إلى أراضى «نبرة» ليتلقى من ملكتها رسالة تعبر عن رغبتها فى السلم والمصالحة، فوافق الأمير وأقر ابنها ملكًا على بلاد «البشكنس»، ثم سار إلى أراضى «ألبة والقلاع» وخرب ونسف وعاث فى أراضى ليون، فاجتمع له النصارى ودارت معركة عنيفة انتصر فيها المسلمون

ووصل إلى مقربة من ليون، ثم ارتدت قواتهم شرقًا وأخذت تعيث فى أراضى قشتالة وخربت عاصمتها «برغش» ثم عادت القوات الإسلامية إلى قرطبة بعد أربعة أشهر. وفى سنة (323هـ = 935م) خرج أسطول الناصر فى أربعين سفينة من ثغر ألمرية إلى جزيرة ميورقة، ومنها إلى شواطئ الثغور الفرنجية حيث حقق انتصارات كبيرة، وتوجه بعدها إلى برشلونة. فاجتمع الفرنج لمقاتلته، ودارت بينه وبينهم مجتمعين معركة انتصر فيها الأسطول الإسلامى، ثم رجع إلى طرطوشة حيث صدرت الأوامر للقائد بالتوجه إلى سبتة وطنجة للتعامل مع الثائرين هناك، فظل يتردد بين مراسى العدوة المغربية حتى شتاء العام التالى، ثم رجع إلى مرسية فى (صفر سنة 324هـ = ديسمبر935م). كان «عبدالرحمن» قد عقد صلحًا مع ملك ليون بناءً على رغبته، لكن النصارى من البشكنس تحركوا واحتلوا بعض الحصون، وفى الوقت نفسه ظهرت بوادر فتنة خطيرة فى سرقسطة، لأن أصحابها التجيبيين لم يكونوا على وفاق مع حكومة قرطبة، وما كانت تعجبهم سياسة «عبدالرحمن» التى تعمل على إخضاع الزعماء المحليين بالإضافة إلى أن وجودهم بين الممالك النصرانية أعطاهم فرصة التآمر والخروج على سلطان الحكومة المركزية، وقد رفض زعيمهم بالفعل أن يشترك مع الناصر فى حملته الأخيرة ضد النصارى، بل وتحالف مع ملك ليون ضد المسلمين، وانضم إليهما البشكنس، وبذلك وقف الشمال كله متحالفًا ضد عبدالرحمن. بعث الناصر بعض القوات التى تعاملت مع هؤلاء فى بعض المواقع، وتمكنت حامية مجريط - أهم قلاع الثغر الأدنى - من رد هجوم ملك «ليون» عليها، ثم خرج عبدالرحمن بنفسه على رأس جيش ضخم فى (رجب سنة 325هـ = مايو 937م) فسار أولا إلى «طليطلة» لتأمين أهلها وإرهاب النصارى، وسلمت له «وشقة» و «طلبيرة» غربى «طليطلة». بعد ذلك توجه الناصر إلى الثغر الأعلى عن طريق وادى الحجارة، وقصد قلعة أيوب التى يعتصم بها زعيم التجيبيين، وعرض عبدالرحمن

عليه الطاعة فرفض، واضطر إلى أن يدخل معه معركة عنيفة انهزم فيها الثائر وطلب الأمان فوافق الناصر على تأمينه، وكان سقوط قلعة أيوب هذه أول صدع خطير فى ثورة بنى تجيب. ثم اتجه الناصر إلى ألبة والقلاع ففتح من حصونها سبعة وثلاثين حصنًا، ثم ذهب إلى بنبلونة - عاصمة نبرة - لتأديب الناكثين. وأخيرًا قبل اعتذار ملكتها وتوجه إلى تطيلة ومنها إلى سرقسطة وقام ببعض العمليات الناجحة برا وبحرًا ضد ملك ليون وحلفائه، واستمر يحاصر سرقسطة حتى طلب زعيم بنى تجيب الصلح فوافق الناصر، وبذلك سقطت سرقسطة وحصونها المهمة فى يد الناصر، وانهارت أخطر ثورة واجهها الناصر، وهى ثورة التجيبيين الذين كانت بلادهم مركزًا يجمع القوى المعادية لخلافة قرطبة سواء أكانوا من الثوار أم من زعماء النصارى. ويلاحظ أن الناصر كان حريصًا على أن يعفو عن الثوار وأن يحسن إليهم ويضمهم إلى جيشه، وبهذه السياسة الرشيدة استطاع أن يستفيد من كل القوى المناوئة له عندما أحسن إليهم، وقد دخل الأمير الأندلسى سرقسطة وأرسل منها ثلاثة جيوش توغلت فى أراضى ألبة والقلاع وهزمت النصارى فى عدة مواقع، ثم عادت جميعًا إلى قرطبة فى (18 من ربيع الأول 326هـ= أواخر يناير 938م) بعد ثمانية أشهر قضوها فى العمليات الناجحة، وأراد الناصر أن يكرم زعيم «بنى تجيب» فرده إلى «سرقسطة» وأعاده إلى مكانه وولاه كل مناصبه السابقة. مزق «عبدالرحمن الناصر» التحالف النصرانى الخطر وأخضع الشمال الشرقى كله لسيطرته ولم يبق إلا ملك ليون بؤرة الفساد الحقيقى فى هذه المناطق، وقد تم تجهيز جيش ضخم بلغت قواته نحو مائة ألف جندى، وولى الناصر قيادته «نجدة بن حسين الصقلبى»، وكان الصقالبة قد سيطروا فى هذه الآونة على كل مناصب القصر والقيادة، وقد أثر ذلك على نفوس العرب وكان سببًا فى تدهور قوى الجيش المعنوية. وفى صيف عام (327هـ = 939م) سار الناصر وعبر نهر التاجة عند

طليطلة ثم عبر نهر «دويرة» متجهًا نحو قلعة «شنت مانكش» حيث كان ملك ليون قد عسكر مستعدا وحالفه «أمية بن إسحاق» وملكة نبرة التى نقضت عهدها، وبذلك اتحدت قوى النصرانية من جديد ووقفت صفا واحدًا فى مواجهة المسلمين. وجرت بين الطرفين موقعة تعد من كوارث التاريخ الأندلسى، عرفت بموقعة الخندق، وتفيض المصادر الإسبانية فى وصف ما حدث، بينما تقدمها الرواية الإسلامية فى صورة مقتضبة، وقد جرت وقائعها على باب قلعة «شنت منكش» (سيمانقة) وكانت الحرب سجالا، ثم انكشف المسلمون انكشافًا لم يسمع بمثله وردهم العدو إلى خندق عميق نسبت الموقعة إليه، وقد تساقط فيه المسلمون حتى امتلأ بهم عن آخره وانكشف الناصر واستولى العدو على محلاته وما فيها من عدة ومتاع وفقد مصحفه الشريف ودرعه. وكان للخونة وعلى رأسهم «فرتون بن محمد الطويل» أثره فى الهزيمة، وقد أعدمه الناصر جزاءً وفاقًا لخيانته، كما كان لتولية قائد صقلبى أثره فى امتعاض العرب وتأثيره على روحهم المعنوية أثناء القتال، وقد قتل ذلك القائد فى المعركة، وأسر من كبار المسلمين «محمد بن هاشم التجيبى» وبقى فى أسر ملك ليون مدة عامين حتى افتداه الناصر بمبلغ كبير. وهذه خاتمة معارك الناصر الحربية، فلم يغز بعدها بنفسه واقتصر تقليد شئون الثغر الأعلى على أكابر رجاله ممن ورثوا الصلابة والبأس عن الأجداد، من أمثال آل تجيب وآل ذى النون وآل زروال وآل الطويل وآل رزين وغيرهم، وكان الناصر يزورهم كل عام ويزودهم بالعُدَد والسلاح، وقد استأمن «أمية بن إسحاق» الذى تحالف مع النصارى فوافق الناصر على تأمينه عملا بسياسته فى اصطناع الخصوم الأقوياء. أرسل ملك ليون يطلب الصلح مع الناصر فاستجاب له الأخير، لكنه كان صلحًا قصير الأمد كالعادة، كما عقد الناصر صلحًا مع ملك برشلونة وغيره، لكن ملك ليون لم يحترم الصلح وهاجم الأراضى الإسلامية، فاضطر المسلمون إلى غزو مملكة ليون سنة (329هـ =

941م)، وتوجيه بعض الحملات إليها وإلى جليقة. وفى سنة (335هـ = 946م) جدد الناصر مدينة سالم، أقصى مدن الأندلس الشمالية الغربية إلى حدود ليون، ونقل قاعدة الثغر الأعلى من طليطلة إليه، وولَّى عليها قائده «غالب الناصرى» الذى كان له شأن فى تاريخ الأندلس زمن الناصر وابنه الحكم المستنصر بعده، وقامت قوات عبد الرحمن بمعارك وغزوات ناجحة حتى وصلت إلى شاطئ المحيط الأطلسى، الشىء الذى جعل ملك ليون يطلب الصلح مع الناصر إيمانًا بأنه لاقبل له به. عبد الرحمن الثالث والبلاد المغربية: عندما تولى عبد الرحمن الناصر، كانت الدولة الفاطمية قد قامت فى بلاد المغرب منذ أربع سنوات فى (296هـ = 909م)، وامتد نفوذها بسرعة حتى وصل إلى سبتة، وأصبحت تهدد الشواطئ الأندلسية وتمثل خطرًا دينيا وسياسيا عليها، ومن الطبيعى أن يزعج هذا الأمر الأمويين فى الأندلس؛ لأن المغرب قاعدة من يريد الوصول إلى الأندلس. كما أنه يمد الثوار بها بحاجاتهم ويشجعهم على التآمر ضد الإدارة الأموية. كان على الناصر أن يواجه هذه المشكلة قبل أن يستفحل خطرها. ولهذا بعث سنة (319هـ = 931م) أسطولا مكونًا من (120) سفينة وسبعة آلاف رجل إلى سبتة انضم إليه بعض المتطوعة فى الطريق، وقد تمكن هذا الأسطول من السيطرة على سبتة وانتزعها من البربر حلفاء الفاطميين، ثم حاصر الأسطول بعد ذلك طنجة وضيق عليها حتى استسلمت وخضعت للناصر وغادرها بقية الأدارسة، وبادر زعماء البربر إلى إعلان الطاعة للناصر وامتدت دعوته حتى فاس، وأطاعه «موسى بن أبى العافية» زعيم مكناسة، وأمده الناصر بالجنود والسفن حتى هزم الفاطميين ووقف سدا منيعًا أمام محاولاتهم فى المغرب واستمرت جيوش عبد الرحمن تعبر من الأندلس لمحاربة الفاطميين وحلفائهم من البربر والأدارسة حتى استقر له الأمر ودعى له على منابر المغرب سنة (332هـ = 944م). وقد قويت الأساطيل الفاطمية فى عهد الخليفة «المعز لدين الله»،

وبدأت تجوب شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ووصلت إلى ألمرية وأحرقت سفنها وعاثت فيها سنة (344هـ = 955م)، فرد الخليفة الناصر بإرسال قوة بحرية عاثت فى تونس، وأمر بلعن الفاطميين والشيعة على منابر الأندلس، وفى سنة (347هـ = 958م) أرسل الناصر أسطوله ثانية إلى إفريقية ردا على الحملة الفاطمية التى قادها «جوهر الصقلى» إلى عدوة المغرب، التى تمكنت من الوصول إلى فاس، وأرسل فى الوقت نفسه حملة أندلسية عن طريق سبتة إلى المغرب بقيت هناك حتى رجع الفاطميون. وكانت سياسة الناصر مع الفاطميين تتجنب الدخول فى صراع صريح معهم؛ لأن هذا يضعف جبهته الشمالية أمام النصارى، ولهذا وجدناه يكتفى بإرسال السلاح والعتاد والمعونات المالية الكبيرة إلى «موسى بن أبى العافية» و «مصالة بن حبوس» وأمثالهما لإلحاق الهزيمة بأعوان الفاطميين، ثم اكتفى باحتلال سبتة وطنجة ومنهما زود أعوانه فى المغرب بحاجتهم ليثبتوا أمام الشيعة، وربما لجأ إلى معاونة الخارجين على الفاطميين من غير الأدارسة وهو على كل حال لم يلق بخيرة جنده وقواده فى الصراع المغربى، وهذا هو الخطأ الذى وقع فيه ابنه الحكم المستنصر بعد ذلك فأثر على جبهته الشمالية وأضعفها ولم يتمكن من الخروج بنتيجة حاسمة. عهد الخلافة الأموية فى الأندلس: عندما تولى «عبدالرحمن الداخل» أمر بعدم الدعاء لبنى العباس ولم يتخذ لقب الخلافة مكتفيًا بالإمارة، وسار بنوه على نهجه، فلما تولى الناصر، وجد أن هناك دولة فاطمية قامت فى بلاد الشمال الإفريقى، ووصل نفوذها إلى شواطئ المغرب الأقصى، وقد اتخذ حكامها لأنفسهم لقب الخلافة وسماتها، وإذا كان هو قد نهض بالدولة ووطد سلطان بنى أمية فى كل الأندلس فلماذا لايكون من حقه لقب خليفة؟ لذلك أصدر أمرًا بذلك فى يوم الجمعة مستهل (ذى الحجة سنة 316هـ = أوائل 929م) وأصبح عبدالرحمن الثالث يلقب بالخليفة أمير المؤمنين

الناصر لدين الله، وقد أرسلت نسخ من هذا الإعلان إلى إفريقية والمغرب، وبذلك أصبحت الخلافة الأموية مساوية للخلافة العباسية، ويناط بها رعاية شئون المسلمين، وتولية أمر الإسلام فى الجناح الغربى من العالم الإسلامى. وقد استتبع ذلك تغييرًا كبيرًا فى شكل الإمارة القرطبية ونظامها؛ حيث وضعت لها هياكل إدارية تعكس هيبة الدولة وتمنح البلاط القرطبى وجاهة أكثر. وكثر القواد فى جيش الخلافة وتنوعت مراتبهم وكثر الوزراء أيضًا وتضاعفت هيبتهم. وكانت سياسة الناصر تقوم على النقل المستمر لوزرائه وولاته وقواده حتى لا يطول أمد الواحد منهم فى وظيفته، وقد يدفعه ذلك إلى الاستبداد بالسلطة .. لقد كان عبدالرحمن يؤمن بالسلطان المطلق للخليفة، ولايسمح لكبار رجال الدولة بإملاء رأى عليه، كما لايمنح ولاة الأقاليم شيئًا من الاستقلال، ويرى أن الرعية ينبغى أن تكون رعية مطيعة تأتمر بأمر الخليفة خاصة بعد الانتصارات التى حققها على المستويين الداخلى والخارجى، وكان يلقى وزراءه فى مجلس فخم يعد كل شىء فيه بنظام مرتب. ورغم ميل الناصر إلى الاستبداد فإنه لم يعرف عنه أنه كان ظالمًا، ولم تذكر المصادر أنه قتل وزيرًا أو صادر مالا أو اعتدى على حق لأحد أو بالغ فى عقوبة، وربما كان الوحيد بين خلفاء المسلمين بالأندلس فيما يتعلق بتصرفاته فى الخلافة وسلوكه بما يتفق مع مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام، وبهذه الأخلاق والوفاء استطاع الناصر بعد عشر سنوات من حكمه أن يعيد النظام والهدوء والوحدة والأمان إلى دولته الواسعة، كما منح أمانات لبيوتات الثغر الأعلى من أمثال: بنى هاشم وبنى قسى وبنى الطويل واستفاد بهم وبما تميزوا به من شجاعة فى حروبه، ونجح فى تحويل ملوك إسبانيا النصرانية إلى أتباع له أو حلفاء. إنشاء مدينة الزهراء وزيادة المسجد الجامع: كثر سكان قرطبة فى عهد الناصر ووصلت مبانيها إلى تل الرصافة

الذى يقوم عليه قصر الرصافة، ولم تعد قصور العاصمة تليق بالمكانة العظيمة التى ارتفعت إليها الخلافة، كذلك ضاقت أسواق البلد وطرقاتها، وأصبح من العسير على جيوش الدولة ومواكب السفراء المستمرة أن تسير فى شوارع المدينة دون أن تضايق الناس. وكان الناصر قد بنى إلى جانب «القصر الزاهر» قصرًا جديدًا سماه «دار الروضة» استدعى له المهندسين والبنائين من كل ناحية، وأنشأ فى ظاهر قرطبة متنزهات عظيمة جلب لها الماء من أعلى الجبل فوق قناطر بديعة، ومع ذلك فقد كانت العاصمة تضيق بسكانها ولاتفى بحاجة ملك عظيم بلغه الناصر، ووطده عن طريق سحق أعدائه فى الداخل والخارج؛ لهذا كله فكر فى إقامة مدينة جديدة تضم قصوره وأماكن حاشيته، وأخذ المهندسون فى دراساتهم ووصلوا إلى إقامتها على سفح جبل العروس على بعد ستة كيلو مترات من العاصمة وتطل عليها من الناحية الجنوبية الغربية. سميت تلك المدينة بالزهراء، نسبة إلى إحدى نساء عبدالرحمن التى ماتت عن مال كثير وأوصت أن ينفق فى افتكاك أسرى المسلمين، لكن الناصر لم يجد أسرى فقرر إنشاء المدينة بهذا المال وأطلق عليها اسم صاحبة ذلك المال. بدأ العمل فى المدينة الجديدة (أول المحرم 325هـ = نوفمبر 936م)، وتولى الإشراف على بنائها «الحكم» ولى العهد، وحشد لها أشهر المهندسين والصناع والفنانين من سائر الأنحاء ولاسيما القسطنطينية وبغداد، وجلب لها الرخام بألوانه من «المرية» و «رية»، ومن قرطاجنة إفريقية وتونس والشام، وجلب لها (4324) سارية من الرخام واشتغل فى بنائها يوميا عشرة آلاف رجل، و (1500) دابة، واستخدمت من الصخر المنحوت ستة آلاف صخرة فى اليوم، وقدرت النفقة على بنائها ب 300 ألف دينار سنويا بخلاف ما أنفق فى عهد الحكم، وأقام الناصر لنفسه قصرًا جديدًا، بنى فيه مجلسًا ملوكيا أسماه قصر الخلافة، جدرانه من رخام مزخرف بالذهب، وفى كل جانب من

جوانبه ثمانية أبواب، وأقام الخليفة فى الجناح الشرقى المسمى بالمؤنس، وزوده بأنفس التحف ووضع فيه الحوض المنقوش بماء الذهب المهدى إليه من قصر القسطنطينية. وجدير بالذكر أنه تم التخطيط لمدينة «الزهراء» بحيث تكون مستقلة بذاتها، وقد بنيت على مدرجات بحيث يرقى من يدخل المدينة من درجة إلى درجة، وفى كل درجة يجد قسمًا من أقسام المدينة، ويدخل الإنسان إليها من أسفل الجبل عن طريق باب كبير يسمى باب الأقباء - جمع قبة - لأن هذا المدخل كانت تحيط به وتقوم فوقه قباب، بعد ذلك يسير الإنسان مسافة طويلة فى طريق مبلط تقوم على جوانبه الأعمدة وغرف الحرس حتى يصل إلى باب السدة (باب القصر) ويصعد درجات، وإلى جانب هذا المصعد ذى الدرجات يوجد مصعد آخر بلا درج مخصص للخيل، وعندما يصل الإنسان إلى المستوى الثانى يجد مساكن الجنود وأصحاب الحرف الذين تحتاج إليهم المدينة، كما وجدت هناك آثار المسجد الجامع لمدينة الزهراء، وكل هذه البيوتات محاطة بالأشجار والخضرة، وعندما ينتهى الإنسان من هذا المستوى يصعد مرة أخرى حتى يصل إلى سهل منبسط بنيت عليه قصور كبار رجال القصر وموظفيه بما فى ذلك أماكن إقامة الحرس الخاص بالخليفة، وما يلزم لهؤلاء من حمامات ومساجد، بعد ذلك يصعد الإنسان مرة ثالثة فيواجه لأول صعوده البهو الكبير الذى أنشأه الناصر لاستقبال السفراء والملوك الأجانب، وهو بهو فخم يتكون من ثلاثة أقواس تفضى إلى قاعة فسيحة بها ثلاثة أبهاء ينتهى الأوسط بمجلس الناصر فى صدره، وهناك يجلس الخليفة فوق عرشه تحيط به مقاعد الأسرة المالكة كل حسب مرتبته، وعلى الجانبين مقاعد للوزراء وكبار رجال الدولة والضيوف موضوعة بصورة محكمة بحيث يختص كل مسئول بمقعده الذى لايتغير، فإذا مانظر الناصر ووجد مقعدًا خاليًا عرف من تغيب، أما البهوان الداخليان فيستعملان لموظفى القصر وكتاب الخليفة، وهذا المجلس يبدو للرائى من بعيد

عندما يهل الإنسان على مدينة الزهراء، وقد أراده «عبدالرحمن» على هذه الصورة؛ ليتمكن من رؤية السفراء والملوك وهم مقبلون من بُعد، ثم وَهُم صاعدون إلى القصر، وقد سميت الرحبة التى أقيم فيها البهو الرئيسى باسم «السطح الممرد»، وجعل أمام بهو الاستقبال حوض للسباحة، مصنوع من الرخام حفر له فى الأرض، وزين بالتماثيل وقد تم جلبه من القسطنطينية وقد ضاعت معالم هذا القصر أثناء محنة الفتنة والصراع على الخلافة ويحاول علماء الآثار منذ سنة (1328هـ = 1910م) العثور على شىء من معالم هذا القصر، وإعادة إقامة بعض منشآته وخاصة بهو الاستقبال. وبناء هذه المدينة والقصر يعكس رخاء الأندلس ونهضة الفن المعمارى بها آنئذ، ووصل ازدهار قرطبة إلى أعلى درجاته فوصل عدد دورها إلى 113 ألف دار بلغ مجموع قاطنيها مليونًا ومائة وثلاثين ألفًا، ومما يدل على كثرة سكان العاصمة أن عدد الحمامات بها بلغ ثلاثمائة حمام، وعدد مساجدها ثلاثة آلاف. وقد بلغت إيرادات الأندلس نحو 5.5 مليون دينار من الكور والقرى ومن الأسواق ونحوها 765 ألف دينار قسمت ثلاثًا: ثلث للجند، وثلث للبناء، وثلث يدخر للطوارئ. الزيادة فى المسجد الجامع: أمر الناصر بإضافة زيادة ثالثة إلى المسجد الجامع فى قرطبة سنة (346 هـ = 957م)، وقد ضاعفت هذه الزيادة حجم المسجد فى الاتجاه الجنوبى، وقد تم بناء الزيادة على طراز بقية المسجد نفسه من حيث الأقواس ومواد البناء. وعُد محراب هذه الزيادة فى المسجد آية من آيات الفن الأندلسى ذلك أنه ليس محرابًا بل غرفة من الرخام سقفها قطعة واحدة منه فى هيئة محراب، ووسط هذا المحراب كرسى يوضع عليه المصحف الشريف يستخدمه القارئ فى تلاوة القرآن الكريم قبل الصلوات. وكان «عبدالرحمن الناصر» قد هدم منارة المسجد القديمة سنة (340هـ = 951م)، وجعل له منارة تميزت بفخامتها وارتفاعها الشاهق، وكانت مربعة الواجهات، ولها 14 شباكًا، وسلمان للصعود

والهبوط وفى قمتها ثلاث تفاحات كبيرات اثنتان من الذهب وواحدة من الفضة، وقد أزال النصارى هذه المنارة وأقاموا مكانها برج الأجراس الحالى، ولاتزال اللوحة التى تشيد بجهود عبدالرحمن الناصر قائمة فى مكانها عند الباب الرئيسى المسمى باب النخيل. كذلك أقام عبدالرحمن ما يعرف بالمظلة فى صحن المسجد، وهى سقف متحرك يتكون من أعمدة من الخشب والحصر، يستظل بها الناس أثناء الصلاة فى زمن الصيف، ثم ترفع بعد الصلاة لأن صحن الجامع الفسيح كان مزدانًا بأشجار النارنج، وتلك ظاهرة تنفرد بها صحون مساجد الأندلس عن غيرها. ولاتقف جهود الناصر عند هذا الحد، وإنما يرجع إليه الفضل فى إنشاء عدد كبير من المساجد فى شمالى الأندلس وجنوبيه، كما أن إليه يرجع فضل تجديد قنطرة الوادى وقنطرة سرقسطة وقنطرة ماردة. وقد اهتم الناصر بالجيش وجمع له الجند من أنحاء المغرب والأندلس، واستكثر من الأسلحة، وأمده بمجموعة من أمهر القادة، وتولى القيادة بنفسه أحيانًا. كما عنى بالأسطول واهتم بإصلاح وحداته، وأنشأ به وحدات جديدة، وكانت «المرية» هى مركز الأسطول الرئيسى وبها دار الصناعة، وقد ضم أسطول الناصر (200) سفينة بخلاف أسطول المغرب، وكان لأسطول الناصر السيطرة على مياه إسبانيا الجنوبية الشرقية، كما كان ينازع الفاطميين السيادة على غربى البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من الحروب فإن عصرالناصر كان عصر رخاء زاد فيه الدخل وازدهرت الزراعة والصناعة والتجارة وكثرت أخماس الغنائم، ويقال إن الناصر لما مات وجد فى بيت ماله خمسة آلاف مليون درهم، وترك فى قصره عشرين مليونًا من الذهب. وفى سنة (316هـ = 928م) أمر الناصر باتخاذ دار للسكة فى قرطبة لضرب الدنانير والدراهم، وبذل جهده فى الاحتراس من الغش والتدليس فأصبحت دنانيره ودراهمه عيارًا محضًا، وكان ضرب النقد معطلا قبله. وبلغ الأمن ذروته فى سائر البلاد أيام الناصر، وترك ذلك آثارًا طيبة

على مصادر الدخل وازدهرت العلوم والآداب ورخصت المعايش. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الدولة الأموية فى الأندلس كانت تعتمد

7 - 4:الدولة العامرية

الفصل الرابع *الدولة العامرية [368 - 399 هـ = 978 - 1009 م]. بعد أن أصبحت السيطرة كاملة لابن أبى عامر فكر فى إنشاء مدينة جديدة يتوافر فيها الأمان ومظاهر السلطان فكانت مدينته الزاهرة أو العامرية شرقى قرطبة والتى استغرق بناؤها عامين، وضمت قصرًا ومسجدًا ودواوين للإدارة ومساكن للحرس، ونقل خزائن المال والسلاح إليها، وأقيم حولها سور ضخم كما بنى خندقًا وتم إقطاع ضواحيها للوزراء والقادة، فابتنوا الدور وأنشئت الشوارع والأسواق حتى اتصلت مبانيها بضواحى قرطبة، وقد انتقل إليها ابن أبى عامر سنة (370هـ = 980م)، واتخذ له حرسًا خاصا من الصقالبة والبربر أحاطوا بقصره، ومنعوا الدخول والخروج إليه، وبذلك أقفرت قرطبة وأقفر قصرها ونقلت كل مظاهر السلطان إلى المدينة الجديدة، ومنع الخليفة من أى حركة إلا بإذن ابن أبى عامر حماية له من المتآمرين وحتى يتفرغ للعبادة كما زعم. حاولت «صبح» بعد هذا التطور أن تستبعد «ابن أبى عامر» مستعينة بمنافسيه، ولجأت إلى القائد «غالب» - صاحب الثغر - فى سرية تامة، فرد ابن أبى عامر بتقريب «جعفر بن على بن حمدون الأندلسى» -وهو بربرى من زناتة - عبر البحر وتقلد الوزارة، واستعان به ابن أبى عامر على كسب مودة البربر الذين توافدوا من عدوة المغرب إلى الأندلس، وغمرهم بأمواله. أراد غالب مصانعة ابن أبى عامر فدعاه إلى غزوة مشتركة فى أراضى قشتالة، وأقام له وليمة دخل معه خلالها فى نقاش عنيف ورفع السيف فأصيب ابن أبى عامر، لكنه استطاع الفرار وذهب إلى دار غالب بمدينة سالم واستولى على كل ما كان فيها، ثم دخل الفريقان فى قتال عند حصن «شنت بجنت» يعاون غالب ملك ليون، وانتهى الأمر بموت غالب وهزيمة أعوانه من المسلمين والنصارى فى (4 المحرم سنة 371هـ = 10يوليو 981م). غزوات ابن أبى عامر: بدأت سلسلة هذه الغزوات الشهيرة بعد أن استقرت الأمور لابن أبى عامر، ووصل عددها إلى نحو أربع وخمسين غزوة استقصى المؤرخ

القرطبى ابن حيان أخبارها فى كتاب له مفقود عنوانه «الدولة العامرية» ويتحدث عنها ابن خلدون فيقول: «غزا ابن أبى عامر اثنتين وخمسين غزوة فى سائر أيام ملكه، لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولاأصيب له بعث ولا هلكت له سرية». وقد بدأ «ابن أبى عامر» غزواته بمملكة «ليون»؛ ليعاقب ملكها على معاونته لغالب، وقد تحالف ضده ملوك النصارى الثلاثة: ملك ليون، وملك قشتالة، وملك نبرة، وجرت بينه وبينهم موقعة عند «شنت منكش» انتصر فيها «ابن أبى عامر»، ووصل إلى عاصمة مملكة «ليون»، ثم عاد إلى «قرطبة» سنة (371هـ = 981م) بسبب حلول الشتاء، وبعد عدة أشهر من عودته اتخذ لنفسه لقب «الحاجب المنصور» ودعى له على المنابر وصدرت الكتب باسمه ونقش على السكَّة، وقبَّل المسئولون وكبار الموظفين والوزراء يده وأصبح هو كل شىء. وفى سنة (274هـ = 984م) خرج «المنصور» إلى شمال شرقى «الأندلس» على رأس جيش ضخم مر بغرناطة ثم «بسطة» فلورقة فمرسية، ثم اتجه شمالا إلى «برشلونة»، حيث دخل منطقة «قطلونية»، ثم اقتحم مدينة «برشلونة» ودمَّرها وأحرقها فى (صفر 375هـ = يوليو 985م)، ولم يحاول المنصور الاحتفاظ ببرشلونة، وإنما قصد إلى تدمير قوى النصارى فى هذه المنطقة النائية. ثم قام المنصور عام (378هـ = 988م) بغزو مملكة ليون بعد أن انقض ملكهم على المسلمين، وطاردهم إلى آخر حدود بلاده، فسار المنصور شمالا إلى ليون، ثم غربًا إلى مدينة قلمرية شمالى البرتغال بالقرب من المحيط واستولى عليها وبقيت خرابًا مدة سبعة أعوام، ثم سار المنصور نحو مملكة «نبرة» وقصد عاصمتها «بنبلونة» ردا على إغارة ملكهم على أراضى المسلمين، وغزوة المنصور هذه تسمى غزوة البياض، وقد عاد بجيشه إلى «سرقسطة» والتقى هناك بابنة عبدالملك بعد عودته ظافرًا من حروبه فى بلاد المغرب كما سنشير فيما بعد. وفى ربيع سنة (378هـ = 988م) خرج المنصور فى جيش ضخم،

واخترق مملكة ليون واستولى على عاصمتها بعد معارك عنيفة، ثم سار إلى «سمورة» وحاصرها حتى سلمت، واعترف النبلاء له بالطاعة، ولم يبق تحت سيطرة ملك ليون إلا المنطقة الجبلية الواقعة شمالى غربى إقليم جليقية. وأثناء قيام المنصور بغزوته هذه رقم (45) انضم ابنه «عبدالله» إلى ملك قشتالة بتحريض من صاحب الثغر الأعلى «عبدالرحمن بن مطرف التجيبى» وكانت عاصمته «سرقسطة»، ولكن المنصور ضغط على الملك النصرانى عن طريق العمليات العسكرية المتتالية فسلمه ابنه، ولم يتردد المنصور فى قتل ولده فى الحال. ثم قام «المنصور» سنة (387هـ = 997 م) بأعظم غزوة قام بها متجهًا نحو منطقة جليقية، وهى منطقة وعرة من الصعب غزوها؛ لأنها ملاذ ملوك ليون يلجئون إليها كلما ضيق المسلمون الخناق عليهم، فخرج المنصور إليها من قرطبة فى (شهر جمادى الآخرة سنة 387هـ= 997م)، وفى الوقت نفسه تحرك الأسطول الأندلسى فى مياه البرتغال يحمل المشاة والأقوات والذخيرة، وعبر المنصور الجبال والأنهار حتى وصل إلى مدينة قورية، ثم زحف نحو الشمال الغربى واستولى على مدينتى: «بازو» و «قلمرية»؛ حيث وفد إليه العديد من أمراء النصارى وانضموا إلى جيشه وأطاعوه، بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية شمالا نحو نهر «دويرة»، حيث وافاه الأسطول، فجعله جسرًا عبر به صوب جليقية، وسار فى شعب الجبال، ثم التزم المشى بحذاء الشاطئ يهدم ويخرب، ففرت أمامه جموع النصارى، وظل المنصور يواصل عملياته حتى انتهى إلى مدينة «شنت ياقب» المقدسة عند النصارى فدخلها ثم سار المنصور حتى وصل إلى شاطئ المحيط وتابع سيره إلى أن أصبح فى شمال البرتغال الحديثة، وهناك وزع الهدايا على الموالين له من زعماء النصارى وطلب منهم أن يعودوا إلى بلادهم ورجع هو إلى مدينته الزاهرة. وقد هزت هذه الغزوة إسبانيا النصرانية، وبقى تأثيرها بضع سنين وكانت الثامنة والأربعين من بين مجموع غزواته. ثم قام المنصور بعد

ذلك بغزوات فى سنوات (389، 390هـ= 999، 1000م) فى أراضى نبرة وقشتالة؛ حيث واجه جموع النصارى متحدين مصممين على النيل منه، وتعرض المسلمون للهزيمة أول الأمر، لكن المنصور صعد على ربوة عالية، وأخذ يضاعف جهوده ويحرض الناس، حتى تمكن من تحويل الهزيمة إلى نصر ومزق العدو شر ممزق، وتوالى زحفه حتى اقتحم مدينة «برغش»، ومنها توجه إلى «سرقسطة»، ثم إلى «بنبلونة» عاصمة «نبرة» دون أن يجرؤ أحد على اعتراضه وأخيرًا رجع إلى العاصمة بعد تسعة ومائة يوم. وفى ربيع (392هـ =1002م) خرج المنصور لآخر مرة، وتوجَّه إلى قشتالة ومنها اتجه غربًا نحو «برغش» وعاث فى تلك المنطقة، وتقول المصادر النصرانية إنه تعرض لهزيمة على أيدى ملوك النصارى متحدين، وإنه اضطر إلى الفرار فى جنح الظلام بعد موقعة معهم جرت أحداثها بمكان يسمى «قلعة النسور»، وقد جرح المنصور ثم مات بعد ذلك متأثرًا بجراحه، لكن الباحثين المحدثين - ومنهم المستشرق الهولندى دوزى - يرفضون هذه الرواية لأنها تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، فهى تتحدث عن تحالف بين ملوك من النصارى ماتوا قبل هذه الموقعة، أضف إلى ذلك أن المصادر الإسلامية لاتذكرشيئًا عن تلك الموقعة، مع أنها لاتخفى هزائم المسلمين، فالصمت قرينة على أنه لم تكن هناك هزيمة ولاحتى موقعة أصلا. ومهما يكن من أمر فقد سار المنصور فى حملته هذه محمولا حتى وصل إلى «مدينة سالم»، وهناك وافاه الأجل فى (27 رمضان 392هـ = 11 أغسطس 1002م) بعد حكم دام 27 عامًا. المنصور وولاية العهد: اتخذ المنصور فى سنة (381هـ= 991م) خطة غير مسبوقة بهدف دعم سلطانه فرشح ابنه عبدالملك ليتولى الأمر من بعده، وتنازل له عن الحجابة والقيادة وجميع ما كان يتولى من خطط مكتفيًا بلقب «المنصور» ثم تلقب بالملك الكريم فى سنة (386هـ = 996م) وبولغ فى تعظيمه وإجلاله، ولم يكن المنصور يقصد أن تجتمع السلطات فى

يده، فكل السلطات السياسية والعسكرية فى قبضة يديه بالفعل، لكنه أراد أن يصبغ حكمه بالصبغة الشرعية، وأن تكون له رسوم الملك والخلافة، ويقوم بتأسيس دولة تحل محل دولة بنى أمية، لكن الظروف لم تكن مهيأة فالناس لاتميل كثيرًا إلى المنصور؛ بسبب الوسائل الدموية التى لجأ إليها لتصفية خصومه. الجيش فى عهد المنصور: أعطى المنصور اهتمامًا كبيرًا للجيش، فعنى بتنظيمه، واستقدم قوات تعد بالألوف من المرتزقة من قبائل زناتة وصنهاجة وغيرهما من البربر ومن الجند النصارى، وكون من هؤلاء جميعًا جيشًا ضخمًا ضمن ولاءه له بجوده ووفرة عطاياه، كما غير من نظام الجيش، فقدَّم رجالات البربر وأخَّر زعماء العرب وفرق جند القبيلة الواحدة، وكان الخليفة الناصر من قبله قد مهد له الطريق عندما سحق القبائل العربية وأضعف هيبتها حسبما أشرنا من قبل، أى أن ابن أبى عامر وجد الطريق ممهدًا، فلم تلق سياسته كبير معارضة. وقد نفر المحاربون القدماء والأندلسيون بشدة من ذلك الجيش وسعِدَ «ابن أبى عامر» بهذا النفور لأنه يقف حائلا بين عناصر الجيش القديم وبين اتحادها ضده، كما أنه يشعر البربر بضرورة الاعتماد عليه. ومن أهم ما فعله فصل جيش الحضرة (قرطبة) عن الجيش العام، وتعيين نفسه قائدًا له، فأصبح قوة عسكرية، وفتحت له والدة الخليفة بيت المال ظنا منها أنه يعمل لحسابها وحساب ابنها، فأكثر من الجند، وأصبح مستبدا عسكريا، وتحوَّل من فقيه إلى رجل سياسة، وملك من القوة العسكرية ما لم يملكه من سبقوه، فالناصر رغم ميله إلى الاستبداد كان يقف عند حد معين، ويعلم أنه من المستحيل القضاء على النصارى فيكتفى بإضعافهم وحملهم على أداء الجزية، أما المنصور فتتوالى ضرباته دون أن يحاول ضم جزء إلى أراضى الخلافة، أو إسكان بعض المسلمين فى الأراضى التى يفتحها وإنما يضرب ويحوز الغنائم ويعود النصارى إلى ما كانوا عليه، وكأنه لم يكن يهدف إلا إلى ذلك.

وجدير بالذكر أن المنصور فى سنة (388هـ = 998م) أعفى الناس من إلزامهم بالغزو؛ بسبب ما وصلت إليه أعداد الجيش وما توافر له من قوة، واكتفى بالقوات المرابطة، وقد بلغ الجيش المرابط أى الثابت فى زمن المنصور (12100) من الفرسان يصرف لهم جميعًا المرتبات والسلاح والنفقة بخلاف (600) فارس للحراسة الخاصة، أما الجيش المرابط من الرجَّالة فقد بلغ ستة وعشرين ألفًا، وكان هذا العدد يتضاعف بمن ينضم إليه من المتطوعة أثناء الصوائف ولا يدخل فى هذا الخيل ومطايا الركوب ودواب الحمل وغيرها من العدد، وكان المنصور يتولى قيادة قواته بنفسه غالبًا. وقد حققت غزواته أهدافها من ردع النصارى ومنعهم من الهجوم على أراضى المسلمين، وكان يعرف أبرز جنده جميعًا بأسمائهم ويدعوهم إلى المآدب التى يقيمها عقب كل انتصار، ومع ذلك فإن المحصلة النهائية لغزواته كانت ضعيفة فهو لم يقضِ على كل قوى النصرانية أو يسحقها، وغزواته وإن أضعفت النصارى، فإنها لم تغير أحوالهم، وبقيت حدود دولة الإسلام على ما هى عليه، فهى غزوات دويها عظيم تجذب الناس إليها، لكن نتائجها قليلة فقد أنهكت قوى الجيوش الإسلامية دون أن تحقق هدفًا ثابتًا أو تقضى على خصم، إنها مثل الطبل الأجوف صوت كبير وعمل قليل. إدارة المنصور: أظهر المنصور مقدرة كافية ممتازة فى جميع المناصب التى تولاها وشهدت البلاد فى زمنه أمنًا واستقرارًا وطمأنينة لم تعرفها قبله، وفى زمنه لم تعرف البلاد الثورات مقارنًا بغيره، وازدهرت الصناعة والتجارة والزراعة، وارتقت العلوم والآداب، وامتلأت خزائن قرطبة بالمال حتى وصلت الإيرادات إلى نحو أربعة ملايين دينار، بخلاف الموارد من المواريث ومال السبى والغنائم، وقد عاون المنصور مجموعة من الكتاب والوزراء فى هذا العصر من أبرزهم: «أبو مروان عبدالملك بن شهيد» و «محمد بن جهور» و «أحمد بن سعيد بن حزم» والد الفيلسوف المشهور، و «خلف بن حسين بن حيان» والد أمير

المؤرخين الأندلسيين «ابن حيان»، ومن الكتاب «سعيد بن القطاع» وغيره من أبناء الأسر العريقة التى تعاقب أبناؤها على الوزارة. العمارة فى عهد المنصور: لم يخل عهد المنصور من الإنشاءات العظيمة على الرغم من الغزوات المستمرة وقد أشرنا إلى بنائه مدينته الزاهرة بقصورها وحدائقها، وجعلها قصرًا للحكم والإدارة، وقد بنى المنصور بجانبها مدينة جميلة ازدانت بالحدائق والقصور أسماها «العامرية»، وكان يقصدها عندما يريد الاستجمام. كذلك قام بزيادة المسجد الجامع فى «قرطبة» بعد أن اتسعت المدينة، وضمت واحدًا وعشرين حيا، الواحد فيها أكبر من أية مدينة أندلسية، وقد حفر حولها خندقًا بلغ 16 ميلاً وزاد سكانها كثيرًا لا سيما البربر، وضاق المسجد الجامع بهؤلاء السكان فأدخل المنصور فى سنة (387هـ = 997م) زيادة عليه من الناحية الشرقية، بلغت المساحة الأصلية نفسها تقريبًا، وحرص المنصور على الاشتراك فى هذا المشروع بنفسه، واشتغل فيه أسرى النصارى، وتم تعويض أصحاب الدور والأماكن التى صودرت لهذا الغرض، ولا يزال هذا الجناح قائمًا حتى اليوم، ويعرف بمسجد المنصور، وإن تحولت عقوده الجانبيه إلى هياكل وكنائس. وبهذه الزيادة بلغت مساحة المسجد الجامع ما يزيد على ستة أفدنة، كما انفرد بطرازه الرائع، وليس فى العالم مسجد ولا كنيسة فى مثل حجمه اللهم إلا قصر «فرساى» بفرنسا. كما جدد المنصور قنطرة قرطبة على نهر الوادى الكبير، وكان «السمح بن مالك» قد جددها من قبل وأنفق المنصور على تجديدها فى سنة (378هـ = 988م) مائة وأربعين ألف دينار وبنى قنطرة «أستجة» على نهر «شنيل» أحد فروع نهر الوادى الكبير. المنصور فى نظر المؤرخين: يشهد المؤرخون القدماء للمنصور بالكرم، وبأنه كان يبذل الأموال للمتصلين به والفقراء خاصة، ورغم سفكه للدماء فقد كان يتظاهر بالتقوى، حريصًا فى كل غزواته على حمل مصحف خطه بيده، ويقال

إنه كان منصفًا عادلا يزجر الظالم حتى لو كان من كبار حاشيته، وكان صبورًا حليمًا، ولكنهم ينعون عليه شغفه بمعاقرة الخمر، ولم يتخل عن ذلك إلا قبل وفاته بعامين. وتميز المنصور بأنه كان شغوفًا بالعلم والأدب، محبا للعلماء والأدباء والشعراء ويناظرهم ويشترك معهم فى نظم الشعر ويغدق عليهم، ساعده على ذلك نشأته فى بيت علم وأدب، وبراعته فى علوم الشريعة وفنون الأدب خلال فترة صباه. وحرص المنصور على نشر العلم والمعرفة بين طبقات الشعب، فأنشأ كثيرًا من دور العلم فى قرطبة وأنفق عليها، وكان يزور المساجد والمدارس، ويمنح المكافآت للمتفوقين من الطلاب، كما حرص على جمع الكتب ومكافأة أصحابها، وقد منح «صاعد البغدادى» (500) دينار مكافأة له على كتابه «الفصوص»، وكان يكره الفلسفة، ويرى أنها مخالفة للدين كما كان يبغض التنجيم ويطارد المنجمين، وقد استخرج من المكتبة الأموية جميع كتب الفلاسفة والدهريين وأحرقها بحضرة كبار العلماء، وما فعله «المنصور» أمر خطير، تسبب فى ضياع ثروة علمية عظيمة. ونظرًا للشهرة الواسعة التى حققها المنصور، جاء إليه بعض ملوك النصارى واستعطفوه وتقربوا إليه وزوجوه من بناتهم. ويرى بعض المؤرخين المعاصرين أن «ابن أبى عامر» من أعظم الرجال وأنه قام بما لم يقم به أحد فى تاريخ الإسلام، فقد استطاع الاستيلاء على الحكم فى دولة كبرى، وهى فى أوج سلطانها ووجه أمورها بصورة مستبدة. ومع ذلك فإن هنا أمورًا ثلاثة هى أكثر ما أضر به المنصور: 1 - إقامته ملكه على جند مرتزقة تعالوا على الناس، واصطناعه لبيوت جديدة من زعانف الأسر، وصغار الفقهاء والطامعين، وتوليتهم وظائف القضاء والولايات، وقد أثقل هؤلاء على الناس، وأرهقوهم بالمطالب، واستولوا على أموالهم، ومن هؤلاء بنو عباد فى إشبيلية، ومن البربر الذين استعان بهم فى النواحى، بنو الأفطس فى بطليوس، وبنو ذى النون جنوب غربى طليطلة - بالإضافة إلى الصقالبة الجدد

الذين اشتراهم المنصور لحسابه ومن هؤلاء جميعًا يتكون الحزب العامرى - وهم الذين قضوا على وحدة الأندلس فيما بعد، ويتكون منهم ما يعرف بملوك الطوائف. 2 - انعدام المفهوم الأخلاقى عنده، وهذا جعل الناس يخافونه ولا يحبونه، بل إن أنصاره ما كانوا يأمنونه؛ لأنه كان كثير التجسس فكان يطلب من العبيد والجوارى أن يكونوا عيونًا فى بيوتهم وأفسد أخلاق الناس بالرشوة ونحوها. 3 - حجر المنصور على الخليفة «هشام»، وتعيين ابنه «عبدالملك بن المنصور» وليا لعهده، والتخلص من معارضيه بالتآمر والقتل. ولقى المنصور ربه فى «مدينة سالم» فى (27 من رمضان سنة 392هـ = أغسطس سنة 1002م) كما أسلفنا وتولى الأمر من بعده ابنه عبدالملك المظفر. عبدالملك المظفر بالله ابن المنصور: [رمضان 392 - صفر 399هـ = أغسطس 1002 - أكتوبر 1008م]. صدر أمر الخليفة «هشام» بتولية «عبدالملك» الحجابة بعد وفاة والده، وقضى عبدالملك بسرعة على من أراد انتهاز الفرصة للعودة إلى حكم الخليفة، وقد بدأ عهده بإسقاط سدس الجباية (الضرائب) عن السكان بكل نواحى الأندلس فاستبشر الناس به خيرًا. سياسة عبدالملك مع النصارى: ظن ملوك النصارى أن خطر الغزوات الإسلامية عليهم سيقل بعد وفاة المنصور، لكنهم كانوا واهمين لأن عبدالملك بدأ بعد أشهر قليلة من ولايته يستعد لغزوته الأولى، ووفد إليه الزعماء والمتطوعة من المغرب وغيرها للاشتراك معه، فرحَّب بهم وبذل لهم الأموال ووزع عليهم السلاح، وخرج بالجيش من مدينة الزاهرة فى (شعبان 393هـ = يونيو 1003م)، وتوجه إلى مدينة «طليطلة»، ومنها إلى مدينة «سالم»، حيث انضم إليه «الفتى واضح» فى قواته وقوات من النصارى حسب اتفاقهم مع المنصور، ثم اتجه الجنود نحو الثغر الأعلى، ثم من سرقسطة إلى «برشلونة»، حيث استولت القوات الإسلامية على بعض الحصون المنيعة، واستولت على سبى ومغانم، ثم عاد المسلمون إلى قرطبة عن طريق مدينة «لاردة» فى شهر ذى

القعدة، وقد تلقى عبدالملك رسالة من أمير برشلونة تطلب الصفح والمهادنة فاستقبل الرسل استقبالا يليق بمقام الخلافة. ولما اعتدى أمير قشتالة على أراضى المسلمين سنة (394هـ = 1004م) قصد إليه عبدالملك وأدبه، واضطره إلى التسليم وطلب الصلح ثانية، وتعهد على التعاون مع عبدالملك فى حملاته ضد مملكة ليون وضد خصومه جميعًا. وفى العام التالى خرج «عبدالملك» وسار نحو طليطلة ولحق به «الفتى واضح» وملك قشتالة، واتجهوا شمالا نحو أراضى ليون ومدينة سمورة وعاث فى هذه النواحى ووصل إلى جليقية واستولى على كثير من المغانم والسبى، ولكنه لم يحقق نتائج حربية ذات قيمة. خرج عبدالملك فى أواخر سنة (396هـ = 1006م) إلى «بنبلونة» عاصمة «نبرة» فقصد «سرقسطة» و «شقة» و «بريشتر» ومنها اخترق المسلمون أراضى العدو وأخذوا يقتلون وينهبون، ثم تعرض الجيش لبعض العواصف ورعد وبرق قاسٍ، واضطر إلى العودة إلى العاصمة. حين وصل إلى مسامع عبدالملك أن أمير قشتالة يفكر فى الاعتداء على أراضى المسلمين، خرج لغزوته الخامسة المسماة «غزوة قلونية» فى (صيف 397هـ = 1007م)، واخترق أراضى قشتالة ليحارب ملكها الذى تحالف معه ملك ليون وملك نبرة، وعدد من زعماء النصارى الذين وحدوا صفوفهم، ومع ذلك فقد تمكن عبدالملك من إلحاق هزيمة بهم جميعًا عند مدينة «قلونية»، وحملهم على طلب الصلح ثم عاد إلى قرطبة أواخر العام المذكور، فسر الناس بما حقق، واتخذ هو لقب «المظفر بالله» إشادة بما أحرز من نصر عظيم. لكن ملك قشتالة جدد عدوانه وغدر بالمسلمين فخرج إليه عبدالملك فى (صفر سنة 398هـ = أكتوبر 1007م)، واخترق أراضى قشتالة الوسطى، وقصد إلى بعض الحصون المنيعة، وجرت معركة، اضطر النصارى بعدها إلى دخول الحصن، وهجم عليهم المسلمون وضربوا الحصن بالمجانيق والنيران حتى حملوا العدو على طلب التسليم، وهنا أمر عبدالملك بقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، ثم رجع إلى

العاصمة فى شهر ربيع الثانى. وفى شوال من العام نفسه خرج عبدالملك بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة العلة»؛ إذ إنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض وتفرق عنه المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى (المحرم 399هـ = سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته فعمل على استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت، وتعرض لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى محفة حيث مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر 1008م) بعد حكم دام نحو سبع سنوات. أسلوب عبدالملك فى الإدارة والحكم: التزم عبدالملك الأسلوب الذى كان يحكم به والده الأندلس فجعل الخليفة محجورًا عليه لاحول له ولاقوة. وجمع السلطات كلها فى يديه، وحدَّ من نفوذ الوزراء والكتاب وراقبهم وحاسبهم، وجلس للناس وهجر اللهو، وعمل على تنمية الموارد وترتب على هذا تحسن فى الأحوال المالية التى كانت قد ساءت بسبب كثرة النفقات. ولم يكن لعبدالملك نصيب كبير فى مجالات العلم والأدب وكان مجلسه لايقوم إلا على الأعاجم من البربر وغيرهم، ومع ذلك فقد استمر يجرى الرواتب التى كان أبوه يجريها على العلماء والأدباء والندماء، كما استمع إلى الشعر ووصل الشعراء. عبدالرحمن بن شنجول: قلد الخليفة هشام الحجابة لعبدالرحمن بن منصور، وأنعم عليه بالخلع السلطانية، وكانت أمه ابنة لملك «نبرة» تزوجها «المنصور» وأنجب منها، وقد أسلمت وتسمت باسم «عبدة» ولأنه أشبه جده لأمه المسمى «شانجة» لقب بشنجول أو شانجة الصغير. ولم يكن الشعب يميل إلى «عبدالرحمن» لما فيه من دماء نصرانية ولانحراف سلوكه، ولأنه جرى على منهج أبيه وأخيه فى الحجر على الخليفة هشام مع الاستبداد بالرأى وإن مال هو إلى التودد إلى الخليفة ومخالطته، وقد منحه الخليفة لقب المأمون ناصر الدولة بعد عشرة أيام من ولايته، ليس هذا فحسب، بل إن عبدالرحمن جرؤ على

ما لم يجرؤ عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد محاولات فى استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من بعده، لتنتقل رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى عامر، وأقر فقهاء قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء والقضاة والقادة، وكان ذلك فى ربيع الأول سنة (399هـ= 1008م)، ومضى «عبدالرحمن» أبعد من ذلك حين عين ابنه الطفل فى خطة الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم اتخذ قرارًا جلب عليه كثيرًا من السخط حين طلب من أكابر الموظفين ورجال الدولة خلع القلانس الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس الأندلسيين، وتغطية الرأس بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن هؤلاء كارهين. فكر عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية، فتحصن الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى مقاتلتهم بسبب كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة

عبدالملك -التى اعتقدت أن «شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (16 من جمادى الأولى 299هـ = 15 من يناير 1009م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت بذلك خلافته الصورية التى دامت (33) سنة وتولى الأمر «محمد بن هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (17 من جمادى الآخرة 399هـ = 16 من فبراير 1009م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا أن تلك هى بداية الفتنة التى ستطيح ليس بالدولة العامرية وحدها بل وبالخلافة بكل ما تمثله. وفى اليوم التالى قام الثائرون بهدم مدينة الزاهرة وقصورها، وأحست الحامية المنوط بها الدفاع عنها أن المقاومة غير مجدية ففتحوا أبواب المدينة شريطة أن يؤمنهم المهدى، وتم نهب القصور والاستيلاء على كل ما كان فيها من متاع وجواهر، ولم يكتف المهدى بذلك وإنما قام بهدم كل مبانى مدينة الزاهرة وأسوارها بعد أن استولى على كل ما فيها من خزائن وأموال وتحف حرصًا منه على إزالة كل آثار بنى عامر، وأصبحت المدينة أطلالا، وتحولت إلى أثر بعد عين. وقد حاول «عبدالرحمن» وهو فى «طليطلة» بعد أن بلغته أخبار الثورة أن يتنازل عن ولاية العهد مكتفيًا بالحجابة، فلم يلتفت إليه

أحد ثم سار إلى قرطبة، ولما اقترب منها تركه جند البربر وفروا فى جنح الظلام، ثم تمكن الخليفة الجديد من مطاردته وإلقاء القبض عليه وهو مختبئ فى أحد الأديرة، وقتله فى (3 من رجب 399هـ = 3 من مارس 1009م). وهكذا انتظر الشعب أول فرصة وأطاح بالطغيان المستبد الذى فرضه العامريون، ولم يشفع لذلك النظام ما تحقق على يدى المنصور من أمن واستقرار عم ربوع الأندلس وكانت تلك الثورة بداية مرحلة من الفتن والفوضى الشاملة التى أنهت وجود الحكومة المركزية، وقضت على الخلافة الإسلامية، ومزَّقت الأمة وجعلتها أشلاء متناثرة. ولم يكن محمد بن هشام بن عبدالجبار شخصًا مناسبًا لهذه الفترة، إذ كان قليل التفكير لا يعرف شيئًا عن الدولة وشئونها أحاط نفسه بطائفة على شاكلته لا تحسن غير النهب والسرقة ولم يكن يحركهم إلا شىء واحد هو الانتقام من العامريين، وإهانة البربر، عقابًا لهم على تأييدهم بنى عامر.

7 - 5:سقوط الخلافة الأندلسية وقيام دولة بنى حمود

الفصل الخامس *سقوط الخلافة الأندلسية وقيام دولة بنى حمود [399 - 422 هـ = 1009 - 1031 م]. استولى المهدى على الخلافة وقد ترتب على ذلك انطلاق ذوى الأغراض، كل يحاول نيل نصيبه من البناء المتداعى. فهناك بنو أمية يرون أنفسهم أصحاب الحق الشرعى، وهناك الفتيان العامريون والصقالبة والجند المرتزقة وهم قوة لايستهان بها، وهناك البربر الذين تضاعفت أعدادهم منذ عهد المنصور بعد أن استقدمهم من عدوة المغرب، فكسبوا المال الكثير، واتخذوا الأندلس وطنًا لهم، وأبلوا بلاء حسنًا فى الجهاد وحماية هذا الوطن، وهناك أيضًا العامة من الناس الذين التفوا حول الخليفة الجديد، دون أن تكون لهم أغراض ثابتة، وإنما نزعاتهم متباينة وأهواؤهم متقلبة. بدأ المهدى عهده بالشدة فى التعامل مع البربر واحتقارهم ونزع سلاحهم وسبهم، وانتقلت هذه الروح منه إلى العامة، فهاجموا البربر ونهبوا دورهم وآذوهم، فشحنت نفوس هؤلاء بالغضب، كما لجأ المهدى إلى نفى بعض الفتيان الصقالبة، فلجئوا إلى أطراف الأندلس وعادوه ولم يسالمه منهم إلا «واضح» الذى تولى مدينة سالم والثغر الأوسط. أما الخليفة هشام المؤيد، فقد حبسه المهدى فى القصر، ثم أخرجه وأخفاه فى بعض منازل قرطبة، وزاد فاستغل وفاة رجل ذمى يشبه هشام المؤيد إلى حد كبير، وأعلن أن الخليفة المؤيد قد مات، وأشهد على ذلك الوزراء والفقهاء، وسخر الناس من هذه الخطوة لأنهم يعلمون أن هشام الذى دفنوه لم يمت. ولما شعر «المهدى» أن الأمور قد استقرت له بالغ فى استهتاره وارتكابه الموبقات، وبلغ الأمر مداه حين قتل من كان قد اختاره وليًا للعهد ضمن آخرين، وحين أخرج من الجيش سبعة آلاف جندى وقطع رواتبهم فأصبحوا من أهم عناصر الشغب، وحين بالغ فى اضطهاده للبربر حتى أصبح ذلك حديث الناس فى كل مكان، بل وصل به الأمر إلى أن منع زعيمهم «زاوى بن زيرى الصنهاجى» من دخول القصر وأذله فخافه البربر وكسب عداوتهم، فى (رجب 399هـ = أواخر مارس

1009م)، ثم أراد إخراج البربر الذين كانوا فى خدمة المنصور من قرطبة، فرفضوا، وجرى صراع بين البربر والأندلسيين وضاع جيش الدولة فى هذا الصراع، وحرمت الدولة من أن تكون لها قوة عسكرية تخصص للدفاع عنها. كان هشام بن سليمان بن الناصر على رأس الناقمين على المهدى، فقد كان يخشى مغبة تهوره على كل بنى أمية وانضم إليه جماعة يتقدمهم الفتيان العامريون والبربر وحاصروا محمد بن هشام بن عبدالجبار فى قصره، وجرى قتال بينه وبينهم انتهى بهزيمة البربر، ودمرت بيوتهم ونهبت واضطروا للانسحاب إلى بعض ضواحى قرطبة، ثم خشى المهدى سوء العاقبة فعفا عنهم وأمنهم، لكنهم اتجهوا شمالا نحو قلعة رباح وبدءوا ينظمون صفوفهم والتفوا حول أموى اسمه «سليمان بن الحكم بن عبدالرحمن الناصر» ورشحوه لتولى الخلافة بدلا من المهدى، ولقبوه بالمستعين بالله، واستعانوا على أمرهم بأمير قشتالة النصرانى، وهزموا قوات تابعة للمهدى بالتعاون مع هذا الأمير، وأصبح هناك خليفتان، واحد فى قرطبة والآخر على رأس البربر. عرف المهدى ما تعرض له جنده من هزيمة فأخذ فى تحصين قرطبة ونظم قواته وانضمت إليه قوات «واضح الفتى» وتوجه إليه سليمان ابن الحكم على رأس قوات البربر وقوات أمير قشتالة والتقى الفريقان فى (11 من ربيع الأول 400هـ = 5 من نوفمبر 1009م)، عند مكان يسمى «قنتيش» إلى الشمال من بلدة القليعة عند ملتقى نهر أرملاط بالوادى الكبير، وانتهت المعركة بهزيمة المهدى وقتل الآلاف من أعوانه وفرار نفر من الأندلسيين الصقالبة إلى شرقى الأندلس واستقرارهم فى «دانية»، وقتل البربر الكثير من أهل قرطبة، ومن بين هؤلاء العالم الجليل «أبو الوليد الفرضى» وأصبح «زاوى بن زيرى» سيد الموقف. أما المهدى فقد حاول من جانبه تدارك الأمر، فلجأ إلى حيلة سخيفة حين أظهر الخليفة هشام المؤيد الذى كان قد زعم أنه مات وأجرى مراسم دفنه، ثم بعث إلى البربر يخبرهم أن هشام هو الخليفة

الشرعى وأنه هو - يعنى المهدى - نائبه، لكن البربر رفضوا ذلك وأعلنوا تمسكهم بسليمان وأدخلوه القصر وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمستعين بالله. فر المهدى إلى طليطلة؛ ليدبر للعودة إلى الحكم من جديد وكان معه «واضح الفتى العامرى» الذى توجه إلى «طرطوشة» من مدن الثغر الأعلى، وطلب عون أمير برشلونة وغيره من زعماء النصارى، وحصل على موافقتهم بشروط باهظة منها أن يستولوا على ما يغنمونه من سلاح وأن تسلم لهم مدينة سالم .. سار النصارى ومعهم واضح إلى قرطبة وانضم إليهم المهدى والتقوا بقوات البربر والمستعين بالله، وحدثت موقعة هائلة فى مكان يسمى «عقبة البقر» على بعد (20كم) شمالى قرطبة فى (شوال 400هـ = مايو 1010م)، وانتهى الأمر بهزيمة البربر وفرار سليمان المستعين، وعاد زاوى بن زيرى إلى قرطبة حيث أخذه أهله وانسحب إلى الجنوب وفعل البربر مثلما فعل. رجع المهدى إلى قرطبة وبدأ يحصنها ويعدها للدفاع، بينما استعد سليمان والبربر لاستئناف الصراع على قرطبة، فى هذه الآونة ضاق الفتيان العامريون - وفيهم واضح- من تصرفات المهدى وسلوكه، فتآمروا عليه وأخرجوا هشام المؤيد من محبسه وولوه الخلافة للمرة الثالثة وأتوا بالمهدى وضربوا عنقه بين يدى هشام المؤيد فى (ذى الحجة سنة 400هـ = 23 يوليو 1010م) وبذلك استرد هشام الخلافة ليكون ألعوبة فى يد الفتيان العامريين، وتولى واضح حجابته وأرسل إلى سليمان المستعين وإلى البربر يدعوهم إلى طاعة الخليفة الجديد، فلم يقبل البربر دعوته وأعلنوا تمسكهم بسليمان. حاول البربر وسليمان الاستعانة بنصارى قشتالة مرة أخرى وعرضوا على ملكها تسليمه الحصون الأمامية التى اقتحمها الخليفة الحكم والمنصور بن أبى عامر، إذا وقف معهم فى خلعهم للخليفة هشام المؤيد لكن الملك النصرانى رفض ذلك. زحف البربر إلى قرطبة وأخذوا يقتلون الجند ويعيثون فيها فسادًا وامتد تخريبهم إلى الجنوب حتى وصلوا إلى ضواحى غرناطة ومالقة،

ولم يبق فى طاعة هشام إلا قرطبة وما حولها وتمسك البربر بعودة سليمان. فى هذه الأثناء وصلت إلى العاصمة سفارة من ملك قشتالة تطلب تسليم الحصون التى فتحها المسلمون أيام الحكم المستنصر والمنصور بن أبى عامر وغيره، فعقد مجلس من الفقهاء والقضاة، وتمت كتابة محضر بتسليم ما لا يقل عن مائتى حصن بينها قواعد أمامية إسلامية وخسر المسلمون بذلك خط الدفاع الأول، وأصبحت حدودهم الشمالية مفتوحة أمام النصارى، والذى دفع «هشام» وحاجبه «واضح» إلى اتخاذ هذا الموقف المتخاذل هو الخوف من ملك قشتالة واحتمال أن يهاجمهم وأن يتحالف مع البربر ضدهم إذا رفض طلبه. واصل البربر عبثهم بقرطبة وتخريبهم لها، وفى كل يوم يزداد الحال سوءًا وتتضاعف ضدهم مشاعر الكراهية، وأدرك «واضح» أنه يواجه أمرًا يستحيل إصلاحه فقرر الهرب، لكن بعض كبار الجند عرفوا نيته، فعاتبوه على تبديد الأموال وسوء التصرف ثم قتلوه واستولوا على أموال كان ينوى الهروب بها، وتولى قاتله الحجابة، وهكذا أصبح القتل وسيلة يلجأ إليها كل من يبغى التخلص من صاحبه. بعد ذلك جرت محاولات فاشلة للصلح بين الأطراف، ثم حدث أمر جدد إشعال النار هو قيام أهل قرطبة بقتل بعض زعماء البربر، وترتب على ذلك قيام معركة هائلة فى (26 من شوال 403هـ =مايو 1013م) دخل البربر على إثرها قرطبة وقتلوا الكثيرين ولم يرحموا حتى النساء والأطفال، بل ارتكبوا أشنع ضروب الإثم حين اغتصبوا النساء والبنات وأحرقوا الدور، وتعرضت قرطبة لمحنة لاتعادلها محنة، وفى اليوم التالى دخل سليمان المستعين قصر قرطبة، واستدعى «هشام المؤيد» وعنفه على موقفه، ثم أمر بحبسه. استقر الأمر لسليمان، فأضاف إلى ألقابه «الظافر بالله» بعد «المستعين»، وأنزل كلا من «على» و «القاسم» ابنى حمود بشقندة من ضواحى قرطبة وهما قائدا الجماعة العلوية وينتميان إلى الأدارسة وهما عربيان من حيث النسب، بربريان من حيث النشأة

والعصبية واللغة، وأخذ ينظم شئون الدولة واحتل البربر المناصب الرئيسية، ثم أراد سليمان إرضاءهم من ناحية وإبعادهم عن قرطبة من ناحية أخرى، فأقطعهم كور الأندلس -وكانت ست قبائل رئيسية- كما ولى «على ابن حمود» ثغر سبتة، وأخاه القاسم على ثغور الجزيرة الخضراء وطنجة وأصيلا، ومعنى ذلك أن البربر أصبحت لهم السيطرة على ولايات الأندلس الجنوبية والوسطى. من ناحية أخرى رأى الفتيان العامريون سيطرة البربر ففر معظمهم إلى شرق الأندلس وأنشئوا هناك حكومات محلية، حيث حاول بعضهم بزعامة الفتى «خيران» الاستقرار فى ألمرية ومرسية، وحاول بعضهم الآخر الاستقرار فى دانية والجزائر الشرقية خاصة بنى برزال وبنى يغرن، أما «زاوى بن زيرى» و «حبوس بن ماكس» الصنهاجيان فقد استقرا فى غرناطة، وهكذا تمزقت البلاد وانتشرت الفوضى، وعمت الفتن طوال فترة سليمان الأخيرة التى لم تزد على ثلاث سنوات. دولة بنى حمود: كان تمزق الأندلس بهذه الصورة فرصة يقتنصها من يريد، ولهذا كتب «على بن حمود» صاحب سبتة إلى «خيران» يزعم أنه تلقى رسالة من «هشام المؤيد» يوليه فيها عهده، ويطلب منه إنقاذه من البربر ومن سليمان المستعين والتف حول «ابن حمود» بعض الأعوان، وعبر بهم إلى الجزيرة الخضراء بناء على طلب خيران، واستوليا معًا على بعض البلاد، وقرَّرا الزحف على قرطبة يعاونهما بربر غرناطة، واستعد سليمان لقتالهم، ونشبت بينهما معركة فى مكان قريب من قرطبة وانتهى الأمر بهزيمة سليمان ووقوعه فى الأسر. بعد ذلك دخل على بن حمود قرطبة وبويع بالخلافة فى (محرم 407هـ= أول يوليو 1016م)، وأعلن وفاة هشام المؤيد، وقتل سليمان وأباه وأخاه، وتلقب بالناصر لدين الله، وبموت سليمان انتهت الخلافة الأموية بالأندلس بعد حكم دام (268) سنة منذ وصل إليها عبدالرحمن الداخل، وبدأت خلافة الحموديين الأدارسة. قبض على بن حمود على الحكم واشتد فى معاملة البربر وواجه أية

محاولة للثورة بمنتهى الشدة سواء قام بها العرب أو البربر، وفى الوقت نفسه أحسن معاملة القرطبيين، يعاونه فى ذلك مجموعة من أعوان الخلافة السابقة من أمثال أبى الحزم بن جهور وابن برد. لكن الأمور ما لبثت أن اتخذت خطا جديدًا، ذلك أن خيران العامرى دخل قرطبة فلم يجد هشام المؤيد حيا، وخشى سطوة على بن حمود فغادر قرطبة، وأعلن العصيان واتجه ناحية شرق الأندلس، حيث يجتمع الزعماء العامريون، وأعاد دعوة بنى أمية فى شخص رجل منهم اسمه عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله من أحفاد عبدالرحمن الناصر، وبايعه خيران بالخلافة ولقب بالمرتضى، وانضمت إليه ولايات سرقسطة والثغر الأعلى وشاطبة وبلنسية وطرطوشة وغيرها، وسارت قوات هؤلاء نحو غرناطة لمواجهة قوات صنهاجة، وجرت معركة انتهت بهزيمة الأندلسيين ومقتل المرتضى، وكان «على بن حمود» قد غيَّر سلوكه، مع أهل قرطبة بسبب علمه بميلهم إلى المرتضى فنزع سلاحهم وصادر أموالهم واعتقل زعماءهم وعلى رأسهم «أبو الحزم بن جهور»، ثم تربص جماعة من الصقالبة بعلى هذا، وقتلوه فى الحمام فى (الثانى من ذى القعدة سنة 408هـ = 23من مارس 1018م) بعد خلافة دامت عامًا وتسعة أشهر. بعث زعماء زناتة بخبر مقتل «على» لأخيه القاسم الذى كان واليًا على إشبيلية، فخف مسرعًا، وبويع بالخلافة فى الثامن من الشهر نفسه وتلقب بالمأمون، وقد مال فى سياسته إلى اللين والإحسان إلى الناس وحاول التقرب إلى الفتيان العامريين، فولَّى زهير العامرى على جيان وقلعة رباح لكنه لم يستطع التخلص من سيطرة البربر عليه، فتآمر عليه أبناء أخيه، وزحف يحيى بن على بن حمود على قرطبة، وبويع بالخلافة فى جمادى الأولى سنة (412هـ = 1021م) وتلقب بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد استقر به المقام فى إشبيلية وتلقب بالخلافة أيضًا. والعجيب أن كلا الرجلين اعترف لصاحبه بالخلافة، ولم يسمع قبل ذلك بخليفتين تصالحا واعترف كل منهما بصاحبه من قبل.

ثم لم يلبث أن دعا البربر القاسم إلى قرطبة، وولوه الخلافة فى (18 من ذى القعدة من العام نفسهـ)، ولقب بأمير المؤمنين، ولكن الرجل لم يكن موفقًا فى سياسته، فقد أعان البربر على أهل قرطبة فعاملوهم معاملة قاسية وطاردوهم وأهانوهم، وجرت معارك متفرقة بين الطائفتين، ثم جرت موقعة كبيرة فاصلة انتهت بانتصار القرطبيين وتمزيق البرابرة، واضطر القاسم إلى الرجوع إلى إشبيلية، وجرت تطورات عاد البربر بعدها وبايعوا يحيى بن على بن حمود ولقبوه بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد سجن وبقى فى محبسه حتى قتل خنقًا بعد ذلك بفترة سنة (431هـ = 1040م). كان أهل قرطبة قد سئموا سلوك البربر وقتالهم، وقرروا رد الأمر لبنى أمية، وعقدت جلسة لهذا الغرض فى المسجد الجامع تمت فيها مبايعة عبدالرحمن بن هشام فى (16 من رمضان سنة 414هـ= ديسمبر سنة 1023م)، ولقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته بعض القدامى من وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح عهده بإلقاء القبض على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل فرسان البربر وأحسن وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا، وهجموا على القصر وقتلوا كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفى بالله، وأتى بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (3من ذى القعدة سنة 414هـ = 17 من يناير سنة 1024م). كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى البطالة والمجون، وفى عهده تهدمت القصور الناصرية، وأتى على مدينة الزاهرة من أساسها، واضطهد معظم البارزين من الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم بخلعه واضطر إلى مغادرة قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض مرافقيه من قتله فى ضاحية قرطبية. وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة» الشاعرة المعروفة. رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة وجاء إليها «يحيى ابن على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير» العامريان، وتم الاتفاق بين

الجميع يقودهم أبو الحزم بن جهور على تولية أموى، ووقع اختيارهم على «هشام بن محمد» الذى بويع ولقب بالمعتد بالله، بيد أنه ألقى بمقاليد الأمور كلها إلى رجل من المستبدين تولى وزارته اسمه «سعيد القزاز» بالغ فى اضطهاد زعماء البيوت وإهانتهم وشغل الخليفة نفسه عن أمور الحكم بشرابه ومجونه، وضاعت هيبة الخلافة تمامًا. ثم اضطر القرطبيون الناقمون إلى الفتك بالوزير «سعيد» فى (ذى القعدة 422هـ = نوفمبر 1031م)، ثم ساروا إلى القصر يتزعمهم «أمية بن عبدالرحمن العراقى» من أحفاد «الناصر» ونهبوا أجنحة القصر. وانتهى الأمر باتفاق رأى الناس جميعًا بزعامة أبى الحزم بن جهور على التخلص من بنى أمية، وإبطال رسوم الخلافة كلها، وإجلاء كل الأمويين عن مدينة قرطبة، فليس هناك من يستحق الخلافة، وينبغى أن يتحول الحكم إلى شورى بأيدى الوزراء وصفوة الزعماء أو من اسماهم «ابن حزم» «الجماعة». تولى ابن جهور تنفيذ الأمر بمنتهى الحزم حتى أجلى الأمويين عن المدينة ومحا رسومهم تمامًا، وبهذا انتهت معالم الخلافة الأموية، وانقطع ذكرها فى كل من الأندلس والمغرب. عناصر المجتمع الأندلسى: تكون المجتمع الأندلسى من مجموعة من العناصر المتباينة انصهرت جميعها فى بوتقة واحدة وكونت المجتمع الأندلسى وهذه العناصر هى: (1) العرب، وهم مجموعتان: المضرية، واليمنية، وقد استمر الصراع بينهما فى الأندلس مثلما كان فى المشرق، وتتفرع المجموعة المضرية إلى أربعة وعشرين فرعًا انتشرت فى بلاد الأندلس المختلفة. أما المجموعة اليمنية فقد وصل فروعها إلى واحد وعشرين فرعًا تركز وجودها فى الجنوب الشرقى من الأندلس، وكان هؤلاء العرب أقلية بين عناصر السكان الأخرى لأسباب عديدة، ويرى بعض الباحثين أن عدد العرب الذين أتوا إلى الأندلس من شمال إفريقية والشام وصل إلى ما يقرب من (30) ألفًا ارتفع هذا الرقم ليصبح نحو (300) ألف بعد سنوات.

(2) البربر: وهؤلاء كونوا السواد الأعظم من الجيش الفاتح وفاقت أعدادهم أعداد العرب، وينتمى هؤلاء إلى زناتة ومكناسة وصنهاجة ومصمودة وهوازة ومديونة وكتابة وسفيلة ونقرة وهؤلاء تركز وجودهم فى المناطق الجبلية خاصة فى الشمال الغربى ووسط الأندلس وأراضى السهلة ووادى الحجارة وإشبيلية وما حولها لتشابه ظروفها مع ظروف الحياة والبيئة فى مواطنهم الأصلية، واشتغلوا بالزراعة وتربية الماشية ويسَّرت لهم مواطنهم فى مناطق الحدود وغيرها من المناطق الجبلية القيام بالثورات بعد ذلك. (3) المسالمة والمولدون: أما المسالمة أو الأسالمة أو أسالمة أهل الذمة فهم الذين دخلوا فى عقيدة الإسلام من النصارى، أما المولدون فهم فى أرجح الأقوال أبناء المسالمة أو هم نتاج الزواج المشترك بين العرب والبربر من ناحية وبين الإسبان من ناحية أخرى، ومن الطبيعى أن يكون عدد هؤلاء قليلا فى أول الأمر، ثم يتنامى نتيجة كثرة اعتناق أهل البلاد للإسلام وانتشار ظاهرة الزواج المشترك بين العرب أو البربر وبين من أسلموا حديثًا، وقد تركز وجود هذا العنصر فى الحواضر والمدن الكبرى من شبه الجزيرة. وكانوا مع العرب هم العنصر الغالب فيها، وكان هذا سببًا فى حدوث نزاع بين هاتين الطائفتين فى المستقبل. (4) الموالى: مجموعة من عناصر مختلفة تجمع بينها رابطة الولاء بين المولى وسيده أو التابع ومتبوعه، ويرجع هؤلاء إلى أصول مختلفة بعضهم رافق الشاميين الذين دخلوا الأندلس وعرفوا لذلك باسم موالى الشاميين، وبعضهم كان من البربر الذى أسلموا ووافقوا سادتهم فى دخول الأندلس فسموا باسم الموالى البلدانيين، وبعضهم يرجع لأصول محلية إسبانية، وموالى الاصطناع أو النعمة الذين أنعم عليهم الأمويون بالولاء اعتزازًا وتقديرًا، بالإضافة إلى الرقيق المشترى ممن أنعم عليه أسياده بالعتق، وتركز وجود هؤلاء فى قرطبة خاصة وفى كورة البيرة (غرناطة) وفى جهات متفرقة من أنحاء الأندلس،

وقد شدوا من أزر العرب أولا ثم انقلبوا عليهم وظهر من بينهم قادة من أمثال بنى عبدة وبنى شهيد وبنى مغيث وبنى جهور. (5) الصقالبة: كان يقصد بهذه الكلمة أولا الشعوب السلافية، ثم أصبح العرب يطلقونها على الأرقاء الذين يجلبون من الأمم المسيحية ويستخدمون فى القصر أو الجيش، عن طريق الشراء بواسطة تجار اليهود أو عن طريق الحملات العسكرية، وأول من استجلب الصقالبة «عبدالرحمن بن معاوية» ثم استكثر الأمراء منهم بعد ذلك حتى كونوا جماعة كان لها دور عظيم فى أحداث الأندلس، ووصلت أعدادهم إلى ثمانية عشر ألفًا فى قرطبة وحدها، وبلغوا أقصى نفوذ لهم فى عهد «عبدالرحمن الناصر». هذه هى العناصر الإسلامية، وإلى جانبها وجد فى المجتمع الأندلسى عنصران من غير المسلمين أو من أهل الذمة هما: (1) النصارى: وشكل هؤلاء عددًا كبيرًا، استوطن أعداد كبيرة منهم مدنًا وقرى كثيرة فى الأندلس واستقر فى «طليطلة» و «برشلونة» و «غرناطة» و «ماردة» وتمتعوا جميعًا بالرعاية ومنحتهم الدولة الحرية الكاملة دينية واجتماعية حتى أنشئ لهم منصب لإدارة شئونهم عرف صاحبه بالقومس. ووصل بعضهم إلى المناصب العليا فى الدولة، وتأثر هؤلاء بدورهم بثقافة العرب ولغتهم وأسلوب حياتهم وأصبحوا لهذا يسمون بالمستعربين. (2) اليهود: وقد استوطن عدد كبير منهم فى قرطبة ولهم فيها باب يعرف باسمهم، وسكن عدد كبير آخر فى «إشبيلية» ولهم مشاركة ملحوظة فى فتح الأندلس وفى أحداثها السياسية وفى إدارة المدن المفتوحة، كما استوطنت جماعة كبيرة منهم فى «طليطلة» وفى «برشلونة» وفى «طركونة»، وقد مارس جميعهم شعائرهم الدينية فى بيعهم بكل حرية، وكانت علاقاتهم بالمسلمين طيبة فاندمجوا فى المجتمع الإسلامى وتعلموا العربية وتبنوا تقاليد المسلمين، وعمل بعضهم فى بلاط الأمويين وتولوا مناصب مهمة فى الدولة الإسلامية، واحتل بعضهم الطبقات العليا فى المجتمع الأندلسى. المظاهر الحضارية:

نظم الحكم خلال عصرى الإمارة والخلافة: - رئاسة الإقليم: كانت الأندلس تتبع إفريقية عقب الفتح مباشرة، وكان والى إفريقية يقوم باختيار حاكم الأندلس، ثم رأى الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» أن تكون الأندلس ولاية مستقلة تتبع الخلافة مباشرة إدراكًا منه لأهمية الأندلس، وللدور الذى تقوم به فى الفتوحات ولصراعها مع ملوك الفرنجة. ولما توفى «عمر بن عبدالعزيز» عاد تعيين والى «الأندلس» إلى والى إفريقية لكن بمصادقة الخليفة، وبعد وقعة بلاط الشهداء عادت الخلافة إلى تعيين والى «الأندلس» من جديد، ولما اضطربت الأمور أصبح والى إفريقية هو الذى يعينه حينًا وأحيانًا جماعة الزعماء والقادة فى شبه الجزيرة، فقد استقر رأيهم مثلا على تعيين يوسف بن عبدالرحمن الفهرى سنة (129هـ= 747م) خشية تفاقم الفتن دون مصادقة لا من والى إفريقية ولا من الخلافة. ثم جاء بنو أمية لحكم الأندلس واكتفوا بلقب الإمارة، برغم أن بلاطهم كان ينافس بلاط العباسيين فى قوته وبهائه إلى أن جاء عهد «عبدالرحمن الناصر» ورأى أن الأوضاع قد تغيرت وأن الفاطميين قد أقاموا لهم خلافة فى المغرب فأصدر مرسومًا بتحويل الإمارة الأموية إلى خلافة، وتلقب هو نفسه بلقب أميرالمؤمنين، وبلغت الخلافة الأندلسية أوج نفوذها السياسى والأدبى فى عهد الناصر وابنه الحكم المستنصر، ثم جاء «محمد بن أبى عامر» فجعل نفسه حاكمًا مطلقًا على الأندلس واتخذ سمات الملك وتلقب بالحاجب المنصور، وأضحت الخلافة فى زمنه وزمن أبنائه اسمًا بلا مسمى. ثم تبوأ «محمد بن هشام» الملقب بالمهدى الخلافة لتنتهى ثنائية السلطة بين الأمويين والعامريين، لكن ذلك كان بداية فترة مشحونة بالفتن والفوضى، وقامت خلافة فى أكثر من مدينة فى مالقة وقرطبة وإشبيلية وغيرها، وانتهى الأمر بتمزق الأندلس إلى ولايات ومدن مستقلة وظهور ما يعرف بدول الطوائف. الوزارة فى الأندلس:

لم يلجأ الأمويون فى الأندلس إلى نظام الوزارة باختصاصاته التى يعرفها المشارقة، واعتمدوا فى تسيير أمور دولتهم على رجال من البيوت الشهيرة دون أن يمنحوهم ألقابًا بعينها، حتى قادة الجيوش حملوا لقب القائد فى زمن الحملة العسكرية فقط، ولكن ظهور شخصيات بارزة جعل من الضرورى أن تختص تلك الشخصيات بمهام وألقاب محددة، لهذا أصبح «عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث» قائد الجيوش، وحمل مع ذلك لقب الحاجب، وتولى كل اختصاصات رئيس الوزراء فى المشرق، وأضحت الحجابة هناك مثل رئاسة الوزارة وأصبح الحاجب الشخصية الثانية بعد الأمير، كذلك تم توزيع المهام الإدارية بين رجال البيوتات المشهورة، فهذا خازن (وزير المالية) وهذا للأمن (الشرطة الداخلية) وهذا للمنشآت (الأشغال العامة). وحمل هؤلاء لقب الوزير على أنه تشريف، ومنذ أيام «عبد الرحمن الأوسط» أصبح وزير الأندلس له نفس مهام واختصاصات الوزير فى المشرق، كما كان هناك وزراء دولة يكلفهم الأمير بما يشاء فى أى وقت. أما أهل البيوتات الذين شغلوا هذه المناصب فهم موالى بنى أمية وفروعهم، ثم انضمت إلى هؤلاء أسر قربها الأمراء، بعضها عربى وبعضها مولد أو مستعرب وكثير من هؤلاء من أصول بربرية من ذوى الكفاءات. وللأمويين أسلوبهم فى إقالة الوزراء، ذلك أن من ترفع وسادته من بيت الوزارة يعتبر مقالا، وأحيانًا كان يمنح بعض الموظفين الكبار مثل حاجب المدينة أى المحافظ لقب الوزير، وعندئذٍ كان يدعى الوزير صاحب المدينة. وكانت الوظيفة الكبيرة فى الأندلس يطلق عليها لقب «خطة» فيقال «خطة الوزير» أو «خطة الكتابة» (الإنشاء) أو خطة المظالم (الشكاوى) أو «خطة القيادة»، وكانت خطة القيادة من الخطط الكبرى، ويقصد بها قضاء قرطبة أو الجماعة، ولايتولى صاحبها قضاء قرطبة وحدها بل له حق تعيين القضاة أو عزلهم فى المدن والأقاليم الأخرى، وهؤلاء يعتبرون نوابًا عنه ويعتبر هو مرجعهم،

وقاضى الجماعة هو الشخصية الثالثة بعد الأمير والحاجب، ولذا تطلب الأمر التدقيق عند اختياره، ورغم مكانة القاضى، فإن الكثيرين لم يرغبوا فى شغل هذا المنصب؛ لأنهم قد يجدون حرجًا فى أداء مهام وظيفتهم ضد كبار الموظفين أو مع أمير لا ترضيه أعمالهم الحريصة على العدالة وحدها. وفى أواخر عهد الدولة العامرية تولى الصقالبة الخطط الكبرى، ثم تولى الفتيان العامريون الحجابة لآخر الخلفاء الأمويين، واستبدوا بعد ذلك برئاسة المدن والولايات، وظهر فى عهد الدولة العامرية بدعة جديدة هى إسناد الحجابة إلى الأطفال، فقد استصدر عبدالملك - مثلا - أمرًا من الخليفة «هشام» المغلوب على أمره بتعيين ولده الطفل «محمد» فى منصب الحجابة ولقبه بذى الوزارتين، كذلك استحدث بالوزارة عدة خطط جديدة مثل خطة خدمة الأسلحة وخدمة الوثائق وخطة خزانة الطب والحكمة .. الخ. الجيش والأسطول: عبر إلى شبه الجزيرة جيش الفتح مكونًا من العرب والبربر، وقام البربر بدور مهم فى تكوين قوى الأندلس دفاعًا وهجومًا، ولما كون عبدالرحمن الغافقى جيشه بهدف غزو بلاد الفرنج، كان البربر من عناصره المهمة، وبقيت القيادة بيد الضباط العرب، ثم ظهر خلاف بين العرب والبربر، بسبب إحساس البربر باستيلاء العرب على القيادة لأنفسهم فقط، ثم كانت ثورة البربر فى المغرب وانتقال بلج بن بشر القشيرى إلى الأندلس الشىء الذى رجح كفة العرب، غيرأن الجيش الأندلسى ما لبث أن انقسم إلى العرب الشاميين وأنصار «بلج» والعرب والبربر المحليين، وقامت الحرب الأهلية، إلى أن جاء يوسف بن عبدالرحمن الفهرى فأعاد تنظيم الجيش وأصلحه، وجعله جيشًا أندلسيا، يغزو ويرد هجمات نصارى الشمال. ثم جاء «عبدالرحمن الداخل» فاهتم بالجيش غاية الاهتمام، وبلغت جنوده المتطوعة والمرتزقة (100) ألف مقاتل، بخلاف الحرس الخاص الذى تكون من (40) ألفًا من الموالى والرقيق والبربر.

وكذلك وضع «عبدالرحمن الداخل» نواة الأسطول الأندلسى؛ لأنه أقام قواعد لبناء السفن فى بعض الثغور النهرية والبحرية، أما قيام الأسطول الأندلسى فيعود إلى ما بعد ذلك عندما قام النورمانيون بغزو ثغور الأندلس فعنيت الحكومة بأمر الأسطول وإنشاء السفن وبالتحصينات البحرية، كما أقامت أكبر دار لصناعة السفن فى مياه الوادى الكبير تجاه إشبيلية. وقد اكتسب الجيش كثيرًا من الدربة والمران فى تعامله المستمر مع الثورات والغزوات، وقد بذل الناصر جهدًا كبيرًا لتقويته، ومنحه غاية الاهتمام، ووفر له الأسلحة والعتاد، وفى الوقت نفسه اهتم بالأسطول وأنشأ له وحدات جديدة، وجعل مدينة ألمرية مركزه الرئيسى، وبنى بها أكبر دار صناعة، ووصل عدد الوحدات فى زمنه إلى (200) سفينة مختلفة الأحجام والأنواع، بخلاف أسطول آخر خصص لشئون المغرب البحرية، وكان أسطول الناصر من أقوى الأساطيل، سيطر به على مياه إسبانيا الشرقية والجنوبية. وفى عهد المنصور بن أبى عامر وصل الجيش الأندلسى إلى أقصى قوته وضخامته، وقد اعتمد على البربر الذين استقدمهم من بلاد المغرب وغمرهم بعطاياه، وكان فى جيشه كثير من المرتزقة والنصارى من المستعربين، وقد بنى المنصور للأندلس قوة لم تعرفها لا من قبل ولا من بعد، وبلغ عدد الفرسان فى زمنه (12100)، وعدد الرجالة (26000) وهذا هو الجيش المرابط الذى كان يتضاعف وقت الصوائف، وقد وصل فى إحداها إلى (46000)، وزاد عدد المشاة حتى تجاوز المائة ألف. وقد نجحت القوات الإسلامية فى السيطرة على مناطق الحدود؛ بفضل ما تمتعت به من قوة واستعداد، وكانت الخلافة حريصة على أن توفر لها الأسلحة والمؤن وكل ما تحتاج إليه، وكان بعض الحصون فى هذه الأماكن أشبه ما يكون بمدينة كاملة. وإلى جانب جيش الحدود كان هناك جيش آخر يقيم فى الزهراء يسمى جيش الحضرة يقوده الخليفة بنفسه أو من ينيبه، وإذا خرج الخليفة بنفسه جمع بين قيادة الجيشين.

وإذا جاء وقت النفير يأمر الخليفة بالاستعداد، فتبدأ عملية واسعة النطاق تسمى «البروز»، وتتوافد الجنود من كل ناحية وتنزل فى سهل فسيح يسمى «فحص السرادق» إلى الشمال من قرطبة، ثم يؤتى بسرادق الخليفة ويوضع وسط الفحص، وتنصب فرق الجنود خيامها ثم تقبل قوات المتطوعين حسبة لوجه الله تعالى، ويستمر البروز شهرًا، ثم يخرج الخليفة بجيشه، وينتقل من حصن إلى حصن حتى يصل إلى الحدود فينضم إليه جيش الثغور، وهنا تبدأ الصائفة- أى العملية العسكرية الصيفية التى تستمر شهرين أو نحوها- فى غزوها لأراضى العدو. الموارد الاقتصادية: لما فتح المسلمون شبه الجزيرة، فرضت الضرائب على أساس المساواة بين الناس دون تمييز بين طبقة وأخرى، وكان خراج الأراضى الزراعية والجزية على أهل الذمة وأخماس الغنائم هى الموارد الرئيسية للدخل، وقد قام «يوسف الفهرى» بتقسيم الأندلس إلى خمس ولايات وفرض على كل ولاية أن تقدم ثلث دخلها ورفع الجزية عمن توفوا من النصارى، ومنحت الحكومة اهتمامًا كبيراً للزراعة، وقد نجحت زراعة المسلمين بفضل التغيرات التى أدخلوها على نظام ملكية الأراضى، وتنظيم عملية الرى فى الأندلس، والعناية بالحدائق والمتنزهات وجلب المياه لها من الجبال. وقد تنوعت الأراضى فى الأندلس بين أراضى خراجية للدولة، وأراضى أحباس تتبع ولاية الأحباس (الأوقاف) ويشرف عليها قاضٍ، وأراضى إقطاع بمعنى أن جيوش الأندلس كانت تتكون من قبائل العرب والبربر التى كانت تقيم فى المدن والقرى على أساس إقطاعها أراضيها، واستمر هذا النظام معمولا به حتى آخرعهد «المنصور بن أبى عامر» وإن ظل الإقطاع سائدًا فى مناطق الثغر الأعلى خاصة. بالإضافة إلى هذا وجدت الملكيات الخاصة التى كانت تأتى عن طريق الوراثة أو الهبة أو الشراء. أما المحاصيل الزراعية فأبرزها: التمور والحبوب بأنواعها والفواكه والزيتون وقصب السكر والموز والعنب والتفاح والرمان والبرتقال،

ومحاصيل أخرى مثل: القطن والكتان والتوت ونبات الحلفاء، وقد جلبت بعض هذه المحاصيل من المشرق وأدخلت تحسينات على ما كان قائمًا منها زمن الرومان. كذلك اهتمت الإدارة الأندلسية بالرعى وتربية الماشية، وعنيت بتربية البغال باعتبارها الوسيلة المثلى للنقل، والخيول والإبل والغنم والثيران والأبقار، ومما يعكس الاهتمام بالخيل وتربيتها أنه كانت هناك خطة تسمى خطة الخيل يشرف عليها صاحب الخيل، وعرفت الأندلس أيضًا مهنة صيد السمك فى السواحل الغربية والشرقية والجنوبية وفى الأنهار الداخلية، ولهذا ازدهرت تجارة السمك فى الأندلس. وعرف المجتمع الأندلسى الصناعة، وراجت فيه صناعة الحدادة والصياغة وحياكة المنسوجات والصباغة، والصناعات الجلدية والخشبية، وصناعة الورق والسفن والأسلحة والسكة والأثاث والفخار والآلات الموسيقية وصناعة ألوان معينة من الطعام كالجبن واستخراج الزيت من الزيتون، وصناعة السلال والشمع والزجاج، كما وجد أصحاب الحرف مثل: الفرانين والخياطين والنجارين والبنائين والعطارين والجزارين والحبالين .. الخ، وكان على رأس كل فرقة زعيم يسمى العريف أو الأمين يرتب أمورها وينظم العاملين فيها درجات حسب مستوى إجادتهم. ومن الطبيعى أن يكون فى الأندلس نشاط تجارى، وعناية بالأسواق التجارية، فقد كان فى كل مدينة سوق رئيسى يتألف من عدد من الأسواق، وكل طائفة من التجار تتخذ لها مكانًا يجلسون فيه متجاورين، وكانت هناك أسواق للحيوانات وأخرى للنخاسة .. الخ، وقد اهتمت الدولة بإقامة شبكة من الطرق البرية والنهرية الداخلية تربط المدن بعضها ببعض لخدمة التجارة. وتعامل التجار مع بعضهم عن طريق تبادل السلع، وأحيانًا عن طريق استخدام العملة، كما كانت الصكوك والسفاتج أو الحوالات من الوسائل الشائعة الاستخدام فى الأندلس، وكانت السمسرة من أساليب التعامل الرائجة فى الأسواق، وقام بها اليهود فى الغالب،

كما كانت وحدات الكيل والميزان من أهم وسائل التعامل التجارى، وكان يشرف عليها صاحب السوق، يتفقد العمل فى الأسواق يعاونه مجموعة من الموظفين يمتحنون الباعة بأساليب مختلفة لمعرفة مدى التزامهم بالطرق المشروعة بيعًا وشراءً. وعرفت الأندلس التجارة الخارجية التى تقوم على الصادرات والواردات، فقامت بتصدير التين إلى بعض بلاد المشرق وإلى الهند والصين، والقطن إلى بلاد الشمال الإفريقى، وصدَّرت الزيت إليها وإلى الدويلات النصرانية فى الشمال ومن الصادرات الأندلسية: الحرير ومواد الصباغة وأنواع معينة من المنسوجات والعنبر والطيب وبعض المعادن وبعض الحيوانات. أما واردات الأندلس فقد تركزت على الأشياء الثمينة والتحف النادرة وبعض المنسوجات الشرقية والصمغ والمواد الغذائية وأهمها القمح. كما استوردت التمور والفستق والذهب، وكان التعامل مع المغرب خاصة يتم بحرية تامة بصرف النظر عن الاختلافات المذهبية أو السياسية أحيانًا، كما كانت العلاقات وثيقة بين الأندلس وبين بلاد المشرق الإسلامى، وتمت إقامة طرق برية وأخرى بحرية لربط الأندلس بالعالم الخارجى والاتصال به اقتصاديًا وفكريًا، وكانت الضرائب تجبى من التجارة الداخلية والخارجية. الحركة الفكرية: لا يوجد فى عصر الولاة إلا بعض الآثار الشعرية القليلة التى وردت على ألسنة الزعماء أو الولاة. وجاء «عبدالرحمن الداخل» وخلف آثارًا من النثر والنظم تعكس تفوقه فى هذا الميدان، وكان الداخل فوق براعته الأدبية عالمًا بالشريعة، وجاء بعده ابنه «هشام» فكان مبرزًا فى الحديث والفقه، وغلب الطابع الدينى على النهضة العلمية فى هذه المرحلة، ثم رحل تلاميذ الأندلس إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك ونقلوا عنه كتابه «الموطأ»، وعادوا إلى الأندلس فنشروا مذهب إمامهم بتلك البلاد، وكان الأمير هشام يجل الإمام مالك فساعد ذلك على التمكين لمذهبه فى الأندلس.

وفى عهد الحكم بدأت تظهر بوادر النزعة الأدبية إلى جانب العلوم الدينية، وظهر الأدباء والشعراء إلى جانب المحدثين والفقهاء، كما وجد من نبغ فى النحو والعروض والأخبار والأنساب وغيرها. وكان الأمير الحكم نفسه أديبًا شاعرًا، وعرف الأندلس فى زمنه شعراء مبرزين من أمثال العالم عباس بن فرناس ويحيى الغزال الجيانى. أما فى عهد «عبدالرحمن بن الحكم» فقد بلغت هذه الحركة الفكرية الأولى ذروتها وظهر كتاب مُبرزون ومفسرون ومحدثون وفقهاء وشعراء، وكان الأمير نفسه يتمتع بمواهب أدبية وشعرية، وانتشرت اللغة العربية بين طائفة النصارى المعاهدين، وبرز بعضهم فى الكتابة. وشهد عهد الأمير «محمد بن عبدالرحمن» نهضة أدبية وشعرية، ومن أشهر من ظهروا خلال هذه الفترة الشاعر «عباس بن فرناس» والأديب الفقيه «أبو عمر أحمد بن عبد ربه» صاحب الكتاب المشهور «العقد الفريد»، الذى يعتبر من أمتع كتب الأدب العربى، وكان الأمير عبدالله أيضًا شاعرًا بارعًا فى العربية حافظًا للغريب من الأخبار. أما عصر «عبدالرحمن الناصر» فقد زهت فيه العلوم والآداب، وراجت فيه سوق العلم، وظهر أكابر العلماء والشعراء من أمثال «ابن عبد ربه» المشار إليه آنفًا، و «محمد بن عمر بن لبانة» الذى انفرد بالفتيا وحفظ أخبار الأندلس وولى الصلاة فى المسجد الجامع، وكان له حظ موفور فى الفقه والنحو والشعر، ومن محاسن هذا العصر «أبو الحسن جعفر بن عثمان» المعروف بالمصحفى، البليغ المتميز فى النظم والنثر، ومن أعلام هذه الفترة القاضى «منذر بن سعيد البلوطى»، البارع فى علوم القرآن والسنة، والمعروف بجودة خطابته وفصاحته وجزالة شعره، وغير هؤلاء كثيرون، وقد اتخذ الناصر عددًا كبيرًا من هؤلاء العلماء والأدباء حجابًا له ووزراء، مثل موسى بن محمد بن حدير وعبدالملك بن جهور. ومن أعظم شعراء عصر «الناصر» أبو القاسم محمد بن هانئ الأزدى

الإشبيلى الذى غادر الأندلس ولحق ببلاط الخليفة المعز الفاطمى فى المهدية بسبب اتهامه بالكفر والزندقة. وكان الخليفة نفسه أديبًا يهوى الشعر وينظمه ويدنى إليه العلماء والأدباء. وظهر فى عهد الناصر أعلام المؤرخين الذين وضعوا أسس الرواية التاريخية الأندلسية، وفى مقدمتهم أحمد بن محمد بن موسى الرازى، ومعاصره أبو بكر محمد بن عمر المعروف بابن القوطية وأحمد بن موسى العروى .. واستمرت النهضة الفكرية وازدادت قوة فى عهد الخليفة الحكم المستنصر، وكان نفسه أديبًا عالمًا، ولذلك أقام جامعة قرطبة، وحشد لها الأساتذة، وأنشأ المكتبة الأموية الكبرى، وبذل جهودًا خارقة وأموالاً عظيمة حتى يجمع لها آلاف الكتب فى مختلف العلوم والفنون، وظهرت أيضًا المكتبات العامة والخاصة، واحتشد حول بلاط الحكم مجموعة من أكابر العلماء منهم «أبو على القالى»، والأديب المؤرخ «محمد بن يوسف الحجارى»، والفيلسوف «ربيع بن زيد» .. الخ. ومن شعراء بلاط الحكم المعدودين: طاهر بن محمد البغدادى، ويحيى بن هذيل، ويوسف بن هارون الرمادى القرطبى، الهجَّاء المعروف بأبى جنيش. وممن نبغ فى هذه الفترة: أعظم علماء اللغة فى الأندلس «أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدى» النحوى الإشبيلى. أما المستنصر نفسه فلم يكن متمكنًا فى علم الأنساب وفى العلوم الشرعية فحسب وإنما كان أديبًا شاعرًا ينظم الشعر الجيد. أما المنصور بن أبى عامر فقد كان بحكم نشأته عالمًا متمكنًا فى علوم الشريعة والأدب، وكان محبا لمجالس العلماء والأدباء، وبلغ به الأمر أن يصطحب معه طائفة من الشعراء والأدباء فى غزواته، وكان أبو العلاء صاعد بن حسن البغدادى شاعره الأثير، وكان ذلك الرجل فوق شاعريته متمكنًا فى اللغة والأدب والتاريخ، وهو الذى أجازه المنصور بخمسة آلاف دينار على كتاب ألفه فى التاريخ والأدب وأمر بقراءة كتابه فى مسجد الزاهرة. ومن أعظم شعراء الأندلس فى عهد المنصور «أبو عمر أحمد بن محمد

بن دراج القسطلى» الذى قال عنه «ابن حزم»: «لم يكن فى الأندلس أشعر من ابن دراج». ومن أكابر الفقهاء والحفاظ عبدالرحمن بن قطيس قاضى الجماعة فى قرطبة، وكان إمامًا فى الحديث والسير والأخبار، شغوفًا بجمع الكتب، مشهورًا بالصلابة فى الحق. ومن الطبيعى أن تنكمش الحركة الفكرية بعد سقوط الخلافة، لانشغال الأمة بما دهاها من الفتن، ومع ذلك فقد كان بين الخلفاء والولاة خلال هذه الفترة من يتذوق الشعر وينظمه من أمثال الخليفة المستعين، والخليفة المستظهر وغيرهما.

7 - 6:عصر ملوك الطوائف

الفصل السادس *عصر ملوك الطوائف (400 - 484هـ = 1009 - 1091م). ترتب على سقوط الخلافة والدولة الأموية انقسام الأندلس إلى دويلات متنازعة، واستقلال كل أمير بناحيته، وإعلان نفسه ملكًا، ودخلت البلاد بذلك فى عصر جديد عرف باسم عصر ملوك «الطوائف» أو عصر الفرق. وقد انضوت هذه الدويلات تحت مظلة أحزاب ثلاثة كبيرة عمل كل منها على بسط سلطانه على كل الأندلس. 1 - حزب أهل الأندلس: ويقصد بهم من استقروا فى البلاد من قديم الزمان وصاروا أندلسيين بمرور الزمن بصرف النظر عن أصلهم العربى أو المغربى أو الصقلى أو الإسبانى، وقد أطلق على هؤلاء مصطلح أهل الجماعة، ومن هؤلاء: بنو عباد اللخميون فى إشبيلية، وبنو جهور فى قرطبة، وبنو هود الجذاميون فى سرقسطة، وبنو صمادح أو بنو تجيب فى ألمرية، وبنو برزال فى قرمونة، وعبد العزيز بن أبى عامر فى بلنسية .. الخ. 2 - حزب البربر أو المغاربة: حديثوا العهد بالأندلس وهم الذين استقروا بها منذ زمن المنصور بن أبى عامر، ومن هؤلاء بنو زيرى الصنهاجيون فى غرناطة، وبنو حمود الأدارسة العلويون فى مالقة. 3 - حزب كبار الصقالبة: الذين استقلوا بشرقى الأندلس، ومنهم مجاهد العامرى الذى استقل بداتية والجزر الشرقية وغيرها، وخيران العامرى زعيم حزب الصقالبة فى قرطبة أثناء الفتنة، وكل واحد من هذه الأحزاب حرص على أن يبحث لنفسه عن غطاء روحى فأقام خليفة بجواره يستمد منه سلطانه، فبنو عبَّاد جاءوا بشخص اسمه خلف الحصرى، كان شديد الشبه بهشام المؤيد المشكوك فى موته، فجعلوه خليفة صاحب الجماعة، ثم أظهر المعتضد بن عباد موته عام (455هـ= 1053م)، وأعلن أنه منحه ولاية العهد وأنه الأمير بعده على كل الأندلس بمقتضى هذا العهد. أما الحزب المغربى فقد تولى خلافته بنو حمود بالنظر إلى أصلهم العربى الشريف، ولكن هؤلاء انقسموا على أنفسهم وصار كل واحد منهم يزعم الخلافة لنفسه، ويتخذ ألقابها مثل المهدى والعالى

والمستعلى .. الخ، وانتهى الأمر باستيلاء بنى زيرى ملوك غرناطة على مالقة، وبنى عباد على الجزيرة الخضراء وانتهى بذلك ملك الحموديين. أما حزب الصقالبة فقد أقام مجاهد العامرى فى مملكته بداتية والجزر الشرقية خليفة أمويا هو الفقيه أبو عبدالله بن الوليد المعيطى الذى لقبه بالمنتصر بالله. لكن مجاهد مالبث أن طرده ونفاه إلى بلاد المغرب عندما علم أنه تآمر عليه أثناء غزوه لجزيرة «سردينيا «. وقد اصطدمت مصالح هؤلاء جميعًا لقرب المسافات بينهم، وهذا وضع جعل المراكشى يسخر منه فيقول: » وصار الأمر فى غاية الأخلوقة (الأضحوكة) والفضيحة، أربعة كلهم يتسمى بأمير المؤمنين فى رقعة من الأرض مقدارها ثلاثون فرسخًا فى مثلها «. كما كان جديرًا بتندر ابن حزم الذى علق عليه بقوله: » واجتمع عندنا بالأندلس فى صقع واحد خلفاء أربعة، كل واحد منهم يخطب له بالخلافة بموضعه، وتلك فضيحة لم ير مثلها، أربعة رجال فى مسافة ثلاثة أيام كلهم تسمى بالخلافة، وإمارة المؤمنين «. تجرى الأمور على هذا النحو المرير بالأندلس فى الوقت الذى كانت تعمل فيه دول إسبانيا المسيحية فى شمال البلاد على توحيد صفوفها تساندها فرنسا والبابوية فى روما. وما إن زالت الدولة الأموية من الأندلس حتى تغلغل النفوذ الفرنسى بكل صوره، سياسية وثقافية ودينية فى الشمال الإسبانى باعثًا روحًا صليبية جديدة ضد المسلمين. وكان يحكم إسبانيا المسيحية فى هذه الآونة رجل طموح هو الملك «ألفونسو السادس» ملك قشتالة، نجح فى توحيد مملكتى قشتالة، وليون، وسيطر على الممالك المسيحية الشمالية، وتوَّج جهوده العسكرية باحتلال «طليطلة» عاصمة الثغر الأدنى للمسلمين سنة (478هـ = 1085م)، رغم تميزها بموقع منيع. وكان سقوط مدينة «طليطلة» فى أيدى الإسبان كارثة كبرى للمسلمين؛ لأن العدو احتل الأراضى الواسعة التى تمتد جنوبًا حتى جبال قرطبة، وأطلق على هذه المنطقة الجديدة اسم «قشتالة

الجديدة» وبذلك تمزقت بلاد المسلمين وانشطرت إلى قسمين. ولم يكتف «ألفونسو السادس» بما حققه، وإنما اتجه بتحريض من الفرنسيين إلى مدينة «سرقسطة» عاصمة الثغر الأعلى وحاصرها بهدف الاستيلاء عليها، وأخذ يضرب ملوك الطوائف بعضهم ببعض، ويهاجم أراضيهم ويطالبهم بالأموال كى يضعفهم عسكريا واقتصاديا. وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة سياسيا واجتماعيا فإنه مما يلفت النظر أن تزدهر العلوم وترتقى الآداب والفنون فى عصر ملوك الطوائف؛ لأن معظم هؤلاء الملوك والرؤساء كانوا من العلماء والأدباء والشعراء، وكانت قصورهم مجامع للعلوم والآداب، وكلها تزهو لا بفخامتها وروعتها بل بأمرائها ووزرائها وكتابها، وقد بلغ الشعر الأندلسى فى زمن ملوك الطوائف شأوًا لم يصل إليه فى أى عصر آخر. وقد تميزت قصور ثلاثة بصفة خاصة بمشاركتها فى النهضة الأدبية والشعرية، وهى قصور بنى عباد بإشبيلية، وبنى الأفطس فى بطليوس، وبنى صمادح فى ألمرية، وقد برز من بنى عباد: المعتضد بن عباد وولده المعتمد، ولمع فى بلاطهم كثير من الشعراء والوزراء والكتاب، وظهر فى بلاط بنى الأفطس «أبو محمد عبدالمجيد بن عبدون»، و «أبو بكر» و «أبو محمد» و «أبو الحسن» أبناء عبدالعزيز البطليوسى، كما اجتمع حول بنى صمادح عدد من أقطاب الأدب والشعر منهم ابن القزاز وابن الحداد والوازى آشى وغيرهم، أما بنو هود فى سرقسطة فقد نعم بحمايتهم واشتهر فى ظلهم الشاعر أحمد بن محمد ابن دراج القسطلى. وعرف هذا العصر مجموعة من العلماء الكبار الذين وصلوا إلى القمة من حيث النضج الفكرى والمستوى العلمى، من هؤلاء ابن حزم وأبو الوليد الباجى، واللغوى ابن سيده، واللغوى الجغرافى أبو عبيد البكرى، والعلامة ابن عبدالبر، ومجاهد العامرى صاحب داتية، ومحمد بن أحمد بن طاهر صاحب مرسية، ومن أكابر الفلكيين والرياضيين الذين أفادوا الغرب ببحوثهم أبو إسحاق إبراهيم يحيى الزرقالى،

وأبو القاسم إصبغ بن السمح الغرناطى، وقد اشتهر الأول بجداوله الفلكية التى صحَّحت كثيرًا مما جاء فى الجداول القديمة، أما الآخر فكان بارعًا فى الهندسة والفلك، والرياضيات، ومن كبار العلماء الذين عنوا بالتاريخ وتدوين الحوادث والترجمة للأعلام ابن حزم، والمؤرخ الكبير أبو مروان حيان بن خلف بن حيان، وأبو عبدالله الحميدى، وأبو الحسن على بسام الشنترينى صاحب كتاب «الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة»، والكاتب القدير والمؤرخ الأديب الفتح بن خاقان، وكما ارتقت العلوم والآداب ازدهرت الفنون والصناعات فى عهد ملوك الطوائف، خاصة ما يتعلق بالموسيقى والغناء وآلات الطرب. وإذا كان يعرف عن أهل الأندلس اهتمامهم بكل ما يتعلق بتربية الماشية، وفلاحة الأرض، وتنظيم الرى وأحوال الجو، وخواص النباتات وإنشاء الحدائق فإنه ينبغى الإشارة إلى ظهور عدد من علماء النبات والزراعة فى عهد ملوك الطوائف، لاسيما فى طليطلة وإشبيلية منهم ابن وافد وابن بصال، وأحمد بن محمد حجاج، وابن لونكو فى قرطبة وغير هؤلاء. وكانت الصناعات رائجة خلال عصر الطوائف وأشهرها بصفة خاصة، وكان فى ألمرية وحدها خمسة آلاف مصنع تنتج أجمل أنواع الأقمشة وأفخمها، وكانت السفن تأتى من بلاد المشرق ومن الثغور الإيطالية إلى الموانئ الأندلسية فى إشبيلية وألمرية وبلنسية وداتية وسرقسطة تحمل بضائع المشرق، وتعود محملة بما تستورده من السلع الأندلسية، وكانت التجارة الخارجية مصدرًا مهما من مصادر دخل دول الطوائف ذات الثغور.

7 - 7:الأندلس فى ظل المرابطين

الفصل السابع *الأندلس فى ظل المرابطين [484 - 539 هـ = 1091 - 1144 م]. وصلت دولة المرابطين فى المغرب إلى أقصى قوتها وبلغت أكبر اتساع لها على يد مؤسسها الحقيقى «يوسف بن تاشفين»، وكان أصحابها من البواسل الشجعان ذوى الطباع السليمة والعزائم القوية التى لم يفسدها الضعف والهوان، فهم ممن يؤمل نجدتهم ويرجى غوثهم. وكانت حال الأندلس فى العدوة الأخرى تعانى سيطرة ملوك النصارى وسطوتهم واستغاثة ملوك المسلمين بهم وإرهاق هؤلاء لهم بالجزية وبما يفرضون عليهم، وتعسفهم فى مطالبة الولاة المسلمين بما لاطاقة لهم به، وتكليفهم فوق طاقتهم، وعاد هؤلاء الملوك على شعوبهم فأثقلوا كواهلهم وبالغوا فى تحميلهم ما لا قدرة لهم عليه، واحتقر «ألفونسو» وغيره زعماء وقادة المسلمين حتى جثوا جميعًا أمامه يستعطفونه ويرجونه قبول أحوالهم وهداياهم وهو يشتط ويبالغ ويقول: » أنا لا أرى فيكم إلا أنكم جماعة لصوص، فاللص الأول قد سرق وجاء الثانى فسرق من الأول ما سرق، وجاء الثالث فسلب من الثانى ما سرقه من الأول «. وهم من ناحيتهم يبادرون بتهنئته وحمل الطرف والهدايا إليه ويصرحون له بأنهم داخل حدود سلطانه ليسوا إلا جباة أموال لتحصيل الضرائب ودفع الجزية. وقد أخذ «ألفونسو السادس» يجتاح ويخرب مدنهم ومروجهم ويفتح معاقلهم ويحطم حصونهم، ويضرب عليهم جميعًا ما يشاء من أموال ويضاعفها فيؤدونها - بلا استثناء - وهم صاغرون، ثم أخذت المدن تتساقط فى أيدى النصارى مدينة إثر مدينة. إزاء هذا الوضع المتردى فكر الأندلسيون فى مخرج، ووجد رجال الدين أن خير وسيلة هى دعوة المرابطين للعبور إلى بلادهم وتخليصهم من الوضع المرير الذى بلغ القمة ولم يعد يحتمل المزيد، أما الملوك والأمراء فقد ترددوا أول الأمر ورأوا فى ابن تاشفين مناوئًا خطيرًا أكثر منه عونًا ونصيرًا، وربما جاء إلى بلدهم فاستقر فيها وطردهم منها، لكن «ابن عباد» صاحب «إشبيلية» قطع الشك باليقين

قائلا إنه لا يريد أن تتهمه الأجيال المقبلة بأنه ترك الأندلس غنيمة فى أيدى الكفار قائلا: «ولا أحب أن يعلن اسمى على منابر المسلمين وعندى أن رعى الجمال خير من رعى الخنازير». وقد أقنع المعتمد بن عبّاد بوجهة نظره كلا من المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس و «عبدالله بن بلقين» صاحب غرناطة، وأرسلوا جميعًا ومعهم العلماء والفقهاء وفدًا إلى «يوسف بن تاشفين» يستصرخونه ويطلبون إنقاذهم. كان من عادة زعيم المرابطين ألا يبرم أمرًا إلا بعد مشاورة الفقهاء، وقد أشاروا عليه أن يبدأ بقتال القشتاليين، وأن تخلى له الجزيرة الخضراء، فأمر يوسف بن تاشفين بعض فرسانه فعبروا من مدينة سبتة على متن بعض السفن إلى الجزيرة الخضراء يقودهم «داود بن عائشة»، وكان معهم جيش كثيف من الجنود، وأرسل المعتمد إلى ابنه حاكم الجزيرة يطلب منه تركها وتيسير مهمة قوات المرابطين، ثم تلاحقت الجنود بالجزيرة، وعبر «يوسف» نفسه، وعنى بتحصين المدينة حتى اطمأن إلى أنها قد أصبحت فى حالة حسنة وبها من المؤن والذخائر ما يكفيها، ثم سار فى معظم جيشه إلى «إشبيلية»؛ حيث خرج المعتمد للقائه وأحسن استقباله وقدم له من الهدايا ما يليق بمقامه وما أكد ليوسف أن الأندلس تتمتع بغنى موفور وثراء متزايد، وقد طلب ابن تاشفين من أمراء الطوائف المشاركة فى الجهاد، فلبى الدعوة صاحب غرناطة وأخوه صاحب مالقة، وقصد الجميع نحو بطليوس حيث لقيهم ملكها وأخذت وفود الرؤساء تتوافد من سائر أقطار الأندلس وانتظمت القوات الأندلسية وحدة قائمة بذاتها، القيادة فيها لابن عباد واحتلت المقدمة، بينما احتلت الجيوش المرابطية المؤخرة. موقعة الزلاقة: واصلت القوات الإسلامية سيرها حتى نزلت على سهل فسيح يقع إلى الشمال من مدينة بطليوس قرب حدود البرتغال الحالية تسميه المصادر العربية بالزلاقة، فلما علم «ألفونسو السادس» بأخبار المرابطين ترك

حصار «سرقسطة» وأرسل إلى «سانشوا» ملك «أراجون» يطلب معونته، وكان بدوره يحاصر «طرشوشة» واستدعى قواته التى كانت فى «بلنسية»، وحشد كل ما استطاع وجاءه المتطوعون من جنوبى فرنسا وإيطاليا وحرص على أن يكون لقاؤه بالمسلمين فى الأراضى الإسلامية، حتى لا تتعرض بلاده للتخريب ثم اتجه نحو الجنوب للقاء المرابطين، وهو يمتلئ زهوًا ويتيه فخرًا بما معه ومن معه، ونزل فى مكان يبعد نحو ثلاثة أميال عن معسكر المسلمين، وقدر جيشه بما بين أربعين إلى ثمانين ألفًا على حين قدر الجيش الإسلامى بما بين عشرين إلى نحو خمسين ألفًا، وكان يقود المقدمة المعتمد بن عباد، وعلى الميمنة «المتوكل بن الأفطس» وتكونت الميسرة من أهل شرقى الأندلس، أما المؤخرة فكانت من البربر بقيادة «داود بن عائشة»، وكان أنجاد المرابطين من لمتونة وصنهاجة وغيرها بقيادة يوسف بن تاشفين. لبث الجيشان ثلاثة أيام لايفصلهما سوى نهر، والرسل تتردد بينهما، وقد أرسل «ابن تاشفين» إلى خصمه يدعوه إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاستاء الملك النصرانى ورد بقوله: «إنى ما كنت أتوقع أن يصل الحد بالمسلمين الذين كانوا يعطوننى الجزية منذ سنين أن يعرضوا على مثل هذه الاقتراحات الجارحة ومع هذا فإن لدى جيشًا فى استطاعته أن ينزل العقوبة على هذه الوقاحة البالغة من الأعداء» ولم يكن جواب «يوسف» أكثر من هذه العبارة» الذى يكون ستراه «. جرت اتصالات تهدف إلى تحديد موعد المعركة، وحاول «ألفونسو» خديعة المسلمين، لكن المعتمد بن عباد أدرك خديعته، وقد أخبرته طلائعه بما فى معسكر العدو من حركة وجلبة سلاح، رغم أن الوقت المتفق عليه لبدء القتال لم يكن قد حان بعد. وفى أوائل (رمضان 480هـ = ديسمبر 1087م) بدأ القتال فى الصباح الباكر واشتد لهيب المعركة وهاجم النصارى بعنف مقدمة «المعتمد بن عباد» ونجح فى ردها عن مواقعها واختل نظامها وارتد معظمها إلى

بطليوس ولم يثبت إلا الإشبيليون وابن عباد الذى كان مثالا للشجاعة والإقدام حيث صمد للعدو، وقاوم هجماته العنيفة رغم جرحه الذى فى وجهه ويده، وهجم «ألفونسو» على مقدمة المرابطين التى يقودها «داود بن عائشة» وردها عن مواقعها، وفى اللحظة المناسبة دفع ابن تاشفين بقوات البربر إلى نجدة الأندلسيين والمرابطين، ونفذت قواته إلى قلب النصارى بكل قوة، وسرعان ما تغير وجه المعركة، لأن يوسف هاجم عدوه من الخلف مباغتة وهذا شجع الفارين فعادوا ونظموا صفوفهم، وشدوا من أزر المعتمد، ورغم أن «ألفونسو» كان قد وصل إلى خيام المرابطين، فإن ابن تاشفين تقدم على رأس من معه من قوات وتجاوز جموع النصارى وقصد إلى معسكرهم نفسه وهاجمه بشده وفتك بحراسته، ثم وثب إلى مؤخرة القشتاليين النصارى، وأثخن فيهم قتلاً وطبوله تضرب فتشق أجواز الفضاء، ثم أضرم النار فى معسكر الأعداء. اضطر «ألفونسو» أن يستدير لينقذ معسكره؛ لكنه اصطدم بالمرابطين ولم يصل إلى محلته إلا بعد خسائر فادحة، وكان «يوسف» أثناء القتال يجول على صهوة جواده بين المحاربين يهيب بهم «أن تشجعوا أيها المسلمون، أعداء الله أمامكم والجنة تننتظركم، وطوبى لمن أحرز الشهادة». وكان سماع النصارى لدوى الطبول ووقوف المسلمين يقاتلون فى صفوف متراصة ثابتة من العوامل المساعدة على انتصار المسلمين وإلحاقهم الهزيمة بصفوف عدوهم، وقد دفع «ابن تاشفين» بحرسه الأسود البالغ عدده نحو أربعة آلاف إلى قلب المعركة فى الوقت المناسب، وتمكن واحد منهم من الوصول إلى «ألفونسو» وطعنه فى فخذه، الأمر الذى اضطره إلى الاعتصام بتل قريب حتى جن الليل ثم هرب فى نحو خمسمائة فارس معظمهم من الجرحى ووصل إلى طليطلة منهم مائة فقط. أمضى المسلمون الليل يرقبون حركات النصارى وفى اليوم التالى طارد الفرسان الفارين، وجمعت الأسلاب الهائلة. وقد استبشر المسلمون فى شبه الجزيرة بهذا النصر العظيم غير أن

وصول نبأ وفاة الأمير أبى بكر بن يوسف بن تاشفين كدر صفو النصر، وجعل «ابن تاشفين» يقرر العودة إلى بلاد المغرب ومعه عامة الجند، وترك تحت إمرة المعتمد جيشًا من المرابطين مؤلفًا من ثلاثة آلاف جندى. بعد أن نجح «يوسف» بما حققه من نصر مؤزر فى إعادة روح الثقة والأمل إلى نفوس المسلمين بالأندلس. عودة ابن تاشفين إلى الأندلس: عبر ابن تاشفين مرة أخرى إلى الأندلس فى رجب (483هـ = سبتمبر 1090م)، واتجه نحو حصن يسمى حصن «لاييط» وهناك تبين له تخاذل أمراء الطوائف فعزلهم جميعًا ووحد الأندلس، ولم يستثن من ذلك إلا إمارة سرقسطة، فقد كان أصحابها محاطين بالنصارى من كل ناحية، وخشى ابن تاشفين أن يسلموها للنصارى إذا تعرض لهم فتركهم بدون تدخل، وبهذا العبور الثانى ليوسف بدأ عصر المرابطين فى الأندلس. وعلى الرغم من قيام المرابطين بمسئولياتهم فى المغربين الأوسط والأقصى فإنه كان من مهامهم الرئيسية الدفاع عن الإسلام فى الأندلس، ففى هذا الميدان جاهدوا وأنفقوا، واستشهد فيه خيرة رجالهم، وعرفوا كيف يثبتون لعدوهم ويوقفون تقدم النصارى، رغم تكتل الأعداء واستعانتهم بملوك غربى أوربا وبالبابوية، ومن مواقع المرابطين التى أبلوا فيها بلاء حسنًا موقعة «أقليسن» شرقى طليطلة، وكان من نتائجها استيلاؤهم على هذه المدينة، وعلى مدينة طلبيرة للمرة الثانية سنة (503هـ = 1109م)، كما تمكنت البحرية المرابطية فى سنة (509هـ = 1115م) من استعادة جزر البليار، ولو بقيت هذه الجزر بيد النصارى لأصبحت خطرًا يهدد شرق الأندلس كله. وهذا لا يعنى أن المرابطين خلت أيامهم من الهزائم، فقد تعرضوا لنكبة عند بلدة «كتندة» القريبة من سرقسطة فى (ربيع الأول 514هـ= يونيو 1120م)، واستشهد منهم ألوف من بينهم بعض العلماء بسبب تسرعهم فى الهجوم على العدو قبل أن تنتظم صفوفهم، فاختل نظامهم وكانت الهزيمة، لكنهم حققوا نصرًا فى موقعة «أفراغة»

جنوبى غربى «لاردة» بالثغر الأعلى فى سنة (528هـ = 1134م)، يقودهم واحد من كبار رجالهم هو أبو زكريا يحيى بن غانية والى بلنسية ومرسية. وفى الوقت الذى يقوم فيه المرابطون بهذه المجهودات ويحققون أعظم الانتصارات إذ بهم يفاجئون بثورة يقوم بها المصامدة بقيادة «محمد بن تومرت» ضدهم فى بلاد المغرب. فكان سببًا فى توقف الجهاد فى الأندلس وبدأت المدن تتساقط واحدة وراء الأخرى فى أيدى النصارى، بسبب سحب القوات من الأندلس وهى فى أوج انتصاراتها، وشغل المرابطون بالدفاع عن أنفسهم بالمغرب خاصة بعد وفاة على بن يوسف بن تاشفين ثالث أمرائهم سنة (537هـ= 1142م)، وزاد الموقف سوءًا قيام بعض الأندلسيين بالثورات ضد المرابطين وزعمهم أنهم أكثر رقيا وأعظم حضارة من هؤلاء الأفارقة. النواحى الحضارية: أما عن النواحى الفكرية والأدبية، فلم يكن المرابطون يرحبون بمظاهر الحضارة الأندلسية، فخبا ضوء الفكر والأدب فى أيامهم، وانتهت الحلقات الأدبية التى كانت تزدان بها قصور ملوك الطوائف، وهذا لا يمنع من ظهور شخصيات عُدَّت امتدادًا لعصر الطوائف، يأتى على رأس هؤلاء «ابن باجة» الطبيب الفيلسوف، وأبو بكر الطرطوشى، والفتح بن خاقان، وابن بسام الشنترينى وأبو بكر بن قزمان أمير الزجل الأندلسى وغيرهم. وجدير بالذكر أن المرابطين حرصوا على تحرى الحق وتحقيق العدل وإقامة شعائر الدين، وأقاموا مجتمعًا مسلمًا عمل على الجهاد فى سبيل الله ونصرة دينه. وكان بالأندلس قائد أعلى هو الحاكم العام غالبًا، وللمدن قادة يخضعون لهذا القائد الأعلى ويتولون المهام العسكرية والإدارية وغيرها، وكان اختيار الوالى يتم على أساس تقواه وعدالته وإجادته لمهمته، وسرعان ما كان يعزل إذا فرط أو قصَّر، وقد قسمت الأندلس زمن المرابطين إلى ست ولايات هى: إشبيلية وغرناطة وقرطبة وبلنسية ومرسية وسرقسطة. أما القضاء فقد بقى مستقلا، وكان القضاة يستشارون، ولهم

مكانتهم عند الناس وعند الدولة. وقد استمرت الصناعة أيام المرابطين على نحو ما كانت عليه من قبل، واهتموا بالجيش والأسطول، وتحصين الثغور والمدن.

7 - 8:الأندلس فى ظل الموحدين

الفصل الثامن *الأندلس فى ظل الموحدين [539 - 620 هـ = 1144 - 1223 م]. تمكن الموحدون من قتل أبى إسحاق إبراهيم بن تاشفين بن على بن يوسف، وتم لهم بذلك القضاء على المرابطين، وفى سنة (555هـ = 1160م) عبر «عبدالمؤمن بن على» أول خلفاء الموحدين إلى الأندلس؛ لضم ما بقى بها إلى دولته، واستقر فى إشبيلية، ونظم الدفاع عن البلاد، وأقام على قواعد الأندلس رجالا من آل بيته، وتمكن من توحيد معظم ما بقى من الأندلس تحت رايته، ولم يخرج عن طاعته إلا بنو غانية أمراء دانية، ومحمد بن سعد بن مراديشن رئيس مرسية الذى انضمت بلاده إلى الموحدين بعد ذلك، وبدأ جهاد المسلمين ضد النصارى واتخذ ميدانًا له غربى الأندلس بعد أن كان مجاله شرقى الأندلس زمن المرابطين. كان الخليفة الموحدى أبو يوسف يعقوب الملقب بالمنصور هو أكبر شخصية فى تاريخ الموحدين بعد محمد بن تومرت وعبدالمؤمن بن على قد عقد صلحًا مع النصارى، وعندما انتهت مدة هذا الصلح سنة (590هـ = 1194م) بدأ هؤلاء فى مهاجمة أراضى المسلمين، فعبر أبو يوسف يعقوب إلى الأندلس ومعه خيرة المقاتلين الموحدين وضم إليه أحسن مقاتلى الأندلس، وحشد حشدًا عظيمًا من جنده وحمسهم فى هذه الحملة، بينما استعان عدوه «ألفونسو الثامن» ملك قشتالة وليون بملوك النصارى وبالبابوية، وكون جيشًا ضخمًا، وعسكر عند حصن يسمى «الأرك» عند نهاية الطريق المؤدى من طليطلة إلى قرطبة على بعد (20كم) بالقرب من قلعة «رباح» وغرب المدينة الملكية الآن، وبدأت موقعة حاسمة فى (شعبان 591هـ = يوليو 1195م) أسفرت عن نصر مؤزر للمسلمين، وانكسرت حدة الموجة النصرانية، وكان لهذا النصر أثره فى تثبيت جبهة الإسلام فى الأندلس لمدة طويلة من الزمان. وبعد هذه الهزيمة عقدت هدنة بين المسلمين والنصارى سنة (594هـ = 1198م)، ولكن ملك النصارى ما كان ليستريح بعد هزيمته القاسية فى «الأرك»، ولذلك أخذ فى الاستعداد لمعركة جديدة مع المسلمين

قبل انتهاء أمد الهدنة وأعد جيشًا ضخمًا واحتشد بكل ما يستطيع بمعاونة كاملة من ملوك النصارى فى غرب أوربا ومن البابوية ومن نصارى إسبانيا وشجعه موت أبى يوسف يعقوب خليفة الموحدين، وتولية خلفه أبى عبدالله محمد الناصر الذى كان أقل كفاءة من أبيه وقد عبر الخليفة الجديد إلى الأندلس فى ذى الحجة (607هـ = 1211م) على رأس جيش ضخم ونزل إشبيلية ومن هناك صعد شمالى الوادى الكبير وعسكر فى سهل تكثر فيه التلال الصغيرة ويقع غربى الحصن المسمى بالعقاب (جمع عقبة)، وأقبل النصارى كذلك، وعسكروا فوق هضبة الملك المشرفة على معسكر المسلمين، وقبل اللقاء استولى النصارى على قلعة «رباح» من قائدها الأندلسى، وعندما وصل هذا القائد إلى معسكر الناصر قتله دون تحقيق، الأمر الذى أغضب الأندلسيين وأثَّر فى معنوياتهم. بدأ اللقاء فى (15 من صفر 609هـ = 16 من يوليو 1212م)، وانخذل الأندلسيون والخارجون على المسلمين من العرب بعد قليل، وتركوا الجناح الشرقى للمسلمين مكشوفًا فانقض عليهم النصارى وحصدوا الألوف من متطوعة المسلمين المجاهدين من الأندلس كما حصدوا زهرة مقاتلى الأندلس، وعددًا كبيرًا من خيرة العلماء والفقهاء والقضاة، وكان الخطب عظيمًا حتى قيل إن الإنسان كان يتجول فى المغرب بعد المعركة فلا يصادف شابًا قادرًا على القتال. وبعدها ضعفت جبهة الوادى الكبير، وسقطت مدن كبرى، وأشرف النصارى مباشرة على قرطبة وإشبيلية ومرسية وغيرها من عواصم هذا الخط، ثم توفى خليفة الموحدين الناصر فى شعبان (610هـ = 1213م)،ودب الخلاف فى صفوف البيت الموحدى وانعكس ذلك على الأندلس فبدأت تصفية ما بقى للمسلمين من أرضها خلال عصر الموحدين ولم تبق إلا مملكة غرناطة. لمحة عن الجوانب الحضارية والإدارية: كانت الأندلس فى عهد الموحدين ولاية من ولايات الدولة، يأتى الخليفة إليها ويرعى شئونها العسكرية والعلمية والإدارية كلما دعت

الظروف إلى ذلك، وقد أكد الخلفاء والولاة وجوب إقامة العدل والتمسك بالشريعة فى كل الأمور، وقد بلغت الدولة الموحدية مكانة عالية فى النواحى الحربية والسياسية والحضارية حتى جاءت الوفود إلى البلاط الموحدى لعقد المعاهدات وإظهار الصداقة، وفى آخر العهد الموحدى أنشئ منصب وزارى لاستقبال الشعراء والعناية بأمورهم. وكانت هناك عناية بالإنشاءات العسكرية والتحصينات وكان الأسطول موضع اهتمام الخلفاء، كما كان للجيش أسلوبه فى التحرك والقتال وله تنظيماته، وكان هناك مجلس عسكرى أول يستشار فى الخطط والأمور العسكرية وكانت الخلافة وراثية. كما كان الاهتمام عاليًا بالجوانب الإدارية والمالية والموارد والمصارف، وكان القضاء مستقلا يتولاه أهل الأندلس ويحكمون بين الناس بما أنزل الله، ونعمت البلاد بالأمن والرخاء فى ظل صناعة وزراعة وتجارة مزدهرة. أما عن الناحية العمرانية فقد أنشأ الخليفة أبو يعقوب يوسف بعض المشروعات فى «إشبيلية»، منها بناء القنطرة على نهر الوادى الكبير، كما حصن هذه المدينة وأقام بها منشآت لتوفير المياه الجارية لسقاية الناس، وأسس الخليفة أبو يعقوب سنة (567هـ = 1172م) جامع إشبيلية الأعظم وأتم ابنه المنصور صومعته أو مئذنته الكبيرة عام (584هـ = 1188م) وهذه المئذنة قائمة حتى اليوم، وتعرف بالمئذنة الدوارة (لاخيرالدا) ويبلغ ارتفاعها (96) مترًا، كذلك أقام الموحدون بعض القصور الخاصة المحاطة ببساتين تزينها أشجار الفواكه والثمار وتسقى بواسطة النواعير (السواقى). وقد برز بالأندلس على عهد الموحدين عدد من البارعين فى فروع العلم والمعرفة منهم أبو محمد بن خير، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الرحالة المشهور، وأبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعى، الحافظ المحدث الأديب، وأبو الحسن على بن محمد الرعينى الكاتب الأديب، وأبو مروان عبدالملك بن محمد بن صاحب

الصلاة المؤرخ، وعبدالواحد المراكشى، وعلى بن موسى بن سعيد، وابن عذارى من المؤرخين، وأبو جعفر أحمد الغافقى وأسرة بنى زهر علماء الطب والنبات، وأبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد، الذى اشتهر بالطب والفلسفة، وغير هؤلاء من العلماء المجاهدين كثير.

7 - 9:دولة بنو نصر

الفصل التاسع *دولة بنو نصر [629 - 897 هـ = 1232 - 1492 م]. انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته

باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر 1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصر الملقب بالشيخ، وكان قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م). وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن

«ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية، وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ = 1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل (725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه. ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 - 1349م)، وشمل

المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ = 1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)، تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث» ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب، وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ = 1482م). وزاد من سوء الموقف اشتعال الحروب الأهلية بين أفراد البيت

الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد. بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م) طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)، وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق، واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى

أرض الأندلس، لكن النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ = 1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم، ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه

بكرات معدنية مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». قصر الحمراء: يعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية بما حواه من بدائع الصنع والفن، وقد كانت الحمراء قلعة متواضعة فى القرن الرابع الهجرى، وعندما تولى «باديس بن حبوس» زعيم البربر غرناطة اتخذها قاعدة لملكه، وأنشأ سورًا ضخمًا حول التل الذى تقع عليه، وبنى فى داخله قصبة جعلها مركزًا لحكمه، وقد تطورت مع الزمن وأصبحت حصن غرناطة المنيع. ولما دخل «محمد بن الأحمر» غرناطة عام (635هـ = 1238م)، أخذ يبحث عن مكان مناسب تتوافر له القوة والمناعة، فاستقر به المطاف عند موقع الحمراء فى الشمال الشرقى من غرناطة، وفى هذا المكان المرتفع وضع أساس حصنه الجديد «قصبة الحمراء»، ولكى يوفر له الماء أمر بعمل سد على نهر «حدرة» شمالى التل، شيدت عليه القلعة، ومنه تؤخذ المياه وترفع إلى الحصن بواسطة السواقى، وقد باشر السلطان العمل بنفسه واشترك فيه وكافأ المجتهدين، واتخذ ابن الأحمر من هذا القصر مركزًا لملكه وأنشأ فيه عددًا من الأبراج المنيعة، وأقام سورًا ضخمًا يمتد حتى مستوى الهضبة، وفى عهد «محمد الفقيه» استكمل الحصن والقصر الملكى، ولما تولى «محمد الثالث» قام ببناء المسجد الجامع بالقصر. وكان عهد السلطان «يوسف الأول» وولده «محمد الخامس» هو العصر الذهبى لعمليات الإنشاء والتشييد فى قصر الحمراء ففى عهد الأول أقيم السور الذى يحيط بالحمراء بأبراجه وبوابته العظمى المعروفة بباب الشريعة أو العدل وغير ذلك من الأبراج والقصور والحمامات، وقام الثانى بإصلاح ما بدأه أبوه وإتمامه، ثم قام بتشييد مجموعة قصر السباع، وقاعة الملوك أو العدل وغيرها. وقد يسأل سائل، من أين جاء اسم الحمراء؟ قيل إن هذا اسم قلعة

الحمراء القديمة التى فوقها بنى ابن الأحمر قصره، وقيل: إن هذا الاسم مرجعه احمرار أبراج قصر غرناطة الشاهقة، أو إن ذلك يرجع إلى لون الآجر الذى بنيت به الأسوار الخارجية، أو إلى لون التربة التى بنيت عليها والتى اكتسبت لونها الأحمر من كثرة أكسيد الحديد بها ولهذا سميت بتل السبيكة. وأيا ما كان الأمر فليست هناك صلة بين اسم الحمراء وبنى الأحمر الذين لقبوا بهذا بسبب احمرار شعر جدهم، ولم يلبث أن ارتبط كلاهما بالآخر. قصر جنة العريف: شيد فى أواخر القرن الثالث عشر الميلادى، ثم جدده السلطان أبو الوليد، ويقع بالقرب من قصر الحمراء ويطل عليه، وهو فى شمال شرقى الهضبة وتظهر من ورائه جبال الثلج، ويدخل الإنسان إلى هذا القصر من مدخل متواضع يؤدى إلى ساحة فسيحة على جانبها رواقان طويلان ضيقان، وفى وسط الساحة بركة ماء غرست حولها الرياحين والزهور الفائقة الجمال حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب فى الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل وقد اتخذه ملوك غرناطة متنزهًا للراحة والاستجمام. قصر شنيل أو قصر السيد: يرجع تاريخه إلى زمن الأمير الموحدى أبى إسحاق ابن الخليفة أبى يعقوب يوسف، وقد اتُخذ قصرًا للضيافة فى عهد بنى نصر، ويقع على الضفة اليسرى لنهر «شنيل» وقد أقام سلاطين بنى نصر قصورًا أخرى فى العاصمة وغيرها من المدن لا يزال بعضها باقيًا إلى اليوم منها: القصر الذى بناه محمد الفقيه فى ربض البيازين، وكان يضم نافورة رخامية وصالة مربعة جميلة مملوء بالمناظر البديعة، وبالقرب من هذا القصر منزل يعود إلى القرن الثالث عشر الميلادى، وفى حى القصبة القديمة بالبيازين قصر «دار الحرة» وهو عبارة عن صحن محاط بالأروقة تفتح عليها صالات ولا يزال يحتفظ بزخارفه الحائطية لليوم، كما توجد أطلال بعض المنازل التى ترجع إلى زمن بنى نصر فى غرناطة وما حولها. الناحية العلمية: أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه

السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية. كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛ كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده. 5 - المورسكيون: جمع مفرده: «المورسكى» وهى تصغير لكلمة «الموروه» والمقصود بها أفراد الشعب المسلم الذى ظل موجودًا بإسبانيا يخضع لحكم الملكين الكاثوليكيين بعد سقوط غرناطة فى أيديهما. وقد نظمت معاهدة التسليم حقوق وواجبات هؤلاء، لكن بنود هذه المعاهدة سقطت واحدًا وراء الآخر، وأريد لهم أن يكونوا نصارى شاءوا أم أبوا، وتم فى سبيل ذلك اللجوء إلى كل ألوان الأساليب وأشدها قسوة وعنفًا مع استخدام الأمانى أحيانًا. وقد أبت غالبية المسلمين أن تفرض عليهم عقيدة لم يؤمنوا بها فاصطدموا بالسلطات المسئولة دينية ومدنية، واستخدمت محاكم التفتيش معهم كل حيلها من اعتقال وتشريد ومصادرة وتحريق، كما جوبهت ثوراتهم على الظلم بكل قسوة وعنف، ولم يفت المسئولون استخدام وسائل التبشير والإغراء، وظل المسلمون على موقفهم

وواصلوا ممارسة شعائرهم الإسلامية فى العلن حينًا وفى السر أحيانًا، وبلغ الضيق برجال الكنيسة ورجال الحكم مداه، وبعد مناقشات مستفيضة تقرر طرد المورسكيين من كل إسبانيا، وتم ذلك بالفعل فى الفترة من (1609 - 1614م)، حدث ذلك دون مراعاة لمشاعر هذه الشريحة من المجتمع الإسبانى، على الرغم مما كان لها من دور متميز فى خدمة الزراعة والاقتصاد بمختلف بلدان شبه الجزيرة. وتم بهذا الطرد إنهاء فصل من فصول العلاقات بالغة الأهمية بين الإسلام والنصرانية فى بلاد الأندلس. ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه المرجع والمآب.

مراجع الجزء السابع

- المراجع: * آنخل جنثالث بالنثيا: تاريخ الفكرالأندلسي - ترجمة: حسين مؤنس - القاهرة - 1955م. * بن البار (أبوعبدالله محمد): الحلةالسيراء - تحقيق حسين مؤنس - الشركة العربية للطباعة والنشر - القاهرة - 1963م * بن الأثير (عزالدين): الكامل في التاريخ - دارالكتب العلمية - بيروت - الطبعة الثانية - 1408هـ = 1988م. * أحمد مختارالعبادي: في تاريخ المغرب والأندلس - بيروت - 1972م. * بن بسام: الذخيرةفي محاسن أهل الجزيرة - تحقيق احسان عباس - بيروت - 1978م. * بن بطوطة: رحلةابن بطوطة - بيروت - دارالكتب العلمية - بدون تاريخ. * بن حيان (أبومروان): المقتبس في أخبار بلد الأندلس - تحقيق عبدالرحمن علي الحجي - دارالكتاب العربي - بيروت - 1393هـ = 1973م. * حسين مؤنس: فجرالأندلس - الدار السعودية للنشر والتوزيع - جدة - الطبعةالثانية - 1405هـ = 1985م. * الحميدي: جذوةالمقتبس - مجموعة تراثنا - القاهرة - 1966م. * بن الخطيب (لسان الدين محمد): الإحاطة في أخبار غرناطة - تحقيق: محمد عبد الله عنان - مكتبةالخانجي - القاهرة - الطبعةالثانية - 1393هـ = 1973م. * بن الخطيب (لسان الدين محمد): أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام - تحقيق: ليفي بروفنسال - معهد العلوم العليا المغربية - الدارالبيضاء - 1934م. * بن خلدون (عبدالرحمن بن محمد): تاريخ ابن خلدون - مؤسسة جمال للطباعةوالنشر - بيروت - 1399هـ = 1979م. * دوزي: تاريخ مسلمي أسبانيا - ترجمة: حسن حبشي - دارالمعارف - القاهرة - 1963م. * السلاوي (أحمدبن خالد): الاستقصا لأخبار المغرب الأقصي - دارالكتاب - الدار البيضاء - 1954م. * السيد عبدالعزيزسالم: قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس - بيروت - 1971م. * الصفدي (صلاح الدين خليل): الوافي بالوفيات - دار فرانز شتاينر - شتوتجارت - 1992م.

* عبدالرحمن علي حجي: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتي سقوط غرناطة - دار الإعتصام - القاهرة - 1403هـ = 1983م. * عبدالعزيز الأهواني: سفارة سياسية من غرناطة الي القاهرة في القرن التاسع الهجري - بحث في مجلة آداب القاهرة. * بن عذاري المراكشي (أبو عبدالله محمد): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب - تحقيق كولانو بروفنسال - دارالثقافة - بيروت - الطبعة الثانية - 1400هـ = 1980م. * القلقشندي (أحمد بن علي): صبح الأعشي في صناعة الأنشا - دارالكتب العلمية - بيروت - الطبعة الأولي - 1987م. * ليفي بروفنسال: الإسلام في المغرب والأندلس - ترجمة السيد عبد العزيز ومحمد صلاح الدين - القاهرة - 1956م. * محمد عبدالله عنان: دولة الإسلام في الأندلس - مكتبة الخانجي - القاهرة - الطبعة الثالثة - 1408هـ = 1988م0 * المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب - مصر - 1324هـ. * المقري: نفح الطيب - تحقيق الدكتور احسان عباس - بيروت - 1388هـ = 1968م.

الدولة العثمانية

الجزء الثامن الدولة العثمانية تأليف: أ. د. محمد حرب رئيس المركز المصري للدراسات العثمانية وبحوث العالم التركي الفصل الأول *إمارة آل عثمان استولى «جنكيزخان» فى الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادى على شمالى «الصين»، وبدأ زحفه نحو «تركستان» التى نجحت قواته المغولية فى اجتيازها، واقتربت من «إيران»، وكانت تلك القوات تثير الفزع والرعب فى نفوس الناس، لقيامها بالأعمال الوحشية التى لم تعهدها البشرية من قبل. وفى أثناء هذه الفترة المضطربة، المشوبة بالخوف والهلع، كان فى جنوب «صحراء قراقورم» بشمالى «الصين» ما يقرب من (70) ألف خيمة بدوية، يسكنها نحو نصف مليون إنسان من الأتراك المسلمين، من بينهم عشيرة صغيرة، تُسمى «قايى»، وقد اضطر هذا الجمع الكبير إلى هجرة أوطانهم عندما أحسُّوا بقرب خطر المغول، فعبروا «إيران» واقتربوا من «الأناضول» غير أنهم لم يستقرُّوا جميعًا فيها، بل استقر بعضهم فى «العراق الشمالى»، وبعضهم فى غربى «إيران»، وبعضهم الآخر فى «القوقاز»، فى حين واصلت عشيرة «قايى» الصغيرة هجرتها نحو «الأناضول» وكان عددها نحو (4000) فرد. كان يرأس هذه العشيرة رجل تركى يدعى «كوندوز ألب»، ثم خلفه فى رئاستها بعد وفاته ابنه «أرطغرل» والد الأمير «عثمان» مؤسس الدولة العثمانية التى عرفت باسمه. وفى أثناء ذلك دارت فى منطقة «أرزنجان» (الواقعة الآن فى الشمال الشرقى لتركيا) معركة سميت باسم «ياسى جمن» بين سلطان «قونية» السلجوقى، و «جلال الدين خوارزم شاه» خاقان «تركستان» وكاد سلطان قونية أن ينهزم، لولا تدخل عشيرة «قايى» بقيادة «كوندوز ألب» فأقاله من عثرته، وكان سببًا فى نصره، ولم تكن هذه العشيرة تعلم من أمر القتال شيئًا، لكنها تدخلت نجدة للملهوف ونصرة للضعيف. عرف سلطان «قونية» أن هذه العشيرة تبحث عن وطن، فأقطعها ثغرًا على الحدود بين سلطنته (الدولة السلجوقية) فى «الأناضول» وبين الإمبراطورية البيزنطية، تقديرًا لقوتهم وشجاعتهم وبراعتهم الحربية. وفى سنة (651هـ = 1253م) تُوفِّى «كوندوز ألب» وخلفه ابنه

«أرطغرل» وبعد فترة تُوفِّى هو الآخر، فأصدر سلطان قونية مرسومًا بتعيين الأمير القبلى «عثمان» محل أبيه، فتولى الأمر وهو فى الثالثة والعشرين من عمره. ثم زالت دولة سلاجقة الروم فى «الأناضول» وحل محلها عدة إمارات صغيرة نجح العثمانيون فى ضمها إلى دولتهم التى بدأت تنمو وتتوسع حتى توحد «الأناضول» تحت قيادتهم. الأمير عثمان: تولى بعد أبيه مسئولية الإمارة، وبدأ فى توطيد سلطانه على أساس من العدل والنظام، وأخذ فى توسيع رقعة دولته حتى وصلت إلى مدينة «ينى شهر» التى اتخذها عاصمة لبلاده، وبذلك أصبح على مرمى البصر من «بروصة» و «نيقية» وكانتا من أهم المدن فى غربى «الأناضول». ولما وجد «عثمان» أن إمارة «آل قرمان» هى أقوى الإمارات التى قامت على أنقاض دولة سلاجقة الروم، أرسى سياسته على عدم الاصطدام بها والتوسع غربًا تجاه البيزنطيين، وبدأ فى إرسال حملاته من موقعه الحصين فى «ينى شهر» إلى المدن اليونانية المجاورة، ونجح فى الاستيلاء على كثير من الحصون، قبل أن تتحرك جيوش الدولة البيزنطية لمواجهته. عرف الأمير «عثمان» بشخصيته القوية، وتحليه بالصبر والمثابرة وضبط النفس، وحماسته للإسلام، لكن فى غير تعصب، بل فى سماحة ورفق، فلم يضطهد أهل الذمة، وإنما اجتذبهم إلى خدمته، فأسلم منهم جماعات كثيرة صارت ركيزة من ركائز دولته الناشئة. وتُوفى «عثمان» فى الوقت الذى كان ابنه «أورخان» يحاصر مدينة «بورصة» بعد أن ترك له وصية وهو على فراش الموت، سجَّلها المؤرخ العثمانى «عاشق ُلبى»، جاء فيها: «يا بنى أحط من أطاعك بالإعزار، وأنعم على الجنود، ولايغرنك الشيطان بجهدك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة، يا بنى! لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا، وللإسلام نموت، وهذا يا ولدى ما أنت أهل له. يا بنى إنك تعلم أن غايتنا هى إرضاء رب العالمين، وأن بالجهاد يعم

نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله». ويُعَدُّ «عثمان» أول من استقل بالإمارة، وراوده حلم إرساء قواعد دولة مترامية الأطراف، وكان أهل إمارته يطلقون عليه لقب «قرة عثمان» رمزًا لقوة الشخصية والحيوية الجسمانية. الأمير أورخان: تولى «أورخان» الحكم بعد وفاة أبيه سنة (726هـ = 1326م)، ولم يكد يمضى على توليته وقت طويل حتى تقدم نحو بحر «مرمرة» وهزم حملة بيزنطية، كان يقودها الإمبراطور «أندرنيكوس الثالث» وبعدها تخلت بيزنطة عن بذل الجهود الخاصة بتنظيم المقاومة العسكرية فى «الأناضول» أو تعزيز حاميات ما تبقى لها من المدن هناك، وقد أدى ذلك إلى نجاح «أورخان» فى الاستيلاء على معظم شبه جزيرة «نيقيا»، وسواحل خليج «نيقوميديا» وسقوط «نيقيا» دون مقاومة، ثم استيلائه على ما تبقى من الأراضى البيزنطية فى غربى «الأناضول» دون صعوبة، مما جعل دولته أقوى إمارات التركمان فى المنطقة، لاسيما وقد تعزز مركزها باعتبارها زعيمة الجهاد ضد البيزنطيين، كما عزز «أورخان» مركزه بالتوسّع على حساب إمارات الطوائف التى تطل على شواطئ «بحر مرمرة» وسيطر على ساحله الجنوبى مما سهل له مهمة العبور إلى أوربا حين سنحت له الفرصة. وقد أمضى «أورخان» بعد استيلائه على إمارة «قرة سى» عشرين سنة دون أن يخوض معارك، وإنما شغل نفسه فى وضع النظم المدنية والعسكرية التى تقوى من شأن الدولة، وفى تعزيز الأمن الداخلى، وبناء المساجد والمدارس ورصد الأوقاف عليها، وإقامة المنشآت العامة. وتميزت الإدارة العثمانية فى عهد «أورخان» بالكفاءة، وإتاحة الفرص أمام رعايا الدولة، ومعاملة أهل الذمة بتسامح كامل، والاهتمام بالتعليم وأهله. الأمير مراد بن أورخان: تولى حكم الدولة بعد وفاة أبيه سنة (761 هـ = 1360 م)، وواصل جهود أبيه فى الفتح، ونجح فى العام التالى من توليه الحكم فى فتح مدينة «أدرنة» ونقل إليها العاصمة بعد أن كانت فى «بورصة»،

ثم فتح أراضى الدولة البيزنطية فى «البلقان»، حتى أصبحت «القسطنطينية» عاصمة البيزنطيين محاصرة تمامًا بالأراضى العثمانية، ونتيجة لتلك الفتوحات صارت الدولة العثمانية متاخمة لكل من «الصرب» و «البلغار» و «ألبانيا». وأدى هذا النشاط العثمانى إلى انزعاج أوربا وازدياد قلقها، فكتب أمراء تلك المناطق إلى ملوك أوربا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين، فقام البابا بالدعوة إلى قيام حرب صليبية جديدة، غير أن ملك الصرب هاجم «أدرنة» عاصمة العثمانيين وكان «مراد» غائبًا عنها، فلما علم بأخبار هذا الهجوم عاد بجيشه ليحارب الصرب، ونجح فى إلحاق الهزيمة بهم. ثم قام ملك الصرب - الجديد وقتها - بعقد حلف عسكرى مع أمير «بلغاريا» لمحاربة العثمانيين، فلما قامت الحرب بينهما هرب أمير البلغار من المعركة، ثم اصطلح الطرفان الصربى والبلغارى مع الدولة العثمانية، نظير جزية سنوية يقدمانها لها، لكن الصرب نقضوا عهدهم فأقام ملكهم تحالفًا صليبيا مع «ألبانيا» ضد العثمانيين، والتقى الفريقان فى مكان يُسمَّى «قوصوة» سنة (197هـ= 9831م) حيث دارت معركة من أعظم معارك الإسلام، انتصر فيها العثمانيون، وهُزِم الصرب هزيمة منكرة، وقتل ملكهم. وعقب انتهاء المعركة قام الأمير «مراد» بتفقد ساحة المعركة، وكان الليل حالك السواد، والهلال والنجوم فى السماء، وساحة المعركة مدرجة بالدماء، فأوحى ذلك بفكرة العلم العثمانى كما يقال، فجاء علمًا أحمر الأرضية يذكِّر بالدماء التى ملأت أرض «قوصوة» ويزين العلم الهلال والنجوم، ولايزال علم تركيا على هذه الصورة حتى الآن. وأثناء تفقد الأمير المنتصر «مراد» ساحة القتال؛ إذا بصربى جريح يقوم من بين القتلى ليطعنه بخنجر فيقتله على الفور، ويستشهد فى ساحة الجهاد، وهو يبلغ من العمر (65) عامًا. عُرف الأمير «مراد الأول» بالعدل، وبمعاملة رعيته من أهل الذمة

معاملة حسنة، وبكثرة المعارك التى حالفه فيها النصر، حتى إنه دخل (73) معركة فى «الأناضول» وفى «البلقان» خرج منها جميعًا مظفرًا، كما أنه تسلم الدولة من أبيه ومساحتها نحو (59000كم2)، وتركها عند استشهاده وهى تبلغ (500000 كم2)، أى أنها زادت فى مدى (29) سنة أكثر من خمسة أمثالها حين تسلمها من أبيه. نظام الحكم العثمانى: بدأت التنظيمات الإدارية فى عهد الأمير «أورخان» مستوعبة النظم المتبعة فى الدول الإسلامية، فالأمير هو قمة الجهاز الحكومى، وسلطته مقيدة بالكتاب والسنة، وكان يتمتع بالسلطتين؛ التشريعية التى كان يعهد بها إلى علماء الشرع، والتنفيذية التى كان يعهد بها إلى وزيره. وكانت المراتب الأساسية للقانون فى الإمارة العثمانية هى على التوالى: القرآن، والسنة، والمذاهب الأربعة، والمراسيم (الخطوط الشريفة). وظهرت فرقة «الإنكشارية» فى عهد «عثمان» وكانت أهم فرق جيش الإمارة، ولم يسمح للإنكشاريين بالزواج، وكان عليهم أن يقيموا فى ثكناتهم العسكرية ليواصلوا التدريب، وضم الجيش أيضًا فرق الفرسان ولم تكن لهم ثكنات خاصة بهم، وإنما عاش معظمهم فى القرى القريبة من العاصمة. الملامح العامة للحضارة العثمانية: عنى العثمانيون فى هذه المرحلة بالأدب الذى تأثر بالأدب الفارسى، وكان الإلمام بالأدب فى هذه الفترة من الأدوات اللازمة للمثقف والباحث والمتأدِّب، كما اهتم العلماء والأدباء باللغة العربية اهتمامًا واضحًا. ونشطت الحركة المعمارية، وتأثرت تأثرًا واضحًا بالطرز السلجوقية، ويبدو ذلك واضحًا فى المساجد الأولى التى شيدت فى مدينة «بورصة» مثل: «أولوجامع»، الذى بدأ تشييده فى عهد «مراد الأول»، كما شيَّد حكام الإمارة فى ذلك الوقت قصورًا فى «بورصة» و «أدرنة» لم يبقَ لها أثر الآن. واشتهرت «الأناضول» فى تلك الفترة بصناعة السجاد الذى كان من ابتكار القبائل الرحل التركمانية.

8 - 2:تحول الإمارة إلى سلطنة

الفصل الثاني *تحول الإمارة إلى سلطنة بايزيد الأول: لم ينتقل «آل عثمان» من طور الإمارة إلى طور السلطنة إلا فى عهد «بايزيد الأول» المشهور بالصاعقة، لسرعة تنقله بجيوشه بين «أوربا» و «الأناضول» .. وقد بذل «بايزيد» جهودًا عظيمة فى توحيد منطقة «الأناضول» تحت قيادته، وفى استمرار الفتوحات فى منطقة «البلقان» فدخل «رومانيا» وضم جنوبها - «الأفلاق» - إلى الدولة العثمانية، وفتح «سلانيك»، واستولى على «ينى شهر» وألحق «تساليا» بدولته، وفتح «اسكوب» ودخلت جيوشه «طورنوفا» وواصل فتوحاته فى «مقدونيا الشمالية» و «ألبانيا»،ونجح فى ضم «بلاد البلغار»، وجعلها ولاية عثمانية، ووصلت جيوشه إلى «اليونان» ودخل «أثينا»، وانتقل إلى «شبه جزيرة المورة» ودفع له الصرب جزية سنوية، كما حاصر «القسطنطينية» أربع مرات. ونتيجة لهذا توحدت «أوربا» كلها ضده لطرده من «البلقان» فتكونت حملة صليبية ضده فى (جمادى الأولى 798هـ= فبراير 1396م) بقيادة «سيجموند» ملك «المجر» الذى استنجد بالبابا وبملوك «أوربا» لإنقاذ «المجر» و «بيزنطة» من الخطر العثمانى، فحملت الحملة شعار: «سحق الأتراك أولا ثم احتلال القدس». وتكونت هذه الحملة من جيوش مجرية وفرنسية وألمانية وهولندية وإنجليزية وإيطالية وإسبانية بلغت نحو (130) ألف محارب، واجتازت نهر «الدانوب» وبلغت مدينة «نيكوبولى» وعندها دارت معركة طاحنة بينهم وبين الجيش العثمانى الذى بلغ عدده نحو (90) ألف جندى بقيادة «بايزيد الصاعقة». وانتهت معركة «نيكوبولى» بانتصار العثمانيين، وبوقوع كثير من أشراف «فرنسا» فى الأسر، منهم: «الكونت دى نيفر» قائد قوات «بورغوينا» وولى عهدها، وقد أقسم هذا الكونت على عدم العودة إلى محاربة العثمانيين، ولكن بعد قرار «بايزيد» بإطلاق سراح الأمراء الأسرى، أراد أن يحل «الكونت دى نيفر» من قسمه، فقال له: «أيها الكونت! لك أن تعود مرة أخرى لمحاربتى، لكى تمسح العار

الذى لحق بك، واعلم أنى لا أخاف من عودتك وإلا ما كنت أطلقت سراحك، تعالَ وقتما تشاء فستجدنى وجنودى أمامك». ثم أرسل الأمير «بايزيد الأول» أنباء هذا الانتصار إلى الخليفة «المتوكل العباسى» بالقاهرة، فأجابه الخليفة بأن أرسل إليه تشريفًا وخلعًا وسيفًا، وكان هذا يعنى الاعتراف ببايزيد الأول سلطانًا على إقليم «الروم» (الأناضول والبلقان)، وبذا أصبح الأمير «بايزيد» أول من حمل لقب «سلطان» فى «آل عثمان». محاصرة القسطنطينية: حاصر العثمانيون العاصمة البيزنطية فى عهد «بايزيد الأول» أربع مرات: - الأولى فى سنة (793هـ= 1391م) حيث اصطف ستة آلاف جندى عثمانى على امتداد سور «القسطنطينية» وحاصروا المدينة حصارًا شديدًا، ولم يستطع أحد الدخول إلى المدينة أو الخروج منها دون موافقة العثمانيين، ودام هذا الحصار سبعة أشهر دون أن يخضع إمبراطور «بيزنطة» لبايزيد دون قتال. - والثانية فى سنة (797هـ= 1395م)، واستمر هذا الحصار طوال صيف ذلك العام. - والثالثة فى سنة (800هـ = 1397م). - والرابعة كانت بين سنتى (802 - 804 هـ = 1399 - 1401م)، على إثر ذهاب الإمبراطور البيزنطى «مانويل الثانى» إلى «إنجلترا» وزيارته لأوربا لمدة (13) شهرًا، طلبًا للمساعدة ضد العثمانيين، ولم يفك هذا الحصار إلا بعد قدوم «تيمورلنك» بجيوشه الجرارة التى عصفت بالسلطنة العثمانية وتسببت فى انهيارها فترة من الزمن. ويجدر بالذكر أن «بايزيد» لم يفك حصاره الرابع عن «القسطنطينية» إلا بشروط، منها: أن يبنى المسلمون الذين يعيشون داخل المدينة جامعًا لإقامة شعائر الدين، وأن تقام لهم محكمة شرعية للنظر فى قضاياهم. ويذكر لبايزيد تشييده القلعة المسماة «جوزلجه حصار» (أناضولى حصار) على الضفة الأسيوية من بوغاز «القسطنطينية». الأزمة بين تيمورلنك وبايزيد: أسس «تيمورلنك» خاقان أتراك الشرق (التركستان) إمبراطورية

عظمى، امتلكت جيشًا قويا ومنظمًا اجتاح به الشرق، ثم حدث نزاع بين «تيمورلنك» و «بايزيد» بسبب لجوء «أحمد بن أويس» الذى فر من «بغداد» أمام «تيمورلنك» إلى «بايزيد»، واحتمائه به. اتخذ «تيمورلنك» من هذا الحادث ذريعة للتحرك ضد العثمانيين، وبخاصة بعد رفض «بايزيد» طلب «تيمورلنك» تسليمه «أحمد بن أويس» فقام بحملته الأولى على «الأناضول» سنة (803هـ=1400م)، ووصل إلى «سيواس» فدخلها وخربها وسفك دماء أهلها بعد أن صمد العثمانيون على قلتهم أمام جيوش «تيمورلنك» الجرارة، وأبلوا بلاءً حسنًا، ثم انسحب «تيمورلنك» من «الأناضول» إلى «القوقاز» بعد أن استولى على «ملاطية» من العثمانيين. كان «تيمورلنك» يأمل أن يعترف «بايزيد» بتبعيته له مثل سلاطين المماليك و «الهند» غير أن هذا الأمل لم يتحقق؛ إذ رد عليه «بايزيد» ردا فيه تحقير، وحاول «تيمورلنك» إقناع أمرائه بشن حرب حاسمة ضد العثمانيين، وكان رأى أمراء «تيمور» وأولاده أنه لايليق بهم محاربة الدولة العثمانية، وهى دولة سنية حنفية المذهب مثلهم، وتجمعهم اللغة التركية، كما أنها تعد حاملة لراية الجهاد الإسلامى، لكن «تيمورلنك» نجح فى إقناع المخالفين له فى الرأى باحتمال أن يقوم «بايزيد» بضرب الجيش التيمورى من الخلف أثناء حملته على «الصين». دخل «تيمورلنك» إلى «الأناضول» مرة أخرى سنة (805هـ = 1402م) على رأس جيش ضخم بلغ عدده نحو (300) ألف جندى، وفى مقدمته (32) فيلا مدرعًا، وسار به حتى وصل إلى «أنقرة» وهناك التقى بالجيش العثمانى فى (27 من ذى الحجة 804هـ = 28 من يوليو 1402م) واستمر اللقاء حتى غروب الشمس، وكان النصر فيه حليف «تيمورلنك» وأسر فى المعركة السلطان «بايزيد» بعد أن أبلى جنوده بلاءً حسنًا، وكبَّدوا «تيمورلنك» خسائر فادحة لم يسبق له أن تكبَّدها، حيث قتل له فى المعركة نحو (40000) جندى. لقد كانت معركة «أنقرة» من أكبر المعارك الميدانية التى حدثت خلال

العصور الوسطى، وتعد من أكبر الكوارث فى التاريخ التركى، حيث أخرت نمو العثمانيين وفتوحاتهم نصف قرن، وأطالت عمر الدولة البيزنطية المدة نفسها، وعطَّلت وحدة «الأناضول» سبعين سنة. عاش السلطان «بايزيد» فى أسر «تيمورلنك» سبعة أشهر واثنى عشر يومًا، ومات فى «آق شهر» قرب «قونية» سنة (806هـ = 1403م) وأرسل جثمانه إلى «بورصة» ثم أطلق «تيمور» عقب وفاة «بايزيد» سراح ابنيه اللذين أسرا معه. العثمانيون يعيدون تكوين دولتهم: عاش العثمانيون عقب معركة «أنقرة» فترة أطلق عليها المؤرخون عهد الفتنة أو دور الفوضى، وكانت مدتها عشر سنوات، وأحد عشر شهرًا وثمانية أيام، وهى فترة الصراع بين أبناء «بايزيد» على العرش العثمانى، حتى نجح أحدهم وهو «محمد بن بايزيد» الملقب بمحمد ُلبى فى تولى السلطنة والقضاء على الفوضى والفتن، والبدء فى إعادة البناء وتعمير الدولة وتنظيم أمورها، حتى عده المؤرخون المؤسس الثانى للدولة العثمانية. وتوفى «محمد الأول» سنة (824هـ=1412م) عن (39) عامًا فى مدينة «أدرنة». السلطان مراد الثانى: تولى «مراد بن محمد» عرش السلطنة وعمره (17) سنة، وبدأ عهده بعقد هدنة مع ملك «المجر» لمدة خمس سنوات حتى يتفرغ للأناضول، وبعقد صلح مع أمير «قرمان»، ثم اتجه «مراد» إلى محاصرة مدينة «القسطنطينية» سنة (825هـ = 1422م)، ودام الحصار (64) يومًا، وكان بحريا وبريا، بجيش قوامه ثلاثون ألف جندى، وكان احتمال سقوط العاصمة البيزنطية كبيرًا، بعد أن أحدثت القوات العثمانية أضرارًا بالغة بسور المدينة، غير أن السلطان «مراد» اضطر إلى رفع الحصار بعد أن جاءته أنباء حدوث فتنة فى «الأناضول» وعقد الصلح مع «بيزنطة» مقابل أن تدفع جزية كبيرة سنوية. ثم اتجه «مراد الثانى» إلى تأديب إمارات «الأناضول» التى تمردت عليه أثناء انشغاله بمحاربة «بيزنطة» فقضى بصورة نهائية على إمارات «منتشة» و «أيدين»، و «تسكا» وقلَّص حدود إمارة «جاندار».

وفى سنة (829 هـ = 1426م) اجتاز السلطان «مراد الثانى» على رأس جيشه «نهر الدانوب» والتقى مع الجيش المجرى، وانتصر عليه، وعقد مع ملك «المجر» معاهدة تنازل بمقتضاها عن أملاكه فى الضفة اليمنى لنهر الدانوب، الذى أصبح فاصلا بين أملاك الدولة العثمانية و «المجر»، ثم فتح «مراد» «سلانيك»، و «يانيا» ونجح فى إلغاء إمارة «الصرب» تمامًا وأطلق عليها لواء «سمندرة» كما خضعت «ألبانيا» للدولة العثمانية بعد حروب يسيرة، وعقدت «البندقية» صلحًا معها. وفى عهد «مراد الثانى» توترت العلاقات بين المماليك والعثمانيين بسبب إمارتى «قرامان» و «دلقادر» غير أنه لم يهتم بهذا الأمر بسبب إعلان البابا «أوجينيوس الرابع» سنة (843هـ=1439م) عن حملة صليبية ضد الدولة العثمانية بقيادة القائد المجرى «هونيادى» الذى اتخذ من إخراج العثمانيين من «البلقان» هدفًا لحياته. وقد تمكن هذا القائد المجرى من هزيمة عدة جيوش عثمانية، مما اضطر السلطان إلى محاربته بنفسه، ثم عقد صلحًا مع «المجر» سنة (848هـ = 1444م)، أعيد بمقتضاه تأسيس إمارة «الصرب» على أن تكون تابعة للدولة العثمانية، ومنطقة عازلة بينها وبين «المجر». ولما شعر السلطان «مراد الثانى» بالتعب تخلى عن عرشه لابنه «محمد الثانى» الذى عرف فيما بعد بمحمد الفاتح، وكان عمره آنذاك (21) عامًا، فشكل الأوربيون على الفور حملة عسكرية على الدولة العثمانية، وشاركت فيها قوات من «المجر» و «قولونية» و «ألمانيا»، و «فرنسا» و «البندقية» و «بيزنطة» و «بيرجوذريا» وكانت تلك الحملة بقيادة «هونيادى»، واختير الملك المجرى «لاديسلاس» قائدًا شرفيا للحملة، وقد نهبت هذه الحملة وهى فى طريقها كل شىء، حتى الكنائس الأرثوذكسية لم تسلم من أيديهم. وإزاء هذه التطورات اجتمع مجلس شورى السلطنة العثمانية، وطلب عودة «مراد الثانى» إلى الحكم مرة أخرى، فعاد وبدأ فى إعداد جيشه للقاء تلك الحملة الصليبية، فتحرك على رأس جيشه الضخم الذى

بلغ أربعين ألف جندى، والتقى مع تلك الحملة فى «فارنا» وهى مدينة بلغارية تقع على شاطئ «البحر الأسود»، ودارت بينهما معركة هائلة عرفت باسم «معركة فارنا» فى (28 من رجب 848 هـ = 10 من نوفمبر 1444م)، وفيها حقق العثمانيون نصرًا غاليًا، وقتل الملك «لاديسلاس»، وهرب «هونيادى» من المعركة، وبهذا النصر أيقن الأوربيون صعوبة طرد العثمانيين من منطقة «البلقان». وقد فرح العالم الإسلامى بهذا النصر فرحًا شديدًا حتى إن السلطان «جقمق» المملوكى أمر أن يذكر اسم السلطان «مراد الثانى» مجاملة بعد اسم الخليفة العباسى فى «القاهرة». لم تستسلم «أوربا» لهذه الهزيمة فجهزت حملة صليبية أخرى ضمت نحو مائة ألف جندى بقيادة «هونيادى» والتقت بالعثمانيين بقيادة السلطان «مراد الثانى» فى صحراء «قوصوه» فى (18 من شعبان 852هـ=17 من أكتوبر 1448م)، وانتصر العثمانيون فى هذا اليوم انتصارًا عظيمًا. السلطان محمد الفاتح: ولد السلطان «محمد» فى (27 من رجب 835هـ = 30 من مارس 1432م) وتولى عرش السلطنة بعد وفاة أبيه فى (5 من المحرم 855هـ = 7 من فبراير 1451م) بعد أن بايعه أهل الحل والعقد فى الدولة العثمانية. إعداد محمد الفاتح: خضع السلطان «محمد» - شأنه فى ذلك شأن كل أمير عثمانى - لنظام تربوى صارم تحت إشراف مجموعة من علماء عصره المعروفين. وهو ما يزال غضا، فتعلم القرآن الكريم والحديث والفقه والعلوم العصرية - آنذاك - من رياضيات وفلك وتاريخ ودراسات عسكرية نظرية وتطبيقية، كما كان السلطان «محمد» يشترك فى الحروب التى كان يشنها والده السلطان «مراد الثانى» ضد «أوربا» أو التى كان يصد فيها اعتداءاتهم. وكعادة «آل عثمان» فى إسناد إدارة ولاية لكل أمير وهو صغير حتى يؤهل لقيادة الدولة بعد ذلك، قضى «محمد» فترة إمارته فى «مغنيسيا» تحت إشراف مجموعة من أساطين علماء العصر، وفى مقدمتهم: الشيخ «آق شمس الدين» والملا «الكورانى».

وقد أثرت هذه المجموعة من العلماء فى تكوين الأمير الصغير وتشكيل اتجاهاته الثقافية والسياسية والعسكرية، وكان الشيخ «آق شمس الدين» صارمًا مع الأمير حتى إن السلطان «محمد» وهو سلطان قال لأحد وزرائه عن شيخه هذا: «إن احترامى لهذا الشيخ احترام يأخذ بمجامع نفسى وأنا ماثل فى حضرته مضطربًا ويداى ترتعشان». ثقافة محمد الفاتح: درس السلطان «محمد» إلى جانب دراسته الأكاديمية المنظمة اللغات الإسلامية الثلاثة التى لم يكن يستغنى عنها مثقف عصرى آنذاك وهى: العربية والفارسية والتركية، وعنى بالأدب والشعر خاصة، فكان شاعرًا له ديوان بالتركية، وله بيت مشهور يقول فيه: نيتى هى الامتثال للأمر الإلهى «جاهدوا فى سبيل الله». وحماسى إنما هو حماس فى سبيل دين الله. وتعلم السلطان «محمد» أيضًا اللغات: اللاتينية واليونانية والصربية، ولاتخفى أهمية هذه اللغات لأمير فى طريقه إلى تولى الدولة العثمانية. وقد أثرت فترة إمارة «محمد» فى شخصيته فجعلته - بفضل توعية أساتذته - أكثر الأمراء العثمانيين وعيًا فى دراسة علوم التاريخ والجغرافيا والعلوم العسكرية، وبخاصة أن أساتذته وجهوا اهتمامه إلى دراسة الشخصيات الكبيرة، التى أثرت فى مجرى التاريخ، وأبانوا له عن جوانب العظمة فى تلك الشخصيات، كما وضحوا له نقاط الضعف فيها، أملا أن يكون أميرهم ذات يومٍ من أكثر الحكام خبرة وحكمة وعبقرية. ولا شك أن الشيخ «آق شمس الدين» استطاع أن يلعب دورًا كبيرًا فى تكوين شخصية «محمد» وأن يبث فيه منذ صغره أمرين، جعلا منه فاتحًا، وهما: - مضاعفة حركة الجهاد العثمانية. - الإيحاء دومًا لمحمد منذ صغره بأنه هو الأمير المقصود بالحديث النبوى، «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش». وقد استغرق تحقيق النقطة الأولى فترة تاريخية من حياة السلطان «محمد» - بعد أن أصبح سلطانًا للدولة - لنرى فيه حملاته العسكرية،

ونكتفى هنا بذكر حروبه البرية على الجبهة الأوربية. ففى عام (857هـ=1453م) فتح «القسطنطينية»، وفى عام (863هـ= 1459م) فتح «بلاد الصرب»، وفى عام (568هـ = 0641م) فتح «بلاد المورة»، وفى عام (866هـ = 1462م) ضم «بلاد الأفلاق»، وبين عامى (867 - 884هـ = 1462 - 1479م) فتح بلاد «ألبانيا»، وبين عامى (867 - 870هـ = 1462 - 1465م) فتح بلاد «البوسنة والهرسك»، وفى عام (881هـ = 1476م) وقعت حرب «المجر». ومنذ حرب بلاد «المجر» وحتى وفاة الفاتح عام (886هـ = 1481م) دخلت الدولة العثمانية فى حروب بحرية كثيرة منها: ضم الجزر اليونانية عام (884هـ = 1479م) وضم «أوترانتو» عام (885هـ=1480م) ومعلوم أنه كان قد أعد بالفعل جيوشه وتحرك على رأسها لمحاربة المماليك إلا أن الموت عاجله. فتح القسطنطينية: رأى السلطان «محمدالفاتح» أن فتح «القسطنطينية» كما أنه يحقق أملا عقائديا عنده فإنه أيضًا يسهل للدولة العثمانية فتوحاتها فى منطقة «البلقان» ويجعل بلاده متصلة لايتخللها عدو، وكانت «القسطنطينية» تمثل الأرض التى تعترض طريق الفتوحات فى «أوربا»، فبدأ فى عاصمته «أدرنة» الاستعداد لعملية فتح «القسطنطينية»، ومن ذلك: صب المدافع خاصة الضخم منها، والاستعداد لنقل هذه المدافع إلى أسوار مدينة «القسطنطينية». ثم رأى السلطان «محمد» أن جده «بايزيد الصاعقة» كان قد بنى - أثناء محاولته فتح «القسطنطينية» - قلعة على الضفة الآسيوية من «البوسفور» سماها «أناضولو حصارى» أى «قلعة الأناضول».كانت تقوم على أضيق نقطة من «مضيق البوسفور»، فقرر «محمد» أن يبنى فى مواجهة هذه القلعة على الجانب الأوربى من «البوسفور» قلعة سماها «روملى حصارى» أى «قلعة منطقة الروم» (يطلق الأتراك على الجانب الأوربى من تركيا والمنطقة الملاصقة له والمعروفة الآن باسم «البلقان» اسم «روم إيلى» أى منطقة الروم)، وكان القصد من هذا هو التحكم فى «البوسفور» تمامًا، وكان

السلطان «محمد» هو الذى وضع بنفسه تخطيط هذه القلعة، ونفذها المعمارى «مصلح الدين آغا» ومعه (7000) عامل أنهوا مهمتهم فى أربعة أشهر كاملة. وبعد أن تم البناء خرج بعض الجنود العثمانيين لرؤية «القسطنطينية» فما لبث أن وقع بينهم وبين البيزنطيين المجاورين لأسوار المدينة بعض حوادث شغب، كان لها رد فعل عند السلطان «محمد» فأصدر أوامره بإبعاد البيزنطيين المجاورين للأسوار والقرويين المجاورين للمدينة، فقام إمبراطور «بيزنطة» «قسطنطين دركازيز» بإخلاء القرى المجاورة، وسحب سكانها إلى داخل المدينة، ثم أمر الإمبراطور بإغلاق أبواب «القسطنطينية» وإحكام رتاجها. وبينما الاستعدادات العثمانية تجرى على قدم وساق فى «أدرنة» لفتح «القسطنطينية» كان الوضع فى المدينة غاية فى الاضطراب، فقد طلب الإمبراطور «قسطنطين» معونة عاجلة من البابا «نيقولا الخامس» فاستجاب البابا وأرسل الكاردينال «ايزودور» إلى «القسطنطينية» فتوجه هذا الكاردينال وهو كاثوليكى - إلى «كنيسة آياصوفيا» وأقام فيها المراسم الكنسية على الأصول الكاثوليكية مخالفًا بذلك بل ومتحديًا مشاعر شعب «القسطنطينية» الأرثوذكسى. وقف الشعب ينظر إلى الكاردينال المنقذ باشمئزاز بالغ، وكان إمبراطور «القسطنطينية» يميل إلى فكرة اتحاد الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، أما رئيس الحكومة «لوكاس نوتاراس» و «جناديوس» (الذى صار بطريقًا بعد الفتح) فقد عارضا بشدة هذا الاتحاد خوفًا على الأرثوذكسية من الفناء، وقال «نوتاراس» قولته الشهيرة: «إنى أفضل رؤية العمامة التركية فى القسطنطينية على رؤية القبعة اللاتينية» ولم يكن البيزنطيون قد نسوا الأعمال الوحشية التى قام بها «اللاتين» عندما احتلوا «القسطنطينية» عام (601هـ = 1204م) ومع ذلك فإن الكنيسة اللاتينية لم تتوانَ عن إرسال موجات المتطوعين إلى «القسطنطينية» بناء على طلب إمبراطورها، لكن

مجىء «ايزودور» لم يحقق أدنى نتيجة فى مسألة اتحاد الكنيستين. الحصار والفتح: حاصر العثمانيون «القسطنطينية» برا وبحرًا فى سنة (857هـ = 1453م) واشترك فى الحصار من الجنود البحرية (20000) جندى على (400) سفينة، أما القوات البرية فكانت (80000) جندى، والمدفعية (200) مدفع. وقفت القوات البحرية العثمانية بقيادة «بلطة أوغلو سليمان بك» على مدخل «الخليج الذهبى» وكان عليه تدمير الأسطول البيزنطى المكلف بحماية مدخل الخليج وكان البيزنطيون قد أغلقوا - قبل الحصار - الخليج بسلسلة حديدية طويلة يصعب من جرائها دخول أى سفينة إلى الخليج، مما شكل أكبر معضلة أمام العثمانيين، لأن سفنهم كان عليها أن تحمل الجنود وتدخل الخليج لإنزالهم لكى يضربوا «القسطنطينية». ثم جاءت ثلاث سفن جنوية، وسفينة بيزنطية بقيادة القائد الشهير «جوستنيانى» أرسلها البابا للدفاع عن «القسطنطينية» ولنقل الإمدادات إليها، جاءت هذه السفن ولم تستطع البحرية العثمانية منعها، فبعد معركة عنيفة مع البحرية العثمانية تغلب «جوستنيانى» ومضى بسفنه إلى الخليج، ففتح لها أهل «القسطنطينية» السلسلة الحديدية وأدخلوها، وكانت هذه الحادثة دافعًا لكى يفكر السلطان «محمد» فى خطة عسكرية شهد لها القواد العسكريون بالبراعة. كانت هذه الخطة تقضى بنقل (67) سفينة من السفن الخفيفة عبر البر من منطقة «غلطة» إلى داخل الخليج لتفادى السلسلة، وتمت هذه العملية بوضع أخشاب مطلية بالزيوت على طول المنطقة المذكورة، ثم دفعت السفن لتنزلق على هذه الأخشاب فى جنح الظلام، بعد أن استطاعت المدفعية العثمانية بإطلاقها مدافع الهاون أن تشد انتباه البيزنطيين إليها، ومن ثم لم يلتفت أحد لعملية نقل السفن إلى الخليج. نقلت السفن وأنزلت إلى الخليج ووضعت الواحدة تلو الأخرى على شكل جسر على عرض الخليج، حتى استطاع الجنود الانتقال عليها وصولا إلى بر «القسطنطينية» وما إن جاء الصباح إلا وتملكت الدهشة

أهل «القسطنطينية»، ويصف المؤرخ «دوكاس» وهو بيزنطى عاصر الحادثة دهشته من هذه العملية قائلا: «إنها لمعجزة لم يسمع أحد بمثلها من قبل ولم ير أحد مثلها من قبل». وبعد أن فشلت البحرية العثمانية فى إحباط محاولة «جوستنيانى» دخول الخليج، لم يملك السلطان «محمد» إلا الأمر بالهجوم العام الذى اشتركت فيه كل القوات العثمانية مرة واحدة، وقبل هذا مباشرة أرسل السلطان «محمد» إلى الإمبراطور للمرة الثانية - يطلب منه تسليم المدينة سلمًا حقنًا للدماء، وللإمبراطور أن ينسحب إلى أى مكان يريده بكل أمواله وخزائنه، وتعهد السلطان «محمد» بتأمين أهل «القسطنطينية» - فى هذه الحالة - على أموالهم وأرواحهم وممتلكاتهم، لكن الإمبراطور - بتحريض من الجنويين - رفض هذا العرض. وفى (16من ربيع الأول 857 هـ= 26 من مايو 1453م) أراد ملك «المجر» أن يضغط على السلطان «محمد» فى هذا الوقت الحرج، فأرسل يقول له: «إنه فى حالة عدم توصل العثمانيين إلى اتفاق مع إمبراطور «القسطنطينية» فإنه (أى ملك المجر) سيقود حملة أوربية لسحق العثمانيين، ولم تغير هذه الرسالة شيئًا. مضى نهار يوم (28 من مايو) هادئًا، وعند الفجر وبعد الصلاة مباشرة، اتجه السلطان «محمد» إلى مكان الهجوم ومع دوىّ المدافع الضخمة الذى بدأ، صدر الأمر السلطانى بإخراج العلم العثمانى من محفظته، وهذا يعنى عند الأتراك الأمر ببداية الهجوم العام. واستطاعت المدافع أثناء ذلك إحداث فتحة فى الأسوار، ثم اجتاز الجنود العثمانيون الخنادق المحفورة حول «القسطنطينية» واعتلوا سلالم الأسوار، وبدأ الجنود يتدفقون على ثلاث موجات، اشتركت «الإنكشارية» فى الثالثة منها، فاضطر «قسطنطين» أن يدفع بقواته الاحتياطية التى كانت مرابطة بجوار كنيسة الحواريين «سانت أبوترس» (مكان جامع الفاتح بعد ذلك) لتدخل المعركة، وما لبث أن أطلق جندى عثمانى سهمه فأصاب القائد «جوستنيانى» إصابة

بالغة فانسحب «جوستنيانى» من ميدان المعركة رغم توسلات الإمبراطور له، لأن «جوستنيانى» كان له دور كبير فى الدفاع عن المدينة. وكان أول شهداء العثمانيين هو الأمير «ولى الدين سليمان» الذى أقام العلم العثمانى على أسوار المدينة البيزنطية العريقة، وعند استشهاده أسرع (18) جنديا عثمانيا إليه لحماية العلم من السقوط واستطاعوا حمايته حتى واصل بقية الجنود تدافعهم على الأسوار، وثبت العلم تمامًا على الأسوار بعد أن استشهد أيضًا هؤلاء الثمانية عشر جنديا، أثناء ذلك كان العثمانيون يواصلون تدفقهم إلى المدينة، عن طريق الفتحات التى أحدثتها المدفعية فى الأسوار، ثم عن طريق تسلق السلالم التى أقاموها على أسوار المدينة، وتمكن جنود من فرق الهجوم العثمانية من فتح بعض أبواب «القسطنطينية» ونجح آخرون فى رفع السلاسل الحديدية التى وضعت فى مدخل الخليج لمنع السفن العثمانية من الوصول إليها، فتدفق الأسطول العثمانى إلى الخليج وبعد ذلك إلى المدينة نفسها، وساد الذعر البيزنطيين وكان قد قتل منهم من قتل، وهرب من استطاع إلى ذلك سبيلا. الفاتح يعطى الأمان: عندما دخل «محمد الفاتح» المدينة أمر بإحراق جثث القتلى تفاديًا للأمراض، وسار على ظهر جواده إلى كنيسة «آيا صوفيا» حيث تجمع الشعب البيزنطى ورهبانه، وما إن علموا بوصول السلطان الفاتح حتى خروا سجدًا راكعين بين أنين وبكاء وعويل، ولما وصل الفاتح، نزل من على ظهر حصانه وصلى ركعتين شكرًا لله على توفيقه له بالفتح، ثم سار يقصد شعب بيزنطة ورهبانه، ولما وجدهم على هذه الحالة من السجود انزعج وتوجه إلى رهبانهم قائلا: «قفوا استقيموا فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا، إنكم منذ اليوم فى أمان فى حياتكم وحرياتكم»، وهذا ما سجله مؤرخ بولونى كان معاصرًا. وكان لهذا التصرف من الفاتح أثر كبير فى عودة المهاجرين النصارى

الذين كانوا قد فروا من المدينة، وأمر الفاتح قواده وجنوده بعدم التعرض للشعب البيزنطى بأذى، ثم طلب من الناس العودة إلى ديارهم بسلام، وحول «آيا صوفيا» إلى جامع، على أن تصلى فيه أول جمعة بعد الفتح (كان الفتح يوم ثلاثاء) وكانت «آيا صوفيا» أكبر كنيسة فى العالم وأقدم مبنى فى أوربا كلها، وسميت المدينة «إسلامبول» أى مدينة الإسلام. كان سلوك الفاتح عندما دخل «القسطنطينية» ظافرًا؛ سلوكًا مختلفًا تمامًا عما تقول به شريعة الحرب فى العصور الوسطى، وهو نفى شعب المدينة المفتوحة إلى مكان آخر أو بيعه فى أسواق النخاسة، لكن الفاتح قام بما عجز عن فهمه الفكر الغربى المعاصر له من تسامح ورحمة، فقد قام بالآتى: - أطلق سراح الأسرى فورًا نظير مقابل مادى قليل يسدد على أقساط طويلة المدى. - وأسكن الأسرى الذين كانوا من نصيبه فى المغانم فى المنازل الواقعة على ساحل الخليج. - وعندما أبيحت «القسطنطينية» للجنود ثلاثة أيام عقب الفتح، كان هذا الإذن مقتصرًا على الأشياء غير المعنوية، فلم تُغتصب امرأة ولم يُمسَّ شيخ ولا عجوز ولا طفل ولا راهب بأذى، ولم تهدم كنيسة ولا صومعة ولا دير ولا بيعة، مع أن المدينة أُخذت بالحرب ورَفضت التسليم. - وكان من حق الفاتح قانونًا - ما دامت المدينة قد أخذت عنوة- أن يكون هو نيابة عن الجيش الفاتح مالكًا لكل ما فى المدينة، وأن يحول نصف الكنائس والبيع على مدى زمنى طويل إلى جوامع ومساجد، وأن يترك النصف الآخر لشعب المدينة على ما هو عليه، وفى وقفيات السلطان «محمد الفاتح» بنود كثيرة على بقاء أديرة «جوكاليجا» و «آيا» و «ليبس» و «كيرا ماتو» و «الكس» فى يد البيزنطيين. - واعترف لليهود بملكيتهم لبيعهم كاملة، وأنعم بالعطايا على الحاخام «موسى كابسالى». - وعين فى سنة (865هـ= 1461م) للجماعات الأرمنية بطريقًا يدعى «يواكيم» ليشرف على مصالح الأرمن ويوحد صفوفهم.

- وبدأ فى أعمال تعمير المدينة ابتداء من (23 من ربيع الأول 857هـ = 12 من يونية 1453م) (كان الفتح يوم 29 من مايو من العام نفسهـ) وأمر بنقل جماعات كثيرة من مختلف أنحاء الدولة إلى «القسطنطينية» للإسهام فى إعادة إنعاشها. - وأعاد للأرثوذكس كرامتهم التى أهدرها اللاتين الكاثوليك بأن أعطاهم حق انتخاب رئيس لهم، يمثلهم ويشرف على شئونهم، وأصبح «سكولا ريوس» (جناديوس) أول بطريق لهم بعد الفتح العثمانى للقسطنطينية، وبذلك أنقذ الفاتح إيمان الأمة التى فتح ديارها، وأحيا الأرثوذكية بعد أن أخذت تخفت. - وجعل الفاتح مسائل الأحوال الشخصية مثل: الزواج والطلاق والميراث وأمور الوفاة الخاصة بأهل المدينة المفتوحة من حق الجماعات الدينية المختصة، وكان هذا امتيازًا منعدم النظير فى «أوربا» فى ذلك الوقت. الفاتح وحكام عصره: كان تصرف «الفاتح» تصرفًا حضاريا فى الوقت الذى كان الحكام من الشرق والغرب يتلذذون بسفك الدماء وبقتل الناس بالآلاف، ويتلذذون وهم على موائد الطعام بمنظر الأسرى وقد اخترقت بطونهم أسنة رماح الجنود، وبرفع الأسرى على الخوازيق وبخلط دمائهم بأنواع الشراب، كما فعل «جنكيزخان» و «تيمورلنك» فى الشرق، و «فلال» و «هونيادى» فى الغرب. إن دولة «بيزنطة» هدمت حى المسلمين فى «القسطنطينية» وأبادت سكانه بعد أن علم الإمبراطور بانتصار «تيمورلنك» على السلطان العثمانى «بايزيد الصاعقة» فى واقعة أنقرة عام (805هـ = 1402م). وأزهقت الجيوش الصليبية فى عملية احتلال القدس أرواح (70000) برىء، يقول «هـ. ج. ويلز» فى ذلك: «كانت المذبحة التى دارت فى بيت المقدس رهيبة وكان الراكب على جواده يصيبه رشاش الدم الذى سال فى الشوارع .. » ويقول المؤرخ نفسه عن «هولاكو»: «كان هولاكو يفتح فارس وسوريا وأظهر المغول فى ذلك الزمان عداوة مريرة للإسلام، ولم يكتفوا بتذبيح سكان بغداد .. بل وقد صارت أرض

الجزيرة منذ تلك اللحظة التعسة يبابًا من الخرائب والأطلال لا تتسع إلا للعدد القليل من السكان». وتقول «سامحة آى ويردى»: «إن الجيوش الصليبية التى تدفقت على القسطنطينية عام (603هـ = 1206م) قامت بتحويل المدينة إلى خرابة بائسة فقيرة معدمة بعد أن كانت غنية معمورة يسودها الرخاء». وعندما دخل «شارل الخامس» «تونس» عام (947هـ = 1540م) لم يترك حيا أمامه إلا قتله ولم تسلم من وحشيته حتى الجمال والقطط، وهذا ما ذكره «شهاب الدين تكين داغ» فى مذكراته عن الدولة العثمانية. إن هذه الأمثلة إذا ما قارناها بموقف «الفاتح» الحضارى من «القسطنطينية» وأهلها، نرى «الفاتح» قائدًا منعدم النظير بين أقرانه من أباطرة الشرق وحكام الغرب، ولو كان «الفاتح» قد اتبع ما كان يجرى على الجانب الغربى من البحر المتوسط من فظائع الإسبان فى «الأندلس» وما فعلوه بالمسلمين وبالعرب ما أصبح هناك مسيحى واحد فى «القسطنطينية». دور المدفعية العثمانية: كان المدفع اختراعًا حديثًا مروعًا غيّر مجرى التاريخ، وكان «مدفع الهاون» اختراعًا عثمانيا عرفه العالم لأول مرة أثناء حصار العثمانيين للقسطنطينية كما كان المدفع الضخم خاصة مدفع الهاون أكبر عامل فى فتح المدينة. كان المدفع الضخم من اختراع اثنين هما: «مصلح الدين» و «أوربان» - و «أوربان» هذا مختلف فى أصله هل هو مجرى أو رومانى - وكان المدفع ضخمًا جدا، وكانت تُسمع طلقاته من مسافة (25ميلا) وقذيفته من الحجر والبارود تبلغ زنة القذيفة الواحدة (1500) كيلو جرام، يصل مداها إلى مسافة ميل. يقول «أدارى مونتالدو»: «إن عدد المدافع التى صبها كل من مصلح الدين وأوربان قد بلغ 200 مدفع». وعندما كان المدفع ينقل من «أدرنة» العاصمة إلى «القسطنطينية» ليستقر أمام أسوارها كان لزامًا على العثمانيين توسعة طريق «أدرنة - القسطنطينية» وقام بهذه العملية (50) مهندسًا ومائتا عامل،

وكان يجر المدفع (60) جاموسة، ويسند المدفع من على جانبيه (400) رجل قوى، (200) على كل جانب، وذلك حتى لا ينزلق المدفع يمنة أو يسرة أثناء مروره. ولقد لعبت مدافع الهاون دورًا ملحوظًا فى الحصار سواء فى الضرب أو فى عمليات التمويه، وبسبب هذه المدافع حدث التحول الكبير فى «أوربا». السلطان بايزيد الثانى: انفرد «بايزيد الثانى بن محمد الفاتح» بالسلطة بعد نزاع بينه وبين أخيه «جم»، وكان الأخوان قد اختلفا بعد وفاة والدهما فى (4 من ربيع الأول سنة 886هـ= 3 من مايو سنة 1481م)، وانتهى الصراع بينهما لصالح «بايزيد»،وفر «جم» إلى «القاهرة»، ثم إلى «فرنسا»، ثم إلى «إيطاليا»، وقد تكفل أخوه «بايزيد» بالإنفاق عليه فى كل مكان ذهب إليه، وقد حاول بابا روما استخدام الأمير «جم» أداة ضغط على الدولة العثمانية، لكنه لم يعش طويلاً. عُرف «بايزيد» بلقب الولى أو الصوفى، لأن حروبه ضد «أوربا» لم تكن فى مستوى من سبقوه فى حكم الدولة العثمانية، لكن كانت له حملات على «المجر» و «البغدان» و «بلجراد»، كما كانت له معارك فى «الأناضول»، وصدام مع المماليك، لكن «يحيى الثالث» سلطان «تونس» قام بالوساطة بين الدولتين. وقامت فى عهده أول حملة عثمانية فى غربى «البحر المتوسط»، بهدف مساعدة المسلمين فى «الأندلس»، ودخلت هذه الحملة المياه الإسبانية، واستولت على ميناء «مالقة» الذى كان الإسبان قد استولوا عليه من مسلمى «الأندلس» قبل أشهر. وبعد سقوط «غرناطة» فى أيدى الإسبان سنة (897هـ= 1492م) انتشر نحو (300) ألف مسلم على سواحل «إسبانيا»، وقد قامت السفن العثمانية بنقل هؤلاء إلى «فاس» و «الجزائر»، وأنقذتهم من المصير المؤلم الذى تعرَّض له المسلمون بالداخل، وظلَّت هذه الحملات تتتابع، وقاد أغلبها «كمال رئيس» نحو (23) سنة حتى استشهد أثناء عودته من حملة على «إسبانيا» سنة (917هـ= 1511م). عقد «بايزيد الثانى» صلحًا مع «أوربا» لمدة عشرين سنة تقريبًا،

وكان السبب فى ذلك انشغال الدولة العثمانية بتحركات الشاه «إسماعيل الصفوى»، الذى جعل «إيران» دولة شيعية، وكوَّن جيشًا قويا، ووسع حدوده، وتفوق على المماليك عسكريا واقتصاديا، وعمل على التوسع على حساب الدولة العثمانية، والتحالف مع «أوربا» ضد العثمانيين، وحاول التحالف مع «مصر» ضد الدولة العثمانية، لكن المماليك فى «مصر» رفضوا ذلك. حدثت مناوشات بين الشاه «إسماعيل الصفوى» وبين «سليم ابن السلطان بايزيد» والى «طرابزون»، كان النصر فيها حليف «سليم بن بايزيد»، فأثار ذلك حفيظة الشاه، فاشتكى إلى السلطان «بايزيد» من ابنه، فأمر بإعادة الأراضى التى استولى عليها إلى الصفويين. وقد أدَّى هذا التصرف إلى استياء «سليم بن بايزيد» من والده، وشكه فى مقدرة والده على التصدى للدولة الصفوية، فقام بانقلاب على والده، بمساعدة الجنود الإنكشارية، التى سارت بالأمير «سليم» إلى «إستانبول»، وطلبوا من السلطان «بايزيد» التنازل عن عرش السلطنة لابنه «سليم»، فقبل واستقال فى يوم (8 من صفر سنة 918 هـ= 25 من أبريل سنة 1512م). نظام الحكم: كانت سلطة اتخاذ القرار فى الفترة الأولى من تاريخ الدولة العثمانية تتمثل فى الديوان الهمايونى فى العاصمة، وفى الديوان فى الولايات. والديوان الهمايونى ( Divan imeperiel) اسم أطلق على الديوان الذى يجتمع برئاسة السلطان، لينظر فى أمور الدولة ذات الأهمية الأولى، وهو امتداد حضارى لهذه المؤسسة منذ عهد السلاجقة ثم الإيلخانيين والدول التركية الأخرى، ومثله فى ذلك مثل الديوان العالى عند السلاجقة والديوان الكبير عند الإيلخانيين والديوان السلطانى عند المماليك. كانت مهمة الديوان الهمايونى دراسة أمور الدولة السياسية والإدارية والعسكرية والعرفية والشرعية والعدلية والمالية، كما كانت مهمته النظر فى الشكاوى والقضايا، واتخاذ القرار بشأنها، وكان الديوان

مفتوحًا لكل من يتمتع بحماية الدولة العثمانية مهما يكن دينه أو ملته، ومهما يكن عرقه أو مكان موطنه فى الدولة، ومهما تكن مهنته أو الطبقة الاجتماعية التى ينتمى إليها، كما كان الديوان مفتوحًا لكل رجل أو امرأة يتعرض للظلم، أو لمن صدر حكم من القضاة المحليين ضده ويرى خطأ هذا الحكم، أو لمن يشكو الولاة أو الجنود أو الضباط، أو لمن وقع عليه ظلم القائمين على الأوقاف. وكانت الشئون الإدارية والعرفية فى الديوان من اختصاص «الوزير الأعظم»، أما الشئون الخاصة بالأراضى فكانت من اختصاص «النشانجى» (التوقيعى)، أما الشئون الشرعية والقانونية فكانت من اختصاص «قاضيى عسكر»، أما الشئون المالية فكانت من نصيب «الدفتردار»، وكانت القرارات التى يتخذها والأمور التى ينظرها تسجل بدفاتر تسمى «مهمة دفترى» و «رءوس دفترى» و «نامه» و «عهد نامه» ثم تُمهر بخاتم السلطان الذى يكون عادة فى عهدة الوزير الأعظم، ثم تودع فى «الدفترخانة». ويتشكل الديوان الهمايونى من أعضاء دائمين (الأعضاء الطبيعيين)، وأعضاء مؤقتين. الأعضاء الدائمون: هم السلطان والصدر الأعظم أو الوزير الأعظم وقاضيا العسكر والنشانجى (وهو التوقيعى أو الطغرائى) والدفتردار. الأعضاء المؤقتون: هم أمير أمراء الروملى (إذا كان موجودًا فى العاصمة)، وأغا الإنكشارية، وقائد الأسطول (إذا كان حائزًا على رتبة الوزير فيكون عضوًا دائمًا)، وشيخ الإسلام (إذا دعى للحضور). هذا بالإضافة إلى المساعد (الكادر) وأهمهم رئيس الكُتاب والتذكرجى وجاووش باشى والكُتاب. ويستطيع السلطان استخدام سلطاته أو إحالتها إلى الوزير الأعظم. سلطات الديوان الهمايونى: 1 - السياسية: يتمتع «الديوان الهمايونى» بأعلى سلطة فى الدولة بعد السلطان، ومهمته المحافظة على نظام الحكم وضمان ملائمة جميع أجهزة الدولة لهذه السلطة، ومنع القيام ضدها، وهوصاحب المسئولية فى اتخاذ ما

يراه كفيلا للقيام بمهمته، خاصة أن هذا الديوان يمثل قوى رأس الدولة كلها. وتنقسم سلطة الديوان الهمايونى السياسية إلى قسمين: داخلية وخارجية: أ - السياسة الداخلية: السلطة السياسية الداخلية التى يمارسها الديوان الهمايونى هى حماية الشريعة الإسلامية، وإعلاء الإسلام، وسحق كل حركة تقوم ضده، واستقبال من أسلم حديثًا، وإقرار رواتب لهم من الدولة، كل حسب وضعه الاجتماعى، وتقديم هدايا مناسبة لهم وحمايتهم من تدخل سفراء الدول التابعين لها، وعدم تسليمهم لهم عند مطالبة هؤلاء السفراء بتسليم المهتدين حديثًا إلى الإسلام لهم، فى حالة ما إذا كان هذا المسلم حديثًا من مواطنى دولة أخرى، أما إذا كان من مواطنى الدولة العثمانية فالديوان يستقبلهم ويوزع عليهم هدايا ويربطهم برواتب منتظمة من الدولة، كما كان يتخذ تدابير شديدة ضد من يرتد عن دينه من المسلمين. ب - السياسة الخارجية: كانت السياسة الخارجية العثمانية التى ينفذها الديوان الهمايونى تتلخص فى الآتي: نشر الإسلام بكل ما تستطيعه الدولة من إمكانات وبتعبير آخر: «تحويل دار الحرب إلى دار إسلام»، وكان هذا أحد أهم الأهداف السياسية الخارجية العثمانية التى يتولى تنفيذها الديوان الهمايونى. وقد نجحت هذه السياسة الخارجية نتيجة توسيع حدود الدولة العثمانية، وهذا يعنى نشرها للإسلام، ولم تتوقف حروب الفتح إلا منذ أواخر القرن السادس عشر الميلادى، ومنذ ذلك الحين جعل الديوان الهمايونى هدفه فى السياسة الخارجية حماية الأراضى المفتوحة والدفاع عنها. ومع تداخلات الدول الأوربية فى السياسة الخارجية العثمانية وإرسال هذه الدول سفراء مؤقتين ثم سفراء دائمين لها فى إستانبول أصبح السفراء يقدمون رسائلهم إلى الديوان الهمايونى، ويحصلون على أجوبتها فى مراسم رسمية يوضحها «قوجى بك» فى رسالته المشهورة، وكان للسفراء الأجانب أن يقدموا شكاوى للديوان

الهمايونى إذا حدث إخلال بالاتفاقات المعقودة بين بلادهم وبين الدولة العثمانية التى تسمى فى «عهد نامه»، وكان الديوان يحقق فيها ويعدل. وكان لهذا الديوان حق تعيين العثمانيين فى المناصب الدبلوماسية، وكانوا غالبًا من البيروقراطيين العاملين فيه. أما أهم سلطات الديوان الهمايونى فكان إعلان الحرب، وكان المعتاد أن يحيل السلطان قرار الحرب إلى الديوان الهمايونى لدراسته واتخاذ اللازم لتنفيذه، وكان هذا القرار أحيانًا يُتخذ فى الديوان الهمايونى. 2 - الإدارية: كان التفتيش على جميع الأعمال الإدارية فى البلاد من سلطات الديوان الهمايونى وهو فى ذلك - بعد السلطان - السلطة الأولى فى البلاد وعليه محاكمة الموظفين إذا لزم الأمر. وإن كان توجيه المناصب إلى حدّ معين من اختصاص الجهات الإدارية الأخرى، مثل: تعيين القضاة الذى هو من اختصاص قاضى العسكر؛ فإن التعيين فى بعض المناصب مثل منصب «صوبا شى» المدن الكبرى من اختصاص الديوان الهمايونى. وإذا صدر قرار بتعيين شخص فى منصب وتظلَّم من هذا التعيين أو النقل فمن حقه مراجعة الديوان الهمايونى، وللديوان فى هذه الحالة الأمر بإجراء التحقيقات وعمل اللازم. ومن السلطات الإدارية لهذا الديوان أيضًا حماية أهل الذمة فى البلاد من تعديات الإداريين وإعادة الحق إليهم ومعاقبة المسئولين عن ذلك. وكانت خيوط المركزية الإدارية فى الدولة تتجمع فى هذا الديوان، مثال ذلك: أن الديوان طلب من أجهزة الدولة المسئولة عمل قوائم بكل الموجودين داخل حدود الدولة العثمانية وتسليمها إلى الديوان الهمايونى وتجديدها كل ثلاثين عامًا، وأن على المسئولين عن هذا تسجيل الوفيات والمواليد خلال هذه الأعوام الثلاثين، وهو ما يعرف اليوم بالإحصاء العام. 3 - المالية والاقتصادية: والديوان الهمايونى هو سلطة الفصل العليا فى الأمور الاقتصادية والمالية على أعلى مستوياتها فى الدولة، فالوزير الأعظم

والدفتردار عضوا الديوان الطبيعيان، وهما صاحبا السلطة الأولى فى الدولة - بعد السلطان - فى التصرف فى الأمور المالية، ومن مهام الديوان الطبيعية الضرائب والاقتصاد والمال. أما عن الضرائب: فمهمة الديوان تحرير موارد البلاد المفتوحة بدقة وعناية فائقتين، والإشراف المباشر سنويا على الضرائب التى من حق الخزينة العامة، وتسلم دفاتر الضرائب التى تُحصَّل سنويا من جميع أرجاء البلاد، ويكتب منها نسختان: نسخة فى مركز الولاية، ونسخة أخرى ترسل إلى «إستانبول» لتسلَّم إلى الديوان الهمايونى. والقوانين التى تسن لجمع الضرائب تعد فى الديوان الهمايونى ويقوم بإعدادها التوقيعى (النشانجى) ومجموعة مساعديه، وينظر الديوان فى مدى مطابقة هذه الضرائب للعدالة الضريبية بناءً على مدى مطابقتها للشرع الإسلامى. ويتساوى فى هذا جميع أنواع الضرائب، ومن أهمها ضرائب الجمارك التى يتابعها الديوان بدقته المعهودة، حتى إنه يتدخل فورًا إذا قدمت له شكوى تخص تحصيل هذه الضرائب بغير وجه حق إلى أبسط أنواع الضرائب وأخفها. وعلى الديوان الهمايونى ضمان عدم تحصيل الضرائب من الذين لا تحصل منهم مثل: رجال الدين الذميين، ومجازاة المرتشين - إذا وجدوا - فى عمليات جمع الضرائب، والعمل على عدم إهدار المال العام واتخاذ التدابير الصارمة فى هذا السبيل، واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية البائع والمستهلك على حد سواء، ومراقبة أعمال قطع الأشجار وأعمال المحافظة على الخضرة. ومن مهام الديوان الهمايونى أيضًا اتخاذ التدابير الضرورية لتطور اقتصاد البلاد، والعمل على عدم سيطرة تجار معينين على تجارة البلاد واحتكارهم لها، وعدم تخزين البضائع والمواد الضرورية فى الوقت المناسب ثم بيعها بعد ذلك بأسعار باهظة، والقضاء على التهريب وحصر ثروة السلطان إذا توفى وغير ذلك. أعضاء الديوان الهمايونى الطبيعيون (غير السلطان) هم: - الوزير الأعظم:

وتتلخص سلطاته فى أنه وكيل السلطان وحامل خاتمه، وكان يعين فى أوائل الحكم العثمانى من طبقة العلماء، ومنذ عهد «مراد الأول» (791 - 794 هـ = 1389 - 1392م) كثر عدد الوزراء، ولذلك سمى أولهم الوزير الأعظم، وكانت له رئاسة الديوان الهمايونى نيابة عن السلطان فى حالة عدم وجوده، وسلطة تعيين العلماء ومن على شاكلتهم وعزلهم وترقيتهم، وله فى أوقات الحرب سلطة السلطان فى كثير من الأمور. ولابد أن يشترك مع السلطان فى الحرب، فإذا ترك السلطان الحرب لسبب أو لآخر يتولى الوزير الأعظم قيادة الجيش نيابة عن السلطان، وفى أثناء ذلك يحمل لقب «السردار الأكرم»، ويترك فى حالة الحرب فى مكانه موظفًا فى البلاد يسمى «قائمقام الصدارة» أو «قائمقام الركاب الهمايونى» يرأس الديوان الهمايونى فى العاصمة بدلا من الوزير الأعظم بمقتضى بنود القانون. - قاضيا العسكر: وموقعهما فى البروتوكول خلف الوزير الأعظم مباشرة، وهما اثنان: قاضى عسكر الأناضول وقاضى عسكر الروملى (البلقان)، وكانا يستمعان إلى الشكاوى، ويجلسان على يسار الوزير الأعظم فى الوقت الذى يكون فيه بقية الوزراء على يمينه، وكان عليهما حل المسائل الشرعية، ويمثلان العلماء؛ إذ إن شيخ الإسلام لم يكن عضوًا بالديوان الهمايونى. وأهم عمل لهما فى الديوان الاستماع إلى القضايا المعروضة. - النشانجى: ويسمى بالتوقيعى وأحيانًا بالطغرائى والمعنى الحرفى لعمله: «هو الشخص الذى يختم الفرمانات السلطانية بالطغراء»، لكن سلطاته كانت أوسع من ذلك، فهو الذى يعد الفرمانات من حيث صياغتها، ويكتب بنفسه أهم الفرمانات، وعليه تثبيت قواعد الحقوق العرفية الواجب وضعها أو تغييرها، والمراجعة الأخيرة لما يعده الدفتردار من وثائق. ونظرًا لأهميته فى الديوان فقد كان اختياره من العلماء ثم من بعد ذلك من الكتّاب البارزين، ولم يكن لشيخ الإسلام ولا لقاضى العسكر دخل فى اختيار النشانجى أو تعيينه. - الدفتردار:

وله سلطة خاصة وهو وكيل السلطان فى مال الدولة، وميدان عمله الأمور المالية فى الدولة، ومن واجباته فتح الدفترخانة والخزانة، ويعرض على السلطان مسائله عقب اجتماع الديوان فى أيام الثلاثاء. القوة العسكرية ومدى تفوقها: منذ بداية نشأة الدولة العثمانية بدأ الاهتمام بالجيش، وقد كون السلطان «أورخان» ثانى السلاطين العثمانيين «العسكر الجديد»، أو ما عرف فيما بعد بالإنكشارية، وتعد أشجع فرق الجيش العثمانى، إذ كان جنودها يربون تربية خاصة منذ صباهم، وقد اهتم السلاطين العثمانيون بتطوير الجيش وأخذه بأحدث أساليب القتال، وكونت فرق الطوبجية (المدفعية) وفرق الفرسان المهاجمة، وغيرها. ولتفوق العثمانيين فى المدفعية كان لهم النصر فى كثير من المعارك التى خاضوها ضد أعدائهم. وكان أكثر السلاطين العثمانيين اهتمامًا بالجيش وأكثرهم تطويرًا له السلطان «محمد الفاتح» - طيب الله ثراه - فقد أنشأ مصانع الذخيرة، وأدخل إصلاحات جديدة فى الجيش، ويمتاز السلطان «محمد الفاتح» عمن سبقه من السلاطين أنه إلى جانب اهتمامه وعنايته بتنظيم وتنمية قوات الجيش البرى أولى اهتمامًا كبيرًا وعناية عظيمة للقوة البحرية، وقد حثه على تنمية الأسطول العثمانى ما رأى عليه دولة «البندقية» (فينسيا)، من قوة وثراء، بفضل أسطولها البحرى، ولذلك لم يدخر السلطان «محمد الفاتح» وسعًا فى سبيل تنمية القوة البحرية وإدخال أسباب التحسين عليها؛ فأمر باتخاذ سفن «البندقية» و «جنوة» - أكبر الدول البحرية فى ذلك العهد - نماذج تبنى على مثالها السفن العثمانية، وقد رأينا -فيما سبق - أن هذا الأسطول ساعد «محمداً الفاتح» فى فتح «القسطنطينية» وفى فتوحاته البحرية فى بحر «إيجة»،وكذلك فى إنزاله جيشه فى جنوب «إيطاليا». وقد بلغ الجيش العثمانى بقسميه البرى والبحرى أقصى قوة له فى القرن العاشر الهجرى، وذلك فى عهد الخليفة السلطان «سليمان

القانونى» حتى غدا الجيش البرى أقوى جيش على الساحة الأوربية، كما أن الأسطول العثمانى كان يتكون فى عهده مما يزيد على ألفى مركب حربى وكان الأسطول العثمانى مهيمنًا على معظم «البحر المتوسط»؛ إذ كان يستطيع النزول فى أى شاطئ من شواطئه، ولذلك فتح العثمانيون «نيس» على شاطئ «فرنسا» ونزلوا عدة مرات فى شواطئ «إيطاليا»، وأغاروا على شواطئ «الأندلس» (إسبانية) منقذين كثيرًا من مسلميها الفارين بدينهم من محاكم التفتيش النصرانية، وقد حاول الأوربيون تدمير هذا الأسطول، فاجتمعت سفن البابا و «البندقية» و «إسبانيا» عليه لكنهم فشلوا، أما الجيش البرى فقد بلغ سور «فيينا» واستولى على كثير من مدن وقلاع «البلقان» كتيمسوالا (غرب رومانيا حاليا) و «بودا» عاصمة «المجر»،و «أنجرا» فى شمال «المجر» وغيرها.

8 - 3:تحول السلطنة إلى خلافة

الفصل الثالث *تحول السلطنة إلى خلافة أسباب تحول العثمانيين من التوسع فى أوربا إلى الأراضى الإسلامية: يتساءل المؤرخون العرب عن السبب الذى جعل العثمانيين يتركون جهادهم فى الميدان الأوربى، ويتجهون إلى ميدان الشرق الإسلامى ليحاربوا فيه ويفرضوا عليه سلطانهم، وكان الأولى بهم الحرب فى «أوربا» حيث التكتل الصليبى ضد العثمانيين المسلمين، ويمكن إجمال السبب فى ذلك فى شقين: أ - ازدياد النمو الشيعى فى «إيران» و «العراق»، وتهديد الدولة الصفوية للعثمانيين، وضربها لدولتهم من الخلف أثناء انطلاقاتها فى «أوربا». ب - تنامى الخطر البرتغالى فى الخليج العربى وتهديدهم للأراضى المقدسة فى الجزيرة العربية، وعجز المماليك عن مواجهتهم. علاقة السلطان سليم بالدولة الصفوية: أرسل الشاه «إسماعيل الصفوى» دعاته لنشر المذهب الشيعى فى «الأناضول»، وما لبثوا أن وجدوا بعض المؤيدين، ثم قامت جماعة «القيزيل باش» أى العلويين فى منطقة «إنطاكية» العثمانية بالتمرد على سلطة الدولة العثمانية، استجابة لأوامر من الشاه «إسماعيل» نفسه، وقاد هذا التمرد شخص عرف باسم «شاه قولو» أى «عبد الشاه»، وكان هذا التمرد رهيبًا، استخدم العثمانيون فيه كل قوتهم حتى نجحوا فى إخماده بقيادة «سليم بن السلطان بايزيد» والى إمارة «طرابزون» القريبة من «إيران». وحدث الصدام الأول بين «سليم بن بايزيد» والصفويين، عندما احتل «سليم» أربع مدن من مخلفات إمبراطورية «الآق قوينلو»، وأرسل الشاه «إسماعيل» الذى يدعى أنه وريث تلك الإمبراطورية المنهارة أخاه «إبراهيم ميرزا» على رأس جيش لاستعادة تلك المدن، لكنه هزم أمام «سليم» الذى دمَّر جيشه وأوقعه فى الأسر. وأدَّت انتصارات «سليم» إلى إكسابه مكانة كبيرة وتقديرًا وإعجابًا فى نفوس الناس، حتى نظمت فيه قصائد شعبية، غير أن السلطان «بايزيد» أمر ابنه «سليمًا» أن يطلق سراح أخى الشاه، ويترك المدن

الكبرى التى استولى عليها، بناءً على شكوى من الشاه «إسماعيل»، ولم يلقَ هذا التصرف قبولاً لدى الجيش أو الشعب، ثم تطورت الأمور، وأجبر الجيش السلطان «بايزيد الثانى» على التخلى عن العرش لابنه «سليم الأول». ولما تولَّى «سليم الأول» الحكم سنة (918هـ= 1512م)، جاءته الرسل من كل الأنحاء لتهنئته، ولم يحضر أحد من «إيران» الصفوية، فزاد ذلك من شقة الخلاف بين الدولتين، وتطور الأمر بينهما إلى الاحتكام إلى السيف، فالتقى العثمانيون مع الصفويين فى (2 من رجب 920هـ= 23 من أغسطس سنة 1514م) فى معركة «جالديران»، فانتصر «سليم»، وهزم الشاه «إسماعيل»، الذى هرب ناجيًا بحياته، وترك زوجته فى الميدان، ودخل «سليم» العاصمة الإيرانية «تبريز». وفى طريق العودة ضم «سليم» إلى دولته أراضى «ذى القادر»؛ لأن حاكمها «علاء الدين»، التابع لدولة المماليك رفض مساعدة «سليم» عندما كان فى طريقه لمحاربة الصفويين، مما وتّر العلاقة بين العثمانيين ودولة المماليك، وقام بينهما عداء سافر، ساعد فيه الاتفاق بين دولة المماليك فى «مصر» و «الشام» وبين الصفويين ضد العثمانيين، وزاد الأمر تعقيدًا عثور العثمانيين على خطاب يؤكد العلاقة الخفية بين المماليك والصفويين، وهذا الخطاب محفوظ الآن فى أرشيف متحف «طوب قابو» فى «إستانبول». علاقة السلطان سليم بالمماليك: برزت أمام السلطان «سليم الأول» عدة أسباب استراتيجية، جعلت الصدام مع المماليك أمرًا ضروريا، فأى اتفاق بين المماليك و «أوربا» سيفتح الباب أمام حملة صليبية جديدة، ويضع الدولة العثمانية فى مأزق، كما أن البرتغاليين بعد معركة «ديو» سنة (915هـ= 1509م) أصبحوا هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى إنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف «مكة» و «المدينة»، وفى الوقت نفسه كانت حالة دولة المماليك الاقتصادية والسياسية والعسكرية سيئة، لا تسمح لهم بحماية المقدسات الإسلامية.

ولم يغب عن ذهن السلطان «سليم الأول» أن انتقال الخلافة إلى «بنى عثمان» يجعل منهم قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، ويحد من أطماع «أوربا» المسيحية فى الدولة العثمانية، ويقضى على الخطر البرتغالى فى جنوب «البحر الأحمر». وقد أدَّى وقوع الرسائل بين «قانصوه الغورى» سلطان المماليك، والشاه «إسماعيل الصفوى» إلى زيادة هوة الخلاف بين «الغورى» و «سليم» وقطع أى محاولة للحل السلمى بين المماليك والعثمانيين. موقعة مرج دابق وآثارها: أدرك «الغورى» أن الحرب بينه وبين العثمانيين واقعة لا محالة، فلجأ إلى تحريض أهل «دمشق» ليشتركوا معه فى حربه ضد العثمانيين، الذين اتهمهم بخيانة فكرة الجهاد الإسلامى فى «أوربا»، وأشاع أن السلطان العثمانى قد استعان بجنود من النصارى والأرمن؛ ليحارب بهم جند الله المجاهدين ضد البرتغاليين، ولكن يبدو أن هذا الأسلوب لم يلق نجاحًا كبيرًا بين أهل «دمشق»، لاقتناعهم بأن العثمانيين منذ قرون وهم يجاهدون فى الميدان الأوربى، ولم يتخلفوا عن إمداد المماليك أنفسهم بما يلزمهم لقتال البرتغاليين، مثلما حدث فى عهد السلطان «بايزيد الثانى». والتقى الجمعان على مشارف «حلب» فى «مرج دابق» سنة (923هـ= 1517م)، وحقق العثمانيون النصر، وقُتل السلطان «الغورى»،ودخل «سليم الأول» «حلب» ثم «دمشق» ودُعى له فى المساجد، وفتحت كثير من المدن الشامية أبوابها للعثمانيين دون مقاومة تذكر. وأرسل السلطان «سليم الأول» رسالة إلى «طومان باى» الذى خلف السلطان «الغورى» فى «مصر»، يعرض عليه فيها حقن الدماء، شريطة أن تكون «غزة» و «مصر» تابعتين للدولة العثمانية، ويحكمهما هو باسمها، ويدفع نظير ذلك خراجًا سنويا، لكن المماليك قتلوا رسول «سليم»، فلم يكن هناك بدٌّ من الحرب، وعزم «سليم» على اللقاء، فالتقى مع المماليك فى «غزة» و «الريدانية» وكان النصر فيهما حليفه، وأدى انتصار العثمانيين فى معركتى «مرج دابق»

و «الريدانية» إلى وقوع «مصر» و «الشام» و «الحجاز» و «اليمن» تحت حكم الدولة العثمانية. ويعود انتصار العثمانيين على المماليك إلى مجموعة من الأسباب، منها: - تفوق العثمانيين التكنولوجى، فسلاح المدفعية المملوكى كان يعتمد على مدافع ضخمة ثابتة لا تتحرك، على حين اعتمد سلاح المدفعية العثمانى على مدافع خفيفة يمكن تحريكها فى كل الاتجاهات. - سلامة الخطط العسكرية العثمانية ومرونتها، من ذلك استدارة القوات العثمانية من خلف مدافع المماليك الثقيلة الحركة، ودخولها «القاهرة» عن طريق المقطم، مما شل دور المدفعية المملوكية، وأحدث اضطرابًا فى صفوف الجيش المملوكى؛ لتدافعهم بلا انتظام خلف العثمانيين. - ارتفاع معنويات الجيش العثمانى. ودخل «سليم الأول» «القاهرة»، ونودى به سلطانًا وخليفة للمسلمين، وخادمًا للحرمين الشريفين، بعد أن تسلّم مفاتيح «مكة» و «المدينة»، وكان «سليم» كريمًا مع ابن أمير «مكة» «الشريف بركات»، الذى جاء يعلن خضوع «الحجاز» للدولة العثمانية، وفى «مصر» أعاد «سليم» تنظيم البلاد، وأصدر قانون «نامه مصر» لهذا الغرض. مسألة انتقال الخلافة إلى العثمانيين: عندما انتصر السلطان «سليم» فى موقعة «مرج دابق» أسر الخليفة العباسى «المتوكل على الله محمد بن المستمسك بالله» وكان فى صفوف جيش السلطان «الغورى»، وفى أول صلاة جمعة صلاها السلطان «سليم» فى الجامع الكبير بحلب، عُدَّ خليفة، وخطب له فى «سوريا» باعتباره خليفة للمسلمين، وسكت العملة باسمه. وتقول إحدى الروايات التاريخية: إن الخليفة المتوكل تنازل عن الخلافة لبنى عثمان فى مراسم جرت فى «آيا صوفيا» بعد عودته مع السلطان «سليم» إلى «إستانبول»، ويقول بعضها الآخر: إن الخليفة «المتوكل» قلد السلطان «سليماً» السيف وألبسه الخلعة فى «جامع أبى أيوب الأنصارى» بعد مراسم «آيا صوفيا»، وأنه اشترك فى هذه المراسم علماء الأزهر الذين سافروا إلى «إستانبول»، وعلماء

الدولة العثمانية، وأن الخلافة انتقلت إلى «بنى عثمان» بقرار هذا المجلس. اتسعت رقعة الدولة العثمانية فى عهد «سليم الأول» بعد أن ضمَّ إليها «مصر» و «الشام» و «الجزيرة العربية»، وبعد عودته إلى العاصمة «إستانبول» وجد فتنة شيعية قد اشتعلت فى منطقة «طوقاد» الأناضولية سنة (925هـ= 1519م)، فأرسل إليها أحد قواده فنجح فى إخمادها والقضاء عليها، وأعاد السكون إلى تلك المنطقة. وفى سنة (926هـ= 1520م) تُوفِّى «سليم الأول» من جرّاء خراج صغير فى ظهره. السلطان سليمان القانونى: تولى السلطان «سليمان القانونى» عرش الدولة العثمانية بعد موت والده السلطان «سليم الأول» عام (926هـ= 1520م) وحكم الدولة العثمانية مدة ست وأربعين سنة وهى أطول مدة حكم فيها سلطان عثمانى. كان عهد «القانونى» قمة العهود العثمانية سواء فى الحركة الجهادية أم فى الناحية المعمارية أو العلمية أو الأدبية أو العسكرية، وكان هذا السلطان يؤثر فى السياسة الأوربية تأثيرًا عظيمًا؛ حيث كانت الدولة العثمانية هى القوة العظمى دوليا فى زمنه، ونعمت بالرخاء والطمأنينة. بداية عهد القانونى: ابتلى «سليمان» فى السنوات الأولى من عهده بأربعة تمردات شغلته عن حركة الجهاد؛ إذ إن موت «سليم الأول» ثم جلوس ابنه على العرش وهو صغير السن أتاحا الفرصة لكى يظن الولاة الطموحون إلى الاستقلال أنهم قادرون على ذلك. فلما وصل خبر تولية «سليمان» العرش، إلى «الشام» وكان «جان بردى الغزالى» واليًا عليها من قبل الدولة العثمانية، تمرد وأشهر العصيان على الدولة. و «جان بردى الغزالى» هذا، قائد مملوكى، تعاون مع «سليم الأول» فى حربه ضد المماليك وكان أميرًا طموحًا وأودى به طموحه إلى أن ينقلب على المماليك ويتعاون مع «سليم»، فلما تولى «سليمان» أرسل «الغزالى» من «الشام» رسالة إلى «خاير بك» النائب العثمانى على مصر أوضح فيها الأول للثانى أن الوقت قد حان لإعادة الدولة

المملوكية وبعثها من جديد، إلا أن والى «مصر» العثمانى أرسل الرسالة هذه إلى العاصمة العثمانية ليطلع عليها السلطان «سليمان»، وهذه الرسالة موجودة الآن فى قسم الأرشيف بمتحف «طوب قابو سرابى». فأمر السلطان «سليمان» بقمع الفتنة فقمعت وأرسل رأس الثائر إلى «إستانبول» دلالة على انتهاء التمرد. أما التمرد الثانى: فقام به «أحمد باشا» الخائن فى «مصر» فى عام (930هـ= 1524م)، وكان يطمح إلى أن يشغل منصب الصدر الأعظم ولم يفلح فى هذا، لذلك طلب إلى السلطان أن يعينه واليًا على «مصر» فقبل السلطان. وما إن وصل «مصر» حتى حاول استمالة الناس، وأعلن نفسه سلطانًا مستقلا، لكن أهل الشرع فى «مصر» وكذلك جنود الإنكشارية لا يعرفون إلا سلطانًا واحدًا خليفة لكل المسلمين هو السلطان «سليمان القانونى»، لذلك ثاروا ضد هذا الوالى المتمرد وقتلوه وظل اسمه فى كتب التاريخ مقرونًا باسم الخائن. والتمرد الثالث ضد خليفة المسلمين تمرد شيعى علوى قام به «بابا ذو النون» عام (932هـ= 1526م) فى منطقة الأناضول؛ حيث جمع ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر، وفرض الخراج على المنطقة، وقويت حركته حتى إنه استطاع هزيمة بعض القواد العثمانيين الذين توجهوا لقمع حركته، وانتهت فتنة الشيعة هذه بهزيمة «بابا ذو النون» وأرسلت رأسه إلى «إستانبول». والتمرد الرابع ضد الدولة العثمانية فى عهد «سليمان القانونى» كان تمردًا شيعيا علويا أيضًا وكان على رأسه «قلندر جلبى» فى منطقتى «قونية» و «مرعش»، وكان عدد أتباعه (30.000) شيعى قاموا بقتل المسلمين السنيين فى هاتين المنطقتين. توجه «بهرام باشا» لقمع هذا العصيان فقتله العصاة، ثم نجحت الحيلة معهم؛ إذ إن الصدر الأعظم «إبراهيم باشا» قد استمال بعض رجال «قلندر جلبى»، فقلت قواته وهزم وقتل. الجهاد فى أوربا: بعد هذا هدأت الأحوال فى الدولة العثمانية وبدأ السلطان «سليمان» فى التخطيط لسياسة الجهاد فى «أوربا».

بدأ العثمانيون فى عصر «سليمان» فتوحاتهم فى «أوربا» بفتح أهم مدن «البلقان» وهى: «بلجراد»، التى كان المجريون يتولون حمايتها، وكانت علاقة العثمانيين بالمجريين فى هذا الوقت متوترة؛ إذ كان «سليمان» قد أرسل إلى ملك «المجر» رسولا يعلنه بتولى «سليمان» عرش العثمانيين، فقتل الملك المجرى رسول «سليمان» ويدعى «بهرام جاووش»، فأعلن السلطان العثمانى الحرب على «المجر»، وحاصرت القوات العثمانية «بلجراد» من البر ومن النهر وسلّمت «بلجراد» بعد شهر واحد من الحصار عام (927هـ= 1521م)، واتخذها العثمانيون قاعدة حربية تنطلق منها قواتهم فى فتوحاتهم الأوربية. وأثناء حرب «بلجراد» هذه استولى العثمانيون أيضًا على قلاع مهمة فى منطقة «بلجراد» مثل: «صاباج» و «سلانكامن» و «زملين». وبعد خمس سنوات من استيلاء العثمانيين على «بلجراد»، أخذ ملك «المجر» «لايوش» يجمع القوى الأوربية لمحاربة العثمانيين، وكتب إلى كل من «شرلكان» الإمبراطور الألمانى، و «فرديناند» الأرشيدوق النمساوى يطلب منهما التحالف معه ضد العثمانيين. وفى الوقت نفسه كان السلطان «سليمان القانونى» يستعد لمحاربة «المجر»، فتحرك بجيشه فى سنة (932هـ= 1526م) فى أكثر من (60) ألف جندى حتى وصل إلى «صحراء موهاج» المجرية، وهناك دارت معركة ضخمة من معارك الإسلام فى يوم (21 من ذى القعدة 932هـ= 29 من أغسطس 1526م)، هزم فيها العثمانيون الجيش المجرى، وكان من أرقى الجيوش الأوربية، ومعروف بفرسانه المدرعين، ولعبت المدفعية العثمانية دورها فى هذا النصر السريع الذى أحرزه الجيش العثمانى فى ساعتين، على الرغم من قطعه مسافات طويلة، حتى وصل إلى أرض المعركة. وقد تكبَّد الجيش المجرى خسائر هائلة فلم تقم له قائمة، فقد أسر العثمانيون حوالى (25) ألف جندى، وتعرض نحو (75) ألفًا للقتل أو للغرق فى مستنقعات «موهاج»، وكان الملك المجرى «لايوش» ممن مات غرقًا فى هذه المستنقعات.

وقد رفعت الرايات العثمانية فوق العاصمة المجرية «بشت»، ولم تكن قد عرفت باسمها الآن «بودابست»، وأعلن منها السلطان «سليمان القانونى» خضوع «مملكة المجر» للحماية العثمانية، وأصدر أمرًا بتعيين «جون زابوليا» أمير منطقة «أردل» المجرية ملكًا على «المجر»، وهو الذى تعرفه المصادر الشرقية باسم الملك «يانوش»، وعاد «سليمان» إلى «إستانبول» بجيوشه. بعد ثلاث سنوات من الحملة العثمانية لفرض الحماية الإسلامية على «مملكة المجر»، جاءت رسالة إلى «سليمان» من «يانوش» ملك «المجر» يقول فيها بأن أرشيدوق «النمسا» «فرديناند» يستعد لأخذ «المجر» منه، بعد أن قام الكثير من أمراء «المجر» بتأييده ملكًا على «المجر» بدلا من «يانوش»، واستولى «فرديناند» بالفعل على مدينة «بودين» من الملك المجرى التابع للعثمانيين. وفى (رمضان 935هـ= مايو 1529م) تحركت الجيوش العثمانية من «إستانبول» إلى «المجر» واستعاد «سليمان القانونى» مدينة «بودين» مرة أخرى، وفى احتفال مهيب توّج «القانونى» «جون زابوليا» ملكًا على «المجر». ثم أصر السلطان «سليمان القانونى» على محاربة «فرديناند»، فحاصرت القوات العثمانية فى (المحرم 936هـ= سبتمبر 1529م) مدينة «فيينا» عاصمة «النمسا»، واشترك فى الحصار مائة وعشرون ألف جندى وثلاثمائة مدفع، وقبل الحصار خرج ملك «النمسا» من عاصمته وانسحب بعيدًا عنها، وقامت معارك كبيرة أمام أسوار «فيينا» لكن الجيش العثمانى لم يتمكن من فتحها، إذ جاء الشتاء وبدأت المواد الغذائية تنقص، وعادت القوات العثمانية جميعًا دون التمكن من فتح «فيينا». وبعد ثلاث سنوات من بداية الحملة على «المجر» وحصار «فيينا»، قام السلطان «سليمان القانونى» بمحاربة «ألمانيا» (939هـ= 1532م) بسبب قيام أرشيدوق «النمسا» «فرديناند» بإرسال سفير إلى السلطان العثمانى يطلب منه الاعتراف به ملكًا على «المجر»، ولم يكتف «فرديناند» بذلك بل جرّد حملة وحاصر بها مدينة «بودين».

وقامت الحامية العثمانية فى هذه المدينة مع القوات المجرية المحلية بالدفاع عن المدينة. وصل السلطان العثمانى إلى «النمسا» مارا بيوغوسلافيا و «المجر»، وكانت القوات العثمانية المشتركة فى هذه الحملة تقدر بمائتى ألف، ولم يحاصر العثمانيون «فيينا» هذه المرة بل توجهوا لتأديب أسرة «هابسبرج» العريقة، لكن «آل هابسبرج» وقوادهم خافوا مواجهة السلطان «سليمان» العثمانى عندما علموا بوصوله، ولما لم يتحركوا للحرب أرسل «سليمان» إلى «فرديناند» رسالة كلها احتقار دفعًا لحماسه إلى الحرب، لكن «آل هابسبرج» لم يتحركوا وصدرت للمغيرين أوامر بالقيام بعمليات عسكرية سريعة فى داخل «ألمانيا» غنموا فيها وأسروا وانتصروا، وعندما حل الشتاء عادت الحملة العثمانية بأكملها إلى «إستانبول». أسفرت الحملة العثمانية على «ألمانيا» عن خوف «فرديناند» وإيمانه بأن لا قوة فى «أوربا» تستطيع التصدى لسليمان العثمانى، فاضطر «فرديناند» إلى طلب الصلح، فوافق السلطان بشرط أن يعترف بأن «بيانوش» ملك على «المجر» تحت الحماية العثمانية، وأن يدفع (30.000) دوقة ذهبية؛ جزية للدولة العثمانية. وفى الجبهة الأوربية، مات «يانوش» عام (947هـ= 1540م)، ولم يكن له إلا طفل صغير، فقامت الملكة «إيزابيلا» بالكتابة إلى السلطان العثمانى، تقول له: إنها تريد أن يكون ابنها هو الملك، وكانت تدرك أن «فرديناند» أرشيدوق «النمسا» يطمع فى ملك «المجر»، بل وتحرك وحاصر «بودين» فعلاً، وسريعًا ما تحرك جيش العثمانيين بقيادة السلطان «سليمان القانونى» نحو «بودين»، وما إن سمع النمساويون بقرب القوات العثمانية حتى تركوا حصار المدينة وهربوا، وعند انسحابهم كانت بعض وحدات العثمانيين بقيادة الوزير «محمد باشا» تلحق بهم الخسائر الفادحة أثناء انسحابهم. وفى عام (948هـ= 1541م) دخل السلطان «بودين» وأمر بتحويل أضخم كنائسها إلى جامع للمسلمين، كما أمر بإلحاق هذه المنطقة

المهمة من «المجر» بالدولة العثمانية تحت اسم «ولاية بودين»، وأمر بتعيين «سيجموند» الابن الطفل لملك «المجر» «يانوش»، أميرًا على إمارة «أردل» التى كان يحكمها أبوه قبل أن يصبح ملكًا على «المجر»، ثم عاد السلطان إلى العاصمة. لكن «فرديناند» لم يسكت، فقد أقنع البابا «بول الثالث» بضرورة تكوين حملة صليبية قوية لكى تستريح «أوربا» من العثمانيين بالتخلص منهم والقضاء عليهم، فتحركت هذه الحملة إلى «بودين» عام (949 هـ = 1542م)، وحاصرتها حصارًا محكمًا، لكنها فشلت فى الاستيلاء عليها، ولما وصلت أخبار هذه الحملة إلى السلطان «سليمان»، تحرك مرة أخرى عام (950هـ= 1543م) إلى «أوربا»،واستولى على أهم القلاع المجرية التى كانت فى يد النمساويين، وهما «استركون»، و «استولنى بلجراد». سليمان القانونى والدولة الصفوية: أما فى جبهة الدولة العثمانية مع عدوها الدولة الصفوية فنذكر ما يلى: فى عام (930هـ= 1524م) تولى الحكم فى الدولة الصفوية الشاه «طهماسب» ابن الشاه «إسماعيل»، وكان «طهماسب» عدوا للعثمانيين؛ فرغب فى التحالف مع القوى الأوربية لحصر العثمانيين بين القوتين والقضاء على دولتهم، فأرسل «طهماسب» إلى «شرلكان» سفيرًا يطلب منه التحالف معه، وكانت البداية الحقيقية للنزاع - هذه المرة - بين العثمانيين والصفويين، حين طلب «ذو الفقار خان» حاكم «بغداد» الدخول تحت الحماية العثمانية فأرسل له الشاه من يقتله عام (935هـ= 1529م)، ودخلت القوات الصفوية «بغداد». وعلى الجانب الآخر قام «شرف خان» حاكم «بتليس» بخيانة العثمانيين، وتحالف مع الصفويين، عندئذٍ أعلنت الدولة العثمانية الحرب على الصفويين، وتحرك الصدر الأعظم «إبراهيم باشا» فدخل «تبريز» دون مقاومة تذكر، ومن خلفه كان السلطان «سليمان القانونى» يقود الجيوش العثمانية إلى الهدف نفسه، ودخل «تبريز» عام (941هـ= 1534م)، ثم اتجه إلى «بغداد» فسلّمت القوات الصفوية

عام (941هـ= 1534م)، وكان «سليمان» قد استولى على «أذربيجان»، وعبر جبال «زاغروس» الإيرانية، ومنها إلى «بغداد»، وسميت هذه الحملة حملة العراقَيْن، أى «العراق العجمى» وهو «أذربيجان» و «العراق العربى». وبهذه الحملة دخلت «العراق» فى كنف الدولة العثمانية. وعندما انسحب العثمانيون استرجع الصفويون المنطقة؛ مما جعل السلطان يعزم على تأديب الصفويين مرة أخرى، وهذا ما سمى باسم الحملة الثانية على «إيران»، وكانت عام (955هـ= 1548م)، واسترجع فيها «تبريز»، وأضاف إليها قلعتى «وان» و «أريوان»، لكن انسحاب العثمانيين وعودتهم جعل الإيرانيين ينتهزون فرصة انشغال الدولة فى «أوربا»، ويعودون مرة أخرى، فقام «سليمان» بحملته الثالثة، ولم يحصل على نتيجة مباشرة؛ إذ إن «طهماسب» خاف من مجابهة الجيوش العثمانية، فلما عاد «سليمان» إلى بلاده وعند وصوله إلى «أماسيا» وصلت إليه رسل «طهماسب» للصلح، فقبل السلطان توقيع معاهدة «أماسيا» عام (963هـ - 1555م) وبموجبها تقررت أحقية الدولة العثمانية فى كل من «أريوان» و «تبريز» و «شرق الأناضول». سليمان القانونى وفرنسا: أما ما كان من أمر السلطان مع «فرنسا» فقد بدأ أول ما بدأ أثناء حروب «القانونى» فى «المجر»، فقد لبى السلطان طلب الدعم الذى تقدم به «فرانسوا الأول» ملك «فرنسا» وأمه، وأنقذه من ضغوط «شرلكان» عليه. أما لماذا قبل السلطان «سليمان القانونى» أن يساعد «فرنسا»؛ فذلك لأن الأوربيين كانوا ينظمون حملات صليبية على الدولة العثمانية، وعلى العالم الإسلامى، ولا يكلّون من هذا رغم هزائمهم المتكررة، فانتهز «القانونى» فرصة النزاع بين «شرلكان» و «فرانسوا» ملك «المجر» وفكر فى تحييد «فرنسا» وإبعادها عن المعسكر المسيحى واتخاذها مانعًا أوربيا ضد أى تجمع صليبى يستهدف العثمانيين. وبعد عودة السلطان «سليمان» من حملته البغدادية منتصرًا وقع مع «فرنسا» معاهدة عام (942هـ= 1535م)، منح بموجبها السلطان

لفرنسا بعض الامتيازات التجارية، مثل: إعطاء تخفيض جمركى خاص للسفن الفرنسية التى تصل إلى الموانئ العثمانية، وتم الاتفاق على أن هذه المعاهدة تسرى ما دام الحاكمون على قيد الحياة، لكن الفرنسيين نجحوا فى تجديدها كلما جدّ سلطان جديد حتى وصل الأمر إلى تثبيت هذه الامتيازات رسميا عام (1153هـ= 1740م). كان «القانونى» معوانًا لفرنسا، فقد أمدها بمعونات عسكرية، وأرسل قباطنته العظام مثل: «خير الدين بارباروس»، و «طورغود رئيس»، وتحت إمرتهما الأساطيل العثمانية إلى «فرنسا» لمؤازرتها. وفى عهد «القانونى» تم فتح «جزيرة رودوس» عام (928هـ= 1522م)، و «رودوس» ذات موقع استراتيجى مهم بالنسبة إلى الأناضول والدولة العثمانية، وكانت تضرب السفن التى تسير فى شرق «البحر المتوسط» بين «الأناضول» و «مصر» و «سوريا»، وسبق أن حاصرها السلطان «محمد الفاتح» ثلاث مرات فلم ينجح فى فتحها، وكان انتصار العثمانيين على فرسان القديس «يوحنا» الذين يحكمون الجزيرة انتصارًا هائلاً، حيث كانت «رودوس» أقوى قلعة بحرية فى ذلك الوقت. وبعدها سمح السلطان للفرسان المقاتلين بالخروج من «رودوس» بكل ما يستطيعون حمله فى سماحة وكرم. خير الدين بارباروس والدولة العثمانية: «خير الدين بارباروس» أحد أربعة أخوة اشتهروا فى التاريخ الإسلامى، وكانوا يعملون فى «البحر المتوسط»، وفى إحدى أسفارهم قتل فرسان «رودوس» أخاهم «إلياس»، وأسروا «أوروج» الذى استطاع الهرب، وراح يتنقل بين الموانئ، حتى استقر بجزيرة «جربة» الواقعة بين «تونس» و «ليبيا» سنة (919هـ= 1513م). وبمجيئه هو وأخيه «خير الدين» تغير سير تاريخ الشمال الإفريقى كله، حيث استطاعا أن يشتريا قسمًا من الساحل التونسى، ويؤسسا قاعدة للحملات ضد الصليبيين، وأقاما علاقات حسنة مع «قانصوه الغورى» سلطان «مصر»، و «أبى عبد الله الخامس» سلطان «تونس»، الذى وافق على إعطائهما قلعة «حلق الوادى»، وكانت ميناء

متحكمًا فى «خليج تونس»، مقابل إعطاء السلطان خمس الغنائم. ولما بدأت القوة البحرية للأخوين فى الاتساع أخذت تضرب السفن الصليبية على نطاق واسع، ونجحت فى الاستيلاء على مدينة «بجاية» سنة (922هـ= 1516م)، واتخذتها قاعدة بحرية للصراع مع قوة «إسبانيا» البحرية. وبعد استشهاد «أوروج»، المعروف فى المصادر التاريخية العربية باسم «عروج» فى إحدى معاركه، طلب أخوه «خير الدين» المعروف فى المصادر الأوربية باسم «بارباروس» أى «ذى اللحية الحمراء» مساعدة العثمانيين بعد استيلاء السلطان «سليم» على «مصر»، وقد أذن له السلطان بالحصول على ما يحتاج إليه من سواحل «الأناضول»، فى مقابل سيطرة الدولة العثمانية على «الجزائر»، وقيام «خير الدين» بحكمها نيابة عن السلطان. ولم تتمكن الدولة العثمانية من تنفيذ هذا الاتفاق بسبب انشغالها بغزو «جزيرة رودوس» وكان قراصنتها يأسرون أعدادًا كبيرة من السفن التى كانت تجلب الغلال والذهب من الولايات العربية وتنقل الحجاج إلى الأماكن المقدسة، وبغزو «المجر»، ومواجهة الصفويين، وبناء أسطول جديد يمكنه مواجهة البرتغاليين؛ لهذا آثر البحارة المسلمون فى الشمال الإفريقى الاعتماد على أنفسهم، إلى أن تتمكن الدولة العثمانية من مدّ يد المساعدة لهم. وقد قام «خير الدين» بسلسلة من الغارات على الأسطول الإسبانى، كما قام فى الوقت نفسه بسبع رحلات من «الجزائر» إلى ساحل «الأندلس»، تمكن خلالها من نقل (70) ألف مسلم أندلسى، فأنقذهم بذلك من الموت حرقًا باسم «محاكم التفتيش». اهتم السلطان «سليمان القانونى»، برفع نظام «الجزائر» من نظام اللواء العثمانى إلى نظام الإيالة (أى إقليم شبه مستقل)، وولَّى عليها «خير الدين بارباروس» سنة (925هـ= 1519م)، ووكّل إليه قيادة حملات غرب «البحر المتوسط». وقد حاول الملك الإسبانى القضاء على أسطول «خير الدين»، لكنه كان يتكبَّد فى كل مرة خسائر فادحة، ولعل أعظم انتصاراته البحرية

فى «البحر المتوسط» يتمثل فى موقعة «بروزة» سنة (945هـ= 1538م)، التى تعد من المعارك البحرية الخالدة فى التاريخ الإسلامى الحديث، فقد دعا البابا «بول الثالث» الجيوش الأوربية إلى الاتحاد ضد العثمانيين، وتكوَّن منهم تحالف بحرى ضمَّ أكثر من (600) سفينة و (60) ألف جندى، يقودها «أندريا دوريا»، وهو من أمهر القادة البحرية فى ذلك الوقت. وتكوَّن الأسطول الإسلامى من (122) قطعة بحرية، و (22) ألف جندى، والتقى الأسطولان فى (4 من جمادى الأولى945هـ= 28 من سبتمبر 1538م) أمام «بروزة»، ولم تستمر المعركة أكثر من خمس ساعات تمكَّن فى نهايتها «خير الدين» من حسم المعركة لصالحه، وفر القائد «أندريا دوريا» هربًا بحياته. ونظرًا لجهود «خير الدين» وانتصاراته التى حققها قام السلطان «سليمان القانونى» بتعيينه فى القيادة العامة للقوة البحرية العثمانية وناظرًا للحربية، واستقدمه إلى «إستانبول» مع طاقمه المكون من تسعة عشر أميرلاى. وتُوفى «خير الدين» فى «إستانبول» سنة (953هـ= 1546م)، تاركًا أسطوله الذى بناه بأمواله للدولة، وترك أموالا وفيرة أوقفها لأعمال الخير، واستطاع خلفاء «خير الدين» من بعده أن ينتزعوا من الإسبان ما احتلوه من «الجزائر» باستثناء «وهران» التى بقيت فى أيديهم حتى القرن الثامن عشر. فتح ليبيا: كانت «طرابلس الغرب» فى تلك الفترة تحت حكم فرسان «مالطة» المسيحيين، فأصدر السلطان «سليمان القانونى» أوامره إلى قبطان «البحر العثمانى» «طورغود رئيس» بتخليص «طرابلس الغرب» من النفوذ المسيحى، فقام بمحاصرة «طرابلس الغرب» بأسطوله حصارًا شديدًا فاضطرت حاميتها المسيحية إلى التسليم فى سنة (959هـ= 1552م)، وعين السلطان القبطان «طورغود رئيس» واليًا على «طرابلس الغرب». الحملات البحرية العثمانية فى الخليج العربى والمحيط الهندى: واجه العثمانيون نفوذ البرتغاليين فى «المحيط الهندى» و «الخليج

العربى»، وكانت تلك المواجهة أحد الأسس الثابتة فى السياسة الحربية للعثمانيين، فاستولى «أويس باشا» والى «اليمن» على «قلعة تعز» سنة (953هـ= 1546م)، ثم نجح فى ضم صنعاء، وفى الوقت نفسه حاصر «بيرى رئيس» «قلعة هرمز» التى كان يسيطر عليها البرتغاليون، لكنه لم ينجح فى الاستيلاء عليها، فدخل ميناء «بندر عباس» الإيرانى، واعترفت إمارات «عمان» و «قطر» و «البحرين» بتبعيتهم للدولة العثمانية، على حين ظلَّت مسقط تنتقل من السيطرة العثمانية إلى الاحتلال البرتغالى، حتى نجح العثمانيون فى إخراج البرتغاليين منها نهائيا فى سنة (1060هـ= 1650م). وقد أدت هذه السياسة فى مواجهة البرتغاليين إلى الحد من عربدتهم فى المياه الإسلامية، ولم يعد ممكنًا أن يجتاز البرتغاليون «باب المندب» وسط السيطرة العثمانية. وفاة السلطان سليمان القانونى: وفى (صفر 974هـ= سبتمبر 1566م) اشتد المرض بالسلطان «سليمان» وهو يحاصر مدينة «سيكتوار» المجرية، ثم تُوفى فى (20 من صفر سنة 974هـ= 5 من سبتمبر سنة 1566م) بعد أن قضى فى الحكم 46 عامًا قضاها فى توسيع دولته وإعلاء شأنها، حتى بلغت فى أيامه أعلى درجات القوة والكمال، وفى وضع النظم الداخلية للدولة حتى اشتهر بلقب «القانونى». نظام الإقطاع: لم يكن نظام الإقطاع الحربى أسلوبًا جديدًا ابتكرته العقلية العثمانية، ولم تكن أول من يستخدمه، بل إن المتصفح لصفحات التاريخ يجد أن هذا النظام عُرف على عهد الدولة السلجوقية التى كانت تحكم قبل الدولة العثمانية، كما أنه عُرف فى «مصر» على عهد الناصر «صلاح الدين الأيوبى» الذى نقله من «الدولة الزنكية» فى «الموصل» و «حلب»، ولكن الفرق بين النظام الإقطاعى فى «مصر» وفى الدولة العثمانية هو: أن «صلاح الدين الأيوبى» نجح إلى حد بعيد فى حماية الفلاحين الذين يخضعون لهذا النظام، فحدد الإيجارات والجبايات التى يدفعها من يعطى له الإقطاع، وكان يراقب

هذا مراقبة شديدة؛ منعًا لاستغلال العسكريين للفلاحين ولذلك أطلقت العبارة المشهورة: «إن السادة الإقطاعيين العسكريين فى العصر الأيوبى كانوا فى نعمة محدودة». كما أن هذا النظام ظل معمولا به على عهد دولة المماليك فى «مصر»، حتى إنه أطلق على ديوان الجيش اسم «ديوان الإقطاع». الإقطاع الحربى فى الدولة العثمانية: كان السلطان يمنح أرضًا زراعية لأفراد من سلاح الخيالة (الفرسان) يستقرون فيها، ويشرفون على زراعتها بمساعدة الفلاحين، الذين كانوا يتولون زراعتها بصفتهم مستأجرين، وذلك مقابل أن ينضموا إلى الجيش بخيولهم وأسلحتهم عند نشوب أى حرب، وكان على كل فارس من هؤلاء الفرسان أن يقدم إلى الجيش وقت الحرب عددًا من الفرسان، يتراوح بين اثنين وأربعة، بخيولهم وأسلحتهم، وكان عدد هؤلاء الفرسان الإقطاعيين يتناسب تناسبًا طرديا مع مساحة الإقطاع الحربى، ومع الإيراد الذى تغله هذه الأرض الإقطاعية، وكانت هذه الأراضى تسمى إقطاعات، وكان يطلق على من يحصل عليها عن طريق الإقطاع الحربى اسم «السباهية الإقطاعية»، وكان هؤلاء لا يتقاضون مرتبات نقدية من الحكومة، بل كانوا يعتمدون فى معيشتهم على المحاصيل الزراعية التى تغلها لهم الإقطاعات الممنوحة؛ ولذلك كانوا يمدون الفلاحين عادة بالماشية والبذور فى مقابل حصولهم على نصف المحصول، كما كانوا يعتمدون على حصيلة العشور وغيرها من الضرائب المقررة على الفلاحين - الأرض أو المحاصيل - ويقومون بجبايتها منهم لحسابهم، وكانت الإيرادات التى يستولون عليها يطلق عليها بالمصطلح التركى (ماله مقاتلهـ) بمعنى مال المقاتلة. وكانت الأراضى الإقطاعية تنقسم إلى: 1 - إقطاعات صغيرة نسبيا، وتسمى (تيمار)، وتحقق لصاحبها إيرادًا يبلغ ثلاثة آلاف أقجة، وهى عملة عثمانية من الفضة. 2 - إقطاعات أكبر مساحة من الأولى وتسمى (زعامت)، يمنحها السلطان للفارس إذا أظهر كفاية قتالية، وكان يطلق على صاحبها

(زعيم)، وكان هذا الإقطاع يدر ربحًا على صاحبه يصل إلى مائة ألف أقجة، وذلك مقابل أن يقدم للجيش وقت الحرب عددًا من الفرسان بخيولهم وأسلحتهم، وكان هذا العدد يتحدد بنسبة فارس عن كل خمسة آلاف أقجة. وكان هذان النوعان من الإقطاع الحربى يخضعان لنظام التفتيش الذى يقوم به موظفو الحكومة المختصون، ويسمون (الدفترداريين)، وكانت تربية الخيول والعناية بها وتدريبها تدريبًا متواصلاً أمورًا تعد فى مقدمة واجبات صاحب الإقطاع الحربى، فإذا تبين لموظفى الحكومة فى أثناء دوراتهم التفتيشية على الإقطاعات الحربية إهمال أو تراخٍ من صاحب الإقطاع فى تربية الخيول، كان هذا الإهمال أو التراخى سببًا كافيًا لانتزاع الإقطاع منه. وكانت الإقطاعات التى من نوع (تيمارات) و (زعامات) توجد فى ولايات الدولة المحكومة من «إستانبول» رأسًا، سواء فى «أوربا» أو فى «آسيا»، ومع ذلك فلم تطبق الدولة هذا النظام على جميع تلك الولايات، ومن الأقاليم التى طبق فيها نظام الإقطاع الحربى: «الروملى»، «بودا» (بودابست)، «البوسنة»، «طمسفار»، «ديار بكر»، «أرضروم»، «دمشق»، «حلب»، «بغداد»، «شهر زور»، «إيالات الأناضول»، «جزر الأرخبيل»، «فرمان»، «مرعش»، «سيواس». 3 - إقطاع أكبر مساحة من النوعين الأولين ويسمى (خاصا) وكان هذا الإقطاع يُمنح للولاة الذين فى الخدمة الحكومية، فإذا ما تركوا مناصبهم نتيجة الوفاة أو العزل أو الترقية إلى منصب آخر، نزع منهم الإقطاع (الخاص). وجدير بالذكر أن بعض (التيمارات) و (الزعامات) كانت تُمنح لبعض شاغلى المناصب الكبرى فى الدولة، فكانت تشبه الإقطاع (الخاص) الذى كان يرتبط بالمناصب. 4 - الإقطاعات السلطانية الخاصة: وكان يطلق على هذه الإقطاعات اسم (خواص همايون)،وكانت أكبر وأهم الإقطاعات جميعًا من حيث المساحة وجودة الأرض، وكان السلطان يمنح أجزاء منها لبعض أعضاء الأسرة الحاكمة من أميرات وسيدات من حريمه.

5 - إقطاعات اقتصادية: وكانت تخصص للإنفاق العسكرى على أفراد حرس الحصون، والسلاح البحرى، والحاميات المحلية وغيرها، وكان يطلق على هذا الإقطاع اسم (أوجاقلقات). كيفية توزيع الإقطاعات الحربية: - خمس مساحة الإقطاع على القسم الأول (التيمارات). - عشر مساحة الإقطاع على القسم الثانى (الزعامات). - خمس مساحة الإقطاع على القسم الثالث (الخواص). - عشر مساحة الإقطاع على القسم الرابع (الأجاقلقات). - خمس أوقاف. أهمية النظام الإقطاعى: ساعد هذا النظام على التوسع فى زراعة مساحات شاسعة من الأراضى داخل الأقاليم العثمانية فى «أوربا» وفى «آسيا»، وأدى إلى اطمئنان الدولة العثمانية؛ بسبب حرص أصحاب هذه الإقطاعات على بذل أقصى ما لديهم من جهد فى سبيل زراعة هذه المساحات، وحصول الدولة العثمانية على عدد كبير من الفرسان دون أى تكلفة تذكر، فقد كان كل صاحب إقطاع يجهز عددًا من الفرسان بتجهيزاتهم وأسلحتهم. النظام المالى: انقسم النظام المالى فى عهد الدولة العثمانية إلى قسمين، هما: 1 - ميرى، أى الدخل والمنصرف العام، ويتكون من: دخل الأرض الزراعية، والجزية، ورسوم التجارة، ويديره «دفتردار». 2 - خزنة، أى مخصصات السلطان، ويديرها «خزنة وكيلى»، ويتجمع دخلها فى «آل خزنة»، ويديرها موظفو السلطان الخصوصيون. ويضاف إلى النوع الأول ما كان يتبقى من مال الوقف و «الجزية» وكان يدفعها أميرا الأفلاق والبغدان. وكانت الأقاليم المشهورة بالخصب والحبوب مثل «مصر» ترسل هبة من القمح تمثل (12/ 1) من المحصول، وفى أغلب الأحيان لم يكن فى وسع الزراع تصدير القمح أو نقله إلى خارج حدود الإقليم، بل كانوا يجبرون على بيع الفائض عنهم للحكومة نظير ثمن محدد. وكانت تقع مصروفات القضاء على المتقاضين؛ إذ كان القضاة يأخذون رسمًا لأنفسهم بدلا من أخذهم رواتب من الدولة.

8 - 4:العثمانيون فى عهدهم الثانى

الفصل الرابع *العثمانيون فى عهدهم الثانى -الإصلاح عن طريق إحياء الإسلام: كانت الدولة العثمانية ملء السمع والبصر، وكانت القوة الدولية العظمى التى تؤثر فى مجرى الأحداث العالمية، وضمَّت بين جوانحها أقوامًا من مختلف الأجناس والأعراق واللغات، وامتد عمرها فى التاريخ قرونًا طويلة، وأثمرت حضارة مزدهرة، كانت خلاصة المدنية الإسلامية على مدى القرون التى سبقتها، ثم أتى على الدولة حين من الدهر وجدت نفسها لا تستطيع التقدم والفتح ومواصلة المد الإسلامى، بعد أن توغلت فى «أوربا»، فقد توقف السيل العثمانى أمام أسوار «فيينا» عاصمة «النمسا»، وعندئذٍ نظر العثمانيون إلى أنفسهم، وأيقنوا أن هناك خطأ يستوجب الإصلاح. وقد لاحظ علماء الدولة العثمانية ومصلحوها، ابتداءً من عهد السلطان «مراد الثالث» أن الفساد قد استشرى فى أجهزة الدولة، وكثر التمرد فى الأقاليم التابعة لها، وما صاحب ذلك من ثورة وفوضى وفتنة، بل وظهر التمرد والثورة فى عاصمة الخلافة نفسها، مما أحدث الخوف على سلامة الدولة ووحدتها السياسية، ولذا أصبحت هناك حاجة ماسة إلى الإصلاح، وضرورة ملحة لعلاج الخلل الذى بدأ يطل برأسه، ويكاد يعصف بالدولة ويعرض مكانتها وهيبتها للاهتزاز، وأصبحت هذه الحاجة هى الشغل الشاغل لجهاز الحكم فى عهد الخليفتين «عثمان الثانى»، و «مراد الرابع». واستند الفكر الإصلاحى فى بادئ الأمر إلى استلهام الإسلام ومبادئه ونظمه فى عملية إصلاح الخلل، وأيقن المصلحون العثمانيون أن تطبيق الشريعة الإسلامية فى مختلف مؤسسات الدولة سوف يعيد لها قدرتها، ويجدد شبابها ويبعث القوة والحيوية فى عروقها، فتنهض بعد تعثر، وتقوى بعد ضعف. وقدم هؤلاء المصلحون النصح والتوجيه إلى السلاطين العثمانيين فى صورة رسائل وتقارير تحمل أفكارهم، وكان فى مقدمة الناصحين الضابط العثمانى فى البلاط السلطانى «فوُى بك»، الذى قدم تقريرًا

إلى السلطان يقول فيه: «إن تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها بقوة وحزم هو العامل الأساسى فى وقف تدهور الدولة وحفظ الأمن، ووقف التمرد والفوضى فى البلاد، ومن ثم تستطيع الدولة التقاط أنفاسها؛ لتتفرغ لإصلاح نفسها، وأن المسلمين إذا استجابوا لدواعى الشرع بقوة سيرجعون إلى عهد الفتوحات». الإصلاح عن طريق الأخذ بالنموذج الغربى: وفى منتصف القرن الثانى عشر الهجرى بلغت الدولة العثمانية أشد حالات فسادها وضعفها، فى الوقت الذى كانت فيه «أوربا» تسير بخطى واثقة نحو التقدم والمدنية؛ لذا قام بعض المفكرين العثمانيين بالدعوة إلى ضرورة الاستفادة من التقدم الأوربى، والأخذ بأسباب حضارتهم؛ لضمان المحافظة على وحدة الدولة، وصون حياتها، والاطمئنان على دوامها واستمرارها. وأول حركة إصلاحية تبنت هذا المفهوم كانت فى عهد السلطان «أحمد الثالث» الذى يذكر فى المصادر العثمانية باسم «عصر زهور شقائق النعمان» دلالة على الأخذ بالمظهر دون الجوهر، وإشارة إلى الاهتمام الزائد والعناية الفائقة بهذه الزهور فى كل أنحاء العاصمة العثمانية. ويمثل هذا العهد بحركته الإصلاحية التى أخذت بالوجهة الغربية؛ بداية نفوذ الثقافة والحضارة الغربيتين فى الدولة العثمانية، وتجمع حول السلطان وصدره الأعظم بطانة من المثقفين المؤمنين بهذه الوجهة، وأن الحل يكمن فى الأخذ بالحضارة الأوربية، ولذا أرسلت الدولة سفراء إلى «باريس» و «فيينا» لتعرف حضارتيهما، ودراسة أسباب التقدم وعوامل النهضة هناك، ومن أشهر سفراء هذا العهد «محمد ُلبى» الذى سافر إلى «فرنسا» سنة (1132هـ= 1720م). وقد شجع هذا العهد العثمانيين على تقليد الغرب ومحاكاة الحياة الأوربية، فأخذ السلاطين يشيدون القصور الفخمة، وظهر فى البلاد نمط جديد من الحياة، يميل إلى الإسراف والعيش المترف، والشغف بارتداء الملابس الفخمة المحلاة بالجواهر والأحجار الكريمة.

وأدت هذه السياسة، بالإضافة إلى فرض الضرائب الباهظة، إلى ظهور حالة من الاستياء والشعور بعدم الرضا تجاه السلطان وإدارته، وساد البلاد نوع من العصيان الشعبى، ونفور المحافظين من فكرة الإصلاح الذى يستلهم النموذج الغربى، وفتح باب التحالف مع «الإنكشارية» للوقوف ضد كل إصلاح يتخذ «أوربا» مثالا يُحتذى، أيا كانت فائدته. وكان من أسباب الضيق بحركة الإصلاح هذه: احتلال أهل الذمة مواقع خاصة فى مؤسسات الدولة العثمانية، بحيث أصبحوا يتميزون عن الموظفين المسلمين. إصلاح الجيش: تنبه الساسة العثمانيون إلى أن ضعف الدولة يعود إلى عدم مسايرتها لنواحى التقدم التى شهدتها «أوربا»،وأثبتت لهم هزيمة الدولة المخزية فى حربها مع «روسيا» سنة (1188هـ= 1774م) هذه الحقيقة، فلم يعد هناك مفر من الاقتباس من الحضارة الغربية، وبخاصة فى المجالات العسكرية، فاستعان العثمانيون بمستشار عسكرى فرنسى هو «البارون دى توت»، لتدريب فرقتى المدفعية والمهندسين. وقد نجح هذا المستشار فى إنشاء فرقة جديدة للمدفعية سريعة الطلقات سنة (1188هـ= 1774م) ضمت (250) جنديا وضابطًا، وفى بناء مصنع لهذه المدافع، وإنشاء مدارس عسكرية حديثة، ومدرسة لتعليم الرياضيات الحديثة، وأعيدت المطبعة، وجرى ترجمة المزيد من الكتب الفرنسية العسكرية. وشهد عصر «سليم الثالث» بدايات التعليم العسكرى على النمط الغربى، وما ارتبط به من اقتباس المعرفة الأوربية؛ حيث طلب السلطان نفسه من «لويس السادس عشر» أن تساعده «فرنسا» فى إعادة بناء الجيش العثمانى، كما أنه أوجد حوله هيئة جديدة من الإداريين العسكريين المؤمنين بالإصلاح، وقد رفع هؤلاء مجموعة من التقارير المتصلة بأوضاع الإمبراطورية، وما يجب عمله لإنقاذها، وقد ركزت معظم هذه التقارير على الإصلاح العسكرى، وأشارت إلى ضرورة إعادة «وجاق الإنكشارية» وغيره من الفرق إلى تنظيمها الأول، وأن

تتوافر للجيش أسلحة حديثة، وأساليب تمكنه من الوقوف أمام الجيوش الأوربية، بالإضافة إلى تخفيض أعداد الجنود الإنكشارية إلى (30000) جندى، لتحسين كفاءتهم ونظامهم، وبذل الجهود لإنتاج بنادق وذخائر على النمط الأوربى. وقام السلطان «سليم الثالث» بإنشاء فرقة عسكرية جديدة، أطلق عليها «النظام الجديد»،توخَّى لها أن تتلقَّى تدريباتها على النمط الأوربى الحديث، وجعل لها خزانة خاصة تنفق عليها، وتستمد مواردها من الإقطاعات المجاورة، ومن الضرائب الجديدة التى فُرضت على المشروبات الروحية وتجارة التبغ والبن، وفرض على هذه الفرقة ارتداء الملابس الأوربية، وتلقت تدريباتها على أيدى خبراء من «فرنسا» و «إنجلترا»، استقدمهم السلطان لهذا الغرض. وأدخلت على أسطول الدولة العثمانية إصلاحات تشبه التى أدخلت على القوات البرية، فجرى توسيع الترسانة الرئيسية بتوجيه من المهندسين الفرنسيين، وأنشئت ترسانات فى الأقاليم، وأصلحت السفن القديمة، وبنيت أعداد كبيرة من السفن الحديثة وفق أحدث الطرز فى المعمار البحرى، وطورت الدراسات البحرية. عهد السلطان محمود الثانى: وُلد السلطان «محمود» سنة (1199هـ= 1784م)، وتقلد مقاليد الخلافة العثمانية وهو فى الرابعة والعشرين من عمره، فقلّد «مصطفى البيرقدار» منصب الصدارة العظمى، وطلب منه إصلاح نظام «الإنكشارية» فاعترضوا عليه، ووقع الخلاف بينهم وبين السلطان، وأرادوا إعادة الخليفة «مصطفى الرابع» المعزول، لكنه قتل وهم يحاصرون الصدر الأعظم فى قصره الذى أحرقوه وهو بداخله. وقد رأى السلطان «محمود» أن نجاح الإصلاح فى دولته يجب أن يكون شاملاً لكل النظم العثمانية ومؤثرًا فى المجتمع، ولا يقتصر على المجال العسكرى، ولذا يجب إزالة النظم القديمة، حتى لا تعترض طريق الإصلاح، والتخطيط الدقيق للإصلاح، وإيجاد الضمانات اللازمة التى تكفل نجاحه قبل القيام به. وقد نجح السلطان «محمود» فى القضاء على فرقة «الإنكشارية»،

التى قامت بالتمرد وإثارة الجماهير ضد الإجراءات المتصلة بإصلاح الجيش، وبخاصة فيما يتعلق بارتداء القوات الجديدة للملابس الأوربية، لكن الشعب العثمانى وقف ضدهم، فى الوقت الذى استعد فيه السلطان «محمود» لمواجهتهم، مما مكنه من القضاء عليهم تمامًا، وأنشأ جيشًا قويا يتولى إمرته قائد عام، كان قوامه (12000) جندى فى العاصمة، وقوات أخرى فى الولايات. وكما ارتبط التعليم لدى «محمد على» بالجيش ارتبط بالجيش أيضًا عند «محمود الثانى»، الذى حاول الاقتداء بواليه الناجح، فأرسل البعثات إلى «أوربا» لتلقى العلوم العسكرية خاصة، وأنشأ المدارس الحديثة، وعنى بتعليم اللغتين العربية والفرنسية والجغرافيا، والتاريخ والرياضيات والعلوم. وحاول السلطان إصلاح أجهزة الدولة المركزية، فوضع الأوقاف تحت إشرافه، وألغى «التيمارات»، وضمها إلى أملاك السلطان، وأجرى أول إحصاء للأراضى العثمانية فى العصر الحديث، وأجرى تحسينات على شبكة المواصلات، فأنشأ كثيرًا من الطرق الجديدة، وأدخل البرق، وخطوط السكك الحديدية، كما أنشأ جريدة رسمية للدولة. وبعد وفاة السلطان «محمود» تولى ابنه «عبد المجيد» الخلافة وعمره دون الثامنة عشرة. التنظيمات (محاولة إحياء الدولة): التنظيمات» كلمة عربية دخلت اللغة التركية، وتعنى فى الاصطلاح السياسى: حركة التنظيم والإصلاح على المنهج الأوربى الغربى، وفى الاصطلاح التاريخى: حركة الإصلاح التى حدثت فى الدولة العثمانية فى القرن (13هـ= 19م) مهتدية بالمؤسسات والتنظيمات الأوربية، وعرفت بهذا الاسم لأنها تميزت بتنظيم شئون الدولة وفق أسس جديدة فى جميع المجالات. ويمكن تعريف حركة التنظيمات العثمانية بأنها حركة ثقافية وإصلاحية حدثت فى الدولة العثمانية فى النصف الأول من القرن (19م)، ومهدت لإقامة حكم دستورى على النمط الغربى فى البلاد، وللتقارب بين العالمين الإسلامى والمسيحى، وشملت مناحى الحياة

كافة فى الديار العثمانية على حساب الحضارة الإسلامية، وانتقلت سلطة السلاطين إلى الصدر الأعظم والوزراء، وتراجعت مشيخة الإسلام إلى درجة أقل من حيث الاعتبار والنفوذ، ثم شل عملها. وكان الحكم العثمانى قبل صدور التنظيمات يستند إلى ثلاث دعامات رئيسية هى: 1 - السلطنة. 2 - الخلافة. 3 - مشيخة الإسلام. فكان الوزراء يأتمرون بأوامر السلطان، ويساعد «ديوان الوزراء» السلطان فى إدارة أمور الدولة، وتقوم مشيخة الإسلام بتقديم الشورى للسلطان. بدأ عهد التنظيمات بصدور فرمان من السلطان «محمود الثانى» باسم «فرمان التنظيمات الخيرية» فى (26 من شعبان سنة 1255هـ= 4 من نوفمبر سنة 1839م)، وانتهى عندما تولَّى السلطان «عبد الحميد الثانى» الخلافة سنة (1293هـ= 1876م)، وهى السنة التى أعلنت فيها الدولة العثمانية ما عُرف باسم «المشروطية الأولى»، أى إعلان دستور فى البلاد لأول مرة على النمط الغربى. وقد أكدت التنظيمات ضرورة إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة على حياتهم وشرفهم وأملاكهم، ووجوب علانية المحاكمات ومطابقتها للوائح، وإلغاء إجراءات مصادرة الأملاك، وضرورة إيجاد نظام ثابت للضرائب يحل محل «الالتزام»، وتوفير نظام ثابت للجندية بحيث لا تستمر مدى الحياة، وإنما تحدد مدتها بفترة تتراوح بين أربع وخمس سنوات. وأدى صدور هذه التنظيمات إلى حدوث تغيرات كثيرة شملت معظم مجالات الحياة، فأنشئت المحاكم المختلطة التى تقبل الشهادة من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وتَبُتُّ فى القضايا المختلفة التى يكون الأجانب أطرافًا فيها، وكان يعمل بتلك المحاكم قضاة أتراك وأوربيون، كما صدر قانون تجارى على نمط القانون التجارى الفرنسى، وأنشئت مجالس لمعاونة مجالس الولايات، يُمثَّل فيها الأهالى. وظلت القوانين الشرعية تطبق فى المحاكم التقليدية، وكذلك فى المحاكم الحديثة التى تطبق القوانين الجديدة المتصلة بالمسائل

التجارية والجنائية، المأخوذة عن القوانين الغربية، وبخاصة القانون الفرنسى، وبقيت القوانين الشرعية المتصلة بالأحوال الشخصية كالطلاق والزواج بدون تعديل. وقامت لجان يرأسها من يميلون إلى الأخذ والاقتباس عن الغرب بوضع الخطط الشاملة التى تستهدف إقامة نظام تعليمى يشمل جميع مراحل التعليم المختلفة، فصدر فى سنة (1386هـ= 1869م) قانون التعليم، الذى قسَّم المدارس إلى مدارس عمومية وخصوصية، وجعل التعليم العام فى المدارس الأولية إجباريا ومجانيا لمدة أربع سنوات، ودون تفرقة بين الذكور والإناث، وتمييز بين المسلمين وغيرهم. أما التعليم الخاص فقد تناولته المادة (129) من قانون سنة (1286هـ= 1869م)، واشترطت حصول مدرسى المدارس الخاصة على مؤهلات تقرها وزارة المعارف العثمانية، وأن تقر تعيينهم السلطات التعليمية سواء أكانت محلية أم مركزية. وأنشئت مدارس خاصة للبنات والفقراء، كما أنشئت فى سنة (1276هـ= 1859م) مدرسة جديدة لتعريب الإداريين، وتدريب المعلمين الذين كانوا يدرسون الشئون العامة والأولية. وقد انفصلت مدارس الحكومة رسميا عن إشراف العلماء، ووضعت تحت إشراف وزارة المعارف ذات الصبغة العلمانية منذ سنة (1283هـ= 1866م)، مما أدَّى إلى ازدياد الهوة بين التعليم الدينى والتعليم العلمانى، وتعميق الازدواج الثقافى. وكان للمطبعة أثر كبير فى هذا التحول منذ سنة (1251هـ= 1835م)، فقد ازداد عدد الكتب المطبوعة، وازداد عدد الصحف والدوريات، ولعب المسرح دوره فى نشر الأفكار الجديدة، وبخاصة بعد أن كثرت دور المسارح، ونشطت حركة ترجمة الكتب الغربية بما فى ذلك المسرحيات، وقد أدَّى ذلك كله إلى ظهور مسرحيات عثمانية، ساعدت على انتشار الأفكار الجديدة، بما تهيأ لها من لغة سهلة وجذابة، لقيت تجاوبًا من العامة، وأوجدت اتجاهًا مطلقًا إلى مقاومة السلطة المطلقة عن طريق إعلان الدستور وإيجاد حكومة مسئولة أمام

برلمان منتخب وفق النمط الديمقراطى الذى عرفه الغرب وبخاصة فى «بريطانيا». نظام الحكم فى عهد محمود الثانى: اتجه الإداريون العثمانيون فى عهد السلطان «محمود الثانى» (1223 - 1255هـ= 1808 - 1839م) إلى التغريب، وما يهمنا هنا أنه غيّر اسم الصدارة العظمى إلى «باش وكالت» أى رئاسة الوزراء - كما فى «أوربا» - وأوجد نظارتين (وزارتين) جديدتين هما المالية والأوقاف. وقد وصف أ. «سلاد» - الذى كان يخدم الدولة العثمانية برتبة «مشاور باشا» - مع أنه أوربى - السلطان «محمود الثانى» بأنه «قلد نقائص الغرب كما هى وبدأ إصلاحاته للدولة من حيث ما كان يتوجب عليه تركه» ويقصد أنه أخذ من الدول الأوربية المظهر والمداراة. وفى عهد ابنه السلطان «عبد المجيد» أصدرت الدولة بيانًا يؤكد أن الدولة العثمانية قد اتجهت إلى الغرب فى تغيير مظهرها وجزء كبير من تقنينها وآليات اتخاذ القرار فيها. مما سبق نتبين أن الدولة العثمانية كانت تدار، وكانت قراراتها تُتخذ فى الديوان الهمايونى، وكان الديوان ينعقد برئاسة السلطان أو الصدر الأعظم نيابة عنه، كما كان هذا الديوان يعقد فى القصر فى المكان المسمى تحت القبة ( Kubbe Alti) واستمر هذا حتى عهد السلطان «محمد الفاتح» الذى ثبت هذا التقليد بقانون. وقد أُلغى فى هذه الفترة الديوان الهمايونى بوصفه نظامًا يشكل آليات اتخاذ القرار فى الدولة العثمانية، واستبدل به النظام الأوربى، ومن ثم فقد تكوّن رسميا بديل عن الديوان ما سمى فى عهد «محمود الثانى» باسم «مجلس وكلا» والوكيل بالتركية بمعنى الوزير فى العربية)، ومن ثم فقد أصبح النظام الجديد يعرف باسم مجلس الوزراء أو ما عرف باسم «الباب العالى». الباب العالى (مجلس الوزراء). وهو اصطلاحًا: المجلس الذى يتشكل من شيخ الإسلام والنظار (الوزراء)، والذى يتخذ القرار فى الأمور المتعلقة بسياسة الدولة (العثمانية) الداخلية والخارجية والأمور المهمة ويسمى أيضًا «المجلس

الخاص» أو «مجلس الوزراء الخاص». وكان يتكون من شيخ الإسلام وناظر العدلية وقائد الجيش ورئيس شورى الدولة، وناظر الخارجية، وناظر الداخلية، وناظر البحرية، ومشير المدفعية، وناظر المالية، وناظر الأوقاف، وناظر التجارة والأمور النافعة (الأشغال)، وناظر المعارف، ومستشار الصدر الأعظم العالى. وبذلك بعد شيخ الإسلام عن استقلاله، وتوزعت الشئون الدينية بينه وبين ناظر الأوقاف وأصبح شيخ الإسلام موظفًا كبيرًا فى الدولة. وعلى النظام الغربى فى تكوين الدولة العثمانية أيضًا أصبح هذا المجلس الوزارى - بعد انقلاب (يوليو/ تموز 1908م) الذى عزل السلطان «عبد الحميد» عن العرش- مقيدًا بقوانين ولوائح وأنظمة محددة ومعينة ومسئولا أمام السلطان ومجلس المبعوثان (مجلس الأمة) عن الشئون المتعلقة بسياسة الدولة الداخلية والخارجية والوظائف العامة. السلطان عبد العزيز: ولد فى (14 من شعبان 1245هـ= 9 من فبراير 1830م)، وتولى الخلافة بعد وفاة أخيه «عبد المجيد بن السلطان محمود» فى (17 من ذى الحجة 1277هـ= 6 من يونيو 1861م)، وبعد وفاة «غالى باشا» و «فؤاد باشا» اللذين توليا منصب الصدر الأعظم وضيقا على السلطان، مارس السلطان «عبد العزيز» حكمه الشخصى، فاشتد سخط العثمانيين على ممارسات السلطان الاستبدادية، وتدخُّل السلطانة «الوالدة باشا» فى شئون الحكم، وازداد القلق بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وإعلان إفلاس الحكومة العثمانية فى أواخر سنة (1292هـ= 1875م)، وهو الإفلاس الذى عُزى إلى إسراف «عبد العزيز» وخراب ذمته هو وحاشيته. وأما المحافظون فقد أرجعوا متاعب الدولة إلى «التنظيمات» العلمانية، ونفوذ الأجانب، وتدخلهم فى شئون البلاد، مما أدَّى إلى انتعاش إسلامى، كان من نتيجته التضييق على المدارس الأجنبية وأعمال المبشرين، وطرد المعلمين والخبراء الأجانب، كما اشتدت المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية، والوضع الذى كان يتمتع به الأجانب.

وساءت أحوال الدولة الاقتصادية فى أواخر عهد السلطان «عبد العزيز»، بحيث توقف صرف مرتبات الموظفين - بما فى ذلك العسكريون - لعدة شهور، ولم يؤدِّ فرض ضرائب جديدة إلى معالجة الأوضاع المتردية، لهذا سعى «مدحت باشا» إلى تحسين أوضاع الحكومة بخلع «عبد العزيز» خاصة، ولأنه كان مؤمنًا بأن ولى العهد الأمير «مراد الخامس» أميل إلى إعلان الدستور. وفى (6 من جمادى الأولى سنة1293هـ= 30 من مايو سنة 1876م) قامت مجموعة صغيرة من كبار موظفى الحكومة يرأسهم «مدحت باشا» بانقلاب ضد الخليفة، عززته فتوى شيخ الإسلام، وولى الثائرون السلطان «مراد الخامس» الذى كان قد اتصل بشباب العثمانيين عدة سنوات. وكان السلطان «مراد الخامس» على جانب كبير من الذكاء والثقافة التركية، كما أبدى اهتمامًا بالأدب والعلوم والشئون الأوربية، وكان يهوى الموسيقى الغربية، وزار «أوربا» سنة (1284هـ= 1867م)، وانخرط فى سلك الماسونية، وكان أميل إلى الليبرالية والدستور وإصلاح التعليم، وطبعه بالعلمانية. على أن مراقبة «مراد» فى أواخر عهد عمه، وإسرافه فى الشراب أديا إلى اختلاط عقله بالصورة التى ظهرت عليه بعد توليه الحكم، وازداد هذا الاضطراب، حين نمى إلى علمه نبأ انتحار السلطان «عبد العزيز»، ومقتل عدد من الوزراء على يد أتباع الأمير «يوسف عز الدين بن عبد العزيز»، وحينئذٍ رأى الوزراء ضرورة خلع «مراد»،وتولية أخيه «عبد الحميد» الذى كان «مدحت باشا» قد انتزع منه وعدًا بإعلان الدستور.

8 - 5:السلطان عبد الحميد الثانى وانهيار الدولة

الفصل الخامس *السلطان عبد الحميد الثانى وانهيار الدولة (1843 - 1918م) وُلد «عبد الحميد الثانى» (13 من شعبان عام 1258هـ= 21 من سبتمبر عام 1842م)، وهو ابن السلطان «عبد المجيد محمود الثانى» صاحب فرمان التنظيمات الذى ينظم الدولة العثمانية على الطراز الأوربى وتولى العرش خلفًا لأخيه «مراد» فى (10 من شعبان عام 1293هـ= 31 من أغسطس عام 1876م)، وماتت أمه وهو فى الحادية عشرة من عمره، فربته زوجة أبيه وعاملته معاملة الأم شفقة ورحمة وعناية. درس «عبد الحميد» العلوم الأساسية فى عهده وبجانبها تعلَّم اللغة العربية وأجادها، والفارسية وأجادها، وكان ينظم الشعر، وكان شخصية قوية منذ صغره، كان متدينًا وسط جو أوربى يعيشه أمراء القصر السلطانى، وحريصًا على أداء الصلاة فى أوقاتها، عفيفًا، لا يشرب الخمر، ويمنع تدخل نساء القصر فى السياسة أو شئون الدولة منعًا باتا، وتروى ابنته الأميرة «عائشة»: فى اليوم التالى لتنصيب والدى السلطان عبد الحميد سلطانًا على الدولة العثمانية قابل زوجة والده التى أحبها حبا ملأ عليه فؤاده، وقبّل يدها، وقال لها: بحنانك لم أشعر بفقد أمى، وأنت فى نظرى أمى لا تفترقين عنها، ولقد جعلتك السلطانة الوالدة (وهو لقب خاص بأم السلطان) .. لكنى أرجوكِ بإصرار ألا تتدخلى بأى شكل من الأشكال فى أى عمل من أعمال الدولة. وانصاعت هى لهذا الأمر تمامًا». بدأ «عبد الحميد» حكمه الفردى بافتتاح مجلس «المبعوثان»، لكنه سرعان ما عطله إلى أجل غير مسمى، وكان هذا التعطيل فى (10 من صفر عام 1295هـ= 13 من فبراير عام 1878م)، واستمر الحكم الفردى لعبد الحميد مدة ثلاثين عامًا ونصف عام تقريبًا يعنى حتى (17 من جمادى الآخرة عام 1326هـ= 13 من يوليو عام 1908م) عندما ثار عليه الجيش، فاضطر إلى إعلان الحكم النيابى، وافتتح البرلمان للمرة الثانية. لكنه كان رحيمًا بالمعارضين له، يستميلهم بقدر إمكانه، وإذا نفى

أحدًا منهم ينفيه إلى مكان بعيد، بعد أن يمنحه منصبًا عاليًا وراتبًا كبيرًا، فعل هذا على سبيل المثال مع «نامق كمال» الشاعر العثمانى المعروف ومع «ضيا باشا» الأديب العثمانى الذائع الصيت. ونسوق هنا ترجمة لقصيدة نظمها الفيلسوف التركى «رضا توفيق» وهو من كبار رجال «الاتحاد والترقى» ومن أكبر المعارضين لحكم «عبد الحميد»، وهذه القصيدة لم يكتبها الشاعر إلا بعد وفاة السلطان «عبد الحميد»، يقول فيها: عندما يذكر التاريخ اسمك. يكون الحق فى جانبك ومعك يا أيها السلطان العظيم. كنا نحن الذين افترينا - دون حياء. على أعظم سياسيى العصر. قلنا إن السلطان ظالم وإن السلطان مجنون. قلنا لابد من الثورة على السلطان. وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان. وعملنا على إيقاظ الفتنة. لم تكن أنت المجنون، بل نحن، ولم نكن ندرى. علقنا القلادة على فتيل واهٍ. لم نكن مجانين فحسب، بل كنا قد عدمنا الأخلاق. فلقد بصقنا - أيها السلطان العظيم. على قبلة الأجداد. عبد الحميد ومشاكل دولته: وقد بدأ عهد «عبد الحميد» بالمشاكل العديدة، فتمرد «الصرب» و «الجبل الأسود»، وهو تمرد بدأ فى آخر عهد «عبد العزيز»، واضطرب الوضع فى «جزيرة كريت» ولم يكن فى صالح الدولة. وانتصر العثمانيون على قوات الصرب فى معركة «الكسيناج»، ولكن عندما اقترب العثمانيون من دخول «بلجراد» إذا بروسيا توجه إنذارًا للدولة العثمانية، فخافت الدول الغربية وعلى رأسها «إنجلترا» من مغبّة تدخل «روسيا» وعقدت هذه الدول مؤتمر الترسانة المشهور فى «إستانبول» فى (ذى الحجة عام 1293هـ= ديسمبر عام 1876م) برياسة «صفوت باشا» وزير الخارجية العثمانية. فى هذا اليوم أعلن «عبد الحميد الثانى» الحكم المشروطى (الديمقراطى) فى الدولة. والواقع أن هذا المؤتمر قد أجبر الدولة العثمانية على القيام بإصلاحات فى «البوسنة والهرسك» و «بلغاريا». وفى (3 من المحرم

عام 1294هـ= 18 من يناير عام 1877م) اجتمع فى «الباب العالى» (مجلس مكوّن من (240) شخصًا) لدراسة مقترحات مؤتمر الترسانة، لكن «مدحت باشا» دفع المجلس إلى رفض مقترحات الدولة، وحرَّض طلبة العلوم الدينية العالية على القيام بمظاهرات لإجبار السلطان «عبد الحميد» على الحرب، فقام المجلس بإجبار السلطان على التصديق على قرار برفض مقترحات المؤتمر، فانفض السفراء وتركوا الدولة العثمانية بمفردها تواجه «روسيا». ولما كان «نابليون الثالث» قد أرسى دعائم الفكر القومى العرقى فى «أوربا»، فقد استغل الروس فرصة انتشار هذا الفكر، وقاموا بدعايات ضخمة لإنقاذ إخوانهم السلاف الواقعين تحت الحكم التركى، وأعلنوا الحرب فى (10 من ربيع الآخر عام 1294هـ= 24 من أبريل عام 1877م) على العثمانيين، وبذلك بدأت الحرب العثمانية - الروسية، المشهورة التى استمرت من عام (1294هـ= 1877م) إلى عام (1295هـ= 1878م)، وتعد هذه الحرب نكبة من نكبات التاريخ العثمانى، فقد رافق خسارة العثمانيين فى الأرض، مشكلة هجرة مليون مسلم عثمانى من «بلغاريا» إلى «إستانبول»، وهذه الهجرة هى أصل مشكلة الأقليات الإسلامية اليوم فى «بلغاريا» وغيرها من دول «البلقان»، وعندما هاجر المليون عثمانى رافقتهم مشاكل اجتماعية كبيرة فى الإسكان وفى المعيشة. وأخيرًا عقدت فى (27 من المحرم عام 1295هـ= 31 من يناير عام 1878م) معاهدة لإنهاء الحرب التى استمرت تسعة أشهر وسبعة أيام. تعطيل البرلمان: وأمام ما تصوّره «عبد الحميد» من قصور فى الرأى العام ممثلاً فى هذا المجلس، الذى دفع بالأمة إلى الدخول فى حرب هى غير مستعدة لها، وليست فى حاجة إليها، قام السلطان فى (13 من فبراير 1878م) بتعطيل الحياة النيابية إلى أجل غير مسمى، واضطر وزير الخارجية العثمانية أن يوقع معاهدة «أياسطفانوس» التى فرضتها «روسيا» على الدولة عقب هزيمتها أمامها، وقد بكى الوزير وهو يوقع

المعاهدة؛ لأنها كانت مجحفة بالدولة، إلا أن السلطان يذكر فى مذكراته أنه عمل كثيرًا على تخفيف وقع هذه المعاهدة على الدولة، بتوقيع معاهدة أخرى هى «معاهدة برلين» فى (10 من صفر عام 1295هـ= 3 من يوليو عام 1878م) أى بعد أربعة أشهر وأحد عشر يومًا من المعاهدة الأولى. وفى (18 من جمادى الأولى عام 1295هـ= 20 من مايو عام 1878م) أثناء ما كان جيش الاحتلال الروسى يجثم على أراضى الدولة، وانشغال هذه به، قام شاب يدعى «على سعاوى» مع أنصاره من الشباب الثائر بمحاولة لخلع «عبد الحميد» وإحلال «مراد» - وكان مريضًا مرضًا عقليا - محله إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل. ديون الدولة العثمانية: أما عن الديون العثمانية وخطورتها، فقد وصلت الديون المتبقية من عهدى «عبد المجيد» والد «عبد الحميد»، و «عبد العزيز» عمه إلى (252) مليون ليرة ذهبية عام (1298هـ= 1881م)، وكان هذا الرقم وقتها رقمًا هائلا، وكانت كل من «إنجلترا» و «فرنسا» فى مقدمة الدائنين. وقد نجح السلطان «عبد الحميد» فى حل مسألة الديون هذه بتقليلها إلى النصف تقريبًا؛ لذلك كان الموظفون العثمانيون وخاصة الضباط يتضجرون عندما يقبضون رواتبهم متأخرةً، وهذا الأمر كان من أسباب ضيق الموظفين فى عهد «عبد الحميد». وبعد وفاة السلطان «عبد العزيز» - عم «عبد الحميد» - بخمس سنوات، أثار «عبد الحميد» قضية هذه الوفاة؛ ولذلك قدّم «مدحت باشا» وأعوانه إلى المحاكمة فى «محكمة يلدير» فى (29 من رجب عام 1298هـ= 27 من يونيو عام 1881م) بتهمة قتل سلطان الدولة، وأصدرت المحكمة قرارها بالإدانة. ثم نُقل «مدحت باشا» وصاحبه محمود جلال الدين باشا فى (1 من رمضان عام 1298هـ= 28 من يوليو عام 1881م) بالسفينة «عز الدين» إلى «قلعة الطائف» حيث حبسا فى السجن العسكرى هناك، واستمر هذا الحبس سنتين وتسعة أشهر، ثم وجد «مدحت باشا» وزميله فى السجن مقتولين خنقًا، ولم يُعرف من المحرّض على القتل، والمعروف

أن «إنجلترا» حاولت إنقاذ «مدحت باشا» من هذا السجن بتهريبه منه حتى إنها خصصت سفينة عسكرية بريطانية فى «البحر الأحمر» لهذا الغرض. وفى (18 من جمادى الأولى 1323هـ= 21 يوليو 1905م) دبر الأرمن مؤامرة لقتل السلطان «عبد الحميد» عُرفت فى التاريخ العثمانى باسم «حادث القنبلة»، دبّرها ونفذها الأرمن وأيدها المعارضون لعبد الحميد وبخاصة العاملون فى النشر والإعلام. ومع هذا فقد كان حكم عبد الحميد بالنسبة إلى الدولة العثمانية عهد استقرار. وكان الشعب يشعر بالأمان، لكن نتيجة أن السلطان كان يربط مؤسسات الدولة بشخصه مباشرة ودائمًا، ويحدّ من الصحافة والحريات السياسية فقد عاداه الضباط وطلبة العلوم العليا خاصة طلبة الطبية العسكرية. المسائل العربية فى عهد عبد الحميد: بجيش مكوّن من (23.000) جندى فرنسى استُقدموا من «الجزائر» مع أسطول بحرى و (8.000) جندى فرضت «فرنسا» حمايتها على «تونس» ووقعت «معاهدة باردو» (قصر سعيد) فى (12 من جمادى الآخرة 1298هـ= 12 من مايو 1881م)، بذلك احتج الباب العالى وأخذ الوزير «محمود صادق باشا» أمير «تونس» يطلب النجدة، فذهب إليه أسطول عثمانى مدرّع، إلا أن هذا الأسطول اضطر إلى الانسحاب إلى مياه «كريت»؛ لعدم التوازن فى القوى بين الأسطولين العثمانى والفرنسى. ولم تكن الدولة العثمانية فى الواقع قادرة على أن تدافع عن «تونس»، وكل ما استطاعت عمله أنها لم تعترف رسميا بالاحتلال الفرنسى، وظل «عبد الحميد» يعتبر «تونس» قطعة من الدولة العثمانية فى السالنامة الرسمية. وكان احتلال «بريطانيا» لمصر فى (2 من ذى القعدة 1299هـ= 15 من سبتمبر عام 1882م) هو الحدث الكبير الثانى فى السياسة العثمانية الخارجية فيما يختص بالأمور العربية. عبد الحميد والخديو إسماعيل: إن العلاقات العثمانية المصرية كانت قد اتخذت طورًا متشددًا تجاه إسراف الخديو «إسماعيل»، بعد أن استطاع الحصول من

«عبدالعزيز» على امتياز بالاقتراض الخارجى، ووصل الأمر بالخديو إلى أنه اقترض من «إنجلترا» و «فرنسا» مبلغ مائة مليون جنيه ذهبًا فى عشر سنوات؛ ولتقريب هذه المسألة نقول إن ديون الدولة العثمانية كلها - بعد جهود «عبد الحميد» فى تخفيضها إلى النصف تقريبًا - تعادل جملة اقتراضات الخديو «إسماعيل» بمفرده وهو خديو على إيالة «مصر» العثمانية؛ مما أعطى انطباعًا لدى السلطان «عبد الحميد» بعظم إسراف الخديو، وهذا الإسراف دفع «إسماعيل» فى (ذى القعدة 1292هـ= نوفمبر 1875م) إلى طرح أسهمه الشخصية فى «قناة السويس» للبيع، وحاولت «فرنسا» أن تشتريها، إلا أن سرعة حركة «دزرائيلى» رئيس وزراء «بريطانيا» فى شراء هذه الأسهم عطلت حركة «فرنسا» فى العمل، وهذا أدى إلى توقع وقوع «مصر» فريسة للاحتلال البريطانى. ولم تكن «فرنسا» من القوة بحيث تستطيع وقتها عمل شىء لتعطيل تحرك الإنجليز فى «مصر»، ومع ذلك لم يجد بيع «إسماعيل» لأسهمه فى «قناة السويس» نفعًا. كان جيش «مصر» قد بلغ أيام «إسماعيل» إلى (30.000) عسكرى ما بين ضابط وجندى، ثم أدى تدخل الوزراء الأوربيين فى الوزارة المصرية إلى تخفيض هذه القوة إلى (11.000) وتسريح (2500) ضابط، وكان هذا العدد يقرب من نصف عدد ضباط الجيش، وكان عدد الضباط المصريين قليلاً بالنسبة إلى الضباط الآخرين من رعايا الدولة العثمانية كالألبان والأباظة والشركس وغيرهم، إلا أن أغلب الضباط المحالين إلى التقاعد كانوا من المصريين، فاستاء هؤلاء، وبدأ فى «مصر» - لأول مرة - الشعور بالقومية، وظهر الأميرالاى «أحمد عرابى بك». نتيجة لهذا الجو الجديد قام السلطان «عبد الحميد الثانى» بإصدار إرادة سنية فى (5 من شعبان 1296هـ= 25 من يوليو 1879م) بعزل الخديو «إسماعيل» باشا، وتعيين ابنه الأكبر وولى العهد «محمد توفيق باشا» مكانه، وطلب «إسماعيل» من السلطان «عبد الحميد»

الإذن بالإقامة فى «إستانبول» والإفادة من أملاكه هناك، فأذن له وأقام «إسماعيل» فى قصره فى حى «بايزيد» فى «إستانبول»، وكذلك فى قصره الصيفى على «البسفور» فى حى «أميركان». ومات «إسماعيل» فى «إستانبول» فى (27 من رمضان 1312هـ= 2 من مارس 1895م) عن (65) عامًا، والمعروف أن «إسماعيل» درس فى الأكاديمية الحربية فى «باريس». وفى علاقة «عبد الحميد» بإسماعيل أيضًا مسألة إهداء السلطان «عبد العزيز» عم «عبد الحميد» جزيرة «ياسى آدا» - وهى جزيرة صغيرة جميلة، بالقرب من إستانبول - إلى «إسماعيل»، وعندما تولى «عبد الحميد» أعاد هذه الجزيرة إلى أملاك الدولة. عبد الحميد والثورة العرابية: أما «أحمد عرابى بك» فقد أيده «عبد الحميد» ومنحه رتبة أمير لواء مع الباشوية، كما منحه الوسام الحميدى من الطبقة الأولى، والمعروف أن الرتب العسكرية فى «مصر» فيما فوق أميرالاى لا تمنح إلا من السلطان نفسه. قام «عرابى باشا» بإنهاء عمل الموظفين الأوربيين، فاحتجَّت عليه كل من «إنجلترا» و «فرنسا»، وقامتا بمراجعة «الباب العالى» فى شأن إرسال قوة عسكرية إلى «مصر»، ولم يقع «عبد الحميد» فى هذا الفخ، ورفض إرسال قوة عسكرية، لأن قمع الحركة الوطنية المصرية بجنود أتراك لصالح الدول الأوربية وهى دول استعمارية، كان من شأنه الإساءة إلى مقام الخلافة فى كل أرجاء العالم الإسلامى، ويتنافى مع مبدأ الجامعة الإسلامية التى كان «عبد الحميد» قد اتخذها سياسة له. فى هذه الأثناء تولّى «عرابى باشا» وزارة الحربية، وفى (23 من شعبان 1299هـ= 11 من يوليو 1882م) حدثت قلاقل «الإسكندرية»، ومات عدد من الأوربيين هناك، كما جرح أربعة قناصل؛ لذلك قام الأميرالاى «سيمور» قائد الأسطول البريطانى فى «البحر المتوسط» - وكانت «إنجلترا» قد أعلنت أنها ستحمى الأجانب فى مصر - بضرب «الإسكندرية» بالمدفعية البحرية ضربًا متواصلاً. وفى اليوم التالى

(24 من شعبان= 12 من يوليو 1882م) احتل «الإنجليز» المدينة، وفى (12 من سبتمبر 1882م) قام السير «جرانت ويلزلى» بالتغلب على قوات «عرابى باشا» فى معركة «التل الكبير» فى عشرين دقيقة، ودخل الجيش الإنجليزى القاهرة فى (15 من سبتمبر 1882م)،ونفت «بريطانيا» «أحمد عرابى» إلى «سيلان». وكانت «بريطانيا» تردد دائمًا أنها تحتل «مصر» و «السودان» احتلالا مؤقتًا، ولم يكن للاحتلال صفة رسمية، أو وضع قانونى، وإن كان أمرًا واقعًا إلا أن «مصر» رسميا كانت تابعة للدولة العثمانية، واستمرت «مصر» حتى عام (1331هـ= 1914م) - تاريخ إعلان الحماية البريطانية عليها - ترسل متعلقات تبعيتها للعثمانيين إلى «إستانبول» سنويا، وكذلك كان تعيين الرتب الكبيرة فوق الأميرالاى لا يتم إلا عن طريق السلطان. عبد الحميد ومسألة العقبة: والمسألة الثالثة المهمة فى العلاقات العثمانية المصرية فى عهد «عبد الحميد» تتجلى فى مسألة العقبة عام (1324هـ= 1906م)، فبعد أن ضيق العثمانيون على الإنجليز حلقة العمل الاستراتيجى للاحتفاظ بطريقهم إلى «الهند» سليمًا، وخوف «بريطانيا» من خط سكة حديد الحجاز، خاصة بعد دخول «ألمانيا» منافسًا للقوى الأوربية فى خط سكة حديد «بغداد»، فى تلك الفترة كان السلطان «عبد الحميد» مشغولاً بإنشاء خط سكة حديد «مكة» الطويل، برأس مال إسلامى وأيدٍ عاملة مسلمة، وكان خط سكة حديد الحجاز قد وصل إلى «المدينة المنورة»، وقد ربط هذا الخط بين «إستانبول» و «دمشق» و «المدينة». فى هذه الفترة نفسها أنشأ السلطان مدينة «بير السبع» بين «غزة» و «بحيرة لوط» فى جنوب «فلسطين»، وفى عام (1319هـ= 1901م) حلت قوة تركية هناك وتكون حولها قصبة، والواقع أنها كانت قاعدة استراتيجية عثمانية، تشرف على «شبه جزيرة سيناء» و «الجزيرة العربية» وطريق «الحجاز» و «مصر»، وكان من شأنها أيضًا مراقبة الإنجليز الذين كانوا يحتلون «مصر». وتشكل هذه

القاعدة العثمانية الاستراتيجية التى أقيمت على أطلال مهجورة متراكمة حول بئر واحدة من بدايات مسألة العقبة. وفى عام (1323هـ= 1905م) قام الإنجليز بتحريض بعض القبائل اليمنية بالتمرد على الدولة، لكن العثمانيين استطاعوا القضاء على هذا التمرد، عندئذٍ أدركت «بريطانيا» أنها عاجزة عن الإضرار بالعثمانيين فى «اليمن»، وهى ولاية ذات أهمية استراتيجية على «البحر الأحمر» و «خليج عدن»؛ لذلك قام الإنجليز باختلاق حادثة على حدود «مصر» وكانت هذه الحادثة هى حادثة قرية تسمى «العقبة». طلبت «إنجلترا» إرسال جنود إلى هذه القرية التى يسمح الباب العالى بوجود جنود مصريين فيها خاصة بمناسبة أعمال الحج. بذلك كانت «إنجلترا» تريد السيطرة على المدخل الشمالى الشرقى للبحر الأحمر وتدخل منه إلى داخل «الجزيرة العربية». أرسل السلطان «عبد الحميد» أحد ياورانه المخلصين وهو الأميرالاى «رشدى بك» - باشا فيما بعد - إلى المنطقة، فسار مع طابورين من الجنود ومدفع واحد واتجه إلى العقبة وأخلاها من الجنود المصريين الذين كانوا فيها بعد أن أبلغهم أن هذا قرار من السلطان. وبموجب أمر من «عبد الحميد» احتل «رشدى بك» قصبة «طابا» بعد أن أخلاها من الجنود المصريين ليفاجئ الإنجليز بالأمر الواقع. أدركت «إنجلترا» أنها على أبواب صدام قريب مع الدولة العثمانية بشأن الحدود، خاصة بعد قيام الشعب المصرى فى «القاهرة» وسائر المدن المصرية بمظاهرات تهتف بحياة «عبد الحميد» وبسقوط الاحتلال الإنجليزى، وقدمت «إنجلترا» للباب العالى إنذارًا باحتلال «العقبة» و «طابا» فى مدة عشرة أيام إذا لم يرسل الباب العالى إلى «رشدى بك» تلغرافًا بإخلاء القلعتين، وقالت «إنجلترا» فى إنذارها إن من حقها الدخول فى حرب مع الدولة إذا لم يحدث صدى إيجابى للإنذار، ولكى تضخم «إنجلترا» المسألة أمرت أسطولها فى «المحيط الأطلسى» بدخول «البحر المتوسط» عن طريق «جبل طارق»؛ ليكون

بجوار الأسطول البريطانى فى «البحر المتوسط». أبلغ «عبد الحميد» «إنجلترا» برفضه لهذا الضغط البريطانى، وقال: إن «مصر» جزء من الدولة العثمانية رسميا وليس لإنجلترا حق فيما تريده، وقال: إن الحدود المصرية العثمانية لا يحلها إلا ضباط من «مصر» ومن الدولة العثمانية. وفى (شعبان 1324هـ= أول أكتوبر 1906م) قام الضباط العثمانيون والضباط المصريون بتنظيم الحدود واستقر الأمر على أن «طابا» مصرية. عبد الحميد واليهود: عندما مات «البارون هيرش» كان يأمل فى إقامة وطن ليهود «روسيا» فى «الأرجنتين»، وعندما تدخل «تيودور هرتزل» فى المسألة اليهودية، أصبح الأمر لا يتعلق بيهود «روسيا» فقط بل بكل اليهود، ولم يصبح الوطن الذى يطلبونه «الأرجُنتين»، بل أصبح فى «فلسطين»، وكانت «فلسطين» جزءًا من الدولة العثمانية. يقول «تحسين باشا» رئيس أمناء القصر السلطانى فى عهد «عبد الحميد»، فى مذكراته ما يلى: «جاءت شخصية كبيرة صهيونية يهودية نمساوية إلى إستانبول، وطلبت إقامة وطن يهودى فى سنجق القدس، وقالت هذه الشخصية: إنها تتحدث فى هذا باسم الصهاينة، وأن روتشيلد المصرفى المشهور، وراء هذا الأمر». وكان أساس مطلب هذا اليهودى إقامة قرى يهودية فى «فلسطين» فى مكان تحدده الحكومة العثمانية، ولا مانع من وجود منازل إسلامية فى هذه القرى إذا رغبت الحكومة فى هذا، وسيتبع اليهود القادمون من الخارج قوانين ونظم الدولة العلية (العثمانية)، وسيتم مقابل هذا تقديم الخدمات والتسهيلات اللازمة فى مسألة الديون العمومية، وتقديم الضمان الكافى بهذا الكتاب. ولأن هذا اليهودى كان له وزنه واعتباره، والمسألة تتعلق بالديون العمومية للدولة عرض الموضوع على السلطان الذى أذن بمقابلته، وبعد هذه المقابلة التى عاد منها الصهيونى النمساوى إلى بلاده صفر اليدين أمر السلطان «عبد الحميد» سفراء الدولة العثمانية فى

كل من «واشنطن» و «برلين» و «فيينا» و «لندن» و «باريس»، بتعقب الحركة الصهيونية، وإرسال تقاريرهم أولا بأول إلى السلطان، كما قاموا بناءً على هذا الأمر بمقابلة زعماء اليهود فى البلدان التى يعملون بها أيضًا، بإرسال مخبرين عثمانيين متنكرين إلى الاجتماعات الصهيونية فى «أوربا»، وإرسال قصاصات الصحف والمجلات الأوربية المتعلقة بنشاط اليهود فى «أوربا». وبذلك خط «عبد الحميد» بنفسه الخطوط الأساسية للسياسة العثمانية تجاه اليهود وفهم تفكيرهم تجاه القضية الفلسطينية. وفى (10 من ذى القعدة 1307هـ= 28 من يونيو 1890م) وفى (7 من يوليو) من العام نفسه أصدر السلطان «عبد الحميد» إرادتين سلطانيتين بـ: «عدم قبول الصهاينة فى الممالك الشاهانية (الأراضى العثمانية) وإعادتهم إلى الأماكن التى جاءوا منها، وأعطى أوامره إلى نظارة الشئون العقارية بعدم بيع أراضى للمهاجرين إلى فلسطين». يقول «محرم فوزى طوغاى» فى مقالة له فى (10 من جمادى الآخرة عام 1366هـ= 2 من مايو عام 1947م)، نشرها فى «مجلة بيوك طوغو» التركية بعنوان «فلسطين والمسألة اليهودية» ما يلى: «إن تصرّف عبد الحميد تجاه الحركة اليهودية بهذا الشكل المعادى كان معناه أنه يتسبب فى هدم تاجه وهدم عرشه، ليس هذا فقط، بل ومن ثم فى هدم الدولة العثمانية كلها». ويقول العقيد التركى «حسام الدين أرتورك» فى كتابه «خفايا عهدين»، نشر فى «إستانبول» عام (1377هـ= 1957م) ما يلى: «قدم كل من تيودور هرتزل والحاخام الأكبر طلبًا شخصيا إلى السلطان عبد الحميد يطلبان فيه إقامة وطن إسرائيلى مستقل فى سنجق القدس، فما كان من عبد الحميد إلا أن طردهما». ويعقب «نظام الدين تبه دنلى أوغلى» بالتعليق على هذه المسألة قائلاً: «إن تصرف السلطان عبد الحميد تجاه هرتزل بهذا الشكل كان - كما فطن السلطان لذلك - من شأنه أن يعمل هرتزل واليهود على دعم أعداء السلطان». وأعداء السلطان يتمثلون فى الآتى:

1 - تأييد الأرمن وتدعيم حركتهم ضد السلطان «عبد الحميد». 2 - تأييد الحركة القومية فى «البلقان» لانفصال هذه المنطقة عن الدولة. 3 - تأييد الحركة القومية الكردية التى ظهرت عام (1297هـ = 1880م) وبدأت بمحاولات اتحاد (30) عشيرة كردية متنافرة. 4 - تأييد كل حركة استقلال عن الدولة العثمانية. 5 - دعم قوى حركة الاتحاد والترقى ودفعها إلى قلب الأوضاع السياسية فى الدولة. عبد الحميد الثانى وحركة الجامعة الإسلامية: ظهرت فكرة الجامعة الإسلامية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، واتسع ذلك المصطلح ليشمل عدة مفاهيم، فبعض المصلحين رأى فيها دعوة للرجوع بالدين إلى ما كان عليه السلف الصالح. والبعض فسَّرها بأنها دعوة لتحديث المفاهيم الإسلامية وتطويرها بشكل يساير تطور الحياة الحديثة، ويتمشى مع المفاهيم الواردة من مدنية الغرب وثقافته، ورأى ثالث رَأَى فيها دعوة إلى إحياء الخلافة العربية القرشية من جديد، لكن من غير أن يكون لهذا الخليفة سلطة دنيوية بل مجرد رمز دينى لوحدة المسلمين. أما الرأى الأخير والأقرب إلى الدقة فرأى فيها تلك الدعوة التى انطلقت من عاصمة الدولة العثمانية والتى استهدفت تشديد قبضة الدولة على ما تبقى من ولاياتها أمام الخطر الأوربى الزاحف عليها من الغرب، وامتداد النفوذ الأدبى للسلطان العثمانى من منطلق كونه خليفة للمسلمين وخاصة من هم خارج حدود العالم الإسلامى، لتتبادل معهم الدولة الدعم المادى والأدبى لمواجهة الغزو الأوربى وما أحدثته هذه الحركة من ردود فعل متباينة بين مؤيد لها ومساند وبين معارض لها ومناهض. تولى السلطان عبد الحميد الحكم سنة (1293هـ= 1876م)، وقد بلغت أطماع الدول الغربية فى الدولة العثمانية أوجها، وأوشكت المشاكل والفتن الداخلية أن تقوض أركان الدولة من الداخل، وأهمها «جماعة تركيا الفتاة» التى كانت تنادى بالأخذ بالمبادئ الأوربية الغربية فى

كل شىء، وحاولوا إخضاع السلطان لنفوذهم كما فعلوا مع سابقيه، إلا أنه رفض وسعى لإضعاف نفوذهم فى الدولة. وكان انتشار تلك الأفكار فى الدولة العثمانية التى يدين سكانها بالإسلام يشكل خطرًا على وحدتها السياسية، وكان للسلطان «عبد الحميد» مفهوم خاص فى إدخال عناصر المدنية إلى بلاده، فهو لا يريد حضارة الغرب بمعنى الثقافة والتراث؛ لأنه كان يرى أن للشرق حضارته الإسلامية المتكاملة المتفوقة على الحضارة الغربية، إنما كان يريد اقتباس ما لديهم من علوم حديثة وليس مرة واحدة، ولكن بالتدريج. وأدرك السلطان أنه أمام أخطاء داخلية وخارجية ورأى أن الإسلام هو القوة الوحيدة التى تمكنه من ذلك، وفى هذا يقول: إن الإسلام هو القوة الوحيدة التى تجعلنا أقوياء ونحن أمة حية قوية ولكن شرط أن نصدق فى ديننا العظيم. وكان يرى أن الحروب الصليبية ضد الدولة العثمانية دائمة ومستمرة فلابد إذن من العمل بالإسلام على توحيد عناصر الدولة المتعددة من عرب وترك وأكراد وغيرهم فى جبهة واحدة حتى يمكن الصمود أمام الغرب، ويرى أن جبهة المسلمين فى الدولة العثمانية لا تكفى، ولكن لابد من امتداد تأثير الوحدة الإسلامية إلى كل مسلمى العالم فى «إفريقيا» و «آسيا» وغيرها. وأيد فكرة الجامعة الإسلامية كثير من علماء الدولة العثمانية آنذاك، منهم: الشيخ «عاطف الإسكليبى» (1876 - 1926م)، والشاعر «محمد عاكف أرصوى» (1873 - 1936م)، والشيخ «بديع الزمان سعيد النورسى» (1876 - 1960م). وفى بلاد الشام نادى بها: 1 - الشيخ «أبو الهدى الصيادى» (1849 - 1909م). 2 - الشيخ «عبد الرحمن الكواكبى» (1854 - 1902م). 3 - «السيد «محمد رشيد رضا» (1865 - 1935م). 4 - «عبد القادر المغربى» (1867 - 1956م). 5 - «رفيق العظم» (1867 - 1925م). 6 - الأمير «شكيب أرسلان» (1869 - 1946م). وفى مصر: 1 - جمال الدين الأفغانى (1839 - 1897م). 2 - محمد عبده (1849 - 1905م).

3 - مصطفى كامل (1874 - 1908م). 4 - محمد فريد (1868 - 1919م). السلطان عبد الحميد والاتحاد والترقى: «الاتحاد والترقى» هو أول حزب سياسى فى الدولة العثمانية ظهر فى عام (1308هـ= 1890م)، وكان سريا مكونًا من خلايا طلبة الحربية، والطبية العسكرية، ويهدف إلى معارضة حكم «عبد الحميد» والتخلص منه، وتم اكتشاف هذا الجهاز فى سنة (1315هـ= 1897م)، فنفى عديد من أعضائه، وفرّ بعضهم إلى «باريس»، وأرسل السلطان «عبد الحميد» مدير الأمن العام الفريق أول «أحمد جلال الدين باشا»، إلى «باريس» لاستمالة أعضاء المعارضة من الاتحاديين، فنجح فى استمالة أكثرهم ومنحهم «عبد الحميد» مناصب كبيرة فى الدولة، إلا أن المعارضين وعلى رأسهم «أحمد رضا بك» ظلوا على معارضتهم. وفى المدة من (27 من شوال - 1 من ذى القعدة 1319هـ= 4 - 9 فبراير 1902م) عقد فى «باريس» مؤتمر للأحرار العثمانيين، حضرته كل العناصر المعارضة لحكم «عبد الحميد»، وعلى رأسهم أعضاء «الاتحاد والترقى»، وكان من ضمن قرارات هذا المؤتمر تقسيم الدولة العثمانية إلى حكومات مستقلة استقلالا ذاتيا على أساس عرقى قومى، وظهر المعارضون لهذا الرأى ومنهم «أحمد رضا بك» نفسه، إلا أن الأغلبية كانت لها قوتها فى تأييد هذا القرار. وطالب المؤتمرون من الدول الأوربية التدخل لإنهاء حكم السلطان «عبد الحميد» وإقصائه عن العرش. وفى داخل البلاد العثمانية وخصوصًا فى «سلانيك» و «مناستر»، افتتح الاتحاد والترقى فروعًا له، التحق بها الضباط الشبَّان من رتبتى «ملازم» و «يوزباشى»، ثم بدأ دخول الضباط من الرتب الكبيرة، حتى إنه يتردد أن كل ضباط الجيش العثمانى الثالث (فى «البلقان») كانوا فى عام (1326هـ= 1908م) منضمين إلى «الاتحاد والترقى»، وكان منهم أركان حرب «قول أغاسى مصطفى كمال أفندى» (أتاتورك فيما بعد)، إلا أنه انسحب فيما بعد من «الاتحاد والترقى».

وفى مذكرة لجمعية «الاتحاد والترقى» إلى قناصل الدول الأجنبية فى الدولة العثمانية، طالبت الجمعية بتدخل دول هؤلاء القناصل لإنهاء حكم «عبد الحميد»، وتحالفت الجمعية مع الثوار البلقانيين ضد السلطان. اعتقد الاتحاديون أنهم بإزالة «عبد الحميد» يستطيعون تقريب العناصر المختلفة فى الدولة، وأن دول «أوربا» ستكف عن مضايقاتها للدولة العثمانية، وتصور الاتحاديون أن هذه الدول الأوربية ستتعهد بحماية الدولة العثمانية إذا انتهى حكم «عبد الحميد» الفردى غير المشروط (غير الديمقراطى)، والذى حدث أنه عقب المشروطية فقدت الدولة العثمانية «البوسنة والهرسك» مما أصاب الاتحاديين بالهلع. وفى (23 من جمادى الأولى 1326هـ= 23 يوليو 1908م) اضطر «عبد الحميد» اضطرارًا إلى إعلان المشروطية (الثانية)، وتولت جمعية «الاتحاد والترقى» الحكم، وأعلنت تمثلها لمبادئ الثورة الفرنسية «الحرية - العدالة - المساواة - الأخوة». وفى (23 من رمضان 1326هـ= 15 من أكتوبر 1908م) استقلت عن الدولة العثمانية كل من «بلغاريا» و «كريت» التى أعلنت انضمامها لليونان فى (6أكتوبر)، واستقلت - كما ذكرنا - «البوسنة والهرسك». وفى (21 من ربيع الأول 1327هـ= 13 من أبريل 1909م) دبر الجيش العثمانى حادثة عرفت باسم «حادث 31 مارس»، ثم نسبوها إلى «عبد الحميد» وقالوا إنه أراد ثورة العناصر الرجعية ضد جمعية «الاتحاد والترقى». واتخذ الجيش هذا ذريعة للتحرك لعزل السلطان «عبد الحميد الثانى»، وندبوا لإبلاغه بقرار العزل وفدًا مكونًا من أربعة أشخاص لم يكن منهم تركى ولا عربى واحد، وإنما كان على رأس الوفد يهودى والثلاثة الآخرون: أرمنى وألبانى وجرجى. واليهودى هو «إيمانويل قراصو» الذى لعب فيما بعد دوره المشئوم فى الاحتلال الإيطالى لليبيا. وتنازل السلطان «عبد الحميد» عن العرش لأخيه السلطان «محمد رشاد» فى (6 من ربيع الآخر 1327هـ= 27 من أبريل 1909م) وكان

على السلطان «عبد الحميد» أن يركب هو وأسرته القطار إلى منفاه فى «سلانيك» (وهى مدينة يغلب عليها الطابع اليهودى)، وكان مقر منفى السلطان «عبد الحميد» فى هذه المدينة ذات الطابع اليهودى فى قصر يمتلكه يهودى يسمى «ألاتينى»، إمعانًا فى إذلال «عبد الحميد». وفى (27 من ربيع الآخر 1336هـ= 10 فبراير 1918م) مات السلطان «عبد الحميد الثانى» ابن السلطان «عبد المجيد»، عن ستة وسبعين عامًا، واشترك فى تشييع جنازته كل شعب «إستانبول» تقريبًا. لقد خدم السلطان «عبد الحميد» أمته ثلاثًا وثلاثين سنة، قدم خلالها خدمات جليلة، فحفظ الدولة بعد الحرب الروسية التركية من أن تفقد المزيد من أراضيها فى «أوربا»، وقام بإنشاء دار العلوم السياسية والجامعة بكل فروعها، ودور المعلمين والمعلمات، ومدارس اللغات ومدرسة الفنون النسوية، وافتتح متحف الآثار الشرقية، والمتحف العسكرى، ومكتبة بايزيد، ومدرسة الطب، وغيرها. وفى مجال الإصلاحات العسكرية استقدم الخبراء الألمان لتدريب الجيش وفق الأساليب الحديثة، وأرسل البعثات العسكرية للخارج، وجهَّز الجيش بالأسلحة الحديثة. ويذكر له فى مجال الإنشاءات والمواصلات، إنشاؤه الخط الحديدى الحجازى، وعددًا من الطرق فى «سوريا»، وتوسعه فى إنشاء خطوط البرق، وجرى فى عهده بناء دار الحكومة فى «دمشق»، والثكنة الحميدية (جامعة دمشق اليوم)، وإصلاح «الكعبة المشرفة»، وغيرها. الدولة العثمانية نحو الانهيار: رأت السلطات العثمانية وعلى رأسها السلطان «وحيد الدين» أن مصلحتها بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى أن تتعاون مع الحلفاء وبخاصة «إنجلترا»، على اعتبار أن ذلك من شأنه أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، فتم حل جمعية «الاتحاد والترقى» ومصادرة أملاكها، وحل البرلمان والحكم بمراسيم. وكانت الدولة العثمانية قد استسلمت فى الحرب العالمية الأولى فى عهد السلطان «وحيد الدين» بعد أن تولى الخلافة بعدة شهور فقط،

ونتج عن هزيمتها أن سيطر الحلفاء على «إستانبول» والمضائق، واحتلت «اليونان» الأقسام الغربية، وضاعت البلدان العربية من يديها، وأراد السلطان «وحيد الدين» أن ينقذ الدولة مما هى فيه، فوضع ثقته فى «مصطفى كمال» الذى لمع نجمه أثناء الحرب، لكنه بدأ يعمل لصالح نفسه. وفى أثناء الحرب العالمية الأولى كان «مصطفى كمال» أنجح قادة الميدان العثمانيين، فقد تولى فى أواخر سنة (1332هـ= 1914م) قيادة القوات التركية التى وكل إليها حماية «الدردنيل»، وكانت قاعدتها الرئيسية «شبه جزيرة غاليبولى»، وبفضل شجاعته فشل الإنزال البريطانى بها لاحتلالها، وقد جعلته هذه المعركة التى أنقذت «الآستانة» من السقوط بطلا قوميا، فأنعم عليه بلقب «باشا». ثم عقدت «هدنة مودانيا» فى (9 من صفر 1340هـ= 12 من أكتوبر 1921م)، اعترفت بمقتضاها حكومات الحلفاء بعودة السيادة التركية إلى «إستانبول» و «البوغازين»، و «تراقيا الشرقية»، وأجَّلت عودة الأتراك إلى هذه المناطق حتى توقع معاهدة الصلح. وفى (ربيع أول 1341هـ= أول من نوفمبر سنة 1922م) أعلن المجلس الوطنى الكبير أن السلطنة قد زالت منذ أن احتل الإنجليز «إستانبول» قبل ذلك بسنتين، كما أن المجلس قرر أنه هو وحده الذى يختار الخليفة من بين أفراد أسرة «آل عثمان». وفى (26 من ربيع الأول 1341هـ= 17 من نوفمبر 1922م) أجبر السلطان «وحيد الدين» على ترك منصب السلطنة، وترك عاصمة الخلافة إلى «مالطة» حيث أقلته بارجة حربية إنجليزية كانت راسية بالميناء تنتظر ذلك، ونودى بالأمير «عبد المجيد بن عبد العزيز» ابن عم «وحيد الدين» خليفة للمسلمين بعد موافقة المجلس الوطنى الكبير. وفى (10 من ذى الحجة 1341هـ= 24 من يوليو سنة 1923م) جرى التوقيع على «معاهدة لوزان»، التى نصت على عودة السيادة التركية على ما يقرب من كل الأراضى التى تشتمل عليها تركيا الآن، وألغيت الامتيازات الأجنبية، ونتيجة لما توصل إليه فى «معاهدة

لوزان» أحرز «مصطفى كمال» هيبة وسلطة كانتا لازمتين لإتمام تشكيل الدولة الجديدة، فلما انسحبت قوات الحلفاء دخلتها القوات التركية فى (23 من صفر 1342هـ= 6 من أكتوبر 1923م)،وبعد ذلك بأسبوع أصدر المجلس الوطنى الكبير قانونًا جديدًا نص على جعل «أنقرة» العاصمة الرسمية للدولة التركية بدلا من «إستانبول» التى تحمل ذكريات الخلافة والسلطنة، ثم أقر المجلس قانونًا جديدًا فى (18 من ربيع أول 1342هـ= 29 من أكتوبر 1923م) نص على كون «تركيا» جمهورية تستمد كيانها من الشعب، وانتخب «مصطفى كمال» أول رئيس للجمهورية. وفى (23 من رجب 1342هـ= 1 من مارس 1924م) دعا «مصطفى كمال» المجلس الوطنى إلى عقد جلسة وقدّم مرسومًا بطرد الخليفة، وإلغاء الخلافة، وفصل الدين عن الدولة، واستمر الجدل والنقاش حول هذه الخطوة فى المجلس عدة أيام، وفى صباح اليوم الثالث من شهر مارس أذيع نبأ إلغاء الخلافة وفصل الدين عن الدولة، وأمر فى الوقت نفسه السلطان «عبد المجيد» بمغادرة البلاد إلى «سويسرا». وما إن تم القضاء على الخلافة حتى جرت سلسلة من التغييرات التى استهدفت فصل الدين عن الدولة، فألغيت وزارة الأوقاف وصودرت ممتلكاتها، وألغيت وظيفة شيخ الإسلام، ونقل الإشراف على المدارس الدينية إلى إدارة التعليم المدنى التى أصبحت مسئولة عن التعليم العام، ثم ألغيت المحاكم الشرعية التى انتقلت اختصاصاتها إلى المحاكم المدنية، كما ألغيت الكتابة بالحروف العربية، واستبدلت بها الحروف اللاتينية. وفى سنة (1353هـ= 1934م) أعطيت المرأة التركية حق الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية، وألغيت الألقاب العربية، وفرض على الأتراك استعمال ألقاب أسرية على النمط الغربى، وقد استهل «مصطفى كمال» هذا الإجراء بأن أطلق على نفسه لقب «أتاتورك» بمعنى «أبو الترك»، وجعلت العطلة الرسمية الأسبوعية يوم الأحد بدلا من يوم الجمعة، وفرض على الأتراك ارتداء القبعة والملابس الأوربية.

8 - 6:العرب تحت الحكم العثمانى

الفصل السادس *العرب تحت الحكم العثمانى حكم العثمانيون العرب نحو أربعة قرون، وذلك من أوائل القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، وقد تقلبت أحوال العرب فى هذه القرون وتطورت علاقاتهم بالعثمانيين؛ تبعًا لتطور الحكم العثمانى نفسه، واتجاه الأطماع الأوربية إلى بلادهم. فعندما فتح العثمانيون العالم العربى كان قد حل به قدر كبير من الإعياء؛ نتيجة حروبه المتصلة مع المغول والصليبيين والبرتغال والإسبان، واضمحلال موارده الاقتصادية؛ ونتيجة لذلك نزل عن مكان الصدارة؛ وضعفت قوته. وقد اعتمد العثمانيون فى فتح العالم العربى على عامل الدين؛ إذ رأى العرب أن الوازع الدينى يدفعهم إلى الولاء للخليفة العثمانى، أما الخروج عن واجب الولاء فإضعاف للدين والدولة؛ مما يفتح الباب للدول الأوربية الطامعة فى بلاد العرب والمسلمين. وقد بلغت الدولة العثمانية أقصى اتساعها وقوتها؛ عندما استولت على معظم أجزاء العالم العربى، واستلزم ذلك تقسيم الدولة إلى ولايات كثيرة العدد، وتقسيم كل ولاية إلى عدد من الألوية، وضم كل لواء عددًا من المقاطعات، وعين السلطان فى كل ولاية نائبًا له يُلقب «باشا». وكان هؤلاء الولاة لا يعينون إلا لمدة عام، فإذا انتهى العام إما أن ينقلوا إلى مناصب أخرى، أو يجدد لهم عامًا آخر، وقد أوجد هذا التعيين فى نفوس هؤلاء الولاة شيئًا من القلق؛ فلم يكونوا على ثقة ببقائهم فى مناصبهم، ولذلك لم يهتموا بوضع الخطط لإصلاح الولايات التى يحكمونها. وكان لكل نائب (باشا) ديوان يشير عليه فى الأمور المهمة ويتألف من كبار الضباط والأعيان والعلماء. وجرى العثمانيون على ترك شئون الحكم الداخلى فى الولايات لأصحاب العصبيات الإقليمية أو العنصرية أو الدينية، كأمراء المماليك فى «مصر»، وزعماء العشائر البدوية فى «العراق»، والأمراء المعنيين والشهابيين فى «لبنان». محاولات العرب للانفصال عن الدولة العثمانية:

احتفظ العرب بقوميتهم إلا أن عاطفة الولاء للخليفة العثمانى كانت أقوى أثرًا من العاطفة القومية، وكانت هذه العاطفة الدينية تدعو العرب إلى التمسك بالولاء للسلطان والدولة، فكانوا يرون أن الخروج على الدولة خروج على الدين الإسلامى، وتفتيت لوحدته. وكان من الطبيعى أن تحدث بعض الفتن والاضطرابات فى أنحاء مختلفة من العالم العربى، نتيجة انتهاز بعض الحكام أو أصحاب العصبيات الإقليمية أو العنصرية فرصة اضطراب الأحوال الداخلية فى الدولة العثمانية؛ فقاموا ببعض المحاولات للاستقلال ببعض أقاليم الدولة، لكن هذه المحاولات فشلت؛ لأن معظمها حركات لم تنبع من صميم الشعب العربى؛ الذى كان يحرص على الرابطة الدينية؛ إذ قام بها زعماء إقطاعيون؛ كان هدفهم الأول الاستحواذ على السلطة والنفوذ، ومن أمثلة هذه الحركات: فى «مصر»: حاول «على بك الكبير» أن يستقل عن الدولة العثمانية فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، فقام بطرد الباشا العثمانى، وتعقب القوات العثمانية، كما عمل على الاستحواذ على «سوريا» من الحكم العثمانى وضمها إلى «مصر»، وحاول الاتصال بروسيا التى كانت فى حرب مع الدولة العثمانية؛ ولكن هذه المحاولة فشلت. وفى «الشام»: كانت هناك ثورات حاولت الانفصال عن الدولة العثمانية؛ ومن أهمها ثورة الأمير «فخر الدين المعنى الثانى» فى جبل «لبنان»، وكان زعيمًا واسع الأطماع؛ تغلَّب على منافسيه من الزعماء الإقطاعيين، وتطلَّع إلى الاستعانة ببعض الدول الأوربية فى الانفصال عن الدولة العثمانية، فعزمت الدولة العثمانية على القضاء عليه، ففر هاربًا إلى أمير «توسكانا». وعاش الأمير «فخر الدين» هو وحاشيته فى «إيطاليا» نحو خمس سنوات، ثم رجع بعدها إلى «الشام»، وحاول السيطرة عليها مرة أخرى، ولكن الدولة العثمانية تمكنت من القضاء على فتنته، وقبض على «فخر الدين»، وأُرسل هو وأولاده إلى «إستانبول».

وقد دخل فى هذه الفترة فن الطباعة، وتعد أول مطبعة دخلت العالم العربى هى التى أنشئت فى «لبنان»، وترتب على دخول المطبعة وإنشاء المدارس الدينية قيام حركة ترجمة واسعة، اقترنت بحركة إحياء الآداب وجمع مخطوطاتها وتأليف المعاجم العربية. وظهر أيضًا فى «لبنان» فى أوائل القرن التاسع عشر شخصية بارزة لعبت دورًا كبيرًا فى «الشام» وهى شخصية الأمير «بشير الشهابى الكبير»، الذى حالف «محمد على» والى «مصر» ضد الدولة العثمانية، وأعانه على فتح «الشام»، وحكمها حتى انسحبت القوات المصرية على إثر تدخل الدول الأوربية الكبرى فى سنة (1255 - 1256هـ= 1839 - 1840م)، ونفى الأمير «بشير» إلى «مالطة»، ثم انتقل إلى «إستانبول» حيث مات فيها. وفى «فلسطين»: ظهر الشيخ «ضاهر العمر» وهو من شيوخ البدو فى «فلسطين»، وكان واسع الأطماع، فمد بصره إلى خارج «الشام»؛ حيث اتصل بعلى بك الكبير فى «مصر»، وحاول الاستعانة بروسيا؛ لكن الدولة العثمانية تمكنت فى النهاية من القضاء على حركته. وفى «العراق»: نجد الباشوات المماليك قد فرضوا شخصيتهم فى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وبرزت فى «العراق» شخصيتان مهمتان أولهما: «سليمان باشا» الذى تحدى رجال الدولة وامتنع عن إرسال الأموال إلى «إستانبول»، وعنى بتدريب المماليك حتى استطاعوا الاحتفاظ بالحكم من بعده. أما الآخر فهو «داود باشا» آخر حكام المماليك فى «العراق»، فقد تولى الحكم فى ظروف قاسية؛ حيث سادت الفتن والاضطرابات «العراق» من الداخل، وتحفزت «إيران» لغزوه من الخارج، فاتجه «داود باشا» إلى تنظيم إدارته، وإشاعة الرخاء وإنشاء المدارس، كما أدخل أول مطبعة فى «العراق»، وكان «داود باشا» يضيق بالنفوذ الإنجليزى، وبالامتيازات التى يتمتع بها الإنجليز. وفى «اليمن»: رفض الناس حكم «الأتراك»؛ لاختلاف المذهب الدينى، فأهل «اليمن» من الشيعة، والعثمانيون من أهل السنة؛ لهذا توالت

الثورات على العثمانيين، وتزعم إمام «صنعاء» حركة المقاومة ضد العثمانيين حتى أجلاهم عن «صنعاء»، ثم عن بقية أنحاء «اليمن» سنة (1045هـ= 1635م). وبهذا كان «اليمن» أول بلد عربى استقل عن الحكم العثمانى، إلا أن العثمانيين ظلوا يتشبثون بالسيادة على «اليمن»؛ حتى سنحت لهم الفرصة فى سنة (1289هـ= 1872م) فأعادوه إلى نفوذهم. وفى «ليبيا»: كانت هناك أسرة عثمانية اتخذت «ليبيا» موطنًا لها هى الأسرة القرمانية، وكان مؤسسها هو «أحمد القرمانى» الذى قضى على الثورات الداخلية التى قام بها أصحاب العصبيات داخل البلاد، وعمل على المحافظة على وحدة «ليبيا»، وتأمين التجارة عبر الصحراء، فدَان له حكم «ليبيا»،فحكمها حتى سنة (1158هـ= 1745م). وقد اهتم خلفاء «أحمد باشا» بالبحرية الليبية التى أكسبت «ليبيا» فى عهدهم قوة ومهابة، وكانت من أهم الموارد الاقتصادية لليبيا، وذلك لأن الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية كانوا يدفعون لليبيا إتاوة حتى يضمنوا سلامة سفنهم التجارية فى «البحر المتوسط»، ثم ضعف النشاط البحرى الليبى بسبب موقف الدول الأوربية منها وعملها على القضاء عليها، فاضطربت مالية البلاد، ومد الولاة أيديهم إلى الأجانب طلبًا للقرض. وزاد الأمر سوءًا باحتلال «فرنسا» للجزائر سنة (1246هـ= 1830م)، فأوجد بذلك خطرًا جديدًا ببلاد المغرب، هذا بالإضافة إلى اضطراب الولاة القرمانيين فى حكم البلاد. وانتهز السلطان «محمود الثانى» الفرصة فأرسل أسطولا فى مايو سنة (1251هـ= 1835م) إلى «ليبيا»، ولم يلق مقاومة كبيرة، فأعلن تعيين والٍ جديد من قبل الدولة وعادت «ليبيا» ولاية عثمانية. أما «الجزائر» و «تونس»: فقد استبد بالسلطة فيهما رؤساء الجند واختاروا من بينهم حاكمًا يدعى «الداى» فى «الجزائر»، و «الباى» فى «تونس»، وأصبحت «الجزائر» و «تونس» مستقلتين فى إدارة شئونهما، وليس للدولة العثمانية عليهما سوى حق السيادة، وقامت

فى «تونس» أسرة حاكمة هى «الأسرة الحسينية» ومؤسسها «حسين بن على» وفى عهدها استكملت «تونس» شخصيتها، فنظمت علاقاتها بالدول الأوربية، وعقدت معها المعاهدات لتأمين تجارتها فى «البحر المتوسط». وفى النصف الثانى من القرن الثامن عشر تعرضت الدولة العثمانية لأخطر حركتين كادتا تعصفان بكيانها فى البلاد العربية: الأولى: الحركة الوهابية: تنتمى هذه الحركة إلى الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» المولود فى «نجد» سنة (1108هـ= 1696م) فى قرية «العينية»؛ حيث كان جده ثم أبوه يتوليان منصب القضاء فيها فنشأ فى بيت علم نشأة دينية، كان لها أثرها فى شخصيته، فقام يدعو إلى التوحيد بعد أن أكثر من التأمل فيما آلت إليه أحوال المسلمين فى عصره، وهاله ما رآه من البدع والخرافات التى ألصقها البعض بالدين، كالاستعانة بالموتى والتبرك بالأشجار والأضرحة، ووجد أن التوحيد الذى يتميز به الإسلام على سائر الأديان أصبحت تحيط به مظاهر الوثنية والشرك، فأخذ يدعو إلى نبذ هذه البدع، فثار عليه الناس واضطهدوه فبدأ يكتب رسالته المشهورة: «التوحيد الذى هو حق الله على العبيد». ابن عبد الوهاب فى الدرعية: وقد اتبعه فى البداية عدد قليل من الناس وعارضه كثير منهم، كما تنقل أكثر من مرة خوفًا من القتل، وفرارًا من عدوان الناس؛ حتى انتهى به المطاف فى «الدرعية»؛ حيث أيَّد أميرها «محمد بن سعود» دعوة الشيخ، وتحالف الاثنان على العمل لنشر الدعوة الجديدة بين المسلمين. اتساع الحركة والتوسع السعودى: وإلى جانب النشاط الدعوى للحركة الوهابية بدأ نشاط عسكرى ضد المخالفين للرأى، فأخذت الدولة السعودية الجديدة تتسع، حتى شملت معظم أنحاء «نجد» قبل وفاة «محمد بن سعود» سنة (1179هـ= 1765م)، وبعد وفاته تولى الحكم بعده ابنه «عبد العزيز»، وفى عهده ازدادت الحركة الوهابية قوة وانتشارًا، فتخطت حدود «نجد»، وفى عهد «سعود بن عبد العزيز» (1218 - 1229هـ= 1803 - 1814م)

بلغ النفوذ السعودى أقصى اتساعه؛ حيث تم فتح «الحجاز» فأصبحت الأماكن المقدسة تحت سيطرة آل سعود، ووصلت غاراتهم إلى «الشام» و «العراق». موقف دولة الخلافة العثمانية: كان فى استيلاء السعوديين على الجزيرة وتهديدهم للشام و «العراق» دوى كبير فى العالم الإسلامى، وتهديد لسمعة الدولة العثمانية التى حاولت القضاء على هذه الحركة عن طريق ولاتها فى «العراق» ثم «الشام» ولكن هذه الغارات باءت بالفشل. وفى النهاية اضطر السلطان العثمانى إلى الاستعانة بوالى «مصر» «محمد على باشا»، فتمكن عن طريق ثلاث حملات قاد إحداها بنفسه أن يستولى على «الحجاز»، ثم «نجد»، ودخل «الدرعية» وقضى بذلك على الدولة السعودية الأولى. وعلى الرغم من هزيمة السعوديين وتشتيت ملكهم بقيت الدعوة الوهابية كامنة فى النفوس، بل لقيت قبولا لتعاليمها خارج «الجزيرة العربية»، ولقد أثبتت الدعوة الوهابية قدرتها على أن تكون دعوة يقوم حولها ملك عربى، فقد قامت الدولة السعودية الأولى وانتشرت بفضل أمير الدعوة الوهابية، ثم قامت الدولة السعودية الثانية بعد انتهاء الحكم المصرى معتمدة على الدعوة الوهابية، كما اعتمد عليها «عبد العزيز آل سعود» فى تأسيس الدولة السعودية الثالثة. الثانية: الحملة الفرنسية على مصر: كانت الحملة الفرنسية على «مصر» حلقة من حلقات الصراع الذى عم القارة الأوربية فى أعقاب الثورة الفرنسية، فقد حاولت الملكيات والإمبراطوريات فى «أوربا» القضاء على الثورة فى مهدها؛ لمنع انتشار أفكارها فى بقية القارة، ولكن «فرنسا» بفضل جيشها القوى وقائدها «نابليون بونابرت» تمكنت من هزيمة أكثر جيوش «أوربا» عدا «إنجلترا» التى أفلتت من يد «نابليون»؛ بسبب موقعها البحرى وقوة أسطولها سيد البحار فى ذلك الوقت. هذا فى الوقت الذى كان فيه العالم العربى يعيش حالة من الجمود والعزلة التى فرضت عليه. وبعد صلح «كاميو فورميو» الذى قضى على نفوذ «النمسا» فى

«البحر المتوسط» وحصلت «فرنسا» بموجبه على بعض جزر «البحر المتوسط»، أخذت «فرنسا» تعد العدة لغزو «إنجلترا»، لكن صعوبة هذه الفكرة وخطورة تنفيذها جعلت «فرنسا» تفكر فى ضرب «إنجلترا» فى تجارتها فى الشرق، فاختارت «مصر» لتكون حجر الزاوية فى تكوين مستعمرة فرنسية، وتضرب من خلالها «إنجلترا» فى تجارتها فى الشرق. فقد أبحر «نابليون» من «ميناء طولون» فى (3 من ذى الحجة سنة 1212هـ= 19 من مايو سنة 1798م) على رأس أسطول «فرنسا» وجيش تعداده نحو (36) ألف جندى، واستولى فى طريقه على «جزيرة مالطة»، ثم وصل إلى «الإسكندرية»، فاستولى عليها بعد مقاومة عنيفة كاد «نابليون» نفسه أن يقتل فيها. ثم توجه إلى «القاهرة»، فاستولى عليها بعد أن هزم فلول المماليك عند منطقة «إمبابة»، وفرت بقية فلول المماليك إلى «الصعيد» و «الشام». قضت الحملة الفرنسية فى «مصر» نحو ثلاثة أعوام لم ينعم الفرنسيون خلالها بالراحة والطمأنينة، فقد قامت ثورات كثيرة كان أخطرها وأهمها ثورتا «القاهرة الأولى» و «الثانية». كما كان السلطان العثمانى يرسل الحملة تلو الأخرى فى محاولة لإخراج الفرنسيين من «مصر»، كما قامت «إنجلترا» بإرسال أسطولها إلى الشواطئ المصرية؛ حيث قام بتحطيم الأسطول الفرنسى فى معركة «أبى قير البحرية»، ونتيجة لهذه الثورات وانقطاع الاتصالات بين فرنسا الأم وحملتها فى «مصر»، وتحطيم الأسطول الفرنسى؛ عاد «نابليون» إلى «فرنسا» تاركًا قيادة الحملة لخليفته «كليبر»، الذى لم يلبث أن قُتل على يد «سليمان الحلبى» أحد طلاب الأزهر الشريف، الذى جاء إلى «مصر» ليتعلم فى «الأزهر»، فرأى مدافع «فرنسا» تدك «الجامع الأزهر» وخيولهم ترتع فيه، فقرر الانتقام منهم بقتل قائدهم «كليبر». ولما تولى «مينو» قيادة الحملة كانت أحوالها قد ساءت إلى حد كبير، ورَأََى «الإنجليز» والعثمانيين يُحكمون قبضتهم على مصر ففاوضهم على الجلاء وغادر «الإسكندرية» بعد توقيع الصلح مع من

تبقى من قوات الحملة الفرنسية فى (جمادى الآخرة 1216هـ= أكتوبر سنة 1801م) عائدًا إلى «فرنسا»،وعادت «مصر» ولاية عثمانية مرة أخرى. وعلى الرغم من فشل حملة «نابليون» على «مصر» فإنها كانت ذات نتائج أدت إلى تغيير فى بنية وعقلية المنطقة، منها أنها كانت بداية للاستعمار فى الشرق، وظهرت معها فكرة القومية العربية والشعور القومى وفكرة الاستقلال.

8 - 7:بناء مصر الحديثة فى عهد محمد على

الفصل السابع *بناء مصر الحديثة فى عهد محمد على خرجت الحملة الفرنسية من «مصر» بعد أن قضت على النظام المملوكى والعثمانى الذى كان قائمًا منذ أوائل القرن (10هـ= 16م)، فكانت الفرصة مواتية أمام «محمد على باشا» لكى يستفيد من تنازع النفوذين المملوكى والعثمانى فى السيطرة على مقدرات الأمور فى «مصر». رأى «محمد على» أن الوقت لم يحن ليتقدم لانتزاع السلطة فى «مصر»، فآثر التريث والعمل على التقرب إلى الشعب المصرى، الذى ظهرت فاعليته فى مقاومة الفرنسيين، فاتحد مع «إبراهيم بك» و «البرديسى بك» زعيمى المماليك، وقاموا باحتلال «القاهرة» وطرد الوالى التركى والحامية العثمانية، وظل «محمد على» يعمل فى الخفاء ويوطد صلاته بزعماء الشعب، ولكن الأمر لم يستقر للمماليك؛ حيث إنهم عادوا إلى ظلم الشعب وإرهاقه بالضرائب، فثار عليهم الشعب وتحالف معه «محمد على» وقواته التى قامت بمهاجمة المماليك فى كل مكان حتى أرغمهم على الفرار وترك «القاهرة»، وتسلم «خورشيد باشا» التركى الحكم، وأراد أن يبعد «محمد على» عن «القاهرة»؛ فثار الشعب ضده بقيادة الزعماء والعلماء، الذين اتفقوا على عزله وتولية «محمد باشا». وقام السيد «عمر مكرم» نقيب الأشراف، والشيخ «الشرقاوى» شيخ «الجامع الأزهر» بإلباسه خلعة الولاية فى (14 من صفر 1220هـ= 13 من مايو 1805م)، بعد أن اشترطوا عليه أن يحكم بالعدل وإقامة الأحكام والشرائع الإسلامية، وألا يفرض على الشعب ضرائب جديدة دون أن يرجع إلى زعمائه وعلمائه. حرص «محمد على» فى أول حكمه على استمالة زعماء الشعب اعترافًا بفضلهم وانتظارًا للفرصة المواتية للتخلص منهم حتى ينفرد بالحكم، واستطاع فى النهاية القضاء على هذه الزعامات الشعبية والاستبداد بالحكم. إمبراطورية «محمد على»: كان «محمد على» يحلم بإقامة إمبراطورية عربية كبرى مستغلا مواهبه الشخصية وضعف الدولة العثمانية، ومؤيدا من بعض الدول الأوربية مثل «النمسا» و «فرنسا».

وقد مر تكوين إمبراطورية «محمد على» بالأدوار الآتية: أولاً: الاستيلاء على شبه الجزيرة العربية: بعد ظهور دعوة الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» الإصلاحية، التى أخذت خطا سياسيا بعد أن كانت دعوة دينية، وفشلت جهود الدولة العثمانية فى القضاء عليها؛ لجأ السلطان العثمانى إلى «محمد على» ليعاونه فى إخماد هذه الحركة. وقد استمرت الحملة المصرية على «شبه الجزيرة» سبع سنوات تمكن خلالها «محمد على» من القضاء على الحركة الوهابية ودولتها ودخول عاصمتها الدرعية، وقد أكسبت هذه الحملة «محمد على» صلة وثيقة بالعالم العربى نظرًا لسيطرته على الحرمين الشريفين. ثانيًا: السودان: اتجه «محمد على» إلى «السودان» فى سنة (1235هـ= 1820م) ليفتحه ويستثمر مناجم الذهب، ويسيطر على منابع النيل، فأرسل جيشه إلى «السودان» فسقطت المدن السودانية تباعًا، وقد حققت حملة «محمد على» فى «السودان» امتداد العنصر العربى فى «وسط إفريقيا» وزادت من رقعة البلاد التى يسيطر عليها. ثالثًا: حرب المورة: فى الوقت الذى كان فيه «محمد على» يوطد دعائم دولته، دعاه السلطان العثمانى ليخوض معركة ضد «بلاد المورة» التى ثارت على حكم العثمانيين، ولم تتمكن الدولة من القضاء عليها سنة (1236هـ= 1821م)، ووافق «محمد على»، وأرسل جيوشه أملاً فى الحصول على «الشام» هدية من السلطان العثمانى، وبفضل قوة «مصر» الحربية بدأ إخماد الثورة، غير أن تدخل «روسيا» و «بريطانيا» فى الحرب وتحطيمهما للأسطول المصرى فى معركة «نوارين» جعل «محمد على» يقبل الهدنة ويسحب جيشه من «المورة». ضم بلاد الشام: تعتبر حملات جيش «محمد على» على بلاد «الشام» بقيادة ابنه «إبراهيم» أوسع الحروب التى خاضها وأكثرها شأنًا، وإذا كانت حروبه السابقة بأمر السلطان العثمانى ودفاعًا عن دولة الخلافة، فقد كانت حروب «الشام» ضد السلطان، وأوجدت الفرصة للتدخل الأوربى المباشر بينهما.

كان «محمد على» ينظر إلى بلاد «الشام» على أنها خط الدفاع الأول عن «مصر» من ناحية الشمال، وكان يطمع فى ضمها إلى دولته، لحماية «مصر» من الشمال، بالإضافة إلى ما تتمتع به «سوريا» من مزايا اقتصادية أهمها وجود الأخشاب وبعض المعادن التى تفتقر إليها «مصر». انتهز «محمد على» انشغال السلطان بحربه فى «أوربا»، فهاجم «سوريا» مفتعلا خلافًا مع والى «عكا» «عبد الله الجزار»، فأرسل جيوشه بقيادة ابنه «إبراهيم» إلى «الشام» فى (جمادى 1247هـ= أكتوبر 1831م). وتطورت الحرب فدخل «إبراهيم باشا «دمشق» وهزم الأتراك فى «حمص» فى موقعة «مضيق ميلان»؛ وبذلك وصل إلى «جبال طوروس»، ثم تقابل الجيشان المصرى والتركى فى «قونية»، وكان النصر حليف جيش المصريين، وتدخلت دول غرب «أوربا»، فطلبت من «محمد على» وقف القتال وعزمت على التدخل بعد أن رأت أن «روسيا» تريد أن تتدخل فى الأمر، ثم فرضت الدول الأوربية على «محمد على» قبول اتفاق «كوتاهية» وبمقتضاه أعطى «محمد على» حكم بلاد الشام وابنه «إبراهيم» حكم «أطنة»، بشرط ألا يكون لهما الحق فى توريثهما، وبذلك قامت دولة عربية تمتد من «أطنة» شمالا إلى «بحر الجبل» بالسودان جنوبًا، ومن «الخليج» شرقًا إلى حدود «برقة» غربًا. ولم تعمر هذه الدولة العربية طويلا؛ إذ اجتمعت عليها عوامل أدت إلى انهيارها سنة (1256هـ= 1840م)، فلم يحظَ الحكم المصرى فى هذه البلاد بالقبول، ففى «الحجاز» و «السودان» اعتبر الأهالى جنود «محمد على» محتلين لبلادهم، وفى «الشام» استاء الأهالى من سياسة الحكم المصرى فى جمع الضرائب واحتكار تجارة الحرير، ومن ثم قاموا ببعض الثورات. كما أن السلطان العثمانى كان ساخطًا على «محمد على» وكان يعمل جاهدًا على عزله، وكانت الدول الأوربية تعارض قيام دولة عربية قوية تقف فى وجه أطماعها فى أملاك الدول العثمانية. اجتمعت كل هذه العوامل للقضاء على «محمد على»، وتمثلت فى

اتفاقية لندن سنة (1256هـ= 1840م)، والتى أجبرت فيها الدول الأوربية «محمد على» على قبول الصلح مع الدولة العثمانية والتنازل لها عن «بلاد الشام» وأعطى هو حكم «مصر» وابنه «إبراهيم» ولاية «عكا». وبذلك عادت البلاد العربية فى «الشام» و «الجزيرة العربية» إلى ما كانت عليه قبل «اتفاق كوتاهية سنة (1249هـ= 1833م).

8 - 8:الاستعمار الأوربى فى الوطن العربى حتى الحرب العالمية الأولى

الفصل الثامن *الاستعمار الأوربى فى الوطن العربى حتى الحرب العالمية الأولى الاستعمار: هو السيطرة التى تفرضها دولة قوية على أخرى ضعيفة، وهذه السيطرة قد تأخذ أشكالا مختلفة، مثل السيطرة العسكرية على البلاد أو السيطرة الفكرية والاقتصادية على الأمم المقهورة. وقد ادعت الدول الأوربية كذبًا أنها قامت بحركة التوسع الاستعمارى بهدف تحضير وتطوير العالم الثالث، وأن ذلك رسالة الرجل الأبيض تجاه شعوب العالم الثالث، وليس أبلغ فى الدلالة على كذب هذه الدعوى من رفض الكتاب والمفكرين الغربيين لها. كانت الدولة العثمانية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر قوة عظمى تسيطر على غرب ووسط «آسيا» وشمال «إفريقيا»، وجنوب شرق «أوربا»، ثم أخذت الدولة العثمانية فى الضعف وطمعت دول «أوربا» فى ممتلكاتها. الاستعمار البريطاني: أولا: الجنوب العربى: تعرض الجنوب العربى وبخاصة «عدن» لسيطرة الاستعمار المبكرة، ففى سنة (1214هـ= 1799م) احتلت «بريطانيا» «بريم»، وعين أول مندوب بريطانى فى اليمن سنة (1216هـ= 1801م)، ثم أنشأ الإنجليز مستودعًا للفحم سنة (1245هـ= 1829م)، وأرادت «إنجلترا» أن تشترى مرفأ «عدن» من السلطان العثمانى ولكنه رفض واستولت عليه بالقوة فى (1255هـ= 1839م). وبعد افتتاح «قناة السويس» سنة (1286هـ= 1869م) امتد نفوذ «بريطانيا» إلى «حضرموت»، واخترعت نوعًا جديدًا للسيطرة الاستعمارية وهو فرض الحماية على كل زعماء ومشايخ المنطقة كل على حدة. ثانيًا: وادى النيل: أراد «إسماعيل باشا» والى «مصر» أن يتشبه بالمدنية الأوربية، وأن يجعل «مصر» قطعة من «أوربا»، وعمل على أن تكون له إمبراطورية إفريقية امتدت جنوبًا إلى خط الاستواء؛ حيث ضمت «دارفور» ومنابع «نهر النيل»، كما ضمت «إريتريا» و «هرر» و «الصومال» فى شرق «إفريقيا»، ولكنه مع ذلك أغرق نفسه فى الديون التى شجعته عليها دول «أوربا» حتى وقع فى أزمة مالية، فانتهزت «إنجلترا» الفرصة

للتدخل فى شئون «مصر» ماليا، فجاءت البعثات الغربية للمحافظة على أموال الدائنين، ثم أنشئ صندوق الدَّين للحد من حرية تصرف الدولة المصرية فى الإدارة والحكم، وكان هذا التدخل السياسى تمهيدًا للتدخل العسكرى من جانب «إنجلترا» فى عهد الخديو «توفيق»، الذى تولى بعد عزل الخديو «إسماعيل». ولما قامت الثورة العرابية بقيادة «أحمد عرابى» مطالبة بحق المصريين فى قيادة الجيش ومناصب الدولة العليا، أذعن الخديو لبعض مطالبها ثم تشكلت وزارة برئاسة «محمود سامى البارودى» تولى «عرابى» فيها نظارة الحربية، ولكن «إنجلترا» و «فرنسا» أخذتا فى تصعيد الأزمة بين الخديو ووزارة «البارودى»، ثم تطور الأمر فأرسلت «إنجلترا» و «فرنسا» أساطيلها إلى مياه «الإسكندرية» وطالبتا - فى مذكرة مشتركة - الحكومةَ المصرية بإبعاد زعماء الحركة العرابية عن «مصر» وإقالة حكومة «البارودى»، فرفض الوزراء والشعب هذه المذكرة، ولكن الخديو قبلها، وكان من الصعب تشكيل وزارة بدون «عرابى»، الذى أصبح ينال تأييد كلٍّ من الجيش والشعب، ولكن «إنجلترا» التى كانت مصممة على احتلال «مصر» بدأت أساطيلها فى ضرب «الإسكندرية» يوم (11 من يوليو 1882م) واضطر الجيش المصرى إلى إخلاء المدينة، ثم تقدمت القوات الإنجليزية حتى احتلت «القاهرة»، بعد أن هزمت العرابيين فى معركة «التل الكبير» فى (ذى القعدة 1300هـ= سبتمبر 1882م). الحركة المهدية: نشأت الحركة المهدية فى «السودان» على يد السيد «محمد أحمد المهدى»، الذى نشأ بالقرب من «دنقلة»،وحفظ القرآن الكريم وتعلم الفقه والحديث والتوحيد. نادى «المهدى» بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وهاجم الاختلاف فى الشروح والمسائل الفقهية الفرعية. وكان من أسباب قيام الحركة المهدية إرهاق حكومة «السودان» المواطنين بالضرائب، واحتكارها للمحاصيل والسلع التجارية المهمة، وإهمال السودان وعدم إرسال الإمدادات إليه أثناء انشغال «مصر»

بالحركة الوهابية، فاستغل أنصار «المهدى» انشغال العرابيين بالاحتلال الإنجليزى فاستولوا على «كردفان»، فقاد «هكس باشا» حملة مصرية للقضاء على المهديين، ولكن الحملة فشلت وقضى المهديون عليها، فطلب الإنجليز من الحكومة المصرية سحب قواتها من «السودان»، ولكن «شريف باشا» رئيس الوزارة رفض وقدم استقالته احتجاجًا على السياسة البريطانية، وخلفه «نوبار باشا» الذى استجاب وسحب الجيش المصرى من «السودان». ثم عهد الإنجليز إلى «غوردون باشا» بأمر الانسحاب فاستهان بأمر «المهدى» وحركته، فزحف «المهدى» إليه وحاصره فى «الخرطوم» وقتلوا «غوردون باشا»، مما كان له أثر كبير فى انتشار المهدية فى ربوع «السودان». ثم تُوفى «المهدى» فى سنة (1303هـ= 1885م) وخلفه «عبد الله التعايشى» الذى لم يكن على مستوى «المهدى» ونفوذه، فحاول غزو «مصر» ولكنه فشل ثم أرسل الإنجليز حملة كبيرة بقيادة «كتشنر» تمكنت من هزيمة المهدية والقضاء على حركتهم واحتلال «السودان». الاحتلال الفرنسى للمغرب العربى: أولاً: الجزائر: أرادت الحكومة الفرنسية فى عهد الملك «شارل العاشر» أن تصرف شعب «فرنسا» عن الثورة، وأن تشغله عن المشاكل الداخلية بالدخول فى مغامرات خارجية تحقق بها أمجادًا وانتصارات ترضيه بها، وكانت الجزائر فى ذلك الوقت دولة لها ديون على «فرنسا»، والتى اتخذت من قصة المذبَّة المشهورة ذريعة لاحتلال «الجزائر» فى يوليو سنة (1246هـ= 1830م). ولكن «الجزائر» لم تهدأ فقامت المقاومة بقيادة الأمير «عبد القادر الجزائرى» الذى أعلن قيام إمارة مستقلة فى جنوب «الجزائر»، ولكن «فرنسا» بعد عقدها معاهدة مع الأمير نقضت بنودها، وتشددت فى قتاله حتى استولت على أغلب مدن «الجزائر» فالتجأ الأمير «عبدالقادر» إلى «مراكش»، ولكن «فرنسا» أنذرت سلطان «مراكش» بعدم قبول الالتجاء، فسلم «عبد القادر» نفسه إليهم، حيث نفى إلى «دمشق» ليقضى بقية حياته بالشام. احتلال تونس:

أراد حكام «تونس» إدخال المدنية الغربية إلى بلادهم، ومن أجل ذلك قبلوا الاستدانة من دول «أوربا»، مما أوجد فى النهاية الفرصة للتدخل الأجنبى فى شئون «تونس». وكانت «فرنسا» هى المعنية بالدرجة الأولى بأمر «تونس»، ولكى تبرر تدخلها السافر فى أمر «تونس»، ادعت قيام إحدى القبائل التونسية بالاعتداء على عمال فرنسيين، فدخلت قوات «فرنسا» «تونس» وحاصرت العاصمة وأجبرت الباى على توقيع «اتفاقية تاردو» سنة (1299هـ= 1881م)، والتى يعترف فيها بالحماية الفرنسية على «تونس»، وبحق «فرنسا» فى إبقاء قواتها فى الأراضى التونسية بالإضافة إلى رعاية «فرنسا» لمصالح «تونس» فى الخارج، أى قبوله احتلال «فرنسا» لتونس. ولكن الشعب التونسى رفض قبول هذه الاتفاقية وثار عليها، ولكن القوات الفرنسية المجهزة بأحدث الأسلحة أخمدت هذه الثورة بكل عنف سنة (1301هـ= 1883م) وقيدت الباى بمعاهدة جديدة استكملت بها احتلال «تونس». احتلال مراكش: أرادت «فرنسا» أن تكون «مراكش» مكملة لمستعمراتها فى «المغرب العربى»، فدخلت فى صراع مع عدد من دول أوربا، فإسبانيا ترى فيها مجالاً حيويا لتمد سلطانها إلى الجنوب، و «إنجلترا» تريد السيطرة على «مضيق جبل طارق»، و «ألمانيا» التى دخلت حلبة الصراع الاستعمارى متأخرة تريد أن تكون «مراكش» مستعمرة لها، ولكن «إنجلترا» التى خشت من تزايد قوة البحرية الألمانية عقدت مع «فرنسا» ما عرف بالاتفاق الودى (1322هـ= 1904م) والذى أنهى النزاع حول «مراكش»، فقد أيدت «بريطانيا» احتلال «فرنسا» لمراكش فى مقابل عدم مطالبة «فرنسا» «إنجلترا» بالانسحاب من «مصر»، كما عقدت «فرنسا» معاهدة مع «إسبانيا» اعترفت فيها «إسبانيا» بمركز «فرنسا» فى «مراكش» فى مقابل اعتراف «فرنسا» بمركز «إسبانيا» فى منطقة الريف الساحلية المواجهة لإسبانيا. ولكن «ألمانيا» رفضت ذلك وساندت السلطان المغربى فى مطالبته باستقلال مدينة «طنجة».

وعقد مؤتمر الجزيرة الذى وقفت فيه «إنجلترا» و «إسبانيا» و «إيطاليا» إلى جانب «فرنسا»، وتقرر فى هذا المؤتمر الاعتراف بالنفوذ الفرنسى والإسبانى فى «مراكش». وانتظرت «فرنسا» الفرصة لاحتلال «المغرب» وواتتها الفرصة سنة (1330هـ= 1911م) عندما ثارت القبائل على السلطان «عبد الحفيظ» الذى استنجد بفرنسا التى سارعت إلى نجدته ودخلت قواتها مدينة «فاس» فى (ربيع 1330هـ= مارس 1911م)، ثم عقدت معاهدة الحماية مع السلطان «عبد الحفيظ» سنة (1331هـ= 1912م)، كما تمت التسوية بين «فرنسا» و «إسبانيا» فى (نوفمبر 1912م) وحددت مناطق نفوذ كل منهما، واتفق على أن يعين السلطان خليفة له فى منطقة الريف التى تخضع للنفوذ الإسبانى، وبذلك دخل «المغرب» تحت الاحتلال الفرنسى من ناحية، والإسبانى من ناحية أخرى. الاحتلال الإيطالى لليبيا: بعد أن أتمت «إيطاليا» وحدتها أخذت تهيئ نفسها لدخول حلبة الاستعمار الأوربى، ولكنها وجدت معظم الأقطار الإفريقية والأسيوية وقعت فريسة فى يد «إنجلترا» أو «فرنسا»، ولكنها رأت أن «ليبيا» التى تقع فى شمال «إفريقيا»، والتابعة للدولة العثمانية من الممكن أن تكون مستعمرة إيطالية، فأخذت الحكومة الإيطالية ترسل الإرساليات المختلفة من مدارس ومستشفيات وبنوك لتقرض الأهالى ثم تستولى على أراضيهم. ثم لعبت السياسة الاستعمارية دورها فأعلنت «إيطاليا» الحرب على الدولة العثمانية، وقامت باحتلال «ليبيا» سنة (1330هـ= 1911م)، لتكون مستعمرة لها، ومن أجل صرف نظر السلطان العثمانى عن «ليبيا» قامت «إيطاليا» بمهاجمة ميناء «الدردنيل» وميناء «بيروت» وساحل «اليمن»، وافتعلت ثورة فى منطقة «البلقان» لتجبر السلطان العثمانى على توقيع معاهدة سنة (1331هـ= 1912م) والتى اعترف فيها باستعمار «إيطاليا» لليبيا، مقابل اعتراف «إيطاليا» بالسيادة الروحية لتركيا، ولكن الشعب الليبى أخذ يقاوم الاحتلال عن طريق

الزوايا السنوسية التى نظمت حركة الجهاد أثناء الحرب العالمية الأولى، وعقدت عدة اتفاقيات حتى الحرب العالمية الثانية، حيث نالت «ليبيا» استقلالها. الحركة السنوسية: تنتسب هذه الحركة إلى مؤسسها السيد «محمد بن على السنوسى» الذى اتصل بالحركة الوهابية وتأثر بها أثناء قيامه بأداء فريضة الحج، ثم قام بإنشاء أول زاوية له بالحجاز سنة (1253هـ= 1837م)، ثم اتجه إلى موطنه الأصلى فى «الجزائر» سنة (1256هـ= 1840م)،ولكنه آثر تركها لوجود الاحتلال الفرنسى بها واتجه إلى «ليبيا»، وهناك التف حوله الأنصار والأتباع واتسعت حركته وانتشرت الزوايا السنوسية فى أنحاء «ليبيا»، وكانت تخضع للزاوية الرئيسية فى واحة «جغبوب» ثم فى «واحة الكفرة». وقد نادى «السنوسى» بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وتحكيم شرع الله، والعمل على محاربة البدع والمنكرات التى انتشرت فى بعض أنحاء العالم الإسلامى. كما دعا وتمسك بضرورة الانضواء تحت لواء الخلافة العثمانية على أنها الأمل الباقى لجمع المسلمين وتوحيد كلمتهم، وقد تصدى السنوسيون بكل قوة للاحتلال الإيطالى، وقادت الزوايا السنوسية حركة الجهاد ضده، وقد أحرز السنوسيون العديد من الانتصارات على القوات الإيطالية.

8 - 9:بعض الجوانب الحضارية فى الدولة العثمانية

الفصل التاسع *بعض الجوانب الحضارية فى الدولة العثمانية العناية باللغة العربية: منذ أن تولى الأمير «عثمان» مؤسس الدولة العثمانية الحكم سنة (680هـ= 1281م) وحكم (37) سنة أحاط نفسه بعلماء قبيلته ومشايخها الذين كانوا يعنون بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه، ومع تولى «أورخان» الحكم خرج التعليم من المسجد إلى المدرسة، حيث فتح أول مدرسة فى مدينة «إزميد» التى فتحها سنة (728هـ= 1327م)، وكان أول مدرس بها هو «داود القيصرى»، ودرست بها كثير من الكتب، فدرّس فى مادة التفسير كتابى «تفسير الكشاف» للزمخشرى، و «تفسير البيضاوى» لناصر الدين «عبد الله بن عمر البيضاوى»، وفى الحديث كتب الصحاح الستة، وهى: «صحيح البخارى»، و «صحيح مسلم»، و «سنن الترمذى»، و «سنن أبى داود»، و «سنن النسائى»، و «سنن ابن ماجه»، وكتاب «مصابيح السنة» للبغوى. ودرس فى مادة الفقه كتاب «الهداية» لشيخ الإسلام «برهان الدين على بن أبى بكر المرغنانى»، وكتاب «العناية فى شرح الوقاية» لعلاء الدين «على بن عمر الأسود»، وفى أصول الفقه كتاب «التلويح» للتفتازانى، و «منار الأنوار» للنسفى، و «المغنى» لجلال الدين عمر، و «مختصر ابن الحاجب». وتقرر فى العقائد كتاب «القاضى الإيجى»، وكتاب «النسفى» و «الطحاوى»، وفى علم الكلام كتاب «تجريد الكلام» للطوسى، و «طوالع الأنوار» للبيضاوى، و «المواقف» للإيجى، وفى علم البلاغة كتاب «مفتاح العلوم» للسكاكى، و «تلخيص المفتاح فى المعانى والبيان» للقزوينى، وفى المنطق كتاب «الإيساغوجى»، و «مطالع الأنوار» لسراج الدين الأرموى، وفى الفلك كتاب «الملخص» لمحمود بن محسن الجغمينى. ومن الكتب المقررة فى النحو: «ألفية ابن مالك» و «العوامل» للشيخ «عبد القادر الجرجانى»، و «الكافية فى النحو» لابن الحاجب، وكتب «ابن هشام»: «شذور الذهب»، و «قطر الندى»، و «مغنى اللبيب»، ودرس فى الصرف كتاب «أساس التصريف» لشمس الدين الغنارى، و «الشافية» لابن الحاجب وغيرهما.

وبرز كثير من علماء الدولة العثمانية فى مجال الثقافة الإسلامية المكتوبة باللغة العربية، مثل: «حاجى خليفة» صاحب كتاب «كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون»، وهو كتاب ببليوجرافى مهم، وله مكانته فى الدراسات العربية الإسلامية، جمع فيه أسماء (14500) كتابًا لتسعة آلاف وخمسمائة مؤلف، وتناول فيه نحو (300) فن أو علم، وقد حوى هذا الكتاب أمهات المصادر فى الفكر الإسلامى مما صنف باللغة العربية أو الفارسية أو التركية. ومن هؤلاء العلماء - أيضًا - «طاشكو برى زاده» وهو «عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى» صاحب كتاب «الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية»، تناول فيه تراجم أكثر من (500) عالم وشيخ من علماء الدولة العثمانية من عهد الأمير «عثمان» حتى السلطان سليمان القانونى، منهم: ابن كمال باشا «شمس الدين أحمد بن سليمان» الذى اشتهر بكثرة تآليفه ورسائله، وهو يشبه فى ذلك «السيوطى» و «ابن الجوزى» و «ابن حزم» ممن اشتهروا بكثرة مؤلفاتهم. يقول «اللكنوى» بأن لابن كمال باشا رسائل كثيرة فى فنون عديدة، لعلها تزيد على ثلاثمائة غير تصانيف له فى لغات إسلامية أخرى كالفارسية والتركية، وكان ذلك فى عهد السلطان «سليم الأول». وزخر عهد السلطان «محمد الفاتح» بالمصنفات العربية، وبخاصة أساتذته الذين قاموا بتعليمه وتثقيفه، مثل الشيخ «الكورانى»، والشيخ «خسرو»، كما ظهر فى عهد «سليمان القانونى» شيخ الإسلام «أبو السعود أفندى» صاحب التفسير المعروف «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم». وكانت اللغة العربية هى السائدة فى جميع المدارس والجامعات العثمانية، على حين استخدمت اللغة التركية فى الأعمال الحكومية فقط. وعنى السلاطين العثمانيون بالأدب والشعر، فكان السلطان «مراد الثانى» (805 - 855هـ= 1402 - 1451م) يعقد مجلسًا فى قصره، يدعو إليه الشعراء ليتسامروا ويقرضوا الشعر بين يديه، وكان يشجع حركة

الترجمة من العربية إلى التركية، وجعل من قصره مكانًا للمترجمين، فأصبح كأنه أكاديمية علمية. ثم خلفه ابنه «محمد الفاتح» الذى وصفه المؤرخون بأنه راعٍ لنهضة أدبية، وشاعر مجيد، وكان يجيد عدة لغات، ويداوم على المطالعة وبخاصة الكتب العربية التى ملأت مكتبته، ويعنى بالأدب عامة والشعر خاصة، ويصاحب العلماء والشعراء ويصطفيهم، وقد استوزر منهم الكثير، مثل: «أحمد باشا» و «قاسم الجزرى باشا»، وعهد إلى الشاعر الأناضولى «شهدى» أن ينظم قصيدة تصور التاريخ العثمانى باللغة الفارسية على غرار «الشاهنامة» التى نظمها «الفردوسى». وكان «محمد الفاتح» إذا سمع بعالم متبحر فى فن من الفنون فى الهند أو فى السند استماله بالإكرام، وأمده بالمال، وأغراه بالمناصب، ومثال ذلك: أنه استقدم العالم الكبير «على قوشجى السمرقندى» وكانت له شهرته فى الفلك، كما كان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندى «خواجه جهان» والشاعر الفارسى «جامى». وبرع «الفاتح» نفسه فى نظم الشعر، حتى اتخذ لنفسه اسمًا شعريا يستخدمه فى أشعاره التى تعكس رقة إحساسه، ورهافة مشاعره، وتبرز تكوينه الدينى. وخلفه ابنه «بايزيد الثانى» وكان عالمًا فى العلوم العربية، وفى الفلك، ومهتما بالأدب ومكرمًا للشعراء والعلماء. وكان السلطان «سليم الأول» شغوفًا بالشعر والشعراء والعلم والعلماء، حتى إنه صحب معه فى حملته على «فارس» الشاعر «جعفر ُلبى»، واصطحب فى حملته على «مصر» و «الشام» الشاعر «ابن كمال باشا». وقد ازدهر الأدب التركى منذ القرن الثامن الهجرى، وبلغ أوجه فى القرن الحادى عشر، وتأثر بالأدب الفارسى، كما ازدهر نوع من الشعر الشعبى الموزون فى أوساط سكان «الأناضول» و «الروملى»، وساهمت الترنيمات الصوفية لشاعرهم «يونس إمره» المتوفى سنة (721هـ= 1321م) فى تجسيد هذا الأدب الذى حافظ على وجوده واستمراريته فى المراكز الصوفية، ومن هذا الشكل الشعبى

من الأدب التركى انطلق الأدب التركى الحديث متأثرًا به وبالأدب الغربى. التاريخ والجغرافيا: قام العثمانيون بدور جيد فى مجال التاريخ، وبدأت المحاولات الأولى لتدوين التاريخ العثمانى تدوينًا منظمًا فى عهد السلطان «بايزيد الأول» على يد المتصوف «أحمد عاشق باشا»، ثم اهتم الباب العالى منذ القرن العاشر الهجرى بكتابة التاريخ، فعين المؤرخين الرسميين أمثال «سعد الدين» المتوفى سنة (1007هـ= 1598م). وتعد الجغرافيا أحد العلوم التى أجاد فيها العثمانيون نسبيا، وأشهر الأعمال الجغرافية ما كتبه الرحالة البحرى أو أمير البحر «بيرى رئيس» من كتب تتضمن رحلاته فى «البحر المتوسط»، واكتشافات الإسبان والبرتغال فى «إفريقيا»، كما ألف كتابًا عن الملاحة أطلق عليه اسم «بحريت»، وفى سنة (919هـ= 1513م) رسم خريطة للمحيط الأطلسى والشواطئ الغربية من «أوربا» وأهداها للسلطان «سليم الأول» بالقاهرة، ورسم خريطة أخرى تمثل اكتشافات البرتغاليين فى «أمريكا الجنوبية» و «الوسطى» و «نيوزيلاندا»، كما أسهمت كتب «حاجى خليفة» و «أوليا ُلبى» الجغرافية إسهامًا كبيرًا فى هذا المجال. الطب: وفى مجال الطب كانت تلقى المحاضرات العلمية الطبية نظريا، ويجرى تطبيقها عمليا فى مدرسة الطب، وزاول الطلبة تدريباتهم فى المستشفيات، وكانت الكتب المقررة تشمل كتاب «ابن سينا» المشهور «القانون» وكتب «ابن عباس المقوس». وقام بالتدريس فى المدارس الطبية العثمانية عدد من العلماء والأطباء الذين تلقوا تعليمهم فى البلاد العربية و «إيران» و «تركستان»، ومن أهم الأطباء فى ذلك العصر: «قطب الدين العجمى»، والطبيب «شكر الله الشروانى»، و «يعقوب الحكيم»، و «إلياس القرامانى». نظام القضاء: كان «القاضى عسكر» هو رئيس الهيئة القضائية، وهذا المنصب استحدثه السلطان «مراد الأول»، ثم أضاف إليه السلطان «محمد الفاتح»، والسلطان «سليم الأول» قاضيين آخرين، واحدًا لأوربا،

والآخر لإفريقيا، ولم تكن سلطتهم تقتصر على الشئون العسكرية بل تعدتها إلى الشئون المدنية، فهم الذين يعينون القضاة ونوابهم، وكل الموظفين القضائيين الآخرين، ويشكلون محكمة الاستئناف العليا. ويأتى العلماء الكبار بعد قضاة الجيش من حيث الترتيب، وهم يؤلفون قضاة العاصمة وعواصم الولايات، ثم يليهم العلماء الصغار الذين يزاولون القضاء فى المدن الثانوية، ويليهم قضاة الدرجة الثانية وما دونها. العلماء والفقهاء: كان مفتى «إستانبول» (شيخ الإسلام) هو الشخصية الثانية التى تخضع لها الهيئات القضائية الدينية. وخضع الموظفون الدينيون فى العاصمة لسلطة المفتى مباشرة، وكان ينوب عنه فى الولايات الكبرى قضاة العسكر. وكان ترتيب الموظفين الدينيين فى الجوامع الكبرى كما يلى: الخطيب - الإمام المقيم - المؤذن، ويقوم المرشحون لهذه المناصب بالتعلم فى المدارس الدينية الكثيرة التى شيدها السلاطين، وكان الطلاب فيها ينقسمون إلى ثلاث فئات: 1 - الصوفتا. 2 - المعيدون، حيث يحمل الطالب عند التخرج منها لقب «دانشمند» أو «عالم». 3 - فئة «المدرس». أما مشايخ الطرق الصوفية فقد تعلقت بهم قلوب كثير من الناس، وقد سادت هذه الطرق معظم أرجاء «آسيا الصغرى» كالنقشبندية والمولوية والبكتاشية، وكان لهم دور فى تهذيب العامة، وحضهم على التمسك بالفضيلة والأخلاق الإسلامية الحميدة. ومن أشهر الفقهاء العثمانيين: «أحمد بن إسماعيل الكورانى» المتوفى سنة (893هـ= 1487م)، والمولى «خسرو» الذى دعى بأبى حنيفة زمانه من قبل السلطان «محمد الثانى»، وتوفى سنة (885هـ). ومن العارفين والمتصوفة الشيخ «محمد بن حمزة» الشهير بلقب «آق شمس الدين» و «عبد الرحمن جامى» الذى توفى سنة (898هـ= 1492م). ومن العلوم العقلية والنقلية، ظهر اسم: «شمس الدين الفتارى» الذى خلف مكتبة بها (10) آلاف مجلد. العمارة عند العثمانيين: بلغ فن العمارة عند العثمانيين درجة عالية وخلَّف العثمانيون العديد

من الآثار العمرانية العظيمة أهمها: 1 - جامع آيا صوفيا: وهى الكنيسة السابقة التى حولها السلطان «محمد الثانى» إلى مسجد، يمثل الجامع الرئيسى فى العاصمة عقب فتح «القسطنطينية» مباشرة، وعُدِّلت لتلائم التقاليد الإسلامية، حيث غطيت الرسوم التى تمثل الفن البيزنطى، وشكل محراب وسط الجناح الجنوبى من الكنيسة، كما نصب المنبر على عمود الكنيسة الجنوبى الشرقى الكبير، وفى عهد السلطان «مراد الرابع» كتبت بعض الكلمات ذات الأحرف الكبيرة التى تحمل اسم الجلالة، واسم الرسول، والخلفاء الراشدين، وذلك على لوحات مستديرة شيدت على جدران المسجد، وهى بخط الخطاط «بيشكجى زاده مصطفى شلبى» الذى كتب حرف الألف وحده على سبيل المثال طوله عشرة أذرع، وكلها بخط متشابك بديع، وواصل باقى السلاطين إدخال تعديلاتهم وإصلاحاتهم بها. 2 - جامع السلطان محمد: الذى شيده المهندس اليونانى «خريستو دولوس» بأمر من السلطان «محمد الثانى»، ويقع وسط العاصمة «إستانبول». 3 - جامع السلطان أيوب: وكان السلاطين العثمانيون يتقلدون فيه مقاليد الحكم فى احتفال رسمى، وقد شيده السلطان «محمد الثانى» قرب ضريح الصحابى «أبى أيوب الأنصارى» رضى الله عنه. 4 - مسجد بايزيد: وشيده السلطان «بايزيد»، ويعد من أبرز الآثار العمرانية التى تمتاز بنفاسة المواد البنائية الزخرفية التى جرت على الطريقة الفارسية. 5 - جامع السليمانية، ويعد من أجمل آثار الفن المعمارى العثمانى، وشيده السلطان «سليمان»، وصممه المهندس المعمارى «سنان باشا»، على أعلى قمة جبلية فى «الأستانة». إلى جانب العديد من الجوامع العظيمة التى تزيد على الخمسمائة جامع، بخلاف المدافن والتكايا (الزوايا). أما القصور فأهمها قصر «سراى طوب قابو» التى تمتاز بفخامتها وامتدادها الواسع، ومبانيها، وحدائقها، وساحاتها الواسعة، و «سراى دولمة بهجة» على «البسفور» وتمتاز ببهوها الكبير،

وكانت مسكنًا للسلطان «محمد رشاد». وسراى «جراغان» وسراى «يلدز» وسراى «بكر بك» التى توفى بها السلطان «عبد الحميد الثانى» بعد خلعه. وأشهر المهندسين المعماريين فى الدولة العثمانية هو «سنان باشا»، الذى كان نصرانيا ثم أسلم وعمره (23) عامًا، واشترك فى الحملات العثمانية والفتوحات فى المشرق والمغرب، واطَّلع على كثير من الطرز والأعمال المعمارية التى جذبت انتباهه فى «تبريز» و «حلب» و «بغداد» ودول «أوربا». وعندما عاد إلى «إستانبول» تولى منصب كبير معمارى الخاصة السلطانية، وأصبح المسئول عن إقامة الأعمال المعمارية من قصور وجوامع ومدارس ومطاعم وحمامات وأضرحة، وبلغت أعماله المعمارية نحو (441) عملا موزعة فى مختلف أرجاء الدولة العثمانية، منها «جامع صقوللو محمد باشا»، و «جامع رستم باشا»، و «جامع شهر زاده»، و «جامع السليمانية»، و «جامع محمد باشا البوسنوى»، إلى جانب العديد من الأعمال فى البلدان العربية، وتشهد أعماله بالأصالة ويسودها المعرفة العميقة والتكنيك الهندسى، وفهمه الكبير للفن، ورقة ذوقه، وقد مكنه كل ذلك من إضافة أشكال جديدة للفن المعمارى. وتوفى «سنان باشا» سنة (966هـ= 1558م) وعمره يقارب المائة عام، بعدما عاصر خمسة من سلاطين العثمانيين. فن الرسم العثمانى: لم يظهر هذا الفن إلا فى عهد السلطان «محمد الفاتح» الذى دعا فنانين إيطاليين مشهورين إلى القصر السلطانى، وأوكل إليهم إنجاز بعض اللوحات للسلطان، وليقوموا بتدريب بعض العثمانيين على هذا الفن، وكان من أشهرهم «ماستورى بافلى» و «كونستانزى دافيرارى»،وظهرت كثير من المواهب الوطنية مثل «سنان» تلميذ «ماستورى بافلى» و «حسام زاده». ومن فنانى ذلك العهد «أحمد شبلى زاده» و «بابا مصطفى» و «تاج الدين بن «حسين بالى» و «حسن شلبى». ويبدو فى هذه الأعمال أثر المدارس الإيرانية، ويبرز اسم «المطرقى» الذى رسم لوحات تمثل حملات الجيش العثمانى ومناظر القلاع

والموانئ والمدن؛ مما كان له أثر فى تطور فن الرسم الزيتى العثمانى. وفى عهد «سليمان الأول» وصل فن المنمنمات العثمانى إلى أوجه، وقدم «كاتب الشيرازى» - الذى اتخذ اسمًا مستعارًا هو «عارفى» - وثائق الحوادث السياسية والاجتماعية التى جرت خلال حياة «سليمان الأول»، وكتب ورسم «عارفى» عملا من مآثر السلاطين العثمانيين حتى عهده هو «شاهنامة آل عثمان» فى خمسة مجلدات. ومن فنانى المنمنمات فى ذلك العصر: «على شلبى»، و «مولى قاسم»، و «محمد البورحى» و «أوستان عثمان»، و «لطفى عبدالله» و «رئيس حيدر». وفى عهد السلطان «مراد الثالث» وصل فن المنمنمات إلى أوجه، ومن أبرز الأعمال فى عصره «خورنامه» و «شاهنشاه نامه» المؤلفة من أشعار مكتوبة بالتركية والفارسية معًا، وتحكى توضيحاتها قصة فتوحات الجيش العثمانى الظاهر، والنشاطات الاجتماعية المتعددة لذلك العصر. ووجدت فى ذلك العصر مدرسة الفن الزيتى فى «بغداد» فى نهاية القرن (16م)، ولكن هذا الفن سرعان ما ضعف وتدهور فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.

مراجع الجزء الثامن

- المراجع: * برنارد لويس: استانبول وحضارة الخلافة العثمانية - تعريب: سيد رضوان علي - الدارالسعودية للنشر والتوزيع - جدة - الطبعة الثانية - 1982م * بول كولز: العثمانيون في أوربا - ترجمة: عبد الرحمن عبدالله الشيخ - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1993م * حسان عالاق: موقف الدولة العثمانية من حركة الصهيونية (1897 - 1909م) - دار الأحد - بيروت - 1938هـ = 1978م * حسين خوجة: ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان - تحقيق: الطاهر المعموري - الدار العربية للكتاب - ليبيا - بدون تاريخ * زياد أبو غنيمة: جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك - دار الفرقان للنشر والتوزيع - عمان - الأردن - الطبعة الثانية - 1406هـ = 1986م * عبدالعزيز محمد الشناوي: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - 1984م * عزيز سامح التر: الأتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية - ترجمة: محمود علي عامر - دار النهضة العربية - بيروت - الطبعة الأولي - 1409هـ = 1989م * علي حسون: تاريخ الدولة العثمانية - المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثالثة - 1415هـ = 1994م * القرماني (احمد تشيلي بن سنان الرومي): تاريخ سلاطين آل عثمان - تحقيق: بسام عبد الوهاب - دار البصائر - دمشق - الطبعة الأولي - 1405هـ = 1985م * محمد أنيس: الدولة العثمانية والشرق الأدنى (1514هـ = 1914م) - مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - 1984م * محمد حرب: العثمانيون في التاريخ والحضارة - المركز المصري للدراسات العثمانية وبحوث العالم التركي - القاهرة - 1414هـ = 1994م * محمد الخير عبد القادر: نكبة الأمة العربية بسقوط الخلافة العثمانية (1875 - 1925م) - مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة الأولي - 1405هـ = 1985م * محمد صادق العبسي: فتح القسطنطينية - دار الحوار للنشر والتوزيع - اللاذقية - سوريا - الطبعة الأولى - 1986م

* محمد عبد اللطيف البحراوي: حركة الإصلاح العثماني في عصر السلطان محمود الثاني (1808 - 1839م) - دار التراث - القاهرة - الطبعة الأولى - 1398هـ = 1978م * محمد فؤاد كوبرلي: قيام الدولة العثمانية - ترجمة: أحمد السعيد سليمان - الطبعة الثانية - الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1993م * محمد فريد بك: تاريخ الدولة العثمانية - تحقيق: احسان حقي - دار النفائس - بيروت - الطبعة الثانية - 1403هـ = 1983م * محمود ثابت الشاذلي: المسألة الشرقية - دراسة وثائقية عن الخلافة العثمانية (1299 - 1923م) - مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة الأولى - 1409هـ = 1989م * مصطفي حلمي: الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية - دار الدعوة - القاهرة - 1984م * موفق بني المرجة: صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد الثاني والخلافة الإسلامية - مؤسسة صقر الخليج للطباعة والنشر - الكويت - 1984م * يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية - منشورات مؤسسة فيصل للتمويل - إستانبول - الطبعة الأولى - 1408هـ = 1988م * يوسف آصاف: تاريخ سلاطين آل عثمان - تحقيق بسام عبدالوهاب - دار البصائر - دمشق - الطبعة الثالثة - 1405هـ = 1985م

المسلمون في أفريقيا جنوبي الصحراء

الجزء التاسع المسلمون في أفريقيا جنوبي الصحراء تأليف: أ. د. رجب محمد عبد الحليم أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة الفصل الأول *الطرق التى سلكها الإسلام إلى قارة إفريقيا - الطرق التى سلكها الإسلام إلى قارة إفريقيا (جنوب الصحراء) كثيرة ومتعددة، منها: طرق القوافل التجارية التى تربط بين شمالى القارة وبلاد السودان الغربى والأوسط (غرب إفريقيا)، ومنها الطريق الذى يبدأ من جنوبى «تونس» ويتجه إلى «بلاد الكانم والبرنو» فى حوض بحيرة «تشاد»، والطريق الذى يبدأ من جنوبى «الجزائر» ويتجه إلى «بلاد الهوسا» فى شمال «نيجيريا»، والطريق الذى يبدأ من جنوبى «مراكش» ويصل إلى مصب «نهر السنغال» ومنحنى «نهر النيجر» و «نيجيريا» و «تشاد». وطريق بحرى يسير عبر مياه «البحر الأحمر» و «خليج عدن» و «المحيط الهندى»، ويربط هذا الطريق بين «شبه الجزيرة العربية» وشرق إفريقيا، ومنه دخل الإسلام إلى شرق القارة وخاصة إلى «إريتريا» و «الصومال» و «الحبشة» و «زنجبار» وساحل شرقى إفريقيا حتى مدينة «سوفالة» جنوب «نهر الزمبيزى» فى «موزمبيق». وطريق وادى النيل وطريق درب الأربعين اللذان تدفق منهما الإسلام إلى «بلاد البجة» و «بلاد النوبة» وإلى «دار فور» وبقية «بلاد السودان الشرقى»، وهو «سودان وادى النيل» الذى يعرف الآن بجمهورية السودان. ويلاحظ أن معظم هذه الطرق طرق تجارية، ولم تستخدم كمعابر للجيوش إلا فى القليل النادر، مما يؤكد سمة الطابع السلمى لانتشار الإسلام فى قارة إفريقيا. ومما يؤكد ذلك أيضًا أن أهل القارة أنفسهم سواء أكانوا من البربر أم من الزنج والسودان هم الذين قاموا بنشر الإسلام؛ بعد أن وصلت الدعوة إلى بلدانهم وإلى ما وراءها من بلدان، ولم تكن حركات الفتح والجهاد التى حفل بها تاريخ الإسلام فى القارة خلال بعض الفترات لاسيما فى عصر الخلفاء الراشدين والأمويين من بعدهم ذات أثر كبير فى نشر الإسلام؛ إذ لم يكن هدفها نشر هذا الدين بقوة السلاح كما يدعى كثير من المستشرقين وأعداء الإسلام، وإنما كان هدفها هو إزاحة العقبة

التى كانت تحول دون وصول الإسلام بالحكمة والموعظة إلى أهل إفريقيا، وكانت هذه العقبة تتمثل فى جيوش الاحتلال البيزنطى، التى كانت تحتل «مصر» والساحل الشمالى لإفريقيا كله قبل فتح الإسلام لهذه البلاد. وبعد أن أنقذ المسلمون أهالى القارة من هذا الاحتلال البغيض، أصبح الطريق مفتوحًا أمام الدعوة، ومن ثم تلقفها الأفارقة بشغف وحب شديدين، واتخذت الدعوة إلى هؤلاء الأفارقة أشكالا متعددة وعلى يد أناس مختلفى الصفات والاتجاهات، منهم الدعاة الذين وهبوا حياتهم لهذا العمل العظيم، ومنهم التجار الذين جمعوا بين الدعوة والتجارة، ومنهم الحجاج الذين تأثروا بمظاهر الأخوة الإسلامية فى موسم الحج وأثَّروا فى إخوانهم وأهاليهم بعد أن عادوا من الحج مشحونين بشحنة دينية عميقة. ومنهم المهاجرون الذين أتوا فى هجرات عديدة شملت العرب وغيرهم، وحملوا معهم الإسلام والثقافة الإسلامية، ومنهم الصوفية الذين اخترقوا أعماق القارة ووصلوا إلى النجوع والكفور والقرى والغابات، وسوف نفصل الحديث عن هذه الوسائل التى انتشر الإسلام بها فى القارة الإفريقية (جنوب الصحراء): 1 - الدعاة: ويقصد بالدعاة الأفراد المسلمون الذين تلقوا قدرًا من العلوم الدينية، وعلى رأسهم الفقهاء والعلماء والمشايخ والقراء والقضاة، وكان هؤلاء يسمون فى مختلف أنحاء القارة بأسماء مختلفة، مثل المرابط، وألفا، والمعلم، والفقيه، والشيخ، وسيدنا، ومولانا. وكانوا يحظون بنصيب كبير من الاحترام والتقدير، وكانت كل قرية فى إفريقيا تقيم دارًا لاستقبالهم واستضافتهم، وكان الحكام والملوك الأفارقة سواء أكانوا مسلمين أم وثنيين يعاملونهم باحترام كبير، وكانوا يتخذون منهم مستشارين ووزراء يصرِّفون لهم أمور الدولة، مثلما كان الحال فى دولة «غانة» الوثنية، كما يقول «البكرى» الذى عاش فى القرن العاشر الميلادى. وكان هؤلاء الدعاة ينشئون الكتاتيب لتعليم الأطفال

الوثنيين القراءة والكتابة وبعض العلوم الأخرى، ومن ثم يصبح هؤلاء الأطفال بذرة إسلامية داخل الأسر الوثنية، وكذلك كان الدعاة ينشئون المدارس التى كانت تعد مركزًا مهما لنشر الإسلام وثقافته، وكذلك المساجد والزوايا والأربطة والخلاوى التى كان يلتقى فيها الأفارقة بالدعاة ويتلقون عنهم العلوم الدينية؛ حيث يخرجون دعاة للإسلام بين أهليهم وأقاربهم من الوثنيين. ولذلك انتشر الإسلام بين الأفارقة، خاصة بعد أن اعتنقه بعض ملوكهم الذين كانوا يتحولون تلقائيا إلى دعاة للإسلام فى بلادهم. ومن هؤلاء ملك «مالى» وملك «التكرور» وملك «سلى»، فقد نشر هؤلاء الإسلام بين شعوبهم من التكرور والسونتك والماندنجو وغيرهم من شعوب غرب القارة. وخرج من هذه الشعوب دعاة تخصصوا فى الدعوة إلى الإسلام حتى أصبحت كلمة تكرورى أوسوننكى تعنى داعية للإسلام عند شعوب هذه المنطقة. ومن أهم الدعاة الذين نشروا الإسلام بين البربر فى «الصحراء الكبرى» والتكرور فى «السنغال» والسوننك فى «غانة»، الشيخ «عبدالله بن ياسين الجزولى» المتوفَّى عام (451هـ = 1059م)، والذى قامت على يديه «دولة المرابطين» الكبرى قبل ذلك ببضع سنين. وهناك داعية آخر قام بنشاط كبير فى حوض «نهر النيجر الأعلى» هو «أبو القاسم على بن يخلف»، الذى أسلم على يديه ملك مالى الذى اتخذ لقب المسلمانى (أى الذى أسلم)، بعد إسلامه فى القرن الحادى عشر للميلاد، وفى بلاد «الهوسا» نجد داعية إسلاميا كبيرًا هو الشيخ «محمد عبدالكريم المغيلى» المتوفَّى عام (909هـ = 1503م) الذى نشر الإسلام فى بلاد «الهوسا»، ثم أتى بعده بعدة قرون داعية كبير من شعب الفولانى هو الشيخ «عثمان بن فودى» الذى أتم حركة نشر الإسلام فى هذه البلاد، وخاصة «نيجيريا» و «الكاميرون». وإذا اتجهنا شرقًا ووصلنا إلى بلاد حوض «بحيرة تشاد» حيث «دولة الكانم والبرنو» نجد داعية إسلاميا عظيمًا هو الشيخ «محمد بن

مانى» الذى أسلم على يديه ملوك هذه البلاد فى القرن الحادى عشر للميلاد. وكذلك دخل الإسلام كثير من النوبيين وأهالى «السودان النيلى» و «دارفور» على يد دعاة وفدوا من «مصر» و «اليمن» و «الحجاز» من أمثال «غلام الله بن عائذ اليمنى»، و «حمد أبى دنانة» من «الحجاز»، والشيخ «محمد القناوى الأزهرى» من «مصر»، وتلقف الدعوة وأذاعها سودانيون من أمثال الشيخ «محمود العركى» والشيخ «صغيرون محمد بن سرحان العدوى» وغيرهم. ووفد على منطقة القرن الإفريقى وساحل شرقى إفريقيا عدد كبير من الدعاة، من أمثال «ود بن هشام المخزومى» الذى أقبل إلى بلاد «الحبشة» فى عهد «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه - وأنشأ أحفاده دولة إسلامية فى «إقليم شوا» وسط هضبة الحبشة، كذلك وفد دعاة من «بنى عبدالدار» أو من «بنى عقيل بن أبى طالب» إلى بلاد «الزيلع» و «الصومال» و «إريتريا» وأنشأ أحفادهم سلطنة إسلامية أخرى فى هذه البلاد تسمى «سلطنة أوفات الإسلامية». وهكذا كان للدعاة فضل كبير فى نشر الإسلام وثقافته، وفى إقامة سلطنات إسلامية فى كثير من نواحى القارة، كما سنرى ذلك فى حينه بالتفصيل فى هذا الجزء من السلسلة. 2 - التجار: كان للتجار الدور الأول فى نشر الإسلام فى القارة بعد الدعاة، ويظهر ذلك من قول السير «توماس أرنولد» فى كتابه «الدعوة إلى الإسلام» إن التجارة والدعوة إلى الإسلام مرتبطان كل الارتباط. وقد تدفق الإسلام عبر الطرق التجارية الموصلة بين مختلف أنحاء القارة، والتى أشرنا إليها من قبل، إلى حوض نهرى «السنغال» و «النيجر» ومنطقة حوض «بحيرة تشاد»، وكذلك إلى «الصومال» و «بلاد النوبة» و «السودان» و «الحبشة»، و «ساحل شرق إفريقيا». وقد قام العرب والبربر بدور كبير فى هذا النشاط التجارى، وأصبحت مدن الشمال الإفريقى مراكز للتجارة بجانب كونها مراكز للعلم والثقافة، ووصلت إليها السلع الإفريقية، واتجه تجار العرب والبربر

واخترقوا الصحراء الكبرى ووصلوا إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وكان لذلك أثره الكبير فى نشر الإسلام الذى أقبل مع قوافل التجار، وازداد انتشاره بعد أن انتقل معظم النشاط التجارى إلى أيدى السودان والزنوج أنفسهم من تجار «الفولانى» و «التكرور» و «الهوسا» و «الكانمية» والصوماليين وغيرهم من الأفارقة الذين اتخذوا التجارة حرفة رئيسية، وصار هؤلاء التجار الأفارقة دعاة للإسلام، وقلدوا المغاربة فى إقامة بعض الأسواق فى مدن معينة فى أيام معلومة. وكان هؤلاء التجار سواء كانوا من العرب أو البربر أو السودان ينزلون فى هذه الأسواق أو فى المراكز التجارية ويحتكون بالزنوج ويؤثرون فيهم بنظافتهم وأمانتهم وسلوكهم الشخصى القائم على قيم الإسلام وتقاليده السامية، وغالبًا ما ينتهى هذا الاحتكاك بدخول كثير من هؤلاء الزنوج فى الإسلام الذى كان يتركز أولا فى المدن التى ينشط فيها التجار بوجه خاص، وكانوا إذا ما استقر بهم المقام فى إحدى هذه المدن ينشئون كتاتيب أو مدارس لتعليم الإسلام وتحفيظ القرآن الكريم ويبنون المساجد التى كانت مقرا للدعوة إلى الإسلام، وقاموا فى الوقت نفسه بمزاولة نشاطهم التجارى، وكانوا أثناء الليل يحولون دكاكينهم إلى مكان يتلقى فيه الأطفال الوثنيون مبادئ القراءة والكتابة على ضوء النيران، مما حببهم إلى الأهالى الذين وثقوا بهم، مما فتح الباب أمام الإسلام كى ينتشر بينهم. وكذلك وثق بهم رجال الطبقة الأرستقراطية من الملوك والأمراء ومشايخ القبائل؛ حيث كان التجار المسلمون يُستقبلون فى بلاط هؤلاء الملوك الوثنيين بترحاب شديد؛ لسمو أخلاقهم وكريم خصالهم وخبرتهم بالسياسة وشئون الإدارة والمال، ونظرًا لأنهم كانوا يجلبون لهذه الطبقة ما كانت تحتاج إليه من سلع فاخرة، ومن ثم أضفى هؤلاء الملوك حمايتهم على هؤلاء التجار، فنعموا بالأمان والاستقرار وازداد نشاطهم بين أفراد هذه الطبقة، التى سرعان ما تحولت إلى

الإسلام فى عدد كبير من البلدان. ومن أهم المراكز التجارية التى أنشأها العرب أو أهالى البلاد المحليون واتخذوا منها مراكز للتجارة والدعوة: مدينة «أودغشت» فى «موريتانيا» الحالية، ومدينة «تمبكت» التى بناها المرابطون من المغاربة على ضفة نهر «النيجر» أواخر القرن الخامس الهجرى، كذلك كانت مدن: «كانو»، و «مالى»، و «جاد»، و «نجيمى» فى غرب القارة مراكز للدعوة والتجارة. وكانت مدينة «عيذاب» التى تقع على ساحل «البحر الأحمر»، ومدينة «قوص» التى تقع على «نهر النيل» فى صعيد «مصر» مراكز انطلق منها تجار الكارم إلى «الحبشة» وشرق إفريقيا، كما انطلقوا من موانى: «سواكن» و «باضع» (مصوع) و «زيلع» و «بربرة» و «مقديشيو» و «ممبسة» و «مالندى» و «كلوة» و «سوفالة»، وكلها موانئ تقع على الساحل الغربى للبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقى لإفريقيا، ونشط التجار فى هذه المراكز التجارية كلها ووصل نشاطهم إلى أعماق القارة فى بلاد «أوغندا» و «الكونغو»، وأسلم على أيديهم أعداد كبيرة من الأفارقة. وكانت قوافل الجمال التى تحمل تجارة القارة لاتستطيع العودة من هذه المناطق الداخلية إلى المناطق الساحلية فى موسم الأمطار، فكان التجار ينتظرون الشهر أو الشهور يتاجرون ويحتكون بالأهالى؛ مما كان يؤدى إلى إسلام الكثير منهم، ثم يعودون من حيث أتوا حينما تتحسن الأحوال الجوية، هذا فى الوقت الذى أصبح التجار المحليون المقيمون دائمًا فى بلدان القارة عُمُدًا للدعوة الإسلامية. 3 - الحجاج: نتيجة للنشاط التجارى الواسع الذى أشرنا إليه والذى ساد شمال القارة، ووسطها وغربها وشرقها وما نتج عنه من انتشار الإسلام والثقافة الإسلامية؛ نشطت قوافل الحج التى كانت فى الوقت نفسه قوافل للتجارة التى كان يمارسها الحجاج على طول طريقهم إلى الأراضى المقدسة، وقوافل لتحصيل العلم عن طريق الالتقاء بعلماء البلدان التى يمرون بها، فكانت تخرج من غرب القارة قوافل عديدة

على رأسها ملوك هذه البلدان، الذين كانوا يحرصون على أداء هذه الفريضة رغم ما كانوا يتكبدونه من مشاق ومتاعب، نظرًا لطول الطريق ومخاطره ووعورته، لكنهم كانوا يخرجون فى رحلة قد تستغرق عامًا أو عامين ويلتقون فى موسم الحج بإخوانهم المسلمين على اختلاف بلادهم وألسنتهم وألوانهم، فيشعرون جميعًا بالأخوة الإسلامية، ويشعر الإفريقى بانتمائه إلى عالم إسلامى واسع، وبأخوته لمسلمى ذلك العالم، فتتحطم الحواجز العرقية والقبلية واللغوية والاجتماعية، ويصبح الجميع شعبًا واحدًا يتكلمون بعبارات واحدة، ويتجهون إلى قبلة واحدة، ومن ثم أصبح خروج المسلمين من غرب إفريقيا ووسطها وشرقها جماعات وفرادى إلى الحج، واتصالهم بالشعوب الإسلامية المختلفة فى بلاد الحجاز أو أثناء رحلة الذهاب والعودة تأكيدًا لروح الأخوة الإسلامية التى فرضها الإسلام، فيعود هؤلاء الأفارقة ممتلئين بالحماسة لنشر هذا الدين، وَوَقْف جهودهم على إعلاء شأنه فى بلادهم وما جاورهم من البلاد الوثنية، خاصة أن هؤلاء الحجاج كانوا يعودون محملين بالكتب الدينية التى تزيد من علم الأفارقة وثقافتهم كما كانوا يعودون أحيانًا مصحوبين ببعض الدعاة والفقهاء والتجار من غير الأفارقة، مما كان له أثره فى نشر الإسلام، لاسيما وأنهم كانوا يقومون بإنشاء المدارس لتعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم ونشر الإسلام بين الوثنيين، ونشر عقائده الصحيحة بين المسلمين الأفارقة. وكان المسلمون الجدد من هؤلاء الأفارقة يرون ارتفاع المكانة الاجتماعية لإخوانهم وأقربائهم من الذين أدوا هذه الفريضة، فيقدمون هم الآخرون عليها، ولذلك تعددت قوافل الحج التى كانت تخرج من هذه البلدان، والتى كانت تضم آلافًا مؤلفة وعلى رأسها الملوك والحكام فى أحيان كثيرة. ومن أشهر الملوك الذين أدوا هذه الفريضة من حكام إفريقيا «منسا موسى» سلطان «مالى الإسلامية»، الذى خرج إلى الحج من هذا

المكان النائى فى غرب القارة على رأس موكب كبير تحدث عنه المؤرخون، وذلك فى عام (723هـ = 1323م) إذ كان موكبه يضم أكثر من عشرة آلاف حاج، وكان يحمل معه كميات كبيرة من الذهب الخام، أهدى منه إلى سلطان «مصر» وأمرائها وموظفيها، كما أفاض منه على فقراء «مكة» و «المدينة»، ومَنَحَ عن سعة حتى قيل إن قيمة الذهب انخفضت فى «مصر» انخفاضًا ملحوظًا لكثرة ما أنفقه فيها. كذلك تحدثنا المصادر بأن ملوك «سلطنة صنغى الإسلامية» التى خلفت سلطنة «مالى» فى غرب إفريقيا قاموا بأداء هذه الفريضة، ومن أشهرهم السلطان «أسكيا محمد الأول» فى عام (495هـ = 1101م)، وقد أدى بعض سلاطين «الكانم» و «البرنو» الذين كانت دولتهم تقوم حول «بحيرة تشاد» الحج ثلاث مرات، وبعضهم تُوفِّى أثناء الذهاب أو العودة ودفن فى «مصر». وكان حكام بلاد «السودان النيلى»، و «الصومال» و «الحبشة» وشرق إفريقيا بصفة عامة يؤدون هذه الفريضة فى سهولة ويسر، نظرًا لقربهم من بلاد «الحجاز»، وكانوا يحرصون على ذكر لقب الحاج قبل أسمائهم مثلما كان يفعل إخوانهم فى شمال إفريقيا وغربها، حتى السلاطين أنفسهم؛ مما يدل على أهمية هذه الشعيرة لديهم، وعلى أن تأثيرها فى نفوسهم كان قويا، ولذلك كانوا يعودون من هذه الرحلة ممتلئين حماسة للإسلام ولنشره بين من لم يعتنقه من الوثنيين فى بلادهم وقراهم. 4 - الهجرات: كان لتحركات القبائل وهجراتها سواء أكانت عربية أم بربرية أم سودانية وزنجية دور كبير فى نشر الإسلام وثقافته، واللغة العربية وثقافتها فى القارة الإفريقية. ومن أهم هذه الهجرات هجرات العرب إلى بلدان القارة المختلفة، وكانت «مصر» هى القاعدة والمنطلق الذى انطلقت منه هذه الهجرات العربية غربًا إلى شمال إفريقيا، وبلاد «النوبة» و «السودان»، فقد هاجرت جماعات عربية من «ربيعة» و «جهينة» و «بلى» إلى «أرض البجة» منذ منتصف القرن السابع للميلاد، ونجحوا فى نشر الإسلام

بين الأهالى، ودفعت شهرة «وادى العلاقى» الذى يقع فى الصحراء الشرقية بين «أسوان» و «البحر الأحمر» بالذهب والزمرد إلى جذب جماعات كبيرة من «ربيعة» و «جهينة» منذ عام (238هـ = 852م) إلى هذه المنطقة، حيث استقر العرب هناك وتزاوجوا مع «البجة» وأقاموا إمارة عربية مدت نفوذها إلى «أسوان» وشمال «بلاد النوبة»؛ حيث صاهروا حكام مملكة «مَقُرة» النوبية المسيحية، ونتج عن ذلك انتقال الحكم إلى هؤلاء العرب من الذين عرفوا باسم «بنى كنز» نسبة إلى لقب كان قد أطلقه أحد الخلفاء الفاطميين فى «مصر» على أحد أمرائهم نظير مساعدته لهذا الخليفة فى القضاء على أحد الثائرين والخارجين على دولته فى صعيد «مصر». وتطورت أحوال «بنى كنز» هؤلاء حتى استطاعوا أن يقيموا دولة «بنى كنز» العربية فى «بلاد النوبة» واتخذوا «دنقلة» عاصمة لهم منذ عام (723هـ = 1323م). وبقيام هذه الدولة انفتح باب الهجرة العربية على مصراعيه، فهاجرت قبائل عربية كثيرة إلى وسط «السودان»، وأقاموا بين نهرى «النيل الأبيض» و «الأزرق»، وتحالفوا مع قبائل سودانية تسمى «الفونج»، واستطاعوا أن ينشئوا معًا دولة إسلامية أخرى هى دولة «الفونج» التى كانت عاصمتها «سنار»، وذلك عام (911هـ = 1505م). كذلك هاجرت قبائل عربية كثيرة من «مصر» إلى مملكة «دارفور» الوثنية منذ القرن الحادى عشر للميلاد، ووفدت إلى هذه المملكة هجرات عربية أخرى من «تونس» و «شمال إفريقيا»، واختلط هؤلاء المهاجرون بالأهالى وصاهروا ملوك «دارفور»، ونتج عن هذه المصاهرة انتقال الحكم إليهم، فأصبحت «دارفور» سلطنة عربية إسلامية منذ عام (849هـ = 1445م). كذلك تواصلت الهجرات العربية إلى بلاد «الزيلع» و «الحبشة»، وهى المنطقة التى تعرف الآن باسم منطقة القرن الإفريقى. ومنها هجرة «ود بن هشام المخزومى» فى عصر «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه - وقد تبع ذلك هجرات عربية استقرت على طول ساحل هذه

المنطقة، وأقامت فى المدن الساحلية التجارية، مثل «سواكن» و «باضع» (مصوع) و «زيلع» و «بربرة»، وانطلقت إلى الداخل وسكنت مع الأهالى واشتغلت بالتجارة والزراعة والرعى، وازداد عددها حينًا بعد حين حتى تمكنت من إقامة سلطنات إسلامية، مثل «سلطنة شوا» و «سلطنة أوفات» و «سلطنة عدل» الإسلامية. وقد ازدادت هجرات العرب على ساحل شرق إفريقيا وأنشئوا مراكز تجارية بطول هذا الساحل، حتى قال بعض المؤرخين إنهم أنشئوا ستا وثلاثين مدينة، بدءًا من «مقديشيو» فى «الصومال» وحتى «سوفالة» جنوب نهر «الزمبيزى» فى «موزمبيق». ومن أشهر هذه الهجرات هجرة «سليمان» و «سعيد» ابنى «عباد بن عبد بن الجلندى»، وكانا ملكين فى «عُمان»، واضطرتهما ظروف القتال مع «الحجاج بن يوسف الثقفى»، الذى أراد أن يفرض نفوذه على «عمان» بالقوة المسلحة، إلى ترك وطنهما والاتجاه فى سفن إلى ساحل شرق إفريقيا؛ حيث وصلا ومن معهما من رجال وجند وأهالى إلى جزر «أرخبيل لامو» التى تقع فى دولة «كينيا» الآن، وذلك فى الفترة (75 - 85هـ = 694 - 704م)، واستقروا هناك وأنشئوا إمارة صغيرة كان لها أثرها فى نشر الإسلام بين الأهالى الموجودين فى تلك المنطقة. كذلك هاجر بعض الشيعة الزيدية إثر مقتل إمامهم «زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب» - رضى الله عنهم أجمعين - فى عام (122هـ= 741م) على يد الخليفة الأموى «هشام بن عبدالملك»، فاضطر أتباعه بعد مقتله إلى الهجرة خوفًا من اضطهاد الحكام لهم، فوصلوا إلى ساحل «بنادر» بالصومال، وأقاموا هناك نحو مائتى عام أرسوا فيها قواعد الإسلام والثقافة الإسلامية بين الصوماليين. ولم تلبث أن وفدت هجرة أخرى إلى هذا المكان نفسه تعرف باسم هجرة الإخوة السبعة، جاءت من «الأحساء» فى عام (292هـ = 904م) ووصلت إلى ساحل «بنادر» بالصومال، بعد أن ضاق بهم المقام فى منطقة الخليج؛ نتيجة لصراعات سياسية ومذهبية، وكان هؤلاء الإخوة

من قبيلة «الحارث» العربية، ولما وصلوا إلى هذا الساحل استطاعوا أن يطردوا الزيدية إلى الداخل. وأن ينشئوا مدينة «مقديشيو» فى عام (295هـ= 907م) ويتخذوها عاصمة لدولتهم التى أقاموها هناك، والتى كانت تعرف باسم «سلطنة مقديشيو الإسلامية». وبذلك ظهر إلى الوجود مركز إسلامى كبير كان له أثره القوى فى نشر الإسلام لا بين الصوماليين فحسب، بل بين كثير من سكان شرق إفريقيا كله. وقد أعقب تلك الهجرة هجرة شيرازية فارسية أتت من «شيراز» بإيران، كان على رأسها أمير يدعى «على بن حسن بن على الشيرازى»، وذلك فى عام (365هـ = 975م) نتيجة خلافات وقعت بينه وبين إخوته فى «شيراز»، اضطرته إلى الهجرة هو وأتباعه ورجاله فى سبع سفن ضخمة إلى شرق إفريقيا؛ حيث استقر بهم المقام فى جزيرة «كلوة» التى تتبع دولة «تنزانيا» الآن، واستطاع أن يؤسس سلطنة إسلامية تسمى «كلوة»، ظل يحكمها هو وأحفاده نحو قرنين من الزمان حتى أتت هجرة عربية أخرى من «اليمن» من «بنى الحسن بن طالوت المهدلى»، وحكمت هذه السلطنة، ومن ثم تغلبت الصبغة العربية فيها على الصبغة الشيرازية الفارسية واستمرت هذه السلطنة قائمة حتى جاء البرتغاليون وتغلبوا عليها فى عام (911هـ = 1505م). ونتيجة لهذه الهجرات العربية المتتابعة انتشر الإسلام واللغة العربية بين السكان المحليين فى منطقة «القرن الإفريقى»، وفى منطقة الساحل الشرقى لإفريقيا، وكذلك فى الجزر المواجهة لهذا الساحل، مثل «جزيرة زنجبار»، و «جزر القمر»، و «جزيرة مدغشقر» (مالاجاش الآن) وغيرها من الجزر، وتكوَّن عالم إسلامى واضح المعالم والقسمات، نشأت فيه دول وسلطنات إسلامية ظلت موجودة حتى اصطدمت بالبرتغاليين والأحباش، ثم بالاستعمار الأوروبى فى العصر الحديث. كذلك خرجت هجرات عربية من «مصر» فى اتجاه الغرب إلى بلاد المغرب العربى منذ عصر الفتوحات الإسلامية فى القرن الأول للهجرة،

وظلت هذه الهجرات تتتابع حتى القرن الخامس للهجرة؛ حيث نزح من «مصر» إلى هناك «بنو هلال» و «بنو سليم»، ولاشك أن الحكم العربى الإسلامى لهذه البلاد بالإضافة إلى هذه الهجرات قد أديا فى النهاية إلى تعريب أهل البلاد الأصليين، فانتشرت بينهم اللغة العربية وأصبحت لسانهم، وغدت هذه البلاد بلدانًا عربية إسلامية، وقد انطلقت من هذه البلاد هجرات عربية لكنها كانت قليلة العدد قليلة الأفراد، اتجهت جنوبًا إلى الصحراء الكبرى ومنها إلى حوض «نهر السنغال» و «النيجر»، وحوض «بحيرة تشاد» مثل «بنى جذام» و «بنى حسان» و «بنى معقل» و «أولاد سليمان» و «جهينة» وغيرهم، واستقرت هذه القبائل هناك ولاتزال توجد إلى الآن بعض هذه القبائل التى تحتفظ بأصولها العربية، ولكن نظرًا لقلة هذه الهجرات وقلة عدد أفرادها فإنها لم تؤدِّ إلى انتشار اللغة العربية بين الأهالى هناك، وكانت لغة العلم والتعليم والتجارة والوثائق الرسمية للدولة فقط، ولما جاء الاستعمار الأوربى إلى هذه البلاد حارب هذه اللغة وحارب الإسلام بكل ما يستطيع من قوة، ولايزال يحاربه رغم الاستقلال. وإذا كان العرب قد هاجروا إلى البلدان الإفريقية فى مختلف أنحاء القارة، وكان لهم أثرهم الكبير فى نشر الإسلام ولغته وثقافته، وكذلك فى إقامة سلطنات إسلامية، فقد كان لهجرات البربر أثر كبير أيضًا فى هذه الميادين، وخاصة «بربر صنهاجة»، الذين كانوا يسكنون الصحراء الكبرى، واستطاعوا نتيجة لجهود داعية عظيم أشرنا إليه وهو الشيخ «عبدالله بن ياسين الجزولى» أن يقيموا «دولة المرابطين» منذ عام (448هـ = 1056م)، وأن يضموا إليها «بلاد المغرب الأقصى» و «بلاد الأندلس»، ثم «مملكة غانة» الوثنية، وانطلق دعاتهم بين أهالى «غانة» و «السودان الغربى» ينشرون الإسلام، كذلك وفد كثير من قبائل البربر الأخرى إلى هذه البلاد مهاجرين إليها، واستقروا فيها وأنشئوا المدن والمراكز التجارية مثل مدينة

«أودغشت» ومدينة «تمبكت» وغيرهما. كما هاجرت قبائل من البربر منذ ما قبل الإسلام إلى حوض «بحيرة تشاد» وأقامت دولة تسمى «دولة الكانم والبرنو»، ولم يلبث ملوك هذه الدولة أن اعتنقوا الإسلام فى أواخر القرن الحادى عشر للميلاد، وظلوا يحكمون هذه البلاد وينشرون الإسلام فيها حتى القرن التاسع عشر. كذلك كان لهجرات النوبيين والصوماليين والجلا والأعفار والزنوج أثر كبير فى نشر الإسلام فى منطقة «القرن الإفريقى»، وفى «ساحل شرق إفريقيا»، وكانت هذه الهجرات وراء توسع السلطنات الإسلامية التى قامت فى هذه المنطقة، وساعدتها فى رد عدوان الأحباش على المسلمين فى منطقة «القرن الإفريقى» وخاصة فى القرن السادس عشرالميلادى. 5 - الطرق الصوفية: ارتبط نشاط الدعوة إلى الإسلام لاسيما فى غرب إفريقيا وشرقها بانتشار الطرق الصوفية، وخاصة بين المشتغلين بالتجارة، وكانت هذه الطرق قد بزغ نجمها فى الأفق منذ أن تعرض العالم الإسلامى لخطر الإستعمار الأوروبى الحديث بدءًا من القرن السادس عشر الميلادى، واستطاعت الطرق الصوفية أن تُسهم إسهامًا كبيرًا فى الدعوة إلى مقاومة الاستعمار، وكذلك فى الدعوة إلى الوحدة الدينية، وفى نشر الإسلام بين من لم يعتنقه، ونتيجة لذلك جذبت هذه الطرق إليها كثيرًا من الشباب الأفارقة. ففى شرق إفريقيا وبلاد «سودان وادى النيل» ظهرت «الطريقة الميرغنية» فى القرن التاسع عشر للميلاد والتى كان لها تأثيرها الكبير على الناس هناك، وكانت قد ظهرت قبلها بعدة قرون «الطريقة القادرية والشاذلية والرفاعية»، وانتشر أتباع هذه الطرق على طول الساحل الشرقى لإفريقيا، وفى الجزر المواجهة له وكذلك فى المناطق الداخلية. وفى سنة (1253هـ = 1837م) ظهرت فى شمال إفريقيا الطريقة السنوسية على يد الفقيه الجزائرى «محمد بن على السنوسى»، الذى استطاع أن يقيم دولة دينية فى الأراضى الليبية، دون أن يريق قطرة

دم واحدة، وتمكنت هذه الطريقة من خلال أتباعها وزواياها التى انتشرت فى إفريقيا جنوب الصحراء أن تنشر الإسلام بين العديد من القبائل الإفريقية الوثنية، مثل قبيلة «بيلى» التى كانت تسكن منطقة «إنيدى» شرق «بوركو» فى شمال «نيجيريا»، وعمّقت الإسلام بين جماعات «التِّدَا» فى شمال «بحيرة تشاد». وكان للسنوسيين فضل كبير فى نشر الإسلام فى «واداى»، التى تقع شرق «بحيرة تشاد»، وبين قبائل «الجلا» فى «الحبشة»؛ حيث كانوا يشترون العبيد أو الأطفال ثم يحررونهم ويرسلونهم إلى مركز الطريقة الرئيسى فى «واحة جغبوب» فى الصحراء الكبرى بين «مصر» و «ليبيا»، فيتعلمون ثم يعودون إلى بلادهم دعاة للإسلام. كذلك كان لأتباع «الطريقة القادرية» التى انتشرت فى شمال إفريقيا وغربها أثر كبير فى نشر الإسلام فى هذه البلاد، فقد اتخذ أتباعها من مدينة «ولاتة» بموريتانيا أول مركز لهم فى تلك البلاد منذ القرن الخامس عشر الميلادى ثم لجئوا إلى «تمبكت»، وانتشر أتباعهم ودعاتهم فى أنحاء «السودان الغربى»، وكذلك فى منطقة «القرن الإفريقى» وساحل «شرق إفريقيا»، ووصل أتباعها فى الداخل حتى «الكونغو»، وكان أتباع هذه الطريقة يقومون بتأسيس المدارس لتعليم الدين ونشر الإسلام، ويرسلون نوابغ الطلاب إلى مدارس «القيروان» و «تونس» و «فاس» و «الأزهر»، وغيرها، فإذا ما أتموا دراستهم عادوا إلى أوطانهم دعاة للإسلام. ومن الطرق الأخرى التى انتشرت فى القارة «الطريقة التيجانية» التى أنشأها «أبو العباس أحمد بن محمد المختار بن سالم التيجانى» المتوفى عام (1231هـ = 1815م)، وقد قام أتباعه بنشر هذه الطريقة بين رجال القوافل والتجار، فانتشرت تعاليمها فى حوض «السنغال» وفى «تمبكت» وفى سائر أنحاء غرب إفريقيا، وظهرت هذه الطريقة أيضًا فى «السودان النيلى» وشرق إفريقيا على يد بعض التيجانية القادمين من غرب إفريقيا. وقد انخرط فى سلك هذه الطريقة علية

القوم فى «الحبشة»، مثل سلطان «جمة» «أبى جفار»، و «الرأس على» نائب الإمبراطور الحبشى، وعمل هذان الرجلان على نشر الإسلام بين الوثنيين من الأحباش، ونجحا فى ذلك نجاحًا عظيمًا فتحول معظم سكان الولايات الوسطى والشمالية فى «الحبشة» إلى الإسلام. 6 - طبيعة الإسلام: ذلك أن الإسلام لم يُفرض كما رأينا على الشعوب الوثنية الإفريقية فرضًا، إنما حمله قوم من أهل إفريقيا نفسها، اتخذوا صفة التجار أو المعلمين أو الدعاة أو الصوفية، فليس غريبًا أن يلقى قبولا منهم، فهو فى نظرهم دين إفريقى غير دخيل، والدعوة إليه تتم بالطرق السلمية وليس بالغزو المسلح كما فعل الاستعمار الأوربى فى العصر الحديث. كما أن الإسلام لم يستعبد هذه الشعوب، إنما أشعرها بالعزة والكرامة، فخلق منها دولا كبرى وقوى فيها النزعة إلى الحرية والاستقلال، ولم يقضِ على نظمها المحلية بل تواءم معها وخلق منها ومن تقاليده تقاليد إسلامية الطابع إفريقية الروح. ومن ثم تقَبَّله الأفارقة، خاصة أن الإسلام لم يكن دينًا أخرويا فحسب، وإنما كان دينًا وحضارة تقوم على أساس تعمير الدنيا والفوز بالآخرة، ومن ثم لزم أن يَنشر الإسلام نور العلم والثقافة بين أتباعه ومعتنقيه، فارتبط الإسلام بالعلم والتعليم منذ البداية، وكان الإفريقى لا يكاد يسلم حتى يتعلم القراءة والكتابة ويرتفع قدره اجتماعيا كلما زادت ثقافته، ولذلك سمعنا عن عدد كبير من العلماء الأفارقة الذين ظهروا فى مختلف ميادين العلم والثقافة، ولم يكونوا فى ذلك أقل من إخوانهم علماء المغاربة أو المشارقة، زد على ذلك أن الإسلام لم يعترف بالتفرقة العنصرية، فهو لايعرف حواجز الطبقات أو العرق أو اللون، ولا يميز بين إنسان وآخر على أساس اللون أو الثروة، لأن معيار التفاضل فى الإسلام هو التقوى والعمل الصالح، ولذلك أقبل الأفارقة على اعتناقه، فوحَّد بينهم وقضى على عناصر الفرقة

والتشرذم، كما وحد بينهم لغويا؛ إذ انتشرت اللغة العربية بين كثير من شعوب القارة، وصارت هى أداة الفكر والعلم والمخاطبة، أما الشعوب التى احتفظت بلغاتها، فقد كانت العربية هى وسيلة العلم والتعامل كما كانت اللغة الرسمية، لأن اللغات الإفريقية لم تكن لغات مكتوبة. وكما وحَّد الإسلام بينهم دينيا وحد بينهم سياسيا وقضى على التشرذم القبلى والنزاعات القبلية، وأنشأ دولا كبرى، بل إمبراطوريات عظمى مثل «إمبراطورية مالى»، التى ضمت معظم منطقة غرب إفريقيا بالكامل، وكانت مساحتها تفوق مساحة دول غرب أوربا مجتمعة، ليس هذا فحسب بل إن الإسلام جعل الإفريقى يشعر بانتمائه ليس إلى بلاده فقط بل إلى عالم إسلامى واسع، يستطيع أن ينتقل بين أرجائه سواء كان تاجرًا أو حاجا أو طالب علم، وفى كل مكان يجد هذا الإفريقى القوت والمأوى والمساعدة والاستقبال الودود، على أساس من أخوة الإسلام التى جمعت بين أفراد هذا العالم الإسلامى الواسع، الذى يمتد من الصين شرقًا حتى المحيط الأطلسى غربًا، ومن هنا اعتبر الأفارقة الإسلام دينًا إفريقيا قام بنشره بينهم قوم منهم، اتخذوا الدعوة أو التجارة أو التصوف وسيلة إلى ذلك، وطبقوا مبادئ الإسلام السمحة وأخلاقه الحميدة وقيمه السامية من إخاء ومساواة وتكافل وتعاون، ومن ثم انتشر الإسلام فى هذه البقاع الواسعة فى القارة، حتى إنه يمكن القول بأن قارة إفريقيا هى القارة المسلمة الوحيدة فى عالم اليوم، على اعتبار أن غالبية سكانها يعتنقون الإسلام. ويتبين ذلك بوضوح من خلال حديثنا عن السلطنات والممالك الإسلامية التى قامت بالقارة (جنوب الصحراء) فى العصور الوسطى.

9 - 2:الإسلام والدول الإسلامية فى غرب إفريقيا

الفصل الثاني *الإسلام والدول الإسلامية فى غرب إفريقيا: يقتضى الحديث عن الإسلام والدول الإسلامية التى قامت فى بلدان غربى إفريقيا، التى كانت تعرف ببلاد «السودان الغربى»؛ أن نبدأ بإعطاء نبذة عاجلة عن انتشاره أولا بين بربر الصحراء الكبرى، الذين كانوا يعرفون باسم «الطوارق» أو «الملثمين» أو «الصنهاجيين»، فهذه القبائل هى التى قامت بجهد كبير فى نشر الإسلام فى بلاد «السودان الغربى». وقد انتشر الإسلام فى البداية فى شمال إفريقيا؛ بحيث لم يأتِ القرن الثانى الهجرى حتى كانت «بلاد المغرب» قطرًا إسلاميا خالصًا وكانت الصحراء الكبرى تحد «بلاد المغرب» من ناحية الجنوب، ويسكنها قبائل «الطوارق» أو «الملثمين»، ويلى هذه الصحراء «بلاد السودان الغربى»، التى كانت بها دولة وثنية تعرف بدولة «غانة»، وهى من أقدم الدول التى ظهرت فى هذه البقعة النائية من إفريقيا، ولكى يصل الإسلام إلى غربى إفريقيا كان لابد أن ينتشر أولا بين قبائل «الطوارق»، ثم يتسرب من خلالهم إلى دولة «غانة» الوثنية، وقد بدأت المحاولات الأولى لنشر الإسلام بين ديار «الملثمين» فى ولاية «عقبة بن نافع الفهرى» الثانية (60 - 63هـ) فى عهد «بنى أمية»؛ إذ استطاع هذا القائد أن يتدفق بقواته إلى «المغرب الأقصى»، ثم هبط جنوبًا إلى «إقليم السوس الأدنى»، ثم واصل تقدمه حتى وصل إلى مدينة «ماسه» بالسوس الأقصى، وأشرف على مدينة «أغمات»، وتوغّل فى بلاد «الملثمين» (مسوفة ولمتونة وجدالة) حتى وصل إلى مدينة «تارودنت»، وتذكر بعض الروايات أنه وصل إلى بلاد «غانة» و «التكرور». كان «عقبة» أول من دعا «الملثمين» إلى الإسلام كأول عربى مسلم يرتاد هذه الأقاصى، ولما جاء «موسى بن نصير» فاتح «الأندلس» أتمَّ ما بدأه «عقبة»، فقد وصل إلى مواطن «الملثمين»، ودعاهم إلى الإسلام وأنشأ مسجدًا فى مدينة «أغمات» التى غدت من أهم مراكز الإسلام وثقافته فى «المغرب الأقصى».

وعندما قامت «دولة الأدارسة» فى «المغرب الأقصى» (172 - 373هـ = 788 - 983م) وحدوا بين السهول الساحلية وإقليم المراعى، كما وحدوا بين قبائل «صنهاجة» ووجهوا أنظارهم إلى نشر الإسلام فكانوا أشبه بالدعاة منهم بالولاة، فانتشر الإسلام فى إقليم «الواحات» بعد أن أصبحت مضارب «الملثمين» القريبة من جبال «أطلس» (تعرف بجبال درن) خاضعة للأدارسة وجزءًا من أملاكهم، وقد أدَّى إسلام قبائل «الملثمين» فى القرن الثالث الهجرى، إلى قيام حلف قوى جمع بين قبائل «صنهاجة» (لمتونة وجدالة ومسوفة) بزعامة «لمتونة»، وكان هذا الحلف يشير إلى موجة من التوسع صوب الجنوب؛ لنشر الإسلام بين القبائل الزنجية بالسودان الغربى. فقد استطاع «تيولوتان» زعيم هذا الحلف أن يحمل راية الجهاد، ودان له معظم ملوك «السودان الغربى»، واستولى على مدينة «أودغشت»، التى كانت محطة رئيسية لقوافل الصحراء، واتخذها عاصمة له بعد أن خلصها من يد ملك «غانة» الوثنى. تُوفِّى «تيولوتان» عام (222هـ= 836م) وتفرق الحلف الصنهاجى أثناء حكم أحفاده عام (306هـ= 918م) واستطاعت مملكة «غانة» أن تستعيد مدينة «أودغشت»، واحتفظت تلك المملكة بقوتها كأعظم ما تكون فى «السودان الغربى»، حتى قام الحلف الصنهاجى الثانى عام (426هـ = 1035م) بزعامة الأمير «أبى عبدالله بن يتفاوت اللمتونى»، الذى استأنف الجهاد وحارب «غانة» وقبائل من «السودان»، لكنه استشهد فى موقعة «غارة» بالقرب من مدينة «تاتكلاتين» عام (429هـ= 1038م) بعد ثلاث سنوات من حكمه، وبذلك أخفق «الملثمون» فى استعادة «أودغشت» والسيطرة عليها مرة أخرى. وكان من نتيجة هذه الهزيمة أن تخلَّتْ «لمتونة» عن زعامة «الملثمين» وخلفتها فى الزعامة قبيلة «جدالة» فى شخص «يحيى بن إبراهيم الجدالى» الذى اتبع طريقة أسلافه فى الجهاد داخل بلاد «السودان الغربى» لنشر الإسلام، وأسس دولته على دعوة دينية إصلاحية

رائدها فقيه مغربى مالكى يدعى «عبدالله بن ياسين» فامتد بذلك نفوذ المذهب المالكى من «القيروان» إلى «المغرب الأقصى» ثم تخطى حدود هذا الإقليم نحو الجنوب وانتشر فى بلاد «السودان الغربى». وبعد موت الأمير «يحيى بن إبراهيم» أصبح «عبدالله بن ياسين» بلا معين، وفقد الحماية التى كان يبسطها عليه زعيم «جدالة» ورئيس الحلف الصنهاجى، وأصبح وجوده غير مرغوب فيه، لتشدده فى تنفيذ التعاليم الإسلامية، ولاختياره «يحيى بن عمر اللمتونى» خلفًا ليحيى بن إبراهيم الجدالى، فنقل الزعامة بذلك من «جدالة» إلى «لمتونة». لهذا كله رحل «ابن ياسين» إلى بلاد «السودان الغربى» وأقام رباطًا أو رابطة هناك فى أحد الأودية على حافة الصحراء الجنوبية قرب مضارب «لمتونة»، ناحية مصب «نهر السنغال» وتبعه كثير من الذين آمنوا بدعوته، ولما ازدادت قوته قام يجاهد قبائل البربر ويدعوهم إلى تنفيذ تعاليم الإسلام الحقَّة ومعه «يحيى بن عمر» وأخوه «أبو بكر بن عمر اللمتونى»، لكن «يحيى» استشهد عام (448هـ = 1056م)، فأخذ «ابن ياسين» البيعة لأخيه «أبى بكر» وأقامه مكانه، وتوجَّه لقتال «برغواطة» عام (451هـ = 1059م) حيث استشهد «ابن ياسين» من جراح أصابته. وبعد أن فرغ «أبو بكر» من السيطرة على قبائل «الملثمين» وأعاد الأمن إلى الصحراء رأى أن يوجه جهوده لمحاربة الوثنيين فى بلاد السودان الغربى». وكان «ابن ياسين» قد انتزع مدينة «أودغشت» من ملك «غانة» بل وجاوزها إلى ناحية الجنوب فاتخذها الأمير «أبو بكر» مرتكزًا له فى جهاده ضد ملك «غانة»، وبعد جهاد دام أكثر من خمس عشرة سنة استولى «أبو بكر» على القسم الأكبر من مملكة «غانة» وضمه إلى دولته. ثم رحل هذا الأمير بعد ذلك إلى الشمال فى عام (464هـ = 1072م) قاصدًا «مرَّاكش» التى كان قد بناها عام (454هـ = 1062م)، وتم الصلح بينه وبين ابن عمه «يوسف بن تاشفين» على أساس أن يترك

«أبو بكر» لابن تاشفين بلاد «المغرب الأقصى»، وأن يعود هو إلى الصحراء مؤثرًا وحدة الصف، متجنبًا سفك الدماء، وكرس كل جهوده للتوسع فى بلاد «السودان» ونشر الإسلام بين قبائله، وكان هدفه هذه المرة هو إسقاط إمبراطورية «غانة» الوثنية التى أصبحت دولة «غانة» الإسلامية فيما بعد. دولة غانة الإسلامية [469 - 600 هـ = 1076 - 1203م]: «غانة» التى نقصدها بهذا الحديث ليست هى «غانا» التى تقع اليوم فى أقصى الجنوب من غرب إفريقيا وعاصمتها «أكرا» وإنما هى التى تقع بين منحنى «النيجر» و «نهر السنغال»، وتضرب حدودها فى جنوبى «موريتانيا» الحالية، وكانت عاصمتها مدينة تُسمَّى «كومبى» وتقع على بعد (200) ميل شمال «باماكو» عاصمة دولة «مالى» الحالية. وكانت غانة القديمة متسعة النفوذ والسلطان حتى قيل عنها: إنها كانت إمبراطورية خضع لها معظم بلاد «السودان الغربى» فى النصف الأول من العصور الوسطى. وتعد هذه الدولة أو الإمبراطورية من أقدم ممالك غربى إفريقيا شمال نطاق الغابات، ويرجع تاريخ نشأتها إلى الفترة مابين القرن الثالث والرابع الميلاديين، ويبدو أن كلمة «غانة» كانت لقبًا يطلق على ملوكهم، ثم اتَّسع مدلول هذا الاسم حتى أصبح يطلق على العاصمة والإمبراطورية. وقد قامت هذه الدولة على يد جماعة من البيض وفدوا من الشمال، وكان أول ملوكهم المدعو «كازا» قد اتَّخذ مدينة «أوكار» قرب «تمبكت» الحالية عاصمة له، وكان الشعب يتكون من قبائل «السوننك»، وهى أحد فروع شعب «الماندى» الذى يسكن معظم نواحى غرب إفريقيا. واستطاعت هذه الدولة منذ أواخر القرن الثامن الميلادى، وبعد أن انتقل الحكم إلى فرع «السوننكى» - أن تُخضِع بلاد «فوتا» حيث التكرور والولوف والسرير، ووصل هذا التوسع إلى نهايته القصوى فى مستهل القرن الحادى عشر للميلاد، فأصبحت «غانة» تسيطر على المسافات الممتدة من أعالى «نهر السنغال» وأعالى «نهر

النيجر»، وامتد نفوذها إلى موقع «تمبكت» شرقًا وبلاد «التكرور» أو «السنغال» غربًا، وينابيع نهر «النيجر» جنوبًا، وأغلب الصحراء الغربية (موريتانيا حاليا) شمالا، وانتقلت عاصمتها إلى مدينة «كومبى» أو «كومبى صالح» وهى نفسها مدينة «غانة». وقد اعتمدت إمبراطورية «غانة» على التجارة كمصدر رئيسى فى اقتصادها خاصة تجارة الذهب، حتى صارت تعرف ببلاد الذهب، وأصبح ملوك «غانة» من أغنى ملوك الأرض؛ بفضل سيطرتهم على الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب والتى كانت تقع فى منطقة «وانقارة» أو «وانجارة» جنوبى مملكة «غانة». وقد أدَّى رواج التجارة إلى أن أصبحت «غانة» (العاصمة «كومبى صالح») أكبر أسواق بلاد «السودان»، ودخل الإسلام إليها سلميا عن طريق التجار والدعاة المسلمين، ويتبين هذا من رواية «البكرى» الذى زار هذه البلاد فى عام (460هـ = 1068م)، وذكر أن مدينة «غانة» مدينتان يحيطهما سور، إحداهما للمسلمين وبها اثنا عشر مسجدًا، يُعيَّن لها الأئمة والمؤذِّنون، والقضاة، أما المدينة الأخرى، فهى مدينة الملك وتسمى بالغابة، وبها قصر الملك ومسجد يصلى فيه من يَفدُ عليه من المسلمين. ويضيف «البكرى» أن مترجمى الملك وصاحب بيت ماله وأكثر وزرائه كانوا من المسلمين، وهذا يدل على أن الإسلام قد انتشر بين زنوج غربى إفريقيا لدرجة أن شعب «التكرور» بأكمله أسلم على يد الملك «وارجابى بن رابيس» الذى توفى عام (432هـ = 1040م)، كذلك امتد الإسلام إلى مدينة «سلى» التى تقع بين «التكرور» و «غانة»، وإلى مدينة «غيارو» التى تبعد عن مدينة «غانة» مسيرة (18) يومًا. ويتحدث «البكرى» عن مملكة أخرى هى مملكة «ملل» ويقصد بها مملكة «مالى» التى تقع جنوبى مملكة «غانة»، ويقول: إن ملكها يعرف بالمسلمانى لأنه أعلن إسلامه على يد أحد الفقهاء المسلمين الذى خرج معه للاستسقاء بعد أن أجدبت البلاد وكاد الناس يهلكون،

ولما استجاب الله وهطل المطر أمر الملك بتحطيم الدكاكير (أى الأصنام)، وأخرج السحرة من بلاده، وأسلم هو وأهله وخاصته وحَسُنَ إسلامهم، على الرغم من أن أغلب أهل مملكته كانوا وثنيين. ويتحدث «البكرى» أيضًا عن مدن أخرى أهلها مسلمون مثل مدينة «كونمة» ومدينة «الوكن» ومدينة «كوكو» عند انحناءة «نهر النيجر» تجاه بلاد «الهوسا»، والمدينة الأخيرة مدينتان، مدينة الملك ومدينة المسلمين، ويبدو أن ملكهم كان مسلمًا، بدليل ما يذكره «البكرى» من أن ملكهم كان يتسلَّم عند تنصيبه خاتمًا وسيفًا ومصحفًا، يزعمون أن أمير المؤمنين بعثها إليه. ويصرح «البكرى» فى نهاية حديثه بأن ملكهم مسلم ولا يتولى العرش أحد من غير المسلمين. وحتى يسير الإسلام فى مجراه الطبيعى ويستقر بين هذه الشعوب التى آمنت به، وحتى ينتهى دور «غانة» فى مناهضة الإسلام والاعتداء على القبائل المسلمة كان الهدف الأساسى الذى كرَّس له الأمير «أبو بكر بن عمر اللمتونى» زعيم «الملثمين» جهوده هو الاستيلاء على «غانة» وإخضاعها لدولة المرابطين التى أقامها هؤلاء «الملثمون» من قبائل صنهاجة. وعلى الرغم من أن أغلب المصادر تغفل تفاصيل جهاد هذا الأمير فى بلاد «السودان الغربى» فإننا نعرف أنه استطاع أن يفتح مملكة «غانة»، وأن يستولى على العاصمة عام (469هـ = 1076م) ويسقط الحكومة الغانية الوثنية. ومنذ ذلك الوقت يمكن أن يؤرخ لإمبراطورية «غانة» الإسلامية حتى اختفائها من التاريخ فى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى. فقد أضحت حكومتها إسلامية، ويقال إن ملكها اعتنق الإسلام بدليل أن المرابطين تركوه فى الحكم بعد أن أعلن الخضوع ودفع الخراج لهم. وبإسلام هذا الملك دخل عدد كبير من سكان المملكة فى الإسلام. ولم تستمر سيطرة المرابطين على «غانة»؛ إذ سرعان ما تخلَّصت من هذه السيادة على أثر اغتيال الأمير «أبى بكر» أمير المرابطين عام

(480هـ = 1087م) على يد أتباع أحد زعماء قبائل «الموسى» بجنوب «داهومى» وانتهزت بلاد «السودان الغربى» هذه الفرصة وما تبعها من اضطراب الجيوش المرابطية هناك بعد موت قائدها فأعلنت «غانة» استقلالها وانفصالها عن الدولة المرابطية، ونقضت تبعيتها لها، وفى الوقت نفسه استطاعت بعض الولايات التى كانت تابعة لإمبراطورية «غانة» أن تنفصل هى الأخرى وتستقل فى حكمها، مثل مملكة «أنبارة» وولاية «ديارا» و «كانياجا»، وأصبحت ممالك مستقلة، بينما أصبحت سلطة ملوك «غانة» لا تتعدَّى «أوكار» و «باسيكورو» مما أضعف الدولة ومهد للقضاء عليها. ومعنى ذلك أن فتح المرابطين لغانة لم يقض عليها تاريخيا، ولكنه حولها إلى الإسلام، وجاءت الصدمة القاضية على الوجود التاريخى لإمبراطورية «غانة» على يد قبائل «الصوصو» الوثنية التى استقلت بولاية «كانياجا» كما سبق القول، وكانوا من قبل يدفعون الجزية لحكومة «غانة» لفترة طويلة. وفى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى استولى أعظم أباطرة «الصوصو» وهو «سومانجورو» على العاصمة «كومبى صالح» فى عام (600هـ= 1203م) بعد معركة طاحنة مع ملك «غانة» الإسلامية. وبذلك أنهى «الصوصو» سيادة الملوك الغانيين المسلمين فتفرقوا فى البلاد، وقام زعيم «الصوصو» بالاتجاه نحو الجنوب؛ حيث توجد دولة «الماندنجو» النامية فى «كانجابا» واستولى عليها ولكن أحد أبناء ملك «كانجابا» ويسمى «سندياتا» أو (مارى جاطهـ) نجح فى استرداد الأراضى التى ضاعت من أبيه، بل واستطاع أن يقضى على «سومانجورو» نفسه وأن يضم جميع أملاك «الصوصو» إليه. وذلك بعد موقعة حربية فاصلة (632هـ = 1235م)، وفى عام (638هـ = 1240م) نجح «مارى جاطة» فى تدمير ما بقى من «كومبى صالح» عاصمة «غانة»، وكان ذلك هو الفصل الختامى فى اختفاء إمبراطورية «غانة» من مسرح التاريخ. وعلى الرغم من أن «غانة» الإسلامية لم تعمَّر طويلا فإن أهلها

وأغلبهم من «السوننك» اشتهروا بحماسهم للإسلام وبالدعوة إليه، حتى إن بعض العشائر السوننكية تكاد تختص بالعمل فى الدعوة إلى الإسلام، بل إن كلمة «سوننك» فى أعالى نهر «غمبيا» استخدمها «الماندنجو» الوثنيون مرادفة لكلمة «داعية»، مما يدل على الدور الكبير الذى نهض به «السوننك» فى نشر الإسلام. ويبدو أن هذه الدفعة التى دفعها المرابطون للإسلام كانت من القوة بحيث تركت فى تاريخ الإسلام فى غربى إفريقيا آثارًا عميقة، ذلك أن دعاة المرابطين نشروا الإسلام فى المنطقة الواقعة بين «السنغال» و «النيجر» وعلى ضفاف «السنغال»، وتمخض ذلك عن إسلام شعب «التكرور» الذى عمل بدوره على متابعة الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بين قبائل «الولوف» و «الفولبة» (الفولانى) و «المندنجو». وفى ركاب المرابطين دخلت الثقافة الإسلامية متدفقة من مدارس «المغرب» و «الأندلس»، فقد وحَّد المرابطون بين «السودان الغربى» و «المغرب» و «الأندلس» فى دولة واحدة. وفى عهدهم تم تأسيس مدينة «تمبكت» التى أصبحت حاضرة الثقافة العربية فى غربى «السودان» وقد أسَّسها قوم من طوارق «مقشرن» فى آخر القرن الخامس الهجرى، وأصبحت سوقًا مهمة يؤمُّها الرحالة ويَفِدُ إليها التجار من «مَرَّاكُش» و «السودان». وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار فوفدوا إليها من «المغرب الأقصى» و «الأندلس»، بل ومن «مصر» و «توات» و «تافللت» و «فاس» وغيرها، وأصبح مسجدها الجامع الذى يسمى مسجد «سنكرى» جامعة إسلامية زاهرة فى هذه البقعة النائية، وامتدَّ الإسلام إلى مدينة أخرى كان لها ما لتمبكت من أثر فى تاريخ الإسلام والثقافة العربية، وهى مدينة «جنى» التى أسلم أهلها آخر القرن الخامس الهجرى، وأمَّها الفقهاءُ والعلماءُ، كما انتشرت اللغة العربية بين كثير من أهالى دولة «غانة» الإسلامية، وأصبحت لغة العبادة والثقافة الوحيدة بالبلاد بجانب كونها لغة التجارة والمعاملات.

انتهى هذا الدور بانتشار الإسلام فى بلاد «السودان الغربى» على نطاق واسع، وبتوطُّن الثقافة العربية فى مركزين مشهورين فى «تمبكت» و «جنى»، وبسقوط مملكة «غانة» الإسلامية على يد «الصوصو»، وورثتها مملكة «مالى» الناشئة، وبدأ دور جديد يمكن أن نسميه دور الازدهار فى تاريخ الدول والممالك الإسلامية التى قامت فى غرب إفريقيا فى العصور الوسطى. وفى هذا الدور انتقلت السلطة إلى أهل البلاد الأصليين الذين دخلوا الإسلام وتشربوا من ثقافته واقتبسوا من نظمه، وهو التطور نفسه الذى حدث فى «المغرب» حينما انتقل السلطان إلى أهل البلاد أنفسهم، بل شهده كل قطر دخله الإسلام وتغلغل فيه. ومن الدول الإسلامية التى قامت من أهل البلاد الأصليين فى غربى إفريقيا دولة «مالى» ودولة «صنغى» ودولة «الكانم والبرنو». وهذه الدول بعد قيامها كانت تشتغل بالحياة الإسلامية وتتخذ مظهرًا إسلاميا واضح المعالم.

9 - 3:سلطنة مالى الإسلامية

الفصل الثالث * سلطنة مالى الإسلامية [569 - 874هـ = 1200 - 1469 م]: أسس هذه السلطنة شعب زنجى أصيل هو شعب «الماندنجوه»، أو «الماندنجو» ومعناها «المتكلمون بلغة الماندى»، ويطلق «الفولانى» على هذا الشعب اسم «مالى»، ويلقبه المؤرخون العرب بلقب «مليل» أو «ملل»، وتقع سلطنة «مالى» بين بلاد «برنو» شرقًا والمحيط الأطلسى غربًا وجبال البربر شمالا و «فوتاجالون» جنوبًا. وقد اشتهرت باسم بلاد «التكرور» وهى أحد أقاليمها الخمسة التى اشتملت عليها المملكة زمن قوتها وازدهارها، وكان كل إقليم منها عبارة عن مملكة مستقلة استقلالا ذاتيا، لكنها تخضع لسلطان «مالى»، وهذه الأقاليم الخمسة حسبما ذكرها «القلقشندى»: 1 - «مالى»، ويتوسط أقاليم المملكة. 2 - «صوصو»، ويقع إلى الجنوب من «مالى». 3 - «غانة»، ويقع شمال «مالى» ويمتد إلى «المحيط الأطلسى». 4 - «كوكو»، ويقع شرق إقليم «مالى». 5 - «تكرور»، ويقع غرب «مالى» حول «نهر السنغال». ولايعرف إلا القليل عن نشأة مملكة «مالى» ويتلخص فى أنه فى نحو منتصف القرن الحادى عشر الميلادى تقريبًا اعتنق ملوك «الماندنجو» فى «كانجابا» (مالى) الإسلام، وأنشئوا دُوَيلة صغيرة انفصلت عن مملكة «غانة»، وظفرت بنوع من الاستقلال الذاتى، مستغلة الصراع الذى نشب بين المرابطين ومملكة «غانة» واستطاع ملوك «كانجابا» أن يوسعوا مملكتهم فى أوائل القرن الثالث عشر فى اتجاه الجنوب والجنوب الشرقى، مما أثار حفيظة ملك «الصوصو»، الذى أخذ يعمل للسيطرة على مملكة «كانجابا» الناشئة وكادت جهوده تكلل بالنجاح، بعد أن استطاع القضاء على دولة «غانة» الإسلامية عام (600هـ = 1203م)، لكن «سندياتا» ملك «كانجابا» الذى اشتهر باسم «مارى جاطة» (627 - 653هـ = 1230 - 1255م) استطاع أن يقهر ملك «الصوصو»، وأن يقتله فى إحدى المعارك عام (632هـ = 1235م) وأن يضم بلاده إليه، ثم وسَّع نفوذه شمالا واستولى على البقية

الباقية من مملكة «غانة» عام (638هـ= 1240م)، وبذلك يعتبر هذا الملك المؤسس الحقيقى لسلطنة «مالى» الإسلامية. وقد برزت سلطنة «مالى» فى سماء الحياة السياسية فى غربى إفريقيا كأعظم ماتكون، واتخذت حاضرة جديدة لها، ترمز إلى الدولة وإلى نفوذها وقوتها النامية وهى عاصمتها الجديدة «نيانى» أو «مالى»، بدلا من عاصمتها القديمة «جارب»، وتقع العاصمة الجديدة على أحد روافد «نهر النيجر». استمرت حركة التوسُّع بعد ذلك، ففى عهد «منسى ولى» (653 - 669هـ = 1255 - 1270م) خليفة «مارى جاطة» استولى قواده على منطقة «وانجارة» الغنية بمناجم الذهب، كما استولوا على مدينتى «بامبوك» و «بندو»، ولم تتوقَّف الفتوح بعد «منسى ولى»، إنما استمرت فى عهد خلفائه - أيضًا - حتى وصلت الغاية فى عهد ملك «مالى» الشهير «منسا موسى» (712 - 738هـ = 1312 - 1337م) الذى استولت قواته على مدن «ولاته» و «تمبكت» و «جاو» فى «النيجر الأوسط»، وبلغت دولة «مالى» الإسلامية فى عهده ذروة مجدها وقوتها واتساعها، فقد امتدت من بلاد «التكرور» غربًا عند شاطئ «المحيط الأطلسى» إلى منطقة «دندى» ومناجم النحاس فى «تكدة» شرقى «النيجر»، ومن مناجم الملح فى «تغازة» فى الصحراء شمالا إلى «فوتاجالون» ومناجم الذهب فى «نقارة» جنوبًا، كما شملت الحدود الجنوبية منطقة الغابات الاستوائية. وتقدر مساحة «مالى» زمن السلطان «منسا موسى» بمساحة كل دول غربى أوربا مجتمعة، وتعتبر «مالى» من أعظم الإمبراطوريات فى القرن الرابع عشر الميلادى، وفاقت شهرتها دولة «غانة»؛ من حيث العظمة والقوة والثروة والاتساع والشهرة، فقد ضمَّت داخل حدودها مناجم الذهب والملح والنحاس، وتحكَّمت فى طرق القوافل بين هذه المناجم شمالا وجنوبًا، ونتج عن ذلك ثراء جم، يظهر ذلك من وصف «ابن بطوطة» و «الحسن الوزَّان» لهذه المملكة. لكن ما كادت الدولة تبلغ الغاية فى القوة حتى بدت عليها مظاهر

الضعف؛ فأَغرق الملوك فى الترف، وفقدوا الروح العسكرية، وبدأت أقاليمها تستقل عنها واحدًا بعد الآخر؛ فاستقلَّت «جاو» واستولى «الطوارق» على «أروان» و «ولاته» و «تمبكت»، وبدأ «الولوف» و «التكرور» يُغيرون عليها من الغرب، ودولة «الكانم» من الشرق واستقلّت إمارة «صنغى» التى ورثت مملكة «مالى» وتبوأت مكانتها فى غرب القارة فيما بعد. وقد بلغ ضعف مملكة «مالى» الغاية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين حين استنجدوا فى عام (886هـ = 1481م) بالعثمانيين، الذين كانوا قد استقروا بالمغرب، ثم بالبرتغاليين الذين كانوا قد أنشئوا لهم مستعمرة على ساحل إفريقيا الغربى، فلم يستجب لهم أحد، وكان «سُنِّى على» سلطان دولة «صنغى» الإسلامية والمؤسس الحقيقى لها قد أوغل فى سلطنة «مالى» فلم يترك بلدًا ولا مدينة فى النصف الشمالى منها إلا حاربه بما فى ذلك مدينة «مالى» نفسها، واحتل «تمبكت» عام (873هـ = 1469م)، ونرى عهد قوة إمبراطورية «مالى» ينتهى فى العام الذى سقطت فيه «تمبكت» فقد أخذت الإمبراطورية تفقد أقاليمها واحدًا إثر الآخر حتى أصبحت فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى مجرد دُوَيلة صغيرة فى «كانجابا» كما كانت من قبل. وظلَّت هذه الدولة قائمة حتى ابتلعها الفرنسيون فى عام (1316هـ = 1898م)، بعد أن هزموا آخر زعيم أراد أن يعيد مجد دولة «مالى» الإسلامية، ويوحد شعب «الماندنجو» وهو «سامورى التورى»، ورغم جهاده المستمر فإن الفرنسيين قضوا عليه فى العام نفسه، ونفوه إلى «جابون»؛ حيث مات هناك فى عام (1318هـ = 1900م). وقد استطاعت دولة مالى تحقيق كثير من المظاهر الإسلامية. وأول هذه المظاهر، اتصالها بالقوى الإسلامية المختلفة، وإظهارها لروح الأخوة الإسلامية، وقد ظهر هذا فى سفر سلاطين هذه المملكة إلى مكة لأداء فريضة الحج وزيارة «مصر» فى طريقهم إلى «مكة»، وقد بدت هذه الظاهرة منذ فجر الدولة؛ إذ أشار «القلقشندى» إلى

خروج «منساولى بن مارى جاطة» إلى الحج فى عهد السلطان «بيبرس»، وتطورت الصلات بين «مالى» و «مصر» فى عهد السلطان «منسا موسى» الذى يعد موكبه من أروع مواكب الحج التى وفدت على «مصر» فى القرن الثامن الهجرى. وقد قدَّر بعض المؤرخين عدد من جاء فى ذلك الموكب بعدة آلاف، وقالوا إن السلطان حمل خمسين ألف أوقية من الذهب وزَّع أكثرها على الناس فى صورة هدايا أو صدقات فى «مصر» و «الحجاز»، وقد بعث إلى الخزانة السلطانية فى «القاهرة» بحمْل كبير من الذهب، وقد أكرمه سلطان «مصر» وبعث إليه بالخِلع وزوَّده بما يحتاج إليه فى سفره إلى «مكة» من الجمال والمتاع والمئونة. وكان السلطان «منسا موسى» قد بعث قبل مجيئه إلى «مصر» كتابًا إلى السلطان المملوكى «الناصر محمد» خاطبه فيه بما يدل على التقدير والإخاء، وبعث إليه بخمسة آلاف مثقال من الذهب، مما يدل على عمق الصلات الطيبة وروح الأخوة الإسلامية بين القاهرة وغربى إفريقيا، تلك الصلات التى نشأت عنها علاقات ثقافية وتجارية واسعة وقد انتهز السلطان «منسا موسى» فرصة وجوده فى «مصر»، فابتاع جملة من الكتب الدينية ليوفر لأهل بلاده طرفًا من الثقافة الإسلامية المتفوقة فى «مصر» وقتئذٍ وتبع ذلك رحيل كثير من علماء «مصر» إلى «مالى»، ورحيل علماء «مالى» إلى «مصر»؛ حيث كان لهم رواق فى الأزهر يقيمون فيه يسمى «رواق التكرور». ولم تقتصر العلاقات على «مصر» وحدها، بل كان لسلاطين «مالى» علاقات طيبة أيضًا بملوك «المغرب» وترجع العلاقات بين الطرفين إلى زمن بعيد، فيذكر «ابن عذارى» مؤرخ «المغرب» و «الأندلس» الشهير فى كتابه «البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب» بعض الهدايا التى كان يرسلها ملوك «السودان الغربى» فى القرنين الرابع والخامس الهجريين إلى ملوك «بنى زيرى» فى «تونس»، أما سلطان مملكة «مالى» «منسا موسى» فقد أرسل إلى السلطان «أبى الحسن

المرينى» يهنئه باستيلائه على «تلمسان»، كما بعث بالسفراء الدائمين إلى مدينة «فاس»، وكانت العلاقات الثقافية مع «المغرب» فى غاية القوة والازدهار، بسبب انتشار مذهب «مالك» فى البلدين. وقد امتدت علاقات مملكة «مالى» إلى «الأندلس»، بدليل ما يروى من أن «منسا موسى» استعان بأحد علمائها وهو «أبو إسحاق السهلى» من أهل «غرناطة» فى بناء القصور والمساجد، وإليه يرجع الفضل فى إدخال فن البناء بالآجر فى غربى «السودان»، وبنى مسجدًا عظيمًا فى «جاو» وآخر فى «تمبكت»، كما بنى قصر «منسا موسى» نفسه. وكان أهل «مالى» يحتفلون بشهر رمضان وبالأعياد الإسلامية احتفالا كبيرًا، وكان السلطان يوزع الأموال والذهب على القضاة والخطباء والفقهاء وفقراء الناس، ويصف «ابن بطوطة» خروج السلطان لصلاة العيد وصفًا رائعًا لا يقل فخامة وأبهة عن خروج خلفاء «بغداد» و «القاهرة». ويقول إن الأهالى كانوا يواظبون على الصلاة فى الجماعات، وإنهم كانوا يضربون أولادهم إذا ما قصروا فى أدائها، وإنه إذا لم يبكر الإنسان فى الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة لم يجد مكانًا لكثرة الزحام. وبلغ من عمق العقيدة فى نفوسهم أنهم كانوا يلزمون أبناءهم بحفظ القرآن الكريم، وكانوا يضعون قيودًا من الحديد فى أرجلهم إذا ماقصروا فى حفظه، ولا تفك عنهم حتى يحفظوه، ولذلك أتقن كثير من الماليين اللغة العربية، وكان السلطان «منسا موسى» نفسه يجيدها، وكان التعليم لايتم إلا بها كما كانت لغة الحكومة فكانت الوثائق المهمة والمراسلات الدولية لاتكتب إلا بها، كما كانت لغة التجارة والمعاملات، أى أنها كانت اللغة السائدة بجانب اللغات المحلية، مثل لغة «الهوسا» و «صنغى» و «الفولانيين» التى تأثرت باللغة العربية، وتوجد آلاف الكلمات العربية مستخدمة فى شتى مظاهر الحياة فى غرب إفريقيا حتى اليوم، وقد زار الرحالة الإنجليزى «فرانسيس مور» مالى عام (1144هـ = 1731م) ووجد معظم

أهل «جمبيا» البريطانية يتكلمون العربية. وقد ساعد على ذلك أن سلاطين «مالى» كانوا يكثرون من بناء المساجد التى كانت تتخذ بجانب العبادة مكانًا للعلم والتدريس، ويذكر أن السلطان «منسا موسى» كان يقيم مسجدًا فى كل مكان تدركه فيه صلاة الجمعة إذا كان مسافرًا أو خارج عاصمته، ومن أهم هذه المساجد مسجد أو جامع سنكرى الذى أصبح جامعة علمية فى مدينة «تمبكت»؛ حيث وفد إليه العلماء وطلاب العلم من داخل «مالى» وخارجها، وبلغ من أهمية هذه المساجد أنها أصبحت حرمًا آمنًا، فكان السلطان إذا غضب على أحد من الرعية استجار المغضوب عليه بالمسجد، وإن لم يتمكن من ذلك يستجير بدار خطيب المسجد، فلا يجد السلطان سبيلا إلا أن يعفو عنه، وهذا يدل على مدى تقدير سلاطين «مالى» للأماكن الدينية وللعلماء، وكان مجلس السلاطين لا ينعقد إلا بحضور العلماء ولا يبت فى رأى إلا بعد مشورتهم، فإذا أضفنا إلى ذلك ما قام به سلاطين «مالى» من جهاد لنشر الإسلام وثقافته بين القبائل الوثنية سواء داخل دولتهم أو خارجها، وما قاموا به من أصول عربية مشرقية لأسرتهم الحاكمة وهى أسرة «كيتا»؛ لأدركنا مدى حرص تلك السلطنة وهؤلاء السلاطين على التقاليد الإسلامية ومظاهر الحياة الإسلامية.

9 - 4:سلطنة صنغى الإسلامية

الفصل الرابع *سلطنة صنغى الإسلامية [777 - 1000هـ = 1375 - 1591 م]: بدأت سلطنة «صنغى» (صنغاى- سنغاى) دويلة صغيرة لا تختلف من حيث قيامها عن سلطنة «مالى» أو «غانة» فقد تدفقت بعض قبائل مغربية - وخاصة قبائل «لمطة» - فى نحو منتصف القرن السابع الميلادى إلى الضفة اليسرى لنهر «النيجر» عند مدينة «دندى»، وسيطروا على الزراع من أهل «صنغى». ورحب هؤلاء بهم ليحموهم من الصيادين الذين كانوا يعتدون عليهم ونجح هؤلاء الوافدون فى تكوين أسرة حاكمة استفادت إلى حد كبير من العلاقات التجارية مع «غانة» و «تونس»، و «برقة» و «مصر»، وكانت هذه العلاقات التجارية ذات أثر بعيد فى تحويل ملوك «صنغى» إلى الإسلام فى بداية القرن الحادى عشر الميلادى إبان النهضة الإسلامية التى اضطلع بها المرابطون فى ذلك الوقت لنشر الإسلام فى غربى القارة. رأى ملوك «صنغى» أن ينقلوا حاضرة ملكهم من «كوكيا» إلى «جاو» لتكون على مقربة من طرق القوافل الرئيسية. ومدينة «جاو» زارها البكرى عام (460هـ = 1068م) وقال: «إن مدينة كوكوا (جاو) مدينتان، مدينة الملك ومدينة المسلمين، وإذا وُلِّى منهم ملك دُفع إليه خاتم وسيف ومصحف يزعمون أن أمير المؤمنين بعث بذلك إليهم، وملكهم مسلم لا يملِّكون غير المسلمين»، كما زارها «ابن بطوطة» فى منتصف القرن الرابع عشر للميلاد، وقال عنها: إنها مدينة كبيرة تقع على نهر «النيجر»، وهى من أحسن مدن «السودان» وأكبرها وأخصبها، وقد قابل فيها فقهاء ينتسبون إلى بعض قبائل البربر. وكانت «جاو» والبلاد التابعة لها تشكل جزءًا من سلطنة «مالى» (777هـ = 1375م)، عندما تحرك ملوك «صنغى»، واستردوا استقلالهم منتهزين فرصة الضعف الذى أخذ يظهر فى دولة «مالى» منذ ذلك الوقت واتخذوا لقب «سُنِّى» أو «السُّنِّى». وأخذت بلادهم تتسع فى عهد «سنى على» (868 - 897هـ = 1464 - 1492م) الذى كون جيشًا كبيرًا منظمًا سار على رأسه إلى الغرب،

واستولى على مدينة «تمبكت» (873هـ = 1468م)، ثم على مدينة «جنِّى» (878هـ = 1473م)، وفتح مملكة «الموسى» وضمها إلى دولته، وتقدم شرقًا فهاجم بعض إمارات «الهوسا» فخضعت له «كاتسينا» و «جوبير» و «كانو» و «زمفرة» و «زاريا»، ثم اتجه غربًا فاستولى على بلاد «الماندنجو» و «الفولانى»، ومعظم ممتلكات دولة «مالى» الإسلامية، واتجه شمالا حتى مواطن الطوارق. وبذلك أسس «سنى على» إمبراطورية «صنغى» الإسلامية، وكان أول إمبراطور لها، حتى مات فى ظروف غامضة، وبموته انتقل الحكم إلى أسرة جديدة أسسها أحد قواد «السوننكى»، وهو «أسكيا محمد الأول» بعد إعلانه الثورة على ابن «سنى على» واستيلائه على السلطة. و «أسكيا» لقب يعنى «القاهر» وقام بتنظيم شئون البلاد من الناحية الإدارية، واستخدم طائفة من الموظفين الأكفاء، كما نظم الجيش وأفاد من الخبرات السابقة، واتخذت حركته مظهرًا إسلاميا واضحًا نتيجة عاملين قام بهما: الأول: هو اهتمامه بالشئون الدينية واستغلاله ثروة سلفه فى النهوض بها وقيامه بالحج إلى البيت الحرام فى مكة (900هـ = 1495م)، وكان موكبه فى موسم الحج يفوق ما عرف عن موكب ملوك «مالى»، من حيث الأبهة والفخامة، واستردت «تمبكت» فى عهده مكانتها كمركز للثقافة الإسلامية فى غربى إفريقيا، وبلغ من شهرتها أن ملك «صنغى» كان ينسب إليها. والعامل الثانى: هو الجهاد الذى قام به بغرض توسيع رقعة بلاده، ونشر الإسلام بين الوثنيين من جيرانه «الماندنجو» و «الفولانى» فى الغرب «والطوارق» فى الشمال، وقبائل «الموسى» الزنجية فى الجنوب، «والهوسا» فى الشرق فى مدن «كتسينا» و «غوبير» و «كانو» و «زنفروزاريا» وقد خضعت هذه المدن كلها لهذا الملك عام (919هـ = 1513م)، وكان هذا بداية لظهور الثقافة الإسلامية فى هذا الجزء من شمال «نيجيريا». وقد أشار كثير من المؤرخين السودانيين إلى أن علماء من «تمبكت» رحلوا إلى هذه الجهات الخاضعة لنفوذ «صنغى»، وأقاموا هناك

يفقِّهون الناس فى الدين وينشرون الثقافة الإسلامية، حتى امتد النفوذ الإسلامى إلى منطقة «بحيرة تشاد»، وبلغت إمبراطورية «صنغى» أقصى اتساع لها، فقد شمل نفوذها منطقة «السافانا» كلها من الشرق إلى الغرب، واستطاع «أسكيا محمد الأول» أن ينشر الأمن والسلام فى جميع ربوع هذه المملكة الشاسعة الأرجاء، بتنظيماته الإدارية والعسكرية الرائعة التى قام بها بين صفوف الجيش والإدارة. لكن حكمه آذن بالزوال حينما أصيب بالعمى وانتابه المرض وتآمر عليه أولاده، وعزله أحدهم عن الحكم فى عام (935هـ = 1529م). وظل القواد والمغامرون يتنافسون من أجل السيطرة على الجيش والحكومة، إلا أن «أسكيا إسحاق الأول» (946 - 956هـ = 1539 - 1549م) استطاع أن يلى العرش بمساندة الجيش، وأن يعيد الأمن إلى نصابه، وأن يقضى على منافسيه، وأن يبعد كبار ضباط الجيش وكبار المسئولين، الذين أساءوا استخدام مناصبهم خلال فترة الاضطراب. وعلى الرغم من ذلك لم يستطع الاحتفاظ بالعرش مدة طويلة، فقد خلفه «أسكيا داود» (1549 - 1582م) الذى عين أنصاره فى الوظائف المهمة واشتهر بحنكته السياسية فأبعد خطر ملوك «مراكش» عن بلاده بالمهادنة والتودد إليهم. وبعد وفاة «داود» (990هـ = 1582م) أثرت المنازعات التى قامت بسبب العرش تأثيرًا سيئًا على مملكة «صنغى»، فقد كان سلاطين «المغرب» منذ عهد بعيد يتطلعون إلى مناجم الملح فى «تغازة» وإلى السيطرة على تجارة الذهب، وظل ملوك «صنغى» يصدون سلاطين «المغرب» حتى سنة (993هـ = 1585م)، حينما انقسمت البلاد على نفسها، فاستغل «أحمد المنصور الذهبى» سلطان «المغرب» الذى انتصر على البرتغاليين فى موقعة «القصر الكبير» ضعف «صنغى» وسيَّر جيشًا كبيرًا عام (998هـ = 1590م) استولى على العاصمة «جاو» بعد أن هزم قوات «إسحاق الثانى» فى موقعة «تونديبى» وبذلك دخلت البلاد فى طور جديد من أطوار تاريخها وهو طور التبعية والفناء.

لكن واقعة «تونديبى» لم تكن نصرًا للمغرب إلا من الناحية العسكرية؛ إذ إنهم لم يحققوا الأغراض التى قاتلوا من أجلها، وهى السيطرة على مناجم الذهب فى غرب إفريقيا، لأن ثروة «صنغى» لم تكن نتيجة امتلاكها الذهب بقدر ما كانت نتيجة لسيطرتها على تجارته مع مواطن إنتاجه، فى «وانجارة» و «يندوكو» و «أشنتى»، وكلها فى جنوب مملكة «صنغى»، وهى تجارة لا تزدهر إلا فى ظل الأمن والسلام الذى قضى عليه سلاطين «مراكش»، الذين لم يستطيعوا أن يمدوا نفوذهم إلى ما وراء المدن الرئيسية «جنى» و «تمبكت» و «جاو»، ولما أدركوا قلة الفوائد التى عادت عليهم من وراء هذا الفتح الذى كلفهم كثيرًا، كفُّوا عن إرسال الجند والمئونة اللازمة إلى قواتهم، وتركوا هذه القوات تقرر مصيرها بنفسها، فنشأت أسرة محلية من باشوات «تمبكت» تدين بالتبعية الاسمية لسلطان «مراكش»، وتعتمد على عنصر خليط من البربر وأهل البلاد، أو المولدين الذين سموا باسم «أرما». وكان همُّ هؤلاء الباشوات منصرفًا إلى جمع المال وحمل الزعماء المحليين على دفع الإتاوة على أن سلطانهم ضعف تدريجيًا لاعتمادهم على الجيش الذى كان يعزلهم متى شاء، حتى بلغ عدد من تولى منهم بين سنتى (1070هـ=1660م) و (1163هـ= 1750م) نحو (128) باشا، ولما ضعفت قوة الجيش نفسه اضطر الباشوات منذ عام (1081هـ = 1670م) إلى دفع الإتاوة إلى الحكام الوثنيين من ملوك «البمبارا»، وهم ملوك مملكة «سيجو» الوثنية، التى كانت تقع على وادى نهر «بانى» جنوبى «كانجابا» فى حوض «النيجر». وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الفرنسيون والتهموا المنطقة بأسرها، وسموها «إفريقية الاستوائية الفرنسية». وبعد نجاح حركة الكفاح الوطنى ضد الاستعمار الفرنسى والإنجليزى؛ ظهرت عدة دول إسلامية حديثة على أنقاض إمبراطورية «صنغى» الإسلامية، وهذه الدول هى: «جمهورية موريتانيا، و «جمهورية غينيا»، و «جمهورية

مالى»، و «جمهورية السنغال»، و «جمهورية النيجر»، و «جمهورية نيجيريا»، و «جمهورية جامبيا». وإذا كانت دولة «صنغى» قد شابهت دولة «مالى» من حيث تطورها العام، فإنها قد شابهتها أيضًا فى اتخاذها مظهرًا إسلاميا واضحًا، بل فاقتها فى هذه الناحية فى بعض الأحيان، وهذا التطور طبيعى، فقد امتد سلطان «صنغى» إلى القرن السادس عشر الميلادى، وكان الإسلام قد قطع خطوات واسعة فى سبيل النمو والانتشار. وقد سعى ملوك «صنغى» كما سعى ملوك «مالى» من قبل إلى الاتصال بالقوى الإسلامية المعاصرة، تحقيقًا لروح الأخوة الإسلامية، وفى هذا المجال كان لملوك «صنغى» اتصالات عديدة بملوك المسلمين فى الشرق والغرب. فقد خرج «أسكيا محمد الأول» إلى الحج ومر بمصر سنة (899هـ= 1494م) فى موكب حافل، وأغدق على الناس والفقراء أكثر مما أغدق أسلافه، فقد روى «السعدى» صاحب كتاب «تاريخ السودان» أنه تصدق مثلا فى الحرمين الشريفين بمائة ألف مثقال من الذهب، واشترى بساتين فى «المدينة المنورة» حبسها على أهل التكرور (أهل دولة صنغى)، واجتمع فى موسم الحج بزعماء المسلمين، وتأثر بما رآه فى «مصر» من نظم الحكم، ومن ثقافة عربية مزدهرة، فاتصل بالإمام «السيوطى» وغيره من علماء العصر، وتلقى تقليدًا من الخليفة العباسى بالقاهرة، وعاد إلى بلده متأثرًا بما رآه من روح إسلامية، وعمل على تطبيق ما تعلمه من آراء وتجارب شاهدها بنفسه. ويقال إن هذا السلطان قلد فى تنظيماته الإدارية النظم التى رآها فى «مصر»، وأمعن فى إحاطة نفسه ببطانة من العلماء الذين كان يحمل لهم كل احترام وتقدير، فقد روى مؤرخو «السودان» أنهم كانوا إذا دخلوا عليه أجلسهم على سريره وقربهم وأمر بألا يقف أحد إلا للعلماء أو الحجاج، وألا يأكل معه إلا العلماء والشرفاء. كما أبطل البدع والمنكر وسفك الدماء، وأقام الدين والعقائد، وأعطى «جامعة تمبكت» المزيد من عنايته، فتفوقت فى عهده

ووصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل، وكانت فى غربى «السودان» كجامعة «الأزهر» فى «القاهرة»، أو «القرويين» فى «فاس» أو «الزيتونة» فى «تونس» أو «النظامية» فى «بغداد». وأصبحت هذه السياسة الإسلامية سياسة مقررة لخلفائه من بعده، فأسكيا إسحاق يسير فى الطريق نفسه، من تشجيع العلماء وإكرامهم والأخذ بيدهم، و «أسكيا داود» يتخذ خزائن الكتب وله نساخ ينسخون الكتب وربما يهادى بها العلماء، وقيل إنه كان حافظًا للقرآن الكريم. وهذا يدل على أن دولة «صنغى» قد شهدت تمكن الإسلام من أهل غرب إفريقيا، كما شهدت ازدهار الثقافة الإسلامية إلى أبعد الحدود. وبذلك نكون قد انتهينا من الحديث عن الدول الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، أما «السودان الأوسط» فقد قامت فيه دول أهمها وأعظمها على الإطلاق هى سلطنة «الكانم والبرنو» الإسلامية.

9 - 5:سلطنة الكانم والبرنو الإسلامية

الفصل الخامس *سلطنة الكانم والبرنو الإسلامية [479 - 1262هـ = 1086 - 1846م]: قامت هذه السلطنة فى «بلاد السودان الأوسط» الذى يتكون من حوض «بحيرة تشاد» وما تقع حواليها من بلدان تمتد من «نهر النيجر» غربًا إلى «دارفور» شرقًا، وكانت منطقة «بحيرة تشاد» مهد سلطنة «الكانم والبرنو». وقد ضمَّت هذه الدولة عددًا كبيرًا من القبائل والعناصر، فهناك قبائل «الصو»، وقبائل «الكانمبو»، وقبائل «الكانورى» وهى خليط من العرب والبربر والزنوج، وهؤلاء يكوِّنون أغلب سكان هذه السلطنة، يضاف إلى ذلك قبائل «التبو» (التدا) من البربر، وكذلك «بربر الطوارق» من سكان المناطق الشمالية الصحراوية، وكذلك قبائل العرب الذين كانوا يُعرَفون هناك باسم (الشوا)، وقد قدموا إلى «تشاد» من «وادى النيل»، ومن القارة عبر الصحراء، وكانوا يتمثَّلون فى قبائل «جذام» و «جهينة» و «أولاد سليمان»، وقد أدَّى اختلاط هؤلاء العرب بالوطنيين إلى ظهور عناصر جديدة، منها: «التنجور» و «البولالا» و «السالمات» وغيرهم. وينقسم تاريخ هذه السلطنة إلى عصرين: عصر سيادة «كانم»، ثم عصر سيادة «برنو»، ويقع إقليم «كانم» - الذى كان مهدًا لقيام هذه الدولة - فى الشمال الشرقى لبحيرة تشاد وبه العاصمة «جيمى»، أما إقليم «برنو» فإنه يقع غرب هذه البحيرة، وبه العاصمة «بيرنى نجازرجامو» التى انتقل الحكم إليها بعد انقضاء عصر سيادة «كانم». وقد قامت هذه الدولة فى القرن التاسع للميلاد على يد أسرة من البربر البيض هى الأسرة «الماغومية السيفية»، التى تزعم أنها من أصل عربى من نسل «سَيْفِ بن ذِى يَزن الحِمْيَرِى»، واستطاعت هذه الأسرة أن تسيطر على حوض «بحيرة تشاد»، وأن تتخذ من مدينة «جيمى» عاصمة لها، وبدأ الإسلام يطرق أبواب هذه الدولة منذ قيامها، وخاصة من الشمال والشرق على يد التجار والمهاجرين الذين توافدوا عليها فى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وتتحدث

المصادر عن قيام داعية إسلامى كبير هو الفقيه «محمد بن مانى»، الذى عاش فى القرن الحادى عشر الميلادى، وعاصر خمسة من ملوك «الكانم» الذين كانوا يعرفون باسم «المايات» (جمع ماى، وهو لقب بمعنى: ملك)، أولهم «الماى بولو» الذى كان يحكم نحو (411هـ = 1020م) وآخرهم هو «الماى أوم بن عبدالجليل» الذى بدأ حكمه فى عام (479هـ = 1086م) وهو الذى جعل الدين الإسلامى دينًا رسميا للدولة، وذلك نتيجة لجهود هذا الداعية العظيم الذى أسلم على يديه هؤلاء المايات الخمسة، وقد قام آخرهم وهو «الماى أوم بن عبدالجليل» (479 - 490هـ = 1086 - 1097م) بجهد كبير فى نشر الإسلام فى بلاده، ثم اتَّجه إلى الشرق، وذهب إلى بلاد «الحجاز» لأداء فريضة الحج، ولكن المنية وافته بمصر أثناء عودته من أداء هذه الفريضة، فدُفِنَ بها، ومنذ عهد هذا الماى لم يتول حكم دولة «الكانم» أى ملك وثنى، وأصبحت منذ ذلك التاريخ دولة إسلامية. خلف «الماى دونمة بن أوم» والده فى حكم البلاد لفترة طويلة (491 - 546هـ = 1097 - 1151م) وبلغت فى عهده دولة «الكانم» درجة كبيرة من القوة والاتساع وطبقت شهرته الآفاق، وحج ثلاث مرات. وفى عهده بُنيت مدرسة «ابن رشيق» فى «فسطاط مصر» بأموال كانمية؛ كى تكون موئلا للحجاج القادمين من «كانم» وبلاد «التكرور». وتابع خلفاؤه العمل على توسيع حدود هذه الدولة حتى صارت إمبراطورية كبيرة، وخاصة فى عهد «الماى دونمه بن سالم بن بكر» (618 - 657هـ = 1221 - 1259م) الذى اشتهر بقوة فرسانه، وكثرتهم حتى قيل إنها بلغت نحوًا من (41) ألف فارس، ويُعرف هذا الماى باسم «دونمه دباليمى»، نسبة إلى والدته «دابال»؛ حيث كانت النسبة إلى الأم شيئًا مألوفًا ومشهورًا فى هذه السلطنة بالذات. وقد حارب هذا الماى القبائل المتمردة، مثل قبائل «البولالا» الذين كانوا يعيشون فى حوض بحيرة «فترى الصغيرة» الواقعة إلى الشرق من «بحيرة تشاد»، وأخضعها وأقام علاقات طيبة مع «الدولة

الحفصية» فى «تونس». واتسعت الإمبراطورية فى عهده حتى وصلت شرقًا إلى مشارف «وادى النيل»، وغربًا قرب نهر «النيجر»، مما يعنى أن بلاد «الهوسا» التى تشكِّل الآن «نيجيريا الشمالية» كانت تحت سيادته وسلطانه، كما امتدت حدود بلاده شمالا حتى وصلت قرب «فزان» الليبية واقتربت مساحتها من مساحة إمبراطورية «صنغى» الإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولكن هذه الإمبراطورية الكبيرة لم تلبث أن دبَّ إليها الوهن نتيجة لعوامل كثيرة، منها الانقسامات التى ظهرت بين أبناء الأسرة الحاكمة، وظهور خطر قبائل «الصو»، التى كانت تسكن فى إقليم «بورنو» وقيامها بمهاجمة عاصمة الدولة؛ وتمكنها من قتل أربعة من المايات. كذلك اشتد خطر البولالا الذين ازدادوا ضراوة بعد أن تمكَّنوا من إقامة سلطنة صغيرة لهم فى حوض «بحيرة فترى» واتخذوها مركزًا لمناوأة أبناء عمومتهم من مايات «الكانم والبرنو». وقد استطاعت سلطنة «البولالا» التى ظهرت قوتها فى عهد سلطانها «عبدالجليل بن سيكوما» أن تشن حربًا شرسة ضد الأسرة «السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم»، وتمكن «عبدالجليل» هذا من أن يقتل أربعة من المايات من هذه الأسرة. وقد انتهى أمر الصراع بين الفريقين إلى طرد الأسرة «السيفية» الحاكمة فى «كانم» إلى إقليم «بورنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، وذلك فى عهد «الماى عمر بن إدريس» (788 - 793هـ = 1386 - 1391م) الذى استأنف حكمه من إقليم «برنو» فيما يعرف بعصر سيادة «برنو»، هذا العصر الذى امتد حتى نهاية الدولة فى عام (1262هـ = 1846م)، وقد ترك طرد الماغوميين السيفيين إلى «برنو» فراغًا سياسيا فى «كانم»، ملأه «البولالا» الذين أقاموا سلطنة كبيرة ضمت هذا الإقليم بالإضافة إلى إقليم «بحيرة فترى» والمناطق المحيطة بها فى حوض «بحيرة تشاد». ورغم ذلك فقد استمر الصراع بين «البولالا» وبين الماغوميين فى مقرِّهم الجديد الذى جعلوه مركزًا

لدولتهم، وبنوا فيه مدينة تسمى «بيرنى نجازرجامو» واتخذوها عاصمة لهم. ولما تطلعوا إلى إعادة نفوذهم فى «كانم»؛ وقعت حروب كثيرة بينهم وبين سلاطين «البولالا»، وتبادل الفريقان النصر والهزيمة، وخاصة فى عهد «الماى إدريس بن عائشة» (908 - 932هـ = 1502 - 1526م) الذى أنزل بالبولالا هزيمة ساحقة، واستولى على العاصمة «جيمى» وأقام فيها فترة ثم عاد إلى عاصمته «بيرنى». وتابع ابنه «الماى على بن إدريس» (952 - 953هـ = 1545 - 1546م) محاربة «البولالا» حتى لُقِّب بحارق «البولالا»، ولم يلبث أن لَقِىَ حتفه فى إحدى المعارك معهم. ولم يقضِ على خطرهم إلا «الماى إدريس ألوما» (978 - 1011هـ = 1570 - 1602م) الذى أقام معهم علاقة طيبة نتيجة ارتباط البيت البولالى بالأسرة السيفية برباط المصاهرة، مما سهل على هذا الماى أن يقضى على خطر «البولالا» وأن يعيد نفوذ أسرته إلى إقليم «كانم»، ووصلت الإمبراطورية فى عهده إلى أقصى اتساعها وقوتها وازدهارها. وكما تكالبت عوامل الضعف الداخلية والخارجية على إمبراطوريتى «مالى» و «صنغى» حتى سقطتا، فقد تعرَّضت إمبراطورية «البرنو» للظروف نفسها وشهدت النتيجة نفسها ذلك أن الماى «إدريس ألوما» الذى بلغت الإمبراطورية فى عهده قمتها وازدهارها خلفه حكام ضعاف لم يكونوا فى مثل قوته وحزمه، بلغوا خمسة عشر سلطانًا على مدى قرنين ونصف قرن من الزمان، حدث فى أثنائها كثير من الوقائع التى أدَّت إلى القضاء على الإمبراطورية، فبالإضافة إلى ضعف هؤلاء المايات أو السلاطين أصيبت البلاد بموجة من المجاعات المتلاحقة وصلت إلى خمس مجاعات، استمرت إحداها أربع سنوات، وأخرى سبع سنوات، ويدل تكرار حدوث هذه المجاعات على التدهور السريع والضعف العام الذى أصاب البلاد نتيجة إهمال الزراعة وكثرة الفتن والاضطرابات، فضلا عن ظهور أخطار جديدة تمثلت فى ظهور قبائل وثنية فى منطقة «جومبى» تُسمى قبائل «كوارارافا»

اشتهرت بالقوة والشجاعة، وتمكنت من اجتياح الأقاليم الغربية فى «برنو»، كما حدثت حروب بين «برنو» وجيرانها من إمارات «الهوسا» وخاصة إمارة «كانو» فى النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، غير أن أخطر ما تعرضت له إمبراطورية «البرنو» هو خطر «الفولانيين» وهم قبائل بيضاء انحدرت من الشمال وأقامت فى غربى القارة، ثم انحدرت إلى الشرق واستقرَّت فى إمارات «الهوسا» التى تتكون منها «نيجيريا» الشمالية الآن، وقامت على يد زعيمها الشيخ «عثمان بن فودى» بحركة ضخمة لنشر الإسلام بين من كان على الوثنية فى هذه الإمارات، وتمكنت من ضم هذه الإمارات فى دولة واحدة تحت زعامة هذا الداعية الكبير، الذى أعلن قيام دولة «الفولانى» فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى هذا فى الوقت الذى كانت إمبراطورية «البرنو» تزداد ضعفًا على ضعف وتلقى سلطانها «الماى أحمد بن على» (1206 - 1223هـ = 1791 - 1808م) أكثر من هزيمة على يد الفولانيين فى عهد الشيخ «عثمان بن فودى» حتى اضطر هذا الماى إلى استدعاء أحد الكانميين والعلماء البارزين ويدعى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» لمساعدته فى محنته ضد هذا الغزو الفولانى، واستجاب هذا الزعيم لهذا الطلب وتبادل عدة رسائل مع الشيخ «عثمان بن فودى»، كل منهما يحاجج الآخر عبرمناقشات فقهية يبرر كل منهما سياسته، ولكن هذه الرسائل لم تؤدِّ إلى إزالة حالة الحرب القائمة بين الفريقين، وأخيرًا نجح الفولانيون فى الاستيلاء على عاصمة «برنو» فاضطر الماى إلى الهرب منها ولجأ إلى الشيخ محمد الأمين الذى أصبحت له السيطرة الكاملة على المايات الذين صاروا حكامًا بالاسم فقط. استمر الشيخ «محمد الأمين» يحكم ما بقى من إمبراطورية «البرنو» و «الكانم» وأجرى مفاوضات مع سلطان الفولانيين «محمد بلو» الذى خلف أباه الشيخ «عثمان بن فودى» فى زعامة الفولانيين، واتخذ مدينة «سوكوتو» عاصمة له، وأرسل له الشيخ الكانمى رسائل

أوضح له فيها أنهم أهل دين واحد هو الإسلام، وأنه لا ينبغى أن يحارب بعضهم بعضًا وأن كلا منهما يجب أن يحترم حدود الآخر، فهدأت الأحوال بين الدولتين حتى تُوفِّى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» فى عام (1251هـ = 1835م) وخلفه ابنه الشيخ «عمر». وفى عهد هذا الشيخ حاول «الماى إبراهيم بن أحمد» (1232 - 1262هـ = 1817 - 1846م) أن يسترد سلطاته التى سلبها منه الشيخ «محمد الأمين» ثم ابنه «عمر»، واستعان فى ذلك بأمير دويلة صغيرة تقع بين «كانم» و «دارفور» تُسمَّى «واداى» وتآمر معه لغزو «برنو». ونفذ أمير «واداى» الخطة المتفق عليها وأباد جيش «برنو» فى (1262هـ = 1846م) منتهزًا فرصة غياب الشيخ «عمر» عن العاصمة؛ لحرب كانت واقعة بينه وبين أحد جيرانه الآخرين، ولما علم هذا الشيخ بنبأ هذا الغزو وهذه المؤامرة عاد إلى «برنو»، وأخرج الغزاة منها نظير مبلغ كبير من المال دفعه لهم، وقبض على الماى «إبراهيم» ومستشاريه وأعدمهم جميعًا، ثم تخلَّص من الماى «على بن دالاتو» عام (1262هـ = 1846م) الذى لم يحكم سوى أربعين يومًا وكان مفروضًا عليه كشرط لرحيل جيش أمير «واداى» عن «برنو». وبمقتل «على بن دالاتو» انتهى حكم الأسرة «السيفية الماغومية» التى ظلت تحكم هذه البلاد أكثر من ألف عام، وأصبحت «برنو» تحت حكم الأسرة الكانمية فِعليا ورسميا منذ ذلك التاريخ وحتى وقوعها فى قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1318هـ = 1900م)، وقد أعيد تقسيم أملاك إمبراطورية «برنو» بين «إنجلترا» و «فرنسا» و «ألمانيا» بعد القضاء على مقاومة أحد المجاهدين ضد الاستعمار الأوربى وهو «رابح الزبير». فأخذت «فرنسا» إقليم «كانم»، وأخذت «إنجلترا» إقليم «برنو»، وظفرت «ألمانيا» بالمناطق الجنوبية لبرنو، وهكذا تلاشت إمبراطورية «برنو» التاريخية على يد الغزاة الأوربيين فى بداية القرن العشرين الميلادى، وظل الأمر على هذا النحو حتى

قامت حركة الكفاح الوطنى فى هذه المنطقة ضد المستعمر الأوربى، وتكللت جهودها بالنجاح وظفرت بالاستقلال، وقامت على أنقاض إمبراطورية «الكانم والبرنو» عدة دول حديثة، هى جمهورية «تشاد» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380 هـ = 1960م)، وهى دولة إسلامية يدين (85%) من سكانها بالإسلام، ويتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، وجمهورية «إفريقيا الوسطى» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى العام نفسه أيضًا، وتضم هذه الدولة الأطراف الجنوبية من إمبراطورية «البرنو» التاريخية، ولذلك فإن نسبة المسلمين فيها قليلة. وجمهورية «النيجر» التى استقلَّت عن الفرنسيين فى العام نفسه، وضمت أغلب الأجزاء الشمالية الغربية من إمبراطورية «البرنو» ولذلك فإن (95%) من سكانها مسلمون يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية، واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، و «نيجيريا» التى استقلَّت عن «إنجلترا» فى عام (1381هـ = 1961م) وضمت إقليم «برنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، كما ضمت جميع بلاد «الهوسا»، وأكثر من (70%) من سكانها مسلمون يتكلم الكثير منهم اللغة العربية ولغة الهوسا بجانب اللغة الإنجليزية، وهى اللغة الرسمية، كذلك ضمت «جمهورية الكمرون» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380هـ = 1960م) وتضم بعض الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من «برنو»، وكذلك فإن هذه الدولة دولة إسلامية؛ إذ إن أكثر من (55%) من سكانها مسلمون، واللغة الفرنسية هى السائدة بجانب اللغة العربية واللهجات المحلية. وإذا كنا قد تحدثنا عن التاريخ السياسى لسلطنة «الكانم والبرنو» منذ أن أصبحت دولة إسلامية فى عام (479هـ= 6801م) وحتى نهايتها على يد الاستعمار الفرنسى، فإن الواجب يحتم علينا أن نتحدث باختصار عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحياة الإسلامية فى هذه السلطنة الكبيرة. وفى هذا الصدد نستطيع القول بأن سلطنة «الكانم والبرنو» قد قامت

بالدور نفسه الذى قامت به سلطنتا «مالى» و «صنغى»؛ فقد اتصلت بالقوى المعاصرة لتأكيد روح الأخوة الإسلامية وللإفادة من خبراتها الثقافية والعلمية والإدارية والحضارية فقد اتَّصلت بمصر أثناء ذهاب أهلها وسلاطينها لتأدية فريضة الحج، وقد سبقت الإشارة إلى قيام أول سلطان فى «كانم» وهو «أوم بن عبدالجليل» بأداء هذه الفريضة، وإلى وفاته فى «مصر» عام (490هـ = 1097م) عند عودته إلى بلاده، وقام ابنه «دونمة» بأداء هذه الفريضة ثلاث مرات مرَّ خلالها بمصر وفى حجته الثالثة غرق فى مياه «البحر الأحمر» عند مدينة «عيذاب» فى عام (546هـ = 1151م) وواصل مايات «الكانم والبرنو» أداء هذه الفريضة. ومن مظاهر الاتصال بالدول الإسلامية الرسائل المتبادلة بين سلاطين «مصر» و «البرنو»، من ذلك رسالة أوردها «ابن فضل الله العُمَرِى» و «القَلْقَشَنْدِى» وأشارت إلى استغاثة سلطان «البرنو» بسلطان «مصر» «الظاهر برقوق» فى عام (795هـ = 1393م) لمساعدته فى القضاء على تمرد القبائل العربية التى ساعدت خصومه السياسيين من «البولالا». كذلك كانت هناك علاقات ثقافية وتجارية بين «مصر» وسلطنة «الكانم والبرنو» من ذلك ما ترويه لنا المصادر من أن «الأزهر» كان به رواقٌ خُصِّص للطلاب القادمين من هذه السلطنة يُسمَّى «رواق البرنوية» كما سمحت «مصر» للكانميين بإنشاء مدرسة تُسمَّى مدرسة «ابن رشيق» فى مدينة «الفسطاط» بمصر لتدريس الفقه المالكى؛ ولكى تكون مقرا ينزل به حجاج «البرنو». أما العلاقات التجارية فقد ازدادت بين «مصر» وبلاد «الكانم والبرنو»، ومما يدل على ذلك أن طائفة من أهل «كانم» اشتهرت باسم «التجار الكارمية» رحلوا إلى «مصر» وأقاموا فيها واشتركوا بنصيب موفور فى تجارتها الخارجية وخاصة فى تصريف المحاصيل السودانية، وتجارة البهار القادمة من «اليمن» و «الهند» و «الصين»، واتخذت من مدينة «قوص» بصعيد «مصر» مركزًا لها.

وكان لهؤلاء التجار الذين عُرِفوا بالتقوى والورع فضل كبير فى نشر الإسلام وخاصة فى بلاد الحبشة. كذلك كان لسلطنة «الكانم والبرنو» علاقات تجارية وثقافية مع شمال إفريقيا وخاصة «تونس» فقد اتصل سلاطين «الكانم» بحكامها من «بنى حفص» وتبادلوا الرسائل والهدايا، من ذلك سفارة أرسلها الماى «عبدالله بن كادى» إلى السلطان الحفصى «أبى يحيى المتوكل» فى عام (727هـ = 1307م)، كذلك تبودلت الرسائل والسفارات مع «طرابلس» فى عام (908هـ = 1502م) وسفارة بعث بها أيضًا فى عام (941هـ = 1534م) وأخرى فى زمن الماى «إدريس ألوما» المتوفَّى عام (1011هـ = 1602م) كذلك نشطت العلاقات التجارية بين «برنو» وهذه البلدان. ويمثل الجهاد قمة إيمان السلطنة بالإسلام، فقد اتخذه سلاطينها طريقًا لرد العدوان والتعريف بالإسلام بين الوثنيين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على هذه الدولة الإسلامية، وخاصة الوثنيين المقيمين فى الجنوب، فقد حاربهم السلاطين ودخل كثير منهم فى الإسلام، بالإضافة إلى اتِّباع أسلوب الإقناع الذى اتبعه بعض السلاطين وخاصة السلطان «إدريس ألوما»، الذى اشتهر ببناء المساجد الضخمة من الحجارة، وطبق الشريعة الإسلامية خاصة فى معاملة الأسرى، ونظم الجهاد بما يتمشى مع تعاليم الإسلام، فازداد الدخول فى هذا الدين وانتشر فى منطقة «بحيرة تشاد» كلها. كذلك فقد شجع سلاطين «الكانم والبرنو» انتشار الثقافة العربية الإسلامية، فأكثروا من بناء المساجد والكتاتيب، وكانت اللغة العربية هى لغة التعليم ولغة الحكومة الرسمية، فضلا عن كونها لغة المعاملات التجارية ولغة المراسلات الدولية، كما كان الحال فى جميع الدول الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، وظلت الحال على هذا النحو حتى عصر الاستعمار الأوربى الذى قضى على اللغة العربية ولم يعد لها إلا وجود محدود بين قليل من الأهالى، ووجود كبير فى المدارس الدينية الإسلامية.

وفى ظل تشجيع سلاطين «الكانم والبرنو» للثقافة الإسلامية ارتقى العلماء والفقهاء منزلة رفيعة، وحرص السلاطين على رعايتهم والإغداق عليهم، وإصدار المحارم (أى الفرمانات) التى كانوا يمنحونهم بمقتضاها كثيرًا من الامتيازات المادية والإقطاعات، ويحرِّمون على أى شخص مهما بلغت منزلته وقدره أن يسلبهم شيئًا منها. ولذلك ظهر فى هذه السلطنة كثير من العلماء والفقهاء، منهم الفقيه «محمد بن مانى» الذى سبق الحديث عنه، والإمام «أحمد بن فرتو» الذى كان معاصرًا للماى «إدريس ألوما»، والذى تعد كتاباته المرجع الرئيسى لتاريخ «برنو»، والعالم الكبير «عمر بن عثمان بن إبراهيم»، والعالم «عبداللاه ديلى بن بكر»، وغيرهم من العلماء الذين صدرت لهم محارم (فرمانات) تشجيعًا لهم على التفرُّغ للعلم والبحث والتدريس؛ مما أدَّى إلى انتشار العلوم الإسلامية بين أهالى هذه البلاد.

9 - 6:إمارات الهوسا الإسلامية فى شمالى نيجيريا

الفصل السادس *إمارات الهوسا الإسلامية فى شمالى نيجيريا تشمل بلاد «الهوسا» ما يعرف الآن بنيجيريا الشمالية، وجزءًا من جمهورية «النيجر»، وكانت تقع فى العصور الوسطى فى المنطقة المحصورة بين سلطنتى «مالى» و «صنغى» غربًا، وسلطنة «البرنو» شرقًا، تحدُّها من الشمال بلاد «أهير» والصحراء الكبرى، ومن الجنوب ما يعرف الآن بنيجيريا الجنوبية. و «الهوسا» (أو الحوصا) مصطلح يطلق على الذين يتكلمون بلغة «الهوسا»، ولذلك فليس هناك جنس يمكن أن يتسمى بهذا الاسم؛ إذ إن الهوسويين لاينحدرون من دم واحد، بل جاء أغلبهم نتيجة امتزاج حدث بين جماعات قَبَلِيَّة وعِرْقِية كثيرة، أهمها: السودانيون. أهل البلاد الأصليون، والطوارق من البربر، والفولانيون وغيرهم. ونتج عن هذا الامتزاج هذا الشعب الذى أصبح يتكلم لغة واحدة، هى لغة «الهوسا» التى انتشرت انتشارًا كبيرًا فى إفريقيا الغربية، حتى أصبحت لغة الناس والمعاملات المالية والتجارية. وعلى الرغم من أن المتكلمين بلغة «الهوسا» فى هذا الجزء من القارة الذى يعرف الآن بنيجيريا كانوا يعيشون متجاورين، ويتكلمون لغة واحدة، ويدين معظمهم بالإسلام، فإنهم لم يعيشوا تحت حكم دولة واحدة، بل كَوَّنُوا سبع إمارات صغيرة، تُعرف باسم إمارات أو ممالك «الهوسا»، وهى: «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا»، و «جوبير»، و «دورا»، و «رانو»، و «زمفرة». ويرى بعض الباحثين أن «دورا» هى أقدم هذه الإمارات، وأن دماء أهلها وافدة من «مصر العليا» و «الحبشة» وبلاد العرب، و «كاتسينا» التى كانت تتوسط هذه الإمارات، و «زاريا» أوسعها أرضًا، و «كانو» أغناها، و «جوبير» أجدبها، وتقع فى شماليِّها. وعلى ذلك فقد كانت كل إمارة من هذه الإمارات مستقلة عن الأخرى، وكانت الحروب تندلع فيما بينها فى فترات كثيرة؛ نتيجة لأطماع حكامها فى فرض سيطرتهم، كل على الآخر؛ أو نتيجة لتحالف أحدهم مع القوى الكبيرة المجاورة لبلاد «الهوسا» وهى:

دولة «البرنو» الإسلامية من الشرق، ودولة «مالى» ثم دولة «صنغى» الإسلامية من الغرب. وقد اشتهر الهوسويون بالمهارة فى الزراعة والصناعة والتجارة، وقد استغلوا موقع بلادهم المتوسط بين «السودان الغربى» و «السودان الشرقى» فى الاشتغال بالتجارة، ولذلك مهروا فى هذه الحرفة، وكانوا من أكثر التجار مغامرة، وكانت قوافلهم تخترق الصحراء الكبرى ثلاثة أشهر من كل عام؛ لتزوِّد «طرابلس»، و «تونس» وغيرهما من بلدان شمال إفريقيا بمنتجات بلاد «السودان» من ذهب وعاج ورقيق. كما اخترقت قوافلهم مناطق الغابات فى الجنوب؛ حيث وصل نشاطهم التجارى إلى «نوب»، واتجهوا شرقًا إلى «برنو»؛ حيث فتحوا طريقًا للتجارة عام (856هـ= 1452م)، وتوغَّلوا فى الجنوب حتى حوض «فولتا» الأوسط. وقد أصبحت طرق التجارة الخارجية، وخاصة التى تخرج من بلاد «الهوسا»، متجهة شمالا إلى «أهير» وتتصل عندها بالطرق الرئيسية المتجهة إلى «غات» و «غدامس» و «فزَّان» و «تكدا» و «برنو» مفتوحة ومستعملة بطريقة كافية ومنظمة، وأصبحت مألوفة جدا للمسافرين والتجار؛ مما شجَّع العلماء والباحثين على زيارة بلاد «الهوسا» بكل سهولة وارتياح، كما شجَّع التجار المغامرين على ارتيادها. وقد أدَّى هذا كله إلى انتشار الإسلام، ونموِّ الحركة الفكرية، وازدياد تأثير الثقافة العربية الإسلامية، وسيطرة تجار «الهوسا» على النشاط التجارى فى جميع أنحاء «السودان الأوسط»، وتضخمت جالياتهم فى كل المراكز التجارية المهمة، وأصبحت لغتهم لغة التخاطب العامة فى الأسواق والمعاملات المالية والتجارية، وازدادت سيطرتهم على التجارة فى بلاد «السودان» بعد انهيار سلطنة «صنغى» الإسلامية أمام الغزو «المرَّاكُشى» سنة (1000هـ = 1591م)، مما أدَّى إلى تحول المجرَى الرئيسى للحركة التجارية إلى بلاد «الهوسا»، وقفزت «كانو» و «كاتسينا» بصفة خاصة إلى مكان الصدارة والشهرة باعتبارهما مركزين مهمين من مراكز التجارة

والحضارة فى ذلك الحين، وبخاصة بعد أن أصبحتا من أهم مراكز الإسلام فى تلك المنطقة من بلاد «الهوسا». وقد انتشر الإسلام فى إمارات «الهوسا» السبع فى فترة مبكرة إذ دخل الإسلام فى إمارة «كانو» فى أواخر القرن الثانى عشر الميلادى، وفى باقى الإمارات فى أوائل القرن الرابع عشر الميلادى، وكان لاعتناق حكام إمارات «الهوسا» الإسلام، بالإضافة إلى ما اتَّسمُوا به من العدالة وحب الرعية أثر كبير فى انتشار الإسلام بين الناس، فازداد تمسكهم به وازداد تفانيهم وإخلاصهم له. وبعد انتشار الإسلام فى هذه الإمارات، كثر وفود العلماء إليها للدعوة ونشر الإسلام وتصحيح العقيدة بين أهلها، فقاموا بإنشاء عدد كبير من المساجد كمراكز لنشر الدعوة الإسلامية فى هذه الإمارات وما حولها من المناطق الأخرى، ونجحوا فى القضاء على الوثنية التى كانت منتشرة بين السكان قبل دخولهم فى الإسلام. وقد وجد هؤلاء العلماء فى هذه الإمارات الأمن والطمأنينة، مما دفعهم إلى إحضار مؤلفاتهم، وبخاصة فى علوم اللغة والأدب والتوحيد، ورحَّب بهم حكام هذه الإمارات، فازدهرت الثقافة واتسعت مجالاتها بجهود هؤلاء العلماء، كما ازداد عدد الرجال المتعلمين؛ حيث كان العلماء يعلِّمون الناس الآداب والثقافة الإسلامية باللغة والحروف العربية. ومن العلماء الذين يرجع إليهم الفضل فى نشر الإسلام والثقافة الإسلامية فى هذه الإمارات الشيخ «عبدالرحمن زيد» الذى مارس نشاطه فى الدعوة فى إمارة «كانو»، والشيخ «محمد بن عبدالكريم المغيلى» فقيه «توات» الشهير الذى رحل إلى «كانو» و «كاتسينا»، ونشر فيهما عقيدة الإسلام الصحيحة، والشيخ «عبده سلام» الذى أحضر معه كتب «المدوَّنة» و «الجامع الصغير» والشيخ القاضى «محمد بن أحمد بن أبى محمد التاذختى» المعروف باسم «أيد أحمد» بمعنى «ابن أحمد» الذى وَلِىَ قضاء «كاتسينا» وتُوفِّى نحو سنة (936هـ = 1529م)، وغيرهم.

وقد كان للتجار - أيضًا - دور كبير فى نشر الإسلام فى هذه الإمارات، بل كان لهم الدور الأول فى معرفة هذه الإمارات بالإسلام، كما أدَّى انتشار الإسلام إلى ازدهار التجارة ازدهارًا كبيرًا، بسبب كثرة احتكاك هذه الإمارات بالمدن المجاورة لها. وعلى أية حال فقد كان لجهود العلماء والتجار القادمين إلى بلاد «الهوسا» والمحليين أثرها الكبير فى نشر الإسلام فى هذه البلاد منذ القرن الثانى عشر الميلادى، وأصبحت «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا» وغيرها من بلاد «الهوسا» مراكز إسلامية فى هذه البقاع من القارة، وتألَّقت فيها الثقافة الإسلامية، وكان لها فضل كبير فى نشر الثقافة الإسلامية بين سكانها وغيرهم من البلاد المجاورة، فإمارة «كانو» يرجع إليها الفضل فى نشر الإسلام شرقًا حتى حدود «برنو»، وإمارة «زاريا» يرجع إليها الفضل فى نشر الإسلام فى أواسط بلاد «الهوسا»، وجنوبيها فى حوض «نهر فولتا»، وكان علماء «تمبكت» - التى تقع على نهر «النيجر» - يرحلون إلى هذه الإمارات، كذلك رحل إليها علماء من «مصر»، من أبرزهم الإمام «جلال الدين السيوطى» المتوفى سنة (911هـ = 1505م) والذى نشأت بينه وبين أمير «كاتسينا» علاقة طيبة، وهناك ما يدل على أن الإمام «السيوطى» رحل إلى هذه الإمارة وعاش فيها زمنًا، يعلِّم الناس ويفتيهم، وعاد إلى «مصر» سنة (876هـ = 1471م)، واتصلت المراسلات بينه وبين علماء هذه البلاد، كما اتصلت بينهم وبين علماء «مصر» وبلاد «الحجاز» وغيرهما، مما يدل على التواصل الإسلامى، وعلى صلة بلاد «الهوسا» بالعالم الإسلامى سواء فى إفريقيا، أو فى غيرها من القارات.

9 - 7:سلطنة البلالة الإسلامية فى حوض بحيرة تشاد

الفصل السابع * سلطنة البلالة الإسلامية فى حوض بحيرة تشاد [766 - 1318 هـ =1365 - 1900م]: قامت هذه السلطنة فى حوض بحيرة «تشاد» (أى: فى بلاد السودان الأوسط)، وبالتحديد فى حوض بحيرة «فترى»، وإلى الشمال منها حتى بحيرة «تشاد»، وظهرت كدولة يمكن التحقق من تاريخها منذ عام (766هـ = 1365م)، واستمرت حتى بداية القرن العشرين، عندما سقطت المنطقة كلها فى يد الاستعمار الفرنسى. وعلى الرغم من طول مدة بقاء هذه السلطنة، فإن المؤرخين لم يذكروها كثيرًا ولم يهتموا بها؛ لأنها كانت تابعة لسلطنة «الكانم والبرنو» فى كثير من فترات حياتها. ويعود اسم «البلالة» إلى أول زعيم لهم ويدعى «بولال» أو «بلال» أو «جيل» أو «جليل»، ومنه جاء اسم أول زعمائهم وهو «عبدالجليل»، وربما جاء اسم «بلالة» أو «بولالة» من «بولو» الذى كان ابنًا لقبائل «البيوما» التى كانت تسكن منطقة «بيو» ( Biyo)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى ( ilalla) فجاء اسم «بولالا» أو «بلالة»، وهى كلمة تعنى الأحرار النبلاء، وربما جاء الاسم أيضًا من اسم ميناء كان ولايزال يقع على الساحل الشرقى لبحيرة «تشاد»، ويسمى «بول» ( Bol)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى، فصار «بولالا» أو «بلالة» كما ينطقه البلاليون أنفسهم فى هذه الأيام. أما أصل قبائل «البلالة» فقد جاء نتيجة اختلاط عناصر متعددة سكنت هذه المنطقة، وهى: البربر والعرب والسودان والزنج، وقد تصاهرت هذه العناصر فيما بينها، فأدَّى ذلك إلى امتزاجهم وتغير فى صفاتهم. وقد كان «البلالة» وثنيين حتى القرن الثانى عشر الميلادى؛ حيث أسلموا عقب إسلام بنى عمومتهم الذين يتمثلون فى «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة فى سلطنة «كانم» فى القرن الحادى عشر الميلادى. أما من الناحية السياسية فقد ظهر خطر «البلالة» على سلاطين دولة «كانم» منذ وقت مبكر، رغم صلة القرابة التى تربط بينهما، ويعود

ذلك إلى أن «البلالة» كانوا يحاولون التخلُّص من تبعيتهم لأقربائهم من حكام «كانم»، وقد ظهر هذا الخطر منذ عهد أول سلاطين «كانم» الإسلامية وهو الماى (السلطان) «أوم بن عبدالجليل» (1086 - 1097م) الذى حاربهم وانتصر عليهم، فأعلنوا الطاعة والخضوع، وظلوا يتقلبون بين التبعية والتحرر من سلطان «كانم» حتى ظهر زعيمهم الموصوف بالقوة والشجاعة والدهاء وهو «عبدالجليل سيكومامى» الذى حقق لهم الاستقلال التام والتوسع فى حدود سلطنته فى عام (1365م)، بفضل معاونة العرب الموجودين فى هذه المنطقة، واتخذ من مدينة «ماسيو» التى تقع بين «بحيرة فترى» و «كانم» عاصمة له. ثم حارب مايات كانم وانتصر عليهم، وبذلك وقع إقليم «كانم» بأسره فى قبضة «البلالة»، مما جعلهم يحكمون دولة واسعة تمتد من حدود «دارفور» الغربية وبلاد «النوبة» حتى شواطئ «بحيرة تشاد» الشرقية، واضطرت «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم» إلى الهرب إلى إقليم «برنو» الذى يقع فى غرب «بحيرة تشاد». ولكن لم يلبث حكام «برنو» أن استعادوا قوتهم على يد الماى «على جاجى بن دونمه» الملقب بالغازى؛ نظرًا لغزوه إقليم «كانم»، ونشب بينه وبين «البلالة» صراع منذ عام (1472م) فى محاولة لاسترداد «كانم» مرة أخرى، واستمر الصراع فترة طويلة انتهى بعقد اتفاقية سلام، اتفقا فيها على رسم الحدود بين «كانم» و «برنو». وعلى الرغم من ذلك وبمرور الوقت بدأ الضعف يدب فى جسد سلطنة «البلالة»؛ بسبب الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، وظهور إمارات جديدة بدأت تُغِير على سلطنة «البلالة»، مثل سلطنة «واداى» التى تقع فى الشمال الشرقى لدولة «البلالة»، وسلطنة «باجرمى» التى تقع فى جنوبيِّها الغربى. وعلى الرغم من هذا الضعف فقد ظلت هذه السلطنة قائمة حتى بداية القرن العشرين؛ حيث سقطت فى قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1900م)، ومع ذلك حكم بعض سلاطين «البلالة» تحت راية هذا

الاستعمار، وظلوا كذلك حتى نالت البلاد استقلالها فى عام (1960م) ودخلت بلاد «البلالة» ضمن حدود جمهورية «تشاد» الحديثة منذ ذلك التاريخ. وقد أدَّت «سلطنة البلالة» دورًا اقتصاديا وعلميا ودينيا مهما فى تاريخ المنطقة؛ إذ كانت نظرًا لموقعها بين «دارفور» و «النوبة» فى الشرق، و «كانم» و «بحيرة تشاد» وماوراءها من بلاد «الهوسا» و «مالى» فى الغرب، و «ليبيا» فى الشمال - مركزًا مهما من مراكز التجارة التى تأتى من هذه البلدان مما انعكس أثره على مسيرتها التاريخية، ودَعْم اقتصادها، ورَبَط بينها وبين دول تقع خارج منطقة «بحيرة تشاد»، واتسعت تجارتها حتى وصلت إلى «مصر» وغيرها من البلدان، كما زادت محصولاتها الزراعية. أما الحياة العلمية: فقد تجلت فى المدارس والعلماء والفقهاء والأشراف الذين كانوا يُعامَلُون بكلِّ تبجيلٍ واحترامٍ، كما ظهرت الطرق الصوفية وبخاصة «التيجانية» و «القادرية»، وكان لهذه الطرق أثر كبير فى نشر الإسلام فى هذه البلدان. أما اللغات التى كانت منتشرة بين «البلالة»، فهى عديدة، فقد كانوا يتكلمون لغة «كوكا» وهى قبيلة كانت تسكن مملكة «جاوجا» - أحد أقاليم سلطنة البلالة - وكانوا يتكلمون أيضًا اللغة العربية التى كانت لغة العلم والتعليم ولغة الحكومة الرسمية والتجارة والمراسلات، حتى قضى الاستعمار الفرنسى عليها وعلى استخدام الحروف العربية فى الكتابة وحَوَّلَها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية، وإن كان كثير من الأهالى - حتى الآن - يحافظون على التحدث والكتابة باللغة العربية، ومعظمهم - أى نحو (85%) - يدينون بالإسلام.

9 - 8:الطابع الإسلامى والثقافة العربية فى غرب إفريقيا

الفصل الثامن *الطابع الإسلامى والثقافة العربية فى غرب إفريقيا (السودان الغربى والأوسط): يهمنا الآن أن نتحدث عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحضارة فى غربى إفريقيا، وعن المراكز التى نهضت بهذا العمل وحفظت للإسلام نقاءه وقوته حتى بداية تعرض المنطقة للكشوف الجغرافية الأوربية والاستعمار الأوربى فى العصر الحديث. ونلاحظ أن الامتزاج الكامل بين التقاليد الإسلامية والتقاليد السودانية الزنجية فى بداية هذا الدور قد تم، كما تمت المواءمة بين هذين العنصرين، وظهرت تقاليد إسلامية الشكل والطابع، إفريقية الروح، وروايات الرحالة والجغرافيين والمؤرخين العرب مثل: «ابن بطوطة» و «الحسن الوزان» و «القلقشندى» وغيرهم، ومن مؤرخى «السودان» مثل «السعدى» صاحب كتاب «تاريخ السودان»، و «محمود كعت» صاحب كتاب «الفتاش» وغيرهما؛ تشعرنا بأننا نتعامل مع مجتمع إفريقى صميم، اكتسب الثوب والصبغة الإسلامية الواضحة. فالقلقشندى يتحدث عن تقاليد البلاط فى سلطنة «مالى»، فيشير إلى جلوس السلطان على مصطبة كبيرة عليها دكة أو كرسى من خشب الأبنوس، تحيط بها أسنان الفيلة من كل صوب، ويتحدث عن رجل مهمته أن يكون سفيرًا بين السلطان والناس اسمه أو لقبه الشاعر، وعن المحيطين بالسلطان وهيئة الداخلين عليه، وغير ذلك. ورواية «ابن بطوطة» لا تبعد كثيرًا عن هذا الوصف، وهو يشير إلى دار السلطان التى تطل على المشور (دار الشورى)، ويصف السلطان وترتيب الجالسين فيشير إلى نائبه، ثم الفرارية، وهم الأمراء، ثم الخطيب، والفقهاء. ولم ينفرد سلاطين «مالى» بهذا اللون الفريد من الحياة، فقد شاركهم فيه أهل «صنغى» وغيرهم من شعوب «السودان الغربى» والأوسط، فى إمارات «الهوسا» السبع فى شمالى «نيجيريا» وفى بلاد «الكانم والبرنو». وكانت العلاقة بين السلاطين والرعية تقوم على الخضوع الشديد لهؤلاء السلاطين، يدل على ذلك العادات التى كانت منتشرة فى بلاد «السودان الغربى»، والأوسط.

ومع ذلك فثمة مظاهر إسلامية أو عربية خالصة، تتجلى فى التشدد والتمسك بمذهب «مالك»، وحرص الفقهاء على التقاليد وعزوفهم عن مصاحبة السلطان وتولى الوظائف، مثلما كان الحال فى بلاد شمال إفريقيا و «الأندلس». وقد تغلغل العلماء فى الحياة وتمتعوا بالزعامة الدينية والشعبية؛ إذ صاروا لسان حال الشعب والمدافعين عنه أمام ظلم الحكام وعنتهم، وهى الصورة نفسها التى نلحظها فى المغرب الإسلامى وبلاد «الأندلس»؛ مما يدل على وحدة تلك المنطقة من الناحية الدينية والثقافية، كذلك نشعر بتقدير سلاطين السودان لهؤلاء الفقهاء واحترامهم لهم، حتى إن من يلجأ إلى ديارهم يأمن عقاب السلطان ولايجرؤ أحد على التعرض له بسوء. وقد سبقت الإشارة إلى مواظبة أهل «السودان الغربى» على الصلوات والتزامهم بها فى الجماعات، وضربهم أولادهم إذا ما قصروا فى أدائها أو فى حفظ القرآن، وازدحام المساجد بالمصلين حتى إنه إذا لم يبكر المرء بالذهاب إلى المسجد لم يجد موضعًا، كما سبقت الإشارة إلى كثرة عدد المساجد واعتناء السلاطين ببنائها وتعيين الأئمة والخدم لها، وقد التزم الجميع بمذهب الإمام «مالك». كما نلاحظ أن جميع الأسر الحاكمة فى «السودان الغربى» والأوسط اصطنعت لنفسها نسبًا عربيا؛ فسلاطين «مالى» يدعون الانتساب إلى «عبدالله بن صالح بن الحسن بن على»، وانتسب سلاطين «كانم وبرنو» إلى «حِمْيَر»، واتخذ سلاطين «صنغى» مثل هذا النسب العربى، بل وحرصوا على الحج والحصول على تقليد من الخليفة العباسى بالحكم، كل ذلك ليكتسبوا صبغة إسلامية كاملة وليفوزوا برضا الرعية، وليفسحوا لأنفسهم مجالا فى الحياة الإسلامية الدولية. وقد حرص سلاطين «السودان الغربى» والأوسط وملوكهم ورعيتهم على أن يقتبسوا من التقاليد الشائعة فى الحياة الإسلامية المعاصرة لهم، فهم فى لباسهم يتشبهون بأهل «المغرب»، وتأثر كل من «منسا موسى» و «أسكيا محمد الأول» اللذين زارا «مصر» بأساليب

الحياة فى «مصر المملوكية»، فسلطان «مالى» مثلا يتخذ حاشية من ثلاثين مملوكًا من الترك، اشتراهم من «مصر»، وطريقة جلوسهم وخروجهم إلى المسجد يوم العيد لاتختلف كثيرًا عما كان مألوفًا عند سلاطين المماليك وغيرهم من ملوك الإسلام. كما حرصوا على أن تكون وثائقهم ومكاتباتهم الرسمية باللغة العربية، حتى التنظيمات الإدارية والحربية تأثروا فيها بما شاهدوه فى «مصر»، فملوك «صنغى» يقسمون الإمبراطورية إلى ولايات أو أقاليم وكل ولاية إلى مدن ثم إلى قرى، ثم ينظمون الجيش إلى فرق للمشاة والخيالة والأبالة، بل استخدموا الأسلحة النارية وخاصة ملوك «الكانم والبرنو»؛ مما ساعدهم فى مشروعاتهم السياسية والحربية إلى حد كبير. أما عن الثقافة الإسلامية فإنه يمكننا القول: إن هذه الثقافة كانت عربية خالصة، لم تدخلها تأثيرات أخرى؛ لعدم وجود تقاليد ثقافية زنجية فى ذلك الوقت، وكانت هذه الثقافة الإسلامية ذات صبغة مغربية أندلسية؛ حيث إن الإسلام دخل إلى تلك البلاد من «المغرب»، وبالتالى انتقلت ثقافة «المغرب» إلى «أودغشت» و «تمبكت وجاو» وبقية مدن «السودان الغربى» والأوسط، حتى طريقة الكتابة نفسها تأثرت بالطابع المغربى، فالقلم المستخدم هو القلم المغربى، والمناهج والكتب المتداولة هى المناهج والكتب المالكية المغربية نفسها مثل كتب «عياض» و «سحنون» و «موطأ مالك» و «المدونة» وغيرها، وكلها كانت تدرس فى مدارس غربى إفريقيا فى «جنى» و «تمبكت» و «كانو» و «كاتسينا» و «برنو». حتى التأثيرات الأندلسية دخلت إلى مدارس «المغرب» وغربى إفريقيا وخاصة بعد سقوط دولة الإسلام فى «الأندلس»، فقد رحل علماؤها إلى غربى إفريقيا وأقام كثير منهم فى «تمبكت»، وشواهد بعض القبور التى كشف عنها فى منطقة «النيجر» ظهر أنها صنعت فى مدينة «ألمرية» بالأندلس عام (494هـ = 1100م)، وتحمل نقوشًا عربية أندلسية، كما تأثرت قصور ملوك «السودان الغربى» والأوسط

بالعمارة المغربية الأندلسية. وقد تأثرت مدارس «السودان الغربى» والأوسط بالمدارس الإسلامية الأخرى، خاصة مدارس «مصر» المملوكية، ورحل أهل «السودان» إلى «مصر» وتعلموا فيها، ورحل بعضهم إلى «الشام» و «الحجاز»، ووصلت مؤلفات المصريين إلى هذه البلاد، وقد عرفنا كيف ابتاع «منسا موسى» الكتب وحملها معه إلى بلاده، كما أن مؤلفات «السيوطى» وغيره من علماء «مصر» شاعت فى هذه البلاد، وكان تأثر الطلاب السودانيين بمدارس «مصر» لايقل عن تأثرهم بمدارس «المغرب العربى». وليس معنى ذلك أن الثقافة الإسلامية فى غربى إفريقيا كانت تقل عن نظيرتها فى بلاد «المغرب»، من حيث الغزارة والعمق، فعلماء «السودان» وفقهاؤه لم يختلفوا عن نظائرهم فى «المغرب العربى»، فقد روى «السعدى» أن فقيهًا اسمه «عبدالرحمن التميمى» جاء من الحجاز بصحبة السلطان «منسا موسى» حين عاد من الحج فأقام بتمبكت زمنًا، ولما رأى فقهاءها يتفوقون عليه غادرها إلى «فاس» حتى يتزود من العلم ثم يعود إليهم. وهناك من اشتهر من مؤرخى السودان الغربى والأوسط وكُتَّابه أمثال: «أحمد بابا التمبكتى»، الذى وُلد بوهران عام (963 - 1037هـ = 1556 - 1627م) فهو من أصل صنهاجى، ثم رحل إلى «تمبكت» وفيها ظهرت مواهبه وارتفعت مكانته العلمية وكان رجلا واسع الثقافة، ألَّف فى كل العلوم المألوفة فى عصره، وذيَّل كتاب الديباج المذهب لابن فرحون وسماه «نيل الابتهاج بتطريز الديباج»، وأرَّخ فيه حتى سنة (1006 هـ = 1597م) وهو يعطينا صورة طريفة لتاريخ الحركة الفكرية فى «السودان الغربى» كله. وهناك المؤرخ «السعدى» وهو من رجال القرن السابع عشر الميلادى، وقد أقام بتمبكت و «جنى» ورحل إلى «المغرب»، وهو صاحب الكتاب المشهور المسمى «تاريخ السودان»، والذى يعطينا معلومات وافية عن تاريخ «دولة صنغى» وعن أحوالها الاجتماعية والثقافية، كذلك كان شأن «محمود كعت التمبكتى» صاحب كتاب

«الفتاش فى أخبار السودان»، فقد كان فقيهًا من فقهاء «تمبكت» صَحِبَ «أسكيا محمد الكبير»، وألف كتابه بالأسلوب المغربى المألوف نفسه. وهناك أيضًا الإمام المؤرخ «أحمد بن فرتو»، الذى عاش فى سلطنة «برنو» وكان يعاصر الماى «إدريس ألوما» (978 - 1012هـ= 1570 - 1603م)، وهذا الإمام سليل أسرة دينية كان لها أثرها الكبير فى نشر الإسلام فى «برنو»، وجده البعيد هو الإمام «محمد بن مانى» الذى أسلم على يديه سلاطين «كانم وبرنو» الأوائل فى القرن الحادى عشر الميلادى. وقد كتب «أحمد بن فرتو» تاريخًا لبلاده يعتبر المرجع الرئيسى، وخاصة تاريخ الفترة التى عاصرها زمن «إدريس ألوما»، ومؤلفاته مدونة باللغة العربية ونشرت فى عام (1349هـ = 1930م) على يد أمير «كانو» فى «نيجيريا». ورغم أن هؤلاء الكتَّاب وغيرهم كتبوا باللغة العربية فإننا لا ندرى بالضبط مدى انتشار اللغة العربية بين عامة الناس فى تلك الفترة، ويبدو أنهم كانوا يستخدمون لغتهم الأصلية فى حياتهم الخاصة، ويقتصر استعمال العربية عندهم على المكاتبات والعقود التجارية، ومما يدُّل على ذلك أن «ابن بطوطة» حضر صلاة الجمعة فى أحد مساجد «مالى»؛ فرأى رجلا يقف ويبين للناس بلسانهم كلام الخطيب، أى أنه كان يترجم كلام الخطيب إلى اللغة المحلية، ويشير هو وغيره إلى وجود وظيفة الترجمان فى بلاط السلطان، ويتضح ذلك أيضًا من اختلاط «ابن بطوطة» و «الحسن الوزان» ببعض أهالى «السودان»، وكانا لايعرفان لغة هؤلاء الناس إلا عن طريق ترجمان. هذا عن انتشار الثقافة العربية الإسلامية فى غربى إفريقيا، أما المراكز التى استقرَّت فيها هذه الثقافة وانطلقت منها إلى نواحى «السودان» المختلفة فعديدة؛ من أهمها: مدينة «تمبكت»، و «جنى»، و «أودغشت»، و «كانو»، و «كتسينا»، و «جاو». 1 - مدينة تمبكت: تعتبر مدينة «تمبكت» أهم مركز تجارى وثقافى فى غربى إفريقيا،

وقد أُنشئت فى أواخر القرن الخامس الهجرى سنة (490هـ = 1097م) فى عهد الأمير «يوسف ابن تاشُفين» على نهر «النيجر» الأعلى، وبلغت مكانةً لا تقل عن مكانة «القيروان» أو «فاس» أو «القاهرة» أو «قرطبة» فى مجال الثقافة العربية الإسلامية، التقى فيها العلماء والفقهاء من جميع الأجناس والألوان من بلاد «المغرب» و «الأندلس» و «مصر» و «الحجاز» وبلاد «السودان». وكانت «تمبكت» مركزًا مهما من مراكز الثقافة العربية فى إفريقيا، تخرَّج فى جامعتها - التى يمثلها «جامع سنكرى» الشهير - علماء ومؤرخون كان لهم فضلٌ كبيرٌ فى نشر الإسلام والثقافة العربية، وكان الطلاب يَفِدون إلى هذه المدينة بعد حفظ أجزاء من القرآن فى مدارسهم المحلية، ثم يُكْمِلون تعليمهم معتمدين على الأوقاف التى كانت محبوسة عليهم وعلى «جامع سنكرى». وكان علماء «تمبكت» يُقبِلون فى شغف على إنشاء مكتباتهم الخاصة، وبعضهم زادت مكتبتهُ على ألفى كتاب، كما اقتنى بعض السلاطين مثل هذه المكتبات، واتصل علماء «تمبكت» بإخوانهم فى الأمصار الإسلامية الأخرى، فى «القاهرة» و «فاس» و «القيروان»؛ مما أعطى الحركة الفكرية فى «تمبكت» صفة العالمية. وخلاصة القول أن هذه المدينة كانت مدينة إسلامية منذ نشأتها، فهى كما قال «السعدى»: ما دنَّستها عبادةُ الأوثان، ولا سُجِدَ على أديمها لغير الرحمن، مأوى العلماء والعابدين، ومألف الأولياء والزاهدين، ولذلك ارتبط تاريخ الثقافة العربية الإسلامية فى غربى إفريقيا بتاريخ هذه المدينة نفسها. 2 - مدينة جنِّى: أُسِّسَت هذه المدينة على «نهر النيجر» الأعلى فى منتصف القرن الثانى من الهجرة (حوالى سنة 800م) وأسلم أميرُها «كنبرو» فى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى فى عهد المرابطين، وحذت حذوه الرعية، وبنى أميرها مسجدها العتيق على نظام المسجد الحرام فى «مكة المكرمة»، وكان الإسلام والثقافة الإسلامية قد تدفقا إلى هذه

المدينة المهمة التى تلى «تمبكت» فى الأهمية قبل اعتناق «كنبرو» الإسلام، بدليل أنه أسلم على يد علمائها وفقهائها الذين جمعهم، وبلغ عددهم حسب رواية «السعدى» ما ينيف على أربعة آلاف، وإن كان هذا العدد مبالغًا فيه إلا أنه ليس غريبًا؛ بسبب علاقات مدينة «جنى» التجارية مع بلاد «المغرب» وحوض «السنغال»، وقد نهضت الثقافة الإسلامية بمدينة «جنِّى» نهضة كبرى، يستفاد ذلك مما رواه «السعدى» عمَّن أقام بها ووفد إليها من العلماء والقضاة ورجال الدين. 3 - أودغشت: مدينة قديمة لم يَعُدْ لها وجود الآن، وتعد من المراكز الثقافية الإسلامية المهمة التى كان لها دور كبير فى نشر الإسلام وثقافته فى غربى إفريقيا. كانت «أودغشت» أول الأمر محطة تجارية لقبيلة «صنهاجة»، على الحدود الشمالية لمملكة «غانة» الوثنية، ولما فتح الصنهاجيون جزءًا كبيرًا من «غانة» فى نهاية القرن الرابع الهجرى العاشر الميلادى أصبحت «أودغشت» حاضرة لتلك القبيلة القوية، ثم استولت عليها مملكة «غانة» الوثنية، ولكن الصنهاجيين الذين اعتمد عليهم المرابطون أو الملثَّمون استطاعوا استعادتها عام (447هـ= 1055م)، ومنها انطلقت موجات من دعاة المرابطين إلى بلاد «السودان»، وتأكَّد دورها فى نشر الإسلام وازدهر بعد سقوط دولة «غانة» الوثنية نفسها عام (469هـ= 1076م). وقد وصفها «البكرى» المتوفى عام (487هـ = 1094م) بأنها مدينة زاهرة، يتألف سكانها من العرب والبربر والسودانيين. وكان يوجد بمساجدها معلمون لتعليم القرآن الكريم والسنة النبوية وسائر العلوم الإسلامية، كما كثُرت بها المدارس لتعليم الأطفال، واشتُهِرَت بمبانيها الجميلة وأسواقها العامرة، وكان يوجد بها بعض الصناعات المعدنية التى بلغت درجة كبيرة من الرقى والإتقان، كما كانت تتجر فى الأقمشة الحريرية الموشَّاه بالذهب، مما جعلها مركزًا تجاريا وصناعيا وثقافيا كبيرًا؛ يربض على طرف الصحراء من ناحية الجنوب. 4 - كانو:

تعتبر هذه المدينة من مراكز الثقافة الإسلامية بغربى القارة، ومن أهم مدن شعب «الهوسا» شمالى «نيجيريا» الحالية، ويمكن أن يقال إنه كانت هناك سبع إمارات تابعة للهوسا، هى إمارات: «كانو» و «رانو» و «زاريا» و «دورا» و «جوبير» و «كتسينا» و «زمفارا»، وتقع هذه الإمارات فى شمالى «نيجيريا» الحالية، شرقى ثنية نهر «النيجر» أو بينها وبين بلاد «برنو». ويذكر «الحسن الوزان» أن «أسكيا الحاج محمد» ملك «جاو» (صنغى) قتل ملك «الهوسا» وضم البلاد إلى مملكته فى عام (918هـ= 1512م)، ورغم ذلك فقد كان لبعض إمارات الهوسا فضل ثقافى كبير، فإمارة «كانو» يرجع الفضل إليها فى نشر الإسلام شرقًا حتى «بورنو»، وإمارة «زاريا» يرجع الفضل إليها فى نشر الإسلام فى أواسط «نيجيريا»، وقد ظهرت «كانو» و «كاتسينا» كمراكز للثقافة الإسلامية منذ القرن الخامس عشر الميلادى. وقد تضاعفت الشهرة العلمية لمدينة «كانو» و «كاتسينا» بعد الأحداث التى أصابت مدينة «تمبكت» منذ القرن السادس عشر الميلادى، وخاصة بعد الغزو المرَّاكُشى لها ولمملكة «صنغى»، وما نتج عن ذلك من هجرة العلماء والطلاب والفقهاء إلى «كانو» وغيرها من مدن «السودان الغربى» العديدة، ولاتزال تلك المدينة إلى اليوم من أهم مراكز الثقافة الإسلامية فى غربى إفريقيا، وبها مدرسة للعلوم العربية ومدرسة للقضاء الشرعى والفقه الإسلامى.

9 - 9:الإسلام والعروبة فى سودان وادى النيل

الفصل التاسع *الإسلام والعروبة فى سودان وادى النيل لم تكن بلاد «السودان الشرقى» (النيلى) أو «سودان وادى النيل» مجهولة للعرب قبل الإسلام، فقد مخرت سفنهم عباب البحر الأحمر حتى وصلوا إلى الشاطئ الإفريقى ومنه إلى «السودان» و «الحبشة»، فضلا عن الطريق البرى عبر «سيناء» إلى «مصر»، ومنها جنوبًا إلى «السودان»، والطريق البحرى عبر «باب المندب» إلى «الحبشة» ومنها إلى «السودان»؛ كل ذلك بهدف التجارة بين هذه البلدان وبين عرب «اليمن» و «الحجاز»، وبظهور الإسلام وانتشاره فى «مصر» أصبح وادى النيل معبرًا جديدًا للعرب والإسلام إلى بلاد «السودان النيلى» سلكته الجيوش والقبائل العربية، إما بقصد الغزو والفتح وإما بقصد التسرب السلمى بغرض الإقامة ونشر الإسلام بين أهالى هذه البلاد. وكانت هناك مملكتان مسيحيتان فى «السودان النيلى»، هما مملكة «مقرة» أو «دنقلة» أو «النوبة» فى شمالى هذا السودان، ومملكة «علوة» فى وسطه، وكانت هذه الممالك تقف فى وجه انتشار الإسلام، وأمام جهود المسلمين للدخول إلى «السودان النيلى» من ناحية «مصر، ولهذا كان انتشار الإسلام يتوقف على إضعاف هذه الدول أو القضاء عليها. وبدأ اللقاء الأول بين هذه الدول المسيحية وبين المسلمين منذ وقت مبكر، فقد أرسل «عمرو بن العاص» - رضى الله عنه - والى «مصر» بعض جنده إلى «بلاد النوبة» عام (21هـ = 642م)، لكنه لم يتمكَّن من فتحها، ثم غزاهم «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» والى مصر عام (31هـ = 651م)، ووصل فى زحفه حتى «دنقلة» عاصمة مملكة «مقرة» المسيحية، وعقد معهم صلحًا عُرِفَ باسم «البقط»، وتدل نصوص هذا الصلح على أنه يهدف إلى التسامح الدينى وحسن الجوار، ولايعكس تبعية «دنقلة» لمصر الإسلامية، أى لم يكن فى حقيقته إلا تأمينًا للنواحى الاقتصادية والتجارية والدينية، وتشجيعًا للتبادل التجارى، وإقرارًا للسلام على الحدود المشتركة؛ ولذلك ظلت

هذه المعاهدة سارية المفعول أكثر من ستمائة سنة. ... ويلفت النظر فى هذه المعاهدة اشتراط «عبدالله بن سعد» على النوبيين أن يحافظوا على المسجد الذى بناه المسلمون فى «دنقلة»، ويحموا التجار المسلمين، وغيرهم ممن يطرقون بلادهم، وهذا يؤكد حرص «عبدالله بن سعد» على أن يظل الطريق مفتوحًا خلال مملكة «مقرة» إلى الجنوب؛ حيث توجد مملكة «علوة» التى يمكن نشر الإسلام بها عبر التجار والمسافرين من المسلمين. وأثناء انصراف «عبدالله بن سعد» من «النوبة» تعرض له «البجة» أو «البجاة»، ويبدو أنه لم يصطدم بهم لهوان شأنهم فى نظره، لأنه لم يكن لهم ملك يمكن الرجوع إليه، وكانت أوطان هذا الشعب تمتد فى الصحراء الشرقية بين «النيل» و «البحر الأحمر» من حدود جنوب «مصر» فى الشمال إلى حدود «الحبشة» فى الجنوب، وقد أغاروا على صعيد «مصر» سنة (107هـ = 725م) فصالحهم «عبيد الله بن الحبحاب» والى «مصر»، وكتب لهم عقدًا بذلك. وعندما أغاروا على «أسوان» بعد ذلك جرَّد لهم الخليفة «المأمون» عام (216هـ = 831 م) جيشًا بقيادة «عبدالله بن الجهم»، وانتهى الأمر بعقد صلح جديد بينه وبين ملكهم «كنون بن عبدالعزيز»، ومن أهم شروطه أن تكون بلاد «البجة» من حدود «أسوان» إلى ما بين «دهلك» و «مصوع» ملكًا للخليفة، وأن يكون «البجة» وملكهم أتباعًا له، مع بقاء هذا الملك فى منصبه ويتعهدون بعدم منع أى مسلم من دخول بلادهم بقصد التجارة أو الإقامة أو الحج، وأن يؤدى ملك «البجة» ما عليه من الخراج. وهكذا فتحت هذه المعاهدة البابَ أمام الهجرات العربية لاجتياز مملكة «مقرة» دون الإقامة بها، فى طريقها إلى وسط «السودان النيلى» أو ما عرف باسم «مملكة علوة» بينما سمحت المعاهدة مع «البجة» للهجرات العربية بالاستقرار والإقامة فيما بين حدود «مصر» الجنوبية وحتى «مصوع»، وبهذا أصبح الباب مفتوحًا للإسلام والثقافة العربية

للتوغُّل فى وسط «السودان النيلى» وحتى حدود «الحبشة» الشمالية. وقد أثَّرت أحداث العالم الإسلامى؛ وخاصة الصراع بين الأمويين والعباسيين، وظهور العناصر الأخرى من الفرس وغيرهم على المسرح السياسى واستبدادهم بالسلطة والنفوذ، فى هجرة الكثير من القبائل العربية إلى الجنوب، وقد انتهزت تلك القبائل فرصة الحملة التى أعدَّها «أحمد بن طولون» والى «مصر» إلى أرض «النوبة» و «البجة» فاشترك فيها كثير من العرب وخاصة من «ربيعة» و «جهينة»؛ حيث استقروا فى هذه المناطق ونشروا الإسلام واختلطوا بالنوبة و «البجة». وقد حرص رؤساء العرب على التزوُّج من بنات «البجة» و «النوبة»؛ مما أدَّى إلى انتقال الرئاسة إليهم وفقًا لنظام الوراثة عن طريق الأم، وقد استطاعوا إقامة أول إمارة إسلامية عربية كان مقرُّها فى «أسوان» فى عهد الفاطميين، وخلع الخليفة «الحاكم بأمر الله الفاطمى» على أمير «ربيعة» لقب «كنز الدولة» فعرف «بنو ربيعة» فى «أسوان» و «النوبة» ببنى كنز، واستطاع هؤلاء أن يصاهروا البيت المالك النوبى فى «دنقلة»، وتبعًا لذلك انتقل الحكم هناك إلى «بنى كنزة» وأعلنوا استقلالهم عن الدولة المملوكية فى «مصر» سنة (723هـ = 1323م). وبذلك ظهرت أول إمارة إسلامية فى بلاد «السودان الشرقى»، وتدفقت موجات من العرب ولاسيما من عرب «جُهَينة» إلى داخل «السودان» حتى بلاد «الحبشة» و «دارفور»، واستقر كثير منهم فى أرض «مملكة علوة» المسيحية وأسَّسوا مدينة «أربجى» على الشاطئ الغربى من النيل الأزرق عام (879هـ = 1474م) ومع توالى الهجرات العربية إلى مملكة «علوة» وازدياد نفوذها، عمل ملوك «علوة» على استمالتهم بالمصاهرة، فانتقل الحكم إلى «جهينة» عن هذا الطريق، كما حدث فى مملكة «النوبة» من قبل، وخاصة بعد أن تحالف هؤلاء العرب مع «الفونج» القادمين من الجنوب، وقضوا على مملكة «علوة» نهائيا فى مستهل القرن السادس عشر الميلادى وبذلك

انتهت ممالك «النوبة» أو ممالك «السودان الشرقى» (النيلى) المسيحية، وبدأ عهد جديد فى تاريخ تلك البلاد ظهرت فيه عدة ممالك أو سلطنات إسلامية من أهمها:

9 - 10:سلطنة الفونج الإسلامية فى سنار

الفصل العاشر *سلطنة الفونج الإسلامية فى سنار [910 - 1236هـ = 1505 - 1820م]: اختلف الباحثون فى أصل «الفونج»، فقيل إنهم من سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين، وأنهم جاءوا إلى «الحبشة» أولا ومنها إلى «السودان الشرقى» (النيلى)؛ حيث تصاهروا مع ملوك «السودان»، وظهرت نواة إمارة «الفونج» عقب القضاء على مملكة «دنقلة» المسيحية، وتسرَّب العرب على نطاق واسع إلى مملكة «علوة» المسيحية، واتَّسع نطاق هذه الإمارة غربًا، ووصل إلى أطراف منطقة الجزيرة من الشرق، ثم تمَّ التحالف بين هذه الإمارة النامية فى عهد أميرها «عمارة دونقس» (911 - 941هـ= 1505 - 1534م) وبين عرب «القواسمة» الذين ينتمون إلى مجموعة «الكواهلة» فى عهد زعيمهم وشيخهم «عبدالله جَمَّاع». وقد كان لهذا التحالف نتائج مهمة فى تاريخ «سودان وادى النيل»: أولها: قضاء الحليفين على مملكة «علوة» المسيحية عام (911هـ= 1505م). وثانيها: قيام مملكة «العبد لاب» التى اتَّخذت مدينة «قِرِّى» حاضرة لها، ثم انتقلت منها إلى «حلفاية»، وشاركت «الفونج» فى السيطرة على القسم الشمالى من البلاد وامتدَّ ملكهم من مصب «دندر» إلى بلاد «دنقلة». وثالثها: قيام مملكة «الفونج» الإسلامية التى كان «عمارة دونقس» أول سلطان لها وامتدت من «النيل الأزرق» إلى «النيل الأبيض». وقد بلغت هذه السلطنة أوج مجدها فى عهد السلطان «بادى الثانى أبو دقن» (1052 - 1088هـ = 1642 - 1677م)؛ إذ امتدت رقعتها من «الشلال الثالث» إلى «النيل الأزرق»، ومن «البحر الأحمر» إلى «كردفان»، واستمر توسُّع هذه الدولة طيلة القرن الثامن عشر الميلادى فى عهد الملك «بادى الرابع». غير أنه قبيل نهاية ذلك القرن ظهرت عوامل الضعف فى هذه السلطنة، عندما تصدَّعت عُرَى التحالف بين سلاطين «الفونج» و «عرب القواسمة»، كما كان لاستبداد الوزراء والقواد أثره فى القضاء على هذه الدولة، فقد استطاع «محمد بن أبى لكيلك كتمور» المتوفى سنة

(1190هـ = 1776م) أن يعزل السلطان «بادى الرابع» ويولِّى غيره، وبدأت الانقسامات الداخلية والحروب الأهلية؛ فأدَّت إلى انحلال الأسرة المالكة، حتى جاء الفتح المصرى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادى فى عهد «محمد على باشا». وقد اتخذت سلطنة «الفونج» مظهرًا إسلاميا منذ البداية، فقد استهلت حياتها بالإسهام فى حركة الجهاد الإسلامى، وساعدت العرب فى القضاء على مملكة «علوة» المسيحية، وبذلك تدفَّق الإسلام فى وسط «السودان»، ومنه إلى الجنوب والغرب. كما أسهموا فى محاربة الوثنيين داخل «السودان» نفسه، فقد حاربوا أهل جبال «النوبا» بسبب غاراتهم على «كردفان»، واستمروا فى حربهم زمنًا طويلا حتى انتشر الإسلام فى كثير من مناطق هذه الجبال فى غربى «السودان». كما حارب «الفونج» «الشلك» (أو الشلوك) للغرض نفسه، بل شاركوا فى حركة الجهاد الإسلامى ضد الأحباش فى القرن الثامن عشر الميلادى فقد قضوا على بعثة فرنسية كانت قد قدمت إلى «الحبشة»، بهدف مساندتها فى حربها ضد المسلمين عام (1117هـ= 1705م)، كما اشتبكوا مع الأحباش فى عهد الملك «بادى الرابع أبى شلوخ» سنة (1157هـ = 1744م)، وكانت جيوش «الفونج» بقيادة شيخ «قرى» التى كان يتولى إمارتها الشيخ «محمد أبو اللكيلك» كبير الهمج (الهمق)، الذى قضى على دولة «الفونج» فيما بعد، وقد انتصر هؤلاء القواد على جيش «الحبشة»، وكان لانتصارهم هذا دوى هائل فى العالم الإسلامى المعاصر فى «مصر» و «الشام» و «الحجاز» و «تونس» و «إستانبول» و «الهند». ولم يسهم «الفونج» فى نشر الإسلام عن طريق الجهاد فحسب، إنما استعانوا بالوسائل السِّلمية التى كانت الأصل فى غالب الأحوال وكان لرواد الدعوة الذين وفدوا من «الحجاز» و «المغرب» و «مصر» و «العراق» إلى جانب الدعاة الوطنيين فضل كبير فى هذا السبيل فالحج والتجارة بين «الحجاز» و «السودان» كانا من أكبر ماهيَّأ

للسودان نشر الدعوة. وكان حجاج «السودان» يشجعون علماء «الحجاز» على الرحلة إلى بلاد «الفونج»، كما أن كثيرًا من السودانيين كانوا يتلقون العلم فى «مكة» و «المدينة». أما «المغرب» فكان منبعًا آخر للثقافة الإسلامية. أما «مصر» فكانت علاقة «السودان» بها فى ذلك الحين أقل من تلك التى كانت بينه وبين «الحجاز» و «المغرب»، ومع ذلك تطلَّع ملوك «الفونج» إلى «الأزهر» وعلمائه ورحبوا بهم، وكان بعض السودانيين يذهبون إلى «الأزهر» ثم يعودون إلى بلادهم ناشرين الإسلام وثقافته. وقد رحل أحدهم وهو الفقيه «محمد الجعلى» إلى منطقة جبال «النوبا» التى تقع جنوب «كردفان» مع مجموعة من الفقهاء؛ للدعوة إلى الإسلام فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى واستطاع أن يتزوَّج أميرة من البيت الحاكم هناك، فانتقل الحكم إلى ابنه المسمَّى «قيلى أبو جريدة». وقد أسَّس هذا الابن أول أسرة إسلامية حاكمة فى جبال «النوبا»، سنة (926هـ = 1520م) عرفت باسم مملكة «تقلى»، وكان هو أول سلاطينها. كذلك كان لسلطنة الفونج وعاصمتها اتصال بدارفور التى كانت تستعين بفقهاء «سنار» فى نشر الدعوة، وكان للفونج اتصال أيضًا بالباشا التركى فى موانئ «البحر الأحمر» فى «سواكن» و «مصوع»؛ حيث كان له وكلاء فى «سنار» و «أريجى»، وكذلك اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية؛ مما يدل على عمق الروح الإسلامية التى تغلغلت فى مملكة «الفونج». وتظهر هذه الروح الإسلامية فى معاملتهم الحسنة لرجال العلم، وفى احترامهم وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، فرحل إليهم كثير من علماء المناطق النائية، وعاشوا فى جوارهم، مما كان له أثر كبير على مسيرة الإسلام فى هذه السلطنة.

9 - 11:سلطنة دارفور الإسلامية

الفصل الحادي عشر *سلطنة دارفور الإسلامية [849=1292هـ = 1445 - 1875م]: بلاد «دارفور» عبارة عن هضبة تنتشر فيها المراعى وتتخللها بعض المرتفعات، ويتألف سكانها من العنصر الزنجى والعنصر الحامى، وكانت هذه البلاد مستقرا لشعب يُسمَّى شعب «الداجو»، وفد عليها من الشرق أو من «جبال النوبا» الواقعة غرب «النيل الأبيض» قبل القرن الثانى عشر الميلادى وأسس فيها مُلكًا. وفى القرن الثانى عشر الميلادى دخل هذه البلاد عنصر مغربى من «تونس» يتمثل فى «شعب التنجور» أو «عرب التنجور»، وهم عنصر من البربر أو العرب، وقد خالط هؤلاء شعب «الداجو» وصاهروهم، ونتج عن ذلك وجود جنس مختلط يُسمَّى شعب الفور استطاع أن يصل إلى الحكم. كان أول السلاطين المولدين من «الداجو» «والتنجور» هو «أحمد المعقور» الذى تزوج من ابنة ملك «دارفور» الوثنى، بعد أن أثبت جدارته فى الإشراف على شئون بيت الملك، وقد اتخذه الملك مستشارًا، ولما لم يكن للملك أبناء ذكور، فقد زوج ابنته لأحمد المعقور، وعينه خليفة له، فتأسست بذلك أول سلطنة إسلامية فى «دارفور». ولقد اقترنت إصلاحات السلطان «أحمد» وأولاده من بعده بنشاط ملحوظ فى نشر الدعوة الإسلامية، على أن «دارفور» لم تدخل فى الإسلام حقا إلا نتيجة جهود أحد ملوكها وهو «سليمان سولون» الذى وصل إلى الحكم نتيجة لإحدى الهجرات العربية التى وفدت على «دارفور» منحدرة من «وادى النيل» فى القرن الخامس عشر الميلادى وأصهر هؤلاء العرب إلى سلاطين «الفور»، كما أصهروا إلى ملوك «النوبة» من قبل. وكان «سليمان سولون» وليد هذه المصاهرة، وتمكن من اعتلاء عرش «دارفور» (849 - 881هـ = 1445 - 1476م)، وفتح البلاد للهجرات العربية، فوفدت قبائل «الحبانية» و «الرزيقات» و «المسيرية» و «التعايشة» و «بنى هلبة» و «الزيادية» و «الماهرية» و «المحاميد» و «بنى حسين» وغيرهم، وبفضل هؤلاء العرب المهاجرين إلى «دارفور»، اصطبغت السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة، وعمد

السلطان «سليمان سولون» إلى تنشيط الحركة الإسلامية، عن طريق استدعاء الفقهاء من الشرق ليعلِّموا الناس أصول دينهم، كما شجع التجارة وأسس المساجد والمدارس. وبدأت الدولة تتسع، فامتد سلطانها على «كردفان» فى عهد السلطان «تيراب» (1768 - 1787م)، وبلغت أقصى اتساعها، فكان حدها من الشمال «بئر النترون» فى الصحراء الكبرى، ومن الجنوب «بحر الغزال»، ومن الشرق «نهر النيل»، ومن الغرب منطقة « واداى». وقد وصل نفوذ الدولة أقصاه فى عهد السلطان «عبدالرحمن الرشيد» (1192 - 1214هـ = 1778 - 1799م)، الذى نقل العاصمة إلى مدينة «الفاشر»، واتصل بالسلطان العثمانى واعترف بسيادته، فمنحه لقب «الرشيد». وفى عهد خلفاء «عبدالرحمن الرشيد» كان من الممكن أن تتسع السلطنة إلى آفاق أوسع لولا التوسع المصرى فى القرن التاسع عشر الميلادى، ذلك التوسع الذى قضى على هذه السلطنة عام (1292هـ = 1875م) فى عهد الخديوى «إسماعيل». واصطبغت هذه السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة؛ حيث عمل سلاطينها على ربط بلادهم بالعالم الإسلامى المعاصر، وتوثقت به صلاتهم الثقافية والدينية، فوصل طلاب «دارفور» إلى «مصر» والتحقوا بالأزهر، حيث أنشئ لهم رواق خاص بهم. وكان سلاطين «دارفور» رغم ندرة أخبارهم ينهجون نهجًا إسلاميا، فيلتزمون بأحكام الكتاب والسنة، ويحرصون على تحرى العدل فى أحكامهم، كما حرصوا على تشجيع العلماء ومنحهم الهدايا، وعملوا على نشر العلم فى بلادهم، ويذكر «التونسى» أخبارًا كثيرة عن العلماء والفقهاء الذين وفدوا على «دارفور» لما وجدوه فيها من تشجيع وعدالة وكرم واحترام. ومن مظاهر ارتفاع مكانة العلماء فى سلطنة «دارفور» الإسلامية أن مجلس السلطان كان لايتم إلا بحضورهم، وكانوا يجلسون عن يمينه، ويجلس الأشراف وعظماء الناس عن يساره، وعند موت السلطان واختيار سلطان جديد كان هؤلاء العلماء يدخلون ضمن مجلس الشورى

الذى ينعقد لهذا الغرض، وإذا حدث تنازع فإنه لايتم حسمه إلا على أيديهم، وكان السلاطين يكثرون من الإنعام عليهم ويقطعونهم الإقطاعات الواسعة حتى يتفرغوا للعلم والدرس، ولم يكن هذا التشجيع وقفًا على السلاطين وحدهم، فقد شارك فيه الأهالى؛ حيث كان سكان القرية يسارعون لمقابلة العلماء الوافدين ويستضيفونهم، كما كانوا يستضيفون الطلبة الغرباء فى بيوتهم ويعاملونهم كأبنائهم أو ذوى قرباهم. ومن المظاهر الإسلامية التى وضحت فى سلطنة «دارفور» أن سلاطينها كانوا يتلقبون بألقاب إسلامية مثل «أمير المؤمنين»، و «خادم الشريعة»، و «المهدى» و «المنصور بالله»، كما كانوا يحرصون على النسب العربى كعادة الحكام فى كل ممالك «السودان»، كما أن أختامهم التى يختمون بها كتبهم ورسائلهم كانت تحمل آية من القرآن، وكانوا يحرصون على إرسال محمل الحرمين الشريفين كل عام إلى «مكة» و «المدينة»، فكانت قافلة المحمل ترسل إلى «مصر» محملة بالبضائع، مثل ريش النعام وسن الفيل والصمغ وغير ذلك من منتجات البلاد، فتباع ويتكون من ثمنها نقود الصرة التى تحملها القافلة المصاحبة لقوافل الحجاج المصريين إلى الأراضى المقدسة، وهكذا نرى أن الحياة الإسلامية كانت زاهرة فى سلطنة «دارفور» الإسلامية. الطابع الإسلامى والثقافة العربية فى سودان وادى النيل: يمثل عصر «سلطنة الفونج» فى «سنار» أو فى «وسط السودان» و «سلطنة دارفور» فى «غربى السودان» عصر الازدهار الإسلامى فى ذلك الوقت. فقد امتزجت التقاليد الإسلامية الوافدة بالتقاليد المحلية سواء فى نظم الحكم أو فى الحياة الاجتماعية أو الثقافية، ونشأ لون جديد من الحضارة إسلامى الصورة سودانى الطابع مثلما حدث فى «بلاد السودان الغربى» والأوسط (غرب إفريقيا). فالفونج عملوا على إقامة الشريعة الإسلامية لكنهم انتهجوا فى الحكم نهجًا محليا صرفًا، يتميز باللامركزية الصرفة؛ حيث سمحوا

للأمراء المحليين بالاستقلال الذاتى، ولم يكن سلطان سنار يحتفظ بأكثر من تعيين الأمراء أو فرض الإتاوة، وتظهر التقاليد المحلية فى طريقة التتويج أو التعيين حين يحضر الأمير إلى «سنار» ويحتفل به السلطان على «الككر» (أى كرسى العرش) ويلبسه طاقية لها ذُؤابتان عن اليمين والشمال محشوتان بالقطن كأنهما قرنان، ويمنحه سيفًا، وهى تقاليد نوبية قديمة، ثم يذهب الأمير بعد انتهاء مراسم التتويج إلى مكان معين فى انتظار دابة تخرج من الأرض يتفاءل بخروجها، إلى غير ذلك من التقاليد السودانية. والحياة الإسلامية فى «دارفور» خضعت لهذا التطور نفسه، فقد تمسك السلاطين بالكتاب والسنة وطبقوا الشريعة الإسلامية تطبيقًا تاما، ولكنهم لم يهملوا التقاليد المحلية التى تمثلت فى قانون «دالى»، وهو مجموعة من الأحكام العرفية كان يقوم بتنفيذها حكام الأقاليم والقاضى الأعظم، وهو كبير الخصيان الملقب بأبى شيخ. وهذا القانون ينص على وراثة الملك وعلى إقامة الحدود ودفع الغرامات من الأبقار التى يملكونها بكثرة، وكان لهم تقاليد خاصة فى جلوس السلطان على كرسى العرش، ففى يده اليمنى صولجان، وفى اليسرى سيف مستقيم، وعلى جنبه الأيسر سيف محدب، وفى الدخول عليه يخلع الداخل الطاقية والسلاح ويلقى بنفسه على الأرض ويحبو على ركبتيه ويديه كالسلحفاة. أما فى ميدان الثقافة فلم يكن للسودان ثقافة قديمة، كما كان فى «مصر» وبلاد «الشام» و «العراق»، ولذلك كانت ثقافة «السودان» عربية إسلامية خالصة، لكنها تأثرت بعاملين: الأول: ضعف النهضة الإسلامية فى هذا العصر عمومًا، وغرق الأمة فى الدراسات الصوفية التى انتشرت طرقها فى شتى بلدان العالم الإسلامى؛ ولقيت فى «السودان» جوا ساعدها على النمو والازدهار. فقد شهد «السودان» فى هذا العصر كثيرًا من الحروب الداخلية، التى كانت تسيطر على البلاد وتعمل على تمزيقها، بالإضافة إلى أن

العرب الذين هاجروا إلى «السودان» كان معظمهم من الفارين من الدول الإسلامية بسبب التقلبات السياسية، وكان هؤلاء قد كرهوا الحياة السياسية، مما ولَّد فى نفوسهم ونفوس السودانيين رغبة شديدة فى الحياة، بعيدًا عن مزالق السياسة فلبوا دعوة شيوخ الصوفية فى ترحاب وحماس شديدين، وانتظموا فى الخلايا والزوايا، وكان لذلك أثر كبير فى التقريب والربط بين القبائل والأجناس فى بلاد «السودان». أما الطرق الصوفية التى انتشرت فى «السودان» فى عصر «الفونج» فهما طريقتان: الأولى هى «القادرية»، وكان أتباعها أكثر عددًا من أى جماعة أخرى، وقد دخلت هذه الطريقة «السودان» على يد «تاج الدين البهارى»، الذى وصل إلى «السودان» عام (952هـ = 1545م)، ووفد عليه بعض الأمراء والمشايخ واتبعوا هذه الطريقة وظلت ذريتهم تباشرها حتى اليوم. والطريقة الثانية هى الطريقة «الشاذلية»، المنسوبة إلى «أبى الحسن الشاذلى» (592 - 656هـ= 1196 - 1258م) الذى وُلد فى «شاذلة» بتونس، ويقال إن إحدى حفيداته تزوجت من الشريف «حمد أبو دنانة» الذى نزح إلى «السودان» عام (849هـ = 1445م) قبل عصر «الفونج» ونشر تلك الطريقة بين الناس. أما العامل الثانى الذى أثر فى الثقافة العربية فى «السودان» فى عصر «الفونج»، فهو موقع «السودان» واتصاله الطبيعى بأمم إسلامية مجاورة، ومانتج عن ذلك من تبادل تجارى وثقافى؛ إذ اتصل أهل «السودان» بمصر، ووفد عليها علماؤه وطلابه؛ مما يؤكد أن «مصر» هى التى غرست البذور الأولى للثقافة العربية الإسلامية فى بلاد «السودان»، وهناك عامل لايقل شأنًا عما مضى إن لم يفقها جميعًا، وهو أثر القبائل العربية المهاجرة إلى «السودان النيلى»، وهى قبائل كثيرة يمكن أن نحصرها فى ثلاث مجموعات قبلية كبرى: أولها «مجموعة الجعليين» وهى عدنانية الأصل ومن أكثر المجموعات العربية نفوذًا وعددًا، وتركزت هذه المجموعة على

«النيل» بين بلاد «النوبة» وموقع «الخرطوم» الحالية، ثم أخذت تنتشر نحو «النيل الأزرق» و «الأبيض» و «كردفان» و «دارفور». وثانيها «مجموعة جهينة» وهى قبائل قحطانية تلى «مجموعة الجعليين» فى العدد، وفدت إلى «مصر» بعد الفتح، ثم مضت فى طريقها إلى «السودان النيلى» منذ القرن الرابع عشر الميلادى، واتخذت شرقى «السودان» مركزًا لها، ومنه انتشرت بعض بطونها غربًا حتى وصلت إلى بلاد «البرنو». وثالثها «مجموعة الكواهلة» التى نزلت فى «عطبرة» و «النيل الأزرق» وحول «النيل الأبيض» و «كردفان». وقد أقامت هذه المجموعات مشيخات عربية كبيرة وممالك متعددة، مثل مملكة «العبدلاب» ومملكة «تقلى» التى أسسها العرب من الجعليين فى منطقة جبال النوبا بكردفان فى أواسط القرن السادس عشر الميلادى واتخذت هذه المملكة لنفسها منهجًا فى نشر الإسلام والعروبة فى هذه المناطق الوعرة، فكانت تشجع القبائل العربية على الهجرة والاستيطان، فهاجر إليها كثير من «الجعليين» و «البديرية» و «الجوامعة». وكانت هذه القبائل ذاتها أداة لنشر الإسلام وثقافته فى أرجاء «السودان»، من ذلك ما قام به «الجعليون» خصوصًا «عشيرة المجذوبين»، التى تنتسب إلى الفقيه «حامد بن محمد المجذوب»، وكان كثيرٌ من أبناء هذه العشيرة يرحلون إلى «القاهرة» أو «مكة» طلبًا للعلم، ثم يعودون إلى «السودان» لمتابعة رسالتهم، فيبنون المساجد وينشئون الزوايا لتصبح مدارس ومعاهد للتعليم، يفد إليها الطلاب من مختلف الآفاق. وقد أنشأت هذه العشيرة مدينة «الدامر» التى أصبحت حاضرة روحية للجعليين، بل للسودان النيلى كله، وبانتشار العرب فى «السودان النيلى» على هذا النحو اكتسبت هذه المنطقة النسب والدم العربيين، بجانب اللغة العربية وثقافتها، وبذلك انضم إلى العالم العربى والإسلامى قطر فسيح الرقعة يسهم فى الحياة الإسلامية مساهمة الأقطار الأخرى، ومن أقدم المراكز الإسلامية فى «السودان النيلى»

مدينة «دنقلة» التى دخلها الإسلام قرب منتصف القرن الرابع عشر الميلادى وارتفعت مكانتها بعد سقوط «مملكة علوة» المسيحية، وقيام «سلطنة الفونج» الإسلامية محلها، وانتشرت فيها المدارس والمساجد، ووفد إليها كثير من العلماء والفقهاء من أمثال «غلام الله اليمنى»، الذى وفد إليها فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى وأنشأ فيها مدارس لتعليم القرآن والفقه والحديث. على أن أعظم هذه المراكز فى المنطقة الشمالية وأوسعها نفوذًا وأبعدها أثرًا مدينة «الدامر» مركز «الجعليين» وكعبتهم الثقافية، وقد زارها الرحالة «بركهارت» وتحدث عنها طويلا مشيرًا إلى مكانتها العلمية وإلى توقير الناس لفقهائها وانتشار نفوذهم فى جميع أرجاء «السودان النيلى»؛ وقد وصف مسجدها وتحدث عن أهميته وعن الحركة العلمية المزدهرة، وعن المدارس الكبيرة وعن الطلاب الوافدين من «دارفور» و «سنار» و «كردفان»، وعن الكتب الكثيرة التى اشتريت من «القاهرة»، وعن معاهد العلم التى تعلم تجويد القرآن والتفسير والتوحيد والمنطق وغيرها من العلوم الإسلامية. وهناك مدينة «سنار» وهى أعظم المراكز الثقافية فى ديار «الفونج»، وكانت مركزًا تجاريا قبل كل شىء فقد عرفت بغناها الوافر وتجارتها الرابحة، وكان التجار يجلبون إليها البضائع من «مصر» و «الحجاز»، وكان يجلب إليها من «كردفان» التبر والحديد والرقيق، كما جلبت إليها تجارة «الحبشة» وأصبحت مركزًا علميا تتطلع إليه جميع المناطق السودانية شرقًا وغربًا. ومن المراكز الإسلامية أيضًا مدينة «الفاشر» التى أصبحت بعد إنشائها من المراكز الثقافية المهمة فى غربى «السودان النيلى»، وإن كانت أقل شأنًا من «سنار»، وقد لاحظ الرحالة «محمد بن عمر التونسى» انخفاض المستوى العلمى فى هذه المدينة، ويعود هذا الأمر إلى أن الإسلام تأخر فى انتشاره فى «دارفور» عن بقية أقاليم «السودان النيلى» الأخرى، كما يعود إلى الترحال والتنقل

الذى دأبت عليه القبائل العربية التى سكنت «دارفور»، وهو أمر لايؤدى إلى ازدهار العلم الذى يحتاج إلى الاستقرار، ويعود أيضًا إلى قلة عدد العلماء الذين رحلوا إلى هذا الإقليم، ربما بسبب بعده عن مراكز الثقافة الإسلامية الزاهرة فى «بغداد» و «دمشق» و «القاهرة». أما معاهد التعليم فى «السودان» فى ذلك العصر فهى: المسجد، والزاوية، والخلوة. والخلوة أو الكُتاب أو المكتب من أقدم هذه الأماكن وهى منتشرة فى جميع القرى، وعرفها أهل «السودان» على بداية عهد «الفونج» على يد الشيخ «محمود العركى»، الذى قدم من «مصر» عام (926هـ = 1520م)، وأسس خمس عشرة خلوة فى «سنار» وعلى «النيل الأبيض» وكان يُدرَّس فيها القرآن ويتعلم فيها الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ الحساب فيما يمكن أن نطلق عليه المرحلة الأولية أو الابتدائية. وفى المساجد كان الطلاب يدرسون فيما يشبه المرحلة الثانوية أو العليا، وفيها كانوا يدرسون العلوم الدينية وعلوم العربية والتاريخ؛ حيث يلتف الطلاب حول شيوخهم فى حلقات دراسية. أما الزاوية فهى تتميز عن الخلوة والمسجد بأنها تجمع بين السكنى والعبادة والدرس، ففيها ينقطع الطلاب للدرس والعبادة، وهى غالبًا للصوفية، وكانت فى زمن «الفونج» منتشرة فى جميع البلاد. وكانت الطريقة التعليمية فى ذلك العهد تعتمد فى جملتها على الاستظهار والحفظ كما فى سائر البلدان الإسلامية، وعرف «السودان» معظم العلوم التى عرفها العالم الإسلامى من نحو وصرف وبيان وبديع وعروض ومنطق وتوحيد وتفسير وحديث وفقه وتصوف وجبر ومقابلة وتاريخ، ولكن كان أعظمها شأنًا هو علم الفقه والتوحيد. وقد ظلت الثقافة الإسلامية مزدهرة طوال ثلاثة قرون فى أرجاء «السودان النيلى»، ولكن التعصب القبلى والتنازع على الحكم وسياسة العزلة التى فرضها حكام «الفونج» فى القرن الثامن عشر الميلادى أدى إلى انحلال هذه السلطنة، واستطاع «محمد على»

حاكم «مصر» أن يقضى عليها فى عام (1235هـ = 1820م). أما سلطنة «دارفور» فقد تم القضاء عليها بعد ذلك بنحو نصف قرن على يد «إسماعيل بن محمد على»، ثم تمكن الإنجليز من احتلال «مصر» نفسها عام (1299هـ = 1882م) ووضعوا «السودان» تحت سيطرتهم ونفوذهم، وبعد استقلال «مصر» فى عام (1371هـ = 1952م) أبرمت «اتفاقية السودان» بين «مصر» و «بريطانيا» التى نصت على إعطاء حق تقرير المصير لأهل «السودان»، فاختاروا الاستقلال وقامت «جمهورية السودان» فى عام (1376هـ = 1956م).

9 - 12:الإسلام فى شرق إفريقيا

الفصل الثاني عشر * الإسلام فى شرق إفريقيا يقصد بتاريخ الإسلام فى شرق إفريقيا السلطنات الإسلامية التى ظهرت فى بلاد «الحبشة» و «الزيلع» فى العصور الوسطى، مثل «سلطنة شوا» و «أوفات» و «عدل»، وتلك التى ظهرت على طول الساحل الشرقى من القارة جنوب «الحبشة» حتى «نهر الزمبيزى» فى «موزمبيق»، مثل سلطنة «مقديشيو» و «بات» و «كلوا». أ - الإسلام والسلطنات الإسلامية فى بلاد الحبشة والزيلع (منطقة القرن الإفريقى): كان للحبشة صلات قديمة مع بلاد العرب قبل الإسلام، وهى صلات تجارية وسياسية وحربية، تتمثل فى التجارة وفى غزو الأحباش لبلاد «اليمن»، ولم يقطع الإسلام هذه العلاقات وإنما زادها قوة، فاتصال الإسلام بالحبشة يرجع إلى السنة الخامسة من البعثة حين هاجر بعض المسلمين إلى «النجاشى» اعتصامًا بعدله ونجاة من أذى «قريش» وعدوانها. ثم بدأت الدولة الإسلامية تحتك بالحبشة فى عهد «عمر بن الخطاب» الذى أرسل إليها فى عام (20هـ = 641م) سرية بقيادة «علقمة بن مجزر المدلجى»، كان نصيبها الفشل، ويرى بعض الباحثين أن أخبار هذه الحملة لا تتفق مع علاقات الود التى سادت بين الأحباش والمسلمين منذ أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن «عمر» بالرجل الذى يخرج على أمر قرره الرسول، والتعليل الصحيح لإرسال هذه السرية أنها أُرسِلت لرد إغارات قراصنة البحر من الأحباش الذين كانوا قد أغاروا على ساحل بلاد «الحجاز» مرة فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومرة أخرى فى عهد «عمر بن الخطاب» نفسه، وذلك بعد أن مات «النجاشى» الذى استقبل المهاجرين واعتنق الإسلام سرا، وأعقبه «نجاشى» آخر لم يَرْع هذه العلاقات الطيبة بين المسلمين و «الحبشة»، وقد عاد الأحباش إلى الإغارة على «جدة» عام (83هـ = 702م) فى عهد «بنى أمية»، فلم يجد العرب بُدا من الحصول على قاعدة بحرية قريبة من الشاطئ الإفريقى تمكنهم من رد غارة هؤلاء الأحباش، فاستولوا على جزر «دهلك» وأقاموا

فيها، وقد وجدت فيها نقوش عربية يرجع تاريخها إلى منتصف القرن التاسع الميلادى. ويبدو أن المسلمين انسحبوا من هذه الجزر بعد ذلك، لكنهم تركوا بها جالية من المسلمين من أهل البلاد، فكانت جزر «دهلك» أول رأس جسر يقيمه المسلمون على الساحل الشرقى لإفريقيا، ويبدو أن هذه كانت آخر محاولة للتدخل الرسمى فى شرقى إفريقيا، فقد ترك الإسلام يتسرب إلى البلاد تسربًا سلميا بطيئًا فى ركاب المهاجرين إلى إفريقيا من التجار والدعاة عبر المسالك البحرية المعهودة. كانت عودة العلاقات التجارية بين «الحبشة» وبلاد العرب، واتساع دائرتها وخاصة فى تجارة الرقيق، بسبب إقبال الإمارات المستقلة فى الأمصار الإسلامية المختلفة على الاستعانة بالجنود السودانيين عوضًا عن جنود العرب الذين تفرقوا فى الأمصار، وكان لذلك أثر كبير فى نمو المدن الساحلية الزيلعية التى ازدحمت بهؤلاء الوافدين من تجار المسلمين. وظهرت فى هذا العصر جاليات إسلامية قوية فى «دهلك» و «سواكن» و «باضع» و «زيلع» و «بربرة». وقد أجمع كتاب القرن العاشر الميلادى مثل «المسعودى» و «ابن حوقل» وغيرهما على ازدهار الحياة الإسلامية فى تلك المدن وتوطد النفوذ الإسلامى على طول السهل الساحلى، وقد ظهرت مدن إسلامية على ذلك الساحل كأنها العقد أو الطراز فى الفترة بين القرن العاشر والثالث عشر الميلادى. وقد أصبحت هذه المدن الإسلامية الساحلية مراكز وَثَبَ منها التجار والدعاة إلى المناطق الداخلية فى بلاد الزيلع والحبشة؛ إذ كان هؤلاء يرحلون إلى المناطق الداخلية التماسًا للتجارة ويقيمون بعض الوقت ثم ينحدرون إلى الساحل من جديد، وفى أثناء إقامتهم يخاطبون الناس وينشرون الإسلام ويوطدون صلتهم بالطبقة الحاكمة. ويبدو أن الإسلام نفذ إلى الداخل فى وقت مبكر، ربما فى القرن الثالث الهجرى حين تطرق إلى منطقة «شوا» حيث قامت سلطنة إسلامية عملت على نشر الإسلام فى جنوب وشرق الحبشة، وقد

ألقى ضوء جديد على تاريخ هذه السلطنة حينما عثر المستشرق الإيطالى «تشيروللى» على مختصر لتاريخها يؤرخ لخمسين عاماً من عمرها (13م).

9 - 13:سلطنة شوا الإسلامية

الفصل الثالث عشر *سلطنة شوا الإسلامية (283 - 684هـ = 896 - 1285م) أسست هذه السلطنة على يد أسرة عربية تسمى «بنى مخزوم» سنة (283هـ = 896م)، وليس ثمة شك فى أن هؤلاء كانوا عربًا هاجروا إلى هذه الجهات فى ذلك الوقت المبكر، وليس بعيدًا أن يكونوا قد نزلوا أول الأمر فى ضيافة إمارة محلية، ثم اختلطوا بالأمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر الأمر. وأيا كان الأسلوب الذى انتقل به الحكم فى «شوا» إلى هذه الأسرة العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام «سلطنة شوا الإسلامية»، التى استمرت أربعة قرون من الزمان فى الفترة (283 - 684هـ = 896 - 1285م) تمتعت فى معظمها بالأمن والاستقرار وازدهار العمران، وكثرة المدن والقرى والنواحى، حتى إن وثيقة «تشيروللى» ذكرت أكثر من خمسين اسمًا لمواقع كانت موجودة، ووقعت على أرضها أحداث مهمة. ومن أمثلة هذه المدن أو النواحى مدينة «ولِلَّه» العاصمة، ومدن هكلة (هجلة) وجداية، ودجن، وأبتا، ومورة، وحدية (لعلها مملكة هدية الإسلامية) والزناتير، والمحررة، وعَدَل التى أصبحت عاصمة لمملكة إسلامية فى القرن الخامس عشر الميلادى، مما يدل على أن هذه السلطنة اتسمت بسعة المكان وازدهار العمران وكثرة المدن والبلدان. وهذا الازدهار العمرانى الحضارى الذى تمتعت به سلطنة شوا الإسلامية كان نتيجة لما تملكه من أرض غاية فى الخصوبة استغلها السكان وزرعوا فيها ما يكفى حاجتهم ويسد مطالبهم، خاصة أنه قد استمر توافد الجماعات الإسلامية المهاجرة فى أعداد يسيرة، واستطاعت أن تتجمع وتدعم كيان هذه السلطنة الإسلامية بزعامة هذه الأسرة العربية التى اتخذت من «وللِّه» عاصمة لها، والتى يصعب تحديد موضعها الآن نتيجة لكثرة التغيرات التى تعرضت لها المنطقة. ونتيجة لهذا الإزدهار لم تكن الدولة المخزومية فى «شوا» إمارة أو مملكة صغيرة، بل كانت سلطنة كبيرة، توالى على حكمها كثير من

الحكام الذين اتخذوا لقب سلطان كما أشارت إلى ذلك وثيقة «تشيروللى». هذا وقد ظهر فى هذه السلطنة الوظائف السياسية والدينية المعروفة وقتذاك فى بقية الدول الإسلامية مثل الوزراء والقضاة، يتضح ذلك من الوثيقة المذكورة التى عنى المؤرخ فيها بتسجيل وفاة الفقيه «إبراهيم بن الحسن» قاضى قضاة شوا فى رمضان (653هـ = أكتوبر 1255م)، مما يدل على وجود حياة علمية ودينية زاخرة، شأنها فى ذلك شأن السلطنات الإسلامية الأخرى؛ مما يجعلنا نقول إن هذه السلطنة عاشت عصرًا زاهرًا كبيرًا، وأنها عاشت مستقلة عن جيرانها سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين. والسبب الذى أتاح لهذه السلطنة ذلك الاستقلال وهذا الهدوء مع دولة الحبشة هو ظروف الحبشة نفسها، فقد كانت تعيش حياة مليئة بالاضطراب السياسى وعدم الاستقرار، فقد كانت مملكة «أكسوم» الحبشية القديمة فى أواخر أيامها عندما نشأت سلطنة شوا الإسلامية، ولذلك لم تتمكن «أكسوم» من التصدى لتلك الدولة أو تمنع قيامها فى جزء من الهضبة الحبشية ذاتها لبعد «أكسوم» التى كانت تقع فى أقصى الشمال، بينما كانت دولة «شوا» فى أقصى الجنوب، ولذلك لم يحدث بينهما أى نوع من أنواع العلاقات، سواء أكانت ودية أم عدائية. ومن الأسباب التى أتاحت الهدوء لهذه السلطنة ما حظيت به من موقع حصين فقد كان يحيط بها جبال وعرة تحف بمجرى نهر تكازى الأعلى من ناحية اليمين، والنيل الأعلى من جهة اليسار، وهذه الجبال جعلت من «شوا» حصنًا آمنًا يوفر الحماية لمن يسكنه. وقد استغل بنو مخزوم هذا الهدوء وهذا السلام اللذين تمتعوا بهما حوالى ثلاثة قرون ونصف قرن من الزمان فى تنمية قدرات السلطنة الاقتصادية والسياسية والدينية، فصار لها نفوذها فى المناطق المجاورة وخاصة المناطق الإسلامية التى تقع إلى الشرق منها وهى سبع ممالك صغيرة قامت فى القرن الثالث عشر الميلادى. كما كان لها دورها الدينى أيضًا، من ذلك أن أحد سلاطينها ويسمى

(حربعر) بذل جهودًا كبيرة لنشر الإسلام صوب الداخل وخاصة فى «جبلة» فى سنة (502هـ = 1108م)، وفى بلاد «أرجبة»، وأن هذه البلاد بعد إسلام أهلها أضيفت إلى أملاك سلطنة «شوا» المخزومية، أى أن هذه السلطنة كانت من المراكز التى ساعدت على نشر الإسلام وثقافته فى هذه المنطقة. وقد حافظ الأهالى من الأحباش على إسلامهم، سواء أكانوا من أحباش شوا أم من أحباش المناطق المجاورة لها، وذلك رغم الاضطهاد الشديد والمستمر الذى تعرض له المسلمون فى القرن الإفريقى على يد ملوك الحبشة (إثيوبيا) منذ عام (669هـ= 1270م). ولكن سيطرة «شوا» على جيرانها المسلمين لم تستمر طويلا أمام اضطراب أحوالها وكثرة الفتن الداخلية التى جعلتها تسير فى طريق الضعف وخاصة فى الخمسين عامًا الأخيرة من عمرها، ولذلك انتهز حكام «أوفات» الإسلامية الفرصة وأغاروا عليها وأسقطوها وضموها إلى دولتهم. وطبيعى أن لسقوط سلطنة «شوا» الإسلامية أسبابًا، وعوامل أدت إليه، أهمها: العوامل الاقتصادية: وتتمثل فى ظروف طبيعية جغرافية حدثت فى الثلاثين عامًا الأخيرة من عمر الدولة، وأدت إلى نقص مياه الأمطار بدرجة نتج عنها حدوث مجاعات، وطواعين فتكت بالناس فتكًا ذريعًا، وأضعفت الدولة وسكانها أمام أى هزات داخلية أو خارجية. سوء الأحوال السياسية: ويتمثل فى الصراع الداخلى بين أمراء الأسرة المخزومية على الحكم، وكثرة المتمردين والمغتصبين لعرش السلطنة، وكثرة الحروب الأهلية، وما كان ينتج عنها من إحراق المدن وتدميرها ونهبها وقتل كثير من سكانها. ولم يظهر الصراع الداخلى بين أمراء هذه السلطنة إلا فى المائة عام الأخيرة من عمرها وخاصة منذ عهد السلطان «حسين» (575هـ = 1179م)، ثم تولى بعده السلطان «عبدالله» سنة (590هـ = 1194م)، وكان مغتصبًا للعرش، استطاع أن يزيحه ابن السلطان «حسين» فى (632هـ = 1232م) واستمر فى الحكم 14 عامًا، ثم أعقبه عدد من

المغتصبين، ثم عاد العرش إلى صاحبه الشرعى وهو السلطان «دلمارة بن والزرة» سنة (668هـ = 1269م) الذى صاهر «عمر ولشمع» سلطان «أوفات» الإسلامية كى يشد أزره بهذه المصاهرة، لكن الطامعين فى العرش ازدادوا شراسة حتى انتهى الأمر بمقتل السلطان «دلمارة» فى سنة (682هـ = 1283م) وقد أدت هذه الظروف السيئة إلى تدخل سلطان «أوفات» (عمر ولشمع) فدخل «شوا» وانتقم من قتلة صهره السلطان «دلمارة» واستطاع أن يعيد الأمن والوحدة إلى «شوا» من جديد، وبهذا حافظ (عمر ولشمع) على سلطنة «شوا» من أن تقع فى يد الأحباش وذلك بعد أن ضمها لدولته.

9 - 14:سلطنة أوفات الإسلامية

الفصل الرابع عشر *سلطنة أوفات الإسلامية [حوالى 648 - 805هـ = 1250 - 1402م]: كانت الحركة الإسلامية قد ازدادت قوة فى بلاد الزيلع منذ القرن العاشر الميلادى. وبلاد الزيلع هى البلاد التى تحيط بهضبة الحبشة من الشرق والجنوب الشرقى، وتتمثل الآن فيما يعرف بإريتريا وجيبوتى والصومال الكبير بأقسامه الثلاثة: الشمالى والجنوبى والغربى، المعروف باسم إقليم «أوجادين»، يضاف إلى ذلك كل المناطق الإسلامية التى ضمتها الحبشة بالغلبة والقوة قرب نهاية القرن التاسع عشر الميلادى. فى هذه البقعة الواسعة التى تنحصر بين ساحل البحر الأحمر وخليج عدن وبين هضبة الحبشة قامت مراكز تجارية عديدة على الساحل وانتشرت أيضًا فى الداخل، وتحولت فى النهاية إلى إمارات وممالك إسلامية نامية تحدث عنها المؤرخون القدامى، وقالوا إنها كانت سبع ممالك هى: «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دارة» و «بالى» و «أرابينى» و «شرخا»، وامتدت هذه الممالك إلى «هرر» وبلاد «أروسى» جنوبًا حتى منطقة البحيرات، مطوقة الحبشة من الجنوب والشرق. غير أن هذه الممالك والسلطنات التى قامت فى شرق الحبشة وجنوبها تختلف عما رأيناه فى أقطار إفريقية أخرى فى هذه المرحلة من التطور؛ إذ لم تكن هذه السلطنات إفريقية خالصة، أسستها أسرات من أهل البلاد الأصليين الذين أسلموا، كما حدث فى «مالى» و «صنغى» و «كانم وبرنو»، إنما أسستها أسرات عربية الأصل، فسلاطين «أوفات» وسلاطين «شوا» وغيرها يمثلون أرستقراطية عربية مهاجرة، استقرت فى هذه الجهات ونمت ثروتها وازداد نفوذها واستولت على حكم البلاد وكانت الرعية مسلمة ومن أهل البلاد الأصليين. وكانت العلاقات بين هذه الإمارات متوترة تسودها المنافسات القبلية، ولم يكن بينها من رابط سوى الصلة الروحية فقط، وكانت من الضعف بحيث إن أمراءها لايتولون العرش - فى كثير من الأحيان - إلا بموافقة ملك الحبشة المسيحى، وليس معنى ذلك أن مسلمى تلك

الإمارات قنعوا بالخنوع والخضوع للأحباش، بل إنهم كانوا فى أحيان كثيرة مناوئين لملك الأحباش وغازين له فى عقر داره كما سنرى. وكان من أسباب ضعف هذه الإمارات أو السلطنات الإسلامية أنها ما كاد يكتمل نموها وتزداد قوتها حتى واجهت حربًا صليبية ضروسًا استنزفت مواردها وشغلتها عن التفرغ للدعوة الإسلامية، ولذلك فإن الإنتاج الثقافى لتلك الإمارات كان محدودًا جدا، إذ إن الصراع مع الأحباش أخذ كل وقتها ولم يترك لها فرصة للإبداع والابتكار، ولم تنج سلطنة واحدة من الاشتباك مع هؤلاء الأحباش. وقد قامت سلطنة «أوفات» حوالى (648 - 805 هـ = 1250 - 1402م) بعبء المقاومة والدفاع ضد هذا الخطر الصليبى الحبشى الذى كان يهدف إلى القضاء على الإسلام فى منطقة القرن الإفريقى كلها، ولذلك كان من الواجب أن نخص هذه السلطنة بحديث. كانت سلطنة «أوفات» أقوى سلطنة إسلامية قامت فى بلاد «الزيلع»، أسسها قوم من قريش من «بنى عبدالدار» أو من «بنى هاشم» من ولد «عقيل بن أبى طالب». ومدينة «أوفات» هى نفسها مدينة «جبرة» أو «جبرت» وكانت من أكبر مدن بلاد «الزيلع»، وكانت تتحكم فى الطريق التجارى الذى يربط المناطق الداخلية بميناء «زيلع» على البحر الأحمر. ولم يتضح تاريخ «أوفات» إلا حوالى منتصف القرن الثالث عشر الميلادى حينما ظهر أحد أمراء المسلمين وكان يسمى «عمر» ويعرف بلقب «ولشمع»، وأقام هذه السلطنة التى نمت وازدادت قوتها حتى استطاع صاحبها «عمر ولشمع» أن ينتهز فرصة ضعف سلطنة «شوا» المخزومية وأن يهاجمها عام (684هـ = 1285م) ويقضى عليها ويستولى على أملاكها كما رأينا عند الحديث عن هذه السلطنة. وقد أدى هذا إلى اتساع سلطان «بنى ولشمع» السياسى، واستطاعت «أوفات» فى عهدهم أن تبسط نفوذها على بقية هذه الإمارات الصغرى التى أشرنا إليها وأن يصل هذا النفوذ حتى ساحل البحر الأحمر وحتى منطقة «زيلع» وسهل «أوسا».

وكانت مساحة الأراضى التى سيطر عليها المسلمون بزعامة «أوفات» تفوق مساحة أرض مملكة الحبشة المسيحية نفسها، بل كانت تحيط بالحبشة من الجنوب والشرق، فضلا عن إحاطة الإسلام بها من ناحية السودان من الشمال والغرب، مما أدى إلى عزل مملكة الحبشة عزلا تاما عن العالم الخارجى، ولاسيما بعد استيلاء المسلمين على ميناء «عدل» قرب «مصوع»، ولذلك لاندهش من أنه عندما تولت الأسرة «السليمانية» عرش الحبشة عام (669هـ = 1270م)، رسمت لنفسها خطة لتوسيع سلطان «الحبشة» على حساب جيرانها من المسلمين الذين كانوا يسيطرون على الموانى ومن ثم على التجارة الخارجية. وبذلك بدأت أولى مراحل الجهاد والصراع بين «أوفات» وتوابعها من الإمارات الإسلامية وبين ملوك الحبشة من ذلك الحين، وكانت البداية المبكرة على أيام الملك «ياجبياصيون» (684 - 693هـ = 1285 - 1294م) الذى شن حملة صليبية عنيفة ضد إمارة «عَدَل» التابعة لأوفات، وكان قد استشعر خطر الاتحاد الإسلامى الذى كانت تدعو إليه سلطنة «أوفات»، فضلا عن أن تلك السلطنة أعلنت زعامتها على الممالك الإسلامية المجاورة لها فى بلاد «الزيلع»، وكان هذا أمرًا يتعارض مع مشاريع ملوك الحبشة الجدد، فقاموا بحملتهم تلك التى أشرنا إليها، وانتهت بانتصارهم. وترجع هذه الهزيمة إلى أن حركة المقاومة التى تزعمتها «أوفات» لم تكن منبعثة عن وحدة وتعاون فعال بينها وبين الممالك الإسلامية، ولذلك هزمهم الأحباش من أول لقاء، بل يقال إن إمارتين إسلاميتين عاونتا ملك الحبشة فى هجومه الذى انتهى بنهب «عَدَل» وعَقْد هدنة بين الطرفين، وكان من الممكن أن تكون هذه الحرب هى القاضية لولا تدخل سلطان «مصر» المملوكى الذى هدد بقطع العلاقات وعدم الموافقة على تعيين «المطران» الذى طلبه الأحباش، وكان يعين من قبل بطرك مصر، وأثمر هذا التدخل، فقَبِل الأحباش الهدنة مع «أوفات». استطاع المسلمون تقوية مراكزهم ودعم سلطانهم على طول منطقة

الساحل، وكانوا يرتقبون فرصة ضعف أو تخاذل فى صفوف أعدائهم، وعندما علموا بوفاة ملك «الحبشة» عام (698هـ = 1299م)، قام شيخ مجاهد يدعى «محمد أبو عبدالله» بحشد طائفة كبرى من قبائل «الجَلا» و «الصومال» وأعدهم للجهاد، وقام بغزو الحبشة، ولم تعمد الحبشة إلى المقاومة بسبب بعض المتاعب الداخلية، واضطر ملكها إلى التنازل للمسلمين عن بضع ولايات على الحدود نظير الهدنة، ولم يكن سلاطين «أوفات» ليقنعوا بالهدنة، وخاصة أن قوتهم قد ازدادت، فلم يستطع الملك الحبشى «ودم أرعد» (698 - 714هـ = 1299 - 1314م) أن يرد هجماتهم. ورأت «أوفات» أن تظهر قوتها للحبشة بل وتتوسع فى أملاكها وتقضى على عدوانها، فتقدم السلطان «حق الدين» وتوغل فى أملاك الحبشة وغزا بعض الولايات المسيحية؛ مما جعل ملك الحبشة يقوم بغزو «أوفات» فى عام (728هـ = 1328م) وهاجمها من جميع الجهات وأسر «حق الدين» ووضع يده على مملكته وعلى «مملكة فطجار» الإسلامية وجعلهما ولاية واحدة وعين عليها «صبر الدين» وهو شقيق «حق الدين» بشرط الاعتراف بسيادة الحبشة. غير أن «صبر الدين» لم يطق صبرًا على هذه التبعية وكوَّن حلفًا إسلاميا من إمارتى «هدية» و «دوارو»، ثم تقدم لغزو الحبشة واستولى على كثير من الغنائم، وهدد ملك الحبشة الذى خرج على رأس جيشه وهاجم الحلفاء منفردين بادئًا بإمارة «هدية»، فحطمها قتلا ونهبًا وأسرًا، وأرغمها على الخروج من الحلف، وحمل ملكها أسيرًا إلى عاصمته، ثم تقدم إلى «أوفات» ودخلها ودمرها ونهب معسكر المسلمين فيها، ثم تقدم إلى «فطجار» واستولى عليها وعلى مملكة «دوارو». وعلى ذلك يمكن القول بأنه فى هذه الفترة انتهى استقلال الممالك الإسلامية فى «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دوارو». وعين عليها ملك الحبشة «جلال الدين» أخا «صبر الدين» حاكمًا، فقبل على أن يكون تابعًا للحبشة، وهكذا اتسعت مملكة الحبشة وضعف أمر المسلمين.

وفى غمرة هذا الصراع الدموى اتفقت كلمة المسلمين بين عامى (1332 و 1338م) على الاستنجاد بدولة المماليك فى «مصر»، وذلك بإرسال سفارة إلى سلطان «مصر» «الناصر محمد بن قلاوون» برئاسة «عبدالله الزيلعى» ليتدخل السلطان فى الأمر لحماية المسلمين فى بلاد «الزيلع». فطلب «الناصر محمد» من بطرك الإسكندرية أن يكتب رسالة إلى ملك الحبشة فى هذا الصدد. غير أن ملك الحبشة لم يكفَّ عن مهاجمة المسلمين الذين لم يتوانوا في انتهاز الفرص للثأر منه. وتحالفت إمارتا «مورا» و «عدل» مع بعض القبائل البدوية وأخذوا يشنون حربًا أشبه بحرب العصابات، وأخذ ملك الحبشة فى مطاردتهم وتقدم فى أراضى «مورا» الإسلامية، حتى وصل إلى مدينة «عَدَل» وقبض على سلطانها وذبحه، فتقدم أولاد السلطان الثلاثة إلى ملك الحبشة مظهرين الخضوع. وفى تلك الأثناء انتاب إمارة «أوفات» بعض الفتن الداخلية بسبب النزاع على العرش بين أفراد الأسرة الحاكمة، وانتهى النزاع بانفراد «حق الدين الثانى» وإعلان استقلاله عن الحبشة، واستطاع أن يهزمها ويردها عن إمارته فترة طويلة حتى هُزم ومات عام (788هـ = 1386م)، والتف المسلمون للمرة الأخيرة حول خليفته وأخيه «سعد الدين»، واستأنفوا حركة الجهاد ودحروا الأحباش، وتوغلوا فى أرض «أمهرة» (مملكة النجاشى) لكن «سعد الدين» هُزم فى معارك تالية، واضطر إلى الفرار إلى جزيرة «زيلع» حيث حوصر وقتل عام (805هـ = 1402م) نتيجة لخيانة رجل دلَّهم على مكمنه. ويعتبر احتلال الأحباش لزيلع بمثابة إسدال الستار على سلطنة أوفات التى احتلها الأحباش نهائيا، ولم يعد يسمع بها أحد، وانتهى دورها فى الجهاد، وتفرق أولاد «سعد الدين» العشرة مع أكبرهم «صبر الدين الثانى»، وهاجروا إلى شبه الجزيرة العربية حيث نزلوا فى جوار ملك اليمن «الناصر أحمد بن الأشرف» الذى أجارهم وجهزهم لاستئناف الجهاد ضد الحبشة، فعادوا إلى إفريقيا حيث انضم إليهم

من بقى من جنود والدهم، فقوى أمرهم واستأنفوا النضال واتخذوا لقبًا جديدًا هو لقب «سلاطين عَدَل».

9 - 15:سلطنة عدل الإسلامية

الفصل الخامس عشر *سلطنة عَدَل الإسلامية [817 - 985هـ = 1414 - 1577م]: كانت «عَدَل» إقليمًا من الأقاليم التى خضعت لسلاطين «أوفات». وليس ببعيد أن تكون قد تأسست فيها إمارة محلية تدين بالولاء لبنى ولشمع، ويبدو أن موقعها المتطرف قد ساعد على نجاتها من التوسع الحبشى الذى أطاح بالإمارات السابقة. وكان طبيعيا أن يأوى «بنو سعد الدين» إلى إقليم قريب من البحر يتيح لهم الاتصال ببلاد اليمن بعيدًا عن مناطق النفوذ الحبشى. وكانت تلك السلطنة تضم البلاد الواقعة بين ميناء «زيلع» و «هرر» وتشمل ما يعرف بالصومال الشمالى والغربى وإقليم «أوجادين»، وسميت هذه البلاد «بر سعد الدين» تخليدًا لسعد الدين الذى مات بزيلع ودفن بها. استأنف سلاطين «عَدَل» الجهاد مرة أخرى فى عهد «صبر الدين الثانى» الذى اتخذ مدينة «دَكَّر» عاصمة له، واستطاع الاستيلاء على عدة بلاد حبشية فيما يعرف بحرب العصابات، وبعد وفاته عام (825هـ = 1422م) خلفه أخوه «منصور» المتوفى سنة (828هـ = 1425م) الذى بدأ عهده بحشد عدد كبير من مسلمى «الزيلع» وهاجم بهم ملك الحبشة وقتل صهره وكثيرًا من جنده، وحاصر منهم نحوًا من ثلاثين ألفًا مدة تزيد على شهرين، ولما طلبوا الأمان خيَّرهم بين الدخول فى الإسلام أو العودة إلى قومهم سالمين، فأسلم منهم نحو عشرة آلاف وعاد الباقون إلى بلادهم، ولم يقتلهم «منصور» ولم يستعبدهم كما كان يفعل ملوك الحبشة بجنود المسلمين الذين كانوا يقعون فى أسرهم. لكن ملك «الحبشة» «إسحاق بن داود» أعد جيشًا كبيرًا وهجم به على «منصور» وقواته وهزمها هزيمة شنيعة لدرجة أن السلطان «منصور» وقع هو وأخوه الأمير «محمد» فى أسر «إسحاق» عام (828هـ = 1425م). ولكن راية الجهاد ضد عدوان الأحباش لم تسقط بهذه الهزيمة، فقد قام أخ للسلطان الأسير وهو السلطان «جمال الدين» برفع راية الجهاد من جديد. وانتصر على ملك الحبشة فى مواقع كثيرة، ولكن أبناء عمه حقدوا

عليه ربما رغبة فى النفوذ والسلطان الذى حرموا منه فاغتالوه فى عام (836هـ = 1432م)، فتولى الحكم بعده أخوه السلطان «شهاب الدين أحمد بدلاى» الذى عاقب القتلة وحارب الأحباش واسترد إمارة «بالى» الإسلامية من أيديهم، ولكنه وقع صريعًا أمام الأحباش فى (848هـ = 1444م) نتيجة لخيانة أحد الأمراء الذين أظهروا التحالف معه. ومن ثم تمكن الأحباش من اجتياح سلطنة «عَدَل» وبقية الممالك الزيلعية الأخرى، وأصبحت الحبشة إمبراطورية كبيرة امتدت شمالا حتى مصوع وسهول السودان وضمت «أوفات» و «فطجار» و «دوارو» و «بالى» و «هدية»، ومنحت هذه الإمارات استقلالها الذاتى، وولت عليها عاملاًيسمى «الجراد» ينحدر من البيت المالك القديم. ويبدو أن الرغبة الصادقة فى الجهاد التى عرف بها الجيل الأول من سلاطين «أوفات» قد فترت عند أحفادهم سلاطين «عدل»، فقد سئموا القتال وجنحوا إلى المسالمة ولكن الشعب المسلم لم يتخل عن سياسته التقليدية فى جهاد الأحباش ومقاومتهم. وكان تخاذل سلاطين «عدل»، وتحمس الشعب للجهاد مؤذنًا ببداية الدور الأخير من أدوار الجهاد وهو دور «هرر». وتميز هذا الدور بظهور طائفة من الأمراء الأئمة أشربت قلوبهم حب الجهاد وصارت لهم السلطة الفعلية فى البلاد، وبذلك أصبح فى المجتمع العَدَلى حزبان: هذا الحزب الشعبى الذى يتزعمه الأمراء الأئمة، وذلك الحزب الذى يريد أن يسالم الأحباش ويتكون من الطبقة الأرستقراطية والتجار، وعلى رأسه سلاطين عدل التقليديون. وكان أول هؤلاء الأئمة ظهورًا هو الداعى «عثمان» حاكم زيلع الذى أعلن الجهاد بعد وفاة السلطان «محمد بن بدلاى» مباشرة عام (876هـ = 1471م)، ثم ظهر فى «هرر» الإمام «محفوظ» الذى تحدى السلطان «محمد بن أزهر الدين»، واشتبك مع الأحباش، غير أن البرتغاليين ظهروا على مسرح الأحداث وفاجئوا «زيلع» وأغاروا عليها وانتهى الأمر بفشل حركة «محفوظ»، وباغتيال السلطان «محمد» سنة (924هـ = 1518م).

وفى بداية القرن (16م) ظهرت تطورات كان لها تأثيرها فى مسرح الأحداث بين المسلمين والأحباش، تمثلت فى ظهور الأتراك العثمانيين وقيام حركة الكشوف الجغرافية بزعامة الملاحين البرتغاليين، كذلك أدخلت الأسلحة النارية إلى منطقة الأحداث فى بلاد «الزيلع» و «الحبشة»، وأهم من هذا كله إسلام قبائل البدو من الأعفار والصومالى، ودخولها ميدان الجهاد، ووقوفها وراء الإمام الذى رشحته الأحداث لتزعم حركة الجهاد الإسلامى فى ذلك الدور، وهو الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى الأشول. اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد الأمور فى سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة موفقة جمعت الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه وخاصة فى توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى مصارفها الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء والعلماء، كما كسب أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه. بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع الإمام «أحمد القرين» أن يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم وعزم على رد عادية الأحباش، وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها، وتمكن من التوغل فيها حتى وصل إلى أقاليمها الشمالية، ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان أولها فى عام (933هـ = 1527م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ بداية الجهاد. وفى عام (934هـ = 1528م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا حاسمًا على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد الحبشة نهائيا. ففى سنة (938هـ = 1531م) دخل «دوارو» و «شوا» و «أمهرة» و «لاستا». وفى سنة (940هـ = 1535م) سيطر المسلمون على جنوب الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى» للمرة الأولى وأصبح مصير

الأحباش فى كفة الميزان. وفى هذا الوقت كان الزحف البرتغالى قد وصل إلى البحر الأحمر فاستنجد بهم الأحباش عام (942هـ = 1535م) فأرسل إليهم ملك البرتغال نجدة عسكرية وصلت البلاد عام (948هـ = 1541م)، وتقابل المجاهدون بقيادة «أحمد القرين» مع الأحباش والبرتغاليين فى عدة مواقع عام (949هـ = 1542م)، لكنه هُزم وتكررت هزيمته فى العام التالى حيث استشهد وتفرقت جموعه، ونجت الحبشة من السقوط، ولم يعد المسلمون مصدر خطر جدى يهدد الأحباش، ومع ذلك فإن حركة الجهاد لم تمت بموت «أحمد القرين»، بل استأنفها خلفاؤه من بعده وخاصة فى عام (966هـ = 1559م) بقيادة الأمير «نور» الذى اتخذ لقب أمير المؤمنين، والسلطان الأسمى المسمى «عليَّا» سليل أمراء «عَدَل» السابقين، لكن هذه الجهود باءت بالفشل. وكانت انتفاضة «هرر» الأخيرة عام (985هـ = 1577م) حينما تحالفت مع أحد ثوار الأحباش للنيل من ملك الحبشة، وحدثت موقعة انتهت بمقتل «محمد الرابع» آخر أمراء «هرر» عند نهر «ويبى»، وانتهت هرر كقوة سياسية ذات شأن، فى الوقت الذى استطاع فيه الأحباش أن يقضوا على خطر الأتراك العثمانيين أيضًا بهزيمتهم وعقد هدنة معهم عام (997هـ - 1589م) واكتفى العثمانيون بالسيطرة على «مصوع» و «سواكن»، وبذلك انتهى الصراع فى الحبشة لصالح الأحباش. وإذا كانت هذه الحركة لم تحقق أهدافها بالقضاء على مملكة الحبشة نهائيا، إلا أنها أثبتت عمق الشعور الإسلامى فى نفوس أهل شرق إفريقيا وعمق تمسكهم بالإسلام، فقد دأبوا على الجهاد وأصروا عليه طيلة أربعة قرون، وظهر أثر العلماء والفقهاء وأصبحت لهم الزعامة فى المجتمع فى ذلك الوقت. وعلى الرغم من هذه الهزيمة التى منى بها المسلمون فى منطقة القرن الإفريقى وانصراف اهتمام العثمانيين إلى أوربا والعالم العربى، فإن المسلمين الزيالعة بقيت لهم بعض سلطناتهم وبلادهم. ذلك أن الصراع الذى اندلع بينهم وبين الأحباش أنهك الطرفين معًا؛

مما هيأ الفرصة لدخول قبائل الجلا الوثنية القادمة من الجنوب، فاحتلت «هرر» واستقرت فى النصف الجنوبى من دولة الحبشة، ثم أسلمت هذه القبائل أخيرًا، ولكن أوربا الغربية أعانت الأحباش على المسلمين فى القرن التاسع عشر الميلادى، وخاصة فى عهد «منليك الثانى» الذى استولى على سلطنة «هرر» فى عام (1302هـ = 1885م) وعلى غيرها من البلدان الإسلامية، ثم استولى الأحباش على سلطنة «أوسا»، ثم على «إريتريا» و «إقليم الأوجادين الصومالى» فى القرن العشرين. وظل الأمرعلى هذا النحو حتى نالت هذه البلاد استقلالها وتحررت من نير الأحباش، وإن كان بعضها لايزال تحت سيطرتهم حتى الآن.

9 - 16:الإسلام والسلطنات الإسلامية فى منطقة الساحل الشرقى لإفريقيا

الفصل السادس عشر *الإسلام والسلطنات الإسلامية فى منطقة الساحل الشرقى لإفريقيا: كما واجه المسلمون والسلطنات الإسلامية السابقة الخطر الصليبى الحبشى فى منطقة «القرن الإفريقى»؛ واجه المسلمون والسلطنات الإسلامية فى «مقديشيو»، وعلى طول الساحل الجنوبى الشرقى من القارة خطرًا صليبيا آخر لا يقل خطرًا، وهو الخطر البرتغالى، ولذلك تميزت الحركات الإسلامية سواء هنا أو هناك، بأسلوب الجهاد الذى اتبعته حتى تحافظ على كيانها. ولاشك أن هذا الأسلوب كان من العوامل التى أذكت الحماسة الدينية فى نفوس المسلمين، وساعدت على نشر الإسلام فى تلك المناطق، وخير دليل على ذلك هو إسلام قبائل «الأعفار» و «الصومال» و «الجلا»، وغيرها من القبائل الزنجية فى بداية العصر الحديث، ثم قيام هذه القبائل بتولى عبء الدفاع عن الإسلام سواء ضد الخطر الحبشى فى الشمال أو الخطر البرتغالى القادم من الجنوب. وسوف نتحدث عن السلطنات الإسلامية التى قامت على طول الساحل الشرقى لإفريقيا، بدءًا من «مقديشيو» وحتى نهر «الزمبيرى» فى «موزمبيق»، وتتمثل هذه السلطنات فى ثلاث هى: «سلطنة مقديشيو» و «سلطنة بات»، و «سلطنة كلوة». سلطنة «مقديشيو» الإسلامية (الصومال): كانت بلاد «الصومال» تعرف فى العصور الوسطى باسم «سلطنة مقديشيو». وينتمى الصوماليون إلى العنصر الكوشى الحامى، ومنهم قبائل «الجَلا» و «الدناكل»، وهؤلاء اختلطوا بالعناصر السامية التى هاجرت من جنوب بلاد العرب قبل الميلاد، وبالزنوج البانتو، وتكون منهم «شعب الصومال». وبعد ظهور الإسلام تدفقت القبائل العربية على تلك المنطقة، إما بهدف التجارة أو نشر الإسلام أو الإقامة فرارًا من الانقسامات السياسية، وأقام هؤلاء المهاجرون العرب مراكز تجارية على طول الساحل الشرقى الإفريقى؛ فى «مقديشيو» و «براوة» و «سوفالة»، و «بات» و «ممبسة» و «مالندى» و «كلوة» وغيرها، وعلى أيديهم نشأت معظم هذه المدن.

وقد سبقت الإشارة - عند الحديث عن الهجرات العربية إلى ساحل شرق إفريقيا - إلى هجرتين وصلتا إلى ساحل «الصومال»، وهى «هجرة الزيدية» التى أقبلت إلى «الصومال» بعد مقتل زعيمهم «زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب» رضى الله عنهم، ثم هجرة الإخوة السبعة من «بنى الحارث» ومن معهم من العرب إلى بلاد «الصومال» فى عام (292هـ = 903م). والهجرة الأخيرة كانت أبقى أثرًا فى تاريخ «الصومال»، إذ إنها أقامت «سلطنة مقديشيو» الإسلامية. وقد كانت «مقديشيو» أول مدينة عربية بناها «بنو الحارث» على «ساحل بنادر» عام (295هـ = 907م)، وتلتها مدينة «براوة» حوالى عام (365هـ = 975م). وتشير بعض المصادر إلى مواضع مدن أخرى مثل «قرفاوة»، و «النجا»، و «بذونة»، و «ماندا» فى جزيرة «ماندا»، و «أعوزى»، و «شاكة» قرب دلتا نهر «تانا»، وقد بنى «بنو الحارث» هذه المدن فى سنوات متفاوتة وأسسوا فيها سلطنة استمروا فى حكمها معظم فترات العصور الوسطى، فكان حكام «سلطنة مقديشيو» عند قدوم البرتغاليين من سلالة الإخوة السبعة، بل إن فيها حتى اليوم سبع عشائر تعود بأصولها إليهم. وفى عهد هذه الأسرة الحاكمة صارت «مقديشيو» سلطنة قوية ذات شوكة ونفوذ على عربان الساحل وعلى المدن التى تحيط بها، وكان تجارها أول من وصلوا إلى بلاد «سفالة»، واستخرجوا منها الذهب، مما درَّ عليهم أموالا كثيرة، استفادوا منها فى تطوير «مقديشيو» فحلت المنازل المشيدة بالأحجار على الطراز العربى محل المبانى الخشبية ومحل المساكن المتخذة من القش المغطى بجلود الحيوانات. وكانت «مقديشيو» فى عهدهم بمثابة العاصمة لجميع البلاد المجاورة ومركزًا للمدن العربية الأخرى التى امتدت على طول الشاطئ، فكانت جموع الناس ترد على «مقديشيو» من هذه المدن، فيجتمعون فى مسجدها الجامع حيث يؤدون صلاة الجمعة، مما يدل على أهمية مركز «مقديشيو» الدينى والثقافى عند سكان الساحل جميعًا، حتى

اعتبرت العاصمة الثقافية لساحل الزنج كله، وزعيمة عرب هذا الساحل؛ نتيجة لما وصلت إليه من قوة ونفوذ، ولما قامت به من دور مهم فى نشر العروبة والإسلام. وعندما وصل الشيرازيون المهاجرون بقيادة «على بن حسن بن على» إلى «مقديشيو» بعد حوالى سبعين عامًا من بنائها، لم يستطيعوا دخولها لحصانتها ومنعتها فتركوها واتجهوا جنوبًا إلى «كلوة»؛ حيث أقاموا هناك سلطنة إسلامية، فكانت هى و «مقديشيو» أهم مدينتين على الساحل من القرن العاشر إلى الخامس عشر الميلادى، ولم تستطع إحداهما أن تسيطر على الساحل سيطرة كاملة. وعند قدوم «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» كانت تسيطر عليها قبيلة الأجران الصومالية، وكان سلطانها يسمى «أبا بكر بن الشيخ عمر»، ويبدو أن سيطرة هذه الأسرة كان أمرًا عارضًا؛ بدليل أن البرتغاليين عندما قَدِموا إليها كان حكامها من أسرة «المظفر» من «بنى الحارث» الذين أسسوها من قبل. ونظرًا لطول مدة حكم هذه الأسرة فقد كانت لها جهود كبيرة فى تعريب كثير من القبائل الصومالية خاصة الساحلية، التى دخلت فى الإسلام على أيديهم، ذلك أن هذه القبائل وخاصة قبيلة «الأجران» كانت تربطها بأسرة «المظفر» الحارثية صلات تجارية كبيرة. ولاشك أن هذه العلاقات التجارية لابد أن تؤتى ثمارها فى نشر الإسلام بين هذه القبيلة وغيرها من القبائل الصومالية، التى اتصلت بسلطنة «مقديشيو» الإسلامية، التى أكثرت من إنشاء المساجد والجوامع التى لايزال بعضها باقيًا حتى الآن، منها مسجد عليه كتابة تبين تاريخ تأسيسه وهو سنة (637هـ = 1239م)، أى قبل مرور «ابن بطوطة» بها بنحو قرن من الزمان، ولعله «مسجد عبدالعزيز» الذى بُنى فى «مقديشيو» منذ سبعمائة عام تقريبًا، ولازال موجودًا حتى الآن. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن بلاد الصومال بفضل ما كتبه عنها الرحالة والجغرافيون العرب، مثل: «المسعودى» و «الإدريسى»

و «ابن بطوطة» الذى أمدنا بوصف دقيق لعدد من المدن الإفريقية وأحوال سكانها المسلمين، ولاسيما «مقديشيو»، التى زارها عام (1332م) و «زيلع» التى قال عنها: «إنه يسكنها طائفة من السودان شافعية المذهب وهى مدينة كبيرة، لها سوق عظيمة لها رائحة غير مستحبة بسبب كثرة السمك ودماء الإبل التى ينحرونها فى الأزقة والطرقات». ثم أقلع «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» واستقر بها أسبوعًا، وأتيح له أن يتصل بقاضيها وعلمائها وسلطانها الشيخ «أبى بكر ابن الشيخ عمر» الذى استضافه مدة إقامته، وقد أمدنا بمعلومات كثيرة عن طعام أهلها وفاكهتها وملابس شعبها وتقاليد سلطانها فى مواكبه ومجالسه، وعن مجالس الفقهاء والعلماء وذوى الرأى، وعن كيفية نظرهم فى شكوى الناس، وتطبيقهم للشريعة الإسلامية. بعد ذلك يصف «ابن بطوطة» الازدهار الاقتصادى الذى كانت تنعم به سلطنة «مقديشيو» الإسلامية فيقول: «إن هذه المدينة مدينة واسعة كبيرة يمتلك أهلها عددًا وافرًا من الجِمال والماعز، ينحرون منها مئات كل يوم، وإنهم تجار أغنياء أقوياء، بعضهم يقوم بصناعة ثياب جميلة لا نظير لها تُصدَّر إلى مصر وغيرها من البلاد». وكى يشجعوا التجار على القدوم إلى بلادهم كان من عادتهم أنه متى وصل مركب أو سفينة محملة بالتجار والبضائع إلى ميناء «مقديشيو» يركب شباب هذه المدينة فى قوارب صغيرة ويحمل كل منهم طبقًا مُغطى فيه طعام، فيقدمه لتاجر من التجار القادمين على هذه السفن ويقول «هذا نزيلى» فينزل معه هذا التاجر إلى داره، ويساعده هذا الشاب فى عمليات البيع والشراء، مما أدى إلى رواج تجارتهم مع الأقطار الخارجية. وقد استمرت سيادة «مقديشيو» على ساحل «بنادر» حتى القرن السادس عشر الميلادى حينما فقدت أهميتها وانحطت منزلتها كمركز تجارى، خاصة بعد انتشار التجارة بين عدة مدن ساحلية أخرى منافسة لمقديشيو، وتعرضها والمنطقة للخطر البرتغالى، فقد ضرب

«فاسكودى جاما» «مقديشيو» بالمدافع فى أثناء عودته من «الهند» عام (1498م)، ثم استولى أحد قواد البرتغال على مدينة «براوة» عام (1507م)، وحاول الاثنان الاستيلاء على «مقديشيو» لكنهما فشلا، وغزا «لوبى سواريز» «زيلع» عام (1515م) وأضرم فيها النار، كما حاصر البرتغاليون «بربرة» عام (1516م). وهكذا نرى أن البرتغاليين قادوا حربًا صليبية ضد المسلمين فى شرق إفريقيا و «الصومال»، ومن المدهش حقا أنه كان من نتائج تلك الحملة الوحشية انتشار الإسلام، ذلك لأن السكان المسلمين الذين تركوا الساحل أمام نيران المعتدين البرتغاليين لجئوا إلى الداخل، حيث اختلطوا بالقبائل الصومالية ونشروا الإسلام بينها، فنتج عن ذلك «شعب الصومال» المسلم، وبسبب كثرة الهجرات العربية من بلاد «اليمن» و «الحجاز» وامتزاجها بأهل تلك البلاد؛ انتشرت اللغة العربية والدم العربى بدرجة كبيرة، وأصبحت العربية هى لغة التخاطب بجانب اللغة المحلية، وكانت قبائل «الصومال» بعد اعتناقها الإسلام هى السند والحصن الذى لجأ إليه «أحمد القرين» فى صراعه ضد ملوك «الحبشة»، مما يدل على تمسك شعب الصومال بالإسلام ودفاعهم عنه دفاعًا قويا، ولا غرو فالصومال الآن كما هو معروف إحدى دول الجامعة العربية.

9 - 17:سلطنة كلوة الإسلامية

الفصل السابع عشر *سلطنة كلوة الإسلامية [365 - 911هـ = 975 - 1505م]: قامت هذه السلطنة نتيجة هجرة قدمت من «شيراز» بفارس، كان على رأسها «على بن حسن بن على» وأبناؤه الستة، حيث كانوا على متن سفنهم بما فيها من بضائع بقصد التجارة، ولما وصلوا إلى «جزيرة كلوة» التى تقع أمام الساحل الشرقى لإفريقيا، وهى ضمن دولة «تنزانيا» الآن، استقروا فيها منذ عام (365هـ = 975م)، ووفد عليهم كثير من العرب، وكان هؤلاء الوافدون يفضلون المعيشة فى الجزر لسهولة الدفاع عنها والاعتصام بها إذا ما حاول الأهالى الساكنون فى البر الإفريقى الاعتداء عليهم، وعند وفاة «على بن حسن بن على الشيرازى» كان نفوذه يمتد إلى مدينة «سوفالة» فى الجنوب، وإلى «ممبسة» فى الشمال، وبعد وفاته اعتدى الأهالى على ابنه، واضطروه إلى الفرار إلى «زنجبار» عام (1020م) وبعد قليل جمع السلطان المطرود جنوده وعاد بهم إلى «كلوة» ودخلها مرة ثانية، وازدهرت المدينة خلال القرن التالى بسبب تجارة العاج والذهب الذى كان يُصدَّر من «سوفالة» التى تقع جنوب نهر «الزمبيرى»، أى جنوب «كلوة» وحرمت «مقديشيو» من تلك التجارة التى كانت تحصل عليها من «سوفالة»، وخاصة فى عهد السلطان «داود بن سليمان» سلطان «كلوة» (1130 - 1170م)، وبذلك صارت الزعامة السياسية والاقتصادية لكلوة، ويعتبر القرنان الثانى عشر والثالث عشر الميلاديان هما العصر الذهبى لتلك السلطنة الزنجية الإسلامية، فقد أصبحت «كلوة» عروس الشاطئ الإفريقى، وقام سلطانها بسك النقود، وقد عثر فى «كلوة» و «مافيا» و «زنجبار» على نحو (10000) قطعة نحاسية من هذه النقود. ولما كان مؤسسو «كلوة» الأوائل من الشيرازيين الفرس، فلا غرو أن يكون لهم تأثير كبير على أسلوب الحضارة الذى ازدهر هناك خلال القرون من العاشر إلى الثالث عشر الميلادى، فظهر الأسلوب الفارسى فى البناء بالحجارة، وفى صناعة الجير والأسمنت

واستخدامهما فى البناء، وفن النقش على الخشب، ونسج القطن، وشيدوا عدة مساجد ومبانٍ جميلة الطراز، مازال بعض مخلفاتها باقيًا حتى الآن، ولكن الأثر العربى تغلب بعد ذلك بسبب كثرة الهجرات العربية واستقرارها. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن هذه السلطنة من الوثائق التاريخية المهمة وبفضل ما كتبه عنها الرحالة والجغرافيون العرب كالمسعودى، و «الإدريسى»، و «ابن بطوطة» الذى زار مدينة «كلوة» و «ممبسة». وقال عن الأخيرة: «إنها جزيرة كبيرة بينها وبين أرض الساحل مسيرة يومين فى البحر، وأشجارها: الموز والليمون والأترج، وأكثر طعام أهلها السمك والموز، والقمح يأتى لهم من الخارج لأنهم لايزرعون. وهم شافعيون يعنون بأمور دينهم ويشيدون المساجد من الأخشاب المتينة». وبعد أن قضى «ابن بطوطة» ليلة فى «ممبسة» ركب البحر إلى مدينة «كلوة»، وقال عنها: «إنها مدينة كبيرة، بيوتها من الخشب، وأكثر أهلها زنوج مستحكمو السواد، وهم شافعيون، ويحكمها السلطان «أبو المظفر حسن»، وقد كان فى قتال دائم مع السكان المجاورين، وعرف بتقواه وصلاحه، كما كان محسنًا كريمًا». ولم يكن السلطان «أبو المظفر حسن» الذى زار «ابن بطوطة» «كلوة» فى عهده فارسى الأصل، بل كان من أصل عربى صميم، فهو من بيت «أبى المواهب الحسن بن سليمان المطعون بن الحسن بن طالوت المهدلى» اليمنى الأصل. وقد انتقل الحكم من البيت الفارسى إلى هذا البيت العربى منذ عام (676هـ = 1277م)، وظل هذا البيت يحكم هذه السلطنة حتى جاء البرتغاليون وقاموا بغزوها فى عام (1505م). وقد ازدادت الهجرات العربية فى عهد هذا البيت العربى الحاكم فى «كلوة»، مما جعل الطابع العربى يتغلب على الطابع الفارسى فى مظاهر الحياة المختلفة، فاللغة الغالبة هى اللغة العربية التى كانت تُكتَب بها سجلات «كلوة» بجانب اللغة السواحلية، كما كان المذهب الدينى السائد هو المذهب الشافعى السُّنى وليس المذهب الشيعى،

الذى أتى به البيت الحاكم الأول على يد «على بن حسن بن على الشيرازى»، وما زالت أغلبية المسلمين فى هذه المنطقة من السُّنة الشافعية حتى الآن. على أية حال فقد انفعل سلاطين هذه السلطنة سواء أكانوا من الفرس أم من العرب بالحياة والتقاليد الإسلامية كل الانفعال، فأكثروا من بناء المساجد والمدارس، واهتموا بالعلوم الإسلامية، واستقدموا العلماء ورحبوا بالأشراف والصالحين، كما شاركوا فى الجهاد ضد الوثنيين الذين كانوا يقيمون فى الداخل، وقد أشار إلى ذلك «ابن بطوطة» وقال: «إن سلطانها كان كثير الغزو إلى أرض الزنوج، يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيُخرج خمسها ويصرفه فى مصارفه المعينة فى كتاب الله تعالى، ويجعل نصيب ذوى القربى فى خزانة على حدة، فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم، وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها .. وكان هذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع الفقراء ويأكل معهم ويعظم أهل الدين والشرف». غير أن ازدهار «كلوة» لم يتجاوز منتصف القرن الرابع عشر؛ إذ أخذ نجمها فى الأفول بسبب تعرضها لبعض الاضطرابات الداخلية، وبدأت مدينة «بات» فى شمالها تقوى وتثرى لانتقال تجارة الذهب إليها، وأخذت فى التوسع صوب «كلوة» فى عهد أسرة «بنى نبهان» العربية التى أسست سلطنة قوية فى مدينة «بات» فرضت سلطانها على كثير من بلاد الساحل الشرقى لإفريقيا، كذلك قام حاكم «سوفالة» بالتخلص من سيادة «كلوة» وأعلن استقلاله عنها، وانتهى الأمر إلى نزوح بعض العرب من «مالندة» (مالندى) إلى «كلوة» وتولوا مناصب الوزراء والأمراء وأبقوا على السلطان الذى لم يكن له من الحكم إلا الاسم فقط، وقام الصراع بين أفراد البيت الحاكم على منصب السلطان فى القرن الخامس عشر الميلادى، وتعاقبوا على العرش الواحد بعد الآخر، وقل المال حتى إن الحكومة لم تجد ما تنفقه على إصلاح المسجد الكبير بعد أن أصابه الخراب.

وقد أعطى كل هذا الفرصة للبرتغاليين للسيطرة على مقاليد الأمور فى البلاد، ففى عهد «فضيل بن سليمان» آخر سلاطين «كلوة» الذى بلغ عددهم (29) سلطانًا احتل البرتغاليون مدينة «كلوة» عام (1505م)، وفى أخريات القرن السابع عشر وقعت «كلوة» تحت سيادة سلاطين عُمان الذين قضوا على النفوذ البرتغالى فى بلادهم ثم فى شرق إفريقيا. ولما فصل هؤلاء السلاطين ممتلكاتهم الأسيوية عن ممتلكاتهم فى إفريقيا فى عام (1856م) آلت «كلوة» إلى سلطان «زنجبار» العُمانى، ثم استولى عليها الألمان عام (1885م)، وفى عام (1919م) أصبحت جزءًا من «تنجانيقا» (تنزانيا الحالية).

9 - 18:سلطنة بات النبهانية فى شرق إفريقيا

الفصل الثامن عشر *سلطنة بات النبهانية فى شرق إفريقيا [600 - 1278هـ = 1203 - 1861م] ظهرت هذه السلطنة على مسرح التاريخ نتيجة لهجرة عربية وفدت من «عُمان» إلى ساحل شرقى إفريقيا فى أوائل القرن السابع للهجرة الثالث عشر الميلادى؛ حيث كونت سلطنة إسلامية نبهانية فى «بات» تولت حكم شطر كبير من هذا الساحل، وظلت موجودة حتى عام (1278هـ = 1861م). والنباهنة قوم من العتيك من الأزد فى «عُمان» كانوا قد استولوا على مقاليد السلطة هناك بعد أن دبت الفوضى فى البلاد وانقسم العمانيون إلى طائفتين متخاصمتين، وحكم النباهنة عمان نحوًا من خمسمائة عام، حيث قامت دولتهم هناك عام (500هـ= 1106م) أو عام (506 هـ= 1112م) واستمرت حتى نهاية القرن العاشر الهجرى عندما قامت دولة اليعاربة فى عُمان عام (1024هـ = 1615م). ويبدو أن الدولة النبهانية فى عمان قد مرت بأطوار من القوة والضعف بسبب الصراع الداخلى على الحكم، وكان الطور الأول يشمل مدة قرن من الزمان والذى انتهى بهجرة أحد ملوك النباهنة، وهو على أرجح الأقوال «سليمان ابن سليمان بن مظفر النبهانى» إلى ساحل شرقى إفريقيا فى عام (600 - 611هـ) واستقر هو وأتباعه فى مدينة «بات» التى تقع فى «أرخبيل» لامو (فى كينيا الآن). وأقاموا سلطنة هناك وحكموا جزءًا كبيرًا من الساحل متخذين من «بات» مقرا لسلطنتهم، وذلك بعد أن استطاع أول سلطان لهم هناك، وهو «سليمان بن سليمان بن مظفر النبهانى»، أن يتزوج أميرة سواحيلية، ليست فارسية، هى ابنة «إسحاق» حاكم «بات» فى ذلك الحين، وعن طريق زوجته ورث الملك، كما يقال: إن والدها تنازل له عن الحكم فأصبح الحاكم الشرعى لبات، ومن ثم نقل بلاطه من عُمان إلى شرق إفريقيا. وقد نمت هذه السلطنة واتسعت فى عهد أبنائه وأحفاده، ففى عهد السلطان «محمد الثانى بن أحمد» (690 - 732هـ = 1291 - 1331م) توسعت السلطنة شمالا بعد حملات ناجحة قام بها هذا السلطان أخضع

فيها كل المدن الساحلية التى تقع شمالى «بات» حتى «مقديشيو» وعين حاكمًا لكل منها. وفى عهد ابنه السلطان «عمر الأول» (732 - 760هـ = 1331 - 1358م)،توسعت السلطنة جنوبًا؛ حيث أخضع المدن الساحلية بما فيها «كلوة»، ووصل إلى جزر «كيرمبا» جنوب رأس «دلجادو»، وخضعت له كل هذه المنطقة ماعدا جزيرة «زنجبار» التى لم تكن فى ذلك الوقت قطرًا مهما بدرجة تجذب انتباهه إليها. كذلك فإن حكام «مالندى» أتوا إلى «بات» ليعطوا ولاءهم لسلطانها، ودخلت أيضًا مدينة «ممبسة» والمستوطنات القريبة منها ضمن منطقة نفوذه، وهكذا أصبح السلطان «عمر بن أحمد» فى غاية القوة والنفوذ بعد أن أصبحت جميع المدن الساحلية تحت سيطرته. وقد استمرت سيطرة النباهنة على هذه المناطق وكان لهم فى كل مدينة خضعت لهم عامل أو قاضٍ يعرف باسم «ماجومب» بمعنى الخاضع لليمب أى للقصر الملكى فى «بات»، وكانت دار الشورى فى «بات» مقرا للحكومة المركزية التى كانت تحكم كل البلاد التى خضعت لهؤلاء السلاطين الذين اتخذوا اللقب السواحيلى «بوانا فومادى»، أو «فومولوتى» ويعنى الملك أو السلطان. وقد تميزت سلطنة «بات» بنظم إدارية وتقاليد سياسية واضحة، وانفردت بتقاليد جديدة فى الملاءمة بين الضرائب وبين النشاط الاقتصادى للأهالى، إذ فرضت ضريبة إنتاج لا يتعدى مقدارها 10%، ذلك أن الدولة كانت تتقاضى وسقين أو حملين من كل عشرين وسقًا تنتجها كل جماعة مشتغلة بالزراعة، وهى الضريبة المعروفة بالعشور فى الفقه الإسلامى، كما دخلت الزراعة فى بقاع كثيرة من الساحل الإفريقى فى فترة الحكم النبهانى، وظهر كثير من النباتات التى زرعها العرب هناك مثل القرنفل وقصب السكر، كما اهتموا بالرعى وتربية الماشية والأغنام وأدخلوا تربية الإبل إلى هذه المناطق. وقد نشطت الحركة التجارية فى عهد ازدهار هذه السلطنة إلى حد كبير، وتوافد على الساحل التجار العرب من عُمان وغيرها، وكذلك

تجار الهند المسلمون، وقد عمل هؤلاء التجار بنقل الحاصلات المتوافرة فى شرق إفريقيا إلى البلدان المطلة على المحيط الهندى، وإلى الأسواق العربية فى مصر والشام والعراق، فأصبحت الدولة على جانب كبير من الثراء. وقد نتج عن هذا الثراء تطور حضارى كبير، فقد أنشأ أهل «بات» منازل كبيرة واسعة، وضعوا فيها لمبات نحاسية جميلة، كما صنعوا سلالم أو درجات مزينة بالفضة يتسلقونها أو يصعدون عليها إلى فرشهم أو سُررهم، كما صنعوا سلاسل فضية تزين بها الرقاب، وزينوا أعمدة المنازل بمسامير كبيرة من الفضة الخالصة، وبمسامير من الذهب على قمتها. وقد تجلت مظاهر هذه الحضارة العربية أيضًا فى المبانى المعمارية وتخطيط المدن وزخارف الأبواب والنوافذ، كما أدخل العرب فن النقش والحفر والنحت وعقود البناء العالية والفسيفساء المتناسقة مع الرخام الملون. وفى مجال الثقافة واللغة والعلوم والفنون ظهر فى تلك الفترة ما يعرف باللغة السواحيلية، وهى الفترة التى كانت فيها سلطنة «بات» النبهانية صاحبة السيطرة والنفوذ على معظم أجزاء الساحل الشرقى لإفريقيا كما سبق القول، مما أدى إلى وجود تأثير عربى قوى فى اللغة السواحيلية حتى فى المناطق الجنوبية التى تقع فى «تنجانيقا» و «زنجبار»، حيث ظهرت أفصح أنواع اللغة السواحيلية. ونتيجة لذلك ظهرت نظرية تقول بأن الشعب السواحيلى ولغته نشأ كل منهما حول «لامو» حيث توجد «بات»، وأن المهاجرين العرب الذين أقاموا فى «لامو» وأنشئوا هذه الإمارة تزوجوا من نساء «البانتو» واضطروا إلى استخدام عدد من الكلمات البانتوية بحكم معيشتهم اليومية مع زوجاتهم، ونشأ أولاد «مولَّدون» أى نصف عرب ونصف بانتو، مزجوا بين اللغة العربية لغة آبائهم، وبين لغة البانتو لغة أمهاتهم، ومع استمرار التزاوج والاختلاط والمصاهرة تكوَّن الشعب السواحيلى وظهرت اللغة السواحيلية التى أصبحت لغة التجارة

ولغة الحياة اليومية، وسرعان ما انتشرت هذه اللغة فى شرق ووسط إفريقيا نظرًا لغناها ومرونتها. ولاشك أن انتشار اللغة السواحيلية بين السكان الأصليين، بجانب اللغة العربية التى كانت لغة الطبقة العربية الحاكمة، كان له أثره الكبير فى نشر الإسلام وثقافته بين القبائل الإفريقية التى تقيم على الساحل، وتلك التى تقيم حول طرق القوافل الرئيسية مما جعل اللغة السواحيلية عاملا قويا فى توحيد السكان فى هذه المنطقة من القارة على اختلاف ألوانهم وتباين لغاتهم وتعدد قبائلهم وشعوبهم وأجناسهم، مما أدى إلى ظهور ثقافة مشتركة هى الثقافة السواحيلية التى غلبت عليها السمة العربية. ومن ثم فقد ساعد ذلك كثيرًا على انتشار الإسلام بين السكان المحليين وتطعيم ثقافتهم بعناصر عربية كثيرة، خاصة أن هذه اللغة كتبت بحروف عربية، واستمرت كذلك حتى جاء الاستعمار الأوربى الحديث وحوَّلها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية بهدف إيجاد فاصل بين الثقافة الإسلامية والثقافة السواحيلية الحديثة. وعندما كانت السواحيلية تكتب بحروف عربية دخلها كثير من الألفاظ العربية، وقد قدر عدد هذه الألفاظ بحوالى عشرين بالمائة من لغة التخاطب، وثلاثين بالمائة من السواحيلية المكتوبة، وخمسين بالمائة من لغة الشعر السواحيلى القديم، كما أن العرب غرسوا فى السواحيليين حب الأدب وفنون الشعر وخرج منهم شعراء وخطباء مطبوعون، وأصبح لهم أدب يعتزون به، وتكوَّن تراث كبير من الشعر والنثر السواحيلى مكتوب بالحروف العربية يشتمل على أعمال دينية ودنيوية، حتى إنهم عرفوا الشعر الغنائى (المشارى) منذ زمن بعيد يعود إلى ما قبل عام (545هـ = 1150م) ومازالوا ينظمونه، كما كتبوا شعر الملاحم المعروف باسم «التندى». كذلك مهدت اللغة السواحيلية السبيل أمام ظهور شعب جديد هو الشعب السواحيلى، وقد ساعد فى تكوين هذا الشعب ميل المستوطنين العرب إلى السلم وحبهم للسكون والاستقرار، فإن

مستوطناتهم وإماراتهم وسلطناتهم لم تقم على الفتح بل على التجارة، والتجارة كما هو معروف لا تنشط إلا فى جو من السلام والأمن والعلاقات الطيبة، كما أن أخلاق الإفريقيين، وطباعهم كانت قريبة من طباع العرب الذين اعتاد الأفارقة رؤيتهم ورؤية أحفادهم يوغلون فى البلاد ويعملون بالتجارة وينشرون الإسلام والوئام بين الناس، فظهر التآلف واتحدت الأهواء والميول، وظهر ما يعرف بالشعب السواحيلى. وقد دعم «النباهنة» هذه الثقافة السواحيلية ذات الطابع الإسلامى وذلك بالعمل على نشر التعليم الدينى فى المساجد والمدارس والكتاتيب التى وفد إليها كثير من الوطنيين الأفارقة ليحفظوا القرآن الكريم ويتعلموا الكتابة بالحروف العربية، بل ويتعلموا اللغة العربية ذاتها، حتى يتمكنوا من التعمق فى فهم عقيدة الإسلام وتراثه الدينى واللغوى، وهكذا نرى أن سلطنة «بات» النبهانية قد فرضت نفوذها على معظم أنحاء الساحل الشرقى لإفريقيا، وأنشأت حضارة إسلامية تغلغلت جنوبًا وحملها المهاجرون والتجار العرب معهم لا إلى الساحل فقط، بل إلى الجزر المواجهة له مثل جزر «كلوة» و «زنجبار» و «بمبا» و «مافيا»، مكونة بذلك دولة كبيرة تعدد سلاطينها حتى بلغ عددهم اثنين وثلاثين سلطانًا، وقد ظلت هذه السلطنة قائمة رغم مهاجمة البرتغاليين لها، وبعد طردهم برز العُمانيون فى الميدان ووضعوا أيديهم على هذا الساحل بما فيه سلطنة «بات»، وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الإنجليز واحتلوا هذه البلاد قرب نهاية القرن التاسع عشر للميلاد، حتى تحررت وصارت تعرف اليوم باسم «جمهورية كينيا».

9 - 19:الإسلام فى الجزر الإفريقية

الفصل التاسع عشر *الإسلام فى الجزر الإفريقية أما الجزر الإفريقية المواجهة للساحل الشرقى الإفريقى فقد كانت مراكز تجارية وإسلامية مهمة، زخرت بالحياة الإسلامية وانتشر فيها الإسلام بصورة قوية، فمعظم سكان «زنجبار» من المسلمين ويتبعون المذهب «الشافعى»، واللغة التى تسود البلاد هى السواحيلية وهى لغة إفريقية فى مبناها، عربية فى كثير من مفرداتها، وقد عرف العرب «زنجبار» قبل الإسلام بأعوام طويلة واستمر ترددهم عليها ولاسيما منذ القرن الثامن الميلادى، فقد هاجر إليها كثير من العرب، وكانت تحت سيطرة حكام «كلوة» الإسلامية، ثم وقعت تحت حكم البرتغاليين منذ عام (1503م) فشيدوا كنيسة كبيرة فى مدينة «زنجبار»، وقضوا على حكم دولة الزنج. ولما ازدهرت سلطنة «عُمان» فى جنوب شبه الجزيرة العربية وقضت على حكم البرتغاليين هناك وفى شرق إفريقيا، انتقل حكم «زنجبار» إلى العُمانيين وأصبحت جزءًا من أملاكهم ثم نقل السلطان «سعيد بن سلطان» مقر حكمه إليها عام (1832م)، ثم أصبحت محمية بريطانية عام (1890م)، وظل سلاطين «آل بوسعيد» يتولون حكمها تحت السيطرة البريطانية حتى نالت زنجبار استقلالها عام (1963م)، ثم انضمت إلى تنجانيقا فى اتحاد عرف باسم «تنزانيا». والإسلام هو الدين السائد فى «زنجبار»، وتقدر نسبة المسلمين بنحو (90%) من مجموع السكان، منهم الشافعية ومنهم الشيعة الإسماعيلية والإباضية. وفى كل من «زنجبار» و «بمبا» محكمة شرعية لكل منها قاضيان أحدهما سُنِّى والآخر إباضى، والمساجد كثيرة ولكل طائفة من الطوائف جمعياتها التى ترعى شئونها ومدارسها ومكاتبها لتحفيظ القرآن. ويوجد فى «زنجبار» بعض الآثار العربية والشيرازية، وأهمها بعض المساجد الكبيرة وخاصة مسجد فى قرية «كيز مكازى» والذى شيد عام (500هـ = 1107م) على الطراز الفارسى. أما جزيرة «ملجاش» التى كانت تعرف باسم «مدغشقر»، وهى أكبر

الجزر الإفريقية، فقد عرفها العرب منذ القرن التاسع الميلادى على الأقل، واختلط سكانها الأصليون بالمهاجرين العرب الذين جاءوا إليها من «زنجبار» و «جزر القمر» وغيرها، واعتنق الإسلام عدة قبائل ملجاشية، وتقدر نسبة المسلمين الآن بحوالى (20%) من السكان تقريبًا، وقد كانت من قبل مقرا لسلطنة عربية إسلامية تسمى سلطنة «مسلج» أشار إليها (جيان) وقال إن أهلها كانوا يتكونون من جالية عربية وفدت من شرق إفريقيا، وقد أشار المسعودى والإدريسى إلى هذه الجزيرة، وقالا إن فيها خلائق من المسلمين ويتوارثها ملوك من المسلمين وأن الإسلام غلب عليها. والحقيقة أن مظاهر الإسلام فى هذه الجزيرة، كانت واضحة وبارزة قبل الغزو الأوربى لها، فالمساجد كانت منتشرة بكثرة، والأهالى يحافظون على أداء الشعائر والعبادات الإسلامية، فقبيلة «الساكلافا» على سبيل المثال يصوم كل أفرادها حتى الآن مسلمون ومسيحيون شهر رمضان، على اعتبار أن الصوم من التقاليد الموروثة عندهم، وهم لايأكلون لحم الخنزير، ولاتزال أسماء زعمائهم أسماء إسلامية. وجميع المدغشقريين حتى الذين دخلوا المسيحية على أيدى الأوربيين اعتادوا أن يختنوا أولادهم، ولايزالون يتلون عند الزواج آيات من القرآن الكريم على اعتبار أن ذلك من التقاليد الموروثة أيضًا، ولايزال أهالى ثغر «ماجنقا» وجميعهم مسلمون يكتبون لغتهم بالأحرف العربية، ويتكلم بها بعضهم. أما «جزر القمر» التى تقع شمال غربى «مدغشقر» فيقدر عدد المسلمين فيها بأكثر من (95%) من مجموع السكان، والبقية مسيحيون من أصل فرنسى أو ملجاشى، وقد نزل العرب فى هذه الجزر فى القرن العاشر الميلادى، والمسلمون فيها يتبعون المذهب الشافعى ويتكلمون اللغة السواحيلية. وقد اعتنقوا الإسلام منذ القرن العاشر الميلادى، وقد غزاهم أمراء «كلوة» فى القرن الحادى عشر الميلادى واستولوا على بلادهم، ثم جاء الاستعمار البرتغالى فى

أوائل القرن السادس عشر، ولم يلبث الأهالى أن ثاروا عليه وأخرجوه من بلادهم. والمؤرخون لايزالون يتحدثون عن حسن تمسك أهل هذه الجزر بالإسلام وعن كثرة المساجد التى وصل عددها إلى (670) مسجدًا فى المدن والقرى، ويشيرون إلى انتشار الكتاتيب والمدارس التى تعلم الدين واللغة العربية بجانب اللغة السواحيلية. والعربية هى اللغة الرسمية، فبها تصدر الأوامر السلطانية وأحكام القضاة، أما السواحيلية فهى لغة التجارة. وكذلك فإن عادات الأهالى فى الزواج والختان والولادة وفى الاحتفال بالأعياد الإسلامية وبصوم شهر رمضان وبليلة القدر وبليلة الإسراء والمعراج وغيرها من المناسبات الإسلامية لا تبعد عن العادات والتقاليد التى يتبعها المسلمون فى بلدان العالم الإسلامى الأخرى، مما يدل على مدى عمق العقيدة الإسلامية فى نفوسهم، وعلى مدى الجهد الكبير الذى بذله الدعاة والتجار من العرب وغيرهم فى نشر الإسلام فى هذه الجزر، حتى أصبح كل أهلها يدينون بهذا الدين، ولذلك لا عجب أن انضمت هذه الجزر إلى الجامعة العربية منذ بضع سنين.

9 - 20:طابع الإسلام والثقافة الإسلامية فى شرق إفريقيا

الفصل العشرون *طابع الإسلام والثقافة الإسلامية فى شرق إفريقيا بعد الحديث عن السلطنات الإسلامية وحركات الجهاد فى بلاد الحبشة والصومال وعلى طول الساحل الشرقى الجنوبى حتى نهر «زمبيزى» فى «موزمبيق» نلقى نظرة على طابع الإسلام فى تلك الجهات وعن مدى انفعال تلك الشعوب بالإسلام، ومدى انتشار الثقافة الإسلامية فى هذه المناطق. تميزت الإمارات الإسلامية فى هذه المنطقة بطابع أثر فى كيانها السياسى وفى موقفها ضد الأحباش والبرتغاليين وفى عطائها الحضارى والثقافى. هذا الطابع تمثل فى أن هذه السلطنات والممالك لم يكن بينها أى نوع من أنواع الوحدة السياسية، وكان من أثر ذلك خضوع معظم هذه الإمارات للأحباش فى النهاية رغم حركات الجهاد التى استمرت نحو أربعة قرون من الزمان. وترجع هذه الفرقة السياسية إلى أن هذه السلطنات تكونت من بطون عربية مختلفة فضلا عن اختلاف المذاهب الدينية فيما بينها. فكانت هذه المدن والسلطنات تستقل كل واحدة منها عن الأخرى بنشاطها التجارى، وكانت العداوات لاتفتأ تشتعل فيما بينها، مثل النزاع بين «مالندة» و «ممبسة» والذى استمر حتى قدوم البرتغاليين الذين استغلوه فى السيطرة على هذه المنطقة، وقد بلغت البغضاء بين هذه المراكز الإسلامية حدا جعل بعضها يتعاون مع البرتغاليين نكاية فى الآخرين. إذن كان طابع هذه الإمارات اقتصاديا صرفًا، فتنوعت مشروعاتها الاقتصادية، واشتغلت بالزراعة فى المناطق الخصبة، وجلبت مزروعات جديدة لم تألفها البلاد من قبل مثل البرتقال والذرة والفلفل والأرز والقرنفل. وكان لها أيضًا نشاط صناعى، فقد عرفت «مقديشيو» بصناعة المنسوجات الرفيعة التى كانت تصدر إلى العالم الإسلامى كما عرفت «سوفالة» باستخراج الذهب إلى جانب التجارة فى العاج وجوز الهند والرقيق. وقد أدى ذلك إلى ثراء هذه المدن والسلطنات ثراءً كبيرًا ظهر فى وصف الرحالة العرب وغيرهم لها.

وقد ترك هذا النشاط الاقتصادى أثره فى الحياة الاجتماعية وأدى إلى تنوع الطبقات، فهناك الطبقة الأرستقراطية من العرب، وطبقة الهنود الذين تركزت فى أيديهم الشئون المالية والمصرفية، وطبقة خليط من العرب وأهل البلاد الأصليين، ثم طبقة العبيد الذين كانوا يقومون بالأعمال اليدوية فى المزارع والمصانع والمتاجر. وقد تأثرت الثقافة الإسلامية بهذا النوع من الحياة التجارية وبحركات الجهاد المستمر الذى فُرض عليها، سواء فى الشمال من مقديشيو ضد الأحباش أم فى جنوبها ضد البرتغاليين. فالمدن التجارية والسلطنات التى قامت على طول الساحل كانت ذات صلات وثيقة بالعالم الإسلامى، وشئون التجارة تفرض تلك الصلات وتنميها وتعمقها، وكان للتجارة جانبها المضىء فى نشر الإسلام وثقافته فقد أتت معها الفرق والمذاهب التى عرفتها الحياة الإسلامية وقد انتشر فقهاء اليمن والحجاز ومصر فى تلك المناطق، وكان هؤلاء غالبًا ما يعملون بالتجارة، وكان تأثيرهم كبيرًا فى إذكاء حركات الجهاد هناك، وقد وفد إلى الأزهر كثير من الطلاب والعلماء وأنشئ به رواق لأهل «زيلع» ورواق للجبرتية. وبرز من هؤلاء العلماء الوافدين إلى مصر طائفة كبيرة من أمثال الشيخ الإمام الزيلعى «فخر الدين عثمان بن على» المتوفى سنة (742هـ = 1342م) والمحدث الزيلعى «جمال الدين عبدالله بن يوسف» المتوفى سنة (762هـ = 1362م) والعارف بالله «الشيخ على الجبرتى» المتوفى سنة (899هـ= 1493م)، وكان هؤلاء العلماء يعودون إلى بلادهم لمتابعة نشاطهم العلمى. وقد وفد إلى تلك البلاد بعض العلماء المصريين، فابن بطوطة يشير إلى وجود أحد علماء مصر وهو «ابن برهان المصرى» فى «مقديشيو». وقد ترك الجهاد فى هذه السلطنات أثره فى الحياة الثقافية فقد صبغت الثقافة الإسلامية هناك بطابع دينى عميق، فقد كان الفقهاء والعلماء من وراء حركات الجهاد التى قام بها سلاطين «عَدَل»،

وظهر الأمراء الأئمة منذ القرن الخامس عشر الميلادى، وكان هؤلاء السلاطين يأتمرون بأمر الفقهاء ويتلقون منهم التوجيه والإرشاد. وكان انتشار الإسلام يسير فى ركاب حركات الجهاد التى قام بها السلاطين فى «أوفات» و «عدل» و «هرر». وليس ثمة شك فى أن انتشار الإسلام كان مصحوبًا بنشاط تعليمى واضح؛ إذ كلما انتشر الإسلام فى مكان خف إليه الفقهاء والمعلمون وأقاموا المدارس والكتاتيب، وقد لاحظ المستشرق «توماس أرنولد» أثناء تنقله فى بلاد الحبشة أن الوظائف التى تتطلب خبرة خاصة ومستوى ثقافيا معينًا كان لا يشغلها إلا المسلمون، ويعلل ذلك بأن المسلمين كانوا يعلمون أبناءهم القراءة والكتابة فى الوقت الذى كان فيه أبناء المسيحيين لايتعلمون إلا إذا أرادوا الانتظام فى سلك الكهنوت. وربما كانت الحياة الثقافية فى السلطنات الإسلامية التى انتشرت من «مقديشيو» صوب الجنوب أكثر ازدهارًا منها فى مدن الشمال، فقد عاشت هذه المدن عيشة رخاء وطمأنينة منذ نشأتها الأولى حتى بداية الاحتلال البرتغالى فى أواخر القرن الخامس عشر الميلادى، ولم تشهد ما شهدته مدن الشمال من جهاد لأجل البقاء، ولذلك كان أمامها من الوقت ما تعطيه لرعاية الفنون والآداب وأنواع الثقافة الإسلامية المختلفة. وقد حمل إليها العرب والفرس حبهم للأدب والشعر، ويبدو أن فترة الاحتلال البرتغالى وما أعقبها من تحرر وانطلاق أنتجت نهضة أدبية وصلت غايتها فى القرن الثامن عشر الميلادى، وامتدت إلى الأدب الشعبى السواحيلى، فظهر فى هذا الميدان شاعر من أهل الجنوب اسمه «موياس بن الحاج الغسانى» بلغ إنتاجه درجة عالية من التفوق. كما أنتجت ثقافة دينية عميقة تمثلت فى مؤلفات السيد «عبدالله بن على» فى كتابه المسمى «الانكشاف» وكان يدرس فى المدن الجنوبية كلها فى الأربطة والزوايا وغيرها. وأيضًا فى الهمزية التى ألفها السيد «عيد اروس بن الشيخ على» من

أهل «لامو» والتى اشتملت على نزعة دينية عميقة. وكان تأثر تلك البلاد بالتقاليد والحياة الإسلامية واضحًا فى انتشار الطرق الصوفية، وقد تم تبسيط هذه الطرق لتلائم عقلية البدائيين من أهل تلك البلاد. ويبدو أن الطرق الصوفية لم يكن لها وجود كبير فى القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى فى الوقت الذى زار فيه «ابن فضل الله العمرى» هذه البلاد، فهو يتحدث عن المدارس والخوانق والروابط والزوايا ولايشير إلى الصوفية إلا كأفراد. والقادرية هى أولى الطرق الصوفية التى دخلت بلاد الحبشة على أيدى المهاجرين من اليمنيين والحضارمة، وقد انتشرت الفرق الصوفية فى «مصوع» و «زيلع» و «مقديشيو» وفى المراكز الإسلامية على الساحل الشرقى جنوب «مقديشيو»، وفى الجزر الإفريقية المواجهة له. وقد ذاعت بين مسلمى الحبشة والصومال عادة تقديس الأولياء وانتشرت أضرحتهم فى طول البلاد وعرضها، وأغلبهم من الغرباء الذين وفدوا على البلاد وادعوا انتسابهم إلى بنى هاشم، وقد ظهر فضلهم وتقواهم وتقشفهم وعلمهم، فتأثر بذلك المسلمون الذين نالوا حظًا محدودًا من التعليم ولاسيما فى المدن والقرى. وكان هؤلاء الشيوخ يؤمون الناس فى الصلاة ويعلمونهم القرآن والحديث، فإذا ماتوا أصبحت أضرحتهم مركزًا للتعليم يفد إليها الناس، ومن أشهر هؤلاء الأولياء «الشيخ سعد الدين» فى «زيلع»، والشيخ «عمر السكرى»، و «الأمير نور بن المجاهد» فى «هرر». وعلى ذلك فقد قامت سلطنات وإمارات إسلامية فى بلاد الحبشة والصومال وجنوبًا على طول الساحل الشرقى حتى نهر «زمبيزى» فى «موزمبيق»، وفى الجزر الإفريقية المواجهة له. وكان نصيب هذه الإمارات هو الدخول فى صراع الحياة والموت أمام خطر الأحباش بالنسبة إلى السلطنات الشمالية وطوال أربعة قرون من الثانى عشر إلى السادس عشر، ذلك الصراع الذى انتهى بإخضاع معظم هذه الإمارات سياسيا للأحباش حتى تم تحرير معظمها فى النصف الثانى

من القرن العشرين، ثم مواجهة خطر البرتغاليين بالنسبة إلى سلطنات الجنوب بدءًا من القرن السادس عشر وطوال القرن السابع عشر، حتى تم تحرير تلك المناطق من البرتغاليين على يد العرب العُمانيين. وإذا كان الإسلام قد انتشر فى إفريقيا جنوب الصحراء على هذا النحو الذى تحدثنا عنه، فقد أصبحت القارة الإفريقية هى القارة المسلمة الوحيدة فى العالم كله؛ حيث إن أغلبية سكانها بما لا يقل عن (65%) مسلمون، وأصبح الإسلام هو مستقبلها، فما هو الأثر الذى تركه منذ انتشاره فى هذه القارة؟ أثر الإسلام فى إفريقيا جنوب الصحراء: قبل أن نتحدث عن أثر الإسلام فى حياة الأفارقة جنوب الصحراء نود أن نقدم لهذا الحديث بشهادة وردت على لسان أحد الأوربيين المنصفين ويسمى «ميك» فى كتابه فقال: «إن الإسلام لم يترك أثرًا عميقًا فى التركيب الجنسى لهذه الشعوب فحسب، بل إنه جاء بحضارة أتاحت للشعوب الزنجية طابعًا حضاريا لايزال واضحًا حتى اليوم مؤثِّرًا فى نظمهم السياسية والاجتماعية، ذلك أن الإسلام حمل الحضارة إلى القبائل المتبربرة، وجعل من المجموعات الوثنية المنعزلة المتفرقة شعوبًا، وجعل تجارتها مع العالم الخارجى ميسورة. فقد وسع من الأفق ورفع من مستوى الحياة بخَلْق مستوى اجتماعى أرقى، وخلع على أتباعه الكرامة والعزة واحترام الذات واحترام الآخرين .. لقد أدخل الإسلام فن القراءة والكتابة، وحرم الخمر، وأكل لحوم البشر، والأخذ بالثأر، وغير ذلك من العادات الوحشية، وأتاح للزنجى السودانى الفرصة لأن يصبح مواطنًا حرا فى عالم حر». وشهادة ثانية يتحدث فيها صاحبها «جرانفيل» (الكونغولى) فى العصر الحديث عن شىء من أثر العروبة والإسلام فى عمق القارة فيقول: «لقد زوَّر البلجيك فى الكونغو، فليست مدينة ستانلى فيل سوى مدينة تيبوتيب وهو الزعيم حميد بن محمد المرجبى العُمانى العربى الذى أقام هذه المدينة قبل قدوم الرحالة ستانلى، وليس

العرب كما قالوا لنا تجار رقيق، وإنما هم تلك الموجة الإنسانية التى اختلطت بنا وصاهرتنا وتركوا لنا لغة متولدة من لغتهم - يقصد اللغة السواحيلية - ودينًا، وحضارة، وسماحة تسرى بين كل الناس، كما تركوا على أرضنا دماءهم والبلجيك يحصدونهم بالأسلحة الحديثة، وليس أعز علينا شىء من هذا الدم العربى الذى سال فى الماضى كما سال ويسيل دمنا الآن فى بلادنا على أيدى أعداء العرب أنفسهم فى القرن الماضى». ونشير الآن فى إيجاز شديد إلى أثر الإسلام وحضارته فى شتى ميادين الحياة فى إفريقيا جنوب الصحراء: الدين والعقيدة: وفى هذا المجال نستطيع القول إن الإسلام قضى على العقائد الوثنية وحلت الوحدانية محل عبادة الأرواح والأسلاف ومظاهر الطبيعة، فاستبدل الناس الإسلام بهذا الشتات والفرقة الدينية الوثنية ذات الطبيعة الخرافية والوهمية، وتم القضاء على تحكم أرواح الأسلاف والأجداد - كما كانوا يعتقدون - فى حياة الأحياء؛ إذ كانت أرواح هؤلاء الأسلاف من الموتى هم الرؤساء الفعليون للأسرة وللقبيلة كلها، وهم القوامون والمراقبون لسلوك الأحياء، ولهم عليهم حق الثواب والعقاب، ولابد من استشارتهم فى كل أمر من أمور الحياة ومشاكلها. كما قضى الإسلام على الاحتفالات الدينية المهيبة التى كانت تقام لآلهتهم ولأسلافهم، والتى كانوا يشربون فيها الخمور ويقدمون فى أحيان كثيرة القرابين البشرية كى ترضى عنهم الآلهة وأرواح الأسلاف، حررهم الإسلام من كل ذلك ومن أعمال السحر والكهانة المرتبطة بهذه العقائد الوثنية، وحل الفقيه أو الداعية المسلم محل الكاهن أو الساحر، وحل المسجد فى القرية الإفريقية محل دار عبادة الأوثان ذات المنظر البشع، وحلت حلقات الذكر التى كان الصوفية يعقدونها محل حفلات الرقص الماجنة، وبذلك تحرر الأفارقة سودانًا كانوا أم زنوجًا من هذا التخلف العقيدى والفكرى وتم جمعهم على عبادة واحدة وإله واحد وشريعة واحدة ذات نظم

واضحة تنظم حياة الفرد والمجتمع. الحياة الاجتماعية: وفى هذا الصدد نستطيع القول إن الإسلام خلَّصهم من عادات سيئة كثيرة مثل العُرْى وأكْل لحوم البشر ودفن الجوارى والخدم والزوجات مع الملك المتوفى، ووأد الأطفال أحياءً، وكان هؤلاء الأطفال يوءدون لا لشىء إلا لأنهم وُلدوا مشوهين، أو وُلدوا وبهم مس من الشيطان كما كان يعتقد آباؤهم، أو لأن أسنانهم العليا ظهرت أولا، وهو فأل سيئ عندهم، فكانت بعض القبائل تترك هؤلاء الأطفال فى الغابة تخلصًا منهم، ولكن الإسلام عدَّل هذه العادة بين المسلمين الأفارقة. زد على ذلك أن الإسلام علمهم النظافة فأخذ الأهالى الذين لم يتعودوا من قبل على النظافة يغتسلون ويتنظفون، لأن إقامة الشعائر الدينية الإسلامية لا تصح إلا بطهارة البدن والملبس والمكان. يضاف إلى ذلك أن الإسلام نظمهم فى الزواج ونظام الأسرة، إذ جعل الرجل هو المسئول الأول عن الأسرة لا المرأة كما كان الشأن عند كثير من القبائل الإفريقية، فصار الأبناء ينسبون لآبائهم وليس لأمهاتهم، كما حدد عدد الزوجات فى أربع فقط وليس كما كان الحال عندما كان الرجال يختلطون بالنساء اختلاطًا جماعيا، أو كان للرجل ما يشاء من نساء حسب قدرته ومقدرته. وبذلك رفع الإسلام مكانة المرأة وأحاطها بسياج من الاحترام والطهر والعفاف، بعد أن كان الابن يرث زوجات أبيه بل ويتزوج بهن، وكان نظامهم أن ابن الزوجة الأولى هو الذى يختص بميراث أبيه كله عند وفاته ويحرم منه باقى الأبناء فوضع الإسلام نظامًا عادلا لتوزيع التركة بين أفراد الأسرة جميعًا إذا مات عائلها، حسب نظام دقيق يعطى لكل ذى حق حقه دون زيادة أو نقصان، ودون ظلم أو بهتان، مما أورث الحب والمودة فى قلوب الأبناء وزرعها محل الكراهية والبغضاء. ولا يقل عن ذلك أهمية أن الإسلام أزال تقسيم الناس إلى طبقات حسب اللون أو العنصر أو الثروة أو المنزلة الاجتماعية، وجعل الإخاء

والمساواة والتعاون والتكافل أساس الحياة الاجتماعية، وأصبح الأسود باعتناقه الإسلام على قدم المساواة مع غيره داخل وطنه، ومع إخوته فى الإسلام فى أى مكان آخر، مما أشعره بالعزة والكرامة والاعتداد بالنفس بعد أن كان عبدًا مهانًا يتحكم الملك الإفريقى الوثنى أو شيخ القبيلة فى أموره كلها بل فى حياته نفسها، وأصبح سلوك الناس ملوكًا وعامة مضبوطًا بضوابط الإسلام وشريعته وأحكامه، ولم يصبح مرتهنًا بأوامر الملك المقدس ونزواته أو نزوات شيخ القبيلة. وبذلك حرر الإسلام الإنسان الإفريقى وكل إنسان يعتنقه من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. الحياة الاقتصادية: كان النظام الاقتصادى يقوم على احتكار شيخ القبيلة أو الملوك أو الزعماء للأرض والثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية وحق المتاجرة فى سلع معينة، فلا يحق للناس العاديين تملك شىء فقد كانوا هم والأرض وما ينتجونه منها ملكًا للملك. فلما جاء الإسلام قضى على ذلك، فأطلق حق التملك حسب الجهد والطاقة وبَذْل المجهود والعمل، وجعل كسب المال أمرًا متاحًا للجميع كل حسب جده وكده، فقضى بذلك على الإقطاع والاستغلال والاحتكار، كما قضى على العبودية ونظام السخرة فصار العامل يأخذ أجره عما يقوم به من عمل بعد أن كان يعمل فى مزرعة الشيخ أو الملك دون أجر. كما حرَّم الإسلام الربا وفرض الزكاة التى كان الأغنياء يدفعونها للفقراء، وكان السلاطين يأخذونها ويوزعونها فى مصارفها الشرعية، مما جعل حياة الناس محاطة بسياج من العدالة والأمن والرخاء. وقد جلب الإسلام للأفارقة منافع مادية ضخمة؛ إذ ربط الساحل بالداخل من خلال قوافل التجارة التى توغلت حتى الكونغو ومنطقة البحيرات، وحتى أعماق الغابة فى غرب القارة مما أدى إلى القضاء على عزلة المناطق الداخلية، بل وعلى عزلة الأفارقة عامة وربطهم بالعالم الإسلامى الواسع وبتجارته الزاهرة، وقد أتاح لهم إسلامهم

أن يخرجوا من أوطانهم المحلية ويتعرفوا هذا العالم الواسع، سواء أكان من خلال رحلات الحج التى كانوا يقومون بها إلى بلاد الحجاز، أم من خلال قوافل التجارة التى كانوا يرحلون معها إلى شتى الأقطار حتى وصل بعضهم إلى الهند والصين. الحياة الثقافية: وفى هذا المجال كان أثر الإسلام أمرًا غير مسبوق، ذلك لأن الأفارقة لم تكن لهم ثقافة ناهضة راقية قبل اعتناقهم الإسلام، ولم يكونوا يعرفون مجرد القراءة والكتابة، بل لم يكونوا يعرفون من الثقافة إلا العادات والتقاليد المرتبطة بالكهانة والسحر والشعوذة، وبالطبيعة من مطر وجدب وإنبات وحصاد ونبوءات وأساطير، فلما جاء الإسلام أمدهم بالعلم والفن الرفيع، وعلَّمهم القراءة والكتابة، واستقدم لهم العلماء من مصر والمغرب وتونس وشتى أنحاء العالم الإسلامى، بل وأرسل طلابهم إلى هذه البلدان استزادة من العلم والفقه، وبنى لهم المدارس والكتاتيب، وزوَّدهم بلغة القرآن وهى اللغة العربية التى وحدت مشاربهم ونسقت أفكارهم وربطتهم بالدين والعقيدة الإسلامية، فمهدت السبيل أمام ظهور ثقافة إفريقية إسلامية مشتركة بعد أن صارت هذه اللغة هى لغة العلم والدراسة والإدارة والتجارة والعبادة بل والتخاطب بين قبائل كثيرة فى القارة. وأصبح العلماء الأفارقة هم حلقة الربط والوصل بين هذا المجتمع السودانى الزنجى وبقية المجتمعات الإسلامية، بذهابهم إلى هذه المجتمعات كما قلنا لمزيد من الدراسة والعلم أو تأدية لفريضة الحج، وبذلك تم القضاء على التخلف الثقافى والحضارى والفكرى الذى كان يسود المجتمعات الإفريقية، وأصبح الإفريقى يزهو بأنه يجيد القراءة والكتابة، بل يفخر بأنه أصبح من العلماء والفقهاء مثله فى ذلك مثل غيره من علماء المسلمين فى كافة ديار الإسلام. ولقد أدى هذا الرقى العلمى والثقافى الذى وصلوا إليه أن الدول الإفريقية التى لايحكمها مسلمون كانت الوظائف التى تتطلب خبرة

خاصة ومستوى ثقافى معين كان لايشغلها إلا المسلمون من أهلها، لأن هؤلاء المسلمين كما يقول «توماس أرنولد» كانوا أعلى همة وأوفر نشاطًا وأرفع مستوى من غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، لأن كل مسلم كان ملتزمًا بتعليم أبنائه القراءة والكتابة بينما كان غيرهم لايعلمون أبناءهم إلا عندما يريدون لهم الانتظام فى سلك الكهنوت. ولم يفعل المسلمون ذلك إلا لأن الإسلام جعل من التعليم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وبذلك تغير حال الأفارقة وأنتجوا علمًا وفقهًا وأدبًا وحضارة لم يطمس معالمها إلا الاستعمار الأوربى الذى أصيبوا به فى مطلع العصر الحديث. الوحدة السياسية: لم تعرف إفريقيا جنوب الصحراء قبل الإسلام دولا كبيرة أو صغيرة إلا القليل، وكان النظام القبلى هو السائد، وعندما ظهر الإسلام ودخل القارة (جنوب الصحراء) لم يكن فيها من الدول المعروفة وقتذاك إلا مملكة «غانة» الوثنية فى غرب القارة، أما فى وسط القارة فلم يكن هناك إلا دولة «الكانم» الوثنية فى حوض بحيرة تشاد، وهذه الدولة لم تنشأ إلا فى القرن التاسع للميلاد، أى بعد ظهور الإسلام بحوالى قرنين من الزمان، أما فى شرق القارة فكانت هناك دولة واحدة هى مملكة الحبشة المسيحية، وفى أقصى الجنوب كانت هناك مملكة «مونوموتابا» الوثنية، وباقى إفريقيا جنوب الصحراء لم يكن فيها إلا المشيخات القبلية لا غير، وكانت حياة الناس لا ينظمها قانون أو شريعة، إلا ما يقوله الملك أو الشيخ، فكلمته هى القانون، لأنه هو الذى يهب الحياة ويقضى بالموت، ويبارك الزرع والحصاد، وينزل المطر، ويتحكم فى كل ما على وجه الأرض، لأنه ببساطة هو الإله والرب المعبود. وعندما جاء الإسلام لم ينشئ دولا صغيرة شبيهة بالتى أشرنا إليها من قبل فقد أقام إمبراطوريات إسلامية كبرى سبق الحديث عنها، وجمع القبائل المتفرقة المتنازعة والعناصر المتباينة داخل هذه الإمبراطوريات الكبيرة، وقضى على عادات هذه القبائل فى النهب

والسلب والإغارة، وقضى أيضًا على استبداد الحكام وتألههم وظلمهم للرعية، بل وجعلهم يخضعون لرجال من رعيتهم نالوا قسطًا وافرًا من العلم والثقافة هم العلماء والفقهاء، فكانوا لا يبرمون أمرًا إلا بعد استشارتهم، فعل ذلك - أيضًا - الملوك الوثنيون الذين لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد و «البكرى» يقص علينا نبأ ملك «غانة» الوثنى الذى اتخذ من العلماء المسلمين الذين كانوا يقيمون فى عاصمته وزراءه ومستشاريه. وقد أقام الحكام والسلاطين دُورًا للشورى كان واحدها يسمى «المشور» وكان هذا «المشور» هو المكان الذى يلتقى فيه الحاكم بالمحكومين، فإذا أصيب أحد من الرعية بظلم أو أصابه مكروه على يد غيره من الرعية أو الحكام كان يلجأ على الفور إلى «المشور» ويرفع مظلمته، فكان يقضى فيها على الفور على يد العلماء والفقهاء أو على يد الوزراء والسلطان نفسه حسب نوع المظلمة. ولذلك ساد الأمن والأمان والطمأنينة حياة الناس فيما عدا أوقات الفتن والاضطرابات والحروب. ونتيجة لذلك كله ارتقت الحياة المادية والعمرانية وازدهرت الحضارة فى إفريقيا جنوب الصحراء، ويكفى فى ذلك ما سقناه فى صدر هذا الحديث من شهادات قالها بعض الغربيين المنصفين، وما قاله آخرون منهم من أن الدول الإسلامية فى إفريقيا جنوب الصحراء شهدت ظهور مئات المدن ذات المنازل الجميلة المبنية بالحجارة، وكانت هذه المنازل ذات حدائق جميلة وبعضها - وكما تُبيِّن الحفريات والآثار - كان مصممًا لأكثر أنواع المعيشة رفاهية وفخامة وكان الناس الذين يعيشون فى هذه المنازل وتلك المدن ذات الشوارع الفسيحة يرتدون الملابس الحريرية والقطنية ويتزينون بمقادير كبيرة من الذهب والنحاس والعاج، كما سكَّوا العملة الذهبية ووجدت عندهم صناعات راقية حتى إن المنسوجات المقدشية كانت تباع فى مصر وفى شتى أنحاء العالم الإسلامى. هذا هو الإسلام وذاك هو تأثيره، وتلك حضارته التى أدهشت الرحالة

المسلمين والبرتغاليين ومن أتى بعدهم من الأوربيين، ولكن هذه الحضارة تلقت ضربة عنيفة على يد الغزاة البرتغاليين وإخوانهم من الأوربيين الآخرين فى العصر الحديث حيث أخضعوا هذه القارة بكاملها لنفوذهم وسيطرتهم ونهبهم واستغلالهم، وحاربوا الإسلام وثقافته وحضارته ولغته بقدر ما وسعهم الجهد وبكل وسيلة ممكنة ولكن إفريقيا جنوب الصحراء بعد أن نالت استقلالها بدأت تفيق من هذا الكابوس الرهيب وتلتمس فى الإسلام طوق النجاة من جديد

مراجع الجزء التاسع

- المراجع: * إبراهيم طرخان: إمبراطورية غانة الإسلامية - القاهرة - 1970م * إبراهيم طرخان: دولة مالي الإسلامية - القاهرة - 1973م * إبراهيم طرخان: إمبراطورية البرنو الإسلامية - القاهرة - 1975م * أحمد بابا التمبكتي: نيل الابتهاج بتطريز الديباج - طرابلس - ليبيا - 1989م * أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي - جـ 6 - الطبعة الرابعة - القاهرة - 1983م * أحمد علي أحمد: كلوة؛ تاريخهاا وحضارتها؛ رسالة ماجستير غير منشورة - جامعة القاهرة - 1983م * الإدريسي: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق - بيروت - 1989م * بازل دافدسون: إفريقيا تحت أضواء جديدة - بيروت - بدون تاريخ * بن بطوطة (أبو عبدالله محمد): تحفة النظار في غرائب الأمصار - بيروت - 1987م * البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب - القاهرة - بدون تاريخ * بوركهات: رحلات بوركهات في بلاد النوبة والسودان - القاهرة - 1979م * ترمنجهام: الإسلام في شرق إفريقيا - القاهرة - 1973م * توماس أرنولد: الدعوة إلي الإسلام - القاهرة - الطبعة الثالثة - 1971م * التونسي: تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان - القاهرة - 1965م * جيان: وثائق تاريخية وجغرافية وتجاريةعن إفريقيا الشرقية - القاهرة - 1927م * حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام في القارة الإفريقية - القاهرة - الطبعة الثانية - 1984م * حسن عيسى عبدالظاهر: الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا - القاهرة - الطبعة الأولى - 1991م * حسن محمود: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا - القاهرة - الطبعة الثالثة - 1986م * الحسن الوزان: وصف إفريقيا - بيروت - الطبعة الثانية - 1983م * الحيمي: سيرة الحبشة - القاهرة - الطبعة الثانية - 1972م * رجب محمد عبدالحليم: العروبة والإسلام في دارفور في العصور الوسطى - القاهرة - 1991م * زاهر رياض: الإسلام في إثيوبيا - القاهرة - 1964م

* زين العابدين عبدالحميد السراج: دولة كانم الإسلامية - رسالة ماجستير - آداب القاهرة - 1975م * السعدي: تاريخ السودان - باريس - 1889م * سعيد المغيرى: جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار - القاهرة - 1989م * الشاطر بعييلي عبد الجليل: تاريخ وحضارات السودان الشرقي والأوسط - القاهرة - 1972م * عبد الرحمن زكي: الإسلام والمسلمون في غرب إفريقيا؛ الإسلام والمسلمون في شرق إفريقيا- القاهرة - بدون تاريخ * عبد الفتاح مقلد: سلطنة البرنو حتي عام 1808م؛ رسالة ماجستير غير منشورة - جامعة القاهرة - 1978م * عرب فقيه: فتوح الحبشة (تحفة الزمان) - القاهرة 1972م * عطية القوصي:دولة الكنوز الإسلامية - القاهرة - الطبعة الثانية- 1986م * فتحي غيث: الإسلام والحبشة عبر التاريخ - القاهرة - بدون تاريخ * القلقشندي (أحمد بن علي): صبح الأعشي في صناعة الأنشا - جـ 5،8 - القاهرة - بدون تاريخ * محمد بلو: اتفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور - القاهرة - 1964م * محمد ضيف الله: كتاب الطبقات - بيروت - بدون تاريخ * محمد النقيرة: التأثير الإسلامي في غرب إفريقيا - الرياض - 1980م * محمود التمبكتي: تاريخ الفتاش - باريس - 1916م * محمود الحويري: أسوان في العصور الوسطى - القاهرة - 1980م * مصطفى أبو شعيشع: برنو في عصر الأسرة الكانمية - رسالة ماجستير غير منشورة - جامعة القاهرة - 1976م * مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة في العصور الوسطى - القاهرة - 1960م * مكي شبيكة: السودان عبر القرون - بيروت - 1964م * نعوم شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته - القاهرة - 1903م * ياقوت الحموي: معجم البلدان - جـ 5 - بيروت - 1979م

ملاحق

*العزيز بالله بن المعز خليفة فاطمى تولَّى أمرالدولة الفاطمية فى قمة مجدها، ولكنه كان رجلا لا يعرف المستحيل، وفى عهده وامتد ملك الفاطميين من بلاد «الشام» شرقًا إلى ساحل «المحيط الأطلسى» غربًا، ومن «آسيا الصغرى» شمالا إلى بلاد «النوبة» جنوبًا، وخُطب للعزيز بالموصل وأعمالها سنة (382هـ)، وضُرب اسمه على العملة، وكُتب على الأعلام، وخُطب له باليمن - كما فُتحت له «حمص» و «حماة» و «شيزر» و «حلب»، فانصرف إلى نشر عقائد المذهب الشيعى، وأصبحت دواليب الإدارة كلها فى يد الشيعة.

*الحاكم بأمر الله

*الحاكم بأمر الله هو «أبو على منصور الحاكم بأمر الله» الفاطمى، بويع له بالخلافة وهو فى الحادية عشرة من عمره، وعين أستاذه «برجوان» التركى وصيا عليه؛ لذا لم يكن للحاكم من أمره شىء حتى تم القضاء على الوصى، وحل محله «ابن عمار الكتامى» المغربى وصيا ووزيرًا، فاستبد بالأمر، ولم يسلم من شره أحد، سواء كان من الشيعة أو من السنة أو من أهل الذمة، وكذلك ساءت سيرته بين الجند، فنشب القتال فى شوارع «القاهرة» و «الفسطاط»، وطالب الجميع بحياة «ابن عمار»، ولكنه اختفى، وأصبح زمام الأمور فى يد «الحاكم»، وهو بعد فى الخامسة عشرة من عمره، وأنشأ المرصد الحاكمى على سفح المقطم، وقد روى المؤرخون مواقف غريبة تدل على غرابة أطواره. حاولت «ست الملك» أخت «الحاكم بأمر الله» ردعه عما يفعل، لكنه أبى أن يرتدع، فدبرت مع «سيف الدولة بن دواس الكتامى» أمر قتله، فلما تم ذلك فى عام 411 هـ، حمل جثمانه إليها، فدفنته فى مجلسها.

*الظاهر

*الظاهر هو «أبو الحسن الظاهر بن الحاكم بأمر الله» تولى الخلافة فى شوال سنة (411هـ)، بعد مقتل أبيه مباشرة، وكان لعمته «ست الملك» النفوذ والسيطرة فى تسيير دفة الدولة، وقامت بذلك على أحسن وجه، وبذلت العطاء للجند، وتمكنت من تهدئة الأمر حتى وافاها الأجل فى سنة (415هـ)، فانتهج «الظاهر» نهجها وعمل بسياستها، وألغى ما سنَّه أبوه «الحاكم» من قوانين مجحفة، واهتم بتحسين شئون البلاد وأحوال الرعية، ومنح الناس الحرية الدينية، فنعموا بالكثير من إنجازاته، وعلى الرغم من أن مجاعة حدثت فى عهده استمرت ثلاث سنوات، نتيجة انخفاض النيل، فإنه عمل على تخفيف المعاناة عن الشعب، وعقد اتفاقًا مع إمبراطور الروم ليمده بالقمح بمقتضاه، على أن يقوم «الظاهر» بإعادة بناء «كنيسة القيامة» بالقدس. مرض «الظاهر» بالاستسقاء، ولم يلبث أن تُوفِّى سنة (427هـ).

*المستنصر

*المستنصر خليفة فاطمى تولى الخلافة عقب وفاة والده «الظاهر» فى جمادى الآخرة سنة (427هـ)، ويُعدُّ أطول الخلفاء عهدًا، إذ قضى بالخلافة نحو ستين سنة، لم تكن على وتيرة واحدة، حيث وصف «ناصر خسرو» «مصر» فى أوائل عهد المستنصر بقوله: «كانت تتمتع بالرخاء، وأن الشعب محب لخليفته». وفى الفترة الأولى من عهده بلغ النفوذ الفاطمى أقصى مداه، إذ دُعى للخليفة على منابر بلاد الشام و «فلسطين» و «الحجاز» و «اليمن»، بل دُعِى له فى «بغداد» حاضرة العباسيين نحوًا من سنة، ودُعى له - أيضًا - فى «صقلية» و «شمال إفريقية». وكما شهد «المستنصر» مجد دولته، شهد أيضًا تقلُّصَ نفوذه، فقد زالت سلطة الفاطميين فى بلاد «المغرب الأقصى» سنة (475هـ)، واستولى النورمانديون على «صقلية»، وخلع أميرا «مكة» و «المدينة» طاعتهما - من قبل - فى سنة (462هـ)، وانقطع ماء النيل، وحدث ما عُرِف فى عهده بالشدة العظمى أو المستنصرية ، وغلت الأسعار، وانتشرت المجاعات والأوبئة حتى قيل إنه كان يموت بمصر كل يوم عشرة آلاف نفس، ووصل الحال بالناس إلى أكل القطط والكلاب، فلما لم يجدوها بعد ذلك كان بعضهم يحتال على خطف بعضهم الآخر ليذبحه ويأكله، وبلغت الشدة منتهاها، وباع المستنصر جميع ممتلكات قصوره، وقام صراع عنيف بين الأتراك والسودانيين، وظل الجنود فترة طويلة لا يتقاضون فيها رواتبهم، فنهبوا قصور الخلفاء، واستولوا على ما فى المكتبات ودور العلم من مؤلفات باعوها بثمن بخس، واتخذوا من جلودها نعالا وأحذية، واستولى «ناصر الدولة ابن حمدان» زعيم الجند الأتراك على مقاليد الأمور، وهدد بإزالة الخلافة الفاطمية، بل حذف اسم الخليفة من الخطبة فى بعض المناطق، ووصلت الحال بالخليفة إلى درجة أنه لم يتمكن من حماية أمه من دخول السجن، ففرت مع بناتها إلى «بغداد» طلبًا للحماية، واستمرت هذه الشدة تسع سنوات، حتى جاء «اليازودى»، فعالج الأمور، وضبط

الأسواق وضرب بشدة على أيدى العابثين، ولكن الوشاة دسُّوا له عند «المستنصر» بأنه على صلة بالسلاجقة وأنه يراسلهم، فقتله «المستنصر»، وعادت البلاد ثانية إلى ما كانت عليه، وظلت تنتقل من سيئ إلى أسوأ مدة تسع سنوات تولَّى الوزارة فيها أربعون وزيرًا، فاستنجد «المستنصر» ببدر الدين الجمالى حاكم «عكا»، فأتى على الفور، وألقى القبض على العابثين والعناصر المتنافرة، وضرب بيد من حديد على أيدى الخارجين على النظام والقانون، وعَمَّر الريف، واهتم بالزراعة، وحصن مدينة «القاهرة» التى كانت قد خُربت أسوارها من جراء الفتن، وبنى جامعه المعروف بجامع الجيوش بالمقطم، فتحسنت الأحوال فى عهده باستثناء إذكائه روح العداء بين الشيعة والسنة، لأنه كان شيعىا متعصبًا، وظل وزيرًا للمستنصر حتى وافاه أجله فى عام (487هـ)، بعد أن عهد إلى ابنه بالوزارة من بعده، ليصبح هذا الأمر تقليدًا جديدًا، لم يُعمَل به من قبل.

*المستعلى

*المستعلى خليفة فاطمى تولى الخلافة بعد أبيه المستنصر سنة (487هـ) على الرغم من حداثة سنه، وعدم شرعية خلافته لوجود أخيه «نزار» الأكبر منه فى السن، ولكن الوزير «الأفضل بن بدر» أسهم إسهامًا كبيرًا فى هذا ليتمكن من السيطرة على الخليفة الصغير، وخرج «نزار» إلى الإسكندرية ليكون فى حماية واليها «أفتكين» فخرج إليهما «الأفضل» بجيش كبير، ودارت الحرب بين الفريقين، فاضطر «نزار» و «أفتكين» إلى طلب الأمان، فأجابهما «الأفضل» إلى مطلبهما، ثم قتلهما بعد أن هدأت الأمور، فانقسم الشيعة على أنفسهم، وأعلنت الباطنية (فرقة تفرعت عن الشيعة لها معتقداتها الخاصة) وعلى رأسهم «الحسن بن الصباح» أن نزارًا كان الأحق بالخلافة، لأن «الحسن» زار «مصر» وسأل «المستنصر» عمن يكون خليفته، فقال له: إنه «نزار».

*الحافظ

*الحافظ خليفة فاطمى تولَّى الخلافة سنة (524هـ) عقب وفاة ابن عمه «الآمر»، ولم تكن حاله مع وزيره «على بن الأفضل» بأحسن من حال ابن عمه، فقد كان يتحكم فيه، وجعله كالمحجور عليه، ولا يسمح لأحد بزيارته إلا بإذن منه، وانعطفت سياسة الدولة -فى عهده- انعطافًا خطيرًا يهدد بزوالها، فقد عين اثنين من القضاة الشيعة، ومثلهما من السنة، وجعل لكل الحق فى إصدار حكمه وفق مذهبه، ولقب نفسه بالأكمل مالك فضيلتى السيف والقلم، مولى النعم، رافع الجور عن الأمم، وأسقط اسم الخليفة من الخطبة، فكانت نهايته القتل جزاءً لما صنع. لم يكد الخليفة يستريح من سيطرة «ابن الأفضل» حتى وقع تحت سيطرة ونفوذ «بهرام الأرمنى» والى «الغربية»، الذى تقلد الوزارة، واستقدم الكثيرين من بنى جلدته حتى تجاوزوا ثلاثين ألفًا، وكلهم من الشيعة المتعصبين لمذهبهم، فأذاقوا أهل البلاد الهوان، وبنوا الكنائس والأديرة، فأثار ذلك حفيظة الناس، وثار «رضوان بن الولخشى» والى «الغربية»، وقاد جيشه، وهاجم به الوزير «بهرام» الذى انهزم، وفرَّ هاربًا إلى «أسوان»، فتولى «رضوان» الوزارة بدلا منه، ولكنه ارتكب أعمالا أثارت عليه حفيظة الخليفة، فاستدعى الخليفة «بهرام» من أسوان ليتولى الوزارة من جديد، فهرب «رضوان» إلى الشام، ثم عاد إلى «مصر» ثانية على رأس جيش تصدى له جنود الخليفة، فهزموه وأسروا «رضوان»، ثم قُتل. تُوفِّى «الحافظ» فى سنة (544هـ)، وقد تميز عصره بالنزاع الدائم من أجل الوصول إلى منصب الوزارة بالقوة والجيوش المسلحة.

*الظافر

*الظافر خليفة فاطمى تولى الخلافة عقب وفاة أبيه «الحافظ» سنة (544هـ)، وقد سلكت الدولة فى عهده مسلكًا خطيرًا؛ لم يكن معهودًا من قبل؛ إذ استعان الوزراء بالقوى الخارجية للوصول إلى منصب الوزارة، وأبرز مثال على ذلك ما حدث بين «ابن السلار» و «ابن مصال»، فقد استعان الأول على منافسه الثانى بنور الدين محمود صاحب «حلب»، ودارت بين الطرفين حرب شعواء قُتل فيها «ابن مصال»، ثم تبعه «ابن السلار»، فسعد الخليفة سعادة بالغة لقتل «ابن السلار» لاستعانته «بنور الدين محمود»، ودلل الخليفة على مدى سعادته بمكافأته لنصر بن العباس قاتل «ابن السلار» بمبلغ عشرين ألف دينار. كان الصليبيون قد أسسوا عدة إمارات لهم - فى ذلك الوقت - بالشام، وبدأت طموحاتهم تتجه إلى «مصر»، ويتحينون الفرصة لتحقيقها فى الوقت الذى كان «نور الدين محمود» يترقب فيه الأوضاع للاستيلاء على «مصر»، وظل كلاهما على ذلك حتى قام «نصر بن عباس» - بالاتفاق مع والده - بقتل الخليفة «الظافر» وإخوته، فغلت «القاهرة» كالمرجل، وهرب «عباس» إلى الشام، فقُتل فى طريقه إليها، وقُبض على ابنه «نصر» ثم وُضِع فى قفص من حديد بعد أن جُدع أنفه، وقطعت أذناه، وطِيف به فى أنحاء المحروسة، ثم صُلِبَ حيا على باب زويلة حتى مات، فأُحرقت جثته. وتولى «الفائز» الخلافة.

*الفائز

*الفائز خليفة فاطمى تولى الخلافة (549هـ) وعمره أربع سنوات فحسب بعد وفاة أبيه الظافر، وكانت البلاد فى حالة من الفوضى والاضطراب الشديدين، حتى إن نساء القصر لم تأمن على حياتهن فى ظل هذه الظروف، فاستنجدن بطلائع بن زريك والى الأشمونيين، الذى حضر على الفور، وقضى على الفتنة والشغب، وضرب على أيدى صانعى الفتنة، وظل الخليفة - بالطبع - مسلوب الإرادة حتى وفاته سنة (555هـ).

*العاضد لدين الله الفاطمي

*العاضد لدين الله الفاطمي خليفة فاطمى تولى الخلافة (555هـ) خلف «الفائز»، فتخلص من الوزير «طلائع» بقتله، وأسند منصبه إلى ابنه «أبى شجاع العادل بن طلائع»، فرأى «شاور» والى الصعيد أنه أحق بالوزارة من «أبى شجاع»، وقدم على رأس قواته، وتمكن من خلع «أبى شجاع» من الوزارة، وتنصيب نفسه مكانه سنة (558هـ)، ولكنه لم يهنأ بمنصبه الجديد إذ استطاع «ضرغام» أمير البرقية (فرقة من المغاربة) خلعه، فهرب «شاور» إلى الشام مستنجدًا بنور الدين محمود ليعيده إلى منصبه، فأحس «ضرغام» بالخطر وخشى من ضياع منصبه فاستنجد بعمورى الصليبى ملك «بيت المقدس»، ولبى كل طرف نداء مَنْ استنجد به، وقدمت القوات الإسلامية كما قدمت القوات الصليبية فى ثلاث حملات، ولكن «أسد الدين شيركوه» قائد حملات «نور الدين محمود» كانت له عقلية سياسية حكيمة، كما كان يجيد التخطيط الجيد، فتولى الوزارة بنفسه بعد أن قُضى على الخصمين المتنافرين، وظل على ذلك حتى مات، فخلفه فى منصبه ابن أخيه «صلاح الدين الأيوبى» السنىُّ المذهب. وتوفى العاضد سنة 567هـ وبوفاته سقطت الدولة الفاطمية.

*معاوية بن أبى سفيان

*معاوية بن أبى سفيان هو «معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف»، وأمه «هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف»، ويلتقى نسبه من جهة أبيه وأمه مع نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى «عبد مناف»، ولُقِّب بخال المؤمنين؛ لأن أخته «أم حبيبة» أم المؤمنين كانت زوجًا للنبى - صلى الله عليه وسلم -. وُلد قبل الهجرة بنحو خمسة عشر عامًا، وأسلم عام الفتح، سنة (8هـ)، مع أبيه وأخيه «يزيد بن أبى سفيان» وسائر «قريش»، وأصبح منذ أن أسلم كاتبًا من كتَّاب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشارك فى عهد «أبى بكر الصديق» فى حروب الردة، وفى فتوح الشام تحت قيادة أخيه الأكبر «يزيد»، وأبلى فى ذلك بلاءً حسنًا. عيَّنه «عمر بن الخطاب» واليًا على الشام كله، بعد وفاة أخيه «يزيد» سنة (18هـ)؛ لكفاءته الحربية ومهارته فى السياسة والإدارة، وظل فى ولايته مدة خلافة «عمر»، ثم أقره «عثمان بن عفان» (24 - 36هـ) على ولايته، فاستمر فى سياسته الحكيمة، ضابطًا لعمله، حارسًا لحدود إمارته، متصديا بكل حزم لأعداء الإسلام، محبوبًا من رعيته. استقبل المسلمون خلافة «معاوية» استقبالا حسنًا، واجتمعت عليه كلمتهم، وكان هو عند حسن الظن، جديرًا بالمنصب الجليل، خبيرًا بشئون الحكم وأمور السياسة، تدعمه فى ذلك خبرة واسعة، وتجربة طويلة فى الإدارة وسياسة الناس، امتدت إلى أكثر من عشرين عامًا، هى فترة ولايته على الشام، بالإضافة إلى تمتعه بكثير من الصفات الرفيعة، التى تؤهله ليكون رجل دولة من الطراز الأول. وقد أجمع المؤرخون على أنه كان لمعاوية نصيب كبير من الذكاء والدهاء والسماحة والحلم والكرم، وسعة الأفق، وقدرة فائقة على التعامل مع الناس على قدر أحوالهم، أعداءً كانوا أم أصدقاء. وقد أفرغ «معاوية» جهده كله، ومواهبه وطاقاته فى رعاية مصالح المسلمين وتوطيد دعائم الدولة، ونشر الأمن والاستقرار فى ربوعها، واتبع

فى تحقيق ذلك سياسة حكيمة تقوم على دعائم ثابتة، تتلخص فيما يلى: - العمل على تضميد جراح الأمة، وتسكين نفوسها، وتأليف قلوبها بعد فترة مضطربة من حياتها، والإحسان والتودد إلى كبار الشخصيات من شيوخ الصحابة وأبنائهم، وبخاصة آل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدت هذه السياسة إلى تجميع القلوب حوله، وتحويل الخصوم إلى أعوان وأصدقاء. - وحسن اختياره للولاة والحكام، لأنه أدرك أنه مهما أوتى من ذكاء وفطنة، ومقدرة وحكمة، فلن يستطيع أن يحكم الدولة وحده، ومن ثم لابد له من أعوان، يساعدونه فى إدارة البلاد على خير وجه، فاختارهم بعناية فائقة من بين أقوى الناس عقلا، وأحسنهم سياسة، وأحزمهم إدارة، أمثال «عمرو بن العاص»، و «المغيرة بن شعبة»، و «زياد» و «عتبة» أخويه، وغيرهم. - ومباشرته أعماله بنفسه، وتكريسه وقته وجهده للدولة وسياستها، وعدم ركونه إلى حياة الراحة والدعة، على الرغم من استعانته فى إدارة الدولة بأعظم الرجال فى عصره. بهذه السياسة استقرت الدولة وسادها النظام، وعمَّها الأمن والسكينة، ولم يشذ عن ذلك سوى الخوارج، فأخذهم «معاوية» بالشدة؛ حفاظًا على سلامة الأمة، واتسمت سياسته الخارجية وبخاصة تجاه الدولة البيزنطية بمواصلة الضغط عليها، ومحاصرة «القسطنطينية» - عاصمتها - أكثر من مرة، وجعلها تقف موقف الدفاع عن نفسها. وتُوفِّى «معاوية» فى شهر رجب سنة (60هـ).

*يزيد بن معاوية

*يزيد بن معاوية هو «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان» وأمه «ميسون بنت مخول الكلبية». ولد فى «دمشق» سنة (26هـ) فى خلافة «عثمان بن عفان»، حين كان أبوه واليًا على الشام، فنشأ فى بيت إمارة وجاه، وقد عُنى أبوه بتربيته تربية عربية إسلامية، فأرسله وهو طفل إلى البادية عند أخواله من «بنى كلب»، فشب شجاعًا كريمًا، أبى النفس، عالى الهمة، شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا، حاضر البديهة، حسن التصرف فى المواقف. ويعده العلماء من الطبقة الأولى من التابعين، ولبعضهم رأى حسن فيه مع أخذهم عليه ميله إلى حياة اللهو فى صدر شبابه، فلقبه «الليث بن سعد» فقيه «مصر» الكبير بلقب «أمير المؤمنين»، وقال عنه «ابن كثير»: «وقد كان فى يزيد خصال محمودة من الكرم والفصاحة والشعر والشجاعة، وحسن الرأى فى الملك، وكان ذا جمال، حسن المعاشرة». ومنذ أن عزم أبوه على توليته الخلافة بعده أخذ يحمله على الجد والحزم، وترك حياة اللهو والترف، استعدادًا لتولى هذا المنصب الجليل، وعهد إليه بالقيام بالمهام الصعبة، فأرسله على رأس الحملة العسكرية التى وجهها فى سنتى (49 - 50 هـ) لحصار القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ، وكان تحت قيادته بعض كبار الصحابة. كان «يزيد» غائبًا عن «دمشق» عند وفاة أبيه فى رجب سنة (60هـ)، فأخذ البيعة له «الضحاك بن قيس»، ولما حضر جاءته الوفود وأمراء الأجناد، لتعزيته فى أبيه وتهنئته بالخلافة وتجديد البيعة له. وقد ترسَّم «يزيد» خطى أبيه، واستوعب وصيته له التى توضِّح له معالم طريقه السياسى، وتبيِّن له كيفية التعامل مع المشكلات وأحوال الرعية، وهذه الوصية تُعدُّ من أهم الوثائق السياسية فى فن الحكم وإدارة الدول. حافظ «يزيد» على سلامة الدولة وهيبتها، وحمى حدودها، واستمرت حركة الفتوحات فى عهده، فوصل «عقبة بن نافع» إلى شواطئ «المحيط الأطلسى»، مخترقًا الشمال الإفريقى كله، وعبرت طلائع الفتح نهر «جيحون» لفتح

بلاد «ما وراء النهر» (آسيا الوسطى). وكان يمكن لعهد «يزيد» أن يكون امتدادًا لعهد أبيه، استقرارًا واستتبابًا، لولا عدة حوادث خطيرة، عكَّرت صفو الأمة الإسلامية، وألقت بظلال سوداء على عهد «يزيد»، وطمست إنجازاته، منها: حادثة استشهاد «الحسين بن على» - رضى الله عنهما - فى «كربلاء» سنة (61هـ) وغزو «المدينة المنورة» سنة (63هـ) لقمع الثورة التى قام بها أهلها ضده دون سبب قوى، ثم غزو «مكة المكرمة» للقضاء على دولة «عبدالله بن الزبير» سنة (64هـ). ولم تطل أيام «يزيد»، فقد توفى فى شهر ربيع الأول سنة (64هـ)، وهو فى الثامنة والثلاثين من عمره.

*معاوية بن يزيد

*معاوية بن يزيد هو «معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان»، وأمه «أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة»، ومع أنه لم ينهض بعمله باعتباره خليفة، فإنه أخذ مكانه فى سلسلة خلفاء الدولة الأموية، ويسميه بعض المؤرخين «معاوية الثانى»؛ لأن أباه قد عهد إليه بالخلافة بعده، طبقًا لنظام الوراثة الذى أسسه جده «معاوية»، وقد بايعه الناس بعد وفاة أبيه، لكنه أعلن فى صراحة أنه عاجز عن النهوض بمسئولية الخلافة، وعليهم أن يبحثوا عن شخص كفء من أهل الصلاح والتقوى لتحمل عبء مسئولية منصب الخلافة. ولم تطل حياة ذلك الشاب الورع، حيث تُوفِّى بعد أبيه «يزيد» بنحو أربعة أشهر، أو بعد أربعين يومًا فى قول آخر سنة (64هـ).

*مروان بن الحكم

*مروان بن الحكم هو «مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس»، ولد فى السنة الأولى من الهجرة، ولذلك يعده بعض العلماء من الصحابة، وهو ابن عم الخليفة «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، وكان كاتبه وأمين سره، وولاه «معاوية بن أبى سفيان» فى خلافته «المدينة المنورة» أكثر من مرة؛ ثقة منه بقدرته وخبرته السياسية التى اكتسبها طوال عمله مع «عثمان». وكان «مروان» أثناء ولايته على «المدينة» يتحرَّى العدل، ولا يصدر أمرًا إلا بعد استشارة صلحاء الناس، ومن مآثره التى جلبت ثناء الناس عليه أنه جمع صيعان «المدينة» التى يكيلون بها، وأخذ بأعدلها وأضبطها كيلا، فنسبه الناس إليه، وقالوا: «صاع مروان»، وقال عنه الإمام «أحمد بن حنبل»: «كان عند مروان قضاء - يقصد كان عادلا فى قضائه - وكان يتبع قضايا عمر بن الخطاب»، ويصفه المؤرخون بالشجاعة والشهامة، والدهاء وحسن السياسة. اضطرب أمر «بنى أمية» بعد رفض «يزيد بن معاوية» أن يتولى الخلافة، أو يعهد بالأمر إلى أحد من أهل بيته، وفى هذه الأثناء أعلن «عبدالله بن الزبير» نفسه خليفة للمسلمين سنة (64هـ) فى «مكة»، فبايعه «العراق» و «مصر»، حتى الشام نفسها معقل الأمويين بايعه معظم أقاليمها، وبدا الأمر كما لو أن دولة الزبيريين قامت، ودولة الأمويين بادت. كان «مروان بن الحكم» وبنوه يعيشون فى «المدينة المنورة»، فأخرجهم منها «عبدالله بن الزبير» فرحلوا إلى الشام، حيت تجمع هناك كل أنصار «بنى أمية» وولاتهم، من أمثال: «عبيد الله بن زياد»، و «الحصين بن نمير»، فأخذوا يشجعون «مروان» على تحمل قيادة البيت الأموى، ومنع دولتهم من السقوط. وبعد مداولات طويلة بين زعماء القبائل استغرقت عدة شهور عقد مؤتمر فى «الجابية» بالقرب من «دمشق»، فى شهر ذى القعدة سنة (64هـ)، بويع فيه «مروان بن الحكم» بالخلافة، باعتباره أكبر أبناء البيت الأموى سنا، وأكثرهم تجربة. كان على

«مروان» بعد بيعته أن يثبت جدارته بهذا المنصب وأهليته له، بأن يسترد نفوذ «بنى أمية» وسلطانهم فى الشام، معقلهم الرئيسى، الذى خضع معظمه لعبدالله بن الزبير، ومن ثم خاض «مروان» مع أنصار «ابن الزبير» معركة كبيرة فى «مرج راهط»، شرقى «دمشق» فى نهاية سنة (64هـ)، وكان النصر فيها حليف «مروان»، وبداية الطريق لاستعادة الأمويين لدولتهم التى كانت قاب قوسين أو أدنى من الزوال. ولم يضيع «مروان» وقتًا بعد هذا الانتصار، فعاد إلى «دمشق»، حيث تلقى وفود المهنئين والمبايعين. وبعد فترة قصيرة اطمأن فيها على استقرار الأوضاع فى الشام، ترك ابنه «عبدالملك» فى «دمشق» نائبًا عنه فى حكمها، وتوجه إلى «مصر» التى كانت تحت حكم «عبدالله بن الزبير»، فاستردها بسهولة، وأقام بها نحو شهرين، رتَّب فيها أوضاعها، وعيَّن ابنه «عبدالعزيز» واليًا عليها، وعاد هو إلى «دمشق»، ليستأنف صراعه مع «ابن الزبير»، لكن الموت عاجله سنة (65هـ) بعد حكم دام عشرة شهور.

*عبدالملك بن مروان

*عبدالملك بن مروان هو «عبدالملك بن مروان بن الحكم»، ولد فى «المدينة» سنة (26هـ) فى خلافة «عثمان بن عفان»، ونشأ بها نشأة علمية، وتتلمذ لكبار الصحابة، من أمثال «عبدالله بن عمر»، و «أبى سعيد الخدرى»، و «أبى هريرة» رضى الله عنهم، وبرع فى الفقه حتى عُدَّ من فقهاء «المدينة»، وقد تواترت الأخبار عن فقهه وغزارة علمه ورجاحة عقله، قال عنه «الذهبى»: «ذكرته لغزارة علمه»، وقال «الشعبى»: «ما جالستُ أحدًا إلا رأيت لى الفضل عليه إلا عبدالملك بن مروان»، واحتج الإمام «مالك بن أنس» بقضائه. ومكث «عبدالملك» معظم حياته قبل أن يلى الخلافة فى «المدينة المنورة»، لم يغادرها إلا لحج أو لجهاد، فقد اشترك فى فتح «شمال إفريقيا» فى عهد «معاوية بن أبى سفيان». تولى «عبدالملك» الخلافة بعد وفاة أبيه فى رمضان سنة (65هـ)، ووجد الدولة الإسلامية قد تنازعتها خمس دول: دولته هو، وتتكون من «مصر» والشام وعاصمتها «دمشق»، ودولة «عبدالله بن الزبير» وتتكون من «الحجاز» وبعض «العراق» و «بلاد فارس»، وعاصمتها «مكة المكرمة»، ودولة للشيعة أقامها «المختار بن أبى عبيد الثقفى» فى جزء من «العراق»، وعاصمتها «الكوفة»، ودولة للخوارج الأزارقة فى إقليم «الأهواز»، جنوبى شرقى «العراق»، ودولة للخوارج النجدات فى إقليم «اليمامة» فى شرقى الجزيرة العربية وجنوبى شرقيها. رأى «عبدالملك» أن هذه الدول التى برزت خلال الفوضى التى عمَّت بعد وفاة «يزيد بن معاوية» لا رابط يجمع بينها سوى العداء لبنى أمية، فتركهم فى البداية يأكل بعضهم بعضًا، فاشتبك «ابن الزبير» مع «المختار الثقفى»، وقضى عليه تمامًا حين أرسل له جيشًا بقيادة أخيه «مصعب بن الزبير»، فتمكن من هزيمته سنة (67هـ)، وبذلك تخلص «عبدالملك» من واحد من أقوى خصومه دون أن يبذل أى جهد، ثم توجَّه هو على رأس جيش استطاع أن يقضى به على «مصعب بن الزبير» سنة (72هـ)، ثم أرسل جيشًا بقيادة «الحجاج بن

يوسف» إلى «مكة» استطاع أن يقضى على «عبدالله بن الزبير» سنة (73هـ)، كما نجح عبدالملك فى القضاء على دولتى الخوارج، وبذلك تخلَّص من خصومه، وقضى على الانقسامات التى أضعفت الدولة الإسلامية، وأعاد إليها وحدتها، ولذا عدَّه المؤرخون المؤسس الثانى للدولة الأموية، وعدُّوا سنة (73هـ) عام الجماعة الثانى. أظهر «عبدالملك» براعة فائقة فى إدارة الدولة وتنظيم أجهزتها، مثلما أظهر براعة فى إعادة الوحدة إلى الدولة الإسلامية، فاعتمد على أكثر الرجال -فى عصره- مهارة ومقدرة، وأعظمهم كفاءة وخبرة، وسياسة وإدارة، ومن أبرزهم «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى عهد إليه «عبدالملك» بإدارة القسم الشرقى للدولة، الذى يتكون من «العراق»، وكل أقاليم الدولة الفارسية القديمة، وكان «الحجاج» عند حسن الظن به، فبذل أقصى طاقته فى تثبيت أركان الدولة، والقضاء على كل مناوئيها، وكذلك إخوة «عبدالملك» الذين كانوا من أبرز ركائز دولته، ومنهم: «بشر بن مروان»، «ومحمد بن مروان» و «عبدالعزيز بن مروان» الذى ولى «مصر» نحو عشرين سنة (65 - 85هـ). وتفقد «عبدالملك» أحوال دولته بنفسه وتابع أحوال عُمَّاله وولاته، وراقب سلوكهم، ولم يسمح لأحد منهم بأن يداهنه أو ينافقه. وأنجز أعمالا إدارية ضخمة، دفعت بالدولة الإسلامية أشواطًا على طريق التقدم والحضارة، تمثلت فى تعريب دواوين الخراج فى الدولة الإسلامية كلها، وتعريب النقود، وتنظيم ديوان البريد، وجعله جهازًا رقابيا، يراقب العمال والولاة ويرفع إليه تقارير عن سير العمل فى الولايات. وتُوفِّى «عبدالملك بن مروان» فى شوال سنة (86هـ) بعد أن كرَّس كل وقته وجهده لتوطيد أركان الدولة، والسهر على رعاية مصالح المسلمين.

*الوليد بن عبدالملك

*الوليد بن عبدالملك هو «الوليد بن عبدالملك بن مروان»، وُلد سنة (50هـ)، وهو أكبر أبناء «عبدالملك»، الذى حرص على تربيتهم تربية إسلامية، فعهد بهم إلى كبار العلماء والصلحاء لتعليمهم وتربيتهم، وخص ابنه «الوليد» بعناية خاصة، لأنه ولى عهده، وخليفته فى حكم الدولة الإسلامية، فشب «الوليد» على الصلاح والتقوى، حافظًا للقرآن، دائم التلاوة له. تولَّى «الوليد» الخلافة بعد وفاة أبيه، الذى ترك له دولة واسعة الثراء، غنية بالموارد، قوية الساعد، مرهوبة الجانب، موحَّدة الأجزاء، متماسكة البناء، موطَّدة الأركان، فاستثمر ذلك على أحسن وجه فى الفتوحات الإسلامية، فاستكمل المسلمون فى عهده فتح الشمال الإفريقى كله، وفتحوا بلاد «الأندلس»، وأتمُّوا فى المشرق فتح بلاد «ما وراء النهر» - آسيا الوسطى - وفتح إقليم «السند» فى «شبه القارة الهندية». وبرز فى عهده عدد من القادة الكبار، منهم من أشرف على فتح تلك البلاد، مثل: «الحجاج بن يوسف الثقفى»، ومنهم من قاد تلك الفتوحات بنفسه، مثل: «قتيبة بن مسلم الباهلى» فاتح بلاد «ما وراء النهر»، و «محمد بن القاسم الثقفى» فاتح «السند»، و «موسى بن نصير» و «طارق بن زياد» فاتحى «الأندلس». كما نهض «مسلمة بن عبدالملك» أخو «الوليد» بمنازلة الدولة البيزنطية، ومواصلة الضغط عليها، والاستعداد لمحاصرة عاصمتها «القسطنطينية». وشهد عصره نهضة عمرانية كبرى، فأعاد بناء «المسجد النبوى» وأدخل عليه توسعات كبيرة، وعهد إلى ابن عمه والى «المدينة» «عمر بن عبدالعزيز» بمتابعة ذلك، كما بنى «المسجد الأقصى» فى مدينة «القدس»، وبنى «مسجد دمشق»، وأنفق عليه كثيرًا ليكون آية من آيات العمارة، وعُنى عناية فائقة بتعبيد الطرق التى تربط بين أجزاء الدولة، التى امتدت أطرافها من «الصين» شرقًا إلى «الأندلس» غربًا، ومن «بحر قزوين» شمالا إلى «المحيط الهندى» جنوبًا، وبخاصة الطرق التى تؤدى إلى «مكة المكرمة»، لتسهِّل سفر

حجاج بيت الله الحرام. وفى عهده سبقت الدولة الإسلامية كل دول العالم فى تقديم الخدمات للناس مجانًا، وبخاصة الخدمات الطبية لأصحاب الأمراض المزمنة، يقول «الطبرى»: «كان الوليد عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد، مسجد دمشق، ومسجد المدينة، ووضع المنابر، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال لا تسألوا الناس، وأعطى كل مُقعَد خادمًا، وكل ضرير قائدًا، وفُتح فى عهده فتوح عظام». وتُوفِّى الوليد بن عبدالملك فى جمادى الآخرة سنة (96هـ).

*سليمان بن عبدالملك

*سليمان بن عبدالملك هو «سليمان بن عبدالملك بن مروان»، وُلد فى «المدينة»، ونشأ فى الشام، وبُويع له بالخلافة فى اليوم الذى تُوفِّى فيه أخوه «الوليد بن عبدالملك». كان «سليمان» من أفضل أولاد «عبدالملك»، ومن أكبر أعوان أخيه «الوليد» أثناء خلافته، وولى له «فلسطين»، وصفه «الذَّهبى» بقوله: «من أمثل الخلفاء - يعنى من أفضلهم - نشر علم الجهاد، وكان ديِّنا فصيحًا مفوَّهًا، عادلا محبا للغزو، استعان فى إدارة دولته وتصريف شئونها بعظماء الرجال وصالحيهم، من أمثال: ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز»، و «رجاء بن حيوة». حافظ «سليمان» على هيبة الدولة ومكانتها، فواصل الجهاد والفتوحات، وأرسل جيشًا بقيادة أخيه «مسلمة بن عبدالملك» لحصار «القسطنطينية»، فدام نحو سنة كاملة (98 - 99هـ)، وأشرف بنفسه على هذه الحملة، حيث اتخذ من مدينة «مرج دابق» شمالى الشام مركز قيادة له؛ ليكون على مقربة من ميدان المعارك الحربية، وتُوفِّى هناك فى شهر صفر سنة (99هـ)، ولذا قال بعض العلماء: إنه مات شهيدًا، بعد أن توَّج أعماله بعمل يدل على صلاحه وحرصه على مصالح المسلمين، وهو تولية ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز» الخلافة من بعده.

*عمر بن عبدالعزيز

*عمر بن عبدالعزيز هو «عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم»، وأمه «أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب». وُلد فى «المدينة المنورة» سنة (26هـ) على الأرجح، ونشأ بها بناءً على رغبة أبيه، الذى تولَّى إمارة «مصر» بعد ولادة «عمر» بثلاث سنوات سنة (65هـ)، فنشأ بين أخواله من أسرة «عمر بن الخطاب»، ونهل من علم علمائها من بقية الصحابة، وكبار التابعين، حتى صار من كبار الفقهاء علمًا وعملا. ظل «عمر» فى «المدينة» حتى سنة (58هـ)، وهى السنة التى تُوفى فيها أبوه، فاستدعاه عمه «عبدالملك بن مروان» إلى «دمشق»، وخلطه بأبنائه، وزوَّجه ابنته «فاطمة»، ثم عيَّنه واليًا على منطقة «خناصرة» شمالى شرقى الشام، ثم عيَّنه ابن عمه «الوليد بن عبدالملك» واليًا على «المدينة المنورة»، فكان ذلك مصدر سعادة لعمر ولأهل «المدينة» جميعًا، ونعم الناس فى فترة ولايته عليها (87 - 93 هـ) بالعدل والأمن، وأشرك معه أهل العلم والفضل منهم فى إدارة أمور الولاية. أخذ «عمر بن عبدالعزيز» منذ أن ولى الخلافة فى بذل كل ما يملك من طاقة، وما يتمتع به من خبرة فى إصلاح أمور الدولة، واستقرار الأمن، ونشر الرخاء والعدل، وتحقيق الكفاية والوفرة فى كل أنحائها، والحرص على مال المسلمين، وإنفاقه فى وجوهه المشروعة، وحسن التصرف فى الأمور، والدقة فى اختيار الولاة والقضاة وسائر كبار رجال الدولة، وتحقيق التوازن بين طبقات المجتمع، ومجادلة الخارجين على الدولة بالحسنى؛ لإقناعهم بالعودة إلى حظيرة الجماعة. وقد سرت تلك الروح فى كل ناحية من نواحى الحياة فى الأمة الإسلامية، فعمها الرخاء، وسادت فيها الكفاية والعدالة الاجتماعية، حتى إن عمال الصدقات كانوا يبحثون عن فقراء لإعطائهم فلا يجدون. رأى «عمر بن عبدالعزيز» أن الدولة اتسعت كثيرًا، وأن كثيرًا من المشاكل والأخطاء نشأت من ذلك الاتساع، فرأى وقف الفتوحات والاهتمام بنشر الإسلام فى البلاد التى تم فتحها،

وإرسال الدعاة والعلماء لدعوة الناس بدلا من إرسال الجيوش والحملات، وقد أثمرت تلك الجهود نتائج محمودة، فأقبل أبناء الشعوب المفتوحة على اعتناق الإسلام، يجذبهم إليه سمعة الخليفة الحسنة، وسمو أخلاقه، ونبله وعدله، الذى تجاوز حدود دولته إلى غيرها من الدول، فكان موضع إعجاب وتقدير، وحمد وثناء من أهلها، وبخاصة الدولة البيزنطية. وقد استمرت خلافة «عمر» سنتين وبضعة أشهر، شهدت فيها الدولة إصلاحات عظيمة فى الداخل والخارج، وامتلأت الأرض نورًا وعدلا وسماحة ورحمة، وتجدَّد الأمل فى النفوس بإمكان عودة حكم الراشدين، واقعًا ملموسًا وحقيقة لا خيالا، وأن يقام المعوج، وينصلح الفاسد، ويُرد المنحرف إلى جادة الصواب، إذا استشعر الحاكم مسئوليته عن الأمة أمام الله، واستعان بأهل الصلاح من ذوى الكفاءة والقدرة، ومن ثم فليس بغريب أن يطلق على «عمر» «خامس الخلفاء الراشدين»، وأن يكون موضع تقدير أشد الفرق عداءً لبنى أمية كالشيعة والخوارج. وتُوفِّى «عمر بن عبدالعزيز» فى أواخر شهر رجب سنة (101هـ).

*يزيد بن عبدالملك

*يزيد بن عبدالملك هو «يزيد بن عبدالملك بن مروان»، وأمه «عاتكة بنت يزيد بن معاوية ابن أبى سفيان»، وُلد فى «دمشق» سنة (71هـ) على وجه التقريب، وبويع له بالخلافة فى اليوم الذى تُوفى فيه ابن عمه «عمر بن عبدالعزيز» فى نهاية شهر رجب (101هـ). وتدل أخباره قبل تولِّيه الخلافة على أنه كان يحب العلم ومجالسة العلماء، ولديه ميل إلى الاستقامة، وقد حاول بعد توليه الخلافة أن يقتدى بسلفه العظيم «عمر بن عبدالعزيز»، لكن قرناء السوء حالوا بينه وبين ذلك، وزيَّنوا له حياة اللهو واللعب، ويعبِّر عن ذلك «ابن كثير» بقوله: «فلما ولى - «يزيد بن عبدالملك» الخلافة - عزم على أن يتأسَّى بسيرة عمر بن عبدالعزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسَّنوا له الظلم». ولم تكن مناعة «يزيد» ضد الانغماس فى حياة اللهو قوية، فاستجاب لقرناء السوء ورفاق اللهو، ولولا أن الدولة الأموية كانت زاخرة بالرجال الأفذاذ، وعامرة بالأبطال من أبناء الأسرة الحاكمة، لانهارت فى عصره، فقد عوَّض هؤلاء عدم كفاءة الخليفة لقيادة الدولة، ويأتى فى مقدمتهم أخوه: «مسلمة بن عبدالملك» فارس «بنى مروان»، وابن أخيه «العباس بن الوليد بن عبدالملك»، وابن عمه «مروان بن محمد بن مروان»، وقد نجح الأولان فى القضاء على الثورة العارمة، التى أشعلها «يزيد بن المهلب» سنة (102هـ)، أحد أبناء البيوتات العربية الطامحة إلى الخلافة بعد ما نجح فى السيطرة على معظم «العراق»، وعرّض الدولة للسقوط، كما تصدّوا لحركات الخوارج وكل مناوئى الدولة، وحافظوا على سلامتها. ولم تطل خلافة «يزيد»، فقد تُوفى فى أواخر شهر شعبان سنة (105هـ).

*هشام بن عبدالملك

*هشام بن عبدالملك هو «هشام بن عبدالملك بن مروان»، رابع أبناء «عبدالملك» الذين ولوا الخلافة، أمه «أم هاشم بنت إسماعيل المخزومى»، وُلد فى «دمشق» سنة (72هـ)، وبويع له بالخلافة سنة (105هـ). ومع أن المصادر التاريخية لم تحدثنا كثيرًا عن حياته قبل الخلافة، وعمَّا إذا كانت له مشاركة فى تسيير أمور الدولة أم لا، فإنها تجمع على أنه كان ذا رأى وبصيرة، وحكمة وفطنة، حازمًا ذكيا، له بصر بالأمور، جليلها وحقيرها، محشوا عقلا على حسب تعبير «الطبرى». وكان من حسن الطالع للدولة الأموية وللمسلمين أن يخلف «هشام بن عبدالملك» أخاه «يزيد»، فقد ظل فى الخلافة نحو عشرين عامًا، أدار فيها الدولة بكفاءة عالية، وأظهر حكمة سياسية فى تعامله مع الكتلتين العربيتين الرئيسيتين فى الدولة، وهما عرب الجنوب (اليمن)، وعرب الشمال (قيس)، فلم يتحيز إلى كتلة ضد الأخرى، واحتفظ بعلاقة طيبة معهما ومع الجميع بصفة عامة، ولعل هذه السياسة هى التى كفلت للدولة الاستقرار النسبى طوال حكمه. وقد تمتع «هشام» بعديد من الصفات اللازمة لرجل الدولة، من حلم وتسامح وسعة صدر، وعدل وحزم، أما أبرز صفاته الإدارية على الإطلاق فهى قدرته الفائقة على تدبير الأموال وحسن التصرف فيها، مع تحرى العدل فى جمعها وإنفاقها على حد سواء، فنعمت الدولة فى عهده باستقرار مالى كبير. وأظهر «هشام» كفاءة عالية ومقدرة فائقة فى إدارة الشئون الخارجية للدولة، فحافظ على هيبتها فى عيون أعدائها، وبخاصة الدولة البيزنطية. ولم يعكر صفو الدولة فى عهد «هشام» سوى ثورة «زيد بن على بن الحسين بن على» سنة (121هـ)، حين حرّضه العراقيون على الثورة ضد «هشام»، والخروج عليه، ثم تخلَّوا عنه كما فعل أسلافهم مع جده «الحسين بن على»، وتركوه يلقى حتفه سنة (122هـ)، وقد حزن «هشام» على قتله، لأنه كان يكره سفك الدماء. وتُوفى «هشام بن عبدالملك» فى مطلع شهر ربيع الآخر سنة (125هـ).

*الوليد بن يزيد بن عبدالملك

*الوليد بن يزيد بن عبدالملك هو أول حفيد من أحفاد «عبدالملك بن مروان» يتولى الخلافة، طبقًا لنظام الوراثة الذى سار عليه الأمويون، إذ عَهِدَ «يزيد بن عبدالملك» إلى ابنه بالخلافة بعد أخيه «هشام بن عبدالملك». وتُعد خلافة «الوليد بن يزيد» بداية النهاية للدولة الأموية، وطليعة سقوطها؛ لأنه كان على شاكلة أبيه لهوًا ولعبًا، وإذا كان أبوه قد رزق من يعوض نقص كفاءته فى الحفاظ على سلامة الدولة، من إخوته وأبناء عمومته، فإن «الوليد» لم يجد مثل هذا النوع من أفذاذ الرجال، بل ثار عليه أبناء عمومته من أبناء «الوليد بن عبدالملك» وأخيه «هشام»، وشهد عصره أول انقسام داخلى بين الأسرة الأموية وأشده خطرًا. وقد حاول «الوليد» استرضاء الجند بزيادة رواتبهم، واستمالة الناس بزيادة أعطياتهم من الأموال الكثيرة التى تركها له عمه «هشام بن عبدالملك» فى خزانة الدولة، لكن ذلك لم يمنع الثائرين عليه من أبناء عمومته بزعامة «يزيد بن الوليد» من تلطيخ سمعته واتهامه بالفسق والفجور، والمبالغة فى تلك التهم والتشهير به؛ لأن «ابن الأثير» يقول: «إن الوليد لم يكن على هذه الدرجة من السوء، غير أن خصومه نجحوا فى خطتهم، وقتلوه فى جمادى الآخرة سنة (126هـ)، فاتحين بذلك أبواب الشر على الدولة من كل جانب، مفجِّرين الثورات والفتن فى كل مكان».

*يزيد بن الوليد بن عبدالملك

*يزيد بن الوليد بن عبدالملك هو أول أموى من أم غير عربية يتولَّى الخلافة، فأمه فارسية تُدعى «شاه أفريد بنت فيروز بن يزدجرد الثالث» آخر ملوك الفرس. تولَّى الخلافة بعد مقتل ابن عمه «الوليد بن يزيد» سنة (126هـ)، وحاول أن يظهر الصلاح والتقوى، ويتشبه بعمر بن عبدالعزيز فى عدله وزهده، ليمحو من أذهان الناس فعلته الشنعاء بابن عمه، لكنه لم ينجح فى ذلك، إذ اضطربت عليه الأمور، ونقم عليه الجند بعد أن أنقص أعطياتهم التى كان قد زادها الخليفة السابق، ولقَّبُوه «يزيد الناقص». وقد اضطربت الدولة فى عهده اضطرابًا شديدًا، وجرَّ عليها بفعلته كوارث لا قِبَل لها بها، وشغل أبناء الأسرة الأموية فى صراعات داخلية دمويّة، فى الوقت الذى كانوا فيه أحوج الناس إلى الوحدة والتضامن إزاء الدعوة العباسية التى نشطت استعدادًا للانقضاض على الدولة. وزاد الأمر سوءًا أن «يزيد» عجز عن المحافظة على سياسة التوازن بين القبائل العربية التى انتهجها عمه «هشام بن عبدالملك»؛ فانحاز إلى أهل «اليمن» الذين ساعدوه فى الثورة على «الوليد»؛ مما أغضب عرب «قيس»، فثاروا عليه فى الشام معقل «بنى أمية»، ثم أخذ الخلل والاضطراب يسريان فى جميع أقاليم الدولة. وفى ظل هذه الأحداث الهائجة، والأجواء العاصفة توفى «يزيد» فجأة فى نهاية سنة (126هـ)، بعد حكم لم يتجاوز ستة أشهر، تاركًا الدولة غارقة فى حالة من الفوضى والغليان.

*إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك

*إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك على الرغم من مبايعة بعض الناس لإبراهيم بالخلافة بعد وفاة أخيه «يزيد» الذى كان قد عهد إليه بالخلافة، فإن الأمرلم يتم له، ولم يستطع أن يمسك بزمام الأمور فى الدولة التى انفرط عقدها، لذا يقول «الطبرى»: «كان الناس فى جمعة يسلمون على إبراهيم بن الوليد بالخلافة، وفى الأخرى بالإمارة، وفى الثالثة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالإمارة»، كما رفضت معظم أقاليم الشام بيعته، وحمَّلته هو وأخاه «يزيد» مسئولية قتل «الوليد بن يزيد» وما ترتب على ذلك من فتن وشرور. وفى هذه الأثناء تحرك «مروان بن محمد بن مروان»، والى «أرمينيا» و «أذربيجان»، لإنقاذ الدولة من السقوط والضياع، بعد أن هاله وأفزعه ما أقدم عليه أبناء عمومته، وقدم إلى «دمشق» على رأس ثمانين ألف جندى، للقضاء على «إبراهيم بن الوليد» الذى هرب، فدخلها فى ربيع الآخر سنة (127هـ)، وبايعه الناس بالخلافة، مؤملين إنقاذ الدولة من الضياع، ولكن كان للأقدار رأى آخر، فقد شاءت أن تكتب فى عهده شهادة وفاة تلك الدولة.

*مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

*مروان بن محمد بن مروان بن الحكم هو آخر خلفاء «بنى أمية»، ولى حكم «أرمينيا» و «أذربيجان» منذ خلافة ابن عمه «هشام بن عبدالملك»، وكان من أكفأ الولاة، وأكثرهم خبرة وبصرًا بالأمور؛ فارسًا شجاعًا، بطلا مقدامًا، غيورًا على ملك «بنى أمية». أدرك «مروان» عواقب مقتل «الوليد بن يزيد» على البيت الأموى، فخرج من «أرمينيا» قاصدًا «دمشق»؛ ليثأر لمقتل «الوليد»، لكن الخليفة الجديد «يزيد بن الوليد» ترضَّاه، ورجاه أن يرجع، ووعده بإصلاح الأحوال، فرجع مؤمِّلا أن يفى الخليفة بوعده، غير أن الخليفة تُوفِّى فجاءة، تاركًا الدولة وأحوالها مضطربة، لأخيه «إبراهيم»، الذى عجز عن النهوض بأعباء الخلافة؛ مما دفع «مروان» إلى التحرك من جديد، قاصدًا «دمشق»، ليجد «إبراهيم» قد غادرها هربًا، فيدخلها، ويبايع له بالخلافة، ليقوم بآخر محاولة لإنقاذ الدولة الأموية، التى شاءت الأقدار أن تكون نهايتها على يديه. ولا يستطيع أحد أن يلوم «مروان» أو يحمله مسئولية زوال الدولة، فعوامل سقوطها كانت تتفاعل وتعمل من زمن بعيد، وكُتب له أن يجنى وحده الثمار المرة لأخطاء من سبقه، على الرغم مما بذله من جهد ومثابرة، وعزم لا يلين، فحارب فى أكثر من ميدان، وصارع أحداثًا عدّة، كانت كلها ضدَّه، وأول خطر واجهه هو انقسام البيت الأموى شيعًا وأحزابًا، وإشعال أبناء عمومته الثورات العارمة ضده فى الشام و «العراق»، ثم انقسام القبائل العربية؛ حيث وقفت القبائل اليمنية فى وجهه، وهم الأنصار التقليديون لبنى أمية، وهبوب ثورات الخوارج الأخيرة ضد الدولة، وانفجار المشكلات فى أنحاء الدولة كلها من «الأندلس» حتى بلاد «خراسان» و «ما وراء النهر». وفى الوقت الذى يواجه فيه «مروان» كل هذه الظروف الصعبة، منتقلا من ميدان إلى ميدان، ومن جبهة إلى أخرى دون كلل أو ملل، محاولا إنقاذ الدولة، وبث روح الحياة فيها، وتجديد الدماء فى أوصالها -

تفاجئه رايات العباسيين منحدرة من «خراسان» كالسيل المنهمر، مكتسحة كل قواته فى طريقها، ولم تتوقف إلا بهزيمته وهو على رأس جيوشه فى معركة على «نهر الزاب» بالعراق، فى شهر جمادى الآخرة سنة (132هـ). ولم يجد «مروان» طريقًا سوى الهرب إلى «مصر»، غير أن العباسيين لاحقوه إلى هناك، واستطاع «صالح بن على بن عبدالله بن عباس»، عم أول خليفة عباسى أن يقتله فى قرية تُسمَّى «زاوية المصلوب» التابعة لبوصير الواقعة جنوبى «الجيزة»، فى ذى الحجة سنة (132هـ)، وبوفاته انتهت الدولة الأموية فى المشرق، وقامت الدولة العباسية.

*أبان بن عثمان

*أبان بن عثمان أبوه الخليفة «عثمان بن عفان»، وُلد سنة (20 هـ) بالمدينة، وكان من فقهاء «المدينة» المعدودين، ومن كبار رواة الحديث، تتلمذ لأبيه وغيره من كبار الصحابة، وتعلم على يديه كثير من علماء الحديث والسيرة، فى مقدمتهم: «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى». وعلى الرغم من اشتغاله بالحديث والفقه، فإن شهرته فى العلم بالمغازى والسير جعلته من علمائها البارزين، وتوفى فى نهاية القرن الأول الهجرى.

*عروة بن الزبير بن العوام

*عروة بن الزبير بن العوام وُلد فى «المدينة» سنة (26هـ)، وتتلمذ على يد خالته أم المؤمنين السيدة «عائشة»، وروى عنها حديث النبى - صلى الله عليه وسلم - ومغازيه، واشتهر «عروة» بأنه من فقهاء «المدينة»، مثل «أبان بن عثمان»، غير أن شهرته بالمغازى والسير كانت أكبر، وكانت له مؤلفات كثيرة، ذكر «ابن سعد» فى كتابه «الطبقات» أنه أحرقها فى يوم «الحرة»، وهى الواقعة الحربية المشهورة سنة (63هـ) فى «المدينة»، وقد حزن كثيرًا على فقدها، وتوفى «عروة» سنة (94هـ).

*شرحبيل بن سعد

*شرحبيل بن سعد وهو ثالث ثلاثة من كتاب الطبقة الأولى من أهل «المدينة» فى علم السيرة، نشأ فى «المدينة»، وأخذ العلم عن الصحابة، حتى صار علمًا من أعلام السير والمغازى، ويروى أنه كان أعلم الناس بالمغازى وبخاصة أهل «بدر»، وقد تُوفُّى سنة (123هـ).

*وهب بن منبه

*وهب بن منبه وُلد فى قرية «زمار» بجوار «صنعاء» باليمن، وهو واحد من رجال الطبقة الأولى من علماء السيرة والمغازى، ومن العلماء الموسوعيين الذين كتبوا فى علوم شتىَّ، فكان مصدرًا من مصادر علوم أهل الكتاب، ومن الثقاة فى تاريخ الأنبياء. وقد ألَّف «وهب» مؤلفات كثيرة، لم يصل إلينا منها شىء، وإن وجدت مؤخرًا فى مدينة «هيدلبرج» بألمانيا أوراق بردى، يقال إنها قطعة من كتاب المغازى لوهب بن منبه، تحوى معلومات عن «بيعة العقبة»، وحديث «قريش» فى دار الندوة، وتدبيرها لقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاستعداد للهجرة إلى «المدينة». ثم تلا هذه الطبقة طبقة أخرى، واصلت عملها فى مجال التأليف والكتابة فى السيرة والمغازى، من أبرزهم «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى»، الذى امتاز على معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين، غير أن مؤلفاته ضاعت ولم يصل إلينا منها شىء، وعلى الرغم من ذلك فإن علمه حفظه لنا تلاميذه الكثيرون، وكان من أعظمهم فى مجال السيرة والمغازى:

*محمد بن إسحاق

*محمد بن إسحاق وُلد فى «المدينة» سنة (85هـ) فى خلافة «عبد الملك بن مروان»، وتتلمذ لأبيه الذى كان محدثًا فقيهًا، ولغيره من كبار التابعين فى «المدينة»، مثل: «القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق»، و «سالم بن عبد الله بن عمر»، و «أبان بن عثمان بن عفان»، و «نافع مولى عبد الله بن عمر»، و «أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف»، و «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى»، ثم رحل «ابن إسحاق» إلى «مصر» سنة (115هـ)، والتقى بعلمائها الكبار، وفى مقدمتهم: «يزيد بن أبى حبيب»، وزار الإسكندرية، ثم عاد إلى «المدينة» ليواصل دراسته، ثم رحل إلى «العراق» بعد قيام الدولة العباسية، وقضى فيها بقية حياته، حتى تُوفِّى سنة (151هـ) وهناك إجماع بين العلماء على إمامة «ابن إسحاق» لعلم السيرة والمغازى، فقد حفظ فى كتابه معظم روايات السابقين وآثارهم العلمية، وكل من أتى بعده عالة عليه فى هذا العلم كما قال الإمام «الشافعى».ولابن إسحاق كتابان: أحدهما عنوانه «كتاب الخلفاء»، وهو مفقود حتى الآن. والآخر: كتاب «السيرة والمبتدأ والمغازى» وهو أقدم كتاب وصل إلينا عن سيرة الرسول ومغازيه، وأوفاها علمًا.

*ابن إسحاق

*ابن إسحاق وُلد فى «المدينة» سنة (85هـ) فى خلافة «عبد الملك بن مروان»، وتتلمذ لأبيه الذى كان محدثًا فقيهًا، ولغيره من كبار التابعين فى «المدينة»، مثل: «القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق»، و «سالم بن عبد الله بن عمر»، و «أبان بن عثمان بن عفان»، و «نافع مولى عبد الله بن عمر»، و «أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف»، و «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى»، ثم رحل «ابن إسحاق» إلى «مصر» سنة (115هـ)، والتقى بعلمائها الكبار، وفى مقدمتهم: «يزيد بن أبى حبيب»، وزار الإسكندرية، ثم عاد إلى «المدينة» ليواصل دراسته، ثم رحل إلى «العراق» بعد قيام الدولة العباسية، وقضى فيها بقية حياته، حتى تُوفِّى سنة (151هـ) وهناك إجماع بين العلماء على إمامة «ابن إسحاق» لعلم السيرة والمغازى، فقد حفظ فى كتابه معظم روايات السابقين وآثارهم العلمية، وكل من أتى بعده عالة عليه فى هذا العلم كما قال الإمام «الشافعى».ولابن إسحاق كتابان: أحدهما عنوانه «كتاب الخلفاء»، وهو مفقود حتى الآن. والآخر: كتاب «السيرة والمبتدأ والمغازى» وهو أقدم كتاب وصل إلينا عن سيرة الرسول ومغازيه، وأوفاها علمًا.

*أبو العباس السفاح

*أبو العباس السفاح هو «عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم»،ولد سنة (100هـ= 718م) تقريبًا. بويع «أبو العباس» فى «الكوفة» فى شهر ربيع الأول سنة (132هـ= 749م). واستمر فى الحكم أربع سنوات، استطاع خلالها توطيد أركان الخلافة العباسية، والقضاء على كل مقاومة ظهرت فى عهده. وتُوفى الخليفة العباسى الأول «أبو العباس» بالأنبار فى (13 من ذى الحجة سنة 136هـ= 9 من يونيو سنة 754م)، وعمره نحو ست وثلاثين سنة.

*أبو جعفر المنصور

*أبو جعفر المنصور هو «عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب الهاشمى»، وكنيته «أبو جعفر». ولد سنة (95هـ= 714م) فى قرية «الحميمة» بالشام، وتربى وسط كبار الرجال من «بنى هاشم»، فنشأ فصيحًا عالمًا بسير الملوك والأمراء، ودرس النحو والتاريخ والأدب شعرًا ونثرًا وغير ذلك، كما كان كثير الأسفار والتنقل. ولما تولى أخوه «أبو العباس» الخلافة استعان به فى محاربة أعدائه وتصريف أمور الدولة، وكان ينوب عنه فى الحج، كما أوصى «أبو العباس» قبيل وفاته مباشرة بولاية عهده لأخيه «أبى جعفر»، الذى كان غائبًا فى موسم الحج، فلما تُوفِّى «أبو العباس» قام ابن أخيه «عيسى بن موسى» بأخذ البيعة لأبى جعفر من «بنى هاشم» وغيرهم، وأرسل إلى عمه «أبى جعفر» بوفاة أخيه ومبايعته بالخلافة. يُعدُّ «أبو جعفر المنصور» المؤسس الحقيقى للدولة العباسية، وقد واجه بحزم واقتدار العديد من المشاكل والثورات حتى نجح فى السيطرة عليها والقضاء على القائمين بها، ومنها: ثورة عمه «عبدالله بن على»، وتمرد «أبى مسلم الخراسانى»، وثورة «محمد النفس الزكية»، وثورات الفرس، وحركات الخوارج. تُوفى «المنصور» فى (6 من ذى الحجة سنة 158هـ= 7 من أكتوبر سنة 775م)، وهو فى طريقه إلى الحج.

*المهدى العباسي

*المهدى العباسي هو «محمد بن عبدالله بن محمد» وُلد بالحميمة سنة (126هـ=743م)، وقد هيأه والده «المنصور» وأعده ليكون جديرًا بمنصب الخلافة من بعده، فنشأ على ثقافة عربية واسعة، ودراية بفنون الحرب وأساليب الإدارة. وعقب وفاة «المنصور» بويع «المهدى» بيعة خاصة من قبل الزعماء بمكة، ثم بايعه جمهور المسلمين فى «بغداد» فى (ذى الحجة سنة 158هـ= أكتوبر سنة 775م). اختلفت سياسة «المهدى» عمن سبقه، فاتسم عهده بالاستقرار والهدوء والتسامح والصفح، فأطلق سراح المسجونين السياسيين، واهتم بإقرار العدل بين الناس، وجلس للنظر فى مظالم الناس مستعينًا بالقضاة، وأمر بالإنفاق على مرضى الجذام؛ حتى لا يختلطوا بالناس فتصيبهم العدوى، كما اهتم اهتمامًا خاصا بالحرمين الشريفين وبكسوة «الكعبة». وقد عفا «المهدى» عن بعض آل البيت ومنحهم الأموال والإقطاعات، وحينما أدى فريضة الحج سنة (160هـ= 777م) وزع أموالاً كثيرة على أهل «مكة» و «المدينة»، وأصدر عفوًا عاما عمن عاقبهم «المنصور» من أهل «الحجاز»؛ لمشاركتهم فى الثورة العلوية، واختار خمسمائة من رجال الأنصار وكوَّن منهم حرسه الخاص، كما قام ببث العيون والجواسيس بالبلاد لرصد أى تحرك معادٍ للدولة، ورغم ذلك فقد حاول بعض العلويين مثل «عيسى بن زيد بن على» و «على بن العباس بن الحسن» القيام بثورة ضد الخلافة العباسية، لكنها لم تنجح؛ حيث عاجلهما الموت. واجه «المهدى» عدة ثورات من الخوارج وقضى عليها بحزمه وسرعة مواجهته، كان «المنصور» قد ترك بعد وفاته فى بيت المال أربعة عشر مليون دينار وستمائة مليون درهم، قام «المهدى» بتوزيعها على الناس؛ فشاع بينهم الترف والنعيم واللهو واللعب، كما اتبعه الناس فى حبه للآداب والفنون؛ فارتقت الآداب والفنون، وسادت بين طبقات الشعب، وكان «المهدى» أول خليفة يُحمل إليه الثلج إلى «مكة» فى الحج، كما كان مترفًا فى ملبسه ومأكله. تُوفِّى «المهدى» سنة (169هـ= 785م)

وعمره ثلاث وأربعون سنة، وقد قضى فى الحكم إحدى عشرة سنة.

*الهادى (خليفة عباسي)

*الهادى (خليفة عباسي) هو «موسى» ابن الخليفة «المهدى»، تولى الخلافة فى (22 من المحرم سنة 169هـ= 5 من أغسطس سنة 785م). اتصف الخليفة «الهادى» بالغيرة والشهامة والجرأة، ورفض تدخل أمه «الخيزران» فى سياسة الدولة كما كانت تفعل فى عهد والده «المهدى». وقد واجه «الهادى» مشاكل خطيرة على رأسها ثورة البيت العلوى بقيادة «الحسين بن على بن الحسن» فى «المدينة» سنة (169هـ= 785م)، إلا أن «الهادى» أرسل جيشًا على وجه السرعة نجح فى القضاء عليها فى (8 من ذى الحجة سنة 169هـ=11من يونيو سنة 786م) وحاول «الهادى» نقل ولاية العهد من أخيه «الرشيد» إلى ابنه «جعفر»، الذى لم يكن قد بلغ الثامنة من عمره مخالفًا وصية والده فى ترتيب ولاية العهد، إلا أن الموت عاجله فلم يتحقق له ما أراد. تُوفِّى «الهادى» ليلة الجمعة، (نصف ربيع الأول سنة 170هـ= نصف أغسطس 786م) وبذلك تكون مدة خلافته سنة وشهرًا واثنين وعشرين يومًا.

*هارون الرشيد

*هارون الرشيد هو «هارون بن محمد المهدى»، وُلد بالرى فى آخر (ذى الحجة سنة 145هـ= فبراير سنة 763م)، وتولى الخلافة فى الليلة التى مات فيها أخوه «الهادى» وعمره اثنان وعشرون عامًا. ويُعدُّ «الرشيد» أشهر خلفاء العباسيين وأبعدهم صيتًا، فقد ملأت أخباره كتب التاريخ شرقًا وغربًا. اهتم «الرشيد» بإقامة العدل فى الناس، فأمر بإعادة الأراضى التى اغتصبها أهل بيته فى عهد الخلفاء السابقين إلى أصحابها، ورفع الظلم عن المسجونين ظلمًا، وقسم أموال ذوى القربى بين «بنى هاشم» كلهم بالعدل، وأصدر عفوًا عن المعتقلين السياسيين، فأخرج من كان فى السجن من العلويين، وسمح لهم بالعودة إلى «المدينة»، ومنحهم الرواتب، كما أجرى «الرشيد» تعديلات واسعة فى مناصب الدولة فى كل من «مكة» و «المدينة» و «الطائف» و «الكوفة» و «خراسان» و «أرمينية» و «الموصل». تمتع البرامكة فى بداية عهد «الرشيد» بالسلطة والجاه والنفوذ، وتقلدوا مناصب الدولة المهمة، حتى إذا جاء شهر (صفر سنة 187هـ= يناير سنة 803م) أمر «الرشيد» بسجنهم، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، فيما عرف فى التاريخ بنكبة البرامكة. ازدهر المجتمع فى عهد «الرشيد» اقتصاديا وثقافيا وعلميا وعمرانيا، فقد تدفقت الأموال من كل مكان، واتسعت رقعة الدولة واستقر الأمن بها وازدهرت التجارة، وأصبحت «بغداد» قبلة للطامحين فى الثراء والترف، كما قصدها النوابغ والعباقرة والصناع المهرة من سائر الشعوب، وشيدت فيها القصور الرائعة والمساجد الكبيرة، وانتشرت الحدائق العامة، والأسواق المتخصصة كسوق الذهب والنحاس، والنسيج وغير ذلك. وكان «الرشيد» على قدر عالٍ من الثقافة والمعرفة، واجتمع عنده أقطاب العلم والعمل والسياسة والحرب مثل: «أبى يوسف» تلميذ الإمام «أبى حنيفة»، و «الأصمعى» الراوية المشهور، و «أبى العتاهية» و «أبى نواس» من الشعراء، وداهية السياسة «يحيى البرمكى» وابنيه «الفضل» و «جعفر»، ومن المغنين «إبراهيم

الموصلى» وابنه «إسحاق»، ومن الموسيقيين «زلزل» و «برصوم»، وغيرهم من أمراء العباسيين القادة والخطباء والشعراء والساسة. أثناء سفر «الرشيد» من «بغداد» إلى «خراسان» اشتد المرض عليه، وتُوفِّى صباح يوم الجمعة (2 من جمادى الآخرة سنة 193هـ= 23 من مارس سنة 809م)، وعمره خمس وأربعون سنة. وقد حكم «الرشيد» البلاد ثلاثة وعشرين عامًا، بلغت فيها «الدولة العباسية» ذروة مجدها، وقد تحدث عنه كثير من المؤرخين، فقال عنه «الطبرى»: «غزا سبع مرات، وجهز عشرين حملة للجهاد فى البر والبحر». وقال عنه «ابن خلكان»: «حج فى خلافته تسع حجج، وكان يصلى فى اليوم مائة ركعة».

*محمد الأمين

*محمد الأمين هو «محمد بن هارون الرشيد»، وُلد بالرصافة وأمه «زبيدة» ابنة «جعفر الأكبر بن المنصور»، تولى الخلافة عقب وفاة أبيه «هارون الرشيد» باعتباره ولى عهده، وكان عمره حينئذٍ ثمانية وعشرين عامًا. تشير مصادر التاريخ إلى أن بداية الخلاف بينه وبين أخيه المأمون كانت من جانب «الأمين»، حين خالف أمر والده «الرشيد» فى مرضه، بأن يكون ما فى معسكره من أموال ومتاع وجند لأخيه «المأمون»، فى «مرو»؛ مما أحدث أثرًا سيئًا فى نفس «المأمون». وكانت الخطوة التالية قيام «الأمين» بتعيين ابنه «موسى» وليا للعهد بدلاً من أخويه «المأمون» و «المؤتمن»، فقام «المأمون» بإسقاط اسم «الأمين» من الطرز والسّكَة، ومنع البريد من الوصول إليه بأخبار «خراسان»، ثم طلب من أخيه «الأمين» أن يرد إليه مائة ألف دينار كان والده «الرشيد» قد أوصى بها إليه فرفض «الأمين»، ثم تطور الصراع بينهما إلى المواجهة العسكرية، فجهز «الأمين» جيشًا بقيادة «على بن عيسى بن ماهان»، وجهَّز «المأمون» جيشًا ضخمًا بقيادة «طاهر بن الحسين»، ودارت عدة معارك بين الجيشين انتهت بمحاصرة «بغداد» ومقتل «الأمين» سنة (198هـ= 813م)، وقد دامت خلافة «الأمين» أربع سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام.

*الأمين بن هارون الرشيد

*الأمين بن هارون الرشيد هو محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدى بن المنصور، أبو عبدالله أو أبو موسى، سادس خلفاء الدولة العباسية. ولد ببغداد فى شوال سنة (170 هـ = 786 م) وتلقى تعليمه فى صغره على الكسائى العالم اللغوى وقرأ عليه القرآن. وكان الأمين حسن الصورة، وشجاعًا، وفصيحًا. وفى سنة (175 هـ = 791 م) قسم أبوه الرشيد الدولة بينه وبين أخيه المأمون ثم أوصى له بالخلافة من بعده. فلما توفى الرشيد سنة (193 هـ = 809 م) بويع للأمين بالخلافة، ولم يكن الأمين والمأمون على وفاق فى حياة أبيهما، فلما مات الرشيد ساءت العلاقة بينهما، وقد شجع على ذلك الوزير الفضل بن الربيع وزير الأمين، وتفاقم الأمر حتى إن الأمين أعدَّ جيشًا بقيادة قائده على بن عيسى وأمره بالتوجه إلى خراسان واليًا عليها، وعزل أخيه المأمون، ولكن هذا الجيش هزم، وقُتل على بن عيسى وأرسل الأمين أكثر من جيش كان مصيرهم الهزيمة أمام جيش المأمون حتى خلعت أكثر الأقاليم طاعتها له وبايعت المأمون بالخلافة فأرسل المأمون قائده طاهر بن الحسين فاستولى على بغداد، وهرب منها الأمين ولكن بعض العجم لحقوا به وقتلوه فى صفر سنة (198 هـ = 813 م).

*المأمون

*المأمون هو «عبدالله بن هارون الرشيد»، وُلد فى منتصف (ربيع الأول سنة (170هـ= أغسطس سنة 786م) وأمه «أم ولد» فارسية تُسمَّى «مراجل»، وكان يكنى «أبا العباس»، ويُلقب بالمأمون. نشأ «المأمون» نشأة إسلامية، وتلقى العلوم العربية، وتدرَّب على فنون القتال والنزال وقيادة الجند، كما أسند والده «الرشيد» إلى وزيره «جعفر البرمكى» مهمة الإشراف على تنشئته، وقد أظهر المأمون نبوغًا خلال دراسته. ولما تولى «المأمون» الخلافةعزم أن يقدم القدوة الصالحة والسيرة الحسنة فى الناس حتى يقتدى به رجال دولته، وكان يقول: «أول العدل أن يعدل الملك فى بطانته، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى». كما اتصف «المأمون» بالعفو والحلم حتى اشتهر بذلك وهو القائل: «لو عرف الناس حبى للعفو لتقربوا إلىّ بالجرائم، وأخاف ألا أؤجر عليه»، يعنى لكونه طبعًا له يستلذ به. انتهج «المأمون» سياسة واعية تقوم على أسس واضحة منها: 1 - تأليف القلوب بالعفو والعطاء، وقد عد «اليعقوبى» سبع عشرة حادثة يستحق صاحب كل واحدة منها القتل عند أمثال «المنصور»، لكنها قوبلت عند «المأمون» بالعفو. 2 - العناية بالعلم والعلماء: كان للمأمون ولعٌ بالأمور العلمية والفلسفية، فكان يعقد مجالس المناظرة ويبعث فى طلب العلماء والأعلام من «بيزنطة» لحضورها، وكان يتصيَّد الكتب النادرة ويدفع فيها المبالغ الطائلة، ويجعل حصوله عليها شرطًا من شروط الهدنة ووقف القتال مع الروم، كما أقام «بيت الحكمة» وجعل فيها مكتبة ضخمة، وجهازًا كبيرًا للترجمة من مختلف اللغات إلى اللغة العربية، حشد له نحو سبعين مترجمًا. ظل «المأمون» خليفة للمسلمين عشرين سنة وخمسة أشهر وعشرين يومًا، وقد تُوفِّى فى (18من رجب سنة 218هـ= 833م).

*المعتصم بالله

*المعتصم بالله هو «محمد بن هارون الرشيد»، وُلد فى (شعبان سنة 180هـ= أكتوبر سنة 796م)، وأمه جارية تركية اسمها «مارده»، وقد تولى الخلافة عقب وفاة أخيه «المأمون». اختلفت الأوضاع السياسية فى عهد «المعتصم» عنها فى عهد من سبقه، بسبب ظهور عوامل جديدة على مسرح الأحداث، كان فى مقدمتها ظهور العنصر التركى قوة مؤثرة فى حركة الأحداث؛ فتمتع الأتراك بصفات عسكرية كالشدة والقوة والتحمل جعل «المعتصم» يستكثر منهم، يضاف إلى ذلك أن أمه تركية. إلا أن كثرة الأتراك سببت أضرارًا كبيرة لسكان «بغداد»، مما دفع «المعتصم» إلى البحث عن مكان جديد يكون عاصمة له فوقع الاختيار على المكان الذى بنيت عليه مدينة «سُرّ من رأى» (سامراء حاليا) التى بُدء البناء فيها سنة (221هـ= 836م)، ويتميز موقعها بميزات سياسية واقتصادية وعسكرية، فمن الناحية السياسية فإنها فى موقع متوسط يسهل الاتصال بأنحاء الدولة، ومن الناحية الاقتصادية فإن موقعها يسهل عمليات التبادل التجارى بين النواحى الشمالية والجنوبية، وعسكريا فإن إحاطة المياه بها يجعلها فى مأمن من أى عدوان خارجى. ومن الأعمال العظيمة التى تنسب إلى «المعتصم بالله» نجاحه فى القضاء على ثورة «بابك الخرمى»، فحينما تولى أمر البلاد جهز جيشًا بقيادة «الأفشين» وزوَّده بكل أدوات القتال وبالمال اللازم؛ حيث دارت عدة معارك، انتهت بالقبض على «بابك الخرمى» وإعدامه. تُوفى «المعتصم بالله» فى شهر (ربيع الأول سنة 227هـ= ديسمبر سنة 841م)، وقد أطلق عليه بعض المؤرخين «المُثَمن»، لأن خلافته دامت ثمانى سنين وثمانية أشهر ويومين، ومولده فى الشهر الثامن من العام الهجرى، ومات عن ثمانية بنين وثمانى بنات.

*الواثق بالله

*الواثق بالله هو «هارون بن المعتصم بالله»، يكنى «أبا جعفر» وأمه أم ولد رومية تُسمى «قراطيس»، وكان فطنًا لبيبًا فصيحًا ينظم الشعر ويحب الموسيقىوقد تولى «الواثق بالله» الحكم يوم وفاة والده «المعتصم». تظهر ملامح سياسة الواثق فيما يلى: أولاً: تمسكه بمذهب المعتزلة، حتى جعله المذهب الرسمى للدولة، مما أثار أهل السنة ضده، إلا أنه تصدى لهم وقبض على زعمائهم. ثانيًا: تقريبه للأتراك جريًا على سياسة والده «المعتصم»، حتى إنه قسم البلاد بين رجلين من الأتراك، الأول «أشناس» وأعطاه الشطر الغربى من الدولة إلى آخر بلاد «المغرب»، والثانى قائده «إيتاخ» وأعطاه الشطر الشرقى: «دجلة» و «فارس» و «السند»، وكان كل منهما يعين الولاة الذين يريدهم، هذا بالإضافة إلى عدد من القادة الأتراك الذين شغلوا مناصب خطيرة، مثل: «وصيف التركى» الذى أوكل إليه «الواثق» القضاء على ثورة المتمردين الأكراد، و «بغا الكبير» الذى أخمد ثورة الأعراب بنواحى «المدينة».وكان الواثق يغدق عليهم الأموال والهدايا. ثالثًا: مصادرة أموال كبار الموظفين، مثل «أحمد بن إسرائيل»، الذى أخذ منه ثمانين ألف دينار، و «سليمان بن وهب» كاتب «إيتاخ»، الذى أخذ منه أربعمائة ألف دينار، وغيرهما، مما ترك آثارًا سيئة فى الجهاز الإدارى والاستقرار المالى للدولة، وأصابهما بالفساد والخلل. رابعًا: إحسانه إلى بعض طوائف الأمة، وفى مقدمتهم العلويون حيث أغدق عليهم الأموال. استمر «الواثق» فى مقعد الخلافة خمس سنين وتسعة أشهر، ثم أُصيب بمرض الاستسقاء، ومات فى (ذى الحجة سنة 232هـ= يوليو سنة 847م)، وعمره اثنان وثلاثون عامًا، وقيل: ستة وثلاثون.

*المتوكل على الله

*المتوكل على الله هو جعفر بن المعتصم بالله، تولى الخلافة فى ذى الحجة سنة (232هـ= 847م)، وكان عهده بداية حقبة الضعف والتدهور، وتفكك بنيان الخلافة العباسية. ورغم أن «المتوكل»: كان قوى الشخصية، وافر الهيبة فإنه لم يستطع أن يضع حدا لاستفحال النفوذ التركى فى عهده، الذى كان له دور فى توليته الخلافة بعد أن كادت البيعة تتم لمحمد بن الواثق، وكان غلامًا. وقد نجح «المتوكل» فى البداية فى التخلص من أخطر العناصر التركية فى عهده، وهو «إيتاخ» الذى استفحل خطره حتى إنه همَّ يومًا بقتل الخليفة «المتوكل» حين تبسَّط معه فى المزاح، لكن الخليفة نجح فى التخلص منه سنة (235هـ= 849م)، كما عزم على التخلص من قادة الأتراك ووجوههم، مثل «وصيف» و «بُغا»، إلا أنهم استغلوا ما بينه وبين ابنه وولى عهده «محمد المنتصر» من خلاف وجفوة ودبروا مؤامرة انتهت بقتل «المتوكل» ووزيره «الفتح بن خاقان» فى الخامس من شوال سنة (247هـ= 861م)، وبايعوا ابنه «المنتصر» خليفة. وقد استطاع «المتوكل» فى عهده أن يظفر بمكانة عظيمة فى قلوب جماهير المسلمين، حين منع النقاش فى القضايا الجدلية التى آثارها المعتزلة، مثل قضية خلق القرآن، كما رد للإمام «أحمد بن حنبل» اعتباره وجعله من المقربين إليه، بعد أن اضطُهد فى عهد «المأمون» و «المعتصم» و «الواثق»؛ لعدم إقراره القول بخلق القرآن، كما أمر «المتوكل» الفقهاء والمحدِّثين أن يجلسوا للناس ويحدثوهم بالأحاديث التى فيها رد على المعتزلة فأثنى الناس عليه، حتى قالوا: الخلفاء ثلاثة: «أبو بكر الصديق» قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، و «عمر بن عبدالعزيز» رد مظالم «بنى أمية»، و «المتوكل» محا البدع وأظهر السنة.

*جعفر بن المعتصم بالله

*جعفر بن المعتصم بالله هو جعفر بن المعتصم بالله، تولى الخلافة فى ذى الحجة سنة (232هـ= 847م)، وكان عهده بداية حقبة الضعف والتدهور، وتفكك بنيان الخلافة العباسية. ورغم أن «المتوكل»: كان قوى الشخصية، وافر الهيبة فإنه لم يستطع أن يضع حدا لاستفحال النفوذ التركى فى عهده، الذى كان له دور فى توليته الخلافة بعد أن كادت البيعة تتم لمحمد بن الواثق، وكان غلامًا. وقد نجح «المتوكل» فى البداية فى التخلص من أخطر العناصر التركية فى عهده، وهو «إيتاخ» الذى استفحل خطره حتى إنه همَّ يومًا بقتل الخليفة «المتوكل» حين تبسَّط معه فى المزاح، لكن الخليفة نجح فى التخلص منه سنة (235هـ= 849م)، كما عزم على التخلص من قادة الأتراك ووجوههم، مثل «وصيف» و «بُغا»، إلا أنهم استغلوا ما بينه وبين ابنه وولى عهده «محمد المنتصر» من خلاف وجفوة ودبروا مؤامرة انتهت بقتل «المتوكل» ووزيره «الفتح بن خاقان» فى الخامس من شوال سنة (247هـ= 861م)، وبايعوا ابنه «المنتصر» خليفة. وقد استطاع «المتوكل» فى عهده أن يظفر بمكانة عظيمة فى قلوب جماهير المسلمين، حين منع النقاش فى القضايا الجدلية التى آثارها المعتزلة، مثل قضية خلق القرآن، كما رد للإمام «أحمد بن حنبل» اعتباره وجعله من المقربين إليه، بعد أن اضطُهد فى عهد «المأمون» و «المعتصم» و «الواثق»؛ لعدم إقراره القول بخلق القرآن، كما أمر «المتوكل» الفقهاء والمحدِّثين أن يجلسوا للناس ويحدثوهم بالأحاديث التى فيها رد على المعتزلة فأثنى الناس عليه، حتى قالوا: الخلفاء ثلاثة: «أبو بكر الصديق» قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، و «عمر بن عبدالعزيز» رد مظالم «بنى أمية»، و «المتوكل» محا البدع وأظهر السنة.

*المنتصر بالله

*المنتصر بالله هو محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم، تولى الخلافة العباسية فى اليوم الذى قُتل فيه أبوه، وذلك فى شوال سنة (247هـ= ديسمبر سنة861م)، وعمره ستة وعشرون عامًا. وحاول التصدى للنفوذ التركى بكل حزم، وصار يسب الأتراك ويقول: هؤلاء قتلة الخلفاء! ورغم أن «المنتصر بالله» كان وافر العقل قوى الشخصية فإن الأتراك احتالوا على قتله، فأعطوا طبيبه «ابن طيفور» ثلاثين ألف دينار، ففصده بمبضع مسموم فمات، فى (ربيع الآخر سنة 248هـ= يونيو سنة862م) بعد حكم دام ستة أشهر فقط، ويروى أنه حينما احتضر، قال لأمه: «يا أماه! ذهبت منى الدنيا والآخرة، عاجلت أبى فعوجلت». ومن مآثر «المنتصر بالله»، خلال فترة حكمه القصيرة، إحسانه إلى العلويين، وإزالته عنهم ما كانوا فيه من خوف وضيق فى عهد أبيه «المتوكل».

*محمد بن المتوكل

*محمد بن المتوكل هو محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم، تولى الخلافة العباسية فى اليوم الذى قُتل فيه أبوه، وذلك فى شوال سنة (247هـ= ديسمبر سنة861م)، وعمره ستة وعشرون عامًا. وحاول التصدى للنفوذ التركى بكل حزم، وصار يسب الأتراك ويقول: هؤلاء قتلة الخلفاء! ورغم أن «المنتصر بالله» كان وافر العقل قوى الشخصية فإن الأتراك احتالوا على قتله، فأعطوا طبيبه «ابن طيفور» ثلاثين ألف دينار، ففصده بمبضع مسموم فمات، فى (ربيع الآخر سنة 248هـ= يونيو سنة862م) بعد حكم دام ستة أشهر فقط، ويروى أنه حينما احتضر، قال لأمه: «يا أماه! ذهبت منى الدنيا والآخرة، عاجلت أبى فعوجلت». ومن مآثر «المنتصر بالله»، خلال فترة حكمه القصيرة، إحسانه إلى العلويين، وإزالته عنهم ما كانوا فيه من خوف وضيق فى عهد أبيه «المتوكل».

*المستعين بالله

*المستعين بالله هو «أحمد بن المعتصم»، تولى الخلافة فى السادس من (ربيع الآخر سنة 248هـ= يونيو سنة 862م)، وعمره ثمانٍ وعشرون سنة، فعقب وفاة «المنتصر» اجتمع الأتراك بزعامة «بُغا الصغير» و «بُغا الكبير»، وقرروا عدم تولية أحد من أولاد «المتوكل» الخلافة، خوفًا من انتقامه منهم، وبايعوا «أحمد بن المعتصم»، الملقَّب بالمستعين بالله. وكان من الطبيعى ألا يكون للمستعين بالله مع الأتراك أمر ولا نهى، ولم يمضِ وقت طويل حتى غضب عليه الأتراك وقرروا خلعه ومبايعة «المعتز بالله محمد بن المتوكل»؛ فاشتعلت الحرب بين أنصار «المستعين» وأنصار «المعتز»، وانتهت بالقبض على «المستعين» وقتله فى سجنه فى (شوال سنة 252هـ= ديسمبر سنة 866م). وقد شهدت خلافة «المستعين بالله» قيام «الدولة العلوية» بطبرستان سنة (250هـ= 864م)، على يد «الحسن بن زيد العلوى» الملقب بالداعى الكبير، واستمرت هذه الدولة حتى سنة (316هـ= 928م).

*المعتز بالله محمد بن المتوكل

*المعتز بالله محمد بن المتوكل هو محمد بن المتوكل على الله، بويع له بالخلافة العباسية فى شوال سنة (252هـ= ديسمبر سنة 866م)، وعمره تسعة عشر عامًا، وكان من أهم الأحداث التى شهدتها خلافة «المعتز» قيام «الدولة الصفَّارية» فى «فارس» بزعامة «يعقوب بن الليث الصفَّار» وذهاب «أحمد بن طولون» إلى «مصر» سنة (254هـ= 868م) نائبًا عن واليها، لكنه استطاع فى فترة لاحقة أن يستقل بها عن العباسيين، وأن يضم إليها «الشام» مكونًا بذلك «الدولة الطولونية» فى «مصر» و «الشام». وقد استضعفه الأتراك وطلبوا منه مالاً فاعتذر لهم بفراغ بيت المال، فثاروا عليه وضربوه ومزقوا ملابسه، وأقاموه فى الشمس، فكان يرفع رجلاً ويضع أخرى من شدة الحر، ثم سجنوه وعذبوه حتى مات (فى شعبان سنة 255هـ= يوليوسنة 869م).

*المهتدى بالله محمد بن الواثق

*المهتدى بالله محمد بن الواثق هو محمد بن الواثق بن المعتصم، بايعه الأتراك خليفة للمسلمين فى (رجب سنة 255هـ= يونيو سنة869م)، عقب الإطاحة بالمعتز، وقد كان «المهتدى» تقيا شجاعًا حازمًا، وكان يتخذ «عمر بن عبدالعزيز» مثله الأعلى، ويقول: إنى أستحيى أن يكون فى «بنى أمية» مثله، ولا يكون مثله فى «بنى العباس»، ولذلك نبذ الملاهى وحرَّم الغناء والخمور وحارب الظلم. وقد كان من أهم الأحداث التى شهدها عصر «المهتدى بالله» ثورة الزَّنج وسُميت بذلك لأن أعدادًا كبيرة من الذين شاركوا فيها كانوا عبيدًا سودًا. حاول «المهتدى بالله» أن يوقف طغيان الأتراك واستبدادهم فقتل بعضهم، فثاروا عليه وأسروه وعذبوه ليخلع نفسه فرفض، فقاموا بخلعه وسجنه وتعذيبه حتى مات فى (رجب سنة 256هـ= يونيو 870م).

*المعتمد على الله

*المعتمد على الله هو «المعتمد على الله» أحمد بن المتوكل، تولى الخلافة بعد خلع «المهتدى» سنة (256هـ= 870م)، وقد أتاحت الظروف التى تولى فيها «المعتمد» مقاليد الحكم ظهور ما عُرف باسم «صحوة الخلافة» فى «العصر العباسى الثانى». فقد تصاعد النزاع الداخلى بين القادة الأتراك، وساءت معاملتهم لجنودهم، كما ازدادت شكوى الجمهور من مضايقاتهم، مما أدى إلى ظهور اتجاه قوى داخل الجيش بحتمية جعل القيادة العسكرية العليا فى يد أحد أمراء البيت العباسى؛ يقوم الخليفة باختياره، ويدين له الجميع بالطاعة، وقد اختار «المعتمد» أخاه «الموفق» قائدًا للجيش، فكانت «صحوة الخلافة»؛ حيث استردت قوتها وهيبتها واستطاع «الموفق» بحكمته وحزمه وصلابة إرادته أن يكبح جماح الأتراك، وأن يعيد تنظيم الجيش، ويقر الأمن والنظام. ورغم أن «المعتمد بالله» كان الخليفة الرسمى فإن أخاه «الموفق» كان صاحب السلطة الفعلية، فكان له الأمر والنهى، وقيادة الجيش ومحاربة الأعداء، ومرابطة الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، وكان قضاء «الموفق» على «ثورة الزنج» سنة (270هـ= 883م) أعظم إنجاز له. وقد تُوفِّى «الموفق» فى (صفر سنة 278هـ= مايوسنة 891م)، وفى العام التالى تُوفِّى الخليفة «المعتمد» فى (رجب سنة 279هـ= سبتمبرسنة 892م)، بعد أن حكم البلاد ثلاثة وعشرين عامًا. وقد حفل عهده بالعلماء الأعلام فى مجالات المعرفة المختلفة.

*أحمد بن المتوكل بن المعتصم

*أحمد بن المتوكل بن المعتصم هو «المعتمد على الله» أحمد بن المتوكل، تولى الخلافة بعد خلع «المهتدى» سنة (256هـ= 870م)، وقد أتاحت الظروف التى تولى فيها «المعتمد» مقاليد الحكم ظهور ما عُرف باسم «صحوة الخلافة» فى «العصر العباسى الثانى». فقد تصاعد النزاع الداخلى بين القادة الأتراك، وساءت معاملتهم لجنودهم، كما ازدادت شكوى الجمهور من مضايقاتهم، مما أدى إلى ظهور اتجاه قوى داخل الجيش بحتمية جعل القيادة العسكرية العليا فى يد أحد أمراء البيت العباسى؛ يقوم الخليفة باختياره، ويدين له الجميع بالطاعة، وقد اختار «المعتمد» أخاه «الموفق» قائدًا للجيش، فكانت «صحوة الخلافة»؛ حيث استردت قوتها وهيبتها واستطاع «الموفق» بحكمته وحزمه وصلابة إرادته أن يكبح جماح الأتراك، وأن يعيد تنظيم الجيش، ويقر الأمن والنظام. ورغم أن «المعتمد بالله» كان الخليفة الرسمى فإن أخاه «الموفق» كان صاحب السلطة الفعلية، فكان له الأمر والنهى، وقيادة الجيش ومحاربة الأعداء، ومرابطة الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، وكان قضاء «الموفق» على «ثورة الزنج» سنة (270هـ= 883م) أعظم إنجاز له. وقد تُوفِّى «الموفق» فى (صفر سنة 278هـ= مايوسنة 891م)، وفى العام التالى تُوفِّى الخليفة «المعتمد» فى (رجب سنة 279هـ= سبتمبرسنة 892م)، بعد أن حكم البلاد ثلاثة وعشرين عامًا. وقد حفل عهده بالعلماء الأعلام فى مجالات المعرفة المختلفة.

*المعتضد بالله

*المعتضد بالله هوأبو العباس أحمد بن الموفق طلحة بن المتوكل، تولى الخلافة بعد وفاة عمه «المعتمد»، وكان قوى الشخصية؛ فحفظ هيبة الخلافة، كما كانت فى عهد أبيه «الموفق» وعمه «المعتمد»، يقول «السيوطى»: كان «المعتضد» شهمًا جلدًا، موصوفًا بالرُّجلة (أى الشجاعة)، وقد خاض الحروب وعُرف فضله، فقام بالأمر أحسن قيام، وهابه الناس ورهبوه أحسن رهبة، وسكنت الفتن فى أيامه لفرط هيبته، وكانت أيامه طيبة كثيرة الأمن والرخاء. وقد تمكن «المعتضد» خلال حكمه الذى دام عشر سنوات من تهيئة المزيد من القوة والاستقرار للدولة العباسية، فقضى على مصادر الفتن والثورات، وأخمد ثورة «بنى شيبان» بأرض الجزيرة سنة (280هـ= 893م)، وثورة «حمدان بن حمدون» - رأس الأسرة الحمدانية - بالموصل، واستولى على قلعة «ماردين» التى كان يتحصن بها سنة (281هـ= 894م)، كما قضى على ثورة الخوارج فى «الموصل» بزعامة «هارون بن عبدالله الشارى» الذى وقع فى الأسر، وأمر «المعتضد» بضرب عنقه سنة (283هـ=896م)، ومن أخطر الحركات التى شهدها عصر «المعتضد» حركة القرامطة. كذلك انتقلت عاصمة الخلافة فى عهده من سامراء إلى بغداد. تُوفِّى «المعتضد» فى ربيع الآخر سنة (289هـ= 902م)، وكان عصره يموج بالحركة العلمية والدينية والأدبية، فقد عاش فى عصره عدد من العلماء والأدباء البارزين.

*المكتفى بالله

*المكتفى بالله هو أبو محمد على بن المعتضد، تولى الخلافة فى (ربيع الآخر سنة 289هـ= مارس سنة 902م) عقب وفاة أبيه، وعمره خمس وعشرون سنة، ورغم أنه كان حسن السيرة محبوبًا لدى الرعية فإنه لم يكن يتمتع بما كان يتمتع به أبوه «المعتضد»، من قوة الشخصية والحزم، فكانت خلافته تمهيدًا لعودة الأمور إلى أوضاعها السابقة، وفترة انتقالية بين «صحوة الخلافة» وانتكاستها. وقد شهد عهد «المكتفى» أحداثًا كثيرة، منها: ازدياد خطر القرامطة وتهديدهم للشام و «الحجاز» و «اليمن»، وقد جرت على يد زعيمهم «زكرويه بن مهرويه» مذابح بشعة ضد حجاج بيت الله الحرام وعامة الناس، ونشروا الفزع فى أنحاء العالم الإسلامى، واستطاع «زكرويه» أن يهزم جيشًا للخليفة «المكتفى»، وأن يقتل منه عددًا كبيرًا، فأعد له «المكتفى» جيشًا حشد فيه أكفأ القواد، نجح فى قتل «زكرويه» وكثيرًا من أتباعه عام (294هـ= 907م)، وتتبعهم فى «العراق»، ولكنه لم يستطع القضاء عليهم تمامًا، فظلوا من بعده مصدر خطر مؤكد على كيان الخلافة. ومما شهده عصر «المكتفى» أيضًا من أحداث: تولية «المكتفى» «أبى الهيجاء عبدالله بن حمدان التغلبى» ولاية «الموصل» والبلاد التابعة لها سنة (293هـ=906م)، وكان ذلك مقدمة لاستقلال الحمدانيين بالموصل - فيما بعد - وضمهم «حلب» إليها، ونشأة «الأسرة الحمدانية». تُوفِّى «المكتفى» وفاة طبيعية فى (ذى القعدة سنة 295هـ= أغسطس سنة 908م)، وترك خزانة الدولة ممتلئة بالأموال، وقد أرجع المؤرخون ذلك إلى الجهد الذى بذله أبوه «المعتضد» فى جلب أسباب الاستقرار الاقتصادى إلى الدولة، وحسن سيرة «المكتفى بالله».

*المقتدر بالله

*المقتدر بالله هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد، تولى الخلافة بعد أخيه «المكتفى» بعهد منه فى (ذى القعدة سنة 295هـ= أغسطس سنة 908م)، وكان صبيا فى الثالثة عشرة من عمره، ولم يلِ الخلافة قبله أصغر منه. أثار تولى «المقتدر» الخلافة اعتراض كثير من رجال الدولة بسبب صغر سنه، وعدم قدرته على الاضطلاع بشئون الخلافة مع وجود الأقدر منه على تحمل المسئولية، خاصة «عبد الله بن المعتز» الشاعر المعروف بتمام العقل وجودة الرأى، فاتفق رأى عدد منهم على خلع «المقتدر» وتولية «عبدالله بن المعتز»، وكان عمره نحو تسعة وأربعين عامًا، وعندما عرضوا الأمر على «ابن المعتز» وافق بشرط ألا يسفك دم أو تنشب حرب، فأخبروه أن الأمر يُسلَّم إليه عفوًا، وأن جميع من وراءهم من الجند والقواد والكُتَّاب قد رضوا به فبايعهم على ذلك، وتمت البيعة لابن المعتز فى (19من ربيع الأول سنة 296هـ= نوفمبر سنة 908م)، ولقب بالراضى بالله، ولكن أنصار «المقتدر» - وعلى رأسهم «مؤنس الخادم» - لم يرضوا بهذه البيعة، وتوجهوا نحو «ابن المعتز» وأنصاره وقبضوا عليهم وفتكوا بهم وأعادوا تنصيب «المقتدر» فى اليوم التالى لبيعة «ابن المعتز»، الذى لم يمكث فى الخلافة إلا يومًا أو بعض يوم، ولهذا يتجاهله المؤرخون عند ذكرهم قائمة خلفاء «بنى العباس». وقد تدهورت الأوضاع فى عهد «المقتدر»، وانتشرت الفتن وازداد تمزق الدولة، وأصبحت الخلافة نهبًا للطامعين بسبب صغر سنه، وأفلت زمام الأمور من يده، وتحكم النساء والخدم فى شئون البلاد، فكانت «أم المقتدر» وتسمى «شغب» تولِّى من تشاء وتعزل من تشاء، كما كان «مؤنس الخادم» صاحب مكانة متميزة وخطيرة فى عهد «المقتدر». وقد ازداد خطر القرامطة اتساعًا وعنفًا فى عهد «المقتدر»، ووصل مداه سنة (317هـ= 929م)، حينما دخلوا «مكة» بقيادة «أبى طاهر القرمطى» (3) وقتلوا الحجاج فى المسجد الحرام، واستولوا على الحجر الأسود وأخذوه إلى

مركزهم الرئيسى «هَجَر» حتى تم رده إلى مكانه فى عهد «المطيع» سنة (339هـ = 950م). ومن أهم الأحداث فى عهد «المقتدر» بداية ظهور العُبيديين أو الفاطميين فى «شمالى إفريقيا» وقيام دولة «بنى حمدان» فى «الموصل» وقد أسهم أمراء «بنى حمدان» وفى مقدمتهم «سيف الدولة الحمدانى» فى صد غارات الروم (البيزنطيين) عن مناطق الثغور الإسلامية، وفى رعاية الحركة العلمية والأدبية التى بلغت فى عهدهم مركزًا مرموقًا. ساءت العلاقة بين «المقتدر بالله» وخادمه «مؤنس الخادم»؛ مما أدى إلى مقتله على يد أنصار «مؤنس» فى أواخر شوال سنة (320هـ= 932م)، بعد أن ظل فى الحكم خمسًا وعشرين سنة، هى أطول مدة يقضيها خليفة عباسى فى الحكم حتى عصره. ورغم تدهور أحوال البلاد السياسية فى عهد «المقتدر» فإن الحياة العلمية قد شهدت ازدهارًا ملحوظًا فى هذا العصر. وبمقتل «المقتدر» دخل عصر نفوذ الأتراك مراحله الأخيرة.

*القاهر بالله

*القاهر بالله هو أبو منصور محمد بن المعتضد، تولى الخلافة فى شوال سنة (320هـ= 932م)، عقب مقتل «المقتدر»، وعمره ثلاث وثلاثون سنة. وقد اتصف «القاهر» بالغلظة وقلة التثبت، ورغم أنه نجح فى التخلص من «مؤنس الخادم»، صاحب النفوذ الأكبر فى عهد «المقتدر»، ومن غيره من أعيان الدولة فإن سوء سياسته كان سببًا فى تدبير الانقلاب عليه والإطاحة به. وقد لعب الوزير المشهور «أبو على بن مقلة» الدور الأساسى فى خلع «القاهر» والتنكيل به، لخوفه منه واعتقاده أنه كان يدبر للقضاء عليه، فهاجم أعوانه الخليفة «القاهر» فى دار الخلافة وقبضوا عليه وسملوا عينيه وعذبوه وأعلنوا خلعه فى الثالث من جمادى الأولى سنة (322هـ= 934م). ولعل من أبرز التطورات السياسية التى شهدها عهد «القاهر» - رغم قصره - ظهور النفوذ البويهى فى بلاد فارس سنة (321هـ= 933م)، وكان ذلك مقدمة لامتداد نفوذهم إلى «العراق» وسيطرتهم على مقاليد الأمور هناك فى سنة (334هـ= 945م)، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الخلافة العباسية فى عصرها الثانى، كما سنبين بعد قليل.

*الراضى بالله

*الراضى بالله هو أبو العباس محمد بن المقتدر، بايع الجند «الراضى بالله» فى السادس من جمادى الأولى سنة (322هـ) وعمره خمسة وعشرون عامًا، وقد كان من خيار الخلفاء، فاضلاً سمحًا جوادًا، شاعرًا محبا للعلماء. ورغم ما كان يتحلى به «الراضى» من صفات حميدة فإن أمر الخلافة قد اختل فى عهده اختلالاً خطيرًا، وازداد تمزق الدولة واستفحل نفوذ المتطلعين للسيطرة على زمام الأمور؛ فقد ازداد نفوذ البويهيين فى فارس وتطلعوا للاستيلاء على «العراق»، وتمتع «بنو حمدان» بنفوذ مطلق فى «الموصل» و «ديار بكر» و «ربيعة» و «مضر»، واستقلت «الدولة الإخشيدية» فى «مصر» و «الشام» عن الخلافة العباسية، وكذلك «الدولة السامانية» فى «خراسان» و «ما وراء النهر» بزعامة «نصر بن أحمد السامانى»، وأصبح للأمويين خلافة مستقلة فى «الأندلس» تحت حكم «عبدالرحمن الثالث» الأموى الملقب بالناصر (300 - 350هـ= 913 - 961م)، وسيطر القرامطة بزعامة «أبى طاهر القرمطى» (5) على «البحرين»» و «اليمامة». وتدهورت الأوضاع فى أوائل عهد «الراضى» تدهورًا كبيرًا، بسبب عجز الوزراء وازدياد نفوذ كبار القواد وتدخلهم فى شئون الدولة، وكان «محمد بن رائق» والى «واسط» و «البصرة» واحدًا من أبرز هؤلاء القواد وأكثرهم نفوذًا وتأثيرًا، فاختاره الخليفة «الراضى» ليقوم بمهمة إنقاذ الخلافة من التدهور الإدارى الحاد الذى تعانى منه، وأسند إليه منصب «أمير الأمراء» فى عام (324هـ= 936م). وقد تُوفِّى الخليفة «الراضى بالله» وفاة طبيعية فى (منتصف ربيع الأول سنة 329هـ= ديسمبر سنة 940م)، بعد أن فقد السيطرة على مقاليد الأمور بصورة تكاد تكون كاملة.

*المتقى لله

*المتقى لله هوأبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر، تولى الخلافة فى (ربيع الأول سنة 329هـ= ديسمبر سنة 940م) بتدبير أمير الأمراء «بَجْكم التركى» وكاتبه «أبى عبدالله الكوفى»، وكان عمره حينئذٍ أربعًا وثلاثين سنة. وقد كانت خلافة «المتقى» القصيرة (329 - 333هـ= 940 - 944م) سلسلة من الصراع بين كبار رجال الدولة على منصب أمير الأمراء، مما أضاف مزيدًا من الاضطراب والفوضى إلى الأوضاع الداخلية، وفقد «المتقى» سيطرته على زمام الأمور، فقام أمير الأمراء «توزون التركى» بسمل عينيه وخلعه، وبذلك انتهت خلافته فى (صفر سنة 333هـ=سبتمبر سنة 944م).

*المستكفى بالله

*المستكفى بالله هو أبو القاسم عبدالله بن المكتفى، بويع بالخلافة فى (صفر سنة 333هـ = سبتمبر سنة 944) بحضور أمير الأمراء «توزون التركى» وإشرافه، وعمره واحد وأربعون عامًا ولم يكن له أدنى سلطة فى إدارة شئون البلاد، بل استمر زمام الأمور فى يد أمير الأمراء «أبى الوفاء توزون التركى»، وكاتبه «أبى جعفر بن شيرزاد»، وكان من أبرز الأحداث التى شهدتها خلافة «المستكفى بالله» امتداد سلطان الحمدانيين بقيادة «سيف الدولة الحمدانى» على «حلب» و «حمص» اللتين كانتا تحت سيطرة الإخشيديين. وتدهورت الأحوال الداخلية فى عهد «المستكفى» بشكل غير مسبوق؛ مما أدى إلى تطلع البويهيين - أصحاب النفوذ فى بلاد فارس - منذ سنة (321هـ= 933م) إلى بسط سلطانهم على «العراق»، وقد نجحوا فى ذلك سنة (334هـ= 945م)، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ العصر الثانى للخلافة العباسية، عُرفت فيما بعد باسم «عصر نفوذ البويهيين».

*مسلمة بن مخلد الأنصارى

*مسلمة بن مخلد الأنصارى والى «مصر» من قِبل الخليفة «معاوية بن أبى سفيان»، تولى مصر فى الفترة مابين 47 =667 م و 62هـ = 681م وكان من خيرة الولاة فى حسن السياسة ونشر العدل، كما كان متسامحًا مع الأقباط، وسمح لهم ببناء كنيسة فى مدينة «الفسطاط»، وقام بتجديد مسجد «عمرو» وتوسعته، وشيد له المنارات لأول مرة.

*عبدالعزيز بن مروان

*عبدالعزيز بن مروان والى «مصر» من قِبل أبيه الخليفة «مروان بن الحكم» فى الفترة مابين 65 =684 م و 85هـ = 705م، واستمر فيها حتى زمن خلافة أخيه «عبدالملك بن مروان»؛ لذا كانت فترة ولايته أطول فترة فى عصر الولاة. أوصاه أبوه حين ولاه «مصر» بوصية حكيمة، نصحه فيها بأن يحسن إلى الناس، ويعمهم برعايته حتى يحبوه، فعمل بوصية أبيه؛ فكانت فترة ولايته من أحسن الفترات فى حكم «مصر»، قام خلالها بالكثير من الإصلاحات، أبرزها إنشاء مدينة «حلوان» سنة (73هـ).

*صالح بن على بن عبدالله بن عباس

*صالح بن على بن عبدالله بن عباس من أشهر ولاة «مصر» فى العصر العباسى. أسس لمصر عاصمة جديدة شمالى مدينة «الفسطاط» أسماها «مدينة العسكر» (منطقة «السيدة زينب» الحالية)، كما أنه زاد فى «مسجد الفسطاط» زيادة كبيرة. ولى «مصر» مرتين، الأولى كانت سنة 133هـ = 750م واستمرت سنة واحدة، ثم وليها ثانية من سنة (136 هـ = 753م) حتى سنة (138هـ = 755م).

*الفضل بن صالح بن على

*الفضل بن صالح بن على أحد الولاة العباسيين، تولى مصر فى 169هـ = 785م، أسس مسجدًا إلى جانب «دار الإدارة» بمدينة العسكر، أصبح من المساجد الجامعة، وسمح للناس بالبناء حول «مدينة العسكر»، فاتصل عمرانها بمدينة «الفسطاط».

*موسى بن عيسى

*موسى بن عيسى ولاه العباسيون إمرة «مصر» ثلاث مرات، كانت الأولى من سنة (171هـ) حتى سنة (173هـ)، والثانية من سنة (175هـ) حتى سنة (176هـ)، والثالثة من سنة (179هـ) حتى سنة (180هـ)، وحظى خلالها «موسى بن عيسى» بمحبة الناس واحترامهم، لحبه للخير والعدل، وتسامحه مع الأقباط، فقد سمح لهم ببناء الكنائس.

*عنبسة بن إسحاق

*عنبسة بن إسحاق من أشهر ولاة العصر العباسى، تولى مصر فى الفترة مابين 238 =852 م و 242هـ = 856م، ومن أهم أعماله: إقامة التحصينات فى «دمياط» و «تنِّيس»، بعد أن تعرضت لغارات الروم، وقد اشتهر «عنبسة بن إسحاق» بالورع، وإقامة العدل بين الناس.

*أحمد بن طولون

*أحمد بن طولون وُلد «أحمد بن طولون» سنة (220هـ = 835م)، وعُنى أبوه بتربيته عناية كبيرة، فعلَّمه الفنون العسكرية، وعلوم اللغة والدين، وتردد على العلماء، وأخذ من معارفهم، وروى عنهم الأحاديث، فأصبح موضع ثقة الخلفاء العباسيين لشجاعته وعلمه، وعمل تحت رعايتهم فى خلافة «المتوكل» (242 -247هـ)، و «المستعين» (248 - 252هـ)، و «المعتز» (252 - 255هـ)، و «المعتمد» (256 - 279هـ). فلما مات «طولون» سنة (240هـ) عهد «المتوكل» إلى «أحمد بن طولون» بما كان يتولاه أبوه من الأعمال، فأظهر كفاءة عالية، وهمة نادرة، كما احتل مكانة بارزة فى قلوب رجال البلاط العباسى حين حاولت جماعة من اللصوص الاستيلاء على قافلة كانت متجهة من «طرسوس» إلى «سامراء» تحت قيادته، فتصدى لهم «ابن طولون»، وأظهر كفاءة عسكرية فريدة، وتمكن من القضاء على هؤلاء اللصوص، ونجا بقافلته، وعندما علم الخليفة بذلك ازداد إعجابًا به وتقديرًا له. كان من عادة الخلفاء أن يعينوا ولاة للأقاليم الخاضعة لسلطانهم، وكان هؤلاء الولاة يعينون من ينوب عنهم فى حكم هذه الولايات؛ رغبة منهم فى البقاء بالعاصمة؛ أملا فى الحصول على منصب أعلى وخوفًا من المؤامرات. وكانت «مصر» - آنذاك - تحت ولاية القائد التركى «باكباك» الذى أناب «أحمد بن طولون» عنه فى حكم «مصر»، لما رآه من شجاعته وإقدامه، وأمده بجيش كبير دخل به «أحمد بن طولون» «مصر» فى (23 من رمضان سنة 254هـ). فلما تُوفى «باكباك» تولى مكانه القائد التركى «بارجوخ»، فعهد إلى «أحمد بن طولون» بولاية «مصر» كلها، فلما آل الأمر إلى «ابن طولون» فى حكم «مصر» واجهته المصاعب والعقبات، وأشعل أصحاب المصالح فى «مصر» الثورات حتى لا يتمكن «ابن طولون» من تنفيذ إصلاحاته التى عزم عليها، ولكن «ابن طولون» تمكن من القضاء على كل العقبات والصعوبات واحدة تلو الأخرى بكياسة وحزم، كما أخمد

الثورات فى كل مكان، ولم يكد يفعل ذلك حتى أعلن «أحمد بن المدبر» عامل الخراج على «مصر» عن حقده على ابن طولون، وعمل على الوقيعة بينه وبين الخليفة، ولكن «أحمد بن طولون» تمكن من كشف ذلك التدبير، وكتب إلى الخليفة يطلب منه عزل عامل الخراج «ابن المدبر» وتعيين «محمد بن هلال» مكانه، فوافق الخليفة على ذلك لثقته بابن طولون، وأمر بعزل «ابن المدبر»، الذى رفض تسليم ما تحت يديه لمحمد بن هلال عامل الخراج الجديد، فقبض عليه «أحمد بن طولون» وحبسه، وتخلص بذلك من منافس قوى هدد كيان البلاد. كان بالشام - بعد تولية «أحمد ابن طولون» «مصر» - ولاة يتبعون الخلافة العباسية، ولكن اعتداءات البيزنطيين المتكررة على حدود المسلمين بالشام جعلت الخليفة «المعتمد» يقوم بتكليف «أحمد بن طولون» بالسير لمحاربة البيزنطيين سنة (264هـ) فنفذ «ابن طولون» الأمر، وانتصر على البيزنطيين، ومد سلطانه حتى «طرسوس» و «نهر الفرات» و «دمشق»، فأقره الخليفة العباسى على حكم «مصر» والشام والجزيرة العربية ومناطق الثغور، فظل مسيطرًا عليها بشخصيته القوية ورجاحة عقله حتى وفاته سنة (272هـ).

*خمارويه بن أحمد بن طولون

*خمارويه بن أحمد بن طولون تولى حكم مصر والشام فى الفترة بين [272 - 282هـ = 885 - 895م]. بعد وفاة أبيه «أحمد بن طولون»، فعمل على تذليل العقبات التى واجهته كى تتوطد أركان دولته، وزوج ابنته «أسماء» المعروفة بقطر الندى من الخليفة العباسى «المعتضد»، وقام «خمارويه» بتجهيز ابنته، وغالى فى ذلك، مما أدى إلى إفلاس مالية البلاد. وظل واليًا على «مصر» والشام والجزيرة حتى وفاته سنة (282هـ).

*محمد بن طغج الإخشيد

*محمد بن طغج الإخشيد هو «محمد بن أبى بكر بن طغج (معناها فى التركية: عبدالرحمن) بن جق»، أحد أبناء ملوك «فرغانة» ببلاد «ما وراء النهر»، وكان الملوك فى هذه البلاد يتخذون من لفظة «الإخشيد» لقبًا لهم، فأطلق هذا اللقب على «محمد بن طغج»، وتسمت به دولته، وعُرفَت باسم «الدولة الإخشيدية». اتصل «جق» جد «الإخشيد» بالخلفاء العباسيين، أما «طغج» والده؛ فقد كان على درجة عظيمة من الثراء وسعة العيش، واتصل بخدمة الطولونيين فى عهد «خمارويه»؛ الذى ولاه على «دمشق» و «طبرية»، فلما سقطت الدولة الطولونية، تولَّى «محمد ابن طغج» ولاية «دمشق»، ثم أُضيفت إليه ولاية «مصر»، ولكنه أناب عنه من يحكمها، ولم يغادر «دمشق»، ولكن محاولات الفاطميين للسيطرة على «مصر» جعلت الخليفة العباسى «الراضى» يطلب من «ابن طغج» أن يقوم بنفسه على حكم «مصر» والشام، حتى يُوقِف الزحف الفاطمى، ويعيد الاستقرار والأمان إلى الولايتين. جاء «محمد بن طغج» سنة (323هـ)، وبدأ يؤسس دعائم دولته الكبرى بها، وضُمت إلىه «الحجاز» - التى ظلت مرتبطة بمصر عدة قرون بعد ذلك - كما حصل من الخليفة سنة (323هـ) على حق توريث حكم البلاد التى تحت يده لأسرته من بعده، فأصبحت هذه الولايات فى عداد الدول المستقلة. بذل «محمد بن طغج» جهودًا كبيرة فى إعادة الاستقرار والأمان إلى بلاده، واستطاع بكفاءته وذكائه أن يتغلب على العواقب التى صادفته كافة، وأخذت «مصر» والشام و «الحجاز» تستعيد مكانتها ثانية، بعد أن استطاع «ابن طغج» رد الفاطميين وإيقاف زحفهم على «مصر»، فحاول الفاطميون استمالته إلى جانبهم، ولكنه رفض، وظل وفيا للخلافة العباسية، واستطاع فى مدة قصيرة أن يبسط سلطانه على «مصر» والشام، وأعاد إليهما النظام، وعرف كيف يسوس الناس فيهما، فعاش حياته عزيزًا كريمًا. فلما شعر بدنو أجله عهد إلى ابنه «أبى القاسم أنوجور» بالحكم من بعده،

وجعل «كافورًا» وصيا عليه لأن «أنوجور» كان فى ذلك الوقت صغيرًا، ومات الإخشيد بدمشق سنة (334هـ = 946م (.

*الإخشيد

*الإخشيد هو «محمد بن أبى بكر بن طغج (معناها فى التركية: عبدالرحمن) بن جق»، أحد أبناء ملوك «فرغانة» ببلاد «ما وراء النهر»، وكان الملوك فى هذه البلاد يتخذون من لفظة «الإخشيد» لقبًا لهم، فأطلق هذا اللقب على «محمد بن طغج»، وتسمت به دولته، وعُرفَت باسم «الدولة الإخشيدية». اتصل «جق» جد «الإخشيد» بالخلفاء العباسيين، أما «طغج» والده؛ فقد كان على درجة عظيمة من الثراء وسعة العيش، واتصل بخدمة الطولونيين فى عهد «خمارويه»؛ الذى ولاه على «دمشق» و «طبرية»، فلما سقطت الدولة الطولونية، تولَّى «محمد ابن طغج» ولاية «دمشق»، ثم أُضيفت إليه ولاية «مصر»، ولكنه أناب عنه من يحكمها، ولم يغادر «دمشق»، ولكن محاولات الفاطميين للسيطرة على «مصر» جعلت الخليفة العباسى «الراضى» يطلب من «ابن طغج» أن يقوم بنفسه على حكم «مصر» والشام، حتى يُوقِف الزحف الفاطمى، ويعيد الاستقرار والأمان إلى الولايتين. جاء «محمد بن طغج» سنة (323هـ)، وبدأ يؤسس دعائم دولته الكبرى بها، وضُمت إلىه «الحجاز» - التى ظلت مرتبطة بمصر عدة قرون بعد ذلك - كما حصل من الخليفة سنة (323هـ) على حق توريث حكم البلاد التى تحت يده لأسرته من بعده، فأصبحت هذه الولايات فى عداد الدول المستقلة. بذل «محمد بن طغج» جهودًا كبيرة فى إعادة الاستقرار والأمان إلى بلاده، واستطاع بكفاءته وذكائه أن يتغلب على العواقب التى صادفته كافة، وأخذت «مصر» والشام و «الحجاز» تستعيد مكانتها ثانية، بعد أن استطاع «ابن طغج» رد الفاطميين وإيقاف زحفهم على «مصر»، فحاول الفاطميون استمالته إلى جانبهم، ولكنه رفض، وظل وفيا للخلافة العباسية، واستطاع فى مدة قصيرة أن يبسط سلطانه على «مصر» والشام، وأعاد إليهما النظام، وعرف كيف يسوس الناس فيهما، فعاش حياته عزيزًا كريمًا. فلما شعر بدنو أجله عهد إلى ابنه «أبى القاسم أنوجور» بالحكم من بعده، وجعل «كافورًا» وصيا عليه لأن «أنوجور» كان فى ذلك الوقت

صغيرًا، ومات الإخشيد بدمشق سنة (334هـ = 946م (.

*كافور الإخشيدى

*كافور الإخشيدى وُلد «كافور» بين سنتى (291 و308هـ) فلم تُحدَّد سنة ولادته تحديدًا دقيقًا - وكانت كنيته «أبا المسك»، وبدأ حياته مملوكًا بسيطًا، اشتراه «محمد بن طغج» من رجل يُدعَى «محمود بن وهب»، وتوسَّم فيه «الإخشيد» الذكاء، فاحتفظ به ورباه فى بيته تربية عالية، فلما رآه يتقدم ازداد إعجابه به واختصه من بين عبيده وأولاه ثقته وأعتقه، وأخذ يرقيه فى بلاطه حتى جعله من كبار قواده؛ لما يتمتع به من ذكاء وصفات طيبة، وبعثه قائدًا أعلى على رأس جيوشه لمحاربة أعداء الدولة، وعهد إليه بتربية ولديه «أبى القاسم أنوجور» و «أبى الحسن على»، كما عهد إليه بأن يكون وصيا عليهما فى الحكم من بعده. عندما تولَّى «أنوجور» حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده، وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ). كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى

«كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة. مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها الفاطميون سنة (358هـ).

*محمد بن يزيد

*محمد بن يزيد وقع عليه اختيار الخليفة «سليمان بن عبد الملك»، ومنحه ولاية «المغرب» وأوصاه بقوله: «يا محمد بن يزيد اتق الله وحده لاشريك له، وقم فيمن وليتك بالحق والعدل. اللهم اشهد عليه»، فعمل «محمد» بهذه الوصية منذ تولى مقاليد البلاد، واستقر بالقيروان، فأقام سياسة العدل بين سكان هذه البلاد، وسار فيهم بأحسن سيرة، ثم عمد إلى تجديد النشاط العسكرى، وأرسل السرايا والبعوث إلى أماكن متفرقة من أرض المغرب، فحققت نجاحًا ملحوظًا فيما ذهبت من أجله، وعادت بالمغانم الكثيرة والنصر المظفر. وظل «محمد بن يزيد» واليًا على «المغرب» حتى وفاة «سليمان بن عبدالملك»، فعزل من ولايته بعد أن قضى بها سنتين وعدة أشهر.

*إسماعيل بن عبدالله

*إسماعيل بن عبدالله اختاره الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» لولاية المغرب لصفاته الحسنة وسمعته الطيبة، لتولى هذا المنصب فى سنة (100هـ=718م)، وبعث معه مجموعة من التابعين، منهم: «سعد بن مسعود التجيبى»، لمعاونته فى نشر الإسلام، وتعليم الناس قواعده، وقد أثمرت سياسة «إسماعيل» الطيبة بين الرعية، فى إقبال البربر على اعتناق الدين الإسلامى، وأسلم جميع البربر فى أيامه كما ذكر «ابن خلدون». وقد عُزل «إسماعيل» من منصبه عقب وفاة الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» فى سنة (101هـ= 720م)، فتولى «يزيد بن أبى مسلم» ولاية «المغرب» خلفًا له.

*يزيد بن أبى مسلم

*يزيد بن أبى مسلم عمل والياً على المغرب فى سنة (101هـ=720م)، وتولى مقاليد الأمور فيها، واتبع سياسة الشدة والحزم تجاه أهل «المغرب» مثلما اتبعها مع أهل «العراق» من قبل، وفرض الجزية على مَن أسلم من أهل الذمة ليزداد الدخل المالى فى خزينة الدولة، كما أنه خصَّ طائفة من قبيلة «البتر» البربرية بحراسته دون غيرها، وأساء إلى آل «موسى بن نصير» وبعض الشخصيات العربية المقيمة بالقيروان، فأثار عليه ذلك حفيظة بعض حرسه من غير «البتر» وقتلوه.

*بشر بن صفوان

*بشر بن صفوان تولى حكم المغرب فى أواخر سنة (102هـ=721م)، وقد بدأ أعماله بالتحقيق فى مقتل «يزيد ابن أبى مسلم» الوالى السابق، واكتشف أن هناك بعض المحرضين للجند على فعل ذلك لإشعال الفتنة، فأمر بإعدامهم كما أمر بعزل «الحسن بن عبدالرحمن» والى «الأندلس» من منصبه، وولى مكانه «عبدالله بن سحيم الكلبى»، ثم قام فى سنة (109هـ= 727م) بحملة بحرية على «جزيرة صقلية»، وعاد منتصرًا ومحملا بكثير من المغانم والأسلاب، ثم مرض عقب عودته من هذه الغزوة، ومات فى العام نفسه.

*عبيدة بن عبدالرحمن السلمى

*عبيدة بن عبدالرحمن السلمى تولى حكم المغرب فى سنة (110هـ=728م)، وأرسل «المستنير بن الحبحاب الحرشى» أحد القادة العسكريين على رأس حملة بحرية إلى «صقلية»، ولكن هذه الحملة لم تحقق نجاحًا، وغرقت معظم سفنها. وقد عين «عبيدة» بعض الولاة من قِبله على «الأندلس» فى سنة (114هـ=732م)، ثم توجه إلى مقر الخلافة بدمشق، وطلب إعفاءه من منصبه، فأُجيب إلى مطلبه.

*عبيدالله بن الحبحاب

*عبيدالله بن الحبحاب وتولى حكم المغرب فى سنة (116هـ=734م)، وبدأ ولايته بتجهيز حملة بقيادة «حبيب بن أبى عبيدة بن عقبة بن نافع»، وبعث بها لفتح بعض المناطق؛ لتأمين الأقاليم الإسلامية بالمغرب، فتوغلت هذه الحملة حتى وصلت إلى «السوس الأقصى»، وأرض «السودان»، وحققت الأهداف التى خرجت من أجلها. وقد انتهج «عبيدالله» سياسة مغايرة لسابقيه، فأسرف فى جمع الأموال مستخدمًا القسوة والقوة وشرع فى تخميس البربر، أى اعتبر من أسلم منهم ومن لم يسلم فيئًا للمسلمين، بخلاف ما اعتاد عليه هؤلاء البربر حيث منح الولاة من أسلم منهم نفس الحقوق والواجبات الخاصة بالمسلمين كما أنه أزكى نار العصبيات القبلية، حيث حابى أبناء قبيلته من القيسية وأساء معاملة اليمنية وغيرهم، فكانت النتيجة أن قامت الثورات المدمرة فى أقاليم «المغرب»، ودخل البربر فى صراع مسلح مع ولاتهم من العرب، وترتب على ذلك انفصال «المغرب الأقصى» عن سلطة الخلافة بدمشق.

*كلثوم بن عياض القشيرى

*كلثوم بن عياض القشيرى وقع اختيار الخلافة عليه، لتولى مقاليد الأمور بالمغرب، ومواجهة الأحداث الخطيرة التى نشبت على أرضه، وتوجه على رأس جيش كبير تعداده سبعون ألف مقاتل إلى هذه البلاد، ودعمته الخلافة بكل ما يحتاج إليه، ووصل على رأس جيشه إلى «بقدورة» بالمغرب الأقصى، ودخل فى معركة شرسة مع جحافل البربر، وقد انتهت هذه المعركة بهزيمة جيش العرب، فضلا عن مقتل «كلثوم» نفسه ومعه كثير من زعماء الجيش، وفرَّ الباقى إلى «طنجة» ومنها إلى «الأندلس».

*حنظلة بن صفوان الكلبى

*حنظلة بن صفوان الكلبى كان «حنظلة» واليًا على «مصر»، وكان ذا كفاءة عالية وخبرة كبيرة، فضلا عن إلمامه بأخبار «المغرب» وأوضاعه بحكم الجوار بين «مصر» و «المغرب»، فوقع عليه اختيار الخليفة «هشام بن عبدالملك» لتولى شئون «المغرب»، وأمره بالتوجه إليها فى سنة (124هـ= 742م)، فخرج على رأس جيش بلغ تعداده ثلاثين ألف مقاتل، قاصدًا «القيروان»؛ لمواجهة أحداث المغرب. ووصلت الأخبار إلى «حنظلة» بمسير البربر إليه فى جيشين كبيرين، أحدهما بقيادة «عكاشة الصفرى الخارجى»، والآخر بقيادة «عبدالواحد بن يزيد الهوارى»، وقد سار الجيشان فى طريقين مختلفين، فاضطر «حنظلة» إلى لقاء كل جيش على حدة، وبدأ بمحاربة جيش «عكاشة» وأنزل به هزيمة كبيرة؛ أعادت الثقة إلى نفوس جيشه، ثم كان اللقاء الثانى بجيش «عبدالواحد» عند «باجة»، ودارت بين الفريقين معركة عنيفة، انتهت بهزيمة جيش الخلافة، وعودة ما تبقى منه إلى «القيروان» استعدادًا لمحاولة ثانية. ثم حشد «حنظلة» كل ما استطاع من قوة، وخرج للقاء البربر، ودارت بينهما معركة، أثبت جيش «حنظلة» فيها كفاءة عالية وصبرًا على القتال، فانتصر جيش الخلافة وقُتل «عبدالواحد» قائد البربر، فضلا عن مقتل عدد كبير من جنوده، فمكن هذا النصر للأمويين فى البلاد، ودعم وجودهم فيها، وعمد «حنظلة» إلى إقرار الأمن والطمأنينة فى النفوس، ثم بعث بأخبار هذا النصر إلى مركز الخلافة «بدمشق» فى شعبان سنة (125هـ= يونيو 743م)، فتوافق هذا الوقت مع وفاة الخليفة «هشام بن عبدالملك»، وتولى «الوليد الثانى بن يزيد» خلفًا له. واجه «حنظلة» مشكلة كبيرة، تمثلت فى نزول «عبدالرحمن بن حبيب» أحد زعماء العرب على شواطئ «تونس» قادمًا من «الأندلس»، وقد استغل هذا الرجل اضطراب الأوضاع فى «دمشق»، وضعف والى «القيروان» بسبب الحروب الكثيرة التى خاضها مع البربر، وسعى إلى جمع عناصر من العرب

والأفارقة والبربر حوله، ثم نزل بهم منطقة «سمنجة» فى سنة (127هـ=745م)، استعدادًا للاستيلاء على «القيروان» وعلى مركز السلطة فيها. وحاول «حنظلة» معالجة الأمور بطريقة ودية، فاختار خمسين من فقهاء «القيروان» وزعمائها، وأرسلهم إلى «عبدالرحمن» للتفاوض معه، فألقى القبض عليهم وهدَّد بقتلهم إن لم يتخلَّ «حنظلة» عن الإمارة، ويترك «القيروان» خلال ثلاثة أيام، وألا يأخذ من بيت المال إلا ما يكفيه مئونة السفر، فوافق «حنظلة» على مطالب «عبدالرحمن» حفاظًا على أرواح مَن بعث بهم إليه، وترك «القيروان» فى جمادى الآخرة سنة (127هـ= مارس745م) فدخلها «عبدالرحمن».ثم وافقت الخلافة على تعيينه واليًا على بلاد «المغرب».

*الأغلب بن سالم التميمى

*الأغلب بن سالم التميمى هو الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمى. أحد الأمراء القادة المعروفين بالشجاعة، وهو جد الأغالبة ملوك إفريقية، وأول من وليها منهم. كان ممن ساند أبا مسلم الخراسانى، ثم قد م إلى إفريقية مع محمد بن الأشعث، ولما بلغ المنصور خروج محمد بن الأشعث من إفريقية بعث إلى الأغلب بولاية إفريقية، فلما أتاه العهد قدم القيروان فى جمادى الآخرة سنة (148 هـ = 765 م)، وأخرج جماعة من قواد المُضريّة، وخرج عليه «أبى قرة بن دوناس» الخارجى فى جمع كثير من البربر، فسار إليه الأغلب، فهرب أبو قرة من غير قتال، وسار الأغلب يريد طنجة، فاشتد ذلك على الجند، وكرهوا المسير، وتسللوا إلى القيروان، فلم يبق معه إلا نفر يسير من وجوههم. وكان الحسن بن حرب بتونس، فلما خرج الأغلب يريد أبا قرة، وأرسل فى طلب جميع القواد فى عصره، لحق به بعضهم، وأقبل معهم إلى القيروان، فدخلها، وأخذ سالم بن سوادة عاملها؛ فحبسه. وبلغ الخبر الأغلب فأقبل فى عدة يسيرة، واشتبك مع الحسن فى قتالٍ، تكشف عن هزيمة الحسن، وفراره إلى تونس، ودخول الأغلب القيروان. ثم حشد الحسن جيشه وسار فى عدة عظيمة إلى القيروان، فجمع الأغلب أهل بيته وخاصته، وخرج إليه، فأصابه سهم، فمات منه فى شعبان سنة (150 هـ = 767 م). فكانت ولايته سنة واحدة وثمانية أشهر.

*عمر بن حفص

*عمر بن حفص وقع عليه اختيار الخلافة العباسية لتولى مهام إقليم «المغرب» عقب استشهاد «الأغلب بن سالم التميمى»، وكان «عمر» رجلاً شجاعًا، ذا شخصية قوية، فدخل مدينة «القيروان» فى سنة (151هـ= 768م)، وانتهج سياسة جديدة تجاه أهلها وعاملهم بالحسنى، وتودد إلى زعمائها وأنزلهم منازلهم، فاستقرت له الأوضاع، وهدأت الأمور، ثم خرج إلى مدينة «طبنة» لإصلاح أحوالها، وبناء سورها، ففاجأته جموع البربر، وحاصرت مدينة «القيروان»، كما حاصرته مع جنوده بمدينة «طبنة»، فلجأ إلى استعمال الحيلة، وأغدق بالأموال على الجيش المحاصر لطبنة، فانصرف عدد كبير من جنود البربر عن المدينة، وتمكن «عمر» من هزيمة الجزء المتبقى منهم، ثم دخل «القيروان» بالحيلة والتمويه، وتولى مهمة الدفاع عنها، ولكن «إباضية» «طرابلس» بزعامة «أبى حاتم» كانوا قد أحكموا حصارهم وسيطرتهم على «القيروان»، وظلوا كذلك ثمانية أشهر، فساءت الأوضاع داخل المدينة، واضطر الناس إلى أكل دوابهم وخيولهم، وفشلت كل محاولات «ابن حفص» لفك الحصار عن المدينة، فخرج على رأس قواته، ودخل فى معركة شديدة مع المحاصرين، فاستشهد هو وكثير من رجاله فى سنة (154هـ = 771م) ودخل «الإباضية» بقيادة «أبى حاتم» المدينة.

*يزيد بن حاتم

*يزيد بن حاتم تولى «يزيد بن حاتم» إمرة «مصر» فى عهد الخليفة العباسى «أبى جعفر المنصور» فى سنة (144هـ=761م)، وأثبت فيها كفاءة عالية، فوقع عليه اختيار الخلافة ليكون واليًا على «المغرب»، وجهز له الخليفة جيشًا كبيرًا، ضم تسعين ألف مقاتل، وتم تجهيزه بثلاثة ملايين درهم، وخرج «يزيد» على رأس الجيش قاصدًا إفريقية، ووصلها فى سنة (154هـ= 771م)، فانضمت إليه فلول الجند المنهزمة أمام «أبى حاتم»، وتم اللقاء بين الجيش العباسى وجيش الخوارج بقيادة «أبى حاتم» فى شهر ربيع الأول سنة (155هـ= فبراير 772م)، فكانت المعركة حاسمة، وهُزم جيش الخوارج، وقتل قائده «أبو حاتم»، وبعث «يزيد» بجنوده لاستئصال شأفة الخوارج ثم دخل «القيروان» رافعًا أعلام العباسيين، وبث الطمأنينة فى نفوس أهلها، ومات «يزيد بن حاتم» بالقيروان فى سنة (170هـ= 786م)، فخلفه ابنه «داود» فى الولاية.

*داود بن يزيد بن حاتم

*داود بن يزيد بن حاتم تولى «داود» مقاليد الأمور فى المغرب خلال فترة مرض والده يزيد بن حاتم والى المغرب كمعاون له، فلما مات والده، تولى إدارة البلاد ريثما تتخذ الخلافة قرارها، وواجه ثورة الإباضية بحزم، وحافظ على ما حققه والده من انتصارات ومكاسب، ولم يستمر فى الحكم سوى تسعة أشهر، ثم سلم مقاليد الأمور إلى عمه «روح ابن حاتم»، وعاد إلى المشرق.

*روح بن حاتم

*روح بن حاتم اختاره الخليفة «هارون الرشيد» لحكم المغرب خلفًا لأخيه «يزيد» فقدم إلى إفريقية فى سنة (170هـ=787م)، وتولى مقاليد أمورها، وأحدث تغييرات فى إدارتها، وقضى على ثورات ما تبقى من البربر بها، فهدأت أوضاعها، واستقر أمنها ثم مات «روح» فى رمضان سنة (174هـ= يناير 791م).

*نصر بن حبيب

*نصر بن حبيب تولى حكم المغرب سنة (174 هـ = 791 م) واقتفى سياسة روح بن حاتم الوالى السابق، وعدل بين الناس وحسنت سيرته بينهم، ولكنه لم يستمر طويلا فى الولاية، حيث تم عزله بعد سنتين وثلاثة أشهر قضاها فى الحكم.

*الفضل بن روح بن حاتم

*الفضل بن روح بن حاتم اختاره «هارون الرشيد» لحكم المغرب بدلا من «نصر ابن حبيب»، فوصل إلى مدينة «القيروان» فى سنة (177هـ= 793م)، وجعل ابن أخيه «المغيرة ابن بشير بن روح» على مدينة «تونس»، وكان «المغيرة» غِرا تنقصه التجارب والكياسة، فأساء معاملة الجند، وفرق بينهم فى المعاملة، فثاروا عليه بقيادة «ابن الجارود» المعروف بابن عبدويه، وعزلوه عن «تونس»، وأجبروه على تركها، فأدرك «الفضل بن روح» خطورة الموقف، وأرسل «عبدالله بن يزيد» واليًا جديدًا على «تونس» لتهدئة الموقف، ولكن الثوار قتلوه على أبواب المدينة، وشرعوا فى استمالة قادة الجيش بالقيروان وزعماء الجند إليهم للتخلص من «الفضل»، وقد نجحوا فى ذلك، وحاصروا مدينة «القيروان»، ثم دخلوها، وأرغموا «الفضل» على تركها مع بعض أفراد أسرته، ولكن «ابن الجارود» أرسل خلفه مَن يأت به إلى «القيروان» ثانية، وأودعه السجن فترة، ثم قتله فى شعبان سنة (178هـ= نوفمبر 794م)، فلما بلغ «الرشيد» ذلك بعث بيحيى بن موسى إلى «تونس» برسالة ليُهدِّىء النفوس، ويدعو «ابن الجارود» إلى «بغداد»، فامتثل «ابن الجارود» للأمر، وهدأت الثورة، وعين الخليفة «الرشيد» «هرثمة بن أعين» على إفريقية.

*محمد بن مقاتل العكى

*محمد بن مقاتل العكى اختاره «الرشيد» لتولى إمرة بلاد «المغرب الأدنى»، فوصلها فى رمضان سنة (181هـ= أكتوبر 797م)، ويبدو أنه لم يكن على دراية بأوضاعها، وظروف الجند بها، فوقع فى عدة أخطاء، وقطع أرزاق الجند، وأساء معاملة وجوه القوم وزعمائهم، فثاروا عليه بقيادة «تمام بن تميم التميمى» ثم توجه بها إلى «القيروان» وحاصرها، ثم دخل مع «العكى» فى معركة وهزمه فيها، ولكن «إبراهيم بن الأغلب» والى «الزاب» من قبل «العكى» كانت له طموحات فى هذه المنطقة، فأسرع إلى نجدته بقواته، وقضى على جموع الثائرين. وعمد «إبراهيم بن الأغلب» إلى التقرب إلى أهالى «القيروان» لتحقيق أهدافه ومطامعه بالمنطقة، وظهر بمظهر المدافع عن سلطة الخلافة وممتلكاتها، وقد ساعدته كراهية الناس لابن مقاتل العكى فى تحقيق مبتغاه، وطلب منه وجهاء القوم مراسلة «الرشيد» وإعلامه بمسلك «العكى» العدائى تجاه السكان، ومطالبة الرعية بعزله، فاستجاب لمطلبهم، وبعث إلى «الرشيد» برسالة وضح له فيها هذه الأمور، فعينه «الرشيد» على هذه الولاية.

*إبراهيم بن الأغلب

*إبراهيم بن الأغلب استقل «إبراهيم بن الأغلب» بحكم «المغرب الأدنى» سنة 184هـ =800 م عن الخلافةالعباسية، وعمد إلى إقرار الأمن والاستقرار بهذا الإقليم، فضلاً عن تعريبه، واستكمال نظامه الإدارى، وتنمية اقتصاده، فباتت «القيروان» مركزًا من مراكز العلم والحضارة بالدولة الإسلامية، وظهرت أهمية المدن التابعة لها. مثل: «تونس»، و «سوسة»، و «قابس»، و «قفصة»، و «توزر»، و «نفطة»، و «طبنة»، و «المسيلة»، و «بجاية»، وغيرها. ولكن ذلك لم يمنع من وقوع بعض الثورات بالمنطقة، مثل ثورة «عمران بن مجالد الربيعى» الذى جمع حوله أهل «القيروان» فى محاولة للقضاء على حكم «الأغالبة»، ولكن محاولتهم باءت بالفشل، حيث تصدى لهم «إبراهيم بن الأغلب» بحزم وشدة، واستمر فى منصبه حتى وافته منيته فى شوال سنة (196هـ= يونيو 812م)، فذكره المؤرخون بأنه كان أحسن الولاة سيرة، وأفضلهم سياسة، وأوفاهم بالعهد، وأرعاهم للحرمة، وأرفقهم بالرعية، وأخلصهم لأداء واجبه.

*أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب

*أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب تولى «أبو العباس» «المغرب» خلفًا لوالده إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ =812 م، فاستقامت له الأمور واستقرت، ولكنه انتهج سياسة ضريبية سيئة، أسفرت عن سخط الناس عليه، وظل «أبو العباس» بالحكم مدة خمس سنوات ثم مات من جرَّاء قرحة أصابته تحت أذنه.

*زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب

*زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب تولى «زيادة» مقاليد الحكم بالمغرب سنة 201هـ= 816م خلفًا لأخيه «أبى العباس» واستمر فى هذه الإمارة حتى سنة (223هـ= 838م)، فتمتعت البلاد فى عهده بالرخاء والازدهار، فضلا عن التشييد والعمران بالمدن المغربية، مثل: «القيروان»، و «العباسية»، و «تونس»، و «سوسة» وقد وجه «زيادة» قدراته العسكرية للقضاء على الثورات التى قامت بالمنطقة، ومنها: ثورة «زياد بن سهل» المعروف بابن الصقلبية فى سنة (207هـ=822م)، وثورة «عمرو بن معاوية العيشى» فى سنة (208هـ=823م)، وثورة «منصور الطنبذى» فى سنة (209هـ=824م)، وكذلك وجه «زيادة» كفاءته الحربية فى العناية بالأسطول الإسلامى، ثم توجيهه لغزو بعض الجزر القريبة من «تونس»، وإليه يرجع الفضل فى إعداد حملة بحرية كبيرة بقيادة «أسد بن الفرات» لغزو الجزر القريبة من «تونس»، ثم تُوفى فى سنة (223هـ=838م).

*أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب

*أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب تولى إمارة المغرب خلفًا لأخيه «زيادة الله» فى سنة (223هـ=838م)، ومكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات؛ نعمت البلاد خلالها بالهدوء والاستقرار، وحرَّم «أبو عقال» صنع الخمور بالقيروان، وعاقب على بيعها وشربها، فكان لذلك صداه الطيب فى نفوس الناس عامة، فضلا عن الفقهاء والعلماء، ومات «أبو عقال» بالقيروان فى سنة (226هـ=841م).

*أبو إبراهيم أحمد بن محمد

*أبو إبراهيم أحمد بن محمد تولىحكم المغرب خلفًا لأبيه محمد بن الأغلب عقب وفاته فى سنة 242هـ=856م، وتميزت فترة حكمه بالهدوء والاستقرار، وقد غلب الطابع الدينى على سلوكه، فكان يخرج فى شهرى شعبان ورمضان من مقر إقامته ليوزع الأموال على الفقراء والمساكين بالقيروان، واهتم «أبو إبراهيم» بالبناء والتعمير، وزاد فى «مسجد القيروان»، وجدد «المسجد الجامع» بتونس، وحصَّن مدينة «سوسة» وبنى سورها، كما اهتم بإمداد سكان المدن بمياه الشرب، وقد تُوفى فى سنة (249هـ=863م).

*أبو محمد زيادة الله الثانى

*أبو محمد زيادة الله الثانى تولى «أبو محمد» حكم دولة الأغالبة سنة 249هـ=863م خلفًا لأخيه «أبى إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب»، ولم يستمر فى منصبه سوى عام واحد، ثم تُوفى فى سنة (250هـ=864م).

*أبو عبد الله محمد بن أحمد

*أبو عبد الله محمد بن أحمد خلف عمه «أبا محمد زيادة الله الثانى» فى إمارة الأغالبة فى سنة (250هـ=864م). وقد اشتهر «أبو عبدالله» بأبى الغرانيق؛ لولعه بصيد «الغرانيق»، وبنى لذلك قصرًا كبيرًا، أنفق عليه أموالا كثيرةً، كما شاد الحصون والمحارس الكثيرة على سواحل البحر المتوسط وتوفى «أبو الغرانيق» فى سنة (261هـ).

*إبراهيم بن أحمد

*إبراهيم بن أحمد تولى دولة الأغالبة عقب وفاة أخيه «أبى عبد الله محمد بن أحمد» فى سنة (261هـ=875م)، وامتد عهده أكثر من ثمانية وعشرين عامًا؛ ظهر خلالها «أبو عبدالله الشيعى»، الذى استقطب إلى دعوته الشيعية عددًا من القبائل، وقد اختلف المؤرخون فى تقييم شخصية «إبراهيم بن أحمد»، فذكر بعضهم أن عهده كان عهد استقرار وهدوء، وإقرار للعدل، وتأمين للسبل، فضلا عن قيامه بإتمام بناء المسجد بتونس، وبناء الحصون والمحارس على سواحل البحر، يضاف إلى ذلك تأسيسه مدينة «رقادة»، وبناؤه جامعًا بها، فى حين يصفه «ابن خلدون» بقوله: «وذكر أنه كان جائرًا، ظلومًا ويُؤخذ أنه أسرف فى معاقبة المعارضين له بالقتل والتدمير، لكنه حاول فى أخريات أيامه إصلاح ما أفسده، وبخاصة بعد ظهور داعية الشيعة «أبى عبدالله» وانضمام كثير من الناس إلى دعوته، فأسقط المغارم، ورفع المظالم عن طبقات الشعب الكادحة، كما تجاوز عن ضريبة سنة بالنسبة إلى أهل الضياع، ووزع الأموال على الفقراء والمحتاجين، وختم حياته بالجهاد فى «صقلية»، حيث مرض أثناء حصاره لإحدى المدن، ومات ليُحمل ويدفن فى مدينة «بلرم» فى سنة (289هـ=902م)، وذكر «ابن الأثير» أنه حُمل فى تابوت ودفن بالقيروان.

*زيادة الله بن أبى العباس عبدالله

*زيادة الله بن أبى العباس عبدالله تولى حكم الأغالبة سنة 290هـ=903م عقب مقتل أبيه أبى العباس عبد الله بن إبراهيم، وانتهج سياسة أبيه وجده، وتتبع أفراد أسرته بالقتل، فى الوقت الذى نشط فيه «أبو عبدالله الشيعى» وأحرز الانتصارات تلو الأخرى، واستولى على كثير من المدن الأغلبية، ولم تفلح جيوش «زيادة» فى صده أو إيقاف زحفه، فوجد «زيادة» نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى «مصر»، وحمل معه كل ما استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من «رقادة» فى (26من جمادى الآخرة عام 296هـ= مارس 909م)، فباتت المدينة سهلة المنال «لأبى عبدالله الشيعى»، فبعث «عروبة بن يوسف» أحد قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون قتال، وطويت بذلك صفحة «الأغالبة».

*عبدالرحمن بن رستم

*عبدالرحمن بن رستم بويع «عبدالرحمن» سنة 162هـ=779م ليكون أول إمام للدولة الإباضية (الرستمية) الناشئة فى ربوع «المغرب الأوسط»، وقد كان أحد طلاب العلم، ودرس على يد «أبى عبيدة مسلم ابن أبى كريمة»، فلما أتم تعليمه عمل على نشر «المذهب الإباضى» ودعمه، ثم عينه «أبو الخطاب» نائبًا له على «مدينة القيروان»، فاكتسب الخبرة الإدارية، وعرف طبائع الناس وظروفهم، ولم يدخر جهدًا فى محاربة الولاة العباسيين، وجَمْع شمل «الإباضية»، خاصة بعد مقتل «أبى الخطاب». كان «عبدالرحمن» رجلاً زاهدًا، وذا صبر على الشدائد، وملتزمًا بكتاب الله وسنة نبيه، واشترط على الناس حين وقع اختيارهم عليه للإمامة أن يسمعوا له ويطيعوا ما لم يحد عن الحق، ثم اختط مدينة «تهيرت»، ودخل فى طاعته العديد من القبائل مثل: «لماية»، و «سدرانة»، و «مزاتة»، و «لواتة»، و «مكناسة»، و «غمارة»، و «أزداجة»، و «هوارة»، و «نفوسة»، وقد افترشت هذه القبائل مساحات واسعة، امتدت من «تلمسان» غربًا حتى «طرابلس» شرقًا. ومضى «عبدالرحمن» فى حكم البلاد بالعدل، منتهجًا سياسة شرعية فى إدارتها، مما أشاع الاستقرار والأمن بين الناس، فلما شعر بدنو أجله اختار مجلسًا للشورى، ليُختار من بين أفراده مَن يصلح للإمامة من بعده، واختار ابنه «عبدالوهاب» ضمن أفراد هذا المجلس، ثم مات فى سنة (168هـ= 784م).

*عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم

*عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم اختاره مجلس الشورى سنة 168هـ = 784 م ليكون خلفًا لأبيه عبد الرحمن بن رستم فى إمامة الدولة الرستمية فى المغرب، واتسم عهده ببعض الاضطرابات والقلاقل، وواجه العديد من الثورات التى اتخذ بعضها طابعًا مذهبيا، وبعضها الآخر طابعًا قبليا، فأثَّرت إلى حد بعيد على «الدولة الرستمية»، وعلى رمزها الدينى المتمثل فى الإمام. ومات «عبد الوهاب» فى سنة (198هـ=814م).

*أفلح بن عبدالوهاب

*أفلح بن عبدالوهاب بويع الإمام «أفلح» إماماً للدولة الرستمية فى المغرب سنة 198هـ = 814م خلفًا لأبيه عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، وكان ذا صفات طيبة، وجاءت مبايعته على عكس ما نهجه الخوارج فى تعيين الإمام، إذ اختاره أبوه للإمامة قبل وفاته، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة الظروف التى ألمت بالبلاد، حيث أحاط الأعداء بمدينة «تهيرت»، وكان لابد من اختيار رجل شجاع يتمكن من مواجهة الأعداء. وقد اتسم عهد «أفلح» بالهدوء والاستقرار، وبلغت الدولة فى عهده أوج ازدهارها، ونشطت التجارة، وأقبل الناس من كل مكان قاصدين العاصمة «تهيرت»، وتُوفِّى الإمام «أفلح» فى سنة (240هـ)، إثر حزنه الشديد على وقوع ابنه «أبى اليقظان» فى أيدى العباسيين.

*أبو بكر بن أفلح بن عبدالوهاب

*أبو بكر بن أفلح بن عبدالوهاب تولى إمامة الدولة الرستمية سنة 240 هـ =854م خلفاً لأبيه أفلح بن عبد الوهاب بدلاً من أخيه أبى اليقظان الذىكان مرشحًا لمنصب الإمامة، ولكن وقوعه فى أيدى العباسيين حال دون ذلك، لم يكن أبوبكر فى شدة آبائه وأجداده وحزمهم، فضلا عن انغماسه فى الترف والنعيم وميله إلى الراحة، وقد تفرغ لراحته وملذاته حين خرج أخوه «أبو اليقظان» من سجن العباسيين وشاركه الحكم، ولكن «أبا بكر» دبر مقتل «محمد بن عرفة» وهو من الشخصيات البارزة بالعاصمة، ليتخلص من نفوذه، فكان ذلك سببًا فى نشوب الصراع بين طوائف الدولة الرستمية، وحاولت كل طائفة تحقيق أهدافها من خلال المعارك الطاحنة، التى أسفرت عن هزيمة حكام البيت الرستمى، واعتزال «أبى بكر» منصب الإمامة.

*أبو اليقظان محمد بن أفلح بن عبدالوهاب

*أبو اليقظان محمد بن أفلح بن عبدالوهاب تولىمنصب الإمامة فى الدولة الرستمية فى سنة (268هـ=881م)،بعد نجاحه فى التغلب على الإضطرابات، وقد تجنب سياسة التعصب وتفضيل قبيلة بعينها على غيرها، وجلس لبحث شكاوى رعاياه والبت فيها بنفسه، واستعان بمجلس الشورى الذى ضم إليه شيوخ القبائل ووجهاءها، فاستقرت الأوضاع، وهدأت النفوس، وظل «أبو اليقظان» يدير دفة الأمور فى دولته حتى وفاته فى سنة (281هـ=894م).

*محمد بن أفلح بن عبدالوهاب

*محمد بن أفلح بن عبدالوهاب تولىمنصب الإمامة فى الدولة الرستمية فى سنة (268هـ=881م)،بعد نجاحه فى التغلب على الإضطرابات، وقد تجنب سياسة التعصب وتفضيل قبيلة بعينها على غيرها، وجلس لبحث شكاوى رعاياه والبت فيها بنفسه، واستعان بمجلس الشورى الذى ضم إليه شيوخ القبائل ووجهاءها، فاستقرت الأوضاع، وهدأت النفوس، وظل «أبو اليقظان» يدير دفة الأمور فى دولته حتى وفاته فى سنة (281هـ=894م).

*أبو حاتم يوسف بن محمد

*أبو حاتم يوسف بن محمد تولى «أبو حاتم» إمامة الدولة الرستمية سنة 281هـ = 894 م عقب وفاة والده «أبى اليقظان»، لأن أخاه الأكبر «يقظان» كان غائبًا فى موسم الحج، وقد لعب العامة -بزعامة «محمد بن رباح» و «محمد بن حماد» المعروفين بالشجاعة والنجدة- دورًا بارزًا فى المطالبة ببيعة «أبى حاتم» بالإمامة لسخائه وكرمه، ولكن هذا الدور الذى لعبه العامة أطمعهم فى التدخل فى شئون الحكم وتحقيق المكاسب، فرفض «أبو حاتم» ذلك وضرب على أيديهم وطردهم من المدينة، فعمدوا إلى تأليب القبائل ضده، ونجحوا فى طرده من العاصمة «تهيرت»، وبايعوا عمه «يعقوب بن أفلح» بالإمامة، فصار هناك إمامان من بيت واحد، يقفان وجهًا لوجه فى صراعٍ دامٍ على السلطة، ولكن أحدهما لم يحقق نجاحًا ملموسًا على الآخر، فاحتكما وعقدا هدنة، وعاد «أبو حاتم» إلى العاصمة إمامًا على البلاد، وانسحب عمه «يعقوب» بعد أن حكم العاصمة «أربع سنوات». وقد حاول «أبو حاتم» إصلاح ما أفسدته الحروب داخل العاصمة «تهيرت»، وكوَّن مجلسًا استشاريًا من زعماء القبائل ومشايخها للاستعانة بهم فى إدارة البلاد، ولكن محاولاته الإصلاحية كانت بمثابة صحوة الموت للبيت الرستمى، خاصة بعد أن ضعفت قوتهم العسكرية فى محاولة لإنهاء الصراع الذى وقع حول مدينة «طرابلس». وقد تآمر أفراد البيت الرستمى أنفسهم على حياة إمامهم «أبى حاتم»، وقتلوه فى سنة (294هـ=907م)

*اليقظان بن أبى اليقظان

*اليقظان بن أبى اليقظان بويع بإمامة الدولة الرستمية عقب مقتل أخيه أبى حاتم يوسف بن محمد فى سنة (294هـ=907م)، واتسم عهده بالفتن والقلاقل، وتطلع مختلف القبائل والطوائف إلى الاستئثار بالحكم، كما دبرت المؤامرات من داخل البيت الرستمى على يد «دوسر» ابنة «أبى حاتم»، وتكاتفت فرق الخوارج مثل: «المالكية» و «الواصلية» و «الشيعة» لإحباك الفتن والمؤامرات للإطاحة بالإمام، وقد نجح «اليقظان» إلى حد بعيد فى كبح جماح هذه الطوائف والحد من نشاطها، فهربت «دوسر»، ولجأت إلى «أبى عبدالله الشيعى» الذى نجح فى بسط نفوذه على مساحات كبيرة من أرض «المغرب»، واستنجدت به للثأر لأبيها، فاستجاب لها، واتجه إلى «تهيرت»، فخرجت لمقابلته وجوه أهل «تهيرت» ورحبوا بمقدمه، واستسلم «اليقظان» لمصيره، وخرج مع بنيه إلى «أبى عبدالله»، فأمر بقتلهم ودخل العاصمة فى سنة (297هـ= 910م)، واستولى على ما بها من أموال ومغانم، فطويت صفحة «الدولة الرستمية».

*إدريس بن عبدالله

*إدريس بن عبدالله اضطهد العباسيون منذ اللحظة الأولى لقيام دولتهم أبناء عمومتهم من العلويين، وأسرف بعض الخلفاء العباسيين فى ذلك، فأسفر الأمر عن قيام عدة ثورات، كانت آخرها ثورة «الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب» على والى «المدينة» فى سنة (169هـ=785م)، ولكن العباسيين استطاعوا قمعها، وقتلوا زعيمها ومجموعة من أهل بيته. وكان «إدريس بن عبدالله» ومولاه «راشد» ممن فرَّ من أرض المعركة، واتجها إلى «مصر»، ومنها إلى «المغرب الأقصى»، ونزلا مدينة «وليلى» عاصمة هذا الإقليم، ثم توجها إلى أميرها وزعيمها «إسحاق بن محمد بن عبدالحميد الأوربى»، زعيم قبيلة «أوربة» التى فرضت نفوذها وسيطرتها على مدينة «وليلى» وما حولها، وعرفه «إدريس» بنفسه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه «الحجاز»، ولجوئه إلى بلاده، فرحب به «إسحاق» وآمن بدعوته، وبايعه بالإمامة، وكذلك بايعته قبيلته «أوربة»، ومعها بقية القبائل فى رمضان سنة (172هـ=788م)، ومن ثَم نجح «إدريس» فى تأسيس دولة حملت اسمه بالمغرب الأقصى. لكن ذلك أقلق الخلافة العباسية، خاصة بعد أن مدَّ «إدريس» نفوذه إلى مدينة «تلمسان» بالمغرب الأوسط. عمد الخليفة العباسى «الرشيد» إلى الحيلة للقضاء على نفوذ «الأدارسة»، فقيل إنه بعث برجل يدعى «الشماخ» إلى «إدريس»، فتظاهر بحبه لآل البيت، وفراره من بطش العباسيين، ولازم «إدريس» فترة ثم اغتاله حين سنحت له الفرصة، وهكذا نجحت الخلافة العباسية فى التخلص من «إدريس» أبرز المناوئين لها، وفقدت «دولة الأدارسة» مؤسسها فى سنة (175هـ=791م) بعد ثلاث سنوات ونصف فقط من قيامها.

*إدريس بن إدريس بن عبد الله

*إدريس بن إدريس بن عبد الله بات مقعد الإمامة شاغرًا عقب اغتيال «إدريس»، والتف البربر حول مولاه «راشد»، وانتظروا مولود «كنزة» جارية «إدريس بن عبدالله»، فلما وضعت حملها أسموه «إدريس» تبركًا باسم والده، وتعهده «راشد» بالتربية والرعاية، ونشَّأه تنشأة دينية، حتى إذا بلغ الحادية عشرة من عمره أقبلت القبائل على مبايعته بالإمامة، فدعا ذلك الخلافة العباسية إلى التحرك ثانية للقضاء على هذه الدولة، وأوكلت هذه المهمة إلى والى «المغرب الأدنى» «إبراهيم بن الأغلب» الذى نجح فى استمالة مجموعة من البربر بأمواله وهداياه، ثم أوكل إليهم مهمة قتل «راشد»، فقاموا بتنفيذها فى سنة (186هـ= 802م)، لكن «الدولة الإدريسية» واصلت مسيرتها، وانتقلت كفالة «إدريس» والوصاية عليه إلى «أبى خالد بن يزيد بن إلياس العبدى»، وجُدِّدت له البيعة فى سنة (188هـ= 804م)، حين بلغ الثالثة عشرة من عمره، وأصبح فى سن تؤهله لخلع الوصاية، وإدارة البلاد، وعزز مركزه إقبال الوفود العربية من «القيروان» و «الأندلس» للعيش فى كنف دولته فرارًا من بطش الحكام، فدعم بهم نفوذه، واتخذ منهم الوزراء والكتاب والقضاة، وجعلهم بطانته وحاشيته، وقد شجعه هؤلاء على بناء عاصمة جديدة لدولته، فبنى مدينة «فاس»، ثم استقر بها. وفى سنة (197هـ= 813م) خرج «إدريس الثانى» على رأس قواته لإخضاع «قبائل المصامدة» التى هددت أمن بلاده، ونجح فى ذلك نجاحًا كبيرًا، وامتد نشاطه حتى منطقة «السوس الأقصى»، ودخل مدينة «نفيس» ثم عاد إلى عاصمته «فاس»، وخرج فى العام التالى صوب الشرق لتأمين حدود دولته، ودخل مدينة «تلمسان»، وأقام بها ثلاث سنوات، يرتب أمورها، ويرمم مسجدها، ثم عاد إلى «فاس» فى سنة (201هـ)، وظل فى الحكم حتى وافته المنية فى سنة (213هـ=828م).

*محمد بن إدريس بن إدريس

*محمد بن إدريس بن إدريس هو أكبر أبناء «إدريس الثانى» إمام الأدارسة، وقد تولى الإمامة فى سنة (213هـ=828م)، فنفذ وصية جدته «كنزة» بتقسيم أقاليم الدولة بين إخوته، فكان لذلك أثره السيئ على وحدة دولة «الأدارسة»، ولما يمضِ على قيامها أربعون سنة بعد، وطمع كل أخٍ فى الاستقلال بإقليمه، وشقََّ عصا الطاعة على السلطة المركزية. ولكن «محمد بن إدريس» تصدى لإخوته وضم ممتلكات أخويه «عيسى» و «القاسم» بعد هزيمتهما إلى أخيه «عمر».

*يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس

*يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس تولى إمامة دولة الأدارسة عام (292هـ= 905م)، وقد وصفه المؤرخون بأنه كان أعظم ملوك «الأدارسة» قوة وسلطانًا وصلاحًا وورعًا وفقهًا ودينًا، وقد ظل بالحكم حتى سنة (305هـ = 917م) حتى طرق «مصالة بن حيوس» أبواب مدن «المغرب الأقصى»، فأطاعه «يحيى بن إدريس»، وبايع «أبا عبيد الله المهدى»، فدخلت دولة «الأدارسة» منذ ذلك الحين فى طور التبعية للفاطميين تارة، وللحكم الأموى بالأندلس تارة أخرى.

*يوسف بلكين بن زيرى بن مناد الصنهاجى

*يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجى عينه «المعز لدين الله الفاطمى» على ولاية «المغرب» سنة 362 هـ= 973 م، واستثنى من ذلك «طرابلس المغرب»، و «أجدابية» و «سرت»، وعين معه «زيادة الله ابن القديم» على جباية الأموال، وجعل «عبدالجبار الخراسانى» و «حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيرى. واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان أهل «تهيرت»، ثم سيطرة قبيلة «زناتة» على مدينة «تلمسان»، وقد توجه إلى «تهيرت» بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه فى سنة (365هـ= 976م). وفى سنة (373هـ=984م) خرج الأمير «يوسف» على رأس جيوشه لاستعادة «سجلماسة» من أيدى بعض الثوار الذين استولوا عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته فى شهر ذى الحجة سنة (373هـ= مايو 984م).

*المنصور بن يوسف بلكين بن زيرى

*المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى تولى حكم بنى زيرى سنة 373هـ = 984 م وقد واجه عدة مشاكل، كانت منها غارات قبائل «زناتة» المستمرة على المدن المغربية فى سنة (374هـ = 985م)، واستيلاء «زيرى بن عطية الزناتى» على مدينتى «فاس» و «سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير». ثم تصدى الأمير «المنصور» فى سنة (376هـ= 986م) لعمه «أبى البهار» الذى نهب مدينة «تهيرت»، ففر «أبو البهار» أمامه، ودخل «المنصور» المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم تُوفى فى يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386هـ= مارس 996م)، ودُفن بقصره.

*باديس بن المنصور

*باديس بن المنصور وُلد «باديس» فى سنة (374هـ=985م)، وتكنى بأبى مناد، وخلف أباه على «المغرب» فى سنة (386هـ=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحاكم بأمر الله الفاطمى» من «مصر»، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»، وولاه عليها، وأعطاه خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هى نقطة البداية لانقسام «بنى زيرى» إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى فى «ليبيا» و «تونس»، وتحكم الأخرى - أسرة «بنى حماد» - فى «الجزائر»، متخذة من قلعة «بنى حماد» مقرا للحكم. وانفرد «بنو حماد» بإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد. وقد واصل «باديس» مطاردة «زناتة، وأُخبر فى سنة (387هـ= 997م) بأن «زيرى بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير «باديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم فى «أشير»، فلما علم الزناتيون بذلك انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات فى سنة (406هـ= 1015م).

*المعز بن باديس

*المعز بن باديس تولى حكم بنى زيري بعد وفاة أبيه المعز بن باديس سنة 406هـ = 1015م وقد أُخذت البيعة له بمدينة «المحمدية»، وفرح الناس بتوليته لما رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه. وقد حدثت فى عهده بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعى، وخلع طاعة الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء عمومته الحماديين سنة (408هـ= 1017م)، وواصل مطاردة «قبائل زناتة» جهة «طرابلس»، فى أبناء «حماد». ثم أُصيب «المعز بن باديس» بمرض فى كبده أودى بحياته فى سنة (453هـ= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة.

*تميم بن المعز بن باديس

*تميم بن المعز بن باديس وُلد بالمنصورية فى منتصف رجب سنة (422هـ= يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة «المهدية» فى عهد والده «المعز» فى سنة (445هـ=1053م)، ثم خلف والده فى إمارة بنو زيرى فى سنة (453هـ= 1061م)، فواجه عددًا من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير من مناطق «إفريقية»، وثار عليه أهل «تونس» وخرجوا عن طاعته، فأرسل إلى «تونس» جيشًا، حاصرها سنة وشهرين، فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى «المهدية»،ثم ثارت عليه مدينة «سوسة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم. وقد تعرضت «المهدية» فى عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر «قابس» و «صفاقس»، واستولى عليهما من أيدى الهلالية الذين كانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته فى «الجزائر»، وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير «الجزائر»، وأرسلها إليه فى موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفى فى سنة (501هـ= 1107م).

*يحيى بن تميم بن المعز بن باديس

*يحيى بن تميم بن المعز بن باديس ولد بالمهدية فى (26 من ذى الحجة سنة 457هـ)، وولى إمارة بنى زيري وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة فى الرعية، ثم فتح قلعة «أقليبية» التى استعصى على أبيه من قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على الجزر التابعة لدولة الروم فى البحر المتوسط، ومات فجأة فى يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م).

*على بن يحيى بن تميم

*على بن يحيى بن تميم تولى إمارة بنى زيرى عقب وفاة والده يحيى بن تميم سنة 509هـ 1115 م، حيث لم يكن حاضرًا بالمهدية - التى وُلد بها - حين وفاة والده، فلما وصل إليه الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة «جَرْبَة»، لأن أهلها قطعوا الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان «رافع» عامله على «قابس»، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع لمهاجمة «المهدية». وقد تُوفى الأمير «على» فى العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة (515هـ= يونيو 1121م).

*الحسن بن على بن يحيى

*الحسن بن على بن يحيى ولى إمارة بنى زيرى عقب وفاة والده الأمير «على بن يحيى» سنة 515هـ = 1121م، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة، فقام «صندل الخصىّ» بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفى بعد فترة قصيرة، فتولى القائد «أبو عزيز موفق» الإشراف على أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومى الذى هاجم بعض حصون الزيريين فى سنة (517هـ= 1123م)، وكذلك ألحق الأمير «الحسن» الهزيمة بجيش «يحيى بن عبدالعزيز بن حماد» أمير «بجاية» الذى جاء لمهاجمة «المهدية» والاستيلاء عليها فى سنة (529هـ= 1135م). وفى سنة (537 - 543هـ= 1142 - 1148م) حل القحط بإفريقية واستغل ملك «صقلية» ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا، وتوجه به قاصدًا «المهدية»، ولم يستطع «الحسن» الدفاع عنها، وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من «بنى حماد»، فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف فى شىء من أمواله، ودخل الروم مدينة «المهدية» دون قتال أو ممانعة، فسقط حكم «بنى زيرى»، وسقطت إمارتهم، وكان «الحسن بن على» آخر أمراء «الدولة الزيرية».

*يوسف بن تاشفين

*يوسف بن تاشفين يعد «ابن تاشفين» المؤسس الحقيقى لدولة المرابطين بالمغرب الأقصى، وقد تجمعت فيه صفات الزعامة والشجاعة والقيادة والحزم، والتفت حوله قلوب المرابطين، وشرع فى بناء مدينة «مراكش» عاصمته الجديدة فى سنة (454هـ= 1062م) ونجح فى بسط نفوذه على «المغرب الأقصى» فى سنة (467هـ= 1074م). وقد نجح ابن «تاشفين» إلى جانب توحيد «المغرب الأقصى» فى وقف الزحف النصرانى على «الأندلس»، وضمَّها إلى «دولة المرابطين» التى اتسعت أطرافها وزادت خيراتها، وتمتعت بالازدهار والرقى فى مختلف المجالات، ثم مرض «يوسف» فى سنة (498هـ= 1104م)، ثم أسلم روحه فى سنة (500هـ= 1106م) ودفن بمدينة «مراكش».

*على بن يوسف بن تاشفين

*على بن يوسف بن تاشفين ولى الأمير «على بن يوسف بن تاشفين» حكم دولة المرابطين بعد وفاة والده يوسف بن تاشفين سنة 500هـ=1106م واقتفى سياسة والده، وسار بين الناس بالحكمة والعدل، واستعان بالفقهاء والعلماء فى حكم البلاد، فتبوأ مكانة طيبة فى نفوس رعيته. ومضى «على بن يوسف» فى استكمال الجهود الحربية التى بدأها والده بالأندلس، وعبر إليها بنفسه أربع مرات؛ لتثبيت سلطان المرابطين، ومواجهة الهجمات المتكررة للمسيحيين، فأحرز انتصارات كبيرة، ونال رضا الخلافة العباسية.

* تاشفين بن على

* تاشفين بن على تولى «تاشفين» الحكم فى دولة المرابطين بعد وفاة والده الأمير «على» فى سنة (537هـ= 1142م)، فدخل فى صراع مع دولة «الموحدين»، ولم تفلح جهوده فى صد موجاتهم المتتابعة، وانتهى به الأمر إلى «وهران»؛ حيث قُتل فى سنة (539هـ= 1144م)، فَفَتَّ ذلك فى عضد الدولة، وسقطت أجزاء كثيرة منها فى أيدى الموحدين.

*المهدى بن تومرت

*المهدى بن تومرت هو محمد عبد الله بن تومرت المصمودى البربرى، أبو عبد الله، الملقب بالمهدى: واضع أسس الدولة المؤمنية الكومية، وُلِد ونشأ فى قبيلة هرغة من المصامدة من قبائل جبال السوسى بالمغرب الأقصى، ثم رحل إلى المشرق طالبًا للعلم سنة (500 هـ)، ولقى الغزالى وإلكيا الهراسى وأبا بكر الطرطوشى، وجاور بمكة، وحصَّل طرفًا جيدًا من العلم، وكان ناسكًا مهيبًا متقشِّفًا مخشوشنًا أمَّارًا بالمعروف كثير الإطراق متعبدًا يتبسم لمن لقيه، وكان شجاعًا جريئًا فصيحًا عاقلاً بعيد الغور، جمع فى شخصه رجل الدين ورجل العلم ورجل السياسة، أخذ من كل مدرسة من مدارس الفكر ومن المذاهب الفقهية ما يتواءم مع شخصيته ومعتقداته ويتلاءم مع أهدافه، التقى بعبد المؤمن بن على الكومي، واتفق معه على الدعوة إليه، واتخذ أنصارًا رحل بهم إلى مراكش، فحضر مجلس ابن تاشفين، فأنكر عليه بدعًا ومنكرات، ثم نزل بموضع حصين من جبال تينملل فجعل يعظ سكانه حتى أقبلوا عليه، واشتهر فيهم بالصلاح، فحرضهم على عصيان ابن تاشفين فقتلوا جنودًا له، وتحصنوا وقوى بهم أمر ابن تومرت، وتلقب بالمهدى القائم بأمر الله، ولكن المنية لم تمهله حتى يفتتح مراكش؛ حيث إنها عاجلته فى جبل تينملل، وجاء بعده صاحبه عبد المؤمن فكانت الفتوحات على يده.

*ابن تومرت

*ابن تومرت هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودى. المعروف بالمهدى بن تومرت. وُلِد عام (485 هـ = 1092 م) فى هرغة إحدى بطون قبيلة المصامدة البربرية، ثم رحل إلى المشرق عام ( 500 هـ)؛ طلبًا للعلم، فعبر البحر إلى الأندلس، ودخل قرطبة، ثم ركب البحر ثانية إلى الإسكندرية، وبعد ذلك دخل العراق، والتقى مع الغزالى. وبعد أن أقام بمكة فترة للدرس والتحصيل عاد إلى مصر، وركب البحر إلى المهدية، وهناك بدأ دعوته الإصلاحية. وعُرِف ابن تومرت بورعه وزهده وشدته فى التمسك بأحكام الإسلام، وبالنهى عن البدع التى شاعت فى عصره، ثم انتقل إلى بجاية، والتف حوله الأنصار، فسار بهم إلى مراكش إبَّان سلطنة على بن يوسف بن تاشفين، وشرع فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلما حاول السلطان القبض عليه هرب مع أنصاره إلى جبل تينملل عند عشيرته من المصامدة الذين استجابوا لدعوته. وكثر أنصاره فهزموا جيش ابن تاشفين، وسار ابن تومرت لحصار مراكش، ولكنه مرض وتُوفِّى فى الطريق سنة (524هـ = 1130م)، وأوصى بالبيعة لخليفته عبد المؤمن بن على الكومى، وتنسب إلى ابن تومرت عدة مؤلفات فقهية، منها: كنزالعلوم، وأعز ما يطلب.

*عبدالمؤمن بن على

*عبدالمؤمن بن على يعتبر عبد المؤمن بن على المؤسس الفعلى لدولة الموحدين، وكان قد التقى بابن تومرتوأصبح من أخلص تلاميذه، وصاحبه فى كل مكان يذهب إليه. حمل «عبدالمؤمن» أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه، وشُغل بتنظيم شئون الموحدين، مدة عام ونصف العام، ثم شرع فى الكفاح ضد المرابطين فى منطقة «الأطلس» جنوبى «مراكش» فى «وادى درعة» و «بلاد السوس» و «بلاد جاحة» القريبة من «تينملل»، ثم استولى الموحدون على «مراكش» عاصمة المرابطين فى سنة (541هـ= 1146م)، بعد كفاح دام أكثر من عشر سنوات كان النصر فيها حليفًا للموحدين. وقد نجح «عبدالمؤمن» فى إحكام قبضته وسيطرته على «المغرب الأقصى» بعد سقوط دولة المرابطين بسقوط عاصمتهم «مراكش»، ثم وجه اهتمامه إلى الشرق، وبعث بحملاته المتتابعة التى وصلت حتى «طرابلس» بإفريقية، فساعد هذا النصر على تحقيق الوحدة السياسية للمغرب الإسلامى، وتلقب «عبدالمؤمن» بلقب خليفة، واتخذ من «مراكش» عاصمة للخلافة، ثم شرع فى تجهيز حملة كبيرة لدفع النصارى عن مدن «الأندلس» فى سنة (556هـ= 1161م)، إلا أن مرضه حال دون إتمام هذه الحملة، ومات فى سنة (558هـ= 1163م).

*يوسف بن عبدالمؤمن

*يوسف بن عبدالمؤمن بويع «يوسف» فى سنة (558هـ= 1163م) لحكم دولة الموحدين، ليكون خلفًا لوالده عبد المؤمن بن علىبعد وفاته. وما إن استقر فى العاصمة حتى واجهته ثورة «مرزدغ الصنهاجى» بجبال «غمارة»، فنجح فى القضاء عليها وتفريق أعوانها، ثم أمر بقتل «مرزدغ»، وحمل رأسه إلى العاصمة «مراكش». ووجه «ابن عبدالمؤمن» جُلَّ جهوده إلى دعم سلطة الموحدين بالأندلس، وبعث بالحملات المتتابعة إليها، وخرج على رأس إحداها فى سنة (566هـ= 1170م)، لتأمين ثغور «الأندلس» وضبطها وإصلاحها، ثم خرج فى سنة (579هـ= 1183م) على رأس حملة كبيرة إلى «الأندلس» لغزوها، إلا أنه أصيب بسهم عند أسوار «شنترين»، فأسرع الجند بحمله والعودة به مصابًا إلى «مراكش»، فقضى نحبه فى سنة (580هـ= 1184م).

*المنصور الموحدى

*المنصور الموحدى ولى «يعقوب بن يوسف بن عبدالمؤمن» حكم الموحدين خلفًا لوالده فى سنة (580هـ= 1184م)، ولقب نفسه بالمنصور، وتوزعت جهوده العسكرية فى أكثر من ميدان؛ حيث قامت ثورة بزعامة «الجزيرى» الذى أخذ يدعو لنفسه بين القبائل فى سنة (585هـ= 1189م)، فقضى عليها «المنصور» وقتل زعيمها، ثم قامت ثورة أخرى ببلاد «الزاب» بزعامة رجل يدعى «الأشلّ» فى سنة (589هـ = 1193م)، فكان مصيرها الفشل مثل سابقتها. أما ثورة «بنى غانية»، التى استهدفت إحياء «دولة المرابطين» والدعاء للخلافة العباسية على المنابر بإفريقية، فكانت الخطر الحقيقى الذى هدد «دولة الموحدين»، فوجّه «المنصور» إليها كل جهوده للقضاء عليها، وعلى الرغم من تكرار المحاولة فإنه لم ينجح فى القضاء عليها نهائياًّ. وقد أولى «المنصور» «الأندلس» اهتمامه وعنايته، ودخل فى عدة معارك مع الإفرنج؛ كانت أبرزها معركة «الأرك» فى سنة (591هـ= 1195م)، تلك التى أوقفت زحف النصارى، وزادت من هيبة الموحدين ومكانتهم بالشمال الإفريقى، ثم أصيب المنصور بوعكة صحية أدت إلى وفاته فى سنة (595هـ = 1199م).

* الناصر الموحدى

* الناصر الموحدى تولى «الناصر أبو عبدالله محمد بن يعقوب» حكم الموحدين خلفًا لوالده «المنصور» بعد وفاته سنة 595هـ 1199م، فحدثت فى عهده بعض التطورات السياسية والعسكرية التى انتقلت بدولة الموحدين من مرحلة القوة والسيادة إلى مرحلة الانهيار والسقوط؛ حيث تمكن فى بداية حكمه من القضاء على ثورة «بنى غانية» بإفريقية التى دخلها فى سنة (598هـ= 1202م)، وعاد منها فى سنة (604هـ= 1207م)، بعد أن ولى على «إفريقية» «أبا محمد عبد الواحد بن أبى حفص» أحد أشياخ الموحدين، فعكف «ابن أبى حفص» على معالجة شئون «إفريقية»، ودعم سلطان الموحدين بها، إلا أن ولاية «أبى حفص» كانت البداية لقيام «دولة الحفصيين» بتونس؛ حيث استقل أبناؤه - بعد ذلك - بها وأسسوا ملكًا مستقلاً. وقد فُجع الموحدون بهزيمة قاسية بالأندلس فى معركة «العقاب» التى راح ضحيتها عدد كبير من الجند، مما أضعف «دولة الموحدين» وأفقدهم هيبتهم، وأُصيب «الناصر» بالمرض، وتوفى فى سنة (610هـ= 1213م).

*آباقا خان

*آباقا خان يعد «هولاكو» المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق» الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة (756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى «العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة قراقورم. اتخذ «آباقا» من «تبريز» عاصمة له، فاحتلت فى عهده مكانة ممتازة، وجعل «آباقا» قائده الأمير «سونجاق» واليًا على «العراق» وإقليم «فارس»، ففوض هذا الأمير بدوره المؤرخ «علاء الدين عطا ملك الجوينى» فى حكم «العراق»، وعهد «آباقا» بمنصب الوزارة إلى «شمس الدين محمد الجوينى» أخى «علاء الدين»، فكانا سببًا من أسباب ازدهار دولة «آباقا»، وعلى الرغم من الجهود الذى بذلها الجوينيون فى خدمة هذه الدولة وتوطيد أسسها، ودعم أركانها، فإنهم تعرضوا - فى نهاية الأمر - لنكبة تشبه نكبة البرامكة عندما تكاثر عليهم الأعداء والخصوم، وقُتل الجوينيون جميعًا فى عهد «أرغون» سنة (683هـ) الذى قضى على جميع أفراد هذه الأسرة. تزوج «آباقا» ابنة امبراطور «القسطنطينية»، فتوطدت علاقته بالنصارى، وأكثر من القساوسة فى بلاطه، على الرغم من أنه كان إلى ذلك الوقت وثنيا، وحرص المسيحيون على مداهنة المغول واجتلابهم نحو المسيحية؛ أملا فى انضمام هؤلاء المحاربين الأشداء إلى صفوف النصارى ومحاربة أشد أعدائهم، المسلمين. وفى الوقت نفسه كان «آباقا» يريد من وراء توطيد علاقته بالمسيحيين أن يحصل على معاونتهم فى حربه ضد المسلمين، وخاصة المماليك، ليثأر لهزيمة المغول أمامهم فى «عين جالوت»، غير أن محاولاته ذهبت جميعها عبثًا، ولحقت به الهزائم فى كل مرة التقت فيها جيوشه

بجيوش المماليك بقيادة «الظاهر بيبرس»، وكانت معركة «أبلستين» التى قامت بين الطرفين فى عام (675هـ) من أهم المعارك التى دارت بين الجانبين، وانتصر فيها المماليك فى «مصر» و «الشام» انتصارًا حاسمًا، ثم تُوفى «آباقا» فى سنة (680هـ. (

* أحمد تكودار

* أحمد تكودار تولى أحمد تكودار حكم الدولة الإيلخانية خلفاً لأبيه آباقا خان سنة 681هـ، وكان قد اعتنق تكودار المسيحية فى صغره، لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين، وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه، وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام من الإيلخانيين. كان إسلام السلطان «أحمد» عاملا قويا فى تهذيب طباعه وتقويم خلقه، ولم يعد ذلك المغولى الذى كان كل همه سفك دماء المسلمين وتخريب ديارهم، وإنما أصبح يرى المسلمين إخوته، ويجب أن يحل بينهم الوئام؛ لذا تبادل الرسائل الودية مع السلطان «قلاوون» سلطان المماليك فى «مصر»، فقضى بذلك - مؤقتًا- على الأحقاد والضغائن، ولم تحدث حروب بين الجانبين، وكذلك كان لإسلام «أحمد تكودار» أثر كبير فى «إيران»، فقويت شوكة المسلمين، وعادت المعابد البوذية وكنائس النصارى إلى مساجد كما كانت من قبل؛ ووصل المسلمون إلى المناصب الرئيسية فى الدولة، وتطلَّع أبناء البلاد الأصليين من الفرس إلى شغل المناصب الإدارية بالدولة المغولية. ونتيجة لذلك كله خاف أمراء المغول على مصالحهم الشخصية -خاصة أن السلطان كان يحرص على خطب ودهم - وبخاصة الأمير «أرغون» الذى كان يطمع فى العرش فثار على السلطان «تكودار» وتمكن من قتله فى سنة (683هـ)، وضعفت بذلك شوكة المسلمين فى «إيران» ثانية.

* أرغون خان

* أرغون خان تولى حكم الدولة الإيلخانية بعد مقتل أخيه السلطان «أحمد بن آباقا خان» فى جمادى الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على «خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان «أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول» ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»، و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات (المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون» لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية.

*كيخاتو خان

*كيخاتو خان تولى عرش الدولة الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، وعين «صدر الدين أحمد الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه «قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب جهان»، ثم انصرف «كيخاتو» إلى ملذاته وشهواته وإنفاق الأموال فى سبيلها دون حساب، فاضطربت مالية الدولة، وأصبحت خزانتها شبه خاوية ومهددة بالإفلاس، ووقف الوزير حائرًا لا يدرى ماذا يفعل حيال ذلك، فظهر له رجل اسمه «عز الدين محمد بن المظفر» - وكان على دراية بالأحوال المالية فى «بلاد الصين» - واقترح عليه العدول عن استخدام الذهب والفضة فى المعاملات المالية، واستخدام أوراق مالية - تعرف عند الصينيين باسم «الجاو» - بدلا منها، لإنقاذ البلاد من الإفلاس، كما فعل الصينيون، فاستحسن الوزير هذا الاقتراح، واستصدر قانونًا من الإيلخان فى سنة (693هـ) ينص على التعامل بهذه الأوراق، ويحرم التعامل بالذهب والفضة تحريمًا تاما. رفض الناس التعامل بالأوراق المالية فى معاملاتهم، على الرغم من أنهم أُجبِروا على ذلك بالقوة، فاضطربت أحوال البلاد والناس اضطرابًا كبيرًا، وكسدت التجارة، وتعذرت الأقوات، وانقطعت الموارد من كل نوع، وامتنع البائعون عن بيع سلعهم بهذه الأوراق، فكان الرجل يضع الدرهم تحت إحدى الأوراق المالية (الجاو) ويعطيها الخباز أو القصاب وغيرهما، ليحصل على ما يريد، خوفًا من أتباع السلطان الذين يراقبون الناس والبائعين فى تعاملاتهم، فضاقت الحياة أمام الناس واستحكمت الأزمة، وكاد الأمر ينذر بثورة عارمة، إلا أن الإيلخان تدارك الموقف وأصدر قانونًا لإبطال التعامل بهذه الأوراق، والعودة إلى النظام القديم. ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول -

ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ).

* بايدوخان

* بايدوخان هو «بايدوخان بن طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» أحد سلاطين الدولة الإيلخانية، تولى العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ) بعد مقتل كيخاتو، ثم تخلص من أتباعه، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها، وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»، وسلك مسلك «آباقا خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»، وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير «نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»، فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ).

* محمود غازان

* محمود غازان تولى «غازان» عرشالدولة الإيلخانية المغولية عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون». عرف «غازان» بشخصيته القوية، ونشاطه الموفور، وصبره الذى لا ينفد، وبأنه رجل دولة من الطراز الأول يقف على كل صغيرة وكبيرة فى شئون البلاد، فضلا عن إحاطته الكاملة بتقاليد قومه وعاداتهم، وإلمامه التام بمختلف الحرف والصناعات السائدة فى عصره، واطِّلاعه على العلوم المعروفة لدى المسلمين، وإجادته عدة لغات إلى جانب لغته المغولية، لكنه كان قاسيًا على أعدائه، ولا يأبه بحياة الناس حين تتعارض مع تحقيق أهدافه وطموحاته، وتجلى ذلك حين تخلص من الأمير «نوروز» الذى ساعده ووقف إلى جانبه فى كثير من المواقف بسبب وشاية، وكذلك حين أمر بقتل وزيره «صدر الدين» فى رجب سنة (697هـ)، وعين بدلا منه المؤرخ «رشيد الدين فضل الله» الذى توسم فيه النبوغ والعبقرية والإخلاص، وأشرك معه رجلا يدعى «سعد الدولة» لمساعدته فى مهام الوزارة. قام «غازان» بثلاث حملات على «بلاد الشام»، كانت الأولى فى سنة (699هـ)، وانتصر فيها على قواد «الناصر محمد بن قلاوون» بالقرب من منطقة «مرج المروج» شرقى «حمص»، وقد انتشر المغول بعد انتصارهم فى الأماكن المجاورة، وخربوا البلاد جريًا على

عادتهم القديمة، وكأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامى، ثم عين «غازان» واليًا من قبله على البلاد التى استولى عليها، وعاد بعد ذلك إلى «إيران». وفى سنة (700هـ) عاود المغول الكرَّة على بلاد الشام، واستولوا على مناطق جديدة بها، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقدم والاستمرار؛ إذ هطلت عليهم الأمطار بغزارة، واشتدت البرودة، وكثر الوحل، وهلك كثير منهم، ووجد «غازان» نفسه مضطرًا إلى العودة إلى «إيران»، ولكنه عاد بعد ذلك بعامين فى سنة (702هـ) بحملته الثالثة على «سوريا»، وتحرك إلى مدينة «عانة» على شاطئ «الفرات»، وبرفقته وزيره المؤرخ «رشيد الدين» ثم عاد أدراجه إلى عاصمته «تبريز» تاركًا جيشه بالشام ليواصل مهمته، ولكن النتيجة جاءت على غير ما كان يتوقع، إذ هُزم جيشه هزيمة منكرة على يد السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» فى موقعة «مرج الصفر» بالقرب من «دمشق» فى (2 من رمضان عام 702هـ)، فاعتلَّت صحته، وغلبه المرض، وتآمر عليه الأمراء، وكثرت من حوله الدسائس، ومات فى شوال سنة (703هـ)، وهو لايزال فى ريعان شبابه. قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات، واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن،

فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان» هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات

* غازان

* غازان تولى «غازان» عرشالدولة الإيلخانية المغولية عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون». عرف «غازان» بشخصيته القوية، ونشاطه الموفور، وصبره الذى لا ينفد، وبأنه رجل دولة من الطراز الأول يقف على كل صغيرة وكبيرة فى شئون البلاد، فضلا عن إحاطته الكاملة بتقاليد قومه وعاداتهم، وإلمامه التام بمختلف الحرف والصناعات السائدة فى عصره، واطِّلاعه على العلوم المعروفة لدى المسلمين، وإجادته عدة لغات إلى جانب لغته المغولية، لكنه كان قاسيًا على أعدائه، ولا يأبه بحياة الناس حين تتعارض مع تحقيق أهدافه وطموحاته، وتجلى ذلك حين تخلص من الأمير «نوروز» الذى ساعده ووقف إلى جانبه فى كثير من المواقف بسبب وشاية، وكذلك حين أمر بقتل وزيره «صدر الدين» فى رجب سنة (697هـ)، وعين بدلا منه المؤرخ «رشيد الدين فضل الله» الذى توسم فيه النبوغ والعبقرية والإخلاص، وأشرك معه رجلا يدعى «سعد الدولة» لمساعدته فى مهام الوزارة. قام «غازان» بثلاث حملات على «بلاد الشام»، كانت الأولى فى سنة (699هـ)، وانتصر فيها على قواد «الناصر محمد بن قلاوون» بالقرب من منطقة «مرج المروج» شرقى «حمص»، وقد انتشر المغول بعد انتصارهم فى الأماكن المجاورة، وخربوا البلاد جريًا على عادتهم القديمة، وكأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامى، ثم عين

«غازان» واليًا من قبله على البلاد التى استولى عليها، وعاد بعد ذلك إلى «إيران». وفى سنة (700هـ) عاود المغول الكرَّة على بلاد الشام، واستولوا على مناطق جديدة بها، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقدم والاستمرار؛ إذ هطلت عليهم الأمطار بغزارة، واشتدت البرودة، وكثر الوحل، وهلك كثير منهم، ووجد «غازان» نفسه مضطرًا إلى العودة إلى «إيران»، ولكنه عاد بعد ذلك بعامين فى سنة (702هـ) بحملته الثالثة على «سوريا»، وتحرك إلى مدينة «عانة» على شاطئ «الفرات»، وبرفقته وزيره المؤرخ «رشيد الدين» ثم عاد أدراجه إلى عاصمته «تبريز» تاركًا جيشه بالشام ليواصل مهمته، ولكن النتيجة جاءت على غير ما كان يتوقع، إذ هُزم جيشه هزيمة منكرة على يد السلطان «الناصر محمد بن قلاوون» فى موقعة «مرج الصفر» بالقرب من «دمشق» فى (2 من رمضان عام 702هـ)، فاعتلَّت صحته، وغلبه المرض، وتآمر عليه الأمراء، وكثرت من حوله الدسائس، ومات فى شوال سنة (703هـ)، وهو لايزال فى ريعان شبابه. قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات، واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن، فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة

بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان» هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات

* أولجايتو

* أولجايتو تولى عرش الدولة الإيلخانية خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ) وكان من قبل حاكماً على خراسان، وجعل الوزارة مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين الساوجى. عمد «أولجايتو» إلى استكمال تشييد مدينة السلطانية التى بدأ إنشاؤها فى عهد السلطان «غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان» وأمر بالتوسعة فى منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن «أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم «جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ «أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ).

*أبو سعيد بهادر

*أبو سعيد بهادر تولى «أبو سعيد» حكم الدولة الإيلخانية بعد وفاة السلطان «أولجايتو» سنة 716 هـ، وكان لايزال فى الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد» استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم، وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. كان «أبو سعيد» آخر سلاطين الإيلخانيين الأقوياء، كما كان كريمًا جوادًا، شجاعًا، محبا للعلم، فراجت فى عهده العلوم والآداب، وعاش فى بلاطه كثير من الشعراء والمؤرخين؛ حين كان هو نفسه شاعرًا وله أشعار جيدة باللغة الفارسية، واشتهر بجودة الخط والغناء. وتوفى أبو سعيد فى 13 من ربيع الأول سنة 736هـ

*أحمد بن أويس

*أحمد بن أويس أحد سلاطين الدولة الجلائرية فى العراق وأذربيجان، تولى الحكم بعد أخيه جلال الدين حسين بن أويس سنة (784 - 813هـ = 1382 - 1410م)، وقد تمكن «تيمورلنك» من إسقاطه عن عرشه عدة مرات، ثم دخل «بغداد» فى عام (795هـ = 1393م)، ففر «أحمد بن أويس» إلى «مصر» مستنجدًا بالسلطان المملوكى «برقوق»، وتمكن «الشيخ أحمد» -أخيرًا - من العودة إلى «بغداد» فى عام (804 هـ = 1401م)، وتمكن من استعادتها فى عام (807هـ= 1404م)، بعد أن خرجت عدة مرات من حكم «آل جلائر» إلى حكم التيموريين، ثم استعاد «تبريز» فى عام (809هـ= 1406م)، ولم يلبث أن فقدها ثانية فى العام نفسه على يد حفيد «تيمورلنك». وفى عام (813هـ = 1410م)، اختلف «أحمد بن أويس» مع زعيم قبيلة «قراقيونلو»، وحدث صدام بينهما، فقُتل «الشيخ أحمد»، وتمكن زعيم «قراقيونلو» من انتزاع «تبريز» وما والاها من الجلائريين، ثم أسس دولة له فى «أذربيجان».

*إسماعيل ميرزا

*إسماعيل ميرزا أحد حكام الدولة الصفوية، الملقب بالشاه «إسماعيل الثانى»،تولى الحكم عام (984هـ = 1576م]، واعتمد سياسة الاعتدال فى نشر المذهب الشيعى، فأبعد عددًا من علماء الشيعة المتعصبين عن بلاطه، وأمر بمنع لعن الخلفاء الثلاثة والسيدة «عائشة» فوق المنابر وفى الطرقات، وحاول إعادة المذهب السنى إلى البلاد بالتدريج، مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وأغلبية المجتمع، وقرروا عزله وتعيين ابن أخيه «حسن ميرزا» إذا لم يتراجع عن ذلك، فعمل على تهدئة الثورة التى قامت ضده، وأبعد علماء المذهب السنى عن بلاطه، ونقش على السكة بيتًا مضمونه: أن عليا وآله أولى بالخلافة فى العالم الإسلامى كله. لم يتمكن الشاه «إسماعيل الثانى» من البقاء فى الحكم فترة طويلة، حيث قُتل عام 985هـ = 1578م

*إسماعيل الثاني

*إسماعيل الثاني أحد حكام الدولة الصفوية، الملقب بالشاه «إسماعيل الثانى»،تولى الحكم عام (984هـ = 1576م]، واعتمد سياسة الاعتدال فى نشر المذهب الشيعى، فأبعد عددًا من علماء الشيعة المتعصبين عن بلاطه، وأمر بمنع لعن الخلفاء الثلاثة والسيدة «عائشة» فوق المنابر وفى الطرقات، وحاول إعادة المذهب السنى إلى البلاد بالتدريج، مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وأغلبية المجتمع، وقرروا عزله وتعيين ابن أخيه «حسن ميرزا» إذا لم يتراجع عن ذلك، فعمل على تهدئة الثورة التى قامت ضده، وأبعد علماء المذهب السنى عن بلاطه، ونقش على السكة بيتًا مضمونه: أن عليا وآله أولى بالخلافة فى العالم الإسلامى كله. لم يتمكن الشاه «إسماعيل الثانى» من البقاء فى الحكم فترة طويلة، حيث قُتل عام 985هـ = 1578م

* عباس الأول

* عباس الأول أحد حكام الدولة الصفوية تولى العرش من عام (996هـ = 1588م) إلى عام (1038هـ = 1629م)، ويعد عهده من أبرز عهود الحكم الصفوى فى «إيران» وأهمها؛ إذ عمل على رفاهية شعبه وتعمير بلاده، ونقل عاصمة دولته من «قزوين» إلى «أصفهان»، وأعاد الحكم المركزى إلى «الدولة الصفوية»، على الرغم من الصعوبات والحروب الكثيرة التى اعترضت سبيله، ونجح فى إقرار أمن بلاده وتأمين رعيته؛ واتخذ مجلسًا لبلاطه ضم سبع أشخاص بسبعة وظائف هى: «اعتماد الدولة» - «ركن السلطنة» - «ركن الدولة» - «كبير الياوران» - «قائد حملة البنادق» - «رئيس الديوان» - «كاتب مجلس الشاه»، وبالرغم من وجود هذا المجلس كان هو صاحب القرار الأول والأخير فى الدولة.

* عباس الصفوي

* عباس الصفوي أحد حكام الدولة الصفوية تولى العرش من عام (996هـ = 1588م) إلى عام (1038هـ = 1629م)، ويعد عهده من أبرز عهود الحكم الصفوى فى «إيران» وأهمها؛ إذ عمل على رفاهية شعبه وتعمير بلاده، ونقل عاصمة دولته من «قزوين» إلى «أصفهان»، وأعاد الحكم المركزى إلى «الدولة الصفوية»، على الرغم من الصعوبات والحروب الكثيرة التى اعترضت سبيله، ونجح فى إقرار أمن بلاده وتأمين رعيته؛ واتخذ مجلسًا لبلاطه ضم سبع أشخاص بسبعة وظائف هى: «اعتماد الدولة» - «ركن السلطنة» - «ركن الدولة» - «كبير الياوران» - «قائد حملة البنادق» - «رئيس الديوان» - «كاتب مجلس الشاه»، وبالرغم من وجود هذا المجلس كان هو صاحب القرار الأول والأخير فى الدولة.

*بابر ظهير الدين

*بابر ظهير الدين هو ظهير الدين محمد بن عمر الشيخ ميرزا الملقب ببابر ومعناها فى الهندية النمر مؤسس إمبراطورية المغول التيمورية الإسلامية فى الهند، وأحد أحفاد تيمورلنك. وُلِد بابر فى المحرم سنة (888هـ = 1483م) بمدينة فرغانة الهندية، التى كان أبوه ملكًا عليها، وبعد وفاة أبيه تولى حكمها وكان لايزال فى الثانية عشرة من عمره، فتعرض لعدة مؤمرات من أعمامه لعزله، اضطر على أثُرها إلى الرحيل إلى أفغانستان، واستقر بكابل، وجعل منها نواة لإقامة دولة قوية، وواتته الفرصه لتوسيع رقعة دولته حينما استغاث به حاكم لاهور ضد حاكم دلهى فزحف بابر بجيشه نحو الهند، فاستولى على السند سنة (925هـ) ثم على لاهور سنة (930هـ) ثم دخل دلهى سنة (932هـ) ثم أكرا. ولما رأى ذلك أمراء الهندوس تحالفوا ضده ليوقفوا زحفه ويقضوا على دولته، فأعدوا جيشًا كبيرًا لذلك، والتقى الطرفان فى معركة حاسمة تمكن فيها بابر من هزيمتهم ثم اتجه إلى شرقى الهند فاستولى على بيهار، وهكذا صارت له دولة مترامية الأطراف، واتخذ من أكرا عاصمة لها. وبعدما أمَّن بابر دولته من الخارج، اتجه للإصلاحات الداخلية، فمهَّد الطرق، وحفر الترع والأنهار ونظَّم الضرائب، وأقام شبكة بريد جيدة، واهتم بالنواحى الثقافية حيث كان بابر أديبًا رقيقًا يقرض الشعر بالتركية والفارسية، وابتكر خطًّا جديدًا نُسب إليه وكتب به مصحفًا، أهداه إلى المسجد الحرام بمكة. وألَّف بابر عدة كتب، مثل: الفتح المبين فى الفقه الحنفى، وبابرنامه وهو تاريخ حياه بابر فى صورة مذكرات أو يوميات ضمنها ترجمة لحياته وعصره، كتبه بالتركية، ثم تُرجِم إلى الفارسية وعدة لغات أوربية. وتُوفِّى بابر سنة (937هـ = 1531م)، وعمره خمسون سنة، ودفن بكابل بأفغانستان.

* ظهير الدين بابر

* ظهير الدين بابر هو ظهير الدين محمد بن عمر الشيخ ميرزا الملقب ببابر ومعناها فى الهندية النمر مؤسس إمبراطورية المغول التيمورية الإسلامية فى الهند، وأحد أحفاد تيمورلنك. وُلِد بابر فى المحرم سنة (888هـ = 1483م) بمدينة فرغانة الهندية، التى كان أبوه ملكًا عليها، وبعد وفاة أبيه تولى حكمها وكان لايزال فى الثانية عشرة من عمره، فتعرض لعدة مؤمرات من أعمامه لعزله، اضطر على أثُرها إلى الرحيل إلى أفغانستان، واستقر بكابل، وجعل منها نواة لإقامة دولة قوية، وواتته الفرصه لتوسيع رقعة دولته حينما استغاث به حاكم لاهور ضد حاكم دلهى فزحف بابر بجيشه نحو الهند، فاستولى على السند سنة (925هـ) ثم على لاهور سنة (930هـ) ثم دخل دلهى سنة (932هـ) ثم أكرا. ولما رأى ذلك أمراء الهندوس تحالفوا ضده ليوقفوا زحفه ويقضوا على دولته، فأعدوا جيشًا كبيرًا لذلك، والتقى الطرفان فى معركة حاسمة تمكن فيها بابر من هزيمتهم ثم اتجه إلى شرقى الهند فاستولى على بيهار، وهكذا صارت له دولة مترامية الأطراف، واتخذ من أكرا عاصمة لها. وبعدما أمَّن بابر دولته من الخارج، اتجه للإصلاحات الداخلية، فمهَّد الطرق، وحفر الترع والأنهار ونظَّم الضرائب، وأقام شبكة بريد جيدة، واهتم بالنواحى الثقافية حيث كان بابر أديبًا رقيقًا يقرض الشعر بالتركية والفارسية، وابتكر خطًّا جديدًا نُسب إليه وكتب به مصحفًا، أهداه إلى المسجد الحرام بمكة. وألَّف بابر عدة كتب، مثل: الفتح المبين فى الفقه الحنفى، وبابرنامه وهو تاريخ حياه بابر فى صورة مذكرات أو يوميات ضمنها ترجمة لحياته وعصره، كتبه بالتركية، ثم تُرجِم إلى الفارسية وعدة لغات أوربية. وتُوفِّى بابر سنة (937هـ = 1531م)، وعمره خمسون سنة، ودفن بكابل بأفغانستان.

*أكبر شاه

*أكبر شاه أحد ملوك امبراطورية المغول فى الهند تولى الحكم فى عام (963هـ = 1556م)، وانتقل بالبابريين من مجرد غزاة إلى أصحاب دولة قوية راسخة البنيان؛ إذ استولى على أهم مناطق «الهند»، وانتصر فى معركة «بانى بت» فى عام (964هـ= 1556م) - وهى المنطقة نفسها التى انتصر فيها «بابر» من قبل - ونجح «أكبر شاه» فى تنظيم حكومة أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها، وذلك فضلا عن النهضة الثقافية التى حدثت فى عصره، والتى بلغت مكانة سامية لم تصل إليها بلاد «أوربا»، ثم تُوفى «أكبر شاه» فى سنة (1014هـ = 1605م)

*شاه جهان

*شاه جهان أحد ملوك امبراطورية المغول فى الهند، تولى الحكم فى عام (1037هـ = 1628م) خلفاً لوالده جهانكيزخان. اشتهرت «ممتاز محل» زوجة «شاهجهان» بالطيبة والصفات الحميدة، والبر بالفقراء، ودفعت زوجها إلى العفو عن المذنبين، واستخدام «التأريخ الهجرى» بدلا من «التأريخ الألفى» الذى وضع فى عهد «جلال الدين أكبر». أحب «شاه جهان» زوجته حبا شديدًا، وبلغ وفاؤه لها مبلغًا عظيمًا، وبنى لها مقبرة «تاج محل»، التى تعد من روائع الفن المعمارى، وإحدى عجائب الدنيا، ومازالت قائمة حتى الآن. وفى عهد «شاه جهان» حدثت مجاعة شديدة بالهند، فاستغلها البرتغاليون فى خطف الأهالى وأسرهم، ثم بيعهم فى سوق الرقيق، وقد استطاع «قاسم خان» تخليص عشرة آلاف فرد منهم من أيديهم، وعهد «شاه جهان» بالحكم إلى ابنه «أورنك زيب»، بعد أن عهد إليه بالقضاء على ثورات «الدكن».

*عثمان بن أرطغرل

*عثمان بن أرطغرل تولى مسئولية إمارة آل عثمان بعد أبيه، وبدأ فى توطيد سلطانه على أساس من العدل والنظام، وأخذ فى توسيع رقعة دولته حتى وصلت إلى مدينة «ينى شهر» التى اتخذها عاصمة لبلاده، وبذلك أصبح على مرمى البصر من «بروصة» و «نيقية» وكانتا من أهم المدن فى غربى «الأناضول». ولما وجد «عثمان» أن إمارة «آل قرمان» هى أقوى الإمارات التى قامت على أنقاض دولة سلاجقة الروم، أرسى سياسته على عدم الاصطدام بها والتوسع غربًا تجاه البيزنطيين، وبدأ فى إرسال حملاته من موقعه الحصين فى «ينى شهر» إلى المدن اليونانية المجاورة، ونجح فى الاستيلاء على كثير من الحصون، قبل أن تتحرك جيوش الدولة البيزنطية لمواجهته. عرف الأمير «عثمان» بشخصيته القوية، وتحليه بالصبر والمثابرة وضبط النفس، وحماسته للإسلام، لكن فى غير تعصب، بل فى سماحة ورفق، فلم يضطهد أهل الذمة، وإنما اجتذبهم إلى خدمته، فأسلم منهم جماعات كثيرة صارت ركيزة من ركائز دولته الناشئة. وتُوفى «عثمان» سنة 726هـ = 1326م ويُعَدُّ أول من استقل بالإمارة، وراوده حلم إرساء قواعد دولة مترامية الأطراف، وكان أهل إمارته يطلقون عليه لقب «قرة عثمان» رمزًا لقوة الشخصية والحيوية الجسمانية.

*أورخان بن عثمان

*أورخان بن عثمان تولى «أورخان» حكم إمارة آل عثمان بعد وفاة أبيه سنة (726هـ = 1326م)، ولم يكد يمضى على توليته وقت طويل حتى تقدم نحو بحر «مرمرة» وهزم حملة بيزنطية، كان يقودها الإمبراطور «أندرنيكوس الثالث» وبعدها تخلت بيزنطة عن بذل الجهود الخاصة بتنظيم المقاومة العسكرية فى «الأناضول» أو تعزيز حاميات ما تبقى لها من المدن هناك، وقد أدى ذلك إلى نجاح «أورخان» فى الاستيلاء على معظم شبه جزيرة «نيقيا»، وسواحل خليج «نيقوميديا» وسقوط «نيقيا» دون مقاومة، ثم استيلائه على ما تبقى من الأراضى البيزنطية فى غربى «الأناضول» دون صعوبة، مما جعل دولته أقوى إمارات التركمان فى المنطقة، لاسيما وقد تعزز مركزها باعتبارها زعيمة الجهاد ضد البيزنطيين، كما عزز «أورخان» مركزه بالتوسّع على حساب إمارات الطوائف التى تطل على شواطئ «بحر مرمرة» وسيطر على ساحله الجنوبى مما سهل له مهمة العبور إلى أوربا حين سنحت له الفرصة. وقد أمضى «أورخان» بعد استيلائه على إمارة «قرة سى» عشرين سنة دون أن يخوض معارك، وإنما شغل نفسه فى وضع النظم المدنية والعسكرية التى تقوى من شأن الدولة، وفى تعزيز الأمن الداخلى، وبناء المساجد والمدارس ورصد الأوقاف عليها، وإقامة المنشآت العامة. وتميزت الإدارة العثمانية فى عهد «أورخان» بالكفاءة، وإتاحة الفرص أمام رعايا الدولة، ومعاملة أهل الذمة بتسامح كامل، والاهتمام بالتعليم وأهله.

*مراد بن أورخان

*مراد بن أورخان تولى حكم إمارة آل عثمان بعد وفاة أبيه سنة (761 هـ = 1360 م)، وواصل جهود أبيه فى الفتح، ونجح فى العام التالى من توليه الحكم فى فتح مدينة «أدرنة» ونقل إليها العاصمة بعد أن كانت فى «بورصة»، ثم فتح أراضى الدولة البيزنطية فى «البلقان»، حتى أصبحت «القسطنطينية» عاصمة البيزنطيين محاصرة تمامًا بالأراضى العثمانية، ونتيجة لتلك الفتوحات صارت الدولة العثمانية متاخمة لكل من «الصرب» و «البلغار» و «ألبانيا». وأدى هذا النشاط العثمانى إلى انزعاج أوربا وازدياد قلقها، فكتب أمراء تلك المناطق إلى ملوك أوربا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين، فقام البابا بالدعوة إلى قيام حرب صليبية جديدة، غير أن ملك الصرب هاجم «أدرنة» عاصمة العثمانيين وكان «مراد» غائبًا عنها، فلما علم بأخبار هذا الهجوم عاد بجيشه ليحارب الصرب، ونجح فى إلحاق الهزيمة بهم. ثم قام ملك الصرب - الجديد وقتها - بعقد حلف عسكرى مع أمير «بلغاريا» لمحاربة العثمانيين، فلما قامت الحرب بينهما هرب أمير البلغار من المعركة، ثم اصطلح الطرفان الصربى والبلغارى مع الدولة العثمانية، نظير جزية سنوية يقدمانها لها، لكن الصرب نقضوا عهدهم فأقام ملكهم تحالفًا صليبيا مع «ألبانيا» ضد العثمانيين، والتقى الفريقان فى مكان يُسمَّى «قوصوة» سنة (197هـ= 9831م) حيث دارت معركة من أعظم معارك الإسلام، انتصر فيها العثمانيون، وهُزِم الصرب هزيمة منكرة، وقتل ملكهم. وعقب انتهاء المعركة قام الأمير «مراد» بتفقد ساحة المعركة، وكان الليل حالك السواد، والهلال والنجوم فى السماء، وساحة المعركة مدرجة بالدماء، فأوحى ذلك بفكرة العلم العثمانى كما يقال، فجاء علمًا أحمر الأرضية يذكِّر بالدماء التى ملأت أرض «قوصوة» ويزين العلم الهلال والنجوم، ولايزال علم تركيا على هذه الصورة حتى الآن. وأثناء تفقد الأمير المنتصر «مراد» ساحة القتال؛ إذا بصربى جريح يقوم من

بين القتلى ليطعنه بخنجر فيقتله على الفور، ويستشهد فى ساحة الجهاد، وهو يبلغ من العمر (65) عامًا. عُرف الأمير «مراد الأول» بالعدل، وبمعاملة رعيته من أهل الذمة معاملة حسنة، وبكثرة المعارك التى حالفه فيها النصر، حتى إنه دخل (73) معركة فى «الأناضول» وفى «البلقان» خرج منها جميعًا مظفرًا، كما أنه تسلم الدولة من أبيه ومساحتها نحو (59000كم2)، وتركها عند استشهاده وهى تبلغ (500000 كم2)، أى أنها زادت فى مدى (29) سنة أكثر من خمسة أمثالها حين تسلمها من أبيه.

*مراد الثانى

*مراد الثانى أحد سلاطين الدولة العثمانية، تولى عرش السلطنة سنة 824هـ=1421م وعمره (17) سنة، وبدأ عهده بعقد هدنة مع ملك «المجر» لمدة خمس سنوات حتى يتفرغ للأناضول، وبعقد صلح مع أمير «قرمان»، ثم اتجه «مراد» إلى محاصرة مدينة «القسطنطينية» سنة (825هـ = 1422م)، ودام الحصار (64) يومًا، وكان بحريا وبريا، بجيش قوامه ثلاثون ألف جندى، وكان احتمال سقوط العاصمة البيزنطية كبيرًا، بعد أن أحدثت القوات العثمانية أضرارًا بالغة بسور المدينة، غير أن السلطان «مراد» اضطر إلى رفع الحصار بعد أن جاءته أنباء حدوث فتنة فى «الأناضول» وعقد الصلح مع «بيزنطة» مقابل أن تدفع جزية كبيرة سنوية. ثم اتجه «مراد الثانى» إلى تأديب إمارات «الأناضول» التى تمردت عليه أثناء انشغاله بمحاربة «بيزنطة» فقضى بصورة نهائية على إمارات «منتشة» و «أيدين»، و «تسكا» وقلَّص حدود إمارة «جاندار». وفى سنة (829 هـ = 1426م) اجتاز السلطان «مراد الثانى» على رأس جيشه «نهر الدانوب» والتقى مع الجيش المجرى، وانتصر عليه، وعقد مع ملك «المجر» معاهدة تنازل بمقتضاها عن أملاكه فى الضفة اليمنى لنهر الدانوب، الذى أصبح فاصلا بين أملاك الدولة العثمانية و «المجر»، ثم فتح «مراد» «سلانيك»، و «يانيا» ونجح فى إلغاء إمارة «الصرب» تمامًا وأطلق عليها لواء «سمندرة» كما خضعت «ألبانيا» للدولة العثمانية بعد حروب يسيرة، وعقدت «البندقية» صلحًا معها. وفى عهد «مراد الثانى» توترت العلاقات بين المماليك والعثمانيين بسبب إمارتى «قرامان» و «دلقادر» غير أنه لم يهتم بهذا الأمر بسبب إعلان البابا «أوجينيوس الرابع» سنة (843هـ=1439م) عن حملة صليبية ضد الدولة العثمانية بقيادة القائد المجرى «هونيادى» الذى اتخذ من إخراج العثمانيين من «البلقان» هدفًا لحياته. وقد تمكن هذا القائد المجرى من هزيمة عدة جيوش عثمانية، مما اضطر السلطان إلى محاربته بنفسه، ثم

عقد صلحًا مع «المجر» سنة (848هـ = 1444م)، أعيد بمقتضاه تأسيس إمارة «الصرب» على أن تكون تابعة للدولة العثمانية، ومنطقة عازلة بينها وبين «المجر». ولما شعر السلطان «مراد الثانى» بالتعب تخلى عن عرشه لابنه «محمد الثانى» الذى عرف فيما بعد بمحمد الفاتح، وكان عمره آنذاك (21) عامًا، فشكل الأوربيون على الفور حملة عسكرية على الدولة العثمانية، وشاركت فيها قوات من «المجر» و «قولونية» و «ألمانيا»، و «فرنسا» و «البندقية» و «بيزنطة» و «بيرجوذريا» وكانت تلك الحملة بقيادة «هونيادى»، واختير الملك المجرى «لاديسلاس» قائدًا شرفيا للحملة، وقد نهبت هذه الحملة وهى فى طريقها كل شىء، حتى الكنائس الأرثوذكسية لم تسلم من أيديهم. وإزاء هذه التطورات اجتمع مجلس شورى السلطنة العثمانية، وطلب عودة «مراد الثانى» إلى الحكم مرة أخرى، فعاد وبدأ فى إعداد جيشه للقاء تلك الحملة الصليبية، فتحرك على رأس جيشه الضخم الذى بلغ أربعين ألف جندى، والتقى مع تلك الحملة فى «فارنا» وهى مدينة بلغارية تقع على شاطئ «البحر الأسود»، ودارت بينهما معركة هائلة عرفت باسم «معركة فارنا» فى (28 من رجب 848 هـ = 10 من نوفمبر 1444م)، وفيها حقق العثمانيون نصرًا غاليًا، وقتل الملك «لاديسلاس»، وهرب «هونيادى» من المعركة، وبهذا النصر أيقن الأوربيون صعوبة طرد العثمانيين من منطقة «البلقان». وقد فرح العالم الإسلامى بهذا النصر فرحًا شديدًا حتى إن السلطان «جقمق» المملوكى أمر أن يذكر اسم السلطان «مراد الثانى» مجاملة بعد اسم الخليفة العباسى فى «القاهرة». لم تستسلم «أوربا» لهذه الهزيمة فجهزت حملة صليبية أخرى ضمت نحو مائة ألف جندى بقيادة «هونيادى» والتقت بالعثمانيين بقيادة السلطان «مراد الثانى» فى صحراء «قوصوه» فى (18 من شعبان 852هـ=17 من أكتوبر 1448م)، وانتصر العثمانيون فى هذا اليوم انتصارًا عظيمًا.

*بايزيد الثانى

*بايزيد الثانى هو أحد سلاطين الدولة العثمانية، تولى الحكم بعد أبيه محمد الفاتح بعد نزاع بينه وبين أخيه «جم»، وكان الأخوان قد اختلفا بعد وفاة والدهما فى (4 من ربيع الأول سنة 886هـ= 3 من مايو سنة 1481م)، وانتهى الصراع بينهما لصالح «بايزيد»،وفر «جم» إلى «القاهرة»، ثم إلى «فرنسا»، ثم إلى «إيطاليا»، وقد تكفل أخوه «بايزيد» بالإنفاق عليه فى كل مكان ذهب إليه، وقد حاول بابا روما استخدام الأمير «جم» أداة ضغط على الدولة العثمانية، لكنه لم يعش طويلاً. عُرف «بايزيد» بلقب الولى أو الصوفى، لأن حروبه ضد «أوربا» لم تكن فى مستوى من سبقوه فى حكم الدولة العثمانية، لكن كانت له حملات على «المجر» و «البغدان» و «بلجراد»، كما كانت له معارك فى «الأناضول»، وصدام مع المماليك، لكن «يحيى الثالث» سلطان «تونس» قام بالوساطة بين الدولتين. وقامت فى عهده أول حملة عثمانية فى غربى «البحر المتوسط»، بهدف مساعدة المسلمين فى «الأندلس»، ودخلت هذه الحملة المياه الإسبانية، واستولت على ميناء «مالقة» الذى كان الإسبان قد استولوا عليه من مسلمى «الأندلس» قبل أشهر. وبعد سقوط «غرناطة» فى أيدى الإسبان سنة (897هـ= 1492م) انتشر نحو (300) ألف مسلم على سواحل «إسبانيا»، وقد قامت السفن العثمانية بنقل هؤلاء إلى «فاس» و «الجزائر»، وأنقذتهم من المصير المؤلم الذى تعرَّض له المسلمون بالداخل، وظلَّت هذه الحملات تتتابع، وقاد أغلبها «كمال رئيس» نحو (23) سنة حتى استشهد أثناء عودته من حملة على «إسبانيا» سنة (917هـ= 1511م). عقد «بايزيد الثانى» صلحًا مع «أوربا» لمدة عشرين سنة تقريبًا، وكان السبب فى ذلك انشغال الدولة العثمانية بتحركات الشاه «إسماعيل الصفوى»، الذى جعل «إيران» دولة شيعية، وكوَّن جيشًا قويا، ووسع حدوده، وتفوق على المماليك عسكريا واقتصاديا، وعمل على التوسع على حساب الدولة العثمانية، والتحالف مع «أوربا»

ضد العثمانيين، وحاول التحالف مع «مصر» ضد الدولة العثمانية، لكن المماليك فى «مصر» رفضوا ذلك. حدثت مناوشات بين الشاه «إسماعيل الصفوى» وبين «سليم ابن السلطان بايزيد» والى «طرابزون»، كان النصر فيها حليف «سليم بن بايزيد»، فأثار ذلك حفيظة الشاه، فاشتكى إلى السلطان «بايزيد» من ابنه، فأمر بإعادة الأراضى التى استولى عليها إلى الصفويين. وقد أدَّى هذا التصرف إلى استياء «سليم بن بايزيد» من والده، وشكه فى مقدرة والده على التصدى للدولة الصفوية، فقام بانقلاب على والده، بمساعدة الجنود الإنكشارية، التى سارت بالأمير «سليم» إلى «إستانبول»، وطلبوا من السلطان «بايزيد» التنازل عن عرش السلطنة لابنه «سليم»، فقبل واستقال فى يوم (8 من صفر سنة 918 هـ= 25 من أبريل سنة 1512م).

*سليمان القانونى

*سليمان القانونى تولى السلطان «سليمان القانونى» عرش الدولة العثمانية بعد موت والده السلطان «سليم الأول» عام (926هـ= 1520م) وحكم الدولة العثمانية مدة ست وأربعين سنة وهى أطول مدة حكم فيها سلطان عثمانى. كان عهد «القانونى» قمة العهود العثمانية سواء فى الحركة الجهادية أم فى الناحية المعمارية أو العلمية أو الأدبية أو العسكرية، وكان هذا السلطان يؤثر فى السياسة الأوربية تأثيرًا عظيمًا؛ حيث كانت الدولة العثمانية هى القوة العظمى دوليا فى زمنه، ونعمت بالرخاء والطمأنينة. وفى (صفر 974هـ= سبتمبر 1566م) اشتد المرض بالسلطان «سليمان» وهو يحاصر مدينة «سيكتوار» المجرية، ثم تُوفى فى (20 من صفر سنة 974هـ= 5 من سبتمبر سنة 1566م) بعد أن قضى فى الحكم 46 عامًا قضاها فى توسيع دولته وإعلاء شأنها، حتى بلغت فى أيامه أعلى درجات القوة والكمال، وفى وضع النظم الداخلية للدولة حتى اشتهر بلقب «القانونى».

*محمود الثانى

*محمود الثانى وُلد السلطان «محمود» سنة (1199هـ= 1784م)، وتقلد مقاليد الخلافة العثمانية وهو فى الرابعة والعشرين من عمره، فقلّد «مصطفى البيرقدار» منصب الصدارة العظمى، وطلب منه إصلاح نظام «الإنكشارية» فاعترضوا عليه، ووقع الخلاف بينهم وبين السلطان، وأرادوا إعادة الخليفة «مصطفى الرابع» المعزول، لكنه قتل وهم يحاصرون الصدر الأعظم فى قصره الذى أحرقوه وهو بداخله. وقد رأى السلطان «محمود» أن نجاح الإصلاح فى دولته يجب أن يكون شاملاً لكل النظم العثمانية ومؤثرًا فى المجتمع، ولا يقتصر على المجال العسكرى، ولذا يجب إزالة النظم القديمة، حتى لا تعترض طريق الإصلاح، والتخطيط الدقيق للإصلاح، وإيجاد الضمانات اللازمة التى تكفل نجاحه قبل القيام به. وقد نجح السلطان «محمود» فى القضاء على فرقة «الإنكشارية»، التى قامت بالتمرد وإثارة الجماهير ضد الإجراءات المتصلة بإصلاح الجيش، وبخاصة فيما يتعلق بارتداء القوات الجديدة للملابس الأوربية، لكن الشعب العثمانى وقف ضدهم، فى الوقت الذى استعد فيه السلطان «محمود» لمواجهتهم، مما مكنه من القضاء عليهم تمامًا، وأنشأ جيشًا قويا يتولى إمرته قائد عام، كان قوامه (12000) جندى فى العاصمة، وقوات أخرى فى الولايات. وكما ارتبط التعليم لدى «محمد على» بالجيش ارتبط بالجيش أيضًا عند «محمود الثانى»، الذى حاول الاقتداء بواليه الناجح، فأرسل البعثات إلى «أوربا» لتلقى العلوم العسكرية خاصة، وأنشأ المدارس الحديثة، وعنى بتعليم اللغتين العربية والفرنسية والجغرافيا، والتاريخ والرياضيات والعلوم. وحاول السلطان إصلاح أجهزة الدولة المركزية، فوضع الأوقاف تحت إشرافه، وألغى «التيمارات»، وضمها إلى أملاك السلطان، وأجرى أول إحصاء للأراضى العثمانية فى العصر الحديث، وأجرى تحسينات على شبكة المواصلات، فأنشأ كثيرًا من الطرق الجديدة، وأدخل البرق، وخطوط السكك الحديدية، كما أنشأ جريدة رسمية للدولة. وبعد

وفاة السلطان «محمود» سنة 1255هـ =1839م تولى ابنه «عبد المجيد» الخلافة وعمره دون الثامنة عشرة.

*عبد العزيز بن محمود الثانى

*عبد العزيز بن محمود الثانى ولد فى (14 من شعبان 1245هـ= 9 من فبراير 1830م)، وتولى الخلافة بعد وفاة أخيه «عبد المجيد بن السلطان محمود» فى (17 من ذى الحجة 1277هـ= 6 من يونيو 1861م)، وبعد وفاة «غالى باشا» و «فؤاد باشا» اللذين توليا منصب الصدر الأعظم وضيقا على السلطان، مارس السلطان «عبد العزيز» حكمه الشخصى، فاشتد سخط العثمانيين على ممارسات السلطان الاستبدادية، وتدخُّل السلطانة «الوالدة باشا» فى شئون الحكم، وازداد القلق بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وإعلان إفلاس الحكومة العثمانية فى أواخر سنة (1292هـ= 1875م)، وهو الإفلاس الذى عُزى إلى إسراف «عبد العزيز» وخراب ذمته هو وحاشيته. وأما المحافظون فقد أرجعوا متاعب الدولة إلى «التنظيمات» العلمانية، ونفوذ الأجانب، وتدخلهم فى شئون البلاد، مما أدَّى إلى انتعاش إسلامى، كان من نتيجته التضييق على المدارس الأجنبية وأعمال المبشرين، وطرد المعلمين والخبراء الأجانب، كما اشتدت المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية، والوضع الذى كان يتمتع به الأجانب. وساءت أحوال الدولة الاقتصادية فى أواخر عهد السلطان «عبد العزيز»، بحيث توقف صرف مرتبات الموظفين - بما فى ذلك العسكريون - لعدة شهور، ولم يؤدِّ فرض ضرائب جديدة إلى معالجة الأوضاع المتردية، لهذا سعى «مدحت باشا» إلى تحسين أوضاع الحكومة بخلع «عبد العزيز» خاصة، ولأنه كان مؤمنًا بأن ولى العهد الأمير «مراد الخامس» أميل إلى إعلان الدستور. وفى (6 من جمادى الأولى سنة1293هـ= 30 من مايو سنة 1876م) قامت مجموعة صغيرة من كبار موظفى الحكومة يرأسهم «مدحت باشا» بانقلاب ضد الخليفة، عززته فتوى شيخ الإسلام، وولى الثائرون السلطان «مراد الخامس» الذى كان قد اتصل بشباب العثمانيين عدة سنوات.

*أيوب بن حبيب البلخى

*أيوب بن حبيب البلخى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم فى (رجب 97هـ = فبراير 716م)،وهو ابن أخت «موسى بن نصير»، ومن العرب الذين اشتركوا فى فتح هذه البلاد، ثم استقروا بها، ورأوا أنهم أولى من غيرهم بحكم الأندلس، ولم تزد ولاية «أيوب» على ستة أشهر لم يفعل فيها شيئًا يذكر سوى نقله العاصمة من «إشبيلية» إلى «قرطبة» لأن موقعها أوسط وأقرب إلى منازل جماعات العرب فى الشرق، والجنوب، والجنوب الشرقى.

*الحر بن عبدالرحمن الثقفى

*الحر بن عبدالرحمن الثقفى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم فى (ذى الحجة98هـ = يوليو 717م)، ودام حكمه سنتين وثمانية أشهر، استطاع خلالها أن يقمع المنازعات التى كانت بين العرب والبربر، ويصلح الجيش، وينظم الإدارة، ويوطد الأمن. وينسب إلى «الحر» إقامته دار الإمارة فى «قرطبة» فى مواجهة «قنطرة الوادى»، وكانت من قبل مقرا للحاكم القوطى، فاعتنى بها «الحر» وسمى القصر والأرض الواسعة أمامه على ضفة النهر «بلاط الحر». وبعد أن تولى «عمر بن عبدالعزيز» الخلافة عزل «الحر» عن ولاية الأندلس، لاضطراب النظام فى آخر عهده.

*السمح بن مالك الخولانى

*السمح بن مالك الخولانى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم فى سنة (100هـ = 719م)، ويعد من خيرة ولاة «الأندلس»، فضلا وصلاحًا وكفاءة وقدرة؛ حيث نظم شئون البلاد، وأعاد بناء القنطرة التى كانت مقامة على الوادى الكبير، وكانت قد تهدَّمت ولم يعد الناس يستطيعون العبور إلا فى السفن، وكان العرب فى أمسِّ الحاجة إلى قنطرة متينة يستطيعون العبور إليها من الجنوب إلى عاصمتهم الجديدة، كما أعاد الأمن والاستقرار إلى البلاد لحسن سياسته، وحمله الناس على طريق الحق، ورفقه بهم. ولم يكن «السمح بن مالك» كفءا من الناحية الإدارية فحسب، بل كان أيضًا قائدًا عسكريا ممتازًا قام بحملة شاملة، اخترقت «جبال البرت» من الشرق، وسيطر على عدد من القواعد هناك، واستولى على «سبتمانيا» وأقام حكومة إسلامية بها فى هذا الوقت المبكر، واتخذ من «أربونة» قاعدة للجهاد وراء «البرت»، وقد استشهد فى معركة مع النصارى عند «تولوز» فى يوم عرفة من سنة (102هـ = 721م)، فتولى القيادة «عبدالرحمن بن عبدالله الغافقى»، وأقر واليًا للأندلس حتى يأتى الحاكم الجديد.

*عبدالرحمن الغافقى

*عبدالرحمن الغافقى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم مرتين الأولى كانت سنة 102هـ =721م ولم تدم طويلاً، أما الثانية فبدأت فى (صفر 112هـ = مارس / إبريل 730م) وكان «الغافقى» من كبار رجالات الأندلس عدلاً وصلاحًا، وقدرة وكفاءة، نظَّم شئون البلاد، وأصلح نظم الحكم والإدارة، وعين أصحاب الكفاءات فى المناصب المختلفة، وقمع الظلم، ورد إلى النصارى كنائسهم وأملاكهم، وفرض ضرائب عادلة وعنى بتنظيم الجيش وإصلاحه، وأنشأ فرقًا من العرب والبربر، وحصن القواعد والثغور الإسلامية، وجمع أعظم جيش سيره المسلمون إلى فرنسا. وقد استشهد عبد الرحمن الغافقى فى موقعة بلاط الشهداء سنة 114هـ = 732م

*عبدالملك بن قطن الفهرى

*عبدالملك بن قطن الفهرى أحد ولاة الأندلس، ولى حكم الأندلس بعد استشهاد «عبد الرحمن الغافقى» فى موقعة بلاط الشهداء، فعبر إلى الأندلس فى جيش من جند إفريقية فى أواخر سنة (114هـ = 732م) وسار إلى «أراجون» وهزم الثائرين فى عدة مواقع، ثم عبر جبال البرت إلى بلاد «البشكنس» سنة (115هـ = 733م)، وكانت أشد المقاطعات الجبلية مراسًا وأكثرها انتفاضًا وثورة، فشتت جندها وألجأهم إلى طلب الصلح، ثم اضطر بعد ذلك إلى أن يرتد إلى الجنوب دون أن يتوغل كثيرًا فى أرض العدو، لقلة ما معه من الجند، ثم سخط عليه الزعماء، ودب خلاف بين القبائل، وأدى ذلك إلى عزله. ثم أقامى عرب الأندلس «عبد الملك بن قطن» واليًا عليهم للمرة الثانية سنة 121هـ، فكان عهده بداية عهد من الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية؛ إذ اشتعلت ثورة البربر بسبب تعصب العرب لبنى جنسهم وتعاليهم على غيرهم، وكان معظم هؤلاء من «القيسية» الذين يرون أن الدولة الأموية دولتهم، على حين كان العرب البلدانيون ومعظمهم من «اليمنية» بعيدين عن هذه النزعة وظل الأمر على هذا النحو حتى عزل عبد الملك فى (سنة 124هـ = 742م).

*عقبة بن الحجاج السلولى

*عقبة بن الحجاج السلولى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم سنة (116هـ = 734م) بعد «عبدالملك بن قطن» وكان رجلاً عظيمًا مثل «عبد الرحمن الغافقى»، فنشر العدل ورد المظالم، وأنشأ المساجد ودور العلم ونظم الجيش، وتوغل فى أراضى «جليقية» شمالى الأندلس، واهتم بتحصين جميع المواقع الإسلامية، ومنح عناية خاصة لثغر «أربونة» واتخذه قاعدة للجهاد، وأمد رجاله بالجند والذخيرة. وكان يخرج للغزو كل عام على مدار خمس سنوات فى الجنوب والشمال الشرقى من فرنسا، حتى أصبح نهر «الرون» رباط المسلمين ومعقل فتوحاتهم بعد أن كان الفرنج قد استردوا مافى أيدى المسلمين، وقد استشهد «عقبة» فى معركة مع الأعداء سنة (121هـ = 739م)، فكان خاتمة الولاة المجاهدين وراء البرت.

* أبو الخطار الكلبى

* أبو الخطار الكلبى أحد ولاة الأندلس، أرسله والى إفريقية فقدم إلى «الأندلس» فى (رجب سنة 125هـ = مايو 743م)، وبدأ ولايته بتأمين العرب البلدانيين والبربر على ممتلكاتهم ومصالحهم، وحال بين الشاميين وبين إيذائهم، وعمل على القضاء على المنازعات القبلية بين السكان، ورأى بعد نصيحة ذوى الرأى أن يفرق الشاميين فى مناطق لايوجد فيها بلدانيون أو يمنيون، ويستقر كل فريق منهم بناحية ويأخذ ثلث خراج الأرض مقابل أن يقدموا عددًا معينًا من الجند، كلما طلبت السلطات منهم ذلك، كما تتبع الزعماء الخارجين وسلك معهم سبيل الحزم، وكان عادلا؛ فَرضى عنه الجميع. غير أن «أبا الخطار» مالبث أن تخلى عن تلك السياسة الحكيمة، ومال إلى قومه من اليمنية وتنكر للمُضَرية، فعادت المعارك بينه وبين خصومه من جديد، وقتل بعضهم بعضًا، وانفضت عنه جنده، وعمت الفوضى البلاد إلى أن تولى الفهرى.

*يوسف بن عبدالرحمن الفهرى

*يوسف بن عبدالرحمن الفهرى أحد ولاة الأندلس، تولى الحكم سنة (129هـ = 747م) دون مصادقة من إفريقية أو من دمشق التى كانت قد بدأت فترة من الضعف فلم تتمكن الخلافة من الإشراف على الولايات، واستقلت الأندلس بشئونها. استقل «يوسف» بولاية الأندلس نحو عشرة أعوام، واتفق مع «الصميل ابن حاتم» زعيم المضرية على أن يتداولا السلطة فيما بينهما، لكن الأمور لم تستقر، وتجدد النزاع بين المضرية واليمنية، ولم تستقر الأوضاع ليوسف إلا بعد مقتل زعيم اليمنية سنة (130هـ = 748م). وقد حاول «يوسف» إصلاح الدولة، فنظم شئونها المالية، وقسم البلاد إلى خمس ولايات إدارية على نحو ماكانت عليه زمن القوط، كما عنى بتنظيم الجيش وإصلاحه، والقضاء على خصومه، وشغلت الخلافة بمشاكلها عن الأندلس. ثم ظهر فى شمال البلاد رجل يدعى «عامر بن عمرو بن وهب العبدرى»، وبدأ يراسل الخليفة العباسى «أبا جعفر المنصور»، وعين نفسه واليًا على الأندلس، وأصبح الشمال فى قبضته، وخرج عن سلطان «يوسف» الذى توجه إلى «سرقسطة»، وحاصرها بشدة سنة (137هـ = 754م) حتى استسلم «عامر»، ثم اتجه «يوسف» بعد ذلك إلى «طليطلة». وفى طليطلة جاء رسول من قرطبة بخبر مؤداه أن فتىً من بنى أمية يدعى «عبدالرحمن بن معاوية» قد نزل فى ثغر المنكب بالأندلس، واجتمع حوله أشياع بنى أمية فى كورة غرناطة، وأن دعوته انتشرت بسرعة فى الجنوب، وقد ذاع هذا الخبر فى جند يوسف فأحدث فزعًا واضطرابًا، وتفرق عنه جنده، فاضطر هو و «الصميل» بالعودة بمن معهما متوجهين إلى قرطبة؛ لمواجهة هذا الخطر الداهم، وكان ذلك سنة (138هـ= 755م).

*عبدالرحمن الداخل

*عبدالرحمن الداخل هو «عبدالرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبدالملك» تمكن من الوصول إلى الأندلس، بعد أن عبر فلسطين ومصر وكان ذلك بعد سقوط الدولة الأموية على يد العباسيين، ثم لحق به مولاه «بدر» وهو رومى الأصل، ومولاه «سالم» ومعهما شىء من المال والجواهر، ثم وصل «عبدالرحمن» إلى «برقة» والتجأ إلى أخواله من «بنى نفزة» - من برابرة طرابلس - وأقام عندهم مدة، ثم غادر إلى المغرب الأقصى، وتجول هناك، متغلبًا على ما قابله من صعاب، وأقام حينًا عند شيوخ البدو، وحينًا عند بعض رجال قبيلة زناتة، وكان أثناء ذلك يدرس أحوال الأندلس، ويرقب الفرصة المناسبة للعبور إليها. وقد اتصل بمعونة مولاه «بدر»، الذى كان قد نزل بساحل «لبيرة» فى كورة «غرناطة» موطن أهل «الشام» بموالى خلفاء البيت الأموى والقرشيين عامة، وبالكلبية اليمنية، خصوم الوالى يوسف الفهرى، ثم عبر عبدالرحمن إلى الأندلس فى ربيع سنة (137هـ = 754م)، ونزل بثغر «المنكبّ» لموقعه الممتاز، وقد التف الناس حوله بما فى ذلك جماعات البربر، على أمل أن ينقذهم من الأوضاع المتردية. تقدم عبدالرحمن نحو العاصمة «قرطبة»، وجمع «يوسف الفهرى» و «الصميل» ما أمكنهما من قوات، والتقى الفريقان عند «المصارة» أو «المسارة» بالطرف الغربى، وتمكن عبد الرحمن من تحقيق انتصار حاسم، دخل على إثره قرطبة وصلى بالناس الجمعة، وخطب الجند، وعُد ذلك اليوم ميلادًا للدولة الأموية فى الأندلس، ولقب «عبدالرحمن بن معاوية» بعبدالرحمن الداخل، لأنه أول من دخل الأندلس من بنى أمية حاكمًا. ولم يكن عمر «عبدالرحمن الداخل» حين حقق هذا الإنجاز يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، لكنه كان رجل الموقف، شحذت همته الخطوب والمحن، وأعدته لحياة النضال والمغامرة، فقضى بقية عمره اثنين وثلاثين عامًا فى كفاح مستمر، لاينتهى من معركة إلا ليخوض أخرى، ولايقمع ثورة إلا تلتها ثورة، ولم تبق بالأندلس

ناحية أو مدينة إلا ثارت عليه، ولاقبيلة إلا نازعته فى الرياسة، فكانت الأندلس طوال عهده بركانًا يشتعل بنيران الحرب والثورة والمؤامرة، لكنه صمد لتلك الخطوب جميعًا، واستطاع بما أوتى من حزم وحسن سياسة وبعد الهمة والجلد والإقدام أن يغالب تلك الأخطار والقوى وأن يقبض على زمام الأمور بالأندلس بيده القوية. تُوفِّى عبدالرحمن فى (10من جمادى الآخرة 172هـ = 16 من أكتوبر 788م) بعد حياة طويلة قضاها فى كفاح متواصل، ومواجهة للصعاب والأهوال، وأقام ملكًا ودولة فوق بركان يضطرم بالثورات والمؤامرة، وأثبت أنه بطل فريد من أبطال التاريخ، لا يجود الزمان بمثله كثيرًا، فتى شريدًا بلا أنصار وأعوان يفر من الموت الذى تعرضت له أسرته، لكنه يستغل ظروف الأندلس فيقودها بكثير من الدهاء والحزم والعزيمة والذكاء، ويقيم دولة على أسس إدارية وسياسية ومالية ثابتة.

*هشام الأول

*هشام الأول خلف «هشام» أباه «عبدالرحمن الداخل» سنة 172هـ = 788م على حكم الأندلس، وكان أبوه قد اختاره لا لأنه أكبر أبنائه، بل لما توسَّمه فيه من المزايا الخاصة، وقد أبدى «هشام» لينًا وورعًا، وحسن سياسة، وبصرًا بالأمور، فجذب الناس إليه بإقامته للحق وتحريه للعدل، ومعاقبته للولاة المقصرين. ولم يعكر صفو أيام «هشام» إلا اشتعال بعض الثورات، منها: الثورة التى قام بها أخواه «سليمان» و «عبدالملك»، وانتهت بالصلح سنة (174هـ = 790م) على أن يقيما بعدوة المغرب، كما قاد حملة على نصارى الشمال الذين أغاروا على البلاد، فنجح فى القضاء عليهم سنة (175هـ = 791م) ثم تكررت حملاته عليهم، حتى قضى على محاولاتهم التى استهدفت التوسع جنوبًا. وأهم ما يتميز به عهد «هشام» ذيوع مذهب الإمام «مالك بن أنس»، وحلوله محل مذهب الأوزاعى إمام أهل الشام الذى اتبعه الأندلسيون، وكان الإمام مالك معاصرًا لهشام بن عبدالرحمن، كثير الثناء عليه، وقد وفد بعض الأندلسيين إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك، أمثال: الغازى بن قيس، وزياد بن عبدالرحمن المعروف بشيطون، وغيرهما، فلما عادوا إلى الأندلس رحَّب بهم هشام، وسمح لهم بتدريس مذهب «مالك»، وأخذ القضاة يصدرون أحكامهم بناءً عليه، واتخذ منهم هشام كبار قضاته ومستشاريه، وشيئًا فشيئًا أصبح المذهب المالكى هو المذهب الرسمى للدولة. ويكاد يجمع المؤرخون على أن «هشاماً» كان رقيقًا تقيا، صارمًا فى الحق، محبا للجهاد، أنفق كثيرًا من الأموال فى فداء الأسرى، كما كان شغوفًا بالإصلاح والتعمير، فأتم بناء مسجد قرطبة الجامع، وأنشأ مساجد أخرى، وزين «قرطبة» بكثير من الحدائق والمبانى، وجدَّد قنطرة قرطبة التى بناها «السمح بن مالك»، ونظَّم وسائل الرى، وجلب إلى الأندلس الأشجار والبذور. وكان هشام يحب مجالس العلم والأدب، وبخاصة مجالس الفقه والحديث، فقرَّب إليه الفقهاء

والعلماء، وبوَّأهم أهم المناصب، خلافًا لما كان عليه زمن والده، وقد ترتب على ذلك نتائج سياسية واجتماعية ظهرت فيما بعد.

*هشام بن عبد الرحمن الداخل

*هشام بن عبد الرحمن الداخل خلف «هشام» أباه «عبدالرحمن الداخل» سنة 172هـ = 788م على حكم الأندلس، وكان أبوه قد اختاره لا لأنه أكبر أبنائه، بل لما توسَّمه فيه من المزايا الخاصة، وقد أبدى «هشام» لينًا وورعًا، وحسن سياسة، وبصرًا بالأمور، فجذب الناس إليه بإقامته للحق وتحريه للعدل، ومعاقبته للولاة المقصرين. ولم يعكر صفو أيام «هشام» إلا اشتعال بعض الثورات، منها: الثورة التى قام بها أخواه «سليمان» و «عبدالملك»، وانتهت بالصلح سنة (174هـ = 790م) على أن يقيما بعدوة المغرب، كما قاد حملة على نصارى الشمال الذين أغاروا على البلاد، فنجح فى القضاء عليهم سنة (175هـ = 791م) ثم تكررت حملاته عليهم، حتى قضى على محاولاتهم التى استهدفت التوسع جنوبًا. وأهم ما يتميز به عهد «هشام» ذيوع مذهب الإمام «مالك بن أنس»، وحلوله محل مذهب الأوزاعى إمام أهل الشام الذى اتبعه الأندلسيون، وكان الإمام مالك معاصرًا لهشام بن عبدالرحمن، كثير الثناء عليه، وقد وفد بعض الأندلسيين إلى المشرق وتتلمذوا على الإمام مالك، أمثال: الغازى بن قيس، وزياد بن عبدالرحمن المعروف بشيطون، وغيرهما، فلما عادوا إلى الأندلس رحَّب بهم هشام، وسمح لهم بتدريس مذهب «مالك»، وأخذ القضاة يصدرون أحكامهم بناءً عليه، واتخذ منهم هشام كبار قضاته ومستشاريه، وشيئًا فشيئًا أصبح المذهب المالكى هو المذهب الرسمى للدولة. ويكاد يجمع المؤرخون على أن «هشاماً» كان رقيقًا تقيا، صارمًا فى الحق، محبا للجهاد، أنفق كثيرًا من الأموال فى فداء الأسرى، كما كان شغوفًا بالإصلاح والتعمير، فأتم بناء مسجد قرطبة الجامع، وأنشأ مساجد أخرى، وزين «قرطبة» بكثير من الحدائق والمبانى، وجدَّد قنطرة قرطبة التى بناها «السمح بن مالك»، ونظَّم وسائل الرى، وجلب إلى الأندلس الأشجار والبذور. وكان هشام يحب مجالس العلم والأدب، وبخاصة مجالس الفقه والحديث، فقرَّب إليه الفقهاء

والعلماء، وبوَّأهم أهم المناصب، خلافًا لما كان عليه زمن والده، وقد ترتب على ذلك نتائج سياسية واجتماعية ظهرت فيما بعد.

* الحكم الأول بن هشام

* الحكم الأول بن هشام أحد حكام الأندلس فى فترة الإمارة الأموية، تولى الحكم سنة (180هـ = 796م) بعد أبيه هشام بن عبد الرحمن الداخل. بدأ عهده بالجهاد ضد البشكنس (ثافارا)، لكنه اضطر إلى تركه لمواجهة الثورات التى اشتعلت ضده فى الثغر الأعلى سنة (181هـ = 797م)، وكان عمَّاه «سليمان» و «عبدالله» قد أتيا إليها سرا واتصلا بملك الفرنج وطلبا مساعدتهما، ولما علم «الحكم» سار بجيوشه إلى الشمال، فاضطر الفرنج إلى الانسحاب، فأحكم سيطرته على هذه المناطق، وفى هذه الآونة حاول عمَّاه الإغارة على قرطبة، فعاد الحكم وهزمهما، وقتل «سليمان»، على حين فرَّ «عبد الله» إلى «بلنسية» والتزم الهدوء طوال فترة الحكم. ولم يكن الحكم الربضى كأبيه محبا للعلماء والفقهاء، فتراجعت مكانتهم فى زمنه وآثر عليهم حضور مجالس الإماء والشعراء، وانصرف إلى حياة اللهو والصيد. ويُعدُّ الحكم أول من أظهر هيبة الملك بالأندلس وفخامته، ورتَّب للبلاط نظمه ورسومه، واستكثر من الموالى، فظهر «الصقالبة» بكثرة فى بلاطه، وأسند إليهم معظم شئون الحكم والحرس الخاص، ووصل بهم إلى مراتب القيادة والرياسة، كما كانت له شرطة قوية وعيون على الناس. وضمَّت حكومته شخصيات بارزة فى تاريخ الأندلس، منهم: «ابن مغيث» الذى تولَّى حجابته، واستحدث منصبًا يهتم بشئون أهل الذمة، سمَّى شاغله بالقومس أو «القمط». وعلى الرغم من اشتعال الفتن والثورات فى عهد الحكم، فقد ازدهرت العلوم والآداب ونبغ عدد كبير من الكتاب والشعراء والعلماء، منهم «عباس بن ناصح الثقفى»، وابنه «عبدالوهاب»، و «أبو القاسم عباس بن فرناس»، و «يحيى الغزال». فى أواخر عهد الحكم اشتعلت فى «قرطبة» ثورة عنيفة سميت ثورة الربض، بسبب كراهية «المولِّدين» للحاكم، وبغضهم له لصرامته وقسوته، واتهامهم له بممارسة اللهو والشراب، والمبالغة فى فرض الضرائب، وعلى الرغم من نجاح «الحكم» فى القضاء على هذه

الحركة الثائرة، فإن أهل «قرطبة» تضاعفت كراهيتهم له، وزاد من نفورهم منه ما فرض عليهم من ضرائب. مرض الحكم بعد ذلك، وأخذ البيعة لولى عهده فى حياته، وأبدى أسفه لما وقع منه لأهل الربض، ثم مات فى (26 من ذى الحجة 206هـ = 22 من مايو 822م) بعد أن لُقِّب بالربضى، نسبة إلى ماقام به من أعمال شنيعة فى منطقة الربض الجنوبى.

*عبدالرحمن الأوسط

*عبدالرحمن الأوسط أحد حكام الأندلس فى فترة الإمارة الأموية، تولى الحكم فى (27 من ذى الحجة 206هـ = 822م) بعهد من أبيه الحكم بن هشام الربضى؛ وسمى عبد الرحمن الثانى لأنه حكم بعد جده عبد الرحمن الداخل. وكان «عبدالرحمن» منذ صغره شغوفًا بدراسة الأدب والحديث والفقه، ذا عقل مستنير، خبيرًا بشئون الحرب والسياسة، هادئ الطباع، حسن العشرة، متقربًا إلى الناس، حازمًا فى أمره، ولهذا كان مؤهلاً لإزالة ما خلفته إمارة أبيه الحكم من آثار سيئة. وقد واجه «عبدالرحمن» فى أول ولايته سنة (207هـ = 823م) ثورة فى «بلنسية» دامت عدة سنوات، ولم تنته إلا فى سنة (213هـ = 828م) حيث نجح فى القضاء عليها وإخماد فتنتها، كما واجه ثورة فى قرطبة نجح فى القضاء عليها أيضًا. استأنف «عبدالرحمن الثانى» برنامجه فى الجهاد مبكرًا، فأرسل فى سنة (208هـ = 823م) حملة عسكرية بقيادة «عبدالكريم بن عبدالواحد بن مغيث» إلى «ألبة والقلاع» بعد أن أغار ملك جليقية (ليون) على مدينة سالم فى الثغر الأعلى، وقد نجحت الحملة فى إلحاق الهزيمة بالنصارى فى عدة مواقع، وخربت مدينة «ليون» وأحرقت حصونها، وأطلقت سراح المسلمين، وألزمت القوات المعتدية بدفع جزية كبيرة وعادت الحملة بقيادة «عبدالكريم» إلى قرطبة مثقلة بالغنائم، وكانت تلك آخر غزوات هذا القائد المظفر الذى استمر يدافع عن الأندلس فى ميادين القتال أكثر من ثلاثين سنة؛ حيث توفى فى سنة (209هـ = 824م) ثم تعرَّضت البلاد لعدد من الثورات والفتن والقلاقل فى «طليطلة» و «ماردة» دامت سنوات طوال، واستنفدت كثيرًا من الجهد والمال وإراقة الدماء حتى تمكن «عبدالرحمن» من القضاء عليها. عاود «عبدالرحمن» نشاط الجهاد، فبدأ يرسل الصوائف كل عام إلى الشمال تارة إلى أطراف الثغر الأعلى لتشتبك مع الفرنجة، وتارة إلى «ألبة والقلاع» حيث تغير على بلاب البشكنس وأطراف مملكة جليقية

(ليون)، وكان أحيانا يقود تلك الصوائف، مثلما فعل سنة (228هـ = 843م) حيث سار بجيشه إلى الشمال، وزحف على بلاد البشكنس، وألحق بملكها الهزيمة، واضطر إلى طلب الأمان، وعاد عبدالرحمن إلى قرطبة بعد أن وطد نفوذه هناك، وفرض هيبته وقوته على البشكنس، حتى لايتجرءوا على مهاجمة أراضى المسلمين مرة أخرى. وقد حرص «عبدالرحمن» على موالاة إرسال الصوائف فى كل عام إلى الحدود الشمالية مما يلى «طليطلة» شمالا، لأن الصراع هناك كان شديدًا، ولأن أهل طليطلة كانوا يستنجدون بالإمارات النصرانية فى منازعاتهم مع الإمارة الأندلسية، ويستنجدون أيضًا بنصارى الشمال وبخاصة ملوك ليون. ظهرت آثار الرخاء وترف الحضارة فى عهد عبدالرحمن فيما بناه الناس من قصور جميلة، تم تزيينها بالأثاث الفاخر والفرش الوثيرة، والجوارى الحسان اللاتى جلبن من المشرق، وانتشرت فى قرطبة البيوت المحاطة بالحدائق المزدانة بالأشجار وأطلقوا عليها اسم «المنى»، وتوسَّع بعض الأغنياء فى الحدائق المحيطة بهذه المنازل حتى أصبحت رياضًا، أطلق عليها اسم «الجور»، وفى كل منها مكان معد لغناء المغنيات. وامتاز عهد عبدالرحمن بالأمن والسكينة. وازدهار الصناعة والزراعة والتجارة، وازدياد موارد الدولة التى بلغت نحو مليون دينار سنويا مكنت الأمير من الإنفاق على الحملات العسكرية وإقامة المنشآت العامة، كما أشرفت الحكومة المركزية على أعمال الحكام من خلال ديوان المظالم المختص بالنظر فى شكاوى الناس من تصرفات بعض رجال الحكومة. ونالت إقامة المبانى والمنشآت قسطًا عظيمًا من عناية «عبدالرحمن الأوسط»، فبنى مسجد إشبيلية الجامع، وزاد فى المسجد الجامع بقرطبة قدر بهوين كبيرين من ناحية القبلة، ونقل المحراب إلى الجزء الجديد، وأقام أعمدة أخرى، وأقواسًا فوق الأعمدة الأصلية، فكانت الأقواس المزدوجة التى يعدها المعماريون من روائع العمارة الإسلامية، وكان صحن المسجد مكشوفًا يدور حوله سور، وتزرع

فيه أشجار النارنج، ولهذا سُمِّى بهو النارنج، وهو الآن صحن الكنيسة. ولايزال مسجد قرطبة الجامع باقيًا حتى اليوم بكل عقوده الإسلامية وأروقته ومحاريبه، وقد تحوَّل إلى كاتدرائية فى القرن السادس عشر الميلادى، وأقام المسيحيون هياكلهم فى عقوده الجانبية، وبنوا مصلى على شكل صليب فى وسطه، وأزالوا كثيرًا من قباب المسجد وزخارفه الإسلامية، وجعلوا مكانها زخارف نصرانية، وعلى الرغم من ذلك فإن آيات القرآن الكريم، والنقوش الإسلامية لاتزال تزين محاريبه الفخمة وأبوابه. توفى «عبدالرحمن» فى (3 من ربيع الآخر 238هـ = 23 من سبتمبر 852م) عن عمر يناهز (62) سنة، بعد أن حكم البلاد أكثر من إحدى وثلاثين سنة، عدت من أزهى سنوات الحكم الإسلامى فى الأندلس، فقد عاش الناس فى رخاء وعم الهدوء والاستقرار البلاد، وقام الحكم على أسس من العدالة والنظام.

*محمد بن عبدالرحمن الأوسط

*محمد بن عبدالرحمن الأوسط أحد حكام الأندلس فى فترة الإمارة الأموية، تولى الحكم فى (4من ربيع الآخر 238هـ = 24 من سبتمبر 852م)، وقدر له أن يقضى فترة حكمه فى إخماد الثورات ومواجهة أعداء دولته من النصارى ومحاولة قمع ثورة عمر بن حفصون. عُنى الأمير محمد بالجيش بسبب الظروف التى عاشتها الإمارة فى زمنه، وكان حريصًا على فرض أعداد من الفرسان على كل ناحية أندلسية تحشد دائمًا للصوائف، وهؤلاء كانوا يسمون «الفرسان المستقرين» يضاف إليهم حشود المستنفرة والمتطوعة، مما يدل على ضخامة الجيش الذى كانت الإمارة تستطيع تعبئته. كما عنى بالأسطول لحماية الشواطئ الغربية من ناحية، وغزو مملكة «جليقية» من ناحية أخرى، واهتم بتحصين أطراف الثغور، وأقام قلاعًا منيعة؛ لحماية مدينة «سالم» و «طليطلة»، وبنى حصونًا فى «طلمنكة» و «مجريط» بمنطقة وادى الحجارة. أما من ناحية سياسته الخارجية فقد جمعته مع أمراء المغرب المعاصرين علاقة صداقة متينة خاصة «بنى رستم» فى «تيهرت» و «بنى مدرار» فى «سجلماسة»، وكان يشاورهم فى أموره ويهتم بأخبارهم ويستنصحهم، وتتردد الكتب والرسل بينه وبين هذه الدول بهدف متابعة أخبار «بنى العباس» وأعمالهم فى إفريقية وبلاد الشام. كذلك قامت علاقة صداقة بين الأمير «محمد» وملك «فرنسا» وتبادلا الرسائل والهدايا. أما من الناحية المالية فقد خفَّف الضرائب على المواطنين رغم حاجته إلى المال للإنفاق على الجهاد والقضاء على الثورات المستمرة، وكان يكتفى من أهل «قرطبة» بجهادهم ولايكلفهم أعباء مالية، وكان الأمير «محمد» بارعًا فى مراجعة الحسابات وموازنة الدخل والخرج، وقد ساعده هذا الضبط للأمور المالية على مواجهة بعض المحن الطبيعية التى تعرضت لها الإمارة فى زمنه. وعلى الرغم من أن أحداث فترة حكم الأمير «محمد» لم تتح له فرصة كبيرة للقيام بأعمال إنشائية، فإنه أولى للمسجد الجامع فى قرطبة اهتمامًا

كبيرًا، فأتم الزيادة التى بدأها أبوه فى وسط الجامع وأقام فيه المقصورة، وكان أول من اتخذها، وأصلح القسم القديم الذى بناه جده «الداخل» وجدده، كما أصلح جوامع «استجة» و «شذونة» وغيرها .. وأضاف زيادات لقصر الإمارة، وجدد «منية الرصافة» واستجلب لها الأشجار النادرة واتخذها متنزهًا، وأنشأ منية خاصة جنوب غربى قرطبة أسماها «منية كنتش» جعلها متنزهًا له كذلك. وتوفى الأمير محمد سنة 273هـ = 886م

*المنذر بن محمد

*المنذر بن محمد أحد حكام الأندلس فى فترة الإمارة الأموية، تولى الحكم فى (273هـ = 886م) خلفاً لأبيه محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وكان «المنذر» ولى عهده ومحل ثقته، وفارسًا شجاعًا، وقائدًا متميزًا اعتمد عليه أبوه كثيرًا فى مواجهة المشاكل ومحاربة العصاة وقيادة الحملات. وفى أول ولاية «المنذر» عادت «طليطلة» إلى الثورة كعادتها، وانضم إلى أهلها كثير من البربر، فأرسل الأمير حملة قضت على الثورة وقتلت الألوف، وفى العام نفسه قام حاكم الثغر الأعلى بغزو «ألبة والقلاع» ودخل فى حرب ضد النصارى وهزمهم، لكن أعظم ماكان يشغل «المنذر» هو القضاء على «ابن حفصون»، بعد أن استفحل خطره وانتشر سلطانه فى نواحٍ كثيرة وانضم إليه المغامرون والثائرون والعصاة فى كل الأندلس. وكان «ابن حفصون» صاحب دعوة سياسية تبغض العرب والبربر معًا، وعنده نزعة إلى الاستقلال والتحرر؛ لأن العرب حملوا الناس فوق طاقتهم وزادوهم رهقًا وهو إنما قام ليثأر لهم، وقد لقيت دعوته استجابة لدى سكان المناطق الجبلية خاصة، وكان الرجل متواضعًا يكرم الشجعان، فساعد ذلك على التفافهم حوله. وقد أرسل «المنذر» بعض قواته، فاستردت قسمًا من الحصون التى كان «ابن حفصون» قد سيطر عليها، وفى ربيع (274هـ = 887م) خرج «المنذر» بنفسه مصممًا على القضاء على «ابن حفصون» واجتثاث ثورته من جذورها، وقد نجح فى فتح بعض الحصون، وأسر بعض أعوان ذلك الثائر، وبعث بهم إلى قرطبة حيث صلبوا، بينما بقى «ابن حفصون» ممتنعًا بجبال «بيشتر». ولما شدد «المنذر» حصاره وقطع كل علاقات «ابن حفصون» بالخارج، لجأ «ابن حفصون» إلى الحيلة والخديعة وطلب الصلح على أن يسير ومعه أهله وولده إلى «قرطبة» فوافق الأمير وبعث إليه فى قلاعه بكل ما طلبه من الأدوات ووسائل النقل، وتم رفع الحصار، وعاد الأمير بجيشه إلى قرطبة. ولما لم يكن «ابن حفصون» وفيا؛ فقد هرب فى جنح

الظلام وامتنع مرة أخرى بجبال «بيشتر» مستفيدًا بما حصل عليه من زادٍ وأقوات وإمدادات، فاشتد غضب الأمير ورجع لمحاصرته، وأصر على عدم العودة إلى «قرطبة» إلا بعد القبض على «ابن حفصون» حيا أو ميتًا، ودام الحصار ثلاثة وأربعين يومًا بعدها مرض «المنذر»، وطلب من أخيه «عبدالله» أن يحضر؛ لينوب عنه فى متابعة الحصار، ثم مات تحت أسوار «بيشتر» بعد حكم لم يستمر أكثر من عامين وكان موته فى (صفر 275هـ = يونيو 888م)، وتم رفع الحصار، وعاد الجيش إلى «قرطبة»

*عبدالله بن محمد

*عبدالله بن محمد أحد حكام الأندلس فى فترة الإمارة الأموية، تولى الحكم فى (275 هـ = 888م) وما كاد يتولَّى الحكم حتى قامت الثورات ضده فى المناطق الجبلية، بل تجاوزت ذلك إلى المدن والقواعد الكبرى، ولم تعد تقتصر على القادة من المولدين بل تجاوزتهم إلى العرب أنفسهم، وبرز العنصر البربرى واعتصم كثير من زعمائه فى الحصون النائية، وتنوعت المعارك وتعددت بين العرب والمولدين وبين العرب والبربر، وبين العرب أنفسهم بعضهم ضد بعض، وأعلن بعض زعماء العرب استقلالهم فى «جيان» «البيرة» و «لورقة» و «مدينة سالم»، وغيرها. واستقل زعماء البربر فى «الثغر الأعلى» و «بطليوس» و «مرسية» وبعض مناطق «جيان» وغيرها، وأضحت «إشبيلية» مسرحًا لقتال مرير بين العرب والبربر، ونشر «ابن حفصون» سلطانه فى أغلب النواحى الجنوبية القريبة. ويجدر بالذكر أن سلطة الأمير الأندلسى لم تنكمش كما انكمشت فى عهد الأمير «عبدالله»، فلم تتجاوز سيطرته أحيانًا قرطبة وضواحيها وقضى خمسة وعشرين عامًا هى مدة حكمه فى كفاح وصراع دائمين بهدف حماية الدولة والحكم الأموى من الانهيار، وقد نجحت جهوده فى تفرقة الثوار والسيطرة على بعض القواعد والحصون المهمة، وفى استمالة بعض الزعماء من ذوى النفوذ، وكان ذلك معاونًا للأمير عبدالرحمن الناصر فيما تحقق من نتائج فيما بعض. ومن الطبيعى فى ظل هذه الفتن الدائمة ألا يتمكن الأمير «عبدالله» من القيام بغارات ضد النصارى بسبب انشغاله بمحاربة الثائرين والمتمردين، ولم يقم النصارى من جانبهم بأية محاولة ضد الأراضى الإسلامية غير أن ملك ليون (جليقية) حاول إشعال الفتنة بين المسلمين وتشجيع الثوار وعلى رأسهم «ابن حفصون» على العمل ضد حكومة قرطبة. ومن الحوادث البارزة فى زمن الأمير «عبدالله» فتح جزر «البليار» أو الجزائر الشرقية، ومن المعروف أن «عبدالرحمن الأوسط» كان قد أرسل حملة إلى «ميورقة»

فلما كانت سنة (290هـ = 903م) سارت إليها قوة بحرية من المجاهدين يقودها «عصام الخولانى»، وقامت بمحاصرتها حتى تم فتحها، وتولى القائد إمارتها، ومنذ ذلك الحين وهى جزء من الدولة الإسلامية. وكان من الطبيعى أيضًا ألا يتسع عهد الأمير «عبدالله» للأمور الإنشائية ولايذكر له فى هذا المجال إلا «الساباط» الموصل بين القصر والمسجد الجامع وهو ممر مسقوف مبنى فوق عقد كبير يفضى من القصر إلى الجامع ويتصل به قريبًا من المحراب. كان الأمير «عبدالله» عالمًا أديبًا شاعرًا فصيحًا يتصف بالتواضع والجود والبر بالفقراء، حريصًا على رفع الظلم والتخفيف من معاناة الشعب، وقد خصص يومًا من كل أسبوع للفقراء، كما أقام بابًا حديديا أسماه «باب العدل» تقدم عنده الشكاوى والتظلمات، وكان صارمًا عنيفًا مع الطغاة، فشاع العدل فى زمنه، وقد آثر الاحتشام والتقشف فى حياته الخاصة. وقد تولى الحجابة له «عبدالرحمن بن أمية بن شهيد»، ثم «سعيد بن محمد بن السليم» ثم عزله ولم يولِّ أحدًا، واكتفى بالوزراء والكتاب، وبرز من بينهم بدر الخصى الصقلبى. وقد اعتمد - بالإضافة إلى العرب والبربر - على الموالى والفتيان، وقدَّم الموالى الشاميين على البلدانيين كما فعل أبوه. وقد جرى حادث مؤسف داخل الأسرة الأموية يتمثل فى قتل الأمير «عبدالله» لولده «محمد» لاتهامه بالتواطؤ مع الثوار لكنه ندم على ذلك، وتحول ندمه، إلى عطفٍ وبر بطفل للقتيل لم يكن قد تجاوز عمره أسابيع ثلاثة عند مقتل أبيه فعنى بتربيته وتعليمه وجعله موضع سره، وشاء الله أن يتولى هذا الطفل أمر الأندلس بعد جده ويصبح أعظم حكامها على الإطلاق. وقد توفى الأمير «عبدالله» فى (أول ربيع الأول سنة 300هـ = 912م).

*عبد الرحمن الناصر

*عبد الرحمن الناصر هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقب بالناصر، تولى حكم الأندلس فى (ربيع الأول سنة 300هـ = أكتوبر 912م) بعد أن بايعه الجميع بنفس راضية فى المجلس الكامل بقصر قرطبة مع وجود كثير من أعمامه، لكن «عبدالرحمن» اكتسب محبة الناس بحسن أخلاقه وتوسطه بين الأمراء وأهل الدولة وبين جده فنال محبتهم وولاءهم، وكان عليه أن ينهض بمهمة ثقيلة، فقد تعرضت الإمارة للثورات من كل ناحية حتى أصبحت لايحسد عليها صاحبها، ولعل هذا أحد الأسباب التى جعلت أعمام «عبدالرحمن» ينصرفون عن منافسته، لشعورهم بعظم المسئولية التى تنتظر من يتولى الإمارة. وقد نجح عبد الرحمن الناصر فى القضاء على ثورة عمر بن حفصون وتوحيد الأندلس التى تنازعتها الفتن والثورات لفترات طويلة، كما نجح فى غزو إمارات النصارى فى الشمال وتأمين البلاد من أخطارهم. عندما تولى الناصر، وجد أن هناك دولة فاطمية قامت فى بلاد الشمال الإفريقى، ووصل نفوذها إلى شواطئ المغرب الأقصى، وقد اتخذ حكامها لأنفسهم لقب الخلافة وسماتها، وإذا كان هو قد نهض بالدولة ووطد سلطان بنى أمية فى كل الأندلس فلماذا لايكون من حقه لقب خليفة؟ لذلك أصدر أمرًا بذلك فى يوم الجمعة مستهل (ذى الحجة سنة 316هـ = أوائل 929م) وأصبح عبدالرحمن الثالث يلقب بالخليفة أمير المؤمنين الناصر لدين الله، وقد أرسلت نسخ من هذا الإعلان إلى إفريقية والمغرب، وبذلك أصبحت الخلافة الأموية مساوية للخلافة العباسية، ويناط بها رعاية شئون المسلمين، وتولية أمر الإسلام فى الجناح الغربى من العالم الإسلامى. ورغم ميل الناصر إلى الاستبداد فإنه لم يعرف عنه أنه كان ظالمًا، ولم تذكر المصادر أنه قتل وزيرًا أو صادر مالا أو اعتدى على حق لأحد أو بالغ فى عقوبة، وربما كان الوحيد بين خلفاء المسلمين بالأندلس فيما يتعلق بتصرفاته فى الخلافة وسلوكه بما يتفق مع

مكارم الأخلاق ومبادئ الإسلام، وبهذه الأخلاق والوفاء استطاع الناصر بعد عشر سنوات من حكمه أن يعيد النظام والهدوء والوحدة والأمان إلى دولته الواسعة، كما منح أمانات لبيوتات الثغر الأعلى من أمثال: بنى هاشم وبنى قسى وبنى الطويل واستفاد بهم وبما تميزوا به من شجاعة فى حروبه، ونجح فى تحويل ملوك إسبانيا النصرانية إلى أتباع له أو حلفاء. ويذكر للناصر أنه بنى مدينة الزهراء التى بدأ العمل بها فى أول المحرم سنة 325هـ = نوفمبر 936م، وتولى الإشراف على بنائها «الحكم» ولى العهد، وحشد لها أشهر المهندسين والصناع والفنانين من سائر الأنحاء ولاسيما القسطنطينية وبغداد، وجلب لها الرخام بألوانه من «المرية» و «رية»، ومن قرطاجنة إفريقية وتونس والشام، وجلب لها (4324) سارية من الرخام واشتغل فى بنائها يوميا عشرة آلاف رجل، و (1500) دابة، واستخدمت من الصخر المنحوت ستة آلاف صخرة فى اليوم، وقدرت النفقة على بنائها ب 300 ألف دينار سنويا بخلاف ما أنفق فى عهد الحكم، كما أمر الناصر بإضافة زيادة ثالثة إلى المسجد الجامع فى قرطبة سنة (346 هـ = 957م)، وقد ضاعفت هذه الزيادة حجم المسجد فى الاتجاه الجنوبى، وقد تم بناء الزيادة على طراز بقية المسجد نفسه من حيث الأقواس ومواد البناء. وعُد محراب هذه الزيادة فى المسجد آية من آيات الفن الأندلسى ذلك أنه ليس محرابًا بل غرفة من الرخام سقفها قطعة واحدة منه فى هيئة محراب، ووسط هذا المحراب كرسى يوضع عليه المصحف الشريف يستخدمه القارئ فى تلاوة القرآن الكريم قبل الصلوات. وقد اهتم الناصر بالجيش وجمع له الجند من أنحاء المغرب والأندلس، واستكثر من الأسلحة، وأمده بمجموعة من أمهر القادة، وتولى القيادة بنفسه أحيانًا. كما عنى بالأسطول واهتم بإصلاح وحداته، وأنشأ به وحدات جديدة، وكانت «المرية» هى مركز الأسطول الرئيسى وبها دار الصناعة، وقد ضم أسطول الناصر

(200) سفينة بخلاف أسطول المغرب، وكان لأسطول الناصر السيطرة على مياه إسبانيا الجنوبية الشرقية، كما كان ينازع الفاطميين السيادة على غربى البحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من الحروب فإن عصرالناصر كان عصر رخاء زاد فيه الدخل وازدهرت الزراعة والصناعة والتجارة وكثرت أخماس الغنائم. وفى سنة (316هـ = 928م) أمر الناصر باتخاذ دار للسكة فى قرطبة لضرب الدنانير والدراهم، وبذل جهده فى الاحتراس من الغش والتدليس فأصبحت دنانيره ودراهمه عيارًا محضًا، وكان ضرب النقد معطلا قبله. وبلغ الأمن ذروته فى سائر البلاد أيام الناصر، وترك ذلك آثارًا طيبة على مصادر الدخل وازدهرت العلوم والآداب ورخصت المعايش. وقد بلغت السفارات والمراسلات والمعاهدات بين قرطبة وبين الدولة النصرانية أوجها فى عهد الناصر، وكان بلاط القسطنطينية من الساعين إلى توثيق الروابط مع حكومة الأندلس، ووفدت رسله تحمل هدايا للخليفة، وأهم سفارة تلقاها الناصر هى سفارة إمبراطور ألمانيا زعيم النصرانية سنة (344هـ= 955م). وقد توفى الناصر فى (الثانى من رمضان سنة 350هـ = 15أكتوبر 961م) ودفن فى قرطبة، وتولى بعده ابنه «الحكم المستنصر».

*الحكم بن عبدالرحمن الناصر

*الحكم بن عبدالرحمن الناصر أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس، تولى الحكم فى 3رمضان سنة 350هـ = 16أكتوبر سنة 961م خلفاً لأبيه عبد الرحمن الناصر ولقب بالحكم المستنصر. استهل الحكم عهده بالأمر بتوسيع المسجد الجامع بعد أن ضاق بالمصلين، فأدخلت عليه زيادة من الناحية الشرقية من الجنوب إلى الشمال إلى أن بلغت الصحن وتضاعف بذلك حجم الجامع، كما بنى الحكم محراب المسجد الثالث واستغرق بناؤه لهذا الجزء أربعة أعوام، وعملت له قبة زخرفت بالفسيفساء الذى جاء معظمه هدية من إمبراطور بيزنطة، وأنشأ الحكم أيضًا قبة على الطراز البيزنطى ومقصورة ودارًا للصدقة وأخرى للوعاظ وعمال المسجد، وأنشأ للمسجد الجامع منبرًا جديدًا، وزود المسجد بالماء بطريقة هندسية وأنفق على ذلك كثيرًا، وبهذا أكمل الحكم توسعة المسجد الجامع التى بدأها أبوه ولم يتمها، وتعتبر هذه الزيادة تتويجًا لأعمال الناصر وابنه المستنصر من الناحية الحضارية. يمتاز عصر الحكم بازدهار العلوم والآداب فيه بصورة غير مسبوقة، وهو صاحب الفضل الأكبر فى إنشاء المكتبة الأموية، أعظم مكتبات العصور الوسطى. ويرجع ذلك لشخصية الحكم وشغفه الفائق بالعلم لدرجة دفعته إلى استجلاب نفائس الكتب من كل بلد وفى كل فن. وقد شهد التعليم فى عهد الحكم نهضة عظيمة، فانتشرت بين أفراد الشعب معرفة القراءة والكتابة، بينما كان لايعرفها أرفع الناس فى أوربا باستنثناء رجال الدين، وقد بَنَى الحكم مدرسة لتعليم الفقراء مجانًا، كما أسس جامعة قرطبة أشهر جامعات العالم آنئذ، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدرس فى حلقاتها كل العلوم ويختار لها أعظم الأساتذة. وقد احتلت حلقات الدرس أكثر من نصف المسجد، وتم تحديد مرتبات للشيوخ ليتفرغوا للدرس والتأليف، كما خصصت أموال للطلاب ومكافآت ومعونات للمحتاجين، ووصل الأمر بنفر من الأساتذة إلى ما يشبه منصب الأستاذية اليوم فى مجالات علوم القرآن الكريم والحديث

النبوى الشريف والنحو، وعهد الحكم إلى أخيه المنذر بالإشراف على جامعة قرطبة، كما عهد بمهمة الإشراف على المكتبة الأموية إلى أخيه عبدالعزيز. وفى عهده أضحت الأندلس كعبة تأتى إليها ملوك النصرانية وتلتمس ودها، بدأ ذلك عام (355هـ = 966م) واستمر بعده، وكان أول الوافدين أمير جليقيه وأمير اشتورياس، ثم وفدت رسل ملك نبرة، وفى سنة (360هـ = 971م) جاءت سفارة من أمير برشلونة تطلب تجديد الصداقة، ثم جاءت عمة ملك ليون، وغير هؤلاء، كما تلقى الحكم رسائل من قيصر بيزنطة، ومن امبراطور ألمانيا وغيرهما، كل ذلك جعل فندث بيدال - العالم الإسبانى الكبير - يقول: «وصلت الخلافة الأندلسية فى ذلك العصر إلى أوج روعتها وبسطت سيادتها السلمية على سائر إسبانيا وكفلت بذلك السكينة العامة». وتوفى الحكم فى (2 صفر 366هـ = 30سبتمبر 976م)، وبموته انتهى آخر العظماء من بنى أمية فى الأندلس.

*الحكم المستنصر

*الحكم المستنصر أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس، تولى الحكم فى 3رمضان سنة 350هـ = 16أكتوبر سنة 961م خلفاً لأبيه عبد الرحمن الناصر ولقب بالحكم المستنصر. استهل الحكم عهده بالأمر بتوسيع المسجد الجامع بعد أن ضاق بالمصلين، فأدخلت عليه زيادة من الناحية الشرقية من الجنوب إلى الشمال إلى أن بلغت الصحن وتضاعف بذلك حجم الجامع، كما بنى الحكم محراب المسجد الثالث واستغرق بناؤه لهذا الجزء أربعة أعوام، وعملت له قبة زخرفت بالفسيفساء الذى جاء معظمه هدية من إمبراطور بيزنطة، وأنشأ الحكم أيضًا قبة على الطراز البيزنطى ومقصورة ودارًا للصدقة وأخرى للوعاظ وعمال المسجد، وأنشأ للمسجد الجامع منبرًا جديدًا، وزود المسجد بالماء بطريقة هندسية وأنفق على ذلك كثيرًا، وبهذا أكمل الحكم توسعة المسجد الجامع التى بدأها أبوه ولم يتمها، وتعتبر هذه الزيادة تتويجًا لأعمال الناصر وابنه المستنصر من الناحية الحضارية. يمتاز عصر الحكم بازدهار العلوم والآداب فيه بصورة غير مسبوقة، وهو صاحب الفضل الأكبر فى إنشاء المكتبة الأموية، أعظم مكتبات العصور الوسطى. ويرجع ذلك لشخصية الحكم وشغفه الفائق بالعلم لدرجة دفعته إلى استجلاب نفائس الكتب من كل بلد وفى كل فن. وقد شهد التعليم فى عهد الحكم نهضة عظيمة، فانتشرت بين أفراد الشعب معرفة القراءة والكتابة، بينما كان لايعرفها أرفع الناس فى أوربا باستنثناء رجال الدين، وقد بَنَى الحكم مدرسة لتعليم الفقراء مجانًا، كما أسس جامعة قرطبة أشهر جامعات العالم آنئذ، وكان مركزها المسجد الجامع، وتدرس فى حلقاتها كل العلوم ويختار لها أعظم الأساتذة. وقد احتلت حلقات الدرس أكثر من نصف المسجد، وتم تحديد مرتبات للشيوخ ليتفرغوا للدرس والتأليف، كما خصصت أموال للطلاب ومكافآت ومعونات للمحتاجين، ووصل الأمر بنفر من الأساتذة إلى ما يشبه منصب الأستاذية اليوم فى مجالات علوم القرآن الكريم والحديث

النبوى الشريف والنحو، وعهد الحكم إلى أخيه المنذر بالإشراف على جامعة قرطبة، كما عهد بمهمة الإشراف على المكتبة الأموية إلى أخيه عبدالعزيز. وفى عهده أضحت الأندلس كعبة تأتى إليها ملوك النصرانية وتلتمس ودها، بدأ ذلك عام (355هـ = 966م) واستمر بعده، وكان أول الوافدين أمير جليقيه وأمير اشتورياس، ثم وفدت رسل ملك نبرة، وفى سنة (360هـ = 971م) جاءت سفارة من أمير برشلونة تطلب تجديد الصداقة، ثم جاءت عمة ملك ليون، وغير هؤلاء، كما تلقى الحكم رسائل من قيصر بيزنطة، ومن امبراطور ألمانيا وغيرهما، كل ذلك جعل فندث بيدال - العالم الإسبانى الكبير - يقول: «وصلت الخلافة الأندلسية فى ذلك العصر إلى أوج روعتها وبسطت سيادتها السلمية على سائر إسبانيا وكفلت بذلك السكينة العامة». وتوفى الحكم فى (2 صفر 366هـ = 30سبتمبر 976م)، وبموته انتهى آخر العظماء من بنى أمية فى الأندلس.

*هشام المؤيد بالله

*هشام المؤيد بالله أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس، بويع له بالخلافة فىصفر366 = أكتوبر 976 وهو طفل صغير لا يتجاوز عمره اثنتى عشر سنةولم يشذ عن بيعته أحد، وأضحت السلطة بيدى الحاجب جعفر المصحفى وصاحب الشرطة والمواريث (القضاء) «محمد بن أبى عامر»، وشخصية ثالثة ذكية طموحة تشاركهما من وراء ستار هى أمه «صبح» البشكنسية أو النفارية، نسبة إلى بلاد البشكنس أو إقليم «نبرة»، وقد اشتركت فى الوصاية على ابنها الصبى وأصبحت لها سلطة شرعية فى تدبير شئون الحكم. وطوال فترة حكمه التى امتدت ثلاث وثلاثين سنة لم يكن الأمر فى يديه ولكن تركزت السلطة فى يد حاجبه المنصور بن أبى عامر وابنه عبد الملك بن المنصور، وانتهى الأمر بالخليفة أن عزل عن الخلافة فى 17 من جمادى الأولى 399هـ = 16فبراير 1009م

*هشام بن الحكم بن عبد الرحمن

*هشام بن الحكم بن عبد الرحمن أحد خلفاء الدولة الأموية بالأندلس، بويع له بالخلافة فىصفر366 = أكتوبر 976 وهو طفل صغير لا يتجاوز عمره اثنتى عشر سنةولم يشذ عن بيعته أحد، وأضحت السلطة بيدى الحاجب جعفر المصحفى وصاحب الشرطة والمواريث (القضاء) «محمد بن أبى عامر»، وشخصية ثالثة ذكية طموحة تشاركهما من وراء ستار هى أمه «صبح» البشكنسية أو النفارية، نسبة إلى بلاد البشكنس أو إقليم «نبرة»، وقد اشتركت فى الوصاية على ابنها الصبى وأصبحت لها سلطة شرعية فى تدبير شئون الحكم. وطوال فترة حكمه التى امتدت ثلاث وثلاثين سنة لم يكن الأمر فى يديه ولكن تركزت السلطة فى يد حاجبه المنصور بن أبى عامر وابنه عبد الملك بن المنصور، وانتهى الأمر بالخليفة أن عزل عن الخلافة فى 17 من جمادى الأولى 399هـ = 16فبراير 1009م

*المنصور بن أبى عامر

*المنصور بن أبى عامر أحد كبار رجالات الأندلس المعروفين، تولى منصب الحجابة فى عهد الخليفة هشام المؤيد بالله ثم أصبح الأمر كله فى يديه وسيطر على أمور الدولة بعد أن دخل فى صراع مع جعفر المصحفى الذى كان يتولى الحجابة من قبله وانتهى هذا الصراع بالقبض على جعفر ودخوله السجن حتى مات. وبعد أن أصبحت السيطرة كاملة لابن أبى عامر فكر فى إنشاء مدينة جديدة يتوافر فيها الأمان ومظاهر السلطان فكانت مدينته الزاهرة أو العامرية شرقى قرطبة والتى استغرق بناؤها عامين، وضمت قصرًا ومسجدًا ودواوين للإدارة ومساكن للحرس، ونقل خزائن المال والسلاح إليها، وأقيم حولها سور ضخم كما بنى خندقًا وتم إقطاع ضواحيها للوزراء والقادة، فابتنوا الدور وأنشئت الشوارع والأسواق حتى اتصلت مبانيها بضواحى قرطبة، وقد انتقل إليها ابن أبى عامر سنة (370هـ = 980م)، واتخذ له حرسًا خاصا من الصقالبة والبربر أحاطوا بقصره، ومنعوا الدخول والخروج إليه، وبذلك أقفرت قرطبة وأقفر قصرها ونقلت كل مظاهر السلطان إلى المدينة الجديدة، ومنع الخليفة من أى حركة إلا بإذن ابن أبى عامر حماية له من المتآمرين وحتى يتفرغ للعبادة كما زعم. بدأ المنصور بن أبى عامر سلسلة من الغزوات الشهيرة بعد أن استقرت الأمور له، ووصل عددها إلى نحو أربع وخمسين غزوة استقصى المؤرخ القرطبى ابن حيان أخبارها فى كتاب له مفقود عنوانه «الدولة العامرية» ويتحدث عنها ابن خلدون فيقول: «غزا ابن أبى عامر اثنتين وخمسين غزوة فى سائر أيام ملكه، لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولاأصيب له بعث ولا هلكت له سرية». اتخذ المنصور فى سنة (381هـ= 991م) خطة غير مسبوقة بهدف دعم سلطانه فرشح ابنه عبدالملك ليتولى الأمر من بعده، وتنازل له عن الحجابة والقيادة وجميع ما كان يتولى من خطط مكتفيًا بلقب «المنصور» ثم تلقب بالملك الكريم فى سنة (386هـ = 996م) وبولغ فى تعظيمه وإجلاله، ولم

يكن المنصور يقصد أن تجتمع السلطات فى يده، فكل السلطات السياسية والعسكرية فى قبضة يديه بالفعل، لكنه أراد أن يصبغ حكمه بالصبغة الشرعية، وأن تكون له رسوم الملك والخلافة، ويقوم بتأسيس دولة تحل محل دولة بنى أمية، لكن الظروف لم تكن مهيأة فالناس لاتميل كثيرًا إلى المنصور؛ بسبب الوسائل الدموية التى لجأ إليها لتصفية خصومه. وقد أظهر المنصور مقدرة كافية ممتازة فى جميع المناصب التى تولاها وشهدت البلاد فى زمنه أمنًا واستقرارًا وطمأنينة لم تعرفها قبله، وفى زمنه لم تعرف البلاد الثورات مقارنًا بغيره، وازدهرت الصناعة والتجارة والزراعة، وارتقت العلوم والآداب، وامتلأت خزائن قرطبة بالمال حتى وصلت الإيرادات إلى نحو أربعة ملايين دينار، بخلاف الموارد من المواريث ومال السبى والغنائم، ولم يخل عهد المنصور من الإنشاءات العظيمة على الرغم من الغزوات المستمرة وقد أشرنا إلى بنائه مدينته الزاهرة بقصورها وحدائقها، وجعلها قصرًا للحكم والإدارة، وقد بنى المنصور بجانبها منية جميلة ازدانت بالحدائق والقصور أسماها «العامرية»، وكان يقصدها عندما يريد الاستجمام. كذلك قام بزيادة المسجد الجامع فى «قرطبة» بعد أن اتسعت المدينة، وضمت واحدًا وعشرين حيا، الواحد فيها أكبر من أية مدينة أندلسية، وقد حفر حولها خندقًا بلغ 16 ميلاً وزاد سكانها كثيرًا لا سيما البربر، وضاق المسجد الجامع بهؤلاء السكان فأدخل المنصور فى سنة (387هـ = 997م) زيادة عليه من الناحية الشرقية، بلغت المساحة الأصلية نفسها تقريبًا، وحرص المنصور على الاشتراك فى هذا المشروع بنفسه، واشتغل فيه أسرى النصارى، وتم تعويض أصحاب الدور والأماكن التى صودرت لهذا الغرض، ولا يزال هذا الجناح قائمًا حتى اليوم، ويعرف بمسجد المنصور، وإن تحولت عقوده الجانبيه إلى هياكل وكنائس. وبهذه الزيادة بلغت مساحة المسجد الجامع ما يزيد على ستة

أفدنة، كما انفرد بطرازه الرائع، وليس فى العالم مسجد ولا كنيسة فى مثل حجمه اللهم إلا قصر «فرساى» بفرنسا. كما جدد المنصور قنطرة قرطبة على نهر الوادى الكبير، وكان «السمح بن مالك» قد جددها من قبل وأنفق المنصور على تجديدها فى سنة (378هـ = 988م) مائة وأربعين ألف دينار وبنى قنطرة «أستجة» على نهر «شنيل» أحد فروع نهر الوادى الكبير. وفى ربيع (392هـ =1002م) خرج المنصور لآخر مرة، وتوجَّه إلى قشتالة ومنها اتجه غربًا نحو «برغش» وعاث فى تلك المنطقة، وتقول المصادر النصرانية إنه تعرض لهزيمة على أيدى ملوك النصارى متحدين، وإنه اضطر إلى الفرار فى جنح الظلام بعد موقعة معهم جرت أحداثها بمكان يسمى «قلعة النسور»، وقد جرح المنصور ثم مات بعد ذلك متأثرًا بجراحه، لكن الباحثين المحدثين - ومنهم المستشرق الهولندى دوزى - يرفضون هذه الرواية لأنها تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، فهى تتحدث عن تحالف بين ملوك من النصارى ماتوا قبل هذه الموقعة، أضف إلى ذلك أن المصادر الإسلامية لاتذكرشيئًا عن تلك الموقعة، مع أنها لاتخفى هزائم المسلمين، فالصمت قرينة على أنه لم تكن هناك هزيمة ولاحتى موقعة أصلا. ومهما يكن من أمر فقد سار المنصور فى حملته هذه محمولا حتى وصل إلى «مدينة سالم»، وهناك وافاه الأجل فى (27 رمضان 392هـ = 11 أغسطس 1002م) بعد حكم دام 27 عامًا.

*عبدالملك بن المنصور المظفر بالله

*عبدالملك بن المنصور المظفر بالله هو عبد الملك بن محمد بن أبى عامر الملقب بالمظفر بالله، تولي منصب الحجابة بعد وفاة والده المنصور، وقد بدأ عهده بإسقاط سدس الجباية (الضرائب) عن السكان بكل نواحى الأندلس فاستبشر الناس به خيرًا. ظن ملوك النصارى أن خطر الغزوات الإسلامية عليهم سيقل بعد وفاة المنصور، لكنهم كانوا واهمين لأن عبدالملك بدأ بعد أشهر قليلة من ولايته يستعد لغزواته ضدهم التى بلغت سبع غزوات التزم عبدالملك الأسلوب الذى كان يحكم به والده الأندلس فجعل الخليفة محجورًا عليه لاحول له ولاقوة. وجمع السلطات كلها فى يديه، وحدَّ من نفوذ الوزراء والكتاب وراقبهم وحاسبهم، وجلس للناس وهجر اللهو، وعمل على تنمية الموارد وترتب على هذا تحسن فى الأحوال المالية التى كانت قد ساءت بسبب كثرة النفقات. ولم يكن لعبدالملك نصيب كبير فى مجالات العلم والأدب وكان مجلسه لايقوم إلا على الأعاجم من البربر وغيرهم، ومع ذلك فقد استمر يجرى الرواتب التى كان أبوه يجريها على العلماء والأدباء والندماء، كما استمع إلى الشعر ووصل الشعراء. وفى شوال من سنة 398هـ خرج عبدالملك بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة العلة»؛ إذ إنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض وتفرق عنه المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى (المحرم 399هـ = سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته فعمل على استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت، وتعرض لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى محفة حيث مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر 1008م) بعد حكم دام نحو سبع سنوات.

*عبدالرحمن بن شنجول

*عبدالرحمن بن شنجول هو عبد الرحمن بن محمد المنصور بن أبى عامر، قلده الخليفة هشام المؤيد بالله الحجابة بعد وفاة أخيه عبد الملك المظفر بالله، وأنعم عليه بالخلع السلطانية، وكانت أمه ابنة لملك «نبرة» تزوجها «المنصور» وأنجب منها، وقد أسلمت وتسمت باسم «عبدة» ولأنه أشبه جده لأمه المسمى «شانجة» لقب بشنجول أو شانجة الصغير. ولم يكن الشعب يميل إلى «عبدالرحمن» لما فيه من دماء نصرانية ولانحراف سلوكه، ولأنه جرى على منهج أبيه وأخيه فى الحجر على الخليفة هشام مع الاستبداد بالرأى وإن مال هو إلى التودد إلى الخليفة ومخالطته، وقد منحه الخليفة لقب المأمون ناصر الدولة بعد عشرة أيام من ولايته، ليس هذا فحسب، بل إن عبدالرحمن جرؤ على ما لم يجرؤ عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد محاولات فى استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من بعده، لتنتقل رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى عامر، وأقر فقهاء قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء والقضاة والقادة، وكان ذلك فى ربيع الأول سنة (399هـ= 1008م)، ومضى «عبدالرحمن» أبعد من ذلك حين عين ابنه الطفل فى خطة الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم اتخذ قرارًا جلب عليه كثيرًا من السخط حين طلب من أكابر الموظفين ورجال الدولة خلع القلانس الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس الأندلسيين، وتغطية الرأس بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن هؤلاء كارهين. فكر عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية، فتحصن الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى مقاتلتهم بسبب كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن

يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة عبدالملك -التى اعتقدت أن «شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (16 من جمادى الأولى 299هـ = 15 من يناير 1009م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت بذلك خلافته الصورية التى دامت (33) سنة وتولى الأمر «محمد بن هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (17 من جمادى الآخرة 399هـ = 16 من فبراير 1009م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا

أن تلك هى بداية الفتنة التى ستطيح ليس بالدولة العامرية وحدها بل وبالخلافة بكل ما تمثله وفى اليوم التالى قام الثائرون بهدم مدينة الزاهرة وقصورها، وأحست الحامية المنوط بها الدفاع عنها أن المقاومة غير مجدية ففتحوا أبواب المدينة شريطة أن يؤمنهم المهدى، وتم نهب القصور والاستيلاء على كل ما كان فيها من متاع وجواهر، ولم يكتف المهدى بذلك وإنما قام بهدم كل مبانى مدينة الزاهرة وأسوارها بعد أن استولى على كل ما فيها من خزائن وأموال وتحف حرصًا منه على إزالة كل آثار بنى عامر، وأصبحت المدينة أطلالا، وتحولت إلى أثر بعد عين. وقد حاول «عبدالرحمن» وهو فى «طليطلة» بعد أن بلغته أخبار الثورة أن يتنازل عن ولاية العهد مكتفيًا بالحجابة، فلم يلتفت إليه أحد ثم سار إلى قرطبة، ولما اقترب منها تركه جند البربر وفروا فى جنح الظلام، ثم تمكن الخليفة الجديد من مطاردته وإلقاء القبض عليه وهو مختبئ فى أحد الأديرة، وقتله فى (3 من رجب 399هـ = 3 من مارس 1009م).

*بركة خان

*بركة خان هو «بركة خان بن جوجى بن جنكيزخان» أحد حكام منطقة القبجاق، اعتنق هو ورعيته الإسلام، وطلب العون من المماليك فى «مصر»، لكى يقفوا إلى جانب بلاده ضد «المغول الإيلخانيين» الذين كانوا يحكمون «فارس».

*قطب الدين أيبك

*قطب الدين أيبك أول سلاطين المماليك فى الهند (سلطنة دهلى الإسلامية)، حكم من سنة (602 هـ= 1206م) إلى سنة (607هـ = 1210م)، وقد اشتهر بحبه للعدل، وإقراره السلام والأمن فى نواحى بلاده، وبنى مسجدين كبيرين، أحدهما بدهلى والآخر بآجمبر. وتوفى هذا السلطان فى عام (607هـ= 1210م)

*ألتمش

*ألتمش هو شمس الدين ألتمش أو إيلتمش. سلطان هندى مسلم. أحد سلاطين دولة المماليك التركية بالهند ويعد المؤسس الحقيقى لهذه الدولة، كان مملوكًا للسلطان قطب الدين أيبك أول سلاطين هذه الدولة، ثم أعتقه وقربه منه وزَّوجه ابنته. وبعد موت قطب الدين أيبك اتفق أمراؤه على تولية ألتمش لما فيه من خصال حسنةً تؤهله لذلك الأمر فتولى الحكم سنة (607هـ = 1211م)، ودام حكمه نحو ربع قرن قضاه فى تثبيت دعائم دولته التى شملت شمال الهند من السند إلى البنغال، ونجح فى القضاء على ثورات أمراء الهندوس وعدة ثورات أخرى ولكنه ما كاد يتخلص منها حتى ظهر له خطر المغول، وألحقوا بدياره الخراب والدمار، ولكنهم لم يتحملوا حرارة جو بلاده، واتجهوا صوب الغرب ثانية، فنجت البلاد من شرورهم.، واكتسب حكم ألتمش صفة شرعية بعد أن اعترف به الخليفة العباسى المستنصر بالله سلطانًا على دولة المسلمين بالهند ولقبه بالناصر أمير المؤمنين حامى الإيمان، فكان أول سلطان هندى يعترف به الخليفة العباسى. وعلى الرغم من غزوات ألتمش المتكررة وجهوده لتثبيت دعائم دولة الإسلام فى الهند فإن ذلك لم يشغله عن الاهتمام بالإصلاحات الداخلية فأعاد تنظيم الجهاز الإدارى، وأقر العدل والحرية فى البلاد، وعنى بتشجيع العلوم والآداب وأنفق أموالاً كثيرة لنسخ أعداد كبيرة من المصحف الشريف، وأسس العديد من المدارس وزيَّن بلاطه بالشعراء والعلماء وقرَّبهم منه، وأتم بناء مسجد قطب الدين فى دلهى، وشيد مسجدًا آخر فى أجمير، وتوفى شمس الدين ألتمش سنة (633هـ = 1235 م).وكان لم ير فى أبنائه الذكور مَنْ يصلح للحكم من بعده، فأوصى به لابنته «رضية»، ولكن رجال البلاط عهدوا بالملك عقب وفاته إلى الأمير «ركن الدين فيروز شاه»، إلا أنه لم يهنأ بالملك بسبب الفتن والاضطرابات التى عمت أنحاء البلاد، وكان نتيجة ذلك أن قُتل هو وأمه، فآلت أمور الحكم إلى السلطانة «رضية» فى عام (643هـ = 1236م).

*بلبان

*بلبان يعد السلطان «بِلْبان» (بِلْبِن) الذى حكم سلطنة دهلى الإسلامية فى الهند فى الفترة من عام (664هـ = 1265م) إلى عام (686هـ = 1287م)، من أقوى سلاطين «الهند» وأعظمها فى تاريخها الوسيط، إذ واجه المغول الذين عادوا إلى تهديد «الهند» ثانية، وأعاد الهدوء والاستقرار إلى بلاده، ثم قضى على «الهندوس» الذين قطعوا الطريق بين «دهلى» و «البنغال»، وأقر الأمن والنظام فى ربوع دولته. عهد «بلبان» - حين شعر بدنو أجله - بالحكم إلى ابنه «بغراخان»، إلا أن ابنه رفض ذلك، فعهد به إلى حفيده «كيخسرو بن بغراخان»، فتولى أمور البلاد، ولكنه كان ضعيفًا لا يقوى على تسيير أمور الحكم بمفرده، فأسندها إلى «نظام الدين» الذى اعتمد على خواصه والمقربين إليه فى إدارة شئون البلاد، فاستبدوا بها، وحاول «بغراخان» أن يتخلص من «نظام الدين» ولكن الترك لم يمكنوه من ذلك، وعزلوا ابنه «كيخسرو» وولوا «كيقباد» أحد أطفاله الصغار، فتصدى لهم «الخلجيون» بقيادة زعيمهم «فيروز شاه»، وقضوا عليهم، فزال حكم المماليك بالهند على أيديهم.

*جلال الدين المنكبرتى

*جلال الدين المنكبرتى أحد سلاطين الدولة الخوارزمية فى المشرق الإسلامى، تولى الحكم بعد وفاة أبيه السلطان «محمد خوارزمشاه» سنة 617هـ استطاع جلال الدين تكوين جيش كبير بلغ ثلاثين ألف مقاتل، وانضمت إليه الفلول التى كانت هاربة من المغول، نجح فى إلحاق هزيمة كبيرة بمقدمة أرسلها المغول للبحث عنه فى هذه المنطقة فى سنة (618هـ. (خشى «جنكيزخان» أن يتسع نفوذ «جلال الدين» فأرسل جيشًا كبيرًا بقيادة أحد كبار القادة المغول لمحاربته، فالتقى الجيشان بالسهول القريبة من «بروان»، واستطاع «جلال الدين» أن يلحق هزيمة ساحقة بالجيش المغولى، وسمع الناس بذلك ففرحوا فرحًا شديدًا، وثار أهالى «هراة» فى وجه رئيس الحامية المغولى وقتلوه هو وجنوده، فبعث «جنكيز» بابنه «تولوى» إلى هذه المدينة، فدمرها وقتل جميع سكانها، وخرج «جنكيز» بنفسه على رأس جيش كبير لملاقاة «جلال الدين»، فى الوقت الذى حدث فيه خلاف بين اثنين من قادة «جلال الدين» على توزيع الغنائم، وانسحب أحدهما بجنوده تاركًا «جلال الدين» فى هذه الظروف الحرجة، فاضطر إلى الانسحاب بجنوده صوب بلاد «الهند» - حين سمع بقدوم المغول- ولكن «جنكيز» أدركه، ودارت بينهما معركة حامية؛ أبلى فيها «جلال الدين» بلاءً حسنًا، ولكن جيش «جنكيز» كان أقوى عدة وأكثر عددًا فأدرك «جلال الدين» أنه لا فائدة من القتال، وانطلق صوب «نهر السند» وعبره بجنوده، فلم يصل منهم إلى الجانب الآخر من النهر إلا أربعة آلاف فارس، وبقى «جلال الدين» فى بلاد «الهند» بضع سنوات (618 - 622 هـ)، ثم عاد بعدها إلى إيران. انتهز «جلال الدين» فرصة انشغال المغول عن البلاد الفارسية بعد وفاة «جنكيز» وانطلق بجيشه نحو «إيران»، وعبر «نهر السند»، ودخل فى حروب عديدة مع مَن رآهم سببًا فيما حلَّ بالدولة الخوارزمية، فحارب «الأتابكة» فى «فارس» و «كرمان» و «يزد»، ثم حارب الخليفة العباسى،

وانتصر عليهم جميعًا، ولكن مجموعة من الولاة الذين يحكمون بلاد «ما وراء النهر» بقيادة «الملك الأشرف الأيوبى» فى «الموصل»، تمكنوا من إلحاق الهزيمة بجلال الدين، فاستغل «الإسماعيلية» الفرصة وأرسلوا إلى «أوكتاى» إمبراطور المغول يخبرونه بأن الحلف العربى هزم «جلال الدين»، وقد أقدم «الإسماعيلية» على ذلك لأن «جلال الدين» حاربهم من قبل وانتصر عليهم، فجرد «أوكتاى» جيشًا كبيرًا قوامه (50) ألف جندى بقيادة أشهر قواده «جرماغون»، الذى تمكن من مطاردة «جلال الدين» وتفريق جيشه، ففر «جلال الدين» فى سنة (628هـ) إلى «الجبال الكردية» الواقعة فى منطقة «جبال بكر»، فقتله هناك أحد الأكراد حين عرف أنه السلطان، ثأرًا لمقتل أخيه على يد جيش «جلال الدين» فى إحدى الحروب.

*جنكيزخان

*جنكيزخان وُلد «جنكيزخان» فى سنة (549هـ = 1154م)، بإحدى المناطق المغولية، وكان أبوه «يسوكاى بهادر» رئيسًا لقبيلة «قيات» المغولية، وكان يحارب - أحيانًا- القبائل المجاورة له، كما كان يصطدم ببعض قبائل التتار، وقد خرج مرة لمحاربة رئيس إحدى القبائل التترية، وانتصر عليه، وتمكن من أسره وقتله، فلما عاد إلى موطنه وجد امرأته قد ولدت مولودًا، فأسماه «تموجين» بنفس اسم رئيس قبيلة التتار الذى تمكن من أسره وقتله، تيمنًا بانتصاره عليه. عاش «تموجين» حياة عز ودلال فى مطلع حياته، إلا أنه لم ينعم بها طويلا، حيث مات أبوه وهو فى الثالثة عشرة من عمره، فتغير الحال، وانفض عنه أكثر الناس، واضطر إلى الاعتماد على نفسه فى رعاية أسرته، فكونت هذه الفترة شخصيته، وطبعته بطابع الجدة والصرامة، لدرجة أنه كان يستطيع أن يبقى ثلاثة أيام دون طعام أو شراب، فلما بلغ السابعة عشرة من عمره التف حوله جماعة من الناس، وتمكن من خلالهم أن يكون قوة يُخشى بأسها فى المنطقة، فبدأ يفرض نفوذه على القبائل المجاورة، واحدة تلو الأخرى. كانت شخصية «تموجين» القوية من بين الأسباب التى دفعت الناس إلى الالتفاف حوله، فبدأ بفرض نفوذه، ثم السيطرة على القبائل الكبيرة، وتمكن فى سنة (599هـ) من إحراز نصر كبير على قبيلة «كرايت»، وأسرعت القبائل الأخرى إلى الدخول فى طاعته، وقضى على ملك «النايمان»، ودخلت قبائله تحت إمرته فى سنة (600هـ)؛ التى اجتمعت فيها القبائل وأجمعت على اختيار «تموجين» إمبراطورًا لها تحت اسم جنكيزخان. وتُعدُّ هذه السنة بداية للدولة المغولية، التى وضع لها «جنكيزخان» مجموعة من القوانين الصارمة عرفت باسم «دستور الياسّا» فى عام (603هـ)، وكان على كل من يخضع لهذه القوانين أن يدين لها بالولاء، أما من يخرج عليها فليس له من جزاء إلا القتل فورًا، وهكذا استطاع «جنكيزخان» أن يوحد شتات هذه القبائل فى

دولة واحدة تخضع لدستور واحد، واستغل قُوى هذه الأقوام والقبائل فى تكوين جيش قوى استطاع به - بعد ذلك- أن يطيح بالدول المجاورة له، الواحدة تلو الأخرى. وتوفى جنكيز خان سنة 624هـ بعد حياه حافلة بالحروب والدمار.

*سعد الدولة اليهودى

*سعد الدولة اليهودى هو طبيب يهودى عاش فى عهد أرغون خان أحد سلاطين الدولة الإيلخانية، وكان اجتماعيا؛ يكثر الاختلاط بالناس ويوسع دائرة معارفه بينهم، كما كان ملما بأحوال الموظفين والصيارفة فى «بغداد»، ويجيد عدة لغات، ويعمل بالطب الذى كان وقفًا فى بلاد الإيلخان على اليهود وحدهم، ولذا عملوا على التدخل فى شئون الدولة من خلال عملهم، وحملوا الإيلخان «أرغون» على تعيين «سعد الدولة» طبيبًا لبلاطه، وتصادف أن اعتلَّت صحة الإيلخان، ومرض مرضًا شديدًا، وتمكن «سعد الدولة» من معرفة الدواء المناسب لمرضه، فشفى «الإيلخان»، وكافأ «سعد الدولة» وقرَّبه منه، وزاد قدره عنده، فاستغل الطبيب ذلك، وأخذ يشى بالأمير «بوقا» ويزيِّن للسلطان التخلص منه، حتى أوغر صدره ضده، فأمر السلطان بالقبض على «بوقا» وقتله بتهمة التآمر على السلطان، وتعيين الطبيب «سعد الدولة» وزيرًا له على البلاد. استطاع الوزير سعد الدولة أن يستميل إليه قلوب الناس برفع المظالم عنهم، وإجراء الصدقات على فقرائهم ومحتاجيهم، فمدحه الشعراء، وقصد بابه الأدباء والعلماء، ولكنه لم يكد يطمئن إلى ثبات مركزه فى الدولة، وارتفاع منزلته عند السلطان حتى أخذ يكيد للمسلمين ويعمل على التضييق عليهم، فضاقوا به وتحينوا الفرصة للخلاص منه، كما ضاق به الأمراء المغول لاستبداده بالحكم، وقضائه على ما كانوا يتمتعون به من نفوذ، وانتظروا كذلك الفرصة للقضاء عليه، فمرض «أرغون» فجأة، واشتد عليه المرض، وحاول الأطباء برئاسة «سعد الدولة» معالجته وإنقاذه بكل السبل، ولكنهم عجزوا عن ذلك، فقبض الأمراء المغول على «سعد الدولة» وقتلوه فى شهر صفر سنة (690هـ)، ولم يلبث الإيلخان بعده إلا فترة قصيرة ثم مات، فعمت مشاعر البهجة والسرور أنحاء البلاد الإسلامية؛ لمقتل «سعد الدولة»، وثار الناس على اليهود فى كل مكان، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا.

*حسن الجلائرى

*حسن الجلائرى هو تاج الدين شيخ حسن بزرك بن حسين أول حكام «آل جلائر» ومؤسس دولتهم «الجلائرية»، وثالث مَن تولى الحكم فى «الدولة الإيلخانية»، وقد امتد سلطانه إلى «العراق»، واتخذ «بغداد» عاصمة له، وأعلن نفسه ملكًا عليها، فظهرت بذلك الدولة «الجلائرية» إلى حيز الوجود. شهدت اللبنات الأولى لقيام «الدولة الجلائرية» عدة حروب بين الأمراء المغول بهدف الوصول إلى الحكم، إلا أن «حسن الجلائرى» تمكن من الاستقلال بالعراق واستطاع أن يوحد الصفوف لتأسيس دولته الوليدة، ومع ذلك لم تتوقف الصراعات والحروب مع بقايا الإيلخانيين، إلى أن تمكن «الشيخ حسن الجلائرى» من طردهم إلى خارج حدود دولته - «العراق» - فى عام (748هـ= 1347م). كان «الشيخ حسن الجلائرى» سياسيا حكيمًا، وأراد أن يضمن لدولته قوتها ووحدتها، فلم يعلن نفسه خانًا أو سلطانًا؛ بل أعلن ولاءه للسلطان المملوكى فى «مصر» ليكون سنده الذى يحتمى به إذا ما فكر المغول فى غزوه، خاصة وأن دولته قريبة ومتاخمة للإمارات والممالك المغولية فساعده هذا التصرف على استقرار بلاده، وشجعه على الاستيلاء على «لورستان»، و «الموصل»، و «تستر»، وبسط نفوذه على غيرها، فاتسعت رقعة بلاده، وامتد نفوذ حكمه، ثم مات فى عام (757هـ = 1356م)

*أويس الجلائرى

*أويس الجلائرى هو «الشيخ أويس بن حسن الجلائرى»، تولى حكم الدولة الجلائرية بعد وفاة أبيه سنة 757هـ = 1356م، وقد بلغت الدولة فى عهده أقصى اتساع لها، إذ ضم إليها «أذربيجان»، و «آران»، و «موقان»، واتخذ من «تبريز» عاصمة لبلاده، وانتقل نشاط الدولة السياسى ومركزها من «العراق» إلى «أذربيجان»، فأدى ذلك إلى قيام حركات التمرد فى «بغداد» على الجلائريين، وكانت حركة «مرجان» نائب «الشيخ أويس» على «بغداد» من أشهر هذه الحركات، وكان «مرجان» طواشيا للشيخ أويس. لقد أخطأ «الشيخ أويس» فى حساباته عندما ابتعد عن «العراق» واتخذ له عاصمة فى «إيران»، فضلا عن تقريبه الفرس دون العرب، فكانت النتيجة انضمام العرب بمختلف طوائفهم إلى «مرجان» وحركته، وحُذف اسم «الشيخ أويس» من الخطبة؛ رمز السيادة فى الدولة، وخُطب للسلطان المملوكى فى «مصر». خرج «الشيخ أويس» من «تبريز» إلى «بغداد» فى سنة (765هـ = 1363م)، واستطاع وزيره أن يستميل أعوان «الخواجة مرجان» إلى صفه، فانفضوا من حول «مرجان» وفشلت حركته، ودخل «الشيخ أويس» «بغداد» ثم جعل «شاه خازن» نائبًا له عليها، ولكن «مرجان» لم ييأس من المحاولة، وعاد مرة ثانية إلى حكم «بغداد» عقب وفاة «شاه خازن»، مما يؤكد حب أهل «العراق» لمرجان ومكانته عندهم، فاضطر «الشيخ أويس» إلى الصفح عنه، ثم أرسل ابنه «الشيخ علىّ» ليحكم «العراق». وقد تُوفى «الشيخ أويس» عام (776هـ = 1373م)

*تيمور لنك

*تيمور لنك هو «تيمور بن ترغاى بن أبغاى» مؤسس الدولة التيمورية، أحاط المؤرخون نسبه بهالة من الرفعة وعلو الشأن، ليبرروا استيلاءه على «بلاد ما وراء النهر»، فقد كان أبوه «أمير مائة» عند السلطان المغولى، وكان المغول يستخدمون الأتراك فى دواوينهم، وأكثروا منهم، حتى صارت اللغة التركية هى لغة البلاط والمجتمع فى «بلاد ما وراء النهر»، فلما دخلت «الدولة المغولية» مرحلة الاضمحلال والضعف؛ قامت «الدولة الجغتائية» بمساعدة قبيلة «برلاس»، فحفظ الجغتائيون هذا الجميل، وولوا «تيمور لنك»، ولاية «كش»، حين التجأ إليهم أثناء الاضطرابات التى عصفت ببلاد «ما وراء النهر» ثم لم يلبث أن أخرج الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر»، وطارد قبائل «الجتة» البدوية؛ التى اتسمت بالعنف والوحشية، وتمكن من طردهم من «بلاد ما وراء النهر»، ثم أعلن نفسه سلطانًا فى بلخ» على هذه المنطقة، واتخذ «سمرقند» عاصمة لملكه، وأعلن ذلك رسميا فى عام (800هـ = 1397م)، ثم مضى فى تنظيم حكومته الجديدة، واتبع قانون «جنكيزخان» (الياسا المغولية)، بما لا يتعارض مع القرآن الكريم والسنة النبوية. كان «تيمور لنك» ميالا إلى الفتح والتوسع، وغزا «خوارزم» فى عام (773هـ)، ثم دخلها وسيطر عليها فى عام (781هـ)، فأضحت «آسيا الوسطى» كلها تحت سلطانه. بدأ حكم «تيمور كورخان» (تيمورلنك) منذ دخل «سمرقند» فى عام (771هـ = 1329م)، فكوَّن مجلس شورى من كبار الأمراء والعلماء، وعلى الرغم من أنه كان الحاكم الفعلى للبلاد، فإنه عمد إلى اختيار الأمير الجغتائى «سيورغتمش بن دانشمندجة»، وجعله رمزًا للحكم ولقبه بلقب السلطان فى الفترة من سنة (771هـ = 1329م) إلى سنة (790 هـ = 1387م)، ثم اتخذ من بعده «محمود بن سيورغتمش» من عام (790هـ = 1387م) إلى عام (800هـ = 1397م). وقد اتسمت سياسة «تيمور لنك» بالتوسع، فزحف إلى «إيران» فى سنة (782هـ = 1380م)،

وتمكن من الاستيلاء على «خراسان» و «جرجان»، و «مازندران»، و «سيستان»، و «أفغانستان»، و «فارس»، و «أذربيجان»، و «كردستان»، ثم دخل «جورجيا» وغرب «إيران» فى عام (786هـ = 1384م)، وتمكن من فتح «العراق» و «سورية» (حلب ودمشق)، وهزم المماليك فى الشام، وحقق انتصارات عظيمة فى «الهند» عقب وفاة «فيروزشاه» سلطان «دلهى» فى عام (799هـ = 1397م)؛ حيث استولت جيوشه على حصن «أوكا»، وأسقطت «الملتان»، وفتحت «آباد»، ودخلت «هراة» بالأمان، ولاقى «تيمورلنك» مقاومة شديدة وصعوبة فى دخول «دهلى» على يد سلطانها «محمود تغلق»، ولكن هذه المقاومة لم تستمر طويلا، ودخل «تيمور» هذه المدينة، فقدم إليه أعيانها وعلماؤها فروض الولاء والطاعة، وخُطب له فيها، وعلى الجانب الآخر حقق «تيمورلنك» انتصارات كثيرة على الأتراك العثمانيين، وأسر حاكمهم «بايزيد خان». وتُوفى «تيمورلنك» فى «أترار» عن عمر يناهز السبعين عامًا فى سنة (807هـ = 1405م) بعد أن دانت له البلاد من «دهلى» إلى «دمشق»، ومن «بحيرة آرال» إلى «الخليج العربى»

*شاه رخ بن تيمور لنك

*شاه رخ بن تيمور لنك أحد سلاطين الدولة التيمورية، تولى العرش بعد وفاة أبيه تيمور لنك سنة (807هـ = 1405م) واستمر فى الحكم إلى سنة (850هـ = 1447م) فعاشت البلاد فى عهده أفضل فترات الحكم؛ إذ كان محبا للعلم والعلماء، حفيا بالثقافة، كما كان عادلا تقيا ورعًا، فاشتهر بسلوكه الحسن وسيرته الطيبة بين الرعية. ولى «شاهرخ» أملاك «الدولة التيمورية» فيما عدا «سوريا» و «العراق العربى»، فقام بإصلاحات كثيرة فى البلاد، وشيد المبانى، وبنى المدارس الكثيرة فى «بخارى» و «سمرقند»، وأنشأ مرصده الشهير، وتوفى شاه رخ سنة 850هـ = 1447م.

*أبو سعيد السيرافى

*أبو سعيد السيرافى أحد علماء اللغة والأدب فى العصر العباسى، ولى القضاء ببغداد ،وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، ومن بين مؤلفاته كتاب «أخبار النحويين البصريين» وكتاب «الوقف والابتداء». يقول عنه ابن خلكان: «كان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون: القرآن الكريم والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافى»، وتوفى ببغداد سنة (368هـ = 979م).

*ابن جنى

*ابن جنى هو «أبو الفتح عثمان بن جنى»، يُعَدُّ من أعظم علماء اللغة، لا فى العصر العباسى الثانى فحسب؛ بل على امتداد العصور الإسلامية كلها، ولد بالموصل وتوفى ببغداد سنة (392هـ = 1002م). ومن بين كتبه الذائعة الشهرة الزاخرة بالقيمة فى مجال اللغة كتاب «الخصائص» وله أيضًا «سر صناعة الإعراب»، و «المذكر والمؤنث»، و «المقصور والممدود»، «واللمع» وغير ذلك. وقد شرح ابن جنى ديوان المتنبى وكان من المعجبين بشعره. وكان ابن جنى صاحب حس أدبى مرهف، وقد انعكس ذلك على كتاباته العلمية التى اتسم أسلوبها بالجمال الأخَّاذ فضلاً عن الدقة البالغة.

*الشريف الرضى

*الشريف الرضى من أبرز شعراء العصر العباسى الثانى، ينتهى نسبه إلى الحسين بن على بن أبى طالب، كان وثيق الصلة بالخليفة القادر بالله (381 - 422 هـ = 991 - 1031م)، وتوفى ببغداد سنة (406هـ = 1015م)، وعَدَّه بعض النقاد أشعر قريش. يقول عنه الثعالبى فى يتيمة الدهر: «هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر، على كثرة شعرائهم المفلقين، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وسيشهد بما أخبر به شاهد عدل، من شعره العالى القِدْح الممتنع عن القَدْح، الذى يجمع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها ويبعد مداها».

*الجاحظ

*الجاحظ هوأبو عثمان عمرو بن بحر إمام المنشئين فى تاريخ الأدب العربى بلا جدال. كان على مذهب المعتزلة وكان موسوعى الثقافة متجدد الفكر، وقد ترك أسلوبه بصمات واضحة على أساليب كثير ممن جاءوا بعده، ومؤلفات الجاحظ عديدة وذائعة، تنمّ عن ذهن ناضج وفكر متدفق، ومن أشهر كتبه: كتاب «الحيوان» و «البيان والتبيين» و «البخلاء». وله رسائل مختلفة طبعت تحت اسم «رسائل الجاحظ»، وهى تتناول موضوعات شتى. وتوفى بالبصرة سنة (255هـ = 869م).

*ابن العميد

*ابن العميد هو أبو الفضل محمد بن العميد، من أبرز الذين تأثروا بالجاحظ وحاولوا أن ينهجوا نهجه، ولتمكنه فى فن الإنشاء عرف باسم «الجاحظ الثانى»، وهو الذى قيلت فيه العبارة المشهور: «بدئت الكتابة بعبدالحميد وختمت بابن العميد»، وعبدالحميد هنا هو: عبدالحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، عاش ابن العميد فى ظل البويهيين وعمل وزيرًا لركن الدولة - الحسن بن بويه - وكان - كما يصفه ابن خلكان - «متوسعًا فى علوم الفلسفة والنجوم، وأما الأدب والترسُّل فلم يقاربه فيه أحد فى زمانه». ويصفه ابن الأثير بأنه كان من محاسن الدنيا، قد اجتمع فيه ما لم يجتمع فى غيره من حسن التدبير وسياسة الملك، والكتابة التى أتى فيها بكل بديع». وتوفى ابن العميد سنة (360هـ = 971م)

*محمد ابن العميد

*محمد ابن العميد هو أبو الفضل محمد بن العميد، من أبرز الذين تأثروا بالجاحظ وحاولوا أن ينهجوا نهجه، ولتمكنه فى فن الإنشاء عرف باسم «الجاحظ الثانى»، وهو الذى قيلت فيه العبارة المشهور: «بدئت الكتابة بعبدالحميد وختمت بابن العميد»، وعبدالحميد هنا هو: عبدالحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، عاش ابن العميد فى ظل البويهيين وعمل وزيرًا لركن الدولة - الحسن بن بويه - وكان - كما يصفه ابن خلكان - «متوسعًا فى علوم الفلسفة والنجوم، وأما الأدب والترسُّل فلم يقاربه فيه أحد فى زمانه». ويصفه ابن الأثير بأنه كان من محاسن الدنيا، قد اجتمع فيه ما لم يجتمع فى غيره من حسن التدبير وسياسة الملك، والكتابة التى أتى فيها بكل بديع». وتوفى ابن العميد سنة (360هـ = 971م)

*الصاحب بن عباد

*الصاحب بن عباد هو «أبو القاسم إسماعيل بن عباد» المعروف بالصاحب بن عباد، لصحبته لابن العميد وتأثره به فى طرائقه. وكان يقال له أحيانًا صاحب ابن العميد. وقد تولى الصاحب بن عباد الوزارة لمؤيد الدولة بين ركن الدولة ثم لأخيه فخر الدولة، وفضلاً عن براعة الصاحب فى فن الإنشاء - كأستاذه ابن العميد - فقد كان محبًا للعلم ذواقة للأدب، كما كان شاعرًا جيد النظم. والجدير بالذكر هنا أن كلا من ابن العميد والصاحب بن عباد كان له مجلس يحفل بوجوه الشعراء والعلماء والمفكرين، وكان من بين المترددين على مجلس ابن العميد أبو الطيب المتنبى شاعر العربية الأكبر، وقد مدحه بقصيدة من عيون شعره، وتوفى الصاحب بن عباد بمدينة الرى فى سنة (385هـ = 995م).

*الحريرى

*الحريرى هو «أبو محمد القاسم بن على الحريرى البصرى»، من الذين تميزوا فى مجال النثر الفنى فى العصر العباسى الثانى، اشتهر بكتابة المقامات ووصل بهذا الفن إلى مداه، وقد حذا فى ذلك حذو استاذه بديع الزمان الهمذانى. واعترف فى صدر مقاماته بأنه جعل مقامات البديع مثالاً له. وقد توفى الحريرى فى حدود سنة (516هـ = 1122م) بالبصرة إبان فترة نفوذ السلاجقة، وذلك فى خلافة المسترشد بالله. والملاحظ أن شهرة مقامات الحريرى بلغت من الانتشار حدا تتضاءل بجانبه شهرة مقامات الرائد الأول بديع الزمان. وتكشف مقامات الحريرى عن البراعة الكبيرة لصاحبها فى التصرف فى اللغة وتطويعها لما يريده من معان وأفكار، وهى إحدى الوسائل المهمة لمن يبحثون عن إثراء ملكاتهم اللغوية.

*ابن قتيبة الدينورى

*ابن قتيبة الدينورى هو أبو محمد عبدالله بن مسلم أحد أعلام اللغة والأدب فى العصر العباسى، ولد بالكوفة وتثقف بها وسكن بغداد زمنًا ولكنه نسب إلى الدينور لأنه تولى قضاءها، وقد توفى ابن قتيبة فى سنة (276هـ = 889م) فى خلافة المعتمد على الله، وقد خلّف لنا ابن قتيبة عددًا من الموسوعات الأدبية المهمة يأتى على رأسها كتاب «عيون الأخبار»، وكتاب «الشعر والشعراء»، ومن كتبه الأدبية المهمة أيضًا كتاب «أدب الكاتب» الذى يتحدث فيه عما يحتاج إليه الأديب من فنون المعرفة ليمارس صنعة الكتابة على الوجه الأمثل.

*الثعالبى أبو منصور

*الثعالبى أبو منصور هو عبدالملك بن محمد بن إسماعيل، من أبرز أصحاب الموسوعات الأدبية فىالعصرالعباسى، ولد بنيسابور فى سنة (350هـ = 961م)، وتوفى فى سنة (429هـ = 1038م)، أى أنه عاش حياته كلها فى فترة نفوذ البويهيين، وشهدت فترة تفتحه الأدبى خلافة الطائع لله والقادر بالله، وتوفى فى خلافة القائم بأمر الله، وكان الثعالبى غزير الإنتاج متنوع الاهتمامات العلمية، ولكن يقف على رأس مؤلفاته جميعًا كتابه الموسوعى الضخم «يتيمة الدهر فى محاسن أهل العصر»، وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها كما يقول ابن خلكان، وهو من أربعة مجلدات صرف فيها جل اهتمامه لشعراء القرن (4هـ = 10م) ورتبهم على أوطانهم، فقد تناول فى أبواب خاصة شعراء الشام ومصر والمغرب والموصل والبصرة وبغداد وأصفهان والجبل وفارس والأهواز وجرجان، وتحدث عن الدولة السامانية وشعرائها وعن خوارزم، وتحدث أيضًا عن بنى بويه وشعرائهم وكتابهم، وأسهب فى الحديث عن ابن العميد والصاحب بن عباد، كما تحدث عن بلاط سيف الدولة وشعرائه وكتّابه، ولاشك أن يتيمة الدهر تعد إحدى الموسوعات الأدبية الأساسية فى تاريخ الأدب العربى، ولا تزال حتى يومنا هذا مصدرًا لا غنى عنه للباحثين فى الحياة الأدبية فى القرن (4 هـ = 10م).

*محمد بن جرير الطبرى

*محمد بن جرير الطبرى هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، من أهم أعلام المؤرخين فى صدر العصر العباسى الثانى، توفى سنة (310هـ = 922م) فى خلافة المقتدر بالله، وقد عاش الطبرى فى فترة التحول المهمة التى انتقلت فيها الخلافة العباسية من عصرها الأول-عصر القوة السياسية المركزية - إلى عصرها الثانى الذى بدأت فيه السلطة المركزية تضعف ضعفًا ملحوظًا، وهكذا شهد الطبرى معظم عصر نفوذ الأتراك، وقد ولد فى آمل بطبرستان فى سنة (224هـ = 839م) وأخذته الرحلة فى طلب العلم إلى كثير من بقاع العالم الإسلامى كالعراق والشام ومصر، ثم استقر به المقام أخيرًا فى بغداد وبها مات ودفن، وقد ترك لنا الطبرى موسوعته التاريخية الذائعة الصيت وهى: «تاريخ الأمم والملوك» المشهورة باسم «تاريخ الطبرى»، فى عشرة مجلدات، وتناول الطبرى فى هذه الموسوعة الضخمة تاريخ ما قبل الإسلام منذ بدء الخليقة بقدر من الاختصار فى المجلد الأول وبعض الثانى، ثم جاء علاجه المفصل للأحداث منذ بدأ يتناول سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الخلفاء الراشدين، وما تلا ذلك من تاريخ الدولة الأموية والعباسية حتى عصره، وقد توقف الطبرى بتاريخه عند أحداث سنة (302هـ= 914م) فى خلافة المقتدر، وتاريخ الطبرى منجم غنى بالمعلومات حافل بالروايات المختلفة التى تقدم المادة الأساسية للباحث، وهناك إجماع فى الشرق والغرب على أن هذا التاريخ يعدُّ عمدة الباحثين فى التاريخ الإسلامى فى القرون الثلاثة الأولى للهجرة.

*الطبرى محمد بن جرير

*الطبرى محمد بن جرير هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، من أهم أعلام المؤرخين فى صدر العصر العباسى الثانى، توفى سنة (310هـ = 922م) فى خلافة المقتدر بالله، وقد عاش الطبرى فى فترة التحول المهمة التى انتقلت فيها الخلافة العباسية من عصرها الأول-عصر القوة السياسية المركزية - إلى عصرها الثانى الذى بدأت فيه السلطة المركزية تضعف ضعفًا ملحوظًا، وهكذا شهد الطبرى معظم عصر نفوذ الأتراك، وقد ولد فى آمل بطبرستان فى سنة (224هـ = 839م) وأخذته الرحلة فى طلب العلم إلى كثير من بقاع العالم الإسلامى كالعراق والشام ومصر، ثم استقر به المقام أخيرًا فى بغداد وبها مات ودفن، وقد ترك لنا الطبرى موسوعته التاريخية الذائعة الصيت وهى: «تاريخ الأمم والملوك» المشهورة باسم «تاريخ الطبرى»، فى عشرة مجلدات، وتناول الطبرى فى هذه الموسوعة الضخمة تاريخ ما قبل الإسلام منذ بدء الخليقة بقدر من الاختصار فى المجلد الأول وبعض الثانى، ثم جاء علاجه المفصل للأحداث منذ بدأ يتناول سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الخلفاء الراشدين، وما تلا ذلك من تاريخ الدولة الأموية والعباسية حتى عصره، وقد توقف الطبرى بتاريخه عند أحداث سنة (302هـ= 914م) فى خلافة المقتدر، وتاريخ الطبرى منجم غنى بالمعلومات حافل بالروايات المختلفة التى تقدم المادة الأساسية للباحث، وهناك إجماع فى الشرق والغرب على أن هذا التاريخ يعدُّ عمدة الباحثين فى التاريخ الإسلامى فى القرون الثلاثة الأولى للهجرة.

*البلاذرى

*البلاذرى هو أحمد بن يحيى البلاذرى أحد أعلام المؤرخين فى العصر العباسى الثانى، كان مقربًا للخليفتين المتوكل والمستعين، ويعد كتابه «فتوح البلدان» من أوثق الكتب التى تحدثت عن تاريخ الفتوح الإسلامية منذ ظهور الإسلام حتى عصره، وهو يتميز بدقته فى الأسلوب وموضوعيته فى العرض والبعد عن الحشو، وهو من بين المصادر التى تحتل قيمة خاصة فى هذا الجانب، وللبلاذرى كتاب آخر معروف هو «أنساب الأشراف»، وهو يقدم مادة تاريخية غزيرة فى صدر الإسلام والعصر الأموى والعباسى الأول من خلال أنساب الرجال الذين يتناولهم بالبحث، وتوفى فى حدود سنة (279هـ = 892م).

*أحمد بن يحيى البلاذرى

*أحمد بن يحيى البلاذرى هو أحمد بن يحيى البلاذرى أحد أعلام المؤرخين فى العصر العباسى الثانى، كان مقربًا للخليفتين المتوكل والمستعين، ويعد كتابه «فتوح البلدان» من أوثق الكتب التى تحدثت عن تاريخ الفتوح الإسلامية منذ ظهور الإسلام حتى عصره، وهو يتميز بدقته فى الأسلوب وموضوعيته فى العرض والبعد عن الحشو، وهو من بين المصادر التى تحتل قيمة خاصة فى هذا الجانب، وللبلاذرى كتاب آخر معروف هو «أنساب الأشراف»، وهو يقدم مادة تاريخية غزيرة فى صدر الإسلام والعصر الأموى والعباسى الأول من خلال أنساب الرجال الذين يتناولهم بالبحث، وتوفى فى حدود سنة (279هـ = 892م).

*أبو حنيفة الدينورى

*أبو حنيفة الدينورى أحد أئمة العلم فى العصر العباسى الثانى، كان موسوعى المعرفة وبرع فى علوم كثيرة كالنحو واللغة والهندسة والفلك وغير ذلك، ولكن الكتاب الذى اشتهر به الدينورى هو كتابه التاريخى المعروف باسم «الأخبار الطوال» الذى يتناول فيه التاريخ الإسلامى منذ ظهور الإسلام حتى وفاة الخليفة المعتصم سنة (227هـ= 842م)، مع مقدمة مختصرة عن التاريخ القديم. وتوفى سنة (282هـ = 895م)

*المسعودى

*المسعودى هو على بن الحسين المسعودى، من أبرز المؤرخين الذين شهدوا بداية مرحلة النفوذ البويهى، ومع أن المسعودى نشأ فى بغداد فقد كان دائم الترحل فى طلب العلم، وهو يقدِّم نموذجًا للعالم الذى جعل العلم ضالَّته، فهو ينشده لكل ما أوتى من حول وما وسعه من صبر؛ فقد ذهب إلى الهند والملتان وسرنديب (سيلان) والصين، فضلاً عن مراكز العلم الشهيرة فى أرجاء العالم الإسلامى، ومن أشهر مؤلفاته التاريخية كتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، وقد تناول فيه تاريخ الأمم القديمة، ثم تناول تاريخ الإسلام منذ ظهوره حتى خلافة المطيع لله، وهو أول الخلفاء العباسيين فى العصر البويهى، ومن بين الكتب التاريخية الذائعة للمسعودى أيضًا كتاب «التنبيه والإشراف»، وهو محاولة منه لتقديم كتاب تاريخى مختصر يضم خلاصة ما كتب، وهو يحتوى على معلومات مهمة من كتب أخرى للمسعودى لم تصل إلينا، وتوفى المسعودى سنة (346هـ = 957م).

*علي بن الحسين المسعودى

*علي بن الحسين المسعودى هو على بن الحسين المسعودى، من أبرز المؤرخين الذين شهدوا بداية مرحلة النفوذ البويهى، ومع أن المسعودى نشأ فى بغداد فقد كان دائم الترحل فى طلب العلم، وهو يقدِّم نموذجًا للعالم الذى جعل العلم ضالَّته، فهو ينشده لكل ما أوتى من حول وما وسعه من صبر؛ فقد ذهب إلى الهند والملتان وسرنديب (سيلان) والصين، فضلاً عن مراكز العلم الشهيرة فى أرجاء العالم الإسلامى، ومن أشهر مؤلفاته التاريخية كتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر»، وقد تناول فيه تاريخ الأمم القديمة، ثم تناول تاريخ الإسلام منذ ظهوره حتى خلافة المطيع لله، وهو أول الخلفاء العباسيين فى العصر البويهى، ومن بين الكتب التاريخية الذائعة للمسعودى أيضًا كتاب «التنبيه والإشراف»، وهو محاولة منه لتقديم كتاب تاريخى مختصر يضم خلاصة ما كتب، وهو يحتوى على معلومات مهمة من كتب أخرى للمسعودى لم تصل إلينا، وتوفى المسعودى سنة (346هـ = 957م).

*الخطيب البغدادى

*الخطيب البغدادى هو «أبو بكر أحمد بن على بن ثابت»، من المؤرخين المتميزين فى فترة النفوذ البويهى، وقد عاش فى بغداد التى يُنسَب إليها ومات بها، ولكنه رحل طلبًا للعلم إلى عدة مراكز علمية بارزة كالبصرة والكوفة ونيسابور وحلب وبيت المقدس وغيرها، وهو يتميز بغزارة إنتاجه وتنوع اهتماماته العلمية؛ حيث ألَّف فى فروع مختلفة من العلم كالتاريخ والفقه والحديث والنحو والأدب وغيرها، ومعظم مؤلفاته لم تصل إلينا، ولكن موسوعته الضخمة المعروفة باسم «تاريخ بغداد» وصلت إلينا وهى التى أكسبته شهرة واسعة، وهى تاريخ شامل لبغداد من حيث نشأتها وأحياوئها وقصورها ومختلف معالمها، فضلاً عن تراجم أعلامها من رجال السياسة والعلم والأدب وغير ذلك، ومن هنا تعد هذه الموسوعة مصدرًا لا غنى عنه للباحثين فى تاريخ الخلافة العباسية منذ نشأتها حتى بداية العصر السلجوقى، وتوفىالخطيب البغدادى سنة (463هـ = 1071م)،

*أسد السامانى

*أسد السامانى أحد رجالات الدولة العباسية المعروف بالسامانى نسبة الى قرية سامان القريبة من سمرقند، وكان آباؤه وأجداده يتوارثون إمارتها ويسمون أميرهم (سامان خداهـ) أى كبير قرية سامان وصاحبها. وقد اعتنق أبو أسد الإسلام أثناء خلافة الأمويين. وقد طال العمر بأسد السامانى حتى أدرك المأمون فذهب إليه فى مرو قبل انتقاله إلى بغداد فى الفترة من سنة 193هـ = 809م الى سنة 202هـ = 817م ومعه أبناؤه الأربعة نوح وأحمد ويحيى والياس فاحتفى بهم المأمون وألحقهم بخدمته.

*ابن الأحمر

*ابن الأحمر هو محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله مؤسس دولة بنى نصر فى الأندلس، كانت بداية ظهوره فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر

1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصر، بعد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية.

*محمد الفقيه

*محمد الفقيه هو محمد بن محمد بن يوسف بن نصر المقب بالفقيه لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وهو أحد أمراء دولة بنى نصر فى الأندلس، تولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة 671هـ=1272م، قال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه محمد الفقيه عند توليه الحكم ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م). وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا.

*إسماعيل بن فرح

*إسماعيل بن فرح هو أبو الوليد إسماعيل بن فرح أحد أمراء دولة بنى نصر فى الأندلس، تولى الحكم سنة (713هـ = 1313م)، اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها.

*محمد الرابع بن إسماعيل

*محمد الرابع بن إسماعيل هو أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل أحد أمراء دولة بنى نصر فى الأندلس، تولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة (725هـ = 1325م) وقد اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة

*يوسف الأول

*يوسف الأول هو أبو الحجاج يوسف الأول بن إسماعيل بن فرح أحد أمراء دولة بنى نصر فى الأندلس، تولى الحكم بعد وفاة أخيه سنة (733هـ = 1333م)، وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه. ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 - 1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)

*عز الدين أيبك

*عز الدين أيبك هو أول سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام بعد أن زالت دولة الأيوبيين، تولى عرش السلطنة سنة (648 هـ) وفى عهده لم تستقر الأوضاع تمامًا، شأن كل فترات الانتقال من نظام إلى نظام، أو بناء دولة وليدة على أنقاض أخرى بائدة، ولم يخلُ عهد «أيبك» من المنازعات التى نشبت بينه وبين المماليك على السلطنة، خاصة أن «فارس الدين أقطاى» رئيس «المماليك البحرية» لم يكن مقتنعًا بأيبك، فدارت بينهما مناوشات كثيرة، وتمكن «أيبك» من القضاء على «أقطاى»، ولكنه لم يلبث طويلا بعد ذلك وقُتل سنة 655هـ.

*أيبك التركمانى

*أيبك التركمانى هو أول سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام بعد أن زالت دولة الأيوبيين، تولى عرش السلطنة سنة (648 هـ) وفى عهده لم تستقر الأوضاع تمامًا، شأن كل فترات الانتقال من نظام إلى نظام، أو بناء دولة وليدة على أنقاض أخرى بائدة، ولم يخلُ عهد «أيبك» من المنازعات التى نشبت بينه وبين المماليك على السلطنة، خاصة أن «فارس الدين أقطاى» رئيس «المماليك البحرية» لم يكن مقتنعًا بأيبك، فدارت بينهما مناوشات كثيرة، وتمكن «أيبك» من القضاء على «أقطاى»، ولكنه لم يلبث طويلا بعد ذلك وقُتل سنة 655هـ.

*على بن أيبك (المنصور)

*على بن أيبك (المنصور) تولى على بن أيبك عرش السلطنة المملوكية فى مصر والشام عقب مقتل أبيه سنة 655هـ، وتلقب بالمنصور نور الدين، إلا أنه لم يكن أهلا لهذه المسئولية الجسيمة، خاصة أن البلاد الإسلامية - آنذاك - كان يتهددها خطر المغول، الذين سيطروا على مركز الخلافة الإسلامية، بالإضافة إلى أن «المنصور» كان لايزال طفلا فى الحادية عشرة من عمره، ولذلك لم يجد الأتابك «سيف الدين قطز» صعوبة فى عزله وتولى عرش السلطنة بدلا منه.

*سيف الدين قطز

*سيف الدين قُطُز هو ثالث سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، وقدكان «قطز» أتابكًا للمنصور نور الدين على بن أيبك، ورأى هولاكو قائد المغول قد سيطر على «بغداد»، وقتل خليفة المسلمين، وزحف يهدد بغزو «مصر»، فأحس أن ظروف البلاد تتطلب منه أن يقوم بدور فعال فى إنقاذها من خطر الغزو فى هذه المرحلة الخطيرة، فعزل «على بن أيبك» الذى كان صغيرًا لا يدرك عاقبة الأمور، وتولى السلطنة سنة 657هـ، وقام بتنظيم الجيش وإعداده، وخرج لملاقاة التتار فى أواخر شهر شعبان عام (658هـ)، وتمكن فى رمضان من العام نفسه من إلحاق هزيمة نكراء بهم فى «عين جالوت» (تقع بين «بيسان» و «نابلس» بفلسطين)، وقتل من جيش التتار ما يقرب من نصفه، وأجبر الباقى على الفرار، ثم دخل بعد ذلك «دمشق»، ثم عاد إلى «مصر». وفى «القصير» (بمحافظة الشرقية)، وفى طريق عودة «قطز» إلى «مصر» أمر جنوده بالرحيل تجاه «الصالحية»، وبقى مع بعض خواصه وأمرائه للراحة، فاتفق عدد من المماليك بزعامة «بيبرس» على قتله، وتم لهم ما أرادوا فى ذى القعدة سنة (658هـ)، بعد أن قام «قطز» بدحر التتار وهزيمتهم، وتشتيت جيشهم، وحفظ العالم الإسلامى من شرهم الذى لم يسلم منه أحد فى طريقهم.

*قطز

*قُطُز هو ثالث سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، وقدكان «قطز» أتابكًا للمنصور نور الدين على بن أيبك، ورأى هولاكو قائد المغول قد سيطر على «بغداد»، وقتل خليفة المسلمين، وزحف يهدد بغزو «مصر»، فأحس أن ظروف البلاد تتطلب منه أن يقوم بدور فعال فى إنقاذها من خطر الغزو فى هذه المرحلة الخطيرة، فعزل «على بن أيبك» الذى كان صغيرًا لا يدرك عاقبة الأمور، وتولى السلطنة سنة 657هـ، وقام بتنظيم الجيش وإعداده، وخرج لملاقاة التتار فى أواخر شهر شعبان عام (658هـ)، وتمكن فى رمضان من العام نفسه من إلحاق هزيمة نكراء بهم فى «عين جالوت» (تقع بين «بيسان» و «نابلس» بفلسطين)، وقتل من جيش التتار ما يقرب من نصفه، وأجبر الباقى على الفرار، ثم دخل بعد ذلك «دمشق»، ثم عاد إلى «مصر». وفى «القصير» (بمحافظة الشرقية)، وفى طريق عودة «قطز» إلى «مصر» أمر جنوده بالرحيل تجاه «الصالحية»، وبقى مع بعض خواصه وأمرائه للراحة، فاتفق عدد من المماليك بزعامة «بيبرس» على قتله، وتم لهم ما أرادوا فى ذى القعدة سنة (658هـ)، بعد أن قام «قطز» بدحر التتار وهزيمتهم، وتشتيت جيشهم، وحفظ العالم الإسلامى من شرهم الذى لم يسلم منه أحد فى طريقهم.

*بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ)

*بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ) هو أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، انتقل إليه عرش السلطنة بعد مقتل «قطز» سنة 658 ويُعدُّ المؤسس الفعلى لدولة المماليك وأعظم سلاطينها؛ إذ اجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام. عقد «بيبرس» العزم على أن تكون «مصر» والشام من أعظم البلاد آنذاك، ووهب حياته للجهاد، وجعل هدفه رفع شأن الأمة الإسلامية، وإليه يرجع الفضل فى انتقال الخلافة العباسية إلى «القاهرة» بعد سقوطها فى «بغداد»، وأصبحت مصر دار الخلافة الإسلامية؛ إذ استقدم «بيبرس» «أحمد بن الخليفة الظاهر العباسى»، وبايعه بالخلافة فى حضرة الأمراء والعلماء ورجال الدولة. وفى (4 من شعبان سنة 659هـ)، عقد الخليفة اجتماعًا منح فيه «بيبرس» تفويضًا منه لتسيير أمور البلاد، فكان ذلك تقوية له ضد خصومه ومنافسيه، كما كان إقرارًا بمشروعية النظام المملوكى، وبحقه فى تولى شئون البلاد. عادت إلى العالم الإسلامى هيبته بإحياء الخلافة الإسلامية، وأضحت «القاهرة» مقر الخلافة، ومركز السلطة الإسلامية المركزية، ومقصد المسلمين من كل حدب وصوب، وظلت على ذلك حتى انتقلت منها الخلافة إلى «استانبول» بعد قرابة ثلاثة قرون. سَنَّ «بيبرس» نظام ولاية العهد لأول مرة فى تاريخ دولة المماليك البحرية، وحصر وراثة العرش فى أسرته بتعيين ابنه «محمد بركة خان» وليا للعهد، ليحد من تدبير الدسائس والمؤامرات حول عرش السلطنة، وما يجره ذلك من اضطراب وضعف للدولة. قام «بيبرس» بإصلاحات جوهرية فى البلاد، وأعاد إلى الأسطول البحرى قوته، وعين قضاة من المذاهب الأربعة للفصل فى الخصومات، بعد أن كان القضاء مقصورًا على المذهب الشافعى، فعادت إلى العالم الإسلامى قوته على أسس تنظيمية دقيقة، إذ كان «بيبرس» إداريا حازمًا، وقائدًا شجاعًا، فدأب على رعاية شئون البلاد، وتنمية مواردها، وحفر الترع، وأصلح الحصون، وأسس المعاهد، وبنى المساجد التى من

أشهرها مسجده المعروف باسمه فى ميدان «الظاهر» بالقاهرة. وكانت لبيبرس هيبة كبيرة فى قلوب أمراء البلاد، فخشوا بأسه لدرجة أن أحدهم لم يجرؤ على الدخول عليه فى مجلسه إلا بطلب وإذن منه. وقام «بيبرس» بدوره على خير وجه فى محاربة المغول والصليبيين تقليدًا للقائد البطل «صلاح الدين»، وأصدر عدة قوانين لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإصلاح الأوضاع الاجتماعية فى «مصر»، وأمر فى سنة (664هـ) بمنع بيع الخمور، وإغلاق الحانات، ونفى المفسدين. وكان «بيبرس» قائدًا شجاعًا، ضُربَت ببطولته وشهامته الأمثال، فقد خاض معارك ومواقع عديدة، سجل فيها بطولات رائعة، وأبلى بلاءً حسنًا فى مطاردة الصليبيين وتشتيتهم وإجلائهم عن الشرق الأدنى، واستعاد فى سنة (666هـ) «قيسارية»، و «أرسوف»، و «صفد»، و «شقيف»، و «يافا»، و «طرابلس»، و «أنطاكية»، فأضعف ذلك الصليبيين، وأنهكهم، وزاد من قوة المسلمين، وحرص على أن يؤكد صورة الحاكم العادل الذى يجلس بنفسه للمظالم، ويعطف على الفقراء. وفى (27 من المحرم سنة 676هـ = 1277م) تُوفِّى «الظاهر بيبرس» إثر عودته من واقعة «قيسارية» بالقرب من «دمشق»، وقد دُفن بها بعد حياة حافلة بالبطولة والشجاعة، سطر خلالها صفحات مجيدة مازال التاريخ يحفظها له وسيظل.

*قلاوون

*قلاوون هو «المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 679هـ = 1280م بعد «سلامش» (ابن «الظاهر بيبرس») واستمرت السلطنة فى بيته وأسرته حتى انتهاء دولة المماليك البحرية فى سنة (784هـ)، ولعل التجارب السياسية التى مر بها وتعرض لها فى خدمة «بيبرس» ومن قبله «قطز»، هى التى مهدت له السبيل لكى يكون أحد سلاطين المماليك الأقوياء والبارزين، وسار على نهج «بيبرس» السياسى فى إدارة شئون البلاد والتقرب من الشعب، واستقدم كثيرًا من المماليك وأطلق عليهم اسم «البرجية» نسبة إلى أبراج القلعة التى أقاموا فيها وجعلهم عونًا له، وأعدهم ليكونوا عونًا لأبنائه من بعده فى تثبيت عروشهم. ومضى على نهج «بيبرس» فى إخراج الصليبيين من بلاد الشام، واستعاد «اللاذقية» و «طرابلس» من أيديهم فى سنة (688هـ)، وتابع التتار وطارد فلولهم وهزمهم وأبعد أذاهم نهائيا عن «مصر» و «الشام». ويُعدُّ «قلاوون» من أبرز سلاطين الدولة المملوكية العظماء، كما يُعد أحد مؤسسى هذه الدولة، إذ أنفق أموالا طائلة على الإصلاحات والإنشاءات، وأشرف على سير العمل فيها بنفسه فى حزم وعزم شديدين، ولعل أبرز الإنشاءات التى ترجع إلى عصره تلك القبة التى بناها، ودُفن تحتها، كما بنى «مدرسة» و «مارستانًا» -حملا اسمه - عام (688هـ)، ومازال هذا المارستان قائمًا حتى الآن ويُعرف باسم: مستشفى قلاوون»، وظل «قلاوون» يقوم بدوره الحربى والسياسى والاجتماعى والحضارى فى البلاد على أكمل وجه حتى وفاته سنة (689هـ).

*خليل بن قلاوون

*خليل بن قلاوون هو «الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 689هـ =1290م بعد وفاة أبيه، فعاد فى عهده نفوذ الأمراء، وتجددت الصراعات الداخلية، إلا أنه استطاع التغلب على هذه المصاعب كلها على الرغم من قصر مدة حكمه للبلاد، وبرهن على أنه حاكم كفء مهيب، شديد البأس، عارف بأحوال المملكة، لدرجة أن «ابن إياس» قال عنه فى تأريخه: «كان الأشرف بطلا لا يكل عن الحروب ليلا ونهارًا، ولا يُعرف من أبناء الملوك مَنْ كان يناظره فى العزم والشجاعة والإقدام». ويكفى «الأشرف خليل» مجدًا يخلد اسمه بين أعظم قادة التاريخ الإسلامى أنه استطاع استعادة «عكَّا» من أيدى الصليبيين سنة (692هـ)، بعد أن استعصت على مَنْ كان قبله من السلاطين لحصانتها، كما تابع جهاده فى تتبع جيوش الصليبيين بالشام، واستعاد «صور» و «حيفا» و «بيروت»، وظل يضيف انتصارات عظيمة إلى سجل هذه الدولة كان من شأنها أن يظل العالم الإسلامى قويا مترابطًا، ويقوم بدوره فى البناء الحضارى.

*الأشرف خليل

*الأشرف خليل هو «الأشرف خليل بن المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 689هـ =1290م بعد وفاة أبيه، فعاد فى عهده نفوذ الأمراء، وتجددت الصراعات الداخلية، إلا أنه استطاع التغلب على هذه المصاعب كلها على الرغم من قصر مدة حكمه للبلاد، وبرهن على أنه حاكم كفء مهيب، شديد البأس، عارف بأحوال المملكة، لدرجة أن «ابن إياس» قال عنه فى تأريخه: «كان الأشرف بطلا لا يكل عن الحروب ليلا ونهارًا، ولا يُعرف من أبناء الملوك مَنْ كان يناظره فى العزم والشجاعة والإقدام». ويكفى «الأشرف خليل» مجدًا يخلد اسمه بين أعظم قادة التاريخ الإسلامى أنه استطاع استعادة «عكَّا» من أيدى الصليبيين سنة (692هـ)، بعد أن استعصت على مَنْ كان قبله من السلاطين لحصانتها، كما تابع جهاده فى تتبع جيوش الصليبيين بالشام، واستعاد «صور» و «حيفا» و «بيروت»، وظل يضيف انتصارات عظيمة إلى سجل هذه الدولة كان من شأنها أن يظل العالم الإسلامى قويا مترابطًا، ويقوم بدوره فى البناء الحضارى

*الناصر محمد بن قلاوون

*الناصر محمد بن قلاوون هو «الناصر محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام والابن الثانى للسلطان «قلاوون»، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 693هـ =1294م بعد وفاة أخيه «الأشرف خليل» نشأ الناصر محمد فى بيت الملك محاطًا بالأمراء والنواب والحراس، غير أنه لم يتمتع طويلا بعطف ورعاية أبيه «قلاوون»، الذى مات ولما يبلغ «الناصر محمد» الخامسة من عمره، غير أنه لحسن حظه لم يحرم من عطف أخيه «الأشرف خليل» ورعايته، فاهتم بتربيته وأحسن معاملته، فنشأ «محمد» ولديه من صفات أبيه وأخيه الكثير، فأصبح كأسلافه مهتما بالمشروعات الحيوية، ومحبا للغزو والجهاد. اعتلى «الناصر محمد» عرش «مصر» ثلاث مرات، استمرت الأولى عامًا واحدًا فى الفترة: (من سنة 693 إلى سنة 694هـ)، ثم اغتصبها منه «زين الدين كتبغا» الذى لقب نفسه بالعادل، و «حسام الدين لاُين» الذى تلقب بالمنصور، واستمرت فترة الاغتصاب هذه أربع سنوات عاشت البلاد خلالها عهدًا من الفتن والاضطرابات، وانتابتها مظاهر الضعف والانحلال، مما هيأ السبيل إلى عودة «الناصر محمد» إلى السلطنة ثانية ليتدارك تفاقم هذه الأوضاع. ولعل أبرز ما يميز الفترة الثانية لتولى «الناصر محمد» عرش السلطنة (692هـ - 708 هـ) الفتن والاضطرابات التى أحدثها وأشعلها أمراء المماليك سعيًا وراء الوصول إلى العرش، الأمر الذى اضطر «الناصر محمد» إلى الرحيل فى عام (708هـ) إلى «قلعة الكرك» للاحتماء بها بعيدًا عن مؤامرات الأمراء ودسائسهم، فمكن ذلك «بيبرس الجاشنكير» -أحد القادة العسكريين- من السيطرة على مقاليد الأمور، على الرغم من رسائل أمراء المماليك التى بعثوا بها إلى «الناصر محمد» يرجونه فيها العودة إلى «مصر»، إلا أنه تمهل حتى يقف على حقيقة الأمور، فلما رأى حاجة البلاد إليه قرر العودة إلى «مصر» ثانية، وتمكن من طرد «الجاشنكير»، وبدأ مرحلة ثالثة على

عرش البلاد، كانت من أهم فترات تاريخ «مصر» والشام. استمرت فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة على «مصر» و «الشام» وما يتبعهما اثنين وثلاثين عامًا متصلة، انفرد فيها بحكم البلاد، وتمكن من القضاء على الفتن والدسائس، ونعمت البلاد فى عهده بأطول فترة استقرار شهدتها فى العهد المملوكى، وتعلق الشعب به وأحبه لما قدمه من أعمال جليلة وعظيمة رفعت من شأنه. تُعد فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة (709 - 741 هـ) من أزهى عهود دولة المماليك البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت دعائم البلاد، واستقرت أساليب الحكم والإدارة فيها، وازدهرت الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة» حاضرة لإمبراطورية شاسعة تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية، وكذلك بلاد «اليمن» التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب وده ملوك «أوربا» و «آسيا»، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه، وأرسلوا إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه. لم يقتصر نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من أنه نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل اتجه إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها - لتدينه الشديد- بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى شيدها، والتى مازال بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق على بره وتقواه، وذوقه الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل أشهرها: «المدرسة الناصرية» التى شيدها بشارع «المعز لدين الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى بناه بالقلعة سنة (718هـ)، ثم هدمه وأعاد بناءه سنة (735هـ) لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما شرع فى سنة (703هـ) أثناء سلطنته الثانية فى تجديد «المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان «قلاوون» سنة (688هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة، وأنشأ «خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة القادمين منهم من البلاد الشرقية. وقد أرخ «ابن إياس» لحكم

«الناصر محمد»، وعبر عنه بقوله: «ولا يُعلَم لأحد من الملوك آثار مثله ولا مثل مماليكه، حتى قيل لقد تزايدت فى أيامه الديار المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار النصف من جوامع وخوانق وقناطر، وغير ذلك من العمائر». ولاشك أن هذه المنشآت كانت تعتمد على اقتصاد قوى، ورؤية حضارية من «الناصر محمد»، الذى وضع أسس السياسة العامة لدولة المماليك، وعُدَّ المنفذ الأكبر لها، فكان شديد البأس، سديد الرأى، يتولى أمور دولته بنفسه، مطَّلعًا على أحوال مملكته، محبوبًا من رعيته، مهيبًا فى أمراء دولته، فكان المثل الأعلى لرجل السياسة فى دولة المماليك، كما كان «بيبرس» المثل الأعلى للقائد الحربى، وانطلقت بوفاته فى سنة (741هـ)، ألسنة الشعراء والأدباء لتأبينه والثناء عليه، والإشادة بذكره، وقد أطراه المؤرخ «أبو المحاسن بن تغرى بردى» بقوله: «إنه أطول الملوك فى الحكم زمانًا، وأعظمهم مهابة، وأحسنهم سياسة، وأكثرهم دهاء، وأجودهم تدبيرًا، وأقواهم بطشًا وشجاعة، مرت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلب مع الدهر ألوانًا، ونشأ فى الملك والرياسة، وله فى ذلك الفخر والسعادة، خليقًا بالملك والسلطنة؛ فهو سلطان ابن سلطان، ووالد ثمانية سلاطين؛ فهو أجل ملوك المماليك وأعظمهم بلا مدافع». وكانت وفاة «الناصر محمد» فى (20 من ذى الحجة سنة 741هـ).

*محمد بن قلاوون

*محمد بن قلاوون هو «الناصر محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون» أحد سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام والابن الثانى للسلطان «قلاوون»، انتقل إليه عرش السلطنة سنة 693هـ =1294م بعد وفاة أخيه «الأشرف خليل» نشأ الناصر محمد فى بيت الملك محاطًا بالأمراء والنواب والحراس، غير أنه لم يتمتع طويلا بعطف ورعاية أبيه «قلاوون»، الذى مات ولما يبلغ «الناصر محمد» الخامسة من عمره، غير أنه لحسن حظه لم يحرم من عطف أخيه «الأشرف خليل» ورعايته، فاهتم بتربيته وأحسن معاملته، فنشأ «محمد» ولديه من صفات أبيه وأخيه الكثير، فأصبح كأسلافه مهتما بالمشروعات الحيوية، ومحبا للغزو والجهاد. اعتلى «الناصر محمد» عرش «مصر» ثلاث مرات، استمرت الأولى عامًا واحدًا فى الفترة: (من سنة 693 إلى سنة 694هـ)، ثم اغتصبها منه «زين الدين كتبغا» الذى لقب نفسه بالعادل، و «حسام الدين لاُين» الذى تلقب بالمنصور، واستمرت فترة الاغتصاب هذه أربع سنوات عاشت البلاد خلالها عهدًا من الفتن والاضطرابات، وانتابتها مظاهر الضعف والانحلال، مما هيأ السبيل إلى عودة «الناصر محمد» إلى السلطنة ثانية ليتدارك تفاقم هذه الأوضاع. ولعل أبرز ما يميز الفترة الثانية لتولى «الناصر محمد» عرش السلطنة (692هـ - 708 هـ) الفتن والاضطرابات التى أحدثها وأشعلها أمراء المماليك سعيًا وراء الوصول إلى العرش، الأمر الذى اضطر «الناصر محمد» إلى الرحيل فى عام (708هـ) إلى «قلعة الكرك» للاحتماء بها بعيدًا عن مؤامرات الأمراء ودسائسهم، فمكن ذلك «بيبرس الجاشنكير» -أحد القادة العسكريين- من السيطرة على مقاليد الأمور، على الرغم من رسائل أمراء المماليك التى بعثوا بها إلى «الناصر محمد» يرجونه فيها العودة إلى «مصر»، إلا أنه تمهل حتى يقف على حقيقة الأمور، فلما رأى حاجة البلاد إليه قرر العودة إلى «مصر» ثانية، وتمكن من طرد «الجاشنكير»، وبدأ مرحلة ثالثة على

عرش البلاد، كانت من أهم فترات تاريخ «مصر» والشام. استمرت فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة على «مصر» و «الشام» وما يتبعهما اثنين وثلاثين عامًا متصلة، انفرد فيها بحكم البلاد، وتمكن من القضاء على الفتن والدسائس، ونعمت البلاد فى عهده بأطول فترة استقرار شهدتها فى العهد المملوكى، وتعلق الشعب به وأحبه لما قدمه من أعمال جليلة وعظيمة رفعت من شأنه. تُعد فترة حكم «الناصر محمد» الثالثة (709 - 741 هـ) من أزهى عهود دولة المماليك البحرية على الإطلاق، ففيها توطدت دعائم البلاد، واستقرت أساليب الحكم والإدارة فيها، وازدهرت الفنون والعلوم، وباتت «القاهرة» حاضرة لإمبراطورية شاسعة تشمل «مصر» والشام والجزيرة العربية، وكذلك بلاد «اليمن» التى بسط «الناصر محمد» نفوذه عليها، فخطب وده ملوك «أوربا» و «آسيا»، وأبرموا معه المعاهدات وصاهروه، وأرسلوا إليه بالهدايا الثمينة والتحف النادرة؛ أملا فى رضاه. لم يقتصر نشاط «الناصر محمد» على الحروب والغزوات على الرغم من أنه نجح فى طرد فلول الصليبيين، وصد ثلاث غزوات مغولية، بل اتجه إلى الأخذ بكل مقومات الحضارة فى عصره، وصبغها - لتدينه الشديد- بصبغة دينية ظهرت واضحة على العمائر التى شيدها، والتى مازال بعضها قائمًا - حتى الآن - شاهد صدق على بره وتقواه، وذوقه الراقى فى الفنون والعمارة، ولعل أشهرها: «المدرسة الناصرية» التى شيدها بشارع «المعز لدين الله الفاطمى»، وكذا المسجد الذى بناه بالقلعة سنة (718هـ)، ثم هدمه وأعاد بناءه سنة (735هـ) لتوسعته وزخرفة جوانبه، كما شرع فى سنة (703هـ) أثناء سلطنته الثانية فى تجديد «المارستان» الكبير الذى أسسه والده السلطان «قلاوون» سنة (688هـ)، وكذلك بنى سبيلا، وقبة، ومكتبة عظيمة، وأنشأ «خانقاه» فى «سرياقوس» لإقامة فقراء الصوفية خاصة القادمين منهم من البلاد الشرقية. وقد أرخ «ابن إياس» لحكم

«الناصر محمد»، وعبر عنه بقوله: «ولا يُعلَم لأحد من الملوك آثار مثله ولا مثل مماليكه، حتى قيل لقد تزايدت فى أيامه الديار المصرية والبلاد الشامية من العمائر مقدار النصف من جوامع وخوانق وقناطر، وغير ذلك من العمائر». ولاشك أن هذه المنشآت كانت تعتمد على اقتصاد قوى، ورؤية حضارية من «الناصر محمد»، الذى وضع أسس السياسة العامة لدولة المماليك، وعُدَّ المنفذ الأكبر لها، فكان شديد البأس، سديد الرأى، يتولى أمور دولته بنفسه، مطَّلعًا على أحوال مملكته، محبوبًا من رعيته، مهيبًا فى أمراء دولته، فكان المثل الأعلى لرجل السياسة فى دولة المماليك، كما كان «بيبرس» المثل الأعلى للقائد الحربى، وانطلقت بوفاته فى سنة (741هـ)، ألسنة الشعراء والأدباء لتأبينه والثناء عليه، والإشادة بذكره، وقد أطراه المؤرخ «أبو المحاسن بن تغرى بردى» بقوله: «إنه أطول الملوك فى الحكم زمانًا، وأعظمهم مهابة، وأحسنهم سياسة، وأكثرهم دهاء، وأجودهم تدبيرًا، وأقواهم بطشًا وشجاعة، مرت به التجارب، وقاسى الخطوب، وباشر الحروب، وتقلب مع الدهر ألوانًا، ونشأ فى الملك والرياسة، وله فى ذلك الفخر والسعادة، خليقًا بالملك والسلطنة؛ فهو سلطان ابن سلطان، ووالد ثمانية سلاطين؛ فهو أجل ملوك المماليك وأعظمهم بلا مدافع». وكانت وفاة «الناصر محمد» فى (20 من ذى الحجة سنة 741هـ).

*برقوق

*برقوق يُعدُّ «برقوق» المؤسس الأول لدولة «المماليك البرجية»، فعلى يديه تم عزل آخر سلاطين دولة المماليك البحرية السلطان «الصالح حاجى» سنة 784هـ=1382م، فسقطت دولة البحرية، وقامت دولة البرجية، فكثرت الصراعات الداخلية طمعًا فى السلطنة، وسادت الفوضى، وعَمَّت الفتن، وتميز عهد «برقوق» بالمعارضة الشديدة له، فاهتم بالقضاء على هذه الفتن، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى أرجاء ملكه، ثم عمل على إصلاح أحوال البلاد الداخلية، وظل على ذلك حتى استقرت له الأمور فى أواخر عهده، ومات فى سنة (801هـ = 1399م)، بعد أن عهد إلى ابنه «فرج» بالسلطنة من بعده.

*فرج بن برقوق

*فرج بن برقوق أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام تولى العرش بعد أبيه سنة 801هـ= 1399م وله من العمر ثلاث عشرة سنة، فكثرت فى عهده الاضطرابات والفتن، وخرج عليه الأمراء، خاصة أمراء «سوريا» الذين عارضوا حكمه، فحاول «فرج» أن يسيطر على الموقف وظل يكافح كفاحًا مضنيًا طويلا من أجل تحقيق ذلك، وتمكن من القضاء على فتنة الأمراء فى «سوريا»، ومع ذلك تهدد عرشه بالسقوط أكثر من مرة، إلا أنه ظل يقاوم حتى قُتل فى سنة (815هـ=1412م).

*شيخ المؤيد

*شيخ المؤيد أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 815هـ = 1412م، واستطاع أن يقضى على الثورات، وأعاد إلى البلاد وحدتها واستقرارها، فأتاح له ذلك أن يحكم البلاد حكمًا هادئًا فى جو مستقر، وقام ببعض الإصلاحات الداخلية، وبنى جامعه المعروف باسمه بجوار باب زويلة مكان سجن قديم. وقد مات «شيخ المؤيد» سنة 824هـ 1424م بعد مرض لم يمهله طويلا، فترك العرش لابنه أحمد

*ططر

*ططر أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 824 هـ = 1421م بعد أن دخل فى صراع مع الأمير طونبغا الذى كان وصياً على السلطان الرضيع أحمد بن شيخ المؤيد حتى تمكن من عزله وعزل «أحمد»، وتولى هو عرش السلطنة، ولكنه لم يمكث طويلا، فقد توفى بعد شهرين من سلطنته، فتولى من بعده ابنه «محمد بن ططر» الذى كان صغيرًا، ولم يستمر فى الحكم أكثر من سنة واحدة، ثم تولى السلطان «برسباى» السلطنة.

*برسباى

*برسباى أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 825 هـ = 1422م. امتاز عهد «برسباى» بالهدوء والاستقرار، فقد نجح فى القضاء على قراصنة البحار الذين هددوا التجارة، واستولى من القراصنة على غنائم كثيرة، لدرجة أن ملك «قبرص» قبَّل الأرض بين يديه عرفانًا له بما صنع، وكذلك هدأت الأوضاع فى «سوريا»، وبسط «برسباى» سلطته على «مكة» و «جدة» واحتكر لبلاده طرق التجارة، وعزز اقتصادها، فانتعشت «مصر» اقتصاديا وحضاريا. تُوفِّى «برسباى» سنة (841هـ) وترك العرش لابنه «يوسف» وكان لايزال طفلا صغيرًا، فلم يحكم سوى ثلاثة أشهر، وخلفه «جمقمق» على عرش السلطنة.

*جمقمق

*جمقمق أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 841 هـ. واجه «جمقمق» صعابًا عديدة فى بداية عهده؛ إذ واجهته الثورات، واشتعلت فى بلاده الفتن، وزادت القلاقل، وكان رجلا يمتاز بالقوة والمثابرة، فتمكن من السيطرة على الموقف وقضى على الصعوبات التى واجهته، واتجه إلى الإصلاح الداخلى وإعادة الهدوء إلى البلاد، ثم عمل على توطيد علاقاته مع الإيرانيين وأمراء «آسيا الصغرى»، وتزوج من ابنة «دلجادير» حاكم مدينة «أبلستين»، فمضى فى حكمه بعد ذلك فى هدوء، ثم مات سنة (857 هـ)، وتولى من بعده ابنه السلطان «عثمان بن جمقمق» الذى أساء إلى الرعية، فتم عزله، وتولى عرش «مصر» من بعده السلطان «إينال».

*إينال

*إينال هو «سيف الدين إينال»،أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 857 هـ = 1435م. وكان يشغل منصب قائد الأسطول الإسلامى قبل توليه السلطنة، ولما تولى العرش سار فى الناس سيرة حسنة أرضت عنه المماليك الذين أغدق عليهم بالهبات والأموال والعطايا، وتمكن من القضاء على الفتن التى واجهته، ولم تتعرض البلاد فى عهده لأى غزو خارجى، نظرًا إلى العلاقات الحسنة التى أقامها مع زعماء الدول الخارجية، واستطاع أن يستولى على «كرمان»، فتميز عهده بالهدوء، وظل على ذلك حتى وفاته سنة (865هـ)، فخلفه ابنه «أحمد بن إينال» على العرش، إلا أنه سرعان ما تنازل عنه، وابتعد عن الدسائس والمؤامرات والفتن التى كان يدبرها أمراء المماليك، فأخذ السلطان «خشقدم» مكانه وتولى عرش السلطنة.

*خشقدم

*خشقدم أحد سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 865 هـ وكان عهده أكثر العهود اضطرابًا، فوجد نفسه أمام عدة قوى مناهضة كان عليه أن يواجهها، فعمل على تفتيتها والقضاء عليها بالسلم أو بالحرب أو بالحيلة، حتى استطاع القضاء على معظمها، ومات سنة 872هـ ولايزال بعضها منقسمًا على نفسه نتيجة محاولات التشتيت التى قام بها حيالهم.

*قايتباى

*قايتباى أحد أهم سلاطين دولة المماليك البرجية فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 872 هـ = 1467 م، وكان رجلا شجاعًا جريئًا ذا مروءة عالية، تجلت حين علم باضطهاد المسلمين فى «إسبانيا»، فأرسل إلى ملكها يتهدده ويتوعده إذا لم يقلع عن الإساءة إلى المسلمين فى بلاده. واجه «قايتباى» عدة صعاب استطاع التغلب على أكثرها، وتفرغ للإصلاحات الداخلية، والمنشآت الحضارية التى خلدت اسمه، ولعل أبرزها قلعته الحصينة الشهيرة بالإسكندرية. وتوفى قايتباى سنة 901هـ=1496م

*قانصوه الغورى

*قانصوه الغورى هو أبو النصر قانصوه بن عبد الملك الظاهرى، الملقَّب بالأشرف، أحد ملوك الجراكسة المماليك بمصر وُلِد سنة (850 هـ = 1446 م). كان مملوكاً للسلطان الأشرف قايتباى، ثم أعتقه، وخدم الغورى عددًا من سلاطين المماليك، وتولَّى الحجابة فى حلب، ثم بويع بالسلطنة فى القاهرة سنة (906 هـ = 1501 م) وكان عمره قد جاوز الستين. بدأ عهده بتشتيت شمل مثيرى الفتن والقلاقل، وقاوم بصلابة وحزم الثورات التى قامت، وأعد أسطولا لحماية التجارة من غارات البرتغاليين، فقد دأب البرتغاليون بقيادة «فاسكودى جاما» على إثارة القلاقل فى الدول الإسلامية المتاخمة لطريقهم إلى المشرق محاولين بذلك السيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب، إلا أن سلاطين المماليك وقفوا لهم بالمرصاد، واستطاعوا ردهم على أعقابهم أكثر من مرة، على الرغم مما كان يعانيه هؤلاء السلاطين من الفتن والاضطرابات داخل البلاد. حاول «الغورى» إعادة السيطرة البحرية إلى بلاده ودعم موقفه، وبعث إلى البابا يهدده إذا لم يكف البرتغاليون عن غاراتهم، إلا أن الضعف العام الذى حل بالدولة نتيجة الاضطرابات وزيادة نفقات المماليك أدى إلى سيطرة البرتغاليين على طرق التجارة، وعمل «الغورى» على رد غارات البرتغاليين، وأخذ يستعد لذلك، إلا أن الدولة العثمانية أرسلت قوة حربية للسيطرة على بلاد الشام، ثم أمدت هذه القوة بالجنود والمعدات وحولتها إلى جيش كبير حارب المماليك فى منطقة «مرج دابق» بالشام، فتمكن العثمانيون من هزيمة المماليك، وقتلوا السلطان «الغورى» الذى كان يقود الجيش بنفسه فى سنة (922هـ = 1516م).

*الغورى

*الغورى هو أبو النصر قانصوه بن عبد الملك الظاهرى، الملقَّب بالأشرف، أحد ملوك الجراكسة المماليك بمصر وُلِد سنة (850 هـ = 1446 م). كان مملوكاً للسلطان الأشرف قايتباى، ثم أعتقه، وخدم الغورى عددًا من سلاطين المماليك، وتولَّى الحجابة فى حلب، ثم بويع بالسلطنة فى القاهرة سنة (906 هـ = 1501 م) وكان عمره قد جاوز الستين. بدأ عهده بتشتيت شمل مثيرى الفتن والقلاقل، وقاوم بصلابة وحزم الثورات التى قامت، وأعد أسطولا لحماية التجارة من غارات البرتغاليين، فقد دأب البرتغاليون بقيادة «فاسكودى جاما» على إثارة القلاقل فى الدول الإسلامية المتاخمة لطريقهم إلى المشرق محاولين بذلك السيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب، إلا أن سلاطين المماليك وقفوا لهم بالمرصاد، واستطاعوا ردهم على أعقابهم أكثر من مرة، على الرغم مما كان يعانيه هؤلاء السلاطين من الفتن والاضطرابات داخل البلاد. حاول «الغورى» إعادة السيطرة البحرية إلى بلاده ودعم موقفه، وبعث إلى البابا يهدده إذا لم يكف البرتغاليون عن غاراتهم، إلا أن الضعف العام الذى حل بالدولة نتيجة الاضطرابات وزيادة نفقات المماليك أدى إلى سيطرة البرتغاليين على طرق التجارة، وعمل «الغورى» على رد غارات البرتغاليين، وأخذ يستعد لذلك، إلا أن الدولة العثمانية أرسلت قوة حربية للسيطرة على بلاد الشام، ثم أمدت هذه القوة بالجنود والمعدات وحولتها إلى جيش كبير حارب المماليك فى منطقة «مرج دابق» بالشام، فتمكن العثمانيون من هزيمة المماليك، وقتلوا السلطان «الغورى» الذى كان يقود الجيش بنفسه فى سنة (922هـ = 1516م).

*طومان باى الثانى

*طومان باى الثانى آخر سلاطين دولة المماليك فى مصر والشام، تولى حكم البلاد سنة 922هـ=1516م بعد مقتل «الغورى» بالشام فى موقعة مرج دابق، حيث استقر الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»، فى فترة كانت شديدة الحرج فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها. حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على أيدى العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر «القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج «طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ=1517م)، بعدما بذل كل جهوده وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم، ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين.

*سبكتكين

*سُبُكْتكين هو المؤسس الفعلى للدولة الغزنوية. كان غلاماً تركياً من غلمان «ألبتكين» والى خراسان، الذى قد قربه إليه وزوجه ابنته، وعينه قائدًا لحرسه، فلما تولى «غزنة» فى (شعبان سنة 366هـ = مارس 977م) وسع حدودها فى اتجاه بلاد «الهند»، وحقق انتصارات كبيرة فى تلك البلاد. وقد استعان الأمير «نوح بن منصور السامانى» (366 - 387هـ = 977 - 997م) بسبكتكين سنة (384هـ = 994م) للقضاء على حركة تمرد وعصيان ضده فى «بخارى»، وخلع عليه لقب «ناصر الدولة»، وعين ابنه «محمودًا» قائدًا لجيش «خراسان» ومنحه لقب «سيف الدولة». واختار «سبكتكين» مدينة «بلخ» مقرا له فى أواخر أيامه، وقد تُوفِّى فى (شعبان سنة 387هـ = أغسطس سنة 997م)

*محمود بن سبكتكين

*محمود بن سبكتكين أحد سلاطين الدولة الغزنوية، تولى الحكم سنة (387هـ= 997م) خلفا لأبيه بعد نزاع مع أخيه «إسماعيل» حول أحقيتهما فى وراثة الحكم، وانتهى هذا النزاع بانتصار «محمود» الذى أصبح رئيسًا للدولة الغزنوية، وأحسن معاملة أخيه «إسماعيل» وأعلى منزلته. وقد حققت إمارة «محمود بن سبكتكين» قفزة هائلة فى مسار «الدولة الغزنوية»، فترامت أطرافها، واتسع نفوذها، وذاع صيتها، وأصبحت بلا منافس من حيث هيبتها العسكرية ومكانتها الحضارية، وقد اشتهر «محمود بن سبكتكين» بلقب «السلطان»، كما خلع عليه الخليفة «القادر بالله» لقب «يمين الدولة وأمين الملة» سنة (389هـ = 999م). نجح «محمود بن سبكتكين» فى السنوات الأولى من إمارته فى تعزيز وضعه الداخلى والقضاء على معارضيه، ثم صرف اهتمامه إلى الفتوح فى بلاد «الهند»، وحقق انتصارات هائلة جعلته واحدًا من أعظم الفاتحين فى التاريخ الإسلامى؛ ففى سنة (389هـ = 999م) استولى على «خراسان» وقضى على سلطة السامانيين بها، وفى سنة (393هـ = 1003م) استولى على «سجستان» التى كان حاكمها «خلف بن أحمد» وهو من أكبر أعدائه. وتعد فتوحات السلطان «محمود بن سبكتكين» فى بلاد «الهند»،أعظم إنجاز له فى هذا المجال، ففى سنة (395 هـ = 1005م) استطاع فتح مدينة «بهائية» الهندية بجوار إقليم «الملتان»، وأقام بها حتى أصلح أمرها واستخلف بها مَنْ يُعلِّم مَنْ أسلم مِن أهلها قواعد الإسلام وفرائضه، وفى سنة (396هـ = 1006م) استولى على «الملتان» التى كانت تخضع لحكومة إسماعيلية شيعية تعادى السلطان «محمود الغزنوى» وتتحالف ضده مع أعدائه الهنود غير المسلمين. واستمرت غزوات السلطان «محمود» المظفرة فى بلاد «الهند» بصورة شبه منتظمة حتى سنة (416هـ = 1025م) فنجح فى الاستيلاء على قلعة «ناردين» الهندية المنيعة، بعد قتال عنيف سنة (404هـ = 1013م) ودان له كثير من حكام المناطق المجاورة، وأقبل الهنود فى تلك المناطق على

اعتناق الإسلام، وأرسل إليهم السلطان من يفقههم فى الدين، وفتح سنة (409هـ = 1018م) مدينة «قنوج» الحصينة على نهر «الجانج»، الذى يقدسه الهنود، واعتنق أهلها الإسلام. وفى سنة (416هـ = 1025م)، قام السلطان «محمود» بآخر غزواته فى بلاد «الهند»، وهى غزوة «سُومْنَات»، وأثناء قيامه بغزواته فى شبه القارة الهندية استطاع السلطان «محمود» أن يضم إلى نفوذه إقليم «خوارزم» ويقضى على الأسرة المأمونية المعادية له بها سنة (407هـ = 1016م)، كما ضم إليه أيضًا «الرى» و «قزوين» و «أصفهان» سنة (420هـ = 1029م) بمعاونة ابنه «مسعود»، فاتسعت مملكته فى «خراسان» و «ما وراء النهر» و «شبه القارة الهندية». وبعد غزوة «سومنات» لم يتمكن السلطان «محمود» من مواصلة حملاته الموفقة فى «شبه القارة الهندية»، بسبب اهتمامه بمواجهة ثورات «العراق» و «خراسان» وخطر الأتراك السلاجقة. وقد كان السلطان «محمود بن سبكتكين» يتحلى بمواهب إدارية متميزة، فقد استطاع بعد فتوحاته فى «الهند» أن يتألَّف الهندوس، وأن يجعلهم جزءًا من نسيج دولته، وأن يستخدمهم فى جهازه الإدارى وأن يجندهم فى جيشه، كما كان السلطان «محمود» يتحلى بأخلاق رفيعة، ويكثر الإحسان إلى الرعية والرفق بهم، ويحب العلماء ويكرمهم ويعظمهم وكان على مذهب «أبى حنيفة» فى الفقه، وهو المذهب الذى مازال واسع الانتشار فى «شبه القارة الهندية» و «أفغانستان» و «أواسط آسيا»، وكان السلطان «محمود» شغوفًا بعلم الحديث النبوى، فكان الشيوخ يقرءونه بين يديه وهو يسمع وقد قصده العلماء والشعراء من كل مكان. وقد تُوفِّى السلطان «محمود» بغزنة فى شهر (ربيع الآخر سنة 421هـ = أبريل سنة 1030م) وعمره واحد وستون عامًا

*القادر بالله (خليفة عباسى)

*القادر بالله (خليفة عباسى) هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. كان الخليفة «القادر بالله» يتحلى بصفات جعلته إحدى الشخصيات المتميزة فى تاريخ «الخلافة العباسية»، فقد كان راجح العقل وافر الحلم، مؤثرًا للخير، ظاهر الكرم، جميل الأخلاق، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، كما كان شغوفًا بالعلم محبا لأهله، مستقيم الطريقة فى الدين بعيدًا عن البدعة، متواضعًا، عزوفًا عن مظاهر الأبهة والتكلف، فكان يخرج من داره فى زىِّ العامة، ويزور قبور الصالحين، وكان عادلاً وصولاً ظاهر البر باليتامى والمساكين، قوى الشخصية، يحظى بالاحترام والتبجيل؛ فلم يتعرض لما تعرض له غيره من السابقين له من مهانة خلال فترة اضمحلال الخلافة، ورغم ما تعرضت له الخلافة من ظروف وأحداث وتغلغل نفوذ الترك والفرس فإن «القادر بالله» استغل كل ما أتيح له من إمكانات، وقدَّم أفضل نموذج يمكن أن نتوقعه لخليفة عباسى فى ضوء تلك الظروف. تُوفِّى «القادر بالله» فى شهر (ذى الحجة سنة 422هـ = نوفمبر سنة 1031م) وعمره سبع وثمانون سنة، ودامت خلافته واحدًا وأربعين عامًا، فكانت أطول مدة يقضيها خليفة عباسى فى هذا المنصب حتى عصره.

*البساسيرى

*البساسيرى هو «أبو الحارث أرسلان المظفَّر بن عبدالله» المعروف بالبساسيرى، من أكابر العسكريين الأتراك فى «بغداد» فى أواخر العهد البويهى، وكان يقوم بدور الحاكم العسكرى لمدينة «بغداد»، ويعد صاحب النفوذ الأكبر فى دار الخلافة، وقد كانت هناك خصومة شديدة بينه وبين «أبى القاسم بن المسلمة» (على بن الحسن بن أحمد) وزير الخليفة «القائم بأمر الله»، فاتهمه الوزير بالخيانة، واتصاله بالفاطميين فى «مصر» لميوله الشيعية، ولما تبين ذلك للخليفة «القائم بأمر الله» خشى أثر موقف «البساسيرى» على مستقبل «الخلافة العباسية»، فاتصل بالسلطان السلجوقى «طغرل بك»، وطلب منه القدوم إلى «بغداد» للاستيلاء على السلطة فيها ووضع حد لمحاولات «البساسيرى» الخطيرة ولعجز البويهيين عن إدارة شئون الدولة فاستجاب السلطان السلجوقى وتقدم بجنوده نحو «بغداد»، وأمر الخليفة بأن يُخطَب له على منابرها، قبل دخولها فى (25 من رمضان سنة 447هـ = نوفمبر سنة 1055م) بثلاثة أيام، وتم القبض على «الملك الرحيم» آخر ملوك البويهيين. عندما دخل «طغرل بك» «بغداد» اضطر «البساسيرى» إلى تركها، وبدأ يجمع حوله عددًا من الأنصار الساخطين على الأوضاع فى دار الخلافة، واستطاع الاستيلاء على «الموصل» سنة (448هـ = 1056م)، وخطب فيها للخليفة «المستنصر الفاطمى»، ثم مد نفوذه إلى «الكوفة» و «واسط»، وأغرى «إبراهيم ينَّال» - وهو أخو «طغرل» لأمه - بالانشقاق على أخيه ليضمن انشغاله عنه بفتنة أخيه. وقد أمد «المستنصر الفاطمى» «البساسيرى» بما يدعم موقفه ويمكنه من مد نفوذه، فاستطاع فى (الثامن من ذى القعدة سنة 450هـ= السابع والعشرين من ديسمبر 1058م) أن يدخل «بغداد» بجيوشه، ويخطب فيها للخليفة الفاطمى، وخضعت «بغداد» للخلافة الفاطمية بمصر، واضطر الخليفة العباسى «القائم بأمر الله» ووزيره «ابن المسلمة» أن يضعا نفسيهما تحت حماية أحد أعوان «البساسيرى»، واسمه «قريش بن بدران»،

فطلب «البساسيرى» من «قريش» تسليمه «ابن المسلمة»، فقتله شر قتلة فى (أواخر ذى الحجة سنة 450هـ = يناير 1059م)، وقام «قريش» بتسليم الخليفة العباسى إلى ابن عم له بنواحى «الأنبار» (21)، فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة. وحاول «البساسيرى» مد سلطانه على مدن «العراق» ما أمكنه ذلك، فاستولى على «البصرة»، وأوشك الأمر أن يستتب للفاطميين بالعراق لولا أن «المستنصر» شك فى نيات «البساسيرى» وحقيقة مخططاته، فمنع عنه عونه وتأييده؛ مما كان له أثره السيئ على موقفه فى مواجهة «طغرل بك»، الذى نجح فى القضاء على ثورة أخيه «إبراهيم ينَّال»، وقبض عليه وقتله فى (التاسع من جمادى الآخرة سنة 451هـ = يوليو سنة 1059م). وعندما اقتربت جيوش السلطان السلجوقى «طغرل بك» من «بغداد» هرب «البساسيرى» فى اتجاه «الكوفة» فى (6 من ذى القعدة سنة (451هـ = 14 من ديسمبر 1059م)، وسيطر «طغرل بك» على «بغداد» بسهولة، بعد عام كامل من سيطرة «البساسيرى» عليها، وأعاد الخليفة «القائم بأمر الله» مكرَّمًا إلى دار الخلافة فى (25 من (ذى القعدة سنة 451هـ = 14من ديسمبر سنة 1059م) ونجح فرسان «طغرل بك» فى قتل «البساسيرى» فى (8 من ذى الحجة سنة 451هـ = 15من ينايرسنة 1060م)

*أرسلان المظفر بن عبدالله

*أرسلان المظفَّر بن عبدالله هو «أبو الحارث أرسلان المظفَّر بن عبدالله» المعروف بالبساسيرى، من أكابر العسكريين الأتراك فى «بغداد» فى أواخر العهد البويهى، وكان يقوم بدور الحاكم العسكرى لمدينة «بغداد»، ويعد صاحب النفوذ الأكبر فى دار الخلافة، وقد كانت هناك خصومة شديدة بينه وبين «أبى القاسم بن المسلمة» (على بن الحسن بن أحمد) وزير الخليفة «القائم بأمر الله»، فاتهمه الوزير بالخيانة، واتصاله بالفاطميين فى «مصر» لميوله الشيعية، ولما تبين ذلك للخليفة «القائم بأمر الله» خشى أثر موقف «البساسيرى» على مستقبل «الخلافة العباسية»، فاتصل بالسلطان السلجوقى «طغرل بك»، وطلب منه القدوم إلى «بغداد» للاستيلاء على السلطة فيها ووضع حد لمحاولات «البساسيرى» الخطيرة ولعجز البويهيين عن إدارة شئون الدولة فاستجاب السلطان السلجوقى وتقدم بجنوده نحو «بغداد»، وأمر الخليفة بأن يُخطَب له على منابرها، قبل دخولها فى (25 من رمضان سنة 447هـ = نوفمبر سنة 1055م) بثلاثة أيام، وتم القبض على «الملك الرحيم» آخر ملوك البويهيين. عندما دخل «طغرل بك» «بغداد» اضطر «البساسيرى» إلى تركها، وبدأ يجمع حوله عددًا من الأنصار الساخطين على الأوضاع فى دار الخلافة، واستطاع الاستيلاء على «الموصل» سنة (448هـ = 1056م)، وخطب فيها للخليفة «المستنصر الفاطمى»، ثم مد نفوذه إلى «الكوفة» و «واسط»، وأغرى «إبراهيم ينَّال» - وهو أخو «طغرل» لأمه - بالانشقاق على أخيه ليضمن انشغاله عنه بفتنة أخيه. وقد أمد «المستنصر الفاطمى» «البساسيرى» بما يدعم موقفه ويمكنه من مد نفوذه، فاستطاع فى (الثامن من ذى القعدة سنة 450هـ= السابع والعشرين من ديسمبر 1058م) أن يدخل «بغداد» بجيوشه، ويخطب فيها للخليفة الفاطمى، وخضعت «بغداد» للخلافة الفاطمية بمصر، واضطر الخليفة العباسى «القائم بأمر الله» ووزيره «ابن المسلمة» أن يضعا نفسيهما تحت

حماية أحد أعوان «البساسيرى»، واسمه «قريش بن بدران»، فطلب «البساسيرى» من «قريش» تسليمه «ابن المسلمة»، فقتله شر قتلة فى (أواخر ذى الحجة سنة 450هـ = يناير 1059م)، وقام «قريش» بتسليم الخليفة العباسى إلى ابن عم له بنواحى «الأنبار» (21)، فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة. وحاول «البساسيرى» مد سلطانه على مدن «العراق» ما أمكنه ذلك، فاستولى على «البصرة»، وأوشك الأمر أن يستتب للفاطميين بالعراق لولا أن «المستنصر» شك فى نيات «البساسيرى» وحقيقة مخططاته، فمنع عنه عونه وتأييده؛ مما كان له أثره السيئ على موقفه فى مواجهة «طغرل بك»، الذى نجح فى القضاء على ثورة أخيه «إبراهيم ينَّال»، وقبض عليه وقتله فى (التاسع من جمادى الآخرة سنة 451هـ = يوليو سنة 1059م). وعندما اقتربت جيوش السلطان السلجوقى «طغرل بك» من «بغداد» هرب «البساسيرى» فى اتجاه «الكوفة» فى (6 من ذى القعدة سنة (451هـ = 14 من ديسمبر 1059م)، وسيطر «طغرل بك» على «بغداد» بسهولة، بعد عام كامل من سيطرة «البساسيرى» عليها، وأعاد الخليفة «القائم بأمر الله» مكرَّمًا إلى دار الخلافة فى (25 من (ذى القعدة سنة 451هـ = 14من ديسمبر سنة 1059م) ونجح فرسان «طغرل بك» فى قتل «البساسيرى» فى (8 من ذى الحجة سنة 451هـ = 15من ينايرسنة 1060م)

*عميد الملك الكندرى

*عميد الملك الكندرى هو (أبى نصر محمد بن منصور بن محمد) أحد وزراء الدولة السلجوقية. تولى الوزارة فى عهد طغرل بك بعد دخوله بغداد سنة (447هـ = 1055م)، فكان ساعده الأيمن حتى وفاة «طغرل» سنة (455هـ = 1063م). ويعتبر «عميد الملك» أحد العوامل المهمة فى ازدهار دولة «طغرل بك» بفضل ما كان يتمتع به من حنكة وكفاءة، كما كان سببًا مكَّن «طغرل بك» من السيطرة على «العراق» ودار الخلافة، وإدخال الخليفة «القائم» ووزرائه وحاشيته فى طاعة «السلاجقة» دون إراقة دماء، لما تمتع به «عميد الملك» من نفاذ بصيرته فى الأمور، وبُعد نظره، وحسن سياسته، إلى جانب رسوخ قدمه فى العلم والأدب. واقترن اسم الوزير عميد الملك باسم «طغرل بك» وأصبح لا يذكر أحدهما دون أن يذكر الآخر. عقب تولِّى «ألب أرسلان» سلطنة «السلاجقة»، أقر «عميد الملك الكندرى» وزير عمه «طغرل» فى منصبه، ولكنه سرعان ما تغير عليه فعزله فى شهر (المحرم سنة 456هـ = ديسمبر سنة 1063م)، وسجنه، ثم دبر قتله فى شهر (ذى الحجة سنة 456هـ = نوفمبر سنة 1064م)، ويبدو أن «نظام الملك» لعب دورًا فى ذلك.

*نظام الملك

*نظام الملك أحد وزراء الدولة السلجوقية فى العصر العباسى الثانى، عينه «ألب أرسلان» وزيرًا له، وكان وزيره أثناء إمارته على «خراسان» قبل توليه السلطنة، ويُعدُّ «نظام الملك» أشهر وزراء «السلاجقة» كما يعد من أشهر الوزراء فى التاريخ الإسلامى. وكانت بداية معرفة «نظام الملك» بالسلاجقة حينما اتصل بداود بن ميكائيل بن سلجوق، والد السلطان «ألب أرسلان»، وأعجب بكفاءته وإخلاصه فسلمه إلى ابنه «ألب أرسلان» وقال له: «اتخذه والدًا ولا تخالفه فيما يشير به». وقد ظل «نظام الملك» وزيرًا للسلطان «ألب أرسلان» ثم لخليفته «ملكشاه» ما يقرب من ثلاثين عامًا. حيث إنه عقب وفاة «ألب أرسلان» تولى السلطنة ابنه «ملكشاه» بعهد من أبيه، وتولى «نظام الملك» أخذ البيعة له، وأقره الخليفة «القائم بأمر الله» على السلطنة. لم يكتفِ «ملكشاه» بإقرار «نظام الملك» فى الوزارة كما كان فى عهد أبيه، بل زاد على ذلك بأن فوض إليه تدبير المملكة، وقال له: «قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنت الوالد»، ولقبه ألقابًا كثيرة، أشهرها لقب «أتابك»، ومعناه الأمير الوالد، وكان «نظام الملك» أول مَن أُطلق عليه هذا اللقب. وسبب هذه المكانة الرفيعة التى حظى بها «نظام الملك» عند السلطان «ملكشاه»، أنه هو الذى مهد له الأمور، وقمع المعارضين، فرآه السلطان أهلاً لهذه المكانة. ولم يكن «نظام الملك» مجرد وزير لامع، بل كان راعيًا للعلم والأدب محبا لهما، وقد سمع الحديث وقرأه، وكان مجلسه عامرًا بالعلماء والفقهاء والصوفية، مثل إمام الحرمين «أبى المعالى الجوينى» و «أبى القاسم القشيرى»، كما اهتم «نظام الملك» ببناء المدارس ووضع أسس قيام نهضة تعليمية رائعة. وكان لنظام الملك أثر متميز وجهد خلاق فى ذلك، على المستوى الإدارى والعسكرى، والثقافى. فاهتم بإنشاء العديد من المدارس التى نسبت إليه فى أنحاء الدولة، فسميت بالمدارس النظامية، وكان أشهرها:

«نظامية بغداد» التى تخيَّر «نظام الملك» مشاهير الفكر والثقافة فى العالم الإسلامى للتدريس فيها مثل: «حجة الإسلام أبى حامد الغزالى» صاحب كتاب «إحياء علوم الدين»، الذى فوض إليه «نظام الملك» مهمة التدريس فى «المدرسة النظامية» ببغداد، ثم فى «المدرسة النظامية» بنيسابور، التى كان إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى يقوم بالتدريس فيها. وقد أسهمت هذه المدارس النظامية فى تثبيت قواعد المذهب السنى والدفاع عنه ضد مختلف البدع والأهواء والمذاهب المنحرفة التى انتشرت فى ذلك الوقت. وقد كان «نظام الملك» مؤلفًا مرموقًا أيضًا، فهو مؤلف كتاب «سياسة نامه» الذى تحدث فيه عن كيفية تدبير شئون الملك، وفضح معتقدات الحشاشين وغيرهم من الخارجين عن الدين. قتل «نظام الملك» فى (10 من رمضان سنة 485هـ = 14من أكتوبر سنة 1092م)، حين تقدم إليه أحد غلمان الباطنية (أو الحشاشين) وهو فى ركب السلطان فى صورة سائل أو مستغيث، فلما اقترب منه أخرج سكينًا كان يخفيها فى طيات ملابسه فطعنه بها طعنات قاتلة. وقد اختلف المؤرخون فى بيان السبب الذى أدى إلى مقتل «نظام الملك»، فقيل إن نفوذ «نظام الملك» وأولاده وشيعته تفاقم بصورة مثلت خطرًا على السلطان «ملكشاه» فدبر قتله، وقيل إن السبب فى ذلك حربه الدائمة ضد المذاهب الهدامة وعلى رأسها مذهب الباطنية أو الحشاشين.

*سيف الدولة الحمدانى

*سيف الدولة الحمدانى هو: أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، الملقَّب بسيف الدولة الحمدانى، أحد الأمراء الشجعان. ولد سنة (303 هـ = 916 م)، وأسس إمارة الحمدانيين بحلب عندما استولى عليها سنة (333 هـ = 934 م)، ودامت تلك الإمارة نحوًا من ستين سنة، منها (23) سنة تحت حكم سيف الدولة. وسجَّل التاريخ له ولدولته جهادهما العظيم فى صد غارات الروم المتوالية على مشارف الدولة الإسلامية، وكانت الحرب بينهما سجالا، وتحقق أعظم انتصار له على الروم سنة (343 هـ = 954 م) فى معركة الحدث. اشتهر سيف بالكرم والجود، فقصده الشعراء والكتاب والعلماء، حتى قيل إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من الشعراء، ويأتى فى مقدمتهم المتنبى، الذى مدحه بقصائد كثيرة عرفت فى تاريخ الأدب باسم السيفيَّات. وتوفى سيف الدولة بحلب سنة (356 هـ) عن (53) عامًا، وحُمل جثمانه إلى ميافارقين فدفن بها.

*صفى الدين الأردبيلى

*صفى الدين الأردبيلى هو أحد شيوخ الصوفيةو ينتسب إليه الصفويون. عاش فى الفترة من (650هـ = 1252م) إلى (735هـ = 1334م)، وقد درس فى مطلع حياته العلوم الدينية والعقلية فى موطنه، ثم ارتحل إلى «شيراز»، واتصل بالشاعر المعروف «سعدى الشيرازى»، ثم رحل إلى «أردبيل» ومنها إلى «كيلان»، ودخل فى زمرة الشيخ «زاهد الكيلانى» وتزوج ابنته، وخلفه فى الطريقة، وعهد إلى أبنائه وأتباعه بالعمل على جذب الأتباع والدراويش، والاجتهاد فى نشر طريقتهم والدعاية لها، وكان هؤلاء ينتسبون إلى المذهب الشيعى.

*صلاح الدين الأيوبى

*صلاح الدين الأيوبى هو يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادى، مؤسس الدولة الأيوبية. ولد سنة 526هـ ونشأ فى بلاط «نور الدين زنكى» بالموصل وعُرف باسم «صلاح الدين»، وقضى طفولته فى ظل والده «أيوب» ببعلبك، وأخذ عنه براعته فى السياسة، وشجاعته فى الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل «صلاح الدين يوسف» مع والده إلى «دمشق» بعد وفاة «عماد الدين زنكى»، ثم دخل فى خدمة «نور الدين بن عماد الدين زنكى» سلطان «حلب»، فاستعان «نور الدين» بشيركوه وابن أخيه «صلاح الدين» فى ضم «مصر» إليه. فى أواخر العصر الفاطمى قام صراع محموم بين «شاور» و «ضرغام» على منصب الوزارة، فاستنجد «شاور» بنور الدين محمود، فلبى نداءه وأرسل حملة كبيرة تحت قيادة «شيركوه» ومعه ابن أخيه «صلاح الدين»، فكان النصر حليف الحملة على «ضرغام» والصليبيين الذين استنجد بهم، وقُتل «شاور» فى المعركة، فاعتلى «أسد الدين شيركوه» كرسى الوزارة، ولكنه تُوفِّى بعد قليل، فخلفه فى المنصب ابن أخيه «صلاح الدين» سنة (565هـ) وهو فى الثانية والثلاثين من عمره. عمل «صلاح الدين» على توطيد مركزه فى «مصر»؛ لتأسيس دولة قوية تحل محل الدولة الفاطمية التى ضعفت، وتحقق له ذلك بعد وفاة «العاضد» آخر خلفاء الدولة الفاطمية سنة (567هـ). لم تكن الأوضاع مهيأة أمام «صلاح الدين» لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، خاصة أن العالم الإسلامى كان مفككًا وضعيفًا ويحيط به الأعداء من كل جانب، بالإضافة إلى كونه نائبًا عن «نور الدين محمود» فى «مصر» التى يطمع الصليبيون وبقايا الفاطميين فى امتلاكها والسيطرة عليها، فعمل على مواجهة هذه العقبات والقضاء عليها واحدة بعد الأخرى. ظل «صلاح الدين» يعمل على توحيد العالم الإسلامى مدة عشر سنوات فى الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى

تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامى، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م] التى تعد «حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد الصليبيين وانتصر عليهم فيها انتصاراً عظيماً، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت «قلعة طبرية» وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه «صلاح الدين» صوب الساحل وحاصر «عكا» حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقى المدن الساحلية التى تقع جنوب «عكا» وهى: «نابلس» و «الرملة» و «قيسارية» و «أرسوف» و «يافا» و «بيروت»، وكذا المدن الواقعة شمال «عكا» مثل: «الإسكندرونة»، وكلها حصلت على العهد بالأمان من «صلاح الدين» الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى فى طريقه إلى «فلسطين»، فاستسلمت «عسقلان» له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير «بيت المقدس» التى نجح فى فتحها بعد حصار شديد حتى اضطرمَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح. وتوفى صلاح الدين فى سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامى بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودى به وتوقعه فى أيدى الأعداء.

*العزيز عماد الدين

*العزيز عماد الدين هو أصغر أبناء صلاح الدين الأيوبى، خلفه على عرش «مصر» سنة 589هـ=1193م، وكان شابا فى الحادية والعشرين من عمره، يتصف بالشجاعة والرحمة والعفة والأخلاق الحميدة، وحكم «مصر» فى حياة أبيه «صلاح الدين» نيابة عنه، ومكَّنه ذلك من اعتلاء عرشها عقب وفاته، إلا أنه كان يفتقد إلى الدراية السياسية فى تسيير أمور البلاد واستقرار أحوالها، فاستعان بعمه «العادل» واستوزره ليقوم بهذه المهمة، ومات «العزيز» فى سنة (595هـ=1199م).

*المنصور ناصر الدين

*المنصور ناصر الدين هو المنصور ناصر الدين بن العزيز عماد الدين بن صلاح الدين الأيوبى، خلف أباه على عرش مصر (سنة 595هـ=1199م) وهو طفل فى التاسعة من عمره، فحكم «مصر» مدة سنة وتسعة أشهر، فرأى «الملك العادل» أن الدولة أوشكت على الانهيار تحت حكم الملك الطفل، فجمع العلماء والفقهاء فى مجلس للتشاور فيما يجب فعله، فقرر الجميع وجوب خضوع الصغير للكبير، وتولى «العادل» عرش «مصر»، فأصبحت تحت يده أهم أجزاء دولة «صلاح الدين»، واعترفت الولايات بسيادته، وساهمت فى حروبه، وضربت «السكة» باسمه، وخُطب له فوق كل المنابر الإسلامية

*العادل سيف الدين

*العادل سيف الدين هو العادل سيف الدين بن نجم الدين أيوب، أخو صلاح الدين الأيوبى. يعد أعظم سلاطين الأيوبيين بعد «صلاح الدين»، فقد اكتسب خبرة واسعة من اشتراكه مع أخيه «صلاح الدين» فى غزواته ومفاوضاته وإدارة الأقاليم، إذ وكل إليه «صلاح الدين» معاونة «العزيز» فى حكم «مصر»، كما عهد إليه بحكم «حلب»، ثم «العراق»، وذاع صيت «العادل» بين ملوك «أوربا»، واشتهر بالكفاءة والدهاء والدراية بشئون الحكم، ولم يتأخر فى حمل المسئولية حين رأى تدهور الأوضاع بمصر وحاجتها إليه، فكان الرجل المناسب لتلك المرحلة. تأثر «العادل» تأثرًا بالغًا بشخصية أخيه «صلاح الدين»، فسار على نهجه فى إدارة البلاد، رغم الصعوبات التى واجهته، فقد ثارت ضده طائفة الشيعة الإسماعيلية مثلما ثارت من قبل فى وجه أخيه «صلاح الدين»، وحاولت هذه الطائفة زعزعة ملك «العادل» وتفريق البلاد وتشتيت الصفوف، فعمل «العادل» على الحيلولة دون حدوث ذلك، وتمكن من القبض على عناصرها وسجنهم سنة (605هـ)، فخرجت جماعة أخرى تنادى بتولية أحد أبناء «صلاح الدين» أمور الدولة، وكان هذا الابن لايزال طفلا صغيرًا، فاستطاع «العادل» التغلب عليهم وإعادة الاستقرار إلى بلاده، إلا أن انخفاض مياه النيل كان إحدى العقبات الطبيعية التى واجهته، فقد حدثت بسببه مجاعة وقحط شديدان؛ نتيجة قلة الزراعة، كما أن الحملات الصليبية لم تهدأ فى عهده؛ إذ لم ترضَ «أوربا» عن استقرار أحوال البلاد الإسلامية، فعملت على زعزعتها، وأرسلت حملة صليبية هاجمت «مصر» ووصلت إلى «دمياط» وحاصرت حصونها، ثم تمكنت منها، واستولت على برجها الحصين «برج السلسلة»، يضاف إلى ذلك كله العقبات الداخلية التى واجهت «العادل» أثناء حكمه لمصر. وعلى الرغم مما واجهه «العادل» من صعاب داخلية وخارجية فى الحكم، فقد اتسع ملكه إلى حد كبير، وقلَّده الخليفة العباسى بمرسوم رسمى حكم «مصر»

والشام وأرض الجزيرة، وخلع عليه الخلع الثمينة، فوزع «العادل» حكم مملكته الواسعة بين أبنائه التسعة عشر نيابة عنه؛ ليضمن وحدتها وتماسكها، فأناب ابنه «الكامل» عنه فى «مصر»، وجعل «المعظَّم عيسى» على الشام، و «نجم الدين أيوب» على «ميافارقين» ونواحيها، وأناب ابنه «الأشرف مظفر» على «الولايات الشرقية». وقد ضمن «العادل» وحدة دولته فى حياته، إلا أنه تركها إرثًا موزعًا بين أبنائه بعد وفاته، فكان لذلك أثره الخطير فى قوة الدولة وتماسكها. وحين سمع «العادل» بسقوط «برج السلسلة» بدمياط حزن حزنًا شديدًا، فمرض ومات سنة (615هـ)، وكتم أصحابه خبر موته ونقلوه إلى «دمشق»، حيث تولى ابنه «الكامل» حكم «مصر». كان «العادل» حاكمًا عادلا، ذكيا، حليمًا، حسن التدبير، محبًا للعلماء والأدباء ومشجعًا لهم، كما كان سياسيا محنكًا، قام برحلات عديدة جاب بها أطراف مملكته الشاسعة، كى يضمن استتباب الأمن والنظام، كما كان متفقدًا لأحوال أبنائه فى الأقاليم التى أنابهم عنه فى حكمها.

*الكامل بن العادل

*الكامل بن العادل هو الكامل ناصر الدين بن العادل أحد سلاطين الدولة الأيوبية فى مصر، حكم «الكامل» «مصر» نيابة عن أبيه «العادل» فى حياته، فلما مات سنة 615هـ=1218م استقل الكامل بحكم «مصر» فى ظروف حرجة، إذ كان الصليبيون منتصرين فى «دمياط»، وكان عليه دحر هذا الانتصار الذى أدى إلى موت أبيه كمدًا، وخرج عليه عدد من الأمراء لعزله فى الوقت الذى يتصدى فيه للصليبيين بدمياط، فتمكن من التغلب عليهم، ولكن الصليبيين استغلوا حالة التمرد والتفكك الداخلى واستولوا على «دمياط»، إلا أن «الكامل» استطاع توحيد بلاد المسلمين، وتمكن من دخول «نابلس»، وتحرير «بيت المقدس»، واتسع ملكه لدرجة جعلت أئمة المساجد يدعون له من فوق المنابر بقولهم: «سلطان مكة وعبيرها، واليمن وزبيرها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين». ورث عن أبيه صفاته الطيبة، فكان قائدًا قديرًا، وسياسيا بارعًا، وإداريا نشيطًا، حازمًا يدير أمور دولته بنفسه، لدرجة أنه لم يعين وزيرًا بعد وفاة وزير أبيه، وقام بالأمر بمفرده، وكان محبا للحديث، مشجعًا للعلماء والأدباء، فقد كان عالمًا، ينظم الشعر ويجيده. ظل فى حكم البلاد التى تحت يديه حتى وفاته سنة (635هـ=1237م)، فأخذت الدولة فى الضعف والانحلال من بعده.

* العادل الثانى بن الكامل

* العادل الثانى بن الكامل أحد سلاطين الدولة الأيوبية فى مصر، وأطلَق اسم «العادل الصغير» أو «العادل الثانى» عليه، تمييزًا له عن الملك «العادل» أخى «صلاح الدين»، وقد كان «العادل الثانى» نائبًا عن أبيه «الكامل» فى حكم «مصر»، فلما مات أبوه أصبح سلطانًا على «مصر» سنة635هـ=1237م، ولكن اضطراب الأوضاع، وضعف الدولة جعلاه لا يستمر طويلا فى حكم البلاد، فتولى أخوه «الصالح نجم الدين أيوب» الحكم من بعده سنة 637هـ=1240م.

* الصالح نجم الدين أيوب

* الصالح نجم الدين أيوب أحد سلاطين الدولة الأيوبية فى مصر، تولى العرش خلفالأخيه العادل الثانى بن الكامل. ورث «الصالح نجم الدين أيوب» عرشًا مضطربًا، مزعزع الأركان جلب عليه الكثير من المشاكل والمتاعب، فدبر أموره، وأعد عدته وتمكن من القضاء على أكثر هذه المصاعب التى واجهته رغم شدتها، فلما تم له ما أراد تحول بقوته إلى مواجهة الصليبيين، ولم يألُ جهدًا فى جهاده ضدهم، واستطاع استعادة «بيت المقدس» ثانية من قبضتهم، فاستقرت له الأحوال، وحل السلام بينه وبين أمراء مملكته، وتفرغ لمواصلة جهاده ضد الصليبيين؛ أملا منه فى تحرير البلاد كافة من أطماعهم. أكثر «الصالح نجم الدين أيوب» من استجلاب المماليك لمساعدته فى حروبه ضد الصليبيين، فنبغ منهم عدة أشخاص كان لهم أكبر الأثر فى تغيير مجرى السياسة المصرية، ومنهم «شجرة الدر» الأرمينية الأصل، والتى كانت أم ولد للصالح نجم الدين أيوب، ولازمته فى حياة أبيه «الكامل»، وظلت معه بذكائها حتى أنجبت من «الصالح أيوب» ابنه «خليل» فتوطدت مكانتها، فلما أصبح سلطانًا على «مصر» اتخذها إلى جواره ملكة غير متوَّجة، فقد كانت تعمل على راحته، ووجد فيها ما يحبه. مات «الصالح أيوب» فى ليلة النصف من شعبان سنة (647هـ)، وكانت الحرب لاتزال دائرة بين المسلمين والصليبيين أمام «المنصورة»، فأعملت «شجرة الدر» عقلها وتجلى ذكاؤها، وأخفت خبر وفاته عن الناس فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ «مصر» و «الشام»، وأمرت أحد أطبائه بغسل جثمانه ووضعه فى تابوت، ثم حمله فى الظلام إلى «قلعة الروضة»، ثم إلى «قبو» بجوار المدرسة الصالحية ودفنه هناك، وأخبرت الأمراء أن «السلطان مريض لا يصل إليه أحد»، ولم تعلن خبر وفاته إلا بعد انتصار المسلمين على الصليبيين، ورد حملتهم، فاستمر العزاء ثلاثة أيام بلياليها بمدرسته، وبعثت «شجرة الدر» بالسناجقة السلطانية، وأمرت بأن تُعلَّق داخل القاعة على ضريح

«الملك الصالح»، ليرى الزائر آلات الجهاد التى كان يحملها آخر سلاطين «بنى أيوب» فى جهاده ضد الصليبيين فى معركة «المنصورة»، فقد كان «الصالح أيوب» من أعظم سلاطين «مصر» وأشجعهم.

*توران شاه

*توران شاه هو تورانشاه بن نجم الدين أيوب بن الكامل، آخر سلاطين الدولة الأيوبية، إستدعته شجرة الدر قبل أن تعلن عن وفاة أبيه نجم الدين أيوب حيث كان غائبًا عن «مصر» فى «حصن كيفا». وقبل وصوله أصدرت أوامرها للأمراء وأكابر رجال الدولة بأن يحلفوا يمين السلطنة لتوران شاه، وأمرت خطباء المساجد بالدعاء له، وأدارت «معركة المنصورة» حتى وصل «توران شاه»، فتسلم قيادة الحرب وزمام الملك، ولم يمكث على عرش السلطنة أكثر من شهرين، ثم خرج لملاقاة الصليبيين الذين دخلوا «المنصورة»، وأخذوا يتقدَّمون نحو «القاهرة»، فتصدَّى لهم، وقاد المعركة بمهارة فائقة حتى تم النصر للمسلمين، فأحبه الناس وقدروه، إلا أن سيرته لم تكن حسنة، فقتل سنة (648هـ).

*أروى بنت أحمد الصليحية

*أروى بنت أحمد الصليحية هى أروى بنت أحمد بن محمد بن القاسم الصليحى آخر ملوك الدولة الصليحية باليمن، والمعروفة بالسيدة الحرة والملكة الكاملة. ولدت سنة (440 هـ = 1048 م) وكان أبوها من رجال الملك على الصليحى الذى أرسله إلى الخليفة الفاطمى المستنصر بالله يستأذنه فى إظهار الدعوة العبيدية الشيعية. ولقبت ب بلقيس الصغرى لرجاحة عقلها وحسن تدبيرها. وتزوجت أروى من أحمد المكرم ابن الملك على الصليحى، وولدت له عليًّا ومحمداً وفاطمة وأم همدان، وبعد وفاة زوجها قامت بشئون الدولة بتفويض من الخليفة الفاطمى المستنصر بالله حتى سعت لديه بتولية ابنها على حكم اليمن فاستجاب لها. وقد كانت علاقتها بالفاطميين فى مصر وطيدة، حتى إنهم أسندوا إليها تنظيم أمور الدعوة الإسماعيلية الشيعية، وبعد وفاة الخليفة الفاطمى الآمر بالله (524 هـ = 1129 م) انفصلت الدولة الصليحية عن الدولة الفاطمية. وقد تُوفِّيَت أروى سنة (532 هـ = 1139 م) بعد أن حكمت (55) عاماً، وبوفاتها زالت الدولة الصليحية.

*أرطغرل

*أرطغرل هو أرطغرل بن سليمان بن فياألب جد خلفاء آل عثمان ووالد عثمان خان مؤسس الدولة العثمانية، ولا يعرف عن حياته الأولى سوى أن أباه سليمان كان يتزعم قبيلة (قاتى) التركية، وكان موطنها بالقرب من (مرو) قاعدة بلاد (التركمان). هاجرت قبيلته فيمن هاجر من القبائل، حين اكتسح المغول أراضى الدولة الخوارزمية، فانتهى بأرطغرل المطاف بعد موت أبيه إلى الأناضول، وهناك لمع نجمه فى مساعدة الأمير علاء الدين كيعباد حاكم إمارة قرمان وهى إحدى إمارات دولة سلاجقة الروم، فكان الأمير يقطعه عقب كل انتصار بعض ما يقع تحت يديه من الأراضى والأموال. وظفر أرطغرل بلقب أوج بكى أى محافظ الحدود من الدولة السلجوقية، ولم يكتف بذلك، بل ظل يتوسع باسم السلطان علاء الدين حتى هاجم الدولة الرومانية الشرقية (البيزنطية) ونجح فى توسيع منطقته فضم إليها مدينة إسكى شهر واتخذها مقرًّا، وظل على هذا الوضع حتى توفى سنة (678 هـ = 1228 م) وخلفه ابنه عثمان الذى سميت باسمه الدولة العثمانية.

*أسامة بن زيد

*أسامة بن زيد هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحبيل الكلبى صحابى جليل وابن صحابى لقبه الرسول بـ الحب بن الحب. ولد فىالعام الرابع من البعثة النبوية بمكة المكرمة شهد مع الرسول غزوة الأحزاب وحنين ومؤتة، واستعمله الرسول أميراً على بعث إلى البلقاء من أرض فلسطين، فنفذ البعث بعد وفاته (ورجع منتصراً بعد خمسين يوماً. ومن أشهر مواقفه أنه اعتزل الفتنة الكبرى ورفض أن يقاتل مع أحد الطرفين. وقد تُوفِّى أسامة بن زيد، رضى الله عنه، فى أرض الجرف قرب المدينة سنة (54 هـ = 674 م) فحُمل إلى المدينة ودُفن بها

*أسد بن عبد الله القسرى

*أسد بن عبد الله القسرى هو أسد بن عبد الله بن زيد بن أسد بن كرز القسرى أحد ولاة بنى أمية على خراسان. ولد فى دمشق وبها أيضاً كانت نشأته. وكان أخوه خالد بن عبد الله القسرى والياً على العراق وخراسان فى عهد الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك، فاختار خالد أخاه أسداً نائباً عنه على خراسان سنة (106 هـ = 724 م) وظل بها حتى عزل عن نيابته سنة (109 هـ = 727 م) ثم أعيد إليها مرة ثانية سنة (117 هـ = 735 م)، وقام أسد خلال فترتى ولايته بحملات عسكرية لتأمين حدود الدول الإسلامية، وصد المعتدين على أطرافها، فحارب نمرون ملك الغرشتان، كما غزا بلاد الغور وضم أسد إلى ولايته سمرقند وبلخ، وغزا مدينة خُتل حيث دارت بينه وبين الترك معركة شديدة، واستطاع أسد أن يهزم ملك الترك، وأن يسترد البلاد التى وقعت فى حوزته. وكان أسد - إلى جانب شجاعته وحسن بلائه فى الحروب - كريماً جواداً، يفرح بما يخرج من بين يديه من المال. وإلى أسد تنتسب مدينة أسد آباد بالقرب من نيسابور، وعلى يديه أسلم سامان جدّ الأمراء السامانيين. وتُوفِّى أسد بن عبد الله القسرى بمدينة بلخ فى (صفر 120 هـ = يناير 738 م).

*أسماء بنت أبى بكر

*أسماء بنت أبى بكر هى أسماء بنت أبى بكر الصديق عبد الله بن أبى قحافة الملقبة ب ذات النطاقين صحابية جليلة، أخت السيدة عائشة، رضى الله عنها، لأبيها، وزوج الصحابى الجليل الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأم عبد الله بن الزبير الذى قتله الحجاج بن يوسف. وُلدت أسماء بمكة قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، وأسلمت بعد سبعة عشر مسلماً، وقد شاركت، رضى الله عنها، فى أحداث الهجرة، فكانت تحمل الزاد والماء والأخبار إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وأبيها الصديق، رضى الله عنه، أثناء وجودهما فى غار ثور ولقبت خلالها بذات النطاقين؛ لأنها اضطرت إلى شق نطاقها نصفين لتضع فى أحدهما الطعام وتستر بالآخر رأسها. وكانت، رضى الله عنها، مثالاً فى الجود والكرم، كثيرة البذل والعطاء، وكانت تقول لبناتها: أنفقن وتصدقن، ولا تنتظرن الفضل، فإنكن إن انتظرتن الفضل، لم تفضلن شيئاً. وروت أسماء الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث روى عنها علماء الحديث ثمانية وخمسين حديثاً. وتوفيت، رضى الله عنها، بمكة فى (جمادى الأولى 73 هـ = سبتمبر 692 م) بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بثلاثة أشهر.

*أسماء بنت خماروية

*أسماء بنت خماروية هى أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون المعروفة ب قطر الندى. من شهيرات النساء عقلاً وأدباً وجمالاً. أراد أبوها خمارويه أن يزوجها من المكتفى بالله ابن الخليفة العباسى المعتضد بالله، ولكن المعتضد بالله قال: أتزوجها أنا، فتزوجها فى سنة (282 هـ = 895 م)، وكان زواجها مضرب الأمثال فى البذخ والإنفاق؛ فقد دفع لها المعتضد بالله مهراً يبلغ ألف ألف درهم، وجهزها أبوها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف، ولم يُرَ مثله. وقيل إن المعتضد بالله أراد من نكاحها أن يُفقر أباها فى جهازها. ولما دخل بها أحبها حبًّا شديداً لجمالها وكثرة أدبها. وتوفيت أسماء بنت خمارويه سنة (287 هـ = 900 م).

*قطر الندى

*قطر الندى هى أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون المعروفة ب قطر الندى. من شهيرات النساء عقلاً وأدباً وجمالاً. أراد أبوها خمارويه أن يزوجها من المكتفى بالله ابن الخليفة العباسى المعتضد بالله، ولكن المعتضد بالله قال: أتزوجها أنا، فتزوجها فى سنة (282 هـ = 895 م)، وكان زواجها مضرب الأمثال فى البذخ والإنفاق؛ فقد دفع لها المعتضد بالله مهراً يبلغ ألف ألف درهم، وجهزها أبوها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف، ولم يُرَ مثله. وقيل إن المعتضد بالله أراد من نكاحها أن يُفقر أباها فى جهازها. ولما دخل بها أحبها حبًّا شديداً لجمالها وكثرة أدبها. وتوفيت أسماء بنت خمارويه سنة (287 هـ = 900 م).

*إسماعيل بن إبراهيم (نبى)

*إسماعيل بن إبراهيم (نبى) هو نبى الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، من زوجته المصرية هاجر، وهو من نسل سام بن نوح ومن ذريته محمد (. وُلد إسماعيل بأرض الشام وكان قد تقدم بأبيه العمر دون أن يرزق بولد من زوجته سارة فوُلد له إسماعيل من هاجر ثم انتقل إبراهيم - عليه السلام - بهما بأمر من الله إلى وادٍ غير ذى زرع عند موضع البيت الحرام. وقد ورد ذكر إسماعيل - عليه السلام - فى القرآن الكريم فى قصة رفع قواعد البيت الحرام مع أبيه الخليل إبراهيم، قال الله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعدَ من البيت وإسماعيلُ ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم) [ البقرة: 127]. وقد أشار القرآن إلى موقف إسماعيل فى قصة الفداء: قال الله تعالى: (فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ماتؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم) [ الصافات 102 - 107]. ولما بلغ إسماعيل أربعين سنة اصطفاه الله نبيًّا وأرسله إلى قبائل العرب من جرهم والعماليق وقبائل اليمن، فآمن به من شاء الله له أن يؤمن وكفر به من كفر. وتوفى إسماعيل - عليه السلام - بمكة، ودفن فى الحِجر عند قبر أمه هاجر.

*إسماعيل بن إبراهيم (خديو)

*إسماعيل بن إبراهيم (خديو) هو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على باشا والى مصر وحاكمها خلال الفترة [1863 - 1879 م]. وُلد بالقاهرة وتلقى تعليمه بمدرسة خاصة أنشأها جده محمد على بالقصر العالى بالقاهرة. وعندما أتم إسماعيل السادسة عشرة أوفده جده فى بعثة علمية إلى باريس، أتقن خلالها اللغة الفرنسية. وعندما تولى سعيد باشا حكم مصر استقدم إسماعيل رئيساً لمجلس أحكام مصر وعندما توفى سعيد باشا تولى إسماعيل ولاية مصر سنة [1279هـ = 1863 م]، وكان طامحاً إلى توسيع سلطانه، فبذل جهده لقصر ولاية الحكم فى مصر على أبنائه بعد أن كانت لأرشد أبناء أسرة محمد على، فحصل على فرمان من السلطان يعطيه هذا الحق. ومن أشهر أحداث عصره: إتمام حفر قناة السويس؛ حيث احتفل بافتتاحها سنة [1286هـ = 1869 م]، كما أنشأ السكك الحديدية التى بلغ طولها فى عهده [1085ميلاً]، وأنشىء فى عهده أيضاً نحو [4817مدرسة]، وتم إحياء صحيفة الوقائع المصرية وفى عهده أيضاً اتسعت مساحة الأراضى الزراعية. وتم عزل الخديو إسماعيل فى سنة (1297هـ = 1879 م) وخلفه ابنه الأمير محمد توفيق ونفى إسماعيل إلى نابولى ثم إلى الأستانة فأقام بها حتى توفى فى (رمضان 1312هـ = مارس 1895 م) ونقل جثمانه إلى القاهرة.

*اسماعيل الصفوى

*اسماعيل الصفوى هو إسماعيل بن حيدر بن جُنيد بن إبراهيم بن صدر الدين موسى بن صفى الدين الأردبيلى الصفوى مؤسس الدولة الصفوية الشيعية فى إيران. وُلد إسماعيل فى [25 من رجب 892 هـ = 18 من يونية 1487 م] ونشأ محبًّا للشعر وكان يقرضه باللغات العربية والتركية والفارسية. أسس «الدولة الصفوية» فى عام (907هـ = 1502م)، ثم دخل «تبريز» وأعلن نفسه فيها ملكًا على «إيران»، وتلقب بأبى المظفر شاه إسماعيل الهادى الوالى، وأصدر السكة باسمه، وفرض المذهب الشيعى، وجعله المذهب الرسمى لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السنى، وقال حين أعلن ذلك: «لا يهمنى هذا الأمر، فالله، وحضرات الأئمة المعصومين معى، وأنا لا أخشى أحدًا، وبإذن الله - تعالى - لو قال واحد من الرعية حرفًا، فسأسحب سيفى، ولن أترك أحدًا يعيش».وأمر المؤذنين أن يزيدوا فى الأذان عبارتَى: «أشهد أن عليا ولى الله»، و «حى على خير العمل». مضى الشاه «إسماعيل» فى إرساء قواعد دولته، وترسيخ دعائم مذهبه، وتنظيم إدارة بلاده، فاتخذ من «حسين بك لله» نائبًا له، وجعل «الشيخ شمس الدين اللاهيجى» حاملا للأختام، واستوزر «محمد زكريا»، ثم قضى على قبيلة «آق قيونلو»، ودخل «شيراز»، وأقر فيها مذهبه الشيعى، فأصبحت «إيران» دولة شيعية بين قوتين سنيتين هما: «الهند» والأتراك من جهة الشرق، والعثمانيون والشام فى الغرب. تميز الشاه «إسماعيل» بالصبر والذكاء وقوة الإرادة، والشجاعة والإقدام وحسن الإدارة، فالتف الناس حوله بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، وأقام دولته على أساس مذهبى ذى أصول سياسية واقتصادية وإدارية، ووضع الأساس الذى استمرت عليه هذه الدولة نحو قرنين من الزمان، وباتت ذات دور مؤثر وحيوى فى المنطقة، وقد أُعجب معاصرو الشاه «إسماعيل» به وبسياسته، وقد وصفه «ميرخواند» فى كتابه «روضة الصفا» بقوله: «كان ذلك الملك نادرة الزمان، وأعجوبة الليل والنهار». ولعل من أبرز إنجازات

«إسماعيل الصفوى» هى إقراره لوحدة «إيران» الوطنية والسياسية، وتحديد معالم شخصية دولته فى الداخل والخارج، غير أنه صعَّد -فى الوقت نفسه- حدة الصراع بين الصفويين والعثمانيين، وعمَّق الخلاف المذهبى بين السنيين والشيعة.

*اسماعيل الأول

*اسماعيل الأول هو إسماعيل بن حيدر بن جُنيد بن إبراهيم بن صدر الدين موسى بن صفى الدين الأردبيلى الصفوى مؤسس الدولة الصفوية الشيعية فى إيران. وُلد إسماعيل فى [25 من رجب 892 هـ = 18 من يونية 1487 م] ونشأ محبًّا للشعر وكان يقرضه باللغات العربية والتركية والفارسية. أسس «الدولة الصفوية» فى عام (907هـ = 1502م)، ثم دخل «تبريز» وأعلن نفسه فيها ملكًا على «إيران»، وتلقب بأبى المظفر شاه إسماعيل الهادى الوالى، وأصدر السكة باسمه، وفرض المذهب الشيعى، وجعله المذهب الرسمى لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السنى، وقال حين أعلن ذلك: «لا يهمنى هذا الأمر، فالله، وحضرات الأئمة المعصومين معى، وأنا لا أخشى أحدًا، وبإذن الله - تعالى - لو قال واحد من الرعية حرفًا، فسأسحب سيفى، ولن أترك أحدًا يعيش».وأمر المؤذنين أن يزيدوا فى الأذان عبارتَى: «أشهد أن عليا ولى الله»، و «حى على خير العمل». مضى الشاه «إسماعيل» فى إرساء قواعد دولته، وترسيخ دعائم مذهبه، وتنظيم إدارة بلاده، فاتخذ من «حسين بك لله» نائبًا له، وجعل «الشيخ شمس الدين اللاهيجى» حاملا للأختام، واستوزر «محمد زكريا»، ثم قضى على قبيلة «آق قيونلو»، ودخل «شيراز»، وأقر فيها مذهبه الشيعى، فأصبحت «إيران» دولة شيعية بين قوتين سنيتين هما: «الهند» والأتراك من جهة الشرق، والعثمانيون والشام فى الغرب. تميز الشاه «إسماعيل» بالصبر والذكاء وقوة الإرادة، والشجاعة والإقدام وحسن الإدارة، فالتف الناس حوله بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى، وأقام دولته على أساس مذهبى ذى أصول سياسية واقتصادية وإدارية، ووضع الأساس الذى استمرت عليه هذه الدولة نحو قرنين من الزمان، وباتت ذات دور مؤثر وحيوى فى المنطقة، وقد أُعجب معاصرو الشاه «إسماعيل» به وبسياسته، وقد وصفه «ميرخواند» فى كتابه «روضة الصفا» بقوله: «كان ذلك الملك نادرة الزمان، وأعجوبة الليل والنهار». ولعل من أبرز إنجازات

«إسماعيل الصفوى» هى إقراره لوحدة «إيران» الوطنية والسياسية، وتحديد معالم شخصية دولته فى الداخل والخارج، غير أنه صعَّد -فى الوقت نفسه- حدة الصراع بين الصفويين والعثمانيين، وعمَّق الخلاف المذهبى بين السنيين والشيعة.

*الأسود العنسى

*الأسود العنسى هو عيهلة - وقيل عبهلة - بن كعب بن عوف العنسى نسبة إلى بنى عنس أحد بطون قبيلة مذحج باليمن، والأسود العنسى أحد مثيرى الفتنة فى اليمن بادعائه النبوة، وقومه حديثو عهد بالإسلام، وقيل إنه سمى نفسه رحمان اليمن. وبدأت فتنة الأسود سنة (10هـ = 631 م) وانضم إليه من قبيلته من خُدعوا به، فسار إلى نجران وأجلى عنها القائمين بشئونها من قِبل رسول الله (وهما: عمرو بن حزم وخالد بن سعيد. وقد أرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين باليمن يأمرهم بمقاومة الأسود والاستعانة بكل ذى دين فى ذلك الأمر، فقام معاذ بن جبل، رضى الله عنه، على تنفيذ ما أمر به النبى وتعاون معه المسلمون من أهل اليمن، وكتبوا إلى فيروز وزير الأسود وعرضوا عليه التعاون معهم فى قتل الأسود، فرد عليهم ألاَّ يحركوا شيئاً حتى يدبر الأمر لقربه منه، فدخل فيروز على الأسود وهو نائم فى فراشه فقتله وقطع رأسه، وكان ذلك فى سنة (10هـ = 631 م) وبمقتله انتهت الفتنة.

*الأشتر النخعى

*الأشتر النخعى هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعى، أحد التابعين، ومن كبار أنصار الإمام على بن أبى طالب، وهو من قبيلة النخع إحدى القبائل العربية التى كانت تعيش فى اليمن، ولُقِّب بالأشتر لانقلاب جفنه إثر جرح أصابه فى إحدى عينيه فى معركة اليرموك سنة (15 هـ = 636 م). وعندما تولى على بن أبى طالب الخلافة كان الأشتر من أنصاره ومؤيديه، فاشترك فى معركة صفين سنة (37 هـ = 657 م) التى كانت بين على ومعاوية، رضى الله عنهما، وأظهر بسالة وشجاعة فى القتال. ولاه علىّ إمارة مصر خلفاً لمحمد بن أبى بكر. وتوفى الأشتر النخعى سنة (37 هـ = 657 م).

*أشعب بن جبير

*أشعب بن جبير هو أشعب بن جبير الملقب بالطامع، وكان مولى لعثمان بن عفان ، رضى الله عنه، وقيل إنه ولد فى خلافته. وأشهر ما يعرف عن أشعب أنه كان ظريفاً من ظرفاء المدينة، وكان يضرب به المثل فى الطمع، وله فى هذا نوادر مأثورة وأخبار طريفة، كما كان يجيد الغناء. ومن نوادره أنه كان يُحدّث الناس، فقال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خصلتان لا تجتمعان فى مؤمن. ثم سكت طويلاً، فقالوا: ماهما؟ فقال: نسى عكرمة واحدة، ونسيت أنا الأخرى! وقد عُمّر أشعب دهراً طويلاً، فقد قيل: إنه قدم بغداد زمن الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور. وتُوفى أشعب سنة (154 هـ = 771 م) عن نحو (120 سنة).

*الأشعث بن قيس

*الأشعث بن قيس هو الأشعث بن قيس بن معدى كرب الكندى صحابى جليل، وأحد أمراء قبيلة كِندة فى الجاهلية، ولقب بالأشعث لأنه كان كثيراً مايُرى أشعث الرأس، وأسلم فى السنة العاشرة من الهجرة. وفى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، امتنع الأشعث وقومه عن أداء الزكاة، فسيّر أبو بكر جيشاً هزمهم وأُسِر الأشعث، ولما حضر إلى أبى بكر تاب وحسنت توبته فأطلق سراحه وزوّجه أخته، وفى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، اتسعت الفتوحات الإسلامية، فشارك الأشعث فى معارك: اليرموك (13 هـ = 634 م)، والقادسية (14 هـ = 635 م)، والمدائن (16 هـ = 637 م)، وجلولاء (16 هـ = 637م)، ونهاوند (21 هـ = 641 م). وفى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، عيّنه والياً على أرمينية فظل عليها حتى خلافة على بن أبى طالب، وفى خلافة على بن أبى طالب، رضى الله عنه، كان الأشعث من أنصاره وشهد معه موقعة صفين. وتُوفى الأشعث بالكوفة سنة (40 هـ = 661 م).

*أشناس

*أشناس قائد تركى مسلم اشتهر فى خلافة العباسيين المأمون والمعتصم والواثق، وكان يكنى بأبى جعفر. عرف أشناس بشجاعته وفروسيته حتى إن الخليفة المأمون عندما خرج سنة ( 215 هـ = 830 م) قاصداً غزو الروم كان معه جماعة من القواد، منهم أشناس الذى وجّهه إلى حصن سندس فى الشام فجاء برئيسه إلى الخليفة. وفى ولاية المعتصم جعل ولاية مصر ل أشناس فكان اسم أشناس يذكر فى خطبة الجمعة مع اسم الخليفة، كما ضرب اسمه على السكة [العملة]. وكان لأشناس فضل كبير فى فتح عمورية فقد وضع الخطط الحربية المناسبة لمواجهة الروم، مما كان له أثر بالغ فى انتصار المسلمين. وفى ولاية الواثق أقرّ أشناس على ولاية مصر، وضم إليه إدارة شئون البلاد من بغداد حتى آخر حدود الدولة بالمغرب، ثم لقبه بلقب سلطان، وكان أول من لُقب بذلك. وتُوفى أشناس سنة (230 هـ = 843 م).

*الإصطخرى

*الإصطخرى هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الكرخى الإصطخرى رحّالة من علماء الجغرافية المشهورين. وُلد ونشأ بمدينة إصْطَخْر بإيران، فنسب إليها، وسعى فى طلب العلم وهو صغير، ونشأت لديه رغبة قوية فى السياحة والتطواف، فقد طاف معظم بلاد المسلمين. وكان الإصطخرى يصف كل بلدٍ زاره وصفاً دقيقاً، مبيناً مدنه وأنهاره وطرق مواصلاته، والمسافات التى تفصل بين المدن. وألَّف الإصطخرى عدة كتب، منها: صور الأقاليم ومسالك الممالك. وكُتُب الإصطخرى تجمع بين المتعة والفائدة، وكانت أساساً لمن صنَّف بعده من جغرافيِّى العرب، مثل ابن حوقل الذى اعتمد على كتاب الإصطخرى فى كتابه الذى ألفه بعد ذلك وسماه المسالك والممالك. وتُوفى الإصطخرى سنة (346 هـ = 957 م).

*ابن أبى أصيبعة

*ابن أبى أُصَيْبِعة هو موفق الدين أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجى وكان ملقباً باسم جده ابن أبى أصيبعة. وُلد ابن أبى أصيبعة بدمشق فى بيت علم وأدب، فقد كان والده من أشهر الكحّالين ( أطباء العيون) بدمشق، فتعلم الطب على يد أبيه وتخصص فى علومه، وبرع فى طب العيون، فسافر إلى مصر سنة (634 هـ = 1226 م) والتحق بالبيمارستان الناصرى بالقاهرة. واشتهر ابن أبى أصيبعة بحسن مداواته لمرضى العيون، فعيَّنه عز الدين أيبك أمير صرخد - إحدى مدن جبل حوران بسوريا - طبيباً خاصًّا له. ومن أهم مؤلفات ابن أبى أصيبعة كتاب باسم عيون الأنباء فى طبقات الأطباء وترجم فيه لكبار الأطباء منذ عُرف الطب لدى الإغريق والرومان والهنود والعرب. ومن كتبه أيضاً: حكايات الأطباء فى علاجات الأدواء، إصابات المنجمين، التجارب والفوائد. وتُوفى ابن أبى أصيبعة فى (جمادى الأولى 668 هـ = يناير 1270م).

*امرؤ القيس

*امرؤ القيس هو حُنْدُج بن حُجْر بن الحارث بن عمرو بن حُجْر بن عمرو بن معاوية الكِندى. شاعر عربى من قبيلة كندة. وُلد بأرض نجد فى ديار بنى أسد نحو سنة (130 ق. هـ = 497 م). نشأ امرؤ القيس مترفاً لا يألف خشونة العيش، وكان من العشاق الذين يميلون إلى العبث، ويقال: إن أباه طرده إلى قرية دمّون بحضرموت لتشبيبه بفاطمة بنت العُبيد. وقد لقب امرؤ القيس بالملك الضليل، وبذى القروح. وقد قيل: إن امرأ القيس هو أول من وضع قواعد للشعر العربى، ومن ثم لُقب بأمير شعراء الجاهلية. وقد تنوعت أغراض شعره، وجاء الغزل والنسيب فى مقدمة هذه الأغراض، ومن ذلك قوله فى معلقته الشهيرة: قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنِزلٍ بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقوله: يظل العذارى يرتمين بلحمها وشحم كهُدَّاب الدمقس المفتل وقوله: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله على بأنواع الهموم ليبتلى وقد توفى امرؤ القيس سنة (80 ق. هـ = 545 م) بعد أن لبس حُلّة مسمومة، فظهرت على جسمه القروح، ومن ثم عُرف بذى القروح.

*امية بن خلف

*اُمَيَّة بن خلف هو اُمَيَّة بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمح، أحد سادات قريش وعظمائها، أدرك الإسلام ولم يسلم، وكان من أشد أهل قريش عناداً وحرباً للنبى - صلى الله عليه وسلم -. كان اُمَيَّة بن خلف سيَّداً لبلال بن رباح وكان يبتدع فى وسائل تعذيبه فكان يُخرج بلالاً إذا حميت ظهيرة مكة ويلقيه على رمالها ثم يضع أثقل الصخور على ظهره، كما كان اُمَيَّة شديد الإيذاء للنبى - صلى الله عليه وسلم - مشتركاً فى ذلك مع بعض سادات قريش. وقد نزل فى اُمَيَّة بن خلف قرآنٌ يهدده ويوضّح موقفه من الدعوة، من ذلك قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة الذى جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن فى الحطمة وماأدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة فى عمد ممددة) [الهمزة]. وكان اُمَيَّة بن خلف من المشاركين فى الندوة التى عقدتها قريش قبل الهجرة ليتخلصوا من النبى ولكن الله نجى رسولَه ورد كيدهم. وقد تُوفى اُمَيَّة بن خلف فى غزوة بدر سنة (2هـ = 623 م).

*أنس بن مالك

*أنس بن مالك هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الخزرجى الأنصارى، صحابى جليل كنيته أبوحمزة ويقال أبو ثمامة الأنصارى. وُلد أنس، رضى الله عنه، قبل الهجرة بعشر سنوات، ونشأ فى كنف الرسول منذ صباه يكلؤه برعايته، ويظله بمظلته، ويخصه بجانب من العلم، وقد أحسن أنس التلقى عن النبى (والحفظ منه، ولذا روى عن الرسول أحاديث كثيرة حتى لُقْب راوية الإسلام، وبلغ مارواه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث، ألفين ومئتين وستة وثمانين حديثاً. وقد شهد أنس، رضى الله عنه، مع الرسول (الحديبية والفتح وحنيناً والطائف وخيبر، ولم يحارب يوم بدر؛ لأنه كان صغير السن آنذاك. وقد استعمله أبو بكر ثم عمر، رضى الله عنهما، على عمالة البحرين، وشكرا له حسن قيامه بعمله، وحرصه على أدائه ورعايته حق الله والمسلمين. وعُمِّر أنس، رضى الله عنه، طويلاً، حتى قيل: إنه كان آخر الصَّحابة موتاً، وكان يرى فى كل ليلة حبيبه (ويبكى بكاءً شديداً. وقد تُوفى أنس بن مالك سنة (93 هـ = 711 م).

*الأوزاعى

*الأوزاعى هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعى من كبار تابعى التابعين. ولقب بالأوزاعى نسبة إلى الأوزاع وهى بطن من ذى الكلاع باليمن. ولد سنة (88 هـ = 706 م) بقرية بعلبك فى لبنان وربته أمه يتيماً، ثم استقر بدمشق. وقد برع الأوزاعى فى تفسير القراَن الكريم، وحفظ الحديث، والأخبار، والمغازى، وكان صاحب مذهب ساد فى الشام زمناً، ثم ما لبث أن ضعف انتشاره، بسبب انتشار المذهبين المالكى والشافعى اللذين حلاَّ محلَّه. وقد التزم الأوزاعى فى فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. وللأوزاعى كتابان فى الفقه، هما السنن والمسائل، وقد ضمَّن كتاب المسائل الفتاوى التى أفتى بها. وتُوفى الأوزاعى سنة (157هـ = 773 م) فى بيروت.

*عبد الرحمن الأوزاعي

*عبد الرحمن الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعى من كبار تابعى التابعين. ولقب بالأوزاعى نسبة إلى الأوزاع وهى بطن من ذى الكلاع باليمن. ولد سنة (88 هـ = 706 م) بقرية بعلبك فى لبنان وربته أمه يتيماً، ثم استقر بدمشق. وقد برع الأوزاعى فى تفسير القراَن الكريم، وحفظ الحديث، والأخبار، والمغازى، وكان صاحب مذهب ساد فى الشام زمناً، ثم ما لبث أن ضعف انتشاره، بسبب انتشار المذهبين المالكى والشافعى اللذين حلاَّ محلَّه. وقد التزم الأوزاعى فى فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. وللأوزاعى كتابان فى الفقه، هما السنن والمسائل، وقد ضمَّن كتاب المسائل الفتاوى التى أفتى بها. وتُوفى الأوزاعى سنة (157هـ = 773 م) فى بيروت.

*ابن إياس

*ابن إياس هو أبوالبركات محمد بن أحمد بن إياس زين الدين المصرى الحنفى. أحد المؤرخين المصريين البارزين فى كتابة التاريخ فى القرن (9هـ = 15م). وُلد فى القاهرة سنة (852 هـ = 1448 م) لأسرة مملوكية رفيعة القدر؛ حيث كان أبوه وجده من الأمراء. وقد كان لابن إياس منهج فى كتابة التاريخ، فقد كان يتحرى الدقة فيما يكتب، وفيما يصدر من أحكام على معاصريه من السلاطين والأمراء. وكان يقف عند كل حادثة بالشرح والتعقيب مع شىء من القوة فى الحكم والجرأة فى التقدير. وقد اعتنى ابن إياس فى كتابته للتاريخ بتسجيل تاريخ مصر والإفاضة فيه. وقد ترك ابن إياس مؤلفات عديدة نافعة، منها: بدائع الزهور فى وقائع الدهور.- عقود الجمان فى وقائع الزمان.- نزهة الأمم فى العجائب والحكم.- نشق الأزهار فى عجائب الأقطار. وقد تُوفى ابن إياس سنة (930 هـ = 1523 م).

*أبو أيوب الأنصارى

*أبو أيوب الأنصارى هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن النجار بن الخزرج المعروف بأبى أيوب الأنصارى، صحابى جليل، ومن السابقين الذين بايعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى بيعة العقبة الثانية. وكان لأبى أيوب الأنصارى شرف ضيافة النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما هاجر من مكة إلى المدينة. وعندما آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبى أيوب ومصعب بن عمير، رضى الله عنهما. وشهد أبو أيوب غزوة بدر وأحد والخندق، وسائر المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحرس فى غزوة خيبر خيمة رسول الله وسهر على حمايته. وقد روى أبو أيوب الأنصارى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (150) حديثاً، واتفق البخارى ومسلم على سبعة منها وانفرد البخارى برواية حديث واحد، ومسلم بخمسة أحاديث، فى حين تفرق الباقى فى كتب الحديث الأخرى. وتُوفى أبو أيوب الأنصارى سنة (52 هـ = 672 م)

*أبو بردة بن أبى موسى

*أبو بردة بن أبى موسى هو أبو بُردة عامر بن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعرى الإمام الفقيه الثبت، كان أبوه صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كان أبو بُردة ثقة كثير الحديث له مكارم ومآثر مشهورة. تولى أبو بُردة القضاء على الكوفة بعد القاضى شريح فى أيام الحجاج ثم عزله الحجاج وولى على الكوفة أخا أبى بردة وهو أبو بكر بن أبى موسى الأشعرى. تُوفى أبو بردة بالكوفة سنة (103 هـ = 721 م).

*بطرس قيصر روسيا

*بطرس قيصر روسيا هو بطرس الثالث قيصر روسيا ابن الامبراطورة أنا ابنة بطرس الأكبر مؤسس روسيا. تولى بطرس الثالث الحكم بعد عمته الإمبراطورة اليصابات سنة (1176 هـ = 1762 م)، وقد أخرج روسيا من حرب السنين السبع. تزوج بطرس الثالث من الأميرة صوفيا أميرة أنهالت التى تعرف ب كاترين الثانية وكان بطرس عربيداً (سيئ الخلق) فلم يكن يصلح لتولى الحكم فقامت مؤامرة تزعَّمها الإخوة أودلوف لإرغام بطرس على النزول عن العرش، وإعلان كاترين العاهل الوحيد على روسيا، وبعد أيام وُجد بطرس ميتاً فى ظروف غامضة، ويعتقد أنه اغتيل.

*جمال الدين الأفغانى

*جمال الدين الأفغانى هو محمد بن صفتر الحسينى جمال الدين فيلسوف الإسلام فى عصره. وُلد فى بيت شرف وعلم بقرية أسعد آباد من قرى كنر بالأفغانستان سنة (1254 هـ = 1838 م) ثم انتقل إلى كابل وهو فى الثامنة من عمره، فتلقى العلوم العربية والشرعية والرياضية، وبرع فى العلوم الرياضية. كان جمال الدين الأفغانى من العقول الواسعة؛ فقد أتقن الإنجليزية والروسية، وكان واسع الاطلاع على العلوم القديمة والحديثة، خصوصاً الفلسفة القديمة وفلسفة تاريخ الإسلام. سافر الأفغانى إلى الهند ومصر ثم إلى الأستانة وعُيِّن فيها عضواً فى مجلس المعارف، ثم غادرها إلى مصر فمكث فيها ثمانى سنوات فطارت شهرته فى البلاد وأقبل عليه الطلاب يتلمسون منه علماً ونوراً. وشهد الأفغانى الثورة العرابية، وبعد إخفاقها سافر إلى باريس، ولحقه تلميذه محمد عبده وأنشأ معه جريدة العروة الوثقى. وليس للأفغانى غير مؤلفين هما: -تاريخ الأفغان. -رسالة الرد على الدهريين. وفى آخر أيامه داهمه مرض السرطان فى فكه وامتد إلى عنقه فتُوفِّى بالأستانة ودُفن فى أفغانستان، وكان ذلك سنة (1315 هـ = 1897 م).

*جيش بن خمارويه (أبو العساكر)

*جيش بن خمارويه (أبو العساكر) هو أبو العساكر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون أمير مصر والشام. وُلد ونشأ بمصر. وَلِى مصر والشام بعد مقتل أبيه خمارويه بدمشق، وقد تقاعس عن مبابعته جماعة من كبار القواد، ولكن بايعه آخرون فتمت له البيعة وهو صبى. وكانت ولايته فى (ذى القعدة 282 هـ = يناير 896 م). وغلب عليه اللهو والمجون فنقمت عليه الخاصة وخلعوه عن الولاية فى (جمادى الآخرة 283 هـ = يونيو 896 م) وسجن وقتل فى السجن بعد خلعه بأيام يسيرة، وكانت مدة ولايته ستة أشهر.

*ابن حبيب

*ابن حبيب هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة السلمى الإلبيرى القرطبى عالم الأندلس وفقيهها فى عصره. وُلد فى إلبيرة سنة (174 هـ = 790 م) وسكن قرطبة. كان عالماً بالتاريخ والأدب والنحو والعروض، حافظاً للأخبار والأنساب والأشعار، كان يقول الشعر أيضاً، وكان رئيساً فى فقه المالكية. وقال عنه محمد بن عمر بن لُبابة: عبد الملك بن حبيب عالم الأندلس، ويحيى بن يحيى عاقلها، وعيسى بن دينار فقيهها. ولابن حبيب مؤلفات كثيرة فى الفقه والتاريخ والأدب منها: -فضل الصحابة. - غريب الحديث. -تفسير الموطأ. - الواضحة. -حروب الإسلام. - طبقات الفقهاء والتابعين. تُوفى ابن حبيب بقرطبة سنة (238 هـ = 853 م).

*زرياب

*زرياب هو أبو الحسن على بن نافع الملقب بزرياب، نابغة الموسيقى فى عصره، ولُقب بزرياب؛ لأنه كان أسود اللون مع فصاحة لسانه تشبيهاً له بطائر مغرد أسود اللون. كان زرياب شاعراً مطبوعاً وتتلمذ على يد إسحاق الموصلى المغنى العباسى ببغداد، وفاقه فى الغناء، وغنى بين يدى هارون الرشيدى. وهو أول من جعل فى العود خمسة أوتار. سافر زرياب إلى الأندلس وقد سبقته شهرته، وأقام بقرطبة، وبها اخترع مضراب العود من قوادم النسر، بعد أن كان يُصنع من الخشب. وتُوفى زرياب بالأندلس سنة (230 هـ = 845 م).

*عمرو بن العاص:

*عمرو بن العاص: هو فاتح «مصر»، وأول والٍ عليها من قِبل الخليفة «عمر بن الخطاب»، وكان واليًا عادلا، عمل على نشر الأمن والأمان فى ربوع «مصر»، ومنح الأقباط الحرية الدينية التى افتقدوها قبل الفتح الإسلامى، وأعاد البطريق «بنيامين» من منفاه فى «وادى النطرون» إلى «كنيسة الإسكندرية»، لذلك أحبه المصريون. قام «عمرو بن العاص» بالإصلاحات المالية والإدارية فى «مصر»، واعتمد فيها على الأقباط من أهلها، فنعم المصريون -جميعًا- فى ولايته بالحرية الدينية والحياة الكريمة. تأسيس الفسطاط: لم يقتصر دور «عمرو بن العاص» على الإصلاحات المالية والإدارية، بل أسس مدينة «الفسطاط» (مصر القديمة حاليا)؛ لتكون عاصمة لمصر الإسلامية بأمر من الخليفة «عمر بن الخطاب»، ثم أسس مسجده - الذى لايزال يحمل اسمه حتى الآن - فى وسط تلك المدينة. وهو أول مسجد فى قارة إفريقيا. ومن أهم أعمال «عمرو بن العاص» حفر قناة تصل «النيل» بالبحر الأحمر، بأمر من الخليفة «عمر بن الخطاب»، لتسهيل السفر والتجارة بين «مصر» والجزيرة العربية، وكان اسم هذه القناة: «خليج أمير المؤمنين». وقد تولى «عمرو بن العاص» ولاية «مصر» مرتين، كانت الثانية من سنة (38هـ = 658م) حتى سنة (43هـ = 663م).

*علي بن نافع

*علي بن نافع هو أبو الحسن على بن نافع الملقب بزرياب، نابغة الموسيقى فى عصره، ولُقب بزرياب؛ لأنه كان أسود اللون مع فصاحة لسانه تشبيهاً له بطائر مغرد أسود اللون. كان زرياب شاعراً مطبوعاً وتتلمذ على يد إسحاق الموصلى المغنى العباسى ببغداد، وفاقه فى الغناء، وغنى بين يدى هارون الرشيدى. وهو أول من جعل فى العود خمسة أوتار. سافر زرياب إلى الأندلس وقد سبقته شهرته، وأقام بقرطبة، وبها اخترع مضراب العود من قوادم النسر، بعد أن كان يُصنع من الخشب. وتُوفى زرياب بالأندلس سنة (230 هـ = 845 م).

*معمر بن راشد

*مَعْمَر بن راشد هو أبو عروة معمر بن راشد بن أبى عمروالأزدى أحد الأعلام الثقات فى اليمن، فقيه حافظ للحديث. وُلد بالبصرة سنة (95 هـ = 713 م) واشتهر فيها، ثم سكن اليمن، وهو أول من صنف باليمن. كان معمر من أوعية العلم مع الصدق والتحرى والورع وحسن التصنيف، وكان من الثقات الذين يؤخذ منهم، فقد قال عنه ابن جرير: عليكم بمعمر فإنه لم يبق فى زمانه أعلم منه. ومن أهم كتب معمر بن راشد كتاب الجامع. وتُوفى معمر بصنعاء فى (رمضان 153 هـ = سبتمبر 770 م).

*مغيث الرومى

*مغيث الرومى هو مغيث بن الحارث بن الحويرث بن جبلة بن الأيهم الغسانى المعروف ب مغيث الرومى فاتح قرطبة. أُسر مغيث من قِبل الروم وهو صغير، ونشأ بدمشق وتأدب مع أولاد عبد الملك بن مروان فتلقى الفصحى وصار يقول الشعر والنثر، ومن شعره قوله: أعنتكمُ ولكن ما وفيتم فسوف أعيث فى غرب وشرق ودخل مغيث الأندلس غازياً مع طارق بن زياد، ثم أرسله لفتح قرطبة ومعه سبعمائة فارس ففتحها فى (شوال سنة 92 هـ = أغسطس 711 م)، ثم فتح الكنيسة التى تحصن بها ملك قرطبة بعد حصار دام ثلاثة أشهر. وبعد فتح قرطبة حدث بين مغيث وطارق بن زياد خلاف فرحل مغيث إلى دمشق سنة (96 هـ = 715 م) وخدم سليمان بن عبد الملك ثم عاد إلى الأندلس. وتُوفى مغيث الرومى بالأندلس سنة (100 هـ = 718 م).

*المغيرة بن شعبة

*المغيرة بن شعبة هو أبو عبد الله المغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود الثقفى صحابى جليل، أحد دهاة العرب وقاداتهم. وُلد المغيرة فى الطائف بالحجاز سنة (20 ق. هـ = 603 م). أسلم المغيرة بن شعبة سنة (5 هـ) وشهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد أيضاً القادسية ونهاوند وهمدان. ولاَّه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، البصرة، ثم عزله وولاه الكوفة. والمغيرة بن شعبة من رواة الحديث، فقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (136) حديثاً. وقد وُصف المغيرة بالدهاء، قال الشعبى: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. وتُوفى المغيرة بالكوفة سنة (50 هـ = 570 م)، ولما تُوفى وقف مصقلة بن هبيرة الشيبانى على قبره، فقال: إن تحت الأحجار حزماً وجوداً وخصيماً ألد ذا معلاق حيّة فى الوجار أربد، لاين فع منه السليم نفث الراقى ثم قال: أما والله لقد كنت شديد العداوة لمن عاديت شديد الأخوة لمن آخيت.

*المقريزى

*المقريزى هو أبو العباس أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم تقى الدين المقريزى مؤرخ الديار المصرية. وُلِد المقريزى سنة ( 766 هـ = 1365 م) بحارة برجوان بقسم الجمالية بمحافظة القاهرة بمصر، ونشأ فى أسرة معروفة بالاشتغال بالعلم، فعكف على دراسة علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة النحو والتاريخ والأدب والحساب. عمل المقريزى كاتباً فى ديوان الإنشاء بالقلعة ثم عُيِّن نائباً من نواب الحكم، ثم عُيِّن مدرساً للحديث بالمدرسة المؤيدية، ثم عيَّنه السلطان برقوق سنة (801 هـ = 1398م) محتسباً للقاهرة والوجه البحرى. وبعد ذلك انقطع المقريزى للعلم واشتغل بالتاريخ، وأثرىالمكتبة العربية بكتب كثير منها: - اتعاظ الحنفا بأخبار الفاطميين الخلفا. - إمتاع الأسماع. - إغاثة الأمة بكشف الغمة. - العقود فى تاريخ العهود. - نبذة العقود فى أمور النقود. - السلوك لمعرفة دول الملوك. وتُوفى المقريزى سنة (845 هـ = 1441 م).

*ابن المقفع

*ابن المقفع هو عبد الله بن المقفع من أئمة الكتَّاب، وأول من عُنى فى الإسلام بترجمة كتب المنطق، وهو فارسى الأصل. وُلد ابن المقفع سنة (106 هـ = 724 م)، فى قرية جُور بفارس ونشأ بها، وعمل على تحصيل الثقافة الفارسية، ثم رحل إلى البصرة، وتعلم اللغة العربية سريعاً لاختلاطه بمواليه آل الأهتم وهم مشهورون بالفصاحة. وكان ابن المقفع مجوسيَّاً فأسلم، وكان كريم الأخلاق، وعقله شديد الاتساع. وترجم ابن المقفع عن الفارسية كتاب كليلة ودمنة، وهو من أشهر كتبه. وترجم أيضاً كُتب أرسطو طاليس الثلاثة فى المنطق، وله رسائل غاية فى الإبداع، منها: الأدب الصغير والأدب الكبير والصحابة. وقد اتُهم ابن المقفع بالزندقة، فقتله أمير البصرة سفيان بن معاوية المهلبى وكان ذلك سنة (142هـ = 759 م).

*أبو الأسود الدؤلى

*أبو الأسود الدؤلى هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلى الكنائى. وُلد بمكة ، ولا تُعرف سنة ولادته على وجه التحديد، أسلم فى عهد النبى (ولم يره. صحب على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فبرز شأنه فى خلافته، وقاتل معه يوم الجمل وشهد معه صِفِّين وولاّه قضاء البصرة ثم جعله والياً عليها. ويذهب معظم العلماء إلى أن أبا الأسود الدؤلى هو أول من وضع قواعد النحو العربى بأمر من على بن أبى طالب. وأبو الأسود الدؤلى هو أول من نقط المصحف نقط إعراب. وقد بقى من أثر أبى الأسود ديوان شعر، كان قد جمعه اللغوى المعروف أبو الفتح بن جنى. ومن شعره: ياأيها الرجل المعلم غيره هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذى السقام وذى الضنا كيما يصح به وأنت سقيم ونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عديم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ لاتنه عن خُلق وتأتى مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم وتوفى أبو الأسود الدؤلى بالبصرة سنة (69 هـ = 688 م).

*الأصمعى

*الأصمعى هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبدالملك بن أصمع الباهلى. أحد أعلام اللغة والأدب. وُلد الأصمعى بالبصرة نحو سنة (122هـ = 740 م) فى حى بنى أصمع وحفظ القرآن وأتقن تجويده وقد رغب الأصمعى فى أخذ اللغة والنحو والشعر من مصادرها الأولى فارتحل إلى البوادى يخالط أهلها؛ ويدون ما يسمعه منهم؛ مما أكسبه معرفة واسعة بحياة الجاهليين وأشعارهم وأراجيزهم. واتسم الأصمعى بالدقة فى الرواية والخبرة فى الشعر حتى إن الأخفش كان يقول عنه مارأيت أحداً أعلم بالشعر من الأصمعى، وعلى الرغم من كثرة محفوظاته ومروياته الشعرية فإنه لم يكن شاعراً، ولما سُئل عن ذلك قال: منعنى عن نظم الشعر نظرى إلى جيِّده. وكانت للأصمعى خبرة جغرافية بالجزيرة العربية ودروبها ومسالكها، وقد استشهد به ياقوت الحموى فى كتابه معجم البلدان فى (341) موضعاً. وترك الأصمعى ثروة علمية طائلة، فمن كتبه: - النبات والشجر - خلق الإنسان - فحولة الشعراء - الأصمعيات وتُوفى الأصمعى بالبصرة سنة (216 هـ = 831 م).

*ابن السلار

*ابن السَّلاَّر هو أبو الحسن على بن السلار، ولقبه العادل سيف الدين ناصر الحق، وقيل: أبو منصور على بن إسحاق، وعرف بابن السلار. وزير الظافر بالله العبيدى الفاطمى (5 من جمادى الآخرة 544 هـ = 13 من سبتمبر 1149 م) (آخر المحرم 549 هـ = 16 من أبريل 1154 م). تولى ابن السلار الوزارة بعد تغلبه على نجم الدين أبى الفتح سليم بن محمد بن مصال وزير الظافر بالله، وكان ابن السلار والياً على البحيرة والإسكندرية، وكان غير راضٍ عن تولّى ابن مصال الوزارة، فجاء إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر، والتقى بابن مصال عند دِلاص قرب البهنسا (التابعة لمحافظة المنيا)، فقَتل ابن مصال وتقلد ابن السلار الوزارة فى سنة (544 هـ = 1144 م). كان ابن السلار سنيًّا شافعيًّا شجاعاً مقداماً مائلاً إلى أرباب الفضل والصلاح، عمَّر بالقاهرة الكثير من المساجد، كما كان له دور فى مواجهة الفرنج الصليبيين، فكان أول من حاول عقد اتفاق مع نور الدين أمير حلب لعمل جبهة موحدة لمواجهتهم، كما عمل ابن السلار على تقوية الجيش واهتم بتحصين عَسقلان. ومع هذا فقد كان شديداً فى معاملته للناس، وكان زوج أم عباس بن باديس الصَّنهاجى فقتله نصر بن عباس هذا على فراشه بالقاهرة، وتولى عباس بعده الوزارة يوم الخميس سادس المحرم سنة (548 هـ = 1153 م)، وقيل: السبت الحادى عشر من المحرم من السنة نفسها، وبعدها دخل الفرنج مدينة عسقلان واستولوا عليها فى (27 من جمادى سنة 548 هـ = 20 من أغسطس 1153 م). وتُوفى ابن السلار سنة (548 هـ = 1153 م).

*ابن سعد

*ابن سعد هو محمد بن سعد بن منيع الزهرى أبو عبد الله. مؤرخ، ثقة، صاحب الطبقات. وُلد سنة (168 هـ = 784 م) فى البصرة وسكن بغداد، وصحب الواقدى المؤرخ، فكتب عنه، وروى عنه، ويُعد من أهل العدالة، يتحرى فى كثير من رواياته. روى عنه سفيان بن عيينة وهشيم وغيرهما، وروى عنه أبو بكر ابن أبى الدنيا، أشهر كتبه: طبقات الصحابة اثنا عشر جزءًا، ويعرف بطبقات ابن سعد. قال أبو حاتم: صدوق. وتُوفى ببغداد سنة (230 هـ = 845 م).

*محمد بن سعد

*محمد بن سعد هو محمد بن سعد بن منيع الزهرى أبو عبد الله. مؤرخ، ثقة، صاحب الطبقات. وُلد سنة (168 هـ = 784 م) فى البصرة وسكن بغداد، وصحب الواقدى المؤرخ، فكتب عنه، وروى عنه، ويُعد من أهل العدالة، يتحرى فى كثير من رواياته. روى عنه سفيان بن عيينة وهشيم وغيرهما، وروى عنه أبو بكر ابن أبى الدنيا، أشهر كتبه: طبقات الصحابة اثنا عشر جزءًا، ويعرف بطبقات ابن سعد. قال أبو حاتم: صدوق. وتُوفى ببغداد سنة (230 هـ = 845 م).

*بنيامين البطريق

*بنيامين البطريق ينتمى إلى أسرة قبطية موسرة من قرية فرشوط فى البحيرة، ثم رحل إلى دير قبريوس بالإسكندرية، وترهب على يد رئيسه تيوناس وقد جد فى تحصيل العلم، وكان ذكى الفؤاد، شديداً فى الدين. وقد أحبه المسيحيون، واتبعوه، واختير بطريقاً للكنيسة فى منتصف عمره، وظل فيها إلى أن تُوفى سنة (42 هـ = 662 م) بعد ولاية تسع وثلاثين سنة. ومما يذكر أنه واجه الفرس، وحض الناس على الثبات والصبر، ودبر أمور الكنيسة، وهرب قبل مجئ قيرس إلى الإسكندرية، ولاقى المسيحيون العذاب والتنكيل على يد هرقل لإجبارهم على اعتناق مذهب خلقدونية.

*هاجر

*هاجر هى أم إسماعيل بن إبراهيم، عليهما السلام. كانت جارية مصرية جميلة. وهبها فرعون مصر لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام، حينما كانا فى زيارة لمصر، ثم وهبتها سارة لزوجها، فرزقه الله منها إسماعيل، ثم أوحى الله - تعالى - إلى إبراهيم - عليه السلام - أن يسكنهما مكة ففعل وأنزلهما موضع الحجر، ثم تركهما ورجع إلى الشام. ونفد الماء من هاجر، فعطشت هى وولدها، فأخذت تسعى بلهفة بين الصفا والمروة، وتدعو الله أن ينجيها وابنها، فإذا هى بجبريل - عليه السلام - يضرب موضع زمزم بجناحه فتفجر الماء من هذا الموضع، فجعلت تزمه بحيث لا يخرج الماء خارجه؛ خوفاً من نفاده. ومرت جماعة جرهم تريد الشام، فرأوا الطير يحلق فوق الجبل فعلموا أن هذا المكان به ماء فنزلوا به واستأذنوا السيدة هاجر فى السكن به، فأذنت لهم؛ فصاروا سكان مكة، وشب إسماعيل بينهم، وماتت هاجر قبل سارة، ودفنها إسماعيل بالحجر.

*مسيلمة الكذاب

*مسيلمة الكذاب هو أبو ثمامة مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفى الوائلى. ولد ونشأ باليمامة، وهو أحد مدعى النبوة؛ إذ قدم مع وفد بنى حنيفة على النبى - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه تخلف عنهم، وأسلم الوفد، وأخبروا النبى بموضع مسيلمة، فأمر له النبى بمثل ماأمر لهم، فلما رجعوا ادعى مسيلمة النبوة، وطالب الرسول باقتسام الأرض معه مناصفة، ثم أخذ يكثر من وضع أسجاع يضاهى بها القرآن، وتوفى النبى - صلى الله عليه وسلم - ومازال مسيلمة على حالته تلك. وفى خلافة أبى بكر - رضى الله عنه - التحم الجيش الإسلامى بقيادة خالد بن الوليد مع جيش مسيلمة فى معركة شديدة، أسفرت عن هزيمة مسيلمة ومقتله سنة (12هـ=633م).

*نوح عليه السلام

*نوح عليه السلام هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس، عليه السلام. رسول من أولى العزم، وأطلق عليه الأب الثانى للبشر. كان بينه وبين آدم عشرة قرون كلها على الإسلام، كما فى البخارى، وبعد تلك القرون آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام؛ فأرسل الله نوحاً ليعود الناس إلى عبادة الله فاستجابت له فئة قليلة، وتصدى له الباقون بالإيذاء. فثابر على أداء واجب الدعوة إلى الله على مدار ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلا قليل ([هود: 40]، وأوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون ([المؤمنون: 27]، فلما اشتد إيذاء قومه له ولمن آمن معه دعا ربه (أنى مغلوب فانتصر ([القمر: 10]؛ فحل بالأرض طوفان دمر قومه ولم ينج منهم إلا المسلمون بالسفينة. وقد ذكر الله تعالى نوحاً عليه السلام فى أكثر من أربعين موضعاً فى القرآن الكريم، وذكر قصته وما كان من قومه، وأن زوجته وأحد أبنائه كانا من المكذبين له الكافرين بدعوته.

*مصطفى كامل

*مصطفى كامل هو مصطفى كامل بن على محمد، السياسى الخطيب الكاتب الذى وُلِد بالقاهرة فى (14من أغسطس 1874م). كان أبوه ضابطاً مهندساً، عُنِى بتعليمه؛ فصار فصيحاً، ساحر البيان. التحق بكلية الحقوق؛ لكى يعد نفسه لأداء مهمته الوطنية، وحصل على شهادة الحقوق، من جامعة تولوز، بفرنسا قبل بلوغه سن العشرين. وقد اتجه إلى مقاومة الاحتلال الإنجليزى بإلقاء الخطب وكتابة المقالات والكتب، ونشر دعوته السياسية فى صحف فرنسا وأسس بمصر جريدة اللواء اليومية كما أصدر جريدتين أخريين بالاسم نفسه؛ إحداهما بالفرنسية والأخرى بالإنجليزية وتنقل بين البلاد الأوربية، مطالباً باستقلال مصر، وكان يرى أن قضية الاستقلال قضية دولية؛ فالاستقلال من حق جميع الشعوب، وأسس الحزب الوطنى، وانتخب رئيساً له سنة (1907 م) طوال حياته. ومن آثاره: أعجب ما كان فى الرق عند الرومان ودفاع مصرى عن بلاده والشمس المشرقة فى حرب اليابان وروسيا والمسألة الشرقية ومصر والاحتلال الإنجليزى ورسائل مصرية فرنسية وقد جمع شقيقه على فهمى كامل سيرته بعنوان مصطفى كامل باشا؛ سيرته وأعماله، وألفت حوله عدة كتب مستقلة، مثل مصطفى كامل لمحمد ثابت البندارى ومصطفى كامل باعث الحركة الوطنية لعبد الرحمن الرافعى ومصطفى كامل؛ حياته وكفاحه لأحمد رشاد. ومات مصطفى كامل وهو فى ريعان شبابه متأثراً بالمرض، فى (10 من فبراير 1908 م).

*ابن مصال

*ابن مصال هو نجم الدين أبو الفتح سليمان بن محمد بن مصال اللُّكى المفضل وُلِد فى لُكَّ بالقرب من برقة وعمل بالبيزرة والبيطرة، كما كان عالماً بأصول الدين. وعرف بالتواضع ولين الجانب وقد عينه الحافظ ناظراً للمصالح، ثم عينه الظافر وزيراً؛ تنفيذاً لوصية أبيه الحافظ فى (5 من جمادى الآخرة 544 هـ = 13 من سبتمبر 1149م) ولقبه بالأفضل وأمير الجيوش وسعد الملك وليث الدولة. وقد غضب العادل بن السلار لتولى ابن مصال الوزارة، ونجح فى طرده من الوزارة، فخرج ابن مصال من القاهرة إلى الجيزة، فتبعته جيوش العادل، وقتل قرب دلاص فى المنيا بمصر، فى (19 من شوال 544 هـ = 19 من فبراير 1150 م).

*مدحت باشا

*مدحت باشا هو مدحت باشا أو أحمد مدحت بن حاجى حافظ أشرف أفندى، أبو الأحرار العثمانى. وُلِد سنة (1238 هـ = 1822 م) في إستامبول وكان أبوه قاضياً، وسماه محمد شفيق وغلب عليه اسم أحمد مدحت ثم مدحت. تعلم العربية والفارسية، وتقلب فى الوظائف، حتى كان والياً على الدانوب (الطونة). وقضى على ثورات البلغار، وأصدر الدستور العثمانى فى أواخر سنة (1293هـ = 1876 م)، ثم عزله السلطان عبد الحميد، فسافر إلى لندن، ثم عاد والياً علي الشام فأزمير، ثم حوكم لاتهامه فى الاشتراك فى تدبير قتل السلطان عبد العزيز سنة (1293 هـ = 1876 م). وكان يستهدف إصلاح الحكم والإدارة، حيث حاول أن ينتفع من الحضارة الأوربية الحديثة بما يتوافق مع الإسلام فى تنظيم الحكم والإدارة والاقتصاد. وقد صدر الحكم بإعدامه، ولكن السلطان اكتفى بنفيه إلى قلعة الطائف بالحجاز ثم تُوفِّى سنة (1301 هـ = 1883 م)، وقد اختلف فى سبب وفاته؛ فقيل: وُجِد مخنوقاً في سجنه، وقيل: مات بالسرطان.

*المدائنى

*المدائنى هو على بن محمد بن عبد الله بن أبى سيف، أبو الحسن المدائنى. وُلِد سنة (135هـ) وكان مولى شمس بن عبد مناف، وقيل: مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشى وكان راوية ومؤرخًاً. وكان من أهل البصرة؛ إذ سكن المدائن، ثم انتقل إلى بغداد. وكان صدوقاً فى روايته؛ لذا قال عنه يحيى بن معين: ثقة ثقة ثقة، وروى عنه الزبير بن بكار والحسن بن على بن المتوكل وقد كان كثير التأليف؛ حيث وصلت كتبه إلى مايزيد على المائتين، لكن لم يصل إلينا من كتبه سوى كتابين، وهما: المردفات من قريش، والتعازى. وتُوفِّى فى ذى القعدة سنة (225هـ).

*هند بنت عتبة

*هند بنت عتبة هى الصحابيه الجليله هند بنت عتبه بن ربيعه بن عبد شمس بن عبد مناف اشتهرت بالجمال وسداد الرأى والعقل والحزم والعزة والفصاحة والبلاغة وإنشاء الأدب شعراً ونثراً. وهى زوجة أبى سفيان؛ إذ تزوجته بعد مفارقتها لزوجها الأول الفاكهه بن المغيرة المخزومى. وكانت قبل إسلامها من أشد أعداء الإسلام والمسلمين، حتى إنها كانت تحرض على قتال المسلمين فى بدر وأحد، وقد دفعت أفعالها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى إعلانه إهدار دمها يوم فتح مكة، إلا أنها جاءت مع بعض النساء لإعلان إسلامهن، فرحب بها النبى - صلى الله عليه وسلم -. وروت عن النبى وروى عنها ابنها معاوية بن أبى سفيان، وشهدت اليرموك، وحرضت على قتال الروم. ومن مأثور أقوالها: المرأة غل لابد للعنق منه، فانظر من تضعه فى عنقك. وتُوفِّيت فى خلافة عمر، رضى الله عنه، سنة (14هـ). وقيل: فى خلافة عثمان رضى الله عنه.

*محمود سامى البارودى

*محمود سامى البارودى هو محمود سامى بن حسن حسنى بن عبد الله البارودى المصرى رائد النهضة فى الشعر العربى الحديث. وُلِد فى (27 من رجب 1255هـ = 6من أكتوبر1839 م)، وهومن أسرة جركسية الأصل، ولُقِّب بالبارودى، نسبة إلى إتاى البارود إحدى بلاد محافظة البحيره. وقد توفى أبوه وهو فى سن السابعة، فقامت أمه بتربيته إذ أحضرت له المعلمين، لكى يعلموه ويلقنوه القرآن وشيئاً من الفقه الإسلامى والشعر، فتفجر ينبوع الشعر على لسانه، ثم التحق بالمدرسة الحربية، وبعد تخرجه فيها مضى يغذى موهبته بالشعر القديم، إذ كانت المطابع تُعنَى بنشر بعض الدواوين فأتيحت له فرصة الاطلاع والقراءة. ورحل البارودى إلى الآستانة فأتقن اللغتين الفارسية والتركية، واستوعب آدابهما ثم عاد إلى مصر، والتحق بحاشية الخديو إسماعيل، ورُقِّى إلى رتبة قائمقام ثم أميرلاى، ثم عُيِّن مديراً للشرقية، فمحافظاً للعاصمة. وقد اشترك البارودى فى الثورة العرابية، فلما أخفقت نفى مع زملائه إلى جزيره سيلان، فأقام بها سبعة عشر عاماً، ثم عُفِى عنه، وعاد إلى مصر حاملاً معه ديوان شعره. ومن شعره قوله: سلْ مصر عنى إن جهلتَ مكانتى تخبرْك عن شرفٍ وعزٍ أقدم بلد نشأتُ مع النباتِ بأرضها ولثمتُ ثغرَ غديرِها المتبسمِ فنسيمُها روحى ومعدنُ تربها جسمى وكوثرُ نيلِها محيا دمى وتُوفِّى البارودى فى (شوال 1322 هـ = ديسمبر 1904 م).

*أبو مسلم الخراسانى

*أبو مسلم الخراسانى هو عبد الرحمن بن مسلم. مؤسس الدولة العباسية، وأحد كبار القادة. كان شجاعاً، ذا رأى سديد، وحزم شديد، وُلِد بأصبهان سنة (100هـ = 718 م)، ونشأ بالكوفة واتصل بإبراهيم ابن الإمام محمد، فأرسله إلى خراسان داعيةً، فأقام فيها واستمال أهلها ، ثم استولى على نيسابور وخُطب على منابرها باسم السفاح العباسى ثم نجح فى هزيمة مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية الذى فر إلى مصر وقتل أبو مسلم سنة (137هـ = 755 م) فى خلافة أبى جعفر المنصور.

*مسروق

*مسروق هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمدانى. فقيه تابعى ثقة، ومن المخضرمين الذين أسلموا فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وكان أبوه أمهر فرسان اليمن، وخاله عمرو بن معد يكرب، كما كان أعلم بالفتوى من شريح. وقد قدم من اليمن بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وصلى خلف أبى بكر. وحدث عن عمر وعلى، رضى الله عنهما، وشهد قتال الحرورية مع على، كما شهد صفين فوعظ فيها ولم يقاتل، وشلت يده يوم القادسية. ومن أقواله المأثورة: لأن أقضى بقضية وفق الحق أحب إلىَّ من رباط سنة فى سبيل الله. وقد تُوفِّى فى واسط ودفن بها سنة (63 هـ = 683 م).

*يحيى بن الحكم الغزال

*يحيى بن الحكم الغزال هو يحيى بن الحكم البكرى الجيانى، المعروف بالغزال. شاعر وفيلسوف وسياسى، أصله من جيان، ولقب بالغزال؛ لجماله وظرفه وأناقته. وُلِد سنة (156هـ = 773م)، وعاصر خمسة من أمراء بنى أمية بالأندلس، ونظم الشعر وهو صغير السن وبلغ ذروة شهرته فى عهد الحكم. وكان متمكناً من علوم عصره. وكان الغزال ذا شخصية قوية تتمتع بالكياسة واللباقة التى رشحته ليكون سفير عبدالرحمن بن الحكم إلى الامبراطور تيوفيلوس قيصر القسطنطينية، وكان عمره آنئذٍ يقارب السبعين، كما بعثه عبدالرحمن بن الحكم إلى ملك النورمان، ليرد على رسالته ويعلنه بقبول الصلح معه، ثم عاد الغزال إلى الأندلس بعد رحلة دامت عشرين شهراً. وتُوفِّى الغزال فى سنة (250هـ = 864 م).

*الغزال

*الغزال هو يحيى بن الحكم البكرى الجيانى، المعروف بالغزال. شاعر وفيلسوف وسياسى، أصله من جيان، ولقب بالغزال؛ لجماله وظرفه وأناقته. وُلِد سنة (156هـ = 773م)، وعاصر خمسة من أمراء بنى أمية بالأندلس، ونظم الشعر وهو صغير السن وبلغ ذروة شهرته فى عهد الحكم. وكان متمكناً من علوم عصره. وكان الغزال ذا شخصية قوية تتمتع بالكياسة واللباقة التى رشحته ليكون سفير عبدالرحمن بن الحكم إلى الامبراطور تيوفيلوس قيصر القسطنطينية، وكان عمره آنئذٍ يقارب السبعين، كما بعثه عبدالرحمن بن الحكم إلى ملك النورمان، ليرد على رسالته ويعلنه بقبول الصلح معه، ثم عاد الغزال إلى الأندلس بعد رحلة دامت عشرين شهراً. وتُوفِّى الغزال فى سنة (250هـ = 864 م).

*هشام بن هبيرة

*هشام بن هبيرة هو هشام بن هبيرة بن فضالة الليثى قاضى البصرة. عينه فى القضاء عبدالله بن الزبير سنة (64هـ) وهو شاب، فكتب إلى شريح يستشيره فيما يعرض له من مسائل. وقد استقال من القضاء بعد مقتل مصعب بن الزبير سنة (71هـ)، وأعيد بعد تولية الحجاج بن يوسف على العراق، وتُوفِّى سنة (75 هـ = 694 م).

*أبو هريرة

*أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسى. كنى بأبى هُرَيرة؛ لأنه كان يحمل قطة صغيرة معه. وُلِد سنة (21 ق. هـ = 602 م) وهو أكثر الصحابة حفظاً للحديث ورواية له؛ إذ روى (5374) حديثاً، نقلها عنه أكثر من (800) رجل ما بين صحابى وتابعى. نشأ أبوهريرة يتيماً ضعيفاً فى الجاهلية، وقدم إلى المدينة ورسول الله (بخيبر، فأسلم سنة (7 هـ) ولازمه، وكان يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء لايسأله عنها غيره. ودعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحببه الله إلى المؤمنين. وكان أكثر مقامه بالمدينة. وتولى إمرتها أكثر من مرة، كما استعمله عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله لمَّا رآه لين الجانب مشغولاً بالعبادة. وتُوفِّى أبوهريرة بالمدينة سنة (59 هـ = 679 م).

*هارون (نبي)

*هارون (نبي) هو نبى الله، وأخو موسى نبى الله أيضا، عليهما السلام، ورد ذكره فى القرآن عشرين مرة. وقد شد الله به أزر موسى؛ لأنه كان أفصح منه لساناً وأكبر منه سنَّاً، وجعله موسى خليفة له فى قومه وقت غيابه عنهم، وأثناء ذلك حلت الفتنة ببنى إسرائيل؛ إذ كان فى صفوفهم منافق يقال له: السامرى قال للقوم: إن موسى لن يرجع، وصنع لهم من حليهم عجلاً، وقال لهم: هذا ربكم، فعكف على عبادته أغلب بنى إسرائيل، ونهاهم هارون عن ذلك، لكنهم استمروا فى عنادهم، فلما رجع موسى إليهم اشتد غضبه، وسقطت ألواح التوراة من يده، وأخذ برأس هارون ولحيته يؤنبه ويؤاخذه، إلا أن هارون بيَّن له أنه نهاهم فلم يستجيبوا له واستضعفوه وكادوا يقتلونه، فأخذت موسى الشفقة بأخيه، وطلب من الله الرحمة له ولأخيه.

*مصعب بن الزبير

*مصعب بن الزبير هو أبو عبدالله مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدى القرشى، أمير العراقين. ولد سنة (26هـ = 647 م) 0 وكان فارساً شجاعاً وسيماً سخياً حتى أطلق عليه: آنية النحل لسعة كرمه. وقام بدور كبير فى تثبيت ملك أخيه بالحجاز والعراق؛ إذ قتل المختار الثقفى؛ فوجه إليه عبدالملك بن مروان الجيوش، لكنه فشل فى القضاء عليه، فلم يجد عبدالملك بُدّاً من التوجه إليه بنفسه، وعندما وصل بجيشه إلى العراق فرَّ قواد جيش مصعب عنه، لكنه ظل ثابتاً وواصل القتال هو ومن بقى معه من جنوده، فأرسل إليه عبد الملك أخاه محمد بن مروان يعرض عليه الأمان وولاية العراقين ومليونى درهم، على أن يرجع عن القتال، إلا أن مصعباً رفض، فشد عليه جيش عبد الملك فى وقعة عند دير الجاثليق فقتله، وبمقتله نُقلت بيعة أهل العراق إلى ملوك الشام.

*مسلم

*مسلم هو أبوالحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد القشيرى النيسابورى أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين، ولد بنيسابور سنة (204هـ = 820م) ورحل إلى الحجاز والعراق ومصر والشام. وسمع من أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والقعنبى وطبقته، ولازم الإمام البخارى ودافع عنه وشهد له بالفضل والتفرد. وروى عنه أهل بغداد والترمذى وابن خزيمة وأبوعوانة وابن حاتم ومن أشهر مؤلفاته: صحيح مسلم أحد الصحيحين اللذين هما أصح كتب السنة على الإطلاق، وقد شرحه واختصره كثيرون، ومن مؤلفاته أيضاً: المسند الكبير والكنى والأسماء وكتاب أولاد الصحابة وأوهام المحدثين والتمييز والعلل، وتُوفِّى سنة (261هـ= 875 م) فى نيسابور.

*ابن مرزوق الخطيب

*ابن مرزوق الخطيب هو شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن مرزوق أبو عبد الله الخطيب. فقيه من أعيان تلمسان، ومن أئمة المحدثين. ولد سنة (710هـ = 1311م)، ورحل إلى عدة بلدان إسلامية، مثل مكة والقاهرة والأندلس، وكان له منزلة عالية عند ملوك المغرب، وسجنه بعضهم وتقلب به الحال فعاد إلى مصر فأكرمه الأشرف، ودرس بالشيخونية والنجمية وغيرهما. ومن أشهر مؤلفاته شرح عمدة الأحكام وإزالة الحاجب لفروع بن الحاجب. وقد تُوفِّى سنة (781هـ = 1380م) بالقاهرة ودُفِن فيها.

*مراجل أم المأمون

*مراجل أم المأمون هى مراجل بنت أستاذ سيس فارسية الأصل. تزوجها هارون الرشيد ولم ينجب منها غير المأمون. وكان أبوها قائد حركة خروج على العباسيين، وقيل: إنه ادَّعى النبوة.

*المستورد بن علفة التيمى

*المستورد بن عُلَّفة التيمى هو المستورد بن عُلَّفة التيمى. أحد الخوراج الإباضية، وكان ممن حاربهم على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فى النخيلة بعد موقعة النهروان، إلا أن المستورد نجا من القتل، واختبأ بالكوفة ، ولم يظهر إلا مع تولى المغيرة بن شعبة الكوفة سنة (42 هـ = 662 م)؛ إذ كان المغيرة مشهوراً بالتسامح، والتف حول المستورد طائفة من الخوارج، ولقبوه بأمير المؤمنين؛ فسيَّر إليه المغيرة جيشاً من ثلاثة ألاف مقاتل بقيادة معقل بن قيس الرياحى، فدارت بينه وبين المستورد وجيشه البالغ ثلاثمائة مقاتل، عدة معارك؛ انتهت بقتل المستورد سنة (43هـ = 663 م).

*نور الدين محمود

*نور الدين محمود هو محمود بن زنكى بن آق سنقر نور الدين، الملقب بالعادل، ملك مصر والشام والجزيرة العربية، كان من أعدل ملوك زمانه وشديد الكراهية لإراقة دماء المسلمين. وُلِد فى (شوال 511 هـ = فبراير 1118 م)، واشترك مع والده فى عدة حروب وسار على نهجه فى الجهاد. تولى حلب سنة (540 هـ = 1146م)، واتخذها مقرّاً له، واستعاد مملكة الرها من الصليبيين، ووحد بلاد الشام وصارت ضمن مناطق حكمه سنة (1154 م)، ثم ضم الجزيرة العربية ومصر سنة (1167 م). وكانت خطته الحربية تقوم على توجيه كل قواه من أجل تحقيق غاية واحدة دون أن يفتح جبهتين من القتال فى وقت واحد. وكان يعتقد باسترداد بيت المقدس لذلك صنع منبراً لتُخطَب عليه خطبة الجمعة فى المسجد الأقصى بعد تحريره، وتحقق هذا بالفعل؛ إذ استطاع صلاح الدين الأيوبى بعد ذلك تحرير القدس. وكان نور الدين محبَّاً للعلم؛ فبنى عدة مدارس منها: العادلية ودار الحديث. وكان يُعرَف باسم نور الدين الشهيد، رغم أنه مات مريضاً سنة (569 هـ= 1174 م).

*مسلمة بن عبد الملك

*مسلمة بن عبد الملك هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم قائد وأمير من أمراء الدولة الأموية. شارك فى حروب ومواقع كثيرة، أهمها حربه للقضاء على ثورة يزيد بن المهلب فى البصرة سنة (102هـ = 720م)، وقد استطاع القضاء عليها؛ فتولى إمارة كل من الكوفة والبصرة وخراسان، وغزا بلاد الترك والسند سنة (109هـ = 727 م). وتُوفِّى بالشام سنة (120هـ = 738م)، وقيل: سنة (121هـ = 739م).

*مسلم بن الوليد

*مسلم بن الوليد هو مسلم بن الوليد شاعر الغزل المعروف بصريع الغوانى. ولد نحو سنة (140هـ=757م) فى الكوفة، ونشأ بها، ثم انتقل إلى البصرة واتصل بالخلفاء والقواد والأعيان فى عصره فمدحه، وشغل بعض المناصب عن طريق شعره. وقد غلب على شعره البديع والتصنيع (كثرة المحسنات البديعية من جناس وطباق .... إلخ) ومزج الفكر بالشعر، والرصانة والجزالة فى صياغة الشعر. ومن شعره: هل العَيشُ إلا أن أروحَ مع الصِّبا وأغدو صَريع الرَّاح والأعيُنِ النُّجْلِ وتُوفِّى مسلم بن الوليد سنة (208 هـ = 823 م).

*الهرمزان ملك الأهواز

*الهرمزان ملك الأهواز هو أحد قادة الفرس، وملك الأهواز، هُزم وأسر أمام جيش المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن بمدينة تستر، وقد طلب من المسلمين أن يذهبوا به إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ليحكم فيه بما يشاء، فلبوا طلبه. وجاء الهرمزان إلى عمر مع وفد أنس بن مالك فلما دخلوا المدينة قصدوا المسجد فوجدوا عمر نائماً فى المسجد وليس فى المسجد غيره، فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا، فقال: أين حجابه؟ وأين حراسه؟ فقالوا: ليس له حجاب ولا حراس ولا كاتب. فلما دخل على عمر سأله عن نقض العهد، فطلب الهرمزان الماء، وقال: إنى أخاف أن أقتل وأنا أشرب، فقال عمر: لا بأس عليك حتى تشرب. وبعد حوار مع عمر أسلم الهرمزان، وحسن إسلامه، وكان لا يفارق عمر، حتى قتل عمر.

*هرقل

*هرقل هو هرقل ملك الروم. تولى الحكم بعد الملك فوقا. وإثر توليه مقاليد الحكم بدأ فى الاستعداد لقتال الفرس، بعد أن خربوا بلاده، واستطاع أن ينزل بهم الهزيمة، حتى وصل إلى المدائن. وكان هرقل متابعاً لما يحدث فى الجزيرة العربية؛ إذ علم ببعثة النبى - صلى الله عليه وسلم -. ولما وصل إليه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع دحية بن خليفة الكلبى الذى دعاه فيه إلى الإسلام أخذه ثم كتب إلى رجل برومية كان يعرف اللغة العربية؛ يذكر له هذا الأمر، ويصف له النبى - صلى الله عليه وسلم -، فكتب إليه هذا الرجل إنه للنبى الذى كنا ننتظره، فاتبعه وصدقه. فجمع هرقل بطارقة الروم، وأخبرهم بكتاب النبى فثاروا، فخاف منهم؛ فأخبرهم أنه أراد أن يختبرهم. وتُوفِّى هرقل سنة (20هـ=641م).

*ابن البطريق

*ابن البطريق هو يوحنا بن البطريق المترجم مولى المأمون بن هارون الرشيد عُرف بجودة الترجمة والأمانة فيها، ومع ذلك فقد كان ضعيف اللسان فى العربية. وغلبت عليه دراسة الفلسفة، ومن أشهر ترجماته ترجمته لكتب أرسطو طاليس. وقد ألف عدة كتب، وصل إلينا منها كتاب السياسة فى تدبير الرياسة. وتُوفِّى ابن البطريق سنة (200هـ = 815 م).

*مصعب بن عمير

*مصعب بن عمير هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشى. صحابى جليل، ومن السابقين إلى الإسلام. كان مصعب فتى مكة شباباً وجمالاً، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تلبسه أحسن الثياب، وقد أسلم والرسول فى دار بنى الأرقم لكنه كتم إسلامه؛ خوفاً من إيذاء قومه له، فقد كان يذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرّاً حتىعلم ذلك قومه؛ فحبسوه وعذبوه، فلم يزل محبوساً إلى أن هرب وهاجر إلى الحبشة، وعاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة. ويُسَمَّى مصعب بن عمير المقرئ؛ لأنه يقرئ الناس القرآن الكريم ، ويقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة. وأسلم على يديه أسيد بن حضير وسعد بن معاذ. وشهد مصعب غزوة بدر، وحمل لواء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد؛ إذ استُشهِد سنة (3 هـ = 625 م).

*معاذ بن جبل

*معاذ بن جبل هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصارى الخزرجى. صحابى جليل، أسلم وعمره ثمانى عشرة سنة، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن الكريم فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وأحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة من الأنصار. وقد شهد معاذ بن جبل معظم الغزوات وفى مقدمتها غزوة بدر، وبعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاضياً إلى الجند باليمن، يعلِّم الناس شريعة الإسلام، وأرسل معه كتاباً إليهم يقول فيه إنما بعثتُ لكم خير أهلى. كما أنه من رواة الأحاديث؛ فقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (157) حديثاً. وقد ولاه عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه، على الشام فمات هناك فى طاعون عمواس سنة (18هـ = 639م) وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنة.

*يعرب بن قحطان

*يعرب بن قحطان هو يعرب بن قحطان بن يمن بن قيدر، وقيل: يعرب بن قحطان بن غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، أحد أعظم ملوك العرب فى الجاهلية. قال عنه ابن هشام. إن يعرب بن قحطان كان يُسمَّى يمناً، وبه سُمِّيت اليمن؛ ولذا يقولون: إنه أبو قبائل اليمن كلها، وبنوه هم العرب العاربة. غزا يعرب الآشوريين فى العراق وبابل، وانتصر عليهم وفاز بغنائم كثيرة، وحارب العمالقة فى الحجاز فغلبهم، وولى إخوته على جميع أعمالهم؛ فولَّى أخاه جُرهماً الحجاز، وأخاه عاداً الشحر، وأخاه حضرموت جبال الشحر، وأخاه عمان بلاد عمان. كما يقال: إن يعرب هو أول من حياه قومه بتحية الملوك، وأنه دعا العرب إلى الحفاظ على لغتهم ومقاومة غزو اللغات الأخرى.

*وهب بن منبه

*وهب بن منبه هو أبو عبد الله وهب بن منبه الذمارى. مؤرخ كثير الأخبار عن الكتب القديمة. وُلِد عام (34هـ) فى ذمار قرب صنعاء لأبٍ فارسى من بلاد خراسان، وقد أسلم أبوه فى زمن النبى - صلى الله عليه وسلم -. نشأ وهب فى اليمن وثقف نفسه ثقافة واسعة؛ فقرأ كتب الأديان والفلسفة الإغريقية والمسيحية واليهودية، وحفظ كثيراً من قصص الأنبياء. وقيل: إنه أتقن اللغات العبرية والسريانية واليونانية والحميرية. ولاَّه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء. وقد ألف وهب عدة مؤلفات، من أشهرها: ذكر الملوك المتوجة من حمير وقصص الأخبار. وتُوفِّى فى مدينة صنعاء ما بين عامى (110، 124هـ).

*وحشى بن حرب

*وحشى بن حرب هو أبو دسمة وحشى بن حرب الحبشى مولى بنى نوفل. صحابى من مكة وكان من أبطال الموالى فى الجاهلية، وهو الذى قتل حمزة بن عبد المطلب عم النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فأعتقه سيده مكافأة له، فأقام بمكة حتى فتحها النبى - صلى الله عليه وسلم - ففر إلى الطائف ثم وفد على النبى مع وفد الطائف وأعلن إسلامه. شارك وحشى فى حروب الردة وذكر أنه قتل مسيلمة الكذاب بحربته التى قتل بها حمزة، وكان يقول: قتلتُ بحربتى هذه خير الناس وشر الناس. كما شهد معركة اليرموك، وفتح بلاد الشام ثم سكن فى مدينة حمص، حتى تُوفِّى نحو سنة (25 هـ).

*ابن سيده

*ابن سِيده هو أبو الحسن على بن إسماعيل بن سيده الأندلسى أحد أئمة اللغة العربية وآدابها. وُلِد بمدينة مرسية شرق الأندلس عام (398 هـ)، ونشأ ضريراً كأبيه، وتلقى علوم اللغة عنه. وقد عوضه الله عن فقدان البصر بنعمة الذكاء وقوة الحافظة، وتوقد الذهن فبلغ من العلم مرتبة رفيعة، حتى قال عنه المترجمون له: لم يكن فى زمانه أعلم منه فى النحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بها. وترك ابن سيده عدة مؤلفات، من أشهرها: المخصص وهو من أثمن كنوز اللغة العربية، ولا يزال إلى يومنا هذا محط اهتمام الباحثين، ويقع فى (17) جزءاً، والمحكم. وتُوفِّى ابن سيده عام (458 هـ).

*ابن سينا

*ابن سينا هو أبو على الحسين بن عبدالله بن سينا الفيلسوف واالطبيب المعروف، والملقب بالشيخ الرئيس. وُلِد بإحدى قرى بخارى عام (370هـ = 980م)، ثم انتقل إلى بخارى فنشأ وتعلم بها. وقد عُرف - منذ صغره - بذكائه الشديد، حتى إنه حفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة. وأكب على دراسة علوم اللغة والمنطق والفلسفة والفقه والطب، وذاعت شهرته كطبيب قبل سن السابعة عشرة، ثم أخذ يطوف البلاد ويصنف الكتب، ثم عاد فى أواخر أيامه إلى همذان. وقد خلَّف ابن سينا ذخيرة ضخمة من المؤلفات، أهمها: كتاب القانون فى الطب، وقد ترجم وطبع فى أوربا أكثر من (15) مرة، وكان العمدة فى دراسة الطب فى الجامعات الأوربية حتى منتصف القرن السابع عشر الميلادى. وتُوفِّى ابن سينا فى مدينة همذان عام (428هـ = 1037م).

*المسترشد بالله

*المسترشد بالله هو أبومنصور الفضل بن أحمد بن المقتدى أحد خلفاء الدولة العباسية. وُلِد فى سنة (485 هـ = 1092م)، وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه سنة (512 هـ). حدث خلاف بينه وبين السلطان السلجوقى مسعود بن محمد بن ملكشاه أدى إلى نشوب معركة بينهما، فرَّ فيها جند الخليفة من حوله، ولكنه ثبت وأُسِر، وتسلل إليه ثلاثة من الباطنية فقتلوه فى المعسكر سنة (529هـ) ودُفِن بمراغة.

*خالد بن سعيد بن العاص

*خالد بن سعيد بن العاص هو أبو سعيد خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس. أحد الصحابة السابقين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء أبيه له، ومعه زوجه أميمة بنت خالد الخزاعية، وأقام هناك حتى قدم إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - بخيبر عام (7 هـ). وشهد مع النبى - صلى الله عليه وسلم - عمرة القضاء وفتح مكة والطائف وحنين وتبوك ثم استعمله النبى - صلى الله عليه وسلم - على صدقات مَذحج، ثم بعثه عاملاً على اليمن فأقام بها حتى توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفى خلافة أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - خرج خالد مجاهداً مع جيوش المسلمين المتجهة إلى الشام، فاستُشهِد فى معركة أجنادين، وقيل فى معركة مرج الصُّفَّر بالقرب من مدينة دمشق.

*المستضئ بأمر الله

*المستضئ بأمر الله هو أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد بالله. أحد خلفاء الدولة العباسية. وُلِد سنة (536 هـ = 1142 م)، وأمه من أصل رومى، تُسمَّى غَضَّة. بويع بالخلافة بعد موت أبيه سنة (566 هـ)، وفى عهده انتهت الدولة العبيدية الفاطمية الشيعية بمصر سنة (567 هـ) ولم يعد للمسلمين إلا خليفة واحد هو المستضئ بأمر الله. وتُوفِّى سنة (575 هـ).

*المستظهر بالله

*المستظهر بالله هو أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدى بن محمد بن القائم. أحد خلفاء الدولة العباسية، ولد سنة (470هـ = 1077م) وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه عبد الله المقتدى سنة (487هـ). وفى عهده بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامى؛ فاستولى الصليبيون على بيت المقدس سنة (492 هـ) وارتكبوا به مذبحة هائلة. وتُوفِّى سنة (512 هـ = 1118 م).

*مسعود (سلطان سلجوقى)

*مسعود (سلطان سلجوقى) هو أبو الفتح غياث الدين مسعود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقى. أحد سلاطين الدولة السلجوقية التركية. ولد سنة (502هـ)، وعهد أبوه بتربيته إلى حاكم الموصل الأتابك مورود سنة (505هـ)، فظل بالموصل حتى موت أبيه وتولية أخيه محمود مقاليد الحكم، وزين له أحد حكام الموصل الخروج على أخيه فجرت بينهما مناوشات هزم فيها مسعود. ثم تولى حكم السلطنة سنة (528هـ) وقد اتسعت رقعة الدولة الإسلامية فى عهده وهو الذى ولى الخليفة العباسى المكتفى بالله الخلافة فى بغداد، ثم رحل إلى بلاده. ومات بهمذان سنة (547هـ)، ودفن فى أصفهان.

*مصطفىالرابع

*مصطفىالرابع هو مصطفى بن عبد الحميد الأول أحد سلاطين الدولة العثمانية، وهو السلطان التاسع والعشرون، ولد سنة (1193هـ = 1779 م)، وبويع بالخلافة سنة (1223هـ)، بعد عزل السلطان السابق سليم الثالث. وجه مصطفى الرابع اهتمامه نحو تنظيم الجند وتأديب الانكشارية، ومع ذلك فقد تحكم فيه بعض رجال الدولة. وقد قامت ثورة ضده خُلِع على إثرها سنة (1224هـ = 1808م)، وسُجن، ثم مات فى سجنه، ولم تجاوز فترة حكمه (13) شهراً.

*المختار الثقفى

*المختار الثقفى هو المختار بن أبى عبيد بن مسعود الثقفى. أسهم إسهاماً كبيراً فى الأحداث السياسية والدينية والاجتماعية فى الدولة الإسلامية فى عهد بنى أمية. وُلِد سنة (1هـ = 622م) بالطائف، ثم انتقل منها إلى المدينة مع والده، وظل بها حتى خرج مع على بن أبى طالب، رضى الله عنه، إلى العراق، وسكن فى البصرة، ولما قتل الحسين، رضى الله عنه، سنة (61هـ = 680 م) قبض عليه عبيد الله بن زياد لتشيعه، وجلده، ونفاه إلى الطائف. وفى سنة (64هـ = 683م) خرج عبد الله بن الزبير مطالباً بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية، فبايعه المختار الثقفى، واستأذنه فى أن يدعو له فى الكوفة، ولكنه ما إن وصل إليها حتى دعا لابن الحنفية، وجعل همه إبادة قتلة الحسين. والتف حوله كثيرون استطاع بهم أن يستولى على الكوفة والموصل، وتتبع قتلة الحسين حتى أفناهم، وأرسل جيشاً إلى مكة لإنقاذ محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس عندما حاصرهما عبد الله بن الزبير فى شِعْب مكة. وتجهز مصعب بن الزبير أمير البصرة لحرب المختار، ونشبت بينهما عدة معارك انتهت بحصار المختار فى قصر الكوفة، وقُتِل هو ومن معه فى (14من رمضان 67هـ = 3من أبريل 687م).

*مرثد بن أبى مرثد الغنوى

*مرثد بن أبى مرثد الغنوى هو صحابى جليل، آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أوس بن الصامت. وشهد مرثد بدراً على فرس، يقال له: السبَل، ثم شهد أحداً. كان مشهوراً بالقوة، حتى إنه كان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة. وأراد - بعد إسلامه - أن يتزوج من بغى يقال لها عناق ، فنهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، بعد نزول قوله تعالى: (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة ([النور: من3]. واستشهد يوم الربيع سنة (4 هـ).

*مطعم بن عدى

*مُطعِم بن عدى هو مطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف. من حلفاء قريش وساداتهم، ورئيس بنى نوفل فى الجاهلية، وقائدهم فى حرب الفِجَار. أجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف عن الطائف، وكذلك أجار سعد بن عبادة حين قدم إلى مكة معتمراً فاعترضته قريش، كما شارك فى تمزيق الصحيفة الجائرة التى كتبتها قريش ضد بنى هاشم، وعلقتها فى جوف الكعبة. وهو أبو الصحابى الجليل جبير بن مطعم، رضى الله عنه، ولحسان بن ثابت - رضى الله عنه - مدح فى المطعم بن عدى، وقال فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: لو كان المطعم بن عدى حيًّا، ثم كلمنى فى هؤلاء النتنى (يعنى أسارى بدر) لتركتهم له. وقد عمى مطعم بن عدى فى أخريات حياته. وتوفى قبل بدر سنة (2هـ = 623 م).

*أم هانئ بنت أبى طالب

*أم هانئ بنت أبى طالب هى الصحابية الجليلة فاختة أو عاتكة أو فاطمة بنت أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمية القرشية المشهورة بأم هانئ، أخت على بن أبى طالب، رضى الله عنه وعنها، وبنت عم النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد أسلمت عام الفتح بمكة، وهرب زوجها هبيرة بن عائذ بن عمران بن مخزوم إلى نجران، ففرق الإسلام بينهما، فعاشت أيماً. وقد أنجبت من هبيرة عمراً وجعدة وهانئاً ويوسف. وروت عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (46) حديثاً، وحدَّث عنها أبو صالح باذام وكريب مولى ابن عباس وعبد الرحمن بن أبى ليلى وعطاء بن أبى رباح وعروة بن الزبير، وآخرون. وقيل: ما أخبر أحد أنه رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى الضحى إلا أم هانئ؛ فإنها حدثت أن رسول الله (دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل، فسبح ثمانى ركعات مارأيته صلى صلاة قط أخف منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود [سنن الترمذى].

*نوبار باشا

*نوبار باشا وُلِد نوبار باشا بأزمير سنة (1241 هـ = 1825 م)، وهو أرمنى مسيحى، وأرسل إلى سوريز ليتعلم فى مدرستها. درس الفرنسية وتعمق فيها وفى آدابها والأدب القديم، كما أتقن التركية. وحاول الالتحاق بالجندية الفرنسية فلم يقبل، واستدعاه خاله بوغوص بك وزير محمد على إلى مصر. شغل عدة مناصب منذ عهد محمد على باشا حتى عهد عباس باشا الثانى، حين تولى رئاسة الوزراء بعد رفض شريف باشا التخلى عن السودان ووافق هو على ترك السودان، وبقى فى الوزارة سنة وبضعة أشهر، ثم استقال؛ بسبب تدهور حالته الصحية التى جعلته يتنحى عن السياسة تماماً. وقد أقامت له بلدية الإسكندرية تمثالاً فى إحدى حدائقها. وتُوفِّى سنة (1317هـ = 1899م).

*المهدى السودانى

*المهدى السودانى هو محمد أحمد بن عبد الله المهدى السودانى. زعيم سياسى ودينى سودانى، ظهر فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى. ولد فى أغسطس (1844م) فى جزيرة (لبب) إحدى جزر دنقلة. حفظ القرآن وهو صغير، ثم تلقى علوم الفقه والتفسير والتصوف واللغة، وانقطع (15) سنة فى جزيرة آبا فى النيل الأبيض للعبادة، وتلقى العلم وقام بالتدريس، وكان مشهوراً بالصلاح؛ فكثر أتباعه؛ فانتقل إلى كردفان، ونشر دعوته بين قبيلة البقارة. وفى سنة (1881م) أعلن المهدى دعوته، ودعا الفقهاء والأعيان ومشايخ الصوفية إلى مبايعته، وعندما علم رءوف باشا حاكم السودان بذلك وجه حملة للقضاء عليه، لكنه لم يفلح فى ذلك، وتكررت الحملات المصرية والإنجليزية، إلا أن المهدى كان ينتصر عليها. وكان عمر المهدى عند إعلان دعوته (38) سنة. وحاول الإنجليزى غوردون الذى عين حاكما عامَّاً للسودان، القضاء على المهدى، إلا أن قوات المهدى استطاعت سنة (1885م) دخول الخرطوم وقتل غوردون الذى أطلقت عليه الصحف الإنجليزية: شهيد المسيحية. وحاول المهدى إقامة دولة إسلامية فى السودان، وقام بمراسلة ملك مصر وملكة بريطانيا والسلطان العثمانى، وقام بسك النقود، إلا أن الأجل لم يسعفه فمات سنة (1885م). وقد أثرت هذه الثورة التى قادها المهدى فى حركات الجهاد الإسلامى ضد الاستعمار الأوربى المسيحى فى إفريقيا.

*أبوسلمة الخلال

*أبوسلمة الخلال هو أبو سلمة حفص بن سليمان الهمذانى الخلال. أول من لُقِّبَ بالوزير فى الإسلام. وُلِد فى الكوفة وعاش بها، فى حى يُسمَّى درب الخلاَّلين فنسب إليه. وكان أبو سلمة من أثرياء الكوفة، بذل من ماله وجهده الكثير فى سبيل الدعوة العباسية فى بداية عهدها، فلما استتبَّ الأمر للعباسيين، اتخذه الخليفة أبو العباس السفَّاح وزيرًا له، ولكنه سُرعان ما قُتِلَ بعد نحو أربعة أشهر من توليته الوزارة، سنة (132.هـ) وقيل: إن الذى حرَّض على قتله هو أبو مسلم الخراسانى لخلاف بينه وبين أبى سلمة، وقيل: إنه أبو العباس لتوهمه ميل أبى سلمة لآل على. وكان أبو سلمة، سمحًا كريمًا، حاضر الحجة، عالمًا بالأخبار والأشعار والسير والتفسير.

*شرحبيل بن حسنة

*شُرَحْبِيلُ بن حَسَنة هو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عمرو، ويُعرف باسم شرحبيل بن حسنة، وحسنة هى أمه. وهو صحابى جليل له بعض الروايات عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان أحد القادة المشهورين. أسلم بمكة. ثم هاجر إلى الحبشة، وغزا مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأوفده النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى مصر، فظلَّ بها حتى تُوفى النبى - صلى الله عليه وسلم -، فولاَّه أبو بكر قيادة أحد جيوش المسلمين فى حروب الردَّة، ففتح بلاد الأردُنّ، وظلَّ بها حتى عزله عمر بن الخطاب. تُوفَّى شرحبيل - رضى الله عنه - فى طاعون عمواس سنة (18هـ)، وقد بلغ من العمر (67) سنة.

*الشاطبى

*الشاطبى هو إبراهيم بن موسى بن محمد بن اللخمى الغرناطى. أحد أئمة المالكية، أصولى حافظ من أهل غرناطة، وكان مفسرًا وفقيهًا ولغويًّا، وعرف بالزهد والورع. تلقى علومه على يد كبار علماء عصره، مثل: ابن الفخار البيرى، وأبى القاسم البستى، وأبى عبد الله التلمسانى، وأبى عبد الله المقرى، وأبى جعفر الشقورى وغيرهم. وأخذ عنه جماعة كبيرة منهم: أبو يحيى بن عاصم، وأبو بكر بن عاصم، وأبو عبد الله البيانى، وغيرهم. وتُوفِّى سنة (790 هـ). من أهم مؤلفاته: الموافقات فى أصول الشريعة، والمجالس، وشرح كتاب البيوع فى صحيح البخارى، والاتفاق فى علم الاشتقاق، والاعتصام.

*ضاهر العمر

*ضاهر العمر هو ظاهر بن عمر بن أبى زيدان. وُلِد فى صفد سنة (1106هـ)، وكان والده وجده وأعمامه حكامًا فى صفد وعكا. تولى إدارة عكا وصفد، وكان له دور مهم فى تاريخ فلسطين خلال القرن الثانى عشر الهجرى، فأقام إمارة قوية فى شمالى فلسطين ضمَّت صفد وطبرية والجليل الأعلى والناصرة ونابلس وعكا، وأصبحت إمارته مصدر قلق وتهديد دائمين للولاة العثمانيين فى دمشق على مدى ربع قرن، فقاتله سليمان باشا - والى دمشق - سنة (1150هـ)، فتحصن فى طبرية، إلاَّ أن موت سليمان باشا أدَّى إلى ازدياد نفوذ ظاهر العمر، فقام بتحصين عكا وبناء سورها، وضمها إلى إمارته، واتخذها عاصمة لها، وانتعشت التجارة فى عهده، واستقَّر الأمن، ولكن طموح ظاهر العمر دفعه إلى التوقف عن دفع الضرائب للعثمانيين، وتحالف مع على بك الكبير - حاكم مصر - واتفقا على عصيان العثمانيين، فحاربا الوالى العثمانى فى الشام - عثمان باشا الصادق - واضطرت الآستانة إلى الاعتراف بولاية ظاهر العمر، ولكن سرعان ماضعف أمره بعد مقتل على بك الكبير، فأصدرت الدولة العثمانية أوامرها إلى حسن باشا الجزائرى - أمير البحر العثمانى - بالقضاء على ظاهر العمر واحتلال عكا فاغتاله رجل مغربى وهو يستعد لمقاومة العثمانيين، فانهارت دولته بمقتله.

*صهيب الرومى

*صُهَيْبُ الرَّوِمىّ هو صهيب بن سنان بن مالك، صحابى جليل. كان من أهل الموصل. أَسَره الروم وهو صغير، ونشأ فيهم فكان لسانه فيه عُجْمة، واشتراه رجل من قبيلة كلب فباعه فى مكة فاشتراه عبد الله بن جُدْعان ثم أعتقه. أسلم صهيب هو وعمَّار بن ياسر فى يوم واحدٍ، وكان صهيب من السبعة الأوائل فى الإسلام، وعُذِّبَ كثيرًا بسبب إسلامه، وأراد صهيب أن يلحق بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة، فأراد أهل مكة منعه من الهجرة، فترك لهم ماله على أن يخلُّوا سبيله، فبلغ ذلك النبى - صلى الله عليه وسلم - فبشره قائلاً: ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى. وشهد صهيب مع النبى - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها، فقال عنه (: صُهَيبُ سابق الروم إلى الجنَّة. وحينما تُوفى عمر بن الخطاب أوصى بأن يصلِّى عليه صهيب، وأن يصلى بالناس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام. وتُوفى صهيب فى المدينة سنة (38 هـ) عن عمر بلغ نحو (70) سنة.

*شجرة الدر

*شجرة الدرّ هى شجرة الدر الصَّالحية، أم خليل، الملقبة بعصمة الدين ملكة مصر، كانت جارية اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة كبيرة، فولدت له ابنه خليلاً الذى مات طفلاً، فأعتقها الملك الصالح وتزوجها. وكانت ذات عقل راجح، تقوم بتدبير شئون الدولة فى أثناء مرض زوجها، وكان خطها يشبه خط زوجها الملك الصالح، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط فى أثناء حربه مع الإفرنج سنة (647 هـ)، كتمت خبر موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمور الملك من بعده، إلاَّ أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقتله، وبعد مقتله اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة فى صفر سنة (648 هـ)، فكانت المراسيم تصدر عليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل، وخُطِب لها أيام الجمع فى مصر والشام. وكان عمرها عند توليها السلطنة يقارب الأربعين، وتزوجت من الأمير عز الدين أيبك فى ربيع الآخر سنة (648 هـ)، فتنازلت له عن السلطنة، ولم تدم مدَّة حكمها أكثر من (80) يومًا. وتقلصت سلطتها بازدياد نفوذ أيبك، وبلغها أنه يريد الزواج من بنت الملك بدرالدين لؤلؤ صاحب الموصل؛ فدبَّرت لقتله سنة (655 هـ)، إلاَّ أن أمراء المماليك حاصروا قصرها واعتقلوها حتَّى قُتُلت سنة (655 هـ) عن نحو (42) سنة، ونصبوا المنصور على بن أيبك سلطانًا خلفًا لأبيه.

*عاتكة بنت يزيد

*عاتكة بنت يزيد هى عاتكة بنت يزيد بن معاوية. من فضليات نساء بنى أمية. زوجها عبد الملك بن مروان، وابنها يزيد بن عبد الملك، وحرمت على (12) خليفة من خلفاء بنى أمية. وكانت من محدِّثَات الشام، وعاشت حتَّى شهدت مقتل حفيدها الوليد بن يزيد سنة (126 هـ).

*عائشة بنت طلحة

*عائشة بنت طلحة هى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمية، أمها أم كلثوم بنت أبى بكر. وكانت عائشة من أجمل نساء عصرها، وكانت تشبه خالتها عائشة بنت أبى بكر. تزوَّجت من ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن، فلما مات تزوجت من مصعب بن الزبير، وكان صداقها مائة ألف دينار، فلمَّا قُتِل مصعب تزوجت من عمر بن عبيد الله التميمى، وكان صداقها منه مليون درهم. لم تنجب عائشة إلا من عبد الله بن عبد الرحمن فولدت له عمران، ولما تُوفى عمر بن عبيد الله سنة (82 هـ) لم تتزوج بعده. واشتهرت بالأدب، وكانت تقيم فى مكة سنة وفى المدينة سنة. وتوفيت سنة (101 هـ).

*ابن عبد الحكم

*ابن عبد الحكم هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبدالله بن عبد الحكم. مؤِّرخ مصرى. وُلِدَ فى مدينة الفسطاط بمصر نحو سنة (187 هـ)، فى أسرة مصرية عريقة فى العلم والجاه، واشتهرت بالفقه والأدب. كان أبوه شيخ المالكية فى مصر فنشأ ابن عبد الحكم نشأة دينية علمية، وحفظ القرآن الكريم فى صغره، وتعلَّم على أبيه - وغيره من علماء عصره - علوم الحديث والفقه، حتى نبغ فيها، وذاع صيته بين الناس. وغلب على ابن عبد الحكم الاهتمام بكتابة السير والتاريخ، واشُتِهر بذلك الفن، وكثرت فيه مصنفاته، ويعدُّ أقدم من كتب كتابًا فى تاريخ مصر، وهو كتاب فتوح مصر وأخبارها، واستند فى تدوينه له إلى طريقة الرواية. فكان ابن عبد الحكم أوَّل من انفرد بكتابة التاريخ المحلى لبلدٍ من البلدان، وكان كتابه مصدرًا مهمًّا لمن باءبعده من المؤرخين الذين كتبوا عن تاريخ مصر، مثل: السيوطى والمقريزى. وتُوفى ابن عبد الحكم بمصر فى المحرم سنة (257 هـ).

*ابن عبد البر

*ابن عبد البر هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبى. من كبار حفاظ الحديث، ومؤرخ أديب، وُلِد فى قرطبة بالأندلس سنة (368هـ)، ونشأ بها، وأخذ العلم عن علمائها أمثال: أبى القاسم خلف بن القاسم، وعبد الوارث بن سفيان، وأبى محمد بن عبد المؤمن، وأبى الوليد بن الفرضى، وأبى عمر أحمد بن عبد الملك وغيرهم. وكان ابن عبد البر دءويًا فى طلب العلم، فرحل رحلات كثيرة فى شرقى الأندلس وغربيها، ودرس الفقه والحديث والقراءات وغيرها، فبرع فى هذه العلوم، وبلغ منزلة عالية، حتى قال عنه أبو الوليد الباجى - أحد كبار علماء الأندلس -: لم يكن مثل أبى عمر بن عبد البر فى الحديث. واهتم ابن عبد البر اهتمامًا كبيرًا بالسير والتاريخ والأنساب وله فيها عدة مؤلفات. ووُلِّى قضاء لشبونة وقضاء شنترين، وألَّف فى الفقه والحديث والطبقات والمغازى، وتميزت كتاباته بالنظرة النقدية الفاحصة، والترتيب، والخلوّ من الاستطراد. ومن أهم مؤلفاته: الاستيعاب فى معرفة الأصحاب وبهجة المجالس والدُّرر فى اختصار المغازى والسير وجامع بيان العلم وفضله والإنباه على قبائل الرواة. وتُوفى ابن عبد البر بشاطبة سنة (463 هـ).

*العباس بن عبد المطلب

*العباس بن عبد المطلب هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم عمُّ النبى - صلى الله عليه وسلم -. وُلِدَ فى مكة قبل عام الفيل بثلاث سنوات، نحو عام (51 ق. هـ)، وكانت أمه نتيلة بنت جناب بن كليب قد فقدته - وهو صغير - فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة، فلما عثرت عليه أوفت بنذرها. وكانت له سقاية البيت وعمارته فى الجاهلية، فلما أسلم - قبل الهجرة - كان يرسل للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة بأخبار المشركين فى مكة. وفى غزوة بدر وقع العباس أسيرًا فى أيدى المشركين، فافتدى نفسه بمائة أوقية من الذهب، وثبت مع النبى فى غزوة حنين. وفى عام الرمادة استسقى به عمر بن الخطاب لمَّا اشتدَّ الأمر على المسلمين وعمَّ الجدبُ وانقطع المطر، فسقاهم الله. وكان العباس حسن الهيئة، جَهْوَرىَّ الصوت، كُفَّ بصره فى آخر عمره، حتى مات فى رجب سنة (32 هـ) فصلىَ عليه عثمان ودُفِنَ بالبقيع.

*عباس بن فرناس

*عبَّاس بن فرناس هو أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس. فيلسوف وعالم رياضييات وكيميائى، وفلكى، وموسيقى، وشاعر. وُلِدَ فى كورة تاكرنا (رنُدة) بجنوب الأندلس نحو (190 هـ)، وينتمى إلى أسرة من البربر، ونشأ فى قرطبة، وبرع - منذ شبابه - فى الفلسفة والكيمياء والطبيعة والفلك، وانتهت تجاربه فى مجال الكيمياء الصناعية إلى اختراع الزجاج من الرمال، كما اخترع آله لمقياس الزمن الميقاتة. كان من أعلام الشعراء الذين يضمهم بلاط الحكم بن هشام، وله بعض الألحان الموسيقية. وهو أول من حاول أن يخترع أداة للطيران، فكانت محاولته الطيران فى الجو هى التى اشتهر بها. تُوفى ابن فرناس سنة (260 هـ) عن عمر يناهز سبعين عامًا.

*ابن طباطبا

*ابن طباطبا هو صفى الدين أبو عبد الله محمد بن على بن محمد بن طباطبا العلوى المعروف بابن الطقطقى. مؤرخ وأديب. وُلِدَ فى بغداد سنة (660 هـ)، ونشأ وتعلم فى الموصل، وكان أبوه نقيب الأشراف العلويين، بالمحلة والنجف وكربلاء فخلفه - بعد موته - فى نقابة العلويين، وتزوج من امرأة فارسية من خراسان. وتنقل طباطبا بين بعض البلدان، ثم عاد إلى الموصل، واشتغل بالتأليف والتصنيف. وترجع شهرة طباطبا إلى كتابه الفخرى فى الآداب السلطانية والدول الإسلامية، وهو كتاب يدون لتاريخ الخلفاء الراشدين، ثم الأمويين، ثم العباسيين، ويذكر أمورًا فى الآداب السلطانية والسياسات الملكية، وفيه محاولة لفلسفة التاريخ. وله أيضًا كتاب فى التاريخ يسمى منية الفضلاء، وكتاب فى الأنساب يُسمى الأصيلى. وتُوفى ابن طباطبا فى بغداد سنة (709 هـ)، ولم يبلغ خمسين عامًا.

*طريف بن مالك

*طريف بن مالك قائد من البربر شارك فى فتح الأندلس. أرسله موسى بن نصير على رأس حملة استطلاعية مكونة من خمسمائة مقاتل، فعبروا البحر من سبتة فى أربع سفن إلى جزيرة طريف - التى سُميت باسمه - وذلك فى سنة (91 هـ)، وتوغَّلت الحملة داخل الجزيرة الخضراء، فأصابت كثيرًا من الغنائم، وقوبلت بالإكرام والترحيب، ثم عادت فى أمن وسلام، وقص طريف نتائج رحلته على موسى، فاستبشر بالنصر، وجدَّ فى الاستعداد لفتح الأندلس.

*شكيب أرسلان

*شكيب أرسلان هو شكيب بن حمود بن حسين بن يونس أرسلان. العالم والسياسى والأديب، عرف بلقب أمير البيان، وكان من أعضاء المجمع العلمى العربى، وهو من سلالة التنوخيين ملوك الحيرة. وُلِد فى الشويفات بلبنان سنة (1286 هـ = 1869 م)، وتعلم فى مدرسة دار الحكمة ببيروت، وعين مديرًا للشويفات لمدة عامين، ثم عين قائم مقام فى الشوف ثلاث سنين، وانتخب عن حوران فى مجلس المبعوثان العثمانى. أقام شكيب أرسلان فى دمشق خلال الحرب العالمية الأولى، ثم انتقل إلى برلين بألمانيا، ثم إلى جنيف بسويسرا، فأقام بها (25) عامًا، ثم عاد إلى بيروت. وكان شكيب أرسلان عالمًا بالسياسة، فعالج السياسة الإسلامية - قبل انهيار الدولة العثمانية - وكان مدافعًا عنها. واضطلع بالقضايا العربية، وأصدر مجلة باللغة الفرنسية - فى جنيف - يدافع فيها عن القضايا العربية، وقام برحلات إلى أوربا وأمريكا والأندلس وكان يجيد اللغتين الفرنسية والتركية، وله إلمام بالإنجليزية والألمانية، وله ديوان شعر، وعدة كتب منها: الحلل السندسية فى الرحلة الأندلسية، وغزوات العرب فى فرنسا وشمال إيطاليا وسويسرا، ولماذا تأخر المسلمون؟، وغيرها. تُوفى شكيب أرسلان سنة (1366 هـ = 1946 م)، ودفن فى الشويفات.

*صفية بنت عبد المطلب

*صِفيَّة بنت عبد المطَّلب هى صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشيَّة الهاشمية، عَّمة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابية جليلة. أسلمت مبكرًا، وهاجرت إلى المدينة. كانت قد تزوَّجت فى الجاهلية الحارث بن حرب بن أمية، فلما مات تزوَّجت من العوام بن خويلد، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة. وكانت صفية من شواعر العرب، وقد قالت شعرًا فى رثاء أخيها حمزة، وشهدت غزوة أحد مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك غزوة الخندق، وقتلت فيها أحد جواسيس اليهود، وهى أوَّل امرأة قتلت رجلاً من المشركين. وقد عاشت صفية حتى خلافة عمر بن الخطاب، وتُوفيت سنة (20 هـ) عن عمر بلغ (73) سنة، ودفنت بالبقيع.

*ابن شهاب الزهرى

*ابن شِهاب الزُّهْرِىّ هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى. أحد الفقهاء والمحدِّثين، ومن التابعين فى المدينة وله شعر جيد. رأى عشرة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، ومحمود بن الربيع، وأبى الطفيل وغيرهم. وروى عنه مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثورى وآخرون. وكان فى صحبة عبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك الذى ولاَّه القضاء. وتُوفى ابن شهاب سنة (124 هـ) عن عمر بلغ نحو (72) سنة.

*محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهرى

*محمد بن مسلم بن عبيد الله الزُّهْرِىّ هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى. أحد الفقهاء والمحدِّثين، ومن التابعين فى المدينة وله شعر جيد. رأى عشرة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، ومحمود بن الربيع، وأبى الطفيل وغيرهم. وروى عنه مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثورى وآخرون. وكان فى صحبة عبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك الذى ولاَّه القضاء. وتُوفى ابن شهاب سنة (124 هـ) عن عمر بلغ نحو (72) سنة.

*الشعبى

*الشَّعبى هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذى كبار. تابعىُُّ جليلُُ، وعالم كبير من أهل اليمن. وُلِد نحو عام (31 هـ) فى خلافة عثمان بن عفان، وروى عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبى وقاص وسعيد بن يزيد، وأبو موسى الأشعرى، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وابن عمر، وعائشة، حتى إنه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه الحكم، وحمَّاد، وعاصم الأحول، وابن أبى ليلى وغيرهم. تولى قضاء الكوفة من قِبَلِ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والى عمر بن عبد العزيز على العراق. وتوفى الشعبى نحو عام (104 هـ) عن عمر بلغ نحو (80) سنة.

*عامر بن شراحيل

*عامر بن شراحيل هو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذى كبار. تابعىُُّ جليلُُ، وعالم كبير من أهل اليمن. وُلِد نحو عام (31 هـ) فى خلافة عثمان بن عفان، وروى عن عدد من الصحابة منهم: سعد بن أبى وقاص وسعيد بن يزيد، وأبو موسى الأشعرى، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وابن عمر، وعائشة، حتى إنه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروى عنه الحكم، وحمَّاد، وعاصم الأحول، وابن أبى ليلى وغيرهم. تولى قضاء الكوفة من قِبَلِ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والى عمر بن عبد العزيز على العراق. وتوفى الشعبى نحو عام (104 هـ) عن عمر بلغ نحو (80) سنة.

*الشرقاوى

*الشرقاوى هو عبد الله بن حجازى بن إبراهيم الشرقاوى الأزهرى. فقيه مصرى، وأحد مشايخ الأزهر الشريف. وُلِدَ فى قرية الطويلة - إحدى قرى محافظة الشرقية - سنة (1150 هـ = 1737 م)، وحفظ القرآن الكريم فى طفولته، ثم ذهب إلى الجامع الأزهر لدراسة العلوم الشرعية الإسلامية، فدرس على عدد من العلماء منهم: الشهاب الملوى، والشهاب الجوهرى، والشيخ على الصعيدى، والشيخ الحفنى، والإمام الدمنهورى. ومال إلى التصوف، وتولى مشيخة الأزهر بعد الشيخ أحمد العمروسى سنة (1208 هـ = 1793 م)، فأنشأ رواق الشراقوة، وكان دائمًا يطالب الحكام برفع المظالم عن الناس، والحكم بالعدل، وبأن يكفوا أيديهم عن أموال الناس. وكان يدرس فى المدرسة الصلاحية، وله مواقف مشرِّقة مع زعماء الحملة الفرنسية، حتى إنَّهم اعتقلوه فى سجن القلعة بسبب ذلك. وللشيخ الشرقاوى عدد من الكتب فى الفقه، من أهمها: حاشية على شرح التحرير فى الفقه الشافعى، والتحفة البهية فى طبقات الشافعية، وفتح المبدى بشرح مختصر الزبيدى وغيرها. وتُوفى الشيخ الشرقاوى سنة (1227 هـ = 1812 م).

*شارلمان

*شارلمان هو شارل الكبير ملك الفرنجة، منحه البابا أدريان الأول لقب حامى الرومان، وقام بغزو سكسونيا وأرغم أهلها على الدخول فى المسيحية، وحينما توَّجَه الرومان امبراطورًا عليهم سنة (800 م)، أقام علاقات وديَّة مع الخليفة العباسى هارون الرشيد. وسعى شارلمان إلى غزو إسبانيا، واستمر يحارب فيها سبعة أعوام، حتَّى تمكَّن من فتح موانيها ومدنها، ماعدا سرقسطة التى كانت معقلاً للملك مارسيل، وقد أدت هذه الحروب إلى القضاء على خيرة جنود شارلمان، واختتمت بنكبته. وكان شارلمان محبًّا للعلوم والفنون والآداب، وشجَّع على نشر التعليم فى إمبراطوريته، وتحول شارلمان - بعد موته - إلى شخصية أسطورية بمرور الزمن، فنسبت إليه كل الأعمال العظيمة التى تمت فى أسرته. وشاع فى عصر الحروب الصليبية أنه قام من بين الموتى ليأخذ شارة الصليب، ويحارب المسلمين. وقد نسجت حول هذه الأسطورة ملاحم وأشعار وقصص كثيرة.

*صالح عليه السلام (نبى (

*صالح عليه السلام (نبى) هو صالح بن عبد بن ماسح. بعثه الله تعالى إلى ثمود، وهى قبيلة عربية ترجع جذورها إلى من نجا من قوم عاد. وكانت ثمود تسكن منطقة تسمى الحجر، تقع بين الحجاز وتبوك. وقد أحسن الله إلى قوم ثمود، وأنعم عليهم بنعم كثيرة، ومَكَّنَ لهم فى الأرض، ولكنهم جحدوا تلك النعم، وطغوا وتجبروا، وانحرفوا عن دين الله، فأرسل الله تعالى نبيَّه صالحًا - عليه السلام - يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وترك الشرك والأوثان، ولكنهم كذَّبوه، وتعرضوا له ولمن آمن معه بالإيذاء، وازدادوا عصيانًا وكفرًا. وأراد الكافرون أن يُعجزوا نبى الله صالحًا فطلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة تدلُّ على صدق نبوَّته، وتحدَّوه أن يُخْرِج لهم ناقة من قلب الصخر. فدعا صالح ربَّه أن يؤيده بتلك المعجزة، لعلهم يؤمنون، ويتوبون إلى ربهم، فاستجاب الله لدعاء نبيه، وأخرج لهم ناقة من الصخر، وأخبرهم صالح أن عليهم أن يشربوا من الماء يومًا ويتركوا الناقة تشرب يومًا، ثم أمرهم بعدم إيذاء الناقة أو التعرض لها بسوء. ولكنهم عزموا على التخلِّص من تلك الناقة فتربصوا بها ذات يوم وذبحوها، فتوعدهم صالح بأن الله سيصيبهم بالعذاب الشديد بعد ثلاثة أيام، فسخروا منه، وازدادوا إيذاءً له ولمن آمن به. وبعد مرور الأيام الثلاثة استيقظ قوم ثمود على أصوات عالية رهيبة، وزلزلة شديدة، وتهاوت البيوت، وتهدمت القصور، وسيطر الرعب والفزع على الكافرين، فأسرعوا يحاولون الفرار، وانطلقوا يَعْدُون فى كل اتجاه، ولكن الدمار والهلاك كان ينتظرهم فى كل مكان. وحفظ الله تعالى نبيَّه صالحًا والمؤمنين الذين أسلموا معه، ونجَّاهم من ذلك العذاب وتلك الأهوال، فهاجروا إلى قرية أخرى - بعد أن عمَّ الخراب والدمار تلك القرية الظالمة - لينشروا دعوة الحق وكلمة التوحيد فى أرض جديدة.

*الشافعى

*الشافعى هو محمد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب وينتهى نسبه إلى هاشم بن عبد المطلب. وُلِد سنة (150هـ) لأبوين هاشميين فى مدينة غزة - إحدى مدن الشام - ومات والده وهو ابن عامين، فرحلت به أمه إلى مكة، فعاش فيها، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم حفظ الموطّأ وهو ابن عشر، وتعلم العربية والشعر وبرع فيهما، ودرس الفقه والحديث، حتى أصبح عالم زمانه، وهو أوَّل من ألَّف فى أصول الفقه، وهو الذى استنبطه، وتعرض للفتيا وهو لم يتجاوز عشرين سنة، وكان كثير الرحلة فى طلب العلم، فرحل إلى المدينة فتعلم على الإمام مالك، ثم إلى بغداد ورحل إلى مصر سنة (199 هـ) فألَّف بها معظم كتبه، وظل بها حتى تُوفى سنة (204 هـ). والإمام الشافعى واحد من أئمةالفقه الأربعة المشهورين، وإليه تنسب الشافعية. وقد ترك الإمام الشافعى عددًا من الكتب والمصنفات الرائدة منها: كتاب الأمّ وهو كتاب فى الفقه، والمسند، وكتاب أحكام القرآن، وكتاب الرسالة فى أصول الفقه، وكتاب اختلاف الحديث وكتاب أدب القاضى.

*محمد بن إدريس الشافعى

*محمد بن إدريس الشافعى هو محمد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب وينتهى نسبه إلى هاشم بن عبد المطلب. وُلِد سنة (150هـ) لأبوين هاشميين فى مدينة غزة - إحدى مدن الشام - ومات والده وهو ابن عامين، فرحلت به أمه إلى مكة، فعاش فيها، ونشأ بها، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، ثم حفظ الموطّأ وهو ابن عشر، وتعلم العربية والشعر وبرع فيهما، ودرس الفقه والحديث، حتى أصبح عالم زمانه، وهو أوَّل من ألَّف فى أصول الفقه، وهو الذى استنبطه، وتعرض للفتيا وهو لم يتجاوز عشرين سنة، وكان كثير الرحلة فى طلب العلم، فرحل إلى المدينة فتعلم على الإمام مالك، ثم إلى بغداد ورحل إلى مصر سنة (199 هـ) فألَّف بها معظم كتبه، وظل بها حتى تُوفى سنة (204 هـ). والإمام الشافعى واحد من أئمةالفقه الأربعة المشهورين، وإليه تنسب الشافعية. وقد ترك الإمام الشافعى عددًا من الكتب والمصنفات الرائدة منها: كتاب الأمّ وهو كتاب فى الفقه، والمسند، وكتاب أحكام القرآن، وكتاب الرسالة فى أصول الفقه، وكتاب اختلاف الحديث وكتاب أدب القاضى.

*أبو العاص بن الربيع

*أبو العاص بن الربيع هو أبو العاص القاسم بن الربيع بن عبد العُزَّى بن عبد شمس بن عبد مناف. زوج زينب بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -. حارب مع المشركين يوم بدر فأسره المسلمون، فأرسلت زينب فى فدائه بقلادة أمها خديجة، فَرقَّ لها النبى - صلى الله عليه وسلم -، وخيَّر المسلمين فى إطلاق سراحه فأطلقوه، فأخذ النبى - صلى الله عليه وسلم - منه عهدًا أن يخلَّى سبيل زينب لتهاجر، ففعل. ثم أُسِرَ أبو العاص مرة أخرى، وهو راجع فى تجارة من الشام فاستجار بزينب؛ فقبل المسلمون إجارتها، ثم رجع إلى مكة فأدى الحقوق إلى أصحابها، ثم أعلن إسلامه، وهاجر إلى المدينة، وكان ذلك قبل الحديبية بنحو ستة أشهر. فردَّ له النبى زينب بزواجه الأول منها. وتُوفى أبو العاص فى خلافة الصدِّيق، فى ذى الحجة سنة (12 هـ).

*طهماسب الأول

*طهماسب الأول هو الابن الأكبر لإسماعيل الصفوى - مؤسس البيت الصفوى. وقد وُلِد طهماسب نحو سنة (920 هـ)، وتولى الحكم بعد وفاة والده سنة (930 هـ) وامتد حكمه (52) سنة، خاض خلالها العديد من الحروب ضد الدولة العثمانية. استطاع طهماسب أن يهزم الأوزبك والشيشان سنة (935 هـ) فى معركة استخدم خلالها الأسلحة الحديثة، كما استولى على بغداد، واستطاع الاحتفاظ بحدوده الشرقية، لكنه لاقى العديد من الهزائم على يد العثمانيين الذين وصلوا إلى العاصمة تبريز ثم أصفهان؛ لذلك نقل طهماسب عاصمته إلى قزوين خوفًا من التهديد التركى. وكان طهماسب خطَّاطًا وفنانًا بارعًا. وتوفى مسمومًا سنة (984هـ) عن عمر بلغ نحو (64) عامًا.

*ابن عبد ربه

*ابن عبد ربه هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم، الأديب المؤرخ الأندلسى. ولد بقرطبة سنة (246 هـ) فى أسرة فقيرة، وكان جدُّه سالم مولى للأمير هشام بن عبد الرحمن بن معاوية. درس ابن عبد ربه علوم عصره من تاريخ وشعر ونحو وفقه، وتتلمذ على أيدى بعض علماء عصره، وعُرِفَ بسعة الاطلاع، واعتدال الرأى، واهتم بجمع الأخبار والطرائف والنوادر، ولكن غلب عليه الشعر والاشتغال بالأدب، وتقرَّب من الأمراء ومدحهم، ونادمهم بطرائفه؛ فأثرى من ذلك كثيرًا. واشتهر ابن عبد ربه بكتابه العقد الفريد، وكان قد سماه العقد ولكن الناسخين المتأخرين أضافوا لفظ الفريد إليه، وهو كتاب فى الأدب. وله أيضًا أرجوزة تاريخية ذكر فيها الخلفاء. وقد مال ابن عبد ربه فى أواخر حياته إلى الزهد فانقطع للعبادة والوعظ، ونظم قصائد سماها الممحصات فى المواعظ، نقض فيها كل ما قاله فى صباه من غزل. وتُوفى ابن عبد ربه سنة (328 هـ) عن عمر بلغ (82) سنة.

*عبد الحميد بن يحيى الكاتب

*عبد الحميد بن يحيى الكاتب هو أبو يحيى عبد الحميد بن يحيى بن سعد الأنبارى. من كبار الكتاب، وبه يضرب المثل فى الكتابة، وكان أوَّلَ من أطال الرسائل، واستعمل التحميدات فى فصول الكتب، وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة والبلاغة والاستقامة. وكان عبد الحميد يسكن الرقة ويعلِّم الصبيان، وأكثر من التنقل فى البلاد، حتى دخل فى خدمة مروان بن محمد - آخر خلفاء بنى أمية - وظلَّ فى خدمته حتى قُتِلَ معه سنة (132 هـ). وكان عبد الحميد قد تتلمذ لسالم مولى هشام بن عبد الملك، وتعلم عليه خالا بن برمك، ويعقوب بن داود. وترك عبد الحميد تراثًا رائعًا فى مجموعة رسائل تبلغ ألف ورقة.

*طاش كبرى زاده

*طاش كبرى زاده هو أبو الخير عصام الدين أحمد بن مصطفى بن خليل، مؤرخ ومصنف تركى، وُلِد فى أبروسة سنة (901 هـ)، ونشأ فى أنقرة، وتأدَّب وتفقه بها، وتنقل فى البلاد التركية مدرسًا للفقه والحديث وعلوم العربية. ولى القضاء فى القسطنطينية سنة (958 هـ)، فرمد وكُفَّ بصره سنة (961 هـ). وهو يُعدُّ من العلماء الموسوعيين، وقد ألف فى أكثر الموضوعات، وبلغت مؤلفاته نحو الثلاثين، مابين كتاب ورسالة ومنظومة. ومن أشهر أعماله كتاباه الموسوعيان: الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية، ويشتمل على (522) ترجمة لمشاهير العلماء العثمانيين حتى عهد السلطان سليمان القانونى، وكتاب مفتاح دار السعادة ومصباح السيادة، وهو فى موضوعات العلوم التى قسمها إلى نحو (300) علم، مبوبة تحت ستة أقسام رئيسية. وله أيضًا: توارد الأخبار فى مناقب الأخيار فى التراجم، وشرح على كتاب الفوائد الغياثية فى علم المعانى للإيجى. وتوفى طاش كبرى زاده سنة (968 هـ) عن عمر يناهز السابعة والستين.

*طغرل بك

*طغرل بك هو ركن الدين أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق مؤسس الدولة السلجوقية، وأول سلاطينها العظام. وُلِد سنة (385 هـ)، ونشأ نشأة عسكرية، واشترك فى حروب قومه السلاجقة فى بداية توسعاتهم مع الدولة الإيلخانية فى بلاد ما وراء النهر، والدولة الغزنوية بفارس. وعرف طغرل بك بالشجاعة، وقوة الشخصية؛ مما ساعده على تبوُّء مكانة عالية فى قومه، فاتفق الأمراء على زعامته لهم، والتفوا حوله. وتمكن طغرل بك بعد فترة وجيزة من السيطرة على مساحة كبيرة، ضمَّت خراسان وجرجان وخوارزم وطبرستان وقزوين وزنجاب وهمذان وأذريبجان وكرمان، وآلت إليه أملاك الدولة الغزنوية بعد انهيارها، فصار مجاورًا لبغداد حاضرة الخلافة العباسية، وكان البويهيون أصحاب السلطة الحقيقية فى البلاد، ولم يكن للخليفة العباسى أية سلطة فِعْليَّة، فلما رأى قوة السلاجقة استنجد بطغرل بك، ليخلَّصَه من سيطرة البويهيين، فتوجه طغرل بك إلى بغداد وقبض على آخر حكام البويهيين فلقبه الخليفة بملك المشرق والمغرب. وعندما قامت ثورة البساسيرى، الذى دخل بغداد، وعاث فيها فسادًا، هرب الخليفة حتى نجح طغرل بك فى القضاء على الثورة، وأعاد الخليفة إلى قصره، وقد ساعد ذلك على ازدياد نفوذ طغرل بك وعلو مكانته فى الخلافة، حتى تُوفى سنة (455 هـ).

*طلحة بن عبيد الله

*طلحة بن عبيد الله هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التميمى. صحابى جليل، وأحد العشرة المبشرين بالجنَّة، وأحد الثمانية السابقين فى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى بعد وفاة عمر بن الخطاب. عُرِف بطلحة الخير، وطلحة الفيَّاض، وطلحة الجود. أسلم على يد أبى بكر الصديق، وأظهر شجاعة كبيرة وبأسًا شديدًا فى الدفاع عن النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُد، حتى أصيب بأربعة وعشرين جرحًا، وشهد المشاهد كلها مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، وعندما هاجر إلى المدينة آخى النبى (بينه وبين كعب بن مالك الأنصارى. وكان طلحة ميسورًا، ولم يدعْ أحدًا من بنى تميم إلاَّ كفاه هو وأولاده، وقضى عنه دَينه. وقد قُتل طلحة يوم الجمل سنة (36 هـ)، وكان عمره ستين سنة.

*طليحة بن خويلد الأسدى

*طليحة بن خويلد الأسدى هو طليحة بن خويلد بن نوفل الفقعسى، من شجعان العرب، وكان يُعدَّ بألف فارس. شهد مع المشركين غزوة الأحزاب، ثم أسلم سنة (9 هـ) ولكنه عاد فارتدَّ، فأرسل إليه النبى - صلى الله عليه وسلم - ضرار بن الأزور الأسدى ليقاتله، وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - عظم خطر طليحة وكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيئ، فقاتله خالد بن الوليد فى خلافة أبى بكر الصدَّيق، وهُزِم طليحة، وفر إلى الشام وظلَّ بها حتَّى تُوفى أبو بكر، رضى الله عنه. وفى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، خرج محرمًا وأسلم، وحسن إسلامه، وخرج إلى بلاد الشام مجاهدًا، وشهد اليرموك وبعض المعارك الأخرى، وأوصى عمر بن الخطاب قائده النعمان بن مقرن بأن يستعين بطليحة فى حروبه. واستشهد طليحة بنهاوند سنة (21 هـ).

*ابن عائشة

*ابن عائشة هو إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام، يعرف بابن عائشة وعائشة جدته أم أبيه، ويلتقى ابن عائشة مع المأمون فى الجدِّ الثالث. قاد ابن عائشة حركة استهدفت خلع المأمون ومبايعة عمه إبراهيم المهدى سنة (202 هـ)، إلا أن الحركة فشلت، واختفى ابن عائشة فترة طويلة، حتى استطاع المأمون القبض عليه وحبسه، وحينما أراد الاتصال بنصر بن شبت - أحد الخارجين على المأمون - عند وصوله إلى بغداد سنة (210 هـ)، إلا أن ابن عائشة قام ببعض الشغب فى السجن، فأمر المأمون بضرب عنقه وصلبه السنة نفسها، فكان أول مصلوب من بنى العباس.

*الضحاك بن قيس

*الضحاك بن قيس هو الضحاك بن قيس الشيبانى زعيم من الحروريين، خرج مع سعيد بن بهدل سنة (126 هـ) فى مائتين من حرورية الجزيرة، ومات سعيد سنة (127 هـ) فخلفه الضحاك، وبايع له الشراة، فقصد أرض الموصل ثم شهرزور، واجتمعت عليه الصفرية حتى صار فى أربعة ألاف، فسار إلى العراق واستولى على الكوفة، وحاصر واسط فصالحه عاملها، وكاتبه أهل الموصل فاحتلها. وقارب عدد جيشه مائة ألف، فخرج إليه الخليفة الأموى مروان، فالتقيا بنواحى كفر توشا، وتقاتلا قتالاً شديدًا، ولما كان المساء خرج الضحاك فى ستة آلاف من أصحابه، فأحاط بهم جنود مروان، وحملوا عليهم حتى قتلوهم فى الظلام، وفر من نجا من أصحاب الضحاك إلى معسكرهم، وقُتل الضحاك فيمن قتل من أصحابه.

*الطائع لله

*الطائع لله هو أبو الفضل عبد الكريم الطائع لله بن المقتدر العباسى. أحد خلفاء الدولة العباسية، وُلِد فى بغداد نحو سنة (320 هـ)، وحينما بلغ الثالثة والأربعين تنازل له أبوه عن الخلافة سنة (363 هـ)، وكانت الدولة - آنذاك - تمر بمرحلة ضعف، فلم يتمكن الطائع من إصلاح الأمر، بل ازدادت الأمور سواءًا؛ فكثرت - فى عهده - الفتن والضطرابات الداخلية، واشتد النزاع بين كبار قواد الجيش، وكانت أمور الدولة كلها فى يد البويهيين، وسيطر عليه عضد الدولة البويهى، وابنه بهاء الدولة من بعده، وبلغ الأمر أن قبض بهاء الدولة على الخليفة الطائع سنة (381هـ) وسجنه، وأجبره على كتابة مرسوم يخلع فيه نفسه من الخلافة، وأشهد عليه، واستمر الطائع سجينًا، حتى توفى فى العام نفسه.

*القلقشندى

*القلقشندى هو أحمد بن على بن أحمد الفزارى القلقشندى. مؤرخ وأديب وعالم بحاثة، ولد فى قلقشندة - إحدى قرى محافظة القليوبية - سنة (756هـ = 1355م)، ونشأ بها صغيرًا. ودرس القلقشندى بالقاهرة والإسكندرية على كبار علماء عصره؛ فبرع فى الأدب وعلوم اللغة والبلاغة والإنشاء، وأجازه الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن أبى الحسن (ابن الملقن) بالفتيا والتدريس على المذهب الشافعى، وكذلك أجازه على أن يروى فى الفقه والحديث وكتب الصحاح الستة ومسند الشافعى ومسند أحمد وغيرها من كتب أصول الفقه. عمل القلقشندى فى ديوان الإنشاء سنة (791هـ = 1388م) فى عهد السلطان الظاهر برقوق، وظل به حتى سنة (816هـ = 1413م). ومن أهم كتبه: صبح الأعشى فى صناعة الإنشاء، حلية الفضل وزينة الكرم فى المفاخرة بين السيف والقلم، قلائد الجمان فى التعريف بقبائل عرب الزمان، ضوء الصبح المسفر نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب. وقد تُوفِّى القلقشندى سنة (821 هـ = 1418 م) عن عمر يناهز (65) سنة.

*أبو الهدى الصيادى

*أبو الهدى الصيادى هو أبو الهدى محمد بن حسن وادى بن على بن خزام الصيادى الرفاعى الحسينى، من رجالات الدولة العثمانية فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى. ولد فى خاد شيخون عام (1266هـ = 1849م)، وتعلم بمدينة حلب وولى نقابة الأشراف بها، ثم سكن مدينة الآستانة بتركيا. وتوثقت الصلة بينه وبين السلطان عبد الحميد وحظى عنده بمكانة عظيمة، وكان من كبار ثقاته، واستمر فى خدمته ثلاثين سنة. وعرف عنه سعة علمه فى العلوم الإسلامية والآداب، وكان أذكى الناس، وعرف عنه تصوفه وظرفه، ولما خُلع السلطان عبد الحميد نُفى الشيخ الصيادى إلى جزيرة الأمراء. وقد صنف الشيخ الصيادى العديد من المؤلفات، مثل: ضوء الشمس فى قوله (بنى الإسلام على خمس، قلادة الجواهر فى ذكر الغوث الرفاعى وأتباعه الأكابر، وفرحة الأحباب فى أخبار الأربعة الأقطاب، والجوهر الشفاف فى طبقات السادة الأشراف والسهم الصائب لكبد من آذى طالب. تُوفًّى الصيادى فى جزيرة الأمراء عام (1328هـ = 1909م).

*سعيد بن المسيب

*سعيد بن المسيَّب هو سعيد بن المسيب بن حزم بن أبى وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم سيد التابعين على الإطلاق. كان يقال له: فقيه الفقهاء، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. ولد سعيد لسنتين مضتا - وقيل: بقيتا - من خلافة عمر بن الخطاب، وكان سعيد مثال النباهة والاستقامة من طفولته. لزم وهو صغير مجالس عمر بن الخطاب وسمع منه، ومن عثمان بن عفان وسعد بن أبى وقاص، وابن عباس وابن عمر وكثير من الصحابة. وتزوج سعيد من ابنة الصحابى الجليل أبى هريرة. وبلغ من فقهه وعلمه أن ابن عمر كان يرسل إليه يسأله عن قضايا عمر وأحكامه. وكان سعيد من أورع الناس وأزهدهم فى فضول الدنيا ومن أكثرهم أدبًا، كما عرف عنه حسن تفسيره للرُّؤَى. وتُوفِّى سعيد - رحمه الله - سنة (94هـ = 763م).

*لسان الدين بن الخطيب

*لسان الدين بن الخطيب هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلمانى اللوشى الغرناطى الأندلسى، مؤرخ، وطبيب وكاتب وشاعر جيد. ولد سنة (713هـ = 1313م) فى أسرة ذات علم وجاه وفضل، فكان أهله يعرفون ببنى وزير ثم ببنى الخطيب لأن أباه كان خطيبًا بارعًا. ودرس لسان الدين اللغة والأدب والشريعة على كبار علماء عصره فى غرناطة، مثل: أبى عبد الله بن الفخار، وأبى القاسم محمد بن على الحسينى السبتى، وأبى عبد الله بن مرزوق، وأبى عبد الله بن الحكيم اللخمى، ودرس الطب والفلسفة على الفيلسوف الكبير أبى زكريا يحيى بن هزيل، ولما أنهى دراسته العلمية تولى رئاسة الكتاب وديوان الإنشاء، ومنحه السلطان أبو الحجاج رتبة الوزارة وألقابها. واستوزره الغنى بالله بن أبى الحجاج وخلع عليه لقب ذى الوزارتين، لجمعه بين الكتابة والوزارة، ولما حيكت الدسائس ضده هرب إلى بلاد المغرب العربى، فاستقبله سلطانها عبد العزيز بن أبى الحسن المرينى أحسن استقبالٍ، وأرسل إلى غرناطة يطلب أهله وماله. وسعى أعداء لسان الدين بن الخطيب فى القَضاء عليه، فاتهموه بالزندقة والخروج على الإسلام، والطعن فى النبى - صلى الله عليه وسلم - والقول بالحلول، وقضوا بحرق كل كتبه، وبالفعل تم لهم ما أرادوا سنة (773هـ = 1371م) وأرسلوا إلى السلطان المغربى عبد العزيز فى طلبه ولكنه رفض طلبهم. وبعد أن تُوفِّى السلطان عبد العزيز بن أبى الحسن المرينى قامت فتنة فى البلاد، فساعد سلطان غرناطة الغنى بالله قادة الثورة بشرط أن يسلموه لسان الدين بن الخطيب، فلما جلس أحمد بن أبى سعيد سلطان المغرب على عرش بلاد المغرب، قبض على ابن الخطيب وأودعه السجن، وعقد له مجلسًا، حقق فيه حول التهم المنسوبة إليه، فأفتى بعض المتشددين من الفقهاء بقتله، فى الوقت الذى دخل فيه عليه بعض رجال الغنى بالله السجن وخنقوه، ودفن عند باب المحروق (أحد أبواب فاس القديمة)، وكان ذلك سنة (776هـ =

1374م). ومن أهم مصنفاته وكتبه: الإحاطة فى تاريخ غرناطة، الإعلام فى من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المراكشية، نفاضة الجراب، الكتيبة الكامنة، معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار، التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى، خطرة الطيف فى رحلة الشتاء والصيف.

*بن الخطيب

*بن الخطيب هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلمانى اللوشى الغرناطى الأندلسى، مؤرخ، وطبيب وكاتب وشاعر جيد. ولد سنة (713هـ = 1313م) فى أسرة ذات علم وجاه وفضل، فكان أهله يعرفون ببنى وزير ثم ببنى الخطيب لأن أباه كان خطيبًا بارعًا. ودرس لسان الدين اللغة والأدب والشريعة على كبار علماء عصره فى غرناطة، مثل: أبى عبد الله بن الفخار، وأبى القاسم محمد بن على الحسينى السبتى، وأبى عبد الله بن مرزوق، وأبى عبد الله بن الحكيم اللخمى، ودرس الطب والفلسفة على الفيلسوف الكبير أبى زكريا يحيى بن هزيل، ولما أنهى دراسته العلمية تولى رئاسة الكتاب وديوان الإنشاء، ومنحه السلطان أبو الحجاج رتبة الوزارة وألقابها. واستوزره الغنى بالله بن أبى الحجاج وخلع عليه لقب ذى الوزارتين، لجمعه بين الكتابة والوزارة، ولما حيكت الدسائس ضده هرب إلى بلاد المغرب العربى، فاستقبله سلطانها عبد العزيز بن أبى الحسن المرينى أحسن استقبالٍ، وأرسل إلى غرناطة يطلب أهله وماله. وسعى أعداء لسان الدين بن الخطيب فى القَضاء عليه، فاتهموه بالزندقة والخروج على الإسلام، والطعن فى النبى - صلى الله عليه وسلم - والقول بالحلول، وقضوا بحرق كل كتبه، وبالفعل تم لهم ما أرادوا سنة (773هـ = 1371م) وأرسلوا إلى السلطان المغربى عبد العزيز فى طلبه ولكنه رفض طلبهم. وبعد أن تُوفِّى السلطان عبد العزيز بن أبى الحسن المرينى قامت فتنة فى البلاد، فساعد سلطان غرناطة الغنى بالله قادة الثورة بشرط أن يسلموه لسان الدين بن الخطيب، فلما جلس أحمد بن أبى سعيد سلطان المغرب على عرش بلاد المغرب، قبض على ابن الخطيب وأودعه السجن، وعقد له مجلسًا، حقق فيه حول التهم المنسوبة إليه، فأفتى بعض المتشددين من الفقهاء بقتله، فى الوقت الذى دخل فيه عليه بعض رجال الغنى بالله السجن وخنقوه، ودفن عند باب المحروق (أحد أبواب فاس القديمة)، وكان ذلك سنة (776هـ =

1374م). ومن أهم مصنفاته وكتبه: الإحاطة فى تاريخ غرناطة، الإعلام فى من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، الحلل الموشية فى ذكر الأخبار المراكشية، نفاضة الجراب، الكتيبة الكامنة، معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار، التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى، خطرة الطيف فى رحلة الشتاء والصيف.

*الكندى

*الكندى هو أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب التجيبى الكندى، مؤرخ مصرى، ينسب إلى قبيلة تجيب أحد بطون قبيلة كندة الشهيرة. ولد فى فسطاط مصر فى (10 من ذى الحجة 283هـ = 17 من يناير 897 م). وتعد جهود الكندى فى التأريخ متمة لجهود المؤرخ المصرى ابن عبد الحكم المتوفَّى سنة (257 هـ = 871 م)، ووصل الكندى بتأريخه إلى سنة (335هـ) حيث ذكر ولاتها. وترك الكندى بعض المؤلفات، أهمها: ولاة مصر وهو مطبوع، ويتناول الكندى فيه ولاة مصر حتى عصر محمد بن طغج الإخشيدى المتوفَّى سنة (334هـ)، وكتاب قضاة مصر وهو مطبوع ايضًا، ويقف فيه الكندى عند سنة (246هـ). وتوفِّى الكندى فى (رمضان سنة 350هـ = أكتوبر 961م).

*كعب الأحبار

*كعب الأحبار هو أبو إسحاق كعب بن ماتع الحميرى اليمنى، تابعى. كان فى الجاهلية من كبار علماء اليهود وأحبارهم، أسلم فى خلافة عمر بن الخطاب وحسن إسلامه، وكان يسكن اليمن فقدم إلى المدينة وحضر مجالس أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - وتعلم منهم فقه الإسلام وسنن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان يحدثهم عن كتب اليهود وأخبارهم. وشارك كعب الأحبار فى الفتح والجهاد مع صحابة النبى فى بلاد الشام، واستقر بها وتُوفِّى بحمص سنة (32هـ = 652م) فى خلافة عثمان بن عفان وهو ذاهب للغزو وكان عمره (104) سنوات ولكعب الأحبار روايات عن كثير من الصحابة، وحدَّث عنه كثير، ومن كتب السنة التى روت له سنن أبى داود والترمذى والنسائى.

*الكسائى

*الكسائى هو أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله المعروف بالكسائى، أحد القراء السبعة، وإمام النحو واللغة والقراءات فى الكوفة، وسمى بالكسائى لأنه أحرم فى كساء. ولد بالكوفة سنة ( 119هـ = 737م) ونشأ وتعلم بها، وقرأ النحو بعد الكبر، وكان الكسائى مؤدبًا (معلمًا) لهارون الرشيد ثم لابنيه: الأمين والمأمون، وظل يُقرِئ الناس فى بغداد بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع المتواترة. ويعد الكسائى إمام مدرسة الكوفة فى النحو، فهو الذى وضع رسومها ووطَّأ منهجها، وفيه يقول أبو الطَّبيِّب اللغوى: كان الكسائى عالم أهل الكوفة وإمامهم، إليه ينتمون بعلمهم، وعليه يعولون فى روايتهم. وللكسائى كتب كثيرة، منها: معانى القرآن والمصادر والحروف والمتشابه فى القرآن والقراءات. وتُوفِّى الكسائى بالرِّى سنة (189هـ = 805م).

*ابن كثير

*ابن كثير هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، مؤرخ ومفسر ومحِّدث. وُلِد فى بُصرى سنة (701 هـ)، وتُوفِّى والده سنة (703 هـ) فانتقل ابن كثير مع عائلته إلى دمشق، حيث شهد هجوم التتار على البلاد الإسلامية وغزوات الصليبيين. أخذ ابن كثير العلم عن كبار علماء عصره، ولازم الشيخ ابن تيمية وتأثر به، وكان ابن كثير ذا ذاكرة حادة وفهم جيد. صنف ابن كثير فى مجالات التاريخ والتفسير والحديث، وأهم كتبه: البداية والنهاية فى التاريخ، وتفسير القرآن العظيم وجامع المسانيد، والاجتهاد فى طلب الجهاد، وأحاديث التوحيد والرد على الشرك، واختصار علوم الحديث، وبعض كتبه مازال مخطوطًا والآخر مفقودًا. وتولى ابن كثير مشيخة أم صالح ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وتُوفِّى بدمشق فى (26من شعبان سنة 774 هـ).

*قوبيلاى قا آن

*قوبيلاى قا آن هو قوبيلاى بن تولوى بن جنكيز خان، أحد ملوك المغول وحكامهم. كان له دور بارز فى فتح أقاليم الصين الجنوبية؛ حيث أمضى مايقرب من (20) سنة فى القتال فى تلك المناطق حتى تم له فتحها، حارب أخاه أريق بوكا عندما أعلن نفسه خانًا أعظم للمغول، واستطاع دخول عاصمة المغول قراقورم وأسر أخيه سنة (662 هـ = 1263 م)، وأصبح حاكمًا للمغول. ثم واصل قوبيلاى فتوحاته فى الصين حتى استطاع توحيدها، وأقام بها مدينة عظيمة وقصرًا فخمًا لإقامته، واعتنق البوذية وتأثر بالثقافة والعادات الصينية، وبدأ يعمل على نهضة الصين وإعمار ما خربته الحروب. وكانت دولة المغول فى عهده تضم: الصين، وكوريا، والهند الصينية، والتبت، والهند، وإيران، وآسيا الصغرى، والقرم، وأجزاءً من روسيا، وكان الإيرانيون يتمتعون فى عهده بنفوذ كبير. وتُوفِّى قوبيلاى سنة (693 هـ = 1294 م).

*القفطى

*القفطى هو أبو الحسن جمال الدين على بن يوسف بن إبراهيم الشيبانى القفطى، وزير وقاضٍ ومؤرخ وكاتب مصرى، وُلِد بقفط بصعيد مصر سنة (568 هـ = 1172 م)، وتعلم بالقاهرة، وأقام بحلب، واستفاد من علمائها، وتولى القضاء فيها، ثم تولى الوزارة أيام الملك العزيز سنة (633 هـ)، وأطلق عليه لقب الوزير الأكرم. وكان القفطى عظيم الهيبة عادلاً محبًّا للكتب مُؤثِرًا لها على غيرها؛ حتى إنه لم يتزوج، وكان القفطى عالمًا باللغة والنحو، والفقه والحديث وعلوم القرآن، والمنطق والنجوم والهندسة والتاريخ وعلم الجرح والتعديل. وألَّف القفطى العديد من المصنفات، منها: إنباه الرواة على أنباء النحاة، وإخبار العلماء بأخبار الحكماء، وأخبار مصر من ابتدائها إلى أيام صلاح الدين. وتُوفِّى القفطى فى حلب سنة (664 هـ = 1248 م).

*كعب بن مالك

*كعب بن مالك هو كعب بن مالك بن كعب (عمرو بن القين) الأنصارى الخزرجى. صحابى جليل، وأحد شعراء النبى - صلى الله عليه وسلم -. أسلم كعب مع من أسلم من الأنصار وآخى النبى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين الزبير بن العوام، وقيل: بينه وبين طلحه بن عبيد الله. ولم يشهد كعب - رضى الله عنه - غزوة بدر، ولكنه شهد أحدًا وما بعدها، وكان يوم أحد أول من عرف النبى - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس وبشر به المؤمنين حيًّا سويًّا، فألبسه النبى لأْمَتَهُ وقاتل بها يومئذ قتالاً شديدًا حتى جرح سبعة عشر جرحًا، ولم يتخلف عن النبى - صلى الله عليه وسلم - فى غزو، حتى كانت غزوة تبوك، فكان أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا، ثم تاب الله عليهم، وهم المشار إليهم فى قوله تعالى (وعلى الثلاثة الذين خُلَّفوا) [التوبة: من 188]. وبعد موت النبى شارك كعب فى الفتح والجهاد فى خلافة أبى بكر وعمر، وكان بجوار عثمان - رضى الله عنه - حينما قامت ضده الثورة وكان من أصحابه ومعاونيه، ولكنه اعتزل على بن أبى طالب فى خلافته، ولم يشهد معه حروبه، وعَمِى كعب فى آخر حياته ومات وعمره (77) سنة، وروى عن النبى (أحاديث كثيرة بلغت (80) حديثًا، وله ديوان شعر مطبوع.

*كليبر

*كليبر أحد كبار قادة الحملة الفرنسية على مصر. وُلدِ كليبر فى مدينة ستراسبورج عاصمة الألزاس سنة (1753 م)، وشارك فى حروب الثورة الفرنسية، حيث توثقت صلته بنابليون فى ميدان القتال؛ لذلك اصطحبه نابليون معه فى حملته على مصر حيث أصيب كليبر بجرح فى رأسه أثناء اشتراكه فى الهجوم على الإسكندرية. عارض كليبر نابليون فى بعض سياساته مما أوقع الخلاف بينهما، وشارك كليبر فى الحملة على الشام سنة (1799 م) وعُيِّن فى العام نفسه حاكمًا على دمياط. وبعد سفر نابليون تولى كليبر قيادة الحملة فى مصر، واستطاع الانتصار على العثمانيين فى موقعة أبى قير البرية، وقام بتحصين القاهرة سنة (1799 م)، وعقد صلحًا مع الأتراك فى العريش سنة (1800 م) إلا أنه عاد وحاربهم وانتصر عليهم فى معركة عين شمس سنة (1800 م) واستطاع إخماد ثورة القاهرة الثانية مستخدمًا وسائل القهر والعنف، مما دفع سليمان الحلبى - أحد الطلاب الشاميين فى الأزهر- إلى قتله فى مقر حكمه بالروضة فى (يونيو 1800 م)، وتولى الحكم بعد كليبر الجنرال مينو.

*أم كلثوم بنت محمد (صلى الله عليه وسلم)

*أم كلثوم بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - ابنة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأمها خديجة بنت خويلد - رضى الله عنها - تزوجها فى الجاهلية عتبة بن أبى لهب ولم يدخل بها، فلما بُعث النبى - صلى الله عليه وسلم - طلَّقها عتبة، وهاجرت إلى المدينة المنورة، وتزوجت عثمان بن عفان سنة (3 هـ) بعد وفاة أختها رُقية، ولم تزل عنده حتى تُوفِّيت فى شعبان سنة 9هـ = 630 م)، ولم تلد له، وحزن النبى (عليها حزنًا شديدًا ونزل قبرها، وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاتها: لو أن لنا ثالثة لزوجنا عثمان بها.

*كثير عزة

*كثيِّر عزة هو أبو صخركُثيِّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعى، أحد عشاق العرب المشهورين، وشاعر مُتَيَّم مشهور، وكُثيِّر تصغير كَثِير، وإنما صُغِّر لأنه كان شديد القصر. وكُثيِّر صاحب عزة بنت جميل بن حفص الضمرية، وله معها حكايات ونوادر مشهورة وأكثر شعره فيها، وبها عُرف. وتُوفِّى كُثيِّر بالمدينة سنة (105 هـ = 723 م).

*أم كلثوم بنت على بن أبى طالب

*أم كلثوم بنت على بن أبى طالب هى ابنة على بن أبى طالب، أمها فاطمة بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وُلِدت سنة (6 هـ) تقريبًا، رأت النبى - صلى الله عليه وسلم - ولم ترو عنه شيئًا، خطبها عمر بن الخطاب، وتزوجها وهى صغيرة، وأصدقها (40) ألف درهم، فولدت له زيدًا، وقيل: ولدت له رقية أيضًا. وبعد وفاة عمر بن الخطاب تزوجها عون بن جعفر بن أبى طالب، ثم محمد بن جعفر، ثم عبد الله بن جعفر، وماتت بعد وفاة ابنها زيد مقتولا فى بداية عهد معاوية بن ابى سفيان، وصلى عليها سعيد بن العاص أمير المدينة.

*القاضى عياض

*القاضى عياض هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون، أحد أئمة الحديث والفقه فى القرن السادس الهجرى. ولد بسبتة سنة (476هـ = 1083م) وبها نشأ وتعلم، ثم رحل إلى الأندلس سنة (507هـ) لطلب العلم من كبار علمائها، ثم عاد إلى سبتة، وتولى قضاءها سنة (515هـ)، ولما ذاع صيته فى القضاء ولاه ابن تاشفين قضاء غرناطة، لكنه أقيل من منصبه بسبب الوشايات، فرجع إلى سبتة، وتولى قضاءها ثانية سنة (539هـ) وقصده طلاب العلم لواسع معرفته. ألَّف القاضى عياض عددًا من المصنفات، أهمها: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وترتيب المدارك وتقريب المسالك، والإكمال فى شرح كتاب مسلم ومشارق الأنوار. وتُوفِّى القاضى عياض سنة (544هـ = 1149م) بمراكش ودُفِن بها.

*أبو حمزة الخارجى

*أبو حمزة الخارجى هو المختار بن عوف بن سليمان الأزدى، أحد زعماء الخوارج إبَّان العصر الأموى. وُلِد بالبصرة، واعتنق مذهب الإباضية، وبرز اسمه بعد مقتل الضحاك بن قيس الخارجى سنة (128هـ). وكان أبو حمزة يحج إلى مكة كل عام، ويثير المسلمين على مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، ويحثهم على قتاله، وبايع عبد الله بن يحيى المعروف بطالب الحق على الخلافة، ثم خرج فى جمع من أتباعه والتقى جيش عبد الواحد بن سليمان أمير الحجاز، وألحق به هزيمة شديدة، ودخل على إثرها المدينة سنة (130هـ)، وأحسن السيرة فى أهلها، ثم سار يريد الشام، لكنه هُزم عند وادى القرى، وقُتل فى المعركة. وكانت هذه الثورة هى آخر ثورات الخوارج فى عصر الدولة الأموية.

*البخارى

*البخارى هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخارى الجعفى أحد أئمة الحديث الكبار وصاحب الجامع الصحيح المعروف باسم صحيح البخارى. وُلِد البخارى سنة (194هـ = 810م) فى بخارى، وبدأ فى طلب العلم مبكراً، ساعده على ذلك حافظته القوية التى لا يَنِدُّ عنها شئ، ثم رحل فى طلب الحديث رحلات طويلة إلى بلخ وينسابور والرى وبغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة، ودمشق وقيسارة وغيرها. اشتهر البخارى بالدقة المتناهية فى قبول الرواية، إذ اشترط فى الراوى شرطين: معاصرته لمن يروى عنه، وسماعه لما يروى. صنف البخارى ما يزيد على عشرين مصنفًا، منها: الجامع الصحيح، وهو المعروف بصحيح البخارى وقد طبع الكتاب مستقلاًّ عدة مرات، كما طبع مع شروحه مثل: فتح البارى لابن حجر العسقلانى، وإرشاد السارى للقسطلانى. والأدب المفرد والتاريخ الكبير، والتاريخ الصغير، والقراءة خلف الإمام، والتفسير الكبير. وتُوفِّى البخارى ليلة عيد الفطر من سنة (256هـ = 870م) ودُفن فى قرية خواجة صاحب على بعد (30) كم من سمرقند.

*خاير بك

*خاير بك هو خاير بن بلباى الجركسى، أول حاكم على مصر من قبل الدولة العثمانية. بدأ حياته مملوكًا تابعًا للسلطان قايتباى، وظل يتدرج فى المناصب، حتى أوفده السلطان الناصر محمد سنة ( 903هـ = 1497م) مبعوثًا إلى السلطان العثمانى بايزيد، ثم عمل حاجبًا للسلطان الغورى، ثم ولاًَه الشام، ثم نيابة حلب سنة (920هـ). وعندما بدأ الفتح العثمانى لمصر انضمَّ خايربك سرًّا إلى العثمانيين، فكان ذلك من الأسباب التى أدت إلى هزيمة المماليك فى معركة مرج دابق ومهدت الطريق للاستيلاء على مصر. ولما تم للسلطان سليم فتح مصر سنة (923هـ) عين خايربك واليًا على مصر، وأطلق عليه اسم ملك الأمراء. واستمر خايربك واليًا على مصر حتى توفِّى سنة (928هـ = 1521م).

*سعيد بن جبير

*سعيد بن جبير هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام، أحد كبار التابعين. ولد سنة (45هـ = 665م) وعاش بالكوفة، وأخذ الفقه والحديث والتفسير عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما. وعندما ولَّى الحجاج أبا بردة بن أبى موسى الأشعرى قضاء الكوفة أمره ألاَّ يقطع أمرًا دون أن يستفتى سعيدًا، ومازال الحجاج يعرف له قدره ومكانته حتى جعله على نفقة الجند. ولما خلع ابن الأشعث طاعة الحجاج وخرج على الدولة الأموية كان سعيد ممن خرجوا معه وخلع طاعة الحجاج، وبعد معركة دير الجماجم التى انهزم فيها ابن الأشعث فرَّ سعيد إلى مكة سنة (83هـ) واختبأ بها. وفى عام (94هـ) قبض عليه والى مكة خالد القسرى، وأرسل به إلى الحجاج فقام بقتله.

*ممتاز محل

*ممتاز محل معناها زينة القصر، وهى أرجمند بانوبكم زوجة الإمبراطور شاه جهان، وابنة وزيره آصف خان، تزوج بها الإمبراطور وهي فى سن الحادية والعشرين، فأنجبت له أربعة عشر طفلا فى ثمانية عشر عامًا، ثم قضت نحبها فى سن التاسعة والثلاثين، وهى تلد آخر هؤلاء الأبناء، ببلدة برهان بور عام (1041 هـ = 1631 م)، وقد شيد الإمبراطور شاه جهان ضريحًا تذكاريًّا بالقرب من مدينة آجرا بالهند، يعرف بتاج محل، أقامه تخليدًا لذكراها، وهو تحفة معمارية رائعة، وقد بدئ العمل فى تشييد هذا الضريح فى (1041 هـ = 1631 م) وانتُهى منه فى (1058هـ = 1648 م) وقد عمل فى بنائه عشرون ألف عامل بدون انقطاع.

*المفضل الضبى

*المفضل الضبى هو المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبى، أبو العباس: راوية، أديب، نحوى، لغوى، عالم بالشعر وأيام العرب، من أوثق من روى الشعر من أهل الكوفة، خرج على المنصور العباسى فظفر به وعفا عنه، ولزم المهدى وصنف له كتاب المفضليات. أخذ عنه أبو عبد الله الأعرابى وأبو زيد الأنصارى وخلف الأحمر وغيرهم، وكان ثقة ثبتًا، له العديد من المصنفات، منها: الأمثال والألفاظ والعروض والمفضليات. وتوفَّى المفضل الضبى سنة (168 هـ = 784 م).

*سفيان الثورى

*سفيان الثورى هو أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى، من بنى ثور بن عبد مناة، من مضر، ولد سنة (97 هـ = 716 م)، وكان أمير المؤمنين فى الحديث، وإمام الحفَّاظ، وسيد العلماء العاملين فى زمانه، ولد ونشأ بالكوفة، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده، أخذ العلم عن نحو ستمائة شيخ، وأخذ عنه نحو من ألف نفس، روى له أصحاب السند الستة، كان يُستَفتَى وهو لم يزل صبيًَّا بفضل ذكائه وفطنته، عرف بالزهد والتقوى والورع وكثرة ذكر الموت، كتب إليه الخليفة المهدى عهدًا بقضاء الكوفة ودفعه إليه، فأخذه، ولما خرج من عنده قذفه فى دجلة وهرب، فطُلِب فى كل بلد فلم يعثر عليه، وظل مستخفيا حتى مات بالبصرة سنة (161 هـ = 778 م). من مصنفاته: الجامع الكبير والجامع الصغير، وكلاهما فى الحديث، وكتاب فى الفرائض.

*الحسن بن الصباح

*الحسن بن الصباح الحسن بن الصباح بن على الإسماعيلى، صاحب الدعوة النزارية، وجد أصحاب قلعة الموت، ومن كبار الزنادقة ودهاة العالم، ومن أعيان الباطنية فى عهد ملكشاه السلجوقى، ثم كان مقدم الإسماعيلية بأصفهان، أصله من مرو، وقيل يمانى من حمير، ومولده فى مرو سنة (428 هـ = 1037 م)، تتلمذ لأحمد بن عطاش ( من أعيان الباطنية) ورحل إلى أصبهان ومصر، وأكرمه المستنصر الفاطمى وعاد إلى الجزيرة والشام وبلاد الروم ورجع إلى خراسان ودخل كاشغر وماوراء النهر؛ داعيا للمستنصر، ودخل قلعة الموت وطرد صاحبها وضم إليها عدة قلاع، واعتد الاغتيال السياسى وسيلة للتخلص من أعداء طائفته، وكان أول من قتله رجاله هو الوزير نظام الملك، رائد البعث الإسلامى فى القرن (5 هـ = 11 م). وقد كان الحسن بن الصباح داهية شجاعًا، عالمًا بالهندسة والحساب والسحر، وكانت له آثاره الفكرية فى علم الكلام، وقد أجلَّه الإسماعيلية النزارية، وساروا على نهجه. وكانت وفاته فى سنة (518 هـ = 1124 م).

*الحسن القرمطي

*الحسن القرمطي الحسن بن الصباح بن على الإسماعيلى، صاحب الدعوة النزارية، وجد أصحاب قلعة الموت، ومن كبار الزنادقة ودهاة العالم، ومن أعيان الباطنية فى عهد ملكشاه السلجوقى، ثم كان مقدم الإسماعيلية بأصفهان، أصله من مرو، وقيل يمانى من حمير، ومولده فى مرو سنة (428 هـ = 1037 م)، تتلمذ لأحمد بن عطاش ( من أعيان الباطنية) ورحل إلى أصبهان ومصر، وأكرمه المستنصر الفاطمى وعاد إلى الجزيرة والشام وبلاد الروم ورجع إلى خراسان ودخل كاشغر وماوراء النهر؛ داعيا للمستنصر، ودخل قلعة الموت وطرد صاحبها وضم إليها عدة قلاع، واعتبر الاغتيال السياسى وسيلة للتخلص من أعداء إسماعيليته، وكان أول من قتله رجاله هو الوزير نظام الملك، رائد البعث الإسلامى فى القرن (5 هـ = 11 م). وقد كان الحسن بن الصباح داهية شجاعًا، عالمًا بالهندسة والحساب والسحر، وكانت له آثاره الفكرية فى علم الكلام، وقد أجلَّه الإسماعيلية النزارية، وساروا على نهجه. وكانت وفاته فى سنة (518 هـ = 1124 م).

*ابن الجوزى (أبو المحاسن)

*ابن الجوزى (أبو المحاسن) هو محيى الدين يوسف بن عبد الرحمن بن على بن الجوزى أبو المحاسن، فقيه حنبلى وواعظ، والده أبو الفرج بن الجوزى ووالدته خاتون بنت عبد الله، ينتهى نسبه عند أبى بكر الصديق. وُلد سنة (580 هـ = 1185 م) فى بغداد فى بيت علم فتلقى عن والده الذى برع فى علوم شتى وقرأ القرآن وحفظه بالقراءات العشر على ابن الباقلانى وتتلمذ لأشهر علماء عصره، مثل أبى القاسم الخفاف ويحيى بن سعد وأبى الفرج بن عبد الوهاب الحرانى وابن سكينة. مات أبوه ولم يبلغ السابعة عشرة من عمره فكفلته والدة الخليفة (أحمد بن المتوكل) وورث فن الوعظ عن والده وظل نابغًا حتى قُلِّدَ الحسبة، وكان عمره (23) سنة، إلا أنه صرف عنها، ثم أعيد إليها حتى عزل، وكان مشهورا بالعقل وحسن التدبير، لذا أُرسل فى سفارات من لدن دار الخلافة إلى عدد من الممالك مثل الروم ومصر ودمشق، وكان محبًّا للعلم فأنشأ المدارس وأوقف لها أملاكا، انتدب للتدريس فى أرقى أكاديمية علمية فى العصور الوسطى وهى المدرسة المستنصرية، وكان الخليفة المستنصر يحضر لسماعه من خلف شباك، ثم اختير لمنصب أستاذ دار الخلافة. أما تلاميذه فلا حصر لهم وأشهرهم أولاده الثلاثة (عبد الرحمن وعبد الله وعبد الكريم). قال عنه ابن رجب الحنبلى: اشتغل بالفقه والخلاف والأصول وبرع فى ذلك وكان أمهر فيه من أبيه. وأهم مؤلفاته: معدن الإبريز فى تفسير الكتاب العزيز، والإيضاح لقوانين الإصلاح فى الجدل والمناظرة، والمختار من أخبار المختار - صلى الله عليه وسلم -، واستشهد محيى الدين هو وأولاده الثلاثة على يد التتار فى صفر سنة (656 هـ = 1258 م).

*جرير بن عطية

*جرير بن عطية هو أبو حزرة جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر بن سلمة الكلبى اليربوعى من تميم، أمه أم قيس بنت سعد الكلبية اليربوعية. وُلد باليمامة سنة (28 هـ = 640 م) لسبعة أشهر فعيره الفرزدق بذلك. اتفقت العرب على أن أشعر أهل الإسلام ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، وكان جرير أكثرهم معرفة لفنون الشعر، وأسهلهم ألفاظًا، وأقلهم تكلفًا، وكان ديِّنًا عفيفًا، عاش يناضل شعراء زمنه، ومع ذلك فكان هجَّاءً مرًّا فى شعره: إذ بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وقال عن الأخطل: إنه ليهجونى معه خمسون شاعرًا. ولما مات الفرزدق سنة (110 هـ = 728 م) وبلغ خبره جريرًا بكى وقال: أما والله إنى لأعلم أنى قليل البقاء بعده ... وقلَّما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه وقد كان. وتوفىَّ باليمامة سنة (110 هـ = 728م) وجمعت نقائضه مع الفرزدق فى ثلاثة أجزاء وديوان شعره فى جزأين.

*ابن الجوزى (أبو الفرج (

*ابن الجوزى (أبو الفرج ( هو أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن على الجوزى، فقيه حنبلى وواعظ ومفسر، ينتهى نسبه عند الخليفة الأول أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، عرف جدهم بالجوزى لجوزة كانت فى داره بواسط وقيل لتجارته فى الجوز، وعرف أيضا بالصفار لتجارة أسرته فى النحاس، ولد فى بغداد، وتاريخ ميلاده غير معروف على وجه الدقة، مات أبوه وعمره ثلاث سنوات وتولت عمته تربيته، ثم حفظ القرآن على يد خاله وسمع منه الحديث قرابة ثلاثين عامًا، وكان شغوفًا بالعلم، واشتغل بفنونه كلها، ونشأ فى بغداد فأخذ عن أحمد بن أحمد المتوكل وأحمد بن على البناء وابن الطبر الحريرى، وأخذ القراءات عن أحمد بن الحسين وأبى منصور بن خيرون، وجلس إلى إبراهيم بن دينار وأخذ اللغة عن الجواليقى والفقه عن أحمد بن محمد الدينورى وأبى الحسن الزاغونى وغيرهم حتى إنه تلقى عن ثلاث من النساء. وجلس للوعظ وهو دون العشرين، وكان يحضر مجلسه آلاف، يستعدون لدرس العصر منذ الضحى، فيهم الخلفاء والوزراء من وراء ستار، وكان ذكيّا حاد الذكاء، محبّا للخلوة، ناصحا للخلفاء، يكره أدعياء التصوف ومخالفى الشريعة، لم يسلم من الطعن والتجريح حتى سجن وأُوذى، وكان قد تجاوز الثمانين، فصبر واحتسب، وكان محافظًا على وقته، كثير التأليف، يؤلف الكتاب ولا يرجع إليه لتنقيحه بل يشتغل بغيره. ومن مؤلفاته: المغنى، وزاد المسير فى علم التفسير، وتذكرة الأريب فى تفسير الغريب، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول، والمنتظم فى تاريخ الأمم والملوك، والإنصاف فى رسائل الخلاف، والمنفعة فى المذاهب الأربعة، وبحر الدموع، وصفة الصفوة، وتلبيس إبليس، وصيد الخاطر، والوفا بأخبار المصطفى، ومؤلفات كثيرة أخرى. وأبرز تلاميذه ابنه محيى الدين يوسف وسبطه شمس الدين يوسف. قال عنه الذهبى: ما رأيت أحدًا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل. وتوفىَّ يوم الجمعة 12 من رمضان سنة (597 هـ

= 1201 م) عن عمر يناهز (87) عامًا وكانت جنازته مهيبة حضرها الآلاف.

*مقاتل بن سليمان

*مقاتل بن سليمان هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدى، الخراسانى، أبو الحسن البلخى، صاحب التفسير، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة، ودخل بغداد فحدّث بها. قال عنه ابن عدى: عامة حديثه لايتابع عليه، على أن كثيراً من الثقات والمعروفين قد حدث عنه، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن حبان كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذى يوافق كتبهم. من مصنفاته: التفسير الكبير، ونوادر التفسير، والرد على القدرية، ومتشابه القرآن، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، والوجوه والنظائر. تُوفى مقاتل بالبصرة سنة (150 هـ = 767 م).

*الحصين بن نمير

*الحصين بن نمير هو الحصين بن نمير بن فاتك، أبو عبد الرحمن، الكندى، ثم السكونى: قائد أموى من أهل حمص. روى عن بلال، وروى عنه ابنه يزيد، كان بدمشق حين عزم معاوية على الخروج إلى صفين، وخرج معه. وولى الصافية ليزيد بن معاوية، وكان أميرًا على جند حمص. وكان فى الجيش الذى وجهه يزيد إلى المدينة لقتال أهل الحرة، وأمر مسلم بن عتبة أن يخلفه الحصين بن نمير على الجيش إن نزل به الموت، فمات مسلم بين مكة والمدينة، فحاصر عبد الله بن الزبير بمكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق، وجاءه خبر موت يزيد بن معاوية، فأخذ الأمان من ابن الزبير، ودخل الحرم، ثم رحل إلى الشام. وقوم حصين السَّكون خرجت منهم فتن كثيرة؛ فقد كان منهم من غزا عثمان، ومنهم قاتله سودان بن حمران، ومنهم ابن ملجم قاتل على. وقد قتل حصين عام الخازر سنة (67 هـ = 686 م) مع عبيد الله بن زياد، قتلهما إبراهيم بن الأشتر.

*الأحنف بن قيس

*الأحنف بن قيس هو الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين المرى السعدى، أبو بحر، أحد كبار التابعين وواحد من حكماء العرب وخطبائهم، ولقب بالأحنف لحنف كان برجله: أى اعوجاج. ولد فى البصرة سنة (3 ق. هـ = 69 م). لم ينل شرف صحبة النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا رؤيته، ولكن النبى - صلى الله عليه وسلم - دعا له بالخير حين أرسل النبى - صلى الله عليه وسلم - رجلاً إلى بنى سعد رهط الأحنف يعرض عليهم الإسلام، فقال الأحنف لقومه: إنه يدعو إلى الخير ويأمر بالخير وحين بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال لهم: اللهم اغفر للأحنف. شارك الأحنف فى الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس؛ حيث شهد فتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى سنة (17 هـ = 638 م)، وقد أخذ الخليفة عمر بن الخطاب برأى الأحنف فى انسياح المسلمين فى بلاد فارس وفتحها. وفى سنة (22 هـ = 664 م) غزا الأحنف بلاد خراسان، وتمكن من فتح هراة عنوة، ثم دخل مرو الشاهجان فاتحًا، ثم هزم يزدجرد - ملك الفرس - فى بلخ، وبذلك بسط نفوذه على خراسان، وفى عهد عثمان بن عفان اشترك الأحنف فى إعادة فتح خراسان سنة (31 هـ = 651 م). وحين نشبت الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفان، اعتزل الأحنف الناس ولم يشترك فى موقعة الجمل سنة (36 هـ = 656 م)، إلا أنه اشترك مع على بن أبى طالب فى معركة صفين، وكان الأحنف موضع تقدير خلفاء الدولة الأموية وإجلالهم، وقد اشترك فى قتال المختار الثقفى سنة (67 هـ = 686 م). وكان الأحنف من المشهورين بالحلم والأناة حتى صار يُضرب به المثل أحلم من الأحنف. وتوفى الأحنف بالكوفة سنة (67 هـ = 686 م)، وقيل سنة (72 هـ = 691 م).

*أبو إسحاق المروزى

*أبو إسحاق المروزى هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزى. أحد أئمة الفقهاء الشافعية، وإمام عصره فى الفتوى والتدريس فى القرن (4 هـ = 10 م)، وإليه ينسب درب المروزى ببغداد. ولد فى مرو ( قصبة خراسان)، ونشأ فى بغداد، وتلقى تعليمه فيها فتفتق عن عقل راجح، وبصيرة ثاقبة، وأخذ الفقه عن أبى العباس بن سُريج وقيل: شريح، فبرع فيه، ولم يلبث أن آلت إليه رياسة الشافعية بالعراق بعد وفاة ابن سريج. وأثنى عليه علماء عصره ومن بعدهم؛ حيث كان إمامًا جليلاً، غواصًا على المعانى، ورعًا، زاهدًا، وقد انتشر الفقه عن أصحابه فى مختلف البلاد، فقيل: خرج من مجلسه إلى البلاد سبعون إمامًا ينشرون العلم. انتقل فى آخر حياته إلى مصر وأقام بها، وعرفت له عدة مصنفات، فشرح مختصر المزنى شرحين، وصنف فى أصول الفقه والشروط. وتوفى المروزى فى مصر سنة (340 هـ = 951 م).

*أسد الدين شيركوه

*أسد الدين شيركوه هو أسد الدين شيركوه بن شاذى بن مروان، من أسرة الأيوبيين الأكراد المشهورة، وأول من ولى مصر منهم، يلقب بالملك المنصور، ويعرف فى التاريخ باسم المنصور شيركوه ولفظة شيركوه لفظة فارسية معناها: أسد الجبل. ولد فى قرية دُوين (بلدة من إقليم أذربيجان)، وأصله من قبيلة الروادية، إحدى قبائل الأكراد، ونشأ بقلعة تكريت (قلعة حصينة فى غربى نهر دجلة ببغداد)؛ حيث كان أبوه نقيباً عليها، ثم انتقل إلى الموصل ودخل هو وأخوه نجم الدين أيوب فى طاعة عماد الدين زنكى فشملهما بعطفه ورعايته. وبعد وفاة عماد الدين زنكى تولى نور الدين محمود الأمر من بعده، وحظى أسد الدين وأخوه نجم الدين عنده بمنزلة رفيعة ومكانة عالية، فاشتركا معه فى قتال الصليبيين، فأظهر أسد الدين براعة وشجاعة، دفعت نور الدين إلى تقريبه إليه، وجعله أكبر قواد جيشه، واستعان به فى كثير من المهام العسكرية الخطيرة وبخاصة فى مصر، وواجه الصليبيين فيها أكثر من مرة، وردهم على أعقابهم، ولم يلبث الخليفة الفاطمى العاضد بالله أن أعجب به فالتقاه سرًا وطلب منه الخليفة أن يقتل وزيره شاور؛ لأنه سبب الفساد وكثير الموالاة للصليبيين وهو الذى استدعاهم إلى مصر، فقتله أسد الدين وأرسل برأسه إلى الخليفة الذى لم يلبث أن أسند إليه الوزارة، ولقبه بالملك المنصور، وكتب للناس منشورًا بذلك. ولكن لم يمكث أسد الدين فى الوزارة طويلاً؛ إذ وافته المنية بعد أشهر قليلة فى (جمادى الآخرة 564 هـ = مارس 1169 م) بعد أن عهد بالوزارة إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى.

*شيركوه بن شادى

*شيركوه بن شادى هو أسد الدين شيركوه بن شاذى بن مروان، من أسرة الأيوبيين الأكراد المشهورة، وأول من ولى مصر منهم، يلقب بالملك المنصور، ويعرف فى التاريخ باسم المنصور شيركوه ولفظة شيركوه لفظة فارسية معناها: أسد الجبل. ولد فى قرية دُوين (بلدة من إقليم أذربيجان)، وأصله من قبيلة الروادية، إحدى قبائل الأكراد، ونشأ بقلعة تكريت (قلعة حصينة فى غربى نهر دجلة ببغداد)؛ حيث كان أبوه نقيباً عليها، ثم انتقل إلى الموصل ودخل هو وأخوه نجم الدين أيوب فى طاعة عماد الدين زنكى فشملهما بعطفه ورعايته. وبعد وفاة عماد الدين زنكى تولى نور الدين محمود الأمر من بعده، وحظى أسد الدين وأخوه نجم الدين عنده بمنزلة رفيعة ومكانة عالية، فاشتركا معه فى قتال الصليبيين، فأظهر أسد الدين براعة وشجاعة، دفعت نور الدين إلى تقريبه إليه، وجعله أكبر قواد جيشه، واستعان به فى كثير من المهام العسكرية الخطيرة وبخاصة فى مصر، وواجه الصليبيين فيها أكثر من مرة، وردهم على أعقابهم، ولم يلبث الخليفة الفاطمى العاضد بالله أن أعجب به فالتقاه سرًا وطلب منه الخليفة أن يقتل وزيره شاور؛ لأنه سبب الفساد وكثير الموالاة للصليبيين وهو الذى استدعاهم إلى مصر، فقتله أسد الدين وأرسل برأسه إلى الخليفة الذى لم يلبث أن أسند إليه الوزارة، ولقبه بالملك المنصور، وكتب للناس منشورًا بذلك. ولكن لم يمكث أسد الدين فى الوزارة طويلاً؛ إذ وافته المنية بعد أشهر قليلة فى (جمادى الآخرة 564 هـ = مارس 1169 م) بعد أن عهد بالوزارة إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى.

*أسد بن الفرات

*أسد بن الفرات هو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان الحَرّانى، قاضى القيروان، وأحد أئمة الفقه المالكى، وواحد من القادة المسلمين الفاتحين البارزين فى القرن (3 هـ = 9 م). ولد بحران سنة (142 هـ = 759 م)، وقيل: إن أصله من نيسابور (فى إيران حاليًّا) وقدم القيروان مع أبيه وهو صغير، فتلقى دراسته الأولى فيها، ورحل مع أبيه إلى تونس، ولزم الفقيه المعروف على بن زياد. بدأ رحلته العلمية إلى المشرق سنة (172 هـ = 788 م). فنزل المدينة، وأخذ عن عالمها الشهير الإمام مالك بن أنس، رضى الله عنه، موطأه، ثم رحل إلى العراق وأخذ وروى عن عدد كبير من علمائها، مثل أبى يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى صاحبى أبى حنيفة، رضى الله عنه، ثم نزل مصر ولزم الفقيه المالكى عبد الرحمن بن قاسم وجمع أجوبته عن الأسئلة التى وجهها إليه فى الفقه فى كتاب عُرف بالأسدية. قدم القيروان سنة (181 هـ = 797 م) فسمع منه علماؤها، وأشركه واليها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب فى قضائها مع أبى محرز محمد سنة (203 هـ = 818 م)، ثم لم يلبث أن ولاه قيادة الجيش المتجه إلى صقلية لفتحها وطرد البيزنطيين منها وإعادتها إلى ديار الإسلام، فأتم أسد مهمته بنجاح منقطع النظير سنة (212 هـ = 827 م)، وحاول فتح سرقوسة فحاصرها عامًا كاملاً، ولكنه لم يتمكن من فتحها؛ إذ وافته المنية أثناء الحصار، فتوفِّى سنة (213 هـ = 828 م).

*الإسكندر الأكبر

*الإسكندر الأكبر هو الإسكندر الثالث بن فيليب المقدونى ملك مقدونيا، إحدى دويلات بلاد اليونان، وأحد رجال الحرب البارزين فى التاريخ القديم. ولد فى العقد السادس من القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا، وتلقى تعليمه على يد الفيلسوف الشهير أرسطو، وآل إليه عرش مقدونيا سنة (336 ق. م) وهو فى العشرين من عمره، فأظهر براعة فى الحكم، ودانت له معظم الدويلات اليونانية، وطال صراعه مع الإمبراطورية الفارسية، أملاً فى القضاء عليها، لثأر قديم بينها وبين الإمبراطورية اليونانية، وتعددت المعارك بينهما مثل معركة جراتيكوس وأسوس، وجاو جميلاً، إلى أن تمكّن الإسكندر من دخول العاصمة سوسة سنة (331 ق. م)، معلناً بذلك سقوط الإمبراطورية الفارسية. وكان الإسكندر طموحًا كثير المعارك، استطاع أن يصنع لنفسه أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ، فاستولى فى اتجاه الشرق على صور وغزة، ودخل مصر، فأحاطت به دعاية بنوته لآمون، أحد الآلهة التى عبدها المصريون قديمًا، ونجحت هذه الدعاية بتشجيع منه، فأكسبته قداسة وسط جماهير الشعب، فحمل لقبًا فرعونيًّا، وأعلن الكهنة أنه ابن الإله، ونقشت صورته على العملات مزينة بقرنى كبش آمون المقدس، ولذلك لقبه بعض مؤرخى العرب بلقب الإسكندر ذى القرنين. وفى سنة (331 ق. م) ترك مصر واتجه إلى بابل، ثم واصل جهوده الحربية، فوصل إلى شواطئ بحر قزوين، واستولى على أفغانستان وبلاد ما وراء النهر وسمرقند الحالية، ووصل إلى الهند، وأصابه جنون العظمة لاتساع ملكه وكثرة انتصاراته، فكان يقتل أعوانه لأقل شبهة، ولم يلبث جنوده أن أعلنوا تمردهم وتذمرهم، نتيجة للجهود الحربية المضنية والمعارك الكثيرة التى خاضوها، وطالبوا بالعودة إلى بلادهم، فوافق على ذلك، وأثناء العودة أصيب بالحمى عند بابل، ومات فجأة سنة (323 ق. م) وهو فى عامه الثالث والثلاثين، وبعد أن أقام أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ.

*إسحاق الموصلى

*إسحاق الموصلى هو أبو محمد إسحاق بن إبراهيم بن ميمون وقيل: هو ماهان بن بهمن بن نسك التميمى، من أشهر المغنين الذين صاحبوا الخلفاء العباسيين فى القرن (3 هـ = 9 م). ولد سنة (155 هـ = 772 م) لأب ترجع أصوله إلى الفرس، ونشأ فى كنفه؛ حيث كان مقربًا من الخلفاء لبراعته فى الغناء. اجتهد إسحاق فى طلب العلم، فروى الحديث عن أعلامه آنذاك، وأخذ الأدب عن الأصمعى المتوفىِّ سنة (216 هـ = 831 م)، وبرع فى اللغة، فشهد له أهل البادية بالفصاحة والعلم باللغة. وقد اعتلى إسحاق قمة الغناء فى عهود ستة من الخلفاء العباسيين، وهم الرشيد، والأمين، والمأمون والمعتصم والواثق، والمتوكل، وقيل: إنه أول من ضبط الأوزان وصحح الأجناس التى تبنى عليها مقامات الموسيقى العربية، وميّز طرائقها، وكان لا يأخذ الموسيقى ارتجالاً كعادة أمثاله فى ذلك العصر، وإنما أخذها باعتبارها علمًا له قواعد وأصول. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هناك احتمالاً قويًّا أن يكون إسحاق قد توصل إلى طريقة الكتابة الموسيقية (النوتة الموسيقية)، ولكنها لم تصل إلينا. وعُرف بالشعر، فكان شاعرًا مجيدًا، وروى عنه عدد من التلاميذ، وله عدد من المؤلفات، منها كتاب أغانيه التى غنى بها، وكتاب أخبار المغنين المكيين، وكتاب الاختيار الذى صنفه للخليفة العباسى الواثق. توفى إسحاق الموصلى سنة (235 هـ = 850 م) فى خلافة المتوكل على الله العباسى.

*المقدسى

*المقدسى هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر، المعروف بالبناء، وبالبشارى، وبالشامى، وبالمقدسى. ولد سنة (335هـ = 946 م) ومهَّدت له وشائج النسب والقربى وحدها تعرُّف نصف رقعة العالم الإسلامى، ودفعه ولعه بالأسفار إلى التجوال فى أنحاء العالم حتى صنف كتابه الجغرافى الضخم: أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم وكان يتنكر فى رحلاته ويغيِّر اسمه ليتمكَّن من الدخول فى الطوائف المختلفة ويدرسها عن قرب. وهو رحالة دقيق التوصيف لما يرى، وناقد بصير لما يسمع، ويَعده الجغرافيون أكبر جغرافى عرفته البشرية قاطبة. رسم المقدسى خرائط مستقلة لكل قسم من الأقسام الأربعة التى قسم إليها العالم الإسلامى، واستخدم فيها طرقا لتمثيل الظواهر الجغرافية المختلفة. وتوفى سنة (390 هـ = 1000م).

*أبو إسحاق الصابئ

*أبو إسحاق الصابئ هو إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون الحرانى، أبو إسحاق الصابئ، نابغة كتّاب جيله. ولد سنة (313هـ = 925 م)، تقلّد دواوين الرسائل والمظالم فى أيام المطيع لله العباسى، ثم معز الدولة الديلمى، ثم ابنه عز الدولة بختيار الذى ما إن قُتل حتى قبض عضد الدولة على الصابئ سنة (367هـ = 977 م) ثم أطلق صمصام الدولة بن عضد الدولة سنة (371 هـ = 981 م) سراحه. وكان صلباً فى دين الصابئة، وقد عرض عليه عز الدولة الوزارة إن أسلم، فامتنع، وكان يحفظ القرآن ويشارك المسلمين صوم رمضان. أحبه الصاحب بن عباد والشريف الرضى، وكان بينهم مراسلات أدبية إخوانية. وقد مات على كفره ببغداد يوم الاثنين أو الخميس (12 من شوال سنة 384 هـ = 30 من نوفمبر 993م) عن (71) سنة.

*أرسلان بن سلجوق

*أرسلان بن سلجوق هو أرسلان بن سلجوق بن تقاق أو دقاق أو يقاق. هاجر أبوه من تركيا إلى بخارى واعتنق الإسلام وخلَّف أولاداَ، وهم ميكائيل، وموسى، وأرسلان المدعو إسرائيل أوييغو وكان أقوى هؤلاء الأبناء، وساند على تكين ضد السلطان محمد الغزنوى حتى أسر فى إحدى المعارك سنة (420 هـ = 1029 م)، وتوفىِّ عام (427 هـ = 1035 م).

*ألب أرسلان

*ألب أرسلان هو أبو شجاع محمد بن جَفرِى بك داود بن ميكائيل بن سلجوق التركى، عضد الدولة الملقب بألب أرسلان. ثانى سلاطين الدولة السلجوقية التركية الإسلامية التى حكمت مساحة كبيرة من العالم الإسلامى باسم الخلافة العباسية. ولد ألب أرسلان سنة (424هـ = 1032 م) وقيل سنة (420 هـ = 1028م)، ونشأ نشأة عسكرية دينية. وكان والده حاكمًا على خراسان، فأسند إليه وهو فى سن مبكرة قيادة الجيوش فأظهر شجاعة نادرة وانتصر فى المعارك التى دخلها. ولما مات أبوه نحو سنة (451هـ = 1059م) تولى ألب أرسلان إمارة خراسان مكان أبيه. وبعد موت عمه السلطان طغرلبك بايع أمراؤه ألب أرسلان بالسلطنة، وقلده الخليفة العباسى القائم بأمر الله السلطنة وضم إليه جميع أملاك السلاجقة وذلك سنة (455 هـ = 1063 م). وقد واجه ألب أرسلان عدة مشكلات داخلية تمثلت فى أقاربه الطامعين فى السلطنة، وفى غيرهم، ولكنه تمكن من السيطرة عليهم جميعًا. أما مشكلاته الخارجية فتمثلت فى الجانب الشرقى من إمارته وقد استخدم فى حلها الحرب تارة والسلم والموادعة تارة أخرى، وكانت هذه المشكلات من صاحب الكرج وخاقان بلاد ما وراء النهر. وبعد توطيده الأمن فى الجانب الشرقى اتجه إلى الجانب الغربى فضم مكة المكرمة إلى سلطانه سنة (462هـ= 1069 م) وعظم سلطان ألب أرسلان وملك مصر والشام وخُطب له على منابرهما. وخشيت الدولة البيزنطية على نفسها من وجود جار قوى لها، فأعد الإمبراطور أرمانوس جيشًا قوامه (200000) مقاتل لمحاربة ألب أرسلان. وخرج ألب أرسلان على رأس (15) ألف مقاتل مسلم والتقى الجيشان عند ملاذكرد سنة (463 هـ = 1070م) فحصد جيش ألب أرسلان جنود الروم وأسر ملكهم، ولأول مرة فى التاريخ يأسر حاكم مسلم إمبراطورًا بيزنطيًّا فأحسن معاملته وأطلق سراحه. وكانت هذه المعركة الفاصلة مقدمة الفتوحات الإسلامية فى آسيا الصغرى. وعرف ألب أرسلان بشجاعته وفروسيته وحبه للجهاد ونصرة الإسلام

واشتهر بالحزم والحكمة والعدل والكرم والرحمة واحترام العلماء. ومات ألب أرسلان سنة (465 هـ = 1073م) فى إحدى حروبه فى بلاد ماوراء النهر، ودفن بمرو عند قبر أبيه وعمه.

*الأفشين

*الأفشين هو حيدر بن كاوس، من أشهر القادة الأتراك فى خلافة المعتصم بالله العباسى. والأفشين لقب كان يطلق على ملوك أشروسنة إحدى كور بلاد ماوراء النهر. كان أبوه حاكمًا على أشروسنة ووقع خلاف بينهما فترك حيدر بلدته ورحل إلى بغداد وتقرب من الخليفة العباسى المأمون وشجعه على غزو أشروسنة وسهل له ذلك، ولما تم للمأمون فتحها ولاه عليها حاكمًا بعد أبيه. وبعد موت المأمون وتولّى المعتصم الحكم قرَّب منه الأفشين واستعان به فى كثير من حروبه وجعله من كبار قواده، حتى إنه ولاه على جيش للقضاء على ثورة بابك الخرّمى التى استعصت على جيش الخلافة منذ عهد المأمون، ونجح الأفشين فى القضاء على تلك الحركة وأسر بابك الخرمى نفسه فى بغداد فأعجب المعتصم بقدرة الأفشين وخلع عليه وشاحين مطرزين بالجواهر، ومنحه وجنده 20 مليون درهم. وكان الأفشين أحد قواد الفرق الثلاث فى جيش المعتصم فى فتح عمورية ببلاد الروم. بيد أن الأفشين اتُّهم بعد ذلك بالتآمر ضد الخلافة فعزل من منصبه وسجن وتوفى بالسجن سنة (226 هـ = 841 م).

*الأعمش

*الأعمش هو أبو محمد سليمان بن مهران الأسدى الملقب بالأعمش لضعف بصره، ويعد من صغار التابعين. ولد بقرية من قرى طبرستان بشمال إيران تسمى أمُه وقيل ولد بالكوفة فى عاشوراء سنة (61 هـ = 681 م). تعلم الأعمش بالكوفة فقرأ القرآن على يحيى بن وثاب مقرئ العراق حتى صار أقرأ أهل الكوفة، وأخذ الحديث عن أنس بن مالك الصحابى الجليل وقد رآه، كما روى عن بعض التابعين مثل سعيد بن جبير ومجاهد وإبراهيم النخعى. وبلغ الأعمش منزلة عالية فى الحديث فروى عنه أبو حنيفة والأوزاعى ووكيع وسفيان بن عيينة. وله نحو 1300 حديث. واشتهر الأعمش بين الناس بالقناعة وعزة النفس والشجاعة فى الحق، وكثرة ذكره للموت. وعرف بين أصحابه ومعاصريه بظرفه وفكاهته. ومات الأعمش بالكوفة فى ربيع الأول سنة (148 هـ = 765 م) وعمره يقارب ثمانين عامًا.

*أحمد المنصور الذهبى

*أحمد المنصور الذهبى هو أحمد بن محمد بن عبد الله عبد الرحمن بن على السعدى الملقب بالمنصور بالله، يعرف أيضًا بالذهبى. رابع سلاطين الدولة السعدية بالمغرب الأقصى. ولد بمدينة فاس بالمغرب سنة (956هـ = 1549 م) ونشأ محبًّا للعلم وأهله، متدينًا. تولى ولاية العهد وقيادة الجيش فى عهد أخيه السلطان عبد الملك بن محمد واشترك معه فى معركة وادى المخازن لقتال البرتغال، التى انتهت بهزيمة البرتغاليين ومقتل ملكهم، وأثناء المعركة مات أخوه السلطان عبد الملك فبويع أحمد بالسلطنة سنة (986 هـ = 1578 م). بدأ أحمد حكمه بالقضاء على الفتن الداخلية التى نشبت بعد وفاة أخيه، أما فى سياسته الخارجية فقد تمكن من ضم عدة مناطق إلى دولته مثل بلاد الصحراء تيكورارين، وتوات، وبلاد السودان، وتمبكتو، وتمكن من هزيمة البرتغاليين سنة (996 هـ = 1588 م) واستعاد مدينة سبتة من أيديهم. واتصف أحمد المنصور بأنه كان سياسيًّا حاذقًا، محبًّا للفتح والجهاد، وأقام علاقات طيبة مع الدول الأوربية توخى فيها مصلحة بلاده. وترك أعمالاً معمارية كبيرة، منها المسجد الكبير بمراكش وقصر البديع وحصنان فى ثغر العرائس ومات أحمد المنصور بمراكش فى (ربيع الأول 1012 هـ = أغسطس 1603م) ودفن بقبور الأشراف.

*إسماعيل بن جعفر الصادق

*إسماعيل بن جعفر الصادق هو إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب الملقب بإسماعيل الأعرج وإسماعيل الأمين. تنسب إليه فرقة الإسماعيلية، إحدى فرق الشيعة الذين قالوا بإمامته بعد أبيه. ولد إسماعيل سنة (110 هـ = 728 م) بالمدينة المنورة لأبوين يمتد نسبهما إلى آل البيت رضوان الله عليهم. وكان لإسماعيل عدد كبير من الإخوة منهم عبد الله وموسى الكاظم المتوفى سنة (183هـ = 799 م) والذى تقول بإمامته فرقة الإثنا عشرية الشيعية. وقد حدث بين أتباعه وأتباع أخيه موسى الكاظم خلاف حول من أحق بالإمامة بعد أبيه. وقيل إنه خلَّف من الأبناء محمدًا وعليًّا وفاطمة الذين واجهوا اضطهادًا فى خلافة العباسيين فاضطروا إلى التخفى والتنقل بين البلدان، فاستقر محمد بالرى وذهب أخوه علىّ إلى بلاد المغرب وأخذ كل منهما ينشر دعاته بين الناس ليبشروا بمبادئه حتى قويت الفرقة المناصرة لها، والتى اشتهرت باسم الفاطميين، وقامت فى بلاد المغرب ثم فتحت مصر واستقرت بها قرابة ثلاثة قرون فيما عرف باسم الدولة الفاطمية.

*الأرطبون

*الأرطبون الأرطبون لفظة معربة تطلق على الرجل الداهية البعيد النظر أو المقدم فى الحرب. وأرطبون هو حاكم رومانى لمدينة بيت المقدس إبان الفتح الإسلامى لها سنة (15 هـ = 636 م)، ولا يعرف شىء عن حياته ونشأته الأولى، وكل ما يعرف عنه أنه بعد ماهزم فى معركة أجنادين أمام المسلمين سنة (15 هـ = 636 م) فر إلى مصر منضمًا إلى حكامها الرومان. ولما كان الفتح الإسلامى لمصر سنة (20 هـ = 641 م) حارب الأرطبون ضد المسلمين وقتل.

*الأفضل بن بدر الجمالى

*الأفضل بن بدر الجمالى هو أبو القاسم أحمد بن بدر الجمالى الملقب بالملك الأفضل، أحد كبار وزراء الدولة الفاطمية بمصر فى عهد كل من الخليفة المستنصر بالله والمستعلى بالله والآمر بأحكام الله. ولد الأفضل بمصر سنة (458 هـ = 1066 م). كان أبوه بدر الجمالى وزيرًا للخليفة المستنصر بالله وبعد موت بدر الجمالى حل ابنه الأفضل محله وبلغ منزلة رفيعة عند الخليفة ويتبين ذلك من الألقاب التى لقب بها مثل السيد الأجل وأمير الجيوش وسيف الإسلام. وفى فترة وزارته شهد المذهب الشيعى انقسامًا شديدًا حيث انقسم الفاطميون إلى فرقتين: 1 - نزارية نسبة إلى نزار بن المستنصر. 2 - المستعلية وهم المعروفون بالبهرة حاليًّا فى اليمن والهند. وشهدت وزارته أيضًا ضعف سلطان الفاطميين فى بلاد الشام بسبب ظهور قوة الأتراك السلاجقة المسلمين السنيين، وازدياد نفوذ الصليبيين واستيلائهم على كثير من بلدان الشام. وأهم تلك الأحداث استيلاؤهم على بيت المقدس سنة (492 هـ = 1099 م) وقتلهم سبعين ألفًا من المسلمين. ومن أهم أعماله الداخلية نقله مقر الحكم سنة (501 هـ = 1106 م) من القصر الفاطمى بالقاهرة إلى مقر جديد بناه لنفسه على النيل جنوبى الفسطاط وأسماه دار الملك، كما أنشأ ديوانًا للمحاسبات سماه ديوان التحقيق كانت مهمته مراجعة الدواوين. ويُعد عهد هـ من العهود التى نعمت فيها مصر بالرخاء والاستقرار نسبيًا، حيث شهدت البلاد بعض الإصلاحات خاصةً فى مجال الزراعة والرى. ومات الأفضل مقتولاً سنة (515 هـ = 1121 م). وقيل إن من الأسباب التى يمكن أن يكون لها أثر فى قتله إلغاءه كثيرًا من مراسم الفاطميين الشيعية كالاحتفال بالمولد النبوى وبمولدى على بن أبى طالب وفاطمة الزهراء مما يعنى ضمنيًا ميله إلى مذهب أهل السنة.

*ألفونسو الثالث

*ألفونسو الثالث هو ألفونسو بن أردون بن زدمير الأول الملقب بألفونسو الثالث أو ألفونسو الكبير، أحد ملوك مملكة غاليسيا وأستورياس الإسبانية. ولد سنة (234 هـ = 848 م) واشتهر بحروبه ضد المسلمين فى الأندلس. وتولى الحكم سنة (252 هـ = 866 م) ولقب أيضًا بالعظيم بسبب استيلائه على كثير من أراضى المسلمين وتوسيع حدود مملكته على حسابهم، فاستولى على مدينة سمورة سنة (280 هـ = 893 م) واتخذها قاعدة للإغارة على الأراضى الإسلامية. وشجع بعض الثائرين المسلمين ضد حكومتهم مثل ابن حفصون. وقد قامت ضد ألفونسو بعض الثورات الداخلية بتحريض من إخوته ولكنه قضى عليها، وعرف عنه - على الرغم من ذلك - حبه للعلم والأدب فكان يصل العلماء بمودته وعطاياه. وبلغت درجة حبه للعلم أن عهد بتربية ولده إلى عدد من العلماء المسلمين. ومات ألفونسو سنة (298 هـ = 910 م).،وبعد وفاته سميت المملكة باسم مملكة ليون بعد أن كانت تسمى غاليسيا وأستورياس.

*ألفونسو الثامن

*ألفونسو الثامن هو الهنشة بن شانجة بن الهنشة إنبرزور المشهور بألفونسو الثامن، ويعرف أيضًا بالنبيل، أحد ملوك مملكة قشتالة (إسبانيا) فى القرن الثالث عشر الميلادى. اعتلى العرش وعمره ثلاث سنوات فتتابع الوصاية عليه عدد من الأمراء حتى بلغ الحادية عشرة من عمره فأُعلن ملكًا على قشتالة سنة (562 هـ = 1166 م). ومارس ألفونسو السياسة الإسبانية التقليدية بالحرب ضد المسلمين، وهاجم مرارًا المناطق المحيطة بقرطبة وغرناطة وعاث فيها فسادًا، ثم وضع خطة للاستيلاء على قرطبة وإشبيلية. غير أن ظهور دولة الموحدين كقوة إسلامية جديدة حدَّ من آماله؛ إذ تمكنوا من هزيمته هزيمة كبيرة فى موقعة الأرك سنة (591 هـ = 1194 م). ومات ألفونسو الثامن سنة (611 هـ = 1214 م).

*ألفونسو السادس

*ألفونسو السادس هو ألفونسو بن فرديناند الأول بن شانجة غرسيه. أحد ملوك قشتالة وليون بإسبانيا. ولد ألفونسو سنة (421 هـ = 1030 م)، ومات أبوه سنة (457 هـ = 1065 م)، فقسمت مملكته بين أبنائه الثلاثة فجعل ابنه الكبير شانجة حاكمًا على قشتالة وألفونسو السادس حاكمًا على ليون وأستورياس وابنه الصغير غرسيه حاكماً على جليقية والبرتغال، وسرعان ما دارت الحروب بين الإخوة الثلاثة، انتهت لصالح شانجة الذى قبض على أخيه ألفونسو وأودعه أحد الأديرة، ولكنه تمكن من الهرب إلى طليطلة لاجئًا عند ملكها المسلم يحيى بن إسماعيل الملقب بالمأمون فرحب به وأكرمه، وقضى ألفونسو بطليطلة تسعة أشهر درس فيها أحوالها تمهيدًا للاستيلاء عليها. وبعد موت أخيه شانجة استُدعى ألفونسو من طليطلة ليتولى الحكم فأصبح ملكًا على قشتالة وليون وجليقية بعدما قبض على أخيه غرسيه وسجنه بقية حياته، وهكذا أصبح ألفونسو ملكًا على إسبانيا كلها، وأخذ يعمل للاستيلاء على المدن الإسلامية واحدة تلو الأخرى، وأجبر كثيرًا من ملوكها على دفع الجزية استهزاءً بهم، ونقض عهده مع ملك طليطلة واستولى عليها سنة (478 هـ = 1085 م) وحوَّل مسجدها إلى كنيسة وأحرق الكتب العربية بها وأجبر المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية وأعظم ملوك الطوائف آنذاك على دفع الجزية. وكان لتلك السياسة أثر كبير فى إفاقة ملوك الطوائف الإسلامية واتحادهم؛ فأرسلوا إلى أمير دولة المرابطين بالمغرب يوسف بن تاشفين يستغيثون به، فعبر إليهم على رأس جيش كبير، والتقى مع ألفونسو السادس فى معركة حاسمة هى معركة الزلاقة سنة (479 هـ = 1086 م) هَزم فيها ألفونسو هزيمة ساحقة وفر هارباً. وتوفى ألفونسو سنة (503 هـ = 1109 م).

*ألفونسو العاشر

*ألفونسو العاشر هو ألفونسو العاشر بن فرناندو الثالث المعروف بالحكيم، أحد ملوك قشتالة بإسبانيا فى القرن الثالث عشر الميلادى. ولد سنة (618 هـ = 1221 م)، واعتلى عرش قشتالة سنة (650 هـ = 1252 م)، وعمره واحد وثلاثون عامًا، وواصل جهود أبيه فرناندو الثالث فى حربه ضد المسلمين بالأندلس؛ إذ كان يكن لهم عداءً شديداً وتمكن من الاستيلاء على مدينة قادس سنة (659 هـ = 1261 م) وهى إحدى المدن الأندلسية التى كانت فى أيدى المسلمين، وبلغ من شدة عدائه للمسلمين أنه كان يريد نقل الحروب الصليبية الدائرة فى الأندلس إلى إفريقيا، ولقى التشجيع على مشروعه هذا من البابا إنوسنت الرابع والبابا إسكندر الرابع وأنشأ لهذا الغرض أحواضًا كبيرة لبناء السفن فى إشبيلية التى كانت قد سقطت فى أيدى الإسبان. وقد خُلع عليه لقب الحكيم لاهتمامه بالآداب والعلوم، وشكل لجنة لوضع مجموعة القوانين الخاصة بمملكته، وكتابة تاريخ إسبانيا العام، وقد ونقل كثيرًا من النصوص العربية إلى القشتالية فى علوم مختلفة، وكتب بنفسه عددًا من القصائد الشعرية خاصة فى مدح السيدة مريم العذراء. وتوفى ألفونسو الحكيم سنة (683 هـ = 1284 م).

*إليزابيث

*إليزابيث هى الملكة إليزابيث ابنة الملك هنرى الثامن ملك إنجلترا من زوجته غير الشرعية آن بولين التى اتهمت بالخيانة فأعدمت. ولدت إليزابيث سنة (940 هـ = 1533 م)، واتُّهمت فى بداية حياتها بأنها ابنة غير شرعية، وحرمت من حق اعتلاء العرش ولكن هذا القرار ألغى سنة (951 هـ = 1544 م) وصار لها الحق فى وراثة العرش بعد أختها غير الشقيقة الملكة مارى. ولما تولت الحكم الملكة مارى سجنتها لاختلافها معها فى المذهب؛ حيث كانت إليزابيث تعتنق المذهب البروتستانتى وتتحمس له، بينما كانت مارى كاثوليكية متعصبة. ونجحت إليزابيث فى التظاهر باتباع الطقوس الكاثوليكية فأطلقت أختها سراحها. وتحسنت العلاقة بين الأختين حتى ماتت مارى فى (صفر 966 هـ = نوفمبر 1558 م)، فتولت إليزابيث العرش، واستقبل الناس حكمها بالفرح والسرور لما ذاقوه من قسوة واضطرابات فى عهد الملكة مارى التى لقبت بالدموية لما ارتكبته من مذابح ضد شعبها. تولت إليزابيث الحكم والبلاد تمر بحالة من الفوضى والاضطراب وسوء الأحوال بسبب الشقاق الدينى الذى كلف البلاد كثيرًا من المتاعب والديون. ونجحت إليزابيث خلال مدة حكمها التى دامت ما يقرب من نصف قرن فى الحفاظ على كيان دولتها والارتقاء بها بين دول العالم، وكان عهدها أزهى عهود إنجلترا، فتحسنت أحوال الزراعة والصناعة والتجارة، وكان لها أسطول قوى، وبدأت مرحلة التوسع والاستعمار، وحسنت علاقاتها بالدول الخارجية، فى حين تمكنت من هزيمة إسبانيا وإضعاف مركز فرنسا الدولى، وأعادت الاستقرار والاطمئنان للبلاد بعد الفوضى الدينية التى شهدتها، وأصدرت قوانين صارمة ضد الكثلكة. وظهرت قدرة إليزابيث الفائقة وقوة ذكائها فى اختيارها لمستشاريها ووزرائها الذين كانوا على درجة عالية من الكفاءة والحنكة، وقد ساعدوها فى إتمام أعمالها. وقد ظهر فى عهدها أبرز علماء أوربا مثل شكسبير، وسبنسر، وبيكر، وغيرهم. وماتت

إليزابيث سنة (1012 هـ = 1603 م) ووُصفت بالذكاء الخارق والشجاعة وضبط النفس والاعتدال فى تصرفاتها والحذر، كما كانت حريصةعلى التعلم وطلب العلم وكانت تتحدث عدة لغات بطلاقة هى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية واليونانية، وتعمقت فى دراسة اللاهوت، خاصة المذهب البروتستانتى.

*أندرونيكوس الثالث

*أندرونيكوس الثالث هو أندرونيكوس باليولوجس إمبراطور بيزنطى، وأحد أفراد أسرة باليولوجس البيزنطية التى حكم الإمبراطورية البيزنطية منها عدد من الأباطرة (1261 م - 1453 م). وشهدت الإمبراطورية فى عهده فترات من الضعف، نجح خلالها السلطان العثمانى أورخان بن عثمان فى مهاجمة مدينة نيقية التى كانت بمثابة العاصمة الثانية للإمبراطورية وأسرع أندرونيكوس للدفاع عنها ولكن الهزيمة حلت به سنة (730 هـ = 1329 م)، وفتح العثمانيون المدينة فى العام التالى. وامتد حكم أندرونيكوس حتى سنة (1341 م) ولاتعرف سنة موته.

*أندرى دوريا

*أندرى دوريا هو أندرى دوريا، قائد بحرى شهير، ولد سنة (871 هـ = 1466 م)، ويعود أصله إلى أسرة جنوية (من جمهورية جنوة بإيطاليا) عريقة فى المجد والشرف، واشتهر منهم عدد كبير من القادة البحريين، أشهرهم أندرى دوريا. عمل أندرى دوريا بجنوده البحريين فى خدمة شارلكان الإمبراطور الرومانى ضد ملك فرنسا فرانسوا الأول ثم انضم إلى فرانسوا وحارب شارلكان وانتصر عليه. غير أن شهرته فى التاريخ تعود إلى جهوده المتواصلة فى حرب المسلمين وقتال السفن الإسلامية فى البحر المتوسط ومهاجمة سواحل شمال إفريقيا خاصة. وقد انحاز أندرى دوريا إلى الإمبراطور شارلكان لمقاتلة سفن العثمانيين مقابل اعتراف شارلكان باستقلال بلدته جنوة وتم له ذلك، ودارت بينه وبين الأسطول العثمانى معارك عديدة كان أشهرها معركة بروزة فى (جمادى الأولى 945 هـ = سبتمبر 1538 م) التى منى فيها بهزيمة ساحقة أمام الأسطول العثمانى بزعامة خير الدين برباروسا. وفى نهاية حياته اشتغل أندرى بتنظيم جمهورية جنوة فلقبه الجنويون (أبا الوطن) وأقاموا له نصبًا ضخمًا كتب تحته (إلى أبى الوطن). وتوفى أندرى فى (جمادى الأولى 968 هـ = نوفمبر 1560 م) إثر وصول نبأ هزيمة أسطوله أمام الأسطول العثمانى فى ميناء جربة بتونس.

*ابن النديم

*ابن النديم هو أبو الفرج محمد بن أبى يعقوب إسحاق الوراق النديم البغدادى مؤرخ، وصاحب كتاب الفهرست أقدم كتب التراجم وأفضلها. وُلِد أبو الفرج ببغداد سنة (325 هـ = 937 م) ونسب إليها، وكان أبوه وراقًا، فتعلم منه ابنه هذه الصنعة، وبرع فيها، كما تتلمذ فى علوم الحديث والفقه واللغة والأدب والتاريخ والمنطق لأشهر علماء عصره، ومنهم أبو سعيد السيرافى وأبو الفرج الأصفهانى والحسن بن سوار الخمار وإسماعيل بن محمد الصفار. وكان أبو الفرج معتزليًّا متشيِّعًا. كما اشتهر بسعة الاطِّلاع، وساعده على ذلك طبيعة عمله وراقًا، حيث أتاحت له أيضًا الاتصال بالطبقة المثقفة فى مجتمعه وتوثيق الصلة بهم، وساعدته بعد ذلك على التصنيف. وتعود شهرته إلى كتاب الفهرست الذى انتهى منه سنة (377 هـ = 987 م) وقد صنف فيه للعلوم المعروفة فى عصره وما كتب حولها. ويعد هذا الكتاب من أقدم كتب التراجم وأفضلها، فقد لخص فيه التراث الفكرى الإسلامى وجمع فيه أسماء الكتب التى صنفت حتى أواخر القرن الرابع الهجرى، ويعد أول عمل ببليوغرافى أُلِّف بالعربية.

*أورنك زيب

*أورنك زيب هو أبو المظفر محمد محيىالدين أحد سلاطين الدولة المغولية الإسلامية فى شبه القارة الهندية. اشتهر باسم أورنك زيب أو أورنج زيب وتعنى زينة العرش، كما اشتهرباسم عالم كير وتعنى العالم أو الآخذ بسلطان الدنيا. ولد أورنك زيب ببلدة دوحد فى كجرات بالهند سنة (1028 هـ = 1619 م)، وعنى أبوه بتربيته تربية إسلامية، وتعلم فى صغره كثيرًا من العلوم وتبحر فيها وبخاصة العلوم الدينية. واكتسب أورنك زيب منذ صغره خبرة عسكرية بفضل الحروب التى خاضها مع أبيه، كما اكتسب حنكة إدارية بفضل تولِّيه بعض الولايات فى حياة أبيه. وبعد موت أبيه سنة (1069 هـ = 1658 م) تولى أورنك زيب عرش الإمبراطورية المغولية الهندية، فقام بأعمال كثيرة فى النواحى السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ثبت بها دعائم دولته، وحافظ عليها، وأقر العدل والحرية فيها، فقضى على المجاعات وألغى المكوس والضرائب، وأبطل الاحتفال بالأعياد الوثنية، وطبق نظام الحسبة (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) وأمر مجموعة من العلماء فوضعوا موسوعة للفقه على المذهب الحنفى سميت الفتاوى الهندية. ومن الناحية العسكرية أمَّن حدود دولته الشمالية من غارات قبائل البطهان والأفغان وقضى على كثير من الثورات الداخلية التى قام بها الأمراء الهندوس، والطوائف الدينية الهندية، وبعض من الشيعة. وتميز عهد أورنك زيب بشيوع الصبغة الحضارية الإسلامية فى تعمير المساجد وكثرة الأئمة والوعاظ وظهور القيم الإسلامية، وإلغاء المظاهر الفاسدة فى حياة الناس وفى بيوت الحكام. وتوفى أورنك زيب سنة (1119 هـ = 1707 م).

*أوليا جلبى

*أوليا جلبى هو إدريس محمد ظلى رحالة ومؤرخ تركى مسلم. ولد فى مدينة إسلام بول (إستانبول) بتركيا فى (10من المحرم 1020 هـ = 25 مارس 1611 م)، وأطلق عليه والده اسم أوليا جلبى تيمنًا باسم صديق له كان يعلم ابنه. وينتمى أوليا جلبى إلى أسرة عريقة فى الجاه والثراء، تقلد كثير من أفرادها مناصب رفيعة فى الدولة العثمانية. تدرج أوليا جلبى فى مدارس إستانبول، وتتلمذ لبعض علمائها وفقهائها المرموقين، وتعلم من والده فن الخط والكتابة على الأحجار الكريمة، وتمكن عن طريق خاله من الالتحاق بالقصر السلطانى والعمل فيه، فدرس الخط والموسيقى والنحو والقوافى على كبار علماء القصر، وحاز إعجاب السلطان العثمانى مراد الرابع فجعله من المقربين إليه. وبدأ أوليا جلبى حياته العملية موظفًا بالقصر، حيث تولى حسابات الجيش، مما هيأ له فرصة السفر والترحال برفقة الجيش، فنمى عنده حب الأسفار والرحلات، وأتيحت له فرصة الطواف بالبلدان وتسجيل كل ماتقع عليه عينه من آثار وأنهار ومدن وقرى وعادات وتقاليد وغيرها عن البلدان التى ينزل بها، وصنف من ذلك كتاباً جليلاً هو سياحتنامة (أى كتاب السياحة)، ويقع فى عشرة مجلدات، وهذا الكتاب هو الذى أكسبه شهرة واسعة بين الرحالة الأتراك خاصة والمسلمين عامة، واعدَّه كثير من المستشرقين من أعظم الرحالة والجغرافيين الأتراك والمسلمين قاطبة.

*الإيجى

*الإيجى هو عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجى من كبار الأشاعرة المشهورين فى القرن (8 هـ = 14 م). ولد فى بلدة إيج فى أقصى بلاد فارس سنة (680 هـ = 1281 م). فنسب إليها، وأخذ العلم عن شيوخ عصره، ولازم شيخه زين الدين الهنكى. ونبغ الإيجى فى علم الكلام والفقه والأصول والبلاغة والنحو، وبلغ مرتبة عالية بين أمراء عصره فولاَّه أبو سعيد - آخر أمراء الدولة الإيلخانية بفارس - القضاء بمدينة شيراز. وفى سنة (756 هـ = 1355 م) وقع خلاف بين الإيجى وأمير كرمان (بلدة بفارس)، فعزله من القضاء وسجنه. وكان للإيجى مال كثير أنفقه فى رعاية طلاب العلم، وتتلمذ على يديه كثير من التلاميذ منهم شمس الدين الكرمانى وسعد الدين التفتازانى وسعد الدين بن عمر بن عبد الله وغيرهم. وتعد آراء الإيجى فى علم الكلام هى الصورة النهائية لفكر الأشاعرة التى لم تحظَ بتجديد أو إضافة بعده، فقد أكثر من مزج المسائل الفلسفية بعلم الكلام. وللإيجى مصنفات كثيرة اتسمت بحسن التنسيق ودقة العرض أهمها: المواقف فى علم الكلام وتحقيق المقاصد وتبيين المرام وأشرف التواريخ وآداب البحث والعقائد العضدية وغيرها. وتوفى الإيجى فى سجنه فى قلعة دريميان بإيج سنة (756 هـ = 1355 م).

*إيزابيل الكاثوليكية

*إيزابيل الكاثوليكية هى إيزابيل ابنة الملك خوان الثانى حاكم قشتالة المتوفى سنة ( 860 هـ = 1455 م) ولقبت بالكاثوليكية لتعصبها للمذهب الكاثوليكى، ولعملها الدائب لتوحيد ممالك إسبانيا والقضاء على مملكة بنى الأحمر الإسلامية آخر مملكة إسلامية بالأندلس. ولدت إيزابيل بمدينة مدرتجال سنة (855 هـ = 1451 م)، وتوفى أبوها ولم تكن قد تجاوزت الرابعة من عمرها، وتولى عرش قشتالة أخوها غير الشقيق إنريكى الرابع فطردها هى وأمها وأخاها من قشتالة إلى أريغال؛ حيث عاشت الأسرة عيشة قاسية بأحد الأديرة، مما أذكى فى نفسها عوامل الحزن والأسى منذ الصغر. وسرعان ماتهيأت لها الظروف وسمحت بعودتها وأخيها الشقيق ألفونسو إلى قشتالة، وقامت ثورة ضد إنريكى فخُلع وتولى ألفونسو، ولكنه مات فعاد إنريكى إلى الحكم مرة ثانية. تزوجت إيزابيل من الأمير فرناندو ولى عهد مملكة أراغون النصرانية، وفى سنة (879 هـ = 1474 م) مات الملك إنريكى، وتوِّجت إيزابيل ملكة سنة (884 هـ = 1479م) بعد فترة من الاضطرابات الداخلية. وضعت إيزابيل منذ توليها الحكم هدفًا لها هو القضاء على مملكة غرناطة الإسلامية وطرد المسلمين نهائيًّا من الأندلس، وجعلت ذلك من شروطها للزواج بالملك فرناندو الذى وافق أيضًا على ذلك. ونجح الملكان فى القضاء على المملكة؛ حيث استوليا عليها مدينة تلو الأخرى، وكانا يجبران المسلمين على التحول إلى النصرانية، وقاما بإحراق الكتب العربية، ولاقت إيزابيل فى عملها هذا تأييدًا مطلقًا من البابوية وجميع الممالك النصرانية، وأصيبت إيزابيل فى نهاية حياتها بالمرض لعدة أشهر ثم ماتت فى (جمادى الآخرة 910 هـ = نوفمبر 1504 م) بعدما قضت على دولة الإسلام فى الأندلس.

*التفتازانى (سعد الدين)

*التفتازانى (سعد الدين) هو سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى من كبار علماء العربية والبيان وعلم الكلام والمنطق، ولد بتفتازان بخراسان سنة (712 هـ) وقيل: (722 هـ والأرجح الأول) وعاش بسرخس ثم أبعده تيمورلنك إلى سمرقند فعاش بها فترة حتى توفى بها سنة (793 هـ = 1390 م) ثم حمل إلى سرخس فدفن بها. كان التفتازانى عالمًا مشهورًا فى علوم النحو والصرف والمعانى والبيان والمنطق وعلم الكلام وبلغ منزلة عظيمة فى تلك العلوم حتى علا شأنه وذاع صيته، كما اشتهر بالتصوف، وتناول فى كتب الكلام والمنطق الحديث عن الصوفية وابن عربى خاصة، وعارض كتابه فُصُوص الحِكَم وقال عنه: إنه نقيص الحِكَم. وللتفتازانى مؤلفات غزيرة، منها: تهذيب المنطق والمطول فى النحو، ومقاصد الطالبين فى البلاغة، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب فى الأصول، وشرح الشمسية فى المنطق، وشرح الأربعين النووية وغيرها.

*سعد الدين التفتازانى

*سعد الدين التفتازانى هو سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى من كبار علماء العربية والبيان وعلم الكلام والمنطق، ولد بتفتازان بخراسان سنة (712 هـ) وقيل: (722 هـ والأرجح الأول) وعاش بسرخس ثم أبعده تيمورلنك إلى سمرقند فعاش بها فترة حتى توفى بها سنة (793 هـ = 1390 م) ثم حمل إلى سرخس فدفن بها. كان التفتازانى عالمًا مشهورًا فى علوم النحو والصرف والمعانى والبيان والمنطق وعلم الكلام وبلغ منزلة عظيمة فى تلك العلوم حتى علا شأنه وذاع صيته، كما اشتهر بالتصوف، وتناول فى كتب الكلام والمنطق الحديث عن الصوفية وابن عربى خاصة، وعارض كتابه فُصُوص الحِكَم وقال عنه: إنه نقيص الحِكَم. وللتفتازانى مؤلفات غزيرة، منها: تهذيب المنطق والمطول فى النحو، ومقاصد الطالبين فى البلاغة، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب فى الأصول، وشرح الشمسية فى المنطق، وشرح الأربعين النووية وغيرها.

*حازم القرطاجنى

*حازم القرطاجنى هو أبو الحسن حازم بن محمد بن حسن بن حازم القرطاجنى أديب وشاعر أندلسى، ولد حازم سنة (608 هـ = 1211 م) بمدينة قرطاجنة بالأندلس فى أسرة عريقة عرفت بالعلم والأدب؛ حيث كان أبوه قاضى قرطاجنة مدة (40) سنة، وانصرف حازم منذ صغره لدراسة الأدب والعلم؛ فأخذ عن والده علوم اللغة والفقه، ثم انتقل إلى عدد من المدن الأندلسية المجاورة لطلب العلم فتردد على مرسية وأخذ عن شيوخها أمثال الطرسونى والعروضى، كما ذهب إلى غرناطة وإشبيلية وأخذ عن علمائهما. وبرع حازم فى الأدب والشعر والنحو واللغة والعروض والبيان، ومات أبوه سنة (632 هـ = 1235 م) وهو لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره. ولما زاد ضغط الممالك النصرانية على قرطاجنة وماحولها للاستيلاء عليها، هاجر حازم إلى مراكش ثم إلى بجاية ثم إلى تونس سنة (640 هـ = 1242 م) فاستقر بها وعاصر حكم أربعة من سلاطين الدولة الحفصية بتونس، وبلغ عندهم مكانة عالية، حتى اشتهر بأنه شاعر تلك الدولة، وتوفى حازم القرطاجنى سنة (684 هـ = 1285 م). وله بعض المؤلفات، منها سراج البلغاء، وله ديوان شعر مطبوع.

*أبو حنيفة الدينورى

*أبو حنيفة الدينورى هو أحمد بن داود بن وتَند الدينورى أبو حنيفة، مؤرخ مهندس نباتى، فارسى الأصل. ولد فى العقد الأول من القرن الثالث الهجرى بقرية دينور قرب همذان، وأمضى شبابه فى الرحلات بين العراق والحجاز والشام لطلب العلم، وعاش بأصفهان فترة. درس أبو حنيفة النحو واللغة على يد البصريين والكوفيين، ودرس علم الهيئة وعمل بالمرصد الفلكى فى أصبهان، ودرس أيضاً الطب والحساب والجغرافيا والقرآن والحديث، واشتهر ككاتب بليغ حتى عدّه أبو حيان التوحيدى ثالث ثلاثة هم أبرع من كتب فى العربية، وهم: الجاحظ، وأبو زيد البلخى، وأبو حنيفة الدينورى. ولتعدد مواهب أبى حنيفة بلغ منزلة عالية فى بلاط الخلفاء العباسيين فى وقته. ولأبى حنيفة مجموعة من المصنفات تعكس تنوع ثقافته؛ حيث كتب فى النبات وفى القرآن والجغرافيا والتاريخ وغيرها نحو عشرين كتابًا، أهمها: البلدان فى الجغرافيا التاريخية، والأخبار الطوال فى التاريخ، والأنواء، والنبات، وتفسير القرآن، وغيرها. وتوفى أبو حنيفة سنة (282 هـ = 895 م).

*الخطيب البغدادى

*الخطيب البغدادى هو أبو بكر أحمد بن على بن ثابت بن أحمد بن مهدى الخطيب البغدادى، أحد كبار الحفاظ والمؤرخين ببغداد فى القرن (5 هـ = 11 م). ولد بموضع يسمى غزية بين الكوفة والمدينة سنة (392 هـ = 1002 م)، ونشأ ببغداد وكان أبوه خطيبًا بقرية درزنجان بالعراق، فسمع أبو بكر من أبيه وهو فى سن الحادية عشرة، ثم طاف بعدد من البلدان فى طلب العلم، وكان شديد الحرص على ذلك، فطاف بالبصرة والكوفة وأصبهان والرى وهمذان والحجاز لسماع الحديث وتعلم القراءات، وأخذ من كثير من شيوخ هذه البلدان، ثم عاد إلى بغداد واستقر بها للتدريس، وأعجب به ابن مسلمة وزير الخليفة العباسى القائم بأمر الله فقربه، وبلغ منزلة عالية عند الخليفة، ثم وقعت أمور ببغداد رحل على إثرها إلى بلاد الشام وأقام مدة فى دمشق وصور وحلب والقدس، ثم عاد إلى بغداد. وكان شديد الثراء ينفق من ماله الكثير على طلبة العلم، فلما مرض مرضه الأخير وقف كتبه وفرق جميع ماله فى وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث، وكان فصيح اللهجة، عارفًا بالأدب، يقول الشعر، ولعًا بالمطالعة والتأليف، عرف له أهل العلم مكانته فقال عنه السمعانى: كان إمام عصره بلا مدافعة، وحافظ وقته بلا منازعة. وله مؤلفات كثيرة أشهرها: تاريخ بغداد، والكفاية فى علم الرواية، والأمالى، والرحلة فى طلب الحديث، واقتضاء العلم والعمل، وغيرها. وتوفى الخطيب البغدادى ببغداد سنة (463 هـ = 1072 م)، وأوصى أن يدفن بجانب بشر الحافى فتم له ذلك.

*الراضى بالله

*الراضى بالله هو محمد بن جعفر المقتدر بالله بن أحمد المعتضد بالله أبو العباس، خليفة عباسى. ولد سنة (297 هـ = 909 م)، وأمه أم ولد (كانت أمة فأنجبت فأعتقها سيدها فصارت حرة) كانت تدعى ظلوم، بويع بالخلافة بعد عزل عمه القاهر سنة (322 هـ = 934 م) وعمره آنذاك (25) سنة. كان الراضى سمحًا، كريمًا، أديبًا، شاعرًا، فصيحًا، محبًّا للعلماء، وله شعر مدون. كانت أحوال الخلافة قبله مضطربة فحاول إصلاحها، ولكنه لم يستطع، واستدعى عامله على واسط محمد بن رائق وقلده إمارة الجيش والخراج والدواوين وخلع عليه لقب أمير الأمراء فانفرد ابن رائق بالحكم من دونه وصارت له الكلمة العليا فى البلاد، وليس للخليفة معه من الأمر شىء، واستقل كل والٍ بما تحت يده من الأقاليم ولم يبق للخليفة سوى بغداد وما حولها والأمر فيها لابن رائق، حتى ضاق الخليفة به ذرعًا فأحل محله الأمير بجكم. وتوفى الراضى بالله ببغداد سنة (329 هـ = 940 م) وله من العمر (32) سنة، ودامت خلافته سبع سنوات.

*سفيان بن عيينة

*سفيان بن عيينة هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون الهلالى من كبار المحدثين فى القرن (2 هـ = 8 م). ولد سفيان بالكوفة فى شعبان سنة (107 هـ = 725 م)، ثم رحل مع أبيه إلى مكة واستقر بها وأخذ الفقه والحديث عن كبار علمائها أمثال الزهرى وعمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر والأعمش وغيرهم، حتى بلغ فى العلم منزلة رفيعة وصار حافظًا ثقة واسع العلم كبير القدر. قال عنه الشافعى: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وتتلمذ على يديه عدد كثير من طلاب العلم الذين بلغوا منزلة عالية بعد ذلك، منهم الشافعى وشعبة بن الحجاج وابن جريج والزبير بن بكار وغيرهم. وتوفى سفيان بن عيينة فى جمادى الآخرة سنة (198 هـ = 814 م). وله من المؤلفات الجامع فى الحديث، وكتاب فى التفسير.

*أحمد بن محمد بن حجاج

*أحمد بن محمد بن حجاج هو أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج أحد علماء النبات البارعين فى إشبيلية بالأندلس فى عصر ملوك الطوائف. عاش فى إشبيلية، وألف كتابًا فى الزراعة اسمه المقنع لم يصل إلينا.

*ملكشاه بن ألب أرسلان

*ملكشاه بن ألب أرسلان هو جلال الدين أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان السلجوقى التركى، أحد سلاطين الدولة السلجوقية. ولد ملكشاه سنة (447 هـ = 1055 م)، وآل إليه حكم السلطنة بعد وفاة أبيه سنة (465 هـ = 1073 م) وعمره آنذاك سبع عشرة أو ثمانى عشرة سنة. وبدأ ملكشاه عهده بتأمين دولته من المخاطر والقلاقل الداخلية والخارجية فقضى على بعض الثورات التى قامت ضده وأخطرها ثورة عمه قاورت حاكم كرمان الذى هزمه ملكشاه وقتله. وتمكن ملكشاه من ضم كثير من البلدان لدولته حتى صارت مترامية الأطراف شملت (بلاد الشام - الجزيرة - ديار بكر - اليمن - بلاد الترك) وخُطب له فى جميع منابر العالم الإسلامى ماعدا بلاد المغرب. وعلى الرغم من جهوده الحربية فإنه كان محبًّا للأدب مشجعًا للعلماء، اهتم بالجوانب الحضارية فحفر الترع وأقام الجسور وبنى كثيرًا من العمائر كالمساجد والقصور، وأبطل المكوس، وأُمّنت الطرق فى دولته، وانخفضت الأسعار، وبنى مرصدًا. ووُصف بأنه كان حسن السيرة، يجلس للمظالم بنفسه ويقضى بين الناس، وكان بابه مفتوحًا لكل قاصد.

*معن بن زائدة الشيبانى

*معن بن زائدة الشيبانى هو معن بن زائدة بن عبد الله بن مطر الشيبانى أحد شجعان العرب، ومن أشهر أجواد العرب، من قبيلة بكر بن وائل بن ربيعة. كان فى أيام الدولة الأموية كثير التجوال منقطعًا إلى يزيد بن عمر بن هبيرة الفزارى أمير العراقيين، وحارب معه بنى العباس فى مدينة واسط، فلما قتل يزيد خاف معن على نفسه من أبى جعفر المنصور الذى جدَّ فى البحث عنه فاستتر معن عنه فترة حتى كان يوم الهاشمية فى ذى القعدة سنة (134 هـ = 751 م) بعد أن انتهى أبوجعفر المنصور من بناء مدينة الأنبار؛ إذ خرج عليه جماعة من أهل خراسان فى الهاشمية يريدون قتله، وكان معن بن زائدة مجاورًا لهم، فخرج متنكرًا وقاتل بجانب المنصور قتالاً شديدًا، فسأله أبو جعفر عن نفسه، فكشف لثامه وقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة، فأمَّنه المنصور وأكرمه، وصار من خواص رجاله المقربين منه. وفى سنة (142 هـ = 759 م) ولاَّه على اليمن مكافأة له، فظل واليًا عليها تسع سنوات وتركها، وولاَّه على سجستان سنة (151 هـ = 768 م) فخرج عليه بعض الخوارج فقتلوه وهو يحتجم، فتتبعهم ابن أخيه يزيد بن مرثد حتى أفناهم عن آخرهم. ولمعن بن زائدة أشعار جيدة، أكثرها فى الشجاعة.

*ابن المعتز

*ابن المعتز هو عبد الله بن محمد المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد العباسى، أبو العباس. أديب، وصاحب شعر بديع ونثر فائق. ولد سنة (247 هـ = 861 م) فى بغداد، وأخذ الأدب والعربية عن المبرد وثعلب، وعن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقى، وأولع بالأدب، كان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم، آلت الخلافة فى أيامه إلى المقتدر، فسعى جماعة من الكتاب والقواد إلى خلع المقتدر والبيعة لعبد الله بن المعتز، فاستجاب لهم عبد الله، على ألا يُسفَك دم ولا تكون حرب، فبويع له وسُلم عليه بالخلافة، إلا أن غلمان المقتدر وثبوا عليه فخلعوه، وعاد المقتدر فقبض عليه وسلَّمه إلى خادم له اسمه مؤنس، فقتله. ولابن المعتز العديد من المصنفات، منها: البديع، والآداب، والجامع فى الغناء والجوارح والصيد وفصول التماثيل، وحلى الأخبار وأشعار الملوك وطبقات الشعراء. وتوفى ابن المعتز سنة (296 هـ = 909 م).

*سعيد بن العاص

*سعيد بن العاص هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموى، القرشى، ثم المدنى. صحابى من الأمراء الولاة الفاتحين. ولد سنة (3هـ = 624 م)، قتل على بن أبى طالب أباه يوم بدر مشركًا، رُبِّى فى حجر عمر بن الخطاب، وأسلم قبل الفتح بيسير، استعمله النبى - صلى الله عليه وسلم - على سوق مكة، ولاَّه عثمان على الكوفة، ثم عزله عنها عندما اشتكاه أهلها، وولاَّه معاوية على المدينة غير مرة، فتولاَّها إلى أن مات، كان سعيد أشبه الناس لهجة برسول الله (وهو الذى افتتح طبرستان، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان. اعتزل سعيد فتنة الجمل وصفين، ولم يدخل مع معاوية فى شىء من حروبه. له بدمشق دار تعرف بدار نعيم وحمام نعيم بنواحى الديماس، ومازالت آثار قصره شامخة إلى الآن. وقد توفى سعيد بن العاص بقصره بالعرصة على بُعد ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع فى سنة (59 هـ = 679 م).

*المقوقس

*المقوقس لفظ أطلق على ثلاثة أشخاص: (1) الحاكم الذى جاءه كتاب النبى (قبل الفتح بسنوات. (2) الحاكم الذى كان فى وقت الفتح. (3) عظيم القبط فى وقت ثورة منويل. أمَّا الأول فقد بعث إليه النبى (برسالة مع حاطب بن أبى بلتعة، يدعوه فيها إلى الإسلام، فأكرم رسولَ النبى، وأهدى إلى النبى مارية، وأختها سيرين وعبدًا مخصيًّا وألف مثقال ذهبًا. وأمَّا الثانى فاسمه جريج بن مينا، عقد صلحًا مع عمرو بن العاص، رضى الله عنه، غير أن هرقل عنَّفه، ولم يقر صلحه. وأما الثالث فاسمه قيرس، وكان رئيس مذهب خلقدونية، واستعمل واليًا وبطريقًا على مصر. وقاسى البطريق بنيامين من شدة عظيمة على يد قيرس؛ فهرب إلى الصعيد؛ حيث قضى عشر سنوات كاملة.

*المعتمد بن عباد

*المعتمد بن عباد هو المعتمد على الله محمد بن المعتضد بالله أبى عمرو عبَّاد بن الظافر المؤيد بالله أبى القاسم محمد قاضى إشبيلية، آخر ملوك بنى عبَّاد بالأندلس. ولد فى باجة (بالأندلس)، وتولى حكم قرطبة وإشبيلية وماحولهما بعد وفاة والده سنة (461 هـ = 1068 م)، وكان أكرم ملوك الأندلس، كما كان ملتقى الرجال ومحط أنظار الشعراء والأدباء، وله شعر جيد ونظم فريد جمع فى ديوان شعر. وكان ألفونس السادس ملك الفرنج قد حاول أن يستولى على قرطبة وإشبيلية فلما لم يكن لدى المعتمد بن عبَّاد قوة لدفعه، أقنعه العلماء والفقهاء بطلب المساعدة من أبى يعقوب يوسف بن تاشفين ملك المغرب، الذى استجاب لطلبه وانطلق على رأس جيوشه، حتى التقى مع المعتمد بن عبَّاد وسارا إلى الحرب معًا، فانتصرا فى معركة الزلاقة سنة (479 هـ = 1086 م) وغنم المسلمون مالايحصى من الدواب والأسلحة والأموال. وفى سنة (483 هـ = 1090 م) ثارت فتنة فى قرطبة وإشبيلية، قضى عليها المعتمد بن عبّاد بشجاعة نادرة، ولكنها ما لبثت أن ظهرت من جديد بإيعاز من ابن تاشفين، الذى كان يريد أن يستولى على الأندلس، فأرسل جيوشه سنة (484 هـ = 1091 م) فحاصرت المعتمد بن عباد فى إشبيلية ووقع أسيرًا وقُتل ابناه الراضى والمأمون، وأُرسل إلى مراكش ومنها إلى إغماث التى ظل بها إلى أن توفى سنة (488 هـ = 1095 م).

*معاذ بن جبل

*معاذ بن جبل هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصارى الخزرجى صحابى جليل، أسلم وهو صغير، وحفظ القرآن الكريم، وكان أعلم الأمة بالحلال والحرام، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المواقع كلها. أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد غزوة تبوك إلى اليمن قاضيًا ومرشدًا لأهلها، فظل معاذ بن جبل هناك حتى توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاد معاذ إلى المدينة، وخرج مع أبى عبيدة بن الجراح فى غزو بلاد الشام، ولما توفى أبوعبيدة فى طاعون عمواس خلفه معاذ بن جبل فى القيادة. وتوفى، رضى الله عنه، سنة (18 هـ = 639 م) ودُفن بالقصير المعينى (الغور).

*أحمد بن محمد بن دراج

*أحمد بن محمد بن درَّاج هو أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درَّاج القسطلى، أديب بليغ وشاعر فحل، ولم يكن بالأندلس أشعر منه، وله ديوان شعر. توفى فى جمادى الآخرة سنة (421 هـ = 1030 م) عن عمر يناهز (74) سنة.

*المعتضد بن عباد

*المعتضد بن عباد هو عباد بن محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمى صاحب إشبيلية فى عهد ملوك الطوائف. ولد سنة (404 هـ = 1013 م)، وتولَّى حكمها بعد وفاة والده سنة (433 هـ = 1041 م)، وظلت الخطبة فى عهده للمؤيد بالله (هشام بن الحكم) الأموى حتى سنة (451 هـ = 1059 م) عندما أعلن المعتضد بالله عن وفاته، وأخذ البيعة لنفسه، وأخذ يستولى على ممالك الأندلس وإماراتها الواحدة تلو الأخرى، واتخذ خشبًا فى قصره يعلق عليه رءوس أعدائه من الملوك والأمراء. وكان مهيباً، صارمًا، جبارًا عسوفًا، حتى إنه قتل ابنه إسماعيل وولى عهده بيده عندما علم أنه يتآمر عليه، وكان ذلك سنة (449 هـ = 1057 م)، وكان ينظم الشعر الجيد، وله ديوان شعر. وقد توفى بإشبيلية سنة (461 هـ = 1069 م).

*الأشرف الأيوبى

*الأشرف الأيوبى هو موسى بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب ملك الرها وحَرَّان. ولد بمصر وقيل بالكرك سنة (578 هـ = 1182 م)، ولما كبر ملَّكه والده على مدينة الرها وحران بعد سنة (598 هـ = 1201 م). وفى سنة (600 هـ = 1203 م) حارب نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل وهزمه وأخرجه من الموصل، وفى سنة (606 هـ = 1209 م) استولى على نصيبين وسنجار. وفى سنة (609 هـ = 1212 م) توفى أخوه الملك الأوحد نجم الدين أيوب صاحب خلاط وميافارقين، فاستولى على ملكه فاتسعت مملكته، بعد أن استولى على حلب وأقام بها ثلاث سنوات. وفى سنة (631 هـ = 1233 م) وقعت بلاد الشرق فى يد ملك الروم، فخرج الملك الأشرف مع أخيه الملك الكامل صاحب مصر لحربه، فهزماه سنة (633 هـ = 1235 م)، وظلا على وفاق ووئام وبينهما شعور الأخوة والحب المتبادل، حتى كانت سنة (635 هـ = 1237 م) عندما وقعت بينهما وحشة، فتعاهد الملك الأشرف مع صاحب الروم وصاحب حماة، وصاحب حلب، وصاحب حمص، وأصحاب الشرق على الخروج لحرب الملك الكامل، ولم يبق مع الملك الكامل سوى ابن أخيه الملك الناصر صاحب الكرك. ولما تجهزت الجيوش لحرب الملك الكامل، مرض الملك الأشرف مرضًا شديدًا توفى على إثره فى (المحرم 635 هـ = أغسطس 1237م) فى دمشق ودفن بقلعتها. وكان واسع الصدر، كريمًا، حليمًا، كثير العطاء، يحب أهل الخير والصلاح والتقوى، وبنى دارًا للحديث فى دمشق.

*أبو نواس

*أبو نواس هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمى المعروف بأبى نواس الشاعر المشهور. ولد فى الأهواز فى خلافة أبى جعفر المنصور ونشأ بالبصرة ورحل إلى بغداد فاتصل بالخلفاء من بنى العباس ومدح بعضهم. ويُعَدّ أبو نواس من أعاجيب عصره فى الشعر؛ إذ كان يحظى بملكات شعرية بديعة. قال عنه الجاحظ: ما رأيت رجلاً أعلم باللغة ولا أفصح لهجة من أبى نواس. وقد نظم أبو نواس فى جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خمرياته، وله ديوان أبى نواس وديوان آخر اسمه الفكاهة والائتناس فى مجون أبى نواس. ومن شعره المشهور قصيدته الميمية التى حسده عليها أبو تمام وأولها: دِمَنٌ ألمَّ بها فقال سلامُ كم حلَّ عقدةَ صبرهِ الإلمامُ وأبو نواس أول من توسَّع فى وصف الخمر والتغزل بالغلمان، ولعله أكثر الشعراء انغماساً فى اللهو.

*نفيسة

*نفيسة هى نفيسة بنت أمية بن أبى عبيدة بن همام بن الحارث التميمى الحنظلى وتعرف بنفيسة بنت منية وهى صحابية جليلة أخت الصحابى يعلى بن أمية .. ونفيسة بنت أمية هى صديقة السيدة خديجة بنت خويلد، رضى الله عنها، وهى التى مشت بين النبى (والسيدة خديجة فى زواجهما. وهى التى زفَّت البشرى للسيدة خديجة بزواج الرسول منها. وقد روت نفيسة أحاديث عن النبى.

*نعيم بن مسعود

*نعيم بن مسعود هو نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن حلاوة أبوسلمة الغطفانى الأشجعى صحابى مشهور، أسلم أيام غزوة الخندق وكتم إسلامه، وهو الذى خذل المشركين وبنى قريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم يروها، فكفى الله المؤمنين القتال بحيلة نعيم والريح، كما أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ابن ذى اللِّحية. وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه ولداه: سلمة وزينب، وله حديث عند أحمد وأبى داود وغيرهما، قتل نعيم فى أول خلافة علىٍّ قبل قدومه من البصرة فى وقعة الجمل، وقيل: مات فى آخر خلافة عثمان، رضى الله عنه، والله أعلم.

*أبو نعيم

*أبو نعيم هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهانى، الحافظ والمؤرخ المشهور، من أكابر الثقات فى الحفظ والرواية، ولد ومات بأصبهان، استجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر تفرد عنهم، فمن الشام خيثمة بن سليمان، ومن بغداد جعفر الخلدى، ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوؤب، ومن نيسابور الأصم، وسمع من عبد الله بن جعفر بن أحمد والقاضى محمد بن أحمد العسَّال وأحمد بن معبد السِّمسار وأحمد بن محمد القصار وأحمد بن بندار الشَّقار وأبى الشيخ الجعابى، وسمع بمكة أبا بكر الأجرى وبالبصرة فاروق الخطابى وبالكوفة أبا بكر الطّلْحى، كما سمع من أصحاب السَّرَّاج ومن بعدهم. وروى عنه أبو سعيد المالينى، والحافظ الخطيب البغدادى، وهو من أخصِّ تلامذته، رحل إليه وأكثر عنه، وأبو صالح المؤذن الحافظ، والقاضى أبو على الوخشى ومستمليه أبو بكر محمد بن إبراهيم العطّار وآخرهم وفاةً أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الذهبى وغيرهم كثير. قال ابن مَرْدُويه: كان أبو نعيم مرحولاً إليه ولم يكن فى أفق من الآفاق أسند، ولا أحفظ منه، ومن مصنفاته: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء وهو من أحسن الكتب، وله أيضا معرفة الصحابة وكتاب دلائل النبوة وكتاب المستخرج على البخارى وكتاب المستخرج على مسلم وكتاب تاريخ أصبهان وكتاب فضائل الصحابة، وصنَّف شيئًا كثيرًا من المصنفات الصِّغار. وأبو نعيم إمام ثقة لايلتفت إلى قول من تكلم فيه.

*النعمان بن بشير

*النعمان بن بشير هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجى الأنصارى صحابى جليل، وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة وُلد النعمان سنة (2هـ = 623م) أى قبل وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - بثمانى سنين وسبعة أشهر، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة. والنعمان بن بشير من رواة الأحاديث، فقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (124 حديثاً)، وشهد النعمان معركة صفين مع معاوية، وولى قضاء دمشق، وولى اليمن لمعاوية، ثم استعمله معاوية على الكوفة ثم عزله وولاه مدينة حمص، واستعمله بعده ابنه يزيد. فلما مات يزيد بن معاوية دعا النعمان الناس إلى بيعة عبد الله بن الزبير بالشام فخالفه أهل حمص فخرج منها فاتبعوه فقتلوه، وذلك بعد وقعة مرج راهط، وكان ذلك فى سنة (65 هـ = 684 م). وكان النعمان بن بشير يقول الشعر، فمن شعره: وإنى لأعطى المال من ليس سائلاً وأدرك للمولى المعاند بالظلم وإنى متى ما يلقنى صارمًا له فما بيننا عند الشدائد من صرم فلا تعدُد المولى شريكك فى الغنى ولكنما المولى شريكك فى العُدم

*نصر بن سيار

*نصر بن سيار هو نصر بن سيار بن رافع بن حرى بن ربيعة الكنانى، أمير خراسان فى عهد الدولة الأموية، كان شيخ مضر بخراسان، وولى بلخ، ثم ولى إمرة خراسان سنة (120 هـ) بعد وفاة أسد بن عبد الله القسرى. غزا ما وراء النهر، ففتح حصونًا وغنم مغانم كثيرة، وأقام بمرو، وقويت الدعوة العباسية فى أيامه، فكتب إلى بنى مروان بالشام يحذرهم وينذرهم فلم يأبهوا بالخطر، حتى استفحل أمر العباسيين، وخرج عليه أبو مسلم الخراسانى وحاربه، وعجز عنه نصر بن سيار، فاستصرخ بمروان غير مرة إلا أنه بَعُد عن نجدته، لانشغاله باختلال أمر أذربيجان والجزيرة. وبينما نصر بن سيار فى تقهقره أمام جيوش أبى مسلم الخراسانى إذا به يمرض بالرى، ويحمله جنوده إلى ساوة، ويموت بها، وعمره خمس وثمانون سنة.

*النجاشى

*النجاشى هو أصحمة بن أبحر النجاشى ملك الحبشة، واسمه بالعربية عطية، والنجاشى لقب لملوك الحبشة، أسلم على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وأخفى إيمانه عن قومه ولم يهاجر، وكان رِدءًا للمسلمين الذين هاجروا إليه فى صدر الإسلام، ولم تنجح محاولات المشركين للوقيعة بينه وبين المهاجرين إليه، وكتب إليه النبى - صلى الله عليه وسلم - ضمن الملوك، وأرسل إليه عمرو بن أمية الضمرى فرد عليه يخبره أنه أسلم على يد جعفر بن أبى طالب، كما أرسل إليه النبى - صلى الله عليه وسلم - ليزوجه أمَّ حبيبة بنت أبى سفيان ويبعث بها إليه ففعل وأصدقها أربعمائة دينار. قيل: إنه أرسل ابنَه وستين من أهل الحبشة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فغرقوا جميعا في الطريق، كما أسلم عنده عمرو بن العاص وكان صديقًا له فى الجاهلية. ولما مات قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: قد مات اليوم عبد صالح يقال له أصحمة، فقوموا فصلُّوا على أصحمة، وصفَّ الصحابة وصلى بهم عليه صلاة الغائب، وكان ذلك أول مشروعيتها.

*ابن نباتة

*ابن نباتة هو أبو يحيى بن نُباتة خطيب الخطباء، عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نُباتة الفارقى، الحُذاقى (نسبة إلى حذاقة بطن من قضاعة، وقيل قبيلة من إياد) اللخمى العسقلانى المولد المصرى الدار، ولى خطابة حلب لسيف الدولة، وفى خطبه دلالة على قوة علمه، وسعته وقوة قريحته، واجتمع بالمتنبى فى خدمة سيف الدولة الحمدانى. وهو من أهل ميّافارقين (بديار بكر)، وكان خطيب حلب، وكان تقيًّا صالحًا، وله خطبة تعرف بالمنامية، ويروى أنه رأى الرسول فى المنام، وسمَّاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا، وتفل فى فيه فظل ثمانية عشر يومًا لايستطعم فيها طعامًا ولا شرابًا من أجل تلك التفلة وبركتها. تُوفىِّ بحلب سنة (374 هـ = 984 م)، وكان مولده فى سنة (335 هـ = 946 م) ودفن بميّافارقين.

*نافع بن الأزرق

*نافع بن الأزرق هو أبو راشد نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار الحنفى البكرى من رؤساء الخوارج وإليه تنسب فرقة الأزارقة. كان نافع من أنصار عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ووالىَ على بن أبى طالب، رضى الله عنه، إلى أن كانت قضية التحكيم بين على ومعاوية فاجتمع هو وأصحابه فى حروراء ونادوا بالخروج على علىّ. وكان أول خروجه بالبصرة فى عهد عبد الله بن الزبير. وفى سنة (65 هـ = 685 م) اشتدت شوكته وكثرت جموعه، فبعث إليه عبدُ الله بن الحارث مسلم بن عبس بن كريز على جيش كثيف فاشتد بينهما القتال حتى قُتل مسلم أمير الجيش، وقُتل نافع أمير الخوارج، وكان ذلك فى (جمادى الآخرة 65 هـ = يناير 685 م).

*ميسون بنت بحدل الكلبية

*ميسون بنت بحدل الكلبية هى ميسون بنت بحدل بن أنيف بن ذلجة الكلبية زوج معاوية بن أبى سفيان وأم ابنه يزيد، وكانت تسكن البادية. وهى شاعرة عربية كانت تشتهر بالفصاحة، وتزوجها معاوية بن أبى سفيان ونقلها من البادية إلى دمشق، وأسكنها قصرًا من قصور الخلافة. وكانت ميسون تحنُّ إلى مسقط رأسها (البادية) وقد قالت: لَلبْس عباءةٍ وتقرَّ عينى أحبُّ إلىَّ من لُبْسِ الشفوفِ وكلب ينبح الأضياف دونى أحبُّ إلى من هزِّ الدفوفِ وتُوفيت ميسون سنة (80 هـ = 699 م).

*موسى بن أبى العافية

*موسى بن أبى العافية هو موسى بن أبى العافية بن أبى بسال بن أبى الضحاك المكناسى مؤسس الإمارة المكناسية بمراكش. كان يمتاز بالشجاعة والدهاء، وقد استولى على فاس والمغرب وقام بطرد الأدارسة فأخرجهم من ديارهم وأجلاهم عن بلادهم، وصار فى ملكه سنة (317 هـ = 929 م) من أحواز تيهرت إلى السوس الأقصى. وكان موسى بن أبى العافية يدعو لعبد الرحمن الناصر الأموى، فعلم عبيد الله المهدى الفاطمى فسيَّر إليه جيشًا يقاتله، فظلت الحرب سجالاً إلى أن قُتل موسى بن أبى العافية فى صحارى قلوية وكان ذلك سنة (341 هـ = 952 م).

*موسى بن شاكر

*موسى بن شاكر موسى بن شاكر. فلكى: والد المهندسين الثلاثة المعروفين ببنى موسى، وهم: محمد بن موسى، وأحمد بن موسى، والحسن بن موسى، وكانوا جميعًا متقدمين فى الرياضيات وهيئة الأفلاك. كان فى شبابه من قُطَّاع الطرق، وتاب فدخل فى خدمة المأمون، وتعلم التنجيم وهيئة الأفلاك. ثم مات وأبناؤه صغار، فأُلحِقوا ببيت الحكمة للتعلم، ونبغوا، ولهم كتب فى علوم الأوائل، جمعوها من بلدانها واستقدموا لها المترجمين من كل الأصقاع. يُنسب إليه كتاب الدرجات فى طبائع الكواكب السبعة.

*أرسطو

*أرسطو أرسطو طاليس أو أرسطاطاليس كما يُعرف فى المصادر العربية، من كبار فلاسفة الإغريق القدماء، واشتهر عند فلاسفة المسلمين بلقب (المعلم الأول). وُلد أرسطو فى عام (384 ق. م) فى بلدة أسطاغيرا المطلة على بحر إيجة، وكان أبوه طبيبًا لملك مقدونيا فنشأ أرسطو فى بيت الملك مهذب الخلق دقيق الفكر، وبعد وفاة والده رحل إلى الريف ثم أقام فى أثينا بعد سنة (367 ق. م) واستمع إلى البلغاء والخطباء وأعجب بهم وبقدرتهم على صناعة الكلام، ثم التحق بمدرسة أفلاطون وتتلمذ على يديه فكان أفضل تلاميذه. وفى أخريات حياته أسس مدرسة أثينا التى سميت بالمدرسة المشائية. وكان لأرسطو أثر فى تنشئة الأمير المقدونى الإسكندر الأكبر، ومن أفكاره أنه يقسم العلم إلى المنطق، والنظر، والعمل، والشعر، ونادى بالمدينة الفاضلة، وقسم العلل إلى العلة المادية، والعلة الصورية، والعلة الفاعلية، والعلة الغائية. وقد ترك أرسطو نحوًا من (25) كتابًا جمعها تلميذه ثيوفراست، وكانت هذه الكتب مرجعًا لعلماء اليونان والرومان، ومن هذه الكتب: 1 - كتاب الأورجانون أو المنطق. 2 - كتاب الطبيعة ووظائف الأعضاء. 3 - كتاب التاريخ الطبيعى. 4 - كتاب ما وراء الطبيعة. 5 - كتاب الرياضيات. وتُوفى أرسطو عام (222 ق. م).

*الإدريسى

*الإدريسى هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس بن يحيى الحمورى الملقب بالشريف الإدريسى، عمدة الجغرافيين المسلمين فى القرن (6هـ =12م). وُلد بمدينة سبتة بالمغرب الأقصى سنة (493 هـ =1099م) لأب ينتهى نسبه إلى الحسن بن على بن أبى طالب، وجده الحادى عشر تلقى الإدريسى علوم الجغرافيا والهندسة والفلك والنبات وغيرها فى مسقط رأسه سبتة، ولم يكتفِ بالدرس والمطالعة، بل كان يطوف فى الأرض وهو فى السادسة عشرة، وكان لرحلاته أثر كبير فى تنمية الجغرافية. ومن أهم أعماله رسم خريطة للكرة الأرضية على كرة من الفضة أهداها إلى الملك روجر الثانى ملك صقلية، كما ألف كتبًا، منها: نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق، وروض الأنس ونزهة النفس أو المسالك والممالك، وروض الفرج ونزهة المهج، والجامع لصفات أشتات النبات فى علم النبات، كما استطاع أن يقدر محيط الأرض. وتوفى الإدريسى سنة (560 هـ = 1164 م) وقيل: سنة (569 هـ = 1173 م).

*الزمخشرى

*الزمخشرى هو محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمى الزمخشرى جار الله أبو القاسم، من أئمة النحو واللغة والأدب والتفسير، وُلِد فى سنة (467 هـ = 1075 م) فى زمخشر (إحدى قرى خوارزم) فى أزهى عصور العلوم والآداب، وكان إمام عصره، تُشد إليه الرحال فى فنونه، وقد سافر إلى بلاد كثيرة منها مكة، وعاش بها زمنًا، وما دخل بلدًا إلا واجتمع عليه الناس وأفادوا منه، وكان الزمخشرى معتزلى المذهب مجاهرًا به شديد الإنكار على المتصوفة، ومن شيوخه: أبو مضر محمود بن جرير الضبى الأصفهانى، وأبو منصور نصر الحارثى، وأبو سعد الشقانى، وأبو على الحسن بن المظفر النيسابورى، وغيرهم، ومن تلاميذه: أبو عمرو عامر بن الحسن السمار، وأبو المحاسن عبد الرحيم بن عبد الله البزار، وأبو سعد أحمد بن محمود الشانى، وغيرهم، وكان الزمخشرى مقطوع الرجل قد صنعت له رجل من خشب يستعين بها فى المشى. وقد ألف الزمخشرى كثيرًا من المؤلفات، من أشهرها: الكشاف فى تفسير القرآن، والمفصل والأنموذج فى النحو، والمستقصى فى الأمثال، وأساس البلاغة فى اللغة. وتوفى الزمخشرى سنة (538 هـ = 1144 م).

*ابن أبى مهاجر

*ابن أبى مهاجر هو إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر، أبو عبد الحميد، الدمشقى، مولى بنى مخزوم: تابعى، من العلماء الثقات، ومفقِّه أولاد الخليفة عبد الملك بن مروان، يضرب به وبعمر بن عبد العزيز المثل فى الزهد. حدَّث عن السائب بن يزيد، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وغيرهم. روى عنه الأوزاعى، وسعيد بن عبد العزيز، وغيرهما، وثَّقه أحمد العجلى وغيره، ولاَّه عمر بن عبد العزيز المغرب فأقام بها سنتين، فأسلم عامة البربر فى ولايته. مات ابن أبى المهاجر فى سنة اثنتين وثلاثين ومائة، قبل دخول بنى العباس دمشق بثلاثة أشهر.

*محمد رشيد رضا

*محمد رشيد رضا هو محمد رشيد بن على رضا بن محمد شمس الدين. أحد رجال الإصلاح فى العصر الحديث. وُلد سنة (1282 هـ = 1865 م) فى القلمون، من أعمال طرابلس، وبها نشأ وتعلم. رحل إلى مصر سنة (1315 هـ)، فلازم الإمام محمد عبده وتتلمذ على يديه، وقد اتصل به من قبل فى بيروت، واستقر فى مصر. وتعددت رحلات الشيخ رشيد إلى سوريا والهند والحجاز وأوربا، وكان من دعاة الجامعة الإسلامية تحت رعاية الخليفة العثمانى، وعُرف عنه أنه كان لا يلتزم بمذهب من المذاهب الإسلامية المعروفة. وكانت له آراء جرَّت عليه حملات كثيرة. وقد ترك الشيخ رشيد رضا عدداً من الآثار الفكرية، يأتى فى مقدمتها: مجلته المعروفة المنار، وأصدر منها (34) مجلداً، وتفسير القرآن الكريم فى (12) مجلداً، ولم يكمله، والوحى المحمدى، والوهابيون والحجاز. وتُوفَّى الشيخ رشيد بمصر فجأة فى سيارة كان راجعاً بها من السويس إلى القاهرة، سنة (1354 هـ = 1935 م).

*ابن بسام

*ابن بسام هو أبو الحسن على بن بسام الشنترينى. أحد أعلام الأندلس فى الأدب فى القرنين الخامس والسادس الهجريين. وُلِد بمدينة شنترين، على بعد نحو سبعين كيلو متراً من الشمال الشرقى لمدينة لشبونة، ومن المرجح أن يكون مولده بين سنتى (450،و 460 هـ = 1058،و 1068 م)، ونشأ فى أسرة ثرية أغنته عن التكسب. وبعد سقوط شنترين فى أيدى المرابطين سنة (485 هـ = 1092 م) تعددت رحلات ابن بسام حتى استقر فى إشبيلية، وفى هذه الفترة جمع أشعار الوزير ابن عمار فى كتاب سماه نخبة الاختيار فى أشعار ذى الوزارتين أبى بكر بن عمار، وجمع رسائل محمد بن إسحاق بن طاهر فى كتاب سماه سلك الجواهر فى ترسيل ابن طاهر. ويُعد كتابه الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة من أعظم كتب الأدب فى الأندلس؛ إذ تبدو فيه ثقافة المؤلف الواسعة ورؤيته النقدية الفاحصة. وتُوفِّى ابن بسام سنة (542 هـ = 1147 م).

*سعد بن أبى وقاص

*سعد بن أبى وقاص هو سعد بن مالك بن أهيب. أحد كبار الصحابة، ومن العشرة المبشرين بالجنة. أسلم مبكراً، وهو فى التاسعة عشرة من عمره، وكان سابع سبعة دخلوا فى الإسلام. شهد سعد بن أبى وقاص المشاهد كلها مع رسول الله، وكان أول من رمى بسهم فى سبيل الله، كما كان مستجاب الدعوة. أمَّره عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على حرب العراق؛ فقاد جيوش المسلمين فى معركة القادسية، وحقق فيها نصرًا مؤزرًا فتح الطريق أمام الفتوحات الإسلامية جهة الشرق، فسقطت المدائن عاصمة الفرس فى يده، وكان ذلك إيذاناً بانتهاء الإمبراطورية الفارسية. وقد أسس سعد مدينة الكوفة سنة (18 هـ)، وأصبحت عاصمة للعراق، ومقرًّا لسعد حتى سنة (21 هـ)؛ حيث عزله عمر بن الخطاب، ثم مال سعد إلى حياة العزلة والاعتكاف؛ فرفض الترشيح للخلافة بعد مقتل عمر؛ إذ كان أحد ستة رشحهم عمر لتولى الخلافة، كما لزم سعد بيته فى أثناء الفتنة الكبرى وبعدها، وظل فى عزلته حتى تُوفِّى سنة (55 هـ = 675 م).

*سعيد بن زيد

*سعيد بن زيد هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. أحد كبار الصحابة، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم عمر بن الخطاب، وزوج أخته فاطمة، رضى الله عنهم جميعاً. أسلم قبل عمر بن الخطاب هو وامرأته فاطمة التى كانت سبباً فى إسلام أخيها عمر، وكان من المهاجرين الأولين، وآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أُبَىَ بن كعب. وشهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بدراً؛ لأن الرسول بعثه مع طلحة بن عبيد الله إلى طريق الشام يتحسسان أخبار قافلة أبى سفيان، ثم رجعا إلى المدينة يوم وقعة بدر، فضرب لهما رسول الله (بسهمهما وأجرهما، كما شهد سعيد معركة اليرموك وحصار دمشق. وتُوفِّى سنة (50هـ)، وقيل: سنة (51هـ)، بالعقيق من نواحى المدينة.

*ياقوت الحموى

*ياقوت الحموى هو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموى. أحد كبار المؤرخين والجغرافيين فى القرن السابع الهجرى. وُلِد سنة (574هـ = 1178م)، وأُخِذ أسيرًا من بلاد الروم وبيع فى بغداد لتاجر يُدعَى عسكر الحموى؛ فنسب إليه ياقوت، فأرسله إلى من يعلمه لينتفع به فى أعماله التجارية. وبعد فترة انفصل ياقوت عن سيده، واكتسب عيشه من نسخ الكتب، فأفاد علمًا ومالاً. وتعددت أسفار ياقوت الحموى حتى استقر به المقام فى خوارزم، ثم تركها سنة (616هـ = 1219م) حين أغار عليها جنكيز خان، واتجه إلى الموصل ثم إلى حلب. وقد ألف ياقوت عدة كتب نالت شهرة واسعة ورواجاً بين أهل العلم، يأتى فى مقدمتها: معجم الأدباء، ومعجم البلدان، والمشترك وضعاً والمفترق صقعاً. وتُوفِّى ياقوت الحموى بظاهر حلب سنة (626هـ = 1229م).

*سليمان الحلبى

*سليمان الحلبى هو سليمان بن محمد أمين. وطنى من حلب، ارتبط اسمه بقتل الجنرال الفرنسى كليبر قائد الحملة الفرنسية بعد نابليون. وُلِد بحلب سنة (1191هـ = 1777م)، ورحل إلى القاهرة؛ حيث درس بالأزهر لمدة ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى مسقط رأسه. وفى أثناء محاولة الدولة العثمانية استعادة مصر من قبضة الحملة الفرنسية عن طريق الشام وفلسطين، اتصل سليمان - وكان وقتها بغزة - ببعض القادة العثمانيين، وعاهدهم على اغتيال كليبر، فقصد القاهرة وأخذ يتعقب كليبر حتى ظفر به وطعنه عدة طعنات مات على أثرها، وحوكم سليمان ونفذ فيه حكم الإعدام فى (17 من يونيو 1800م) بتل العقارب، وأعدم معه ثلاثة من علماء الأزهر لم يفشوا سر سليمان، وهم: عبد الله الغزى ومحمد الغزى وأحمد الوالى.

*التونسى

*التونسى هو محمد بن عمر بن سليمان التونسى. أحد مؤرخى القرن الثالث عشر الهجرى. وُلِد فى تونس سنة (1204هـ = 1789م)، لأبٍ تونسى وأم مصرية، ونشأ فى مصر، وتلقى تعليمه فى الجامع الأزهر، ثم رحل إلى دافور بالسودان؛ حيث التقى بأبيه، وأقام معه نحو سبع سنوات، ألمَّ خلالها بأحوال البلاد السياسية والاجتماعية، ثم رحل إلى تونس، ثم عاد مرة أخرى إلى القاهرة، والتحق بالجيش المصرى واعظاً، وسافر مع الفرقة المصرية التى اشتركت فى حرب المورة سنة (1827م)، ثم اشتغل بتنقيح الترجمة العربية لكتب الطب التى كانت تدرس فى كلية الطب البيطرى بأبى زعبل، بعد أن عُيِّن فيها كبيراً للمراجعين. وترك التونسى عدداً من المؤلفات، منها: الشذور الذهبية فى المصطلحات الطبية، والدر اللامع فى النبات وما فيه من الخواص والمنافع، وروضة النجاح الكبرى فى العمليات الجراحية الصغرى، وتشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان. وفى أخريات حياته كان يلقى دروساً فى الحديث بمسجد السيدة زينب، حتى تُوفِّى بالقاهرة سنة (1274هـ = 1857م).

*سلمان الفارسى

*سلمان الفارسى صحابى جليل من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُعرَف بسلمان الخير، ولما سئل عن نسبه قال: أنا سلمان بن الإسلام. أصله من فارس، وكان مجوسيًّا. وقصة إسلامه تتلخص فى محاولته البحث عن الحقيقة فقد أعجبه دين النصارى لكن أباه قيده ومنعه من الاتصال بهم، ثم استطاع فك قيده وأن يذهب إلى الشام لهذا الغرض، وهناك أخبره رجل فى عمورية أن هذا زمن ظهور خاتم الأنبياء؛ فرحل إلى بلاد العرب مع ركب منهم لكنهم باعوه لرجل يهودى من بنى قريظة. وعندما هاجر النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة جلس سلمان بين يديه وبكى عندما رأى خاتم النبوة بين منكبيه (، وقص قصته وأسلم، وآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبى الدرداء. وكان أول مشاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى غزوة الأحزاب، وهو الذى أشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق، ولم يتخلف بعدها عن مشهد من مشاهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وتُوفِّى فى آخر خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه.

*الزيلعى

*الزيلعى هو أبو محمد عثمان بن على بن محجن. أحد أئمة الفقه الحنفى فى القرن الثامن الهجرى وهو من أهل زيلع، وإليها نُسِب. وقدم إلى القاهرة سنة (705هـ = 1305م)، وكان متمكناً من فقه الحنفية؛ فجلس للتدريس والإفتاء. وقد ترك الزيلعى عدداً من المؤلفات، أشهرها: تبيين الحقائق لما فيه تبيين ما أكنز من الدقائق فى فقه الحنفية، وهو شرح لكتاب كنز الدقائق للنسفى، وقد طُبِع الكتاب بمصر سنة (1303هـ = 1885م)، وله أيضاً كتاب بركة الكلام على أحاديث الأحكام، وشرح الجامع الكبير. وتُوفِّى الزيلعى فى القاهرة فى رمضان سنة (743هـ = 1343م)، ودُفِن بقرافة الشافعى إبان سلطنة الناصر محمد.

*الترمذى

*الترمذى هو محمد بن عيسى بن سورة. أحد أئمة الحديث فى القرن الثالث الهجرى. وُلِد فى ترمذ سنة (209 هـ = 824 م)، وجدَّ - منذ صغره - فى طلب الحديث؛ فرحل إلى الحجاز والعراق وخراسان وغيرها يأخذ عن الحفاظ وكبار المحدثين، منهم: الإمام البخارى صاحب الجامع الصحيح، وبلغ من تقدير البخارى لتلميذه الترمذى أن روى عنه حديثاً فى صحيحه. وقد صنف الترمذى عدة كتب، وصل إلينا منها اثنان، هما: الجامع الصحيح المعروف بسنن الترمذى، وهو أحد الكتب الستة المعتمدة فى الحديث النبوى، والشمائل المحمدية. وقد كُفَّ بصر الترمذى فى آخر عمره حتى تُوفِّى سنة (279 هـ = 892 م).

*نابليون بونابرت

*نابليون بونابرت عسكرى عبقرى وإمبراطور فرنسى. وُلِد فى جزيرة كورسيكا الإيطالية سنة (1769 م)، ودرس العلوم العسكرية فى فرنسا، وتخرج ضابطاً فى سلاح المدفعية. برز اسمه عندما تمكن من حماية مدينة طولون فى أثناء الثورة الفرنسية عام (1793 م)، ثم عُيِّن قائداً للجيش الفرنسى فى إيطاليا، فأخذ ينتقل من نصر إلى نصر ضد الجيوش الإيطالية والنمساوية المناوئة، ثم قام بحملة على مصر سنة (1798 م)، وأراد أن يتوسع شرقاً بعد غزو مصر، لكن عكا استعصت عليه، فعاد إلى فرنسا، تاركاً الجيش لقيادة كليبر. وبعودة نابليون إلى فرنسا أصبح زعيمها الأول، وخاض عدة معارك ناجحة ضد روسيا والنمسا، ثم ضد بريطانيا وحلفائها الأوربيين، ثم انفرد بالسلطة ونصَّب نفسه إمبراطوراً سنة (1804 م)، وشرع فى تحقيق حلمه الكبير، وهو توحيد أوربا تحت قيادته، لكن حلمه تبدد أمام حرب العصابات التى واجهها فى إسبانيا والبرتغال، وإخفاقه فى تحقيق نصر حاسم فى روسيا، رغم احتلاله العاصمة موسكو. وكما كسب المعارك خسر الواحدة تلو الأخرى حتى تخلَّى عن العرش، ونُفِى إلى جزيرة ألبا سنة (1814 م)، وبعد مائة يوم عاد إلى فرنسا معتمداً على ولاء ضباط الجيش له، وقام بحملة عسكرية ضد الجيوش المتحالفة ضده حقق فيها انتصارات، لكنه مُنِى بهزيمة منكرة فى واترلو فى أثناء محاصرته الجيش البريطانى، وبعد الهزيمة نُفِى إلى جزيرة هيلانة فى المحيط الأطلسى، وتُوفِّى بها عام (1821 م).

*بونابرت

*بونابرت عسكرى عبقرى وإمبراطور فرنسى. وُلِد فى جزيرة كورسيكا الإيطالية سنة (1769 م)، ودرس العلوم العسكرية فى فرنسا، وتخرج ضابطاً فى سلاح المدفعية. برز اسمه عندما تمكن من حماية مدينة طولون فى أثناء الثورة الفرنسية عام (1793 م)، ثم عُيِّن قائداً للجيش الفرنسى فى إيطاليا، فأخذ ينتقل من نصر إلى نصر ضد الجيوش الإيطالية والنمساوية المناوئة، ثم قام بحملة على مصر سنة (1798 م)، وأراد أن يتوسع شرقاً بعد غزو مصر، لكن عكا استعصت عليه، فعاد إلى فرنسا، تاركاً الجيش لقيادة كليبر. وبعودة نابليون إلى فرنسا أصبح زعيمها الأول، وخاض عدة معارك ناجحة ضد روسيا والنمسا، ثم ضد بريطانيا وحلفائها الأوربيين، ثم انفرد بالسلطة ونصَّب نفسه إمبراطوراً سنة (1804 م)، وشرع فى تحقيق حلمه الكبير، وهو توحيد أوربا تحت قيادته، لكن حلمه تبدد أمام حرب العصابات التى واجهها فى إسبانيا والبرتغال، وإخفاقه فى تحقيق نصر حاسم فى روسيا، رغم احتلاله العاصمة موسكو. وكما كسب المعارك خسر الواحدة تلو الأخرى حتى تخلَّى عن العرش، ونُفِى إلى جزيرة ألبا سنة (1814 م)، وبعد مائة يوم عاد إلى فرنسا معتمداً على ولاء ضباط الجيش له، وقام بحملة عسكرية ضد الجيوش المتحالفة ضده حقق فيها انتصارات، لكنه مُنِى بهزيمة منكرة فى واترلو فى أثناء محاصرته الجيش البريطانى، وبعد الهزيمة نُفِى إلى جزيرة هيلانة فى المحيط الأطلسى، وتُوفِّى بها عام (1821 م).

*يزيد الشيبانى

*يزيد الشيبانى هو أبو خالد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيبانى. أحد القادة المعروفين فى العصر العباسى. مات أبوه وهو صغير، فكفله عمه معن بن زائدة، وقدَّمه على أولاده؛ لفطنته وشجاعته. ولى اليمن وأرمينية وأذربيجان، وعندما ثار الخوارج على الدولة العباسية بقيادة الوليد بن طريف الشيبانى، انتدبه هارون الرشيد لقتاله، فكانت بينهما وقائع انتهت بقتل ابن طريف وهزيمة الخوارج سنة (179 هـ). واشتهر يزيد بالشجاعة والكرم والمروءة؛ فوفد إليه الشعراء يمدحونه راغبين فى عطائه. وتُوفِّى يزيد سنة (191 هـ = 807 م).

*وكيع بن الجراح

*وكيع بن الجراح هو أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح. أحد أئمة الحديث فى القرن الثانى الهجرى. وُلِد بالكوفة سنة (129 هـ = 746 م)، وتلقى علوم الحديث والفقه، حتى أصبح محدث العراق فى عصره. وكان وكيع ثقة ثبتاً ورعاً زاهداً. قال عنه الإمام أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أوعى منه ولا أحفظ، وكيع إمام المسلمين. وقد ألف وكيع عدداً من المصنفات، منها: تفسير القرآن، والسنن، والزهد. وتُوفِّى وهو عائد من الحج سنة (197 هـ = 812 م).

*واصل بن عطاء

*واصل بن عطاء هو أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزَّال، رأس مذهب الاعتزال. ولد بالمدينة سنة (80 هـ)، ونشأ بالبصرة، ولزم دروس الحسن البصرى، فلما قالت الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة، وقالت الجماعة بأن مرتكب الكبائر مؤمن غير كافر، وإن كان فاسقًا، خرج واصل عن الفرقتين، وقال: إن الفاسق ليس بمؤمن وليس بكافر، واعتزل مجلس الحسن، وتبعته جماعة فعُرِفوا بالمعتزلة. كان واصل من كبار البلغاء والمتكلمين، وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينًا فتجنب الراء فى خطابه، وضُرب به المثل فى ذلك. وقد ألَّف واصل بن عطاء عدَّة كتب، منها: أصناف المرجئة، والمنزلة بين المنزلتين، ومعانى القرآن، والسبيل إلى معرفة الحق. وتُوفىِّ واصل بن عطاء سنة (131 هـ).

*حاجى خليفة

*حاجى خليفة هو مصطفى بن عبد الله المعروف بحاجى خليفة، مؤرِّخ تركىّ. ولد بإستانبول سنة (1017 هـ = 1608 م)، وحفظ القرآن، ودرس العربية والفقه والحساب، وعُنِى عناية خاصة بالتاريخ والجغرافيا. صحبه والده فى أسفاره، حيث كان يعمل فى خدمة الجيش العثمانى، فزار عددًا من البلاد، ثم استقر فى إستانبول منذ سنة (1055 هـ = 1645 م)، وانصرف إلى التدريس والتأليف، ومعظم مؤلفاته باللغة العربية. ويعد كتابه كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون أشهر مؤلفاته، وهو يشتمل على زهاء (15) ألفًا من أسماء الكتب العربية والتركية والفارسية. وله أيضًا: تقويم التواريخ، وسلم الوصول إلى طبقات الفحول، وتحفة الكبار فى أسفار البحار. وتُوفىِّ حاجى خليفة باستانبول سنة (1067 هـ = 1656 م).

*الحسن البصرى

*الحسن البصرى هو الحسن بن يسار البصرى أحد كبار التابعين. وُلِد سنة (21 هـ = 642 م) فى المدينة لأبوين من الموالى، فقد كان أبوه فارسيًّا، أُسِر فى ميسان بالعراق، وجئ به إلى المدينة، وأصبح مولى لزيد بن ثابت، رضى الله عنه. وكانت أمه مولاة لأم المؤمنين أم سلمة، رضى الله عنها. شب الحسن بالمدينة، ثم رحل إلى البصرة سنة (38 هـ)، واشترك فى الفتوحات التى وقعت فى شرقى إيران. وتولى منصب الكاتب فى ولاية خراسان إبان خلافة معاوية بن أبى سفيان. تتلمذ الحسن البصرى على مجموعة من كبار علماء البصرة، ولما نهل من العلم جلس للتدريس، وتخرج على يديه كثير من العلماء فى مختلف فروع المعرفة الإسلامية. يدل على ذلك تصدر اسمه كتب الطبقات التى ترجمت لأعلام المسلمين، فيتصدر اسمه أسماء العلماء الذين بدأت بهم مدرسة السيرة والتاريخ ومذاهب علم الكلام، وأئمة الزهد والوعظ، وأساطين الفصاحة والبلاغة، ورجال الفقه والتفسير، وغيرهم. وتوفى الحسن البصرى سنة (110 هـ = 728 م).

*محمد بن على السنوسى

*محمد بن على السنوسى زعيم السنوسيين، وواحد من كبار المصلحين فى العالم الإسلامى فى العصر الحديث. ولد بمقاطعة وهران بالجزائر سنة (1202 هـ = 1798 م)، ورحل إلى فاس سنة (1812 م)، والتحق بالقرويين، وبعد تخرجه فيها عُيِّن مدرسًا بالجامع الكبير بفاس. ترك السنوسى عددًا من المؤلفات بلغ نحو (40) كتاباً، منها: إيقاظ الوسنان فى العمل بالحديث والقرآن، وشفاء الصدور، والتحفة فى أوائل الكتبة، والدرر السنية فى أخبار السلالة الإدريسية. وتوفى السنوسى سنة (1859 م) فى جغبوب بليبيا.

*عمرو بن مسعدة

*عمرو بن مسعدة هو عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول، وزير الخليفة المأمون، وواحد من الكتاب البلغاء فى العصر العباسى، وابن عم الشاعر الناثر المعروف إبراهيم بن العباس الصولى. اشتهر عمرو بالفصاحة وقوة البيان، فاتصل بالمأمون وعلت مكانته عنده لعلمه وأدبه، فكان يكتب له رسائله وكتبه. وتميزت كتابات عمرو بن مسعدة بالإيجاز وإختيار الجزل من الألفاظ، وتضم كتب الأدب كثيرًا من رسائله وتوقيعاته. وتوفى عمرو بن مسعدة فى أذنة (أطنه) بتركيا سنة (217 هـ = 832 م).

*عمير بن أبى وقاص

*عمير بن أبى وقاص صحابى جليل وأخو سعد بن أبى وقاص. وُلِد قبل الهجرة بأربعة عشر عامًا وهاجر إلى المدينة مع من هاجر، وشهد بدرًا، وكان يتوارى من النبى - صلى الله عليه وسلم - مخافة ألا يسمح له بحضورها، فلما بكى أجازه النبى، وكان سيفه طويلاً، فعقد عليه حمائل سيفه. استشهد ببدر سنة (2 هـ)، وعمره (16) سنة، قتله عمر بن عبدودّ.

*ابن فضل الله العمرى

*ابن فضل الله العمرى هو أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلى، مؤرخ وأديب وجغرافى، ولد فى دمشق سنة (700 = 1301 م)، وبها نشأ وتعلم على يد عدد من علمائها أمثال الشيخ كمال الدين بن قاضى شهبة، وشمس الدين بن مسلم، وتقى الدين بن تيمية، وظل مقيمًا فى دمشق إلى أن وقع الطاعون بها، فخرج للحج فأصابته الحمى فى الطريق، فمات فى يوم عرفة سنة (749 هـ = 1349 م). وقد ترك ابن فضل الله عدداً من المؤلفات، أهمها: مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار، وهو اشهر كتبه، ومختصر قلائد العقيان، وممالك عباد الصليب، وصبابة المشتاق فى المدائح النبوية، وفواصل السمر فى فضائل آل عمر.

*الفضل بن يحيى

*الفضل بن يحيى هو أبو العباس الفضل بن يحيى بن خالد البرمكى من كبار رجال الدولة فى العصر العباسى. عهد إليه الرشيد بالوزارة لفترة قصيرة، ثم جعله واليًا على القسم الشرقى من الخلافة سنة (178 هـ)، فأقام بخراسان وحسنت سيرته بين الناس، وقام بإصلاحات عديدة، وقرب إليه العلماء والأدباء والشعراء. وظل الفضل واليًا على المشرق حتى سنة (187 هـ)، وهى السنة التى نكبت فيها البرامكة، فقبض عليه، وأودع السجن، وظل فيه حتى توفى سنة (193 هـ = 808 م).

*القاسم بن محمد بن أبى بكر

*القاسم بن محمد بن أبى بكر هو أبو محمد القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق، من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة المعروفين. روى عن كثير من الصحابة، وروى عنه كثير من التابعين وتابعيهم. توفى سنة (107 هـ = 725 م) وقيل غير ذلك، عن عمر يناهز السبعين عامًا بعد أن كُفَّ بصرُه، ودفن بقديد (مكان بين مكة والمدينة).

*زهير بن أبى سلمى

*زهير بن أبى سلمى هو زهير بن أبى سُلْمى ربيعة بن رياح المزنى، أحد فحول شعراء الجاهليةالأربعة، وهم: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى، ومن أصحاب المعلقات. وآل أبى سلمى نشأوا فى غطفان أحلافًا لهم، وإن كان نسبهم فى مزينة وتخرج زهير فى الشعر على بشامة بن الغدير الشاعر، خال أبيه، وعلى زوج أمه أوس بن حجر شاعر مضر فى زمانه، ففاقهما فى الشعر، وله ديوان شعر، الكثير منه فى مدح هَرِم بن سنان الذبيانى المرّى، ومن ذلك معلقته الشهيرة التى مدحه بها لحسن سعيه هو والحارث بن عوف فى الصلح بين عبس وذبيان فى حرب داحس والغبراء بتحمُّلهما ديات القتلى. وتوفى زهير قبل البعثة النبوية بعام.

*القعقاع بن عمرو

*القعقاع بن عمرو هو القعقاع بن عمرو التميمى صحابى جليل، وأحد فرسان المسلمين وشعرائهم، شهد فتح دمشق، وأكثر فتوح العراق. له بلاء حسن فى قتال الفرس بالقادسية، وله فى ذلك أشعار مشهورة. وشهد مع على - رضى الله عنه - معركتى الجمل وصفّين، وكان أبو بكر الصديق يقول عنه: صوت القعقاع فى الجيش خير من ألف رجل. وتُوفىِّ القعقاع نحو سنة (40 هـ = 660 م).

*أحمد درانى

*أحمد درانى هو أحمد شاه بن محمد زمان خان السدوزائى، مؤسس أسرة درانى التى حكمت أفغانستان (1747 - 1834 م)، ويعرف بالإبدالى نسبة إلى قبيلة الإبدال بأفغانستان. وُلِد أحمد درانى سنة (1724 م)، وكان أبوه أميراً على أفغانستان فلما تُوفِّى قبض حسين شاه حاكم قندهار على أحمد وأخيه ذى الفقار، وعندما غزا نادر شاه - ملك فارس - بلاد الهند أطلق سراح أحمد، وجعله تابعًا شخصيًّا له ثم عينه قائدًا لكتيبته، وفى سنة (1747 م) قُتل نادر شاه فانتخب الجنود الأفغان أحمد زعيمًا لهم وسموه بدر درانى، أى: درة الدرر وكان عمره وقتئذٍ (23) عامًا. نجح أحمد درانى فى تأسيس الدولة الأفغانية واتخذ قندهار عاصمة لها، وبعد أن أرسى قواعد حكومته انحدر إلى سهول البنجاب، وقاد حروبًا كثيرة فى الهند كان يهدف من ورائها إلى دفع خطر الجماعات التى كانت تكيد للدولة الإسلامية بالهند، وعلى رأسها المراهتا والسيخ. كما قام أحمد درانى بسبع غزوات فى الهند ونجح فى تأمين حكم الدولة الإسلامية بها وقضى على ثورات المراهتا والسيخ. وقد قام بجانب أعماله الحربية العديدة ببعض الأعمال العمرانية المهمة، مثل استكمال بناء مدينة قندهار الذى بدأه نادر شاه. وتوفِّى أحمد درانى سنة (1773 م).

*آمنة بنت وهب

*آمنة بنت وهب هى آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم النبى محمد (. وُلدت بمكة المكرمة فى بيت عُرف بالشرف وعراقة النسب، حيث كان أبوها سيد قومه وزعيم عشيرته. كانت آمنة تمتاز بشدة الذكاء وحسن البيان، وقد خطبها عبد المطلب جدُّ النبى - صلى الله عليه وسلم - لابنه عبد الله، وبعد أيام من زواج عبد الله خرج فى تجارة أبيه إلى بلاد الشام، وفى طريق عودته مات بيثرب ودفن عند أخواله من بنى النجار، وكانت آمنة حينئذٍ حاملاً فى النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم تجد فى حملها ووضعها ما تجده النساء من مشقة وتعب. وقد رأت آمنة فى منامها قبل مولد النبى - صلى الله عليه وسلم - أن نورًا خرج منها فأضاء قصور الشام، فقد ورد فى حديث النبى - صلى الله عليه وسلم -: ... ورأت أمى أنه خرج منها نور أضاء قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله وسلامه عليهم. [مسند أحمد: 4/ 128]. ووضعت السيدة آمنة مولودها يتيماً فى يوم الاثنين (12من ربيع الأول 50 ق. هـ = 570 م)، ثم أعطته لمرضعة من بنى سعد وهى السيدة حليمة السعدية فأرضعته. ولما انتهت فترة الرضاعة عاد إلى أمه وعاش معها فى كفالة جده عبد المطلب. وفى إحدى زيارات آمنة لقبر زوجها أخذت معها النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأقامت هناك شهرًا، وأثناء العودة مرضت وماتت فى الطريق بين مكة ويثرب فى سنة (45 ق. هـ = 575 م) ودُفنت بمكان يسمَّى الأبواء.

*الآمر بأحكام الله

*الآمر بأحكام الله هو أبو على المنصور بن أحمد المستعلى بالله عاشر خلفاء الدولة الفاطمية الشيعية. وُلِد فى (13 من المحرم سنة 490 هـ)، وبُويع بالخلافة بعد موت أبيه المستعلى فى (9 من صفر سنة 495 هـ) ولم يتجاوز السادسة من عمره، فكان أصغر مَنَ أُطلق عليه لقب خليفة. ولصغر سنه قام بتدبير شئون الدولة الوزير الأفضل الجمالى حتى كبر الآمر بأحكام الله فتولَّى تدبير شئون الدولة. وكان الآمر محبًّا للعلم، فاهتم بدار الحكمة، وازدهرت حركة الفنون والعمارة فى عهده. ومن أهم أعماله المعمارية: بناء جامع الأقمر، الذى تُعَدُّ مئذنته من أروع مآذن مصر، وعلى الرغم من هذه الجوانب الإيجابية فى حياته إلا أنه كان سيىء السيرة، وشهدت البلاد فى عهده بعض الاضطرابات الداخلية، إلى جانب سقوط بعض بلاد الشام فى أيدى الصليبيين، مثل: عكا وبيروت وصور وطرابلس وصيدا. ومات الآمر مقتولاً سنة (524 هـ).

*ابن الأبار

*ابن الأبار هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبى بكر القضاعى الأندلسى، وُلِد سنة (595 هـ = 1198 م). كان ابن الأبَّار محدثًا بارعًا حافظًا، سمع على العديد من علماء عصره، وروى عنه الكثير من العلماء والمحدِّثين، وكان أديبًا بليغًا، له اليد الطولى فى البلاغة والإنشاء. ومن أهم مؤلفاته: 1 - كتاب: تحفة القادم. 2 - كتاب: الأربعون. 3 - كتاب: الحلة السيراء فى أشعار الأمراء. 4 - كتاب: إيماض البرق. 5 - كتاب: تكملة الصلة، تكملة لكتاب الصلة الذى ألفه ابن بشكوال. 6 - كتاب: أعتاب الكتاب. 7 - كتاب درر السِّمط فى خبر السِّبط عليه السلام. وُتوفِّى ابن الأبار فى (20 من المحرم سنة 658 هـ) فى تونس.

*أبان بن سعيد بن العاص

*أبان بن سعيد بن العاص هو أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى، أسلم بين الحديبية سنة (6 هـ = 627 م) وخيبر سنة (7 هـ = 628 م)، واستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البحرين سنة (9 هـ = 630 م). وقيل: إنه أجار عثمان بن عفان - رضى الله عنه - لما أرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية إلى مكة. واستشهد أبان يوم أجنادين سنة (12 هـ = 633 م)، وقيل فى اليرموك سنة (15 هـ = 636 م)، وقيل فى يوم مرج الصَّفر سنة (14 هـ = 635 م).

*أبان بن عبد الحميد اللاحقى

*أبان بن عبد الحميد اللاحقى هو أبان بن عبد الحميد بن لاحق بن عُفْر، مولى بنى رقاش، شاعر مطبوع، جيد النظم والحفظ، وكان حسن السيرة، حافظًا للقرآن الكريم، عالمًا بالفقه، اتصل بالبرامكة، ومدحهم، ونظم كتاب كليلة ودمنة شعرًا؛ فحسن موقعه عندهم، وأصبح مسئولاً عن ديوان الشعر. وله ترجمات شعرية من الفارسية مثل: سيرة أردشير، وسيرة أنوشروان، وتُوفِّى أبان سنة (200 هـ = 815 م).

*إبراهيم الإمام

*إبراهيم الإمام هو إبراهيم بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، كنيته أبو إسحاق، يُعدُّ أول قائد للدعوة العباسية قبل إقامة دولتها، وهو أخو أبى العباس السفاح. وُلِد إبراهيم سنة (82 هـ = 701 م)، وسكن الحميمة بالقرب من البحر الميت، وبعد موت أبيه سنة (125 هـ = 742 م) حمل إبراهيم مسؤولية الدعوة العباسية، وكان أبوه قد أوصى له بالإمامة من بعده، وكان أتباعه يطلقون عليه الرضى من آل محمد إمعانًا فى التخفى. واشتهر إبراهيم بفصاحة اللسان ورجاحة العقل، ورواية الحديث والأدب، والجود والكرم. أرسل إبراهيم أبا مسلم الخراسانى سنة (128هـ = 745 م) إلى خراسان فاستطاع أن يستولى عليها ويخضعها للدعوة العباسية، وأدى سقوط خراسان إلى انكشاف أمر إبراهيم؛ فقُبِض عليه وسجن فى حرَّان بالعراق، وتُوفِّى إبراهيم سنة (131 هـ = 748 م)؛ بسبب الطاعون، وقيل: تُوفِّى مسمومًا، وكانت البيعة من بعده لأخيه أبى العباس السفاح بناءً على وصيته.

*إبراهيم باشا

*إبراهيم باشا هو إبراهيم بن محمد على، والى مصر من قِبَل الدولة العثمانية. وُلِد فى مدينة قولة (اليونان حاليًّا). ولاَّه أبوه منصب الدفتردار سنة (1222 هـ)، فقام بعمل مسح كامل لأطيان القطر المصرى، وبمطاردة فلول المماليك حتى أخرجهم من القطر المصرى كله فى أعقاب مذبحة القلعة سنة (1226 هـ)، كما قاد الحملة التى وُجِّهَتْ للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الحجاز، وتمكَّن من أن يُحكم الحصار على الدرعيّة عاصمة الوهابيين؛ مما جعل عبد الله بن سعود - قائد جيش الوهابيين - يجنح إلى الصلح والتسليم. وأرسله محمد على سنة (1237 هـ) لفتح السودان، إلا أن إبراهيم مرض فى الطريق، فعاد إلى القاهرة. كما أسند إليه محمد على مهمة القضاء على تمرد اليونان التى كانت فى ذلك الوقت جزءًا من دولة الخلافة، فتحرك إبراهيم سنة (1240 هـ = 1824 م)، واستطاعت جيوشه أن تحرز عديدًا من الانتصارات على اليونانيين فى نقارين. وكذلك بعثه محمد على على رأس حملة كبيرة مكونة من ثلاثين ألف جندى لضم الشام، فاستطاع أن يستولى على غزة ويافا وصيدا وبيروت وعكا والقدس، وواصل إبراهيم باشا زحفه حتى وصل إلى مدينة بيلان، واستطاع أن يهزم الجيش العثمانى، وأصبح الطريق مفتوحًا أمامه إلى بلاد الأناضول فمضى تجاهها تستسلم له المدينة تلو الأخرى، وأصبح على مقربة (17) ميلاً من الآستانة، إلا أن أوربا تدخلت وقصرت حكم محمد على على مصر وحدها. ونظراً إلى حالة محمد على الصحية المتدهورة، تولى إبراهيم باشا ولاية مصر نيابة عنه، وكان هذا لمدة سبعة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، عُنِىَ فيها بتحصين ثغور البلاد وتحديث قوتها الحربية، وتُوفِّى فى نوفمبر سنة (1265 هـ)، وله من العمر ستون عامًا.

*إبراهيم بن محمد على

*إبراهيم بن محمد على هو إبراهيم بن محمد على، والى مصر من قِبَل الدولة العثمانية. وُلِد فى مدينة قولة (اليونان حاليًّا). ولاَّه أبوه منصب الدفتردار سنة (1222 هـ)، فقام بعمل مسح كامل لأطيان القطر المصرى، وبمطاردة فلول المماليك حتى أخرجهم من القطر المصرى كله فى أعقاب مذبحة القلعة سنة (1226 هـ)، كما قاد الحملة التى وُجِّهَتْ للقضاء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الحجاز، وتمكَّن من أن يُحكم الحصار على الدرعيّة عاصمة الوهابيين؛ مما جعل عبد الله بن سعود - قائد جيش الوهابيين - يجنح إلى الصلح والتسليم. وأرسله محمد على سنة (1237 هـ) لفتح السودان، إلا أن إبراهيم مرض فى الطريق، فعاد إلى القاهرة. كما أسند إليه محمد على مهمة القضاء على تمرد اليونان التى كانت فى ذلك الوقت جزءًا من دولة الخلافة، فتحرك إبراهيم سنة (1240 هـ = 1824 م)، واستطاعت جيوشه أن تحرز عديدًا من الانتصارات على اليونانيين فى نقارين. وكذلك بعثه محمد على على رأس حملة كبيرة مكونة من ثلاثين ألف جندى لضم الشام، فاستطاع أن يستولى على غزة ويافا وصيدا وبيروت وعكا والقدس، وواصل إبراهيم باشا زحفه حتى وصل إلى مدينة بيلان، واستطاع أن يهزم الجيش العثمانى، وأصبح الطريق مفتوحًا أمامه إلى بلاد الأناضول فمضى تجاهها تستسلم له المدينة تلو الأخرى، وأصبح على مقربة (17) ميلاً من الآستانة، إلا أن أوربا تدخلت وقصرت حكم محمد على على مصر وحدها. ونظراً إلى حالة محمد على الصحية المتدهورة، تولى إبراهيم باشا ولاية مصر نيابة عنه، وكان هذا لمدة سبعة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، عُنِىَ فيها بتحصين ثغور البلاد وتحديث قوتها الحربية، وتُوفِّى فى نوفمبر سنة (1265 هـ)، وله من العمر ستون عامًا.

*إبراهيم بن تاشفين

*إبراهيم بن تاشفين هو إبراهيم بن تاشفين بن على بن يوسف الحميرى، آخر ملوك دولة المرابطين بمراكش، بُويع بالخلافة سنة (539 هـ)، وتولَّى الحكم فى ظل الاضطرابات التى سادت الدولة بسبب الانقسامات الداخلية، وزحف عبد المؤمن ابن على - زعيم الموحدين - على مراكش وحاصرها لعدة أشهر، ثم دخلها ففر إبراهيم بن تاشفين إلى إحدى القلاع الحصينة، لكن قُبِض عليه - وكان عمره لم يتجاوز السادسة عشرة - واقتيد إلى عبد المؤمن بن على، الذى أشفق عليه لصغر سنه، وكان يرغب فى العفو عنه إلا أن أبا الحسن بن واجاج - أحد كبار رجال عبد المؤمن - قتله.

*إبراهيم (الخليل) عليه السلام

*إبراهيم (الخليل) عليه السلام هو أبو الأنبياء، خليل الرحمن، ينتهى نسبه إلى سام بن نوح - عليه السلام - وُلِد فى مدينة أُوْر ببابل (العراق حاليًّا). كان عليه السلام - حنيفيًا مسلمًا، موحدًا لله، قانتاً شاكرًا، حليمًا أواهًا وفيًّا صادقًا، بدأ دعوته بأهل بيته، ثم قومه الذين تمادوا فى الباطل والضلال، وتعرض لمحن وآلام كثيرة، اضطر معها إلى أن يهاجر إلى مصر، والحجاز، ومعه زوجته هاجر وابنه إسماعيل عليهما السلام. وفى الأرض المقدسة أمره الله ببناء البيت الحرام، فبناه بمساعدة ابنه إسماعيل عليهما السلام. وقد عمَّر - عليه السلام - طويلاً حتى بلغ (200) سنة، وقيل: (175 سنة)، وقيل: (160) سنة.

*إبراهيم بن المهدى

*إبراهيم بن المهدى هو إبراهيم بن المهدى بن أبى جعفر المنصور أخو الخليفة العباسى هارون الرشيد. وُلِد سنة (162 هـ = 779 م) لأم زنجية، وكان غامق البشرة، قوىَّ البنيان، وافر الفضل، مولعًا بالغناء والموسيقا، وكانت له مساجلات فى أصول النغم والإيقاع مع إسحاق الموصلى الموسِيقىِ المشهور. وكان إبراهيم ذا مكانة عظيمة فى بنى العباس، وولِى الخلافة بعد المأمون، وُلقِّب بالمبارك. ولم تزد فترة خلافة إبراهيم على سنتين (201 - 202 هـ = 816 - 817 م). وتُوفِّى إبراهيم بن المهدى سنة (224 هـ = 839 م) بمدينة سُرَّ مَنْ رأى (سامراء حاليًّا بالعراق).

*أبرهة الحبشى

*أبرهة الحبشى هو أبرهة بن الصباح. وُلِد بالحبشة (إثيوبيا حاليًّا) وقِدم إلى شبه الجزيرة العربية مع الجيش الذى أرسله النجاشىُّ ملك الحبشة إلى اليمن. ولقبه أبرهة الأشرم. وترتبط حياة أبرهة وسيرته بحادثة محاولة هدمه الكعبة، ولهذه الحادثة دلالة عظيمة على رعاية الله لهذه البقعة المباركة التى اختارها الله لتكون حرمًا آمنًا. ثم شاء الله - عز وجل - أن يهلك أبرهة وجيشه، فأرسل عليهم جماعات من الطير أخذت ترميهم بحجارة فقضت عليهم، كما يحكى عنهم القرآن الكريم فى قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (ألم يجعل كيدهم فى تضليل (وأرسل عليهم طيرًا أبابيل (ترميهم بحجارة من سجيل (فجعلهم كعصفٍ مأكول ([سورة الفيل]. وبذلك أهلك الله أبرهة، فسمِّى العام الذى وقعت فيه الحادثة عام الفيل وهو العام الذى وُلِد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

*أبى بن كعب

*أُبى بن كعب هو: أُبَىُّ بن كعب بن قيس من بنى النجار، أحد كبار الصحابة، شهد بيعة العقبة الثانية، كما شهد بدرًا، وأحدًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد شارك فى جمع القرآن الكريم، وكان من كُتَّاب الوحى، كما كان كاتب رسائل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى رؤساء القبائل والملوك. وقد برع أُبَىُُّ فى قراءة القرآن مع جمال صوته حتى لُقِّب بسيد القُرَّاء، واشتهر بأنه كان يختم القرآن كله فى ثمانى ليالٍ، ولم يكن قارئًا فحسب، بل كان فقيهًا بالقرآن. ولأُبَىّ بن كعب فى كتب السنة بضعة وستون حديثًا، رواها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد تُوفِّى - رضى الله عنه - فى خلافة عثمان بن عفان - رضى الله عنه - سنة (21 هـ = 642 م).

*أتاتورك

*أتاتورك هو مصطفى كمال الملقب بالغازى، وكلمة أتاتورك تعنى أبا الأتراك، وهو الذى أسقط الخلافة الإسلامية سنة (1343 هـ = 1924 م). وُلِد أتاتورك سنة (1299 هـ = 1880 م) بمدينة سالونيك باليونان، وكانت خاضعة لدولة الخلافة العثمانية، وعندما بلغ سن الثانية عشرة التحق بمدرسة سالونيك العسكرية، ثم التحق بأكاديمية موناسيتر العسكرية، وانتقل منها إلى كلية الحرب فى إستانبول، وعُيِّن بعد تخرجه فى دائرة الأركان للجيش الثالث فى سالونيك. اتجهت أفكار أتاتورك اتجاهًا معاديًا للإسلام وللخليفة العثمانى منذ تخرجه فى الكلية الحربية، فقد حذَّر زملاءه من الانخداع بفكرة العالم الإسلامى. وقد كوَّن جمعية الوطن والحرية لمكافحة الديكتاتورية التى تتجسد - من وجهة نظره - فى الخليفة العثمانى. وزادت شهرة أتاتورك فى الحرب العالمية الأولى؛ حيث عُين قائدًا للفرقة التاسعة عشرة فى شناق قلعة. وقد هُزِم أمامه البريطانيون مرتين فى جزيرة غاليبولى بالبلقان. والحقيقة أن هذا النصر كان نصرًا مزيفًا صنعه الإنجليز لإكسابه شهرة واسعة فى الدولة العثمانية. وقد كان أتاتورك مستبدًّا، يغتال معارضيه، كما أغلق الصحف وألقى القبض على رؤساء تحريرها، ووضع العلماء كلهم تحت المراقبة. وقد تُوفِّى أتاتورك سنة (1357 هـ = 1938 م).

*مصطفى كمال أتاتورك

*مصطفى كمال أتاتورك هو مصطفى كمال الملقب بالغازى، وكلمة أتاتورك تعنى أبا الأتراك، وهو الذى أسقط الخلافة الإسلامية سنة (1343 هـ = 1924 م). وُلِد أتاتورك سنة (1299 هـ = 1880 م) بمدينة سالونيك باليونان، وكانت خاضعة لدولة الخلافة العثمانية، وعندما بلغ سن الثانية عشرة التحق بمدرسة سالونيك العسكرية، ثم التحق بأكاديمية موناسيتر العسكرية، وانتقل منها إلى كلية الحرب فى إستانبول، وعُيِّن بعد تخرجه فى دائرة الأركان للجيش الثالث فى سالونيك. اتجهت أفكار أتاتورك اتجاهًا معاديًا للإسلام وللخليفة العثمانى منذ تخرجه فى الكلية الحربية، فقد حذَّر زملاءه من الانخداع بفكرة العالم الإسلامى. وقد كوَّن جمعية الوطن والحرية لمكافحة الديكتاتورية التى تتجسد - من وجهة نظره - فى الخليفة العثمانى. وزادت شهرة أتاتورك فى الحرب العالمية الأولى؛ حيث عُين قائدًا للفرقة التاسعة عشرة فى شناق قلعة. وقد هُزِم أمامه البريطانيون مرتين فى جزيرة غاليبولى بالبلقان. والحقيقة أن هذا النصر كان نصرًا مزيفًا صنعه الإنجليز لإكسابه شهرة واسعة فى الدولة العثمانية. وقد كان أتاتورك مستبدًّا، يغتال معارضيه، كما أغلق الصحف وألقى القبض على رؤساء تحريرها، ووضع العلماء كلهم تحت المراقبة. وقد تُوفِّى أتاتورك سنة (1357 هـ = 1938 م).

*ابن الأثير

*ابن الأثير ابن الأثير اسم لثلاثة إخوة برعوا فى العلوم الإسلامية، خاصة علوم الحديث والفقه واللغة والأدب والتاريخ، وهم من جزيرة ابن عمر - بلدة تقع على نهر دجلة بالعراق - وكان أبوهم من أعيان البلدة وأثريائها، وكان يتولى ديوان البلدة من قِبَل أمير الموصل. وهؤلاء الثلاثة هم: 1 - مجد الدين هو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيبانى، محدث، فقيه نحوى، وأحد العلماء الأفذاذ، وُلد سنة (544هـ = 1149 م) بجزيرة ابن عمر ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل ودرس بها الحديث والأدب وغيرهما، ثم رحل إلى بغداد لسماع الحديث، فأخذ عن يحيى بن سعدون القرطبى وعبد الله الطوسى وغيرهما، كما تعلم النحو على كبار علمائه، مثل: ابن الدهان ومكى بن ريان. وبلغ مجد الدين منزلة عظيمة عند علماء الموصل فولاه أمير الموصل مسعود بن مورور ديوان الرسائل حتى أصيب بمرض النقرس فلزم بيته وتفرغ للتصنيف، وقد ترك مؤلفات عظيمة، من أشهرها: جامع الأصول فى أحاديث الرسول، وكتاب الإنصاف فى الجمع بين الكشف والكشاف فى تفسير القرآن، وكتاب النهاية فى غريب الحديث. وتُوفِّى ابن الأثير يوم الخميس آخر ذى الحجة سنة (606 هـ = 1209 م). 2 - عز الدين هو عز الدين أبو الحسن على بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيبانى، أحد كبار المؤرخين المسلمين، وُلِد سنة (555 هـ = 1160 م) بجزيرة ابن عمر، ثم سار إلى الموصل ليأخذ العلم عن علمائها، فسمع من أبى الفضل عبدالله بن أحمد الخطيب الطوسى، وانتقل إلى كثير من البلدان فى طلب العلم، فذهب إلى بغداد والشام والقدس، وسمع من كبار علماء هذه البلدان، ثم عاد إلى الموصل واستقر بها وانقطع للتصنيف والنظر فى العلم. ولم يكن عز الدين عالمًا فى التاريخ فحسب، بل كان إمامًا فى الحديث وعلومه، خبيرًا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم وأخبارهم. وأشهر مؤلفاته التاريخية: كتاب الكامل

فى التاريخ، بدأه منذ أول الزمان حتى آخر سنة (628 هـ = 1230 م)، أى قبل وفاته بسنتين، وكتاب أسد الغابة فى معرفة الصحابة، وهو معجم عن صحابة النبى - صلى الله عليه وسلم - رُتِّب ترتيبًا هجائيًّا. وتُوفِّى عز الدين بن الأثير سنة (630 هـ = 1232 م). 3 - ضياء الدين هو ضياء الدين أبو الفتح نصر الله بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيبانى، كاتب، وأديب. وُلد ضياء الدين بجزيرة ابن عمر سنة (558 هـ = 1163 م) ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل فحفظ بها القرآن الكريم والحديث النبوى وتلقى علوم اللغة والأدب والبيان، وحفظ كثيرًا من الأشعار وأتقن صنعة الكتابة واشتهر بها وبجودة أسلوبه وتمكنه من صياغة المعانى. وبلغ منزلة عالية فى العلم فأعجب به الأمراء والحكام؛ فقلدوه عديدًا من المناصب. والتحق ضياء الدين بخدمة الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى سنة (587 هـ)، وتولى للملك الأفضل نور الدين بن صلاح الدين فى دمشق، ثم عمل بخدمة أخيه الملك الظاهر غازى بحلب، ثم عاد إلى الموصل واستقر بها وتولى ديوان الإنشاء. وترك ضياء الدين عديدًا من المؤلفات، أشهرها كتابه المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر، وهو كتاب يعالج فيه ابن الأثير فن الكتابة وطرق التعبير فى النثر والشعر. وتُوفِّى ضياء الدين فى إحدى رحلاته إلى بغداد سنة (637 هـ = 1239 م).

*أحمد بابا التمبكتى

*أحمد بابا التمبكتى هو أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت التمبكتى، أحد فقهاء المذهب المالكى فى القرن (11 هـ = 17 م). وُلد فى (21 من ذى الحجة 963 هـ = 26 من أكتوبر 1556 م) بأروان، وهى إحدى قرى مدينة تمبكتو التى كانت تابعة للسودان قديما (فى مالى حاليًّا). نشأ أحمد بابا فى أسرة عرفت بالعلم والصلاح ورئاسة القضاء فى السودان، ودرس الفقه واللغة على أبيه وجده وتلقى علوم الحديث والتفسير والمنطق والنحو على جماعة من علماء عصره. وقد سُجن أحمد بابا فى مراكش سنة (1002 هـ = 1594 م). وبعد سيطرة سلطان مراكش أحمد المنصور بالله السعدى على تمبكتو عام (1004 هـ = 1596 م) أفرج عنه واشترط عليه الإقامة فى مراكش، فبدأ يلقى دروس الحديث والفقه، وذاعت شهرته فى المغرب، وبعد موت المنصور بالله سنة (1012 هـ = 1603 م) عاد أحمد بابا إلى بلده وكرَّس حياته للتأليف والتدريس؛ إذ ترك مؤلفات كثيرة تربو على (40) كتابًا فى الفقه والتراجم والنحو، منها: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، والنكت الوفية فى شرح الألفية فى النحو. وتُوفِّى أحمد بابا سنة (1036 هـ = 1627 م).

*أحمد بن بويه

*أحمد بن بويه هو أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام، أبو الحسن معز الدولة البويهى، من ملوك دولة بنى بويه بالعراق، فارسىّ الأصل، خلع عليه الخليفة العباسى لقب معز الدولة، وكان فى أول أمره يبيع الحطب على رأسه، ثم ملك هو وإخوته العراق، وكان أصغرهم، وكان يُقال له: الأقطع؛ لأن يده قُطِعَت فى حروب مع الأكراد. تولى فى صباه كرمان وسجستان والأهواز فى ظل حكم أخيه عماد الدولة، وامتلك بغداد فى خلافة أخيه المستكفى سنة (334 هـ)، ثم امتلك العراق واستمر ملكه (22) سنة، وعندما حضرته الوفاة أحضر العلماء وتاب من مظالمه وأعتق مماليكه وتصدَّق بأموال كثيرة. وتُوفِّى ابن بويه سنة (356 هـ = 967 م) ببغداد، وتولى المُلك بعده ابنه عز الدولة أبو المنصور بختيار.

*معز الدولة البويهى

*معز الدولة البويهى هو أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام، أبو الحسن معز الدولة البويهى، من ملوك دولة بنى بويه بالعراق، فارسىّ الأصل، خلع عليه الخليفة العباسى لقب معز الدولة، وكان فى أول أمره يبيع الحطب على رأسه، ثم ملك هو وإخوته العراق، وكان أصغرهم، وكان يُقال له: الأقطع؛ لأن يده قُطِعَت فى حروب مع الأكراد. تولى فى صباه كرمان وسجستان والأهواز فى ظل حكم أخيه عماد الدولة، وامتلك بغداد فى خلافة أخيه المستكفى سنة (334 هـ)، ثم امتلك العراق واستمر ملكه (22) سنة، وعندما حضرته الوفاة أحضر العلماء وتاب من مظالمه وأعتق مماليكه وتصدَّق بأموال كثيرة. وتُوفِّى ابن بويه سنة (356 هـ = 967 م) ببغداد، وتولى المُلك بعده ابنه عز الدولة أبو المنصور بختيار.

*أحمد بن تيمية

*أحمد بن تيمية هو الإمام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله أبى العباس تقى الدين بن تيمية شيخ الإسلام. وُلد فى حران عام (661 هـ = 1263 م)، وانتقل به أبوه إلى دمشق عندما أغار التتار على بلاد الإسلام عام (667 هـ)، وحفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة، ثم اتجه إلى تحصيل علوم الحديث والفقه والأصول والكلام، وسمع كثيرًا من الفقهاء والمحدِّثين وقرأ عليهم، وكان إذا أفتى لم يلتزم بمذهب معين. وعندما أغار التتار على العراق أخذ ابن تيمية يحرض الناس على محاربتهم وتطهير البلاد منهم، متقدمًا الصفوف. دافع ابن تيمية عن السلف والسلفية الصحيحة، كما بينَّ فساد منطق أرسطو وتصوره، ونقد غلاة الصوفية، وكان يجمع فى منهجه بين الحجة العقلية والسند الشرعى، وقد بلغت مؤلفاته ثلاثمائة مجلد، منها: الجوامع فى السياسة الإلهية والآيات النبوية، ويُسمى السياسة الشرعية، والفتاوى والإيمان ، والجمع بين النقل والعقل، ومنهاج السنة، وغيرها. واعُتقل ابن تيمية أكثر من مرة حتى تُوفِّى معتقلاً فى سجن دمشق عام (728 هـ = 1328 م)، وخرجت دمشق كلها فى جنازته تبكيه.

*أحمد بن الحسين بن يحيى

*أحمد بن الحسين بن يحيى هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الهمذانى، الملقب ببديع الزمان الهمذانى، أحد أعلام الأدب فى القرن (4 هـ = 10 م). وُلِد فى همذان سنة (358 هـ = 969 م)، وعُنِىَ أبوه بتأديبه وتهذيبه، فتتلمذ لعدد من الأعلام أمثال عيسى بن هشام وابن فارس، وغيرهما. وكان بديع الزمان محبًّا للتنقل والترحال، وتتنوع آثاره الأدبية فى ثلاثة فنون هى: المقامات والرسائل والشعر، وقد أجمع العلماء على أنه أول من فتح الباب لتأليف المقامات وتبعه من جاء بعده كالحريرى، واشتهرت مقاماته باسم مقامات بديع الزمان، وطُبعت أكثر من مرة. أما عن رسائل بديع الزمان فهى مدونة مشهورة، ومعظم موضوعاتها فى المديح والهجاء والتقريع والتهنئة بالمولود. وقد كتب هذه الرسائل إلى الرؤساء من الأمراء والوزراء، وغيرهم من الوجهاء، وقد طبعت رسائله أكثر من مرة. وبديع الزمان ممن جمعوا بين الشعر والنثر، واشتهر بأنه ذو حافظة قوية وقريحة ذكية، وقد جرت مناظرات بينه وبين شيخ الأدباء فى عصره أبى بكر الخوارزمى، تفوَّق فيها الهمذانى على خصمه الذى مات بعد ذلك كمدًا؛ فذاع صيت بديع الزمان بين الناس. وترجم له كثيرون، مثل: ابن الأثير وابن تغرى بردى والثعالبى، وغيرهم. وتُوفِّى بديع الزمان فى هراة يوم الجمعة (11 من جمادى الآخرة 398 هـ).

*بديع الزمان الهمذانى

*بديع الزمان الهمذانى هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الهمذانى، الملقب ببديع الزمان الهمذانى، أحد أعلام الأدب فى القرن (4 هـ = 10 م). وُلِد فى همذان سنة (358 هـ = 969 م)، وعُنِىَ أبوه بتأديبه وتهذيبه، فتتلمذ لعدد من الأعلام أمثال عيسى بن هشام وابن فارس، وغيرهما. وكان بديع الزمان محبًّا للتنقل والترحال، وتتنوع آثاره الأدبية فى ثلاثة فنون هى: المقامات والرسائل والشعر، وقد أجمع العلماء على أنه أول من فتح الباب لتأليف المقامات وتبعه من جاء بعده كالحريرى، واشتهرت مقاماته باسم مقامات بديع الزمان، وطُبعت أكثر من مرة. أما عن رسائل بديع الزمان فهى مدونة مشهورة، ومعظم موضوعاتها فى المديح والهجاء والتقريع والتهنئة بالمولود. وقد كتب هذه الرسائل إلى الرؤساء من الأمراء والوزراء، وغيرهم من الوجهاء، وقد طبعت رسائله أكثر من مرة. وبديع الزمان ممن جمعوا بين الشعر والنثر، واشتهر بأنه ذو حافظة قوية وقريحة ذكية، وقد جرت مناظرات بينه وبين شيخ الأدباء فى عصره أبى بكر الخوارزمى، تفوَّق فيها الهمذانى على خصمه الذى مات بعد ذلك كمدًا؛ فذاع صيت بديع الزمان بين الناس. وترجم له كثيرون، مثل: ابن الأثير وابن تغرى بردى والثعالبى، وغيرهم. وتُوفِّى بديع الزمان فى هراة يوم الجمعة (11 من جمادى الآخرة 398 هـ).

*أحمد بن حنبل

*أحمد بن حنبل هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيبانى، من كبار المحدّثين، وأحد أئمة الفقه الإسلامى، وصاحب المذهب الحنبلى، أحد مذاهب الفقه المعروفة. وُلد فى بغداد فى (ربيع الأول 164 هـ = نوفمبر 780 م) لأبٍ كان يعمل قائدًا عسكريًّا فى مرو عاصمة خراسان، وتوفِّى أبوه فى الثلاثين من عمره ولم يرَ وليده أحمد، فتعهدته أمه بالرعاية والتنشئة، وعاش طفولته مع أبناء عمومته. وحفظ أحمد القرآن الكريم على قراء عصره مثل: يحيى بن آدم وسعيد بن الصاج، وبعد أن أتم حفظه انكبَّ على دراسة الحديث، وكان من شيوخه أبو يوسف تلميذ أبى حنيفة، وهشيم بن بشير السلمى، والشافعى، وكان ابن حنبل كثير الترحال لطلب العلم، وفى سن الأربعين جلس للفتيا والحديث، وكان له درسان، أحدهما فى منزله، والآخر فى المسجد، وكان من تلاميذه أبو بكر المروزى وأبو بكر الأشرم وإسحاق بن منصور التميمى، وابنه صالح الذى روى مسنده. وقد حرص الإمام أحمد على ألا يُفتى إلا بما يقع من الأمور إلا إذا كان فى ذلك سُنَّة أو فتوى صحابى. وعاش الإمام أحمد فقيرًا وكان يأكل من عمل يده ويرد عطاء الخلفاء له. وفى عام (218 هـ = 833 م) تعرض الإمام أحمد لمحنة خلق القرآن فرفض الإذعان للخليفة فى ذلك، فعُذِّب وسُجن. وترك الإمام أحمد كتبًا كثيرة، منها: المسند، والناسخ والمنسوخ، والزهد، وغيرها. وتُوفِّى الإمام أحمد فى (ربيع الآخر 241 هـ = أغسطس 855 م) ودُفن فى بغداد.

*أحمد بن سليمان

*أحمد بن سليمان هو شمس الدين أحمد بن سليمان الحنفى المعروف بابن كمال باشا، تركىّ الأصل. وُلد فى طوقات نواحى سيواس، وهو من علماء الحديث. كان جده من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو فى شبابه بالعلم؛ فعكف على القراءة بالليل والنهار، وقد تلقى تعليمه فى أدرنة وعُيِّن مدرسًا فى مدارس كثيرة، ثم صار قاضيًا لأدرنة، ثم مفتيًا بالقسطنطينية. وقد ترك أحمد بن سليمان مصنفات كثيرة منها: كتاب طبقات المجتهدين، وكتاب طبقات الفقهاء، وكتاب المهمات فى فروع الفقه الحنفى، وكتاب محيط اللغة. وتُوفِّى أحمد بن سليمان وهو مفتٍ بالقسطنطينية سنة (640 هـ = 1534 م).

*ابن كمال باشا

*ابن كمال باشا هو شمس الدين أحمد بن سليمان الحنفى المعروف بابن كمال باشا، تركىّ الأصل. وُلد فى طوقات نواحى سيواس، وهو من علماء الحديث. كان جده من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو فى شبابه بالعلم؛ فعكف على القراءة بالليل والنهار، وقد تلقى تعليمه فى أدرنة وعُيِّن مدرسًا فى مدارس كثيرة، ثم صار قاضيًا لأدرنة، ثم مفتيًا بالقسطنطينية. وقد ترك أحمد بن سليمان مصنفات كثيرة منها: كتاب طبقات المجتهدين، وكتاب طبقات الفقهاء، وكتاب المهمات فى فروع الفقه الحنفى، وكتاب محيط اللغة. وتُوفِّى أحمد بن سليمان وهو مفتٍ بالقسطنطينية سنة (640 هـ = 1534 م).

*أحمد عرابى

*أحمد عرابى هو أحمد عرابى بن محمد عرابى بن محمد وافى بن محمد غنيم، قائد الثورة العرابية، وأحد زعماء مصر فى العصر الحديث. وُلد أحمد عرابى فى (7 من صفر 1257 هـ = 31 من مارس 1841 م) فى قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية بمصر، والتحق بكُتَّاب القرية حيث حفظ قدرًا من القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم أرسله أبوه إلى الجامع الأزهر، فمكث به أربع سنوات، أتم خلالها حفظ القرآن الكريم. وفى سنة (1271 هـ = 1854 م) جُنِّد عرابى بالجيش المصرى وعُيِّن كاتبًا إداريًّا، ثم رُقِّى إلى رتبة ملازم، وواصل تدرجه فى مناصب الجيش، حتى وصل إلى رتبة قائمقام (عقيد)، وفى عهد الخديو توفيق رُقِّى إلى رتبة أميرالاى (عميد)، ثم شغل منصب نظارة الجهادية فى سنة (1299 هـ = 1882 م)، حيث قام بالثورة التى عُرفت بالثورة العرابية ضد الخديو توفيق. ونُفِى أحمد عرابى بعد فشل ثورته إلى جزيرة سيلان (سرنديب - سيريلانكا حاليًّا) وكان ذلك فى سنة (1300 هـ = 1883 م). وكان لأحمد عرابى فى فترة نفيه دور إيجابى فى الحياة التعليمية لأبناء سيريلانكا وبخاصة مدينة كولومبو، إذ أسس مدرسة ميردانة الإسلامية وشارك فى إنشاء المدرسة الحميدية. وتُوفِّى أحمد عرابى فى (17 من رمضان 1329 هـ = 21 من سبتمبر 1911 م)، بعد أن سجَّل مذكراته فى كتاب أسماه: كشف الستار عن سر الأسرار.

*أحمد بن على بن الإخشيد

*أحمد بن على بن الإخشيد هو أحمد بن على بن الإخشيد محمد بن طغج التركىّ المصرى. ولِى سلطنة مصر بعد وفاة كافور الإخشيدى فى (20 من جمادى الأولى 357 هـ = 23 من أبريل 968 م)، وكان صبيًّا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره، وقد أجمع أولو الأمر على بيعته، ولم يخرج على البيعة إلاَّ الحسن بن عبيد الله بن طغج الذى أخذ البيعة لنفسه، واستولى على ما كان لكافور من أموال الرملة. ولم تستقر البلاد فى عهد أحمد بن على حتى دخلها الفاطميون سنة (358 هـ = 969 م). وخلال العام الذى تولى فيه أحمد السلطنة حسنت سيرته،، وأمر بتعطيل المواخير ورفع الكُلَف والمؤن، ونشر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

*ابن حزم

*ابن حزم هو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم، المعروف بابن حزم الظاهرى. فقيه فيلسوف مؤرخ. وُلِد بقرطبة سنة (384هـ = 994 م)، لأبٍ كان وزيرًا للمنصور بن أبى عامر؛ فعُنِى بتربيته وتعليمه؛ فأتيحت له فرصة الاطلاع على شتى فروع العلم من معارف دينية وفلسفية وتاريخية وأدبية، وعُنى بدراسة الفرق الإسلامية وأهل العقائد الأخرى، كاليهودية والنصرانية. عمل ابن حزم وزيرًا للخليفة الأموى فى الأندلس عبد الرحمن الخامس، ثم عاش بعد مقتل الخليفة متنقلاً بين أنحاء الأندلس. وكان ابن حزم شافعى المذهب، ثم تحول إلى المذهب الظاهرى. وترك ابن حزم مؤلفات كثيرة، من أشهرها: المحلى، وهو فى الفقه، والفِصَل فى الملل والأهواء والنحل، والإحكام فى أصول الأحكام، وهو فى أصول الفقه، وجوامع السيرة النبوية، ونقط العروس فى تواريخ الخلفاء. وتُوفِّى ابن حزم فى قرطبة سنة (456 هـ = 1064 م).

*بقى بن مخلد

*بقى بن مخلد هو أبو عبد الرحمن بقى بن مخلد بن يزيد القرطبى. أحد أئمة الحديث فى القرن الثالث الهجرى، وُلِد فى قرطبة سنة (201 هـ = 816 م). ودرس الفقه والحديث على يد يحيى بن يحيى الليثى راوى موطأ الإمام مالك. وكان لبقى بن مخلد رحلتان فى طلب الحديث؛ الأولى بدأها وهو فى الثالثة والعشرين من عمره إلى القيروان ومصر واستغرقت عشرين عامًا، والأخرى إلى مصر والشام والجزيرة والبصرة والكوفة وواسط، واستغرقت أربعة عشر عامًا. وقد التقى فى هاتين الرحلتين بكثير من شيوخه الذين بلغ عددهم (284) شيخًا، ثم جمع بقى بن مخلد مسنده، وعاد به إلى الأندلس؛ حيث جلس للتدريس. وقد ترك بقى أربعة كتب لم يصل إلينا منها شىء، وهى: المسند الكبير، والتفسير الكبير، ومصنف فى فتوى الصحابة والتابعين، وما رُوِى فى الحوض والكوثر، وقد شارك بقى بن مخلد فى (72) غزوة، مرابطًا على الثغور. وتُوفِّى بقى بن مخلد بالأندلس سنة (276 هـ = 889 م).

*ابن بطوطة

*ابن بطوطة هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتى الطنجى. رحالة مشهور. وُلِد فى طنجة بالمغرب الأقصى سنة (703 هـ = 1304م)، ونشأ فى أسرة علمية؛ فحفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه، وشغف بقراءة كتب الرحالة والاستماع إلى أخبار البلدان من الحجاج والتجار، ثم أخذ هذا الشغف بُعدًا عمليًّا، فبدأ ابن بطوطة رحلاته وهو فى الحادية والعشرين من عمره، وقام برحلات ثلاث: الأولى: امتدت أربعًا وعشرين سنة، زار فيها مراكش والجزائر وتونس ومصر والشام والعراق وإيران وتركيا والحجاز واليمن وشرق إفريقيا وعمان والبحرين والهند وخراسان وتركستان وأفغانستان والسند والصين وغيرها. والثانية: امتدت سنتين تقريبًا، ففى السنة التى عاد فيها من رحلته الأولى إلى فاس سافر إلى الأندلس. والأخيرة: إلى غرب إفريقيا؛ فزار سجلماسة وتفازا ومالى وزاغرى وتمبكتو وتكدَّا وغيرها. وتُعد رحلة ابن بطوطة من أهم الرحلات التى كتبت فى عصره؛ فقد قطع (140) ألف كيلو متر، ودون فيها عادات أهل البلاد التى زارها ونوادرهم، وقابل العلماء والأمراء والوزراء. ثم استقر ابن بطوطة فى رحاب السلطان المغربى أبى عنان المريدى، يحدث الناس بما رآه، وأمر السلطان وزيره ابن جُزَىٍّ بكتابة ما يمليه ابن بطوطة، فكتبه، وسمَّاه تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وتُوفِّى ابن بطوطة فى مراكش، وقيل: فى فاس سنة (770 هـ = 1368م)، وقيل: سنة (779 هـ = 1377 م).

*سجاح بنت الحارث

*سجاح بنت الحارث ادَّعت النبوة بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكانت لها معرفة بالأخبار، فلما أعلنت دعوتها تبعها بعض قومها من تميم، واتصل خبرها بمسيلمة الكذاب الذى ادعى النبوة أيضًا، فرأى من السياسة عدم الدخول معها فى قتال؛ فتزوجها، وعادت إلى قومها، ثم قُتِل مسيلمة وهُزم جيشه هزيمة منكرة، وانتهت تلك الفتنة التى أطلت برأسها وكادت تعصف بالدولة الإسلامية. وتذكر بعض الروايات أنها أسلمت، وهاجرت إلى البصرة، وتُوفِّيت سنة (55 هـ = 675 م) وصلى عليها سمرة بن جندب.

*بارثلميودياز

*بارثلميودياز ملاَّح برتغالى من القرن الخامس عشر الميلادى. قام سنة (1486 م) برحلته المشهورة على امتداد ساحل إفريقيا الغربى نحو الجنوب، فمر بساحلى الذهب والعاج، ثم مصب نهر الكونغو، وواصل سيره جنوبًا، ثم هبت عاصفة أبعدت السفن عن الساحل، وبعد هدوئها اتجه صوب الشرق؛ لعلَّه يرى الساحل، لكنه فشل، فارتدَّ ثانية صوب الشمال فشاهد اليابسة، فاتجه إلى الشرق كى يحقق هدفه، وهو اكتشاف أن الشاطئ يمتد نحو الهند، لكن التعب حل برجاله، فقرر العودة، وفى الطريق شاهدوا الرأس الجنوبى لإفريقيا، وسماه دياز رأس العواصف. ولما وصل إلى البرتغال سنة (1488 م) أطلق الملك على ذلك الرأس اسم رأس الرجاء الصالح. وبهذا الكشف أيقن الملك بإمكانية الالتفاف حول إفريقيا صوب الهند؛ ومن ثم يصبح الشرق كله مفتوحًا أمام البرتغال. اشترك دياز سنة (1500 م) فى رحلة أخرى لم يكن هو قائدها. فهبت عليها عاصفة شديدة أبعدتها عن إفريقيا كثيرًا، حتى إنهم اكتشفوا البرازيل، ومن هناك أبحروا صوب الهند، لكن العواصف أفقدتهم أربع سفن منها سفينة دياز، ومات مفقودًا فى عرض البحر.

*خالد بن برمك

*خالد بن برمك وهو خالد بن برمك بن جاماس، وُلِد سنة (90 هـ)، ولُقب بأبى البرامكة؛ لأنه أول من تمكن من هذه الأسرة فى الدولة العباسية؛ بفضل بسالته وبراعته الحربية وحسن رأيه. كان خالد بن برمك فصيح اللسان، على الرغم من أعجميته، حتى إن أبا العباس السفاح ظنه عربيًّا خالصًا حين دخل لمبايعته، فأقره على الغنائم، ثم جعله على ديوان الخراج وديوان الجند، وبعد وفاة الخليفة أبى العباس السفاح أبقاه الخليفة المنصور فى منصبه سنةً، ثم قلَّده بلاد فارس، وظل بها سبع سنين، ثم أقره على ولاية الموصل. وكان لخالد دور فى نقل ولاية العهد إلى المهدى بن المنصور، فلما تولى المهدى الخلافة حفظ له هذا الجميل؛ فأعاده إلى إمارة فارس، ثم أرسله المهدى مع ابنه هارون الرشيد لغزو الروم. وتُوفِّى خالد بن برمك سنة (163 هـ = 780 م).

*يحيى الوطاسى

*يحيى الوطاسى هو يحيى بن يحيى بن زيان بن عمر الوطاسى. وزير السلطان عبد الحق المرينى بفاس. وقد نجح فى أن يستبدَّ بالأمر، ويجعل أمور الدولة كلها فى يده وأيدى أقاربه. ولما أحسَّ السلطان أن الوطاسيين يشاركونه فى الأمر، وكادوا يغلبونه على سلطانه. انقلب عليهم جميعًا، فقتلهم ولم ينجُ منهم إلا قليل. وكان الوزير يحيى بن يحيى ممن قُتِل، وذلك عام (866 هـ = 1461 م).

*أبو الحسن الشاذلى

*أبو الحسن الشاذلى هو أبو الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم، المعروف بالشاذلى؛ نسبة إلى قرية شاذلة، من نواحى تونس؛ حيث جبل زغوان الذى انقطع فيه للعبادة. وُلد أبو الحسن الشاذلى بقرية غمارة من نواحى سبتة بالمغرب سنة (593 هـ = 1197 م)، ودرس علوم القرآن والحديث والفقه واللغة، ثم رحل إلى بغداد، والتقى مع الصوفى أبى الفتح الواسطى، ثم عاد إلى مسقط رأسه، ثم رحل إلى تونس، ثم إلى مكة؛ لأداء فريضة الحج. وفى طريق العودة نزل بالإسكندرية، وأقام فى أحد أبراج سورها، ثم رحل إلى القاهرة واستقر بها؛ حيث تزوج وأنجب، وجلس للتدريس بالمدرسة الكاملية. ولم تكن حياة الشاذلى حياة عزلة؛ فعندما غزا الصليبيون دمياط، كان فى مقدمة العلماء الذين اشتركوا فى معركة المنصورة حاثًّا على الجهاد، حتى تمَّ النصر للمسلمين، على الرغم من فقدانه البصر. ويُعد الشاذلى أحد أئمة التصوف، وإليه تنسب الطريقة المعروفة باسمه (الشاذلية)، ولم يؤلف الشاذلى كتبًا ولا رسائل، بل له عدة أوراد وأدعية، تشمل : حزب البحر، وحزب البر أو الحزب الكبير وحزب الفتح. وتُوفِّى الشاذلى فى مكان يُقال له: حميثرة، بين قنا والقصير، أثناء رحلة حجَّه.

*الواقدى

*الواقدى هو محمد بن عمر بن واقد. أحد كبار المؤرخين. وُلِد بالمدينة سنة (130 هـ =747م). وتلقى الحديث والفقه عن مالك بن أنس وسفيان الثورى وابن جريج. ونال شهرة واسعة، فانتقل إلى العراق سنة (180هـ) فى عهد الرشيد، واتصل بيحيى بن خالد البرمكى الذى قربه إلى الخليفة، فولى القضاء ببغداد، وظل فى منصبه حتى عهد المأمون الذى أكرم وفادته. وترك الواقدى كتبًا كثيرة، ذكر ابن النديم فى الفهرست أنَّها (28) كتابًا، وصل إلينا منها كتاب المغازى فى ثلاثة مجلدات، وكتاب فتوح الشام وفتوح العراق، وفى نسبتها إليه كثيرٌ من الشك. وتُوفِّى الواقدى سنة (207هـ = 823 م).

*وحيد الدين (سلطان عثمانى)

*وحيد الدين (سلطان عثمانى) هو محمد وحيد الدين بن مراد. أحد سلاطين الدولة العثمانية فى أخريات عهدها. تولى الخلافة بعد أخيه السلطان محمد رشاد سنة (1916م) أثناء الحرب العالمية الأولى التى اشتركت فيها الدولة العثمانية، ولم تكد أشهر تمضى على ولاية وحيد الدين حتى استسلمت الدولة؛ إذ استولى جيوش أعدائها على كل البلاد عدا شرقى الأناضول. وأراد السلطان وحيد الدين إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فاستعان بمصطفى كمال الذى عُرِف فيما بعد بأتاتورك، وكان يعمل على تحقيق مصالحه الشخصية. ولما رأى السلطان أن الأمور تجرى على غير ما يحب ويرجو تنازل عن العرش سنة (1922م) واعتزل الحياة السياسية.

*ابن سيد الناس

*ابن سيد الناس هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس. من أئمة الحديث فى مصر. وُلِد فى القاهرة سنة (671هـ = 1273م)، وسمع الحديث، وارتحل فى طلبه، ثم جلس للتدريس والتصنيف. ومن مؤلفاته: عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير، وهو أشهر كتبه، وبشرى اللبيب فى ذكرى الحبيب، والنفح الشذى فى شرح جامع الترمذى ولم يكمله. وتُوفِّى ابن سيد الناس بالقاهرة سنة (734 هـ = 1334م).

*جميل بثينة

*جميل بثينة هو جميل بن عبد الله بن معمر شاعر الغزل العذرى المعروف. وُلِد فى وادى القرى شمالى المدينة المنورة، وتردد منذ صغره على مجالس العلم والأدب، ولازم الشاعر هدبة بن خشرم وحفظ شعره كله وأصبح راويته. اشتهر جميل بقصائده الغزلية فى بثينة التى تعلق قلبه بها، وارتبط اسمه باسمها حتى قيل: جميل بثينة. ولما فشا ذكرها بين العرب، واستغاث أهلها بالخليفة مروان بن الحكم أهدر دمه حتى يُثنيه عنها، لكنه ظل يتنقل فى البلاد عشرين سنة، أبدع خلالها روائع فى الشعر الغزلى العربى. ومعظم شعر جميل فى الغزل العفيف العذرى، وله بعض القصائد فى المدح والهجاء. وتُوفِّى جميل بن معمر فى مصر عام (82هـ).

*جوهر الصقلى

*جوهر الصقلى هو جوهر بن عبد الله الصقلى مؤسس مدينة القاهرة وُلِد بصقلية، وإليها نُسِب. وأرسله الخليفة الفاطمى المعز لدين الله إلى مصر لفتحها سنة (358 هـ)، فتمَّ له ذلك، ثم بدأ فى إنشاء مدينة القاهرة وتشييد الجامع الأزهر، ثم أرسل جعفر بن الفلاح للاستيلاء على الشام. ولما قدم الخليفة المعز إلى مصر سنة (362 هـ = 972 م) وجد الأمور قد استقرت بها؛ بفضل جوهر الصقلى. وقد ظل رفيع المنزلة، عالى القدر حتى تُوفِّى سنة (381 هـ = 992 م).

*أبو الريحان البيرونى

*أبو الريحان البيرونى هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى. أحد علماء المسلمين فى الرياضيات والفلك والجغرافيا. وُلِد فى بيرون بإقليم خوارزم الفارسى سنة (362 هـ = 973 م)، وحفظ القرآن والحديث، ثم اتصل بعالم نباتات يونانى حبب إليه العلوم الطبيعية، وعلمه اللغتين السريانية واليونانية، ثم لازم أبا نصر منصور عالم الرياضيات والفلك، فتعلم على يديه؛ إذ درس له كتب إقليدس وآراء بطليموس فى الفلك، كما تعلم اللغة السنسكريتية؛ مما أتاح له أن يقرأ حضارة الهند. وقد كتب البيرونى معظم مؤلفاته بالعربية، فى الفلك والطب والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والفلسفة وغيرها. ويُعدُّ كتابه القانون المسعودى من أضخم مؤلفاته، وفيه وضع معادلته المشهورة لاستخراج محيط الأرض، وأطلق عليها قاعدة البيرونى. وصفه المستشرق سخاو بأنه من أضخم العقول التى ظهرت فى العالم. إنه أعظم علماء عصره ... ومن أعظم العلماء فى كل العصور. وتُوفِّى البيرونى سنة (440 هـ = 1048 م).

*محمد بن أحمد البيروني

*محمد بن أحمد البيروني هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى. أحد علماء المسلمين فى الرياضيات والفلك والجغرافيا. وُلِد فى بيرون بإقليم خوارزم الفارسى سنة (362 هـ = 973 م)، وحفظ القرآن والحديث، ثم اتصل بعالم نباتات يونانى حبب إليه العلوم الطبيعية، وعلمه اللغتين السريانية واليونانية، ثم لازم أبا نصر منصور عالم الرياضيات والفلك، فتعلم على يديه؛ إذ درس له كتب إقليدس وآراء بطليموس فى الفلك، كما تعلم اللغة السنسكريتية؛ مما أتاح له أن يقرأ حضارة الهند. وقد كتب البيرونى معظم مؤلفاته بالعربية، فى الفلك والطب والرياضيات والجغرافيا والتاريخ والفلسفة وغيرها. ويُعدُّ كتابه القانون المسعودى من أضخم مؤلفاته، وفيه وضع معادلته المشهورة لاستخراج محيط الأرض، وأطلق عليها قاعدة البيرونى. وصفه المستشرق سخاو بأنه من أضخم العقول التى ظهرت فى العالم. إنه أعظم علماء عصره ... ومن أعظم العلماء فى كل العصور. وتُوفِّى البيرونى سنة (440 هـ = 1048 م).

*سعد بن عبادة

*سعد بن عبادة هو سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة الخزرجى. أحد كبار الصحابة. وكان قبل إسلامه رئيس قومه. واشتهر بالكرم وإتقان السباحة والرماية والكتابة، وسُمِّى بالكامل. أسلم قبل الهجرة، وحضر بيعة العقبة الثانية، وكان أحد نقبائها الاثنى عشر، وشهد الغزوات مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا بدرًا، فقد كان يتهيأ للخروج، ويحضُّ الأنصار على ذلك، لكنه مرض، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: لئن كان سعد لم يشهدها، لقد كان عليها حريصًا [مستدرك الحاكم]. وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - تخلف سعد عن مبايعة أبى بكر، رضى الله عنه، لأنه كان يرى أن الأنصار أحق بها، ثم هاجر إلى الشام فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وتُوفِّى هناك سنة (15 هـ = 636 م).

*يعقوب (نبى اللهـ)

*يعقوب (نبى اللهـ) هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. نبى كريم مثل أبيه وجده، عليهم السلام. ولم ينزل على يعقوب كتاب سماوى، وإنما ظل يدعو إلى التوحيد واعتناق ملة إبراهيم الحنيفية. ومن أكثر المواقف المؤثرة فى حياة يعقوب عليه السلام، ما حدث لابنه يوسف، عليه السلام، من حسد إخوته له، ومحاولتهم قتله، وحفظ الله تعالى له إلى أن أصبح حاكمًا على مصر. وقد ذهب بصر يعقوب حزنًا على يوسف وظل كذلك حتى التقى مع يوسف فى مصر. وعاش يعقوب فى مصر مع أبنائه وعشيرته، واتخذوها وطنًا لهم وتناسلوا واختلطوا بالمصريين إلى أن أخرجهم فرعون مصر منها.

*جعفر بن أبى طالب

*جعفر بن أبى طالب هو جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم. صحابى جليل. أسلم قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم. وهاجر جعفر إلى الحبشة فى الهجرة الثانية، ومعه زوجته أسماء بنت عميس، وهناك أنجبت أبناءه؛ عبد الله وعونًا ومحمدًا، وظل بالحبشة حتَّى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ثم قدم إليها فى العام السابع من الهجرة، والرسول بخيبر. وقد تلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرحًا مستبشرًا وقبَّل مابين عينيه. كما شهد جعفر بن أبى طالب غزوة مؤتة وأبلى فيها بلاءً حسنًا، حتى نال الشهادة. قال ابن عمر: كنت يوم مؤتة فلما فقدنا جعفر بن أبى طالب طلبناه فى القتلى، فوجدنا به بضعاً وتسعين مابين طعنة ورمية.

*جوردون باشا

*جوردون باشا هو تشارلز جورج جوردون قائد إنجليزى. وُلِد سنة (1833 م). وعُيِّن فى سلاح الهندسة الملكية، واشترك فى حرب القرم وعمره واحد وعشرون عامًا، ثم اشترك فى حرب الصين؛ حيث أسهم فى الاستيلاء على بكين، ثم تولى قيادة الجيش الصينى الذى قمع ثورة تيبنج. وفى سنة (1874 م) عينه الخديو إسماعيل حاكمًا عامًّا للسودان، وظل فى منصبه سبع سنوات، عاد بعدها إلى بريطانيا، ثم رجع مرة أخرى لإجلاء الجيش المصرى عن السودان، لكن قوات المهدى حاصرت الخرطوم، حتى سقطت، ولقى جوردون مصرعه فى يناير سنة (1885 م).

*يزيد بن أبى حبيب

*يزيد بن أبى حبيب فقيه ومحدِّث مصرى. وُلِد سنة (53 هـ)، فى خلافة معاوية، وتلقى العلم على أيدى عدد من العلماء، منهم: عبد الله بن الحارث الزبيدى وسعيد بن أبى هند. وتتلمذ له كثيرون، فى مقدمتهم: سعيد بن أبى أيوب وحيوة بن شريح ويحيى بن أيوب. وكان يزيد مفتى مصر، ويُعد من أوائل مَن أظهروا العلم ومسائل الحلال والحرام فى مصر، حتى قال عنه الليث بن سعد: يزيد عالمنا وسيدنا. وتُوفِّى يزيد بن أبى حبيب سنة (128 هـ).

*يوسف بن عمر الثقفى

*يوسف بن عمر الثقفى هو يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم الثقفى. والٍ أموى، يلتقى مع الحجاج الثقفى فى جدهما الحكم، ويشبهه فى انتهاج سياسة الشدة. ولاِّه الخليفة هشام بن عبد الملك ولاية اليمن سنة (106 هـ)، ثم ضم إليه ولاية العراق، فاستخلف يوسف ابنه الصلت على اليمن، وذهب إلى العراق، واستمر يوسف واليًا حتى قُتل سنة (127 هـ).

*أبو سفيان بن حرب

*أبو سفيان بن حرب هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. صحابى جليل. أسلم عام الفتح، وحسن إسلامه، وشهد مع النبى - صلى الله عليه وسلم - حنينًا والطائف، وكان قبل ذلك رأس المشركين فى غزوتى أحد والأحزاب. تزوج النبى - صلى الله عليه وسلم - ابنته أم حبيبة قبل أن يُسلم أبوها، وكانت قد أسلمت قديمًا وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، وتُوفِّى زوجها هناك. وقد رفع النبى - صلى الله عليه وسلم - من شأنه يوم الفتح حين أمَّن كل من يدخل دار أبى سفيان. واشترك أبو سفيان فى الفتوحات؛ فحضر معركة اليرموك، وولاَّه أبو بكر على نجران. وتُوفِّى أبو سفيان سنة (652 م) عن (88) سنة.

*أبو بكر بن العربى

*أبو بكر بن العربى هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبدالله بن أحمد المعافرى الإشبيلى. المعروف بالقاضى أبى بكر بن العربى. أحد أئمة الحديث والفقه فى الأندلس فى القرن السادس الهجرى. وُلِد بإشبيلية سنة (468 هـ = 1076 م)، ونشأ فى أسرة مشتغلة بالعلم؛ فقرأ منذ صغره كثيرًا من الكتب، ثم رحل إلى الشرق لينهل من علمائه، أمثال: أبى حامد الغزالى وأبى بكر الطرطوشى، ثم عاد إلى إشبيلية، وتولى قضاءها فترة، ثم ترك القضاء وتفرغ للتدريس والتصنيف، ومن أشهر ما صنفه: أحكام القرآن، والعواصم من القواصم، وعارضة الأحوذى شرح سنن الترمذى. وتُوفِّى ابن العربى سنة (543 هـ = 1148 م).

*البغوى

*البغوى هو أبومحمد الحسينى بن مسعود بن محمد الفرَّاء البغوى. أحد أئمة الحديث فى القرن الخامس الهجرى. وُلِد سنة (433 هـ = 1042 م) بمدينة بغ الإيرانية. وشغف بالعلم؛ فرحل فى طلبه، وأخذ عن كثير من أعلامه فى عصره، أمثال: حسين المروزى شيخ الشافعية، وأبى نصر أكركانجى المروزى وأبى بكر البيهقى. وقد غلبت على البغوى صناعة الحديث على الرغم من كونه واحدًا من فقهاء الشافعية، وله مصنفات كثيرة يأتى فى مقدمتها: شرح السنة ومعالم التنزيل، وهو تفسير للقرآن معروف باسم تفسير البغوى، ومصابيح السنة. وتُوفِّى البغوى نحو سنة (516 هـ = 1122 م)، ودُفِن بمروالروز.

*فاطمة بنت محمد

*فاطمة بنت محمد هى فاطمة بنت محمد. وُلِدت بمكة قبل البعثة بخمس سنوات، وهى صغرى بنات النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها. تزوجت على بن أبى طالب، رضى الله عنه، بعد غزوة أحد، وهى فى الثامنة عشرة من عمرها، فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، وانقطع نسل رسول الله (إلا منها. وكانت فاطمة من أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال عنها: إنها سيدة نساء العالمين. وتُوفِّيت بعد النبى - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر.

*الفتح بن خاقان (وزير عباسى)

*الفتح بن خاقان (وزير عباسى) هو الفتح بن خاقان بن أحمد. وزير الخليفة العباسى المتوكل على الله، وكانت علاقته به حسنة؛ ففوضه الخليفة فى حكم بلاد الشام. وكان الفتح بن خاقان أديبًا شاعرًا، ذكيًّا فطنًا، له مجلس يحضره فصحاء العرب وعلماء البصرة والكوفة. ومن نوادر فطنته وحسن أدبه أن الخليفة المعتصم دخل دار أبيه ليعوده، فرأى الفتح وهو صبى صغير، فمازحه، وقال له: أيما أحسن أدارى أم داركم؟، فقال الفتح: يا سيدى دارنا إذا كنت فيها أحسن. وألف الفتح بن خاقان عدة كتب، منها: اختلاف الملوك، والصيد والجوارح، والروضة والزهر، والبستان. وقُتِل الفتح مع الخليفة المتوكل سنة (247 هـ = 861 م).

*الفراء

*الفراء هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى، المعروف بالفراء. أحد أئمة اللغة والنحو فى القرن الثانى الهجرى. وُلِد بالكوفة سنة (144 هـ = 761 م)، ثم انتقل إلى بغداد، ولزم الكسائى، وأخذ عنه النحو حتى برع فيه، وصار إمام أهل الكوفة. وقد ترك الفراء مؤلفات كثيرة، من أهمها: معانى القرآن والمقصور والممدود والمذكر والمؤنث. وتُوفِّى الفراء سنة (207هـ = 822 م).

*أبو فراس الحمدانى

*أبو فراس الحمدانى هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبى، المعروف بأبى فِرَاس الحمدانى، ابن عم سيف الدولة أمير حلب. كان فارسًا مغوارًا، شاعرًا بليغًا، وشعره يجمع بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة. اشترك أبو فراس فى عدة معارك مع سيف الدولة حارب فيها الروم، فأُسِر فى إحداها وهو جريح فى فخذه، فحُمِل إلى القسطنطينية، وسجن فيها أربع سنين، ونظم وهو فى السجن قصائد امتازت بالرقة والحنين إلى الوطن، وعُرِفت بالقصائد الروميات، ثم أُطلق سراحه وعاد إلى وطنه. ولما مات سيف الدولة طمع هو فى حمص فاعترضه أبو المعالى بن سيف الدولة، وجرت بينهما حرب، انتهت بقتل أبى فراس سنة (357 هـ) عن (37) سنة. وقد جُمِع شعره فى ديوان حققه سامى الدهان فى دمشق.

*ابن فرحون

*ابن فرحون هو القاضى برهان الدين إبراهيم بن على بن محمد بن محمد أبى القاسم بن محمد بن فرحون مؤرخ وفقيه مالكى. وُلِد بالمدينة المنورة سنة (700هـ) بقليل، وعاش فى كنف أسرة عُرِفت باشتغالها بالعلم؛ فدرس الفقه والحديث واللغة والتاريخ على عدد من العلماء، منهم أبوه وعمه، حتى برز فى تلك العلوم، وجلس للتدريس، كما تولى قضاء المدينة فعرف بعدالته وشجاعته فى الحق. ترك ابن فرحون عدة مصنفات منها: الديباج المذهب، وهو فى تراجم فقهاء المالكية، وكتاب تبصرة الحكام فى أصول الأقضية، ومناهج الأحكام، وغيرها. وتُوفِّى ابن فرحون بالمدينة المنورة فى (10 من ذى الحجة799 هـ = 4 من سبتمبر 1397 م).

*الفردوسى

*الفردوسى هو أبو القاسم منصور بن فخر الدين أحمد بن فُرح الفردوسى. الشاعر الفارسى المعروف. وُلِد بطوس سنة (329 هـ)، واتصل بالسلطان محمود الغزنوى. واشتهر الفردوسى بشهنامته التى نظمها فى (35) سنة تقريبًا، وتحوى نحو (60) ألف بيت من الشعر الفارسى، سجَّل فيها الفردوسى تاريخ الفرس ومعاركهم منذ أقدم العصور حتى الفتح الإسلامى، وهى مرتبة ترتيبًا تاريخيًّا. وعندما تقدم الفردوسى برائعته الشهنامة إلى السلطان الغزنوى لم يعطه ما كان ينتظره من مكافأة؛ فهجاه الفردوسى ، وترك غزنة، وتنقل فى البلاد، وزار بغداد، ثم رجع إلى مسقط رأسه؛ حيث تُوفِّى سنة (411 هـ)، وقيل: سنة (416 هـ).

*الفرزدق

*الفرزدق هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميمى، المعروف بالفرزدق. أحد فحول الشعر العربى فى العصر الأموى. وُلِد فى البصرة وأقام فى باديتها مع أبيه وظهرت لديه ملكة الشعر وهو صغير، ثم اتصل بولاة العراق يمدحهم ويهجوهم، ورحل إلى دمشق يمدح الخلفاء الأمويين وينال جوائزهم. وقد دارت بينه وبين جرير نقائض تُعد وثيقة تاريخية لعصرهما ولكثير من أيام العرب وأحوالهم فى الجاهلية والإسلام، وقد برع الفرزدق فى أغراض المدح والهجاء والفخر. ويمتاز شعره بخشونة الألفاظ، ووعورة المعانى، والميل إلى الفخر. وكان الفرزدق عظيم الأثر فى اللغة؛ فقيل: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب، ونصف أخبار الناس. وتُوفِّى الفرزدق بالبصرة سنة (110 هـ = 728 م).

*محمد عبده

*محمد عبده هو محمد عبده بن حسن خيرالله. من كبار رجال الإصلاح والتجديد فى الإسلام. وُلِد فى شنرا إحدى قرى محافظة الغربية بمصر سنة (1265هـ)، ونشأ بمحلة نصر، ثم التحق بالجامع الأحمدى بطنطا ثم بالأزهر، ثم عمل فى التعليم، وكتب فى الصحف وبخاصة جريدة الوقائع المصرية، ثم تولى رئاسة تحريرها بعد ذلك. وشارك محمد عبده فى الثورة العرابية؛ فسُجِن فترة، ثم نُفِى إلى الشام، ثم سافر إلى باريس؛ حيث أصدر مع أستاذه جمال الدين الأفغانى جريدة العروة الوثقى. وفى سنة (1306 هـ = 1888 م) سُمِح له بالعودة إلى مصر، وتولى منصب القضاء، ثم تدرج فى المناصب حتى اختير مفتيًا للديار المصرية. وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفات كثيرة، منها: تفسير القرآن الكريم، ولم يكمله، وشرح نهج البلاغة، والإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية. وتُوفِّى محمد عبده سنة (1323 هـ = 1905 م).

*محمد على

*محمد على هو محمد على باشا بن إبراهيم أغا بن على المعروف بمحمد على الكبير. مؤسس آخر دولة ملكية بمصر. وُلِد سنة (1184 هـ = 1770 م) بقولة التابعة لليونان الآن، وتُوفِّى أبوه وهو صغير، واشتغل بتجارة الدخان، ثم جاء إلى مصر مع الحملة العثمانية لإجلاء القوات الفرنسية بقيادة نابليون، واشترك فى معركة أبى قير البحرية سنة (1214 هـ = 1799 م). تولَّى محمد على حكم مصر سنة (1220 هـ = 1805 م)، بعد ما طلب المصريون من الباب العالى عزل خورشيد باشا، وتولية محمد على عليهم. وبعد توليه الحكم عُنِى بتنظيم الحكومة، وتغلب على كثير من الصعاب، ونجح فى التخلص من المماليك، ألد أعدائه فى مذبحة القلعة. ومن أهم أعمال محمدعلى: إنشاء كثير من المدارس العليا، وإرسال البعثات العلمية، وتشييد القناطر الخيرية، وحفر كثير من الترع الرئيسية والفرعية، وتحسين ميناء الإسكندرية، وفتح السودان، ونشر الأمن فى البلاد، لكن يُؤخذ عليه انتزاعه جميع الأراضى من المصريين، وإرهاقه الأهالى بالضرائب الفادحة. وقد اعتزل محمد على الحكم سنة (1848 م)، وولَّى ابنه إبراهيم خلفًا له، ثم تُوفِّى بالإسكندرية، ودُفِن بالقاهرة سنة (1265 هـ = 1849 م).

*محمد فريد

*محمد فريد هو محمد فريد بن أحمد فريد باشا. رئيس الحزب الوطنى أيام الاحتلال البريطانى لمصر. وُلِد بالقاهرة سنة (1284 هـ = 1868 م)، لأبٍ من أصل تركى، وتعلم فى مدرستى الألسن والحقوق، وبعد تخرجه عُيِّن فى نيابة الاستئناف، ثم احترف المحاماة، وانقطع للخدمة العامة. شارك محمد فريد فى العمل السياسى فى مراحله المختلفة، إلى أن اختير رئيسًا للحزب الوطنى سنة (1908 م)، بعد وفاة مصطفى كامل. وقد سُجِن لأسباب سياسية، وأنفق معظم ثروته فى سبيل القضية المصرية، ثم فرضت عليه الظروف مغادرة البلاد فى (مارس 1912 م)؛ فذهب إلى الآستانة واتخذ منها مركزًا لنشاطه، ثم أخذ يتنقل بين المدن الأوربية أثناء الحرب العالمية الأولى؛ بحثًا عن الوسائل الممكنة لكسب استقلال بلاده وإخراج الإنجليز منها. وعلى الرغم من انشغال محمد فريد بالعمل الوطنى فإنه ترك عددًا من المؤلفات، منها: تاريخ الدولة العلية العثمانية، والبهجة التوفيقية فى تاريخ محمد على باشا، وتُوفِّى محمد فريد فى برلين بألمانيا سنة (1318 هـ = 1919م)، ثم نقلت جثته إلى القاهرة حيث دُفِن بها.

*محمد بن القاسم الثقفى

*محمد بن القاسم الثقفى هو محمد بن القاسم بن الحكم بن أبى عقيل الثقفى. أحد قادة الفتح الإسلامى فى العصر الأموى، وُلِد سنة (62 هـ = 681 م)، لأبٍ كان واليًا على البصرة والسند من قِبَل الحجاج بن يوسف الثقفى. وظل محمد بن القاسم قائدًا للأمويين حتى تُوفِّى سنة (98 هـ = 717 م).

*محمد بن محمد بن بقية

*محمد بن محمد بن بقية هو محمد بن محمد بن بقية بن على. أحد وزراء بنى بويه فى العصر العباسى. وُلِد سنة (314 هـ = 926 م) فى قرية أوانا بالقرب من بغداد. واتصف فى شبابه بالأخلاق الكريمة التى ساعدته على التدرج فى المناصب، حتى ولاَّه الأمير عز الدين بختيار الوزارة، فاستطاع بكرمه وسماحة خلقه وسعة صدره أن يكسب ودَّ الناس والجند. وعندما انتزع الأمير عضد الدولة إمارة العراق من ابن عمه عز الدين بختيار سنة (364 هـ = 974 م) قدَّم إليه ابن بقية مساعدات كثيرة خلال إقامته ببغداد؛ فكافأه عضد الدولة بأن جعله وزيرًا لابنه أبى الحسين، ولكن ابن بقية كان يطمع فى أن يكون وزيرًا لعضد الدولة نفسه، فلم يطب نفسًا بما ولاَّه عضد الدولة، ونقم عليه، وعمل على تأليب مدن العراق عليه؛ لذلك عندما تمكَّن عضد الدولة من هزيمة عزالدين بختيار سنة (367 هـ = 977 م) قبض على ابن بقية، وأمر بقتله.

*محمد بن مسلمة الأنصارى

*محمد بن مسلمة الأنصارى صحابى جليل، من الطبقة الأولى من الأنصار. وُلِد سنة (35 ق. هـ = 589 م)، وأسلم بالمدينة على يدى مصعب بن عمير، وآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبى عبيدة بن الجرَّاح. شهد محمد بن مسلمة المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا تبوك؛ إذ استخلفه الرسول على المدينة آنذاك. وفى عهد عمر بن الخطاب كان محمد بن مسلمة رسوله إلى المدن والأمصار؛ لتقصِّى أحوال الولاة وأخبارهم. وفى الفتنة اعتزل الناس فلم يشهد معركتى صفين والجمل، وأقام بالربذة حتى تُوفِّى سنة (43 هـ)، ودُفِن إلى جانب أبى ذر الغفارى وقيل: تُوفِّى بالمدينة.

*محمد بن موسى بن شاكر

*محمد بن موسى بن شاكر عالم من علماء المسلمين الذين اشتهروا فى الهندسة والفلك والموسيقا. وكان هو وأسرته من المقربين إلى الخليفة العباسى المأمون، وكان ذا همة عالية فى طلب العلم، وبخاصة علم الأوائل ، وأنفق كثيرًا من ماله فى سبيل الحصول على الكتب القديمة من بلاد الروم. وله كتاب يُسَمَّى رسم المعمور من البلاد وتُوفِّى محمد بن موسى سنة (259 هـ = 873 م).

*محمد بن هانئ الأندلسى

*محمد بن هانئ الأندلسى هو محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الإشبيلى. أشهر شعراء المغاربة. وُلِد سنة (326 هـ = 938 م) بإشبيلية، ولما ظهرت موهبته الشعرية اتصل بأميرها وحظى بمكانة عنده، لكنه كان ماجنًا متهمًا بالتفلسف، فغضب الناس عليه فترك إشبيلية إلى شمال إفريقيا، واتصل بالخليفة المعز لدين الله الفاطمى وأقام عنده فى المنصورية قرب القيروان. ولما رحل المعز إلى القاهرة شيعه ابن هانئ وعاد إلى إشبيلية فأخذ أسرته وقصد مصر لاحقًا بالمعز، فلما وصل إلى برقة قُتل فيها غيلة فى شهر رجب سنة (362 هـ = 973 م). وديوانه كبير، فيه غلو فى المدح، ونزعة إسماعيلية بارزة.

*عمرو بن أمية الضمرى

*عمرو بن أمية الضمرى صحابى جليل. أسلم بعد غزوة أحد. وكان شجاعًا، وأول مشاهده التى اشترك فيها بئر معونة، فأسره عامر بن الطفيل، وجزَّ ناصيته، وأطلق سراحه. بعثه النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة؛ ليأتى بجثة خبيب بن عدى بعدما قتله المشركون، كما أرسله إلى النجاشى فى الحبشة سنة (6 هـ) فى أمر زواجه - صلى الله عليه وسلم - من أم حبيبة. وعاش عمرو بن أمية إلى خلافة معاوية بن أبى سفيان، وتُوفِّى فى آخر عهده بالمدينة.

*عمرو بن عبيد

*عمرو بن عبيد هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصرى. أحد أئمة المعتزلة. وُلِد سنة (80 هـ)، واتصل بالحسن البصرى، ثم انفصل عنه هو وزميله واصل بن عطاء، وأسسا مذهب المعتزلة. واشتهر عمرو بن عبيد بالصلاح والتقوى، والوعظ النافذ إلى القلوب، والبيان العذب، وكان صديقًا لجعفر المنصور. وكتب رسائل كثيرة، لكن لم يصل إلينا منها شىء. وتُوفِّى عمرو بن عبيد سنة (144 هـ = 761 م).

*محمد بن زكريا الرازى

*محمد بن زكريا الرازى هو محمد بن زكريا الرازى. فيلسوف، وأحد كبار الأطباء فى تاريخ المسلمين. وُلِد فى الرى سنة (251 هـ = 865 م)، واشتغل فى صباه بالغناء، ثم انصرف عنه، وأقبل على دراسة الطب والفلسفة، وسافر بعد الثلاثين من عمره إلى بغداد؛ لدراسة الطب على يدى على بن زين الطبرى، حتى نبغ واشتهر. وكان يحضر مجلسه أجيال من التلاميذ، فيأتى المريض فيذكر مرضه لأول مَنْ يلقاهم، فإن كان عندهم علم شخَّصوا مرضه، وإلاَّ تعداهم إلى غيرهم، فإن لم يصيبوا تكلم الرازى فى ذلك. وكان الرازى كريمًا رحيمًا بالفقراء، يجرى عليهم الجرايات الواسعة ويمرَّضهم. وقد ألف نحو (232) كتابًا، يأتى فى مقدمتها: الحاوى فى صناعة الطب، والجدرى والحصبة، والطب الملوكى، والأقربازين. وقد عمى الرازى فى أخريات حياته، وتُوفَّى ببغداد سنة (313 هـ = 925 م).

*الداعى سبأ

*الداعى سبأ هو محمد بن سبأ بن أبى السعود الزريعى. من دعاة الباطنية الإسماعيلية، ولُقَّب بالملك المعظم المتوج المكين. ملك عدن أبين وتعز والدُّمْلُوة وغيرها فى عهد الحرة الصليحية، واشترى أكثر أملاكها بعد وفاتها من المنصور بن المفضل وقصده الشعراء فبذل لهم الأعطيات. ومات فى الدُّمْلُوة سنة (549 هـ = 1155 م).

*محمد بن سبأ

*محمد بن سبأ هو محمد بن سبأ بن أبى السعود الزريعى. من دعاة الباطنية الإسماعيلية، ولُقَّب بالملك المعظم المتوج المكين. ملك عدن أبين وتعز والدُّمْلُوة وغيرها فى عهد الحرة الصليحية، واشترى أكثر أملاكها بعد وفاتها من المنصور بن المفضل وقصده الشعراء فبذل لهم الأعطيات. ومات فى الدُّمْلُوة سنة (549 هـ = 1155 م).

*محمد بن سلام الجمحى

*محمد بن سلام الجمحى هو أبو عبيد محمد بن سلام الجُمحى البصرى. أحد أئمة اللغة والأدب فى القرنين الثانى والثالث الهجريين. وُلِد بالبصرة سنة (139 هـ). وعاش فى بغداد، ونشأ فى بيت يُعنَى باللغة والأدب، ودرس على كثير من أعيان عصره من أهل اللغة والأدب، مثل: خلف الأحمر والمفضل الضَّبِّى ويونس بن حبيب. ويُعد ابن سلام أول من ألَّف كتابًا يتناول تاريخ الأدب العربى، ويعالج قضية الانتحال فى الشعر الجاهلى، وهو كتاب طبقات فحول الشعراء ، كما أثرى ابن سلام المكتبة العربية بعدة مؤلفات أخرى منها: بيوتات العرب. وتُوفِّى ابن سلام ببغداد سنة (231 هـ = 846 م).

*المستكفى بالله (خليفة أندلسى)

*المستكفى بالله (خليفة أندلسى) هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر الأموى. خليفة أموى بالأندلس. وُلِد سنة (366 هـ = 976 م)، وتولى الحكم بقرطبة سنة (414 هـ = 1023 م)، عندما ساعد على اغتيال المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام، وكانت سياسته سيئة؛ فكرهته الرعية، ثم ثارت عليه، وخلعته من منصبه، فخرج من البلاد ولحق بالثغور؛ حيث تُوفِّى هناك قتيلاً فى قرية شمنت سنة (416 هـ = 1025 م).

*محمد الفاتح:

*محمد الفاتح: ولد السلطان «محمد» فى (27 من رجب 835هـ = 30 من مارس 1432م) وتولى عرش السلطنة بعد وفاة أبيه فى (5 من المحرم 855هـ = 7 من فبراير 1451م) بعد أن بايعه أهل الحل والعقد فى الدولة العثمانية. إعداد محمد الفاتح: خضع السلطان «محمد» - شأنه فى ذلك شأن كل أمير عثمانى - لنظام تربوى صارم تحت إشراف مجموعة من علماء عصره المعروفين. وهو ما يزال غضا، فتعلم القرآن الكريم والحديث والفقه والعلوم العصرية - آنذاك - من رياضيات وفلك وتاريخ ودراسات عسكرية نظرية وتطبيقية، كما كان السلطان «محمد» يشترك فى الحروب التى كان يشنها والده السلطان «مراد الثانى» ضد «أوربا» أو التى كان يصد فيها اعتداءاتهم. وكعادة «آل عثمان» فى إسناد إدارة ولاية لكل أمير وهو صغير حتى يؤهل لقيادة الدولة بعد ذلك، قضى «محمد» فترة إمارته فى «مغنيسيا» تحت إشراف مجموعة من أساطين علماء العصر، وفى مقدمتهم: الشيخ «آق شمس الدين» والملا «الكورانى». وقد أثرت هذه المجموعة من العلماء فى تكوين الأمير الصغير وتشكيل اتجاهاته الثقافية والسياسية والعسكرية، وكان الشيخ «آق شمس الدين» صارمًا مع الأمير حتى إن السلطان «محمد» وهو سلطان قال لأحد وزرائه عن شيخه هذا: «إن احترامى لهذا الشيخ احترام يأخذ بمجامع نفسى وأنا ماثل فى حضرته مضطربًا ويداى ترتعشان». ثقافة محمد الفاتح: درس السلطان «محمد» إلى جانب دراسته الأكاديمية المنظمة اللغات الإسلامية الثلاثة التى لم يكن يستغنى عنها مثقف عصرى آنذاك وهى: العربية والفارسية والتركية، وعنى بالأدب والشعر خاصة، فكان شاعرًا له ديوان بالتركية، وله بيت مشهور يقول فيه: نيتى هى الامتثال للأمر الإلهى «جاهدوا فى سبيل الله». وحماسى إنما هو حماس فى سبيل دين الله. وتعلم السلطان «محمد» أيضًا اللغات: اللاتينية واليونانية والصربية، ولاتخفى أهمية هذه اللغات لأمير فى طريقه إلى تولى الدولة

العثمانية. وقد أثرت فترة إمارة «محمد» فى شخصيته فجعلته - بفضل توعية أساتذته - أكثر الأمراء العثمانيين وعيًا فى دراسة علوم التاريخ والجغرافيا والعلوم العسكرية، وبخاصة أن أساتذته وجهوا اهتمامه إلى دراسة الشخصيات الكبيرة، التى أثرت فى مجرى التاريخ، وأبانوا له عن جوانب العظمة فى تلك الشخصيات، كما وضحوا له نقاط الضعف فيها، أملا أن يكون أميرهم ذات يومٍ من أكثر الحكام خبرة وحكمة وعبقرية. ولا شك أن الشيخ «آق شمس الدين» استطاع أن يلعب دورًا كبيرًا فى تكوين شخصية «محمد» وأن يبث فيه منذ صغره أمرين، جعلا منه فاتحًا، وهما: مضاعفة حركة الجهاد العثمانية. الإيحاء دومًا لمحمد منذ صغره بأنه هو الأمير المقصود بالحديث النبوى، «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش». وقد استغرق تحقيق النقطة الأولى فترة تاريخية من حياة السلطان «محمد» - بعد أن أصبح سلطانًا للدولة - لنرى فيه حملاته العسكرية، ونكتفى هنا بذكر حروبه البرية على الجبهة الأوربية. ففى عام (857هـ=1453م) فتح «القسطنطينية»، وفى عام (863هـ= 1459م) فتح «بلاد الصرب»، وفى عام (568هـ = 0641م) فتح «بلاد المورة»، وفى عام (866هـ = 1462م) ضم «بلاد الأفلاق»، وبين عامى (867 - 884هـ = 1462 - 1479م) فتح بلاد «ألبانيا»، وبين عامى (867 - 870هـ = 1462 - 1465م) فتح بلاد «البوسنة والهرسك»، وفى عام (881هـ = 1476م) وقعت حرب «المجر». ومنذ حرب بلاد «المجر» وحتى وفاة الفاتح عام (886هـ = 1481م) دخلت الدولة العثمانية فى حروب بحرية كثيرة منها: ضم الجزر اليونانية عام (884هـ = 1479م) وضم «أوترانتو» عام (885هـ=1480م) ومعلوم أنه كان قد أعد بالفعل جيوشه وتحرك على رأسها لمحاربة المماليك إلا أن الموت عاجله. فتح القسطنطينية: رأى السلطان «محمدالفاتح» أن فتح «القسطنطينية» كما أنه يحقق أملا عقائديا عنده فإنه أيضًا

يسهل للدولة العثمانية فتوحاتها فى منطقة «البلقان» ويجعل بلاده متصلة لايتخللها عدو، وكانت «القسطنطينية» تمثل الأرض التى تعترض طريق الفتوحات فى «أوربا»، فبدأ فى عاصمته «أدرنة» الاستعداد لعملية فتح «القسطنطينية»، ومن ذلك: صب المدافع خاصة الضخم منها، والاستعداد لنقل هذه المدافع إلى أسوار مدينة «القسطنطينية». ثم رأى السلطان «محمد» أن جده «بايزيد الصاعقة» كان قد بنى - أثناء محاولته فتح «القسطنطينية» - قلعة على الضفة الآسيوية من «البوسفور» سماها «أناضولو حصارى» أى «قلعة الأناضول».كانت تقوم على أضيق نقطة من «مضيق البوسفور»، فقرر «محمد» أن يبنى فى مواجهة هذه القلعة على الجانب الأوربى من «البوسفور» قلعة سماها «روملى حصارى» أى «قلعة منطقة الروم» (يطلق الأتراك على الجانب الأوربى من تركيا والمنطقة الملاصقة له والمعروفة الآن باسم «البلقان» اسم «روم إيلى» أى منطقة الروم)، وكان القصد من هذا هو التحكم فى «البوسفور» تمامًا، وكان السلطان «محمد» هو الذى وضع بنفسه تخطيط هذه القلعة، ونفذها المعمارى «مصلح الدين آغا» ومعه (7000) عامل أنهوا مهمتهم فى أربعة أشهر كاملة. وبعد أن تم البناء خرج بعض الجنود العثمانيين لرؤية «القسطنطينية» فما لبث أن وقع بينهم وبين البيزنطيين المجاورين لأسوار المدينة بعض حوادث شغب، كان لها رد فعل عند السلطان «محمد» فأصدر أوامره بإبعاد البيزنطيين المجاورين للأسوار والقرويين المجاورين للمدينة، فقام إمبراطور «بيزنطة» «قسطنطين دركازيز» بإخلاء القرى المجاورة، وسحب سكانها إلى داخل المدينة، ثم أمر الإمبراطور بإغلاق أبواب «القسطنطينية» وإحكام رتاجها. وبينما الاستعدادات العثمانية تجرى على قدم وساق فى «أدرنة» لفتح «القسطنطينية» كان الوضع فى المدينة غاية فى الاضطراب، فقد طلب الإمبراطور «قسطنطين» معونة عاجلة من البابا «نيقولا الخامس» فاستجاب البابا وأرسل الكاردينال

«ايزودور» إلى «القسطنطينية» فتوجه هذا الكاردينال وهو كاثوليكى - إلى «كنيسة آياصوفيا» وأقام فيها المراسم الكنسية على الأصول الكاثوليكية مخالفًا بذلك بل ومتحديًا مشاعر شعب «القسطنطينية» الأرثوذكسى. وقف الشعب ينظر إلى الكاردينال المنقذ باشمئزاز بالغ، وكان إمبراطور «القسطنطينية» يميل إلى فكرة اتحاد الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، أما رئيس الحكومة «لوكاس نوتاراس» و «جناديوس» (الذى صار بطريقًا بعد الفتح) فقد عارضا بشدة هذا الاتحاد خوفًا على الأرثوذكسية من الفناء، وقال «نوتاراس» قولته الشهيرة: «إنى أفضل رؤية العمامة التركية فى القسطنطينية على رؤية القبعة اللاتينية» ولم يكن البيزنطيون قد نسوا الأعمال الوحشية التى قام بها «اللاتين» عندما احتلوا «القسطنطينية» عام (601هـ = 1204م) ومع ذلك فإن الكنيسة اللاتينية لم تتوانَ عن إرسال موجات المتطوعين إلى «القسطنطينية» بناء على طلب إمبراطورها، لكن مجىء «ايزودور» لم يحقق أدنى نتيجة فى مسألة اتحاد الكنيستين. الحصار والفتح: حاصر العثمانيون «القسطنطينية» برا وبحرًا فى سنة (857هـ = 1453م) واشترك فى الحصار من الجنود البحرية (000.20) جندى على (400) سفينة، أما القوات البرية فكانت (80000) جندى، والمدفعية (200) مدفع. وقفت القوات البحرية العثمانية بقيادة «بلطة أوغلو سليمان بك» على مدخل «الخليج الذهبى» وكان عليه تدمير الأسطول البيزنطى المكلف بحماية مدخل الخليج وكان البيزنطيون قد أغلقوا - قبل الحصار - الخليج بسلسلة حديدية طويلة يصعب من جرائها دخول أى سفينة إلى الخليج، مما شكل أكبر معضلة أمام العثمانيين، لأن سفنهم كان عليها أن تحمل الجنود وتدخل الخليج لإنزالهم لكى يضربوا «القسطنطينية». ثم جاءت ثلاث سفن جنوية، وسفينة بيزنطية بقيادة القائد الشهير «جوستنيانى» أرسلها البابا للدفاع عن «القسطنطينية» ولنقل الإمدادات إليها، جاءت هذه السفن ولم

تستطع البحرية العثمانية منعها، فبعد معركة عنيفة مع البحرية العثمانية تغلب «جوستنيانى» ومضى بسفنه إلى الخليج، ففتح لها أهل «القسطنطينية» السلسلة الحديدية وأدخلوها، وكانت هذه الحادثة دافعًا لكى يفكر السلطان «محمد» فى خطة عسكرية شهد لها القواد العسكريون بالبراعة. كانت هذه الخطة تقضى بنقل (67) سفينة من السفن الخفيفة عبر البر من منطقة «غلطة» إلى داخل الخليج لتفادى السلسلة، وتمت هذه العملية بوضع أخشاب مطلية بالزيوت على طول المنطقة المذكورة، ثم دفعت السفن لتنزلق على هذه الأخشاب فى جنح الظلام، بعد أن استطاعت المدفعية العثمانية بإطلاقها مدافع الهاون أن تشد انتباه البيزنطيين إليها، ومن ثم لم يلتفت أحد لعملية نقل السفن إلى الخليج. نقلت السفن وأنزلت إلى الخليج ووضعت الواحدة تلو الأخرى على شكل جسر على عرض الخليج، حتى استطاع الجنود الانتقال عليها وصولا إلى بر «القسطنطينية» وما إن جاء الصباح إلا وتملكت الدهشة أهل «القسطنطينية»، ويصف المؤرخ «دوكاس» وهو بيزنطى عاصر الحادثة دهشته من هذه العملية قائلا: «إنها لمعجزة لم يسمع أحد بمثلها من قبل ولم ير أحد مثلها من قبل». وبعد أن فشلت البحرية العثمانية فى إحباط محاولة «جوستنيانى» دخول الخليج، لم يملك السلطان «محمد» إلا الأمر بالهجوم العام الذى اشتركت فيه كل القوات العثمانية مرة واحدة، وقبل هذا مباشرة أرسل السلطان «محمد» إلى الإمبراطور للمرة الثانية - يطلب منه تسليم المدينة سلمًا حقنًا للدماء، وللإمبراطور أن ينسحب إلى أى مكان يريده بكل أمواله وخزائنه، وتعهد السلطان «محمد» بتأمين أهل «القسطنطينية» - فى هذه الحالة - على أموالهم وأرواحهم وممتلكاتهم، لكن الإمبراطور - بتحريض من الجنويين - رفض هذا العرض. وفى (16من ربيع الأول 857 هـ= 26 من مايو 1453م) أراد ملك «المجر» أن يضغط على السلطان «محمد» فى هذا الوقت الحرج، فأرسل

يقول له: «إنه فى حالة عدم توصل العثمانيين إلى اتفاق مع إمبراطور «القسطنطينية» فإنه (أى ملك المجر) سيقود حملة أوربية لسحق العثمانيين، ولم تغير هذه الرسالة شيئًا. مضى نهار يوم (28 من مايو) هادئًا، وعند الفجر وبعد الصلاة مباشرة، اتجه السلطان «محمد» إلى مكان الهجوم ومع دوىّ المدافع الضخمة الذى بدأ، صدر الأمر السلطانى بإخراج العلم العثمانى من محفظته، وهذا يعنى عند الأتراك الأمر ببداية الهجوم العام. واستطاعت المدافع أثناء ذلك إحداث فتحة فى الأسوار، ثم اجتاز الجنود العثمانيون الخنادق المحفورة حول «القسطنطينية» واعتلوا سلالم الأسوار، وبدأ الجنود يتدفقون على ثلاث موجات، اشتركت «الإنكشارية» فى الثالثة منها، فاضطر «قسطنطين» أن يدفع بقواته الاحتياطية التى كانت مرابطة بجوار كنيسة الحواريين «سانت أبوترس» (مكان جامع الفاتح بعد ذلك) لتدخل المعركة، وما لبث أن أطلق جندى عثمانى سهمه فأصاب القائد «جوستنيانى» إصابة بالغة فانسحب «جوستنيانى» من ميدان المعركة رغم توسلات الإمبراطور له، لأن «جوستنيانى» كان له دور كبير فى الدفاع عن المدينة. وكان أول شهداء العثمانيين هو الأمير «ولى الدين سليمان» الذى أقام العلم العثمانى على أسوار المدينة البيزنطية العريقة، وعند استشهاده أسرع (18) جنديا عثمانيا إليه لحماية العلم من السقوط واستطاعوا حمايته حتى واصل بقية الجنود تدافعهم على الأسوار، وثبت العلم تمامًا على الأسوار بعد أن استشهد أيضًا هؤلاء الثمانية عشر جنديا، أثناء ذلك كان العثمانيون يواصلون تدفقهم إلى المدينة، عن طريق الفتحات التى أحدثتها المدفعية فى الأسوار، ثم عن طريق تسلق السلالم التى أقاموها على أسوار المدينة، وتمكن جنود من فرق الهجوم العثمانية من فتح بعض أبواب «القسطنطينية» ونجح آخرون فى رفع السلاسل الحديدية التى وضعت فى مدخل الخليج لمنع السفن العثمانية من الوصول إليها، فتدفق الأسطول

العثمانى إلى الخليج وبعد ذلك إلى المدينة نفسها، وساد الذعر البيزنطيين وكان قد قتل منهم من قتل، وهرب من استطاع إلى ذلك سبيلا. الفاتح يعطى الأمان: عندما دخل «محمد الفاتح» المدينة أمر بإحراق جثث القتلى تفاديًا للأمراض، وسار على ظهر جواده إلى كنيسة «آيا صوفيا» حيث تجمع الشعب البيزنطى ورهبانه، وما إن علموا بوصول السلطان الفاتح حتى خروا سجدًا راكعين بين أنين وبكاء وعويل، ولما وصل الفاتح، نزل من على ظهر حصانه وصلى ركعتين شكرًا لله على توفيقه له بالفتح، ثم سار يقصد شعب بيزنطة ورهبانه، ولما وجدهم على هذه الحالة من السجود انزعج وتوجه إلى رهبانهم قائلا: «قفوا استقيموا فأنا السلطان محمد، أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا، إنكم منذ اليوم فى أمان فى حياتكم وحرياتكم»، وهذا ما سجله مؤرخ بولونى كان معاصرًا. وكان لهذا التصرف من الفاتح أثر كبير فى عودة المهاجرين النصارى الذين كانوا قد فروا من المدينة، وأمر الفاتح قواده وجنوده بعدم التعرض للشعب البيزنطى بأذى، ثم طلب من الناس العودة إلى ديارهم بسلام، وحول «آيا صوفيا» إلى جامع، على أن تصلى فيه أول جمعة بعد الفتح (كان الفتح يوم ثلاثاء) وكانت «آيا صوفيا» أكبر كنيسة فى العالم وأقدم مبنى فى أوربا كلها، وسميت المدينة «إسلامبول» أى مدينة الإسلام. كان سلوك الفاتح عندما دخل «القسطنطينية» ظافرًا؛ سلوكًا مختلفًا تمامًا عما تقول به شريعة الحرب فى العصور الوسطى، وهو نفى شعب المدينة المفتوحة إلى مكان آخر أو بيعه فى أسواق النخاسة، لكن الفاتح قام بما عجز عن فهمه الفكر الغربى المعاصر له من تسامح ورحمة، فقد قام بالآتى: - أطلق سراح الأسرى فورًا نظير مقابل مادى قليل يسدد على أقساط طويلة المدى. - وأسكن الأسرى الذين كانوا من نصيبه فى المغانم فى المنازل الواقعة على ساحل الخليج. - وعندما أبيحت «القسطنطينية» للجنود ثلاثة أيام عقب الفتح، كان هذا الإذن

مقتصرًا على الأشياء غير المعنوية، فلم تُغتصب امرأة ولم يُمسَّ شيخ ولا عجوز ولا طفل ولا راهب بأذى، ولم تهدم كنيسة ولا صومعة ولا دير ولا بيعة، مع أن المدينة أُخذت بالحرب ورَفضت التسليم. - وكان من حق الفاتح قانونًا - ما دامت المدينة قد أخذت عنوة- أن يكون هو نيابة عن الجيش الفاتح مالكًا لكل ما فى المدينة، وأن يحول نصف الكنائس والبيع على مدى زمنى طويل إلى جوامع ومساجد، وأن يترك النصف الآخر لشعب المدينة على ما هو عليه، وفى وقفيات السلطان «محمد الفاتح» بنود كثيرة على بقاء أديرة «جوكاليجا» و «آيا» و «ليبس» و «كيرا ماتو» و «الكس» فى يد البيزنطيين. - واعترف لليهود بملكيتهم لبيعهم كاملة، وأنعم بالعطايا على الحاخام «موسى كابسالى». - وعين فى سنة (865هـ= 1461م) للجماعات الأرمنية بطريقًا يدعى «يواكيم» ليشرف على مصالح الأرمن ويوحد صفوفهم. - وبدأ فى أعمال تعمير المدينة ابتداء من (23 من ربيع الأول 857هـ = 12 من يونية 1453م) (كان الفتح يوم 29 من مايو من العام نفسهـ) وأمر بنقل جماعات كثيرة من مختلف أنحاء الدولة إلى «القسطنطينية» للإسهام فى إعادة إنعاشها. - وأعاد للأرثوذكس كرامتهم التى أهدرها اللاتين الكاثوليك بأن أعطاهم حق انتخاب رئيس لهم، يمثلهم ويشرف على شئونهم، وأصبح «سكولا ريوس» (جناديوس) أول بطريق لهم بعد الفتح العثمانى للقسطنطينية، وبذلك أنقذ الفاتح إيمان الأمة التى فتح ديارها، وأحيا الأرثوذكية بعد أن أخذت تخفت. - وجعل الفاتح مسائل الأحوال الشخصية مثل: الزواج والطلاق والميراث وأمور الوفاة الخاصة بأهل المدينة المفتوحة من حق الجماعات الدينية المختصة، وكان هذا امتيازًا منعدم النظير فى «أوربا» فى ذلك الوقت. الفاتح وحكام عصره: كان تصرف «الفاتح» تصرفًا حضاريا فى الوقت الذى كان الحكام من الشرق والغرب يتلذذون بسفك الدماء وبقتل الناس بالآلاف، ويتلذذون وهم على موائد

الطعام بمنظر الأسرى وقد اخترقت بطونهم أسنة رماح الجنود، وبرفع الأسرى على الخوازيق وبخلط دمائهم بأنواع الشراب، كما فعل «جنكيزخان» و «تيمورلنك» فى الشرق، و «فلال» و «هونيادى» فى الغرب. إن دولة «بيزنطة» هدمت حى المسلمين فى «القسطنطينية» وأبادت سكانه بعد أن علم الإمبراطور بانتصار «تيمورلنك» على السلطان العثمانى «بايزيد الصاعقة» فى واقعة أنقرة عام (805هـ = 1402م). وأزهقت الجيوش الصليبية فى عملية احتلال القدس أرواح (70000) برىء، يقول «هـ. ج. ويلز» فى ذلك: «كانت المذبحة التى دارت فى بيت المقدس رهيبة وكان الراكب على جواده يصيبه رشاش الدم الذى سال فى الشوارع .. » ويقول المؤرخ نفسه عن «هولاكو»: «كان هولاكو يفتح فارس وسوريا وأظهر المغول فى ذلك الزمان عداوة مريرة للإسلام، ولم يكتفوا بتذبيح سكان بغداد .. بل وقد صارت أرض الجزيرة منذ تلك اللحظة التعسة يبابًا من الخرائب والأطلال لا تتسع إلا للعدد القليل من السكان». وتقول «سامحة آى ويردى»: «إن الجيوش الصليبية التى تدفقت على القسطنطينية عام (603هـ = 1206م) قامت بتحويل المدينة إلى خرابة بائسة فقيرة معدمة بعد أن كانت غنية معمورة يسودها الرخاء». وعندما دخل «شارل الخامس» «تونس» عام (947هـ = 1540م) لم يترك حيا أمامه إلا قتله ولم تسلم من وحشيته حتى الجمال والقطط، وهذا ما ذكره «شهاب الدين تكين داغ» فى مذكراته عن الدولة العثمانية. إن هذه الأمثلة إذا ما قارناها بموقف «الفاتح» الحضارى من «القسطنطينية» وأهلها، نرى «الفاتح» قائدًا منعدم النظير بين أقرانه من أباطرة الشرق وحكام الغرب، ولو كان «الفاتح» قد اتبع ما كان يجرى على الجانب الغربى من البحر المتوسط من فظائع الإسبان فى «الأندلس» وما فعلوه بالمسلمين وبالعرب ما أصبح هناك مسيحى واحد فى «القسطنطينية».

*محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله

*محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله هو محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر الأموى. خليفة أموى بالأندلس. وُلِد سنة (366 هـ = 976 م)، وتولى الحكم بقرطبة سنة (414 هـ = 1023 م)، عندما ساعد على اغتيال المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام، وكانت سياسته سيئة؛ فكرهته الرعية، ثم ثارت عليه، وخلعته من منصبه، فخرج من البلاد ولحق بالثغور؛ حيث تُوفِّى هناك قتيلاً فى قرية شمنت سنة (416 هـ = 1025 م).

*محمد بن عبد الملك الزيات

*محمد بن عبد الملك الزيات هو محمد بن عبد الملك بن أبان بن أبى حمزة، المعروف بالزيات. أحد بلغاء الكتاب والشعراء. وُلِد سنة (173 هـ = 789 م)، وبدأ حياته كاتبًا. وقد مكنته براعته الأدبية من أن يتخذه المعتصم وزيرًا له، يعوِّل عليه فى كل شئونه، وأن يظل فى منصبه فى عهدى الواثق والمتوكل. وتُوفِّى الزيات سنة (233 هـ = 847 م).

*العتبى

*العتبى هو أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبى. مؤرخ من الكتاب والشعراء. أصله من الرى. نشأ وتعلم فى خراسان وولى نيابتها، كما تولى رئاسة ديوان الإنشاء فى خراسان والعراق، ثم رحل إلى نيسابور واستوطنها، وعمل بتدريس الآداب والعلوم، واشتهر بكتابة التاريخ. وله عدد من الكتب، منها: لطائف الكتاب، فى الأدب، واليمينى، نسبة إلى السلطان الغزنوى يمين الدولة محمود بن سبكتكين، ويُعرَف بتاريخ العتبى. وتُوفِّى العتبى سنة (427هـ = 1036 م).

*محمد بن عبد الجبار

*محمد بن عبد الجبار هو أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبى. مؤرخ من الكتاب والشعراء. أصله من الرى. نشأ وتعلم فى خراسان وولى نيابتها، كما تولى رئاسة ديوان الإنشاء فى خراسان والعراق، ثم رحل إلى نيسابور واستوطنها، وعمل بتدريس الآداب والعلوم، واشتهر بكتابة التاريخ. وله عدد من الكتب، منها: لطائف الكتاب، فى الأدب، واليمينى، نسبة إلى السلطان الغزنوى يمين الدولة محمود بن سبكتكين، ويُعرَف بتاريخ العتبى. وتُوفِّى العتبى سنة (427هـ = 1036 م).

*محمد بن عبد الوهاب

*محمد بن عبد الوهاب هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن أحمد بن راشد. زعيم النهضة الإصلاحية الحديثة فى شبه الجزيرة العربية. وُلد فى العيينة من بلاد نجد، سنة (1115 هـ = 1703 م)، لأبٍ كان فقيهًا حنبلى المذهب، فتتلمذ له، وأخذ عنه الفقه الحنبلى. واشتهر بالتقوى وصدق التدين. وطوَّف محمد بن عبد الوهاب بكثير من بلدان العالم الإسلامى، كالبصرة وبغداد وكردستان وهمذان وأصفهان وغيرها، وقام بالدعوة فى شبه الجزيرة إلى العودة إلى منهج السلف الصالح. وقد ناصر دعوة الشيخ محمد بن سعود أمير الدرعية وبنيه بعده، حتى انتشرت هذه الدعوة فى الجزيرة العربية. وترك محمد بن عبد الوهاب مؤلفات كثيرة، منها: تفسير سورة الفاتحة، وأصول الإيمان وفضائل الإسلام، ونصيحة المسلمين، وكتاب التوحيد. وتُوفَّى ابن عبد الوهاب بالدرعية سنة (1206 هـ = 1792 م).

*ابن رشد

*ابن رشد هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسى. أحد أئمة الفقه والفلسفة فى القرن السادس الهجرى. وُلِد سنة (520 هـ) فى قرطبة، ودرس الفقه والطب وفلسفة أرسطو، ونقل أكثرها إلى العربية. وتولى قضاء إشبيلية سنة (565 هـ = 1169 م)، وقضاء قرطبة سنة (567 هـ = 1171 م). وتوثقت صلته بالخليفة الموحدى يعقوب المنصور بالله؛ فكثر أعداؤه وحسَّاده، واتهموه بالزندقة والإلحاد، وأوغروا صدر المنصور عليه؛ فنفاه إلى مراكش وأحرق كتبه، لكنه مالبث أن رضى عنه؛ فأذن له بالعودة إلى قرطبة، لكن الموت كان أقرب إليه، فمات فى مراكش سنة (595 هـ = 1198 م)، ونُقل جثمانه إلى قرطبة حيث دُفِن هناك. وقد ترك ابن رشد مؤلفات كثيرة، منها: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وتهافت التهافت، وفصل المقال، والكليات فى الطب، ومنهاج الأدلة.

*محمد بن أحمد بن محمد بن رشد

*محمد بن أحمد بن محمد بن رشد هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسى. أحد أئمة الفقه والفلسفة فى القرن السادس الهجرى. وُلِد سنة (520 هـ) فى قرطبة، ودرس الفقه والطب وفلسفة أرسطو، ونقل أكثرها إلى العربية. وتولى قضاء إشبيلية سنة (565 هـ = 1169 م)، وقضاء قرطبة سنة (567 هـ = 1171 م). وتوثقت صلته بالخليفة الموحدى يعقوب المنصور بالله؛ فكثر أعداؤه وحسَّاده، واتهموه بالزندقة والإلحاد، وأوغروا صدر المنصور عليه؛ فنفاه إلى مراكش وأحرق كتبه، لكنه مالبث أن رضى عنه؛ فأذن له بالعودة إلى قرطبة، لكن الموت كان أقرب إليه، فمات فى مراكش سنة (595 هـ = 1198 م)، ونُقل جثمانه إلى قرطبة حيث دُفِن هناك. وقد ترك ابن رشد مؤلفات كثيرة، منها: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وتهافت التهافت، وفصل المقال، والكليات فى الطب، ومنهاج الأدلة.

*عثمان بن مظعون

*عثمان بن مَظْعون هو أبو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذيفة الجمحى صحابى جليل من أوائل من أسلموا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب، ثم عاد إلى مكة بعد سماعه أن قريشًا قد أسلمت، ولمَّا تبين الحقيقة ثَقُل عليه العودة للحبشة، فدخل مكة فى جوار الوليد بن المغيرة. هاجر عثمان مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وشهد غزوة بدر وكان من أشد الناس اجتهادًا فى العبادة، يصوم النهار؛ ويقوم الليل، ويعتزل النساء، فنهاه رسول الله عن ذلك وأوصاه بالاعتدال فى الأمر، وكان ممن حرَّم الخمر على نفسه فى الجاهلية، وقال: لا أشرب شرابُا يُذهب عقلى، ويُضحك بى من هو أدنى منى. ومات عثمان - رضى الله عنه - سنة (2 هـ = 624 م) بعد غزوة بدر. وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين وأول مَن دُفن بالبقيع، فوضع النبى - صلى الله عليه وسلم - عند رأسه حجرًا وقال: هذا قبر فرطنا، ووُصف عثمان - رضى الله عنه - بأنه كان شديد الأُدْمة، ليس بالقصير ولابالطويل، كبير اللحية عريضها.

*عبد القادر المغربى

*عبد القادر المغربى هو عبد القادر بن مصطفى المغربى. أديب وناثر ولغوى، ومفسر وصحافى. أصله من تونس ووُلد بطرابلس الشام سنة (1284 هـ)، وتلقى العلم والده وعن حسين الجسر وغيرهما، واتصل بجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، وجاء إلى مصر فعمل محررًا فى المؤيّد ثم عاد إلى طرابلس وأصدر جريدة البرهان، وساهم فى إنشاء كلية الفنون بالمدينة مع عبد العزيز جاويش وشكيب أرسلان، والكلية الصلاحية بالقدس، وكان عضواً بالمجمع العلمى العربى بدمشق، ثم نائبًا للرئيس، واختير للتدريس فى الجامعة السورية، ومن مؤلفاته: الاشتقاق والتعريب، والبينات والأخلاق والواجبات، وعثرات اللسان وتفسير جزء تبارك، وكان - مع تقدمه فى السنّ - دائم الحركة، نشيطًا حتى تُوفِّى بدمشق سنة (1375هـ) عن عمر يُقارب التسعين.

*عبد القادر الجزائرى

*عبد القادر الجزائرى هو عبد القادر بن محيى الدين بن مصطفى الحسينى الجزائرى أمير مجاهد من العلماء والشعراء فى الجزائر. وُلِد فى القيطنة - إحدى قرى وهران بالجزائر - فى سنة (1222 هـ) وتعلم فى وهران وحجَّ مع أبيه سنة (1241 هـ)، وعندما احتل الفرنسيون الجزائر عام (1246 هـ) أخذ يجاهدهم. ولما وجد فيه العلماء ورؤساء القبائل شجاعة، وعقلاً سليمًا، وحزمًا بايعوه زعيمًا للجهاد وكان عمره (24) عامًا فتحصن بهم وقاتل الفرنسيين وأعوانهم، وعمل على تنظيم جيشه وأنشأ مصانع للأسلحة والمعدات الحربية وملابس الجند، وعمل على إخضاع القبائل التى تهدد الأمن أو تتعاون مع الفرنسيين، وكان يلجأ إلى الترغيب، وعندما لايُجدى الإقناع يلجأ إلى القوة والحزم، فإذا انتصر انقلب الحزم حلمًا والقوة عفوًا. وظل يقاتل الفرنسيين خمسة عشر عامًا، وكان فى معاركه يتقدم جيشه ببسالة فائقة، ولما هادنهم سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام ضعف موقف عبد القادر فاشترط شروطًا للاستسلام رضى بها الفرنسيون واستسلم عام (1263 هـ) فنفوه إلى طولون ومنها إلى أنبواز فأقام بها نحو أربع سنين، وزاره نابليون الثالث فأطلق سراحه واشترط عليه ألايعود إلى الجزائر وخصَّص له مبلغاً من المال يأخذه كل عام، فزار باريس والآستانة واستقر فى دمشق سنة (1271 هـ) حتى تُوفِّى بها سنة (1300 هـ).

*عكرمة بن أبى جهل

*عكرمة بن أبى جهل هو عكرمة بن أبى جهل بن هشام القرشى المخزومى، صحابىُُّ جليل، يُعدُّ من مشاهير الفرسان، كان فى جاهليته شديد العداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأبيه أبى جهل. أباح رسول الله دمه يوم فتح مكة ففر إلى اليمن إلاَّ أن زوجته أم حكيم استأمنت له من رسول الله (فأمَّنه، فأدركته باليمن، وأتت به النبى، وذلك فىالسنة الثامنة من الهجرة، فأسلم وحسن إسلامه. وكان له الأثر العظيم فى حروب الردة؛ حيث وجَّهه أبو بكر إلى أهل عمان فظَهَر عليهم، ثم وجهه إلى اليمن، وبعد أن انتهى من حروب الردة التحق بجيش المسلمين فى الشام حيث قاتل قتالاً شديدًا حتى نال الشهادة يوم اليرموك عن عمر يناهز اثنتين وستين سنة.

*ابن العلقمى

*ابن العَلْقَمِىّ هو أبوطالب مؤيد الدين محمد بن محمد بن على بن العلقمى، وزير الخليفة العباسى المستعصم. اشتغل بالأدب حتى ارتفعت مكانته وتولَّى الوزارة سنة (642 هـ)، إلا أنه كان من المبغضين لأهل السنة، فكاتب التتار وحرَّضهم على غزو بغداد ولكنهم بعد سقوط بغداد عاملوه بإذلال ومهانة، فمات كمَدًا وحزنًا وكانت مدة وزارته (14) سنة، ومات بعد دخول التتار بغداد بثلاثة أشهر سنة (656 هـ = 1258 م)، وكان عمره (66) عامًا.

*مؤيد الدين بن العلقمى

*مؤيد الدين بن العَلْقَمِىّ هو أبوطالب مؤيد الدين محمد بن محمد بن على بن العلقمى، وزير الخليفة العباسى المستعصم. اشتغل بالأدب حتى ارتفعت مكانته وتولَّى الوزارة سنة (642 هـ)، إلا أنه كان من المبغضين لأهل السنة، فكاتب التتار وحرَّضهم على غزو بغداد ولكنهم بعد سقوط بغداد عاملوه بإذلال ومهانة، فمات كمَدًا وحزنًا وكانت مدة وزارته (14) سنة، ومات بعد دخول التتار بغداد بثلاثة أشهر سنة (656 هـ = 1258 م)، وكان عمره (66) عامًا.

*عبد الله بن جحش

*عبد الله بن جحش هو عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدى، حليف بن عبد شمس صحابى جليل، أحد السابقين إلى الإسلام. هاجر إلى بلاد الحبشة ثم إلى المدينة، وآخى النبى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عاصم بن ثابت، وهو أول أمير فى الإسلام، وأول مغنم قُسِّم فى الإسلام مغنمه، وهو صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخو زينب بنت جحش أم المؤمنين، وأمه أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه سعد بن أبى وقاص وسعيد بن المسيب. وكان عبد الله بن جحش ثالث ثلاثة استشارهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أسرى بدر. دعا الله يوم أحد أن يُرزَق الشهادة، فنالها، وعمره نيف وأربعون سنة، ودُفِن هو وحمزة عم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى قبر واحد.

*عبد الله بن الزبير

*عبد الله بن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى وأمُّه أسماء بنت أبى بكر، وهو أول مولود فى الإسلام من المهاجرين، وُلِد بالمدينة بعد الهجرة. وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (33) حديثًا. شهد عبد الله اليرموك مع أبيه الزبير وشارك فى فتح إفريقية فى خلافة عثمان بن عفان، كما شهد معركة الجمل مع أبيه. وامتنع عبد الله بن الزبير عن مبايعة يزيد بن معاوية بعد موت معاوية بن أبى سفيان، وقد بُويع له بالخلافة فى المدينة سنة (64 هـ) عقب موت يزيد بن معاوية. وكان عبد الله أول من ضرب الدراهم المستديرة، فجعل نقش الدراهم بأحد الوجهين محمد رسول الله وبالآخر أمر الله بالوفاء بالعهد. ولكن عبد الملك بن مروان - الخليفة الأموى - أرسل جيشًا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى للقضاء على عبد الله بن الزبير فنشبت بينهما معركة انتهت بقتل ابن الزبير بعد ما خذله أصحابه، وكان ذلك سنة (73 هـ).

*ابن الزبير

*ابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدى وأمُّه أسماء بنت أبى بكر، وهو أول مولود فى الإسلام من المهاجرين، وُلِد بالمدينة بعد الهجرة. وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (33) حديثًا. شهد عبد الله اليرموك مع أبيه الزبير وشارك فى فتح إفريقية فى خلافة عثمان بن عفان، كما شهد معركة الجمل مع أبيه. وامتنع عبد الله بن الزبير عن مبايعة يزيد بن معاوية بعد موت معاوية بن أبى سفيان، وقد بُويع له بالخلافة فى المدينة سنة (64 هـ) عقب موت يزيد بن معاوية. وكان عبد الله أول من ضرب الدراهم المستديرة، فجعل نقش الدراهم بأحد الوجهين محمد رسول الله وبالآخر أمر الله بالوفاء بالعهد. ولكن عبد الملك بن مروان - الخليفة الأموى - أرسل جيشًا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفى للقضاء على عبد الله بن الزبير فنشبت بينهما معركة انتهت بقتل ابن الزبير بعد ما خذله أصحابه، وكان ذلك سنة (73 هـ).

*عبد الله بن رواحة

*عبد الله بن رواحة هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو الأنصارى الخزرجى، صحابى جليل، وشاعر مشهور. كان أحد النقباء يوم العقبة وشارك مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى معظم غزواته. وكان عبد الله بن رواحة - رضى الله عنه - عظيم القدر فى الجاهلية والإسلام. وكان واحدًا من الشعراء المحسنين الذين كانوا يزودون بشعرهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد استشهد - رضى الله عنه - فى غزوة مؤتة سنة (8 هـ)، وكان أحد الأمراء فيها بعد زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب.

*عبد الله بن عباس

*عبد الله بن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى، صحابى جليل، ويُسمَّى حَبْر الأمة. وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة حين تُوفِّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد دعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يفقهه الله فى الدين. وقد روى عبد الله بن عباس عن الرسول أحاديث كثيرة، وله فى الصحيحين وغيرهما (1660) حديثًا، واشتهر ابن عباس بتفسير القرآن وكان يُلقب بترجمان القرآن. وكان عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - يقول: ابن عباس فتى الكهول، وله لسان قئول، وقلب عقول. وشهد ابن عباس مع على بن أبى طالب الجمل وصفين وولاَّه على البصرة، ثم فارقها قبل أن يُقتل على وعاد إلى الحجاز. وتُوفِّى - رضى الله عنه - بالطائف فى أيام ابن الزبير سنة (68 هـ).

*عبد القاهر الجرجانى

*عبد القاهر الجرجانى هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجانى النحوى واضع أصول البلاغة، من كبار أئمة النحو واللغة. من أهل جُرْجان. كان عبد القاهر مولعًا بالعلم محبًّا للثقافة شغوفًا بالكتب وخصوصًا كتب النحو واللغة. وتصدر عبد القاهر العلم بجرجان وذاع صيته وتوافد عليه طلاب العلم، ولكنه - رغم علمه وشهرته - كان فقيرًا لم يعش حياة ناعمة أو مترفة. وكان عبد القاهر ورعًا شديد التدين يكثر من العبادة والصلاة، وكان يقول الشعر ولكن شعره قليل. وقد ترك عبد القاهر الجرجانى ثروة علمية هائلة تنوعت بين النحو والبلاغة والتفسير، من مؤلفاته: المقتصد، الجمل، إعجاز القرآن الإيجاز، دلائل الإعجاز، شرح الفاتحة، أسرار البلاغة. وتُوفِّى عبد القاهر سنة (471 هـ).

*أبوعبيد القاسم بن سلام

*أبوعبيد القاسم بن سلام هو أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهراوى، وُلِد بهراة سنة (157 هـ) وكان أبوه مملوكًا روميًّا. من كبار العلماء بالقراءات والحديث واللغة والفقه. رحل إلى بغداد وولى قضاء طرسوس - فى خراسان - ثمانى عشرة سنة من سنة (192 هـ) حتى (210 هـ)، ورحل إلى مصر مع يحيى بن معين سنة (211 هـ). وقد صنف العديد من المؤلفات فى فروع العلم المختلفة، منها: غريب القرآن، الناسخ والمنسوخ، فضائل القرآن، كتاب الطهارة، غريب الحديث، أدب القاضى، الأمثال السائرة. انقطع أبو عبيد إلى الأمير عبد الله طاهر بن الحسين الذى أحسن تقديره حتى رتَّب له عشرة آلاف درهم شهريًّا. وتُوفِّى ابن سلام بمكة سنة (224 هـ).

*عبد الله بن عمر بن الخطاب

*عبد الله بن عمر بن الخطاب هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى صحابى جليل. وُلِد - رضى الله عنه - فى السنة الثالثة من البعثة. وأسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم، وهاجر إلى المدينة قبل أبيه. شارك فى غزوات الخندق ومؤتة واليرموك كما شارك فى فتح مصر وإفريقية، ولم يشارك فى بدر وأحد لصغر سنه، ولم يأذن له النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك. كان عبد الله بن عمر من رواة الحديث، فقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (2630) حديثًا، وكان من أهل العلم، أفتى الناس ستين سنة، وكان شديد الورع والتوقى لدينه حتى إنه ترك المنازعة فى الخلافة مع كثرة ميل أهل الشام إليه ومحبتهم له، فبعد مقتل عثمان بن عفان - رضى الله عنه -عرضت عليه البيعة بالخلافة فرفض، حتى قيل: ما من أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها إلا عبد الله بن عمر، ولم يقاتل عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - فى شىء من الفتن. وتوفى عبد الله بن عمر - رضى الله عنه - سنة (73هـ = 692م) بعد مقتل ابن الزبير بثلاثة أشهر.

*عبد العزيز بن محمد بن سعود

*عبد العزيز بن محمد بن سعود أحد أمراء آل سعود فى دولتهم الأولى التى كانت عاصمتها الدرعية. وُلِد عبد العزيز فى الدرعية سنة (1132 هـ)، وقد اختاره والده وليًّا لعهده. وقد ساهم فى معظم المعارك التى جرت بين الدرعية وأعدائها وقاد أغلبها، وتولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة (1179 هـ)، ولقب بالإمام، واتسعت الدولة فى عهده حيث أخضع أواسط شبة الجزيرة العربية، فدانت له العارض والوشم وسدير وجبل شمر، ووصلت هجماته إلى حدود الحجاز والطائف ومكة والمدينة وهاجم العراق -التى كانت تابعة للدولة العثمانية - سنة (1217 هـ) وخرب مزارات الشيعة بها، وقد أثار ذلك الشيعة عليه، فاغتاله أحدهم فى مسجد الدرعية سنة (1218هـ).

*أبو العتاهية

*أبو العتاهية هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد العينى العنزى المشهور بأبى العتاهية، شاعر ذائع الصيت فى العصر العباسى. وُلِد فى عين التمر بالقرب من الكوفة ونشأ فى الكوفة، واتصل بالخلفاء، وعلت مكانته عندهم. وكان أبو العتاهية يبيع الفخار بالكوفة حتى قال الشعر فبرع فيه، وكان شعره لطيف المعانى، سهل الألفاظ، قليل التكلف. وأكثر شعره فى الزهد والأمثال. ويُعدُّ أبو العتاهية من مقدمى المولدين من طبقة بشار وأبى نواس. وقد هجر أبو العتاهية الشعر فترة فبلغ ذلك المهدى العباسى فسجنه وهدده بالقتل إن لم يعد إلى قول الشعر، فعاد. وتُوفِّى أبو العتاهية ببغداد سنة (211 هـ).

*عبد الحفيظ

*عبد الحفيظ هو عبد الحفيظ بن الحسن الأول بن محمد بن عبد الرحمن، الحسنى العلوى من سلاطين الدولة العلوية فى المغرب الأقصى. وُلِد عبد الحفيظ بمدينة فاس عام (1280 هـ = 1863 م) وعُرف منذ نشأته بميوله الفقهية، فدرس اللغة والدين والتصوف. وبعد وفاة أبيه تولى الحكم أخوه عبد العزيز، وكان عبد الحفيظ نائبًا عنه فى مراكش فنادى به الجنود سلطانًا، فانقسمت الدولة بين عبد العزيز بفاس وعبد الحفيظ بمراكش، ثم عُزل عبد العزيز واستقر الأمر لعبد الحفيظ، فانتقل إلى العاصمة فاس فثارت عليه قبائل بنى مطير، وشراقة والنازلة وحاصرته فطلب المساعدة من الحكومة الفرنسية التى سرعان ما أجابته وأعلنت حمايتها على المغرب، بعد أن وقع عبد الحفيظ معاهدة (30 من مارس 1912 م) المعروفة بمعاهدة الحماية. وفى (31 من أغسطس 1912 م) أعلن المولى عبد الحفيظ تنازله عن العرش، وغادر المغرب إلى ميناء مرسيليا، وخلفه على العرش أخوه الثالث يوسف. وقد كان المولى عبد الحفيظ فقيهًا أديبًا، ألَّف العديد من الكتب منها: الجواهر اللوامع فى نظم جمع الجوامع، نيل النجاح والفلاح فى علم ما به القرآن لاح، العذب السلسبيل فى حل ألفاظ الخليل. وتُوفِّى المولى عبد الحفيظ سنة (1356هـ = 1937 م) بمدينة انجان ليبان بفرنسا، ودُفن فى المغرب.

*عبد الرحمن الكواكبى

*عبد الرحمن الكواكبى هو عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبى، الملقب بالسيد الفراتى. أحد أبرز المجددين والمصلحين المسلمين فى العصر الحديث. وُلِد سنة (1854 م) فى حلب لأسرة ذات نفوذ ومكانة علمية. كان يجيد العربية والفارسية والتركية. اطَّلع على التيارات الفكرية الغربية، واشتغل بالصحافة فى سن مبكرة فأصدر صحيفة الشهباء سنة (1878 م) وكان عمره (24) سنة، إلا أن هجومه على العثمانيين وطلبه استقلال العرب عنهم أدى إلى إغلاقها، فأنشأ فى (1879م) جريدة الاعتدال إلا أنها أغلقت هى الأخرى فاشتغل بالتجارة والإدارة فترة، وقام بتحريرعرائض الشكاوى للمظلومين، وسجنه العثمانيون وحكم عليه بالإعدام بتهمة محاولة قتل الوالى العثمانى إلا أن الرأى العام جعل العثمانيين يُطلقون سراحه فرحل إلى مصر سنة (1899 م) حيث نشر كتابه طبائع الاستبداد وكتاب أم القرى، وأجرت له الحكومة المصرية راتبًا ساعده على القيام بسياحتين فى بلاد العرب، وشرقى إفريقيا، وبعض بلاد الهند، وطاف بالسواحل الجنوبية للصين، وسجل رحلته التى استمرت (6) أشهر فى كتاب لم يخرج إلى النور بسبب اغتيال صاحبه على يد أحد عملاء العثمانيين الذى دس له السم وذلك فى مساء الخميس (14 يونيو1902 م)، ودفن بالقاهرة وصادر العثمانيون أوراق الكواكبى الخاصة بعد اغتياله.

*عبد الرحمن بن عوف

*عبد الرحمن بن عوف هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث، صحابى جليل من المسلمين الأوائل، وكان اسمه فىالجاهلية عبد الكعبة فغيره النبى - صلى الله عليه وسلم -. وُلِد بعد عام الفيل بعشر سنين، وكان من المهاجرين الأولين. هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، كما كان أحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - الخلافة فيهم. وكان - رضى الله عنه - يعمل بالتجارة؛ فاجتمعت له ثروة كبيرة، فكان كثير الإنفاق فى سبيل الله، حتى أعتق فى يوم واحد ثلاثين عبدًا، وروى أنه تصدق بشطر ماله فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بعثه النبى إلى دومة الجندل وأذن له أن يتزوج بنت ملكها الأصبغ بن ثعلبة الكلبى فتزوجها، وهى تماضر أم ابنه أبى سلمة. وكان عبد الرحمن بن عوف من رواة الحديث فقد روى (65) حديثاً، وتُوفِّى - رضى الله عنه - فى المدينة سنة (32 هـ).

*عبد الله بن مسعود

*عبد الله بن مسعود هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلى صحابى جليل، من كبار الصحابة، ومن أكثرهم قربًا من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم - رضى الله عنه - مبكرًا وكان خادم الرسول وصاحب سره، وهو أول من جهر بقراءة القرآن بمكة، وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة بلغت (848) حديثاً، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وقد آخى النبى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين الزبير بن العوام، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. وشهد - رضى الله عنه - بدرًا وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذى أجهز على أبى جهل فى بدر، كما شهد اليرموك بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وبعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة مع عمار بن ياسر وكتب إلى أهلها: إنى قد بعثت إليكم بعمار بن ياسر أميرًا وعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا لهما، وقد أثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسى. وقد تُوفِّى - رضى الله عنه - سنة (32 هـ) عن عمر بلغ بضعًا وستين سنة.

*أبو عبيدة بن الجراح

*أبو عبيدة بن الجراح هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهرى القرشى، صحابى جليل اشتهر بكنيته ونسبه إلى جده. وُلِد بمكة، وهو من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. وقد لقبه النبى - صلى الله عليه وسلم - بأمين الأمة فقال: لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقد صار - رضى الله عنه - أَهْتَم، حينما نزع الحلقتين اللتين دخلتا فى وجه النبى (من المغفر يوم أحد، فانتزعت ثنيتاه. ولاَّه عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قيادة الجيش الزاحف إلى الشام، بعد خالد بن الوليد فتمَّ له فتح الديار الشامية، وبلغ الفرات شرقًا وآسيا صغرى شمالاً. وقد تُوفِّى أبو عبيدة - رضى الله عنه - فى طاعون عَمَواس بالشام سنة (18 هـ = 639 م).

*عبد الله بن حذافة السهمى

*عبد الله بن حُذَافة السَّهْمِىُّ هو عبد الله بن حذافة بن قيس السهمى القرشى. صحابى جليل، من المهاجرين الأولين الذين هاجروا إلى الحبشة، وكان رسول الله (قد بعثه إلى كسرى. شهد بدرًا وأسره الروم فى زمن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - ثم شهد فتح مصر، وأقام بها حتى تُوفِّى سنة (33 هـ). وروى عنه أبو وائل وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار.

*عبد الملك بن هشام

*عبد الملك بن هشام هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى المعافرى. مؤرِّخ وعالم بالأنساب واللغة وأخبار العرب. وُلِد فى البصرة فى منتصف القرن الثانى الهجرى، ثمَّ رحل إلى مصر وأقام بها. جمع سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - من كتاب المغازى والسير لابن إسحاق وهذَّبها ولخَّصها فى كتاب يُعرف الآن بسيرة ابن هشام، وله كتاب التيجان فى ملوك حمير الذى يرويه بسند عن وهب بن منبه، وكتاب شرح ما وقع فى أشعار السير من الغريب. وتُوفِّى ابن هشام فى مصر فى ربيع الآخر سنة (218 هـ).

*ابن هشام

*ابن هشام هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى المعافرى. مؤرِّخ وعالم بالأنساب واللغة وأخبار العرب. وُلِد فى البصرة فى منتصف القرن الثانى الهجرى، ثمَّ رحل إلى مصر وأقام بها. جمع سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - من كتاب المغازى والسير لابن إسحاق وهذَّبها ولخَّصها فى كتاب يُعرف الآن بسيرة ابن هشام، وله كتاب التيجان فى ملوك حمير الذى يرويه بسند عن وهب بن منبه، وكتاب شرح ما وقع فى أشعار السير من الغريب. وتُوفِّى ابن هشام فى مصر فى ربيع الآخر سنة (218 هـ).

*عبد الله التعايشى

*عبد الله التعايشى هو عبد الله بن محمد التعايشى، زعيم سياسى ودينى سودانى ، ينسب إلى قبائل البقارة القاطنة غربى النيل الأبيض. وُلِد فى كردفان سنة (1850 م) ودرس علوم الدين وحفظ القرآن، ثم انتقل إلى دارفور واستقر مع عائلته فيها. اتصل بمحمد أحمد ( المهدى) الذى عينه خليفته حيث بايعه المهديون بعد وفاة المهدى سنة (1885 م) قائداً للحركة المهدية، وبدأ عهده بإخضاع الأشراف أتباع المهدى الذين عارضوا تنصيبه عليهم، وقام التعايشى بهجمات على الحبشة وجنوب مصر إلا أن حملته على مصر سنة (1889 م) فشلت وأدت هزيمته إلى مجاعة فى السودان، وتوالت الهزائم عليه فى شرق السودان، وعملت بريطانيا على القضاء على التعايشى فجهزت حملة مصرية إنجليزية عام (1896م) لغزو السودان، وسيطرت على أم درمان بعد سنتين واستطاعت قتل التعايشى فى تلك الحملة سنة ( 1899 م).

*أم عمار بن ياسر

*أم عمار بن ياسر هى سُمَيَّة بنت خياط، أم عمار بن ياسر، صحابية جليلة شهيدة. كانت أمَة لأبى الحذيفة بن المغيرة فزوُّجها لياسر بن عمار وأعتقها. أسلمت فى بداية الدعوة، وكانت من السبعة الأوائل فى الإسلام حيث أسلمت وهى كبيرة السنِّ، فعذبها بنو المغيرة إلا أنها كانت صابرة، واستشهدت فى العام السابع قبل الهجرة حيث ضربها أبو جهل بحربة فقتلها فكانت أوَّل شهيدة فى الإسلام.

*أبو العلاء المعرى

*أبو العلاء المعرى هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد المعرى، شاعر فيلسوف، من قبيلة تنوخ العربية. وُلِد فى معرَّة النعمان شمال بلاد الشام بين حمص وحلب فى ربيع الأول سنة (363 هـ) لأسرة ذات علم وفضل، وكُفَّ بصره وهو ابن ست سنوات، وتعلم أبو العلاء اللغة والنحو والأدب والحديث، ثم رحل إلى حلب وهو حدث صغير فقرأ الأدب والنحو، نظم أبو العلاء الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. وقد عاش أبو العلاء عيشة زهد وتقشف رغم امتلاكه المال. وقد زار بغداد سنة (398 هـ) ثم تركها سنة (400 هـ) وعاد إلى مسقط رأسه ولزم بيته وانقطع للتدريس والتأليف لذلك سُمِّى رهين المحبسين. وللمعرى كتب ودواوين عديدة، منها: سقط الزند ولزوم ما لا يلزم ورسالة الغفران. وتُوفِّى أبو العلاء فى مسقط رأسه فى ربيع الأول سنة (449 هـ).

*عطاء بن أبى رباح

*عطاء بن أبى رباح هو أبو محمد عطاء بن أبى رباح أسلم بن صفوان، تابعىُُّ من أجلاَّء الفقهاء. وُلِد فى جَنَد باليمن ونشأ بمكَّة المكرمة، وتلقَّى العلم عن عدد من الصحابة منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم وغيرهم. وبلغ منزلة عظيمة فى العلم حتى صار فقيه مكة ومحدثها. وأخذ عنه العلم كثير من معاصريه، منهم: الزُّهرى وقتادة والأوزاعى والأعمش وتُوفِّى عطاء نحو سنة (115 هـ).

*عطاء بن يسار

*عطاء بن يسار هو عطاء بن يسار مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية. تابعى جليل، وأخو الفقيه الواعظ سليمان بن يسار. نشأ فى مكة المكرمة وأخذ العلم عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسمع من ابن مسعود وحدَّث عن أبى أيوب، وزيد بن أرقم وعائشة أم المؤمنين وأبى هريرة وأسامة بن زيد وغيرهم. وقد بلغ فى العلم والفقه منزلة كبيرة وأخذ عنه كثير من العلماء، منهم: زيد بن أسلم وصفوان بن سليم وعمرو بن دينار. وتُوفِّى عطاء بن يسار سنة (103 هـ) وهو ابن (84) سنة.

*العلاء بن الحضرمى

*العلاء بن الحضرمى هو العلاء بن الحضرمى بن عبَّاد صحابى جليل، أصله من حضرموت بعثه النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، ثم ولاَّه النبى - صلى الله عليه وسلم - على البحرين بعد أن فتحها الله له، وجعل له جمع الزكاة؛ يأخذ من الأغنياء ليعطى الفقراء. وبعد وفاة النبى (أقره أبو بكر ثم عمر. وكان العلاء أوَّل مسلم يركب البحر للغزو، كما أنه أول من نقش خاتم الخلافة، وهو الذى بعث عرفجة بن هرثمة إلى شواطئ فارس سنة (14 هـ) فكان أول من فتح جزيرة بأرض فارس فى الإسلام. وكان للعلاء دور بارز فى قتال المرتدين بالبحرين. واشتهر العلاء بأنه مجاب الدعوة، وقد مات العلاء وهو فى طريقه إلى البصرة حينما وجهه إليها عمر بن الخطاب سنة (21 هـ).

*عبيد الله المهدى

*عبيد الله المهدى هو عبيد الله بن محمد بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم الفاطمى العلوى مؤسس الدولة العلوية الفاطمية بالمغرب. وُلِد بسلمية بسوريا وقيل بالكوفة، ونشأ بسلمية، وكان يتخفى من بنى العباس، ولما طارده الخليفة العباسى المكتفى بالله هرب إلى المغرب، وكان كبير دعاته أبو عبد الله الحسين بن أحمد - الشهير بأبى عبد الله الشيعى - قد نشر الدعوة الإسماعيلية الشيعية هناك وكسب إلى صفها قبيلة كنافة، وأخذ يبشر أنصاره بقرب ظهور المهدى المنتظر ثم أرسل إليه يدعوه للانتقال للمغرب بعد أن أصبح الوقت مناسبًا لظهوره. وفى طريق المهدى إلى المغرب مرَّ بالعراق ثم مصر ثم القيروان وفيها تمت له البيعة بالخلافة فى ربيع الآخر سنة (297هـ)، فنجح فى نشر مبادئه وتأسيس دولة امتدت حدودها إلى طرابلس وبرقة وصقلية وتاهرت وحاول الاستيلاء على مصر مرتين ولكنه لم يفلح فى ذلك. ومن أهم أعمال المهدى بناء مدينة المهدية بالمغرب وقد اتخذها عاصمة لدولته، ودامت خلافته حتى وفاته فى ربيع الأول سنة (322 هـ) بعد حكم دام (24) سنة.

*حفصة بنت عمر بن الخطاب

*حفصة بنت عمر بن الخطاب هى أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضى الله عنهما -. وُلدت قبل بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين. تزوجت حفصة خنيس بن حذافة وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها بعد غزوة بدر. فخطبها النبى - صلى الله عليه وسلم - من أبيها سنة (2 هـ). وكانت حفصة - رضى الله عنها - كثيرة الصيام، دائمة العبادة لله، وقد روت الحديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر، رضى الله عنه. وتُوفيت - رضى الله عنها - سنة (45 هـ) فى خلافة معاوية، عن عمر بلغ نحو (65) سنة، وصلى عليها مروان بن الحكم، ودُفنت بالبقيع.

*الدارقطنى

*الدَّارقُطنى هو أبو الحسن على بن عمر بن أحمد بن مهدى بن مسعود بن دينار بن عبد الله الحافظ الكبير، ويُلقب بأمير المؤمنين فى الحديث. وُلِد الدارقطنى نحو عام (305 هـ) واسمه نسبة إلى دار القطن ببغداد وعرف منذ صغره بقوة الحافظة، والفهم الثاقب، وقد اجتمع له ذلك مع المعرفة بالحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر. وكان الدار قطنى إمام عصره فى علوم الرجال والجرح والتعديل، وحسن التأليف واتساع الرواية. ومن أهم مؤلفاته كتاب السنن وكتاب الضعفاء والمتروكين، والإلزامات، وله أيضًا كتابا العلل والأفراد، وغيرها من المصنفات. ورحل الدارقطنى إلى مصر، فلقى كل التقدير والإكرام من الوزير أبى الفضل. وقد تُوفِّى عام (385 هـ).

*حذيفة بن اليمان

*حذيفة بن اليمان هو أبو عبد الله حذيفة بن حسل بن جابر العيسى، واليمان لقب أبيه حسل، صحابى جليل، وكان صاحب سر النبى - صلى الله عليه وسلم - فى المنافقين، ولم يعلمهم أحد غيره، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإن حضر الصلاة عليه، صلى عليه عمر وإلا لم يصلِّ عليه. وكان حذيفة - رضى الله عنه - من الولاة الشجعان الفاتحين، ولاَّه عمر على المدائن بفارس، وكانت عادته إذا استعمل عاملاً كتب فى عهده: وقد بعثت فلانًا وأمرته بكذا، فلما استعمل حذيفة كتب فى عهده: اسمعوا له وأطيعوه وأعطوه ما سألكم. وفتح حذيفة العديد من المدن الفارسية، وهاجم نهاوند عام (22 هـ)، ثم صالح أهلها على أن يدفعوا الجزية. وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - (225) حديثًا. وظل واليًا على المدائن حتى تُوفِّى عام (36 هـ = 656 م).

*رفيق العظم

*رفيق العظم هو رفيق بن محمود بن خليل العظم عالم وباحث من رجال النهضة الفكرية فى سوريا. وُلِد فى دمشق عام (1284 هـ = 1867 م). نشأ مقبلاً على كتب التاريخ والأدب ثم جاء إلى مصر واستقر بها وشارك فى كثير من الأعمال والجمعيات الإصلاحية والسياسية والعلمية ونشر بحوثًا قيمة فى الصحف والمجلات، وألف كتابه المعروف أشهر مشاهير الإسلام فى الحرب والسياسة. وجمع شقيقه عثمان العظم طائفة من مقالاته ونشرها فى كتاب سماه مجموعة أثار رفيق العظم وله أشعار قليلة. وقد أهدى مكتبته - وتضم نحو ألف مجلد - إلى المجمع العلمى العربى فى دمشق. وكان - رحمه الله - حسن الخلق، محمود السيرة، متصفًا بالعزة والإباء. وتُوفِّى رفيق العظم بالقاهرة عام (1343 هـ = 1925 م).

*سكينة بنت الحسين

*سُكَينة بنت الحسين هى سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب. وُلدت عام (40هـ = 660م). وشهدت مع أبيها حادثة كربلاء سنة (61 هـ)، ثم رحلت إلى الكوفة ثم إلى دمشق ثم عادت مع أهلها إلى المدينة. وتزوجت سكينة مصعب بن الزبير بن العوام الذى مات عام (71 هـ) فتزوجها عبد الله بن عثمان. وكانت - رضى الله عنها - سيدة نساء عصرها، ومن أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن أخلاقًا، وكانت كثيرة العبادة. وتُوفيت سكينة - رضى الله عنها - بالمدينة المنورة عام (117 هـ = 735 م) فى السابعة والسبعين من عمرها.

*ابن الحاجب

*ابن الحاجب هو أبو عمر عثمان بن عمر الكردى إمام وعالم لغوى شهير، من أصل كردى. ولد فى إسنا - بصعيد مصر، من أعمال محافظة قنا الآن، سنة (570 هـ) ونشأ بمصر، وكان أبوه حاجبًا لأحد أمرائها فعرف بلقب ابن الحاجب. وقد نبغ ابن الحاجب فى كثير من العلوم العربية والإسلامية، ومنها علم النحو فألف فيه رسالة الكافية، التى جمع فيها دقائق مسائل النحو. وقد سعى العلماء من بعده إلى شرح الكافية. وله أيضًا رسالة الشافية التى تُعد أهم مراجع علم الصرف. وتُوفِّى ابن الحاجب بالإسكندرية سنة (646 هـ).

*سالم بن عبد الله

*سالم بن عبد الله هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان أشبه ولد عبد الله به. أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وكان من سادات التابعين وعلمائهم، وقد عرف عنه ورعه وزهده، فكان يعيش حياة خشنة، يلبس الصوف، ويأكل نوعًا واحدًا من الطعام، وكان ثقة. ومما يُروى عنه أن الحجاج بن يوسف الثقفى أعطى سالمًا سيفًا وأمره بقتل رجل، فقال سالم للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم، فقال سالم: أصليت صلاة الصبح؟ قال: نعم. فرجع سالم إلى الحجاج ورمى إليه بالسيف وقال: إنه ذكر أنه مسلم، وأنه قد صلى صلاة الصبح اليوم. وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ صلى صلاة الصبح فهو فى ذمة الله. فقال الحجاج: لسنا نقتله على صلاة الصبح، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان. فقال سالم: هاهنا من هو أولى بعثمان منى. فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال: مكيس مكيس. وكان عبد الله بن عمر شديد الحب لسالم. وتُوفِّى سالم عام (106 هـ = 725 م).

*زيد بن الخطاب

*زيد بن الخطاب هو زيد بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العزى. صحابى جليل، وأخو الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب - رضى الله عنهما-، ولكنه كان أسنَّ منه. وقد أسلم زيد فى مكة وهاجر إلى المدينة. وكان زيد فارسًا فى الجاهلية وفى الإسلام. وشهد بدرًا وأحدًا والخندق، وسائر المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - ومبايعة أبى بكر ارتدت بعض القبائل عن الإسلام فقام المسلمون لمحاربتهم، وكان زيد يحمل راية المسلمين يوم اليمامة، وعندما انكشف المسلمون فى بداية المعركة صاح زيد بأعلى صوته: اللهم إنى أعتذر إليك من فرار أصحابى وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة، وأخذ يتقدم بالراية نحو العدو ثم قاتل بسيفه حتى استشهد، وكان ذلك فى السنة الحادية عشرة من الهجرة. ويُروى له يوم أحد أن عمر - رضى الله عنه - قال له: أقسمت عليك إلا لبست درعى، فلبسها ثم نزعها وقال لعمر: إنى أريد بنفسى ماتريد بنفسك. وقد حزن عليه عمر حزنًا شديدًا وظل يذكره ويبكيه.

*ابن سريج

*ابن سريج هو أبو يحيى عبيد الله بن سريج. من موالى بعض أشراف مكة فى القرن الأول الهجرى، أبوه تركى وأمه جارية. وُلِد بمكة فى خلافة عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - عام (20 هـ = 640 م). وأخذ الغناء عن ابن مسجع، ثم برع فى التلحين والضرب على العود الفارسى، وعُدَّ أول من ضربه فى مكة من العرب. وأصبح ابن سريج يغنى فى مجالس السمر وفى ختان أبناء الأشراف، كما اشتهر بألحان النواح. وقد بلغت ألحانه التى غناها بصوته نحو (68) لحنًا، واتصلت سيرته بالشاعر العربى الكبير عمر بن أبى ربيعة، وسعى إليه الكثير من الشعراء ليستمعوا منه. وانقطع ابن سريج لعبد الله بن جعفر، ثم للحكم بن عبد المطلب. وتوفِّى ابن سريج عام (98 هـ = 716 م).

*الشيرازى

*الشيرازى هو محمود بن مسعود بن مصلح الفارسى، قطب الدين الشيرازى عالم ومفسر وقاضٍ. وُلِد بشيراز عام (634 هـ = 1236 م)، وأخذ العلم عن أبيه، ونصير الدين الطوسى، ثم تولى القضاء، وزار الشام ثم استقر فى مدينة تبريز. وكان من بحور العلم، وله تصانيف كثيرة، منها: فتح المنان فى تفسير القرآن نحو (40) مجلدًا، مشكلات التفسير، تاريخ العلوم خزانة الرباط ومفتاح المفتاح فى البلاغة. وتُوفِّى الشيرازى بمدينة تبريز عام (710 هـ = 1310 م).

*حسن بن الناصر محمد

*حسن بن الناصر محمد هو السلطان حسن بن الناصر محمد السلطان المصرى السابع من سلاطين دولة المماليك البحرية. وُلِد السلطان حسن عام (735 هـ = 1334 م). تولى الحكم بعد أبيه الملك الناصر محمد لكنه استبدَّ بحكم البلاد، فتآمر عليه الأمراء وخلعوه، وولوا أخاه الملك الصالح عام (751 هـ = 1350 م). وفى عام (755 هـ = 1354 م) عاد السلطان حسن إلى الحكم فقضى على الفتن والثورات التى قامت ضده. ثم أرسل جيشًا إلى أرمينية، واستولى على أطنة وطرسوس من بلاد الأناضول. وكانت سياسته الداخلية تهدف إلى القضاء على الحكم المملوكى، وإقامة أسرة حاكمة من أهل البلاد فكان ذلك سببًا فى تآمر المماليك عليه، حتى اعتقلوه، ثم اغتالوه عام (762 هـ).

*الناصر حسن

*الناصر حسن هو السلطان حسن بن الناصر محمد السلطان المصرى السابع من سلاطين دولة المماليك البحرية. وُلِد السلطان حسن عام (735 هـ = 1334 م). تولى الحكم بعد أبيه الملك الناصر محمد لكنه استبدَّ بحكم البلاد، فتآمر عليه الأمراء وخلعوه، وولوا أخاه الملك الصالح عام (751 هـ = 1350 م). وفى عام (755 هـ = 1354 م) عاد السلطان حسن إلى الحكم فقضى على الفتن والثورات التى قامت ضده. ثم أرسل جيشًا إلى أرمينية، واستولى على أطنة وطرسوس من بلاد الأناضول. وكانت سياسته الداخلية تهدف إلى القضاء على الحكم المملوكى، وإقامة أسرة حاكمة من أهل البلاد فكان ذلك سببًا فى تآمر المماليك عليه، حتى اعتقلوه، ثم اغتالوه عام (762 هـ).

*ابن دقيق العيد

*ابن دقيق العيد هو أبو الفتح تقى الدين محمد بن على بن وهب بن مطيع القشيرى، قاضٍ من أكابر العلماء. وُلِد بمدينة يَنْبُع على ساحل البحر الأحمر سنة (625 هـ = 1228م)، ونشأ بمدينة قوص - بصعيد مصر - وتلقى علومه فى عدد من البلدان، مثل: دمشق والإسكندرية والقاهرة. وعندما ذاع صيته وظهر فضله وعلمه تولى قضاء الديار المصرية سنة (695هـ) حتى وفاته. وله مؤلفات قيمة، منها: إحكام الأحكام فى الحديث، الإلمام بأحاديث الأحكام، شرح الأربعين حديثاً للنووى، الإمام فى شرح الإلمام، أصول الدين، الاقتراح فى بيان الاصطلاح. وتُوفِّى ابن دقيق العيد بالقاهرة عام (702 هـ = 1302 م).

*ابن خالويه

*ابن خالويه هو أبو عبد الله الحسينى بن أحمد بن خالوية النحوى، واللغوى. أصله من همذان. دخل بغداد وأخذ العلم عن علمائها مثل: ابن دريد وابن مجاهد، وأبى عمر الزاهد. وصار إلى حلب فعظمت مكانته عند آل حمدان، وكان سيف الدولة يكرمه، وجعله أحد جلسائه، وكانت له مع الشاعر الكبير المتنبى مناظرات داخل البلاط الحمدانى. وكان إلى جانب تفوقه وبراعته فى علم النحو، شاعرًا حسن الشعر عهد إليه سيف الولة بتأديب أولاده. وله مصنفات كثيرة، منها: شرح مقصورة ابن دريد (شرح الدريدية)، إعراب ثلاثين سورة من القرآن، ليس فى كلام العرب. وتُوفِّى ابن خالويه عام (370 هـ = 980 م).

*توماس أرنلد

*توماس أرنلد هو توماس ووكَرْ آرنلد مستشرق إنجليزى، تخصص فى العلوم العربية والإسلامية. وُلِد فى لندن سنة (1864 م)، وتعلم فى كمبردج ثم سافر إلى الهند وعيِّن مدرسًا فى كلية عليكره عام (1888 م)، ثم عين أستاذًا لفلسفة فى جامعة لاهور، ثم عين رئيسًا للكلية الشرقية فى جامعة البنجاب. ثم عاد إلى لندن ليعين أستاذًا للعربية فى جامعة لندن عام (1904 م)، ثم مديرًا لمعهد الدراسات الشرقية. وقد زار مصر قبل وفاته سنة (1930 م) ، وله كتب بالإنجيليزية، مثل: تعاليم الإسلام، المعتزلة، الخلافة، وقد تُرجم إلى العربية، وله كتب أخرى فى الفنون الإسلامية.

*ابن السائب الكلبى

*ابن السائب الكلبى هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر الكلبى مؤرخ، عالم بالأنساب وأخبار العرب وأيامها، من أهل الكوفة. وقد تحفظ البعض فى الرواية عنه. قال عن نفسه: حفظت مالم يحفظه أحد، ونسيت مالم ينسه أحد، كان لى عم يعاتبنى على حفظ القرآن فدخلت بيتًا وحلفت ألاَّ أخرج منه حتى أحفظ القرآن فحفظته. وله تصانيف كثيرة، منها: جمهرة الأنساب والأصنام ونسب الخيل، بيوتات قريش والكنى وألقاب اليمن وملوك الطوائف. وتُوفِّى ابن الكلبى نحو عام (204 هـ).

*ابن الرومى

*ابن الرُّومى هو على بن العباس بن جريج الرومى، أحد شعراء العصر العباسى الثانى، رومى الأصل، كان جده من موالى بنى العباس وأمه فارسية. ولد ابن الرومى ببغداد سنة (221هـ = 836م)، ونشأ بها، وكان ضئيل الجسم نحيلاً، وظل طوال حياته يعيب على نفسه دقة جسمه وضآلته، وله أشعار كثيرة يصرح فيها بذلك. وعرفت اسرته بالثراء؛ مما مكن له الاتجاه إلى التعليم منذ صغره؛ فحفظ القرآن الكريم، وتلقى كثيرًا من العلوم. وظهرت موهبته الشعرية مبكرًا، وهو لايزال حدثًا فى الكتَّاب، ولما شب اتخذ الشعر حرفة يتكسب بها، فقربه كثير من الأمراء والحكام ببغداد، وعاصر حكم عدد من الخلفاء العباسيين. وكان أكثر شعر ابن الرومى فى الهجاء، وكان ذلك سببًا فى مقتله على يد القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد سنة (83هـ = 896م)، كما شمل شعره المدح، والرثاء، والوصف. وله ديوان شعر، يقع فى ستة مجلدات حققه حسين نصار.

*بغا الصغير

*بُغَا الصغير هو أحد قادة الأتراك البارزين فى العصر العباسىالثانى، وكان يُسمَّى بُغَا الشرابى. وقد تمتع بغا بشخصية قوية وشجاعة ناردة، أهَّلته لأن يكون قأئدًا لجيوش الدولة العثمانية، تجمع حوله كثيراً من الجنود، حتى قوى نفوذه، وتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور. ولما أحسَّ الخليفة المتوكل على الله بازدياد نفوذ بغا حاول التخلص منه، ففطن بغا وانضم إلى الأمراء الأتراك الذين تمردوا على المتوكل واغتالوه سنة (247 هـ) ثم تولى ابنه المنتصر بالله الخلافة من بعده. ولما تُوفِّى المنتصر بالله عام ( 248 هـ = 862 م)، اتفق بغا والقادة الأتراك على تولية أحمد بن محمد المعتصم الخلافة ولقبوه بالمستعين بالله. وفى عهد الخليفة المعتز بالله عاد بغا للمؤمرات والقتل والتخلص من منافسيه، فأمر الخليفة المعتز بالله بالقبض عليه وقتله عام (254 هـ = 868 م).

*أرنولد توينبى

*أرنولد توينبى مؤرخ وفيلسوف إنجليزى معروف، وُلِد فى لندن عام (1889 م). بدأ حياته العملية مدرسًا فى جامعة اكسفورد فى الفترة من سنة (1912 م) إلى سنة (1915 م)، ثم التحق بالعمل فى قسم الاستخبارات السياسية فى وزارة الخارجية البريطانية. ثم ترك الخدمة الحكومية ليصبح أستاذًا للتاريخ البيزنطى واللغة اليونانية المعاصرة سنة (1919 م) فى جامعة لندن. ثم عُين عام (1925 م) أستاذًا للتاريخ الدولى فى الجامعة نفسها ومديرًا للدراسات فى المعهد الملكى للشئون الدولية، واحتفظ بأستاذيته فى جامعة لندن حتى تقاعده عام (1955 م). ويُعد أرنولد من أكبر المؤرخين العالميين المعاصرين وأغزرهم علماً وتأليفاً ومن أشهر كتاباته: دراسة فى التاريخ الذى نشر مابين عامى (1934 م و 1961 م) فى (12) جزءاً. وتُوفِّى أرنولد عام (1976 م).

*أحمد بن أبى يعقوب بن واضح

*أحمد بن أبى يعقوب بن واضح هو أحمد بن إسحاق بن جعفر بن واضح اليعقوبى، مؤرخ وجغرافى من أهل بغداد. وُلد فى أسرة كانت تعمل فى دواوين الخلافة. ارتحل عن بغداد فى سن مبكرة فعاش طويلاً فى أرمينيا وخراسان حتى سنة (260هـ = 873م)، ثم رحل عنها فزار الهند والأقطار العربية، وكان المعتصم يبعثه فى خلافة المأمون إلى سمرقند كل سنة لشراء الرقيق الأتراك، وتمتع اليعقوبى برعاية الطولونيين أثناء مقامه بمصر والمغرب، وصنَّف اليعقوبى كتبًا، أهمها: التاريخ اليعقوبى الذى يُعَدُّ أول تاريخ عالمى تناول فيه تاريخ الأمم السابقة على الرغم من وجود بعض الأساطير فى الكتاب. ويبدأ هذا الكتاب منذ بدء الخليقة حتى سنة ( 259هـ=872م). وهذا التاريخ يجمع بين أسلوب العهود والحوليات. أما كتاب البلدان - الذى أنجزه فى مصر فى خلافة المعتمد العباسى المتوفَّى سنة (277 هـ) - فيُعَدٌّ أقدم كتاب من نوعه فى مجال الجغرافيا التاريخية فى العربية. وطبع هذا الكتاب فى ليدن سنة (1892 م) ثم فى مصر، وهو كتاب مهم فى تعرُّف بغداد فى تلك الفترة. واختُلف فى وفاة اليعقوبى، إلا أن الراجح أنه تُوفِّى بعد عام (292هـ=905م).

*اليعقوبى

*اليعقوبى هو أحمد بن إسحاق بن جعفر بن واضح اليعقوبى، مؤرخ وجغرافى من أهل بغداد. وُلد فى أسرة كانت تعمل فى دواوين الخلافة. ارتحل عن بغداد فى سن مبكرة فعاش طويلاً فى أرمينيا وخراسان حتى سنة (260هـ = 873م)، ثم رحل عنها فزار الهند والأقطار العربية، وكان المعتصم يبعثه فى خلافة المأمون إلى سمرقند كل سنة لشراء الرقيق الأتراك، وتمتع اليعقوبى برعاية الطولونيين أثناء مقامه بمصر والمغرب، وصنَّف اليعقوبى كتبًا، أهمها: التاريخ اليعقوبى الذى يُعَدُّ أول تاريخ عالمى تناول فيه تاريخ الأمم السابقة على الرغم من وجود بعض الأساطير فى الكتاب. ويبدأ هذا الكتاب منذ بدء الخليقة حتى سنة ( 259هـ=872م). وهذا التاريخ يجمع بين أسلوب العهود والحوليات. أما كتاب البلدان - الذى أنجزه فى مصر فى خلافة المعتمد العباسى المتوفَّى سنة (277 هـ) - فيُعَدٌّ أقدم كتاب من نوعه فى مجال الجغرافيا التاريخية فى العربية. وطبع هذا الكتاب فى ليدن سنة (1892 م) ثم فى مصر، وهو كتاب مهم فى تعرُّف بغداد فى تلك الفترة. واختُلف فى وفاة اليعقوبى، إلا أن الراجح أنه تُوفِّى بعد عام (292هـ=905م).

*منسا موسى

*منسا موسى هو موسى بن أبى بكر بن مارى جاطة، أعظم سلاطين مالى على الإطلاق وأبرز شخصية تاريخية فى أسرة كيتا، وذلك لما بلغته سلطنته من اتساع وقوة وشهرة. كان منسا موسى يتمتع بقوة فى حكمه، كما كان يُجيد العربية، وقد أقام علاقات ودية مع الدول الإسلامية، وفتح بلاده للاجئين من مسلمى الأندلس، وكان كريمًا مع العلماء المسلمين. تولى العرش سنة (1312هـ) بعد أبيه، وزار مصر فى عهد الناصر محمد بن قلاوون، وقام بتوسيع مملكته؛ حيث استولى على بقية إمبراطورية غانه وتكرور الغرب، ودانت له صنغى، وفتح تمبكتو سنة (1328هـ). وكانت رحلة حجِّه سنة (1324هـ = 1906 م) - التى مر خلالها بمصر - من الفخامة بحيث بهرت العالم؛ إذ كانت تضم (60) ألف جندى، ومائة جمل محمل بالذهب. وكان الثراء الذى وصلت إليه بلاده سببًا ممهِّدًا لحركة الكشوف الجغرافية. وقد تُوفِّى منسا موسى سنة (1337 هـ)، وتولى ابنه محمد الأول الحكم بعده.

*بشير الشهابى

*بشير الشهابى هو بشير بن قاسم بن عمر الشهابى، أكبر الأمراء الشهابيين فى لبنان. وُلِد فى قرية غزير بالقرب من بيروت سنة (1760م). وبعد وفاة والده الذى كان من أصل عربى سنة (1181هـ) تزوجت أمه وأهملته فكفلته خادمة أبيه، وعندما ما بلغ سن السادسة عشرة قصد دير القمر وأقام هناك، ثم اتصل بأحمد باشا الجزار والى عكا الذى قرَّبه إليه حتى استطاع أن يحكم جبل لبنان سنة (1788م)، وأثناء فترة حكمه قام ببعض الإصلاحات مثل بناء جسر نهر الكلب (1809م)، وجسر نهر الصفا (1811م)، وربط لبنان بإستنابول رأسًا لمنع تدخل الولاة فى شئون الجبل. وعندما قدم الفرنسيون لفتح سوريا سنة (1799م) كان الأمير الشهابى عونًا كبيرًا لهم، ودارت بينه وبين أحمد باشا الجزار حروب استمرت أربع سنوات، حتى تم الصلح بينهما عام (1803م). وقد حالف بشير الشهابى محمد على - حاكم مصر - ضد الدولة العثمانية، وحكم الشام حتى انسحاب القوات المصرية سنة (1840م) إلا أنه بعد خروج المصريين من الشام قبض الإنجليز عليه ونفى إلى مالطة، ثم الآستانة؛ حيث تُوفِّى بها سنة (1850م). ويقال: إنه مات مسلمًا ولم يتنصَّر وإنه كان يدعى النصرانية تقية، كما ذكر الدكتور محمد على ضناوى فى كتابه: قراءة إسلامية فى تاريخ لبنان.

*أربان الثانى

*أربان الثانى أربان الثانى أحد باباوات روما، فرنسى الأصل، اسمه أودو دى لاجيرى، ولد سنة (1042م) من أسرة نبيلة، تلقى تعليمًا كنسيًّا حتى صار قسًّا، ثم رحل إلى روما ودخل فى خدمة البابا جريجورى السابع، واختير فى الكرسى البابوى سنة (1088م) وأصبح اسمه أربان الثانى، وكان يتمتع بجاذبية وعقل وحسن إدارة، واستطاع أن يُقوِّى نفوذه فى أوربا ويتمتع بالسيادة الروحية وأن يخضع له الكنائس سنة (1095 م)، وكان مشهورًا بعقد الاجتماعات العامة، وأشهرها مجمع كليرمونت (1095م) الذى دعا فيه إلى الحروب الصليبية على الشرق الإسلامى. تُوفِّى أربان فى (29 من يوليو سنة 1099م) بعد أسبوعين من دخول الصلبيين بيت المقدس قبل أن يصله نبأ الفتح.

*أبو بكر المنصور بن قلاوون

*أبو بكر المنصور بن قلاوون هو أبو بكر بن محمد بن قلاوون، من سلاطين الدولة المملوكية بمصر والشام، وهو الثالث عشر من ملوك الترك بمصر والأول من أولاد محمد بن قلاوون الذين تولوا ملك مصر. جلس فى الملك بعهد من أبيه بعد وفاته فى (ذى الحجة سنة 741هـ)، ولقب بالمنصور، وقرب إليه سيف الدين قوصون وجعله أتابك عسكره، إلا أنه تغير عليه وهم باعتقاله، فسبقه قوصون وسيطر على القلعة وخلع المنصور بن قلاوون وحبسه وأجلس الملك الأشرف علاء الدين كجك، وهو صغير فى الملك، وذلك فى (ربيع الآخر سنة 742هـ)، ثم نفى قوصون الملك المنصور بن قلاوون إلى قوص حيث قتله عبد المؤمن - الذى كان واليًّا على قوص -، وحمل رأسه سرًّا إلى الأمير قوصون. وكانت مدة حكمه شهرين وأيامًا، وقُتل وهو فى العشرين من عمره.

*تولوى بن جنكيز خان

*تولوى بن جنكيز خان هو تولوى خان الابن الرابع لجنكيزخان وأصغر أبنائه، وكان يلقَّب بالأمير الكبير، كان لتولوى عشرة أبناء. وكان والده يثق به ويجعله ملازمًا له فى أغلب الأحيان ويستشيره فى أموره، وولاه جنكيزخان الإشراف على معسكراته وأمواله، وكان تولوى كثير الانتصارات فى الحروب، حيث فتح ولاية الخطا وبخارى وبلاد خراسان، وكان يتعقَّب السلطان جلال الدين منكبرتى، وقد تمكَّن من التغلب على جيوشه وتُوفِّى تولوى سنة (630هـ).

*ابن رشيد

*ابن رُشيد هو محمد بن عمر بن محمد، أبو عبد الله، محب الدين بن رُشيد الفهرى السبتى، رحالة ومفسَّر وأديب ولغوى من المغرب وُلد ابن رشيد فى (جمادى الأولى سنة 657هـ) فى سبتة حيث نشأ بها وكان مهتمًّا بالأدب منذ صغره وبرع فيه. رحل إلى فاس فى طلب الحديث ثم رجع إلى سبتة وتولى الخطابة والتدريس بجامع غرناطة، ورحل إلى تونس والإسكندرية وجاور بمكة المكرمة فترة بعد حجِّه؛ حيث ألَّف كتابًا كبيرًا باسم الرحلة المشرقية فى (6) مجلدات، وأهم كتبه: تلخيص القوانين فى النحو، وإفادة النصيح فى مشورة رواة الصحيح. وتوفى ابن رُشيد سنة (721هـ) بفارس.

*منساولى بن مارى جاطه

*منساولى بن مارى جاطه هو منساولى أو (على) ابن مارى جاطه، أحد الحكام المسلمين لدولة مالى الإسلامية فى القرن الثالث عشرالميلادى. تولى الحكم فى مالى بعد وفاة والده سنة (1255م)، وكان منساولى مشهورًا بالصلاح والتقوى، وقد زار مصر أثناء رحلته للحج سنة (658هـ = 1259 م) زمن السلطان الظاهر بيبرس وُيعَدُّ منسا على من أعظم سلاطين مالى؛ حيث استطاع بسط نفوذ مالى على دولة صنغى الناشئة فى حوض النيجر الأوسط، وكانت مالى فى عهدة تتمتع بثروة كبيرة بسبب كثرة الذهب بها، وبعد وفاة منساولى بن مارى جاطه تعرضت دولة مالى لفترة من الاضطرابات حتى نهاية القرن الثالث عشر الميلادى. غيلة أثناء صلاة الصبح فى شوال سنة (836هـ)، ودُفن بحصن كيفا.

*بهرام الأرمنى

*بهرام الأرمنى هو أبو المظفر بهرام الأرمنى، وزير فاطمى نصرانى الديانة أرمنى الجنسية، قدم إلى القاهرة والتحق بخدمة الدولة وارتفعت مكانته لحكمته وحسن سياسته فتولى ولاية (المحلة)، ثم قدم إلى القاهرة وتولى الوزارة سنة (529هـ) وقام بالعديد من الإصلاحات، واستمر فى وزارته قرابة العامين حتى طرده منها رضوان بن الولخشى وتولى مكانه. وقد مات بهرام فى (20من ربيع الآخر سنة 535 هـ).

*النسائى

*النسائى هو أبو عبد الرحمن أحمد بن على بن شعيب بن على بن سنان بن بحر بن دينار النسائى القاضى الحافظ، ولد بنساء، بلده مشهورة بخراسان، كان أحد الأئمة الحافظين وركنًا من أركان الحديث، قال عنه الدارقطنى: النسائى مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث وبجرح الرواة وتعديلهم فى زمانه وكان من المتشددين فى الرجال. سمع من إسحاق بن راهويه وأبى داود السجستانى وهشام بن عمار وكثيرين، وروى عنه الإمام الطحاوى، وأبوبكر أحمد بن إسحاق السنى الحافظ وغيرهما، وأهم مؤلفاته السنن الكبرى وهو كتاب ضخم جمع فيه طرق الحديث، ثم اختصر منه كتابه المجتبى المعروف بالسنن، أحد الكتب الستة الكبرى. عُمِّر النسائى تسعةً أو ثمانيةً وثمانين عامًا، خرج من مصر، وامتحن وضُرب بدمشق فطلب أن يحمل إلى مكة فمات شهيدًا، ودُفن بين الصفا والمروة، وقيل مات بالرملة.

*ناصر خسرو

*ناصر خسرو هو ناصر خسرو، أبو معين: شاعر فارسى، متفلسف، ومؤسس فرقة الناصرية. شغل منصبًا كبيرًا فى ديوان الغزنويين، ثم ارتحل إلى القاهرة، وانضم إلى الفاطميين، فأضفى عليه الخليفة المستنصر لقب حجة. قام ناصر خسرو برحلة تُعَدُّ من أقدم الرحلات المعروفة، وقعت حوادثها بين سنتى (437، و 444هـ)، تجول فيها فى بلاد إيران مبتدئًا من مرو فى خراسان مارًّا بأذربيجان وأرمينية والشام وفلسطين ومصر والحجاز ونجد وجنوبى العراق، ثم عاد إلى إيران منتهيًا إلى مدينة بلخ فى خراسان. وطوَّف ناصر كثيرًا فى خراسان، وهى جزيرته التى عُيٍّن حُجة لها من قبل الفاطميين، ثم انتقل إلى مازندران فأقام بها زمنًا طويلاً حتى نُسب إليها، وقد استطاع أن يقنع كثيرًا من أهلها بالدخول فى مذهبه، ولكن بعد فترة ثار عليه الناس والحكومة، واعتدوا على منزله، فاضطر أهله إلى هجره، كما اضطر هو إلى أن ينجو بنفسه فهاجر إلى يمكان؛ وفيه أخذ يدعو من جديد إلى مذهبه، كما أخذ يصنف الكتب والرسائل فى مذهبه، وكان بعضها بوحى من الخليفة الفاطمى المستنصر بالله نفسه. ولناصر كتب كثيرة، منها المنظوم ومنها المنثور، فمن المنظوم: الديوان، وسعادت نامه، وروشنائى نامه. ومن المنثور: زاد المسافرين، وخوان الإخوان، والرسالة، ووجه دين، وسفر نامه. وكل هذه الكتب بالفارسية، ولايزال سكان بامير يتبعون فرقته الناصرية، ويتخذون من كتابه وجه الدين شريعة لهم. تُوفِّى ناصر سنة (1061م)، ولايزال قبره إلى الآن مزارًا يؤمه الإسماعيليون النزاريون.

*موسى (عليه السلام)

*موسى (عليه السلام) هو موسى بن عمران بن قاهات بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام: كليم الله، وأعظم أنبياء بنى إسرائيل، ذكرت قصته فى عدة سور من القرآن، ولم تفصَّل قصة كما فصلت قصته، فذكر مولده ورضاعه وزواجه وبعثه ومعجزاته. أنزلت عليه التوراة، وكلمه الله مباشرة دون واسطة، ومما كان من أمر موسى أنه لما ولدته أمه كان فرعون مصر يأمر بقتل الأطفال، فخافت عليه أمه وألقى الله تعالى فى قلبها أن تلقيه فى النيل، فجعلته فى تابوت، وألقته فالتقطته آسيا امرأة فرعون، وربته فكبر، فبينما هو يمشى فى بعض الأيام إذ وجد إسرائيليًّا ومصريًّا يختصمان، فوكز المصرى فقتله، ثم اشتهر ذلك وخاف موسى من فرعون فهرب وقصد مدين، واتصل بشعيب فزوَّجه ابنته، وأقام يرعى غنم شعيب عشر سنوات، ثم سار موسى بأهله فى زمن الشتاء، فظهرت له نار، فلما دنا منها رأى نورًا ممتدًّا من السماء إلى شجرة عظيمة، ونُودى من جانب الطور الأيمن من الشجرة: أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين. وجعل الله عصاه ويده آيتين، وأرسله إلى فرعون، ثم دخل موسى بأهله مصر ليلاً، وحدَّث أخاه هارون بما جرى له، وانطلق الاثنان إلى فرعون، وأراه موسى الآيتين، إلا أن فرعون أبى، وجمع السحرة ووعدهم ومناهم إن هم تغلبوا على موسى، فسحروا أعين الناس، فتخيلوا حيات تسعى، فألقى موسى عصاه فإذا هى حية كبرى تلتهم حياتهم، وآمن به السحرة، فقتلهم فرعون، ثم أراهم الله آيات بينة من القمل والضفادع وصيرورة الماء دمًا، فلم يؤمن فرعون ولا أصحابه، وآخر الحال أن سار موسى ببنى إسرائيل، فاتبعهم فرعون حتى لحقهم عند بحر القلزم، فضرب موسى بعصاه البحر فانشق، ودخل فيه هو وبنو إسرائيل، ولما أراد فرعون وجنوده أن يعبروا البحر كما عبر هؤلاء عاد البحر إلى حالته الأولى، فغرقوا جميعًا.

*النسفى

*النسفى هو عبد الله بن أحمد بن محمود، حافظ الدين، النسفى، أبو البركات. فقيه حنفى، مفسِّر، من أهل إيذج من كور أصبهان، نسبة إلى نسف ببلاد السند بين جيحون وسمرقند، تفقَّه على شمس الأئمة الكردى، وروى الزيادات عن العتابى، وسمع منه السفناقى. له مصنفات كثيرة منها: كتاب المستصفى فى شرح المنظومة، والكافى فى شرح الوافى، والمنافع فى شرح النافع، وكنز الدقائق، والمنار فى أصول الفقه، والعمدة فى أصول الدين، وشرح الهداية. تُوفِّى عبدالله النسفى فى إيذج سنة (710هـ).

*النعمان بن المنذر

*النعمان بن المنذر هو النعمان الثالث بن المنذر الرابع بن المنذر بن امرئ القيس اللخمى، أبو قابوس: من أشهر ملوك الحيرة فى الجاهلية، كان أبرش أحمر قصيرًا، مَلَك الحيرة إرثًا عن أبيه نحو سنة (592هـ)، وكانت تابعة للفرس، فأقره عليها كسرى. كان فى أول عهده عابد وثن؛ يتعبد للعزى ويذبح الذبائح للأوثان، ثم تحوَّل إلى النصرانية سنة (593م) تقريبًا، وصار يعد نفسه من حماة المذهب النسطورى، كانت وفود العرب تفد عليه فيكرمها ويحبوها ويقضى حوائجها. قدم على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين، فذكروا من ملوكهم وبلادهم ماذكروا، فافتخر النعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأمم، ولم يستثن بلاد فارس ولاغيرها، مدحه كل من النابغة الذبيانى وحسان بن ثابت وحاتم الطائى. والنعمان بن المنذر هو الذى قتل عبيد بن الأبرص الشاعر، وهو الذى قتل عدى بن زيد وهو الذى غزا قرقيسيا وهو الذى بنى مدينة النعمانية على ضفة دجلة اليمنى. واستمر النعمان على الحيرة حتى نقم عليه كسرى أبرويز، فعزله ونفاه إلى خانقين، فسجن فيها إلى أن مات.

*المهاجر بن أبى أمية

*المهاجر بن أبى أمية هو المهاجر بن أبى أمية سهيل بن المغيرة المخزومى القرشى صحابى جليل ومن الولاة القادة، أخو أم سلمة زوجة النبى - صلى الله عليه وسلم -، كان اسمه الوليد، فكره النبى هذا الاسم، وسماه المهاجر، وكان قد شهد معركة بدر مع المشركين. وكان قد تخلف عن تبوك، فغضب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رضى عنه بشفاعة أخته أم المؤمنيين، وجعله أميرًا على الصدقات. وبعد أن تُوفِّى رسول الله (وتولى أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - بعث المهاجر بن أبى أمية إلى اليمن لقتال الأسود العنسى، وتولى إمارة صنعاء سنة (11هـ = 632م)، وفتح حصن النجير بحضر موت سنة (12هـ = 633م)، وكان له شعر جيد فى حروب الردة. وقد تُوفِّى المهاجر بعد سنة (12هـ = 633م).

*أبو المهاجر دينار

*أبو المهاجر دينار هو دينار مولى بنى مخزوم، وقيل: كان مولى مسلمة بن مخلد حاكم مصر. ولاَّه مسلمة بن مخلد على إفريقية بعد عقبه بن نافع سنة (55هـ)، فأساء دينار عزل عقبة، وخرج من القيروان وبنى مدينة جديدة تخليدًا لاسمه، وأمر الناس بأن يتركوا القيروان ويسكنوا مدينته وأمر بتخريب القيروان. وخاض عدة معارك ضد البربر بقيادة كسيلة بن لمزم البربرى وفتح جزيرة شريك، وهزم كسيلة بالقرب من تلمسان، فأعلن إسلامه. وفى سنة (62هـ = 681م) عزله يزيد بن معاوية بن أبى سفيان وأعاد عقبه بن نافع، فأوثق أبا المهاجر فى الحديد وأمر الناس بالعودة إلى القيروان، واشترك أبو المهاجر فى حروب عقبه بن نافع بعد ذلك. وفى سنة (63هـ = 682م) ارتدَّ كسيلة البربرى وجمع جموعًا من البربر والروم وفاجأ بها عقبة بن نافع فى جمع من أصحابه يبلغ ثلاثمائة صحابى وتابعى جليل فى أرض الزاب فى معركة تهودة. وكان أبو المهاجر ممن معه، وأبلى بلاء حسنًا حتى قُتل رحمه الله.

*نجم الدين أيوب

*نجم الدين أيوب هو أيوب بن شاذى بن مروان. الملك الأفضل والد السلطان صلاح الدين الأيوبى، كان كريمًا سمحًا، حسن النية. من أهل دُوْين (بلدة فى أذربيجان)، وكان والده واليًا على تكريت من قبل بهروز والى بغداد وتكريت، وبعد أن تُوفِّى، تولى ابنه أيوب، ولكن بهروز مالبث أن غضب عليه وعلى أخيه أسد الدين شيركوه، وطردهما من خدمته، فخرجا إلى الموصل واتصلا بعماد الدين زنكى، فأقطع أيوب بن شاذى قلعة بعلبك. ولما تولى ابنه صلاح الدين الأيوبى الوزارة فى مصر بعد وفاة عمه أسد الدين شيركوه، استدعى والده نجم الدين من بلاد الشام إلى مصر سنة (565هـ =1169م)، فعرض عليه الوزارة ولكنه رفضها. ولما خرج صلاح الدين لحرب الصليبيين أناب عنه والده نجم الدين على القاهرة، فخرج يومًا مع العسكر، فسقط عن جواده، فظل أيامًا مريضًا، حتى تُوفِّى، وكان ذلك سنة (568هـ = 1172م). ومن أهم أثاره خانقاه فى دمشق، وأخرى فى مصر.

*موسىالكاظم

*موسىالكاظم هو موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، أبو الحسن: سابع الأئمة الاثنى عشر، عند الإمامية، كان من سادات بنى هاشم، ومن أعبد أهل زمانه، وأحد كبار العلماء الأجواد. وُلِد بالأبواء (قرب المدينة) يوم الأحد (7 من صفر 128هـ)، سكن المدينة، فأقدمه المهدى العباسى إلى بغداد ثم ردَّه الى المدينة. وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون موسى الكاظم فلما حج مر بها سنة (179هـ) فحمله معه إلى البصرة، وحبسه عند واليها عيسى بن جعفر سنة واحدة، ثم نقله إلى بغداد فتُوفَّى بها سجينًا. ويلقب بالعبد الصالح، وينعت أيضًا بالكاظم لما كظم من الغيظ وماصبر عليه من فعل الظالمين به حتى تُوفِّى. كان أولاده سبعة وثلاثين ولدًا ذكرًا وأنثى، كان شديد السمرة، عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، وكان عالمًا، حكيمًا متواضعًا، كريم، الأخلاق، شديد الخوف من الله. حدَّث بأحاديث عن أبيه وحدث عنه أولاده، وقال أبو حاتم: ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين. من مؤلفاته: وصيته لهشام بن الحكيم، ووصفه للعقل، وله تحقيق الأحكام فى الفقه. كانت وفاته فى رجب سنة (183هـ) فى السجن.

*مؤنس الخادم

*مؤنس الخادم هو مؤنس الخادم الملقب بالمظفر المعتضدى: أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك، كان شجاعًا، مقداماً فاتكًا مهيبًا، كان فى خدم المعتضد العباسى، من الساسة الدهاة، بقى ستين سنة أميرًا، أبعده المعتضد إلى مكة، ولما بُويع المقتدر بالخلافة أحضره وقربه، وفوَّض إليه الأمور؛ فنال من السعادة والوجاهة ما لم ينله خادم قبله. نُدب لحرب المغاربة العُبيدية، وولى دمشق للمقتدر، ثم جرت له أمور، وحارب المقتدر فقُتِل يومئذ المقتدر، فسقط فى يد مؤنس وقال: كلنا نُقتل، ثم نصَّب مؤنس القاهر بالله خليفةً، فلما تمكن القاهر، قتل مؤنسًا وغيره فى سنة (321هـ = 933م) وخلف أموالاً لاتحصى.

*المهلب بن أبى صفرة

*المهلب بن أبى صفرة هو المهلب بن أبى صفرة ظالم بن سراق الأزدى، والى خراسان أيام عبد الملك بن مروان. وُلد المهلب فى دبا ونشأ فى البصرة. تولى إمارة البصرة لمصعب بن الزبير، وقرَّبه الحجاج إليه لقتاله الخوارج؛ حيث قاتل الأزارقة (19) سنة حتى قضى عليهم، وكان يأخذ خراج كل بلد يُجليهم عنها سنة. تولى إمارة خراسان سنة (79هـ) فى خلافة عبد الملك بن مروان، وقد أصيبت عينه يوم فتح سمرقند. كان المهلب مشهورًا بالكرم والحكمة والبلاغة ومن وصاياه: الحياة خير من الموت، والثناء خير من الحياة. تُوفِّى المهلب غازيًا بإحدى مدن خراسان فى (ذى الحجة سنة 83هـ) وتولى ابنه يزيد بن المهلب ولاية خراسان من بعده.

*نصيرالدين الطوسى

*نصيرالدين الطوسى هو أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن، نصير الدين الطوسى، فيلسوف ورياضى وفلكى. وُلد الطوسى بطوس سنة (597هـ = 1201م) كانت له علاقة وثيقة بهولاكو، وكان هولاكو لايسافر إلا فى وقت يأمره به النصير الطوسى. انضم الطوسى إلى جانب أمراء المغول، وكان من المنادين بغزو بغداد وشجع هولاكو على ذلك حتى سقطت سنة (656هـ = 1257م). وابتنى الطوسى بمراغة مرصدًا ضخمًا أنفق عليه هولاكو من خزائنه. ألف الطوسى العديد من الكتب فى الفلسفة والفلك والرياضيات مثل: الليل والنهار، والمخروطات والجواهر والأسطوانة إلى غير ذلك من الكتب. ومات الطوسى سنة (672هـ = 1274م) ودُفن فى المشهد الكاظم، وكان يُقارب الثمانين.

*مينو

*مينو هو جاك فرانسوا دى مينو آخر قائد للحملة الفرنسية فى مصر. ولد مينو فى أسرة نبيلة فى جنوب فرنسا سنة (1750م) اشترك فى الثورة الفرنسية وكان له صداقة مع نابليون، انتخب عضوًا فى الجمعية الوطنية فى فرنسا لكنه انحاز إلى جانب الثورة. قدم مع نابليون فى حملته على مصر، وكان مشهورًا باللهو والتبذير. تولى حكم رشيد وأسلم وتزوج من امرأة مسلمة من رشيد أسمها زبيدة بنت محمد، وأنجب منها ابنًا اسماه سليمان باشا مراد وكان زواجه سنة (1799م)، ومازالت وثيقة زواجه موجودة حتى الآن فى محكمة رشيد. تولى قيادة الإسكندرية ورشيد والبحيرة بعد رحيل نابليون عن مصر، وكان من أنصار البقاء فى مصر وتأسيس صرح الإمبراطورية الفرنسية فى الشرق التى قاعدتها مصر. تولى قيادة الحملة الفرنسية فى مصر بعد مقتل كليبر سنة (1800م)؛ لكونه أقدم القواد الفرنسيين وليس أكفأهم. رحل عن مصر مع الحملة هو وزوجته سنة (1801م)، وبعد رحيله منحه الإمبراطور عددًا من الأوسمة. وتُوفِّى مينو سنة (1810م) بفرنسا.

*نافع مولى ابن عمر

*نافع مولى ابن عمر هو نافع المدنى، أبو عبد الله: مولى ابن عمر وراويته، من أئمة التابعين بالمدينة، أصابه ابن عمر صغيرًا فى بعض مغازيه، ونشأ فى المدينة، سافر مع ابن عمر بضعًا وثلاثين حجة وعمرة، سمع مولاه وأبا سعيد الخدرى، وروى عنه الزهرى وأيوب السختيانى ومالك بن أنس، وهو من المشهورين بالحديث، ومن الثقات الذين يؤخذ عنهم ويجمع حديثهم ويُعمل به، ومعظم حديث ابن عمر عليه دار، وأهل الحديث يقولون: رواية الشافعى عن مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب لمكانة كل واحد من هؤلاء الرواة. ولايُعرف لنافع خطأ فى جميع ما رواه، أرسله عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلم أهلها السنن. تُوفِّى نافع سنة (117هـ).

*نقفور

*نقفور إمبراطور بيزنطى، كان معاصرًا للخليفة هارون الرشيد، خلع الإمبراطورة إيرينى وخلفها (802م)، وعقب استيلائه على الإمبراطورية أرسل نقفور إلى هارون الرشيد كتابًا نقض فيه الهدنة التى عقدتها الإمبراطورة إيرينى، وألح فى طلب الجزية التى دفعتها إليه إيرينى، فاشتد غضب الرشيد وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك، والجواب ماتراه دون أن تسمعه والسلام. وخرج لمحاربته، فسار إليه بجيوشه الجرارة مخترقاً آسيا الصغرى، وظل يتابع حروبه حتى استولى على هرقلة قبل أن يتمكن الإمبراطور من رده، لانشغاله بإخماد الفتنة التى قامت فى بلاده. وانتهت بذلك كبرياء هذا الإمبراطور وصلفه بعقد صلح أرغم فيه على دفع الجزية من جديد، واشترط نقفور ألا يخرب الرشيد ذا الكلام ولا سملة ولا حصن سنان، واشترط الرشيد عليه ألا يعمر هرقلة، وأن يدفع نقفور جزية قدرها ثلاثمائة ألف دينار سنويًّا.

*سراقة بن مالك

*سراقة بن مالك هو أبو سفيان سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجى الكنانى، صحابى ارتبطت سيرته - رضى الله عنه - بهجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - من مكة إلى المدينة. كان سراقة ممن يقتُّصَّون الأثر، فخرج وراء النبى - صلى الله عليه وسلم - يريد اللِّحاق بركب الهجرة حتى يفوز بالجائزة التى رصدتها قريش لمن يُعيد إليهم محمدًا، وعندما رأى النبىَّ (وصاحبه أبا بكر وأوشك أن يدركهما، خرَّ فرسُه مرتين ثم غاصت قدماه فى الرمال فى المرة الثالثة؛ فطلب الأمان من النبى - صلى الله عليه وسلم - وعاهده على ألا يدل عليهما أحدًا، ثم عاد سراقة إلى مكة، وبقىَ على شرْكه حتى فتحت مكة عام (8هـ) فأعلن إسلامه. وبشَّره النبى - صلى الله عليه وسلم - بسوَارى كسرى ومنطقته، وتحققت نبوءة النبى - صلى الله عليه وسلم - فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، عندما جاءته كنوز فارس. وتُوفِّى سراقة - رضى الله عنه - نحو عام (24هـ).

*زيد بن ثابت

*زيد بن ثابت هو أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجى البخارى. صحابى جليل من كُتَّاب الوحى. وُلد فى المدينة فى العام الحادى عشر قبل الهجرة، ورده النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لصغر سنه، ولكنه شهد غزوتى الخندق، وتبوك. وكان زيد يتقن الكتابة والقراءة؛ فكلفه النبى - صلى الله عليه وسلم - بكتابة الوحى، كما كان يكتب رسائل النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والحكام، وطلب منه أن يتعلم اللغتين العبرية والسريانية، فتعلمهما وأتقنهما، وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - أصبح كاتبًا لأبى بكر ثم عمر. وقد كلفه أبو بكر أن يجمع القرآن الكريم ويكتبه، ثم كلفه عثمان بن عفان بكتابة عدة نسخ من المصحف الذى جمع فى عهد أبى بكر. وكان زيد أعلم الصحابة بالفرائض، وكان عمر وعثمان لايقدِّمان على زيد أحدًا فى القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وتُوفِّى زيد - رضى الله عنه - مابين عامى (45 و55هـ).

*أبو الدرداء

*أبو الدرداء هو أبو الدرداء عويمر بن مالك بن زيد بن قيس بن أمية الخزرجى. صحابى جليل، أسلم يوم بدر، وحينما هاجر سلمان الفارسى إلى المدينة آخى النبى - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبى الدرداء. اشتهر أبو الدرداء بالفروسية والشجاعة والحكمة، وفيه قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: نِعْمَ الفارس عويمر، وعويمر حكيم أمتى. وأبو الدرداء أحد الذين جمعوا القرآن الكريم حفظًا فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -. وعُرف - رضى الله عنه - بالفقه، وولاَّه معاوية - حينما كان أمير الشام - قضاء دمشق وهو أولُ قاضٍِ بها. وتُوفِّى أبو الدرداء بالشام نحو ( 32هـ).

*توفيق بن إسماعيل

*توفيق بن إسماعيل هو محمد توفيق بن الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على باشا، وُلد بمدينة القاهرة عام (1269هـ = 1852م) ونشأ وتعلم بها. تقَّلد المجلس الخصوصىَّ فى حياة أبيه عام (1871م)، ثم تقلَّد وزارتى الداخلية والأشغال، ثم رئاسة الوزراء فى مارس (1879م)، ثم تولَّى حكم مصر فى يونيو (1879م) عقب عزل والده. وقد عمل الخديو توفيق فى بداية حكمه على التقرب إلى الشعب، وسعى إلى تخليص مصر من أزمتها المالية؛ فتنازل عن جزء كبير من أملاكه وقام بالعديد من الإصلاحات الداخلية، إلا أنه كان يميل إلى الحكم المطلق، وكان ضعيفًا أمام النفوذ الأوربى. وفى عهده أثارت وزارة مصطفى رياض سخط الشعب والجيش الذى تحرك فى حادثة ميدان عابدين الشهيرة فى سبتمبر (1881م) بقيادة أحمد عرابى، وفرض على توفيق تشكيل وزارة وطنية. وما لبثت العلاقة أن ساءت بين توفيق والعرابيين فخاف على عرشه واستعان بالإنجليز الذين احتلوا مصر بعد معركة التل الكبير. واستمر توفيق حاكمًا اسميًّا، وانتقلت السلطة الفعلية إلى الإنجليز حتى وفاته فى (8 من يناير 1892م).

*حسان بن ثابت

*حسان بن ثابت هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن حرام بن مالك بن النجار الخزرجى. صحابى جليل، وشاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اشتهرت مدائحه فى ملوك الغساسنة بالشام والمناذرة بالحيرة قبل الإسلام. وحينما أسلم حسان وأصبح شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدى بشعره لكل من يناهض الدعوة الإسلامية. وكان رسول الله ينصب له منبرًا فى المسجد يقوم عليه يفاخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول النبى: إن الله يؤيد حسانًا بروح القدس ما نافح عن رسول الله. ولم يشهد حسان مع النبى - صلى الله عليه وسلم - الغزوات، وقد وهب له النبى - صلى الله عليه وسلم - جاريته سيرين - أخت مارية المصرية - فأنجبت له عبد الرحمن. وقد عمَّر حسان طويلاً جدًّا، فعاش ستين سنة قبل الإسلام ومثلها فى الإسلام. وتُوفَّى فى المدينة فى نحو عام (50هـ)، وله ديوان شعر مطبوع.

*محمد توفيق باشا

*محمد توفيق باشا هو محمد توفيق بن الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على باشا، وُلد بمدينة القاهرة عام (1269هـ = 1852م) ونشأ وتعلم بها. تقَّلد المجلس الخصوصىَّ فى حياة أبيه عام (1871م)، ثم تقلَّد وزارتى الداخلية والأشغال، ثم رئاسة الوزراء فى مارس (1879م)، ثم تولَّى حكم مصر فى يونيو (1879م) عقب عزل والده. وقد عمل الخديو توفيق فى بداية حكمه على التقرب إلى الشعب، وسعى إلى تخليص مصر من أزمتها المالية؛ فتنازل عن جزء كبير من أملاكه وقام بالعديد من الإصلاحات الداخلية، إلا أنه كان يميل إلى الحكم المطلق، وكان ضعيفًا أمام النفوذ الأوربى. وفى عهده أثارت وزارة مصطفى رياض سخط الشعب والجيش الذى تحرك فى حادثة ميدان عابدين الشهيرة فى سبتمبر (1881م) بقيادة أحمد عرابى، وفرض على توفيق تشكيل وزارة وطنية. وما لبثت العلاقة أن ساءت بين توفيق والعرابيين فخاف على عرشه واستعان بالإنجليز الذين احتلوا مصر بعد معركة التل الكبير. واستمر توفيق حاكمًا اسميًّا، وانتقلت السلطة الفعلية إلى الإنجليز حتى وفاته فى (8 من يناير 1892م).

*حسان بن ثابت

*حسان بن ثابت هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن حرام بن مالك بن النجار الخزرجى. صحابى جليل، وشاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اشتهرت مدائحه فى ملوك الغساسنة بالشام والمناذرة بالحيرة قبل الإسلام. وحينما أسلم حسان وأصبح شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدى بشعره لكل من يناهض الدعوة الإسلامية. وكان رسول الله ينصب له منبرًا فى المسجد يقوم عليه يفاخر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول النبى: إن الله يؤيد حسانًا بروح القدس ما نافح عن رسول الله. ولم يشهد حسان مع النبى - صلى الله عليه وسلم - الغزوات، وقد وهب له النبى - صلى الله عليه وسلم - جاريته سيرين - أخت مارية المصرية - فأنجبت له عبد الرحمن. وقد عمَّر حسان طويلاً جدًّا، فعاش ستين سنة قبل الإسلام ومثلها فى الإسلام. وتُوفَّى فى المدينة فى نحو عام (50هـ)، وله ديوان شعر مطبوع.

*البحترى

*البحترى هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد. أحد أعلام الشعراء فى العصر العباسى، وأحد رواد الشعر العربى عبر العصور. وُلد فى مَنْبج (تقع فى الشمال الشرقى من مدينة حلب بسوريا) عام (206هـ = 821م) على الراجح، وبها نشأ، وتلقى ثقافته الأولى؛ حيث حفظ القرآن الكريم وقرأ بليغ الشعر والنثر وأخذ من علوم اللغة وغيرها. وظهرت موهبته مبكرًا فنزل بمدينة حِمْص واتصل بالشاعر الكبير أبى تمام وتتلمذ له، ثم اتجه إلى بغداد وأقام فيها سنوات طويلة، مدح خلالها الخلفاء العباسيين الذين عاصرهم، وكان الخليفة المتوكل أشهر ممدوحيه. ولمَّا قتل الخليفة المتوكل مع وزيره الفتح بن خاقان عاد البحترى إلى منبج، وكان له فيها ضياع فأخذ يرعاها ويترد - أحيانًا - على بعض الولاة. وقد نظم البحترى الشعر فى أغراضه المختلفة، كالمدح والرثاء والغزل والهجاء والوصف، وله مختارات من الشعر جمعها وأسماها كتاب الحماسة. وتُوفِّى البحترى فى منبج عام (284هـ = 897م).

*بلال بن رباح

*بلال بن رباح هو بلال بن رباح الحبشى مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أسلم مبكرًا فكان من أوائل الذين أظهروا إسلامهم فى مكة، وكان سيِّده أمية بن خلف يُبالغ فى تعذيبه ليردَّه عن الإسلام، ولكنه ظل صابرًا ثابتًا، حتى اشتراه أبو بكر الصديق، وأعتقه. هاجر بلال إلى المدينة وصار مؤذن النبى - صلى الله عليه وسلم - لجمال صوته، كما جعله النبى خازنًا على بيت المال. وقد شهد بلال الغزوات كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحين فُتحتْ مكة عام (8هـ = 629م) أمره النبىُّ بأن يعتلى ظهر الكعبة ليؤذِّن عليها، وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - توقف بلال عن الأذان. وفى خلافة عمر بن الخطاب خرج بلال إلى الشام مجاهدًا فى سبيل الله حتى تُوفِّى عام (20هـ = 641م) بمدينة دمشق بعد أن جاوز الستين من عمره.

*ورقة بن نوفل

*ورقة بن نوفل هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى القرشى ابن عم السيدة خديجة رضى الله عنها. اعتزل عبادة الأصنام قبل الإسلام، ودخل النصرانية، وقرأ كتب الديانات الأولى. أدرك ورقة عصر النبوة وهو شيخ كبير كفيف، بشَّر النبى - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة عندما قصَّ عليه ما حدث فى غار حراء، فقال ورقة: هذا الناموس (يقصد جبريل عليه السلام) الذى نزله الله على موسى، ياليتنى فيها جذع! ليتنى أكون حيًّا إذ يخرجك قومك .. وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ... ). ولم يلبث ورقة أن تُوفِّى، ولم يدرك بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم -.

*بابك الخرمى

*بابك الخُرَّمى هو أحد زعماء فرقة البابكية الخُرَّمية، اختلفت الروايات فى أصله ونسبه، إلا أنها أجمعت على أنه نشأ فقيرًا يعمل بالرعى مقابل كسوته وإطعامه عند أهل قريته الواقعة بإقليم البذ بين إيران وأذربيجان جنوبى بحر قزوين. والتحق بابك بفرقة الخرميَّة التى ظهرت فى بلاد فارس ثم أصبح أحد زعمائها، وتجمع حوله عدد كبير من الأتباع، فبدأ فى محاربة الدولة العباسية وأمر أتباعه بالإغارة على المسلمين المقيمين بالإقليم المجاور لإقليم البذ وقتلهم سواء كانوا أطفالاً أو رجالاً أو نساءً. وأصبح بابك يهدد أمن الدولة العباسية، واشتدَّ خطره فى عهد الخليفة المأمون الذى أرسل إليه عدة حملات عسكرية غير أنها لم تستطع القضاء على حركته. فلما تولى المعتصم الخلافة أرسل جيوشه بقيادة الأفشين لمحاربة بابك وأتباعه فألحقت بهم الهزيمة عام (222هـ = 836م)، وتمكَّن الأفشين من أسره وتسليمه إلى المعتصم عام (223هـ = 838م) الذى أمر بقتله وقتل أخيه عبد الله، وبذلك قضى المسلمون على فتنة استمرت أكثر من (20عامًا).

*السكاكى

*السكاكى هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر بن محمد بن على السَّكاكِى. ولد فى السَّكاكِى خوارزم عام (555هـ = 1160م)، ونشأ بها، وتلقى دروسه فى علوم اللغة على أيدى كبار العلماء بها، ثم بدأ فى إلقاء الدروس فظهر علمه، وذاع صيته، ولمع اسمه فى عهد السلطان محمد خوارزمشاه. واشتهر السكاكى بكتابه مفتاح العلوم الذى عُنى فيه بعلوم اللغة من نحو وصرف ومعانٍ وبديع ومنطق وعروض وقوافٍ، واعتمد فيه على آراء سابقيه، ووضع عليه الشروح والحواشى، كما عمد فيه إلى التفصيل والإيضاح فأصبح الكتاب مرجعًا جامعًا، وتُوفِّى السكاكى فى خوارزم عام (626هـ = 1229م).

*سعود بن عبد العزيز

*سعود بن عبد العزيز هو سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الأول. وُلد عام ( 1160هـ = 1746م)، وقاد خلال ولاية أبيه جيش السعوديين فى نشر الدعوة الوهابية التى تدعو إلى ترك البدع، والعودة إلى القرآن والسنة، وأبلى فى ذلك بلاءً حسنًا، واستولى على الأحساء، وفتح طريق الحج أمام النجديين، ودخل مدينة كربلاء، وهدم قبة الإمام الحسين ثم دخل مكة على رأس الجيش عام (1217هـ = 1802م). بُويع سعود خلفًا لأبيه عام (1218هـ =1803م) ودام حكمه إحدى عشرة سنة، فتح خلالها الحجاز والعراق، وامتدت فتوحاته إلى رأس الخيمة على الخليج العربى وإلى زبيدة باليمن. ودخل سعود فى صدام مع الخلافة العثمانية، فتدهورت الحالة الاقتصادية للحجاز، وأمر السلطان سليم بتولية واليه على مصر - محمد على - أمور الحجاز ومحاربة الوهابيين؛ فاستولى الجيش المصرى على مكة والمدينة والطائف. وتُوفى سعود بمدينة الدرعية عام (1229هـ =1814م).

*زينب بنت محمد

*زينب بنت محمد هى زينب بنت محمد (، وأمها السيدة خديجة، رضى الله عنها. وهى كبرى بنات النبى - صلى الله عليه وسلم -، وُلدت بمكة، وتزوجت أبا العاص بن الربيع قبل بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم -. فلما بُعث النبى - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الإسلام؛ أسلمت زينب، وامتنع أبو العاص عن الإسلام وظلَّ على شركه، وحارب إلى جانب المشركين فى غزوة بدر فأسر فيها، ثم أُطلق سراحه، بعد أن أرسلت السيدة زينب فى فدائه قلادة أهدتها إليها أمها عند زواجها. هاجرت السيدة زينب إلى المدينة، وبقى أبو العاص فى مكة متمسِّكًا بها رافضًا الزواج بغيرها. وقبل فتح مكة بعام أعلن أبو العاص إسلامه، وقدم على الرسول فى المدينة فرد إليه الرسول السيدة زينب. وتُوفيت السيدة زينب - رضى الله عنها -عام (8هـ)، ثم توفى أبو العاص - رضى الله عنه - بعدها بأربعة أعوام سنة (12هـ).

*بنيامين دزرائيلى

*بنيامين دزرائيلى هو بنيامين إيزاك دزرائيلى، كاتب ورئيس وزراء إنجليزى. كان أبوه إيزاك دزرائيلى مؤرخًا يهوديًّا معروفًا فى لندن، ثم تحوَّل عن اليهودية واعتنق المسيحية، وكان عمر بنيامين آنذاك ثلاثة عشر عامًا، فنشأ نشاةً مسيحية، إلا أن أصوله وعائلته اليهودية أثرت فى شخصيته وتفكيره وكتاباته. اهتم بالسياسة إلى جانب كتاباته الأدبية، وانتخب عضوًا بالبرلمان عن المحافظين فى عام (1837م)، وأصبح رئيسًا لمجلس العموم عام (1852م) ثم أصبح رئيسًا لوزراء إنجلترا. كان بنيامين وراء الصفقة التى اشترت إنجلترا بمقتضاها نصيب مصر فى أسهم قناة السويس عام ( 1875م). ساند بنيامين دزرائيلى حركات اليهود، وتبنى قضيتهم ، وجعل سياسة بلاده الخارجية مع الدول ترتبط بمعاملة هذه الدول لليهود.

*خير الدين برباروسا

*خير الدين برباروسا هو خضر بن يعقوب. وُلد فى عام (871هـ = 1466م)، وعاش هو وأخوه تمروج فى جزيرة جربة التونسية، وجعلاها مركزًا للقيام بعملياتهما الحربية فى البحر المتوسط والتصدى لقراصنة البحار والصليبيين. كما ساعدا على تأمين سواحل الجزائر والمغرب، وباتا خطرًا كبيرًا يهدد أساطيل الإسبان والبرتغال. وفى عام ( 922هـ = 1516م) عين السلطان العثمانى سليم الأول خير الدين حاكمًا على الجزائر بعد أن هزم الأسطول الإسبانى عام (919هـ = 1513م)، واستطاع خير الدين إنقاذ عشرات الآلاف من مسلمى الأندلس من محاكم التفتيش ونقلهم إلى الشمال الإفريقى عام ( 940هـ= 1533م) فاستدعاه السلطان سليمان القانونى إلى إستانبول وعهد إليه بمهمة قيادة أسطول الدولة، فنجح فى بناء أسطول قوى ضمَّ به تونس إلى الخلافة العثمانية، كما قاد معركة بَرْوَزة أشهر معركة بحرية فى القرن العاشر الهجرى، السادس عشر الميلادى ضد الجيوش الأوربية وهزمهم هزيمة ساحقة. وتُوفِّى خير الدين بإستانبول عام (953هـ = 1546م).

*برباروسا

*برباروسا هو خضر بن يعقوب. وُلد فى عام (871هـ = 1466م)، وعاش هو وأخوه تمروج فى جزيرة جربة التونسية، وجعلاها مركزًا للقيام بعملياتهما الحربية فى البحر المتوسط والتصدى لقراصنة البحار والصليبيين. كما ساعدا على تأمين سواحل الجزائر والمغرب، وباتا خطرًا كبيرًا يهدد أساطيل الإسبان والبرتغال. وفى عام ( 922هـ = 1516م) عين السلطان العثمانى سليم الأول خير الدين حاكمًا على الجزائر بعد أن هزم الأسطول الإسبانى عام (919هـ = 1513م)، واستطاع خير الدين إنقاذ عشرات الآلاف من مسلمى الأندلس من محاكم التفتيش ونقلهم إلى الشمال الإفريقى عام ( 940هـ= 1533م) فاستدعاه السلطان سليمان القانونى إلى إستانبول وعهد إليه بمهمة قيادة أسطول الدولة، فنجح فى بناء أسطول قوى ضمَّ به تونس إلى الخلافة العثمانية، كما قاد معركة بَرْوَزة أشهر معركة بحرية فى القرن العاشر الهجرى، السادس عشر الميلادى ضد الجيوش الأوربية وهزمهم هزيمة ساحقة. وتُوفِّى خير الدين بإستانبول عام (953هـ = 1546م).

*ابن خلدون

*ابن خلدون هو ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد. فيلسوف ومؤرخ، وُلد بتونس عام (732هـ = 1332م). درس علوم اللغة والتفسير والحديث والأدب، وتخصص فى الفقه المالكى، ودرس المنطق والفلسفة وتفوق فيهما، ثم بدأ العمل فى الوظائف الديوانية، وانتقل إلى فاس، ودخل فى خدمة المرينيين - حكام هذه البلاد- حتى وصل إلى منصب قاضى القضاة. ثم تنقل ابن خلدون بين بلاد المغرب والأندلس والحجاز والشام، وعاش بالقاهرة فترة درَّس خلالها فى الجامع الأزهر، وقربه السلطان المملوكى برقوق وولاه قضاء المالكية فى مصر سنة (786هـ)، فبعث يستقدم أهله وولده من تونس ليقيموا معه فى القاهرة؛ فغرقوا جميعًا فى الطريق، فعظم عليه الأمر، فاستقال من منصبه، وانقطع للتدريس والتأليف. ويُعدُّ كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر أشهر مؤلفاته وأوسعها انتشارًا. وتُوفِّى ابن خلدون بالقاهرة عام (808هـ = 1405م).

*عبد الرحمن ابن خلدون

*عبد الرحمن ابن خلدون هو ولى الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد. فيلسوف ومؤرخ، وُلد بتونس عام (732هـ = 1332م). درس علوم اللغة والتفسير والحديث والأدب، وتخصص فى الفقه المالكى، ودرس المنطق والفلسفة وتفوق فيهما، ثم بدأ العمل فى الوظائف الديوانية، وانتقل إلى فاس، ودخل فى خدمة المرينيين - حكام هذه البلاد- حتى وصل إلى منصب قاضى القضاة. ثم تنقل ابن خلدون بين بلاد المغرب والأندلس والحجاز والشام، وعاش بالقاهرة فترة درَّس خلالها فى الجامع الأزهر، وقربه السلطان المملوكى برقوق وولاه قضاء المالكية فى مصر سنة (786هـ)، فبعث يستقدم أهله وولده من تونس ليقيموا معه فى القاهرة؛ فغرقوا جميعًا فى الطريق، فعظم عليه الأمر، فاستقال من منصبه، وانقطع للتدريس والتأليف. ويُعدُّ كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر أشهر مؤلفاته وأوسعها انتشارًا. وتُوفِّى ابن خلدون بالقاهرة عام (808هـ = 1405م).

*خالد بن الوليد

*خالد بن الوليد هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى. صحابى جليل اشتهر بشجاعته ورجاحة عقله، ويُعدُّ من أعظم القادة العسكريين فى التاريخ. كان قبل إسلامه من فرسان قريش، واشترك مع قومه فى غزوة أحد ضد المسلمين. أسلم خالد بعد صلح الحديبية عام ( 7هـ)، واشترك فى غزوات النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقاد المسلمين فى غزوة مؤتة بعد استشهاد قادة الجيش الثلاثة، وشارك فى فتح مكة وحنين والطائف، ولقبه النبى بلقب سيف الله. واستعان به الخليفة أبو بكر الصديق فى ردع أهل الردة وقتالهم، فهزم جيشى مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدى، ثم اتجه إلى العراق بعد أن ولاه أبو بكر قيادة الجيش، فحارب الفرس، وفتح العراق، ثم حارب الروم فى الشام وقاد معركة اليرموك الفاصلة. ثم شارك فى فتح بقية بلاد الشام بعد إسناد قيادة الجيش إلى أبى عبيدة. وتُوفِّى خالد بن الوليد - رضى الله عنه - فى حمص - وقيل فى المدينة - سنة (21هـ).

*أبو حنيفة النعمان

*أبو حنيفة النعمان هو النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه. مؤسس المذهب الحنفى، وُلد بالكوفة عام (80هـ = 699م). بدأ أبوحنيفة حياته تاجرًا، وعُرف بين الناس بأمانته وكرمه، ولقيه يومًا الإمام الشعبى ونصحه بطلب العلم مع التجارة. فصادف ذلك هوى فى نفسه فاتجه إلى علم الكلام حتى بلغ فيه شأنًا عظيمًا ونَاظَرَ أصحاب الملل والعقائد الفاسدة. ثم اتجه إلى دراسة الفقه على كبار علماء عصره. وعندما أخذ أبوحنيفة فى إلقاء الدروس ذاع صيته وعرف الناس فضله وتكالبوا على حلقات دَرسه، ولقب بالإمام الأعظم. وأسس مذهبه الفقهى الذى تميز بالمرونة والإعلاء من قيمة العقل الإنسانى وأخذ مصالح المسلمين فى الاعتبار بما لا يتناقض مع القرآن والسنة. وتُوفِّى أبوحنيفة سنة (150هـ = 767م).

*الحسن بن على بن أبى طالب

*الحسن بن على بن أبى طالب هو الحسن بن على بن أبى طالب، ابن فاطمة الزهراء بنت النبى (. وُلد بالمدينة عام (3هـ= 624م)، وسمَّاه أبوه حربًا، ولكن الرسول أسماه الحسن. تربى الحسن -رضى الله عنه - فى بيت النبوة على الإيمان والتقوى والفضيلة، ولاقى من جدِّه (كل العناية والاهتمام. وشهد الحسن معركة صفين مع أبيه، فلما قُتِل أمير المؤمنين على على يد الخوارج؛ بايعه أهل العراق وفارس بالخلافة. إلا أنه تنازل عنها لمعاوية بن أبى سفيان بعد ستة أشهر تجنبًا للفتنة وحقنًا لدماء المسلمين وتوحيدًا لصفوفهم، وبخاصة أن الحسن كان ضد مبدأ اقتتال المسلمين من البداية. وقد لقى ما فعله الحسن كل تقدير وإجلال من المسلمين، ورأوا فيما أقدم عليه تحقيقًا لنبوءة جده محمد (حينما قال مشيرًا إلى الحسن: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [البخارى]. وتُوفِّى الحسن - رضى الله عنه - عام (50هـ = 670م).

*حسان بن النعمان الغسانى

*حسان بن النعمان الغسانى هو حسان بن النعمان بن عدى الأزدى الغسانى. من قادة الدولة الأموية وفرسانها. برز اسم حسان فى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، حيث اشترك فى عدة فتوحات فى شمال إفريقية فى عام (76هـ = 695م). ثم دخل فى عدَّة حروب مع البيزنطيين، واستعاد منهم مدينة قرطاجنة. وفى عام (80هـ = 698م) ظهرت امرأة تُدَّعى الكهانة فى شمال إفريقية والتف حولها البربر وأعلنوا الثورة على الخلافة الإسلامية، فتصدى لهم حسان، وقضى على ثورتهم وأقرالأمن فى المنطقة. وكان حسان محبًّا للعمارة والصناعة، فبنى مسجد القيروان ثم أنشأ دار الصناعة واتخذ منها ترسانة بحرية، صنَّع بها أكثر من سبعمائة سفينة بما يلزمها من معدات حربية، استخدمت فى فتح صقلية. وتُوفِّى حسان عام (86هـ = 705م) فى خلافة الوليد بن عبد الملك.

*أم حبيبة

*أم حبيبة هى أم المؤمنين رملة بنت أبى سفيان بن حرب، وُلدت قبل الهجرة بنحو ثلاثين عامًا. تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدى وأعلنت إسلامها مع زوجها، ثم هاجرت معه إلى الحبشة، وبها ولدت ابنتها حبيبة، وفى أرض الحبشة مات زوجها عبيد الله كافرًا بعد أن تنصَّر، فلما علم النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك خطبها، فأصدقها النجاشى (400) دينار نيابة عن النبى، وكان خالد بن سعيد ابن العاص وكيلاً فى هذا الزواج. وقد عادت أم حبيبة مع المهاجرين إلى المدينة عام (7هـ) عند فتح خيبر لتعيش مع النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد تفرغت أم حبيبة بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم - للعبادة، حتى تُوفيت بالمدينة المنورة عام (44هـ = 664م)، فى خلافة أخيها معاوية

*حاطب بن أبى بلتعة

*حاطب بن أبى بلتعة هو حاطب بن أبى بلتعة اللخمى. صحابى جليل من المسلمين الأوائل. شهد غزوة بدر وغيرها من المشاهد وأبلى فيها بلاءً حسنًا. بعثه النبى - صلى الله عليه وسلم - سفيرًا إلى المقوقس - حاكم مصر - فلما أتاه أحسن المقوقس استقباله، وحمَّله هدايا ثمينة إلى النبى، وكانت مارية القبطية من بين الهدايا فتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنجبت له ابنه إبراهيم. وتُوفِّى حاطب - رضى الله عنه - عام (30هـ).

*تيودور هرتزل

*تيودور هرتزل زعيم صهيونى، وُلِد بالمجر عام (1860م) وتلقى تعليمه فى مدرسة يهودية ثم انتقل مع أسرته إلى فيينا فدرس القانون بها، واشتغل بالمحاماة، ثم عمل بالصحافة. ومن خلال عمله الصحفى كتب عدة قصص ومسرحيات لنشر الفكر الصهيونى، وبدأ يخطط لإقامة دولة صهيونية، واتصل بالأثرياء من اليهود لتمويله وتحقيق حلمه. وفى عام (1897م) عقد هرتزل المؤتمر الصهيونى الأول برئاسته فى مدينة بازل السويسرية، وحدد المؤتمر (50) عامًا لإقامة دولة إسرائيل، وتم اختيار فلسطين من بين عدة أماكن اقترحت لإقامة الدولة، منها: الأرجنتين وأوغندا وقبرص وقد تُوفِّى هرتزل إثر مرض مفاجئ عام (1904م).

*ابن بطال

*ابن بطّال هو ابو الحسن على بن خلف بن عبدالملك بن بطَّال. وُلد فى مدينة قرطبة، فى أواخر القرن الرابع الهجرى، وتلقى العلم لعدد من كبار علماء الأندلس مثل: الطلمنكى والقنازعى وأبى الوليد يونس بن عبدالله القاضى وأبى عمر بن عفيف وغيرهم. وقد عُنى ابن بطال بالحديث وعلومه عناية خاصة، وأتقنه حتى برز فيه، وتتلمذ له عدد من التلاميذ، مثل: أبى داود المقرئ وعبد الرحمن بن بشر، وله مصنفات عدة وصلنا منها: شرح صحيح البخارى، وله كتاب فى الزهد والرقائق. وتُوفِّى ابن بطال سنة (449هـ=1057م).

*البيضاوى

*البيضاوى هو القاضى أبو سعيد ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوى الشيرازى. من كبارعلماء التفسير والفقه وأصوله. وُلد بمدينة البيضاء بفارس، وتفقَّه على مذهب الإمام الشافعى حيث كان أبوه وجده عالمين من علماء الشافعية. وقد تولى البيضاوى القضاء ثلاث مرات. وتتلمذ له كثيرون فى المذهب الشافعى، واهتمَّ العلماء بكتب البيضاوى وخصوصًا: تفسيره المعروف باسم أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وكتاب الغاية القصوى فى دراية الفتوى، وكتاب منهاج الوصول فى معرفة علم الأصول. وللبيضاوى مؤلفات أخرى كثيرة، مثل: تحفة الأبرار، ونظام التواريخ، ومطالع الأنوار. وتُوفِّى البيضاوى سنة (685هـ = 1286م) ودُفن بتبريز.

*جبريل (عليه السلام)

*جبريل (عليه السلام) هو أحد الملائكة المقربين إلى الله تعالى، وهو المكلف بنقل أوامر الله تعالى إلى الأنبياء من البشر. وقد ورد اسم جبريل - عليه السلام - فى القرآن الكريم ثلاث مرات، ولكنه جاء فى آيات أخرى بأسماء وصفات له، مثل: الروح وروح القدس. وجبريل هو الذى نزل على النبى - صلى الله عليه وسلم - فى غار حراء وهو يتعبد، وكان يظهر للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى صور مختلفة وظهر للنبى فى هيئته الحقيقية مرتين. وقد صحب النبى - صلى الله عليه وسلم - فى رحلة الإسراء والمعراج.

*جبلة بن الأيهم الغسانى

*جبلة بن الأيهم الغسانى آخر ملوك الغساسنة بالشام الذين انتهت إمارتهم التابعة للرومان بظهور الإسلام. وقد حارب جبلة مع الروم ضد المسلمين فى معركتى دومة الجندل واليرموك. ثم أعلن إسلامه بعد هزائم الروم المتعددة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وتعدَّى جبلة - فى أثناء الحج - على رجل من عامة الناس وصفعه على وجهه، فأراد عمر أن يقتصَّ منه، ففر إلى القسطنطينية وارتد عن الإسلام إلى النصرانية. ومات جبلة عام (20 هـ = 641م ).

*جهانكيز خان

*جهانكيز خان هو سليم بن محمد بن بابر بن عمرالشيخ ميرزا. رابع سلاطين الدولة المغولية فى الهند التى أسسها أبوه ظهير الدين بابر. وُلد سليم سنة (977هـ = 1579م). وعند خروج أبيه لفتح الدكن أعلن سليم نفسه سلطانًا على مدينة أباد الله ولكنه عاد إلى أبيه واعتذر إليه عن عصيانه. وبعد وفاة أبيه (1014هـ = 1605م) تولى سليم السلطنة وعرف باسم السلطان أبى المظفر نور الدين محمد جهانكيز. ودام حكمه (22 سنة) خاض خلالها العديد من المعارك وقضى على الثورات التى أثارها أهل بيته عليه. وقد تميَّز عهده بنهضة فى العلوم والفنون والآداب والدراسات التاريخية، ويُعدُّ جهانكيز أول أباطرة المغول المسلمين فى الهند، الذين فتحوا أبوابها للبريطانيين حين استقبل عام (1017هـ = 1608م) أول بعثة بريطانية أوفدها الملك جيمس الأول. وقد تُوفِّى جهانكيز عام (1037هـ = 1627م).

*أم أيمن

*أم أيمن هى بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن. صحابية جليلة، وحاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومولاته. انتقلت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن أبيه عبد الله، وكانت تساعد أمه السيدة آمنة بنت وهب على رعايته، وقد صحبته (مع أمه لزيارة أخواله بالمدينة، وعادت به وحيدًا بعد وفاة أمه فى طريق عودتها إلى مكة. وقد أعتقها النبى حين تزوج السيدة خديجة، فتزوجت عبيد بن زيد الخزرجى، فولدت له أيمن وكانت تُكنى به. ثم تزوجت من زيد بن حارثة فولدت له أسامة. وقد هاجرت أم أيمن إلى الحبشة، وإلى المدينة وجاهدت مع النبى وشهدت معه غزوات أحد وخيبر وحنين فكانت تسقى الماء وتداوى الجرحى. وكان النبى يحبها ويمازحها، ويعرف لها قدرها، فإذا رآها قال: هذه بقية أهل بيتى. وعرف الصحابة لأم أيمن قدرها فكان أبو بكر وعمر يزورانها بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد تُوفِّيت -رضى الله عنها - فى بدايات خلافة عثمان بن عفان.

*بشر بن المعتمر

*بشر بن المعتمر هو أبو سهل بشر بن المعتمر شيخ المعتزلة فى عصره. وُلد بشر بالكوفة، وسكن بغداد، وتوثقت الصلة بينه وبين الخليفة هارون الرشيد والبرامكة. ويُعدُّ بشر من فصحاء المتكلمين وبلغائهم، ويُعدُّه البعض من أوائل مؤسسى علم البلاغة العربية. وقد أسس بشر فى بغداد طائفة البِشْرية من المعتزلة، وأورد الجاحظ له بعض أقواله وأشعاره فى كتابى البيان والتبيين والحيوان. ولبشر العديد من المؤلفات فى علم الكلام، منها: الكفر والإيمان والإمامة والعدل والرد على الخوارج. وقد عُمِّر بشر طويلاً، وتُوفُّى ببغداد عام (210هـ = 825م).

*أبو بكر الرازى

*أبو بكر الرازى هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازى. أحد أعلام الحضارة الإسلامية فى الفلسفة والطب والعلوم الطبيعية. وُلد عام (250هـ = 864م) بمدينة الرَّىّ بإيران حاليًّا، وبها نشأ ودرس الرياضيات والفلك والمنطق والكيمياء، ثم رحل إلى بغداد حيث درس الفلسفة والطب، وبذل فى ذلك جهدًا كبيرًا، فلخص كتب الطب اليونانية، كما نقد جالينوس فى كتابه الشهير الشكوك على جالينوس. ثم عاد إلى الرّىّ فأسندت إليه رئاسة بيمارستانها، ثم أسندت إليه رئاسة بيمارستان بغداد. وقد ترك الرازى العديد من المؤلفات، بلغ (148) مؤلفًا، لا يوجد منها سوى (24) كتابًا. وتُوفِّى الرازى نحو عام (313هـ = 925م)، بعد أن كُفّ بصره.

*بشار بن برد

*بشار بن برد هو أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ. أحد كبار الشعراء فى العصر العباسى. جدُّه يرجوخ أو بهمن من طُخارستان، أسَرَه المهلب بن أبى صُفْرة والى خراسان فيمن أسر، فنشأ ابنه برد على الرق، وجعله فى رقيق زوجه التى وهبته لامرأة من بنى عقيل، وفيهم وُلِد بشار بالبصرة سنة (96 هـ = 714 م). وقد أعتقت المرأة العقيلية بشارًا بعد موت أبيه، فأصبح من موالى بنى عقيل. وُلِد بشار أعمى، فاتجه إلى حلقات العلم فى المساجد يتزود منها، كما انتقل إلى الأعراب فى بوادى البصرة؛ ليأخذ اللغة من مصادرها الأصلية. وقد وهبه الله ذكاءً متقدًا، وحافظة لاقطة، فسال ينبوع الشعر على لسانه ولمَّا يبلغ العاشرة من عمره، كما يقول الرواة. تأثر بشار بثقافات عصره، وتسربت إليه آراء المتكلمين وغيرهم، فنبغ فى الشعر نبوغًا متميزًا، حتى عدَّه النقاد أشعر المخضرمين الذين عاشوا فى عهد الدولتين الأموية والعباسية، كما عدُّوه رأس المحْدَثين الذى مهَّد لمدرسة البديع فى الشعر العربى، وعدُّوا شعره فيصلاً بين القديم والحديث، وجسرًا عبر عليه الشعر من مرابع البداوة إلى ربوع الحضارة. وحين قدم الخليفة المهدى إلى البصرة شكا إليه كثير من أهلها مجون بشار وزندقته، وشعوبيته وتعصبه ضد العرب والعروبة، فأمر الخليفة بضربه سبعين سوطًا تُوفِّى على إثرها، ودُفِن بالبصرة. وحقق ديوانه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، بعد أن جمع شعره من مظانه المتعددة، وصدر الديوان فى أربعة مجلدات عن لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة عام (1369 هـ = 1950 م).

*ابن البقال

*ابن البقَّال هو يوسف بن على بن أحمد البغدادى. أحد الحنابلة، وكان شيخ رباط المرزبانية ببغداد. ومن مصنفاته سلوك الخواص. وتُوفِّى ابن البقال سنة (668 هـ = 1269 م).

*سيبويه

*سيبويه هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قُنبر، إمام النحو العربى الشهير بسيبوية، وهى كلمة فارسية تعنى: رائحة التفاح. وُلِد فى إحدى قرى مدينة شيراز ببلاد فارس عام (148 هـ)، ثم رحل إلى مدينة البصرة، وانصرف إلى دراسة اللغة والنحو على أيدى كبار العلماء، كالخليل بن أحمد، والأخفش الأكبر، ثم انتقل إلى بغداد وفيها التقى مع الكسائى وناظره المناظرة الشهيرة التى تُعرف فى كتب اللغة بمسألة الزنبور والنحلة أو المسألة الزنبورية. واشتهر سيبويه بكتابه الفريد فى علم النحو الكتاب الذى قال عنه الجاحظ: لم يكتب الناس فى النحو كتابًا مثله، وجميع كتب الناس عليه عيال. وقيل: إن سيبويه تُوفِّى عام (180 هـ = 796 م)، وقيل غير ذلك.

*أبو سعيد الخدرى

*أبو سعيد الخدرى هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى الخزرجى. استشهد أبوه يوم أحد، وكان قبل المعركة قد صحب سعدًا وهو ابن ثلاثة عشر عامًا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فردَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ لصغر سنه، ثم شهد غزوة الخندق وبقية الغزوات. وكان أبو سعيد أحد الفقهاء المجتهدين، وقد حدَّث عن النبى - صلى الله عليه وسلم - وعن أبى بن كعب وعمر، وغيرهما من الصحابة، وروى له الشيخان البخارى ومسلم (1170) حديثًا. وتُوفِّى أبو سعيد بالمدينة عام (74 هـ).

*الخليل بن أحمد الفراهيدى

*الخليل بن أحمد الفراهيدى هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدى. وُلِد فى مدينة البصرة عام (100 هـ = 717 م)، وأخذ علوم اللغة عن ابن العلاء، وأحاط بأصولها وقواعدها، وقضى عمره فى البحث فيها. واشتهر الخليل بأنه واضع علم العَروض، وقد جمع فنونه فى (15) بحرًا، وظل هذا العلم كما وضعه الخليل، حتى أضاف إليه الأخفش بحرًا واحدًا، والخليل هو أول من صنع معجمًا فى اللغة العربية؛ إذ ينسب إليه معجم العين. وقد ترك الخليل تلامذة أصبحوا من أعلام اللغة مثل سيبويه. وتُوفِّى الخليل بالبصرة عام (170 هـ = 786 م).

*سعد بن معاذ

*سعد بن معاذ هو سعد بن معاذ بن النعمان بن عبد الأشهل الأوسى. صحابى جليل. كان سيد بنى عبد الأشهل. أسلم على يد مصعب بن عمير قبل هجرة النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وعقب إسلامه جمع قومه ورغبهم فى الإسلام؛ فأسلم القوم جميعهم. كان سعد، رضى الله عنه، من أشد المناصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مكانته فى الأنصار كمكانة أبى بكر فى المهاجرين، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - شديد الحب له. وشهد سعد بدرًا وأحدًا. وفى غزوة الخندق عام (5 هـ) أصيب سعد، فحُمِل إلى المسجد، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بضرب خيمة فوقه، وكان الرسول يعوده كل يوم. وقد ولاَّه النبى - صلى الله عليه وسلم - الحكم فى أمر بنى قريظة، وكان سعد حليفهم، بعد أن نقضوا عهدهم مع النبى، وتحالفوا مع الأحزاب فى حربهم ضد المسلمين فى المدينة، فقضى سعد أن يقتل الرجال وتُسبَى النساء والأطفال، وتُقسم الأموال، فأثنى النبى - صلى الله عليه وسلم - على حكمه، وبعد شهر من إصابة سعد انفجر جرحه؛ فمات عام (5 هـ).

*ابن باجة

*ابن باجة هو أبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ التُّجيبى، الشهير بابن باجة. أحد أعيان القرن السادس الهجرى. وُلِد فى مدينة سرقسطة بالأندلس فى أواخر القرن (5 هـ = 11 م). وتنقل ابن باجة بين مدن سرقسطة وإشبيلية وغرناطة وفاس، وتولى الوزارة فى عهد دولة المرابطين بالمغرب والأندلس. وعرف عن ابن باجة غزارة علمه؛ وبراعته فى الفلسفة والمنطق والرياضيات والعلوم الطبيعية والطب والموسيقا، كما عُرِف عنه إجادة فن الموشح. وقد ألف ابن باجة عدة كتب، وشرح كثيرًا من كتب أرسطو والفارابى، ومن أشهر مؤلفاته: تدبير المتوحد، والنفس، والسمع الطبيعى. وتُوفِّى ابن باجة عام (533 هـ = 1139 م).

*الحاكم النيسابورى

*الحاكم النيسابورى هو محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبى الطهمانى النيسابورى الشهير بالحاكم. وُلِد عام (321 هـ = 933 م) بمدينة نيسابور، ورحل إلى العراق عام (341 هـ)، وطاف ببلاد خراسان وما وراء النهر يأخذ العلم حتى قيل: إنه أخذ العلم عن نحو ألفى شيخ، ثم تولى قضاء نيسابور عام (359 هـ). وكان من أعلم الناس فى زمانه بصحيح الحديث وتمييزه عن سقيمه، ومن أكابر حفاظه والمصنفين فيه. وقد ترك الحاكم العديد من الكتب القيمة، من أشهرها: المستدرك على الصحيحين فى أربعة مجلدات، وتاريخ نيسابور. وتُوفِّى الحاكم عام (405 هـ = 1014 م).

*برجوان

*برجوان هو أبو الفتوح برجوان التركى. لا يعرف شىء عن موُلِده أو نشأته؛ فقد بدأ فى الظهور بعد وفاة الخليفة الفاطمى العزيز بالله الذى أوصى أن يكون برجوان وصيًّا على ابنه الحاكم بأمر الله فقام برجوان بذلك، وكان يتطلع إلى السلطة والنفوذ؛ فدخل فى صدام مع الوزير الفاطمى الحسن بن عمار، الذى كانت له الكلمة العليا فى الدولة، حتى تمكن برجوان من عزله، وعزل الموالين له، وبسط سيطرته على الشام وبرقة وطرابلس والمغرب، وأصبحت كلمته مسموعة، وأمره نافذًا فى كل أمور الدولة الفاطمية، وتُوفِّى برجوان سنة (389 هـ = 999 م).

*بيبرس الجاشنكيرى

*بيبرس الجاشنكيرى هو ركن الدولة بيبرس بن عبد الله المنصورى أحد سلاطين دولة المماليك الجراكسة فى مصر والشام. اشتراه الملك المنصور قلاوون صغيرًا، وجعله من مماليكه، ورفعه إلى مرتبة الأمراء، واتخذه جاشنكيرًا (أى: مشرفًا على طعام الملك)؛ ومن ثم نُسِب إليه، ثم عمل بيبرس فى خدمة أخيه الملك الناصر محمد الذى جعله مشرفًا على الحاشية والخزائن. وقد عُزل بيبرس من منصبه على يد زين الدين كتبغا الذى استولى على المُلك من الناصر محمد، ولكن الناصر ما لبث أن عاد ثانية إلى السلطة فأعاد بيبرس إلى منصبه، فاستأثر بحكم البلاد هو ونائب السلطنة سلار؛ فأغضب ذلك الناصر، وخلع نفسه من السلطنة. وقد اختير بيبرس لتولى أمور السلطنة عام (708 هـ = 1309 م)، ولقب بالملك المظفر، وتميَّز برجاحة العقل، وبالعدل، واهتم بالبناء والتعمير. وتُوفِّى سنة (709 هـ = 1309 م).

*دوزى

*دوزى هو رينهارت بيترآن دوزى أحد كبار المستشرقين. وهو من أصل فرنسى. وُلِد عام (1235 هـ = 1820 م) بمدينة ليدن إحدى مراكز الاستشراق المهمة فى هولندا وأوربا. نشأ دوزى فى بيت عُنِى بالدراسات الشرقية، خاصة العربية، وعكف على دراسة المخطوطات العربية فى ليدن، ثم فى مكتبات ألمانيا وإنجلترا. وارتبط اسم دوزى بدراساته العميقة الخاصة بتاريخ الأندلس، وانصرف إلى التدريس والتأليف والتحقيق، ووضع عدة مؤلفات مهمة فى موضوعاتها، أهمها: معجم عن الملابس عند العرب، ورسالة عن الكلمات العربية الدخيلة فى اللغة الإسبانية وأصول الكلمات العربية فى اللغتين الإسبانية والبرتغالية، إلى جانب تاريخ إسبانيا الأدبى والسياسى إبَّان القرون الوسطى، ويؤرخ فيه للفترة التى حكم فيها العرب إسبانيا، وتاريخ المسلمين فى إسبانيا، ومن تحقيقاته: كتاب البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب لابن عذارى. وتُوفِّى دوزى عام (1883 م).

*أبو تمام

*أبو تمام هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائى كُنى بابنه تمام، وُلِد بقرية جاسم من قرى حوران بالقرب من دمشق، سنة (188 هـ = 804 م) على الأرجح. وعاش فى صباه بدمشق، ثم انتقل إلى حمص، ورحل منها إلى مصر، وفيها جالس الأدباء وأخذ عنهم، وكان يسقى الماء بجامع عمرو بن العاص فى الفسطاط، ثم عاد إلى دمشق وانتقل منها إلى الموصل، فبغداد فى خلافة المأمون، ونبغ فى الشعر، وقرَّبه الخليفة المعتصم بالله إليه واختصه بنفسه، وصحبه معه فى حروبه ضد الروم، وشهد معه معركة عمورية عام (223 هـ = 837 م)، وسجَّل انتصار المسلمين فيها. ويُعد أبو تمام رائد مدرسة البديع فى الشعر العربى. وله ديوان شعر كبير، طُبع بالقاهرة عام (1292 هـ = 1875 م)، ثم نشر محققًا، وله أيضًا ديوان الحماسة الذى يُعرَف باسم حماسة أبى تمام، وكتابا فحول الشعراء، ومختار أشعار القبائل. وتُوفِّى أبو تمام بالموصل عام (231 هـ = 846 م) على الأرجح، فى خلافة الواثق بن المعتصم.

*بدر الجمالى

*بدر الجمالى هو أبو النجم بدر بن عبد الله الجمالى. من أصل أرمنى، وقد اشتراه الأمير جمال الدولة بن عمار غلامًا صغيرًا فربَّاه وعلمه؛ ومن ثم نُسِب إليه. وتميز الجمالى بالهمة والنشاط، وتولى إمارة الشام فى عهد الخليفة المستنصر عام (455 هـ)، فجذب إليه الأنظار. وقد استدعاه المستنصر إلى مصر؛ لإخماد فتنة نشبت هناك، وولاه مصر والشام، ثم قلده وزارة السيف والقلم، فخمدت فى عهده الفتن، وأصبحت له الكلمة العليا فى البلاد. وتميز عهده بالحزم والشدة على المجرمين والخارجين على النظام، إلى جانب الإنصاف، وبث الطمأنينة فى نفوس ذوى الحاجات، كما نشطت التجارة وازدهرت الزراعة. وتُوفِّى بدر الجمالى بالقاهرة عام (487 هـ = 1094 م) وقد تجاوز ثمانين عامًا، فأقام المستنصر أبا القاسم شاهنشاه بن بدر الجمالى مكان أبيه ولقبه بالأفضل، فسار على درب أبيه، وأحسن إلى الرعية، حتى بلغت سيرته الآفاق.

*ابن حيان القرطبى

*ابن حيان القرطبى هو أبو مروان حيَّان بن خلف بن حسين بن حيَّان. أحد المؤرخين الكبار فى الأندلس. وُلِد بقرطبة عام (377 هـ = 987 م). وقد تلقى علومه على يد والده، ثم مجموعة من كبار علماء الأندلس، منهم: عمر بن نابل، وأبو الحباب القرطبى، وصاعد البغدادى. وله عدة كتب فى التاريخ والتراجم، فُقِد أكثرها، من أشهرها: المقتَبس من أبناء أهل الأندلس، ويقع فى عشرة أجزاء، وقد طُبع أجزاء منه، والمتين فى تاريخ الأندلس، وهو أكبر من المقتبس. وتُوفِّى ابن حيان عام (469 هـ = 1076 م).

*عبد الله بن ياسين

*عبد الله بن ياسين هو عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولى المصمودى، الزعيم الأول للمرابطين، وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم. نشأ طالبًا للعلم فى دارٍ أنشئت بمدينة السوس وسُميت دار المرابطين. ثم ذهب مع يحيى الصنهاجى إلى صنهاجة؛ لتعليم الناس أمور دينهم، ولما لم يستجب الناس لدعوته اعتزلهم مع بضعة أشخاص فى جزيرة قريبة من النيجر، فلحقت به جماعة، ثم توافد عليه الناس، حتى بلغوا الألف، فسماهم المرابطين. وبدأ معاركه للقضاء على الفساد والمنكرات، ثم هاجم صنهاجة ودرعة وسجلماسة، واستولى على بلاد نارو دانت، وفتح بلاد المصامدة، ثم استولى على بلاد قبائل برغواطة. وكان له دور كبير فى إحياء تعاليم الإسلام بالمغرب. واستشهد ابن ياسين عام (451 هـ = 1059 م)، بعد إحدى المعارك مع قبائل برغواطة، ودُفن فى قبيلة زعير بالقرب من مدينة الرباط.

*بديع الزمان النورسى

*بديع الزمان النورسى هو سعيد ميرزا النورسى المعروف ببديع الزمان. عالم ومجاهد تركى. وُلِد فى إحدى قرى محافظة بدليس بتركيا عام (1290هـ = 1873م). كان منذ طفولته شديد الذكاء، سريع الفهم، فتلقى دروس اللغة والفقه ونبغ فى تحصيلهما قبل سن بلوغه، كما انصرف إلى التقشف والزهد وطلب العلم، حتى اشتهر أمره بين الناس، وصارت له مكانة عظيمة بين العلماء. وعندما قام الاتحاديون بعزل السلطان عبد الحميد الثانى، واستحداث تشريعات علمانية على النمط الغربى، والهيمنة على مقاليد الأمور. تصدى لهم بديع الزمان؛ فقام بكتابة المؤلفات التى تدعو الناس إلى التمسك بدينهم الإسلامى، وألقى الخطب، وأشعل الحماسة فى صدر الأمة لتدافع عن عقيدتها، وتعرض من أجل ذلك للنفى والسجن، ولكنه بقى مجاهدًا حتى وفاته. وترك بديع الزمان عددًا كبيرًا من المؤلفات، أشهرها: رسائل النور، وتُوفِّى بديع الزمان بمدينة أورقة عام (380هـ = 1960م).

*الجوينى

*الجوينى هو أبو المعالى ركن الدين عبد الملك بن عبد الله. وُلِد بإحدى قرى مدينة نيسابور عام (419هـ = 1028م)، ثم رحل إلى بغداد فى عهد دولة السلاجقة، ثم انتقل إلى الحجاز عام (450هـ) وجلس للتدريس فى مكة والمدينة فعُرف بإمام الحرمين، ثم عاد إلى نيسابور فى عهد الوزير نظام الملك الذى اشتهر بتشجيع العلم والعلماء، فأنشأ للإمام الجوينى مدرسة عُرفت بالنظامية، جلس فيها للتدريس والإفتاء. وللجوينى مؤلفات عديدة، منها: البرهان فى أصول الفقه، والورقات، والعقيدة النظامية، وغياث الأمم، والشامل. وتُوفِّى الجوينى بنيسابور عام (478هـ = 185م).

*أبو المعالى الجوينى

*أبو المعالى الجوينى هو أبو المعالى ركن الدين عبد الملك بن عبد الله. وُلِد بإحدى قرى مدينة نيسابور عام (419هـ = 1028م)، ثم رحل إلى بغداد فى عهد دولة السلاجقة، ثم انتقل إلى الحجاز عام (450هـ) وجلس للتدريس فى مكة والمدينة فعُرف بإمام الحرمين، ثم عاد إلى نيسابور فى عهد الوزير نظام الملك الذى اشتهر بتشجيع العلم والعلماء، فأنشأ للإمام الجوينى مدرسة عُرفت بالنظامية، جلس فيها للتدريس والإفتاء. وللجوينى مؤلفات عديدة، منها: البرهان فى أصول الفقه، والورقات، والعقيدة النظامية، وغياث الأمم، والشامل. وتُوفِّى الجوينى بنيسابور عام (478هـ = 185م).

*أبو جهل

*أبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومى. يُعرف بأبى الحكم وكناه المسلمون من معاصريه بأبى جهل. وُلِد فى عام الفيل، وكان من سادات قريش، وعندما بُعث النبى - صلى الله عليه وسلم - كان أبو جهل من أشد أعداء الإسلام، وتعرض بالإيذاء للنبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، رضى الله عنهم. وهو صاحب فكرة اختيار شاب من كل قبيلة من القبائل العربية؛ لقتل النبى - صلى الله عليه وسلم - حتى يتفرق دمه بين القبائل، وهو الذى طعن سمية أم عمار بن ياسر بحربته فقتلها؛ لأنها أغلظت له القول، فكانت أول شهيدة فى الإسلام. واشترك أبو جهل فى غزوة بدر فى العام الثانى للهجرة، وأصر على قتال المسلمين حتى بعد أن نجت قافلة قريش فقال: والله لا نرجع حتى نَردَ بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدًا. وفى هذه الغزوة قتل أبو جهل. وقد أسلم ابنه عكرمة، وحَسُنَ إسلامه، واستشهد فى غزوة اليرموك عام (13هـ = 634م).

*ابن جبير

*ابن جبير هو محمد بن أحمد بن جبير الكنانى الأندلسى. رحالة وأديب. وُلِد فى بلنسية سنة (540هـ = 1145م)، وكان بارعًا فى الأدب ونظم الشعر خاصة. سمع من والده، وأخذ عن أبى عبد الله الأصيلى، وأبى الحسن على بن أبى العيش المقرئ، وعبد العزيز الخليلى، وعبد الله عيسى التميمى، وغيرهم. وأخذ عنه أبو إسحاق بن لهيب، وأبو الحسن بن نصر بن فاتح بن عبد الله البجائى، وأبو الحسن الشارى، وأبو العباس بن عبد المؤمن البنانى، وغيرهم. وقد عينه أمير غرناطة أبو سعيد بن عبد المؤمن ملك الموحدين كاتم سره، وكان ابن جبير يحب الرحلة والتنقل؛ فترك الأمير وسافر إلى بلاد المشرق؛ حيث زارها ثلاث مرات، تُوفِّى فى المرة الأخيرة منها بالإسكندرية سنة (614هـ = 1217م)، وألف كتابًا سماه رحلة ابن جبير، يصف فيه البلاد والأماكن التى زارها فى رحلته من سنة (578 - 581هـ). ولابن جبير ديوان شعر يُطلق عليه نظم الجمان فى التشكى من إخوان الزمان، وله كتاب آخر يُسمى نتيجة وجد الجوانح فى تأبين القرن الصالح.

*محمد بن أحمد ابن جبير

*محمد بن أحمد ابن جبير هو محمد بن أحمد بن جبير الكنانى الأندلسى. رحالة وأديب. وُلِد فى بلنسية سنة (540هـ = 1145م)، وكان بارعًا فى الأدب ونظم الشعر خاصة. سمع من والده، وأخذ عن أبى عبد الله الأصيلى، وأبى الحسن على بن أبى العيش المقرئ، وعبد العزيز الخليلى، وعبد الله عيسى التميمى، وغيرهم. وأخذ عنه أبو إسحاق بن لهيب، وأبو الحسن بن نصر بن فاتح بن عبد الله البجائى، وأبو الحسن الشارى، وأبو العباس بن عبد المؤمن البنانى، وغيرهم. وقد عينه أمير غرناطة أبو سعيد بن عبد المؤمن ملك الموحدين كاتم سره، وكان ابن جبير يحب الرحلة والتنقل؛ فترك الأمير وسافر إلى بلاد المشرق؛ حيث زارها ثلاث مرات، تُوفِّى فى المرة الأخيرة منها بالإسكندرية سنة (614هـ = 1217م)، وألف كتابًا سماه رحلة ابن جبير، يصف فيه البلاد والأماكن التى زارها فى رحلته من سنة (578 - 581هـ). ولابن جبير ديوان شعر يُطلق عليه نظم الجمان فى التشكى من إخوان الزمان، وله كتاب آخر يُسمى نتيجة وجد الجوانح فى تأبين القرن الصالح.

*الوليد بن طريف

*الوليد بن طريف هو الوليد بن طريف بن الصلت التغلبى الخارجى. كان زعيم الخوارج؛ إذ خرج بالجزيرة الفراتية سنة (177هـ) فى خلافة الرشيد، وتبعته جموع كثيرة، وكان يتنقل بين نصيبين والخابور، واستولى على أرمينية، وحاصرها خلاط، وسار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السواد، وعبر إلى غربى دجلة، وعاث فسادًا فى بلاد الجزيرة، فأرسل إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيبانى على رأس جيش كبير، فقاتله وهزمه وقتله، بعد حروب شديدة سنة (179هـ).

*شارل مارتل

*شارل مارتل هو شارل مارتل بن بيبين الثانى؛ أو بيبين هرستال. أحد أباطرة دولة الفرنجة أو الميروفنجية. كان شارل مارتل فى بداية أمره يعمل رئيسًا للبلاط الملكى، واستطاع أن يدعم نفوذه حتى غدت السلطة الفعلية فى يده سنة (719 م)، فوحَّد ممالك الدولة الميروفنجية الثلاث (أوستراسيا، نستريا، برجنديا) تحت سلطته، وقام بسلسلة من الحروب لتأمين دولة الفرنجة من ناحية الشرق؛ فحارب السكسون، والفريزيين، والألمان، والبافاريين. وكان الخطر الأكبر الذى هدده هو زحف المسلمين من الأندلس جنوبًا. وتمكن شارل مارتل من إلحاق هزيمة بالجيش الإسلامى بقيادة عبد الرحمن الغافقى سنة (732م) فى معركة بلاط الشهداء أو توربواتييه، وأضفى هذا النصر على شارل مارتل قوة ومكانة أكسبته لقب مارتل أى المطرقة، بعد أن بدا فى نظر العالم الغربى بطل المسيحية الأول، الذى حمى غرب أوربا من الزحف الإسلامى. إلا أن استيلاء شارل مارتل على بعض أراضى الكنيسة، علاوة على رفضه مساعدة البابوية ضد اللمبارديين، أثارا جفوة بينه وبين الكنيسة، حتى تُوفِّى شارل مارتل سنة (741م).

*الليث بن سعد

*الليث بن سعد هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمى، إمام أهل مصر فى الفقه والحديث، ولد سنة (94 هـ) بقرية قرقشندة - إحدى قرى صعيد مصر - وأصله من خراسان. أخذ العلم عن كبار علماء عصره مثل: ابن شهاب الزهرى، وهشام بن عروة، وعطاء بن رباح، حتى برع فى الفقه والحديث والنحو والشعر، وكان مقربًا من الولاة والأمراء فكانوا لا يقطعون أمرًا إلا بمشورته، وقد عرض عليه الخليفة أبو جعفر المنصور أن يتولى مصر فاعتذر الإمام الليث عن عدم قبول ذلك. وكان الليث كثير المال، فكان دخله كل عام (20) ألف دينار لا تجب عليها الزكاة لكثرة صدقاته وكرمه وجوده، فكان يتصدق على (300) مسكين كل يوم. وكان الإمام الشافعى يبدى أسفه لعدم رؤيته الإمام الليث. وقد توفى الليث فى القاهرة ليلة الجمعة سنة (175 هـ).

*يحيى البرمكى

*يحيى البرمكى هو: يحيى بن خالد بن برمك، من وزراء الدولة العباسية، ولد سنة (120هـ)، ولازم والده فاكتسب منه الخبرة والحنكة السياسية. وكان أول ظهور ليحيى عندما ولاه الخليفة العباسى المنصور سنة (158 هـ) على أذربيجان، ثم وكل إليه فى سنة (161 هـ) تأديب هارون الرشيد - فى خلافة المهدى - وفى سنة (163 هـ) ولى المهدى ابنه هارون المغرب كله، وجعل يحيى على ديوان رسائله، ولعب دورًا مؤثرًا فى تمسك هارون الرشيد بولاية العهد عندما أراد الخليفة الهادى جعل ولاية العهد لابنه جعفر، حتى إن الهادى حبس يحيى إلا أن وفاة المهدى عجَّلت بخروجه من السجن؛ وقام بتهنئة الرشيد بالخلافة سنة (170 هـ) وتألق نجمه بعد تفويض الرشيد له فى سلطة تصريف شؤون الخلافة، التى استمر بها هو وأسرته (17) عامًا من (170 هـ) حتى (187 هـ)، حين نكبهم الرشيد وقام بسجن يحيى لاتهامه بميله للعلويين، وتوفى يحيى فى السجن سنة (190هـ).

*محمد بن أبى بكر الصديق

*محمد بن أبى بكر الصديق هو: أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عثمان بن عامر التيمى، المشهور بمحمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، أمير مصر وابن الخليفة الأول أبى بكر الصديق، ولدته أمه أسماء بنت عميس بذى الحليفة بين مكة والمدينة سنة (10 هـ) أثناء حجة الوداع. تولى تربيته على بن أبى طالب، رضى الله عنه، الذى تزوج أمه بعد وفاة الصديق. كان محمد يعرف بعابد قريش، وكانت له مكانة كبيرة لدى الخليفة على بن أبى طالب فقد شهد معه صفين والجمل، وولاه على على مصر سنة (37 هـ) ودامت ولايته عليها خمسة أشهر حتى دخلها جيش معاوية بن أبى سفيان بقيادة عمرو بن العاص.

*قتيبة بن مسلم الباهلى

*قتيبة بن مسلم الباهلى هو: قتيبة بن مسلم بن عمر بن الحصين الباهلى، أبو حفص أحد قادة المسلمين البارزين فى القرن الأول الهجرى. ولد سنة (49 هـ = 669 م)، وتولى الرى أيام عبد الملك بن مروان وخراسان أيام الوليد بن عبد الملك، وكان لقتيبة فتوح عظيمة فى بلاد ما وراء النهر، حيث فتح خوارزم، وسجستان، وسمرقند، وبخارى وغزا أطراف الصين وانتصر على الترك فى مواقع كثيرة واستطاع توطيد الإسلام فى تلك المناطق، واستمرت ولايته على بلاد ما وراء النهر (13) سنة حتى قتل سنة (96 هـ = 714 م).

*محمد بن سيرين

*محمد بن سيرين هو أبو بكر محمد بن سيرين البصرى، الأنصارى بالولاء، فقيه محدث، مفسر، معبر للرؤيا، إمام زمانه فى علوم الدين بالبصرة، نشأ بزازًا (بائع ثياب) وفى أذنه صمم، واشتهر بتعبير الرؤيا، سمع أبا هريرة وعمران بن حصين وطائفة وروى الحديث، ورواه عنه جماعة، كان قصيرًا، عظيم البطن، كثير المزاح، إذا ذكر الموت يموت كل عضو منه، يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكانت أمه صفية مولاة أبى بكر، رضى الله عنه. وثَّقه الأصمعى. ينسب إليه كتاب تعبير الرؤيا وهو غير كتاب منتخب الكلام فى تفسير الأحلام المنسوب إليه وليس له. تُوفى ابن سيرين سنة (110هـ).

*قراقوش

*قراقوش هو قراقوش بن عبد الله الأسدى بهاء الدين الخادم الأبيض، والٍ مصرى، وقراقوش لفظ تركى معناه العُقاب، وهو الطائر المعروف. كان صلاح الدين قد جعله نائبًا على مصر عندما استقل بها عن الدولة النورية، وعوَّل عليه فى تدبير أمور مصر وأحوالها، فقام ببناء السور المحيط بالقاهرة، وبنى قلعة الجبل، وبنى قناطر الجيزة، وبنى خانًا للسبيل على باب الفتوح بالقاهرة. وبعد أن حرر صلاح الدين مدينة عكا من أيدى الصليبيين، ولّى عليها بهاء الدين قراقوش، ولكنه وقع أسيرًا فى أيدى الصليبيين سنة (588 هـ = 1192م) عندما حاولوا استرداد المدينة، فافتدى نفسه بعشرة آلاف دينار. وقد نسبت إليه بعض الأفعال، والأحوال العجيبة أثناء ولايته على مصر، حتى إن أسعد بن مماتى ألف كتابًا أسماه الفاشوش فى أحكام قراقوش، جمع فيه بعضًا من غرائب الحكايات عن بهاء الدين قراقوش. وتوفّى قراقوش فى شهر رجب سنة (597 هـ = 1200 م) بالقاهرة، ودُفِن بسفح المقطم.

*القزوينى

*القزوينى هو محمد بن عبد الرحمن بن عمر جلال الدين القزوينى الشافعى، قاضٍ أديب، يعرف بخطيب دمشق. ولد سنة (666 هـ = 1268 م) فى الموصل، وأصله من قزوين، وكان أديبًا بارعًا، يجيد اللغة العربية والتركية والفارسية، واشتغل بالفنون، وأتقن الأصول والمعانى والبيان. تولى القضاء لأول مرة وهو دون العشرين من عمره، ثم تولَّى قضاء دمشق سنة (724 هـ - 1324م) وتولى خطابة الجامع الأموى بها فترة من الزمن. وفى سنة (727 هـ - 1327م) تولى منصب قاضى القضاة بمصر، وعين خطيبًا بجامع القلعة، وظل مقيمًا بمصر فترة. ارتفعت منزلته لدى السلطان حتى إنه لم يكن يرد له شفاعة يشفع فيها أبدًا. وفى سنة (738 هـ - 1337م) عين على قضاء دمشق، وظل بها إلى أن توفى سنة (739 هـ - 1338م) بمرض الفالج. ومن أهم كتبه: 1 - تلخيص المفتاح فى المعانى والبيان. 2 - الإيضاح فى شرح التلخيص. 3 - السور المرجانى فى شعر الأرجاني.

*إيمانويل قرة صو

*إيمانويل قرة صو سياسى يهودى، إسبانى الأصل، استقر فى سالونيك باليونان ، حيث كانت مركزًا لنشاط الجمعيات السرية المعادية للدولة العثمانية. عمل إيمانويل قرة صو محاميًّا، واشترك فى حركة تركيا الفتاة، وجمعية الاتحاد والترقى، وكان من أنشط أعضاء الاتحاد والترقى فى إثارة الشعب وتحريضه ضد السلطان عبد الحميد، ولما تولت جمعية الاتحاد والترقى الحكم عملت على تعيينه فى المجلس النيابى العثمانى نائبًا عن سالونيك مرة وعن إستانبول مرتين بالتناوب. وكان إيمانويل طوال مدة إقامته بإستانبول يعد الأستاذ الأعظم لمحفل مقدونيا زيرولتا الماسونى. ولعب أيضًا قرة صو دورًا مهمًّا فى احتلال إيطاليا لليبيا نظير مبلغ من المال دفعته إليه إيطاليا، وبعد تبين خيانته للدولة العثمانية هرب إلى إيطاليا، وحصل على حق المواطنة الإيطالية، واستقر فى تريستا حتى مات سنة (1934م).

*محمد الشيخ السعدى

*محمد الشيخ السعدى هو محمد بن زيدان بن أحمد المنصور السعدى، أبو عبد الله، الملقب بالشيخ. من ملوك الأشراف السعديين بمراكش. خرج ثائرًا مع أخيه الوليد على أخيهما عبد الملك لمَّا ولى السلطنة، إلا أن عبد الملك تمكن من إخماد ثورتهما، واستمر فى الحكم إلى أن تُوفِّى، وولى بعده الوليد. وكان محمد متواضعًا، لينًا، ميالاً إلى الراحة والدعة، مفتقدًا إلى العزيمة والحزم. قامت عليه الثورات فضعف عن إخمادها، ولم يبقَ له إلا مراكش وبعض أعمالها. وتُوفِّى بمراكش سنة (1064هـ).

*قس بن ساعدة الإيادى

*قس بن ساعدة الإيادى هو قس بن ساعدة بن عمرو الإيادى. أحد خطباء العرب وحكمائهم وشعرائهم فى الجاهلية. كان أسقف نجران، وهو أول من علا على شُرفٍ (موضع عالٍ) وخطب عليه، وأول من اتكأ على عصا أو سيف فى خطبته، وأول من قال أما بعد فى كلامه. رآه النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة، أثناء خطابته للعرب فى عكاظ، وكان قس يفد على قيصر الروم فيكرمه ويعظمه، وعندما سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - بعض كلماته قال: يرحم الله قسًّا، إنى لأرجو أن يُبعَث يوم القيامة أمة وحده. وتُوفَّى قس سنة (600م).

*القشيرى

*القشيرى هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك المعروف بالقشيرى؛ نسبة إلى قشير أحد بطون سعد العشيرة القحطانية. وُلِد فى نيسابور فى ربيع الأول سنة (376هـ)، ونشأ يتيمًا، ودرس اللغة العربية والأدب، وتعلم الحساب، وكان شافعيًّا صوفيًّا. قضى معظم حياته فى نيسابور التى كانت مشهورة بكثرة علمائها ووجود أعلام التصوف بها، إلا أنه تعرض لمحنة فى سنة (440هـ)؛ بسبب بعض وشايات المعتزلة، وانتهت هذه المحنة بخروجه إلى بغداد، واستمراره بها (15) عامًا، عاد بعدها إلى نيسابور؛ حيث قضى بقية حياته بها. وكان القشيرى ينظم الشعر الذى يغلب عليه نزعة التصوف، وله عديد من المؤلفات، أشهرها: الرسالة القشيرية فى التصوف، والتيسير فى علم التفسير، وشرح الأسماء الحسنى، ولطائف الإشارات واللمع فى الاعتقاد. وتُوفِّى القشيرى فى نيسابور سنة (465هـ = 1703م) عن عمر يناهز (87) عامًا.

*أبو ذر الغفارى

*أبو ذر الغفارى هو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد الغفارى من كبار الصحابة، رضى الله عنهم، ومن السابقين إلى الإسلام، ومن أوائل من جَهَر بالقرآن فى مكة، ولم تكن له بها عصبة تمنعه وتذود عنه. شهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا من المشاهد، وهو أول من حيَّا النبى - صلى الله عليه وسلم - بتحية الإسلام. وعندما تُوفِّى النبى - صلى الله عليه وسلم - هاجر أبو ذر إلى الشام، وظل بها إلى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه. وكان يحضُّ الأغنياء على مواساة الفقراء ويلح عليهم فى ذلك بالترغيب والترهيب؛ مما دعا الأغنياء إلى أن يشكوه إلى معاوية، فطلب منه معاوية أن يكف عمَّا يدعو إليه، فأبى، فشكاه معاوية إلى عثمان، فاستقدمه عثمان إلى المدينة ثم أرسله إلى الربذة (من قرى المدينة) فأقام بها إلى أن مات سنة (32هـ = 652م)، وروى له البخارى ومسلم (218) حديثًا.

*زيد بن على بن الحسين

*زيد بن على بن الحسين هو أبو الحسن زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب. وُلِد بالمدينة عام (79هـ = 698م)، ثم رحل إلى الكوفة، وبها تلقى العلم عن علمائها، وممن تتلمذ لهم واصل بن عطاء المعتزلى. نبغ زيد فى العلم، وعُدَّ من الفقهاء المجتهدين، ويُنسَب إليه كتاب المجموع فى الفقه، ويشتمل على الأحاديث التى رويت عنه، وفتاواه التى أفتى بها، وروايات الكتاب كلها عن آبائه من الأئمة، فإذا صحت نسبة المجموع إليه اعتبر أقدم كتب الفقه، ويُنسَب إليه - أيضًا - كتاب الصفوة، وهو من محفوظات المتحف البريطانى. وقد خالف زيد فرق الشيعة الأخرى فى كثير من المبادئ، مثل: جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وعدم القول بعصمة الأئمة، وخرج زيد على هشام بن عبد الملك، وعلل سبب خروجه بالعودة إلى الكتاب والسنة، وجهاد الظالمين والدفاع عن المستضعفين، ورد المظالم، والعدل بين الناس، واستشهد زيد فى هذه المعركة عام (122هـ = 740م)، وله من العمر (44) سنة.

*فاسكو دى جاما

*فاسكو دى جاما وُلِد عام (1460م) فى عائلة نبيلة، ودرس الحساب والملاحة البحرية. وعندما بلغ الثامنة والعشرين من عمره أوكل إليه ملك البرتغال مانويل الأول حملة بحرية كان لها الأثر العظيم فى تطور التجارة العالمية، ومن ثم فى تطور العلاقات السياسية الدولية. انطلق برحلته عام (1497م) من لشبونة ووصل بها حتى الهند عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وذلك باعتماده على كشافين أفارقة وعرب، ثم انتهت الحملة بعودته إلى لشبونة عام (1499م). وكان لهذه الرحلة نتائج من أهمها زيادة الأطماع الاستعمارية للبرتغال؛ فبعث الملك مانويل الأول بحملة بحرية عسكرية مؤلفة من (13) سفينة إلى الهند، وقد صدَّ الهنود بدعم من العرب هذه الحملة ببسالة، وقتلوا عددًا كبيرًا منها. وبعد فشل هذه الحملة أوكل الملك مانويل الأول إلى فاسكودى جاما رحلة مكونة من (15) سفينة؛ وذلك من أجل تحقيق مالم تحققه الحملة السابقة. وبدأت الرحلة عام (1502م) وعبرت رأس الرجاء الصالح ثم المحيط الهندى، حتى وصلت إلى بحر العرب، فسيطرت على مركب تجارى عربى. وبأمر من فاسكودى جاما تم قتل جميع ركابها من رجال ونساء وأطفال، وبلغ عددهم (400) شخص؛ وكان هذا سببًا فى إشعال الحرب بين البحرية البرتغالية والبحرية العربية. وقد اضطر فاسكودى جاما إلى الهروب شرقًا، حتى وصل إلى مدينة غوا، وبعد فترة قصيرة عاد إلى البرتغال عام (1503م). وبعد وصوله إلى لشبونة تنقل فى عدة مناصب عسكرية، ونعم بحياة عائلية مترفة مع زوجته وأطفاله الستة. وفى عهد الملك جون الثالث عينه نائبًا عنه فى الهند عام (1524م). وبعد وصوله إلى غوا فى سبتمبر من العام نفسه عاجلته المنية فى (ديسمبر 1524م)، ثم نقلت رفاته إلى البرتغال عام (1538م).

*فاطمة بنت الخطاب

*فاطمة بنت الخطاب هى فاطمة بنت الخطاب بن نفيل، أخت عمر بن الخطاب، وزوجة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة، رضى الله عنهم جميعًا. أسلمت مع زوجها، وكانت سببًا فى إسلام عمر بن الخطاب، وكانت تحضُّ نساء قريش على الإسلام. وتُوفِّيت فى خلافة أخيها عمر بن الخطاب.

*فاطمة بنت عبد الملك بن مروان

*فاطمة بنت عبد الملك بن مروان هى فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز، وابنه الخليفة عبد الملك بن مروان، وأخت الخليفتين الوليد وسليمان ابنا عبد الملك. كانت من فضليات نساء بنى أمية. قال فيها الشاعر عمر بن أبى ربيعة الشعر. تزوجها عمر بن عبد العزيز قبل أن يتولى الخلافة فعاشت معه فى نعيم ورفاهية، ولما آلت الخلافة إليه عاشت معه عيشة التقشف والزهد حتى وفاته. وتزوجت بعد وفاته داود بن سليمان بن مروان.

*ابن حوقل

*ابن حوقل هو أبو القاسم محمد بن على الموصلى المشهور بابن حوقل. رحَّالة ومن علماء البلدان. وُلِد ببغداد، ونشأ بها، وعمل تاجرًا فى الموصل، وكان مولعًا بقراءة كتب تقويم البلدان، فشوَّقه ذلك إلى الرحلة ومعرفة أقطار الأرض، متخذًا التجارة مهنة له، وراغبًا فى دراسة البلاد والشعوب. أمضى فى رحلاته الواسعة زُهاء ثلاثين عامًا، بدأها من بغداد عام (331هـ = 943م)، ساح خلالها فى أرجاء العالم الإسلامى شرقًا وغربًا، من نهر السند حتى المحيط الأطلسى. وفى إحدى رحلاته تقابل مع الرحَّالة الكبير الإصطخرى عام (340هـ = 952م)، وكان لتلك المقابلة أثرها فى الرجلين حيث استفاد كل منهما من الآخر. ويُعد ابن حوقل الخبير الأول بشئون المغرب؛ حيث كتب فصولاً عنها اتسمت بالدقة والشمول. ألف كتابه العظيم المسالك والممالك ليذكر البلاد التى زارها والمسافات التى قطعها، وصفات البحار والأنهار وخواص البلاد وتجاراتها، ويُعتقد أنه انتهى من الكتاب عام (367هـ = 977م)، وتُرجِم كتابه صورة الأرض إلى الفرنسية، وصدر عام (1964م)، وتُوفِّى ابن حوقل بعد سنة (367هـ = 977م).

*ابن خلكان

*ابن خَلِّكان هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خَلكان، قاضى القضاة شمس الدين أبو العباس البرمكى الإربلى. مؤرخ وأديب وصاحب الكتاب العظيم وفيات الأعيان، وهو من أشهر كتب التراجم وأحسنها. وُلِد بإربل سنة (608هـ = 1211م). وكثرت تنقلاته ورحلاته فى البلاد الإسلامية، فقدم إلى الشام والموصل وحلب ومصر، وأخذ العلم عن أكابر علمائها، وتولَّى القضاء فى مصر والشام، وولى التدريس فى كثير من مدارس دمشق. وتُوفَّى ودُفن بها عام (681هـ = 1282م).

*رجاء بن حيوة

*رجاء بن حيوة هو أبو المقدام رجاء بن حيوة الكندى. أحد كبار التابعين، قال عنه ابن كثير فى البداية والنهاية: هو تابعى جليل، كبير القدر، ثقة، فاضل عادل، وزير صدق لخلفاء بنى أمية، وكان مكحول إذا سُئل يقول: سلوا شيخنا وسيدنا، رجاء بن حيوة. وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة، ووثقوه فى الرواية، وله روايات وكلام حسن، رحمه الله. وقد سجل التاريخ لرجاء موقفه مع الخليفة سليمان بن عبد الملك عندما أراد أن يعهد بالخلافة إلى ابنه - وكان غلامًا صغيرًا - فقال له رجاء: ما تصنع ياأمير المؤمنين! إنه مما يحفظ على الخليفة فى قبره أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح، فعهد سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بالخلافة، وكتب بذلك كتابًا وعهدًا جعله مع رجاء على ألا يطلع عليه أحد. وبعد وفاة سليمان أخفى رجاء الخبر، وأرسل إلى قائد الشرطة كعب بن حامد العبسى، فجمع أهل بيت سليمان فاجتمعوا، وقال لهم: بايعوا. هذا عهد أمير المؤمنين. فبايعوه فأخبرهم بوفاة سليمان، وقرأ عليهم الكتاب، فلما انتهى إلى ذكر عمر بن عبد العزيز نادى هشام بن عبد الملك: لا نبايعه أبدًا، فأجابه رجاء فى قوة: أضرب والله عنقك، قم فبايع؛ فقام هشام يجرُّ رجليه. وكان رجاء مستشارًا أمينًا لخلفاء بنى أمية، وخاصة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزير. وتُوفِّى رجاء عام (112هـ).

*أبو الوليد الباجى

*أبو الوليد الباجى هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التُّجيبىُّ المالكى الأندلسى. من علماء الأندلس وحفاظها فى علم الحديث. وهو أحد أئمة المسلمين، وُلِد فى مدينة باجة بالأندلس عام (403هـ = 1012م)، ثم رحل إلى الشرق الإسلامى سنة (426هـ)، وأقام بمكة ثلاثة أعوام، ثم رحل إلى بغداد، فأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويقرأ الحديث، ولقى بها كبار العلماء، مثل: أبى ذر الهروى وأبى إسحاق الشيرازى، وأقام بمدينة الموصل عامًا يدرس الفقه على يد أبى جعفر السمنانى. ظلَّ أبو الوليد بالمشرق نحو ثلاثة عشر عامًا، ثم عاد إلى الأندلس؛ حيث تولى القضاء. وصنف كتبًا كثيرة، منها: المنتقى، وإحكام الفصول فى أحكام الأصول، والتسديد إلى معرفة التوحيد، والتعديل والتجريح فيمن روى عنه البخارى فى الصحيح. وكانت بينه وبين ابن حزم الظاهرى مجالس ومناظرات كثيرة، وأخذ عنه ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب، وتُوفِّى الباجى عام (474هـ = 1081م).

*أبو يوسف

*أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد. أحد أئمة الفقه الإسلامى فى القرن الثانى الهجرى. وُلِد فى الكوفة عام (113هـ = 731م)، وتُوفَّى أبوه وهو صغير، وتعلق بحلقة الإمام أبى حنيفة، وداوم عليها، حتى أصبح أعلم تلامذة أبى حنيفة. كان أبو يوسف فقيهًا علاَّمة، من حفاظ الحديث، ثم غلب عليه فقه أبى حنيفة، فقام بنشر مذهبه، كما كان أبو يوسف واسع العلم، وأول من وضع الكتب فى أصول الفقه على مذهب أبى حنيفة، وكان غزير العلم بالتفسير والمغازى وأيام العرب، وتولى القضاء ببغداد أيام الخلفاء المهدى والهادى وهارون الرشيد، وهو أول من دُعِىَ قاضى القضاة، وكان يقال له: قاضى قضاة الدنيا؛ لأنه كان يقوم بتعيين قضاة جميع الأقاليم الإسلامية. ولأبى يوسف تصانيف كثيرة، منها: الخراج والنواد واختلاف الأمصار وأدب القاضى والأمالى فى الفقه والبيوع وغيرها. وتُوفِّى أبو يوسف عام (182هـ = 798م) ببغداد فى خلافة هارون الرشيد.

*يعقوب بن إبراهيم

*يعقوب بن إبراهيم هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد. أحد أئمة الفقه الإسلامى فى القرن الثانى الهجرى. وُلِد فى الكوفة عام (113هـ = 731م)، وتُوفَّى أبوه وهو صغير، وتعلق بحلقة الإمام أبى حنيفة، وداوم عليها، حتى أصبح أعلم تلامذة أبى حنيفة. كان أبو يوسف فقيهًا علاَّمة، من حفاظ الحديث، ثم غلب عليه فقه أبى حنيفة، فقام بنشر مذهبه، كما كان أبو يوسف واسع العلم، وأول من وضع الكتب فى أصول الفقه على مذهب أبى حنيفة، وكان غزير العلم بالتفسير والمغازى وأيام العرب، وتولى القضاء ببغداد أيام الخلفاء المهدى والهادى وهارون الرشيد، وهو أول من دُعِىَ قاضى القضاة، وكان يقال له: قاضى قضاة الدنيا؛ لأنه كان يقوم بتعيين قضاة جميع الأقاليم الإسلامية. ولأبى يوسف تصانيف كثيرة، منها: الخراج والنواد واختلاف الأمصار وأدب القاضى والأمالى فى الفقه والبيوع وغيرها. وتُوفِّى أبو يوسف عام (182هـ = 798م) ببغداد فى خلافة هارون الرشيد.

*هود (عليه السلام)

*هود (عليه السلام) هو نبى الله هود عليه السلام. كان من قبيلة عاد، وهى قبيلة عربية كانت تسكن الأحقاف (جبال الرمل). والعلماء مختلفون فى تحديد مكان مساكن قبيلة عاد التى اشتهرت مبانيها بالضخامة. وقوم عاد أول من عبدوا الأصنام بعد الطوفان، فبعث الله فيهم هودًا عليه السلام، فدعاهم إلى الله، كما قال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودًا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (. وكانوا أشد أهل زمانهم فى الخلقة والشدة والبطش؛ قال تعالى: (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة (، ولكن قوم عاد كانوا كافرين معاندين؛ فأبوا اتباع هود. وظل هود - عليه السلام - يدعوهم إلى عبادة ربهم، ويوضح لهم أنه رسول رب العالمين إليهم؛ ليبلغهم رسالات ربه، ولكنهم ظلوا على عنادهم وكفرهم قائلين: (ياهود ماجئتنا ببينة وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء (. فتبرأ هود من آلهتهم، وبين لهم أنها لاتنفع ولاتضر قائلاً: (إنى أُشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون من دونه فكيدونى جميعًا ثم لاتنظرون (. ثم أرسل الله عليهم ريحًا عاتية بعد جفاف شديد، أهلكتهم إلا مساكنهم العالية الضخمة، فقد أبقاها الله عبرة لأولى الأبصار، قال تعالى: (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو مااستعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شىء بأمر ربها فأصبحوا لايُرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين (. ونجَّى الله هودًا ومن آمن معه برحمة منه سبحانه؛ قال تعالى: (ولما جاء أمرنا نجينا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ (.

*هرثمة بن أعين

*هرثمة بن أعْيَن هو هرثمة بن أعين. من قادة الدولة العباسية وأمرائها، ولاه أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاية مصر عام (178هـ)، ثم أرسله على رأس جيش إلى إفريقية لإخضاع عصاتها، فدخل مدينة القيروان سنة (179هـ)، وأحسن معاملة أهلها، ثم طلب من الرشيد أن يعفيه من ولاية القيروان فنقله عام (181هـ) إلى خراسان، ثم انتقل إلى مدينة مرو عام (192هـ). عُرفَ عنه حبه للعمارة والعمران؛ فكان كثير البناء فى البلاد التى يتولاها، فبنى قصر المنستير بالقيروان، وسور طرابلس الغرب، والعديد من المبانى فى إفريقية وأرمينية. ولما بدأت فتنة الأمين والمأمون انحاز هرثمة إلى المأمون، وأخلص له، وحارب معه حتى قُتِل الأمين، وسكنت الفتنة، ثم أمر المأمون بحبس هرثمة بعد أن اتهمه بخيانته وتعاونه مع الخارجين على الخلافة، وظل فى حبسه بمدينة مرو حتى تُوفِّى سنة (200هـ = 816م).

*شبيب الخارجى

*شبيب الخارجى هو شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس الشيبانى. تُنسب إليه الفرقة الشبيبية من فرق النواصب. وُلِد عام (26هـ = 647م). وأعلن ثورته فى مدينة الموصل مع صالح بن مسرح على الحجاج بن يوسف الثقفى. ونادى شبيب لنفسه بالخلافة، فبايعة أتباعه، وقويت شوكته. وحاول الحجاج القضاء عليه؛ فوجَّه إليه خمسة قواد، قتلهم شبيب واحدًا تلو الآخر وفرَّق جموعهم؛ فتوجه إليه الحجاج بجيش عظيم، ونشبت بينهما معارك كاد الحجاج أن يُهزم فيها لولا نجدة جيش الشام له، فهُزمَ شبيب وقُتل كثير من أتباعه؛ ففر شبيب بفرسه من ساحة القتال، وأثناء مروره بجسر دجيل فى نواحى الأهواز نَفَر به فرسه، فألقاه فى الماء؛ فغرق سنة (77هـ = 696م).

*أبو عبد الله الزغل

*أبو عبد الله الزَّغَل هو أبو عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزَّغَل أى الشجاع الباسل، ويعرف أيضًا بمحمد الثانى عشر؛ للتفريق بينه وبين أبى عبد الله محمد بن على بن سعد المعروف بأبى عبد الله الصغير، أحد ملوك الأندلس وآخرهم فى آخر عهدها بالحكم العربى الإسلامى. دخل الزَّغَل فى صراع مع أخيه أبى الحسن بن سعد الذى تولى الحكم بعد وفاة أبيه سعد بن محمد سنة (868 هـ) واستمر الصراع عدة سنوات، وانتهى بانقسام غرناطة إلى قسمين؛ حيث حكم الزَّغَل مالقا، أما أبو الحسن فاستقر حكمه فى غرناطة. كان الزَّغَل وافر الشجاعة والجرأة، واستطاع الانتصار على النصارى فى مواقع مهمة مثل موقعة الشرقية سنة (888 هـ) وقتل وأسرآلاف النصارى، كذلك انتصر على القشتاليين سنة (890 هـ). وبعد وفاة أبى الحسن بن سعد تولى الزغل حكم غرناطة سنة (888هـ)، إلا أن الحرب الأهلية قامت فى غرناطة بينه وبين ابن أخيه أبى عبد الله الصغير دفعت النصارى إلى احتلال مناطق عديدة من الأندلس، وتحصن الزَّغَل فى وادى آش، وبذلك انقسمت غرناطة ثانية إلى قسمين؛ أحدهما فى غرناطة وسيطر عليه أبو عبد الله الصغير والآخَر فى وادى آش وسيطر الزَّغَل عليه. وقد حاول الزَّغَل الاستعانة بالملوك المسلمين فى إفريقية ومصر لإنقاذ مالقا أقوى ثغور الأندلس، بيد أن مالقا سقطت فى أيدى النصارى سنة (892هـ)، وبدأ النصارى فى القضاء على الزَّغَل؛ خوفًا من شديد بأسه وشجاعته. واستطاعوا السيطرة على وادى آش سنة (895 هـ) بعد استسلام الزَّغَل بناءً على المعاهدة التى وقَّعها معهم. واستقر الزَّغَل فى مدينة أنْدَرَش تحت حماية ملك قشتالة، غير أنه غادرها مقابل مبلغ ضخم، ونزل وهران، ثم استقر فى تلمسان وقضى بها بقية حياته.

*أبو عبد الله محمد الزغل

*أبو عبد الله محمد الزَّغَل هو أبو عبد الله محمد بن سعد المعروف بالزَّغَل أى الشجاع الباسل، ويعرف أيضًا بمحمد الثانى عشر؛ للتفريق بينه وبين أبى عبد الله محمد بن على بن سعد المعروف بأبى عبد الله الصغير، أحد ملوك الأندلس وآخرهم فى آخر عهدها بالحكم العربى الإسلامى. دخل الزَّغَل فى صراع مع أخيه أبى الحسن بن سعد الذى تولى الحكم بعد وفاة أبيه سعد بن محمد سنة (868 هـ) واستمر الصراع عدة سنوات، وانتهى بانقسام غرناطة إلى قسمين؛ حيث حكم الزَّغَل مالقا، أما أبو الحسن فاستقر حكمه فى غرناطة. كان الزَّغَل وافر الشجاعة والجرأة، واستطاع الانتصار على النصارى فى مواقع مهمة مثل موقعة الشرقية سنة (888 هـ) وقتل وأسرآلاف النصارى، كذلك انتصر على القشتاليين سنة (890 هـ). وبعد وفاة أبى الحسن بن سعد تولى الزغل حكم غرناطة سنة (888هـ)، إلا أن الحرب الأهلية قامت فى غرناطة بينه وبين ابن أخيه أبى عبد الله الصغير دفعت النصارى إلى احتلال مناطق عديدة من الأندلس، وتحصن الزَّغَل فى وادى آش، وبذلك انقسمت غرناطة ثانية إلى قسمين؛ أحدهما فى غرناطة وسيطر عليه أبو عبد الله الصغير والآخَر فى وادى آش وسيطر الزَّغَل عليه. وقد حاول الزَّغَل الاستعانة بالملوك المسلمين فى إفريقية ومصر لإنقاذ مالقا أقوى ثغور الأندلس، بيد أن مالقا سقطت فى أيدى النصارى سنة (892هـ)، وبدأ النصارى فى القضاء على الزَّغَل؛ خوفًا من شديد بأسه وشجاعته. واستطاعوا السيطرة على وادى آش سنة (895 هـ) بعد استسلام الزَّغَل بناءً على المعاهدة التى وقَّعها معهم. واستقر الزَّغَل فى مدينة أنْدَرَش تحت حماية ملك قشتالة، غير أنه غادرها مقابل مبلغ ضخم، ونزل وهران، ثم استقر فى تلمسان وقضى بها بقية حياته.

*عبد الله بن المبارك

*عبد الله بن المبارك هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، عالم وزاهد ومجاهد وتاجر وشاعر، ولد سنة (118 هـ) لأب تركى كان مولى لبنى حنظلة، وطلب ابن المبارك العلم وهو صغير، فرحل إلى مصر والشام والجزيرة والعراق وغيرها؛ وأدرك جماعة من التابعين، مثل: الأعمش وخالد الحذاء وسليمان التميمي وغيرهم. وجمع ابن المبارك الحديث والفقه واللغة، وصنف عددًا من الكتب، مثل: الجهاد، وهو أول من صنف فى هذا الموضوع، والرقائق. وكان ابن المبارك كثير الأسفار للجهاد والتجارة، كما أنه كان غنيًّا؛ حيث بلغ رأس ماله نحو (400) ألف درهم. وكان ابن المبارك ثقة فى الحديث. وتوفى ابن المبارك فى أثناء عودته من جهاد الروم سنة (181 هـ)، ودفن بناحية هِيت، وهى مدينة على الفرات بالعراق. وعندما علم الخليفة العباسى هارون الرشيد بموته قال: مات سيد العلماء.

*على بن الحسين (زين العابدين)

*على بن الحسين (زين العابدين) هو أبو الحسن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، تابعى ثقة. أمُّه سُلافة بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة، وهو على الأصغر بن الحسين غير على الأكبر الذى استشهد مع أبيه بمعركة كربلاء. ولد سنة (38 هـ)، وكان عمره حينما استشهد أبوه نحو (23) سنة، وهو العقب من ولد الحسين، كان ذا منزلة عظيمة فى قلوب التابعين، فكان ابن عباس عندما يراه يقول: مرحبًا بالحبيب ابن الحبيب. كان زين العابدين من الزهاد الأوائل، ورُوِى أنه لما توفى وُجِدت فى ظهره آثار مما كان يحمله على ظهره بالليل إلى منازل الأرامل، وأنه كان يعول أهل مائة بيت بالمدينة سرًّا. كان متواضعًا يجالس الموالى، رحيمًا لا يضرب بعيره، يعرف للصحابة مكانتهم ومنزلتهم؛ فأحبه عامة الناس وخاصتهم، وأجَلُّوه. وروى أنه كان يصلى ألف ركعة فى اليوم والليلة، وكان يسمَّى زين العابدين لعبادته. كان فقيهًا، أسند كثيرًا من الأحاديث، وسمع من ابن عباس وجابر ومروان وصفية وغيرهم. وتوفى زين العابدين فى شهر ربيع الأول سنة (94 هـ).

*زين العابدين (على بن الحسين)

*زين العابدين (على بن الحسين) هو أبو الحسن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم، تابعى ثقة. أمُّه سُلافة بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة، وهو على الأصغر بن الحسين غير على الأكبر الذى استشهد مع أبيه بمعركة كربلاء. ولد سنة (38 هـ)، وكان عمره حينما استشهد أبوه نحو (23) سنة، وهو العقب من ولد الحسين، كان ذا منزلة عظيمة فى قلوب التابعين، فكان ابن عباس عندما يراه يقول: مرحبًا بالحبيب ابن الحبيب. كان زين العابدين من الزهاد الأوائل، ورُوِى أنه لما توفى وُجِدت فى ظهره آثار مما كان يحمله على ظهره بالليل إلى منازل الأرامل، وأنه كان يعول أهل مائة بيت بالمدينة سرًّا. كان متواضعًا يجالس الموالى، رحيمًا لا يضرب بعيره، يعرف للصحابة مكانتهم ومنزلتهم؛ فأحبه عامة الناس وخاصتهم، وأجَلُّوه. وروى أنه كان يصلى ألف ركعة فى اليوم والليلة، وكان يسمَّى زين العابدين لعبادته. كان فقيهًا، أسند كثيرًا من الأحاديث، وسمع من ابن عباس وجابر ومروان وصفية وغيرهم. وتوفى زين العابدين فى شهر ربيع الأول سنة (94 هـ).

*عبد الله بن إباض

*عبد الله بن إباض هو عبد الله بن إباض المقاعسى المرى التميمي، تنسب إليه فرقة الإباضية - إحدى فرق الخوارج المعتدلة - التى تنتشر فى عمان وتنزانيا وشمال إفريقيا. ينتمى عبد الله بن إباض إلى قبيلة تميم، واختلف المؤرخون فى سيرته إلا أنهم اتفقوا على أنه كان معاصرًا لمعاوية بن أبى سفيان. واشترك ابن إباض فى الدفاع عن الكعبة مع عبد الله بن الزبير ضد جيش يزيد بن معاوية. وكان ابن إباض يرفض آراء غلاة الخوارج مثل الأزارفة، واتخذ ابن إباض منهجًا يبتعد عن استخدام السلاح والعنف؛ لذلك أخذ فى تفقيه أصحابه وتعليمهم. وكانت الإباضية قبل نسبتها إلى عبد الله بن إباض تعرف بأسماء مختلفة، مثل: جماعة المسلمين والشراة. وتوفى ابن إباض سنة (86 هـ).

*عروج

*عروج هو أروج بن يعقوب. أحد أخوين اشتهرا بجهادهما البحرى فى شمالى إفريقية وسواحل البحر المتوسط إبان القرن (10 هـ = 16 م)، وأطلق عليهما لقب بارباروسا، أى: ذا اللحية الشقراء، وهما: أروج أو عروج وخير الدين. كان أبوهما جنديًّا فى الجيش العثمانى، وانتقل إلى جزيرة مديللي بعد أن فتحها العثمانيون سنة (861 هـ)، وتزوج ورزق بأربعة أبناء هم: عروج وخضر (خير الدين) وإلياس وإسحاق، وعمل الأخير بالتجارة، وقتل إلياس فى إحدى الأسفار على يد قرصان جزيرة رودوس، ووقع عروج فى الأسر أثناء إحدى رحلاته البحرية فى أيدى قراصنة جزيرة رودوس الصليبيين وسجنوه، غير أنه تمكن من الهرب، وعزم على الانتقام من صليبيى إسبانيا، والبرتغال، الذين كانوا يهاجمون مسلمى شمالى إفريقية، واتفق مع أخيه خير الدين على الاستقلال فى جزيرة جربة التونسية، وجعلاها مركزًا لعملياتهم البحرية فى البحر المتوسط، ولما ذاعت شهرته طلب منه أهالى الجزائر المساعدة؛ لاستعادة ميناء بجاية من الإسبان، فأعد حملة قوية، وتمكن من استعادة المدينة سنة (921 هـ)، ونجح فى تأسيس حكومة قوية خاضعة له فى مدينة الجزائر، وانضم إليه عدد كبير من القبائل وسكان المدن من أقاليم المغرب الأوسط، فأرسل إلى السلطان العثمانى سليم الأول يعلن ولاءه وطاعته له، ويخبره بما حققه من انتصارات. واستنجد به أهالى تلمسان لتخليصهم من ظلم بنى زيان، فتمكن من دخولها وطرد حكامها من بنى زيان، وحكمها باسم الخلافة العثمانية. ولكن الإسبان أعدوا حملة قوية للاستيلاء على المدينة، ووقع عروج أسيرًا، ثم قتلوه فى شعبان سنة (924 هـ) عن عمر يناهز (44) عامًا، وخلفه فى جهاده أخوه خير الدين.

*عز الدين بن عبد السلام

*عز الدين بن عبد السلام هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم بن الحسن، الملقب بسلطان العلماء، شيخ الإسلام، فقيه شافعى، ولد فى دمشق سنة (577 هـ). تلقى العلم على يد عدد من العلماء منهم القاسم بن عساكر، وتفقه على فخر الدين بن عساكر والقاضى جمال الدين بن الحرستاني، وقرأ الأصول على الآمدى. وروى عنه الدمياطي وابن دقيق العيد، وتولى التدريس والخطابة بزاوية الغزالى، ثم خطب بالجامع الأموى، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلاب من جميع البلاد، وكان ناسكًا ورعًا لايخاف فى الله لومة لائم. فعندما سَلَّم الصالح إسماعيل بن العادل قلعة صفد والشقيف للفرنج انتقده العز، وترك الدعاء له؛ فغضب وحبسه ثم أطلقه، فخرج إلى مصر فولاه الصالح نجم الدين القضاء، ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السلطان عن الخطابة، فلزم بيته يدرس للناس التفسير. وتوفى سنة (660 هـ) بمصر، وترك كتبًا كثيرة منها: التفسير الكبير وقواعد الشريعة والفوائد والفتاوى وقواعد الأحكام فى إصلاح الإمام وغيرها.

*العقاد

*العقاد هو عباس محمود إبراهيم مصطفى العقاد، أديب عملاق، من المكثرين - مع الإتقان - كتابة وتصنيفًا فى شتى الميادين. ولد العقاد فى أسوان فى صعيد مصر سنة (1889 م)، وتلقى تعليمه الابتدائى بمدرسة أسوان الأميرية، وحصل على الشهادة الابتدائية عام (1903 م). كان العقاد يميل إلى الاطلاع والقراءة، وكان ينفق الساعات الطوال فى البحث والتنقيب العلمى، كما تعلم اللغة الإنجليزية فى صغره، وتأثر بالأدب الإنجليزى فى مذهبه الشعرى. عمل العقاد فى عدة وظائف حكومية، ثم تركها وعمل بالصحافة، وكان أول عمل صحفى له فى جريدة الدستور، ثم كتب فى صحف أخرى، هى: المؤيد والأهالى والأهرام، وفى أثناء عمله بالصحافة كان يزاول التدريس تارة بالقاهرة، وتارة بأسوان. وقد أسس العقاد هو وزميلاه عبد الرحمن شكرى وإبراهيم عبد القادر المازنى مدرسة الديوان، ودعوا فيها إلى التجديد فى الشعر. وقد ألف العقاد عشرات الكتب فى شتى الموضوعات، فكتب فى الدراسات الإسلامية سلسلة عن عباقرة الإسلام، وهى: عبقرية محمد، وعبقرية الصديق، وعبقرية عمر، وعبقرية خالد كما كتب فى نقد الأدب كتاب الديوان بالاشتراك مع زميله إبراهيم المازنى، وهاجما فيه المنفلوطى وشوقى. وللعقاد عدة دواوين شعرية. وتوفى العقاد سنة (1964 م).

*عمر مكرم

*عمر مكرم هو عمر مكرم بن حسين السيوطى، زعيم شعبى مصرى. ولد بأسيوط نحو سنة (1755م)، وتعلم بالأزهر، وولى نقابة الأشراف سنة (1794م)، وناهض الفرنسيين، ورفض موالاتهم، وكان يميل إلى الدولة العثمانية ويرى فيها دولة الإسلام الكبرى، استمد زعامته من الشعب، وكان ملجأ لهم من ظلم الحكام، تزعم الثورة ضد أحمد خورشيد باشا فى مايو (1805م)، وولى محمد على على مصر، شارك فى التصدى للحملة الإنجليزية سنة (1807م)، وأوقف الدراسة بالأزهر، وأرسل المتطوعين إلى رشيد. ورغم أنه السبب فى تولية محمد على الحكم، فقد تنكر له محمد على، بعد أن وصل إلى الحكم، فعزله من نقابة الأشراف، وأثار ضده العلماء ووعدهم بالمناصب، وحينما رفض مفتى الحنفية السيد أحمد الطحطاوى التوقيع على العريضة، عزله هو الآخر، وأبعد عمر مكرم إلى دمياط سنة (1807م) فأقام أربعة أعوام، ثم نقل إلى طنطا سنة (1812م) فأقام فيها إلى سنة (1819م)، ثم أدى فريضة الحج، وعاد إلى القاهرة فقامت فتنة فنقله محمد على إلى طنطا سنة (1822م)، ومالبث أن توفى بها فى العام نفسه.

*عمر (الشريف)

*عمر (الشريف) أحد أئمة عمان، من بنى نبهان، لم تذكر المصادر اسمه ولا نسبه، وقد بويع له بالإمامة بعد اعتزال الإمام محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرح. ولم يذكر المؤرخون تاريخ مبايعته، إلا أنه بقى فى الإمامة عامًا واحدًا، ثم خرج من مقر الإمامة بنزوى إلى بهلا، وبذلك سقطت إمامته، فبويع محمد بن سليمان إمامًا من بعده.

*عمار بن ياسر

*عمار بن ياسر هو أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر العنسى، صحابى جليل، رضى الله عنه، كان عمار من السابقين إلى الإسلام هو وأخوه عبد الله وأبوه ياسر وأمه سمية بنت خياط التى كانت أول شهيدة فى الإسلام. أسلم عمار بن ياسر مع صُهَيب الرومى، وجهر عَمار بإسلامه فأوُذى وعُذّب هو وأسرته، وكان النبى e يمر بهم وهم يعذبون فيقول لهم: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. هاجر عمار، رضى الله عنه، مع النبى e وشهد معه بدرًا وأحدًا والأحزاب وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وكان النبى e يحبه ويقربه وأثنى عليه فى كثير من أحاديثه، وكان يلقبه بالطيب المطيب، وروى عن النبى e (62) حديثًا. وبعد موت النبى e شارك عمار فى الجهاد والفتوحات فى عهدى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، وولاه عمر على الكوفة كما شهد الفتوحات فى عهدى عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وشهد مع على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وقعتى الجمل وصفين، وكان يقف بجواره ويسانده حتى استشهد فى معركة صفين سنة (37 هـ) وعمره (93) سنة.

*عماد الدين زنكى

*عماد الدين زنكى هو عماد الدين زنكى بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر، ولد سنة (478هـ). وكان والده أول ملوك الدولة الأتابكية فى الموصل، وحينما مات كان ابنه زنكى صغيرًا، فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شبَّ وتولى مدينة واسط. وقاد ميمنة الجيش فى حرب الخليفة المسترشد بالله وسلَّم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان والخفاجى ليربيهما؛ ولذا أُطلق عليه لقب أتابك. استولى زنكى على بلاد كثيرة بعد أن عظم أمره فافتتح الرها وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحرر كفرطاب والمعرة من الفرنج، ودانت له البلاد فعمرها وتحرى العدل فى الرعية؛ فامتلأت البلاد بالحركة والحياة، بعد أن خربها الفرنج وظلموا أهلها. وأراد زنكى الاستيلاء على قلعة جعبر سنة (541هـ)، فحاصر ملكها على بن مالك وأوشك أن يفتحها، إلا أن جماعة من مماليكه غدروا به ليلا فقتلوه عن عمر يزيد على الستين عامًا.

*على بن مؤمن

*على بن مؤمن هو أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على الحضرمى الإشبيلى المعروف بابن عصفور النحوى، حامل لواء العربية بالأندلس. ولد ابن عصفور بإشبيلية سنة (597هـ). وأخذ النحو على يد أستاذه الشلوبين، وكان ابن عصفور كثير الاطلاع لايملُّ المطالعة والقراءة، حتى برع فى النحو. وقد تصدَّر لإقراء النحو بعدة بلاد فى موطنه، منها: إشبيلية ومالقا ولورقة ومرسية. وكان ابن عصفور يقول الشعر، وله عدد من المؤلفات، منها: المقرب، والممتع، وشرح الجمل، والسالف والعذار، وشرح الحماسة، وسرقات الشعراء. وتوفى ابن عصفور بتونس سنة (669 هـ).

*ابن عصفور

*ابن عصفور هو أبو الحسن على بن مؤمن بن محمد بن على الحضرمى الإشبيلى المعروف بابن عصفور النحوى، حامل لواء العربية بالأندلس. ولد ابن عصفور بإشبيلية سنة (597هـ). وأخذ النحو على يد أستاذه الشلوبين، وكان ابن عصفور كثير الاطلاع لايملُّ المطالعة والقراءة، حتى برع فى النحو. وقد تصدَّر لإقراء النحو بعدة بلاد فى موطنه، منها: إشبيلية ومالقا ولورقة ومرسية. وكان ابن عصفور يقول الشعر، وله عدد من المؤلفات، منها: المقرب، والممتع، وشرح الجمل، والسالف والعذار، وشرح الحماسة، وسرقات الشعراء. وتوفى ابن عصفور بتونس سنة (669 هـ).

*أبو على ابن مقلة

*أبو علىّ ابن مُقلة هو أبو على محمد بن على بن الحسين بن مقلة، وزير، وأديب، وشاعر، يضرب المثل بحسن خطه. ولد فى بغداد فى شهر شوال سنة (272هـ). وولى جبابة الخراج، واستوزره الخلفاء العباسيون: المقتدر، والقاهر بالله والراضى بالله. كما كتب أيضًا بيده اليسرى، مات سنة (328 هـ). ومن آثاره: كتاب هدنة بين المسلمين والروم بخطه، ورسالة فى علم الخط والقلم.

*أبوعلى القالى

*أبوعلى القالى هو أبو على إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد ابن سلمان القالى، اللغوى الكبير، عالم زمانه فى اللغة، والشعر، ونحو البصريين، وأروى العرب للشعر الجاهلى وأحفظهم له. ولد سنة (288 هـ) بديار بكر، فنشأ بها، ورحل فى طلب العلم فطوف فى البلاد وسافر إلى بغداد وأقام بها (25) عامًا، ثم ذهب إلى الموصل، ووالأندلس، واستوطن قرطبة وأملى بها أكثر كتبه. ومن أهم كتبه: الأمالى، والبارع فى اللغة، وفعلت وأفعلت والمقصور والممدود، ومقاتل الفرسان، وفى الإبل ونتاجها، وفى حلى الإنسان والخيل وشياتها. وتوفى أبو على القالى فى قرطبة سنة (356هـ) عن عمر يقارب السبعين عامًا.

*على بن عيسى بن ماهان

*على بن عيسى بن ماهان هو على بن عيسى بن ماهان من كبار القادة فى عهدى الرشيد والأمين. قيل: إنه هو الذى حرض الأمين على خلع المأمون من ولاية العهد. ولما أراد الأمين خلع المأمون، بعث على بن عيسى بن ماهان لقتاله، وولاه إمارة الجبل وهمذان وأصبهان، وولاه خراجها وحربها، وأعطاه مائة ألف دينار، وألفى سيف محلاة وستة آلاف ثوب، فخرج فى أربعين ألف فارس من بغداد، وأرسل الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان يعدهم بالصلات والهبات، وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان فى وجه طاهر بن الحسين قائد المأمون، فأجابه ملوك تلك المناطق. ولما التقى الجيشان لم يثبت جيش على بن عيسى بن ماهان أمام جنود طاهر بن الحسين وفروا هاربين، وقتل على بن عيسى وكان ذلك سنة (195هـ).

*أبو على الفارسى

*أبو على الفارسى هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى. أحد أئمة اللغة والأدب. ولد سنة (288هـ) فى مدينة فسا بفارس، ونشأ بها، ورحل إلى البلاد، فذهب إلى بغداد سنة (307هـ)، ثم إلى حلب فأقام عند سيف الدولة الحمدانى، ثم رحل إلى فارس فصاحب عضد الدولة بن بويه وصنف له كتاب الإيضاح فى قواعد اللغة العربية، ثم عاد إلى بغداد ثانية وأقام بها. وكان أبو على الفارسى قد تعلم على الزجاج وأبى بكر محمد على بن إسماعيل العسكرى النحوى، وأبى بكر السَّرَّاج، وأخذ عنه أبو الفتح بن جنى وعلى بن عيسى الربعى، وعضد الدولة بن بويه الذى قال: أنا غلام أبى على الفارسىالنحوى. ومن كتبه: التذكرة، والعوامل، والحجة والمقصور والممدود، وجواهر النحو، وتعاليق سيبويه. وتوفى أبو على الفارسى ببغداد سنة (377هـ).

*عكرمة مولى ابن عباس

*عكرمة مولى ابن عباس هو أبو عبد الله القرشى. أحد فقهاء مكة، ومن التابعين الأعلام. أصله من البربر، وكان مولى لابن عباس، فاجتهد فى تعليمه، وأذن له بالفتوى فى حياته. تزوَّج أم سعيد بن جبير، ويعد من أعلم الناس بتفسير كتاب الله، وبالسيرة. كان كثير التنقل فى الأقاليم حيث ارتحل إلى مصر وخراسان واليمن وأصبهان والمغرب. توفى عكرمة بالمدينة نحو سنة (104هـ) عن أربع وثمانين سنة.

*عقبة بن نافع

*عقبة بن نافع هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الأموى الفهرى، من كبار القادة العرب والفاتحين فى صدر الإسلام، ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم سنة (1ق. هـ) ولا صحبة له. شهد مع عمرو بن العاص - ابن خالته- فتح مصر، ثم شارك معه فى المعارك التى دارت فى إفريقية، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، فقاد منها - بجنوده - حركة الفتح باتجاه الغرب، فظهرت مقدرته الحربية الفائقة وحنكته وشجاعته، وعلا شأنه. وفى خلافة معاوية بن أبى سفيان ولاه إفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم فى بلاد المغرب حتى أتى واديًا يسمى القيروان فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة، كما بنى به جامعًا لايزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة. وفى سنة (55 هـ) عزله معاوية من ولاية إفريقية فعاد للمشرق، وبعد وفاة معاوية وفى خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة (62هـ) فولاه المغرب فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف، فتح حصونًا ومدنًا حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطى وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل إفريقية الشمالى. واستشهد عقبة فى إحدى حروبه سنة (63هـ) فى بلاد المغرب فى مكان يعرف حتى الآن باسم سيدى عقبة.

*عبد الله بن عمرو بن العاص

*عبد الله بن عمرو بن العاص هو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشى السهمى. صحابى جليل، كان أصغر من أبيه باثنتى عشرة سنة، أسلم قبل أبيه. وكان، رضى الله عنه، من رواة الأحاديث فروى عن النبى- صلى الله عليه وسلم - نحو سبعمائة حديث، وكان فاضلا عالمًا، قرأ القرآن والكتب المتقدمة، قال عنه أبو هريرة، رضى الله عنه،: ماكان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منى إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يعى بقلبه، وأعى بقلبى، وكان يكتب ولاأكتب، استأذن الرسول فى ذلك فأذن له. وكان، رضى الله عنه، كثير العبادة يكثر الصوم، ولاينام إلاقليلا فشكاه أبوه إلى الرسول، فقال له رسول الله e: إن لعينك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، قُم ونَم، وصُم وأفطِر ... شهد عبد الله مع أبيه فتح الشام واليرموك، وشهد معه أيضًا صفين بعدما أمره أبوه، وقد كان الرسول يقول له: أطع أباك. وقد اعتذر عبد الله عن أن يشهد صفين فكان يقول: ما لى ولصفين، ما لى ولقتال المسلمين، لوددت أنى متُ قبله بعشر سنين، أما والله ما رميت بسهم ولا طعنت برمح ولا ضربت بسيف. وتوفى، رضى الله عنه، سنة (65 هـ).

*السيوطى

*السيوطى هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيرى السيوطى، الإمام الحافظ المؤرخ الأديب. ولد فى مستهل رجب سنة (849هـ)، ونشأ يتيمًا، وعُرف بالنبوغ والذكاء منذ طفولته؛ فقد حفظ القرآن، وهو دون ثمانى سنين، ثم حفظ العمدة، ومنهاج الفقه، وألفية ابن مالك، وهو فى نحو الخامسة عشرة من عمره. وأجيز لتدريس العربية فى مستهل سنة (866هـ)، فألف أول كتاب له، وهو شرح الاستعاذة والبسملة، وهو فى السابعة عشرة من عمره، وقد كتب له الشيخ علم الدين البلقينى تقريظًا على الكتاب، وظل السيوطى ملازمًا له إلى أن مات الشيخ، فلزم ولده وقرأ عليه، فلما مات الابن سنة (878هـ) لزم الشيخ شرف الدين المناوى فسمع عنه دروسًا من تفسير البيضاوى وشرح البهجة. ولزم فى الحديث والعربية الإمام تقى الدين الشبلى الحنفى، فتتلمذ له أربع سنين، كما لزم الشيخ محيى الدين الكافيجى وتتلمذ له أربع عشرة سنة، فأخذ عنه فنون التفسير والأصول والعربية والمعانى وغيرها. وحضر عند الشيخ سيف الدين الحنبلى دروسًا عديدة فى علوم البلاغة، ودرس عليه الكشاف والتوضيح وتلخيص المفتاح. وكان السيوطى كثير الأسفار، محبًّا للعلم، فسافر إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب وغيرها. وأفتى فى مستهل سنة (871هـ)، وعقد مجلسه لإملاء الحديث فى مستهل سنة (872هـ)، وكان متبحرًا فى علوم التفسير والحديث والفقه والنحو والمعانى والبديع والبيان، إلا أنه لم يحب علم الحساب، بل كان يرى أنه أعسر شىء عليه، وأبعده عن ذهنه. ومشايخ السيوطى فى الرواية سماعًا وإجازة كثيرون، عدَّ منهم نحو مائة وخمسين فى كتابه حسن المحاضرة، أما كتبه فقد أحصى منها نحو ثلاثمائة فى علوم التفسير والقراءات والحديث والفقه والعربية والبيان والتاريخ والأدب، وذكر بعض المؤرخين أنها بلغت ستمائة مؤلف، وقيل أكثر من ذلك. ولما بلغ الأربعين من عمره أخذ فى التجرد

للعبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، فأقام فى بيته فى روضة المقياس فلم يغادرها حتى مات سنة (911هـ). وترك الإمام السيوطى تراثًا عظيمًا من العلم والمعرفة فى مختلف العلوم والفنون، ومن أبرز كتبه: الدر المنثور فى التفسير بالمأثور، والإتقان فى علوم القرآن، وجمع الجوامع وتدريب الراوى فى شرح تقريب النواوى، وهمع الهوامع، وطبقات الحفاظ، وطبقات المفسرين، وتاريخ الخلفاء، والأشباه والنظائر، والحاوى للفتاوى، وعقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد.

*أوم بن عبد الجليل

*أوم بن عبد الجليل هو الماى الثامن فى سلسلة المايات الذين حكموا سلطنة الكانم الإسلامية التى كانت تقع شمال شرق بحيرة تشاد، ويعتبر من أعظم هؤلاء المايات أو السلاطين. وقد دام حكمه (12) عامًا من ( 478 - 490 هـ = 1085 - 1097 م). ولم يكن هذا الملك أو السلطان مجرد (فوجو) أى شيخ قبيلة وإنما كان منظمًا وإداريًّا كبيرًا دانت له بلاد كانم بأسرها وأسس فيها دولة مستقرة منظمة، ويعتبر هو المؤسس الحقيقى لسلطنة كانم الإسلامية؛ حيث قام بنشر الإسلام فى معظم أنحاء البلاد وجعله الدين الرسمى للدولة، ساعده على ذلك الداعية العظيم محمد بن مانى الذى قرأ الماى أوم بن عبد الجليل القرآن الكريم كله على يديه، وكذلك سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكافأه الملك على ذلك بمنحه (100) بعير، و (100) قطعة من الذهب، و (100) قطعة من الفضة، و (100) من الرقيق. وقد تزعم الماى أوم مرحلة الانتقال من الوثنية إلى الإسلام بنجاح كبير حتى إن عمله هذا يعتبر ثورة إصلاحية كبرى أقرب إلى المعجزة؛ نظرًا لصعوبة تخلى الناس عن معتقداتهم التى ألفوها منذ أزمان بعيدة. وفى عهد هذا الماى ظهر خطر قبائل البلالة لأول مرة، فأرسل إليهم جيشًا انتصر عليهم وقتل منهم نحو (3000)، مما وفر قدرًا كبيرًا من الهدوء والاستقرار فى البلاد التى اتسعت فى عهده حتى وصل نفوذها إلى نهر النيجر غربًا، وحتى حدود مصر الجنوبية وأرض النوبة شرقًا. واستمر الماى أوم بنى عبدالجليل يحكم هذه المنطقة الواسعة حتى وافته المنية فى مصر وهو فى طريقه إلى بلاد الحجاز؛ لتأدية فريضة الحج، أو فى طريق عودته منه. ويتميز عهد هذا الماى بنشاط الدعاة والعلماء الذين شجعهم وأقطعهم اقطاعات واسعة، جعلها وقفًا عليهم وعلى أسرهم من بعدهم، وأصدر لهم صكوكًا تصون حقوقهم تُسمَّى بالمحارم (مفردها مَحْرم) تُحرم على أى فرد من الأسرة الحاكمة أو حاكم

يأتى بعده أو أى فرد من الرعية أن يتعرضوا لهؤلاء العلماء أو لذرياتهم أو لممتلكاتهم وامتيازاتهم بأى سوء، مما كان سببًا فى ازدهار الثقافة العربية الإسلامية فى هذه السلطنة إلى حدٍّ كبير.

*أسكيا إسحاق الأول

*أسكيا إسحاق الأول هو أحد الأساكى الذين حكموا إمبراطورية صنغى الإسلامية التى حكمت غرب إفريقيا بعد ضعف إمبراطورية مالى الإسلامية منذ القرن (15 م). وهو ابن أسكيا محمد الأول المؤسس الحقيقى لإمبراطورية صنغى الإسلامية. وقد حكم أسكيا إسحاق هذه الإمبراطورية فى الفترة من (946 - 956 هـ = 1539 - 1549 م) بعد أن استطاع أن يلى العرش بانتخاب الجيش له، وبعد أن استقرت له الأمور سعى إلى الحد من تدخل الجيش فى شئون الحكم فأبعد كبار الضباط والمسئولين الكبار واستبدلهم بآخرين ممن يخضعون لأوامره وتوجيهاته، كما قام بتعيين العديد من القضاة والأئمة فى مدن الدولة، وعمل على إقرار الأمن وإقامة العدالة وتوفير الرخاء لرعاياه جميعًا، وأخذ يضرب على أيدى الظلمة والمفسدين، ولذلك امتدحه المؤرخون وقالوا عنه: إنه كان صالحًا مباركًا كثير الصدقات ملازمًا لصلاة الجماعة، عاقلاً فطنًا، ذا دهاءٍ، وأنه أجلُّ من دخل فى تلك السلطنة وأعظمهم خوفًا وهيبة. استطاع أن يفرض نفوذ بلاده على سلطنة مالى الإسلامية واقتحم جيشه عاصمتها مدينة نيانى (مالى)؛ بسبب رفض سلطانها دفع الإتاوة المقررة عليه لسلطان صنغى، كما دفعت تطلعات سلطان مراكش إلى السيطرة على مناجم الملح فى تفازة التى كانت تقع فى شمالى الصحراء، وتخضع لنفوذ صنغى والتى كان امتلاكها يعد إمساكًا بمفتاح التجارة فى غربى إفريقيا، فرفض أسكيا إسحاق التنازل عنها لسلطان مراكش وأرسل رده إليه على شكل حملة عسكرية صغيرة عبرت الصحراء الكبرى، وأغارت على وادى درعة فى جنوبى مراكش؛ إظهارًا لقوة صنغى وردعًا لسلطان هذه البلاد. ورغم صلاح أسكيا إسحاق الأول وتقواه إلا أن رجاله اشتطوا فى جمع الضرائب من رعاياه؛ ولذلك لم يقبلوا أن يكون ابنه عبد الملك سلطانًا عليهم بعد وفاة والده، واختاروا داود بن أسكيا محمد الأول لهذا المنصب فى عام (956 هـ = 1549 م) بعد وفاة أخيه

أسكيا إسحاق الأول الذى حكم صنغى تسع سنين وتسعة أشهر.

*بادى الثانى أبو دقن

*بادى الثانى أبو دقن هو بادى الثانى أبو دقن، أحد سلاطين سلطنة الفونج الإسلامية ، التى ظهرت فى السودان منذ عام (1505 م) على أنقاض مملكة علوة المسيحية على يد زعيم سودانى يُسمى عمارة دونقس تولى أبناؤه وأحفاده السلطة بعده، وكان منهم بادى الثانى أبو دقن الذى حكم السلطنة من عاصمته سنار فى الفترة من (1643 - 1678 م) واشتهر هذا السلطان بالشجاعة والتقوى وتشجيع العلم والعلماء، وكان على صلة وطيدة بمصر وعلمائها. واختط بادى الثانى جامعًا فى سنار ومقرًّا للحكومة يعتبر ديوانًا للحكم، وغزا النيل الأبيض وفتك بسكانه المعروفين بالشلك، كما غزا جبال تقلى الواقعة غرب النيل الأبيض بنحو مرحلتين؛ حيث توجد سلطنة تقلى وتصالح مع سلطانها نظرًا لحسن معاملته للسلطان الغازى وجنوده، وتم التصالح على أساس أن يدفع سلطان تقلى إتاوة سنوية لسلطان سنار؛ مما جعله تابعًا لهذا السلطان. ويعود السبب الرئيسى فى قيام الحرب بين هاتين السلطنتين هو اشتداد التنافس التجارى بين سنار ودارفور حيث اتخذت تقلى موقفًا أكثر ميلاً إلى دارفور منه إلى سنار. وفى الشمال حدث فى عهد بادى الثانى حرب بين الشايقية والعبدلاب حوالى عام (1672 م) بسبب نفوذ دارفور إلى الشايقية الذين حاولوا الانفصال عن الحلف السنارى، فأدى ذلك إلى نشوب قتال بين الفريقين انتهى باستقلال الشايقية عن هذا الحلف الذى كان يتكون بصفة رئيسية من الفونج والعبدلاب. كذلك اشتد فى عهد السلطان بارى الثانى نشاط البعثات التبشيرية من الفرنسسكان، يساندهم بابا روما، والجزويت يساندهم لويس الرابع عشر ملك فرنسا، وتتابعت رحلات هذه البعثات إلى السودان ومنها إلى إثيوبيا، كما شهد عصره الرحلة التى قام بها الرحالة العثمانى أوليا شلبى حيث شهد الحرب التى قامت بين الشايقية والعبدلاب التى أشرنا إليها. ولم يلبث بادى الثانى أن مات فى عام (1678 م) بعد حياة حافلة، ويُعد

عصره عهد ازدهار فى تاريخ سلطنة الفونج.

*بادى الرابع

*بادى الرابع هو بادى الرابع (أبو شلوخ)، الذى يُعد من أعظم سلاطين سلطنة الفونج الإسلامية التى ظهرت فى السودان منذ عام (1505 م) على أنقاض مملكة علوة المسيحية على يد زعيم سودانى يُسمى عمارة دونقس، تولى أبناؤه وأحفاده السلطنة بعده وكان منهم بادى الرابع، الذى يُعد من أعظم سلاطين الفونج، وكانت عاصمته مدينة سنار التى تقع على نهر النيل الأزرق؛ ولذلك كانت تُسمى سلطنة سنار. وحكم بادى الرابع مدة طويلة فى الفترة من (1724 - 1762 م). وفى عهده تمتعت سلطنة الفونج بمظاهر القوة والازدهار والعظمة، حتى إنها هزمت مملكة الحبشة المسيحية فى معركة فاصلة فى (8 من مارس 1744م) عقب قيام الملك الحبشى ياسو الثانى بزحفه على سنار فى ذلك التاريخ، وحقق بعض الانتصارات فى بداية الحرب، ولكن جيش الفونج والعبدلاب سرعان ماقاما فى (إبريل 1744 م) وأنزلا بالمعتدين هزيمة قاسمة، سقط فيها من جيش الأحباش عدد كبير. وفر ملك الحبشة تاركًا خلفه كثيرًا من الأسلحة والذخائر والأموال، وكان لهذا النصر دوى هائل فى العالم الإسلامى المعاصر، وحدثًا يدعو للزهو والإعجاب؛ مما جعل الفونج يطمعون فى ضم سلطنة كردفان الإسلامية. وبالفعل زحفت عليها جيوش سنار فى عام (1747 م)، وكان الجيش بقيادة أمراء من الفونج ومعهم قائد آخر اسمه محمد أبو اللكيلك واستطاع هذا الجيش أن ينزل الهزيمة بجيش كردفان وأن يطرد قبيلة المسبعات التى كانت تحكم هذه السلطنة التى أصبحت جزءًا من سلطنة سنار وأصبح الحكم فيها للشيخ محمد أبو اللكيلك نيابة عن السلطان بادى الرابع. الذى ساءت سيرته فى الرعية نتيجة ظلمه وقسوته فى جمع الضرائب، ولم ينجُ من عسفه أهل بيته وأعوانه؛ فتآمروا عليه وشجعوا تابعه القائد محمد أبو اللكيلك حاكم كردفان على الزحف على سنار وعزل السلطان، وتم تنفيذ المؤامرة وعزل بادى الرابع وخلفه ابنه ناصر، الذى لم يكن له من

السلطة إلا الاسم. لذلك يُعد بادى الرابع هو آخر سلاطين الفونج الذين أمسكوا بزمام السلطة وخلفهم سلاطين ضعاف، ومهد هذا الوضع إلى انهيار الدولة، كما مهد للحكم المصرى الذى استقر فى هذه البلاد منذ عام (1820 م) بعد أن أصبحت مصر والسودان دولة واحدة منذ ذلك التاريخ.

*بولو

*بولو يُعد الماى بولو بن بيونا هو الماى (الملك أو السلطان) الثامن فى سلسلة مايات دولة الكانم التى ظهرت شمال شرق بحيرة تشاد، قبل مطلع القرن (9 م). وبدأ الإسلام ينتشر فى هذه الدولة حوالى عام (390 هـ = 1000 م) على يد الدعاة والمهاجرين من مصر وليبيا والصحراء، والتجار العرب الذين وصلوا إلى هذه البلاد. وقد اعتنق الماى بولو الإسلام على يد الداعية العظيم محمد بن مانى وقرأ على يديه الجزئين الأخيرين من القرآن الكريم، من أول سورة المُلك إلى نهاية سورة الناس، ومنحه نظير ذلك مكافأة سخية مقدارها (50) بعيرًا. وقد حكم هذا الماى كانم حوالى سنة (411 هـ = 1020 م) ويمكن أن يُعد أول ملوك كانم المسلمين، وجاء بعده أربعة مايات قرأوا شيئًا من القرآن الكريم على يد هذا الداعية نفسه، كان آخرهم الماى أوم بن عبد الجليل الذى يعتبر المؤسس الحقيقى لسلطنة كانم الإسلامية. ولم يلبث الماى بولو أن مات فى عام (427 هـ = 1036 م) فى مكان يُسمَّى ماكى جيبيدام ومعناه معسكر الملك الحربى، بعد أن حكم البلاد (16) عامًا. ولم يذكر المؤرخون أى أحداث وقعت فيها.

*جلال الدين (سلطان أوفات)

*جلال الدين (سلطان أوفات) هو جلال الدين بن عمر ولشمع، خامس من تولى حكم سلطنة أوفات الإسلامية. من أسرة عمر ولشمع التى تنتمى إلى بنى عقيل بن أبى طالب أو إلى بنى عبد الدار من قريش. وكان أفراد وجماعات من هذه الأسرة قد هاجروا إلى بلاد الزيلع فى منطقة القرن الإفريقى فى عصور الإسلام الأولى ونشروا الإسلام بين الأهالى الزيالعة والأحباش، وأقاموا هذه السلطنة على يد عمر ولشمع، وحكم أولاده من بعده وكان منهم جلال الدين، والذى كان معاصرًا لملك الحبشة عمداصيون (1314 - 1344 م). وكانت مملكة الحبشة النصرانية لاتطيق أن يكون بجوارها سلطنة إسلامية قوية، ومن ثم فقد شنت عليها حروبًا شبه مستمرة، وكان سلاطين أوفات فى فترات ضعفهم يعلنون الطاعة لها ولايلبثون أن يثوروا ويحققوا استقلالهم، ومن هؤلاء السلاطين جلال الدين الذى كان ملك الحبشة عمداصيون قد عزل أخاه صبر الدين الأول وعينه سلطانًا على أوفات وتوابعها بعد أن رضى بالتبعية ودفع الجزية. ولكن أهل أوفات لم يرضوا بهذه التبعية لملك الحبشة واستصرخوا سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون وانقضوا على حامية حبشية كان عمداصيون قد تركها فى أوفات وأبادوها عن آخرها، وتشجعت إمارتا عدل ومورة بهذا العمل وثارتا ضد تسلط الأحباش، وأعلن السلطان جلال الدين الثورة ضد هيمنتهم، فعاد عمداصيون إلى بلاد الزيلع يحارب ممالكها وأعمل فيها النهب والتدمير، وفى سكانها الذبح والاسترقاق، وفى مساجدها ومدنها الهدم والإحراق، وكان يعذب من ترك المسيحية ودخل فى الإسلام، واستمر فى هجومه على أوفات وتوابعها لدرجة أن جنوده ملوا هذا الهجوم المتواصل وهذا الزحف المستمر، وذلك القتال الذى لايهدأ ضد الزيالعة المسلمين وطلبوا منه العودة إلى بلادهم؛ محتجين بأن موسم المطر قد حلَّ ولكن عمداصيون رفض طلبهم بحجة أن الزيالعة المسلمين فى أوفات وغيرها مازالوا يهددون ملكه طالما

أن سلطانهم جلال الدين على قيد الحياة، وأمر جنوده ألا يفاتحوه فى هذا الأمر مرة أخرى. وانتهى حكم السلطان جلال الدين بقيام فتنة داخلية - بإيعازٍ من ملك الحبشة غالبًا - كان من نتيجتها أن تولى على بن صبر الدين حكم السلطنة وانتهى حكم عمه جلال الدين فى زمن لايمكن تحديده بدقة.

*جمال الدين (سلطان عدل)

*جمال الدين (سلطان عَدَل) هو جمال الدين محمد بن سعد الدين، من أسرة عمر ولشمع القرشية، التى أقامت سلطنة أوفات الإسلامية شرق الحبشة، ثم سلطنة عدل الإسلامية فى جزءٍ كبير من أراضى السلطنة السابقة. وجمال الدين هو ثالث سلطان يحكم السلطنة الأخيرة وذلك لمدة سبع سنوات فى الفترة من (828 - 835 هـ = 1424 - 1431 م). وكان ملك الحبشة إسحاق بن داود قد أسر سلطان عدل السابق وأخاه، وهما منصور ومحمد ابنا سعد الدين وظلا فى سجنه حتى تُوفِّيا. وتمكن إسحاق أن ينزل بالمسلمين فى بلاد زيلع وقائع شنيعة، كما كاتب ملوك الفرنجة يستحثهم على التعاون معه لإزالة دولة المسلمين من كل مكان. ومن ثم قام جمال الدين سلطان عدل وأخذ يستعد لملاقاة هذا الملك الحبشى، الذى عزم على ألا يبقى بالمنطقة مسلم قط، واستطاع جيش جمال الدين أن ينزل هزيمة ساحقة بجيش ملك الحبشة، كما هاجم جيش جمال الدين الأحباش مرة ثانية فى إمارة بالى، فهزمهم وأسر معظمهم. وبموت إسحاق تعرضت الحبشة لكثير من الفتن والمنازعات على العرش، فانتهز جمال الدين الفرصة وأمعن فى غزو بلاد الحبشة فغزا إمارة دوارد وأسر ثلاثة من أمراء ملك الحبشة وهاجم أمهرة عقر دار هذا الملك، ودخل كثير من عماله وأمرائه فى طاعة جمال الدين الذى كثرت غنائمه وأسلم على يديه عددٌ كبير من الأحباش. ولكن الحقد والحسد والجهالة أعمت قلوب بنى عمه؛ فاغتالوه فى عام (835 هـ = 1431 م) وهو فى ذروة مجده وانتصاره، دون أن يلقوا بالاً إلى مصير الإسلام الذى أصبح فى كفة الميزان. ويبدو أن هؤلاء المتآمرين كانوا على اتصال بملك الحبشة زرء يعقوب الذى أطمعهم فى كرسى الحكم وحرضهم على ارتكاب هذه الجريمة؛ حتى يتخلص من هذا السلطان الشجاع المجاهد الذى تمكن من التوغل داخل هضبة الحبشة نفسها، والذى كان محبوبًا من الرعية نظرًا لاهتمامه بأمرهم ونشره العدل بينهم، وكان كما يقول المقريزى: خير

ملوك زمانه دينًا ومعرفة وقوة وشجاعة ومهابة وجهادًا فى أعداء الله - تعالى - عز الله به الإسلام والمسلمين، وأسلم على يديه عالمٌ من أمحرة (أمهرة) لايحصى عددهم. ولذلك كان لابد أن يدبر الأحباش قتله غيلة وبيد أفرادٍ من أسرته، بعد أن فشلوا فى قتله فى ميدان المعارك التى خاضها ضدهم وانتصر عليهم فيها.

*حسين (سلطان شوا)

*حسين (سلطان شوا) هو أحد سلاطين سلطنة شوا الإسلامية التى كانت تقع فى جزءٍ من الهضبة الوسطى للحبشة شرقى النيل الأزرق، والتى تقع بالقرب منها مدينة أديس أبابا العاصمة الحالية للحبشة (إثيوبيا). وهذه السلطنة الإسلامية التى قامت فى قلب هضبة الحبشة لم نعرف شيئًا عن تاريخها إلا من خلال وثيقة عربية اكتشفها الإيطالى تشيروللى فى عام (1926 م)، ومن أسفٍ أن هذه الوثيقة تتحدث عن الفترة الأخيرة من عمر هذه السلطنة الإسلامية التى كانت تجاورها من الشرق حتى البحر الأحمر سلطنات وإمارات إسلامية أخرى أهمها سلطنة أوفات الإسلامية. ولذلك فإننا لم نعرف شيئًا عن تاريخها ولا عن سلاطينها رغم أن هذه السلطنة استمرت فى الوجود طوال أربعة قرون من الزمان (283 - 684 هـ = 896 - 1285 م). لكن ورد فى الوثيقة المشار إليها أسماء بعض السلاطين، منهم: السلطان حسين والذى تولى الحكم فى عام (575 هـ = 1180 م)، ولاتذكر الوثيقة شيئًا عن الأحداث التى وقعت فى عصره إلا تولى السلطان عبد الله حكم السلطنة فى عام (590 هـ = 1194 م)، مما يدل على أن حكم السلطان حسين انتهى فى ذلك العام، ثم عاد الحكم إلى ابنه السلطان محمد ابن السلطان حسين فى شوال من عام (632 هـ = 1232 م) استمر فى أعقابه من بعده حتى انتهت هذه السلطنة على يد سلطنة أوفات الإسلامية؛ إنقاذًا لها من الحروب الأهلية التى سادتها وإنقاذًا لها من تطلع الأحباش إلى الاستيلاء عليها. ومعنى استمرار الحكم فى أسرة السلطان حسين أن هذه الأسرة كانت تحكم هذه السلطنة عن طريق الوراثة، ولذلك فمن المرجح أنها تنتمى إلى الأسرة التى أسست هذه السلطنة، وهى الأسرة المخزومية العربية الأصل حسبما جاء بالوثيقة الآنفة الذكر.

*حق الدين الثانى (سلطان أوفات)

*حق الدين الثانى (سلطان أوفات) هو حق الدين الثانى بن أحمد حرب أرعد من أسرة عمر ولشمع القرشية، التى أقامت سلطنة أوفات الإسلامية شرق الحبشة حوالى منتصف القرن (13 م). وكان حق الدين الثانى ثامن من تولى حكمها من سلاطين هذه الأسرة الذين كافحوا طويلاَ ضد هيمنة الأحباش، الذين قتلوا بعض سلاطينهم وأسروا بعضهم الآخر، منهم والد السلطان حق الدين الذى أخذه ملك الحبشة سيف أرعد إلى عاصمته وجعله فى خدمته، وترك أحمد ابنه حق الدين هذا فى أوفات، فاشتغل هذا الابن بطلب العلم والمعرفة وابتعد عن العمل السياسى؛ بعد أن رأى ماحلَّ بأبيه ونظرًا لإعراض جده على بن صبر الدين محمد بن عمر ولشمع وهجره إياه، ومعاداة عمه ملا أصفح القائم بأمر الدولة وعداوته الشديدة له، لدرجة أنه أخرجه من مدينة أوفات إلى بعض نواحيها، وهناك جمع حق الدين الثانى الناس حوله وجنَّد جيشًا اتجه به إلى مدينة أوفات وقاتل عمه ملا أصفح الذى كان يخضع لملك الحبشة وهزمه ومن جاء لمساعدته من الأحباش الذين كان عددهم يقدر بثلاثين ألفًا؛ فذهب ملا أصفح إلى ملك الحبشة يستنجد به مرة ثانية فأرسل معه جيشًا جرارًا، ولكن حق الدين الثانى تمكن من هزيمة هذا الجيش وقتل عمه وأباد مَن كان معه من جند، وسار إلى مدينة أوفات فاستسلم له جده على بن صبر الدين، الذى عامله حق الدين الثانى معاملة طيبة وأقرَّه على ولاية أوفات وصار حق الدين الثانى سلطانًا على سلطنة أوفات وتوابعها وحكمها عشر سنوات (766 - 776 هـ = 1364 - 1374 م)، ولكنه رحل عن مدينة أوفات العاصمة وبنى فى إقليم شوا عاصمة جديدة سماها (وحل) واتخذها قاعدة له فى قتال ملك الحبشة سيف أرعد الذى مات وتولى بعده ابنه ودم بن سيف أرعد، فاستأنف حق الدين الثانى قتاله متحصنًا بموقع شوا المنيع، والتقى بالملك الحبشى فى بضع وعشرين موقعة على مدى تسع سنوات استشهد فى آخر موقعة منها فى عام (676

هـ = 1374 م) على أرض شوا بعد أن أرهق الأحباش وحطم جيوشهم؛ نظرًا لما كان يمتاز به من شجاعة وإقدام وإصراره على الجهاد وعدم القبول بالتبعية للأحباش.

*أسكيا داود

*أسكيا داود هو أحد الأساكى الذين حكموا إمبراطورية صنغى الإسلامية التى حكمت غرب إفريقيا بعد ضعف إمبراطورية مالى الإسلامية منذ القرن (15 م). وهو ابن أسكيا محمد الأول المؤسس الحقيقى لامبراطورية صنغى الإسلامية. حكم أسكيا داود هذه الإمبراطورية فى الفترة من (956 - 990 هـ = 1549 - 1582 م)، وبدأ حكمه بتعيين أنصاره فى الوظائف المهمة، ونظم الجهاز الإدارى وبنى الكثير من المنشآت العامة مثل المساجد والمدارس، واهتم بنشر الثقافة الإسلامية، وهو أول من اتخذ خزائن الأموال وخزائن الكتب، وكان له نساخ ينسخون له الكتب التى كان يُهادى ببعضها العلماء وطلاب العلم، وكان حافظًا للقرآن الكريم، وكان له شيخ يعلمه ويُقرئه القرآن. رعى العلم والعلماء وعمل جاهدًا على توفير الأمن والرخاء لرعاياه جميعًا ولذلك فإنه يعتبر من أبرز السلاطين الذين حكموا صنغى من آل أسكيا محمد الأول، نظرًا لإصلاحاته الداخلية وكياسته وحنكته السياسية. إذ أنه حاول جاهدًا أن يعيد إلى نفوذ صنغى البلاد التى كانت قد استقلت عنها وقت المحن والأزمات، فجهز جيشًا غزا به قبائل الموس (الموش) الوثنية وفر سلطانها أمامه مهزومًا فى عام (969 هـ = 1562 م)، وغزا دولة مالى ودخل العاصمة نيانى فى عام (966 هـ = 1559 م)، وانتصر على سلطانها وتزوج ابنته، ثم غزا إمارة كاتسينا فى شرق النيجر، وأعاد الطوارق إلى الطاعة. ولما أرسل سلطان مراكش عبد الملك فى عام (986 هـ = 1578 م) جيشًا للاستيلاء على تفازة وما فيها من مناجم الملح، رد أسكيا داود بجيش كبير أرسله لتأمين تفازة من أى هجوم جديد، ولما أرسل له سلطان مراكش الجديد أحمد الأول يستأذنه فى أن يسمح له باستخراج الملح من تفازة عامًا واحدًا، رد عليه أسكيا داود بهدية مقدارها (10000) من الذهب، فحل التفاهم والود بين الدولتين طيلة عهد أسكيا داود مما أبعد خطر سلاطين مراكش عن بلاده، وظل يسير على هذه السياسة حتى

مات فى شهر رجب سنة (990 هـ = 1582 م) بعد حكم دام (34) عامًا وخمسة أشهر.

*دونمة بن أوم

*دونمة بن أوم هو الماى (13) فى سلسلة المايات الذين حكموا سلطنة كانم الإسلامية التى كانت تقع شمال شرق بحيرة تشاد. وقد حكمها مدة طويلة بلغت (55) عامًا (491 - 546هـ = 1097 - 1151م) قام أثناءها بغارات متعاقبة على جيرانة الوثنيين، واستطاع توسيع رقعة دولته حتى وصلت من فزان شمالاً إلى تلال دكوا جنوبًا، ومن واداى شرقًا حتى نهر النيجر غربًا. ويتميز عهد الماى دونمة بن أوم بازدياد الداخلين فى الإسلام، واشتهر بتقواه وتمسكه بالدين وإنشاء المساجد، وقام بعدة حروب للقضاء على ما بقى من مظاهر الوثنية فى بلاده، وأعد جيشًا جرارًا بلغ عدد فرسانه نحو (100) ألف، ومشاته نحو (120) ألفًا، مما مكنه من أحراز انتصارات كبيرة. كما يتميز هذا الماى أيضًا بكثرت رحلاته لأداء فريضة الحج والتى بلغت ثلاث رحلات، ترك فى مصر خلال رحلتى حجه الأولى والثانية (600) عبد. ويبدو أنه أثناء رحلته الثالثة تدخل فى شئون مصر الداخلية، بأن ناصر فريقًا على فريق أخر كان الصراع محتدمًا بينهما على منصب الوزارة زمن الخليفة الفاطمى الظافر (544 - 549هـ = 1149 - 1194م)، فكان ذلك سببًا فى إغراقه عند ميناء عيذاب الذى كان يستقبل الحجاج الذاهبين والعائدين عبر البحر الأحمر فى ذلك الحين. والراجح أن الماى دونمة بن أوم ناصر الفريق الذى كان يدعمه الجند السودانيون الذين كانوا يشكلون أحد عناصر الجيش الفاطمى، منذ عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله (427 - 487هـ = 1036 - 1094م) والذى كان أمه سودانية؛ فأكثر من جلب هذا العنصر. وكان على العناصر الأخرى من الأتراك والمغاربة العمل بسرعة حتى لاتعطى الفرصة للماى دونمة بن أوم كى يدعم الفريق الذى يعتمد على بنى جلدته من العنصر السودانى، فأحدثوا ثقبًا فى سفينته التى كانت راسية أمام ميناء عيذاب مما تسبب فى غرقه أمام هذا الميناء فى عام (546هـ = 1151م). وربما كان غرقه على هذا النحو بسبب آخر،

هو أنه كان بإيعاز من أفراد أسرته الطامعين فى العرش، أو نتيجة لخيانة أو مؤامرة من أعدائه وخصومه.

*دونمة بن سالم

*دونمة بن سالم هو الماى السابع عشر فى سلسة المايات أو السلاطين الذين حكموا سلطنة كانم الإسلامية التى كانت تقع شمال شرق بحيرة تشاد. حكم هذه البلاد مدة بلغت (40) عامًا (618 - 657 هـ = 1221 - 1259 م). وهو مشهور باسم دونمة دباليمى، نسبة إلى أمه دابال، حيث كانت النسبة إلى الأم أمرًا طبيعيًّا فى هذه البلاد. ويعتبر الماى دونمة بن سالما أعظم ملوك كانم قاطبة، ويعتبر عهده قمة الازدهار والعظمة فى تاريخ هذه السلطنة. فقد عرف بالعزم والحزم وكان محاربًا قويًّا حتى وصف بأنه أشد إحراقًا من النار، كوَّن جيشًا قويًّا كان عدد فرسانه لايقلون عن (41) ألفًا حارب بهم قبائل التيبو من البربر فى الشمال، وأخضعهم لسلطانه بعد حروب دامت أكثر من سبع سنوات، كما حارب قبائل البلالة وتغلب عليهم، مما أتاح فرصة للهدوء والاستقرار داخل البلاد، مما أدى إلى اتساع رقعة الدولة فى عهده، حتى امتد نفوذها من مشارق وادى النيل الأوسط شرقًا حتى قرب نهر النيجر غربًا، وجعلها تتحكم فى الطرق التجارية التى تمر عبر هذه المنطقة الشاسعة، وأفاض ذلك كثيرًا من الأموال على خزائن الدولة. ومما يُذكر لهذا الماى العظيم بالفضل أنه اهتم كثيرًا بالقضاء على مابقى من مظاهر الوثنية فى بلاده، فهو الذى جرؤ وحطم الوثن الكبير المعروف باسم مون Mune، وكانت عبادته لاتزال قائمة فى بعض أجزاء كانم ومرتفعات تيبستى التى تقع فى شمالى البلاد. ومنذ تحطيم هذا الوثن لم يستطعْ أحد أن يقف فى وجه انتشار الإسلام، لأن هذا التحطيم بيَّن للناس أن هذا الوثن كان أسطورة أو خرافة، كما منح الإسلام فرصة كبيرة لتأكيد سلطانه على شعب الكانم، وجعل هذا الماى يتخذ لقب أمير المؤمنين، وهو أول من اتخذه من مايات كانم وربما كان هذا الأمر تأسيًا بالسلطان الحفصى المنتصر، سلطان تونس الذى كان يعاصره. ذلك أن علاقات هذا الماى بذلك السلطان الحفصى كانت قوية، بدليل أنه أرسل إليه

سفارة وهدية اشتملت على زرافة أثارت إعجاب أهل تونس، وذلك فى عام (1257 م). وقد حدث فى عهد هذا الماى أيضًا أن الكانميين الذين كانوا يرحلون إلى مصر فى طريقهم لتأدية فريضة الحج، بنوا مدرسة للمالكية فى الفسطاط تُسمى باسم مدرسة ابن رشيق فى عام (640 هـ = 1242 م) لتكون موئلاً للحجاج القادمين من كانم، ومركزًا لتدريس الفقه المالكى على يد هذا الفقيه الذى سميت باسمه هذه المدرسة. وقد مات الماى دونمة بن سالما بعد أن حدثت حروب أهلية فى سلطنته؛ بسبب جشع أولاده وتنافسهم على الحكم والسلطان، وازدياد نفوذ الأمراء فى أقاليم الدولة. ولولا قوة جيشه وشدة بأسه لتحطمت دولته منذ وقت مبكر.

*سامورى التورى

*سامورى التورى يُعد سامورى التورى من الزعماء الأفارقة المسلمين، الذين قاوموا الاستعمار الأوربى لغرب إفريقيا فى النصف الثانى من القرن (19م). وُلِد سامورى عام (1830م) فى مدينة ساناكورو التى تقع جنوب نهر بانى أحد روافد نهر النيجر، وهو ينتمى إلى شعب الديولا الذى يعتنق الإسلام. وكان سامورى محاربًا فذًّا من محاربى هذا الشعب الذى التف حوله لتجميع شتات المسلمين بعد القضاء على دولة الحاج عمر على يد الفرنسيين فى عام (1864م). وقد ركز سامورى التورى نشاطه فى منطقة فوتاجالون التى تُعرف الآن بدولة غينيا، والتى تقع جنوب دولة الحاج عمر والتى حاول الفرنسيون الاستيلاء عليها أيضًا. نظم سامورى جيشًا وحصل على الأسلحة الحديثة وأنشأ مصنعًا للسلاح والذخيرة فى تيرى، وبدأ يشن هجماته على خصومه المحليين ويستولى على القرى والمدن والإقاليم لينشئ دولة كبرى، منتهزًا فرصة الصراع بين هذه القوى المحلية، واتخذ من مدينة بيزاندوغو عاصمة له واستولى على تومودغو دكانكان دسانكاران وباماكو، وبدأت قوته تخيف الفرنسيين والإنجليز؛ فعقدت بريطانيا وفرنسا فى عام (1889م) اتفاقًا اعترفت فيه الأولى للثانية بحقها فى فوتاجالون وبحمايتها على سامورى ودولته، واعترفت الثانية للأولى بترك الحرية التجارية لها فيما تحت خط العرض العاشر. ولم تلبث فرنسا أن جرت سامورى فى حرب مع إمارة سيكاسو التى تقع إلى الشرق من دولته والتى رأى أنها مفتاح الطريق إلى بلاد فولتا العليا التى يمكن أن تكون منفذًا له إلى البحر؛ لآن دولته دولة داخلية. وقد فشل سامورى فى حصار سيكاسو وانسحب منها، وتحت ضغط الفرنسيين انتقل بدولته ناحية الشرق فى المناطق التى تقع فى أعالى ساحل العاج بعد أن استطاع الفرنسيون أن يستولوا على العاصمة بيزاندوغو وساناكورو موطنه الأصلى فى عام (1891م)، ثم قطعوا عليه الطريق إلى الشرق واحتلوا ساحل

العاج نفسها؛ حتى لاتقع فى يده أو فى يد الإنجليز، ثم فاجأه الفرنسيون فى (سبتمبر عام 1898م) وأحاطوا به واعتقلوه ونفوه إلى الجابون فبقى فيها حتى وافته المنية بعد ذلك بعامين، بعد أن أنشأ إمبراطورية كبيرة فى غرب إفريقيا، وكافح فى سبيل الاستقلال بها عن النفوذ الأوربى، ورأى أن خير وسيلة لربط أجزاء هذه الإمبراطورية هو الإسلام، فعمل على نشره بين الوثنيين، واتخذ لنفسه لقب إلمامى أى إمام، ونظم تعليم القرآن للأطفال فى القرى على يد الفقهاء والمشايخ، وكانت له إرادة لا تلين، ولم يقهره إلا الاستعمار الفرنسى قرب نهاية القرن الماضى.

*سعد الدين (سلطان أوفات)

*سعد الدين (سلطان أوفات) هو سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد حرب أرعد بن على بن صبر الدين الأول، من أسرة عمر ولشمع القرشية التى أقامت سلطنة أوفات الإسلامية شرق الحبشة حوالى منتصف القرن (13 م)، وكان سعد الدين محمد آخر سلاطين هذه الأسرة الذين حكموا هذه السلطنة. فقد حكمها (29) عامًا فى الفترة (776 - 805 هـ = 1374 - 1402 م) وذلك عقب استشهاد أخيه حق الدين الثانى أثناء جهاده ضد ملك الحبشة، فقام سعد الدين باتباع السياسة نفسها، وجاهد الأحباش وكانت الحرب سجالاً بينهما فى معظم الأحيان. واستطاع سعد الدين أن يجند كثيرًا من المجاهدين فتعددت غاراته واتسعت مملكته، ولكنه هزم فى بعض المواقع، ثم حقق نصرًا مبينًا على داود ملك الحبشة وأسر من كان معه من جند كثير، كما أحرز نصرًا آخر فى مكان يسمى زمدوة وغنم غنائم وفيرة. وقد شجعته هذه الانتصارات على الزحف على مملكة بالى الإسلامية، التى كانت تدين بالطاعة للأحباش، فانتصر على من كان فيها من جند ملك الحبشة رغم كثرتهم وقلة جنده، وكان القتلى منهم كثيرون لدرجة أن رءوسهم كانت تغطى ميدان المعركة، بخلاف الأسرى الذين كانوا لايحصون عددًا. فقام ملك الحبشة داود وزحف على أوفات وهزم أحد قواد سعد الدين، وتتابعت الهزائم حتى هلك أكثر جند سعد الدين وتقهقر إلى جزيرة زيلع فحاصره ملك الحبشة وقطع عنه الماء حتى يستسلم، ولكنه ظل يقاوم الأحباش حتى أرشدهم على مخبئه أحد الخونة، فهاجمه الأحباش بغتة وقتلوه وسيفه فى يده فمات شهيدًا فى عام (805 هـ = 1402 م)، وبعد حياة حافلة بالجهاد ضد هيمنة الأحباش، وتمسكًا بالاستقلال والحرية، ودفاعًا عن الإسلام والمسلمين. ولم تكن هزيمة سعد الدين إلا بسبب قلة عدد الفرسان فى جيشه، ولعدم اتحاد ممالك الزيلع الإسلامية وتفرقها وطاعة بعضها لملك الحبشة، مما مكنه من الانتصار فى النهاية على سعد الدين وقتله والقضاء على سلطنة

أوفات الإسلامية. ولكن سلطنة عدل الإسلامية - التى أقامت أولاد سعد الدين بعد فترة وجيزة من مقتل أبيهم فى هذا الإقليم الذى يُعرف بعدل والذى كان جزءًا من سلطنة أوفات - رفعت راية الجهاد من جديد.

*سندياتا (سلطان مالى (

*سندياتا (سلطان مالى ( هو أول من اشتهر أمره وذاع صيته وتحقيق تاريخه فى القرن (13 م) من أسرة كيتا صاحبة الفضل فى تكوين دولة واسعة مترامية الأطراف تُعرف باسم سلطنة مالى الإسلامية. وكانت هذه الدولة تقع فى المنطقة المحصورة بين نهر النيجر والمحيط الأطلسى. وتمتد شمالاً وجنوب حتى بلغت مساحتها مساحة غرب أوربا مجتمعة، واشتهرت باسم بلاد التكرور. وكانت فى الأصل إقليمًا صغيرًا يعرف باسم كنجابا Kangala اعتنق ملوكه الإسلام، وكانوا تابعين لمملكة غانة الإسلامية فى القرن (11 م)، ثم انفصلوا عنها وتوسع ملوكها فى أوائل القرن (13 م) فى الجنوب الشرقى مما أثار حفيظة ملك الصوصو المجاور له؛ إذ انقض عليهم فى عام (1230م)، وقتل ملكهم وإخوته العشرة، ولم يبقَ إلا الأخ الحادى عشر الذى يُسمى سندياتا ويُعرف باسم مارى جاطة أى الأمير الأسد، والذى كان قد تمكن من الهرب نحو الجنوب؛ حيث جمع حوله كثيرًا من القبائل الموالية لأسرة كيتا، وأخضع بفضلها القبائل المجاورة وانتصر فى جميع الحروب التى شنها، مما ساعده فى تثبيت ملكه. ثم أعد جيشًا كبيرًا مكونًا من (12) فرقة مدربة أحسن تدريب؛ لقتال ملك الصوصو والانتقام منهم، والتقى به فى موقعة فاصلة عند كيرينا فى عام (1235م)؛ حيث انتصر سندياتا وقتل ملك الصوصو واستولى على بلاده، ثم نجح فى عام (1240م) فى الاستيلاء على مملكة غانة الإسلامية، واتخذ من مدينة أنشأها على نهر النيجر تُسمى نيانى عاصمة لملكه، واشتهرت هذه المدينة باسم مالى وصار اسمها علمًا على الدولة كلها التى اتسعت فى عهده، وصارت إمبراطورية واسعة تمتد من بلاد الولوف والمحيط الأطلسى غربًا إلى أواسط نهر النيجر شرقًا، ومن فوتاجالون جنوبًا إلى كومبىَ صالح عاصمة غانة السابقة شمالاً. وقد مات سندياتا فى عام (1255م) بعد أن وضع لأبنائه وأحفاده أساس هذه الدولة الواسعة؛ ولذلك فإنه يُعد المؤسس الحقيقى لسلطنة مالى

الإسلامية فى العصور الوسطى.

*ماري جاطا (سلطان مالى (

*ماري جاطا (سلطان مالى ( هو أول من اشتهر أمره وذاع صيته وتحقيق تاريخه فى القرن (13 م) من أسرة كيتا صاحبة الفضل فى تكوين دولة واسعة مترامية الأطراف تُعرف باسم سلطنة مالى الإسلامية. وكانت هذه الدولة تقع فى المنطقة المحصورة بين نهر النيجر والمحيط الأطلسى. وتمتد شمالاً وجنوب حتى بلغت مساحتها مساحة غرب أوربا مجتمعة، واشتهرت باسم بلاد التكرور. وكانت فى الأصل إقليمًا صغيرًا يعرف باسم كنجابا Kangala اعتنق ملوكه الإسلام، وكانوا تابعين لمملكة غانة الإسلامية فى القرن (11 م)، ثم انفصلوا عنها وتوسع ملوكها فى أوائل القرن (13 م) فى الجنوب الشرقى مما أثار حفيظة ملك الصوصو المجاور له؛ إذ انقض عليهم فى عام (1230م)، وقتل ملكهم وإخوته العشرة، ولم يبقَ إلا الأخ الحادى عشر الذى يُسمى سندياتا ويُعرف باسم مارى جاطة أى الأمير الأسد، والذى كان قد تمكن من الهرب نحو الجنوب؛ حيث جمع حوله كثيرًا من القبائل الموالية لأسرة كيتا، وأخضع بفضلها القبائل المجاورة وانتصر فى جميع الحروب التى شنها، مما ساعده فى تثبيت ملكه. ثم أعد جيشًا كبيرًا مكونًا من (12) فرقة مدربة أحسن تدريب؛ لقتال ملك الصوصو والانتقام منهم، والتقى به فى موقعة فاصلة عند كيرينا فى عام (1235م)؛ حيث انتصر سندياتا وقتل ملك الصوصو واستولى على بلاده، ثم نجح فى عام (1240م) فى الاستيلاء على مملكة غانة الإسلامية، واتخذ من مدينة أنشأها على نهر النيجر تُسمى نيانى عاصمة لملكه، واشتهرت هذه المدينة باسم مالى وصار اسمها علمًا على الدولة كلها التى اتسعت فى عهده، وصارت إمبراطورية واسعة تمتد من بلاد الولوف والمحيط الأطلسى غربًا إلى أواسط نهر النيجر شرقًا، ومن فوتاجالون جنوبًا إلى كومبىَ صالح عاصمة غانة السابقة شمالاً. وقد مات سندياتا فى عام (1255م) بعد أن وضع لأبنائه وأحفاده أساس هذه الدولة الواسعة؛ ولذلك فإنه يُعد المؤسس الحقيقى لسلطنة مالى

الإسلامية فى العصور الوسطى.

*سومانجورو (ملك الصوصو)

*سومانجورو (ملك الصوصو) سومانجورو آخر ملك من ملوك دولة الصوصو الوثنية. والصوصو فرع من الفولانيين كان قد هاجر من تكرور التى تقع فى حوض نهر السنغال واتجه شرقًا إلى إقليم كانياجا فى حوض نهر النيجر، حيث أسس طبقة حاكمة ودولة اتسعت فيما حولها فى نهاية القرن (12 م)، بعد أن تخلصوا من تبعيتهم لدولة غانة الإسلامية التى كانت مجاورة لهم من ناحية الشمال والغرب، وكانوا يدفعون لها الجزية، واستطاع ملك الصوصو الذى يُعرف باسم سومانجارو أن يحطم هذه الدولة ويستولى عليها فى عام (1203 م). ثم اصطدم بعد ذلك بدولة مالى النامية فى كانجابا وشن عليها الحرب وأباد الكثير من سكانها وقتل ملكها المدعو كوننيوغو سمباكيتا، كما قتل إخوته العشر الذين تولوا الحكم تباعًا بعد أخيهم المقتول، ولم يفلح فى القضاء على الأخ الحادى عشرة الذى يعرف باسم سندياتا واشتهر باسم مارى جاطة، والذى كان قد هرب ناحية الجنوب وبدأ يكون جيشًا جرارًا للانتقام من ملك الصوصو الذى قتل إخوته الأحد عشر واستولى على الجزء الشمالى من بلادهم، وكان يستعد للقضاء على سندياتا قبل أن يستفحل أمره، وتذرع بأن سندياتا اقتحم بلاد الصوصو خلال توسعه وغزواته للأقاليم التى تقع بين بلديهما. ويقال: إن سومانجارو كان قد تزوج بأخت سندياتا عندما تغلب على إخوتها وقتلهم، وشجعت هذه الأخت هذا الزواج حتى تضع يدها على أسرار هذا الملك الوثنى وتتعرف على مواطن ضعفه. ولما وصلت إلى غرضها عادت إلى أخيها سندياتا وزودته بما جمعت من معلومات عن سومانجارو مما كان سببًا من أسباب هزيمته على يد سندياتا الذى قضى عليه وعلى دولة الصوصو بأجمعها وضمها إلى دولة مالى الإسلامية، وذلك بعد موقعة حربية فاصلة وقعت بين سومانجارو وسندياتا تعرف باسم المكان الذى وقعت فيه وهو كيرينا وذلك فى عام (1235 م )، وهو العام الذى شهد نهاية هذه الدولة الوثنية ونهاية زعيمها سومانجارو نفسه.

*سيف بن ذى يزن

*سيف بن ذى يزن هوأحد أبطال اليمن، من حمير، استعان بالفرس لإخراج الأحباش من بلاده بعد أن كانوا قد احتلوها عام (525م) على يد أرياط القائد الحبشى الذى حكمها منذ ذلك الحين، ثم تنافس معه فى حكمها قائد حبشى أخر هو أبرهة الأشرم الذى تغلب على أرياط وقتله، فدانت له اليمن وتعاقب على حكمها بعده ابناه يكسوم ثم مسروق. وفى عهد الأخير ظهر سيف بن ذى يزن الحميرى، وثار على حكم الأحباش لبلاده واستعان فى قتاله لهم بالفرس حوالى عام (575 م). فقد أرسل له كسرى فارس حملة فارسية بقيادة دهرز تمكنت بالتحالف مع سيف والوطنيين اليمنيين من قتل مسروق والقضاء على حكم الأحباش لليمن، وصار سيف بن ذى يزن ملكًا على هذه البلاد وقفل دهرز عائدًا إلى فارس، ولكن بعض الأحباش الباقين فى اليمن وثبوا على سيف وقتلوه غيلة، فأعاد كسرى فارس قائده دهرز على رأس قوة جديدة قضت على التمرد الحبشى وبقيت اليمن فى قبضة الفرس يحكمها ولاة منهم حتى ظهر الإسلام، وكان حاكمها وقتذاك فارسى يُدعى باذان، ولم يلبث أن أسلم وأقرَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاملاً على اليمن تحت راية الإسلام. والجدير بالذكر أن الأسرة الحاكمة لدولة الكانم والبرنو الإسلامية فى حوض بحيرة تشاد انتسبت إلى سيف بن ذى يزن، وتسمَّت باسم الأسرة السيفية الماغومية، على أساس أن امرأة من كانم كانت قد تزوجت من سيف، ثم عاد أبناؤها منه إلى بلادهم فى كانم وأسسوا هذه الدولة الإفريقية التى حكمت هذه البلاد لمدة ألف عام، من القرن التاسع إلى القرن التاسع عشر للميلاد، بعد أن اعتنقوا الإسلام ونشروه بين قومهم، كما نشروا الثقافة العربية الإسلامية فى هذه المنطقة من القارة التى كانت تُعرف باسم السودان الأوسط، والتى تعرف اليوم باسم جمهورية تشاد.

*صبر الدين الأول (سلطان أوفات)

*صبر الدين الأول (سلطان أوفات) هو صبر الدين الأول محمد بن عمر ولشمع الذى ينتمى إلى بنى عقيل بن أبى طالب أو بنى عبد الدار من قريش، حيث هاجر نفر منهم إلى منطقة القرن الإفريقى فى عصور الإسلام الأولى، وأقاموا سلطنة أُوفات الإسلامية على يد عمر ولشمع حوالى منتصف القرن (13 م) فيما بين هضبة الحبشة وبين ساحل البحر الأحمر. حكم أولاد عمر ولشمع ومنهم صبر الدين الأول وهو ثالث من حكمها من أفراد هذه الأسرة العربية، وكان معاصرًا لملك الحبشة عمدا صيون (1314 - 1344م). وكان هذا الملك الحبشى قد خرج بجيوشه الجرارة عام (729هـ =1328م)، وهجم على سلطنة أوفات من جميع نواحيها وأسر سلطانها حق الدين الأول بن عمر ولشمع، وعين عليها أخاه صبر الدين الأول، على أن يعترف هذا السلطان الجديد بسيادة ملك الحبشة ويعلن طاعته له. وكان الأحباش منذ نهاية القرن (13م) لا يريدون أن تقوم بجوارهم سلطنة إسلامية قوية تستقل بحكم هذه المنطقة الواسعة التى فاقت مساحة مملكة الحبشة نفسها، ومن ثم فقد حاربوا سلطنة أوفات وفرضوا طاعتهم على بعض سلاطينها، ومنهم السلطان صبر الدين الأول الذى لم يطقْ صبرًا على تبعيته لهم، وأراد أن يتخلص من نير الأحباش وسيطرتهم، وكون حلفًا إسلاميًّا من أوفات ومملكة هدية الإسلامية ومملكة دوارو الإسلامية، وكانتا تقعان جنوب أوفات، وغزا كثيرًا من أقاليم مملكة الحبشة وهدد عمدا صيون ملك الحبشة فى عقر داره، فقام هذا الملك وعبأ جيوشه وغزا هذه الممالك الإسلامية وأسر ملوكها وكثيرًا من أهلها وحملهم معه إلى عاصمته؛ مما أجبر صبر الدين الأول على المثول بنفسه أمام عمدا صيون، فقتله وضم أوفات وهدية وفطحار وجعلها مملكة واحدة وعين عليها جلال الدين أخا السلطان القتيل بعد أن رضى جلال الدين أن يدفع له الجزية وأن يكون تابعًا له.

*صبر الدين الثانى (سلطان عدل)

*صبر الدين الثانى (سلطان عدل) هو صبر الدين الثانى على بن سعد الدين، من أسرة عمر ولشمع القرشية التى أقامت سلطنة أوفات الإسلامية، ولما قضى عليها الأحباش أقامت سلطنة عدل الإسلامية فيما بقى من أراضى سلطنة أوفات، فيما يُعرف الآن بالصومال الشمالى والغربى (أوجادين) ومنطقة هرر وجيبوتى، وهى البلاد التى تقع جنوب نهر عواش، وكان صبر الدين الثانى هذا هو أول سلطان يتولى حكم هذه السلطنة الجديدة، وذلك فى الفترة من (817 - 825 هـ = 1414 - 1422 م). وكان صبر الدين قد فرَّ هو وإخوته التسعة إلى اليمن عقب استشهاد والدهم سعد الدين آخر سلاطين أوفات فى عام (805هـ =1402م)، فساعدهم ملك اليمن وعادوا إلى إقليم عدل، وأقاموا هذه السلطنة بعد أن انضم إليهم جنود أبيهم وأولياء دولتهم السابقة. واتخذ صبر الدين الثانى مدينة دكَّر عاصمة له، وجمع شمل المسلمين حوله واستأنف الجهاد ضد الأحباش انتقامًا لمقتل أبيه سعد الدين، واسترجاعًا لنفوذ أسرته ، وإنقاذًا للإسلام من الضياع، وهاجم الأحباش فى عدة مواقع انتصر فيها، ثم هزمه إسحاق ملك االحبشة الذى كان قد كوَّن دولة منظمة وجيشًا مدربًا أحسن تدريب بمساعدة بعض قبط مصر وبعض فرسان المماليك الفارين من مصر إلى الحبشة خوفًا من خصومهم فى مصر. ومن ثم اضطر صبر الدين الثانى إلى اتباع أسلوب حرب العصابات نظرًا لكثرة جند الأحباش وقلة جنده، وتمكن أخوه محمد وقائده حرب جوش - الحبشى الأصل والذى كان قد أسلم وانضم إلى صبر الدين الثانى - أن يهزم جيشًا حبشيًّا فى موقعة يُقال لها رطوى؛ مما شجع صبر الدين على القتال بنفسه، فهاجم أحد قصور ملك الحبشة وأحرقه وهزم جنده، وأرسل عددًا من قواده فتوغلوا فى بلاد أمهرة، أى فى قلب هضبة الحبشة، وكان هذا خطأ من الناحية العسكرية؛ ذلك أن الأحباش أحاطوا بجيش صبر الدين الثانى وقتلوا جميع الجند ومثلوا بجثثهم، فلم يطقْ صبر الدين الثانى صبرًا على هذه

الهزيمة القاسية فاندفع يقاتل الأحباش فى تهور، وتوغل فى إحدى معاركه بين صفوفهم فكادوا يأسرونه، ولكنه أسرع بالفرار ونجا من الأسر، واستمر يقاوم هيمنة الأحباش وسيطرتهم على ما استعمروه من بلاد الزيلع حتى مات حتف أنفه فى عام (825 هـ = 1422 م).

*عبد الله الزيلعى

*عبد الله الزيلعى هو أحد فقهاء بلاد الزيلع التى تُعرف اليوم باسم إريتريا وجيبوتى والصومال (الشمال)، وهرر وجزء كبير من إثيوبيا ضُم إليها قهرًا قرب نهاية القرن الماضى بمساعدة الدول الأوربية. ويُعتبر هذا الفقيه من المصادر الرئيسية التى اعتمد عليها ابن فضل الله العمرى فى كتابه تاريخ بلاد الزيلع، وعنه أخذ المقريزى والقلقشندى. وقد وصل عبد الله الزيلعى إلى مصر فى عام (737هـ =1337م) ربما لتلقى العلم فى الجامع الأزهر، أو لتقديم شكواه إلى سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون ليتوسط هذا السلطان عند ملك الحبشة (إثيوبيا) حتى يمتنع هذا الملك عن اضطهاده وحروبه لبلاد المسلمين الزيالعة المجاورين له، وربما كان مجىء هذا الفقيه لتحقيق الهدفين معًا. المهم أن هذا الشيخ الزيلعى انتهز فرصة وصول رسول ملك الحبشة لطلب المطران القبطى - الذى كان يُرسل من مصر ليرأس كنيسة الحبشة حسب التقليد المتبع فى ذلك منذ ما قبل الإسلام - وسعى لدى سلطان مصر كى يعمل ما فى وسعه وينتهز هذه الفرصة ويكتب إلى ملك الحبشة حتى يكفَّ أذاه عمَّن فى بلاده من المسلمين وعن أخذ حريمهم. وكانت مصر تضغط بهذه الورقة - وهى إرسال أو عدم إرسال المطران االقبطى للحبشة - حتى يمتنع ملوكها عن اضطهادهم للمسلمين الزيالعة الذين يقعون تحت سلطانهم أو المسلمين فى بلاد الحبشة ذاتها، ذلك أن منع إرسال هذا المطران كان يصيب الحياة السياسية والاجتماعية والدينية فى الحبشة بأضرار بالغة. وكان الزيالعة فى ذلك الحين قد أصيبوا بضربة شديدة عندما قام ملك الحبشة عمدا صيون بغزو بلادهم وخاصة سلطنة أوفات الإسلامية التى كانت سلاطينها يتزعمون حركة الجهاد ضد الأحباش فى ذلك الحين، فدمر عمدا صيون وخرَّب الكثير من هذه البلاد فى عام (728هـ = 1328 م)، وأخضع سلطنة أوفات وما جاورها لحكمه، وعزل سلطانها صبر الدين وعين أخاه جلال الدين الذى رضى بأن يدفع

له الجزية وأن يكون تابعًا له. ومن ثم سعى الشيخ عبد الله الزيلعى إلى مقابلة سلطان مصر لدفع هذا الضر عن قومه وبلاده، فاستجاب له الناصر محمد بن قلاوون وأمر بطريرك مصر بكتابة رسالة لملك الحبشة فى هذا المعنى، فكتب البطريرك كتابًا بليغًا شافيًا فيه معنى الإنكار لهذه الأفعال، وأنه جرَّم هذا على من يفعله بعبارات أجاد فيها على حد تعبير ابن فضل الله العمرى، وذلك نتيجة لمسعى الشيخ عبد الله الزيلعى الذى يمكن أن يُعتبر رسولاً من ملوك الزيلع إلى سلطان مصر لتحقيق هذا الغرض.

*عبد الله بن كادى

*عبد الله بن كادى هو الماى الواحد والعشرون فى سلسلة المايات (السلاطين) الذين حكموا سلطنة الكانم الإسلامية التى تقع شمال شرقى بحيرة تشاد، فقد حكم هذا الماى (21) عامًا فى الفترة من (1321 - 1342م). وكانت البلاد تعيش منذ بداية القرن (14م) عصر تدهور وضعف؛ نتيجة للصراع الداخلى الذى شبَّ بين أبناء البيت الحاكم على كرسى العرش، ونتيجة للمنافسات الدموية التى اشتدت بين السادة الإقطاعيين من أمراء البيت الحاكم ومن يلوذ بهم، ونتيجة لاشتداد خطر قبائل البلالة وقبائل الصو؛ وترتب على ذلك أن ضعفت البلاد واشتدت الفتن حتى قام أحد المايات وهو الماى إبراهيم بن بيرى (1300 - 1321م) بقتل ابنه، وتعرض هذا الماى نفسه للقتل على أيدى اليريمة -أى حاكم الشمال - وهو أحد أعضاء مجلس الأكابر الأعلام المكون من (12) عضوًا كانوا يساعدون الماى فى حكم البلاد - وقد خلفه فى الحكم الماى عبد الله بن كادى ولم يؤثر عنه إلا أنه كافأ الأشخاص الذين انتشلوا جثة السلطان القتيل عند مدينة دسكام بالقتل لأنهم رأوا عورة السلطان القتيل. كما حدث فى عهده حرب أهلية بين البفاريمة - أحد أعضاء المجلس المشار إليه - وجايو ابن حاكم مدينة سينا التى تقع فى الجنوب من العاصمة نجيمى، ربما بسبب محاولة الأخير الانفصال عن الدولة. ويقال: إن الماى عبد الله بن كادى كان قد تلقى أخبارًا عن أربعةً لصوص كانوا أبناء أمٍّ واحدة، فأرسل فى استدعائهم وعندما حضروا بين يديه أمر بقتلهم فقتلوا، فابتهلت أمهم إلى الله سبحانه وتعالى أن ينتقم من هذا الماى وأن يقطع دابره، فاستجاب الله لدعائها، فمات الماى توًّا فى أحد الحروب التى اشتعلت ضده فى بعض أقاليم الدولة التى كانت تحاول الانفصال والتمرد على حكم الأسرة الحاكمة فى نجيمى.

*عبد الجليل بن سيكوما (سلطان البلالة)

*عبد الجليل بن سيكوما (سلطان البلالة) هو أول زعيم بارز من زعماء قبائل البلالة التى كانت تعيش شرق بلاد كانم وشمال بحيرة فترى. وكان هؤلاء الزعماء يخضعون لبنى عمومتهم من مايات (ملوك) الأسرة السيفية الماغومية التى كانت تحكم بلاد كانم التى تقع شمال شرق بحيرة تشاد منذ ما قبل القرن (9 م). ويعود الفضل إلى هذا الزعيم فى تخليص البلالة من هذه التبعية منتهزًا فرصة ضعف كانم، فقد أقام دولة كانت عاصمتها مدينة ماسيو التى تقع شمال بحيرة فترى منذ عام (767هـ=1365م)، ثم تحالف مع قبائل النجيزام وغيرها من قبائل مملكة كوكا (جاوجا) التى كانت عاصمتها جاو والتى كانت تقع فى حوض بحيرة فترى، نظرًا لكراهية هذه القبائل لحاكمهم على زينا بسبب قسوته عليهم وظلمه لهم، فحاربه عبد الجليل وضم بلاده إليه واتخذ من مدينة جاو عاصمة له، ثم بدأ يتوسع فى البلاد المحيطة به حتى امتدَّ نفوذه ليشمل المنطقة الممتدة من بورقو إلى مويو وأهير. ثم اتجهت جهود هذا الزعيم إلى القضاء على حكم الأسرة الماغومية فى كانم، وضم هذه البلاد الواسعة إلى دولته، وخاض فى سبيل ذلك صراعًا مريرًا ضد سلاطينها وتمكن بمساعدة العرب له من قتل أربعة منهم؛ مما أجبر هذه الأسرة الحاكمة فى كانم إلى الهرب إلى إقليم برنو الذى يقع شمال وغرب بحيرة تشاد، وذلك فى غهد الماى عمر بن إدريس (788 - 793 هـ = 1386 - 1391 م)، وبدأ حكم البلالة لكانم منذ ذلك الحين. وهكذا يعود الفضل فى اتساع سلطنة البلالة على هذا النحو إلى زعيمها عبد الجليل بن سيكوما، وما كان يتمتع به من صفات الزعامة والقوة، حيث كان مشهورًا بالفروسية والقوة والشجاعة فضلاً عن المغامرة، إذ لم يكتفِ باتساع دولته على هذا النحو، بل طارد الماغوميين فى برنو وقتل بعض سلاطينهم، ثم هدأت الأمور بينه وبينهم حتى مات فى عام (814هـ= 1411م)، بعد أن حكم سلطنة البلالة الواسعة (46) سنة.

*عثمان بن فودى

*عثمان بن فودى وُلد الشيخ عثمان بن فودى فى عام (1168هـ= 1754م) فى مملكة غوبير - وهى إحدى ممالك الهوسا فى شمالى نيجيريا - لأبوين صالحين ينتميان إلى إحدى قبائل شعب الفولانى الذى كان يسكن وقتذاك هذه البلاد. وقد نشأ الشيخ عثمان نشأة دينية إسلامية، وأولع منذ صغره بالعبادة والعلم، وارتحل فى طلب العلم حتى شهد بفضله وعلمه علماء زمانه، وارتحل إليه الطلاب للاستفادة من علمه الغزير، وكان الشيخ عثمان يتعهدهم لا بتحصيل العلم وحده ولكن بتنشئتهم على منهج الإسلام فى سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم؛ فأوجد جيلاً من الطلاب والعلماء يدينون له بالطاعة والولاء، وبفضلهم اتسعت دعوته التى كانت موجهة للمسلمين بهدف تصحيح إسلامهم، وإلى غير المسلمين بهدف إدخالهم فى الإسلام، وإلى المجتمع بهدف إقامة شريعة الإسلام. ثم انتقل الشيخ عثمان بعد ذلك إلى مرحلة تالية، وهى الهجرة إلى واحة تقع على حافة الصحراء فى شمال غوبير بهدف إقامة رباط يتجمع فيه أتباعه والمخلصون لدعوته بعد أن اضطهده ملك جوبير؛ فهاجر إليه ما يربو على (5000) حيث بايعوه فى عام (1804م) بالإمارة، وعلى اتباع الكتاب والسنة، وعلى نصرة دين الله تعالى. ولم يلبثْ عثمان أن اختار وزراءه، وعين قائدًا لجيشه، وإمامًا لصلاته. ولما علم بذلك ملوك بلاد الهوسا تضافروا جميعًا وعلى رأسهم ملك جوبير على القضاء على الشيخ عثمان ودعوته، وجردوا عليه عدة حملات عسكرية؛ فأعلن الشيخ الجهاد ضدهم، وظل يجاهدهم حتى قضى على حكمهم الذى كان يخالف الإسلام فى كثير من مظاهره، وقامت على يديه دولة إسلامية كبرى هى دولة الفولانيين، اتخذت من مدينة سوكوتو عاصمة لها، واستطاعت أن تصبغ السودان الأوسط الذى يمتد من نهر النيجر إلى بحيرة تشاد بصبغة الإسلام التى لازال يتميز بها حتى الآن. كما زحفت قواته شرقًا إلى دولة البرنو الإسلامية التى كان قد أصابها الضعف والانحلال منذ

قرون، وهزمت قوات هذه الدولة واستولت على مدينة بيرنى عاصمة البرنو وهرب سلطانها فى عام (1811م)، ولم تعدْ هذه العاصمة للبرنويين بعد ذلك، وصارت معظم نواحى إقليم برنو جزءًا من دولة الشيخ عثمان وأبنائه من بعده، ولم يلبث أن تُوفِّى الشيخ عثمان فى عام (1817م) بعد أن كوَّن هذه الإمبراطورية الواسعة، وترك القيام بأمر الدعوة والدولة لأخيه عبد الله وابنه محمد بلو.

*على بن دالاتو

*على بن دالاتو هو الماى الثامن والستون فى سلسلة المايات أو السلاطين الذين حكموا سلطنة البرنو الإسلامية التى تقع أساسًا غربى بحيرة تشاد، وامتد نفوذها لتضمَّ بلاد كانم بعد أن كانت الأسرة الحاكمة فى كانم قد انتقلت إلى إقليم برنو قرب نهاية القرن (14م) فرارًا من بطش البلالة بهم، واستقرت الأسرة الحاكمة فى برنو واستردت نفوذها فى كثير من أنحاء كانم فى عهد الماى إدريس ألوما قرب نهاية القرن (16م). وتطورت الأمور بهذه السلطنة البرنوية حتى تعرضت فى بداية القرن (19م) إلى خطر جديد هو خطر الفولانيين الزاحف عليها من حوض نهر النيجر، فقد زحف الفولانيون واستولوا على عاصمة برنو فى (مارس سنة 1808م)، وهربت الأسرة الماغومية الحاكمة وعلى رأسها الماى دونمة بن الماى أحمد بن على نحو الشمال، حيث التقى هناك بأمير من أمراء الشمال هو الشيخ محمد الأمين الكانمى، الذى قدم المساعدة لهذا الماى الهارب، فاستعاد العاصمة فى عام (1811 م)، ولكن الفولانيين استولوا عليها مرة أخرى، فلجأ الماى دونمة إلى الشيخ محمد الأمين الكاغى، الذى اشتد نفوذه وأصبح هو الحاكم الفعلى للبلاد. ولما اشتدت وطأته على هذا الماى تآمر الأخير عليه مستعينًا بسلطان سلطنة باجرمى التى تقع جنوب بلاد كانم. وحدث أن قُتل الماى دونمة خطأ على يد جيش باجرمى، فتقدم أخوه إبراهيم وعينه الشيخ محمد الأمين الكانمى مايًا بشروط معينة، ولكن الماى إبراهيم كرر خطأ أخيه فتآمر مع سلطان واداى - التى تقع شرق بلاد كانم - كى ينقذ برنو من تحكم أسرة الشيخ محمد الأمين الكانمى، وتقدم سلطان واداى وأباد جيش برنو فى عام (1846م)، واشترط على الشيخ عمر بن الشيخ محمد الأمين الكانمى الذى كان هو الحاكم الفعلى بعد موت أبيه أن يُعيِّن على بن دالاتو - وهو أحد أمراء الأسرة الماغومية الشرعية - فى منصب الماى، فقبل عمر بهذا الشرط. ولما رحل جيش واداى وزال الخطر، قام الشيخ عمر بمحاربة

الماى على بن دالاتو وقتله فى عام (1846م) بعد أن حكم أربعين يومًا فقط، وبمقتل على بن دالاتو فى ذلك العام انتهى عهد الأسرة الماغومية السيفية التى حكمت بلاد الكانم والبرنو حوالى ألف عام، وكان على بن دالاتو هو أخر سلاطين هذه الأسرة.

*فضيل بن سليمان (سلطان كلوة)

*فضيل بن سليمان (سلطان كلوة) هو السلطان فضيل بن سليمان أحد سلاطين سلطنة كلوة الإسلامية، التى نشأت أولاً فى جزيرة كلوة التى تقع أمام ساحل ما يُعرف الآن بتنزانيا فى عام (365هـ =975م)، وامتد نفوذها إلى هذا الساحل وإلى المناطق التى تحيط به والتى تمتد من ممبسة فى الشمال إلى ميناء سوفالة جنوب نهر الزمبيزى، فيما يُعرف الآن بموزمبيق من ناحية الجنوب. وقد استمرت هذه السلطنة الإسلامية فى الوجود وتمتعت بالازدهار الحضارى والتجارى والعمرانى، حتى هاجمها البرتغاليون قرب نهاية القرن (15م)؛ مما هيأ الفرصة للقضاء عليها، خاصة وأن الأمراء كانوا يتصارعون فيما بينهم على السلطة، وكانوا يُولون من شاءوا من السلاطين ويعزلونهم. وكان آخر هؤلاء السلاطين فضيل بن سليمان الذى حكم هذه السلطنة فى الفترة من (901 - 905هـ=1495 - 1500م)، وكان الحاكم الفعلى هو الأمير محمد كواب الذى عين هذا السلطان بعد أن عزل السلطان السابق وهو السلطان حسن الذى فرَّ شمالاً، ولم يلبث أن كون جيشًّا وحاول استعادة نفوذه فى كلوة مستعينًا فى ذلك بسلطان زنجبار، وحدثت حرب أهلية بين الفريقين انهزم فيها حسن وعاد من حيث جاء. ولم يلبث أن مات الأمير محمد كواب القابض الفعلى على السلطة فى كلوة وخلفه فى منصب الإمارة الأمير إبراهيم بن سليمان الدموى، وفى عهد هذا الأمير وفى عهد السلطان فضيل بن سليمان جاءت الأنباء بوصول سفن برتغالية وأنهم مروا بكلوة إلى ممبسة فى عام (1498م)، ثم منها إلى بلاد الهند بقيادة فاسكوداجاما، ثم عادت إلى البرتغال التى أرسلت حملة آخرى بقيادة بدرو ألفاريز كابرال عبرت رأس الرجاء الصالح ووصلت إلى كلوة فى (يونيه 1500 م). ولم يلبث الأمير إبراهيم أن انقضَّ على السلطان فضيل وعزله وتولى العرش وقتله، وفى عهده أتى البرتغاليون للمرة الثانية إلى كلوة بقيادة فاسكوداجاما واحتلوا المدينة فى (يوليه 1502م) وأرغموا الأمير

إبراهيم على الاعتراف بتبعيته لملك البرتغال. ولم يفعل ذلك السلطان فضيل عندما كان فى الحكم رغم أنه لم يكن له من الأمر شىء. وهذا السلطان هو أخر سلاطين أسرة المهدلى العربية التى حكمت سلطنة كلوة الإسلامية فى أواخر العصور الوسطى.

*قيلى أبو جريدة (سلطان تقلى السودانية)

*قيلى أبو جريدة (سلطان تقلى السودانية) هو ابن فقيه من أصل عربى يُدعى محمد الجعلى. وكان هذا الفقيه يقيم قرب مصب نهر عطبرة فى نهر النيل بالسودان، ثم هاجر هذا الفقيه الذى كان أحد مشايخ الطرق الصوفية إلى جبال النوبا حوالى عام (1530م) مع مجموعة من العلماء والفقهاء لنشر الإسلام فى هذه الجبال التى تقع جنوب كردفان وغرب النيل الأبيض وشمال بحر العرب، وهى غير بلاد النوبة التى تقع جنوبى مصر وشمالى السودان. وقد قاده السكان عند وصوله إلى هذه الجبال إلى زعيمهم المسمى كبر كبر، فأكرم وفادته، وبدأ محمد الجعلى عمله فى نشر الإسلام واجتذب قلوب الناس بورعه وطيب أخلاقه وحميد صفاته، ولما آنس منه كبر كبر ذلك زوَّجه ابنته، فولدت له ولدًا سماه قيلى أبوجريدة، وقيلى لفظ نوبى يعنى: الأحمر، فيكون اسمه: الأحمرصاحب الجريدة، والأحمر هنا تعنى أنه من غير السود، لأنه من أصل عربى، وبعد وقت قليل مات الزعيم كبر كبر فانتقل الحكم تلقائيًّا إلى حفيده قيلى أبو جريدة حسب التقاليد المرعية هناك والتى تجعل الحكم ينتقل إلى ابن البنت أو ابن الأخت. وبذلك أصبح قيلى أبوجريدة سلطانًا على سلطنة حملت اسم سلطنة تقلى الإسلامية، ويعتبر هو المؤسس لهذه السلطنة، التى ظل سلاطينها من ذريته يتعاقبون على حكمها حتى بداية القرن (20 م). حكم السلطان قيلى أبو جريدة هذه السلطنة فى الفترة من (1560 - 1585م)، وبنى مسجدًا وعمل على نشر الإسلام بين شعبه، وشجع المسلمين من مختلف البلاد على الهجرة إلى بلاده والاستقرار فيها، كما شجع التجارة بين بلاده ومختلف البلاد الإسلامية، وبدأ التزاوج بين القبائل النوباوية وبين القبائل العربية والتجار العرب المهاجرين إلى تقلى يُؤتى ثماره، فازداد انتشار الإسلام وانتشرت العروبة فى جبال النوبا، وكان فى كل قرية زاوية تجمع بين المدرسة والمسجد، وظلت هذه الزوايا تتمتع بشهرة

كبيرة، وكان لها أثرها الكبير فى نشر الثقافة العربية الإسلامية فى هذه السلطنة السودانية النائية. كل ذلك بفضل مؤسس هذه السلطنة الإسلامية قيلى أبوجريدة بن محمد الجعلى، العربى الأصل الذى مات وخلفه فى حكمها (29) من أبنائه وأحفاده، حتى جاء الحكم المصرى فى عهد محمد على باشا.

*أسكيا محمد الأول

*أسكيا محمد الأول كان أسكيا محمد الأول فى الأصل قائدًا من قواد سُنِّى على ملك دولة صنغى الإسلامية التى كانت تقع فى غرب إفريقيا، وكان أسكيا محمد من قبائل السوننك المشهورة بنشر الإسلام فى هذه المنطقة من القارة منذ القرن (11م)، بينما كان سُنِّى على مشغولاً بمشروعاته السياسية وتوسعاته فى المناطق المحيطة بدولته؛ مما صرفه عن الاهتمام بالأمور الدينية، مما مهد السبيل أمام أحد قواده وهو محمد بن أبى بكر التورى، إذ أعلن هذا القائد الثورة ضد ابن سنى على الذى كان قد تولى العرش بعد وفاة والده، واستطاع هذا القائد الاستيلاء على السلطة، وأطلق على نفسه لقب أسكيا ومعناه: القاهر، وأصبح يُعرف باسم أسكيا محمد الأول، أو أسكيا الحاج محمد، أو أسكيا محمد الكبير. وحكم أسكيا محمد البلاد فى الفترة من (1493 - 1529م)، وقام بتنظيمها من الناحية الإدارية ونظم الجيش، واتخذت حركته مظهرًا إسلاميًّا واضحًا، إذ اعتنى بتطبيق الشريعة الإسلامية وقضى على مظاهر الفساد، وأنشأ المساجد، وأدى فريضة الحج فى عام (1496م) فى موكب اتصف بالعظمة والأبهة والفخامة، وأنفق مئات الألوف من الذهب على فقراء الحرمين الشريفين، واهتم بحركة الجهاد لنشر الإسلام بين الوثنيين المحيطين بدولته، وأرسل علماء من تمبكت لتحقيق هذا الغرض، وبلغت إمبراطورية صنغى فى عهده أقصى اتساع لها، حتى صارت أضخم من إمبراطورية مالى الإسلامية التى كان ملوك صنغى الأوائل قد ضموا معظم أراضيها إلى بلادهم وأكمل أسكيا محمد الأول مافعلوه، ولكن حكمه آذن بالزوال حينما أصيب بالعمى وانتابه المرض وتآمر عليه أولاده، وعزله أحدهم وتولى الحكم فى (1529م). واستمر أسكيا محمد الأول سجين داره وبصره حتى تُوفِّى بعد ذلك ببضعة أعوام، بعد أن أسس لأولاده وأحفاده من بعده إمبراطورية واسعة الأرجاء، ونشر الإسلام فى كثير من البلدان المحيطة به، وطبَّق الشريعة

الإسلامية فى بلاده؛ ولذلك استحق أن ينسج المؤرخون حوله كثيرًا من الكرامات والخوارق حتى وصلوا به إلى مرتبة الخلفاء الراشدين نظرًا لاهتمامه بأمر العلم والدين.

*محمد بن مانى

*محمد بن مانى يُعتبر محمد بن مانى من أعظم الدعاة إلى الإسلام فى بلاد الكانم والبرنو التى تقع فى حوض بحيرة تشاد وما يحيط بها من بلدان. عاش فى القرن (15م) وعُمِّر (120) سنة، وعاصر (5) من مايات (سلاطين) كانم، أولهم الماى بولو الذى بدأ حكمه لهذه البلاد حوالى عام (1020م)، وآخرهم الماى أوم بن عبد الجليل الذى بدأ حكمه عام (1085م). وقد اجتهد هذا الداعية العظيم فى تحويل هؤلاء السلاطين إلى الإسلام وتثقيفهم فى الدين، ونجح فى ذلك النجاح كله فأسلموا وأقرأهم القرآن، فقرأ مع الماى بولو الجزئين الأخيرين من القرآن الكريم من أول سورة الملك إلى نهاية سورة الناس، وكافأه هذا الماى على ذلك بمنحه (50) جملاً، كما قرأ الماى مع الماى أركى - الذى بدأ حكمه حوالى عام (1035م) - من أول سورة يس إلى نهاية سورة الناس فكافأه بمنحه (60) جملاً، وقرأ مع الذى خلفه وهو كادى - الذى بدأ حكمه حوالى عام (1075م) - من سورة مريم إلى سورة الناس فكافأه بأن منحه (70) جملاً، كما كافأه الماى عبد الجليل -الذى بدأ حكمه حوالى عام (1080م) - بأن أعطاه (80) جملاً، بعد أن أقرأه من سورة الأعراف إلى ما بعدها. أما الماى أوم بن عبد الجليل - الذى بدأ حكمه لبلاد كانم عام (1085م)، فقد قرأ مع هذا الداعية العظيم القرآن الكريم كله، وقرأ معه أيضًا سيرة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأمر هذا الماى بمنحه مكافأة سخية عبارة عن: (100) بعير، و (100) قطعة من الذهب ومثلها من الفضة، و (100) من الرقيق، كما أصدر هذا الماى لهذا الداعية (مَحْرمًا) أى صكًّا أوصى فيه بهذا الداعية، وأمر بحرمة أمواله ودمه هو وأسرته وذريته من بعده، ودعا على من يعتدى عليه وعليهم بالحرق فى نار جهنم. ومعنى ذلك أنه أعطاه الحصانة بمفهومنا المعاصر، فلا يستطيع أحدًا مهما كان - حتى لو كان من أسرة الماى نفسه - أن يمسه هو أو ذريته أو أمواله أو

امتيازاته بسوء. وقد أشار هذا المحرم أيضًا إلى أن الإسلام دخل هذه البلاد على يد هذا الداعية العظيم، وأصبح شائعًا بين الناس بفضل محمد بن مانى والماى أوم بن عبد الجليل اللذيْن يعتبران المؤسسان الحقيقيان لسلطنة كانم الإسلامية.

*محمد أبو اللكيلك

*محمد أبو اللكيلك كان محمد أبو اللكيلك قائد الفرسان فى جيش بادى الرابع أبو شلوخ سلطان الفونج فى سلطنة سنار بالسودان، كما كان هذا القائد زعيم جماعة سودانية تُعرف باسم الهمق (الهمج)، كانت السلطنة تستعين بها فى حروبها، وأصبح لها نفوذ كبير فى هذه السلطنة السودانية الإسلامية بعد عزل السلطان بادى الرابع فى عام (1762م). وكان هذا العزل على يد هذا القائد الذى زاد نفوذه واشتد سلطانه منذ أن حققت السلطنة نصرًا مؤزرًا على ملك الحبشة فى (أبريل سنة 1744م). وكان هذا الملك قد هاجم السلطنة وقام جيشها بمدافعته والانتصار عليه، واشترك فى هذه المدافعة وساهم فى هذا النصر الشيخ محمد أبو اللكيلك الذى علا نجمه منذ ذلك الحين، وقد توطد نفوذه بعد اشتراكه فى جيش سنار الذى هاجم سلطنة كردفان فى عام (1747م)، وأنقذ هذا الجيش من هزيمة منكرة وأحرز نصرًا مؤزرًا على سلطان كردفان؛ فعهد إليه بادى الرابع سلطان الفونج فى سنار بحكم هذه السلطنة بعد طرد الأسرة الحاكمة منها. وكان الجند يحبونه لعزمه وقيادته الرشيدة، فألفته النفوس، وانقادت إليه القلوب، فى الوقت الذى سار السلطان بادى الرابع على سياسة الظلم وقهر الرعية والتعسف فى جباية الضرائب؛ مما جعل زعماء سنار بل وبعض أبناء الأسرة الحاكمة فيها يطلبون من محمد أبو اللكيلك سرعة التدخل والزحف على سنار وعزل هذا السلطان الظالم. فسار محمد بالجيش من كردفان إلى سنار، حيث قابله ناصر ابن السلطان نفسه وانضمَّ إلى جيش محمد، وحاصر هذا الجيش سنار فاستسلم السلطان وخلعه محمد أبو اللكيلك وولى ابنه ناصرًا مكانه فى عام (1762م). وبذلك انتقلت السلطة الفعلية من الأسرة الفونجية الحاكمة إلى الشيخ محمد أبو اللكيلك الذى تولى الوزارة وصار هو الذى يُعين ويعزل السلاطين، وأخذ يطارد منافسيه ويتخلص منهم، فكان أن قتل كبار أمراء الأسرة الحاكمة الشرعية، وامتدت يده إلى السلطان

ناصر نفسه، فعزله وحدد إقامته ثم قتله، وعين بدلاً منه أخاه إسماعيل بن السلطان بادى الرابع ملكًا على سنار. واستمر الأمر على هذا النحو حتى تُوفِّى محمد أبو اللكيلك. وبعد وفاته دار صراع على السلطة اشترك فيه الطامعون من الهمق والطامعون من بقايا الفونج، وآذن ذلك بانهيار الدولة ومهَّد الطريق لتدخل مصر بجيشها الذى اجتاح البلاد فى عهد محمد على باشا فى عام (1820م).

*محمود كعت التمبكتى

*محمود كعت التمبكتى هو أحد العلماء البارزين فى سلطنة صنغى الإسلامية التى قامت فى غربى إفريقيا فى النصف الثانى من القرن (14 م)، وأصبحت إمبراطورية كبرى على عهد سلطانها أسكيا محمد الأول (899 - 935 هـ = 1493 - 1529 م). وكان محمود كعت يعيش فى عصر هذا السلطان العظيم الذى اهتم بالعلم والعلماء، وكان محمود كعت مؤرخ دولته وقاضيه، ولذلك كان فى معيته عندما أزمع هذا السلطان الرحيل إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج فى عام (902 هـ = 1496 م)، تلك الرحلة التى وصفها محمود كعت فى كتابه الذى ألفه فى تاريخ هذه السلطنة الإسلامية وسمَّاه: تاريخ الفتاش فى أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس، وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور وتفريق أنساب العبيد من الأحرار، وهو من أهم الكتب التى رصدت تاريخ هذه الدولة بدءًا من عصر أسكيا محمد الأول، وذيل عليه حفدته. وقد امتد العمر بالشيخ محمود كمت حتى عاصر عددًا من أولاد أسكيا محمد الأول الذين حكموا بعد والدهم، إذ يذكر فى كتابه بعض الأحداث التى حدثت فى عصر أسكيا داود بن أسكيا محمد الأول الذى حكم سلطنة صنغى فى الفترة من (956 - 990هـ = 1549 - 1582 م) وكان شاهدًا عليها، ومن ذلك قصة تدل على ما كان يتمتع به هذا الفقيه القاضى وغيره من علماء عصره فى هذه السلطنة، وموجز هذه القصة أن أحد الحجاج صافح أسكيا داود على عادتهم فى ذلك، إذ كان السلطان يستقبل الحجاج ويصافحهم عند عودتهم تبركًا بهم، ولما حدث أن صافحه رجل من الرقيق ولاحظ ذلك رئيس الحرس - الذى كان يعرف أصل هذا الرجل - قام ونزع يد الرجل من يد السلطان وأقسم أن يقطعها، وكان محمود كعت جالسًا بجوار أسكيا داود فسأله الرأى، فأخذ محمود كعت يستنكر قطع يد الرجل بأسلوب فيه توبيخ شديد لرئيس الحرس، عندئذٍ قام أسكيا داواد وسالت دموعه وقبَّل الرجل ومنحه عطاءً جزيلأً، وأمر بعقاب رئيس الحرس، وأهدى القاضى محمود كعت

عشرة أثواب وخمسة عبيد جزاء نصيحته الخالصة لوجه الله تعالى، والتى منعت السلطان أن يقع فى الإثم ومعصية الله؛ مما يدل على أن محمود كعت كان فقيهًا لايخشى فى الله لومة لائم، كما كان محمود كعت مؤرخًا؛ إذ حفظ لنا بكتابه - الذى أشرنا إليه - تاريخ فترة مهمة لدولة إسلامية كبرى قامت فى هذا الجزء الغربى من القارة فى أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث.

*منليك الثانى ملك الحبشة (إثيوبيا)

*منليك الثانى ملك الحبشة (إثيوبيا) وُلد منليك الثانى فى عام (1844م) وكان والده ملكًا على إقليم شوا فى الجزء الشرقى من هضبة الحبشة، وعندما ظهر تيودور وأصبح ملكًا على الحبشة أخذ فى القضاء على منافسيه ومنهم والد منليك الذى مات فى معركة معه فى عام (1855م)، وقبض تيودور على منليك وأخذه رهينة وسجنه، لكنه فر من سجنه وعاد إلى إقليم شوا وأعلن نفسه ملكًا على هذا الإقليم فى عام (1865م)، وظل ينافس الملك يوحنا بن تيودور، فتحالف معه الأخير وصاهره، فتفرغ منليك للقضاء على السلطنات والإمارات الإسلامية التى تقع فى بلاد الحبشة وفى بلاد الزيلع المجاورة لها. وواتته الفرصة بموت الملك يوحنا فتولى منليك عرش الحبشة كلها وورث جيش سلفه والكميات الضخمة من العتاد والأسلحة الحديثة التى أهدتها له بريطانيا، وتلك التى كان يوحنا قد حصل عليها من روسيا وإيطاليا. وبهذه الأسلحة وبمساعدة الإرساليات التنصيرية الأوربية وبدعم من الدول الأوربية استطاع منليك أن يُنفذ سياسته فى القضاء على السلطنات الإسلامية، مثل: سلطنة هرر، وسيداما، وجيما وغيرها، واستولى عليها فى عام (1887م) بعد أن انسحب منها الجيش المصرى بضغط من الدول الأوربية، وكانت مصر قد بسطت حكمها على تلك المناطق وحتى بلاد الصومال منذ عهد الخديو إسماعيل. كما كان من أهداف منليك القضاء على قبائل الجالا (الاَوروموالآن)، التى ازداد خطرها وكثر عددها حتى أصبحت تمثل نصف سكان الحبشة، بخلاف أنها اعتنقت الإسلام؛ ولذلك أصبح معظم سكان الحبشة من المسلمين، مما مثَّل خطرًا كبيرًا على منليك وعلى المسيحية، وكان من أهم هذه القبائل قبائل الوللوجالا التى كانت تقيم فى قلب هضبة الحبشة وسط الممالك المسيحية، فحاربها منليك وانتصر على ملكها السلطان محمد على وخيَّره بين القتل أو اعتناق المسيحية، فتنصَّر شكلاً وتسمَّى بالرأس ميخائيل وزوجه

منليك من ابنته أريجاش وأنجب منها ولدًا سمَّاه ليج ياسو أى: قلب يسوع. ولما لم يكن لمنليك أبناء ذكور فقد جعل حفيده هذا وليًّا للعهد. ولما مات منليك فى عام (1913م) أصبح ليج ياسو ملكًا على بلاد الحبشة (إثيوبيا الآن)، وفى التوِّ أعلن هذا الملك إسلامه وبدأ ينشر الإسلام ويبنى المساجد؛ فتآمرت عليه الدول الأوربية والكنيسة المصرية والإثيوبية وعزلته عن الحكم فى عام (1917م)، وخلفه الإمبراطور هيلاسلاسى أخر ملوك الحبشة من هذه الأسرة الحاكمة.

*نور بن مجاهد

*نور بن مجاهد هو الأمير نور بن الوزير مجاهد الذى كان أحد وزراء الإمام أحمد بن إبراهيم الغازى المعروف باسم أحمد جران أو أحمد العزين: أى الأشول، والذى غزا مملكة الحبشة وطارد ملكها لبنا دنجل حتى مات مغمومًا حزينًا، وخلفه ابنه كلاديوس الذى استعان بالبرتغاليين وتمكن من هزيمة الإمام أحمد وقتله فى بداية عام ( 1543م)، وبموته انهارت المقاومة الإسلامية التى تزعمها هذا الإمام، وبدأ الانهيار الفعلى لسلطنة عدل التى كانت تقود هذه المقاومة من مدينة هرر مركز الإمام، وحاولت أرملته وبعض وزرائه الانتقام من الأحباش واستعادة نفوذهم الذى ضاع فى ممالك دوارو وفطجار وبالى ولكنهم هزموا. ورغم ذلك لم يهدأ المسلمون والتفوا حول نور بن الوزير مجاهد ابن أخت الإمام أحمد وانتخبوه إمامًا لهم فى عام (1552م) وأسموه صاحب الفتح الثانى. فقد قام هذا القائد أو هذا الإمام الجديد. بتحصين مدينة هرر التى كانت منذ عهد الإمام أحمد مركزًا للمقاومة الإسلامية ضد الأحباش، وبنى سورها الذى لايزال يحيط بها إلى الآن، وكانت محاولاته فى غزواته الأولى غير موفقة، ولكن سرعان ما تغير الموقف عندما أصبحت مملكة الحبشة مهددة بزحف قبائل الجالا جنوبًا ومن الشمال بواسطة الأتراك العثمانيين. وكانت قبائل الجالا الوثنية قد انتهزت فرصة الفراغ السياسى الذى حدث فى المنطقة بعد مقتل الإمام أحمد وأغارت على دوارو وبالى فى عام (1547م)، وهاجمت جنوب الحبشة وتوغلت فيها، وفى الوقت نفسه تمكن العثمانيون على مصوع وحرقيقو وتوغلوا داخل أريتريا، بينما كان نور بن مجاهد يعزز قواته، اشتبك مع قوات ملك الحبشة جلاوديوس فى معركة انتصر فيها نور انتصارًا مبينًا؛ حيث هزم قوات هذا الملك الحبشى وقتله فى (مارس عام 1559م)، واسترد كثيرًا من الممالك الإسلامية التى كانت قد وقعت تحت نير الأحباش بعد مقتل الإمام أحمد جران؛ ولذلك سمَّاه المسلمون الزيالعة بصاحب الفتح الإسلامى. وظل

نور بن مجاهد يحكم هذه الممالك الإسلامية حتى تُوفِّى فى عام (1567م)، ودُفن فى هرر، ولايزال مسلموا الحبشة إثيوبيا يزورون قبره إلى اليوم.

*يجبياصيون (ملك الحبشة)

*يجبياصيون (ملك الحبشة) هو يجبياصيون بن يكونو أملاك، أحد ملوك الحبشة، خلف أباه على عرش هذه البلاد وحكمها فى الفترة من (1285 - 1294 م). وكان والده يكونو أملاك قد حارب سلطنة أوفات الإسلامية المجاورة للحبشة واعتدى على المسلمين فيها وفى ممالك الزيلع الإسلامية الأخرى، فانتهز المسلمون هناك فرصة عودة مبعوث يجبياصيون إلى بلاده عبر إقليم عدل - وهو أحد الأقاليم التابعة لسلطنة أوفات الإسلامية - وتعرضوا له ولم يقتلوه، ولكن يجبياصيون انتهز هذه الفرصة وقام بهجوم مفاجئ على عدل نهب فيه المدينة وخربها، بعد أن ساعدته إمارتان إسلاميتان كان قد أخضعهما بالقوة العسكرية من قبل فى هذا الهجوم الوحشى، وانتهى الأمر بقبوله عقد هدنة مع سلاطين المسلمين فى بلاد الزيلع المجاورة لبلاده. بعد ذلك أرسل إلى سلطان مصر المنصور قلاوون رسالة ذكر فيها أنه سيتخذ سياسة غير تلك التى سار عليها أبوه من قبل، وأنه ليس مثل والده، وأنه يحفظ المسلمين فى جميع مملكته، على اعتبار أن المسلمين وبلادهم التى خضعت له بالقوة العسكرية جزءً من مملكته حسبما يدَّعى الغزاة فى كل عصر، ويطلب فى رسالته أيضًا من سلطان مصر أن يرسل له مطرانًا مصريًّا، إذ أن المطران السورى - الذى كان أبوه يكونو أملاك قد أتى به لعدم إرسال مصر المطران المطلوب بسبب عدوانه على الزيالعة المسلمين - لم يستطع أن يقوم بأعباء الكنيسة الحبشية على الوجه المطلوب، وأن الأحباش نظروا إليه على أنه أجنبى عنهم وعن كنيستهم. وقد استجاب السلطان قلاوون لهذا الطلب وسمح بترسيم المطران القبطى وسفره إلى الحبشة. ومعنى ذلك أن يجيباصيون اتبع سياسة المهادنة ولم يتبع سياسة أبيه المطلقة فى العدوان المستمر على بلاد الزيلع الإسلامية، وإنما هاجمها مرة وتوقف حتى يرسل له سلطان مصر المطران المطلوب. والجدير بالذكر أن يجبياصيون ليس اسمًا وإنما هو عبارة معناها: (سيصير الله صهيون)، واسم

هذا الملك الحقيقى هو سولومون.

*الحسن بن المستنجد بالله

*الحسن بن المستنجد بالله هو الحسن بن يوسف بن محمد، أبو محمد، المستضىء بأمر الله، أحد الخلفاء العباسيين. وُلد فى (23 من شعبان سنة 536 هـ)، أبوه الخليفة العباسى المستنجد بالله، وأمُّه أمُّ ولد أرمينية. تولى الخلافة سنة (566 هـ) بعد وفاة والده، وكان مشهورًا بالعدل والإحسان والتواضع، وفى عهده انهارت الخلافة الفاطمية فى مصر، وخُطب له على منابرها وضُربت السَّكة باسمه. واستمرت خلافة الحسن بن المستنجد بالله (9) سنوات وسبعة أشهر، وتُوفِّى سنة (575 هـ)، وتولى بعده ابنه الناصر لدين الله.

*لويس التاسع

*لويس التاسع هو لويس التاسع بن لويس الثامن، أحد ملوك فرنسا فى القرن الثالث عشر الميلادى، المعروف بالقديس لويس، المولود سنة ( 1214 م). مات أبوه وعمره (12) سنة فتولت أمه الوصاية عليه. حاول الأمراء الإقطاعيون القضاء عليه لصغر سنه لكنهم لم ينجحوا فى ذلك. انتهت فترة الوصاية عليه سنة (1235م)، فتولى لويس الحكم بنفسه، ونجح فى المحافظة على قوة دولته والارتقاء بها حتى أصبحت فرنسا فى عهده أقوى دولة فى أوربا. عُرف لويس بتدينه الشديد وصلاحه، حتى لُقِّب بالقديس لويس. قام بعدة أعمال داخلية فى المجال الإدارى والقضائى والمالى، واهتم برعاية التجارة، ونشر الأمن والسلام بين الناس، واشتهر بعطفه على الفقراء والمحتاجين وحبه لهم، وتقدمت فى عهده الفنون والعلوم، وأقام عدة مدن فى جنوب فرنسا. أما فى مجال السياسة الخارجية لفرنسا فقد استهدف لويس المسالمة مع باقى دول أوربا؛ فعقد صلح باريس مع إنجلترا سنة (1259 م)، الذى أوقف الحروب المستمرة بين الدولتين. ونتيجة لما اشتهر به لويس من التدين، فقد حاول التقرب من البابوية أكثر؛ فأعد حملة صليبية لغزو مصر، ثم احتلال بيت المقدس، وهى الحملة التى أُطلق عليها الحملة الصليبية السابعة. ولكنها مُنيت بالفشل وأُسر لويس فى معركة المنصورة بمصر سنة (1249 م)، وسُجن بدار ابن لقمان، ثم افتدى نفسه، وأقام بالشام أربع سنوات ثم عاد إلى فرنسا. وفى أواخر حياته قام بحملة صليبية جديدة على تونس، ونزل بساحلها، لكنه تُوفِّى إثر نزوله على الساحل مباشرة، وكان ذلك سنة (1270 م).

*اللكنوى

*اللكنوى هو محمد عبد الحى بن محمد عبد الحليم الأنصارى اللكنوى، أبو الحسنات، عالم بالحديث والرجال والتراجم، ومن فقهاء الحنفية بالهند، وُلِد سنة (1264 هـ = 1848 م) لأسرة اشتهرت بالعلم. ألف العديد من الكتب، منها: الفوائد البهية فى تراجم الحنفية، والرفع والتكميل فى الجرح والتعديل، وظفر الأمانى فى مختصر الجرجانى، وإنباء الخلان بأنباء علماء هندستان.

*خباب بن الأرت

*خباب بن الأرت هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، ينتهى نسبه إلى بنى تميم، وقيل: ينتهى إلى خزاعة، وهو رأى ضعيف، وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، فكان سادس ستة فى الإسلام، هم: أبو بكر وصهيب وبلال وعمار وسمية (أم عمار) وخباب، رضى الله عنهم جميعًا، ولم يكن لخباب جاه أو قوم يمنعون عنه تعذيب قريش، فبلغ منه الجهد والتعذيب مبلغه، حتى ذهب لحم ظهره فصبر واحتسب ولم يعطِ الكفار ما سألوه إياه. وكان خباب، رضى الله عنه، حدادًا يصنع السيوف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يألفه ويأتيه، فلما علمت مولاته أم أنمار بذلك كانت تضع الحديدة المحماة على رأسه، فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم انصر خبابًا، فاشتكت أم أنمار رأسها فكانت تعوى مثل الكلاب، فقيل لها: اكتوى، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوى بها رأسها. وقد روى خباب الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهد معه بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها. ومرض خباب مرضًا شديدًا طويلاً، وكان يقول: لولا أن رسول الله نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. ونزل خباب الكوفة، ومات بها سنة (37 هـ)، وقيل: إنه شهد صفين مع على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وقيل: إن مرضه منعها من شهودها.

*أبو زيد الأنصارى

*أبو زيد الأنصارى هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصارى، جَدُّه ثابت الأنصارى، أحد الستة الذين جمعوا القرآن الكريم وممن شهدوا أحدًا. وُلد أبو زيد سنة (119 هـ = 737 م)، ويُعدُّ من أبرز اللغويين والرواة فى العصر العباسى الأول. أخذ أبو زيد اللغة عن أبى عمرو بن العلاء، وروى عنه كثيرون، وكان من أعلام الأدب، وغلبت عليه النوادر ورواية العربية، وقال عنه سفيان الثورى: إنه أوثق الرواة. وكان سيبويه إذا روى عنه يقول: سمعت الثقة. من أشهر ما صنف أبو زيد كتاب النوادر. كما صنف معانى القرآن، وغريب الأسماء، وخلق الإنسان، وتخفيف الهمز، والمطر، والقوس والترس وغيرها. عاش أبو زيد بالبصرة، ومات بها فى خلافة المأمون سنة (215 هـ = 830 م).

*عيسى (عليه السلام)

*عيسى (عليه السلام) عبد الله ورسوله، آخر المرسلين من بنى إسرائيل وعيسى هو يشوع بالعبرية أو يسوع أو يسوس باليونانية بمعنى المخلِّص، ولقبه المسيح أى: الممسوح بالزيت المقدس بمعنى السيد أو الملك. جاءت قصته فى عدد من سور القرآن الكريم حيث جاءت إشارات إلى مولده، وتبشير أمه السيدة مريم به، والدفاع عن طهارتها، وإنكار اتهام اليهود لها بجريمة الزنا، ورد عبث العابثين وقذف القاذفين منهم، كما تضمنت هذه السورة ذكر اصطفاءه الله له نبيًّا ورسولاً. وكان لعيسى، عليه السلام، اثنا عشر حواريًّا وكانوا أصفياء وأنصاره ووزراءه، ومما أكرمه الله به: أنه سبحانه وتعالى علَّمه التوراة والإنجيل، وجعله يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويُبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى، ويخبر بالمغيَّبات. وأحاديث عيسى، عليه السلام، فى قصة الدجال مشهورة فى الصحيح، حيث ينزل من السماء حاكمًا عدلاً لا رسولاً، ويُصلى وراء المهدى المنتظر - وهو رجل من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - - تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة.

*حمزة بن عبد المطلب

*حمزة بن عبد المطلب هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصى، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثوبية مولاة أبى لهب. أمُّه ابنة عم أمنة بنت وهب أم النبى - صلى الله عليه وسلم -. وكان أعز قريش وأشدَّها شكيمة، وحين أسلم علمت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزَّ وامتنع. هاجر حمزة، رضى الله عنه، إلى المدينة، وشهد بدرًا وأحدًا وأبلى فيهما بلاءً حسنًا. وبعد أن قتل إحدى وثلاثين نفسًا يوم أحد عَثَر عثرة فانكشف درعه فرماه وحشى الحبشى بالرمح فقتله، ومثَّل به المشركون، وبَقَرت هند بنت عتبة بطنه وأخرجت كبده وجعلت تلوكه ثم لفظته. ولما رآه النبى - صلى الله عليه وسلم - اشتدَّ وجْده عليه، وقال: لئن ظفرت لأمثلن بسبعين، فنزل قوله تعالى:) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله (. وحمزة بن عبد المطلب هو سيد الشهداء، وحينما قُتل كان عمره (57) سنة، وقيل: (59) سنة.

*الفتح بن خاقان

*الفتح بن خاقان هو أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان بن عبد الله القيسى، كاتب ومؤرخ أندلسى، وُلِد بإشبيلية سنة (480هـ = 1087م) ونشأ بها، وكان يحب الرحلات والأسفار. وقد ترك الفتح بن خاقان عددًا من المؤلفات، منها: قلائد العقبان، ومطع الأنفس ومسرح التأنس فى مُلَح أهل الأندلس، وراية المحاسن وغاية المحاسن، ورسالة فى ترجمة ابن السيد البطليموسى ومجموع رسائل. وتُوفِّى الفتح بن خاقان سنة (528 هـ = 1134 م)، وقيل: سنة (535 = 1140 م).

*عمير بن سعد

*عُمَيْر بن سعد هو عمير بن سعد بن عبيد الأوسى الأنصارى صحابى من الولاة الزُّهاد، شهد فتوح الشام، واستعمله عمر بن الخطاب على حمص، وكان يُقال له: نسيج وَحْده، وقد قال عنه عمر، رضى الله عنه: وددت أن لى رجالاً مثل عمير بن سعد، أستعين بهم على أعمال المسلمين. وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه ابنه عبد الرحمن، وأبو طلحة الخولانى، وغيرهما. ونزل عمير فلسطين ومات بها.

*داود باشا

*داود باشا آخر الولاة المماليك الذين حكموا العراق منذ سنة (1817م) إلى سنة (1831م) وكان حكمه مطلقًا على غرار حكم محمد على باشا لمصر. وفى عهده - وعهد المماليك عمومًا - لم تحظَ سلطة الباب العالى بأى احترام، وما إن تسلم داود باشا الولاية حتى أراد أن يحقق بعض الإصلاحات؛ فحاول إلغاء نظام الامتيازات الممنوح لشركة الهند الشرقية، ووضعها على قدم المساواة مع التجار المحليين، لكن الشركة ردَّت بحرب شرسة أفشلت هذه المحاولة. وسعيًا وراء وضع العراق تحت سيطرته الكاملة واجه داود باشا الحركات الانفصالية بكل عنف؛ فأخمد انتفاضة القبائل العربية، وأقصى شيوخها غير الموالين له، ولكن استعصت عليه القبائل الكردية بسبب دعم القوات الفارسية لها، وظل إقليم كردستان تحت سلطة الأتراك. وبحثًا وراء زيادة موارده لإعادة تنظيم الجيش؛ احتكر داود باشا شراء المنتجات العراقية الرئيسية وتصديرها، وحاول زراعة القطن وقصب السكر، وأراد أن يستغل تركيا أمام روسيا سنة (1828 - 1829م)، فأعلن تمرده على الباب العالى فأرسل الأخير إليه جيشًا بقيادة على باشا والى حلب فانهزم داود باشا سنة (1831م) وانتهى حكمه وحكم المماليك.

*أحمد القرين

*أحمد القرين وهو الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى الأشول. زعيم الجهاد الإسلامى فى سلطنة عدل. اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد الأمور فى سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة موفقة جمعت الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه وخاصة فى توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى مصارفها الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء والعلماء، كما كسب أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه. بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع الإمام «أحمد القرين» أن يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم وعزم على رد عادية الأحباش، وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها، وتمكن من التوغل فيها حتى وصل إلى أقاليمها الشمالية، ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان أولها فى عام (933هـ = 1527م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ بداية الجهاد. وفى عام (934هـ = 1528م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا حاسمًا على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد الحبشة نهائيا. ففى سنة (938هـ = 1531م) دخل «دوارو» و «شوا» و «أمهرة» و «لاستا». وفى سنة (940هـ = 1535م) سيطر المسلمون على جنوب الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى» للمرة الأولى وأصبح مصير الأحباش فى كفة الميزان. وفى هذا الوقت كان الزحف البرتغالى قد وصل إلى البحر الأحمر فاستنجد بهم الأحباش عام (942هـ = 1535م) فأرسل إليهم ملك البرتغال نجدة عسكرية وصلت البلاد عام (948هـ = 1541م)، وتقابل المجاهدون بقيادة «أحمد القرين» مع الأحباش والبرتغاليين فى عدة مواقع عام (949هـ = 1542م)، لكنه هُزم وتكررت هزيمته فى العام التالى حيث استشهد وتفرقت جموعه

*أحمد بن إبراهيم الغازى

*أحمد بن إبراهيم الغازى وهو الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى الأشول. زعيم الجهاد الإسلامى فى سلطنة عدل. اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد الأمور فى سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة موفقة جمعت الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه وخاصة فى توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى مصارفها الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء والعلماء، كما كسب أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه. بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع الإمام «أحمد القرين» أن يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم وعزم على رد عادية الأحباش، وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها، وتمكن من التوغل فيها حتى وصل إلى أقاليمها الشمالية، ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان أولها فى عام (933هـ = 1527م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ بداية الجهاد. وفى عام (934هـ = 1528م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا حاسمًا على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد الحبشة نهائيا. ففى سنة (938هـ = 1531م) دخل «دوارو» و «شوا» و «أمهرة» و «لاستا». وفى سنة (940هـ = 1535م) سيطر المسلمون على جنوب الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى» للمرة الأولى وأصبح مصير الأحباش فى كفة الميزان. وفى هذا الوقت كان الزحف البرتغالى قد وصل إلى البحر الأحمر فاستنجد بهم الأحباش عام (942هـ = 1535م) فأرسل إليهم ملك البرتغال نجدة عسكرية وصلت البلاد عام (948هـ = 1541م)، وتقابل المجاهدون بقيادة «أحمد القرين» مع الأحباش والبرتغاليين فى عدة مواقع عام (949هـ = 1542م)، لكنه هُزم وتكررت هزيمته فى العام التالى حيث استشهد وتفرقت جموعه

*أحمد بن فارس

*أحمد بن فارس هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزوينى الرازى، من كبار علماء اللغة والأدب. وُلِد بقزوين سنة (329هـ) فنسب إليها، ونشأ بها، وتَعلَّم على كثير من علمائها، منهم أبوه وعلى بن إبراهيم بن سلمة القطان وعلى بن محمد بن مهرويه وغيرهم، ورحل إلى كثير من البلدان لطلب العلم، فرحل إلى همذان وأقام بها مدة. ونبغ أحمد بن فارس فى علوم كثيرة، منها: اللغة والنحو والشعر والفقه. وفى نهاية حياته انتقل إلى الرى؛ حيث مات بها سنة (395هـ = 1004م). وقد كان أحمد بن فارس من أعيان أهل العلم يجمع بين إتقان العلماء وظرف الكتَّاب والشعراء، وله كتب بديعة ورسائل مفيدة وأشعار جيدة وتلامذة كثيرون. وكان أيضًا كريم النفس، جواد اليد، لايكاد يرد سائلاً حتى يكاد يهب ثيابه وفرش بيته. وترك أحمد بن فارس عديدًا من المصنفات فى شتى العلوم، منها: كتاب المجمل فى اللغة، وهو من أشهر كتبه، وكتاب الصاحبى فى فقه اللغة، وكتاب غريب إعراب القرآن وكتاب حلية الفقهاء، وكتاب دارات العرب، وغيرها.

*أبو إبراهيم أحمد بن محمد

*أبو إبراهيم أحمد بن محمد أحد سلاطين دولة الأغالبة، تولى خلفًا لأبيه عقب وفاته فى سنة (242هـ)، وتميزت فترة حكمه بالهدوء والاستقرار، وقد غلب الطابع الدينى على سلوكه، فكان يخرج فى شهرى شعبان ورمضان من مقر إقامته ليوزع الأموال على الفقراء والمساكين بالقيروان، واهتم «أبو إبراهيم» بالبناء والتعمير، وزاد فى «مسجد القيروان»، وجدد «المسجد الجامع» بتونس، وحصَّن مدينة «سوسة» وبنى سورها، كما اهتم بإمداد سكان المدن بمياه الشرب، وقد تُوفى فى سنة (249هـ=863م).

* الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب

* الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب هو أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أحد سلاطين دولة الأغالبة، تولى الإمارة خلفًا لأخيه «زيادة» فى سنة (223هـ= 838م)، ومكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات؛ نعمت البلاد خلالها بالهدوء والاستقرار، وحرَّم «أبو عقال» صنع الخمور بالقيروان، وعاقب على بيعها وشربها، فكان لذلك صداه الطيب فى نفوس الناس عامة، فضلا عن الفقهاء والعلماء، ومات «أبو عقال» بالقيروان فى سنة (226هـ=841م).

*ألبتكين

*ألبَتكين ويكتب أحيانًا: ألب تكين أو ألفتكين، وهو غلام تركى التحق بخدمة السامانيين، وتدرج فى المناصب حتى وصل إلى منصب «حاجب الحجاب»، وهو منصب كان يتيح سلطة خطيرة لصاحبه، ثم تقلد «ألبتكين» ولاية «خراسان» نيابة عن الأمير السامانى «عبدالملك بن نوح» سنة (349هـ= 960م) حتى عزله عنها الأمير «منصور بن نوح» الذى خلف أخاه «عبدالملك» فلجأ «ألبتكين» إلى «بلخ»، واستطاع هزيمة جيش «منصور» الذى أرسله إليه سنة (351هـ = 962م)، ثم توجه إلى «غزنة» فى السنة نفسها، واستولى عليها واتخذها مقرا له فى خلافة «المطيع لله».

*أبو بكر الصديق

*أبو بكر الصديق هو «عبد الله بن عثمان بن عامر»، من قبيلة «تيم بن مرة بن كعب»، وفى «مرة بن كعب» يلتقى نسبه مع نسب النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأمه «أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر»، تميمية كأبيه وكنيته: «أبو بكر»، ولقبه: «عتيق». ولُد «أبو بكر» سنة (573م) بعد مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أعوام، ونشأ فى «مكة»، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته. وعُرف «أبو بكر» بترفعه عن عادات الجاهلية، وما كانوا يقترفونه من مجون وشرب خمر، وارتبط قبل البعثة بصداقة قوية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الاتفاق فى الطباع وصفاء النفس من أقوى الروابط بين النبى و «أبى بكر». تُجمع مصادر السيرة والتاريخ على أن «أبا بكر» كان أول من أسلم وآمن بالنبى - صلى الله عليه وسلم - من الرجال الأحرار، وكان لسلامة فطرته التى كانت تعاف ما عليه قومه من عبادة الأوثان أثر فى تبكيره بالدخول فى الإسلام، وما إن دعاه النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام حتى أسلم على الفور؛ لثقته بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - وأمانته، يقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: «ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة - تأخر فى الإجابة- إلا ما كان من أبى بكر بن أبى قحافة، ما عكم عنه - تأخر عنه - حين ذكرته له، وما تردد فيه». ومنذ أن أسلم وهو يهب نفسه وماله لله ورسوله، فكان يشترى من أسلم من العبيد الذين كانت «قريش» تعذبهم، ويعتقهم كبلال بن رباح، وكان يذود عن النبى - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أوتى من قوة، فيروى «البخارى» عن «عبد الله بن عمرو ابن العاص» قوله: «رأيت عقبة بن أبى معيط جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى، فوضع رداءه فى عنقه، وخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر - رضى الله عنه - حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم». [صحيح

البخارى]. ومن أجَلِّ مواقف «أبى بكر» تصديقه للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى حادث الإسراء، فحين أخبر النبى - صلى الله عليه وسلم - بذلك أسرعوا إلى «أبى بكر» يخبرونه، ظنا منهم أنه لن يصدق، فقال لهم: «والله لئن كان قاله لقد صدق، فإنى أصدقه فى أبعد من هذا، أصدقه فى خبر السماء يأتيه فى ساعة من ليل أو نهار»، فلُقب بالصديق من يومئذٍ. واختاره النبى - صلى الله عليه وسلم - -لثقته- به ليرافقه فى رحلة الهجرة دون غيره من الصحابة، ثم لازم النبى بعد الهجرة فى ليله ونهاره، فلم يتخلف عن غزوة من غزواته أو مشهد من مشاهده، وكان مجاهدًا بنفسه وماله حتى وصفه النبى بقوله: «ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه بها، إلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبى بكر». ومما لاشك فيه أن «أبا بكر الصديق» عند علماء الأمة أفضل المسلمين مطلقًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودليل ذلك أنه جعله أميرًا على الحج فى العام التاسع من الهجرة، وأنابه فى الصلاة عند مرضه - دون غيره -، وكان هذا أقوى مرشح له لتولى الخلافة بعد وفاة النبى بعد أن بويع «أبو بكر الصديق» البيعة العامة قام فخطب الناس خطبة قصيرة، وضح لهم فيها منهجه فى الحكم، فقال بعد أن حمد الله وصلى على نبيه: «أما بعد أيها الناس فإنى وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله إلا ضربهم الله بالذلّ، ولا تشيع الفاحشة فى قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله». كان أول القرارات التى اتخذها «أبو بكر» وأصعبها قراره بإنفاذ جيش «أسامة» إلى «جنوبى

الشام»، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن «الصديق» أقدم عليه فى ظروف دقيقة وحرجة، فالعربُ قد ارتدت عن الإسلام، حتى «مكة» نفسها همت بالردة، لولا أن «سهيل بن عمرو» روَّعهم، قائلا: «لماذا ترتدون والنبوة كانت فيكم، والخلافة أصبحت فيكم؟»، وحاولت «الطائف» أن ترتد، فمنع من حدوث ذلك عقلاؤها؛ إذ قالوا لقومهم: لقد كنتم آخر من أسلم، فلا تكونوا أول من يرتد. كما استفحل أمر مدعى النبوة «مسيلمة الكذاب» فى «اليمامة» شرقى شبه الجزيرة العربية، و «طليحة بن خويلد الأسدى» فى «بنى أسد»، فى منطقة «بذاخة» -ماء لبنى أسد يقع إلى الشرق من «المدينة المنورة» - و «لقيط بن مالك» فى «عمان» جنوبى شرقى بلاد العرب، و «الأسود العنسى» فى «اليمن». وكل أولئك ظهروا فى أواخر حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يحفل بهم كثيرًا؛ لثقته بالقدرة على القضاء على تلك الحركات، وفى الوقت نفسه أمر بإنفاذ جيش «أسامة بن زيد» إلى جنوب «الشام»؛ لتأديب القبائل القاطنة هناك، التى تعادى المسلمين، ولتثبيت هيبة الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم فى غزوة «تبوك»، وللفت أنظار أصحابه إلى خطورة دولة الروم على الإسلام، لكن هذا الجيش لم يذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبى - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما عزم عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لكن الصحابة جميعًا عارضوا «أبا بكر» فى قراره بإرسال جيش «أسامة»، وتعللوا بأن الردة قد عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر داهم ومحدق بهم، حتى لم تسلم منه «المدينة» نفسها، واشرأبت أعناق أعداء الإسلام من يهود ونصارى وغيرهما، وتحفزوا للقضاء على الإسلام، ولذا فإن بقاء الجيش فى «المدينة» ضرورة ملحة؛ لحمايتها من الأخطار المحدقة بها. لكن ذلك كله لم يثن عزيمة الصديق عن إرسال جيش «أسامة»، ووقف كالأسد الهصور يذود عن الإسلام

باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا: «والذى نفس أبى بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفتنى لأنفذت بعث أسامة، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يبق فى القرى غيرى لأنفذته». وقد ظهرت نتائج سياسة «الصديق» الموفقة، عندما ذهب جيش «أسامة» وحقق ما قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهداف، وعاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع فى قلوب القبائل العربية التى مرَّ عليها فى شمالى شبه الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى الشام؛ لأنهم قالوا: «لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش الكبير إلى هذا المكان البعيد فى مثل هذا الوقت»؛ ولذا كانت حركة الردة فى المناطق التى مرّ بها «أسامة» بجيشه أضعف منها فى أى مكان آخر من شبه الجزيرة العربية. يعد موقف «الصديق» من حركة الردة ومواجهته لها من أروع المواقف فى التاريخ، لأنه آمن إيمانًا عميقًا بانتصار الحق مهما تكن قوة أعدائه، وأظهر تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد. وقد بدأت حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان» و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض على «الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة، ويعدُّونها إتاوة تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر الزكاة فى التكافل الاجتماعى بين المسلمين. كان رأى فريق من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن يستجيب «أبو بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة، وخاصة أن «المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن «الصديق» لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا جازمًا قائلا له: «والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه». وكان هذا الموقف الثابت من «الصديق»

رائعًا كل الروعة، فماذا لو وافق «أبو بكر» «عمر» ومن معه على رأيهم؟ ربما شجع هذا التنازل قبائل أخرى، فتمتنع عن دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما تطور الموقف إلى أبعد من هذا، فتمتنع قبائل عن إقامة الصلاة أو غيرها من أركان الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن «الصديق» حين فعل هذا تمثل واقتدى بموقف لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما جاءه وفد «ثقيف» يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه إعفاءهم من أداء الصلاة، فرفض النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وقال لهم: «لا خير فى دين لاصلاة فيه»، ولعل «الصديق» قصد ذلك حين قال: «والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة». ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات صائبة فحسب، بل كان يقرنها بالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك أنهم سيهاجمون «المدينة» على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب معظم الرجال مع جيش «أسامة»، وأعلن حالة الاستعداد للدفاع عن «المدينة» عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفة عمليات عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، وأمر عددًا من كبار الصحابة بحراسة مداخل «المدينة»، على رأسهم «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيد الله»، و «الزبير بن العوام»، و «عبد الله بن مسعود» رضى الله عنهم. وحدث ما توقعه «الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة «المدينة»، فوجدوا المسلمين فى انتظارهم، فهزمهم المسلمون وردوهم على أعقابهم إلى «ذى القصة» - شرقى «المدينة». ثم تعقبهم «الصديق» وألحق بهم هزيمة منكرة، وفرت فلولهم، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ «الصديق» من «ذى القصة» مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة كلها، وفى هذه الأثناء جاءت الأخبار بوصول جيش «أسامة» سالمًا غانمًا، فأسرع «الصديق» بنفسه لاستقبال قائد الجيش الشاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيام، وبعد أن

احتفى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم «المدينة»، وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير المعركة مع المرتدين بعزيمة لا تلين. أراد «أبو بكر الصديق» أن يبصِّر المرتدين بخطورة ما أقدموا عليه، فواجههم مواجهة سلمية بأن دعاهم إلى العودة بدون قتال إلى الإسلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره: « وإنى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرَّ وكف وعمل صالحًا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عليه، .. ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتابى فى كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم ... ». وفى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتال؛ كان يعد أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كل منطقة؛ ليشغل كل قبيلة بالدفاع عن نفسها فى ديارها، ولا تأخذ فرصة للتجمع والتكتل ضده، وكان هذا تصرفًا بارعًا وحكيمًا من «الصديق». لم يستجب المرتدون لدعوة «أبى بكر» السلمية، فبدأ قادته ينفذون ما عهد إليهم من مهام، وخاض «خالدبن الوليد» أول معارك الردة فى «بذاخة» ضد المرتدين من «غطفان» و «بنى أسد» وحلفائهم ممن التفوا حول «طليحة بن خويلد الأسدى» مدعى النبوة، وكان النصر حليف «خالد»، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمائهم أسرى إلى الخليفة، وفر «طليحة»، وظهر كذبه، ويجدر بالذكرى أن «طليحة» قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عهد «أبى بكر الصديق»، واشترك

فى الفتوحات الإسلامية فى «فارس»، فى عهد «عمر بن الخطاب»، وكان له دور بارز فيها. وبعد ذلك توجه «خالد بن الوليد» إلى «البطاح» فى «نجد» لقتال المرتدين من «بنى تميم» بزعامة «مالك بن نويرة»، ونجح فى إلحاق الهزيمة بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم. ولما فرغ من القضاء على فتنة المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»، فجاءته أوامر من «أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة الكذاب». وفى أثناء حروب الردة طارد «المثنى بن حارثة» - أحد قادة المسلمين - المرتدين إلى الشمال، على الساحل الغربى للخليج العربى، فلما وصل إلى حدود «العراق» تكاثرت عليه قوات الفرس، بعد أن رأوا فشل عملائهم من المرتدين فى القضاء على الإسلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين. ولما رأى «المثنى» أنه غير قادر بمن معه على مواجهة القوات الفارسية، أرسل إلى الخليفة يشرح له الموقف، ويطلب منه المدد، فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم، فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم. وفى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك «خالد بن الوليد» من «اليمامة»، وكان لايزال بها، بعد أن قضى على فتنة «مسيلمة الكذاب»، وتوجه إلى «العراق». حيث خاض سلسلة من المعارك ضد الفرس فى خلال عدة شهور، فى «ذات السلاسل» و «المذار»، و «الولجة»، و «أليس»، وهذه أسماء الأماكن التى دارت فيها الحروب، وكان النصر حليفه فيها، ثم توَّج انتصاراته بفتح «الحيرة» عاصمة «العراق» فى ذلك الوقت، واستقر بها فى شهر ربيع الأول من العام نفسه، ثم فتح «الأنبار» و «عين التمر» إلى الشمال من «الحيرة»، ثم جاءته أوامر من «أبى بكر» أن يعود إلى «الحيرة» ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى. وخلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح «خالد» فى فتح أكثر من نصف «العراق»،وصالح أهله على دفع الجزية، ولم

يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام».كما تم فتح أجزاء من الشام الجمع الأول للقرآن فى عهد أبى بكر الصديق: فزع «عمر بن الخطاب» لاستشهاد عدد كبير من حفظة القرآن فى حروب الردة، وبخاصة معركة «اليمامة»، فأشار على «أبى بكر» بضرورة جمع القرآن فى مصحف واحد؛ خشية أن يُستشهد عدد آخر من الحفاظ، فيضيع القرآن، أو يدخله تحريف إذا تباعد الزمن بين نزوله وجمعه، كما حدث للكتب السابقة. تردد «أبو بكر» فى بادئ الأمر من اقتراح «عمر»، وقال: «كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»، فقال له «عمر»: «أرى والله أنه خير»، فلم يزل «عمر» بأبى بكر حتى قبل، ثم استدعى «أبو بكر» «زيد بن ثابت الأنصارى»، وكلفه بمهمة جمع القرآن، قائلا له: «إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه»، فقبل «زيد» هذه المهمة الثقيلة، وبدأ فى تتبع القرآن، وجمعه من الرقاع والعظام، والعسب (سعف النخل) التى كان مكتوبًا عليها ومن صدور الرجال، وجعل ذلك فى مصحف واحد. وقد ظل هذا المصحف عند «أبى بكر»، ثم انتقل بعد وفاته إلى «عمر بن الخطاب»، ثم انتقل بعد وفاته إلى ابنته أم المؤمنين «حفصة»، وفى عهد «عثمان» دعت الضرورة إلى جمع الناس على قراءة واحدة، فأخذه «عثمان» منها، ونسخ منه عدة نسخ ووزعها على الأمصار. وهكذا توَّج «أبو بكر الصديق» أعماله الجليلة بجمع القرآن. وفاة أبى بكر الصديق: قضى «أبو بكر» فى الخلافة سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام قام فيها بجلائل الأعمال، ونهض بمسئولية قيادة الدولة على خير وجه، وعاش حياته للإسلام وللمسلمين، ووهب حياته لخدمة رعيته، والدفاع عن عقيدتها، دون أن يأخذ أجرًا على تحمله تبعات هذا المنصب الجليل، منصب الخليفة، وعاش مثل بقية رعيته دون أن يمتاز عنهم فى مسكن أو ملبس، بل إنه رد ما خصصه له كبار الصحابة من راتب ضئيل، كى يترك التجارة ويتفرغ لمنصبه.

وفى أواخر شهر جمادى الآخرة من العام الثالث عشر للهجرة، فاضت روح «أبى بكر» إلى بارئها بعد مرض استمر أسبوعين، كان سببه الحمى، وتولى بعده الفاروق «عمر بن الخطاب».

*عمر بن الخطاب

*عمر بن الخطاب هو «عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رباح» وأمه «حنتمة بنت هشام بن المغيرة». أسلم فى العام الخامس من البعثة، وعمره سبع وعشرون سنة، بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة، أسلموا قبله، وكان قبل إسلامه معاديًا للإسلام شديدًا فى عداوته، لكن الله شرح صدره للإسلام استجابة لدعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - له: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب». وعُرف «عمر بن الخطاب» بشخصية قوية، وإرادة لا تلين، وحزم وعزم فى الأمور، وهيبة فى القلوب، وكان سفير «قريش» فى الجاهلية، وهى مهمة تحتاج إلى علم وعقل، وكياسة وحسن تصرف. عمل «عمر» فى بداية نشأته بالرعى، ثم عمل فى التجارة إلى الشام وإلى «اليمن»، وكان يحرص على مقابلة ذوى الشأن فى تلك البلاد؛ ليزداد علمًا وخبرة بالحياة، وكان واحدًا من سبعة عشر رجلا من «قريش» يعرفون القراءة والكتابة فى «مكة». واشتهر «عمر بن الخطاب» أنه كان قوى البنية، طويل القامة، إذا مشى بين الناس أشرف عليهم، كأنه راكب على دابته، أبيض اللون تعلوه حمرة، جهورى الصوت، قليل الضحك، لا يمازح أحدًا، مقبلا على شأنه. أما صفاته الأخلاقية فهى «الإحساس الكامل بالمسئولية، والشدة والفراسة، والعدل والهيبة، وواضح أن هذه الصفات هى نتاج عوامل كثيرة متنوعة، مثل نشأة «عمر» الأولى وثقافته، والقيم التى غرسها الإسلام فى نفسه. أما إحساس «عمر» الكامل بمسئوليته قِبَل الرَّعية، فذلك ما لاحاجة بنا إلى التدليل عليه، ويمكن إرجاعه إلى النزعة الدينية التى ملكت عليه شغاف نفسه، والتى شهد له بها الجميع، وعلى رأسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالعقيدة وحدها هى التى تبلغ بالمرء هذا المستوى القدسى، وهى التى تجعل الإنسان رقيبًا على نفسه فى جميع حركاته وسكناته، ولن تغنى عنها أية رقابة أخرى». احتل «عمر بن الخطاب» منذ أن أسلم المكانة التالية لمكانة

«أبى بكر الصديق» عند النبى - صلى الله عليه وسلم -، لصفاته العالية التى سبق أن ذكرنا بعضها، ولدعوة النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يُعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب، وكانت دعوة ناشئة عن معرفة دقيقة بخصائص الرجل الذى سيكون ثالث ثلاثة فى الإسلام قدرًا ومنزلة. وعلى أية حال فإن أخلاق «عمر» وصفاته مهما تكن لم تكن لتبلغ به ما بلغ من المكانة العالية والقدر الرفيع إلا بإسلامه وبصلته برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذى تعهده بالتربية والرعاية، وأفسح لمواهبه أن تنطلق إلى أفاق عالية، لتؤدى دورها الخلاق لا فى تاريخ الإسلام فحسب، بل فى تاريخ البشرية، وليكون صاحبها واحدًا من عظماء الدنيا، وقد وضعه الكاتب الأمريكى «مايكل هارت» بين الخالدين المائة فى التاريخ الإنسانى كله. ومنذ أن أسلم «عمر بن الخطاب»، وهو من أكثر الصحابة ملازمة للنبى - صلى الله عليه وسلم -، حتى إن الصحابة أطلقوا عليه وعلى أبى بكر الصديق: وزيرَى محمد. واشتهر «عمر» دون غيره من الصحابة بمواقف كثيرة، كان يناقش النبى - صلى الله عليه وسلم - فيها ويعترض عليه فى صراحة، مثل: موقفه من أسرى «بدر»، و «صلح الحديبية» والصلاة على «عبد الله بن أبى بن سلول» رأس النفاق، ولم يكن النبى - صلى الله عليه وسلم - يضيق بذلك، بل يسمع برحابة صدر وسعة أفق، ويشجع «عمر» وغيره على إبداء آرائهم دون خوف أو وجل، يعلمهم بذلك حرية الرأى، والمشاركة فى صنع القرار. وكثير من تلك الآراء التى عارض فيها النبى - صلى الله عليه وسلم - نزل القرآن مؤيدًا لها لفرط إخلاصه لدينه، وشفافية روحه، وقد عدَّ العلماء نحو عشرين موقفًا من هذا القبيل منها: تحريم الخمر، وضرب الحجاب على زوجات النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقد وردت أحاديث كثيرة فى فضل «عمر»، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». أراد «الصديق أبو بكر» أن

يختار المسلمون خليفتهم بأنفسهم دون قيد، وبإرادتهم الحرة بلا تدخل، فقال لهم وهو على فراش المرض: «إنى قد نزل بى ما ترون، ولا أظننى إلا ميتًا لما بى من المرض، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتى، وحلَّ عنكم عقدتى، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمّرتم فى حياة منى كان أجدر ألا تختلفوا بعدى». لكنهم طلبوا منه أن يرشح لهم من يراه أهلا لتولى الخلافة بعده، وأقدر على تحمل تبعاتها الجسام، فقبل ذلك، وطلب منهم مهلة حتى ينظر لله ولدينه ولعباده، وبعد تفكير عميق، واستشارة لكبار الصحابة مثل: «عثمان بن عفان» و «على بن أبى طالب» و «عبدالرحمن بن عوف» استقر رأيه على «عمر بن الخطاب». ولم يكن ترشيح كبار الصحابة «عمر بن الخطاب» للخلافة وتزكيتهم له، بعد «أبى بكر» غريبًا أو مفاجأة، فهم يعرفون قدره ومنزلته، وقد سبق أن ذكرنا تقديم النبى - صلى الله عليه وسلم - «أبا بكر» ليؤم الناس فى الصلاة، ورفضه أن يقوم بهذا «عمر بن الخطاب»، فلما تأخر «أبو بكر» يومًا عن الصلاة، قدَّم «بلال» «عمر بن الخطاب» اجتهادًا منه ليؤم الناس، فلما سمع الرسول «عمر» يقيم الصلاة رفض ذلك، وقال «أين أبو بكر؛ يأبى الله ذلك والمسلمون». وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التصرف التلقائى من «بلال» يدل على أن الصحابة كانوا يعلمون أن أفضل الناس بعد «أبى بكر الصديق» هو «عمر بن الخطاب». ولم يعترض على ترشيح «عمر» للخلافة إلا عدد قليل من كبار الصحابة، وعللوا ذلك بغلظته وشدته، لكن «أبا بكر» طمأنهم وبين لهم أن ما يجدونه من شدته، إنما هو لله وفى الله، وإنه يشتد لأنه يرانى أحيانًا لينًا، حتى يحدث نوعًا من التعادل، وأنه لو أفضى الأمر - أى الخلافة - إليه لترك كثيرًا مما هو فيه. ولا يقلل هذا الاعتراض من سداد رأى «أبى بكر» فى «عمر»، ولا من شأن «عمر» نفسه، بل يدل ذلك على حرية الرأى تجاه الشخصية التى ستلى أمر الخلافة، فلن يضير «عمر»

أن نفرًا من ذوى الرأى لم يؤيدوا ترشيحه، بل يكفيه أن أغلب الصحابة أجمعوا على تزكيته، ورضوا به لهذا المنصب الجليل، وهذا ما تسير عليه الآن الأمم الحرة فى اختيار حكامها، فالإجماع ليس شرطًا ضروريًا فى اختيار الحاكم. اطمأنت نفس «أبى بكر الصديق» بعد أن استشار كبار الصحابة إلى اختيار «عمر بن الخطاب» خليفة من بعده، فأشرف على الناس وهو مريض، وقال: «أترضون بمن أستخلف عليكم؟، فإنى والله ما آلوت من جهد الرأى، ولا وليت ذا قربة، وإنى قد وليت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا» فقالوا: سمعنا وأطعنا. بايع المسلمون «عمر بن الخطاب»، وبذا أصبحت خلافته شرعية. وبعد الفراغ من دفن «أبى بكر الصديق» صعد «عمر بن الخطاب» منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووقف على درجة أدنى من الدرجة التى كان يقف عليها «أبو بكر الصديق»، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وذكر «أبا بكر» - رضى الله عنه - بكل خير، وقال: «أيها الناس ما أنا إلا رجل منكم، ولولا أنى كرهت أن أرد أمر خليفة رسول الله ما تقلدت أمركم»، فأثنى المسلمون عليه خيرًا، وزاد ثناؤهم حين رأوه يرفع بصره إلى السماء ويقول: «اللهم إنى غليظ فليِّنِّى، اللهم إنى ضعيف فقونى، اللهم إنى بخيل فسخِّنى». وفى اليوم التالى لتوليه الخلافة خطب خطبة أخرى، أراد أن يوضح فيها طريقته فى الحكم، ويزيل ما قد علق فى نفوسهم من خوفٍ من شدته التى صرحوا بها لأبى بكر حين رشحه للخلافة، فقال: «بلغنى أن الناس هابوا شدتى وخافوا غلظتى، وقالوا: كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك فقد صدق .. إننى كنت مع رسول الله فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله تعالى بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، فكنت بين يديه سيفًا مسلولا،

حتى يغمدنى أو يدعنى فأمضى، فلم أزل مع رسول الله حتى توفاه الله، وهو عنى راضٍ، والحمد لله كثيرًا، وأنا به أسعد، ثم ولى أمر المسلمين أبو بكر، فكان من لا تنكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتى بلينه، فأكون سيفًا مسلولا، حتى يغمدنى أو يدعنى فأمضى، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عزَّ وجل، وهو عنى راضٍ، فالحمد لله على ذلك كثيرًا، وأنا به أسعد، ثم إنى وليت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت - أى زادت - فارتعد بعضهم من الخوف لكنه طمأنهم فقال: ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين، فأما أهل السلامة والقصد - أى الاعتدال - فأنا ألين لهم من بعضهم على بعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا أو يتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمى على الخد الآخر، حتى يذعن بالحق، وإنى بعد شدتى تلك أضع خدى على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف، ولكم على أيها الناس خصال أذكرها لكم، فخذونى بها، لكم على ألا أجبى شيئًا من خراجكم، ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم على إذا وقع فى يدى ألا يخرج منى إلا فى حقه، ولكم على أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله - تعالى - وأسد ثغوركم، ولكم على ألا ألقيكم فى المهالك، وإذا غبتم فى البعوث فأنا أبو العيال - أى يرعاهم - فاتقوا الله عباد الله وأعينونى على أنفسكم بكفها عنى، وأعينونى على نفسى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وإحضارى النصيحة فيما ولانى الله من أمركم، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم». فى خلال السنوات العشر التى تولى «عمر» فيها الخلافة (13 - 23هـ) امتدت حدود الدولة الإسلامية من ولاية «برقة» - فى «ليبيا» حاليًا - غربًا إلى نهر «جيحون» شرقًا، ومن بحر «قزوين» فى الشمال إلى «المحيط الهندى» فى الجنوب. وقد حار المؤرخون فى تفسير نجاح هذه الفتوحات، وتعليل أسبابها، فقد أذهلهم أن

العرب الذين كانوا قبل دخولهم الإسلام قليلى الشأن، لا حول لهم ولا قوة، ولا يأبه بهم أحد ولا يحسب لهم حساب، هم فى سنوات قليلة ينجحون فى إزالة الإمبراطورية الفارسية كلها، وهى التى وقفت ندًا للإغريق والرومان نحو ألف سنة، وفى فتح الشام، و «مصر» وهما أعظم ولايات الدولة البيزنطية وأكثرها غنى فى الشرق بعد إنزال هزائم قاسية بجيوشها فى «اليرموك» وغيرها. وسبب حيرة هؤلاء المؤرخين أنهم يربطون عادة بين الانتصارات والهزائم فى الحروب، وبين أعداد الجيوش المتحاربة وما معها من عدة وأسلحة، ولما كان المسلمون أقل عددًا وعتادًا على نحو لا يقارن بما كان عند الفرس والروم، راحوا يبحثون عن أسباب أخرى غير قضية العدد والأسلحة، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى. ذهب بعضهم إلى القول بأن المسلمين واجهوا دولتى الفرس والروم، وهما فى حالة ضعف وانهيار بعد الحروب الطويلة التى دامت بينهما، وانتصروا عليهما بسهولة وفى وقت قصير. غير أن هذا التفسير بعيد عن الواقع ومخالف للحقيقة، فالمعارك التى دارت فى «القادسية» و «نهاوند» و «اليرموك» لا تؤيد هذا التعليل؛ لأنها كانت معارك كبيرة، ولم تكن جيوش الفرس والروم فيها ضعيفة، وهى لم تهزم أمام المسلمين لضعف قوتها المادية من الرجال والأسلحة، ولكن لأن معنويات أفرادها كانت منحطة إلى أبعد الحدود، فى حين كانت معنويات المسلمين عالية، ويعرفون الهدف الذى يحاربون من أجله، وكان الموت أحب إليهم من الحياة. وهذا هو السبب الرئيسى فى انتصاراتهم الذى نسيه الكتاب الغربيون أو تناسوه، فمنبع هذه القوة وسبب هذا الانقلاب العظيم الذى لا يوجد له مثيل فى التاريخ أن العرب أصبحوا بفضل رسالة الإسلام أصحاب دين ورسالة، فبعثوا بعثًا جديدًا، وخُلقوا من جديد، وعلموا أن الله قد ابتعثهم ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها،

ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، .. وعرفوا أن الله قد ضمن لهم النصر ووعدهم الفتح، فوثقوا بنصر الله ووعد رسوله، واستهانوا بالقلة والكثرة، واستخفوا بالمخاوف والأخطار. وفى ذلك قال المؤرخون: «لما أقبل خالد بن الوليد من العراق، ليتولى قيادة الجيوش فى الشام لحرب الروم، قال رجل من نصارى العرب أمامه: ما أكثر الروم وأقل المسلمين، فنهره خالد، وقال له: ويحك بل قل: ما أكثر المسلمين وأقل الروم إن الجيوش تكثر بالنصر وتقل بالهزيمة لا بعدد الرجال». وهذه الحقيقة عرفها أعداؤهم حتى إن هرقل لما انتهى إليه خبر زحف المسلمين وانتصاراتهم، قال وكان عندئذٍ موجودًا فى حمص: «ويحكم إن هؤلاء أهل دين جديد، وإنهم لا قبل لأحد بهم، فأطيعونى وصالحوهم على نصف خراج الشام، ويبقى لكم جبال الروم، وإن أنتم أبيتم ذلك أخذوا منكم الشام، وضيقوا عليكم جبال الروم». لقد ترتب على الفتوحات الإسلامية نتائج وآثار بعيدة المدى فى تاريخ العالم، وإذا ما قورنت بغيرها - مثل فتوحات «الإسكندر» قبلها، وفتوحات المغول بعدها - فإن تلك المقارنة تظهر عظمة المسلمين، وأن فتوحاتهم كانت أكثر الفتوحات فى العالم خيرًا وبركة، ففتوحات «الإسكندر» وامبراطوريته التى شادها فى الشرق انهارت وتمزقت أوصالها بعد وفاته مباشرة، وأصبحت ذكرى من ذكريات التاريخ، أما غزوات المغول التى لم يعرف لها تاريخ العالم مثيلا من قبل فى همجيتها ووحشيتها، فقد دمرت معظم العالم الإسلامى فى الشرق بما كان فيه من حضارة مزدهرة، ولم يوقف زحفها المدمر سوى الجيش المصرى فى معركة «عين جالوت» سنة (658هـ). وهذه الغزوات المغولية البربرية كان يمكن أن ينساها التاريخ أو يذكرها باعتبارها عملا بربريا ألم بالإنسانية فى مسيرتها الطويلة، لولا أن الله - تعالى - أدرك برحمته الواسعة هذه الجموع الوحشية وهداها إلى دينه، فأسلم أغلب المغول، وأظلهم الإسلام بحضارته،

وحولهم من قوة مدمرة إلى طاقة خيرة، ومن أعداء مهاجمين إلى أتباع مدافعين، بل مشاركين فى صنع الحضارة الإسلامية. تجلت عبقرية «عمر بن الخطاب» أعظم ما تجلت فى ميادين الإدارة، فقد ضبط نظم الدولة الإسلامية، وكانت مترامية الأطراف، وأحكم إدارتها بمقدرة فائقة تثير الدهشة والإعجاب، فى وقت كانت فيه وسائل الاتصال بطيئة تمامًا. ويصعب على أى باحث أن يحيط بالجوانب الإدارية عند «عمر بن الخطاب»، ولذا سنتعرض لبعض منها: أولا: عمر واختيار الولاة: استعان «عمر بن الخطاب» برجال يديرون شئون الولايات البعيدة عنه، أما القريبة منه فكان يديرها بنفسه، وكان يقول: «ما يحضرنى من أموركم لا ينظر فيه أحد غيرى، أما ما بعد عنى فسوف أجتهد فى توليته أهل الدين والصلاح والتقوى، ثم لا أكتفى بذلك، بل لابد من متابعتهم؛ لأعرف هل يقومون بالعدل بين الناس أم لا؟». وكان لعمر بن الخطاب طريقة فى اختيار ولاته، فلم يكن يستعمل أحدًا من أهل بيته، وقلما استعمل كبار الصحابة على الأمصار، بل استبقاهم معه فى «المدينة» ليعينوه فى شئون الدولة، ويقدموا له المشورة، ومن أهم شروط «عمر» فى الوالى: - القوة والأمانة: والمقصود بالقوة قوة الدين، وقوة الإرادة والحزم فى الأمور، ومن أقواله المأثورة: «إنى لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه»، ولذا فقد عزل «شرحبيل بن حسنة» عن «الأردن»، و «عمير بن سعد» عن «حمص»، وضم ولايتهما إلى «معاوية بن أبى سفيان»، وكان المعزولان أسبق إسلامًا من «معاوية» وأفضل، فلما كلمه الناس فى ذلك قال إنه لم يعزلهما عن سخط أو خيانة، ولكنه كان يريد رجلا أقوى من الرجل. - الهيبة مع التواضع: أدرك «عمر بن الخطاب» حاجة ولى الأمر إلى الهيبة واحترام الناس، حتى يستطيع أن يقودهم، ولكن لا ينبغى لها أن تتجاوز الحد لتصبح تسلطًا وتعاليًا، وكان يقول: «أريد رجلا - أى واليًا - إذا كان فى القوم وليس أميرهم، كان كأنه

أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم». - الرحمة بالناس: كان «عمر» يختار للولاية من اشتهر بالرحمة ولين الجانب وحب الخير للناس، وحين كان يولى أحدًا يكتب له كتاب تولية، ويشهد عليه بعض الصحابة، ويشترط عليه ألا يظلم أحدًا فى جسده ولا فى ماله، ومن وصاياه لعماله: «ألا وإنى لم أبعثكم أمراء ولا جبارين، ولكن بعثتكم أئمة الهدى، يهتدى بكم فادرءوا على المسلمين حقوقهم، ولا تضربوهم فتذلوهم، ولاتغلقوا الأبواب دونهم، فيأكل قويهم ضعيفهم، ولا تستأثروا عليهم فتظلموهم، ولا تجهلوا عليهم». ثانيًا: قواعد العمل بالنسبة إلى العمال والولاة: لم يكن «عمر» يقنع بحسن اختيار الولاة وفق شروطه، وإنما كان يحدد لهم أسلوب العمل، والقواعد التى يسيرون عليها، إما فى صورة خاصة محددة كما كان يحدث فى عهد الولاية، وإما فى توجيهات عامة كما فى المؤتمرات التى كان يعقدها للعمال والولاة، وبخاصة فى موسم الحج. ثالثًا: المتابعة: فطن «عمر بن الخطاب» إلى فاعلية المتابعة، وأثرها فى حسن سير الإدارة، ولذا لم يكتفِ بالتدقيق فى اختيار الولاة، وإنما وضع عليهم العيون والأرصاد، يحصون عليهم حركاتهم وسكناتهم، ويسجلون أعمالهم وينقلونها إلى الخليفة فور وقوعها، لأنه أدرك أن الخطأ قد يقع بدون قصد، وأن الانحراف لا يبدأ كبيرًا، وأن كل شىء يمكن وقفه فى أوله قبل استفحاله، عملا بالحكمة الخالدة: «الوقاية خير من العلاج». رابعًا: سياسة الباب المفتوح: أدرك «عمر بن الخطاب» أن آفة الإدارة فى كل عصر هى احتجاب كبار المسئولين عن أصحاب الحاجات فتضيع مصالح الناس أو تتعطل، ولذا لم يكن يتهاون مع أى أمير أو والٍ يسمع أنه يحتجب عن الناس مهما يكن شأنه، وحين بلغه أن «سعد بن أبى وقاص» قد بنى بيتًا فى «الكوفة» من طابقين، وسماه الناس قصر «سعد»، لأن بقية البيوت كانت من طابق واحد، وأنه اتخذ لمكانه الذى يباشر منه أعمال الولاية

بابًا، أرسل إليه «محمد بن مسلمة الأنصارى»، وكان مبعوث «عمر» فى المهمات الكبيرة، وأمره أن يحرق ذلك الباب الذى يحول بين الأمير وبين الناس، وأن يقدم بسعد معه، فلما قدم عليه وبخه ولم يقبل اعتذاره بأن داره قريبة من السوق وأنه كان يتضايق من ارتفاع أصوات الناس وجلبتهم، ثم رده إلى عمله بعد أن أكد عليه ألا يعود إلى مثل هذا أبدًا. خامسًا: المؤتمرات العامة: ابتكر «عمر» عقد المؤتمرات العامة لمناقشة أمور الدولة، حتى يتيح لأكبر عدد من المسلمين المشاركة فى صنع السياسة والقرار بالحوار والمشاورة، فاهتدى إلى استثمار مناسبة الحج، وتجمع الناس فى البلد الحرام، وقرر أن يحج كل عام، عدا السنة الأولى من خلافته، وأن يحج معه كل ولاة الأمصار، وهناك يدور النقاش والحساب مع الولاة عما صنعوا فى عامهم الذى مضى، وما ينوون عمله فى العام القادم، وفوق ذلك تكون تقارير عيونه بين يديه قبل مجىء الولاة، بحيث تكون أمورهم كلها واضحة، ولا يستطيع أحد منهم أن ينكر شيئًا، ولما كانوا يعرفون ذلك فإنهم حرصوا على أن تكون سجلات أعمالهم نظيفة، فالخليفة لا يتهاون فى حساب المقصر أو من تثبت عليه مخالفة لشرع الله. سادسًا: محاسبة الولاة والأمراء: دأب «عمر بن الخطاب» على محاسبة كل والٍ مقصر، أو من يشتبه أنه قصر فى عمله، لا يمنعه من ذلك كون الوالى كبير القدر أوصاحب سابقة فى الإسلام، وقلما نجا والٍ من ولاته من المحاسبة، وإذا كان الجرم صغيرًا يمكن إصلاحه؛ اكتفى بالتوبيخ، ورد الوالى إلى عمله كما فعل مع «سعد بن أبى وقاص»، أما إذا كان الجرم كبيرًا من وجهة نظره؛ فإنه يأمر بعزل الأمير على الفور، ومن أشهر إجراءاته فى هذا المجال: عزله «خالد بن الوليد» حين علم بأنه أعطى «الأشعث بن قيس» عشرة آلاف درهم، فساورته شكوك فى أن من يعطى عشرة آلاف مرة واحدة لرجل واحد، كم يكون لديه؟ فأمر «أبا عبيدة بن الجراح» أمير الأمراء فى الشام

بمحاكمة «خالد» ومقاسمته ماله، فامتثل «خالد» لهذا العزل كما امتثل من قبل للعزل الأول عن القيادة العامة. ولم يكن «عمر» يقصد بهذا التصرف الإساءة إلى «خالد» قط، وإنما كان يريد أن يعلم الجميع أن الإسلام فوقهم، وليس هناك استثناء لمخالف، ولو كان قائدًا عظيمًا فى مكانة «خالد». سابعًا: القدوة الحسنة: أدرك «عمر» أثر القدوة فى سياسة الناس، وأن عليه أن يعلم الناس بأعماله قبل أن يعلمهم بأقواله. وكثيرًا ما كان يردد للناس قوله: «سأسوكم بالأعمال وليس بالأقوال»، وأن الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله، فإن رتع الإمام رتعوا. وكان «عمر» قدوة فى حياته الخاصة، يعيش كما يعيش عامة الناس دون تميز، وحين فرضوا له عطاءً (راتبًا) من بيت مال المسلمين، ليعول منه أسرته قدروا له راتبًا يمكنه من معيشة رجل من أوسط الناس، لا أغناهم ولا أفقرهم. وفوق ذلك هو يشارك المسلمين ويواسيهم إذا أصابهم ضر، كما حدث فى عام «الرمادة» المشهور سنة (18هـ) الذى أصاب الناس فيه مجاعة شديدة فى شبه الجزيرة العربية لقلة الأمطار، فكان يجلب إليهم الأقوات من الأمصار، ويأكل مما يأكله الناس، حتى ساءت صحته، فنصحه بعض أصحابه بأن يحسِّن من طعامه، ليقوى على العمل وإنجاز مصالح المسلمين، لكنه أجاب بقوله: «كيف يعنينى شأن الرعية إذا لم يصبنى ما أصابهم؟». ولا شك أن ما عبر عنه الخليفة «عمر» هو مفتاح الحكم الصالح فى كل عصر وزمان فيوم يحس الحاكم بإحساس شعبه فسوف يستقيم الحكم، وينصلح حال الرعية، ويوم ينفصل الحاكم عن شعبه، وتكون له حياته الخاصة، فحينئذٍ ينفتح باب الفساد. وقد حرص «عمر» على أن يجعل من أبنائه وأهله قدوة كذلك، فأخذهم بما أخذ به نفسه، لأنه الناس ينظرون إليهم، وكان يقول لهم إذا عزم على أمر يهم المسلمين: «لقد عزمت على كذا وكذا، أو نهيت الناس عن كذا وكذا، وأقسم بالله لو خالفنى أحد منكم لأضاعفن له العقوبة». بهذه

الإجراءات حصن «عمر» نفسه وأولاده وكل من يلوذون به ضد أية انحرافات أو إغراءات، فأطاعه المسلمون وأحبوه سواء أكانوا أمراء أم من عامة الناس، ولم يعرف التاريخ رجلا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» أطاعه كبار الأمراء وصغارهم كما أطاعوا «عمر بن الخطاب»، لا لهيبته فى عيونهم فحسب، بل للقدوة الحسنة فى حياته وانضباطه الشديد، ولهذا كله احتل مكانة عالية فى التاريخ الإنسانى. لم ترتبط صفة من صفات «عمر» الكثيرة باسمه كما ارتبطت به صفة العدل، فإذا ذُكر «عمر» ذكر الناس عدله، الذى كان لا يفرِّق بين قريب وبعيد، أو كبير وصغير، أو صديق وعدو، والأخبار المتواترة فى ذلك أكثر من أن تحصى، ولعل قصته مع «أبى مريم السلولى» قاتل أخيه «زيد» فى معركة «اليمامة» أصدق مثال على تجرده فى عدله، وعدم خلطه بين عواطفه ومسئولياته باعتباره حاكمًا يُجرى العدل بين الناس. فحين قابل «عمر» - وهو خليفة - قاتل أخيه بعد أن أسلم، قال له: أأنت قاتل «زيد بن الخطاب»؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله لا أحبك أبدًا، فقال «أبو مريم»: أو تمنعنى بذلك حقا لى، قال: لا. قال: إذًا يا أمير المؤمنين إنما يأسى على الحب النساء. يريد أنه مادام لا يظلمه الخليفة فلا يعنيه أحبه أم كرهه، لأن النساء هن اللائى يأسفن على الحب. ولا لوم على «عمر» فى التعبير عن عواطفه التى لا يملكها تجاه قاتل أخيه، فقد ورد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لوحشى قاتل عمه «حمزة بن عبدالمطلب» حين رآه بعدما أسلم: «غيِّب وجهك عنى يا وحشى لا أراك». ولكن للقصة دلالة على ضبط النفس والتجرد المطلق لعمر ابن الخطاب، فلم يحمله غضبه من قاتل أخيه على ظلمه. وامتد عدل «عمر» ليشمل كل من يعيش على أرض الإسلام، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فحين رأى يهوديا يتسول أحزنه ذلك. وأخذ الرجل من يده، وأعطاه معونة عاجلة من بيت

الدقيق (8)، وأمر له براتب دائم من بيت مال المسلمين. إحساسه بالمسئولية: بلغ من شدة إحساس «عمر» بالمسئولية أنه لم يكتفِ بأن يكون مسئولا عن حياة البشر الذين يعيشون فى دولته، بل مسئولا عن البهائم والدواب أيضًا. وذلك فى مقولته الشهيرة: «والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد - أسوى - لها الطريق». وأعمال «عمر» العظيمة من الفتوحات واستكمال بناء الدولة ومؤسساتها لم تشغله عن متابعة أحوال الناس وتفقدها؛ ليقف على أوجه النقص ليتلافاها أولا بأول، فكان كثير الطواف ليلا بالمدينة، وسمع ذات ليلة طفلا يبكى بكاء مستمرا، فسأل عن أمره، فعرف أن أمه منعت عنه الرضاع، لأنه لا يُفرض عطاء من بيت المال إلا للأطفال المفطومين، فانزعج «عمر»، وأصدر أوامره أن يفرض عطاء لكل مولود فى الإسلام، ونادى مناديه: لا تعجلوا فطام أولادكم. وحوادث «عمر» التى من هذا القبيل كثيرة، وقد يظنها بعض الناس أنها من المبالغات، ولكنها متواترة فى المصادر التى أرَّخت لعمر وعصره، فمن يصدق أن خليفة المسلمين يأخذ امرأته «أم كلثوم بنت على بن أبى طالب» ومعها كل ما تحتاج إليه عملية ولادة، لمساعدة امرأة غريبة جاءها المخاض، فيشترك هو معها فى الإشراف على ولادتها؛ وصنع الطعام لها، ولما أنجز مهمته، قال لزوج المرأة: «إذا كان الغد فأتنا نأمر لك بما يصلحك»، ففعل الرجل فأجازه وأعطاه. عمر والقضاء: عندما بويع «أبو بكر» بالخلافة شكى لعمر من كثرة أعبائها وخوفه من عدم النهوض بكل مسئولياتها، فقال له «عمر»: «أنا أكفيك القضاء وأبو عبيدة يكفيك الأموال»، ومعنى ذلك أن «عمر» كان قاضيًا لأبى بكر. وفى عهد «عمر» اتسعت الدولة، واحتاج كل إقليم إلى قاضٍ، فعين «عمر» القضاة وكان يدقق فى اختيارهم، فعين: «شريح بن الحارث الكندى» على قضاء «الكوفة»، و «أبا الدرداء» على قضاء الشام، و «عثمان بن

قيس» على قضاء «مصر». ولم يكن «عمر» فى حاجة إلى سن قوانين للقضاة، لأنهم يحكمون طبقًا لكتاب الله وسنة رسوله، ولكنه كان فى حاجة إلى تعليمهم كيف يتصرفون حين يلتبس الأمر عليهم، وقد كتب لأحدهم يقول له: «فإن جاءك أمر ليس فى كتاب الله ولم تكن فيه سنة من رسول الله، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أى الأمرين شئتَ، إن شئتَ أن تجتهد رأيك وتقدِّم فتقدم، وإن شئتَ أن تأخَّر فتأخر». ومن أعظم وصاياه للقضاة وصيته لأبى موسى الأشعرى، ومما جاء فيها: «آس - أى سوِّ بين الناس فى مجلسك ووجهك - حتى لا يطمع شريف فى حيفك - ظلمك - ولا ييأس ضعيف من عدلك، والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرَّم حلالا أو حلل حرامًا .. ». إصلاحات عمر بن الخطاب وإنشاءاته: لعمر بن الخطاب كثير من الإصلاحات والإنشاءات التى لم يُسبق إليها، وسماها مؤرخو سيرته «أوليات عمر»، فهو أول من سُمى أمير المؤمنين، وأول من اتخذ حادث الهجرة مبدأ التاريخ للدولة الإسلامية، بعد أن استشار فى ذلك كبار الصحابة، وهو أول من اتخذ بيت المال، وهو يشبه خزانة الدولة، وأول من مصَّر الأمصار ، أى بنى مدنًا جديدة كالبصرة و «الكوفة» فى «العراق»، و «الفسطاط» - حى مصر القديمة حاليا - فى «مصر»، وأول من وسَّع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأدخل فيه دار «العباس بن عبدالمطلب»، وفرشه بالحصباء، أى الحجارة الصغيرة، وكانوا قبل ذلك يصلون على التراب. وهو أول من دوَّن الدواوين، وهى تشبه الوزارات فى الوقت الحاضر، وقد اقتبس هذا النظام من الفرس والروم، فأنشأ «ديوان العطاء»، وكان مختصًا بالعطاء الذى فرضه «عمر» للمسلمين، وأنشأ «ديوان الجند» - وزارة الدفاع حاليًا - و «ديوان الخراج» - وزارة المالية - و «نظام البريد» الذى كان يُستخدم فى أمور الدولة. ومن أعظم اجتهاداته إبقاؤه الأرض المفتوحة فى أيدى أهلها يزرعونها،

ويدفعون خراجًا -إيجارًا - للدولة، تنفق منه على الجيش والمرافق العامة، كما أمر بإعادة مسح الأرض - أى قياسها واختبارها - ووضع الخراج المناسب عليها. حسب جودة الأرض. وهو أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فوضع على الأغنياء ثمانية وأربعين درهما للفرد الواحد فى السنة، وعلى متوسطى الحال أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقراء القادرين على الكسب اثنى عشر درهمًا، وأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال ورجال الدين والعاجزين عن الكسب، وقد سبق القول إنه فرض للعاجزين عن الكسب من أهل الذمة عطاءً من بيت المال. وكما ترك «عمر بن الخطاب» الأرض لأهلها يزرعونها؛ ترك معظم الدواوين - وبخاصة «ديوان الخراج» - فى أيدى أبناء البلاد المفتوحة يزاولونها بلغاتها؛ لأنها كما يقول العقاد: «ليست من أسرار الدولة، وليس من الميسور أن ينصرف إليها فتيان العرب عما هو أولى بهم، وهو فرائض الدفاع والجهاد». ولاشك أن ترك تلك الأعمال فى أيدى أبناء البلاد المفتوحة كان مبعث ارتياح لهم، فاطمأنوا للحكم الإسلامى، بل أخذوا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون اللغة العربية. استشهاده: فى يوم الأربعاء الموافق 26 من شهر ذى الحجة سنة 23هـ وبينما «عمر بن الخطاب» يسوِّى صفوف المسلمين فى صلاة الفجر كعادته كل يوم، وبدأ ينوى مكبرًا للصلاة، إذا بأبى لؤلؤة المجوسى يسدد للخليفة عدة طعنات بخنجر مسموم، فقطع أمعاءه، وسقط مغشيًا عليه، واضطرب المسلمون فى الصلاة اضطرابًا شديدًا من هول المفاجأة، وأقبلوا على القاتل محاولين القبض عليه، لكنه أخذ يضرب شمالا ويمينًا بدون هدى، فأصاب اثنى عشر من الصحابة، مات ستة منهم، ثم أتاه رجل من خلفه وألقى عليه رداءه وطرحه أرضًا فلما أيقن «أبو لؤلؤة» أنه مقبوض عليه لا محالة، طعن نفسه بالخنجر الذى طعن به أمير المؤمنين، ومات على الفور قبل موت الخليفة نفسه ومات معه السر الخفى الذى

دفعه إلى هذه الجريمة البشعة. حمل المسلمون الخليفة إلى بيته، وظل فاقد الوعى فترة طويلة، فلما أفاق كان أول سؤال سأله للمسلمين: هل صليتم الصبح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله، لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم سأل: من الذى قتلنى؟ قالوا: «أبو لؤلؤة» غلام «المغيرة بن شعبة». قال: الحمد لله الذى جعل منيتى على يد رجل كافر، لم يسجد لله سجدة واحدة يحاجنى بها عند الله يوم القيامة. أيقن «عمر بن الخطاب» بعد طعنه أنه لم يبق من عمره سوى ساعات، وكذلك أيقن المسلمون، ولذا ألحوا عليه أن يختار لهم من يخلفه فيهم، فرشَّح لهم ستة من الصحابة، هم بقية العشرة المبشرين بالجنة، يختارون من بينهم واحدًا للخلافة، ومع أن ابن عمه «سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل» واحد من العشرة المبشرين بالجنة، فقد استبعده من الترشيح، خوفًا أن يقع عليه الاختيار لقرابته منه، كما استبعد ابنه «عبد الله» من الترشيح تمامًا، بل رد على من اقترح عليه ترشيحه ردا قاسيًا، إبعادًا لشبهة الوراثة عن نظام الحكم الإسلامى، وجعل الأمر فى يد الأمة تختار الأصلح ليتولى أمرها. قال «عمر» لهم: «عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم من أهل الجنة، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم، ولست مدخله فيهم، ولكن الستة، هم: على بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله». واهتم «عمر» وهو فى تلك الحال بأمر دفنه، وطلب أن يُدفن إلى جوار الرسول - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق» - رضى الله عنه - فى بيت «عائشة»، لينعم بصحبته فى الآخرة كما نعم بها فى الدنيا، فأرسل ابنه «عبد الله» إلى «عائشة» - رضى الله عنهما - وقال له: قل لها: «عمر» يقرأ عليك السلام ويستأذنك فى أن يُدفن مع صاحبيه، فأتاها «عبد الله» فوجدها تبكى، فسلم عليها، ثم قال لها ما أمره به أبوه، فقالت: «كنت والله أريده

لنفسى - أى المكان - ولأوثرنه به اليوم على نفسى»، فلما رجع «عبدالله»، وأخبر أباه أن «عائشة» أذنت له، تهلل وجهه، وقال: الحمد لله ماكان شىء أهم إلى من ذلك المضجع. وفى اليوم التالى لطعنه أى يوم الخميس الموافق 27 من ذى الحجة سنة 23هـ فاضت روح «عمر» بعد أن قضى فى الخلافة عشر سنوات وبضعة شهور، وكُفن فى ثلاثة أثواب أسوة بكفن رسول الله، وصلى عليه «صهيب الرومى» -رضى الله عنه - وكان «عمر» قد أمره أن يصلى بالناس بعد طعنه، ودُفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و «أبى بكر الصديق».

*عثمان بن عفان

*عثمان بن عفان هو «عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف»، ولِد بعد «عام الفيل» بست سنوات (576م)، وأمه «أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس»،فعثمان يلتقى فى نسبه من جهة أمه وأبيه مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «عبدمناف». كان ربعة من الرجال، ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه أبيض مشربًا بحمرة، غزير الشعر يكسو ذراعيه شعر طويل، طويل اللحية، ومن أحسن الناس ثغرًا. أجمعت المصادر التى أرخت له على وصفه بسماحة النفس، ورقة المشاعر، وكان رضى الخلق، كريمًا، شديد الحياء، صوَّامًا قوَّامًا، محبوبًا من الناس فى جاهليته وإسلامه. وتحدث هو عن نفسه فقال: لقد اختبأت لى عند ربى عشرًا، إنى لرابع أربعة فى الإسلام، ولقد ائتمننى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنته - رقية - ثم توفيت، فزوجنى الأخرى - أم كلثوم - ووالله ما سرقت ولا زنيت فى جاهلية ولا إسلام قط ولا تغنيت، ولا تمنيت ولا مسحت فرجى بيمينى منذ بايعت رسول الله، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله، ولا مرت بى جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، فإن لم أجد فيها رقبة أعتقت فى التى تليها رقبتين. أسلم «عثمان» مبكرًا، وكان الذى دعاه إلى الإسلام هو «أبو بكر الصديق»، وجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على يديه بعد إسلام «أبى بكر» مباشرة، ولذا كان يقول: «إنى لرابع أربعة فى الإسلام بعد «أبى بكر» و «خديجة» و «زيد بن حارثة»، وحرص عثمان على إسلامه أشد الحرص، على الرغم من الضغوط التى تعرض لها، فعندما علم عمه «الحكم بن أبى العاص» بإسلامه أوثقه بالحبال، وقال له: «ترغب عن دين آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أدعك حتى تدع ما أنت فيه» فأجابه «عثمان»: «والله لا أدعه أبدًا ولا أفارقه». تزوج «عثمان بن عفان» من ابنتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتزوج «رقية»، وظلت معه حتى تُوفيت

يوم انتصار المسلمين فى غزوة «بدر»، ولهذا لم يحضر «عثمان» «بدرًا»، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره بالبقاء معها لتمريضها، وقد عده النبى - صلى الله عليه وسلم - من البدريين رغم غيابه عن المعركة، وفرض له فى غنائمها، ثم زوجه النبى - صلى الله عليه وسلم - ابنته «أم كلثوم»، ولهذا لُقب بذى النورين، فلما توفيت فى العام التاسع من الهجرة؛ حزن «عُثمان» حزنًا شديدًا؛ لانقطاع مصاهرته للنبى - صلى الله عليه وسلم -، فواساه مواساة رقيقة قائلا: «لو كانت لنا أخرى لزوجناكها يا عثمان». جاهد «عثمان بن عفان» منذ أن أسلم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - بماله ونفسه، فهاجر الهجرتين: إلى «الحبشة» وإلى «المدينة»، وصاحبته زوجه رقية بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتحمل كثيرًا من الأذى. بذل «عثمان» ماله فى سبيل الله ونصرة دعوته، وكان من أكثر «قريش» مالا، فاشترى «بئر رومة» باثنى عشر ألف درهم، وجعلها للمسلمين فى «المدينة»، وكانوا يعانون من قلة المياه، وغلاء أسعارها. كما أنفق ماله فى تجهيز الجيوش وبخاصة جيش العسرة فى غزوة «تبوك» فى العام التاسع من الهجرة، فقد جهز وحده ثلث الجيش، وكان عدده نحو ثلاثين ألفًا، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير، وقال: «ماضر عثمان مافعل بعد اليوم»، قالها مرتين. وشهد «عثمان» المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عدا غزوة «بدر»، فقد تخلف عنها بأمر من النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأرسله النبى إلى «مكة» عام «الحديبية» لمفاوضة «قريش»، بعد اعتذار «عمر بن الخطاب» لرسول الله بقوله: «إنى أخشى على نفسى من «قريش» لشدتى عليها وعداوتى إياها، ولكنى أدلك على رجل أمنع وأقوى بها منى، عثمان بن عفان». ولما أشيع أن «قريشًا» قد قتلت «عثمان»، قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانوا فعلوها فلن نبرح حتى نناجزهم»، وبايعه أصحابه «بيعة الرضوان» تحت

الشجرة، وبايع النبى نفسه نيابة عن «عثمان»، وقال: «إن عثمان بن عفان فى حاجة الله وحاجة رسوله» وضرب بإحدى يديه على الأخرى مشيرًا إلى أن هذه بيعة «عثمان»، فكانت يد النبى - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرًا من أيديهم لأنفسهم. وكان من كُتاب الوحى كما هو معلوم. والأحاديث الواردة فى فضل «عثمان بن عفان» وثناء النبى عليه كثيرة، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة؟». وكان عثمان بن عفان قريبًا من الخليفتين، «أبى بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب»، وموضع ثقتهما وأحد أركان حكومتهما، ومن كبار مستشاريهما، وكان يكتب لهما، وهو الذى كتب كتاب ولاية العهد من «أبى بكر» إلى «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنهما - وترتيب «عثمان» فى الفضل بين الصحابة كترتيبه فى تولِّى الخلافة عند جمهور علماء الأمة. لم يشأ «عمر بن الخطاب» أن يعهد بالخلافة إلى شخص بعينه، وقال: «إن أعهد - يعنى لشخص محدد - فقد عهد من هو خير منى - يقصد أبا بكر عندما عهد إليه هو نفسه - وإن لم أعهد فلم يعهد من هو خير منى - يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تركها شورى بين المسلمين». ولعل اجتهاده أدَّاه إلى أن تصرف الرسول و «أبى بكر» يعطى له الفرصة أيضًا أن يختار طريقة أخرى لاختيار من يخلفه، ليثرى بذلك طرق الاختيار، وليرسخ فى أذهان الناس أن أمر اختيار الحاكم منوط دائمًا بالأمة وإرادتها ورضاها، وهى التى تملك محاسبته وعزله إن ارتكب ما يوجب العزل. رشح «عمر بن الخطاب» ستة من الصحابة، ليتولى واحد منهم منصب الخلافة، ولم يأمر أحدًا منهم أن يصلى بالناس إمامًا، حتى لا يظن الناس أنه يميل إليه، بل أمر صهيبًا أن يصلى بالناس، لتكون فرصتهم فى الاختيار متساوية، وشدد على ألا تمضى ثلاثة أيام بعد وفاته إلا ويكون عليهم أمير من هؤلاء الستة يتولى مسئولية الخلافة ويتحمل تبعاتها. وبعد

أن فرغ المسلمون من دفن «عمر»، شرع المرشحون الستة فى التفاوض، وبعد نقاش طويل اقترح عليهم «عبد الرحمن بن عوف» أن يتنازل عن حقه فى الخلافة. ويتركوا له اختيار الخليفة، فوافقوا على ذلك، فشرع فى معرفة آرائهم واحدًا بعد واحد على انفراد، فرأى أن الأغلبية تميل إلى «عثمان»، ثم أخذ يسأل غيرهم من الصحابة، «فلا يخلو به رجل ذو رأى فيعدل بعثمان». اطمأن «عبد الرحمن» إلى أن الأغلبية تزكى «عثمان بن عفان» فأعلن ذلك على ملأ من الصحابة فى مسجد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان يعلم أن الذى يلى «عثمان» فى المنزلة عند الصحابة، هو «على بن أبى طالب»، الذى مال إليه عدد منهم، فإنه رأى أن يوضح له أن الأغلبية مع «عثمان»، فقال له: «أما بعد ياعلى، فإنى نظرت فى الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا» - كأنه يحذره من المخالفة- ثم أخذ بيد «عثمان»، فقال: «نبايعك على سنة الله ورسوله، وسنة الخليفتين بعده»، فبايعه «عبد الرحمن»، وبايعه المهاجرون والأنصار؛ ولم يتخلف أحد عن بيعته من الصحابة، وكان ذلك بعد وفاة «عمر» بثلاثة أيام. استقبل «عثمان» بخلافته أول المحرم سنة 24هـ، وصعد المنبر بعد تمام البيعة، وخطبهم قائلا -بعد حمد الله والصلاة على رسوله-: «إنكم فى دار قلعة -أى دار الدنيا - وفى بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه .. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، اعتبروا بما مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفُل عنكم، أين أبناء الدنيا وإخوانها: الذين أثاروها وعمروها، ومتعوا بها طويلا، ألم تلفظهم؟ ارموا الدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة .. ». وأول ما يُلاحظ على الخطبة الأولى، التى افتتح بها «عثمان» خلافته، خلوها من الإشارة إلى المنهج الذى سيسير عليه، ولعله اكتفى بما قاله لعبد الرحمن بن عوف لحظة البيعة، من أنه سيعمل بكتاب الله،

وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين بعده. كتب «عثمان» - رضى الله عنه - فى الأيام الأولى من خلافته عددًا من الكتب إلى الولاة وأمراء الجند، بل وإلى عامة الناس، تتضمن نصائحه وإرشاداته، يقول «الطبرى»: أول كتاب كتبه «عثمان» إلى عماله: «أما بعد فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة - يرعون مصالح الأمة - ولم يتقدم إليهم - أى لم يطلب منهم - أن يكون جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا دعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا دعاة، فإن عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا فى أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم مالهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذى لهم، وتأخذوهم بالذى عليهم، ثم العدو الذى تنتابون، فاستفتحوا عليهم بالوفاء». وكتب إلى أمراء الأجناد وقادة الجيوش: «أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا، بل كان عن ملإ منا، فلا يبلغنى عن أحد منكم تغيير ولا تبديل، فيغير الله ما بكم، ويستبدل بكم غيركم، فانظروا كيف تكونون، فإنى أنظر فيما ألزمنى الله النظر فيه، والقيام عليه». وكتب إلى عمال الخراج المسئولين عن الشئون المالية: «أما بعد فإن الله خلق الخلق بالحق، ولا يقبل إلا الحق، خذوا الحق، وأعطوا الحق، والأمانة الأمانة، قوموا عليها، ولا تكونوا أول من يسلبها .. والوفاء الوفاء، ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد، فإن الله خصم لمن ظلمهم». وكتب إلى عامة الرعية: «أما بعد فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمرهذه الأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع». وهذه الكتب توضح سياسة «عثمان بن عفان» العامة، التى كان يتوخى أن يتبعها عماله وولاته فى إدارة شئون الأمة، وهى سياسة طابعها الرفق بالرعية، والسهر على مصالحها، والإنصاف فى جمع الخراج، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، والإحسان إلى

أهل الذمة، ورعاية جميع طوائف الأمة. وفى عهده استمر المسلمون فى فتح شمال أفريقيا كما تم نشأة الأسطول الإسلامى للدفاع عن الثغور الإسلامية وكان مما قام به هذا الأسطول هو فتح جزيرة قبرص سنة 28 هـ وإلحاق الهزيمة بالأسطول البيزنطى فى معركة ذات الصوارى سنة 34 هـ. مصحف عثمان: إذا كان لعهد «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - أن يفخر بما أنجز فيه من الأعمال العظيمة؛ فإن له أن يفخر بما هو أعظم منها جميعًا، وهو جمع القرآن الكريم على لغة واحدة. للقرآن صورتان: صورة صوتية مقروءة، وأخرى مكتوبة مدونة، وقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تدوين الآيات فور نزولها، وقبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى راجع مع «جبريل» - عليه السلام - ترتيب الآيات والسور مرتين. وقد حفظ الصحابة القرآن باللهجات التى درجوا عليها، وأجاز لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولذا ظهرالاختلاف فى وجوه القراءة بين الصحابة من بدء نزول القرآن، نتيجة للهجة التى اعتادها اللسان. ولما جُمِعَ القرآن الكريم الجمع الأول فى الصحف فى عهد «أبى بكر» بهيئته المكتوبة، بقيت الصورة الصوتية كما هى، ولما فُتحت البلاد وتفرق الصحابة فيها، أخذ أهل كل إقليم يقرءون القرآن بقراءة الصحابى أو الصحابة الذين عاشوا بينهم، فتمسك أهل «الكوفة» بقراءة «عبد الله بن مسعود»، وأهل الشام بقراءة «أبى بن كعب»، وأهل «البصرة» بقراءة «أبى موسى الأشعرى»، ومع اتساع الفتوحات، زاد الخلاف بين المسلمين حول قراءة القرآن، وتحول الأمر إلى تعصب، بل كاد أن يؤدى إلى فتنة بينهم، مما أفزع «حذيفة بن اليمان» الصحابى الجليل، وكان يقرأ فى «أذربيجان»، فرجع إلى «المدينة»، وأخبر «عثمان بن عفان»» بما رأى. جمع «عثمان» الصحابة، وأخبرهم الخبر، فأعظموه، ورأوا جميعًا مارأى «حذيفة» من ضرورة جمع الناس على مصحف واحد، وأرسل «عثمان» إلى أم المؤمنين «حفصة بنت عمر» أن تبعث إليه بالمصحف الذى جُمع فى عهد

«أبى بكر» - وكان «عمر بن الخطاب» قد أخذه بعد وفاة «أبى بكر»، ثم حُفظ بعد موته عند ابنته «حفصة» - ثم أمر «زيد بن ثابت» - الذى جمع القرآن الجمع الأول فى عهد «أبى بكر الصديق» - و «عبدالله بن الزبير»، و «سعيد بن العاص»، و «عبدالرحمن بن الحارث بن هشام»، أن ينسخوه، وقال لهم: إذا اختلفتم - يعنى فى كلمة أو كلمات- فاكتبوها بلسان «قريش»، فإنما نزل بلسانهم، فلما نسخوه، أرسل إلى كل إقليم مصحفًا وأمر بإحراق ما سوى ذلك، وقد سمى هذا المصحف بالمصحف الإمام أو «مصحف عثمان». الفتنة وأسبابها: سارت الأمور فى الدولة الإسلامية على خير ما يرام فى الشطر الأول من خلافة «عثمان» - رضى الله عنه - (24 - 30هـ)،ولكن مع بداية سنة (31هـ) هبت على الأمة الإسلامية رياح فتنة عاتية، زلزلت أركانها، وكلفتها تضحيات جسيمة، واستمرت هذه الفتنة نحو عشر سنين، شملت ما تبقى من خلافة «عثمان بن عفان»، وكل زمن خلافة «على بن أبى طالب» -رضى الله عنهما- (31 - 40هـ). ومما لاشك فيه أن تلك الفتنة كانت نتيجة لمؤامرة واسعة النطاق كانت أحكم فى تدبيرها، وأوسع فى أهدافها، وأخطر فى نتائجها من مؤامرة اغتيال «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه -، لأن اغتيال «عمر» لم يخلف آثارًا خطيرة بين المسلمين، ولم يقسمهم شيعًا وأحزابًا كما حدث فى آخر عهد «عثمان»، ولأن الذين خططوا لقتل «عمر» والذين قاموا بتنفيذ ذلك كانوا غير مسلمين وغير عرب، فى حين أن الذين قتلوا «عثمان» و «عليا» من بعده كانوًا عربًا مسلمين، وهذا هو وجه الخطورة، حتى وإن كان التخطيط من غيرهم. والذى لاشك فيه أن الذى تولى التخطيط للفتنة، وقتل «عثمان»، وإغراق الأمة فى بحر من الدماء، هو «عبد الله بن سبأ» اليهودى، الذى ادعى الإسلام؛ ليتمكن من الكيد له من داخله، والذى لُقِّب بابن السوداء. وقبل الحديث عنه يحسن تناول الظروف والأجواء التى كانت سائدة فى عهد «عثمان» - رضى الله عنه - واستغلها «ابن سبأ»

لتحقيق أهدافه المدمرة: أولا: تغيرت الظروف فى آخر حياة «عثمان» بل وفى بداية خلافته عما كانت عليه فى خلافة «عمر بن الخطاب»، وربما كان هذا تطورًا طبيعيا فى حياة الأمة، فقد كثرت الغنائم فى أيدى الناس، وبدءوا يتوسعون فى المأكل والملبس والمشرب، وبخاصة الجيل الجديد من العرب الذى دخل فى الإسلام بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتأدب بآدابه، ولم يتعود حياة القناعة والقصد فى المعيشة التى كان يحياها الصحابة فى حياته - صلى الله عليه وسلم -. ولم يُرضِ ذلك التوسع فى المعيشة صحابيا جليلا اشتهر بالزهد، هو «أبو ذر الغفارى»، فسخط على «عثمان» وولاته وعماله، وحملهم مسئولية ذلك التطور الاجتماعى الطبيعى الذى لم يكن من صنعهم، وراح ينادى بتحريم امتلاك المسلم لشىء من المال فوق حاجة يومه وليلته، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}. التوبة: 34]. ولم يوافق أحد من الصحابة «أبا ذر» فيما نادى به، وكانوا يرون أن المال إذا جُمع من حلال، وأدى عنه صاحبه حق الله وهو الزكاة: لا يعتبر كنزًا، ولا تنطبق عليه الآية موضع الاستشهاد، والنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخزن مؤنة بيوته لمدة سنة إذا كانت الظروف تسمح بذلك، وتشريع الله للمواريث فى نظام دقيق يقتضى ترك الميت ثروة تقسم بين ورثته، وكثير من الصحابة كانوا أغنياء على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعب النبى - صلى الله عليه وسلم - ثراءهم، بل يُروى أنه قال: «نعم المال الصالح للمرء الصالح». [مسند أحمد]. وقد نصح النبى - صلى الله عليه وسلم - «سعد بن أبى وقاص» حين أراد أن يتصدق بماله كله بقوله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». [صحيح البخارى، كتاب الجنائز]. ولو أن «أبا ذر الغفارى» - رضى الله عنه - احتفظ برأيه لنفسه، لكان الأمر هينًا، ولكنه أذاعه فى

الناس؛ ووجد صداه عند الكسالى والذين يريدون أن يعيشوا عالة على غيرهم، فألبوا الناس على «عثمان» وولاته، وكانت تلك الدعوة سببًا من أسباب الفتنة. وعلى الرغم من اعتزال «أبى ذر» الناس فى الربذة «شرقى المدينة» امتثالا للخليفة؛ فإن دعوته كانت قد استشرت، وتلقفها «ابن سبأ» اليهودى وأشعلها بين الناس. ثانيًا: شارك عدد كبير من أهل «اليمن» ومنطقة «الخليج» فى الفتوحات الإسلامية، وكان دورهم فى تحقيق النصر لا ينكر، ولكنهم وجدوا بعد الفتح أن الإمارات والوظائف الرئيسية قد أُسندت إلى غيرهم وبخاصة أبناء «قريش»، وكبار المهاجرين والأنصار وأبنائهم، فلم يعجبهم ذلك، ورأوا أنفسهم أحق بالإمارات التى فتحوها بسيوفهم، مع أنه كان من الضرورى أن يتولى المهاجرون والأنصار هذه الولايات؛ لأنهم يعرفون الإسلام وشرائعه أكثر، فقدمهم علمهم وفقههم فى الدين وسابقتهم فى الإسلام، وجهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أنسابهم وأحسابهم. ونتيجة لذلك تكونت جبهة عريضة من أبناء تلك المنطقة معارضة لسيطرة أبناء المهاجرين والأنصار على الدولة الإسلامية، ولم تكن شكواهم من الولاة واتهامهم بالظلم حقيقية، بل كانت ذريعة للنيل منهم، ومن الخليفة «عثمان»، وهدفًا لقلب الدولة وتغيير نظام الحكم المتهم بالظلم، وهؤلاء كانوا صيدًا سمينًا لابن سبأ فاستغل السخط الذى ملأ قلوبهم لتحقيق هدفه الشرير. ثالثًا: عندما بدأت هذه الفتنة كان معظم ولاة الأقاليم من «قريش»، بل من «بنى أمية» أهل «عثمان»، وأقربائه، مما سهل على «ابن سبأ» مهمته فى إشعال نار الفتنة، والحق أن هؤلاء الولاة، وهم «معاوية بن أبى سفيان» والى الشام، و «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» والى «مصر»، و «عبدالله بن عامر» والى «البصرة»، و «الوليد بن عقبة» والى «الكوفة»، كانوا من خيرة الولاة، وممن أسهموا فى تثبيت الفتوحات الإسلامية بعد استشهاد «عمر»، وممن مارسوا الحكم قبل خلافة «عثمان»، بل

إن «معاوية بن أبى سفيان» كان واليًا على الشام من عهد «أبى بكر الصديق». ومن ثم لم يولِّهم «عثمان» لهوى فى نفسه، أو لأنهم من أقربائه، بل ولاهم لكفايتهم ومقدرتهم الإدارية. ومما يؤسف له أن بعض الكتاب الكبار صوَّروا الأمر على غير ما تقتضيه الحقيقة التاريخية، وكأن «عثمان بن عفان» أتى بهؤلاء الولاة من قارعة الطريق، وعينهم على الولايات الكبيرة، وحملهم على رقاب الناس؛ لأنهم أقرباؤه فحسب. ويذهب بعضهم إلى تصوير أمر استعفاء «عمرو بن العاص» من إمارة «مصر» بناء على طلبه على أنه عزل من «عثمان» ليعين مكانه أخاه من الرضاعة «عبدالله بن سعد»، ولا يذكر شيئًا مما يعرضه مؤرخو «مصر» الإسلامية كابن عبدالحكم و «الكندى»، من أن «عبدالله بن سعد» كان واليًا على صعيد «مصر» من قبل «عمر بن الخطاب»، فلما تولى «عثمان بن عفان» الخلافة طلب منه «عمرو بن العاص» أن يخصه وحده بإمارة «مصر» كلها، فرفض «عثمان»، فاعتزل «عمرو» الولاية بناء على طلبه، ولم يعزله «عثمان بن عفان». رابعًا: أن من أبناء البلاد المفتوحة وبخاصة بلاد فارس، من لم يسترح إلى سيادة العرب عليهم، وسيطرتهم على بلادهم، وهم الذين كانوا بالأمس يحتقرونهم وينظرون إليهم فى استعلاء، فعزَّ على أنفسهم ذلك، فلم يتركوا فرصة لزعزعة الدولة الإسلامية إلا وانتهزوها، خاصة من لم يتمكن الإسلام فى قلوبهم منهم، وهؤلاء كان لهم دور فى إثارة الفتنة على «عثمان»، واستمر حتى آخر العصر الأموى. خامسًا: أن كل ما تقدم كان يمكن تداركه وعلاجه، بل إن «عثمان» - رضى الله عنه - حاول إجابة كل مطالب الثائرين عليه والمؤلبين للناس ضده، لكنهم لم يقتنعوا؛ لأن الخليفة لان معهم وحلُم عليهم أكثر مما كان ينبغى، ولو أخذهم بالشدة والحزم كما كان يفعل «عمر بن الخطاب» مع أمثالهم لارتدعوا، ولحُسمت الفتنة. عبدالله بن سبأ: هو رجل يهودى من «صنعاء» ادعى الإسلام فى عهد «عثمان»،

وأخذ يبث فى المسلمين أفكارًا غريبة وبعيدة عن الإسلام، مثل قوله بالوصية أى أن «على بن أبى طالب»، هو وصى النبى - صلى الله عليه وسلم - وخليفته من بعده، ومعنى ذلك أن الخلفاء الثلاثة، «أبا بكر» و «عمر» و «عثمان» اغتصبوا حق «على» فى الخلافة. وبدأ «ابن سبأ» من هذه النقطة، مستغلا كل الأطراف التى سبق الحديث عنها، ووضع للثائرين والناقمين على اختلاف مشاربهم وأهدافهم خطة للتحرك ضد الخليفة وولاته، وأشار عليهم بالنيل من الولاة أولا؛ لما كان يعرف أن «عثمان» نفسه فوق الشبهات، حتى إذا نجحوا فى تشويه سمعة الولاة، انتقلوا إلى «عثمان» باعتباره المسئول الأول عنهم، ومما قاله لأتباعه: «إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصى رسول الله - يقصد عليًّا - فانهضوا فى هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن فى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تستميلوا الناس». أخذ «ابن سبأ» يتنقل بهذا التدبير الشيطانى بين الأقاليم من «البصرة» إلى «الكوفة» إلى الشام إلى «مصر»، يبث أفكاره وسمومه، وكانت خطته بالغة الإحكام، جعلت أتباعه ينجحون فى زرع الشكوك فى نفوس الصحابة فى «المدينة»، مثل «على بن أبى طالب»، و «الزبير بن العوام»، و «طلحة بن عبيد الله»، والسيدة «عائشة» - رضى الله عنها - وهؤلاء كلهم كانت تصلهم معلومات كاذبة عن ظلم ولاة الأقاليم، لكنهم صدقوها للأسف، ولم يتبينوا كذبها إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن وقعت الواقعة، وقتل الخليفة الثالث مظلومًا. موقف عثمان من الفتنة: لما سمع «عثمان بن عفان» ما يقال عن ولاة أقاليمه جمع أهل «المدينة»، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه أن يرسل رجالا إلى الأقاليم للتحقيق فيما وصله من كلام عنهم، كما كان يفعل «عمر بن الخطاب»، فاستجاب على الفور، وحدد أربعة من الصحابة من غير «بنى أمية» - حتى لا يتهمهم أحد بالتحيز للولاة - للقيام بما كلفهم به، فأرسل

«محمد بن مسلمة» إلى «الكوفة»، و «أسامة بن زيد» إلى «البصرة»، و «عبدالله بن عمر» إلى الشام، و «عمار بن ياسر» إلى «مصر»، وعاد الثلاثة الأول إلى «المدينة»، وقدموا تقارير للخليفة بأن الأمور تجرى على خير وجه، وأن الشكاوى التى تصل إلى «المدينة» كلها باطلة، ولا أساس لها من الصحة؛ وأن الولاة يقومون بعملهم خير قيام، أما «عمار بن ياسر» فلم يعد من «مصر»، لأنه لما وصل إليها، تصادف وجود «ابن سبأ» فيها، فاستقطبه للأسف وضمه إلى صفه، مما جعل الأمر يستفحل ويزداد خطرًا. وبعد أن تبين بطلان مزاعم أتباع «ابن سبأ»، الذين ألبوا الناس على «عثمان» - وكلهم عرب مسلمون- لان لهم الخليفة، وعطف عليهم وحاول استرضاءهم بدلا من عقابهم وأخذهم بالشدة. ولما تهيأ الجو، ورأى زعماء الفتنة أن الفرصة سانحة للتخلص من الخليفة، خرجوا إلى «المدينة» على رأس وفود أهل «مصر» و «البصرة» و «الكوفة»، وكانوا نحو عشرة آلاف متظاهرين بالحج، مخفين نياتهم الخبيثة عن عامة الناس، الذين شكوا إلى الخليفة من تصرفات لولاتهم لا يرضونها، فوعدهم خيرًا، وأمرهم بالعودة إلى أمصارهم، فرضوا لما رأوه من سماحته وعطفه، وعادوا. أما زعماء الفتنة من أمثال: «الأشتر النخعى»، و «عمرو بن الأصم»، و «حرقوص بن زهير السعدى»، و «الغافقى بن حرب»، فقد ساءهم عودة عامة الناس الذين لا علم لهم بالمؤامرة، وسُقِطَ فى أيديهم، وعزموا على قتل الخليفة أو عزله، فتخلفوا فى «المدينة»، وزوَّروا كتابًا، ادعوا كذبًا أنهم وجدوه مع غلام من غلمان «عثمان»، موجه إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر» يأمره فيه بقتل بعض الثائرين وتعذيب بعضهم الآخر. عاد الثائرون من الطريق بهذا الكتاب، فعرضوه على «على بن أبى طالب»، فأدرك أنه مزور، لأن الذين ادعوا أنهم وجدوه هم أهل «مصر»، ولكنهم عندما عادوا عادوا جميعًا، أهل «مصر» و «الكوفة» و «البصرة»، مع أن طرقهم مختلفة، فعودتهم فى وقت واحد، تدل على أن الأمر

مدبر، فقال لهم على: «كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر وطريقكم مختلف وقد سرتم على مراحل؟! هذا والله أمر أبرم بالمدينة». ولما علموا أن أمرهم قد ظهر، وخطتهم انكشفت، قالوا لعلى: «ضعوه حيث شئتم - أى الكتاب مصممين على كذبهم - لاحاجة بنا إلى هذا الرجل، ليعتزلنا»، ولا شك أن هذا تسليم منهم بأن قصة الكتاب مختلقة، وأن غرضهم الأول والأخير هو خلع أمير المؤمنين أو سفك دمه، الذى عصمه الله بشريعة الإسلام. محاصرة بيت الخليفة وقتله: تشبث الأشرار بهذا الكتاب المزور، ولم يستجيبوا لنصح الصحابة بالرجوع إلى بلادهم؛ لأن الخليفة لم يرتكب خطأ يستحق عليه العقاب، فحاصروه فى بيته، ولم تكن هناك قوة تدافع عنه، فقد رفض عرضًا من «معاوية بن أبى سفيان» بالذهاب معه إلى الشام، وكره أن يغادر جوار رسول الله كما رفض أن يرسل «معاوية» إليه جندًا من الشام لحمايته، لأنه كره أن يضيق على أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش يضايقهم فى معاشهم. ولما رأى «على بن أبى طالب» و «الزبير بن العوام» و «طلحة بن عبيد الله» وغيرهم الحصار المضروب على بيت الخليفة؛ أرسلوا أبناءهم لحراسته، لكنه رفض ذلك أيضًا، وأقسم عليهم بما له من حق الطاعة عليهم أن يذهبوا إلى بيوتهم ويغمدوا سيوفهم، لأنه أدرك أن أبناء الصحابة وهم عدد قليل، إن تصدوا لهؤلاء الأشرار - وكانوا زهاء عشرة آلاف - فقد يقتلونهم جميعًا، فآثر سلامتهم وحقن دماءهم، ولعله كان يفكر أن الثوار إذا قتلوه هو فستنتهى المشكلة، فرأى أن يضحى بنفسه، حقنًا للدماء، ولم يدر أن دمه الطاهر الذى سيُسفك، كان مقدمة لبحور من دماء المسلمين، سالت بعد ذلك نتيجة مقتله. امتثل أبناء الصحابة لأمره، وعادوا إلى بيوتهم، لكنه طلب منهم ماء للشرب، بعد أن منعه الثوار عنه، وهو الذى اشترى للمسلمين «بئر رومة» ووهبها لهم، بناء على طلب من الرسول

- صلى الله عليه وسلم - الذى بشره بنهر عظيم فى الجنة. وكانت أم المؤمنين «أم حبيبة بنت أبى سفيان» أول المغيثين لعثمان، لكنها لم تستطع أن توصل الماء إليه لأن الثوار منعوها، وأساءوا معها الأدب وسبوها، ولم يراعوا لها حرمة. فلما فعلوا بأم حبيبة ذلك، ذهب إليهم «على بن أبى طالب» - رضى الله عنهم - وقال لهم: «إن الذى تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لاتقطعوا عن الرجل المادة (الطعام والشراب) فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقى، وما تعرض لكم هذا الرجل، فبم تستحلون حصره وقتله؟! قالوا: لا والله ولا نعمة عين - يعنى ولا قطرة ماء تصله - لا نتركه يأكل ويشرب». وبعد ذلك اقتحموا على الخليفة داره اقتحامًا، متسلقين من دور مجاورة، وقتلوه وهو صائم يقرأ القرآن، وروعوا الأمة الإسلامية فى إمامها، الذى كانت تستحى منه الملائكة، والذى بشره النبى - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وتنبأ له بالشهادة، وكان استشهاده فى أواخر شهر ذى الحجة سنة (35هـ). قُتِل «عثمان بن عفان» مظلومًا لم يرتكب ذنبًا أو يقترف جرمًا يستحق به أن يرفع هؤلاء الأشرار أصواتهم عليه ولو كان كل ما رموه به من تُهم صحيحًا - مع أنه باطل وملفق - ما أباح لهم قتله، ولكنه الحقد الأسود والأفكار الهدامة، التى زرعها «ابن سبأ» فى نفوسهم وعقولهم، جعلهم يرون فضائله وإنجازاته تهمًا وجرائم، فاتهموه -مثلا - بأنه تخلف عن «بيعة الرضوان» فى «الحديبية»، مع أنهم يعلمون أنه عندئذٍ كان فى «مكة» سفيرًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم بمهمة اعتذر عنها «عمر بن الخطاب» لخطورتها، وناب النبى - صلى الله عليه وسلم - نفسه عن «عثمان» فى البيعة، فكانت بيعة عن «عثمان» أفضل من بيعة الصحابة لأنفسهم، كما اعتبروا جمعه للقرآن فى مصحف واحد جريمة، مع أنه أعظم أعماله باعتراف الصحابة أنفسهم. وقد وصف «أبو بكر بن العربى» قتلة «عثمان» وصفًا صادقًا، فقال:

«وأمثل ما روى فى قصته - أى عثمان - أنه بالقضاء السابق، تألب عليه قوم لأحقاد اعتقدوها، ممن طلب أمرًا فلم يصل إليه، أو حسد حسادة أظهر داءها، وحمله على ذلك قلة دين، وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة، وإذا نظرت إليهم دلك صريح ذكرهم على دناءة قلوبهم، وبطلان أمرهم». وقد لا يصدق بعض الناس أن رجلا واحدًا هو «عبدالله بن سبأ» يستطيع أن يفسد أمر أمة بكاملها، مهما تبلغ قدراته، بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار وجوده أصلا، ولكن الواقع أن «ابن سبأ» كان موجودًا ووجوده حقيقة، وهو كأى متآمر خبيث يتمتع بقدر كبير من الدهاء والمكر، مكنه من أن يستميل إلى صفه صحابيين جليلين هما «أبو ذر الغفارى» و «عمار بن ياسر»، وأن يستغل كل الساخطين من أبناء العرب الطامعين فى الوظائف، بالإضافة إلى الحاقدين من أبناء البلاد المفتوحة، الذين سقطت دولهم، وبادت عروشهم، وخلق من ذلك كله تيارًا عامًّا، أدى إلى فتنة عارمة، ذهب ضحيتها «عثمان بن عفان»، ولم تنته بعد موته.

*على بن أبى طالب

*على بن أبى طالب هو «على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف»، وأمه «فاطمة بنت أسد بن هاشم»، وهى أول هاشمية ولدت هاشميًّا، وقد أسلمت وهاجرت إلى «المدينة»، وهو ابن عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، وتربى فى بيته، لأن أباه كان كثير العيال قليل المال، فأراد النبى أن يخفف عن عمه أعباء المعيشة، فأخذ «عليًّا» ليعيش معه فى بيته، وكان عمره يومئذٍ ست سنوات، فشاءت إرادة الله أن ينشأ «على» فى بيت النبوة، فوقاه الله أرجاس الجاهلية، فلم يسجد لصنم قط، وكان أول من أسلم من الصبيان. كان «على بن أبى طالب» ربعة من الرجال، يميل إلى القصر، أسمر اللون، حسن الوجه واسع العينين، أصلع الرأس، عريض المنكبين، غزير اللحية، قوى الجسم. عُرف «على بن أبى طالب» بالشجاعة والعلم الغزير، والزهد فى الدنيا مع القدرة عليها، وكان واحدًا ممن حفظوا القرآن كله من الصحابة، وعرضوه على النبى - صلى الله عليه وسلم -، ومن أكثرهم معرفة بالقرآن وبتفسيره وأسباب نزوله، وأحكامه، وكان من كتاب الوحى، ولذا اختص فى سيرته بلقب «الإمام» لأفضليته العلمية والفقهية، وكان أقضى الصحابة رضى الله عنهم جميعًا، واشتهر بالفصاحة والخطابة وقوة الحجة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد تآخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع على بعد الهجرة، ثم زوجه ابنته «فاطمة»، وأنجب منها «الحسن» و «الحسين»، وهما اللذان حفظا نسل الرسول - صلى الله عليه وسلم -. شهد «على» المشاهد كلها -عدا تبوك - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان فى طليعة من صرعوا المشركين فى «بدر»، وواحداً من الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة «أحد»، وحمل اللواء عندما سقط من يد «مصعب بن عمير» بعد استشهاده، حمله بيده اليسرى، وظل يقاتل بيده اليمنى، وصرع فى غزوة الخندق «عمرو بن عبد ود» فارس «قريش» والعرب كلها عندما لم يقدم

أحد على مبارزته وأعطاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم «خيبر»، وقال: «لأعطين اللواء غدًا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وأخبر أن الفتح سيكون على يديه، وتحقق ذلك، وثبت مع من ثبتوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - فى «حنين». وفى غزوة «تبوك» خلفه النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أهله يرعى مصالحهم وشئونهم، ولما تأذى من ذلك، وقال: يارسول الله، تخلفنى فى النساء والصبيان؟!، فقال له النبى - صلى الله عليه وسلم -: «أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبى بعدى؟»، إشارة من النبى إلى أن «موسى» عندما ذهب لمناجاة ربه، ترك أخاه «هارون»، خلفًا له فى قومه، كما جاء فى قوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}. [الأعراف:142]. وكان رضى الله عنه موضع ثقة واحترام من الصحابة جميعًا، فكان من أكبر أعوان «أبى بكر الصديق» فى قمع حروب الردة، ولازم «عمر بن الخطاب»، فكان لا يقطع أمرًا دون مشاورته، والاستنارة برأيه، وكان «عمر» يقول: «قضية ولا أبا حسن لها». وعاون «عثمان» بالرأى والمشورة مثلما كان يفعل مع «أبى بكر» و «عمر»، فلم يحجب عنه نصحه ومؤازرته فى الفتنة التى أطبقت على الأمة، وأرسل أولاده مع بقية أولاد الصحابة لحراسته والدفاع عنه، ثم ذهب بنفسه لمواجهة الأشرار. رُوِّعت «مدينة» رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمقتل أمير المؤمنين «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - وعم الناس الهلع والرعب، لهذه الجريمة التى أقدم عليها هؤلاء الأشرار. سيطر الثائرون على «المدينة»، وظل «الغافقى بن حرب» زعيم ثوار «مصر»، وأحد كبار زعماء الفتنة يصلى بالناس إمامًا فى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أيام، والدولة كلها بدون خليفة، ولم يكن فى وسع أحد من الثوار أن يرشح نفسه لها، لأنهم يعلمون أن هذا الأمر يخص المهاجرين وحدهم. وبدأ الثائرون يعرضون منصب الخلافة على

كبار الصحابة: «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيد الله»، و «سعد بن أبى وقاص»، و «الزبير بن العوام»، و «عبدالله بن عمر بن الخطاب»، فرفضوا جميعًا، وسماهم «على بن أبى طالب» الثائرين ولعنهم على فعلتهم الشنعاء، فهددهم الثائرون بقتلهم جميعًا كما قتلوا «عثمان» إن لم يقبل أحدهم منصب الخلافة. وفى مثل هذه الظروف العصيبة كان لابد من رجل شجاع غير هياب، يتقدم الصفوف لحمل الأمانة وسط الأخطار المحدقة بها، واتجهت الأنظار إلى «على بن أبى طالب»، وتعلقت به الآمال، ترجوه تحمل المسئولية، وقيادة الركب إلى بر الأمان، وألح عليه كبار الصحابة إلحاحًا شديدًا لتولى المنصب الشاغر، منصب الخلافة الجليل، فقبل تجشم تبعاتها فى هذه الظروف الدقيقة، وكان قبوله لها ضربًا من ضروب الفروسية والشجاعة، والاحتساب عند الله، والنزول على رغبة كبار الصحابة. كان «على بن أبى طالب» هو أول خليفة يخطب قبل البيعة، وكانت خطبة قصيرة، أشهد الله عليهم، وأشهدهم على أنفسهم أنهم هم الذين ألحوا عليه تقبل أمرٍ كان له كارهًا، لتبعاته ومسئولياته، فلما وافقوا بايعوه، ولهذا كان عليه أن يخطب مرة أخرى خطبة يوضح فيها أسلوبه فى الحكم، فقال: «إن الله أنزل كتابًا هاديًا، بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تعالى يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرمات غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل دم امرئ مسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم، وإن من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر الناس أخراهم، اتقوا الله عباد الله فى بلاده وعباده، إنكم مسئولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله فلا تعصوه {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض}

[الأنفال: 26]. على والقرارات الصعبة: تمت بيعة «على بن أبى طالب» فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ذى الحجة سنة (35 هـ)، فاستقبل بخلافته عام (36هـ)، وكان عليه أن يواجه الموقف العصيب، الذى نتج عن استشهاد أمير المؤمنين «عثمان بن عفان»، باتخاذ قرارات صعبة تجاه عدد من المعضلات، التى كان أولها: - القصاص من قتلة «عثمان» - رضى الله عنه - وكان ذلك مطلب الصحابة، ففى أول يوم من خلافته ذهب إليه «طلحة» و «الزبير»، وطالباه بإقامة الحد على القتلة، وكان هو مقتنعًا بذلك، ولذلك قال لهما: «يا إخوتاه إنى لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم؟ هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم -أى يعيشون بينكم - يسومونكم ماشاءوا - أى يسيطرون عليكم - فهل ترون موضعًا لقدرة على شىء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه أبدًا». ويتضح من هذا أن «على بن أبى طالب» لم يكن أقل من غيره حرصًا على إقامة الحد على قتلة «عثمان»،ولكن الظرف الذى هم فيه لا يمكنه من ذلك، فإذا كان الذين نفذوا القتل فى «عثمان» عددًا محدودًا، وهم «الغافقى بن حرب»، ومعه «سودان بن حمران» و «كنانة بن بشر التجيبى»، فإن وراءهم نحو عشرة آلاف من الثوار الذين ضللوهم، وهم مستعدون للدفاع عنهم، ولذلك عندما كانوا يسمعون قائلا يقول: من قتل «عثمان»؟ كان هؤلاء جميعًا يصيحون: نحن جميعًا قتلناه، ولذا كان رأى الإمام التريث حتى تهدأ الأمور، ويعود الناس إلى بلادهم، حتى يتمكن من التحقيق فى الأمر وإقامة الحد، وقد اقتنع الصحابة بهذا الحل، لكن الأمور تطورت تطورًا آخر على غير ما يهوى الجميع. - وتغيير كل ولاة «عثمان» على الولايات الكبرى: «مصر» و «الشام»، و «الكوفة»، و «البصرة» حتى تهدأ الفتنة. وقد اتخذ «على» بالفعل قرارًا بذلك، فعزل «معاوية بن أبى سفيان» عن الشام، وعين بدلا منه

«سهل بن حنيف»، وعزل «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» عن «مصر» وعين بدلا منه «قيس بن سعد بن عبادة»، وعزل «عبدالله بن عامر» عن «البصرة» وعين بدلا منه «عثمان بن حنيف»، وعزل «أبا موسى الأشعرى» عن «الكوفة»، وعين بدلا منه «عمارة بن شهاب». وهذا القرار الخطير راجعه فيه أقرب الناس وأخلصهم له، ابن عمه «عبدالله بن عباس»، ونصحه بالانتظار فترة ولو لمدة سنة، لتكون الأمور قد هدأت واستقرت، ويتم التغيير فى ظرف مناسب، لكن الإمام أصر على تنفيذ قراره محتجًا بأن هؤلاء الثوار ثاروا غضبًا من ولاة «عثمان»، سواء أكانوا مخطئين أم مصيبين، ولن تهدأ ثورتهم إلا إذا عُزِلوا. وإزاء إصرار على - رضى الله عنه - على تنفيذ قراره، اقترح «ابن عباس» أمرًا آخر، بأن يعزل من يشاء من الولاة، ويُبقى «معاوية» على ولاية الشام، وكان اقتراحًا ذكيًا وجيهًا، فمعاوية لم يكن موضع شكوى أحد من رعيته، ولم يشترك أهل الشام فى الثورة على «عثمان» وقتله، وعلى هذا فلو أقره علىّ فى ولاية الشام، فلن يلومه أحد، وكان «ابن عباس» يعرف من ناحية أخرى أن «معاوية» لن يذعن لقرار العزل، وسيبقى فى لايته، مسببًا متاعب كثيرة، ومع هذا صمم الإمام «على بن أبى طالب» على عزل ولاة «عثمان» جميعًا بما فيهم «معاوية». بدأ الولاة الجدد يتجهون إلى ولاياتهم لمباشرة أعمالهم، فذهب «قيس بن سعد» إلى «مصر»، ودخلها بدون متاعب؛ لأن واليها القديم «عبدالله بن سعد» تركها منذ علمه بمقتل «عثمان»، وذهب إلى «فلسطين»، واعتزل الفتنة، وبقى هناك حتى مات فى مدينة «عسقلان» سنة (37هـ). وكذلك دخل «عثمان بن حنيف» «البصرة»، وتولى شئونها بدون مشاكل؛ لأن واليها «عبدالله بن عامر» كان قد تركها وذهب إلى «مكة». أما «عمارة بن شهاب» فلم يمكنه أهل «الكوفة» من دخولها، وتمسكوا بواليهم «أبى موسى الأشعرى»، فوافق الإمام «على» على ذلك، وأقر عليهم «أبا موسى الأشعرى». وكذلك

لم يستطع «سهل بن حنيف» دخول الشام، فقد منعه «معاوية بن أبى سفيان»، رافضًا قرار العزل. وهنا لم يعامل الإمام «على» الشام معاملة «الكوفة»، فإنه رفض إقرار «معاوية» فى ولاية الشام، مع أن تمسك أهلها به كان أشد من تمسك أهل «الكوفة» بأبى موسى الأشعرى. بين على ومعاوية: دارت مراسلات عديدة بين «على» و «معاوية» - رضى الله عنهما - يطلب الأول من الآخر مبايعته بالخلافة، والإذعان لأوامره، باعتباره الخليفة الشرعى الذى بايعه معظم الصحابة فى «المدينة»، على حين يطلب الثانى من الأول القصاص من قتلة «عثمان»، باعتباره ولى دمه، لأنه ابن عمه، وبعدها ينظر فى بيعته. ولم تكن وجهة نظر الإمام فى قضية القصاص رافضة، لكنه كان يرغب فى تأجيلها حتى تتهيأ الظروف المناسبة، ولكن «معاوية» تمسك بالقصاص أولا، وجعله شرطًا لازمًا يسبق البيعة. ولما لم تؤد الاتصالات بينهما إلى نتيجة، وصلت رسالة من «معاوية» إلى «على» تتضمن جملة واحدة، هى: «من معاوية إلى على»، بعثها «معاوية» بيضاء مع رجل يدعى «قبيصة» من «بنى عبس»، وأمره أن يدخل بها «المدينة»، رافعًا يده حتى يراها الناس، ويعلموا أن «معاوية» لم يبايع «عليًّا»، إذ يخاطبه باسمه فقط دون أن يصفه بأمير المؤمنين. وأدرك علىٌّ رضى الله عنه- أن حمل معاوية على البيعة سلمًا غير ممكن، فأخذ يعد العدة لحمله على البيعة بالقوة، باعتباره خارجًا على طاعة الخليفة، على الرغم من أن كثيرين نصحوه بعدم اللجوء إلى الحرب لعواقبها الوخيمة، ومن بينهم ابنه «الحسن» لكن الإمام «على» أصر على موقفه، وبينما هو يستعد لذلك، جاءته أخبار أخرى مفزعة من «مكة»، تخبره بمسير «عائشة» وجماعتها إلى «البصرة». خرجت السيدة «عائشة» - رضى الله عنها - ومعها فى البداية نحو ألف رجل لكن هذا العدد تضاعف عدة مرات، بانضمام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة «عائشة»، فلما اقتربوا من «البصرة»، أرسل واليها «عثمان بن حنيف» إلى أم

المؤمنين «عائشة» رسولين من عنده، هما «عمران بن حصين» و «أبو الأسود الدؤلى» يسألانها عن سبب مجيئها. فقالت لهما: «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنة الله ورسوله، مع مانالوا من قتل إمام المسلمين، بلا ترة ولا عذر، فخرجت فى المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء». وكذلك سأل الرسولان «طلحة» و «الزبير» - رضى الله عنهما - عن سبب مجيئهما، فقالا: «الطلب بدم عثمان»، فرجع الرجلان وأخبرا «عثمان بن حنيف»، فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون! دارت رحى الإسلام ورب الكعبة»، وأصرَّ على منعهم من دخول «البصرة»، فدارت بينه وبينهم معركة عند مكان يُسمى «الزابوقة» قُتل فيها نحو ستمائة من الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن القتال، وانتظار قدوم الإمام «على» إلى «البصرة»، وتم الصلح على أن يتركوا للوالى دار الإمارة والمسجد وبيت المال، وينزلوا هم فى أى مكان بالبصرة. وصل «على» إلى «البصرة» وعلم بما حدث من سفك الدماء وهاله ذلك، فأرسل على الفور «القعقاع بن عمرو التميمى» إلى معسكر «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، ليعرف ماذا يريدون، فقالت «عائشة» - رضى الله عنها -: «خرجنا لنصلح بين الناس»، وكذلك قال «طلحة» و «الزبير»، فسألهم «ما وجه الإصلاح الذى تريدون»، قالوا: «قتلة عثمان»، قال: «لقد قتلتم ستمائة من قتلة عثمان، فغضب لهم ستة آلاف من قبائلهم، وكنتم قبل ذلك أقرب إلى السلامة منكم الآن»، قالوا: «فماذا ترى أنت؟»، قال: «أرى أن هذا الأمر دواؤه التسكين»، واقترح عليهم تجديد البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين، فقبلوا. ومعنى ذلك أن الجميع كانوا راغبين، فى الإصلاح، كل على حسب اجتهاده، لكن عناصر الشر التى كانت لاتزال فى معسكر «على» هى التى أفسدت السعى الذى قام به

«القعقاع». كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام «على» هى وجود كثيرين ممن اشتركوا فى قتل «عثمان» والتخطيط له، وعلى رأسهم «عبدالله بن سبأ»، و «الأشتر النخعى»، ولم يكن لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة على إبعادهم، لكونهم قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، وقد أدرك زعماؤهم الذين تولوا كبر الثورة على «عثمان» أن الصلح بين الفريقين سيجعل «عليًّا» يتقوى بانضمام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم باعتبارهم قتلة «عثمان»، فعزموا على إفساد الأمر كله. وترتب على هذا العزم أن عقد «ابن سبأ» لهم مؤتمرًا تدارسوا فيه الأمر، فاقترح «الأشتر» أن يقتلوا «عليًا» كما قتلوا «عثمان» من قبل، فتهيج الدنيا من جديد، ولا يقدر عليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم يعجب «ابن سبأ»، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب طاحنة، لا أن يقتل فرد واحد وإن كان خليفة المسلمين، فأمرهم بشن هجوم فى ظلام الليل على جيش «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، بدون علم الإمام «على»، فاستجابوا لرأيه، وبينما الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بوادر الصلح تلوح فى الأفق، إذا بهم يفاجئون بقعقعة السلاح، وكانت هذه هى بداية حرب «الجمل» المشئومة التى راح ضحيتها خيرة الصحابة «طلحة» و «الزبير» المبشران بالجنة، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين. لم تكن أم المؤمنين «عائشة»، ولا «طلحة» ولا «الزبير» ولا أمير المؤمنين «على» يريدون سفك الدماء، ولا يتصورون حدوث ذلك، وكل ما دفع السيدة «عائشة» ومن معها إلى الخروج إنما هو اقتناعهم بأن «عثمان» قُتل مظلومًا، وعليهم تقع مسئولية إقامة الحد على قتلته، ولم يكونوا أبدًا معادين لعلى، أو معترضين على خلافته، وقد رأينا ميلهم جميعًا إلى الصلح، لولا أن أتباع «ابن سبأ» (السبئية) أفسدوا كل شىء وأشعلوا الحرب، ولقد ندمت السيدة «عائشة» ندمًا شديدًا على ماحدث، وقالت: «والله لوددت أنى مت قبل هذا اليوم

بعشرين سنة». بعد معركة «الجمل» توجه «على ابن أبى طالب» بجيش يبلغ عدده نحو مائة ألف إلى «صفين»، واستعد «معاوية» لمقابلته بجيش يقاربه فى العدد، ودارت بينهما معركة شرسة فى شهر صفر سنة (37هـ) قُتِل فيها من الجانبين نحو سبعين ألفًا، خمسة وعشرين ألفًا من جيش «على»، وخمسة وأربعين ألفًا من جيش «معاوية»، ولما رأى الناس كثرة القتلى من الجانبين تنادوا يطلبون وقف القتال، فجعل أهل «العراق» (جيش «على») يصيحون فى أهل الشام (جيش «معاوية») قائلين: من لثغور «العراق» إن فنى أهل «العراق». ويرد الآخرون: من لثغور الشام إن فنى أهل الشام. ومن هنا جاءت فكرة التحكيم. رفع جيش «معاوية» المصاحف للاحتكام إليها، ووقف القتال فورًا، بدلا من سفك الدماء، وكانت فكرة التحكيم من عند «عمرو بن العاص»، وقد قبلها الطرفان، وأوقفت الحرب، بعد أن فزع الناس لكثرة عدد القتلى. أوقفت الحرب، وطلب من «على» و «معاوية» أن ينيب كل منهما شخصًا يتفاوض باسمه، للفصل فى القضايا محل الخلاف، فأناب «معاوية» «عمرو بن العاص»، وأناب «على» «أبا موسى الأشعرى» على كره منه وذلك فى شهر صفر (37هـ) وكان «على» قد حاول أن ينيب عنه «عبدالله بن عباس»، لكن أنصاره، وبخاصة من أبناء «اليمن» بزعامة «الأشعث بن قيس»، رفضوا ذلك بحجة عصبية، وأعلنوها صراحة، كيف يكون الخلاف بين رجلين من «قريش»، ثم يكون الحكمان رجلين من «قريش» أيضًا، لقد حسدوا قريشًا على زعامتها للدولة الإسلامية التى استحقتها بسابقتها فى الإسلام، لا بنسبها فقط. واتفق على أن يأخذ الطرفان مهلة مدتها ستة أشهر، تهدأ فيها النفوس، ويجتمع الحكمان للتباحث والوصول إلى حل، وبعد مفاوضات طويلة وصل الحكمان إلى نتيجة رأياها أفضل الحلول، وهى عزل «على» -رضى الله عنه- عن الخلافة، ورد الأمر إلى الأمة تختار من تشاء، أما التصرف العملى فى إدارة البلاد التى كانت تحت يد كل من الرجلين المتحاربين،

فيبقى كما كان: «على» يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه (وهى كل الدولة الإسلامية عدا الشام) و «معاوية» يتصرف فى البلاد التى تحت حكمه (الشام). اجتهد الحكمان فيما توصلا إليه، وأعلناه على الناس، غير أن «عليًّا» - رضى الله عنه - لم يقبل تلك النتيجة، واعتبر الحكمين قد تجاوزا حدودهما؛ لأن الخلاف لم يكن على منصب الخلافة، وإنما على إقامة الحد على قتلة «عثمان»، وبيعة «معاوية» له، أيهما يسبق الآخر، ولذلك عدَّ نفسه فى حل من هذه النتيجة، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل التحكيم، أى إلى حالة الحرب. حاول «على» أن يدعو أنصاره إلى حرب «معاوية» من جديد لكنهم كانوا قد ملوا القتال، وتقاعسوا عنه، بل إنهم انقسموا إلى «شيعة» وافقوه على ماصنع «وخوارج» اعتبروا التحكيم كان خاطئًا من أساسه، مع أنهم هم الذين فرضوه عليه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ما هو أكثر تطرفًا، فاتهموا «عليًّا» بالكفر، لأنه حكَّم الرجال فى القرآن، وصاغوا شعارًا أخذوا يرددونه «الحكم لله لا لك يا على»، وكان هو يقول لهم: «كلمة حق أريد بها باطل»، وطالبوه بأن يعلن كفره، ويتوب ويسلم من جديد، حتى يعودوا إليه ويقاتلوا معه، فإذا لم يفعل فسوف يقاتلونه. ولا يمكن لمسلم أن يتصور كيف يُكفَّر رجل من صحابة رسول الله المبشرين بالجنة، وممن رضى الله عنهم تحت الشجرة فى «بيعة الرضوان»، وإزاء هذا التطرف من «الخوارج» اضطر الإمام أن يحاربهم فى معركة شهيرة تُسمى معركة «النهروان» بالقرب من «الكوفة»، وبعدها لم يستطع أن يجمع شمل أنصاره لقتال «معاوية» من جديد كما كان يريد، بل أجبرته الظروف على التفاهم والاتفاق معه. بعد انقسام جبهة «على» إلى «شيعة» و «خوارج» ازداد موقفه ضعفًا؛ لأن صراعه مع «الخوارج» كبده متاعب جسيمة، وفى الوقت نفسه كان موقف «معاوية» يزداد قوة، وبخاصة بعد أن استطاع الاستيلاء على «مصر» سنة (38هـ)، بجيش قاده فاتحها

الأول «عمرو بن العاص»، ونشر قوات له فى أطراف «العراق»، وضم «اليمن» إليه، وأصبحت دولته تتسع بمرور الزمن، فى الوقت الذى تضيق فيه دولة «على». وانتهى الأمر بأن جرت بينهما مفاوضات طويلة، اتفقا على وضع الحرب بينهما وتكون لعلى «العراق» وبلاد فارس ولمعاوية الشام فلا يدخل أحدهما على صاحبه فى عمله بجيش ولا غارة .. وتراضيا على ذلك» .. وهكذا أجبرت الظروف التى تكون أحيانًا أقوى من الرجال «على بن أبى طالب» أن يصالح «معاوية»، ويسلم له بنصف الدولة الإسلامية تقريبًا، يحكمها حكمًا مستقلا، وهو الذى رفض فى بادئ الأمر إبقاءه واليًا على الشام وحدها يأتمر بأمره، وينتهى بنهيه. إدارة الدولة وتثبيت الفتوحات فى عهده: على الرغم من الظروف الصعبة التى واجهت الإمام «عليًّا» -رضى الله عنه- فإنه أدار الدولة باقتدار وعدالة ونزاهة وتجرد، ولم يقصر فى شأن من شئونها، واتخذ من «الكوفة» عاصمة لدولته منذ أن خرج من «المدينة» إلى «البصرة» وبعد معركة «الجمل»، وظل يحكم منها إلى أن لقى الله، وعهد بإدارة بقية أجزاء دولته إلى أقرب الناس إليه، وأخلصهم له، فجعل «عبدالله بن عباس» واليًا على «البصرة» وأخاه «عبيد الله بن عباس» واليًا على «اليمن»، وأخاهما الثالث «قثم بن عباس» على «مكة» و «الطائف»، وعزل «قيس بن سعد» عن «مصر»، وولى مكانه «محمد بن أبى بكر الصديق». ولا لوم على «عثمان» و «على» إذا وليا أهل قرابتهما؛ لأن كل واحد منهما اجتهد لمصلحة الأمة، وكان أمينًا عليها، فعهد بإدارة الدولة إلى من رأى أنهم ينفذون سياسته، ولم يولِّ أى منهما أحدًا محاباة أو لقرابة. ولم تشغل الإمام «عليًّا» مشكلات الدولة الداخلية عن التصدى لمحاولات الانتقاض التى حدثت فى بلاد فارس، فقد حاول الفرس تكرار ما فعلوه بعد استشهاد «عمر بن الخطاب»، فأرسل إليهم «زياد بن أبيه» فى جمع كثير، «فوطئ بهم أهل فارس، وكانت قد اضطرمت، فلم

يزل يبعث إلى رءوسهم، يعد من ينصره ويعينه، ويخوّف من امتنع عليه، وضرب بعضهم ببعض، فدل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضًا، وصفت له فارس، فلم يلقَ منهم جمعًا ولا حربًا». أما الروم فلم يتحركوا؛ لأن الإمبراطور «قنسطانز» لما عرض عليه بعض قواده أن ينتهزوا فرصة الحروب التى جرت بين «على» وأصحاب «الجمل»، وبينه وبين «معاوية»، ويغيروا من جديد على «مصر» و «الشام»، رفض الإمبراطور معللا ذلك بأن غزوه لمصر والشام سيجعل المسلمين يتصالحون ويتحدون ويقاتلوننا جميعًا، ولن نقوى عليهم، فخير لنا أن نتركهم يقتل بعضهم بعضًا حتى يضعف شأنهم. استشهاد على رضى الله عنه: جاءت نهاية الإمام «على بن أبى طالب» على يد «الخوارج»، أنصاره السابقين، الذين بلغ بهم الغلو والتطرف حدًا اعتبروا فيه «عليًّا» و «معاوية» و «عمرو بن العاص» أئمة ضلالة، وحمَّلوهم مسئولية ما حدث، وقرروا قتل الثلاثة جميعًا، واتفقوا أن يتم التنفيذ فى وقت واحد، هو فجر اليوم السابع عشر من شهر رمضان سنة (40هـ)؛ تيمنًا بذكرى معركة «بدر» حسب تصور نفوسهم المريضة وعقولهم الفاسدة، وانتدبوا ثلاثة للقيام بهذه المهمة، هم «عبدالرحمن بن ملجم»، و «البرك بن عبدالله»، و «عمرو بن بكر»، على أن يذهب الأول إلى «الكوفة» لقتل «على»، والثانى إلى «دمشق» لقتل «معاوية»، والثالث إلى «مصر» لقتل «عمرو بن العاص». وشاءت إرادة الله - تعالى - أن ينجو «معاوية» و «عمرو» من القتل، وأن تكون الشهادة من نصيب «على»، حيث ضربه «عبدالرحمن بن ملجم» بسيف مسموم فى جبهته، فشقها فمات من أثر الضربة بعد وقت يسير، بعد أن قضى أربع سنوات وبضعة شهور، لم يذق فيها طعم الراحة، وحاصرته المشكلات والمتاعب، وأنهكته الحروب من كل جانب.

*زهير بن قيس البلوى

*زهير بن قيس البلوى تسلَّم «زهير بن قيس البلوى» قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة (64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة (69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر» هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة» للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه هو ومن معه.

*الفارابى

*الفارابى هو أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابى، أكبر فلاسفة الإسلام، والمعلم الثانى بعد أرسطو. وُلِد فى بلدة قرب فاراب (مدينة أترار الحالية بجمهورية قازاقستان) سنة (260هـ = 874م)، وكان والده جنديًّا تركيًّا فقيرًا، وانتقل الفارابى إلى بغداد فنشأ بها وتعلم النحو والعربية على ابن السراج المُتوفَّى سنة (316هـ)، والحكمة والفلسفة على عالم مسيحى يُدعى يوحنا بن جيلان، وأجاد العديد من اللغات وبرع فى الرياضيات والشعر والموسيقى، ويُنسب إليه اختراع آلة القانون، وانتقل بعد ذلك إلى دمشق وعاش فى كنف الأمير سيف الدولة الحمدانى، ويُعد الفارابى أول من نقل المنطق اليونانى تامًّا إلى اللغة العربية، وقد أعجب بأرسطو، فشرح كتبه المنطقية، وعلق عليها، وعنه نقلت إلى عدة لغات أوربية. وأهم كتبه: رسالة فى العقل وإحصاء العلوم وآراء أهل المدينة الفاضلة. وكان الفارابى زاهدًا قليل المخالطة للناس، وقد تُوفِّى سنة (339هـ = 950م) فى دمشق ودُفن بها وقد تجاوز الثمانين من عمره.

*أبو داود

*أبو داود هو أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدى السجستانى، أحد كبار حفاظ الحديث، وأحد رجل الصحاح، وُلِد سنة (202هـ) وأصله من خراسان. سمع من المحدثين بمصر والشام والحجاز والعراق وخراسان، وكان كثير الترحال فى طلب الحديث حتى أصبح إمام أهل الحديث فى عصره، وصنَّف كتابه السنن الذى انتخب فيه (4800) حديث من (500.000) حديث ، وقد عُرض هذا الكتاب على الإمام أحمد بن حنبل فاستحسنه، ومن كتبه أيضًا: المراسيل والدعاء. وقد حدث عنه الإمام النسائى، والإمام أحمد بن حنبل. وكان أبو داود زاهدًا كثير العبادة، وتُوفِّى بالبصرة سنة (275هـ).

*الغزالى

*الغزالى هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالى، حُجة الإسلام وأكبر فلاسفة الإسلام ومتصوفيه. وُلِد سنة (450هـ = 1059م) فى مدينة طوس (مشهد الإيرانية)، وكان والده رجلاً صالحًا فقيرًا، مات وعهد بأبنائه ومنهم الغزالى إلى صديق له، تولى تربيتهم، وألحق الغزالى بمدرسة تلقى من خلالها العلم، ثم ذهب إلى جرجان ونيسابور فتتلمذ لإمام الحرمين الجوينى المُتوفَّى سنة (478هـ) وأخذ عنه أصول الفقه والمذهب الأشعرى، وأتقن الغزالى الفارسية، وعاش فى كنف آل سلجوق حتى علا شأنه عند الوزير نظام الملك الذى عهد إليه بإدارة المدرسة النظامية، وكان واسع العلم والاطلاع فاحتل مكانة عالية بين العلماء، رغم أنه لم يكن قد تجاوز (33) سنة من عمره، وقد رحل الغزالى إلى دمشق والإسكندرية وبيت المقدس واعتكف فترة لتأليف الكتب فأخرج أشهر كتبه التى تجاوزت (200) مصنف، أهمها: إحياء علوم الدين وتهافت الفلاسفة وبعض الرسائل فى نقد المذهب الباطنى، والاقتصاد فى الاعتقاد، والمنقذ من الضلال، ثم تحول الغزالى إلى التصوف وتعمق فى علومه ومعارفه، حيث أسس فى مسقط رأسه ملجأ للصوفية، وقضى بقية أيامه فى تعبد وتأمل حتى وفاته سنة (505هـ = 1111م).

*أبو حامد الغزالى

*أبو حامد الغزالى هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالى، حُجة الإسلام وأكبر فلاسفة الإسلام ومتصوفيه. وُلِد سنة (450هـ = 1059م) فى مدينة طوس (مشهد الإيرانية)، وكان والده رجلاً صالحًا فقيرًا، مات وعهد بأبنائه ومنهم الغزالى إلى صديق له، تولى تربيتهم، وألحق الغزالى بمدرسة تلقى من خلالها العلم، ثم ذهب إلى جرجان ونيسابور فتتلمذ لإمام الحرمين الجوينى المُتوفَّى سنة (478هـ) وأخذ عنه أصول الفقه والمذهب الأشعرى، وأتقن الغزالى الفارسية، وعاش فى كنف آل سلجوق حتى علا شأنه عند الوزير نظام الملك الذى عهد إليه بإدارة المدرسة النظامية، وكان واسع العلم والاطلاع فاحتل مكانة عالية بين العلماء، رغم أنه لم يكن قد تجاوز (33) سنة من عمره، وقد رحل الغزالى إلى دمشق والإسكندرية وبيت المقدس واعتكف فترة لتأليف الكتب فأخرج أشهر كتبه التى تجاوزت (200) مصنف، أهمها: إحياء علوم الدين وتهافت الفلاسفة وبعض الرسائل فى نقد المذهب الباطنى، والاقتصاد فى الاعتقاد، والمنقذ من الضلال، ثم تحول الغزالى إلى التصوف وتعمق فى علومه ومعارفه، حيث أسس فى مسقط رأسه ملجأ للصوفية، وقضى بقية أيامه فى تعبد وتأمل حتى وفاته سنة (505هـ = 1111م).

*ابن مالك

*ابن مالك هو أبو عبد الله محمد بن مالك الطائى الأندلسى، من أشهر علماء النحو. وُلِد فى جيان الأندلسية سنة (600هـ)، وتلقى النحو والقراءات على يد ثابت بن خيار الأندلسى المُتوفَّى سنة ( 628هـ) وأبى الحسن السخاوى المُتوفَّى سنة (643هـ) وموفق الدين بن يعيش المُتوفَّى سنة (643هـ). وقد استخدم ابن مالك بعض المصطلحات الجديدة فىالنحو، مثل: نائب الفاعل والبدل المطلق، وألف فى النحو واللغة والقراءات والحديث، وأهم كتبه: الكافية الشافية وهى أرجوزة فى قواعد النحو والصرف، والألفية (أشهر ماكتب)، قواعد جمعت العربية فى ألف بيت، وتعددت شروحها، وتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد وهو كتاب مختصر فىالنحو. وقد تُوفِّى ابن مالك فى دمشق سنة (672هـ = 1274م).

*زياد بن أبيه

*زياد بن أبيه وُلِد زياد فى العام الأول للهجرة بالطائف، واختلف فى اسم أبيه ، فقيل: عبيد الثقفى، وقيل: أبو سفيان. أدرك زياد النبى، ولكنه لم يره، وأسلم فى عهد أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، ولمعرفته بالكتابة جعله أبو موسى الأشعرى كاتبًا له أيام ولايته على البصرة واستعمله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على صدقات البصرة ثم عزله، وفى خلافة على بن أبى طالب، رضى الله عنه، ولاه على فارس، ولما استشهد على وتولى معاوية الخلافة اعتصم زياد بفارس، وامتنع على معاوية، ثم صالحه معاوية واستقدمه، فلما قدم زياد عليه استلحقه معاوية بنسبه وولاه البصرة ثم الكوفة، وعُرف زياد فى ولايته بالشدة والحزم، وقد أدت شدته هذه إلى الحد من خطر الخوارج. وتُوفِّى زياد عام (53هـ = 673م) بالكوفة.

*رقية بنت محمد (صلى الله عليه وسلم)

*رقية بنت محمد - صلى الله عليه وسلم - هى رقية بنت محمد - صلى الله عليه وسلم -، أمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، رضى الله عنهما. وُلِدت رقية فى الجاهلية، وهى الثانية من بنات النبى الأربع، وهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، رضى الله عنهن. تزوجت رقية عتبة بن أبى لهب، ولم يدخل بها، فلما بُعِث النبى أمره أبو لهب أن يُطلقها، فطلقها، وتزوجها عثمان بن عفان، رضى الله عنه، بعد إسلامه، وهاجر بها إلى الحبشة الهجرتين، ثم هاجرت معه إلى المدينة ومرضت قبيل غزوة بدر الكبرى، وحين خرج الرسول إلى بدر تخلف عثمان لتمريضها مع أسامة بن زيد، ثم تُوفيت، والمسلمون فى المعركة، وجاءت البشرى بالنصر وهم يوارونها التراب.

*زبيدة بنت جعفر

*زبيدة بنت جعفر هى زبيدة بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى. وُلِدت عام (145هـ = 762م) وكان اسمها أمة العزيز وكنيتها أم جعفر وأم الواحد. تزوجت ابن عمها الخليفة هارون الرشيد عام (165هـ)، وأنجبت له محمدًا الأمين. اشتهرت زبيدة بأعمال البر والخير، وإقامة العمائر، ومن منشئاتها: عين زبيدة بمكة التى أجرت إليها الماء من وادى النعمان على مسيرة (10) كم من مكة، ومهدت طريق الحج من العراق إلى الحجاز، وشيدت عليه المرافق والمنازل، وحفرت الآبار والبرك، ومازال يُعرف باسم درب زبيدة. تولى ابنها الأمين الخلافة، ثم قُتل فى صراعه مع أخيه المأمون عام (198هـ)، وكان المأمون بعد توليه الخلافة يبرها ويتعهدها، فكان يرسل إليها أموالاً كثيرة كل عام، فتتصدق بأكثرها. وتُوفيت زبيدة عام (216هـ = 831م) فى عهد الخليفة المأمون.

*الحسن بن سهل

*الحسن بن سهل هو أبو محمد الحسن بن سهل بن عبد الله السرخسى، من وزراء الدولة العباسية. وُلِد عام (166هـ)، وهو أخو الوزير الفضل بن سهل، وكلاهما كان من الصابئة ثم أسلم. تولى الحسن عددًا من المناصب، مثل: ديوان الخراج، وإمارة العراق والجزيرة، واستطاع القضاء على بعض الثورات والفتن، مثل: ثورة أبى السرايا والفتنة التى أثارها حميد الطوسى ببغداد. قرَّبه الخليفة المأمون إليه واستوزره، وتزوج من ابنته بوران. واشتهر الحسن بالأدب وجودة التوقيعات، وقرب إليه الشعراء وامتدحه كثير منهم. وتُوفِّى الحسن بن سهل بسرخس عام (236هـ).

*بحيرى الراهب

*بحيرى الراهب راهب نصرانى، وقيل: إنه حبر من أحبار يهود تيماء، يدعى سرجس من بنى عبد القيس. كان يتعبَّد فى صومعة له بالقرب من مدينة بصرى بأرض الشام. وقد وردت قصة هذا الراهب مع رسول الله فى كتب السيرة؛ فعندما خرج النبى وهو فى التاسعة من عمره مع عمه أبى طالب وعير قريش فى رحلة إلى أرض الشام، ونزلوا بصرى بالقرب من بحيرى الراهب، دعاهم إلى صومعته، ولم يكن يدعوهم قبل ذلك حينما كانوا يمرون عليه، وذلك لمَّا رأى الغمامة التى تُظلل النبى، فاجتمعوا إليه، فلما رأى بحيرى النبى جعل يتأمله، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها فى كتب عنده من صفاته، فلما فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام بحيرى إلى النبى فسأله عن أمور فأجابه النبى بما وافق ماعنده، فجعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، على موضع الصفة التى قرأها؛ فقبَّل موضع الخاتم. ثم أوصى بالنبى عمه أبا طالب وعرَّفه أنه سيكون له شأن عظيم.

*ابن البيطار

*ابن البَيْطار هو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن البيطار المالقى الأندلسى. من كبار علماء النبات والأعشاب والطب فىالنصف الأول من القرن (7هـ = 13م). وُلِد ابن البيطار فى مدينة مالقة الأندلسية سنة (575هـ = 1179م)، وكان والده بيطريًّا، ودرس فى إشبيلية أنواع النباتات والأعشاب على كثير من العلماء. وقام برحلة علمية بهدف حصر أنواع الأعشاب والنباتات الطبية المختلفة، والتقاء الأطباء وعلماء النبات، فرحل إلى المشرق مارًّا بالمغرب وتونس والجزائر وطرابلس وبرقة والحجاز وغزة والقدس، ثم ذهب إلى اليونان وإيطاليا. والتقى خلال هذه الرحلة كثيرًا من الأطباء وعلماء النبات والأعشاب، واستغرقت هذه الرحلة من حياة ابن البيطار أكثر من ثلاثين عامًا، مكنته من هذا العلم وأكسبته شهرة ومكانة مرموقة، وقد اتصف ابن البيطار بالذكاء والخبرة واتساع المعرفة بعلم النبات والأعشاب، واستخدمت كتبه فى تكوين أول معشبة نباتية، وأول صيدلية إنجليزية أعدتها كلية الطب فى عهد جيمس الأول، ويُعد كتابه الأدوية المفردة أحد أسس تكوين علم العقاقير الحديث. ترك ابن البيطار عددًا من المصنفات العلمية فى الأعشاب والأدوية، منها: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، والمغنى فى الأدوية المفردة، وميزان الطبيب. وتُوفِّى ابن البيطار فى دمشق سنة (646هـ = 1248م).

*ست الملك

*ست الملك هى ست الملك بنت الخليفة العزيز بالله نزار، وُلِدت بالمهدية فى تونس عام (359هـ = 969م)، ورحلت مع أبيها إلى مصر، وهى طفلة، وكانت أمها رومية مسيحية، تزوجها العزيز بالله حينما كان وليًّا للعهد فأنجب منها ست الملك والحاكم بأمر الله. اشتهرت ست الملك بعدة خصائص، أبرزها: الحزم والعزم والكرم والسخاء والتسامح الدينى. وقد اتهمت ست الملك بتدبير مقتل أخيها الحاكم، واختلفت روايات المؤرخين فى هذا الشأن بين مؤيد ومعارض، وقد تم قتل الحاكم عام (411هـ = 1020م)، وتولت ست الملك الوصاية على ابن أخيها الظاهر خلال السنوات الأربع لحكمه، فأظهرت كفاءة ممتازة فى إدارة شئون البلاد، وبذلت العطاء للجند، وظلَّت تشرف على أعمال الدولة حتى وفاتها عام (415هـ = 1024م).

*أحمد بن ماجد

*أحمد بن ماجد هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن عمر بن فضل. أحد كبار الملاحين العرب. وُلِد بجلفار على الساحل الجنوبى من الخليج العربى؛ حيث إمارة رأس الخيمة الحالية، ولا يعرف بالتحديد سنة مولده، ويقال: إنه وُلِد سنة (838هـ)، وينحدر ابن ماجد من أسرة اشتهرت بالملاحة وارتياد البحار، فورث ذلك الفن عن أبيه وجده، وحصَّل بجواره كثيرًا من العلوم والفنون خاصة فى علم الفلك. ولاترجع شهرة ابن ماجد إلى كونه ملاحًا قديرًا فحسب ولا إلى مؤلفاته الغزيرة فى علوم البحار والملاحة، وإنما اكتسب شهرته من قيادته لسفينة الملاح البرتغالى فاسكو ديجاما سنة (1498م) من مالندى على ساحل إفريقيا الشرقية (فى كينيا حاليًّا) إلى كلكتا فى الهند، وكان لهذا الحادث أثر خطير فى تاريخ الملاحة، وأثر فى توالى الحملات الاستعمارية الأوربية لاحتلال السواحل والمراكز المهمة فى المحيط الهندى. ولابن ماجد مؤلفات كثيرة، منها: كتاب الفوائد فى أصول علم البحار والقواعد، وحاوية الاختصار فى أصول علم البحار والأرجوزة المعربة، وغيرها.

*أحمد بن المدبر

*أحمد بن المدبر هو ابو الحسن أحمد بن محمد بن عبيد الله المدبر. أحد كبار كتَّاب الدولة العباسية فى القرن الثالث الهجرى، كان بليغًا، مترسِّلاً، برع فى كثير من الفنون؛ فأعجب به الخليفة العباسى المتوكل فولاه ديوان الخراج وغيره من الأعمال الجليلة، فحقد عليه بعض الكتاب ووشوا به؛ فخرج إلى بلاد الشام، وتولى خراج دمشق، ثم تولى خراج مصر واستقر بها وكثر ماله ونفوذه وأتباعه. ولما وصل أحمد بن طولون إلى مصر واليًا عليها من قِبَل العباسيين خرج أحمد بن المدبر لاستقباله فى موكب كبير، فلما رأى أحمد بن طولون مافيه أحمد بن المدبر من أبهة ونفوذ؛ خشى من ازدياد نفوذه، وأرسل ابن المدبر هدية لابن طولون فردَّها، وساءت العلاقة بينهما. ومات أحمد بن المدبر سنة (256هـ)، وقيل: سنة (270هـ).

*آق شمس الدين

*آق شمس الدين هو شمس الدين محمد بن حمزة، أحد أئمة العلم فى الدولة العثمانية فى القرن التاسع الهجرى = الخامس عشر الميلادى، وهو معلم السلطان محمد الثانى ومربيه، ومحمد الثانى هو فاتح القسطنطينية الذى لُقِّب بمحمد الفاتح. وُلِد آق شمس الدين فى دمشق سنة (792هـ = 1389م)، وحفظ القرآن الكريم وهو فى السابعة من عمره، وتلقى العلم فى مدينة آماسيا، ثم فى حلب، ثم فى أنقرة. وبرع آق شمس الدين فى علوم ولغات شتى، منها: علوم القرآن الكريم والسنة، والفقه، واللغات العربية، والفارسية، والتركية إلى جانب علوم الرياضيات، والفلك، والطب، والنبات، والصيدلة، والتاريخ. وبلغ منزلة عظيمة فى هذه العلوم؛ فاختاره السلطان العثمانى مراد خان ليعلِّم ابنه محمد الثانى، فكان نعم المعلم والمربى؛ حيث أخذ عنه السلطان محمد الفاتح ما عنده من علم. ولما كبر السلطان محمد الثانى وتولى الحكم كان يصطحب آق شمس الدين فى كل أعماله ويستشيره، وقد شارك آق شمس الدين فى حصار القسطنطينية، ووهو الذى اكتشف قبر الصحابى الجليل أبى أيوب الأنصارى الذى استشهد سنة (52هـ) أثناء حصار المسلمين للقسطنطينية فى خلافة معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه. وكان لآق شمس الدين جهد كبير فى فتح القسطنطينية، بفضل توجيهاته للجنود والقادة، وبيان عظمة هذا العمل وفضله عند الله، إلى جانب دعائه المستمر لله وخشوعه وتذلُّله لله أن ينجز لهم هذه المهمة. وبعد الفتح قال السلطان محمد الثانى: إنكم تروننى فرحًا، فرحى ليس لفتح هذه القلعة فقط، إن فرحى يتمثل فى وجود شيخ فى عهدى هو مؤدبى الشيخ آق شمس الدين. ولآق شمس الدين العديد من المصنفات باللغة التركية والعربية فى علوم شتى، منها: كتاب فى الطب يُسمى مادة الحياة، وهو مكتوب باللغة التركية، وله بالعربية: حل المشكلات، ومقالات الأولياء ورسالة فى ذكر الله، وغيرها. وتُوفِّى آق شمس الدين ببلدة كونيوك سنة (1459م).

*ابن برد

*ابن برد هو أبو حفص بن أحمد بن محمد بن أحمد برد. كاتب، وشاعر أندلسى مجيد، من أهل بيت أدب ورياسة؛ إذ كان جده وزيرًا فى دولة بنى عامر. له رسالة فى السيف والقلم والمفاخرة بينهما، فكان أول من سبق إلى القول فى ذلك بالأندلس، وله فى علوم القرآن التحصيل فى تفسير القرآن. وكانت وفاته بعد سنة (440هـ = 1048م).

*أحمد بن محمد بن الأغلب

*أحمد بن محمد بن الأغلب هو أحمد بن محمد بن عقال الأغلب بن إبراهيم الأغلب. وُلِد سنة ( 220هـ = 835م)، وهو سادس أمراء دولة الأغالبة بشمال إفريقيا ، تولَّى حكم إفريقيا سنة (242هـ = 856م). وكان حسن السيرة فى رعيته، كثير العطاء لهم، تميز عهده بالأمن والأمان والسلام، وفتح مدينة قصريانة إحدى مدن جزيرة صقلية سنة (244هـ = 859م). وكان يحب العمارة؛ فبنى ما يقرب من عشرة آلاف حصن، وزاد فى جامع القيروان، كما بنى مسجد تونس، وبنى سور سوسة. وتُوفِّى أحمد بن محمد الأغلب سنة (249هـ = 863م).

*شريف باشا

*شريف باشا هو محمد شريف باشا بن أحمد سعيد. أحد رؤساء الوزارات فى مصر فى العهد المالكى، وهو تركى الأصل. وُلِد سنة (1823م) فى إستانبول عاصمة الخلافة العثمانية، ثم تربى فى قصر محمد على باشا والى مصر ثم ألحقه بمدرسة الخانكة التى أنشئت سنة (1826م)، ثم انتقل إلى مدرسة السوارى بالجيزة، ثم أرسله سنة (1844م) فى بعثة علمية إلى فرنسا، فكان ضمن من تخصص فى العلوم العسكرية بها. وكان محمد شريف من الطلاب النابهين، حتى إنه منح رتبة البكوية وهو مازال طالبًا فى بالمدرسة الحربية المصرية فى فرنسا، ولكنه مالبث أن اضطر للرجوعع إلى مصر عندما أغلق عباس الأول المدرسة الحربية المصرية بفرنسا سنة (1849م). وعندما عاد إلى مصر عُيِّن ياورًا لسليمان باشا الفرنسى، ولكنه ظل بهذه الوظيفة بدون ترقية لمدة ثلاث سنوات؛ مما دفعه إلى أن يقدم استقالته من العمل بها، وسافر إلى الآستانه، فتقابل هناك مع الأمير محمد عبد الحليم بن محمد على باشا فأقنعه بالعودة إلى مصر سنة (1853م)، وعينه سكرتيرًا ومشرفًا على دائرته. وفى سنة (1854م) عينه سعيد باشا أميرلاى حرسه الخاص، ثم رقاه إلى رتبة لواء بالجيش المصرى، بالإضافة إلى رئاسة حرسه الخاص، ومُنح لقب الباشوية بعد ذلك بقليل. وفى سنة (1857م) عهد إليه سعيد باشا والى مصر بنظارة الخارجية المصرية، وعندما تولى إسماعيل باشا بعد وفاة سعيد باشا سنة (1863م)، عهد إليه بتولى نظارة الداخلية مع نظارة الخارجية، وكذلك نظارة المعارف، وفى سنة (1869م) ولاه رئاسة المجلس الخصوصى (مجلس الوزراء حاليًّا). وفى سنة (1879م) عينه إسماعيل باشا رئيسًا للوزارة الوطنية، وكذلك تولى رئاسة الوزارة فى عهد الخديو توفيق ثلاث مرات: الأولى سنة (1879م)، والثانية سنة (1881م)، والثالثة سنة (1882م). وفى (7 من يناير 1884م) قدم محمد شريف باشا استقالته من منصب رئاسة الوزارة المصرية؛

احتجاجًا على التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية لمصر. وكانت وفاته بمصر فى (28 من أبريل سنة 1887م).

*محمد بن الحنفية

*محمد بن الحنفية هو أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب. المعروف بابن الحنفية. وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، ويُنسَب إليها؛ تمييزًا له عن أخويه الحسن والحسين. وُلد محمد بن الحنفية فى المدينة سنة (21هـ = 642م). وكان ابن الحنفية كثير العلم ورعًا، شديد القوة، وله فى ذلك أخبار عجيبة، وكانت راية أبيه يوم صفين بيده، ويُحكى أنه توقف أول يوم فى حملها؛ حتى لايقاتل المسلمون بعضهم بعضًا، فقال له على بن أبى طالب: هل عندك شك فى جيش مقدمه أبوك؟ فحملها. وكان المختار بن أبى عبيد الثقفى يدعو الناس إلى إمامة محمد بن الحنفية، ويزعم أنه المهدى. وتُوفِّى محمد بن الحنفية سنة (81 هـ = 700 م)، ودُفِن بالبقيع، وزعمت فرقة الكيسانية أنه لم يمت، وأنه مقيم فى شِعب بجبل رضوى.

*ابن الحنفية

*ابن الحنفية هو أبو القاسم محمد بن على بن أبى طالب. المعروف بابن الحنفية. وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، ويُنسَب إليها؛ تمييزًا له عن أخويه الحسن والحسين. وُلد محمد بن الحنفية فى المدينة سنة (21هـ = 642م). وكان ابن الحنفية كثير العلم ورعًا، شديد القوة، وله فى ذلك أخبار عجيبة، وكانت راية أبيه يوم صفين بيده، ويُحكى أنه توقف أول يوم فى حملها؛ حتى لايقاتل المسلمون بعضهم بعضًا، فقال له على بن أبى طالب: هل عندك شك فى جيش مقدمه أبوك؟ فحملها. وكان المختار بن أبى عبيد الثقفى يدعو الناس إلى إمامة محمد بن الحنفية، ويزعم أنه المهدى. وتُوفِّى محمد بن الحنفية سنة (81 هـ = 700 م)، ودُفِن بالبقيع، وزعمت فرقة الكيسانية أنه لم يمت، وأنه مقيم فى شِعب بجبل رضوى.

*محمد الذخيرة

*محمد الذخيرة هو أبوالعباس محمد بن القائم بأمر الله، الملقب بالذخيرة، وكان هوالابن الوحيد للخليفة العباسى القائم. وتُوفِّى محمد الذخيرة سنة (448هـ)، وترك زوجته قرة العين حاملاً، فوضعت بعد موته ولدًا سماه جده عبد الله، وعهد إليه بالخلافة من بعده؛ فتولاها بعد وفاة القائم سنة (467هـ).

*محمد رشاد

*محمد رشاد هو محمد خان رشاد الدين بن عبد المجيد خان. السلطان الخامس والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية. وُلِد سنة (1260هـ = 1844م)، ونشأ نشأة عسكرية؛ حيث انخرط فى سلك الجندية فىعهدى السلطان عبد العزيز والسلطان مراد خان. وتدرج فى المناصب حتى وصل إلى رتبة فريق. وقد حجر السلطان عبد الحميد الثانى على تحركاته فجعله يلزم السرايا، فلم يكن يخرج منها إلا يرقبه كثير من العيون، وظل على هذه الحالة حتى إعلان دستور سنة (1909م)، وعزل السلطان عبد الحميد الثانى؛ حيث بويع محمد رشاد باالخلافة. وتولى إدارة الحكومة فى عهده حزب الاتحاد والترقى. وتُوفِّى السلطان محمد رشاد سنة (1336هـ = 1917م).

*الماوردى

*الماوردى هو على بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردى فقيه شافعى، وأديب وقاضٍ وسياسى. وقد أُطلِقَ عليه الماوردى؛ نسبة إلى عمله فى بيع ماء الورد، وقد وُلِد فى البصرة سنة (364 هـ = 974 م)، وتلقى تعليمه فى البصرة وبغداد، واختير للقضاء فى بلدان كثيرة، وتلقب بأقضى القضاة سنة (429هـ)، واختير سفيرًا للخلافة الإسلامية. وكان كثير المنازعات والخصومات؛ وذلك لذكائه ومهارته فى الإقناع. وعاش حياة متواضعة رغم منصبه، واتُّهِم بالاعتزال. وألَّف فى الفقه وتفسيرالقرآن والسياسة والنحو والأدب. وأهم كتبه: النكت والعيون، وهو فى تفسير القرآن، والحاوى الكبير، وهو فى الفقه الشافعى، والأحكام السلطانية، وهو فى السياسة، وتسهيل النظر وتعجيل الظفر. وتُوفِّى الماوردى فى بغداد فى (30 من ربيع الأول 450هـ = 27 من يونيو 1058 م).

*البكرى

*البكرى هو أبو عبيد الله عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكرى الأندلسى. أحد الجغرافيين العرب المعروفين، وُلِد فى شلطيش (سالتيس) عام (432هـ = 1040 م). وكان جده واليًا على شلطيش وولبة فى خلافة المؤيد الأموى، وحاول أبوه أن يستقل بها، فلم ينجح؛ ففرَّ مع ابنه إلى قرطبة، وفيها تتلمذ البكرى لعلماء عصره، ثم التحق بخدمة أمير ألمرية محمد بن معن. وفى عام ( 478 هـ = 1085 م) سافر البكرى إلى مراكش فى وفد من أمراء الأندلس؛ لطلب العون من أمير المرابطين يوسف بن تاشفين فى قتال ألفونس السادس ملك قشتالة، الذى استفحل أمره، وعاد البكرى بعد ذلك إلى قرطبة، واستقر بها حتى وفاته. واشتهر البكرى بمؤلفاته فى الجغرافيا والتاريخ والأدب، وأشهرها كتاب المسالك والممالك، ومعجم ما استعجم، وأعلام النبوة، وشرح أمالى القالى. وتُوفِّى أبو عبيد البكرى سنة (487هـ = 1094م).

*ابن ماجه

*ابن ماجه هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الرَّبعى القزوينى. أحد أئمة الحديث فى القرن الثالث الهجرى. وُلِد سنة (209هـ = 824 م)، ثم ارتحل إلى بغداد والبصرة والكوفة ومكة والشام ومصر والرى. سمع على محمد الطنافسى، ومصعب بن عبد الله بن الزبير، وأبى بكر بن أبى شيبة وخلق كثير، وروى عنه محمد بن عيسى الأبهرى، وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المدائنى وغيرهما. كان إمامًا فى الحديث، ومن تصانيفه: سنن ابن ماجه، وهو أحد الكتب الستة الصحاح، وله تفسير القرآن وكتاب فى تاريخ قزوين. وتُوفِّى ابن ماجه سنة (273هـ = 887 م). *ماركو بولو هو ماركو بن نيقولا بولو. مستكشف ورحالة إيطالى. وُلِد فى البندقية سنة (652هـ = 1254م)، وقيل: سنة ( 653هـ = 1255م). وكان من عائلة من كبار التجار، الذين أقاموا علاقات تجارية فى القسطنطينية والبحر الأسود وإمبراطورية التتار. وفى عام (1271م) أثار ماركو اهتمام إمبراطور الصين؛ فأبقاه فىبلاطه بلاط كوبلاى خان لمدة (20) سنة؛ فكلفه بمهمة السفير؛ فعرف القسم الأعظم من الصين الغربية والهند والخليج العربى، وغيرها من المناطق التى كانت خاضعة للإمبراطور الصينى آنذاك. وقد اعتُقل لمدة ثلاث سنوات، خلال الحرب التى دارت رحاها بين البندقية وجنوة سنة (1298م). روى ذكرياته لرفيقه فى السجن روستيشللو، فبدأ بالحديث عن حياته، ثم بالأماكن التى زارها، وعادات المغول، وتاريخهم. وكانت كتاباته المصدر الوحيد تقريبًا لمعلومات الغرب عن الشرق فى عصر النهضة، وكذلك عن بعض جهات آسيا حتى القرن التاسع عشر الميلادى، وتُوفِّى ماركو بولو سنة (725 هـ = 1324م).

*مارية القبطية

*مارية القبطية هى مارية بنت شمعون القبطيَّة. وُلِدت لأبٍ قبطى مصرى وأم رومية، فى قرية حَفن من أنصِفا الواقعة على الضفة الشرقية للنيل تجاه الأشمونين (مركز ملوى بمحافظة المنيا بصعيد مصر). أهداها المقوقس حاكم الإسكندرية إلى رسول الله سنة (7هـ = 628م)، وأرسلها إليه مع حاطب بن أبى بلتعة فعرض عليها الإسلام فأسلمت. وقد أنزلها الرسول فى بيت لحارثة بن النعمان، ثم حولها إلى العالية. وعندما ولدت مارية للنبى إبراهيم قال الرسول: أعتقها ولدها، ولما حضرت إبراهيم الوفاة سنة ( 10هـ = 631 م) قال النبى: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولانقول إلا ما يرضى ربَّنا، وإنا بفراقك ياإبراهيم لمحزونون. وهى تشابه هاجر زوجة إبراهيم الخليل وأم إسماعيل عليهما السلام، فكلتاهما من مصر، وأهديتا إلى نبى، وأم ولد، كما فُسِّر بهما (النسب والصهر) الوارد فى قوله: استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لهم نسبًا وصهرًا. فالنسب لهاجر والصهر لمارية. وبعد وفاة النبى أنفق عليها أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، حتى تُوفِّى، ثم أنفق عليها عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، حتى توفيت فى خلافته فى المحرم سنة (16هـ = 637 م)، وكان عمر يحشر الناس لشهود جنازتها، وصلى عليها، ودفنت بالبقيع بالمدينة.

*مالك بن أنس

*مالك بن أنس هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الحميرى. أحد الأئمة الأربعة من أهل السنة، وإليه يُنسَب المذهب المالكى. وُلِد سنة (93هـ = 712 م) بالمدينة، ونشأ فى بيت اشتغل أهله بالحديث. حفظ القرآن الكريم، وعمره (11) سنة، وتلقى العلم عن كبار التابعين والعلماء فى عصره. وأدرك مالك الدولتين الأموية والعباسية. وكان يجلُّ حديث رسول الله والعلم؛ إذ كان إذا خرج لمجلس العلم يتطيب ويلبس أحسن ثيابه. وكان ذا هيبة كبيرة، يعتنى بطعامه وشرابه ولباسه، قوى الحافظة، وإذا شك فى حديث تركه. وصنف الإمام مالك عدة كتب، منها: الموطأ، وهو أشهر كتبه، وعندما أراد المنصور حمل الناس على الموطأ رفض الإمام مالك ذلك؛ منعًا للفتنة، وله أيضًا الرد على القدرية، وتُوفِّى الإمام مالك بالمدينة سنة (179هـ = 795 م)، ودُفِن بالبقيع بجوار إبراهيم ابن النبى.

*مالك بن نويرة

*مالك بن نويرة هو مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعى التميمى. يكنى أبا حنظلة، ويلقب بالجفول. كان شاعرًا معدودًا فى فرسان بنى يربو [ AZ1] ع فى الجاهلية، وأشرافهم. أدرك الإسلام، وأسلم، وولاَّه النبى صدقات قومه (بنى اليربوع).

*المتنبى

*المتنبى هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفى الكوفى الكندى، أبو الطيب المتنبى: من كبار شعراء المسلمين، وأحد مفاخر الأدب العربى سنة (303هـ = 915م). ولد بالكوفة ونشأ بالشام، ثم تنقل فى البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس. التحق المتنبى بالأمير سيف الدولة بن حمدان سنة (337هـ) فمدحه وحظى عنده، ثم فارقه ودخل مصر سنة (346هـ) فمدح كافور الإخشيدى؛ طمعًا منه فى أن يوليه بعض الإمارات، فلمَّا لم يولِّه شيئًا هجاه، ورحل عنه قاصدًا بلاد فارس، ومدح عضد الدولة بن بُوَيّه الدَّيْلمى، فأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصدًا بغداد عرض له فاتك بن أبى الحهل الأسدى فى عدد من أصحابه، وكان مع المتنبى أيضًا جماعة من أصحابه، فقاتلوهم، فقُتِل المتنبى وابنه وغلامه بالقرب من النعمانية، فى موضع يقال له الصفا، وذلك سنة (354هـ = 965م).

*المثنى بن حارثة

*المثنى بن حارثة هو المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم صحابى جليل، من كبار قادة المسلمين الفاتحين، أسلم سنة (9هـ = 630م). ساهم فى حروب الردة فى عهد أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - واستطاع أن يقضى على ردة أهل البحرين، ثم تقدم إلى القطيف وهجر، ووصل إلى نهرى دجلة والفرات وأخذ يُغِير على بلاد فارس؛ فاستولى على مدينة دهشتاباذ أردشيد (البصرة حاليًّا)، ثم استولى على مدينة الأبلة (البصرة حاليًّا أيضًا)، ثم اتجه نحو الحيرة (الكوفة حاليًّا)، وقد نبهت هذه الهجمات المتكررة جيوش الفرس إلى خطورة المثنى بن حارثة، فأخذوا يحرضون القبائل العربية المواجهة لجيوش المثنى على حربه، مما دفعه إلى الذهاب إلى الصدِّيق أبى بكر فى المدينة يطلب منه الإمدادات لحربهم. وبالفعل فقد أرسل إليه أبو بكر الصديق مددًا بقيادة خالد بن الوليد، ثم أرسل إليه عمر بن الخطاب مددًا - عندما تولى الخلافة - بقيادة أبى عبيد بن مسعود الثقفى، وظل المثنى بن حارثة ينظم جيشه ويحارب ضد الفرس وجُرح فى معركة قس الناطف ثم ثماثل للشفاء وخاض عدة معارك أخرى، إلا أن جراحه لم تكن قد شفيت تمامًا، فقضى نحبه - رضى الله عنه - سنة (14هـ = 635م).

*محمد بن محمد المقرى

*محمد بن محمد المقرى هو محمد بن محمد بن أحمد بن أبى بكر التلمسانى المقرى، من الفقهاء الأدباء، والمتصوفين العلماء، من كبار علماء المالكية، وقاضى الجماعة بفاس وتلمسان، وهو جد المقرى صاحب نفح الطيب. وُلِد محمد المقرى فى تلمسان، وتعلَّم بها على كبار علماء عصره، كأبى زيد عبد الرحمن، وأبى موسى عيسى ابنى محمد بن عبد السلام، وعلى أبى موسى عمران بن موسى بن يوسف وإبراهيم بن حكيم الكنانى. ودرس العربية والفقه والتفسير وحفظ الحديث الشريف، وتعلم الأخبار والتاريخ والآداب، وله علم فى الجدل والمنطق والكتابه ونظم الشعر. وكان يحب الرحلة، فرحل إلى فاس فتولى القضاء بها، فكان حسن السيرة، وأحبه الناس، ورحل إلى بجاية وتونس، وحج بيت الله الحرام، ودخل دمشق وبيت المقدس. وتوفى محمد بن محمد المقرى بفاس سنة (758هـ = 1357م) ودفن فى تلمسان. أهم كتبه: كتاب القواعد، وكتاب الحقائق والرقائق، وكتاب المحاضرات، وكتاب التحف والطرف وكتاب رحلة المتبتل، وكتاب إقامة المريدين.

*ابن هشام

*ابن هشام هو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى المعافرى، وُلِد ونشأ بالبصرة. كان عالمًا بالأنساب واللغة وأيام العرب وأخبارها، وهو الذى جمع سيرة رسول الله من المغازى والسير لابن إسحاق، وهى التى عُرفت بسيرة ابن هشام. له مجموعة تصانيف غير السيرة، منها: القصائد الحميرية فى أخبار اليمن وملوكها فى الجاهلية، والتيجان فى ملوك حمير وشرح ماوقع فى أشعار السير من الغريب، وتُوفِّى ابن هشام سنة (213هـ = 828م).

*يزيد بن المهلب

*يزيد بن المهلب هو أبو خالد يزيد بن المهلب بن أبى صفرة، أحد مشاهير الولاة، ومن القادة الشجعان. وُلِد سنة (53هـ = 673م)، ونشأ فى بيت عزٍّ وسلطان، وَلِىَ خراسان بعد وفاة أبيه سنة (83هـ)، وذلك بعهد من أبيه، وكان يقدمه على إخوته، ومكث فى ولايته قريبًا من ست سنين ثم عزله الوليد بن عبد الملك بتحريض من الحجاج بن يوسف والى العراق، الذى كان يخشى بأسه وطموحه، فلما عزله، حبسه الحجاج فهرب يزيد إلى الشام واستجار بولى العهد سليمان بن عبد الملك فأجاره وتشفع فيه عند الخليفة فشفعه وعفا عنه، ولمَّا تولَّى سليمان بن عبد الملك الخلافة ولاه العراق ثم خراسان فنجح فى فتح جرجان وطبرستان، وعندما اُستخلف عمر بن عبد العزيز عزله وطلبه، فأُحضِر إلى الشام فحبسه بحلب، ولما مات عمر، أخرجه غلمانه من السجن وسار إلى البصرة ودخلها وغلب عليها وأعلن الخروج على بنى أمية وخلعهم، فقاتله مسلمة بن عبد الملك وانتهى الأمر بقتل يزيد فى مكان يُسمى العقر بين واسط وبغداد سنة (102هـ = 720م).

*ابن هشام الأنصارى

*ابن هشام الأنصارى هو جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصارى المصرى، وُلِد بالقاهرة فى ذى القعدة سنة (708هـ = 1308م). تلقى العلم على يد عدد من العلماء، منهم: الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وابن السرَّاج وابن حيان والتاج التبريزى وابن جماعة واشتهر ابن هشام بالتعمق فى مذاهب النحاة وتمثلها تمثلاً غريبًا نادرًا، وطارت شهرته فى العربية، فأقبل عليه الطلاب من كل فجٍّ يفيدون من علمه ومباحثه النحوية الدقيقية واستنباطاته الرئعة، وبلغ الإعجاب به لدى بعض معاصريه حدًّا جعلهم يقولون: إنه أنحى من سيبويه. وترك ابن هشام مصنفات كثيرة، منها: مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب، والإعراب عن قواعد الإعراب وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك وغيرها. وتُوفِّى ابن هشام الأنصارى عام (761هـ = 1360م).

*رستم

*رستم من مشاهير قادة الفرس فى العصر السامانى، اتصلت سيرته بفتوح العرب لفارس زمن خلافة أبى بكر الصديق وعمر بن ابخطاب، وذلك عندما وجه أبو بكر جيشًا إلى العراق بقيادة خالد بن الوليد ومعه المثنى بن حارثة فاستولى على الحيرة والأنبار. ثم وجه أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى جبهة الشام فتوقفت الفتوحات فى العراق، ثم استكمل عمر بن الخطاب فتح العراق فأنفذ جيشًا بقيادة سعد بن أبى وقاص فى نحو ثمانية آلاف مقاتل فالتقى فى القادسية مع الجيش الساسانى بقيادة رستم على رأس ثلاثين ألف مقاتل، ونشبت المعركة الحاسمة التى عُرفت بمعركة القادسية وفيها هزم الفرس هزيمة منكرة وقتل رستم، وتلا ذلك استيلاء المسلمين على جلولاء ثم على المدائن.

*الحسن الوزان

*الحسن الوزان هو أبو على الحسن بن محمد الوزان المسمى فى أسره يوحنَّا الأسدى والمعروف عند الإفرنج باسم ليون الإفريقى، وُلِد فى غرناطة نحو سنة (888 هـ = 1483م)، وهاجر مع أسرته وهو طفل صغير إلى فاس فتعلم بجامع القرويين، وانتُدب أبوه لبعض السفارات والوساطات السياسية، ثم انتُدب هو أيضًا لمثل تلك الأعمال، فتيسرت له الرحلة إلى أكثر بلاد شمال إفريقيا والشرق الأوسط. اشترك الحسن الوزان فى الحرب التى كانت بين البرتغال والشريف محمد السعدى وأسره قرصان إيطالى سنة ( 926هـ) بالقرب من جزيرة جربة، وأخذوه إلى نابلى، وعندما عرفوا أنه من أهل العلم قدَّموه إلى البابا ليون العاشر، ومعه كتبه وأوراق رحلته. وكانت للبابا عناية بعلوم العرب فأكرمه وأدخله فى خاصته وسمَّاه جان ليون، وتعلم الإيطالية واللاتينية وكان يحسن الإسبانية والعبرية، وترجم فى تلك الفترة كتاب وصف إفريقية إلى الإيطالية، وهو القسم الثالث من كتاب له ألفه فى الجغرافية العامة وكان فى طليعة الكتب التى ابتدأت بها المطبعة بفرنسا، ولذا كان تأثيره فى النهضة الأوربية ثأثيرًا كبيرًا. ومن مؤلفاته: مختصر تاريخ الإسلام وتاريخ إفريقية، وغيرهما. وقد عاد الوزان إلى بلاده نحو سنة (934هـ = 1527م) ومات مسلمًا فى تونس نحو سنة (957هـ = 1552م).

*ابن رشد (الجد)

*ابن رشد (الجد) هو محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد شيخ المالكية، وقاضى الجماعة بقرطبة، وصاحب الصلاة بمسجدها الجامع. وُلِد فى قرطبة سنة (450هـ = 1048م) ونشأ بها فتعلَّم على أيدى علماء الأندلس المشهورين كأبى جعفر أحمد بن رزق الفقيه، وأبى مروان بن سراج، وأبى عبد الله محمد بن فرج، وغيرهم كثير. وكان ابن رشد عالمًا بالفقه، عارفًا بالفتوى على مذهب الإمام مالك. تولى قضاء قرطبة فأحسن إلى الناس فأحبوه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء والعشرة، بارًّا بالناس. وتُوفِّى ابن رشد فى ذى القعدة سنة (520هـ = 1156م) عن عمر يناهز (70) سنة. ومن أهم كتبه: كتاب المقدمات لأوائل كتب المدوَّنة، وكتاب البيان والتحصيل لما فى المستخرجة من التوجيه والتعليل، وكتاب اختصار مشكل الآثار للطحاوى، وكتاب نوازل ابن رشد، وكتاب المسائل الخلافية.

*محمد بن الأغلب

*محمد بن الأغلب هو أبو العباس محمد بن أبى عقال بن إبراهيم بن الأغلب. أحد حكام دولة الأغالبة بالمغرب الأدنى (تونس حاليًّا). تولى الحكم سنة (226هـ = 841م) وعمره إحدى وعشرون سنة، وفى السنوات الأولى من حكمه نعمت البلاد بالهدوء والسكينة ثم سرعان ما قامت ضده بعض الثورات؛ كان أخطرها ثورة أخيه أحمد بن الأغلب، وثورة سالم بن غليون والى إقليم الزاب، وثورة تامر بن عمرو التجيبى بتونس، ولكنه تمكن من القضاء على تلك الثورات وأمَّن دولته من الأخطار الخارجية والداخلية، وواصل مسيرة سابقيه فى فتح صقلية، كما أغار بجيشه على روما العاصمة الإيطالية ردًّا على إغارة الإيطاليين على سواحل تونس، ونجح فى دخول روما والبقاء بها لمدة شهرين ثم غادرها بعد وصول الإمدادات الأوربية إليها. ومن أهم أعمال محمد بن الأغلب بناؤه مدينة العباسة. وتميز عهده بظهور مجموعة بارزة من العلماء مثل: أبى محمد عبد الله بن حسان اليحصبى، المتُوفَّى سنة (227هـ) والإمام سحنون بن سعيد الذى ولى قضاء إفريقية سنة (233هـ)، وتُوفِّى سنة (240هـ). وتُوفِّى ابن الأغلب سنة (242هـ) بعد حكم دام خمسة عشر عامًا وثمانية أشهر واثنى عشر يومًا.

*أبو العباس محمد بن الأغلب

*أبو العباس محمد بن الأغلب هو أبو العباس محمد بن أبى عقال بن إبراهيم بن الأغلب. أحد حكام دولة الأغالبة بالمغرب الأدنى (تونس حاليًّا). تولى الحكم سنة (226هـ = 841م) وعمره إحدى وعشرون سنة، وفى السنوات الأولى من حكمه نعمت البلاد بالهدوء والسكينة ثم سرعان ما قامت ضده بعض الثورات؛ كان أخطرها ثورة أخيه أحمد بن الأغلب، وثورة سالم بن غليون والى إقليم الزاب، وثورة تامر بن عمرو التجيبى بتونس، ولكنه تمكن من القضاء على تلك الثورات وأمَّن دولته من الأخطار الخارجية والداخلية، وواصل مسيرة سابقيه فى فتح صقلية، كما أغار بجيشه على روما العاصمة الإيطالية ردًّا على إغارة الإيطاليين على سواحل تونس، ونجح فى دخول روما والبقاء بها لمدة شهرين ثم غادرها بعد وصول الإمدادات الأوربية إليها. ومن أهم أعمال محمد بن الأغلب بناؤه مدينة العباسة. وتميز عهده بظهور مجموعة بارزة من العلماء مثل: أبى محمد عبد الله بن حسان اليحصبى، المتُوفَّى سنة (227هـ) والإمام سحنون بن سعيد الذى ولى قضاء إفريقية سنة (233هـ)، وتُوفِّى سنة (240هـ). وتُوفِّى ابن الأغلب سنة (242هـ) بعد حكم دام خمسة عشر عامًا وثمانية أشهر واثنى عشر يومًا.

*محمد بابر ظهير الدين

*محمد بابر ظهير الدين هو ظهير الدين محمد بن عمر الشيخ ميرزا الملقب ببابر ومعناها فى الهندية النمر مؤسس إمبراطورية المغول التيمورية الإسلامية فى الهند، وأحد أحفاد تيمورلنك. وُلِد بابر فى المحرم سنة (888هـ = 1483م) بمدينة فرغانة الهندية، التى كان أبوه ملكًا عليها، وبعد وفاة أبيه تولى حكمها وكان لايزال فى الثانية عشرة من عمره، فتعرض لعدة مؤمرات من أعمامه لعزله، اضطر على أثُرها إلى الرحيل إلى أفغانستان، واستقر بكابل، وجعل منها نواة لإقامة دولة قوية، وواتته الفرصه لتوسيع رقعة دولته حينما استغاث به حاكم لاهور ضد حاكم دلهى فزحف بابر بجيشه نحو الهند، فاستولى على السند سنة (925هـ) ثم على لاهور سنة (930هـ) ثم دخل دلهى سنة (932هـ) ثم أكرا. ولما رأى ذلك أمراء الهندوس تحالفوا ضده ليوقفوا زحفه ويقضوا على دولته، فأعدوا جيشًا كبيرًا لذلك، والتقى الطرفان فى معركة حاسمة تمكن فيها بابر من هزيمتهم ثم اتجه إلى شرقى الهند فاستولى على بيهار، وهكذا صارت له دولة مترامية الأطراف، واتخذ من أكرا عاصمة لها. وبعدما أمَّن بابر دولته من الخارج، اتجه للإصلاحات الداخلية، فمهَّد الطرق، وحفر الترع والأنهار ونظَّم الضرائب، وأقام شبكة بريد جيدة، واهتم بالنواحى الثقافية حيث كان بابر أديبًا رقيقًا يقرض الشعر بالتركية والفارسية، وابتكر خطًّا جديدًا نُسب إليه وكتب به مصحفًا، أهداه إلى المسجد الحرام بمكة. وألَّف بابر عدة كتب، مثل: الفتح المبين فى الفقه الحنفى، وبابرنامه وهو تاريخ حياه بابر فى صورة مذكرات أو يوميات ضمنها ترجمة لحياته وعصره، كتبه بالتركية، ثم تُرجِم إلى الفارسية وعدة لغات أوربية. وتُوفِّى بابر سنة (937هـ = 1531م)، وعمره خمسون سنة، ودفن بكابل بأفغانستان.

*محمد بركة خان

*محمد بركة خان هو أبو المعالى ناصر الدين محمد بركة بن الملك الظاهر بيبرس، لقِّبَ محمد بركة بالملك السعيد، وهو الملك الخامس من ملوك الترك بمصر. وُلِد فى العش (من ضواحى القاهرة) فى (صفر 658هـ = يناير 1260م) ونشأ بديار مصر تحت كنف أبيه. تولى السلطنة بعد أبيه واتبع سياسة فى الحكم أغضبت الأمراء، فحاصر الأمراء القلعة سنة (1279م) وقطعوا عن الملك السعيد الماء وأصروا أن يخلع نفسه، فطلب منهم أن يعطوه الكرك فأجابوه إلى ذلك. وكانت مدة سلطنة محمد بركة خان سنتين وشهرين وثمانية أيام. وتُوفِّى سنة (679هـ = 1280م) ودفن فى بغداد.

*الزبيدى

*الزُّبَيدى هو أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله (أو: عبيد الله) بن مَذْحِج بن محمد بن عبد الله بن بشر الزُّبيدى الإشبيلى. أديب، لغوى، وفقيه، محدث، سكن قرطبة وأصله من حمص (فى الشام). وُلِد سنة (316هـ = 928م) بإشبيلية وبها نشأ واشتهر، ثم طلبه الخليفة الأموى الحكم المستنصر بالله إلى قرطبة؛ فأدَّب فيها ولى عهده هشامًا المؤيد بالله، ثم ولى قضاء إشبيلية. أخذ العربية عن القالى وأبى عبد الله الرياحى وروى عنه ولده أبو الوليد محمد بن محمد وإبراهيم بن محمد الأفليلى، وولده أبو الوليد أحمد الأديب قاضى إشبيلية. من تصانيفه: مايلحن فيه عوام الأندلس وطبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس يترجم فيه للنحاة ابتداءً من أبى الأسود الدؤلى إلى زمن شيخه أبى عبد الله النحوى الرياحى، والواضح فى العربية ومختصر كتاب العين فى اللغة وسماه الاستدراك على كتاب العين، والغاية فى العروض، والاستدراك على سيبويه فى كتاب الأبنية، وهتك ستور الملحدين، وله كتاب فى الرد على ابن مَسَرَّة. وتُوفِّى الزبيدى فى جمادى الآخرة سنة (379هـ = 989م).

*محمد بن الحسن الشيبانى

*محمد بن الحسن الشيبانى هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيبانى، أحد أئمة الفقه الكبار، وناشر علم الإمام أبى حنيفة. وُلِد محمد بواسط سنة (131هـ = 748م)، ونشأ بالكوفة، وسمع العلم بها، وجالس ابا حنيفة، وسمع منه، ونظر فى الرأى، فغلب عليه، وبرع فيه وعُرف به وقدم بغداد فنزلها، وتردد عليه الناس، وسمعوا منه الحديث والرأى، وخرج إلى الرَّقة، وهارون الرشيد أمير المؤمنين بها، فولاه قضاء الرقة ثم عزله، فقدم بغداد. وللشيبانى كتب كثيرة فى الفقه والأصول، منها: المبسوط والزيادات والجامع الكبير والجامع الصغير والآثار والسير الكبير والأمالى. توفِّى الشيبانى بالرى وهو فى صحبة هارون الرشيد سنة (189هـ).

*محمد بن الحسن العسكرى

*محمد بن الحسن العسكرى هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسكرى بن على الهادى بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق. الإمام الثانى عشر عند الشيعة الإمامية، عُرف عندهم بالمهدى المنتظر، والحجَّة، وصاحب الزمان، وصاحب السرداب. وُلِد فى سامراء ومات أبوه وله من العمر نحو خمس سنين فى (8 من شعبان سنة 256هـ)، وقيل: إنه دخل السرداب سنة (275هـ) وعمره - آنذاك - سبعة عشر عامًا، والشيعة ينتظرون خروجه - فى آخر الزمان - من السرداب بسامراء، ومن المؤرخين من يقول: إن الحسن بن على العسكرى لم يكن له نسل.

*محمد حسين هيكل

*محمد حسين هيكل هو محمد بن حسين بن سالم هيكل، أديب ومؤرخ وسياسى، من أعضاء المجمع اللغوى، وُلِد فى قرية كفر غنام بالدقهلية سنة ( 1305هـ = 1888م)، حصل على الدكتوراة فى الحقوق من جامعة السُّربون بفرنسا سنة (1912م)، أكثر من الكتابة فى صحيفة الجريدة وأخرج مجموعة من الكتب الأدبية استهلها بروايته المشهورة زينب التى كتبها أثناتء دراستة فى باريس. ترأس تحرير جريدة السياسة اليومية سنة (1922م)، ثم الأسبوعية، وكان من أركان حزب الأحرار الدستوريين المناوئ لسعد زغلول وحزبه، وَلِىَ وزارة المعارف مرتين، ثم تولى رئاسة مجلس الشيوخ فى الفترة (1945 - 1950م). ومن مصنفاته: فى منزل الوحى وثورة الأدب والصديق أبو بكر والفاروق عمر والإمبراطورية الإسلامية وثلاث قصص: زينب وأبيس وهكذا خلقت. وتُوفِّى محمد حسين هيكل بالقاهرة سنة (1956م).

*حفصة بنت الحاج

*حفصة بنت الحاج هى حفصة بنت الحاج الركونية، شاعرة أندلسية شهيرة، من أهل غرناطة، لا يعرف تاريخ مولدها. كانت أديبة أهل زمانها، ومن أبلغ شعراء أوانها وأدقهم نظرًا، ولم يكن شعرها مقصورًا على أسلوب واحد، بل كانت تتفنن فيه وتدخل فيه أساليب مختلفة، وكانت غزيرة المادة الأدبية، مطلعة على شعر العرب الخلص وغيرهم. وصفها ابن بشكوال بأستاذة عصرها. رحلت عن غرناطة إلى مراكش وتُوفيت بها سنة (586هـ = 1190م).

ملحق: الأماكن والبلدان

*لكة (نهر) نهر صغير، كان يُعرَف بوادى لكة، ويعرف الآن بنهر جوادليتى الذى يصب فى خليج قادس من المحيط الأطلنطى، على مقربة من مدينة شريش فى بلاد الأندلس وهو ينحدر من الشرق إلى الغرب. يقال: إن المسلمين بقيادة طارق بن زياد حاربوا عنده القوط فى سهل الفرنتيرة على ضفاف وادى لكة سنة (92 هـ = 711 م)، وفى هذه المعركة غرق ردريك ملك القوط فى النهر.

*يزد

*يزد مدينة فى وسط إيران، تقع على سهل إرتفاعه نحو (4070) قدمًا فوق سطح البحر، وشيِّدت فى القرن الخامس الميلادى، وتشتهر بإنتاج المنسوجات والسجاد اليدوىّ.

*لوت (نهر)

*لوت (نهر) نهر يقع فى الجزء الجنوبى من فرنسا، وينبع من سلسلة جبال سيفين، ويجرى غربًا حتى يصل إلى نهر عارون ويبلغ طوله نحو (480) كم.

*اليمامة

*اليمامة منطقة فى المملكة العربية السعودية، تقع فى إقليم نجد، وتعرف اليوم باسم العارض، وفيها - الآن - مدينة الرياض عاصمة المملكة، ومن مدنها الدرعية والشعيب والعينية، كما وقعت فيها معركة اليمامة بين المسلمين والمرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب.

*يافا

*يافا مدينة عربية فلسطينية، تقع على الشاطئ الشرقى للبحر المتوسط، إلى الجنوب من مصبِّ نهر العوجا بنحو (7) كم، وإلى الشمال الغربى من مدينة القدس بنحو (60) كم. وهى إحدى البَّوابات الرئيسية الغربية لفلسطين، وعَبْرها يتم اتصال فلسطين بدول حوض البحر المتوسط والدول الأوروبية والإفريقية والأمريكية. وكانت يافا منذ القدم محطة تتلاقى فيها بضائع الشرق والغرب، وكانت جسر عبور للقوافل التجارية بين مصر وبلاد الشام. تتبع يافا مناخ البحر المتوسط ذا الحرارة المعتدلة نسبيًا، وتهطل الأمطار خلال النصف الشتوى من السنة. عُرفت يافا عند قدماء المصريين بيابو، وتبادل احتلالها المكابيون والسوريون، كما دمرها الإمبراطور فسياسيانوس (68)، ثم استولى عليها الصليبيون فى القرن الثانى عشر، ثم استعادها العرب، ودخلها نابليون سنة (1799 م)، والبريطانيون فى أعقاب الحرب العالمية الأولى عام (1917 م). ثَّم وقعت بأيدى اليهود عام (1948 م).

*اليمن

*اليمن جمهورية عربية تقع فى الجزء الجنوبى الغربى من شبه الجزيرة العربية، تحدها المملكة العربية السعودية شمالاً، وسلطنة عمان شرقًا. ولليمن سواحل على البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب. تبلغ مساحتها 533.000 كم2، والعاصمة صنعاء. أهم المحاصيل: القمح والذرة والبن والقطن والفواكه. والثروة الحيوانية هى: الإبل والماشية والخيل والماعز والأغنام. إزدهرت فى اليمن قديمًا حضارات عريقة، هى: حضارة معين، وحضارة سبأ، وحضارة حمير. غزاها الأحباش ثم الفرس قبيل البعثة النبوية. انتشر الإسلام فى أرجائها قبيل انتقال الرسول (إلى الرفيق الأعلى. وفى القرن التاسع الميلادى أسس أتباع زيد بن على بن الحسينى دولة علوية فى اليمن. فتحها الأتراك العثمانيون فى منتصف القرن السادس عشر الميلادى ولكن اليمنيين قاوموا الإحتلال وثاروا عليه، وتمكنوا على الرغم من الحملات العسكرية المتكررة التى جردتها الدولة العثمانية ضدهم من الإحتفاظ باستقلالهم، وذلك بفضل وعورة أراضيهم من ناحية، وتمرسهم بالقتال من ناحية أخرى. وفى عام (1962 م) أطاح عبد الله السَّلال بالإمام محمد البدر آخر أئمة اليمن، وأعلن قيام الجمهورية. وفى (22 من مايو 1990 م) ثم توحيد شطرى اليمن باسم الجمهورية العربية اليمنية.

*ينبع (وادى)

*ينبع (وادى) وادٍ فى الحجاز بالمملكة العربية السعودية، به عدة قرى، يعرف بينبع النخل، تمييزًا له عن المدينة الساحلية التى تعرف بينبع البحر، يوجد به نخيل وماء وزرع. ينسب إليه أبو عبد الله حرملة المدلجى الينبعى، له صحبة ورواية عن النبى - صلى الله عليه وسلم -.

*يوغسلافيا

*يوغسلافيا دولة أوربية تقع فى جنوب أوربا الشرقية. تبلغ مساحتها (98.804) أميال مربعة، يحدها من الغرب البحر الأدرياتيكى وإيطاليا، ومن الشمال النمسا والمجر، ومن الشرق رومانيا وبلغاريا، ومن الجنوب اليونان وألبانيا. وتغلب الطبيعة الجبلية على البلاد حيث تشغل الجبال نحو ثلثى مساحتها وتجرى فى يوغسلافيا عدة أنهار، أهمها: الدانوب، ومورافا، وسافا. ومناخ يوغسلافيا معتدل يميل إلىالحرارة صيفًا والبرودة شتاءً. وأهم مدنها: بلجراد العاصمة، وزغرب، ويتكلم أهلها المقدونية والصربية والكرواتية والألبانية والسلوفانية، ويوجد فيها ما يقرب من (12) مجموعة عرقية، أهمها: الصرب والكروات والبوسنويون والألبان والمقدنيون، وتوجد عدة أديان فى يوغسلافيا: المسيحية بمذاهبها المختلفة من أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ونسبتهم تزيد على (70%)، ونسبة المسلمين بها (20%). ويشتغل السكان بالصناعة والزراعة وتربية الحيوان وصناعة الأخشاب ونسبة الأمية بها منخفضة، ونظامها السياسى فيدرالى، وكانت يوغسلافيا تنتهج نهجًا اشتراكيًّا. خضعت يوغسلافيا طيلة قرون كثيرة للعديد من القوى الأجنبية المتعاقبة مثل: النمساويين والمجريين والإيطاليين والعثمانيين والفرنسيين والألمان. وأصبحت يوغسلافيا مملكة سنة (1917م) بعد اتحاد صربيا والجبل الأسود، واستولى عليها الشيوعيون، وتم إعلانها جمهورية سنة (1946م) بزعامة الرئيس الشيوعى تيتو، وفى سنة (1948م) اتخذت يوغسلافيا نهجًا مغايرًا للاتحاد السوفييتى، إلا أن السمة الأساسية التى كانت تحكم الحياة السياسية فى يوغسلافيا هى الصراع بين القوميات المتعددة، سواء فى العهد الملكى أو الجمهورى، وقد انعكست هذه الانقسامات سلبيًّا على بناء الدولة وحياتها السياسية، وأدت إلى انشطارها إلى جمهوريات مستقلة مع مطلع التسعينيات، واحتدام الصراع العرقى الذى ما زال مستمرًّا بين الصرب -الذين

يدعمهم الروس-والمسلمين من جانب، والكروات والصرب من جانب آخر. وقد استقلت عن يوغسلافيا كرواتيا وسلوفينيا سنة (1990م) ثم مقدونيا والبوسنة سنة (1992م)،وتمسكت صربيا والجبل الأسود ببقاء يوغسلافيا فى دولة واحدة.

*ألبانيا

*ألبانيا إحدى دول البلقان فى أوروبا. تقع على الشاطئ الشرقى للبحر الأدرياتيكى. يحدها من الشمال والشرق جمهورية الجبل الأسود، ومن الجنوب اليونان، ومن الغرب البحر الأدرياتيكى والبحر الأيونى. تبلغ مساحتها (28.748 كم2). وهى ذات أرض جبلية؛ حيث إن (70 %) من مساحتها يزيد ارتفاعها على (300) متر. ويوجد فيها جبل كوريب الذى يبلغ طوله (3021) متر. ومناخها حار جاف صيفًا، معتدل ممطر شتاءً، حتى إن الثلج يكسو المرتفعات لمدة تسعة أشهر. ويبلغ عدد سكانها (3.346.000) ملايين نسمة حسب إحصائية سنة (1992 م)، معظمهم مسلمون يمثلون نحو (88 %) من عدد السكان، وتوجد أقلية يونانية وأخرى مقدونية. واللغة الرسمية هى الألبانية. ويقوم الاقتصاد الألبانى على الزراعة؛ لكثرة الأنهار فى ألبانيا، ويعمل بالزراعة (90 %) من السكان. وأهم المحاصيل: القمح والذرة والقطن والتبغ والأرز والشعير والخضراوات. كما توجد فى ألبانيا ثروة حيوانية كبيرة؛ حيث تغطى المراعى الطبيعية (30 %) من مساحة الأراضى. ويُستخرَج من ألبانيا البترول والغاز الطبيعى والفحم والنيكل كروم والحديد والألومنيوم. وتوجد بعض الصناعات المعدنية ومواد البناء والزجاج والأثاث والمعلبات. وأهم مدن ألبانيا: تيرانا العاصمة، وكورس وشكودرى ودروس وفولورى. والعملة الألبانية هى الليك. ويرجع تاريخ ألبانبا إلى ألف سنة قبل الميلاد عندما نزح الألبان إلى مدينة ألبانويوليس التى تقع شرقى دروس. وفى نهاية القرن (8 هـ = 14م) بدأ الفتح العثمانى لألبانيا، فأخذ الإسلام فى الانتشار فيها. وبعد الحرب البلقانية حصلت ألبانيا على استقلالها سنة (1912 م). وبعد الحرب العالمية الأولى تم الاعتراف بها دوليًّا. وفى سنة (1925 م) أُعلنت جمهورية ألبانيا برئاسة أحمد زوغو، ثم تعرضت للاحتلال الإيطالى، ثم الألمانى الذى انسحب وترك الحكم للشيوعيين بقيادة أنور خوجا الذى أعلن نفسه رئيسًا لألبانيا،

بعد انتخابات عام (1945 م)، وقد حكم ألبانيا حتى عام (1985 م)، وتولى بعده رامز عليا الذى انتهج سياسة أكثر مرونة؛ ففتح باب العلاقات مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. والرئيس الحالى لألبانيا هو صالح بريشا الذى طالب بتدخل قوات أوروبية؛ بسبب أعمال العنف والاضطرابات التى تجتاح البلاد وسيطرة المتمردين على (10 %) من البلاد، وقيام البرلمان بإعلان حالة الطوارئ فى (مارس 1997 م).

*البحيرات (منطقة)

*البحيرات (منطقة) أحد أقسام الأحواض الثلاثة الجامعة لمورد نهر النيل. وتبدأ هضبة البحيرات من شمالى نهر الزمبيزى؛ حيث تقع بحيرة مالاوى، ثم تمتد شمالاً؛ لكى تغطى كلاًّ من تنزانيا وكينيا وأوغندا. وتتكون من: 1 - حوض بحيرة فيكتوريا، وهى أكبر مساحة من الماء العذب فى إفريقيا؛ إذ تبلغ مساحتها (65) ألف كم2، وطولها من الشمال (بورت بل) إلى الجنوب (مونزا) (315 كم)، وأكبر عرض لها (275 كم)، ومتوسط عمقها (40) مترًا، وفيها جزر كثيرة، مثل: أوكروى وهى أهمها، وحوض بحيرة كيوجا التى تبلغ مساحتها (6270 كم2)، وعمقها من ثلاثة أمتار إلى خمسة أمتار، وفى غربها هضبتا بوغندة وبنيورو. وتتجمع مياه بحيرة فيكتوريا، وكيوجا فى نيل فيكتوريا. 2 - حوض بحيرتى: جورج (أودويرو) التى تبلغ مساحة سطحها (300 كم2)، وإدوارد التى تبلغ مساحة سطحها (2200 كم2)، وحوض نهر السمليكى وطوله (250 كم)، ويقع أكثره فى بلاد الكونغو، إلا الجزء الشمالى فإنه يمثل الحد ما بين أوغندا والكونغو إلى مسافة طولها (80 كم). 3 - حوض بحيرة ألبرت، ويخرج منها نيل ألبرت، ومساحتها فى منسوبها الطبيعى (5300 كم2)، وأكبر طول لها (1175 كم)، وأكبر عرض لها (45 كم)، ومتوسط عمقها (12) مترًا، ويغذيها نهران كبيران، هما نيلا فيكتوريا والسمليكى.

*بروسيا

*بروسيا ولاية ألمانية سابقة. مساحتها (294.880 كم2). عدد سكانها ( 39.934.011) نسمة وهو يمثل نحو ثلثى مجموع سكان ألمانيا. عاصمتها برلين. كانت تشغل النصف الشمالى من ألمانيا. وازداد نفوذها بعد تحقيق الوحدة الألمانية عام (1871 م)، وأصبح لها الهيمنة الفعلية على الحياة السياسية الألمانية، حتى إن الدولة الألمانية كانت امتدادًا جغرافيًّا لدولة بروسيا، ومنذ سنة (1871 م) حتى سنة (1918 م) كان ملك بروسيا إمبراطورًا على الرايخ كله، وكان رئيس الوزراء البروسى مستشارًا للإمبراطورية الموحدة. ومنذ إعلان جمهورية بروسيا سنة (1918 م) حتى سنة (1932 م)، ظلت محافظة على علاقاتها الفيدرالية مع بقية الولايات الألمانية. وبعد الحرب العالمية الثانية قُسِّمت بين الاتحاد السوفييتى السابق وبولندا وجمهورية ألمانيا الديموقراطية، وأعلن الحلفاء نهاية وجودها الدستورى عام (1947 م).

*إثيوبيا

*إثيوبيا إحدى دول حوض نهر النيل الواقعة فى شرق إفريقيا، شمالى خط الاستواء. يحدها من الشمال والغرب السودان، ومن الشمال الشرقى البحر الأحمر، ومن الجنوب كينيا، ومن الشرق والجنوب الشرقى الصومال. وتبلغ مساحتها نحو (1.221.900 كم2). وقد كان يُطلَق على إثيوبيا اسم الحبشة؛ نسبة إلى قبيلة حبشت التى هاجرت من اليمن إليها. وإثيوبيا عبارة عن هضبة جبلية مرتفعة، تتميز باعتدال مناخها، وغزارة أمطارها. ويبلغ عدد سكان إثيوبيا (49.263.000) مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1992 م)، يشكل المسلمون منهم (55 %). ويتكون السكان من عدة قبائل، أهمها: الأمهرا والتيجرى والشأوا والجالا والدناكلة والصوماليون. وتوجد أقلية يهودية حبشية اسمها الفلاشا. وعاصمة إثيوبيا أديس أبابا. ويوجد فى إثيوبيا (80) لغة، لكن اللغة الرسمية هى الأمهرية. وتعد الزراعة عماد الاقتصاد الإثيوبى؛ حيث يشتغل بها نحو (80 %) من السكان. وأهم المحاصيل فيها: الشعير وقصب السكر والبن، كما تمتلك ثروة حيوانية كبيرة من الماشية والأغنام. وأهم الصناعات فيها صناعة المنسوجات والأسمنت والزيوت والجلود والتبغ. كما توجد فيها معادن، أهمها: الذهب والبوتاسيوم. وقد عرفت إثيوبيا الإسلام منذ الأعوام الأولى من بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما هاجر الصحابة إليها، وقد أكرمهم النجاشى ملك الحبشة، وأسلم بعد ذلك. وقد احتلت إيطاليا إثيوبيا فى سنة (1355 هـ = 1936 م)، ثم استقلت، وحكمها الإمبراطور هيلاسلا الذى أقام مذابح للمسلمين، وضم إلى إثيوبيا إرتيريا عام (1962 م)، ثم جاء الرئيس منجستو هيلاماريام فأكمل ما بدأه هيلاسلا من إقامة مذابح للمسلمين، ثم قام ميلس زناوى بانقلاب استولى به على الحكم فى إثيوبيا. وميلس زناوى هو الرئيس الحالى لإثيوبيا.

*طهران

*طهران عاصمة إيران وكبرى مدنها. تتكون من كلمتين: ته، بمعنى ساخن، وران، بمعنى مكان فى الفارسية؛ فهى تعنى المكان الساخن، وتكتب طهران أو تهران. وتبلغ مساحتها (13717 م2). تقع جنوبى بحر قزوين على بعد (65 كم) منه، وعلى ارتفاع (3810) أقدام؛ ولهذا فمناخها شديد البرودة شتاءً، حار صيفًا. وهى تقع شرق إيران عند سفح جبال البرز، على بعد (112كم) جنوبًا، وسط سهل دارمين. وقد مرت بسلسلة من مراحل التجديد والتوسيع منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وقد ساعد على تطورها السريع موقعها الاستراتيجى الممتاز؛ فهى ملتقى لخطوط المواصلات البرية والجوية، وتعد مركزًا تجاريًّا مهمًّا، كما تعد المدينة الصناعية الأولى فى إيران. ولقد انتقل إليها عام (1788 م) الشاه أغا محمد خان مؤسس أسرة الفاجار، وجعل منها عاصمة لإيران، وعمل على تعميرها وتشجيع الهجرة إليها. ثم قام الشاه ناصر الدين بتوسيعها وتجميلها فى عام (1869 م)، فأصبح محيط سورها الجديد يبلغ (12.2) ميلاً، وبه (12) بابًا، كما أنشأ بها حيًّا جديدًا على النسق الأوربى، ثم أعيد تخطيطها منذ تولية الشاه محمد رضا بهلوى؛ فهدمت الأسوار القديمة، وامتد العمران بإقامة ضاحية سكنية جديدة ناحية الغرب؛ فشملت المنشآت العامة من المعاهد والمدارس والمتاحف والمستشفيات والمصانع. وفى التاريخ الحديث ارتبط اسم طهران باتفاقية سعد آباد التى عقدت عام (1937 م)، ثم بمؤتمر طهران الذى عقد بين (26 من نوفمبر و2 من ديسمبر 1943 م)، واشترك فيه الرئيس الأمريكى روز فلت والسوفيتى ستالين والبريطانى ونستون تشرشل. وقد أنشئت بها الجامعة عام (1934 م). ومن أشهر علمائها وأدبائها: الفقيه على بن خليل بن محمد على الرازى التهرانى النجفى والفقيه محمد تقى عبد الرحيم التهرانى الرازى والفقيه محمد حسين بن عبد الرحيم الرازى والأديب محمد عبد الوهاب القزوينى.

*القوقاز

*القوقاز مجموعة سلاسل جبلية بين أوربا وآسيا؛ فما يقع إلى الشمال منها يدخل ضمن أوربا، وما يقع جنوبها يدخل ضمن آسيا. تمتد إلى مسافة (1206 كم) من البحر الأسود إلى بحر قزوين، ويصل ارتفاع قممها إلى (5630) مترًا فى جبال البروز، فهى بهذا تمثل أعلى ارتفاع فى أوربا. وتوجد المراعى والغابات فى المرتفعات، وتزرع الفاكهة والكروم فى الوديان، كما أنها غنية بثرواتها المعدنية، وتوجد حقول البترول فى باكو وجروزنى وميكوب، ويوجد المنجنيز فى تشياتورا. وقد تعرضت المنطقة لكثير من الغزوات والهجرات؛ مما ترك أثرًا فى التكوين الجنسى للسكان. وبالقوقاز الشمالية بلاد الجركس. وتنقسم أراضى القوقاز إلى جمهوريات جورجيا وأذربيجان وأرمينيا، وقد قاومت العناصر الإسلامية التوغل الروسى خلال القرن (13 هـ = 19 م) حتى فشلت ثورة الزعيم شامل سنة (1859 م).

*طرابلس (الغرب)

*طرابلس (الغرب) عاصمة الجماهيرية الليبية المعاصرة. وقد قرنت بالغرب، تمييزًا لها عن مدينة طرابلس الشام اللبنانية، ويُطلق الاسم كذلك على المحافظة التى تحيط بالمدينة. وتبلغ مساحتها نحو (248640 كم2). وتقع غرب ليبيا. وتحدها تونس والجزائر من الغرب، وفزان من الجنوب. وتبعد عن مدينة تونس بنحو (655 كم)، ومناخها رطب صيفًا، ممطر شتاءً، ويربطها بالمدن المجاورة شبكة من خطوط المواصلات. وتنقسم إلى طرابلس القديمة وطرابلس الحديثة. وقد أقيمت طرابلس القديمة فى العصر الفينيقى حيث أنشئت مستعمره باسم ليوتش، أى: ذات المدن الثلاث، وهى أويا (طرابلس المدينة) وليوتش ماجنا (صبراتة) وليوتش مافيا (لبدة)، ثم تحولت المستعمرة إلى ولاية رومانية فى عهد الإمبراطور سيفيروس، واستولى عليها الفندال فى القرن (5 م)، ثم استعادها البيزنطيون عام (534 م). وقد فتحها المسلمون إبان العصر البيزنطى عام (22 هـ = 634 م)، على يد عمرو بن العاص، بعد حصار طويل وأصبحت تابعة لإمارة إفريقية (تونس) وتولى حكمها ولاة من العرب والبربر. وفى عام (541 هـ = 1146 م) استولى عليها النورمان. وفى عام (755 هـ = 1354 م) استولى عليها الجنديون. وفى عام (916 هـ = 1510 م) استولى عليها الإسبان بقيادة فردناند الكاثوليكى، حيث بلغت قواته (18) ألف مقاتل، ثم استعادها العثمانيون بعد (21) عامًا بقيادة سنان باشا القائد البحرى فى (13 من شعبان 958 هـ = 26 من أغسطس 1551 م). وقد دام الحكم العثمانى لطرابلس (361) عامًا. وفى عام (1801 م) قامت الحرب الطرابلسية الأمريكية؛ بسبب اتهام الولايات المتحدة حكام طرابلس بمؤازرة أعمال القرصنة ضد سفنها فى البحر الأبيض المتوسط. وفى عام (1904 م) ضرب الفرنسيون الميناء بقنابلهم قبل الحرب الطرابلسية التى شنها الإيطاليون، وتمكنوا من دخول طرابلس عام (1911 م). وتم انسحاب إيطاليا من طرابلس نهائيًّا عام (1943 م). وفى عام

(1951 م) أقامت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة للطيران على مسيرة سبعة أميال شرقى المدينة، عرفت بقاعدة هويلس، وقد استعادتها حكومة الثورة الليبية، ثم عرفت باسم قاعدة عقبة بن نافع. وقد كونت طرابلس وبرقة وفزان دولة ملكية مستقلة أعلنت فى (24 من ديسمبر 1951 م).

*الأردن

*الأردن دولة عربية إسلامية. تقع فى غربى قارة آسيا. يحدها من الشمال سوريا ومن الشمال الشرقى العراق ومن الجنوب والجنوب الشرقى المملكة العربية السعودية، ومن الغرب فلسطين المحتلة. وتبلغ مساحتها (91880كم2). والأردن عبارة عن هضبة ترتفع مابين (700، و 1000) متر، ومناخها بحر متوسطى؛ حار جاف فى الصيف، مع قلة الأمطار، والاعتدال النسبى فى المناطق المرتفعة، أما الشتاء فشديد البرودة. وتُعد الزراعة من أهم الأنشطة الاقتصادية فى الأردن؛ إذ يعمل بها نحو (35 %) من السكان. وأهم المحاصيل الزراعية: القمح والشعير والزيتون والفواكه والموالح وغيرها. ويوجد بالأردن ثروة حيوانية ممثلة فى الماشية والأغنام والإبل. وأهم الصناعات فيها صناعات المنسوجات والأدوية والأدوات الكهربائية والورق. ويوجد فيها بعض المعادن، مثل الفوسفات والملح الذى يوجد بكثرة فى البحر الميت. والعاصمة عَّمان. وأهم المدن: إربد والزرقاء ومعان وعجلون والعقبة. ويبلغ عدد السكان (3.510.000) ملايين نسمة، حسب إحصائية سنة (1992 م). ويدين السكان بالإسلام الدين الرسمى للدولة، وتوجد أقلية نصرانية. ويتكلم السكان اللغة العربية، وهى اللغة الرسمية. وقد خضعت الأردن للدولة الأكادية سنة (2450 ق. م)، ثم للبابليين فى أوائل الألف الثانى قبل الميلاد، ثم خضعت للآشوريين فى الفترة من عام (750 - 612 ق. م)، ثم للرومان، ثم للغساسنة، إلى أن دخلها الإسلام على يد شرحبيل بن حسنة سنة (6 هـ = 627 م) فى عهد الخليفة أبى بكر الصديق، ثم أصبحت تحت حكم الأمويين، ثم العباسيين، ثم الفاطميين، ثم وقعت فى يد الصليبيين إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبى، ثم أصبحت تحت حكم العثمانيين، إلى أن وُضعت تحت الوصايا البريطانية (الانتداب البريطانى)، ثم استقلت، وأطلق عليها المملكة العربية الهاشمية والتى يحكمها الآن الملك حسين بن طلال منذ سنة (1952 م).

*العريش

*العريش بلدة مصرية ساحلية بسيناء، وعاصمة سيناء الشمالية (حاليًّا). تقع على بعد كيلو متر من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهى أول حدود مصر الشرقية، وتقع على الضفة الغربية لوادى العريش، عند مصبه فى البحر الأبيض، وعلى بعد (5 كم) من الطرف الشرقى لبحيرة البردويل، وتحيط بها كثبان رملية قرب الساحل. وهى مركز إدارى يشمل مدينة العريش، وبعض البلدان، منها: أبو سقل والنوانيق والمساعيد وجرادة. وتبعد العريش (28 كم) عن رفح وتقع غربيها، و (85 كم) من القنطرة المطلة على قناة السويس. وقيل فى سبب تسميتها بهذا الاسم: أن أولاد يعقوب - عليه السلام - لما أصابهم القحط نزلوا بهذا المكان، أقاموا لهم عريشًا يستظلون تحته من الشمس، حتى يُؤذَن لهم بالدخول إلى مصر؛ فسُمِّى الموضع بالعريش. ويقال: إنها كانت منفى للمجرمين، يُرسَلون إليها بعد أن تُجدَّع أنوفهم؛ وسماها الرومان رينوكورورا (مجدوعى الأنوف). وقد مرت بها جيوش الفتح الإسلامى فى مختلف العصور الإسلامية، وقد بنى فيها السلطان سليمان العثمانى قلعة عام (1560 م)، وكانت قائمة حتى الحرب العالمية الأولى، ولم يبقَ منها سوى أطلال. وفى (18 من فبراير 1899 م) استولى عليها نابليون، وفى (17 من نوفمبر 1899 م) استعادها العثمانيون، واستولى عليها الحلفاء فى (20 من ديسمبر 1916 م)، وفيها عقد اتفاقية العريش فى (27 من شعبان 1214 هـ = 24 من يناير 1800 م)، بين جيش نابليون والعثمانيين؛ للجلاء عن مصر، دون شروط. ومن آثارها: - أطلال معبد من العصر الرومانى، وكنيسة مسيحية. وتُوفىِّ بها الملك بولدوين الأول ملك بيت المقدس سنة (1118 م) فى حملته الصليبية على مصر. وتشتهر بالنخيل والرمان والبطيخ.

*قوص

*قوص مدينة بمحافظة قنا، على الشاطئ الشرقى للنيل، شديدة الحرارة ومشهورة بنسج القطن، وكانت محطة تجارية للقادمين من عدن، ومنها يبدأ الطريق البرى إلى عيذاب على النيل، ويسير شرقًا بجنوب حتى ساحل البحر الأحمر حيث ميناء عيذاب، وبينها وبين قنا (31 كم). سماها الأغريق أبولو نوبوليس بارفا، وبها أطلال معبد منذ عهد البطالمة. وكانت ملتقى الحجاج فى طريقهم إلى الحجاز فى العصر الإسلامى، وأشهر ما بقى من آثار ذلك العصر المسجد العمرى. وقد أنجبت عدة علماء وشعراء ، منهم: القاضى ابن دقيق العيد، والفقيه شهاب الدين القوصى والوزير الشاعر بهاء الدين زهير.

*مدغشقر

*مدغشقر جزيرة تقع فى المحيط الهندى، وهى الجزيرة الرابعة فى العالم من حيث المساحة؛ إذ تبلغ مساحتها نحو (330) ألف ميل مربع. وهى عبارة عن منطقة جبلية وهضبية واسعة، تحصر سهولاً ساحلية ضيقة فى الشرق والجنوب واسعة نسبيًّا فى الشمال والغرب. وعاصمتها تناناريف. وأهم مدنها: تاماتاف وماجنجا. ويسكنها الملاجاش، وهم من العنصر المالاوى. وأهم صادراتها البن. وعرفها العرب المسلمون منذ زمن مبكر، وكانت مجموعة دويلات قبلية اتحدت فيما بعد؛ إذ كونت مملكة مدغشقر الإسلامية، التى ضايقها البرتغاليون منذ وصولهم إلى الجزيرة سنة (1500 م)، فدارت عدة حروب بين الطرفين، كان النصر فى آخرها للمسلمين الذين طلبوا معونة من جزيرة العرب، وبعد حين عاد البرتغاليون إلى تلك الجزيرة، واستطاعوا احتلالها والقضاء على الحضارة الإسلامية فيها، ثم قدم إليها الفرنسيون بعد رحيل البرتغاليين، ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها إلا سنة (1885 م)، حين وقعوا اتفاقية صلح مع المملكة، أنهت حربًا دامت أربع سنوات. وفى سنة (1895 م) رفضت الحكومة الوطنية اتفاقية الصلح، فتدخلت فرنسا لفرض سيطرتها بواسطة القوات العسكرية. وأعلنت الحماية المباشرة وتعيين حاكم فرنسى سنة (1896 م). وفى سنة (1946 م) جعلتها فرنسا جزءًا من أراضيها فيما وراء البحار. ونالت الاستقلال سنة (1958 م) برئاسة فليب سيرانانا. وفى سنة (1960 م) عرفت بجمهورية ملجاش. وفى سنة (1972 م) وقع أول انقلاب عسكرى فيها بقيادة الجنرال رامانانا تسوا الذى عين نفسه رئيسًا للبلاد فيما بعد.

*ملجاش

*ملجاش جزيرة تقع فى المحيط الهندى، وهى الجزيرة الرابعة فى العالم من حيث المساحة؛ إذ تبلغ مساحتها نحو (330) ألف ميل مربع. وهى عبارة عن منطقة جبلية وهضبية واسعة، تحصر سهولاً ساحلية ضيقة فى الشرق والجنوب واسعة نسبيًّا فى الشمال والغرب. وعاصمتها تناناريف. وأهم مدنها: تاماتاف وماجنجا. ويسكنها الملاجاش، وهم من العنصر المالاوى. وأهم صادراتها البن. وعرفها العرب المسلمون منذ زمن مبكر، وكانت مجموعة دويلات قبلية اتحدت فيما بعد؛ إذ كونت مملكة مدغشقر الإسلامية، التى ضايقها البرتغاليون منذ وصولهم إلى الجزيرة سنة (1500 م)، فدارت عدة حروب بين الطرفين، كان النصر فى آخرها للمسلمين الذين طلبوا معونة من جزيرة العرب، وبعد حين عاد البرتغاليون إلى تلك الجزيرة، واستطاعوا احتلالها والقضاء على الحضارة الإسلامية فيها، ثم قدم إليها الفرنسيون بعد رحيل البرتغاليين، ولكنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها إلا سنة (1885 م)، حين وقعوا اتفاقية صلح مع المملكة، أنهت حربًا دامت أربع سنوات. وفى سنة (1895 م) رفضت الحكومة الوطنية اتفاقية الصلح، فتدخلت فرنسا لفرض سيطرتها بواسطة القوات العسكرية. وأعلنت الحماية المباشرة وتعيين حاكم فرنسى سنة (1896 م). وفى سنة (1946 م) جعلتها فرنسا جزءًا من أراضيها فيما وراء البحار. ونالت الاستقلال سنة (1958 م) برئاسة فليب سيرانانا. وفى سنة (1960 م) عرفت بجمهورية ملجاش. وفى سنة (1972 م) وقع أول انقلاب عسكرى فيها بقيادة الجنرال رامانانا تسوا الذى عين نفسه رئيسًا للبلاد فيما بعد.

*شهرزور

*شهْرَزُور مدينة بإقليم كردستان. تقع فى سهل خصب غربى جبال أورامان، وهى كورة واسعة فى الجبال بين إربل وهمدان، وأهلها كلهم أكراد وبالقرب منها جبل يُعرَف بشعران، وآخر يُعرَف بالزم. وتنسب إلى زور بن الضحاك، وهو الذى أسسها، فمعنى كلمة شهرزور: مدينة زور. وكانت موطنًا للعلماء على مر العصور، ومن علمائها: أبو أحمد القاسم بن المظفر على بن القاسم، والمرتضى الشهروزى، وكمال الدين أبو الفضل محمد.

*لندن

*لندن عاصمة المملكة المتحدة. تقع على جانبى نهر تيمز. ومساحة لندن الكبرى (1794 كم2)، وتشمل أجزاءً من مقاطعات إسكس وكنت وهرتفوردشر ومدلسكس وسرى، أما مقاطعة لندن الإدارية فمساحتها (303 كم2)، وتضم (28) بلدة، لها مجالس بلدية، ولكل منها عمدة ومجلس، وقد بدأ الشكل الحالى لحكم المجالس البلدية منذ القرن (6 هـ = 12 م). وفقدت لندن أهميتها بعد أن تركها الرومان فى (5 م)، ثم صارت ذات أهمية مرة ثانية عام (886 م). وانتشر بها الطاعون سنة (1665 م) وقتل نحو ( 75000) نسمة، ونشب بها حريق هائل، دمر معظم المدينة سنة ( 1666 م)، ثم أعاد كريستوفر بناءها. وأشهر متاحفها المتحف البريطانى ومتحف العلوم، وأشهر شوراعها: فليت ستريت، وستراند وبكاديللى. وتربط أحياءها أعظم شبكة للموصلات الكهربية تحت الأرض.

*بالى

*بالى جزيرة صغيرة. تقع شرق جزيرة جاوة، وتكوِّن إحدى المقاطعات الإدارية فى جمهورية إندونيسيا. تبلغ مساحتها (6560 كم2). ويبلغ عدد سكانها (1.200.000) نسمة. وهى إحدى جزر مجموعة سوندا الصغرى، ويفصلها عن جزيرة جاوة مضيق بالى. عاصمة بالى (سنجاراجا)، والميناء الرئيسى بوليلنج. وقد اعتنق السكان الهندوكية منذ زمن بعيد، وخضعوا لحكم الجاويين حتى أواخر القرن (9 هـ = 15 م). ونزل الهولنديون بالجزيرة سنة ( 1597م)، وفى القرن (11 هـ = 17 م) بدأت شركة الهند الشرقية الهولندية تجارتها مع الجزيرة، وخضعت بالى للحكم البريطانى من سنة (1811 - 1815م)، ولم تستقر السيادة الهولندية فيها نهائيًّا إلا بعد سلسلة من الحروب الاستعمارية دارت بين سنتى (1846، 1849م). وقد نشأت دولة إندونيسيا الشرقية فى مؤتمر عقد فى دنباسار سنة (1946م).

*بريطانيا

*بريطانيا اسم اشتهرت به المملكة المتحدة، وهى تتكون من مجموعة من الجزر تقع أمام الساحل الغربى لأوربا، ويفصل بينها وبين أوربا القناة الإنجليزية ومضيق دوفر وبحر الشمال، وجارتها المباشرة جمهورية أيرلندا فى الغرب ثم فرنسا عبر بحر الشمال. وتنقسم بريطانيا إداريًّا إلى أربع ولايات، تُحكَم كلٌّ منها من ِقبَل حاكم إدارى عام، وتنقسم تلك الولايات إلى عدد من المقاطعات، وهذه الولايات هى: إنجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، ويُعيَّن الحاكم فيها بقرار من الملك بعد اقتراح من رئيس مجلس الوزراء، ويعد النظام السياسى ملكيًّا ديمقراطيًّا. ومناخ بريطانيا معتدل صيفًا، شديد البرودة شتاءً، عدا شمالى اسكتلندا؛ إذ تخضع لجو شديد البرودة صيفًا وشتاءً. والعاصمة لندن. وعدد السكان (57.384.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1990 م). والدخل القومى الإجمالى لبريطانيا (834.1) مليار دولار حسب إحصائية سنة (1989م)، ومتوسط دخل الفرد (14.750) دولارًا. وأهم المحاصيل الزراعية: الحبوب وبنجر السكر والفواكه والخضراوات والبطاطس. وأهم المعادن: الفحم والقصدير والحديد والحجر الجيرى والملح والجبس والرصاص والسيلكا والطباشير والصلصال، كما تنتج البترول والغاز الطبيعى. وأهم الصناعات: بناء السفن والمنسوجات والكيماويات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والطائرات. والعملة المتداولة فى بريطانيا هى الجنيه الإسترلينى.

*سوريا

*سوريا جمهورية عربية تقع فى الطرف الجنوبى الغربى من قارة آسيا. يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال تركيا، ومن الشرق والجنوب الشرقى العراق، ومن الجنوب المملكة الأردنية وفلسطين المحتلة، ومن الجنوب الغربى الجمهورية اللبنانية تبلغ مساحتها (184.050كم2). وأهم أنهارها: نهرالفرات والعاصى والخابور، إلى جانب عشرات الأنهار الصغيرة. ويقوم اقتصادها على الزراعة وبعض الصناعات الخفيفة؛ حيث تنتج القمح والقطن والحبوب، وتصنع النسيج والمواد الغذائية والأدوات الكهربائية والمعدنية. وقد تنازعت السيطرة عليها قديماً الإمبراطوريتان المصرية والحيثية. وفى عام (333 ق. م) استولى عليها الإسكندر المقدونى، ثم خضعت لحكم السُّلجوقيين، واحتلها الرومان عام (64 ق. م)،ثم أصبحت جزءًا من الإمبراطورية البيزنطية عام (395 م). وقد فتحها المسلمون بين عامى (634، 636 م)، وأصبحت دمشق عاصمة الخلافة فى عهد الأمويين (661 - 750 م)، وبعد أن غزاها الصليبيون والمغول فتحها العثمانيون عام (1516 م)، وبعد الحرب العالمية الأولى استقلت ونُصِّب الملك فيصل الأول ملكًا عليها، ولكن استقلالها لم يستمر؛ إذ خضعت للانتداب الفرنسى عام (1920 م)، فثار السوريون ثورات عديدة حتى نالوا الاستقلال عام (1941 م). وقد اتحدت مع مصر عام (1958 م)، ثم انفصلت عنها عام (1961 م)، وفى عام (1967 م) خاضت حرب الخامس من يونيو ضد إسرائيل، وفى عام (1973 م) خاضت مع مصر حرب أكتوبر ضد إسرائيل.

*صيدا

*صيدا ميناء لبنانى، وعاصمة قضاء يُعرَف باسمها بمحافظة لبنان الجنوبى. تقع جنوبى بيروت، على بعد (45 كم) منها، ويصلها بها طريق للسيارات وخط حديدى يمتد بمحاذاة ساحل البحر المتوسط. وتحيط بالمدينة بساتين الفاكهة وحقول الخضراوات، ومن أهم محاصيلها الزراعية: الموالح والموز، ويعد صيد الأسماك من المهن الرئيسية فيها. وتشتهر بعدة صناعات تقليدية، كعصر الزيتون واستخراج ماء الزهر وصناعة الحلوى. وهى من المدن المعروفة فى التاريخ القديم؛ أطلق عليها سيدة البحار؛ لأهميتها التجارية فى حوض البحر المتوسط، ويرجع تاريخها إلى القرن (14 ق. م). وفتحها المسلمون فى خلافة عمر، رضى الله عنه، سنة (638 م)، ثم اغتصبها الصليبيون، وحررها صلاح الدين الأيوبى سنة (1182 م)، ثم تداولها الفريقان على مدى مائة عام حتى استقرت فى يد المسلمين سنة (1292 م)، وقد أعاد بناءها الأمير فخر الدين المعنى. وفى سنة (1837 م) دمرتها الزلازل، وأعاد بناءها سليمان باشا. وقد زادت أهميتها بعد مد خط الزيت إليها. وأهم آثارها قلعة البحر وقلعة القديس لويس وخان الفرنج.

*الطائف

*الطائف بلدة بالحجاز، تقع على بعد (120 كم) من شرقى مكة، فوق هضبة رملية، يبلغ متوسط ارتفاعها (5000) قدم عن سطح البحر، وتحيط بها مجموعات من التلال، وتكثر بها الآبار والعيون التى تسقى الحقول وبساتين الفاكهة التى حولها، وتشمل العنب والرمان والسفرجل والخوخ والمشمش، كما تجود بها زراعة الورد الذى يستخرج منه عطر فاخر كانت له أسواق إبان موسم الحج، ونظرًا لارتفاعها وغزارة مياهها وكثرة بساتينها؛ عُدَّت منتجعًا صيفيًّا لأهل مكة. وتعد من أقدم بلاد الحجاز، وسار إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو أهلها إلى الإسلام، إلا أنهم ردوه ردًّا قبيحًا. وفى سنة (3 هـ) جاء وفد ثقيف إلى المدينة، ودخلوا فى الإسلام، وتبعهم قومهم بعد أن كسروا صنم اللات. وفى عام (1216هـ = 1802 م) استولى عليها الوهابيون، ودخلها سعود بن عبد العزيز الأول، وفى عام (1813م) احتلها طوسون بن محمد على، وفى سنة (1814 م) حاصرها الوهابيون، ثم رفعوا عنها الحصار بتدخل محمد على، وفى عام (1815 م) هزم جيش محمد على الوهابيين عند بسل شمالى الطائف، وفى عام (1827 م) حاصرها واستولى عليها أحمد باشا يكن، وتم رحيل المصريين عن الحجاز فى عام (1841 م). وفى عام (1916م) استولى عليها الملك حسين بن على من العثمانيين، وفى نهاية عام (1924م) استولى عليها عبد العزيز آل سعود، ومنها دخل إلى مكة ودان له الحجاز.

*طخارستان

*طخارستان اسم أطلق على الإقليم الذى يمثل اليوم المنطقة الشمالية من أفغانستان وعرف قديمًا باسم بلاد بكتريا وقد ورد ذكره فى فتوحات الملك قورش إبان القرن (6 ق. م)، ثم فى فتوحات الإسكندر الأكبر إبان القرن (3 ق. م) وهو يقع جنوبى مجرى جيحون، ويمثل منطقة جبلية إلى الشرق من مدينة بلخ الحالية، وتمتد استدارة النهر حول فيض أباد المعاصرة أو إقليم بدخسان، وفى جنوبيها يقع إقليم جوزجان وسجستان. وقد دخله الإسلام فى خلافة عثمان، رضى الله عنه، بعد أن توقفت مقاومة الدولة الساسانية فى إيران. وشهد فى أواخر حكم الدولة الأموية عدة ثورات، منها: ثورة الحارث بن سريج عام (117هـ = 735 م)، وقد نجح فى بسط سلطانه على الإقليم داعيًا إلى المساواة بين العرب وغيرهم من المسلمين الموجودين فيها، إلى أن استعادها أسد بن عبد الله. وفى عام (129 هـ) أصبحت مهدًا لثورة أبى مسلم الخراسانى، إذ نجح فى نشر الدعوة العباسية ومنها انتشرت إلى أنحاء خراسان.

*طبرية

*طبرية بلدة فلسطينية قديمة. تطل على الضفة الغربية للبحيرة التى تعرف باسمها. تقع جنوبى صفد، وإلى الشمال الشرقى من مدينة الناصرة. وتقع جنوبى طبرية قرية الحمة التى اشتهرت بينابيعها المعدنية الساخنة. وقد شيدها هيرود أنتيباس، وفتحها المسلمون صلحًا عام (14هـ)، وأصبحت عاصمة للإقليم الذى عرف باسم كورة الأردن، وكانت تتبع إمارة دمشق ثم استولى عليها الإمبراطور البيزنطى يوحنا زيمسكس سنة (365 هـ = 975 م)، وفى عام (583 هـ = 1187م) فتحها صلاح الدين الأيوبى، ماعدا قلعتها، ولكن بعد معركة حطين الفاصلة التى حدثت بالقرب من طبرية فى العام نفسه استسلمت قلعة طبرية. وجددت المدينة فى عهد سليمان القانونى، وخلال القرن (12هـ = 18 م) حصنها ظاهر العمر حين ثار على الحكم العثمانى، واتخذها مقرًّا لإمارته، وفى عام (1837 م) تعرضت لزلزال مخرب، أثناء الحكم العثمانى الأخير لها، كانت تمثل قضاء يحكمه قائم مقام يتبع والى عكا حتى سقطت فلسطين فى أيدى البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى؛ فأصبحت تابعةً لحاكم الجليل حتى احتلها الصهاينة سنة (1948 م).

*طبرستان

*طبرستان اسم يطلق على الإقليم الذى يقع جنوبى بحر قزوين، ويشمل المنطقة الجبلية التى تمثلها جبال البورز، وهو الإقليم الذى يعرف اليوم باسم ولاية مازندران، وهو أحد الأقسام الإدارية لإيران المعاصرة، وعاصمته بابول، وهى ميناء صغير يطل على بحر قزوين إلى الغرب من ميناء سارى. وكانت تعرف باسم بارفوروش. وقد بلغتها الدعوة الإسلامية عندما كان الصراع قائمًا بين العرب والدولة الساسانية (18هـ)، ثم استقر الإسلام فيها؛ بسبب غلبة التشيع حتى غدا الإقليم ملجأً للعلويين بعد قيام الدولة العباسية. وفى سنة (250 هـ = 864 م) أصبحت دولة شبه مستقلة، يحكمها بيت علوى، وعرفت بالدولة الحسنية؛ نسبة إلى مؤسسها الحسن بن زيد، ودام حكم هذه الدولة لها (37) سنة حتى حكمها السامانيون عام (287هـ)، ثم استعادها العلويون مرة ثانية سنة (301 هـ = 914 م) وقد عرفت فى هذه المرحلة بالدولة الحسينية. كما دانت بعد ذلك لبنى بويه وللدولة الزيارية، ثم تعرضت لموجات الغزو المغولى حتى قيام الدولة المستقرة التى حكمت إيران، وأصبح الإقليم جزءًا منها.

*كرمان

*كرمان ولاية كبيرة بإيران. يحدها من الشرق مكران ومن الغرب فارس، ومن الشمال خراسان، ومن الجنوب بحر فارس. وتشتهر بالزراعة والماشية وصناعة السجاد والأدوات النحاسية. وحكمها قطن بن قبيصة بن مخارق نائبًا عليها من قبل الحجاج بن يوسف الثقفى فى ظل الخلافة الأموية. وفى أثناء حكم الدولة العباسية، حكمتها الأسرة المظفرية سنة (741 هـ = 1340 م)، فبنت بها المساجد، وأوقفت عليها الأوقاف، وضربت بها السكة، ونقشت عليها اسم الخليفة العباسى. ومن أشهر علمائها وشعرائها العماد الكرمانى.

*القطائع

*القطائع عاصمة الدولة الطولونية أنشأها ابن طولون شمالى مدينة الفسطاط، وقد زالت آثارها الآن من مصر، وكان طولها يمتد بين قلعة الجبل وجامع ابن طولون، أما عرضها فكان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى زين العابدين، وكانت مساحة القطائع ميلاً مربعًا. والقطائع عدة قطع يسكن فيها مماليك أحمد بن طولون وعساكره وغلمانه. وسبب بناء ابن طولون لها كثرة مماليكه؛ فضاقت دار الإمارة عليه، فركب إلى سفح الجبل، وبنى قصرًا وميدانًا، ثم أمر أصحابه وغلمانه أن يبنوا لأنفسهم حول قصره وميدانه بيوتًا، ففعلوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط، ثم بنيت القطائع، وسميت كل قطيعة باسم من سكنها.

*ما وراء النهر (بلاد)

*ما وراء النهر (بلاد) منطقة فى آسيا الوسطى. تقع إلى الشرق من نهر أمودا ريا وإلى الغرب من نهر سيرداريا فى الأراضى التى تشكل اليوم جمهورية أوزبكستان وجزءًا من جنوب جمهورية كازاخستان، وبلغت أقصى رقيها فى عهد السامانيين والتيموريين، وكانت مركزًا مهمًّا من مراكز الثقافة الإسلامية، ونالت مدنها شهرة عالمية، مثل سمرقند وبخارى.

*كانو

*كانو مدينة بنيجيريا. تقع فى شرق نيجيريا. أسست فى القرن (10 هـ = 16 م)، مكان مدينة ترجع إلى القرن (3 هـ = 9 م). وازدهرت كمركز للقوافل فى القرن (13 هـ = 19 م)، وهى الآن مركز مهم للمواصلات، وأهم مدن نيجيريا فى تجارة الفول السودانى، كما أن بها مطارًا دوليًّا.

*القيروان

*القيروان مدينة تونسية كبيرة. بناها عقبة بن نافع الفهرى عندما كان واليًا على بلاد المغرب العربى وإفريقية، فى عهد معاوية بن أبى سفيان، وجعل عقبة بن نافع منها دارًا للإمارة، ومركزًا لتجمع الجند عند القتال، وبنى بها منازل للمسلمين، وبنى بها مسجدًا جامعًا كبيرًا، وانتهى من بنائها سنة (55 هـ = 674 م). ومنذ ذلك الوقت أصبحت القيروان قاعدة حربية للمسلمين فى بلاد المغرب، وقاعدة سياسية وحضارية ودينية عظيمة فى عهد الأغالبة والموحدين والفاطميين الذين جعلوا منها عاصمة لهم قبل أن ينقلوا عاصمتهم إلى القاهرة بمصر. وفى سنة (981 هـ = 1573 م) استولت الدولة العثمانية على تونس، وكانوا قد استولوا على مدينة القيروان سنة (958 هـ = 1551 م). ومنذ سنة (1086 هـ = 1675 م) تدخل الجزائريون فى حكم تونس والقيروان، فأنشأ حسين باى الأكبر بها المدارس، وظل أبناؤه يحكمونها حتى دخلها الفرنسيون سنة (1299 هـ = 1881 م). وفرضت عليها الحماية الفرنسية سنة (1330 هـ = 1912 م)، وظلت بها حتى سنة (1383 هـ = 1963 م). ومن أهم علماء القيروان: ابن رشيق القيروانى، ومحمد بن أبى بكر عتيق بن أبى نصر المعروف بابن أبى كدية، وعبد القادر الصدفى المعروف بابن الحناط، ومحمد بن نعمة الأسدى القيروانى، وممن وفد عليها: أبو الحسن أحمد الحصائرى، وأبو بكر بن عباس، وأبو القاسم عبد الرحمن البكرى.

*القلزم (ميناء)

*القلزم (ميناء) ثالث الموانئ المصرية. كان اسمه القديم كلسيما، وسماه العرب القلزم. وفى القرن (4 هـ = 10 م) نشأت قرية صغيرة جنوبى القلزم، اسمها السويس، وما لبثت أن شملت القلزم، وأصبحت ميناء مصر على البحر الأحمر. نمت المدينة، وزاد عدد سكانها حينما وصلت إليها مياه النيل عن طريق ترعة السويس سنة (1869 م)، واكتشف البترول على سواحل البحر الأحمر، وفى ضواحيها معمل لتكرير البترول، ومصانع للسماد، كما أنها تعد مدينة سياحية؛ فبالقرب منها عيون موسى.

*قرطاجنة

*قرطاجنة مدينة قديمة، تقع على الساحل الشمالى لإفريقيا، على مقربة من مدينة تونس. أسسها الفينيقيون فى القرن التاسع قبل الميلاد، وابتداءً من القرن السادس قبل الميلاد طور أهلها تجارتهم، وقوتهم البحرية، فسيطروا على السواحل الشمالية الشرقية لإفريقيا، وبعض الجزر فى البحر المتوسط، وأسسوا لهم مستعمرات، فنافسوا روما، وتعرضوا لمصالحها، فدخلها الرومان ودمروها عن آخرها حتى محوا حضارتها عام (146 ق. م)، وأصبحت مقرًّا للبيزنطيين فى إفريقيا. وفتحها حسان بن النعمان الغسانى قائد الجيش الإسلامى من قبل الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان. وكان لفتحها أثر كبير فى حركة الفتح الإسلامى فى إفريقيا، وقد كانت مبنية بالرخام، وزاخرة بالآثار. وقد تعرضت للتخريب الذى طوى صفحتها على يد الرومان.

*القاهرة

*القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية. تقع على النيل، على بعد نحو ( 20 كم) من رأس الدلتا، عند خط طول (15َ 31ْ) شرقًا، ودائرة عرض (3َ 30ْ) شمالاً. وتبلغ مساحتها (214 كم2). أنشأها القائد جوهر الصقلى للمعز لدين الله الفاطمى؛ لتكون مقرًّا للحكم الفاطمى، وعاصمة لمصر، سنة (358 هـ = 969م)، وشيد بها الجامع الأزهر، وأقام سورًا جمع عواصم مصر الإسلامية (الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة). وكانت تسمَّى المنصورية، لكن عندما انتقل المعز من مدينة المهدية دخل المنصورية سنة (362هـ =973م)؛ فعرفت بالقاهرة منذ ذلك الوقت، ويقال لها: القاهرة المعزية، وقاهرة المعز ثم عرفت باسم مصر باعتبار أن هذا الاسم يطلق على كبرى مدن القطر المصرى. وهى مركز ثقل سكانى. ومن أشهر مساجدها الأثرية جامع عمرو بن العاص وجامع ابن طولون والجامع الأزهر.

*الكوفة

*الكوفة مدينة بجمهورية العراق تقع على الجانب الأيمن لنهر الكوفة، أحد فروع نهر الفرات. بدأ تشييدها الصحابى سعد بن أبى وقاص، رضى الله عنه، عام (17 هـ = 638 م)، وترجع أهميتها التاريخية إلى اتخاذها عاصمة خلافة على، رضى الله عنه، كما أن بها المسجد الذى قتل فيه. وقد نافست البصرة فى مدارسها الفقهية واللغوية فى أيام الأمويين والعباسيين، ومما نقم على أهل الكوفة أنهم قتلوا الحسين بعد أن استدعوه إليها. وينسب إلى الكوفة جماعة من الأعلام، منهم: أبو حنيفة النعمان وسفيان الثورى والكسائى والفراء وشريح القاضى وأبو عبد الله سعيد بن جبير والمتنبى.

*ليون

*ليون منطقة فى الجزء الشمالى الغربى من إسبانيا تقع فى مقاطعة ليون. أسسها الرومان فى القرن الأول الميلادى، وخضعت لسلطان العرب منذ مطالع القرن الثامن الميلادى إلى أواسط القرن التاسع. يبلغ سكانها (125.000) نسمة.

*لاهور

*لاهور من أهم مدن إقليم البنجاب. تقع على الجانب الأيمن لنهر رافى، وتعد المدينة الثانية فى باكستان، كما أنها مركز ثقافى حضارى منذ عهد المغول. وتقع عند التقاء عدة طرق، فأصبحت أكبر المراكز الداخلية للتجارة، كما تعد أحد المداخل إلى الهند. ازدهرت تحت حكم المغول المسلمين خلال القرنين (10، 11 هـ = 16،17 م)، وفى القرن (13 هـ = 19 م) أصبحت عاصمة السيخ. وتتميز بمبانيها التاريخية، والحدائق العالمية، وأهم آثارها الإسلامية قصر جمهانجيز، وحدائق شليمار، وبها متحف للآثار، وجامعة البنجاب، وهى مركز لكثير من الصناعات الصلبية والجلدية والكيماوية والكهربائية.

*مالقا

*مالقا مدينة إسبانية. تقع على البحر المتوسط، وهى ميناء ومدينة سياحية ومشتى. أسسها الفينيقيون، ثم فتحها المسلمون سنة (711 م)؛ حيث ازدهرت ونمت فى العصر الإسلامى باعتبارها الميناء الرئيسى لمملكة غرناطة، واستمرت تحت الحكم الإسلامى فترة طويلة حتى احتلها الإسبان بزعامة فرديناند سنة (1487 م).

*ما بين النهرين

*ما بين النهرين منطقة قديمة فى جنوب غرب آسيا. تقع ما بين نهر دجلة ونهر الفرات، وتمتد من جبال آسيا الصغرى شمالاً إلى الخليج العربى جنوبًا. ويقع عرضها فى العراق.

*الأفلاق

*الأفلاق الأفلاق أو الفلاخ هو الاسم التركى لولاية دالاشيا التى كونت مع ولاية البغدان أو مولدافيا ما عُرف باسم جمهورية رومانيا. نشأت الأفلاق فى القرن (7هـ - 13م) وتتابعت عليها غارات الغزاة حتى سيطر عليها البيزنطيون، وظلت فى أيديهم حتى سنة (1392م) إذ تمكن العثمانيون من بسط نفوذهم عليها، فأبقوا على النظام السياسى فيها كما هو؛ حيث كان الأمراء ينتخبون من بينهم حاكمًا عليهم، ثم يثبته العثمانيون. وفى سنة (1858م) تمكن أحد حكامها وهو الأمير كوزا من ضم الولايتين الأفلاق والبغدان ووافق الباب العالى على ذلك، وعرفتا باسم رومانيا.

*ألبرت

*ألبرت ألبرت أو البرانس جبال تمتد فى جنوب غرب فرنسا، وتفصل بينها وبين إسبانيا وتعد حاجزًا طبيعيًّا بين البلدين، ولكنها ليست عازلاً؛ لأنها لم تفصل فصلاً تامًا بينهما، وليس أدل على ذلك من انتصار عناصر الباسك عبر هذه الجبال فى كل من فرنسا وإسبانيا. وقد أثر وجود هذه الجبال كحدود طبيعية بين فرنسا وإسبانيا فى عدم وجود مشكلات بين الدولتين؛ حيث إن هذه الحدود ثابتة ومستقرة لم تتغير.

*الأنبار

*الأنبار اسم لمدينتين، إحداهما فى خراسان قرب بلخ بإيران حاليًّا، والأخرى مدينة عراقية قديمة، تقع على الجهة الشرقية لنهر الفرات غربى بغداد وتبعد عنها بنحو (68 كم). والأنبار فى اللغة الفارسية تعنى صومعة القمح، وقيل: إن العرب هم الذين بنوها، واستقرت فيها بعض القبائل العربية حتى سيطر عليها الفرس، وضموها إلى بلادهم. واستطاع المسلمون بقيادة خالد بن الوليد فتحها سنة (12هـ = 633 م) فى عهد الخليفة الراشد أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، وتم الصلح بين المسلمين وأهلها، على أن يدفعوا الجزية، ثم دخل أهلها الإسلام، وظلت ثغرًا إسلاميًّا له أهميته فى عهد الخلفاء الراشدين ثم الأمويين. واتخذها الخليفة العباسى أبو العباس السفاح - أول خلفاء العباسيين - عاصمة لدولته فى طورها الأول وظلت عاصمة للخلافة العباسية حتى جعل أبو جعفر المنصور بغداد عاصمة للخلافة. وفى سنة (269 هـ = 882 م) تعرضت الأنبار لغارات بعض البدو، وفى سنة (315 هـ = 927 م) تعرضت لغارات القرامطة الذين لم يلبثوا أن استولوا عليها، وحاول العباسيون استردادها فلم يتمكنوا من ذلك. واشتهر مكان الأنبار بالزراعة، وكانت تقسم إلى أحياء، على رأس كل حى مسئول يُعَرف بالشيخ، وكان فيها مكان لبناء السفن. وفى سنة (661 هـ = 1262 م) دخلها المغول، ونهبوها، وذبحوا عدداً كبيرًا من سكانها، وفر الباقى، فتحولت المدينة إلى أطلال لاتزال موجودة بالعراق، وتعرف باسم الأنبار حتى الآن. وينسب عدد من العلماء إليها، منهم: أبو بكر الأنبارى النحوى المتوفَّى سنة (238 هـ) وأبو البركات الأنبارى المتوفَّى سنة (577 هـ = 1181 م).

*أيلة

*أيلة ميناء صغير. يقع على خليج العقبة. يعرف بالآرامية باسم أيلون، وبالعبرية إيلات، وأول من أطلق عليه أيلة هم الأنباط. وأول من حكم أيلة هم الأيدرميون فى القرن (14 ق. م) حتى القرن (4 ق. م) ، ثم حكمها الأنباط، وازدهرت فى عهدهم ازدهارًا تجاريًّا ملحوظًا؛ حيث كانت مركزًا متوسطًا بين مصر والشام والجزيرة العربية. واستولى عليها الرومان سنة (106 ق. م)، وخلفهم البيزنطيون الذين تركوها لحلفائهم من العرب، وهم الغساسنة، وفى سنة (8 هـ) فى أعقاب غزوة تبوك فتحها النبى - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أتاه حاكمها يوحنا بن رؤبة، وصالحه على أن يدفع للمسلمين الجزية. وشهدت فى فترات الحكم الإسلامى تقدمًا وازدهارًا ملحوظًا؛ حيث كانت ملتقى الحجيج المصرى والشامى، فانتعشت فيها التجارة. وخضعت لنفوذ مصر فى فترة حكم أحمد بن طولون الذى أنشأ فيها طريقًا عرف باسم عقبة أيلة ثم أطلق عليها اسم العقبة اختصارًا. وفى سنة (465 هـ) تعرضت لزلزال هائل دمرها، فمات أكثر أهلها. وفى سنة (509 هـ) احتلها الصليبيون، ثم استعادها صلاح الدين الأيوبى سنة (566 هـ) وانتزعها الصليبيون مرة أخرى، ثم استردها بيبرس سنة (665هـ = 1267م)، وفى فترة الحكم المملوكى فى مصر بنى قانصوه الغورى قلعة جديدة، وجددها السلطان العثمانى مراد الثانى سنة (996هـ = 1588 م). وهى اليوم ميناء عربى بالأردن. وقد قامت إسرائيل بتأسيس ميناء على خليج العقبة حمل اسمها القديم إيلات سنة (1951 م).

*البرتغال

*البرتغال دولة أوربية. تقع جنوب غرب القارة الأوربية. وتحدها إسبانيا من الشمال والشرق، والمحيط الأطلنطى من الجنوب والغرب. وتبلغ مساحتها نحو (88.941 كم2). ويبلغ عدد سكانها نحو (10.343.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1992 م). ويتكلم سكانها اللغة البرتغالية. ويدين أغلبهم بالنصرانية، وبها جالية مسلمة يزيد عددها على (12) ألف نسمة، يتركز معظمهم فى مدينة لشبونة. ويعتمد اقتصاد البرتغال على الزراعة والصناعة؛ إذ يعمل بالزراعة نحو (28 %) من السكان، وتبلغ نسبة الأراضى الزراعية نحو (40 %)، وأهم المحاصيل بها: القمح والذرة والزيتون والفاكهة والفلين والعنب والخضراوات. أما الصناعة فتتركز فى مدينتى لشبونة وأوبورتو، وأشهرها صناعة السفن، كما يعمل بعض السكان بصيد الأسماك، وتصدِّر منه كميات كبيرة. وقد كانت البرتغال وإسبانيا تكوِّنان فى العصور الوسطى والقديمة ما يُعرف باسم شبه جزيرة أيبيريا أو الأندلس، وسيطر عليها الرومان فى القرن (2 ق. م)، ثم احتلتها القبائل الجرمانية، كالوندال فى القرنين (3، 4 م)، ثم احتلها القوط الغربيون فى القرن (5 م)، حتى فتحها المسلمون سنة (92 هـ = 711 م) بقيادة طارق بن زياد. وأطلق اسم البرتغال على المنطقة الشمالية من شبه الجزيرة الأيبيرية، وكان يطلق عليها اسم لوستيانيا. وبدأ ميلاد دولة البرتغال فى القرن (5 هـ = 11 م) حيث اتحدت كونتية أوبورتو مع غيرها من الكونتيات القريبة، وكونت كونتية البرتغال سنة (451 هـ = 1059 م)، ويعد ألفونسو الأول المؤسس الحقيقى لتلك المملكة بعد ما تمكن من طرد المسلمين من لشبونة التى أصبحت منذ ذلك الوقت عاصمة للبرتغال. وفى عهد الملك حنا الأول (785 - 837 هـ = 1383 - 1433 م) اهتمت البرتغال بحركة الكشوف الجغرافية فى العالم، وبخاصة السواحل الغربية للقارة الإفريقية حتى نجح هنرى الملاح ابن الملك حنا فى اكتشاف بعض الجزر المهمة فى المحيط

الأطلنطى؛ مما ساعد البرتغال فى توسيع نفوذها وإحكام سيطرتها على عدد من المناطق فى العالم؛ فاستولى البرتغاليون على البرازيل فى أمريكا الجنوبية، وأجزاء شاسعة من قارة إفريقيا وبعض القواعد فى الهند والصين. وفى نهاية القرن (10 هـ = 16 م) ضعفت مملكة البرتغال فاستولى عليها الإسبان سنة (1580 م)، وظلت تابعة لهم حتى استقلت سنة (1640 م)، كما احتلتها فرنسا سنة (1807 م)، ثم تركتها سنة (1821 م). ثم شهدت البرتغال منذ سنة (1910 م) بعض الفوضى والاضطرابات السياسية والاقتصادية استمرت حتى سنة (1926 م)، وانتهت بسقوط النظام الملكى وإعلان النظام الجمهورى. وشهدت الفترة من سنة (1950 - 1974 م) تحرر جميع البلاد الخاضعة للبرتغال، مثل: أنجولا وموزمبيق وغينيا وجزر الرأس الأخضر إلى جانب الأقاليم الهندية. وشهدت البرتغال طوال القرن (14 هـ = 20 م) عدداً من الاضطرابات حول منصبى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء حتى تولى ماريو سواريس رئاسة الجمهورية سنة (1985 م) وتولى كافاكوسليفا رئاسة الحكومة. ونظام الحكم جمهورى، وينتخب الرئيس لمدة (5) سنوات. وأهم الأحزاب فيها: الحزب الاشتراكى والحزب الشيوعى وحزب الوسط الاجتماعى. والبرتغال عضو فى عدة منظمات دولية، منها: هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى للتجارة الحرة وحلف الأطلنطى.

*بلجراد

*بلجراد بلجراد أو بيوجراد ( BEOGRAD) وتعنى فى اللغة الصربية: المدينة البيضاء. وهى أشهر مدن البلقان وعاصمة دولة الصرب. تقع على نهر الدانوب بالقرب من مصب نهر ساق، وكانت تُسَمَّى مفتاح البلقان؛ لأهمية موقعها الاستراتيجى منذ عهد الرومان. ارتبط تاريخها بتاريخ منطقة البلقان بصفة عامة، وحكمها الرومان حتى تمكن العثمانيون من فتحها سنة (1521م)، وظلت محل نزاع بين العثمانيين ومملكة النمسا، يحكمها كلٌ منهما فترة من الزمن حتى خرج منها العثمانيون نهائيًّا سنة (1867م) فآلت إلى دولة الصرب. واحتلها النمساويون فى الحرب العالمية الأولى، لكن بعد هزيمتهم وفى أعقاب الحرب تكونت المملكة اليوغسلافية، وأصبحت عاصمة لها. واحتلها الألمان فى الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب سقطت المملكة اليوغسلافية، وأُعْلنت الجمهورية التى ضمت (6) دول، منها الصرب، وكانت بلجراد عاصمة الصرب وعاصمة يوغسلافيا أيضًا. ولما تفتتت يوغسلافيا واستقلت كل دولة من الدول الست صارت بلجراد عاصمة لجمهورية الصرب. وقد نمت بلجراد بعد الحرب العالمية الأولى سياسيًّا واقتصاديًّا وإداريًّا، واشتهرت بكونها مركزاً تجاريًّا وصناعيًّا كبيرًا، وأصبحت مركزًا للصناعات الآلية والكهربائية والكيميائية والاستهلاكية.

*البندقية

*البندقية مدينة إيطالية. تقع شرق إيطاليا، بالطرف الشمالى من البحر الأدرياتى. أقيمت على عدد من الجزر التى تقع فى بحيرات ساحلية إلى الشمال من دلتا نهر ألبو، ويفصلها عن البحر الأدرياتى خط من الكثبان الرملية. وتحول اسمها فى العصور الحديثة من البندقية إلى فينيسيا. وعدد سكانها (375) ألف نسمة. واشتهرت كمركز سياحى وتجارى، وأصبحت من أغنى المدن الأوربية. وأهم الصناعات بها: الأساور، والعقود، والحلى الذهبية والفضية، والمنسوجات الحريرية، كما يوجد بها أماكن لصناعة السفن ومصانع للقصدير والألومنيوم والآلات. وقد ظهرت البندقية كمدينة فى القرن (6 م)؛ حيث كان أهالى المدن الإيطالية يلجئون إليها؛ هربًا من غزوات القبائل البربرية. وبمرور الوقت نمت قوتها، وجاءت فترات ضعف الإمبراطورية الرومانية عامةً وضعف إيطاليا بصفة خاصة فشجعت على ظهور مايعرف باسم القومونات أو المدن ذات الكيان السياسى والاقتصادى المستقل؛ فظهرت البندقية وجنوة وبيزة، وكانت كل منها جمهورية مستقلة لها دوقها الذى ينتخبه أبناؤها ولها نفوذها السياسى، وامتلكت أسطولاً بحريًّا قويًّا له نشاطه الملحوظ فى البحر المتوسط. وكانت الحروب الصليبية فرصة كبيرة للبندقية وغيرها من الجمهوريات الإيطالية؛ حيث عرض عليهم البابا نقل الجيوش الصليبية إلى الأراضى المقدسة بالشام، مقابل أخذ ثلث الغنائم التى يستولون عليها من أى مدينة، وأن يكون لهم أحياء تجارية فى هذه المدن، وساعد ذلك البندقية على أن تستولى فى الحرب الصليبية الرابعة على ثلث القسطنطينية وجزر كريت وأيونيا وغيرها من الموانئ المطلة على البحر الأدرياتى. وأدت المنافسة التجارية والبحرية بين البندقية وجنوة إلى قيام حرب بينهما استمرت أعوامًا كثيرة، تبادلا فيها النصر والهزيمة حتى انتهت بهزيمة البندقية سنة (1353م)، كما شهدت البندقية صراعًا مع الدولة العثمانية بسبب النشاط التركى فى بحر إيجة، ونجحت

فى الاستيلاء على جزيرة سالونيك ولكن العثمانيين استردوها سنة (1430 م). وبلغت البندقية أوج مجدها الفنى فى عصر النهضة، وخرج منها مجموعة من العلماء، مثل: تيسيان وجيوفانى بللينى وتنتورتو. وفى سنة (1798م) بسطت النمسا سيطرتها على البندقية، ولكن البنادقة نجحوا فى طردها سنة (1848م)، ثم عادت البندقية إلى حوزة إيطاليا سنة (1866م)، وتحول اسمها بعد ذلك إلى فينيسيا عاصمة مقاطعة فينيتو شرق إيطاليا.

*فينيسيا

*فينيسيا مدينة إيطالية. تقع شرق إيطاليا، بالطرف الشمالى من البحر الأدرياتى. أقيمت على عدد من الجزر التى تقع فى بحيرات ساحلية إلى الشمال من دلتا نهر ألبو، ويفصلها عن البحر الأدرياتى خط من الكثبان الرملية. وتحول اسمها فى العصور الحديثة من البندقية إلى فينيسيا. وعدد سكانها (375) ألف نسمة. واشتهرت كمركز سياحى وتجارى، وأصبحت من أغنى المدن الأوربية. وأهم الصناعات بها: الأساور، والعقود، والحلى الذهبية والفضية، والمنسوجات الحريرية، كما يوجد بها أماكن لصناعة السفن ومصانع للقصدير والألومنيوم والآلات. وقد ظهرت البندقية كمدينة فى القرن (6 م)؛ حيث كان أهالى المدن الإيطالية يلجئون إليها؛ هربًا من غزوات القبائل البربرية. وبمرور الوقت نمت قوتها، وجاءت فترات ضعف الإمبراطورية الرومانية عامةً وضعف إيطاليا بصفة خاصة فشجعت على ظهور مايعرف باسم القومونات أو المدن ذات الكيان السياسى والاقتصادى المستقل؛ فظهرت البندقية وجنوة وبيزة، وكانت كل منها جمهورية مستقلة لها دوقها الذى ينتخبه أبناؤها ولها نفوذها السياسى، وامتلكت أسطولاً بحريًّا قويًّا له نشاطه الملحوظ فى البحر المتوسط. وكانت الحروب الصليبية فرصة كبيرة للبندقية وغيرها من الجمهوريات الإيطالية؛ حيث عرض عليهم البابا نقل الجيوش الصليبية إلى الأراضى المقدسة بالشام، مقابل أخذ ثلث الغنائم التى يستولون عليها من أى مدينة، وأن يكون لهم أحياء تجارية فى هذه المدن، وساعد ذلك البندقية على أن تستولى فى الحرب الصليبية الرابعة على ثلث القسطنطينية وجزر كريت وأيونيا وغيرها من الموانئ المطلة على البحر الأدرياتى. وأدت المنافسة التجارية والبحرية بين البندقية وجنوة إلى قيام حرب بينهما استمرت أعوامًا كثيرة، تبادلا فيها النصر والهزيمة حتى انتهت بهزيمة البندقية سنة (1353م)، كما شهدت البندقية صراعًا مع الدولة العثمانية بسبب النشاط التركى فى بحر إيجة، ونجحت

فى الاستيلاء على جزيرة سالونيك ولكن العثمانيين استردوها سنة (1430 م). وبلغت البندقية أوج مجدها الفنى فى عصر النهضة، وخرج منها مجموعة من العلماء، مثل: تيسيان وجيوفانى بللينى وتنتورتو. وفى سنة (1798م) بسطت النمسا سيطرتها على البندقية، ولكن البنادقة نجحوا فى طردها سنة (1848م)، ثم عادت البندقية إلى حوزة إيطاليا سنة (1866م)، وتحول اسمها بعد ذلك إلى فينيسيا عاصمة مقاطعة فينيتو شرق إيطاليا.

*بورصة

*بورصة ولاية تركية، تقع فى إقليم مرمرة شمالى غربى الأناضول. وتضم أحد عشر مركزًا. وعاصمتها تحمل الاسم نفسه. وتبلغ مساحتها نحو (12466 كم2). ويبلغ عدد سكانها نحو (1.148.492) نسمة حسب إحصائية سنة (1980 م)، ويعمل سكانها بالزراعة والصناعة والرعى والتعدين. وكانت مدينة بورصة العاصمة الأولى للدولة العثمانية فى بداية قيامها. وبلغ عدد سكانها نحو (445.113) نسمة، وهى الآن إحدى المحافظات الشهيرة ذات المكانة الاقتصادية المهمة فى جمهورية تركيا. وتُعرف المدينة أيضًا باسم بروسة وبورسة وبورصة. حكمها البيزنطيون حتى سنة (467 هـ)، وفتحها السلطان السلجوقى سليمان شاه قتلمسن، ولكن الحملة الصليبية الأولى انتزعتها من السلاجقة سنة (491 هـ = 1097 م)، وعادت إلى البيزنطيين مرة ثانية، وفى سنة (507 هـ) استعادها السلاجقة، ثم استولى عليها البيزنطيون مرة أخرى، وظلت فى أيديهم حتى قام عثمان غازى مؤسس الدولة العثمانية أثناء توسعه بفتح ضواحيها، وحاصر قلعتها، ولكنه تُوفِّى قبل الاستيلاء عليها، فواصل ابنه أورخان غازى محاصرتها لمدة عشر سنوات حتى استسلمت، ودخلها سنة (726 هـ = 1326 م)، وأسلم حاكمها البيزنطى إفرينوس، واستقر بها السلطان أورخان، واتخذها عاصمة لدولته؛ لأهمية موقعها. وازدهرت بورصة فى عهد أورخان ازدهارًا كبيرًا، وظلت مقرًا للسلاطين العثمانيين بعده، فأولوها عناية فائقة، وأنشئوا بها مجموعة من المراكز الدينية والتجارية. وأثناء حروب السلطان العثمانى بايزيد الأول مع تيمور لنك هُزم السلطان بايزيد سنة (1401 م)، ودخل تيمور لنك المدينة، ودمرها، فتحولت العاصمة بعد ذلك منها إلى أدرنة، وفقدت بورصة مكانتها. ولكن سرعان ما عاد إليها الازدهار الملحوظ فى حكم السلطان مراد الثانى (1421 - 1451 م)، وظلت تحتفظ بأهميتها حتى بعد انتقال العاصمة إلى إسلامبول. وبعد الحرب

العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية احتل اليونانيون بورصة سنة (1920 م) لمدة عامين، ثم رحلوا عنها، وعادت إلى تركيا سنة (1922 م). ويمكن القول: إن الأهمية الاقتصادية لمدينة بورصة على مدى تاريخها فاقت أهميتها السياسية. وتعد بورصة من أغنى مناطق تركيا بالآثار، خاصة التى تعود إلى العصر العثمانى، مثل: متحف الآثار القديمة، ومتحف المنزل العثمانى، وجامع الشهادات، وجامع قاوقلة، والمجمع المرادى، ومجمع يلدرم بايزيد، والجامع الأخضر، والجامع الكبير، إلى جانب عدد كبير من المزارات السياحية المشهورة.

*البوسنة والهرسك

*البوسنة والهرسك دولة أوربية إسلامية. تقع فى وسط أوربا. يحدها من الشمال والغرب كرواتيا، ومن الشرق صربيا، ومن الجنوب الجبل الأسود. وتبلغ مساحتها (51.129 كم2). يبلغ عدد سكانها (4.519.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1992 م)، وتبلغ نسبة المسلمين بينهم (44 %)، ويبلغ الصرب الأرثوذكس (31.4 %)، أما الكروات الكاثوليك فيبلغون (17.3 %). وأهم مدنها: سراييفو العاصمة وجوراجدة وبيهاتش وموستار وزينيسيا. وتعد البوسنة دولة زراعية وصناعية، وأهم المحاصيل بها: القمح والشعير والبطاطس والفاكهة. وكان يُطلق على شعب البوسنة اسم البوشناق، وهم أحد العناصر السلافية (الصقلية) التى سكنت منطقة يوغسلافيا من القرن (1 هـ = 7 م)، وتضم: البوشناق والصرب والكروات. واعتنق الصرب النصرانية على المذهب الأرثوذكسى، أما الكروات فعلى المذهب الكاثوليكى، وأما البوشناق فاعتنقوا العقيدة البوجوميلية التى ترفض ألوهية المسيح وعبادة الصليب وتنتقد التنظيم الكنسى؛ مما أثار ضدهم حقد البابا وملوك الإمبراطورية الرومانية الذين حاولوا إرغام البوشناق على التخلى عن عقيدتهم بكل وسائل الضغط فلم يفلحوا. وحينما بدأت الدولة العثمانية الإسلامية فتوحاتها فى أوربا استنجد بها حاكم البوسنة فدخلها العثمانيون سنة (867 هـ = 1463 م)، وأقبل أهلها على الإسلام، واشترك (30) ألفًا منهم فى الجيش العثمانى وتبوأت بعض الشخصيات منها مراكز مرموقة فى الدولة العثمانية، مثل منصب الصدر الأعظم. وظلت البوسنة ولاية إسلامية عثمانية حتى سنة (1878 م) حيث عقدت الدول الأوربية مؤتمر برلين الذى فرق وحدة الدولة العثمانية، وجعل إدارة البوسنة من حق مملكتى النمسا والمجر، ثم ضمتها النمسا إليها سنة (1909 م). وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت مملكة يوغسلافيا التى ضمت البوسنة وصربيا والجبل الأسود وكرواتيا ومقدونيا وكوسوفو. وفى فترة الملكية هذه تعرض

المسلمون فى البوسنة لألوان شتى من التعذيب والاضطهاد على يد عصابات الصرب والكروات، بهدف التخلى عن دينهم. وخرجت يوغسلافيا من الحرب العالمية الثانية مهزومة ثم حكمها جوزيف بروزتيتو سنة (1945م)، وكان ذا فكر شيوعى طبقه على يوغسلافيا بعدما ألغى الملكية، وأعلن الجمهورية، واضطهد المسلمين، وألغى تطبيق الشريعة الإسلامية وجميع مظاهر الإسلام فيها، واستمر هذا الوضع حتى سنة (1972 م)؛ إذ سمحت الحكومة للمسلمين ببعض الحريات، وأعادت لهم مساجدهم ومدارسهم. وفى سنة (1990 م) سقطت الشيوعية وتجزأت الجمهورية اليوغسلافية الفيدرالية إلى (6) جمهوريات، كان منها البوسنة التى أعلنت استقلالها، ولكن صربيا رفضت ذلك؛ لأنها كانت تريد إقامة دولة باسم صربيا الكبرى تخلف دولة يوغسلافيا، تكون مقاليد الحكم فيها للصرب، فأعلنت الحرب على المسلمين واستمرت هذه الحرب حتى سنة (1995 م)؛ حيث تم توقيع اتفاق دايتون الذى اعترفت فيه الصرب بدولة البوسنة مستقلة، على أن يكون لصرب البوسنة دولة لهم داخل البوسنة وإيجاد اتحاد فيدرالى بين المسلمين والكروات.

*الصومال

*الصومال دولة إفريقية تقع بين دائرتى عرض (12ْ) شمالاً و (2ْ) جنوبًا، وهى جزء من منطقة القرن الإفريقى، وتجاورها كل من جيبوتى وإثيوبيا وكينيا من الغرب، ولها سواحل على خليج عدن والمحيط الهندى. وتبلغ مساحتها (637.657 كم2)، وعاصمتها مقديشيو. وعدد السكان (7.555.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1990 م)، يتكلم معظمهم العربية، إلى جانب لغات أخرى سواحلية، ويعمل (75 %) منهم بالرعى. والإسلام هو الديانة الرسمية. ويبلغ إجمالى الدخل القومى (1.03) مليار دولار، ومتوسط دخل الفرد (170) دولارًا فى السنة حسب إحصائية سنة (1989 م). وأهم المحصولات الزراعية: البخور وقصب السكر والموز والذرة الرفيعة والذرة الشامية والصمغ العربى. وأهم المعادن: الحديد والقصدير والجبس والبوكسيت والأورانيوم. وتعد الصومال دولة رعى من الدرجة الأولى؛ حيث تسهم الثروة الحيوانية بنحو (70%) من الدخل؛ إذ تملك نحو (4) ملايين رأس من البقر، و (6) ملايين رأس من الإبل و (25) مليون رأس من الغنم و (15) مليونًا من الماعز، ونحو (50.000) رأس لكل من الحمير والبغال والخيل، كما تلعب الثروة السمكية دوراً مهمًّا فى الدخل القومى للبلاد. والعملة المتداولة فى البلاد هى الشلن.

*صور

*صور أكبر موانئ الفينيقيين، وواحدة من عظمى مدن العالم القديم. تقع بلبنان جنوبى بيروت، على بعد (85 كم) منها، وتجاورها صرفند وصيدا فى شمالها والناقورة فى جنوبها. وقد بنيت على جزيرة بموازاة ساحل لبنان فى فترة ترجع إلى نحو (2800 ق. م)، ومنذ القرن (5 هـ = 11 م) أصبحت مدينة تجارية عظيمة ذات أسواق تجارية عديدة. وقد أسس الصوريون قرطاجة فى القرن (9 ق. م)، واشتهرت صور بصبغها الأرجوانى. استولى عليها الآشوريون فالبابليون فالفرس، ثم خضعت للإسكندر الأكبر بعد أن حاصرها شهورًا (333 - 332 ق. م)؛ حيث بنى جسرًا وصلها بالبر، ثم ازدهرت تحت حكم الرومان سنة (64 ق. م) ثم فتحها المسلمون فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، سنة (638 م)، واستولى عليها الصليبيون سنة (1124 م). ويعتمد اقتصادها على صيد الأسماك وزراعة الحمضيات والتجارة الساحلية التى تمتد إلى قبرص وأزمير وبورسعيد. وأهم صادراتها: التين والخروب والزعتر والمصوغات التقليدية التى اشتهرت بها.

*غزنة

*غزنة مدينة وولاية واسعة فى طرف خراسان، وهى الحد بين خراسان والهند وتتميز بشدة البرودة. ازدهرت إبان حكم الأسرة الغزنوية التركية (962 - 1152 م) وأسسها محمود الغزنوى الذى امتد سلطانه من إيران إلى البنجاب، واستولى عليها الإنجليز فى أثناء الحروب الأفغانية (1839 - 1842 م).

*الإسكندرونة

*الإسكندرونة لواء الإسكندرونة أو سنجق الإسكندرونة هو الاسم القديم لمحافظة هاتاى الواقعة جنوب تركيا وأقصى الشمال الغربى من جمهورية سوريا، كانت الإسكندرونة إحدى المدن السورية حتى سنة (1939 م) حيث ضمت إلى تركيا. والإسكندر الأكبر المقدونى هو الذى بنى مدينة الإسكندرونة سنة (333 ق. م) تخليدًا لذكرى انتصاره فى معركة إسوس، وأتاح لها موقعها الجغرافى أن تكون أحد المنافذ الرئيسية لتجارة الشرق الآتية من بلاد الفرس والهند حتى فتح قناة السويس. كانت الإسكندرونة ضمن المناطق العربية التى عقدت بشأنها اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وإنجلترا سنة (1916 م)، وكانت من نصيب فرنسا التى أعلنت الانتداب على سوريا. وكان عدد من سكان لواء الإسكندرونة تركيًّا؛ لذلك سعى أتاتورك - الذى كان يسعى إلى كسب ود الشعب التركى - إلى إعادة جميع المناطق التى تسكنها عناصر تركية إلى تركيا، ونجح فى عقد اتفاقية سنة (1921 م) مع فرنسا وهى اتفاقية أنقرة التى قدمت فرنسا بمقتضاها إلى تركيا بعض الامتيازات فى هذا اللواء، منها: السماح للأتراك بحرية تطوير ثقافتهم، واعتبار اللغة التركية لغة رسمية. ثم أخذت الحكومة التركية تشجع سكان هذا اللواء الأتراك على مطالبة فرنسا بالانفصال عن سوريا وعرضت القضية على عصبة الأمم المتحدة سنة (1936 م)، فأرسلت لجنة لعمل استفتاء؛ لمعرفة رغبات السكان. وعلى الرغم من أن الاستفتاء الذى أجرى أظهر أن نسبة الأتراك لاتزيد على (35 %) فإن هذه اللجنة أوصت بمنح هذا اللواء استقلالاً ذاتيًّا فى شئونه الداخلية ، على أن تتولى عصبة الأمم إدارته، وكانت هذه الخطوة بموافقة كل من إنجلترا وفرنسا؛ حيث كانتا ترغبان فى كسب عطف الشعب التركى وتأييده؛ إذ كانت العلاقة تزداد سوءًا بينهما وبين ألمانيا، وكانت الحرب بينهم على وشك الوقوع فخشيت هاتان الدولتان من انضمام تركيا إلى ألمانيا. وأحس

السوريون أن ذلك مخطط لاقتطاع جزء من بلادهم؛ فأخذوا يتصدون للدعاوى التركية، ولكن دون فائدة؛ إذ نجحت تركيا سنة (1939 م) فى عقد معاهدة مع فرنسا ضمت بمقتضاها هذا اللواء إليها نهائيًّا، ثم عُرف باسم مقاطعة هاتاى، وهو الآن محافظة من المحافظات التركية. ولاتزال سوريا تطالب بالإسكندرونة باعتباره لواءً سُلِبَ منها.

*الصين

*الصين تقع فى شرق آسيا، وتجاورها منغوليا شمالاً، والاتحاد السوفييتى سابقًا فى الشمال الشرقى والشمال الغربى، وأفغانستان وباكستان فى الغرب، وكل من الهند ونيبال وبوتان وبورما ولاوس وفيتنام فى الجنوب، وكوريا الشمالية فى الشمال الشرقى. وتبلغ مساحتها (9.596.961 كم2). وعدد سكانها نحو (1.143.729.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1992 م)، نصفهم من فئة الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم ثمانى عشرة سنة. واللغة الرسمية هى الصينية. والديانة الرسمية هى البوذية. وعدد المسلمين فيها حوالى (150) مليون مسلم، والعاصمة بكين وفيها نحو (8) ملايين نسمة. وأهم مدنها شنغهاى وتيان تسين، ويبلغ إجمالى الدخل القومى (393) مليار دولار حسب إحصائية سنة (1989م)، ودخل الفرد (360) دولارًا فى السنة، وأهم المحاصيل الزراعية: الأرز والقطن والشاى، وأهم المعادن: الحديد والرصاص والمنجنيز والزئبق والقصدير، وأهم مصادر الطاقة: الفحم، وأهم الصناعات: الحديد والصلب والمنسوجات والأدوات الزراعية. والعملة المتداولة (اليوان). وتعد أسرة شانج أول أسرة حكمت الصين (1523 - 1027 ق. م)، وفى العصر الحديث بدأ ضعف الصين عندما هزمتها اليابان فى حربها الأولى ضدها (1894 - 1895 م)، ثم وضعت يدها على معظم الأراضى التى كان الأجانب قد انتزعوها منها، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية بين سنتى (1939، 1945 م). وفى سبتمبر سنة (1949 م) أعلنت جمهورية الصين واختير ماوتسى تونج رئيسًا لها.

*إنجلترا

*إنجلترا أكبر قسم سياسى فى المملكة المتحدة (بريطانيا). مساحتها (130.800) كم2. ويحدها من الشرق بحر الشمال، ومن الغرب إمارة ويلز، ومن الشمال اسكتلندا، ومن الجنوب القناة الإنجليزية ومضيق دوفر. وعاصمتها لندن. ومناخ إنجلترا معتدل، ويسهل اتصالها بالعالم الخارجى عن طريق موانئها الجنوبية والشرقية والغربية الواقعة على مصاب أنهار أو على سواحل البحار والمحيطات. استمدت إنجلترا معظم ثروتها الطائلة فى الأعوام المائتين الأخيرة من الأرض السوداء التى توجد فيها صناعاتها الكبرى؛ لتوافر الفحم والحديد فيها، وأهم مدنها الصناعية: لندن (العاصمة) ومانشستر وليفربول وليدز وشفيلد وبرمنجهام. وكانت إنجلترا فى القرن (13 هـ = 19 م) تقود العالم فى تصدير السلع المصنوعة، وكان من أسباب توسُّع تجارتها ازدهار مدنها. وتكوِّن إنجلترا وويلز واسكتلندا وشمال أيرلندا جميعاً المملكة المتحدة. والتعليم فى إنجلترا بالمجان حتى السادسة عشرة. وفيها (11) جامعة، أعظمها وأقدمها جامعتا أكسفورد وكمبردج.

*أنقرة

*أنقرة عاصمة الجمهورية التركية منذ سنة (1342 هـ = 1924 م). وتقع فى القسم الآسيوى من تركيا، على الضفة الغربية للوادى الذى تمر فيه مياه نهير أنجورة. وتبعد عن إستانبول مسافة (578) كم ، وتبلغ أقرب مسافة بينها وبين البحر الأسود (185) كم. ولا يُعلم على وجه التحديد تاريخ تأسيس أنقرة، إلا أنه يُروَى أن الحيثيين الذين حكموا المنطقة سنة (2000 ق. م) هم الذين أسسوها. وكانت أنقرة تابعة للإمبراطورية البيزنطية مدة سبعة قرون ونصف قرن من سنة (334 م) إلى سنة (1073 م). وقد تمكن المسلمون من فتحها سنة (34 هـ = 654 م)، غير أنهم لم يستقروا فيها، ثم تمكنت جيوش الخليفة العباسى هارون الرشيد من فتحها سنة (183هـ = 799 م). وبعد انتصار السلطان السلجوقى ألب أرسلان على الجيوش البيزنطية فى موقعة ملاذكرد سنة (464 هـ = 1071 م) فتحت الأناضول وأنقرة ذراعيها للفاتحين الأتراك. وعندما تدهورت السلطنة السلجوقية وقعت أنقرة فى أيدى الجرمانيين، واستمر حكمهم لها حتى سنة (708 هـ = 1308 م)؛ إذ دخلت الأناضول كلها تحت حكم الإيلخانيين، ثم ضمها السلطان الإيلخانى سليمان باشا بن أورخان إلى الدولة العثمانية سنة (755 هـ = 1354 م). وأهم الآثار فى أنقرة: - جامع أصلان خانه الذى أنشئ فى سنة (689 هـ = 1290 م). - قصر جانقايا كوشكو، وهو الآن متحف ومقر لرياسة الجمهورية. - متحف مجلس الأمة. وقد بلغ عدد المساجد فى أنقرة (2209) مساجد فى سنة (1410 هـ = 1989 م). ويبلغ سكان مدينة أنقرة نحو (2.918.261) نسمة، حسب إحصائية سنة (1405 هـ = 1984 م)، وهى بذلك تحتل المرتبة الثالثة فى التعداد بعد إستانبول وأزمير. وتمثل اللغة التركية نسبة (97 %) من لغات سكان أنقرة، ويتجاوز عدد المسلمين بها هذه النسبة بقليل.

*الأهواز

*الأهواز منطقة إيرانية قريبة من البصرة بالعراق. كانت تُسمى: خوزستان، وقد يطلق عليها عربستان أيضاً. تتألف الأهواز من عدة مدن أو قرى، هى: رامهرمز وإندج وعسكر مكرم وتستر وجنديسا بور والسوس وسُرق ومناذر، وعاصمتها سوق الأهواز، ويجرى فيها نهر تيرى. وفتح المسلمون الأهواز على إثر موقعة القادسية سنة (14 هـ = 635 م). وقد أنجبت منطقة الأهواز عددا من العلماء والزهاد والصوفية طيلة الفترة التى ظلل فيها الإسلامُ أهلَها بحضارته، وانتشرت بها اللغة العربية. وعُنيت إيران عناية خاصة بالأهواز فى العقود الأخيرة؛ فقامت ببناء سد محمد رضا، ويقوم هذا السد بتنظيم رى مساحة تبلغ (125000) هكتار، وأهم المحاصيل الزراعية فيها: النخيل والأرز. وفى الأهواز أكبر مصفاة للنفط فى العالم، وهى تكرر نحو (25) مليون طن منه سنويًّا فى ميناء عبدان.

*البصرة

*البصرة مدينة عربية فى العراق. تقع على الضفة الغربية لشط العرب، على بُعد (590) كم من جنوبى شرقى بغداد، و (110) كم من شمالى الخليج العربى، وتبلغ المسافة بينها وبين الحدود العراقية الكويتية نحو (50) كم. والبصرة فى اللغة: هى الأرض الغليظة ذات الحجارة الصُلبة. وقد فتحها المسلمون سنة (14 هـ = 635 م) فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وكان عتبة بن غزوان أحد قادة الجيش. وقد بنى فيها عتبة مسجدًا ودارًا للإمارة، كما بنى المساكن حولها مستخدمًا القصب. وكانت البصرة مركزًا لإدارة العراق خلال عهد بنى أمية، وكثر عمرانها، وأنشئ فيها عدد كبير من الدور الفخمة، وبلغت فى العصر العباسى شأناً عظيماً؛ إذ كانت مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وخاصة فى عهد هارون الرشيد، كما قصدها طلاب العلم للدراسة على أيدى علمائها. وتُعد البصرة من أكبر مراكز الحركة العلمية فى القرون الأربعة الأولى للهجرة. ونبغ فيها عدد كبير من العلماء، مثل: أبى الأسود الدؤلى والخليل بن أحمد وسيبويه، كما برز فيها عدد كبير من فحول الشعراء، مثل: الفرزدق وبشَّار بن برد ومسلم بن الوليد وأبى نُوَاس. واشتهر من أدبائها وكتابها ابن المقفع والجاحظ والحريرى، كما ظهر فيها مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء، ومن علمائها المعروفين فى العلوم الطبيعية الحسن بن الهيثم. وقد اشتهرت البصرة بزراعة النخيل، وإنتاج التمور، ويوجد بالعراق أكثر من (30) مليون نخلة معظمها فى البصرة. وهى اليوم مدينة كبيرة، تتخللها شوارع فسيحة، وتنتشر فيها الحدائق الواسعة، وبها عديد من مؤسسات الدولة، مثل: جامعة البصرة التى أنشئت سنة (1384 هـ = 1964 م)، ومتحف التاريخ الطبيعى الذى أنشئ سنة (1392 هـ = 1972 م).

*البطاح

*البطاح البِطاح والأباطح: جمع بطحاء، ومعناها فى اللغة: مسيل فيه دُقاق الحصى، وهى بطاح مكة، ويقال لقريش الداخلة: البطاح، وقريش البطاح هم الذين يسكنون بالشِّعب الذى بين أخشبى مكة ، كما توجد بطحاء المدينة، فقد قيل: وبَطحَا المدينة لى منزلٌ فياحَبَّذا ذاك من منزلِ

*بطحاء

*بطحاء البطحاء فى اللغة: المسيل الواسع الذى فيه دقاق الحصى، وقيل: كل موضع متسع، وقال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بطحوا المسجد، أى: ألقوا فيه الحصى الصغار. وهى منطقة بالقرب من ذى القار. وبطحاء مكة: الجذع من وادى إبراهيم الممتد من الحجون إلى المسجد الحرام، وما فوق ذلك إلى المنحنى يُسمَّى الأبطح، وما أسفل ذلك يُسمى المسفلة. وقال البكرى: البطحاء: ماحاز السيل من الردم إلى الحناطين يمينًا مع البيت، وليس الصفا من البطحاء. وهناك بطحاء المدينة، وبطحاء المغرب الموجودة قرب تلمسان؛ إذ تبعد عنها بنحو ثلاثة أو أربعة أيام.

*بودابست

*بودابست عاصمة المجر. تقع على ضفتى نهر الدانوب، وتتألف من مدينتين، هما بودا، وتقع على الضفة اليمنى، وبست، وتقع على الضفة اليسرى، وقد اتحدت المدينتان فى مدينة واحدة منذ عام (1873 م) لتصبح عاصمة المجر. ويتركز فى بودابست نحو (60 %) من مصانع المجر. ومن أهم الصناعات فيها: المنسوجات والأدوات الكهربائية. وتُعد بودابست المركز الثقافى الرئيسى بالمجر؛ فتوجد فيها كبرى الجامعات، كما أنها من أجمل المدن الأوربية، واشتهرت بنشاطها فى الأدب والمسرح والموسيقى، واجتذبت السياح بمياهها المعدنية وآثارها التاريخية.

*بودا

*بودا عاصمة المجر. تقع على ضفتى نهر الدانوب، وتتألف من مدينتين، هما بودا، وتقع على الضفة اليمنى، وبست، وتقع على الضفة اليسرى، وقد اتحدت المدينتان فى مدينة واحدة منذ عام (1873 م) لتصبح عاصمة المجر. ويتركز فى بودابست نحو (60 %) من مصانع المجر. ومن أهم الصناعات فيها: المنسوجات والأدوات الكهربائية. وتُعد بودابست المركز الثقافى الرئيسى بالمجر؛ فتوجد فيها كبرى الجامعات، كما أنها من أجمل المدن الأوربية، واشتهرت بنشاطها فى الأدب والمسرح والموسيقى، واجتذبت السياح بمياهها المعدنية وآثارها التاريخية.

*شيراز

*شيراز مدينة تقع جنوب إيران، وهى عاصمة إقليم فارس. يحدها من الشمال محافظة آبادة، ومن الجنوب محافظة فيروز آباد، ومن الشرق محافظة فسا، ومن الغرب محافظة كازرون. وتنقسم إداريًّا إلى ثلاثة أقسام، هى: القسم المركزى، وزركان، ومسروستان. ويبلغ عدد سكانها نحو (1.126.591) نسمة حسب إحصائية سنة (1406 هـ = 1986 م).وتعد شيراز إحدى المدن الزراعية المهمة بإيران، وتشتهر بزراعة الأرز والحبوب وقصب السكر والبنجر والقطن الصيفى، كما يتميز العنب الذى يزرع فيها بجودته عالميًّا بين دول الشرق المنتجة له. وقد تأسست مدينة شيراز إبان الحكم الأموى عام (64هـ = 685م)، وأصبحت حاضرة لإقليم فارس، وفى عام (232هـ = 847 م) استولى عليها الطاهريون، ثم الصفاريون عام (255هـ = 869 م) على يد يعقوب الصفار، ثم ضمها البويهيون عام (331هـ = 944 م) فالسلاجقة، ثم دخلت حكم الصفويين حتى جعلها الزنديون عاصمة لهم. وكانت شيراز على مر العصور موطنًا للعلماء والشعراء الذين أقبلوا إليها من كل بقاع الأرض. وأهم العلماء الذين أنجبتهم: سلمان الفارسى وعبد الله بن المقفع وأبوحيان التوحيدى وإبراهيم بن على بن يوسف الفيروز آبادى وسعدى الشيرازى وحافظ الشيرازى وشهاب الدين عبد الله الشيرازى.

*الصحراء الشرقية

*الصحراء الشرقية تمتد مابين البحر الأحمر ووادى النيل. ويبلغ طولها (1076) كم، أى طول مصر، أما عرضها فيتراوح بين (200 و 500) كم. وتبلغ مساحتها (225) ألف كم2. وتتألف الصحراء الشرقية من سلسلة جبلية مكونة من الصخور النارية التى تحيط بها من الجانبين، ومن الشمال رواسب بحرية، مؤلِّفة صخورًا رسوبية، وهى صحراء حجرية تحيط بها الرمال من كل الجهات؛ فمن الشرق رمال الأودية ورمال ساحل البحر، ومن الغرب تتمة الصحراء الغربية، ومن الشمال رمال صحراء شرقى الدلتا. وتوجد فيها سلسلة جبال البحر الأحمر التى تمتد على طول ساحل البحر، وفيها جبل حناطة وجبل الشايب وجبل غارب، وتنتهى هذه الجبال مقابل رأس غارب على خليج السويس.

*الصحراء الغربية

*الصحراء الغربية تمتد من الجنوب من حدود السودان إلى الشمال حتى ساحل البحر المتوسط، بطول يبلغ أكثر من (1000) كم، وتمتد من الغرب من حدود ليبيا إلى وادى النيل فى الشرق، بعرض يبلغ ما يقرب من (665) كم، ويبلغ معدل ارتفاعها (1000) متر فى الجنوب حيث هضبة الجلف الكبير، و (200) متر فى الشمال قرب ساحل البحر. وتبلغ مساحتها (681) ألف كم2. وتنتشر الواحات فى الصحراء الغربية، وتختلف هذه الواحات من حيث المساحة؛ إذ إن بعضها كبير يزيد على ضعف مساحة لبنان، مثل: منخفض القطارة، وبعضها صغير لايزيد على عدة مئات من الكيلومترات المربعة، مثل: وادى كركر، كما تختلف هذه الواحات من حيث السكان؛ إذ إن بعضها غير مأهول بالسكان، مثل: منخفض القطارة، وكركر، وبعضها مزدحم بالسكان، مثل: الخارجة والداخلة والفيوم وسيوة والفرافرة والبحرية. ويوجد فى الجزء الشمالى والجزء الأوسط من الصحراء الغربية سلسلة من المنخفضات، تقع كلها دون مستوى سطح البحر. ومساحة هذه المنخفضات أكثر من (45) ألف كم2 فى حين أن سكانها لا يزيدون على مائة ألف نسمة.

*الفسطاط

*الفسطاط مدينة أسسها عمرو بن العاص بإذن من الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، بعد فتح مصر، وكان موضعها فضاء ومزارع بين النيل والمقطم، بالقرب من حصن بابليون، وكان إلى الشمال والشرق من هذا الحصن أشجار ونخيل، وبين الحصن والجبل عدة كنائس وأديرة، وكانت الفسطاط تقع فى المنطقة التى حول جامع عمرو، وتمتد شرقًا حتى قرب سطح جبل المقطم، وشمالاً حتى جهة فم الخليج وقناطر السباع وجبل يشكر، وغربًا حتى النيل، وجنوبًا حتى ساحل أثر النبى. وبعد أن فتحها عمرو بن العاص، رضى الله عنه، شيد فيها مسجدًا وداراً للإمارة حتى بنيت مدينة العسكر سنة (132هـ). ولما أسس الفاطميون القاهرة تقهقر حال الفسطاط، وشملها الإهمال وهى الآن ضمن مدينة القاهرة عاصمة مصر.

*فرنسا

*فرنسا هى أكبر دولة فى أوربا، ومساحتها نحو (551.500) كم2، وعدد سكانها نحو (60) مليون نسمة، وتقع بين خطى عرض (42ْ، و51ْ) شمالاًَ، ويحدها من الشمال القنال الإنجليزى، ومن الغرب المحيط الأطلنطى، ومن الجنوب الغربى إسبانيا والبحر المتوسط، ومن الشرق إيطاليا وسويسرا وألمانيا. وأهم مدنها باريس العاصمة ومرسيليا ونانت وبوردو وسانت إيتيان، ويعتمد اقتصادها على الزراعة والصناعة؛ فالزراعة تشغل مكانة مهمة فى الاقتصاد الفرنسى، ويحصل ثلث السكان على دخولهم من الزراعة، ومن أهم الحاصلات الزراعية: الذرة والأرز والقمح والكروم وبنجر السكر والفواكه والخضراوات والبطاطس، أما الصناعة فيشتغل بها أكثر من (35 %) من الأيدى العاملة، ومن أهم الصناعات فيها: صناعة السيارات والحديد والصلب والمنسوجات والكيماويات والطائرات والعطور والأجهزة الإلكترونية، كما توجد بها ثروة حيوانية كبيرة ومصادر للأسماك، وكثير من المعادن، مثل: البوكسيت والحديد، ومصادر الطاقة، كالفحم والبترول. وكانت فرنسا تُعرف باسم غاليا أو بلاد الغال. وقد احتلها الرومان بقيادة يوليوس قيصر سنة (58 ق. م)؛ بحجة مساعدة أهلها على طرد الجرمان، إلا أنه رفض مغادرتها فيما بعد. وفى القرن الخامس الميلادى تعرضت غاليا لهجوم البرابرة، وبعد عدة سنوات من المعارك تمكن القائد الإفرنجى كلوفيس من أن يفرض سيطرته عليها، فأصبحت تُسمَّى بلاد الإفرنجة أو فرنسا، وبعد موت كلوفيس انقسمت البلاد إلى ثلاث ممالك، وفى عام (687 م) تمكن دى هرشتال من أن يصبح القائد الحقيقى للممالك الثلاث. وفى عام (751 م) أسس الوزير بيبان الصغير الدولة الكارولنجية، ومن أشهر ملوكها شارلمان بن بيبان. وفى (987 م) تُوفِّى آخر ملوك الدولة الكارولنجية، وانتخب محله هوغ كابى الذى أسس الدولة الكابية. وفى عهد حكم الفالوا قامت الحرب الفرنسية-الإنجليزية التى استمرت نحو

مائة سنة (1337 - 1440 م). وفى القرن (10هـ = 16 م) قامت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت. ولم تنته تلك الحروب إلا فى عام (1598 م). وفى القرن (11هـ = 17 م) سيطرت فرنسا على أوربا من خلال سلسلة من الحروب قادها الملك لويس الرابع عشر. وفى عصر نابليون بونابرت قام نابليون بإلغاء الحريات وتركيز السلطات فى السلطة التنفيذية. وفى القرن (14 هـ = 20 م) خاضت فرنسا الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 م) ضد ألمانيا، وانتصرت فرنسا فيها، كما خاضت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945 م) ضد ألمانيا أيضاً بعد إقدام هتلر على غزو بولونيا. وانهزمت فرنسا فى هذه الحرب هزيمة قاسية فى أقل من شهر، بسبب عدم استعداد جيشها. ويحكم فرنسا الآن (1997 م) - الرئيس جاك شيراك، خلفاً للرئيس فرانسوا ميتران.

*صحار

*صُحار ميناء بسلطنة عُمان. يطل على خليج عُمان. وتقع صُحار فى موضع متوسط بين مطرح وكلبا. وتتميز بنقاء هوائها، وإنتاج الفواكه. وقد قيل: إنها تُنسب إلى صحار بن إرم بن سام بن نوح، وفتحها المسلمون دون حرب فى عهد أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، سنة (12 هـ = 633م)، ولا تزال تحتفظ بأسوارها وتحصيناتها؛ لصد قوات الغزو البحرى الأجنبى. ومع ذلك فقد قضى البرتغاليون على أهميتها التجارية. ويُنسب إلى صُحار عدد من العلماء والأدباء، أشهرهم الشاعر أبو على محمد بن زوزان الصحارى العمانى.

*شيزر

*شيزر مدينة بسوريا. تقع على نهر العاصى، وهى ذات موقع استراتيجى حصين، ولا تزال أطلال حصنها قائمة حتى اليوم، وتعد من المعالم التاريخية السورية، وأقيمت قلعتها على جرف وعر يُعرَف باسم عرف الديك. وقد فتحها المسلمون بدون حرب بقيادة أبى عبيدة بن الجراح سنة (17هـ = 638م)، ونظرًا إلى موقعها الاستراتيجى فقد ارتبط تاريخها بأحداث الحروب بين الإمبراطورية البيزنطية وأمراء الشام المسلمين، ثم ارتبطت بأحداث الحروب الصليبية. ومن أحداث شيزر العامة ما أصابها من زلازل عام (552 هـ = 1157 م). ويُنسب إليها جماعة من العلماء، منهم: الحسين بن سعيد بن المهند بن سلمة بن أبى على الطائى الشيزرى، وأبو الحسن الجنابى وعلى بن الخضر السلمى.

*باكو

*باكو ميناء على بحر قزوين، وعاصمة جمهورية آذربيجان. ويوجد فيها نحو (15 %) من رصيد العالم من البترول، وهى المركز الرئيسى للبترول فى آذربيجان. وقد بدأت صناعة البترول فيها فىأواخر القرن التاسع عشر الميلادى، كما أن فيها كثيرًا من المؤسسات الثقافية. وقد استولى العثمانيون على باكو فى عام (991 هـ = 1583 م)، ثم تبادلتها أيدى الفرس والروس حتى استسلمت للفرس عام (1806 م). وفى عام (1338 هـ = 1920 م) كانت باكو مقرًّا للمؤتمر الذى دعت إليه الحكومة السوفييتية آنذاك، واشتركت فيه كثير من الأمم الشرقية الإسلامية.

*الأحساء

*الأحساء الأحساء علم لعدة مواضع من بلاد الجزيرة العربية أشهرها، أحساء الخليج، وهى منطقة سعودية تقع شرق شبه الجزيرة العربية، وتطل على الخليج العربى، وتحيط بها صحراء الدهناء من الغرب، ويحدها من الشمال الكويت، وتلتقى مع الربع الخالى من الجنوب. وكانت خاضعة لحكم الفرس قبل ظهور الإسلام، وفى سنة (6هـ = 627م) أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابى العلاء بن عبد الله الحضرمى - رضى الله عنه - إليها، وكان عليها المنذر بن ساوى ملك البحرين من قبل الفرس، وقد أسلم المنذر وحسن إسلامه، ثم ولى الرسول - صلى الله عليه وسلم - العلاء الحضرمى على البحرين، وظلت الأحساء تابعة للدولة الإسلامية إلى أن حكمها القرامطة (180عامًا) بدءًا من سنة (286هـ = 899 م)، ثم نزلت بالقرامطة الهزيمة من أحد فروع عبد القيس، وظلت هذه المنطقة خاضعة لحكم الأعراب حتى دخلت تحت حكم العثمانيين فى القرن (10هـ = 16م). وفى سنة (1074هـ = 1663م) استعاد شيوخ بنى حميد حكم الأحساء، ثم تمكن آل سعود من فتحها، وإزالة آل حميد عند قيام دولتهم الأولى بقيادة محمد بن سعود، ثم أعادها إبراهيم بن محمد على إلى الحكم العثمانى، ثم ضمها تركى بن عبد الله إلى الدولة السعودية الثانية سنة (1245هـ = 1829م)، ثم تمكن الوالى التركى مدحت باشا فى سنة (1288هـ = 1871م) من ضمها إلى ولاية البصرة وبقيت تابعة للخلافة العثمانية لمدة (42) سنة استطاع بعدها عبد العزيز آل سعود سنة (1332هـ = 1913م) أن يضمها إلى الدولة السعودية الثالثة؛ فأصبحت جزءًا من المملكة العربية السعودية التى أسسها عبد العزيز آل سعود. ويوجد بالأحساء معالم سياحية كثيرة أشهرها عين أم سبعة؛ فهى أشهر عيون الأحساء الطبيعية، وعين نجم التى تمتاز بمياهها المعدنية، كما تحتوى على بعض الآثار التاريخية، وأهمها: مسجد جُواثا الذى يعد أول مسجد أسس فى شرق الجزيرة العربية.

*آذربيجان

*آذربيجان جمهورية إسلامية. تقع غربى بحر قزوين. يحدها من الغرب جمهورية أرمينيا، ومن الشمال الغربى جمهورية جورجيا، ومن الشمال داغستان، ومن الجنوب إيران. وكلمة آذربيجان فارسية الأصل، وتعنى أرض النار؛ لكثرة معابد النار التى كانت قائمة فيها قبل الإسلام. وتبلغ مساحة آذربيحان نحو (86.630 كم2)، ويبلغ عدد سكانها نحو (8.794) نسمة، وفق إحصائية سنة (1412هـ = 1992م). وأهم المدن فى آذربيجان باكو، وهى عاصمة البلاد، وتقع على بحر قزوين، وهى من كبريات مدن آسيا الوسطى، ومن المدن المهمة أيضًا كيروفاباد وأُرْمية وسمحيت وتاخشتفان. ويعتمد اقتصاد آذربيجان على الزراعة؛ نظرًا لتوافر مياهها، وتجود فيها زراعة الفاكهة، كما أن لديها ثروة حيوانية هائلة، بالإضافة إلى الصناعات المختلفة فى مدينة باكو، مثل: صناعات البترول، وصناعة الحديد، وصناعة الأسمنت ، ونسج القطن. وقد بدأ الإسلام ينتشر فى آذربيجان عقب حملات الفتوح الإسلامية التى سارت إليها فى عهد عمر بن الخطاب. وقد ازداد الانتشار الإسلامى فيها فى عهد الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك واستمر هذا الانتشار فى العصر العباسى. وقد استولى المغول على آذربيجان سنة (628هـ = 1230م)؛ فأصبحت جزءًا من إمبراطوريتهم، وفى سنة (1221هـ = 1806م) قام الجيش الروسى بقيادة الإسكندر الأول بغزو آذريبجان، واحتل القوقاز، ثم أخضعها له نهائيًّا سنة (1281هـ = 1864م). وقد عانت آذربيجان معاناة شديدة تحت وطأة السيطرة الروسية؛ فهدمت مساجدها، ودمرت دور العلم الدينية فيها، وحرقت المكتبات، وقد استمرت روسيا على هذه السياسة حتى انهار الاتحاد السوفييتى سنة (1412هـ = 1991م)، وأعلنت آذربيجان استقلالها، وأخذت تعمل على توطيد علاقاتها بالدول الإسلامية، خاصة إيران وتركيا وأفغانستان.

*الأبواء

*الأبواء قرية تقع بين المدينة المنورة والجحفة وتبعد عن المدينة بنحو (46كم)، وهى الآن وادٍ فيه آبار كثيرة، وزراعة فى إمارة رابغ، من إمارات مكة المكرمة. وسميت بهذا الاسم؛ لتبوء السيل بها، أى نزوله فيها. وقد دفنت السيدة آمنة بنت وهب أم رسول الله (بالأبواء، عندما كانت تزور أخا جد النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان معها سيدنا محمد (، وكان الرسول يتذكر أشياء حدثت له فى تلك الزيارة؛ فقد نظر إلى بنى النجار بعد الهجرة قائلاً: وهنا نزلت بى أمى، وفى هذا الدار قبر أبى عبد الله، وأحسنت العوم فى بئر بنى عدى بن النجار. وقد حدثت فيها غزوة الأبواء؛ وذلك أن النبى (خرج فى سبعين رجلاً من المهاجرين، ليعترض عيرًا لقريش حتى بلغ ودان (بقرب الأبواء)، وكان يحمل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبد المطلب، وفى هذه الغزوة عقدت معاهدة حلف بين النبى - صلى الله عليه وسلم - وعمر الضمرى، وكان نصها: هذا كتاب من محمد رسول الله لبنى ضمرة، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وإن لله النصر على من رامهم، إلا أن يحاربوا دين الله، ما بل بحر صوفة (أى دائمًا) وإن النبى إذا دعاهم لنصره أجابوه.

*أرخبيل

*أرخبيل أرخبيل كلمة معربة عن اللفظ اللاتينى A( صلى الله عليه وسلم) chipelago، وتعنى مجموعة من الجزر المتجاورة، أو بحرًا يضم عدة جزر، وغالبًا ما تتكون من صخور بركانية قوسية الشكل. وتظهر جزر الأرخبيل بوضوح فى وسط المحيط الهادى وجنوبه، مثل: جزر إندونيسيا وجزر ماركوس وجزر هاواى، كما تظهر فى المحيط الأطلنطى، مثل: أرخبيل الأنتيل. ويتكون أرخبيل جزر إندونيسيا من مجموعة من الأقواس الجزرية، وتتكون من أربع جزر كبرى، هى: جاوا وسومطرة وبورنيو وسيليبيس، وتقع عاصمة إندونيسيا جاكارتا فى أقصى الطرف الشمالى الغربى لجزيرة جاوا، ويمتد أرخبيل جزر إندونيسيا من الشرق إلى الغرب إلى مسافة طولها نحو (4000 كم) بين دائرتى عرض (6ْ) شمالاً و (10ْ) جنوبًا. أما أرخبيل الأنتيل فيتكون من مجموعة من الجزر العديدة التى تتناثر فى المسطح المائى الذى يفصل أمريكا السكسونية عن أمريكا اللاتينية، وكانت تعرف بجزر الهند الغربية، وتبلغ مساحتها نحو (230000 كم2). وتقع معظم جزر هذا الأرخبيل فى المحيط الهادى تحت حماية الدول الكبرى، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وشيلى والمكسيك وأستراليا والاتحاد السوفييتى السابق. وترجع أهمية جزر المحيط الهادى إلى أنها مصدر للسماد الطبيعى، وأن بها صخورًا تحوى خامات معدنية، مثل: الذهب والفوسفات والمنجنيز والنيكل كروم. ولبعض تلك الجزر أهمية استراتيجية أيضًا؛ نظرًا لمواقعها الجغرافية الممتازة، مثل: جزر هاواى التى تعد البوابة الغربية لأراضى الولايات المتحدة الأمريكية.

*أريحا

*أريحا مدينة عربية تقع على مسافة (37 كم) شرقى الشمال الشرقى لمدينة القدس. وتقع أريحا فى الطرف الغربى لغور الأردن الغربى، أو ما يعرف محليًّا بغور أريحا، وهى أقرب إلى الحافة الجبلية لوادى الأردن الانهدامى منها إلى نهر الأردن. وتقوم أريحا اليوم على هضبة منبسطة هى إحدى المدرجات البحيرية القديمة التى نشأت بعد انحسار البحيرة الأردنية القديمة وجفافها، وتنخفض أريحا نحو (276 م) عن سطح البحر. ومناخ أريحا ينتمى إلى المناخ المدارى الصحراوى؛ فمتوسط درجة الحرارة السنوى (23.5ْ)، وقلما يحدث الصقيع، أو تسقط الثلوج فى أريحا؛ لذلك تعد من أكثر أماكن فلسطين المفضلة للتشتية. وتعتمد أريحا فى اقتصادها على الزراعة والسياحة والصناعة: - الزراعة: عُرِفت أريحا منذ القدم بغزارة مياهها، وخصوبة تربتها؛ ولذلك اشتهرت بالزراعة منذ صدر الإسلام، وتؤكد منتجاتها الزراعية مدى أهميتها بالنسبة إلى الأسواق المحلية والخارجية. وتزرع أريحا القمح والشعير والذرة والسمسم والموز والعنب والنخيل. - السياحة: يزور أريحا عدد كبير من السياح سنويًّا، ولاسيما فى فصل الشتاء؛ لزيارة الأماكن الأثرية والدينية وللاستمتاع بدفء الشتاء. - الصناعة: فى أريحا عدة صناعات، مثل: صناعة السكر من قصب السكر، والتمر من البلح، والحصير من القصب، وهناك مصانع للنسيج أيضًا.

*إشبيلية

*إشبيلية مدينة أندلسية قديمة النشأة. تقع فى الجانب الغربى من بلاد الأندلس (إسبانيا والبرتغال)، وتبعد عن ساحل المحيط الأطلسى بنحو (60) ميلاً. ويحدها من الغرب غرناطة، ومن الشمال الغربى قرطبة، وأصل كلمة إشبيلية إشبالى، بمعنى المدينة المنبسطة. وقد فتحها المسلمون سنة (94 هـ = 713 م) بقيادة طارق بن زياد، بعد أن حاصرها عدة شهور، واتخذها موسى بن نصير عاصمة، وبعد قيام الدولة الأموية فى بلاد الأندلس تمتعت إشبيلية بازدهار شامل، وعاش فيها مجموعة من الأسر المسلمة، بالإضافة إلى بعض الطوائف اليهودية، وعدد كبير من النصارى. وقد دخلت إشبيلية تحت حكم المرابطين سنة (484 هـ = 1091 م)، ثم الموحدين سنة (541 هـ = 1147 م)، ثم سقطت فى أيدى النصارى القشتاليين سنة (646 هـ = 1248 م). وتوجد فى إشبيلية مصانع للسماد والزيوت والأسمنت والخزف، ويعد مصنع الخزف فيها من أشهر مصانع إسبانيا. وبإشبيلية - حاليًّا - جامعة بنيت منذ قرنين، ومن الآثار الحضارية الباقية فى هذه المدينة إلى الآن مئذنة المسجد الأعظم، ويبلغ ارتفاعها (96) مترًا، وفيها - أيضًا - قصور غاية فى الروعة الفنية، منها: المبارك والبستان وسعد السعود والثريا والزاهر.

*أصفهان

*أصفهان أصفهان أو أصبهان - بفتح الهمزة وكسرها - ثانية كبرى المدن الإيرانية بعد العاصمة طهران، وأصلها فى الفارسية أسباهان، أى: مدينة الجيش. تقع بين مدينتى شيراز وطهران، وتبعد عن الأخيرة بنحو (240) ميلا. وقد فتحها المسلمون سنة (23 هـ = 643 م)، وقيل: سنة (19 هـ = 640 م) بقيادة أبى موسى الأشعرى وعبد الله بن بديل الخزاعى فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وانتشر الإسلام فيها. وفى سنة (301 هـ = 913 م) دخلت أصفهان تحت حكم الساميين. وفى سنة (321 هـ = 933 م) دخلت تحت حكم البويهيين. وقد استولى عليها التتار بقيادة تيمورلنك سنة (879 هـ = 1474 م) فدمروها، وقتلوا عددًا كبيرًا من أهلها. وفى سنة (955هـ = 1548 م) فتحها العثمانيون ، وبقيت تحت الحكم العثمانى إلى أن استولى عليها الصفويون، وفى عهدهم انتشر فيها المذهب الشيعى. وفى سنة (1335هـ = 1916 م) احتلها الروس، ثم تمكن الإيرانيون من استردادها. وتُعد أصفهان مركزًا زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا: - فمن الناحية الزراعية تتنوع المحاصيل الزراعية فيها، ويمثل القطن أهمها، ومن الفواكه تزرع البطيخ والشمام والليمون والبرتقال. - ومن أشهر الصناعات بأصفهان صناعات المنسوجات الحريرية والصوفية، والسجاد. وتنتج أصفهان وحدها منها نحوًا من (92 %) من إنتاج إيران. - أما من الناحية التجارية فتتميز أصفهان بحركة تجارية رائجة منذ القدم، كما تتميز بعديد من الأسواق العريقة.

*أصبهان

*أصبهان أصفهان أو أصبهان - بفتح الهمزة وكسرها - ثانية كبرى المدن الإيرانية بعد العاصمة طهران، وأصلها فى الفارسية أسباهان، أى: مدينة الجيش. تقع بين مدينتى شيراز وطهران، وتبعد عن الأخيرة بنحو (240) ميلا. وقد فتحها المسلمون سنة (23 هـ = 643 م)، وقيل: سنة (19 هـ = 640 م) بقيادة أبى موسى الأشعرى وعبد الله بن بديل الخزاعى فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وانتشر الإسلام فيها. وفى سنة (301 هـ = 913 م) دخلت أصفهان تحت حكم الساميين. وفى سنة (321 هـ = 933 م) دخلت تحت حكم البويهيين. وقد استولى عليها التتار بقيادة تيمورلنك سنة (879 هـ = 1474 م) فدمروها، وقتلوا عددًا كبيرًا من أهلها. وفى سنة (955هـ = 1548 م) فتحها العثمانيون ، وبقيت تحت الحكم العثمانى إلى أن استولى عليها الصفويون، وفى عهدهم انتشر فيها المذهب الشيعى. وفى سنة (1335هـ = 1916 م) احتلها الروس، ثم تمكن الإيرانيون من استردادها. وتُعد أصفهان مركزًا زراعيًّا وصناعيًّا وتجاريًّا: - فمن الناحية الزراعية تتنوع المحاصيل الزراعية فيها، ويمثل القطن أهمها، ومن الفواكه تزرع البطيخ والشمام والليمون والبرتقال. - ومن أشهر الصناعات بأصفهان صناعات المنسوجات الحريرية والصوفية، والسجاد. وتنتج أصفهان وحدها منها نحوًا من (92 %) من إنتاج إيران. - أما من الناحية التجارية فتتميز أصفهان بحركة تجارية رائجة منذ القدم، كما تتميز بعديد من الأسواق العريقة.

*ألمرية

*ألمرية من أشهر مدن الأندلس، وهى ميناء على ساحل البحر المتوسط. أسسها الفينيقيون، على الأرجح، وازدهرت ما بين القرنين (13، و15 م) فى ظل الحكم الإسلامى، وعلا شأنها فى دولة المنصور بن أبى عامر الذى ولَّى عليها مولاه خيران، وإليه تنسب القلعة المنيعة قلعة خيران. ويُستخرج من ألمرية بعض المعادن، مثل: الرخام والحديد، كما تتميز بصناعة الديباج، وتُزرَع فيها الفاكهة، وفيها أطلال حصن عربى، وكاتدرائية قوطية الطراز. ووادى ألمرية طوله أربعون ميلا، تكثر فيه البساتين والحدائق والأنهار والطيور. وتُعد ألمرية من أغنى بلاد الأندلس، حتى قيل: لم يكن فى بلاد الأندلس أكثر مالاً من أهل ألمرية.

*أبو صير

*أبو صير قرية قديمة اسمها الأصلى بو صير، وتُعرَف الآن باسم أبو صير دفنو؛ لمجاورتها لناحية دفنو التى كانت تُسمى دفدنو من أعمال الفيومية (محافظة الفيوم حاليًّا)، وهى تتبع مركز إطسا. ويقال: إن مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين قُتل فيها، بعد أن ألجأه أبو مسلم إلى مصر بعد سقوط دمشق فى يد العباسيين، فتتبعوه حتى قُتل هناك فى كنيسة أبى صير.

*أسيوط

*أسيوط مدينة بصعيد مصر، غربى النيل، على بعد (378) كم جنوبى القاهرة عاصمة مصر، ويُقال: إن الدنيا صُوِّرت للرشيد فلم يستحسن إلا كورة أسيوط، وكانت أحد متنزهات خمارويه بن أحمد بن طولون، ويُنسب إليها جماعة من العلماء، مثل: جلال الدين السيوطى. ومدينة أسيوط عاصمة لمحافظة أسيوط وهى ذات تجارة عظيمة، واشتهرت قديمًا بصناعة العاج وقرن الخرتيت والأبنوس والأوانى الخزفية والمنسوجات القطنية والحريرية. ولأسيوط مورد على النيل وهو قرية تُسمَّى الحمراء مكانتها بالنسبة إلى أسيوط مثل مكانة بولاق بالنسبة إلى القاهرة. وكان يمر بها طريق درب الأربعين الذى يربط السودان بمصر.

*أفغانستان

*أفغانستان جمهورية إسلامية. تقع فى وسط آسيا. عاصمتها كابل. يحدها من الشمال جمهوريات أوزبكستان وتركستان وطاجيكستان، ومن الشمال الشرقى الصين وإقليم كشمير، ومن الجنوب والشرق جمهورية باكستان، ومن الغرب جمهورية إيران. ولغتاها الرسميتان هما: الباشتو والدارى، وهما خليط من عدة لغات منها العربية. وهى ملتقى طرق قوافل الشرق والغرب، مما أدى إلى طمع الاحتلال البريطانى والروسى فيها. تبلغ مساحتها نحو (647.5) ألف كم2، وتكثر فيها الجبال المرتفعة، وأعلى قمة جبل تبلغ نحو (6059) مترًا، وتعد منبعًا لعدد من الأنهار، من أشهرها: جيحون (أموداريا) وكابل وهرى رود، وعلى ضفافها تقع أغلب المدن الأفغانية. ويُعد الرعى مصدرًا للمعيشة. ولم تُعرف أفغانستان بهذا الاسم إلا فى القرن (12هـ = 18 م)، وكانت قبل ذلك ضمن إقليم خراسان، وعرفت قبل الإسلام باسم أريانا وبدأ الفتح الإسلامى لها فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه. ولم يمضِ القرن الأول الهجرى حتى كانت تلك البلاد ترفع أعلام التوحيد وتدين بالإسلام، وظل حاكمها واليًا من قِبل الخليفة حتى عصر الخليفة العباسى المأمون، حيث بدأت حكومات عدة دول فيها، مثل: الدولة الطاهرية، ومن بعدها الصفارية ثم السامانية والغزنوية والغورية والتيمورية، ثم حكمها شاهات إيران ثم استقلت عن إيران وخاضت بريطانيا حروبًا ضدها فاحتلتها. ثم استقلت نهائيًّا سنة (1340 هـ = 1921 م)، ولتعاون بعض حكامها مع الروس والغرب انتشرت فيها الأحزاب اليسارية والأفكار الشيوعية، وكان رد الفعل الطبيعى ظهور حركات إسلامية تنادى بالعودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد احتلها السوفييت، وانتهكوا فيها كل القوانين الدولية، وقاموا بأعمال وحشية استخدموا فيها الأسلحة المحرمة دوليًّا، فتجمعت جبهات الجهاد الإسلامى ومنظماته ضد الروس، وأسهمت باكستان وغيرها من الدول الإسلامية فى دعم هذا الجهاد. وبعد

جهاد عشر سنوات ضاع ضحيتها أكثر من مليون شهيد وشُرِّد نحو خمسة ملايين نسمة، تمكن الأفغان من إجبار الروس على الجلاء نهائيًّا فى (26 من جمادى الآخرة 1408 هـ = 15 من فبراير 1988 م). وتُدَّرس الآن اللغة العربية فى المدارس الأفغانية كلغة أصلية. وينتسب إلى أفغانستان عدد من العلماء منهم الإمام أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفى، والمتُوفَّى سنة (150 هـ = 767 م)، ومن رجال الإصلاح فى العصر الحديث جمال الدين الأفغانى المتُوفَّى (1315 هـ = 1897 م).

*أوربا

*أوربا إحدى قارات العالم. تبلغ مساحتها نحو عشرة ملايين كم2. تقع بين دائرتى عرض (36ْ، و 71ْ) شمالى خط الاستواء، وبين خطى طول (10ْ) غربًا و (60ْ) شرقًا. وهى شبه جزيرة غير منتظمة الشكل. يحدها من الشمال المحيط المتجمد الشمالى، ومن الغرب المحيط الأطلسى، ومن الجنوب البحر المتوسط. ويحدها من الشرق جبال الأورال ونهر آرال وجبال القوقاز. وتنقسم إلى ستة أقاليم سياسية، تضم (55 دولة) وهى مزدحمة بالسكان؛ ويرجع ذلك إلى النهضة الحضارية، ويتركزون فىالسهول الغربية والوسطى وتقل الكثافة فى الشمال والمناطق الجبلية، وينحدرون من السلالة القوقازية ومعظمهم يعتنق النصرانية، وينقسمون إلى طوائف لها كنائسها (الكاثوليكية، والبروتستانتية، والأرثوذكسية الشرقية)، فضلاً عن وجود المسلمين فى معظم البلدان بالقارة، كما توجد أقلية يهودية، وخصوصًا فى شرق أوربا. ويتكلم سكان قارة أوربا البالغ عددهم نحو (699) مليون نسمة نحو ثلاثين لغة، أشهرها: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية والهولندية والدنمركية والنرويجية والمقدونية والمجرية، بالإضافة إلى عدد كبير من اللهجات. وتاريخ أوربا القديم مرتبط بحضارتين كبيرتين، هما حضارة اليونان التى بلغت أقصى اتساع لها على يد الإسكندر المقدونى، والحضارة الرومانية التى استمدت منها أوربا تاريخها، ثم أتت فترة اتسمت أوربا فيها بالتخلف والجهل؛ فسميت بالعصور الوسطى (تمتد حتى القرن 9 هـ = 15 م). وبدأ عصر النهضة فى أوربا من بداية القرن (9 هـ = 15 م)؛ حيث أخذت حركة الكشوف الجغرافية دورها فى كشف سواحل إفريقيا وشمالى القارتين الأمريكيتين وجنوبيهما، وانتقل التفوق التجارى من عالم البحر المتوسط إلى الأمم القريبة من المحيط الأطلنطى، وبدأت أوربا فى تأسيس مستعمراتها وإمبراطورياتها فيما وراء البحار، وانتشر نفوذها تدريجيًّا فى أنحاء الأرض. وشهد القرن (10 هـ = 16 م) قيام حركات الإصلاح

الدينى ضد الكنيسة الكاثوليكية. وفى مطلع القرن العشرين الميلادى أُسقطت الخلافة الإسلامية (العثمانية) وتحولت تركيا إلى دولة صغيرة، وكانت منطقة البلقان مستغرقة فى خلافات عرقية ودينية، وتعرض المسلمون خلالها لحركتى إبادة. وفى العشرينيات من القرن العشرين الميلادى قامت الثوة البلشفية فى روسيا وتأسس الاتحاد السوفييتى، كما اشتعلت نار حرب عالميتين انتهتا بظهور قوتين عظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى) وقسمت أوربا إلى شرقية وغربية، ونشأت حرب باردة بين حلف الأطلنطى وحلف وارسو، وانتهت الحرب الباردة بسقوط الاتحاد السوفييتى، كما برزت حركات الوحدة الأوربية، فتأسس مجلس أوربا والسوق الأوربية المشتركة، وفتح مشروع أوربا الكبرى، وتوسع فى إجراءات الوحدة الأوربية اقتصاديًّا وسياسيًّا. وبالنسبة إلى دخول الإسلام إلى أوربا فقد طرق أبوابها بمحاولات فتح القسطنطينة من الشرق، وفتحه صقلية، وجنوبى إيطاليا من الجنوب، وفتحه الأندلس والتوغل فى فرنسا من الغرب، ثم عاد المسلمون ليدقوا أبواب أوربا الشرقية ثم الوسطى زمن السلطان محمد الفاتح وخلفائه، وتبعت ذلك حرب ضارية لغزو الأراضى الإسلامية فى القرن (10هـ = 16م) تمثلت هذه الحرب فى الحملات القادمة من غرب أوربا، وظهور حركة ضدها تقاومها من الشرق المسلم، وكانت الأندلس إحدى نقاط الاحتكاك الحضارى بين المسلمين والأوربيين؛ إذ كانت بمنزلة مركز إشعاع وتنوير لغرب أوربا.

*أيبيريا

*أيبيريا شبه جزيرة. تقع فى الجنوب الغربى من القارة الأوربية. تضم إسبانيا والبرتغال. يفصلها عن سائر أوربا جبال البرانس الممتدة من خليج بسكاى فى الغرب إلى البحر المتوسط فى الشرق على امتداد نحو (425) كم، ويصل ارتفاعها إلى (3720 م)، وبهذا تكون حاجزًا منيعًا بينها وبين أوربا، ويفصلها عن إفريقيا مضيق جبل طارق، وفى وسط الجزيرة هضبة كبرى تنحدر نحو الشرق مطلة على البحر المتوسط، وتنحدر نحو الغرب مطلة على المحيط الأطلسى الذى يطوق شمالها الغربى فى خليج بسكاى. ويتصل فى جنوبها بالبحر المتوسط. وتمتد سلسلة من الجبال من الشرق إلى الغرب فى هضبة أيبيريا الوسطى، كما يوجد فيها أنهار كثيرة تصب فى المحيط من الشمال الى الجنوب، أهمها: نهر المنيو ودويرة وتاجة الذى تقع عليه مدينة مدريد عاصمة إسبانيا وطليطلة، ثم نهر الوادى الكبير، وتقع عليه قرطبة وإشبيلية، وأهم الأنهار التى تصب فى البحر المتوسط: نهر إيرو المتعدد الفروع، وينبع من شرقى قشتالة، ونهر الوادى الأبيض ومصبه عند بلنسية. ومناخ أيبيريا متباين؛ لاختلاف أقاليمها، واسم أيبيريا مشتق من الأيبيريين، وهم قبائل من غالة والبسك، ويُعتقد أنهم هاجروا إليها من إفريقيا، ثم وفد عليها الفينيقيون ثم الإغريق فى القرن (5 ق. م)، وهم الذين سموها أيبيريا، ثم وفد عليها القرطاجنيُّون، ثم استولى عليها الرومان الذين أشاعوا فيها النصرانية. وفى القرن الخامس الميلادى أغار عليها المتبربرون من الألمان، كما أضاف الفتح الإسلامى إلى سكان أيبيريا سنة (86 هـ = 706 م) عناصر جديدة من آسيا والبربر والصقالبة. وكانت حياة أهل أيبيريا قبل الفتح الإسلامى أشبه بحياة البداوة، وظل المسيحيون يعيشون هذه الحياة؛ لوعورة موطنهم مثلهم فى ذلك مثل العرب، ولم يأخذوا فى التحضر إلا فى زمن الدولة الأموية. ثم جاءت نهاية دولة الإسلام فى الأندلس سنة (897 هـ = 1492م) -

تلك الدولة التى عاش فيها اليهود والمسيحيون فى أمن وطمأنينة - فأكره المسلمون على اعتناق النصرانية، ووجدت فى شبه الجزيرة الأيبيرية دولتا إسبانيا والبرتغال.

*البحرين

*البحرين دولة عربية إسلامية. تقع فى منتصف الخليج العربى، بين رأس الخليج عند البصرة، ومدخله عند مضيق هرمز، بين خطى عرض (525) و (527) شمالاً، وخطى طول (550) و (551) شرقًا، وهى على شكل أرخبيل جزرى. وتتكون من (33) جزيرة، كبراها جزيرة البحرين، تليها جزيرة المحرق ثم جزيرة سترة. تبلغ مساحتها (678) كم2 تقريبًا. وأهم مدن البحرين المنامة العاصمة، ومناخها حار رطب صيفًا، معتدل قليل الأمطار شتاءً، وتهب عليها رياح شرقية رطبة تسمى الكوس فى الصيف، وتتعرض لرياح جنوبية ساخنة تسمى سهيل، ورياح شمالية غربية فى الشتاء. ويبلغ عدد السكان (557) ألف نسمة وفق إحصائية سنة (1413هـ = 1992 م)، يدينون بالإسلام. وكان السكان يعتمدون على الزراعة وصيد اللؤلؤ والأسماك حتى اكتشاف البترول فى الثلاثينيات من القرن العشرين. وقد ورد ذكر البحرين فى الأساطير السومرية باسم دلمون أو تلمون، وتعنى عندهم أرض الحياة، أى: الأرض المقدسة، وقد بينت عمليات التنقيب قيام كل من حضارة نيدوك - كى الأكادية وحضارة دلمون الآشورية فى البحرين. ودخل أهل البحرين فى الإسلام فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث بعث إليهم العلاء بن الحضرمى، ثم ارتدَّ بعضهم وقضى عليهم العلاء، وشهدت البحرين فى العهد الأموى حركة استقلال تهدف إلى نشر مذهب الخوارج، قضى عليها الخليفة عبد الملك بن مروان، كما شهدت فى العصر العباسى حركة الزنج، ثم حكمها القرامطة، ثم العيونيون، واستولى عليها الفرس ثم المغول، ثم غزاها البرتغاليون، ثم سيطر عليها الفرس مرة أخرى حتى سيطر عليها آل خليفة نحو سنة (1196هـ = 1782م)، واحتلتها بريطانيا، وتم استقلالها سنة (1391 هـ = 1971 م).

*بخارى

*بخارى مدينة إسلامية. تقع فى غرب جمهورية أوزبكستان فى آسيا الوسطى الإسلامية. وكانت حاضرة إقليم ما وراء النهر، واسمها مشتق من كلمة بخار المغولية، وهى تعنى: العلم الكثير، وسُميت بهذا الاسم؛ لوجود كثير من العلماء فيها، ولبخارى عدة أسماء منها: أرض النحاس؛ لتوافره بها، ومدينة التجار؛ لمركزها التجارى بين آسيا الشرقية والغربية واشتهار أهلها بالصيرفة، وبخارى الشريفة وبخارى العظيمة. وبخارى إقليم يمتد من نهر جيحون حتى صحراء قزل قم. ومساحتها (57630) كم2، وموقع المدينة من الإقليم على شاطئ نهر زرافشان. وأصل سكان بخارى من الطاجيك والفرس والأوزبك والترك والروس، ويتحدثون التركية والفارسية والروسية، وقد اشتهروا بالعلم والفروسية والرماية. وتتكون حاليًّا من بخارى الجديدة، ويسكن الروس معظمها، وبخارى القديمة، وفيها المساجد الأثرية، وتحيطها الحدائق، ويمر بها طريق دولى، ولها إحدى عشرة بوابة. وفى بخارى عدة أنهار، وتشتهر بالفاكهة، وتنتج الحرير والقطن والسجاد، كما تعرف بصياغة الفضة والذهب. وكانت بخارى إحدى مدن الدولة الأكمينية الإيرانية (553 - 330 ق. م)، واستولى عليها الإسكندر الأكبر ومن بعده دولة الباختريين، وتلاهم الصينيون، وفتحها قتيبة بن مسلم الباهلى سنة (90هـ = 705 م) حتى خربها جنكيزخان سنة (616هـ = 1219م)، وأعاد الأوزبك بناءها وجعلوها عاصمة لدولتهم، ثم استولى عليها الإيرانيون، ثم الروس سنة (1336هـ = 1918م)، وظلت تحت سيطرتهم حتى انهيار الاتحاد السوفييتى سنة (1412هـ = 1991م)؛ فصارت إحدى مدن أوزبكستان المستقلة. والتراث المعمارى فى بخارى دليل على المستوى الرفيع الذى وصل إليه طراز العمارة عند المسلمين فى آسيا الوسطى وهى تعد متحفًا كبيرًا؛ لما فيها من مبانٍ أثرية، مثل: القلعة العسكرية المشَّيدة فى القرن (12هـ = 18م)، وفيها قصر الحاكم، والمسجد، وبيت المال، وإلى جوارها مسجد بولاحاووظ الذى

شُيِّد فى القرن (11 هـ = 17 م)، وضريح السامانيين المشيد خلال القرن (3هـ = 9م)، وألوانه تتبدل حسب أوضاع الشمس، ويصل إلى قمة جماله فى الليالى المقمرة، وهذه خاصية يمتاز بها على كل الآثار المعمارية فى العالم. وينتسب إلى بخارى كثير من العلماء، أشهرهم: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى المتُوفَّى سنة (256هـ = 870 م) وهو صاحب الصحيح، وعمر بن منصور البخارى المعروف بالبزار، المتُوفَّى سنة (461 هـ = 1069م)، وبهاء الدين النقشبندى المتُوفَّى سنة (1242هـ = 1826م).

*برشلونة

*برشلونة مدينة إسبانية. تقع فى الطرف الشمالى الشرقى لشبه جزيرة أيبيريا بين جبال البرانس ونهر إبرة. أطلق عليها المسلمون اسم برسلونة أو برجلونة عند فتحها على يد موسى بن نصير سنة (95هـ = 713م). وسقطت فى يد النصارى على يد الإمبراطور شارلمان سنة (164 هـ = 780 م)، وأصبحت عاصمة لإقليم أراجون وقطلونيا. وعاود المسلمون فتحها سنة (242هـ = 856 م)، ثم عام (375 هـ = 985 م) على يد المنصور بن أبى عامر، ولكنها سرعان ما عادت إلى الإفرنج؛ ولهذا خلت من الآثار الإسلامية، ولايذكر عنها سوى تحويل مسجدها الجامع إلى كنيسة. وتُعد الآن من كبرى مدن إسبانيا من حيث عدد السكان، كما تعد أكبر موانيها والمركز التجارى والصناعى الرئيسى بها.

*برقة

*برقة إقليم ليبى. يقع على البحر المتوسط، ويمتد من خليج السلوم على الحدود المصرية شرقًا، إلى خليج سدرة غرباَ مكونًا شبه جزيرة تتوسطها مرتفعات متدرجة نحو ساحل البحر، ترويها الأمطار، وتكسوها النباتات، يُطلق عليها: الجبل الأخضر. مساحتها (855.000 كم2). وتقع بين دائرتى عرض (30 5، 33 5) شمالاً، وخطى طول (20 5، 30 5) شرقًا، وعاصمتها مدينة بنغازى. وتتميز برقة بالنشاط الزراعى الوافر، ويشتغل سكانها برعى الماشية. والبترول من أهم الثروات فى برقة. وكانت برقة تُسمَّى مدينة المرج وقد استقر بها الإغريق، ثم دخلها الفرس، ثم حكمها البطالمة، ثم استولى عليها الرومان والوندال والبيزنطيون، ثم استجاب أهلها للفتح الإسلامى على يد عمرو بن العاص، وظلت ولاية إسلامية تابعة لمصر حتى عهد الدولة العباسية، ثم دخلها الفاطميون، واستولى عليها الزيريون، وزحف إليها الموحدون، واستعادها الأيوبيون، ثم المماليك، وتعرضت لهجوم الإسبان الذين تنازلوا عنها لفرسان القديس يوحنا (فرسان مالطة)، ثم خضعت لحكم العثمانيين؛ بحكم تبعيتها لمصر. ثم حكمتها الأسرة القرمانلية، ثم استردها العثمانيون، ثم ظهرت الحركة السنوسية على يد محمد بن على السنوسى، واحتلتها إيطاليا ودارت أحداث دامية حتى تم طرد القوات الإيطالية والألمانية من ليبيا، لكن برقة خضعت للإدارة العسكرية البريطانية، حتى اعترف باستقلال ليبيا. وفى سنة (1389 هـ = 1969 م) قامت ثورة الفاتح من سبتمبر، وأعلنت الجمهورية الليبية الديمقراطية. وينتسب إلى برقة عدد من العلماء، منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن العاص البرقى المتُوفَّى سنة (245هـ = 859 م)، وأبو بكر أحمد بن عبد الله بن زرعة الزهرى البرقى المتُوفَّى سنة (286هـ = 899 م)، وأبو الطاهر إسماعيل بن أحمد بن زيادة الله التُّجيبى المعروف بالبرقى والمتُوفَّى سنة (445 هـ =1053 م).

*البشكنس (بلاد)

*البشكنس (بلاد) بلاد تمتد من شمالى غربى إسبانيا عبر جبال البرانس إلى فرنسا، وهى تَحيط بخليج بسكاى. وسكان هذه البلاد يُطلق عليهم الباسك، وسماهم المسلمون الفاتحون للأندلس البشكونس أو البشكنس، ويتميزون بلغتهم الفريدة فى اصطلاحاتها. وأهم أقاليم البشكنس: بسكاى وجيبوسكو. ولقد حاول المسلمون عدة محاولات لفتح هذه البلاد، وكان منها محاولة عبد الملك بن قطن الفهرى التى هزم فيها جند البشكنس، واضطرهم إلى طلب الصلح سنة (115هـ = 733 م)، ولكنه رجع عنها لقلة ما معه من الجند، كما دخلها عبد الرحمن الأول سنة (167 هـ = 783 م) وفرض عليها الجزية، ثم عاد مظفرًا إلى قرطبة. ومن المعروف عن شعب البشكنس أنه شعب ثورى يكثر من صنع الاضطرابات، وكان له دور مهم فى حروب طرد المسلمين من الأندلس فقد اشتركوا فى جيوش ملك نافار؛ ولهذا منحوا ألقاب النبالة، وامتلكوا الأرض التى كانت للعرب المسلمين.

*بغداد

*بغداد عاصمة الجمهورية العراقية الآن، وكانت عاصمة للخلافة العباسية فترة طويلة. تقع على ضفتى نهر دجلة، وترتفع عن سطح البحر بمقدار (32) مترًا ومساحتها (850) كم2. اْسسها الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور سنة (145 هـ = 762 م)، وأطلق عليها اسم مدينة السلام، كما أطلق عليها عدة أسماء، منها: الزوراء والمنصورية والمدينة المنورة. وبغداد كلمة فارسية تعنى عطية الله، وهناك خلاف حول أصلها ومعناها. وقد أحيطت بسورين وخندق، وجعل لها أربعة أبواب سُمَّى كل باب باسم الإقليم الذى يواجهه، وهى: باب الشام وباب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان، وفى وسطها قصر لإقامة الخليفة، وفى طرف القصر إيوان بجواره مسجده، ثم عمل أبو جعفر المنصور على توسيعها سنة (151هـ = 768 م)؛ فأقام مدينة الرُّصافة، وجعلها مقرًّا لابنه وولى عهده، ثم اتسعت أكثر فى عهد الرشيد، ثم تعرضت للتخريب والتدمير؛ بسبب الصراع بين ولدى الرشيد، ثم أنشأ المعتصم سُرَّمَنْ رأى (سامراء)، وجعلها عاصمة لدولته، ثم عاد المعتمد إلى بغداد واتخذها عاصمة مرة أخرى. وقد أدى ازدياد الفتن إلى اضمحلال المدينة، لكنها استعادت بعض مكانتها فى العهد السلجوقى، وظلت عاصمة الخلافة حتى دمرها التتار سنة (656 هـ = 1258 م)، واستمرت تحت حكمهم حتى دخل تيمور لنك بغداد سنة (795 هـ = 1393 م)، ثم حكمها التركمانيون حتى دخلها الصفويون ثم استعادها العثمانيون، ثم دخلها المماليك، ثم استعادها العثمانيون حتى احتلتها إنجلترا سنة (1335هـ = 1917م)، وفرضت على العراق الانتداب الإنجليزى حتى قامت الثورة سنة (1378 هـ = 1958 م)، ومنذ ذلك الوقت وهى عاصمة للجمهورية العراقية. وقد تضررت بغداد من الحرب العراقية الكويتية سنة (1412 هـ = 1992 م). وتعد بغداد عاصمة علمية وأدبية وفكرية على مدى قرون عديدة، فالعباسيون شجعوا الناس على استيطان بغداد وبخاصة

العلماء، فممن اشتهر فيها: أبو حنيفة النعمان المتُوفَّى سنة (150هـ = 767 م)، والمفضل الضبى المتُوفَّى سنة (171هـ = 787 م)، والكسائى المتُوفَّى سنة (189 هـ = 804 م)، والفرَّاء المتُوفَّى سنة (207 هـ = 822 م)، وأحمد بن حنبل المتُوفَّى سنة (241 هـ = 855 م)، وابن السكيت المتُوفَّى سنة (244 هـ = 858 م) وغيرهم. ويوجد ببغداد عدد من المعالم الحضارية التاريخية، مثل: القصر العباسى، والمشهد الكاظمى، وجامع المنصور، وجامع المهدى، وجامع الرُّ_صافة، والمدرسة الشرفية بجوار قبر أبى حنيفة النعمان، والمدرسة السلجوقية، والمدرسة المستنصرية.

*أنطاكية

*أنطاكية مدينة تركية تقع فى قارة آسيا، على حافة وادٍ خصيب معتدل المناخ يقع على نهر العاصى وتبعد عن البحر المتوسط بنحو (22) كم، وتقع على دائرة عرض (36.10ْ) شمالآ وخط طول (36.6ْ) شرقًا، وتمتد إلى سفح جبل حبيب النجار على ارتفاع (1525) قدمًا من سطح البحر، وتشغل حاليًّا نحو (5205 م). وقد أسسها الرومان نحو سنة (300 ق. م) على أنقاض مستعمرتين يونانيتين قديمتين، وتحولت إلى مركز تجارى كبير، كما تأثرت بالصراع القائم بين ملوك فارس والرومان. وقد حاصرها الصحابى الجليل أبو عبيدة بن الجراح، رضى الله عنه، وأدوا له الجزية، ووطَّن معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، أعدادًا من المسلمين فيها، بعد أن تركها أهلها أمام هجمات الروم عليها، واهتم المسلمون بها؛ لكونها ثغرًا من ثغور الدولة الإسلامية. وفى عهد العباسيين أصبحت عاصمة لإقليم كليليكيا، ثم دخلت تحت حكم الدولة الطولونية، واحتلها البيزنطيون، ثم ردها السلاجقة، وعاملوا سكان المدينة معاملة حسنة، وعفوا عن النصارى، ودخلها الصليبيون وأعملوا السيف فى أهلها ثلاثة أيام فى (جمادى الآخرة 491 هـ = يونيو 1098 م)، ثم حررها بيبرس (667 هـ = 1268 م). وفى فترة الحكم العثمانى لها شهدت ازدهارًا عمرانيًّا وسكانيًّا. وبعد الحرب العالمية الأولى احتلها الإنجليز ثم الفرنسيون، ثم أقيمت دولة هاتاى وعاصمتها أنطاكية، ثم انضمت هاتاى إلى تركيا، وأصبحت جزءًا منها فى سنة (1358 هـ = 1939 م). وكانت أنطاكية تتحكم فى نقاط التقاء الطرق التجارية من الفرات وسورية إلى الأناضول، كما قامت فيها صناعة المنسوجات الحريرية وغيرها، كما تُصاد ثعابين الماء من نهر العاصى بكميات كبيرة. وأهم الآثار الموجودة فيها: الأسوار، وبعض القناطر المعلقة، وأبواب الأسوار، وقبر حبيب النجار الحوارى الذى استشهد فيها.

*أوغندا

*أوغندا دولة إفريقية تقع شرق القارة على هضبة مرتفعة، بين دائرتىعرض (4ْ) شمالاً، و (1.30ْ) جنوبًا. يحدها من الشمال السودان، ومن الشرق كينيا، ومن الغرب زائير، ومن الجنوب تنزانيا. وتبلغ مساحتها (236000 كم2) تقريبًا. فيها مجموعة من القمم الجبلية، وتنتشر فيها البحيرات، التى من أهمها: بحيرات فيكتوريا التى ينبع منها النيل الأبيض، وإدوارد وألبرت وكيوغا، إلى جانب عدد من الأنهار والشلالات؛ وبذا تشرف أوغندا على أهم منابع نهر النيل؛ مما جعل لها أهمية استراتيجية كبيرة. ومناخ أوغندا معتدل؛ بسبب وجود البحيرات والأنهار فيها، وارتفاع سطحها. ويبلغ عدد سكانها (19) مليون نسمة وفق إحصائية سنة (1412 هـ = 1992 م)، وينتمى (70 %) منهم إلى الزنوج وقبائل البانتو التى اكتسحت البلاد، وشكلت معظم السكان الحاليين، والباقى نيليون من أصل سودانى، وعناصر أخرى عربية وهندية وأوربية. ويعتنق نحو (40 %) من السكان الدين الإسلامى، على حين يدين بالمسيحية نحو (30 %)، وبالوثنية نحو (30 %). والإنجليزية هى اللغة الرسمية، بالإضافة إلى لغة البانتو والسواحلية ولغات محلية خاصة بأغلب القبائل. وكمبالا هى عاصمة البلاد، وتقع على بحيرة فيكتوريا، وفيها مركز تجارى كبير، كما تنتشر المدارس والمؤسسات الإسلامية فى مدينة مازاكا. ويعتمد الاقتصاد الأوغندى على الزراعة، وأهم المحاصيل: البن؛ فأوغندا خامس دولة فى العالم إنتاجًا له، ويليه القطن وقصب السكر والشاى والكاكاو، كما تتمتع أوغندا بثروة حيوانية كبيرة من الماشية، وتتوافر الأسماك فيها نظرًا لتعدد شواطئها، كما تمتلك مناجم للنحاس والقصدير. كانت أوغندا تتكون من قبائل متفرقة توحدت فى شكل ممالك، وفى سنة (1281 هـ = 1864م) أرسل الخديو إسماعيل البعثات العسكرية لفتح هذه المناطق، وضم أوغندا وما وراءها، وأطلق عليها مديرية خط الاستواء، وبعد القضاء على الثورة المهدية

فى السودان سنة (1317 هـ = 1899م) خرج الجيش المصرى منها، وتكالبت عليها بريطانيا فرفع عليها العلم البريطانى سنة (1314 هـ = 1896م)، ثم حصلت أوغندا على استقلالها سنة (1382 هـ = 1962 م). ويُعد الإسلام أول الشرائع السماوية التى دخلت إلى أوغندا، وذلك فى نهاية القرن (6 هـ = 12 م) عن طريق التجار العرب المسلمين من مسقط وعُمَان واليمن أولاً، ثم من خلال حسن المعاملة التى لاقاها الأوغنديون من البعثات العسكرية المصرية فى عهد إسماعيل فلقيت ترحيبًا من قِبل ملك أونيورو إحدى الممالك الأوغندية، وقد رفع العلم المصرى على مملكته، كما طلب ملك أوغندا من المصريين بسط نفوذهم على مملكته. وبعث عدد من العلماء لتعليمه هو وشعبه الإسلام، فأجيب إلى ذلك. وفى أوغندا عدد من الجمعيات والمؤسسات الإسلامية، وأكبر المساجد فبها: مسجد نكسيرو، وهو فى العاصمة، ومسجد كبيلى فى ضاحيتها. وأوغندا عضو فى منظمة المؤتمر الإسلامى والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية.

*بلغاريا

*بلغاريا دولة أوربية. عاصمتها صوفيا تقع جنوب شرق أوربا. يحدها البحر الأسود من الشرق، ويوغسلافيا السابقة من الغرب، ورومانيا من الشمال واليونان وتركيا من الجنوب. وتبلغ مساحتها نحو (110.669) كم2. وتنقسم بلغاريا إلى عدة أقاليم تضاريسية هى: هضبة الدانوب وجبال البلقان ووادى ماريتزا ومرتفعات رودوب. ومناخ بلغاريا حار صيفًا، بارد شتاءً، وعدد سكانها نحو (9.021.000) نسمة وفق إحصائية سنة (1413هـ = 1992 م)، وهم من عناصر شتى، منها البلغار ويمثلون (85.5 %)، والأتراك ويمثلون (8.6 %)، والغجر بنسبة (2.6 %) إلى جانب كل من المقدونيين والأرمن، والروس واليونانيين، ومعظم السكان مسيحيون، ويبلغ عدد المسلمين مليونى نسمة، يرعى شئونهم مفتٍ أكبر، ولهم نحو (1200) مسجد، وقد تعرضوا لمحاولات تهدف إلى تذويبهم فى المجتمع البلغارى، فالمتحف الموجود الآن فى العاصمة أصله مسجد خُرِّبت منارته. واللغة السائدة هى البلغارية، وتوجد التركية واليونانية. وتعتمد بلغاريا فى اقتصادها على الزراعة والثروة الحيوانية والثروة المعدنية والصناعة. وكان معظم بلغاريا إحدى ولايات الإمبراطورية الرومانية، ثم خضعت لبيزنطة، ثم قامت مملكة بلغاريا الأولى ثم عادت مرة أخرى إلى بيزنطة، ونجح أبناؤها مرة أخرى فى إقامة مملكة بلغاريا الثانية، وفى سنة (773 هـ = 1371م) اعترف حكام بلغاريا ومقدونيا بسيادة السلطان العثمانى عليها، ثم تحالفت بلغاريا مع الصرب والبوسنة ضد العثمانيين، وقد نجح العثمانيون فى دخول ترنوفو عاصمة المملكة البلغارية الثانية، فاصطبغت بصبغة عثمانية، وشكل المسلمون فى شرقها أغلبية كبيرة، وتطورت المدن البلغارية تطورًا كبيرًا فى هذه الفترة. وبسبب رفع الموظفين المحليين لمعدلات الرسوم المطلوبة؛ اشتعلت الفتنة ضد العثمانيين، ودعمتها روسيا؛ وكان ذلك سبب قيام الحرب التركية الروسية، وبعد انتهاء الحرب، تقرر تقسيم

بلغاريا إلى ثلاثة أقسام: إمارة بلغاريا، وكانت تحت سيادة اسمية للعثمانيين، وتؤدى لهم جزية سنوية، ويحكمها مسيحى يوافق عليه العثمانيون. ولاية الرومللى المشرقية. مقدونيا. وفى سنة (1327هـ = 1909م) أعلن فرديناند دى ساس استقلال بلغاريا واعترفت بها تركيا وروسيا، ودخلت بلغاريا الحرب العالمية الأولى والثانية، وسقطت بها الملكية، وقامت جمهورية بلغاريا الشعبية سنة (1367 هـ = 1947 م)، وتولى حكمها شيوعيون. وبلغاريا عضو فى عدد من المنظمات الدولية، منها هيئة الأمم المتحدة.

*البلقان

*البلقان شبه جزيرة. تقع جنوب شرق أوربا. يحدها من الشرق البحر الأسود ومن الغرب البحران الأيونى والأدرياتى، ومن الجنوب مضيقا البوسفور والدردنيل، وبحرا مرمرة وإيجة، ومن الشمال نهرا الساف والدانوب. وتشمل منطقة البلقان مجموعة من الدول، هى: بلغاريا وألبانيا واليونان ورومانيا وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا والقسم الأوربى من تركيا. والبلقان كلمة تركية تعنى: التلال المرتفعة أو الجبال الوعرة التى تكسوها الغابات. وهى تكون الحد الجنوبى لحوض نهر الدانوب الأدنى. ويتراوح ارتفاعها مابين (2000) و (2374) مترًا، على حين يصل ارتفاع الجنوب الشرقى من هذه الجبال فى بعض المواضع إلى نحو (1000) متر. وقد استوطن الرومان البلقان قديمًا ثم البيزنطيون حتى خضعت للعثمانيين الذين عبروا نهر الدردنيل، واستولوا على مدينة أدرنة سنة (762هـ = 1360م) وفتحوا مقدونيا، ودانت لهم جميع أجزاء تراقيا، وفتحوا البوسنة سنة (794 هـ = 1391م)، واكتسحوا بلغاريا سنة (796هـ = 1393م)، ومالبثوا أن تراجعوا عن منطقة البلقان وغيرها. وقد قام مراد الثانى بغزو بلاد البلقان، ونجح فى السيطرة على معظم بلدانها، ثم خلفه ابنه محمد الفاتح الذى استطاع فتح القسطنطينية سنة (857 هـ = 1453م) ومدَّ سيطرته على الساحل الشمالى للبحر الأسود، وأدخل كلاًّ من اليونان وألبانيا سنة ( 883هـ = 1478م) فى طاعة دولته، ولم تأت نهاية القرن الخامس عشر الميلادى حتى كان العثمانيون قد سيطروا على جميع بلاد البلقان. وكان الصربيون أول مَن ثار مِن البلقانيين ضد الدولة العثمانية، فأُعطوا استقلالاً ذاتيًّا، ثم خرجت الجيوش العثمانية من بلادهم سنة (1284هـ = 1832م)، ثم استقل اليونانيون سنة ( 1248هـ = 1832م) ثم البلغاريون، وهكذا حتى أصبحت منطقة البلقان مهدًا للدسائس والمؤامرات الدولية، حتى أطلق عليها

المؤرخون والساسة مخزن البارود أو برميل البارود فى أوربا. ولتوالى ثورات بلاد البلقان وتدخل روسيا والدول العظمى فى أوربا؛ استقلت هذه البلاد عن دولة الخلافة العثمانية وتركيا، وحُكمت بحكومات شيوعية. وعندما سقطت الشيوعية فى أوربا الشرقية سنة (1411هـ = 1990 م) سعت معظم دول البلقان إلى رفض النظام الشيوعى واختيار الأنظمة الديمقراطية، كما تفجرت المشكلات العرقية (حيث ينظر إلى الدين فى هذه المناطق على أنه قومية) ففى البوسنة والهرسك حدث انقسام حاد، فالمسلمون يمثلون (43.7 %) من عدد سكانها البالغ (43) مليون نسمة، والصرب يمثلون (31.3 %) والكروات يمثلون (17.2 %)، واشتعل القتال بين الأطراف الثلاثة عقب استقلال البوسنة والهرسك عن يوغسلافيا سنة (1413 هـ = 1992م) حتى توقفت الحرب بموجب اتفاق دايتون سنة (1417 هـ = 1996 م).

*بلنسية

*بلنسية إحدى حواضر الأندلس. تقع الآن فى جنوب شرق إسبانيا. يحدها من الشمال مدينة طرطوشة، ومن الجنوب مرسية، ومن الشرق البحر المتوسط، ومن الغرب مدينة طليطلة. أسسها الرومان سنة (139 ق. م)، وكانت تُسمى فالنثيا، واستولى عليها القوط الغربيون، ثم فتحها المسلمون. وكان أول ولاة الأندلس عبد العزيز بن موسى بن نصير، وظلت الأندلس بكل مدنها ومقاطعاتها ولاية واحدة عاصمتها إشبيلية حتى سقوط الخلافة الأموية بالأندلس. وظهر عهد ملوك الطوائف فكانت بلنسية من نصيب بنى عامر، وظلت عاصمة لهم مدة (66) عامًا، وتوالت الحوادث، ودخل ألفونسو السادس - ملك قشتالة - طليطلة، وكثر استنجاد الولاة به للحفاظ على ممالكهم حتى آل الأمر إلى سقوط بلنسية فى يد النصارى ومعاملة أهلها بوحشية. وظلت بلنسية تحت سيطرة النصارى حتى استعادها المرابطون سنة (495هـ = 1102م)، ثم حكمها الموحدون حتى حاصرها النصارى، واستنجد أهلها بمن حولهم من الممالك الإسلامية دون جدوى، واشتد الحصار فاقترح أمير بلنسية أبو جميل زيَّان على خايمى ملك أراجون المسيحية أن يسلم إليهم المدينة، نظير مغادرة المسلمين لها بأمتعتهم دون أن يتعرض لهم أحد، فوافق على ذلك؛ فغادرها خمسون ألفًا، ورفع علم أراجون على أعلى قمة برج فى أسوار المدينة، وحُوِّلت المساجد إلى كنائس، وإن بَقِىَ فيها عدد كبير من المسلمين، وجاء هذا السقوط بعد أن ظلت بلنسية خمسة قرون وربع قرن تحت حكم المسلمين. وفى سنة (907هـ = 1501م) أصدرت الملكة إيزابيلا مرسومًا بتنصير جميع المسلمين، ثم أصدر فرناندو سنة (914هـ = 1508م) مرسومًا يحظر على المسلمين استخدام اللغة العربية وارتداء الملابس التقليدية وممارسة أى عادة إسلامية، وأخمدت الثورات، وتم تنصير المسلمين بالقوة سنة (928هـ = 1522م) وسموا بالأندلسيين المواركة، أو الموريسكيين، أى: النصارى الجدد أو النصارى الصغار. ويُنسب

إلى بلنسية عدد من العلماء، وأرضها أخصب أراضى إسبانيا حاليًّا، وأوفرها محصولاً، ويوجد بها عدد من الصناعات، كالنسيج والصناعات الخزفية، ولم يبق من الآثار الإسلامية فيها إلا أطلالها؛ لأن النصارى كانوا حريصين على محو المعالم الإسلامية منها؛ فأحرقوها ودمروها وحوَّلوا مساجدها كنائس، وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت بعض القرى تحمل أسماءها العربية إلى اليوم، مثل: بنى قاسم والكدية والبيضاء والقصر.

*عيذاب

*عيذاب ميناء مندثر. كان على الساحل المصرى للبحر الأحمر بالقرب من أخدودها الجنوبى. ويقابلها بوادى النيل مدينة أسوان، وقد ازدهرت بعد الفتح العربى لمصر؛ بسبب موقعها المواجه لجدة. والطريق البرى المؤدى إليها يبدأ من مدينة قوص بمحافظة قنا على النيل، وتبعد عنها بنحو (17) يومًا، وكان البجاة يسكنون عيذاب، ويعاملون الرحالة معاملة سيئة، حتى إن السلطان صلاح الدين رفع عن الداخلين والخارجين المكوس بمكتوب قرئ على منبر جامعها الأكبر. واختفى اسم عيذاب منذ العصر المملوكى فحوَّل الظاهر بيبرس المتُوفَّى سنة (676هـ = 1277م) طريق الحجاج عبر سيناء والعقبة، وانتقلت طريق تجارة الشرق منها إلى عدن وجدة والسويس، ولم يبقَ من عيذاب حتى مايدل على موقعها، ولم يكن لها حظ من مقومات الاستمرار، فما إن هجرها التجار والحجاج حتى هجرها أهلها، واحتلت مكانتها موانئ سواكن وبورسودان والقصر والغردقة.

*عين التمر

*عين التمر بلدة قريبة من الأنبار بجنوب العراق، واشتهرت بالتمر؛ لكثرته بها. وافتتحها خالد بن الوليد فى عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، سنة (12هـ = 634 م)، وأشهر أعلامها: محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك، رضى الله عنه، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وأبو موسى بن نصير بن عبد الرحمن اللخمى.

*أمريكا

*أمريكا قارة تقع بين المحيط الأطلسى من الشرق والمحيط الهادى من الغرب، وبين المحيطين المتجمدين فى الشمال والجنوب، وتُعرَف باسم العالم الجديد. وتبلغ مساحة قارة أمريكا نحو (52.867.000) كم2. وعدد سكانها نحو (680.500.000) نسمة. وتنقسم قارة أمريكا إلى ثلاثة أقسام: الشمالية والوسطى والجنوبية. وتتميز بامتدادها واحتوائها لجميع الأقاليم المناخية، ولأعظم أنهار العالم وبحيراته وسهوله، كما تتميز بانفصالها عن بقية القارات.

*الغزال (بحر)

*الغزال (بحر) عدة أنهار بجنوب جمهورية السودان. تنحدر من خط تقسيم المياه بين الكونغو والنيل انحدارًا هادئًا إلى حد كبير. وتجرى فى حوض مساحته (52600) كم2. وأهم روافدها الرهل والجود وبحر العرب. ويُطلق اسم بحر الغزال على المجرى من مشروع الرق إلى بحيرة نو كما يطلق على محافظة بجنوب غرب السودان عاصمتها واو، وأهم مدنها مشروع الرق ومبيك وديم الزبير ويجرى فيها بحر الغزال وروافده. وسكان محافظة بحر الغزال من الدنكا وهم رعاة بقر، يتجولون فى السهول المنخفضة فى فصل الجفاف، ويتجمعون فى الجهات المرتفعة فى فصل المطر، وتوجد بعض الغابات، ومناشر الخشب فى واو. ويعتمد سكان الجنوب على الزراعة، والتصريف السنوى لبحر الغزال يمثل (0.605 مليار م3)، و (656 مليار م3) عند المصب، فهو أكبر الأحواض من حيث المساحة التى يتألف منها حوض النيل العظيم، ويمثل أقصى امتداد للوطن العربى فى قلب إفريقيا.

*آسيا الصغرى

*آسيا الصغرى شبه جزيرة، تقع فى غرب آسيا. يحدها البحر الأسود شمالاً، والبحر المتوسط جنوبًا، وبحيرة إيجة غربًا، ويصل البحر الأسود ببحر إيجة بحر مرمرة ومضيقا البسفور والدردنيل. تحتلها هضبة الأناضول التى تحف بها الجبال، وقد كانت ملتقى الحضارات القديمة؛ إذ يربطها نهرا دجلة والفرات بالعراق، وتربطها سواحلها باليونان. قام الفرس بغزوها ونتج عن ذلك قيام الحروب الفارسية، ثم أدمجها الإسكندر الأكبر فى إمبراطوريته، ومن بعده انقسمت إلى ولايات صغيرة، حتى وحَّدها الرومان. وكانت خاضعة للخلافة العثمانية فيما بين القرنين (9، و10هـ = 15، و16م).

*آسيا الوسطى

*آسيا الوسطى تقع فى هذا الجزء من آسيا الدول الإسلامية الست التى كانت ضمن الاتحاد السوفييتى قبل زواله، ثم استقلت عنه، وأصبحت ضمن رابطة الكومنولث الروسى الجديد، وهذه الدول هى: أوزبكستان وكازاخستان ووتركمانستان وطاجيكستان وآذربيجان وقيرغيزيا، وتضم هذه الجمهوريات أكثر من (40) مليون نسمة من المسلمين. ومعظم هذا الإقليم صحراوى، تتباين فيه العناصر المناخية، خاصة درجات الحرارة والأمطار، وكان هذا الإقليم مجالاً واسعًا لخطط التنمية السوفييتية؛ وذلك لفتح روسيا الآسيوية، واستغلال مواردها الضخمة من الثروة المعدنية والغابات والأراضى الصالحة للزراعة.

*أرمينيا

*أرمينيا إحدى جمهوريات الكومنولث وكانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتى قبل سقوطه سنة (1411هـ = 1991م). تقع غرب آسيا بين خطى عرض (37.5 ْ)، و (41ْ) شمال خط الاستواء، ويحدها من الشمال جمهورية جورجيا، ومن الشرق آذربيجان وبحر قزوين، ومن الغرب تركيا ومن الجنوب إيران، ونظرًا لهذا الموقع الفريد فقد كانت منذ القدم مطمعًا لقوى عديدة، ومساحتها نحو (300.000) كم2 وتبدو أرمينيا للناظر إليها من بعيد كأنها جزيرة من الكتل البركانية، تنهض بين البلدان التى تحيط بها. وهى تشتهر بوجود العديد من البحيرات فيها، وأهمها: بحيرة سيفان وبحيرة سونكة الشهيرة باسم البحيرة الزرقاء ومناخها قارى، وتعلو الثلوج قمم الجبال فيها. ويبلغ عدد سكانها (3.3) مليون نسمة، حسب إحصائية سنة (1407هـ = 1987م) وتبلغ نسبة المسلمين فيها (13 %). وأهم المحاصيل الزراعية فيها: القمح والقطن والفاكهة والتبغ، وأهم الصناعات فيها: صناعة الآلات الزراعية والأسمدة، وأهم المعادن فيها الألومونيوم.

*الأحمر (بحر)

*الأحمر (بحر) نشأ البحر الأحمر نتيجة لانشقاق بركانى هائل فى المنطقة الآسيوإفريقية، وسمى أحمر؛ لأن قاعه أحمر، أو لأن انعكاس الشمس على صفحة مياهه عند الشروق والغروب تضفى هذا اللون على مياهه. ويبلغ طوله من باب المندب حتى ميناء السويس أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، ويقع ثلث شواطئه الشرقية داخل الأراضى المصرية، والباقى فى السودان وإريتريا والصومال، ويمتد الشاطئ الغربى بطول شبه الجزيرة العربية والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الشعبية، ومن ثم فإن البحر الأحمر بحر عربى. وينفرد البحر الأحمر بخصائص لا تتوافر فى البحار الأخرى؛ فهو البحر الوحيد فى العالم الذى يسير فيه التيار المائى عكس اتجاه الرياح، فالتيار يسير من الجنوب إلى الشمال، والرياح تتجه - فى الغالب - من الشمال إلى الجنوب، ولعله هو الوحيد أيضًا الذى لايصب فى مياهه أى نهر من الأنهار؛ ومن هنا كانت مياهه صافية كالزجاج البلورى الملون، حتى إن العين المجردة تستطيع أن تنفذ إليها. ونسبة الملوحة فى البحر الحمر تزيد على أى نسبة فى بحار العالم. وهو يحتوى على أكثر من ألف نوعٍ من أنواع الأسماك، تشكل مصدرًا رئيسيًّا لغذاء الإنسان.

*القلزم (بحر)

*القلزم (بحر) نشأ البحر الأحمر (القلزم) نتيجة لانشقاق بركانى هائل فى المنطقة الآسيوإفريقية، وسمى أحمر؛ لأن قاعه أحمر، أو لأن انعكاس الشمس على صفحة مياهه عند الشروق والغروب تضفى هذا اللون على مياهه. ويبلغ طوله من باب المندب حتى ميناء السويس أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، ويقع ثلث شواطئه الشرقية داخل الأراضى المصرية، والباقى فى السودان وإريتريا والصومال، ويمتد الشاطئ الغربى بطول شبه الجزيرة العربية والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الشعبية، ومن ثم فإن البحر الأحمر بحر عربى. وينفرد البحر الأحمر بخصائص لا تتوافر فى البحار الأخرى؛ فهو البحر الوحيد فى العالم الذى يسير فيه التيار المائى عكس اتجاه الرياح، فالتيار يسير من الجنوب إلى الشمال، والرياح تتجه - فى الغالب - من الشمال إلى الجنوب، ولعله هو الوحيد أيضًا الذى لايصب فى مياهه أى نهر من الأنهار؛ ومن هنا كانت مياهه صافية كالزجاج البلورى الملون، حتى إن العين المجردة تستطيع أن تنفذ إليها. ونسبة الملوحة فى البحر الحمر تزيد على أى نسبة فى بحار العالم. وهو يحتوى على أكثر من ألف نوعٍ من أنواع الأسماك، تشكل مصدرًا رئيسيًّا لغذاء الإنسان.

*أحد

*أحد جبل فى شمالى المدينة، على مقدار ستة أميال منها وهو أقرب الجبال إليها، وهو مطل على أرض فيها مزارع، وضِياع كثيرة لأهل المدينة وفيه قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: أحد جبل يحبنا ونحبه. وقيل: سُمى بهذا الاسم لتوحده، وانقطاعه عن جبال أخرى، وفى بعض الآثار المسندة أن أحدًا سيكون يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها، وفى بعضها أنه سيكون ركنًا لباب الجنة. وعند أحد كانت الغزوة بين النبى - صلى الله عليه وسلم - وقريش فى (شوال سنة 3هـ = 624م)، بعد غزوة بدر بسنة، وفيها نزل النبى - صلى الله عليه وسلم - الشِّعْب من أحد فى عدوة الوادى إلى الجبل، فجعل عسكره وظهره إلى أحد. وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص؛ ففيه قُتل حمزة عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبى - صلى الله عليه وسلم -، وشُجَّ رأسُه الشريف، وجرحت شفته.

*ألمانيا

*ألمانيا دولة أوربية. تقع فى قلب القارة الأوربية. وتبلغ مساحتها (356910) كم2، ويحدها من الشمال الدنمارك وبحر الشمال، ومن الجنوب سويسرا والنمسا، ومن الشرق جمهورية التشيك وبولندا، ومن الغرب بلجيكا ولكسمبورج. وتتأثر ألمانيا بالرياح الغربية القادمة من المحيط الأطلسى، كما تتأثر بالمناخ القارى فى الشرق، ومتوسط درجة الحرارة فيها (6ْ) فى الشتاء، و (18ْ) فى الصيف، وتسقط الأمطار عليها فى جميع فصول السنة. ويبلغ عدد سكان ألمانيا نحو (77) مليون نسمة حسب إحصائية سنة ( 1413هـ = 1992م)، ويدين معظمهم بالمسيحية (نحو 30 مليونًا على المذهب البروتستانتى، و28 مليونًا على المذهب الكاثوليكى، إلى جانب أقليات مسيحية أخرى)، ويبلغ عدد المسلمين فيها نحو (4) ملايين مسلم. وأهم مدن ألمانيا: برلين العاصمة وهامبورج وميونخ وكولونيا وفرانكفورت. ويعتمد الاقتصاد الألمانى على عدة دعائم، أهمها: الصناعة والتعدين، والزراعة، والثروة الحيوانية والتجارة. ويقوم نظام الحكم فى ألمانيا على أساس أن الشعب هو مصدر السلطات وله حق الاستفتاء، ويمثل الشعب البرلمان الاتحادى الذى ينتخب لمدة أربع سنوات، كما يوجد مجلس الولايات الذى يتكون من (16) ولاية. وتصدر فى ألمانيا (410) صحيفة وأكثر من عشرين ألف مجلة.

*أمريكا الجنوبية

*أمريكا الجنوبية إحدى قارات العالم الست، وهى رابعة قارات العالم مساحة، إذ تبلغ مساحتها (7.855.000) ميل مربع، وتقع بين دائرتى عرض (13.5ُ) شمالا و (56ُ) جنوبًا، وتقطعها دوائر العرض الثلاثة (مدار السرطان وخط الإستواء ومدار الجدى). وتضم عددًا من الدول، منها: البرازيل والأرجنتين وكوبا، وتوجد فى القارة بعض المرتفعات مثل: سلاسل جبال الإنديز التى تمتد لمسافة (4000) ميل، وهضبة اليونان التى يتراوح ارتفاعها بين (4000 و 8000) قدم، وبالقارة بعض السهول مثل: سهل اللانوس والسلفا، حيث يجرى به نهر الأمازون الذى يبلغ طوله حوالى (4500) ميل. ويتكون سكان أمريكا الجنوبية من خليط من الأجناس البشرية مثل الهنود الأمريكيين والأوربيين والزنوج والزامبو والمولاتو. ويبلغ عدد السكان حسب احصائية سنة 1992م (308) مليون نسمة. ويدين أغلب السكان بالمسيحية، ويوجد بها عدد من الجاليات الإسلامية، ويتحدث السكان عددًا من اللغات مثل: الإسبانية والبرتغالية والهولندية والإنجليزية. وتعد الزراعة من أهم الأنشطة الاقتصادية وأهم محاصيلها: القمح والأرز وقصب السكر والقطن، وتوجد بالقارة ثروة حيوانية ضخمة من الأبقار والأغنام والخيول؛ بالإضافة إلى ثروة سمكية كبيرة وثروة معدنية مثل: الذهب والفضة والقصدير والبوكسيت. وكانت توجد بها بعض الحضارات القديمة مثل: حضارة المايا والأزتك، وقد اكتشف المسلمون القارة قبل كولومبس سنة (545 هـ = 1150م) ووصلوا إلى ما يعرف الآن بساحل البرازيل ووصل إليها كولومبس سنة (898 هـ = 1492 م)، وشهدت القارة بعد ذلك صراعًا استعماريًا بين إسبانيا والبرتغال ثم إنجلترا وفرنسا. وفى أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلاديين قامت فى القارة عدة ثورات للتخلص من الاستعمار الأوروبى، ونجحت أغلب الدول فى الحصول على الإستقلال، وبعد الحرب العالمية الثانية ازدادت هيمنة الولايات المتحدة

الأمريكية ونفوذها داخل القارة.

*عين شمس

*عين شمس من أشهر المدن المصرية القديمة. تقع فى الشمال الشرقى للقاهرة. واسمها المصرى القديم أتوم أو رع، ومعناها الشمس، واسمها العبرى أون، والرومى هليوبوليس، أى: مدينة الشمس. وقد اندثرت هذه المدينة، ومحلها اليوم وماجاوره بأرض المطرية يُعرف بتل الحصن؛ حيث توجد إحدى المسلتين اللتين أقامهما على باب معبد المدينة الملك سنوسرت الأول المعروف بسيزوستريس الأول. وكان بجوار هليوبوليس نبع ماء، سماه العرب عين شمس؛ فغلب اسمه عليها. تطلق عين شمس الآن على المنطقة الواقعة بجوار محطة عين شمس فى ضواحى القاهرة.

*أوراس (جبل)

*أوراس (جبل) جبل بأرض إفريقيا، فيه عدة بلاد وقبائل من البربر؛ ويتكون من سلسلة جبلية بالجزائر فى أطلس الصحراء، على شكل رباعى مساحته (3600) ميل مربع، ويبلغ ارتفاعها (3000) قدم. ويتصل بهذه السلسلة من الغرب تلال الزاب، وهى قليلة الارتفاع، ويمر بها طريق حديدى يصل بين بطنة وبسكرة، وفى الشمال تعلو هضبة سباخ وحوض الطرف، وفى الجنوب تحف بالصحراء الكبرى، ويتخللها عدة نهيرات صغيرة وجداول وأودية قليلة الحجم يزرع عليها أشجار الزيتون، والفاكهة، مثل: المشمس والكرز والكروم والكمثرى، وأشجار البندق والبلوط والأرز. يبلغ عدد سكانها (88.100) نسمة، متألفين من عدة عناصر من البربر والرومان والبيزينطيين وغزاة الوندال والعرب. والدين الإسلامى هو السائد بين القبائل الموجودة فى هذه الجبال مع وجود ديانات أخرى كالمسيحية والوثنية واليهودية والدوناتية. وقد فتح عقبة بن نافع هذه المناطق، إلا أنه لم يتوغل فى جبال أوراس؛ مما جعل هذه الجبال مصدر مقاومة دائمة للمسلمين، حتى قضى عليها حسان بن النعمان فى القرن (8هـ = 14م)، ولكن أهل جبال أوارس استطاعوا أن يحتفظوا باستقلالهم فترة طويلة من الزمن، حتى جعل الأتراك عليهم واليًا سنة (1138هـ= 1725م). وفى سنة (1260هـ =1844م) احتل الجيش الفرنسى البلاد؛ فثار الشعب، واستمرت الثورة حتى سنة (1297هـ = 1879م)؛ إذ أخمدت بكل قوة، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.

*أمريكا الشمالية (قارة)

*أمريكا الشمالية (قارة) إحدى قارات العالم الست. تقع فى القسم الشمالى الغربى من الكرة الأرضية. وهى ثالثة قارات العالم مساحة بعد كلٍ من آسيا وإفريقيا؛ إذ تبلغ مساحتها (24) مليون كم2. وعدد سكانها (429) مليون نسمة. وهى على هيئة مثلث، قاعدته فى الشمال ورأسه فى الجنوب. ويحدها من الشمال المحيط المتجمد الشمالى، ومن الشرق المحيط الأطلنطى وخليج المكسيك، ومن الجنوب أمريكا الوسطى، ومن الغرب المحيط الهادى. وتشتمل أمريكا الشمالية على عدة دول مهمة، هى: الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمكسيك، وجرينلاند، وألاسكا. ومن أهم المحاصيل الزراعية فيها: القمح والقطن والموالح والذرة الشامية الرفيعة والتفاح والكمثرى والأناناس وفول الصويا. ومن أهم ثرواتها المعدنية: الحديد والفحم والنحاس والزنك والرصاص، كما تنتج النفط والغاز الطبيعى. والمسيحية هى الديانة السائدة فى أمريكا الشمالية وفيها أقليات يهودية، وكذلك دخل الإسلام إلى أمريكا الشمالية منذ سنة (1202هـ = 1787م)، فأصبح للمسلمين فيها جماعة تدعى البلاليين نسبة إلى الصحابى الجليل بلال بن رباح، وبلغ عدد المسلمين فيها نحو (250) ألف نسمة، ولهم (70) مسجدًا، إلى جانب عدة مراكز إسلامية كبرى فى شيكاغو ونيويورك ولوس أنجلوس وواشنطن وسان فرانسيسكو. ومنذ سنة (1189 هـ = 1775 م) بدأت حرب الاستقلال الأمريكية ضد الاحتلال الإنجليزى الذى كان يسيطر عليها منذ أمدٍ بعيد. وبعد توقيع معاهدة فرساى سنة (1197 هـ = 1783 م) نالت أمريكا الشمالية استقلالها، واعترفت إنجلترا بذلك، ومنذ هذا التاريخ ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية على مسرح الأحداث العالمية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة (1364هـ =1945م) أصبح لها دور كبير فى السياسة الدولية، وخاصًة فى توجيه الاقتصاد العالمى.

*باريس

*باريس عاصمة فرنسا، وأحد المراكز السياسية والثقافية والاقتصادية المهمة فى العالم. وتتكون من مدينة مركزية، وعدة ضواحٍ إقليمية. وقد قسمت إلى (20) حيًّا منذ سنة (1276هـ = 1859م). وتبلغ مساحتها نحو (105) كم2. ويبلغ عدد سكانها (3) ملايين نسمة. وهى مقر الحكومة الفرنسية والوزارات والمجالس النيابية والسفارات الأجنبية، وفيها عدة مؤسسات دولية، مثل منظمة اليونسكو للتربية والعلوم. ومن أشهر معالمها: الحى اللاتينى، وميدان النجمة - شارل ديجول - وميدان الكونكورد، ومتحف اللوفر. ومن أشهر شوارعها: الشانزليزيه. ومن المعاهد العلمية فيها المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية، وجامعة السوربون القديمة، ومعهد الكوليج دى فرانس. ومن مكتباتها الشهيرة: الخزانة السلطانية (الوطنية)، ومكتبة الأرسنال، ومكتبة مزارنيه، ومكتبة أكدمة الفرنسيين أو الأكاديمية الفرنسية. وتنسب باريس إلى قبيلة الكلت التى تدعى الباريس وكانت تسكن جزيرة لوتيس التى تتوسط نهر السين. وخلال القرنين (8، و9هـ = 14، و15م) سادت باريس حالات من الفوضى والاضطراب؛ ولم تعد إليها حالة الاستقرار السياسى إلا فى عهد فرانسوا الأول من سنة (921 - 954 هـ = 1515 - 1547 م). ومنذ القرن (11 هـ = 17 م) ظهرت أهمية باريس الثقافية، مع ظهور المذهب الكلاسيكى؛ حيث أصبحت مصدرًا مهمًّا للحركات الأدبية والمسرحية والفكرية. وقد عانت باريس كثيرًا من ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية؛ فقد احتلتها ألمانيا النازية سنة (1359 هـ = 1940 م)، وتم تحريرها سنة (1363 هـ = 1944 م). وتوجد فى باريس جالية إسلامية كبيرة، تشكل أكبر تجمع إسلامى فى فرنسا، ويوجد فيها عدد من المساجد، أشهرها: المسجد الكبير فى جوبلان، ومسجد ضاحية بلفيل، هذا بالإضافة إلى عشرات المساجد الأخرى والمراكز الإسلامية.

*الصعيد

*الصعيد منطقة فى جنوب مصر تبدأ من أسوان فى أقصى جنوب مصر وتنتهى عند الفسطاط فى الشمال. وينقسم الصعيد إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: الصعيد الأعلى، ويمتد من أسوان إلى أخميم، والثانى: من أخميم إلى البهنسا، والأدنى من البهنسا إلى الفسطاط. والصعيد منطقة جبلية، تقع على جانبى النيل وهى كثيرة الرياض والزروع، ويزرع فيها البلح والقصب، كما تكثر فيها صناعة السكر. ومن أهم مدنها: أسوان والأقصر وقنا وأسيوط وبنى سويف وغيرها. وكانت تحت حكم العباسيين منذ سنة (198هـ = 813م) فى عهد المأمون ثم ملكها الفاطميون، فغلب عليها المذهب الشيعى الذى مالبث أن انحصر عنها فى عهد الأيوبيين والمماليك. ومن أشهر علمائها وأدبائها: إبراهيم بن عمر الأسوانى، وأحمد بن أبى الكرم بن عرام الأسوانى، وعطاء الله بن على بن زيد الإسنائى، ومحمد بن على بن وهب بن دقيق العيد.

*صفاقس

*صفاقس ميناء ومدينة إفريقية شرق تونس وجنوبى سوسة، وتطل على خليج قابس، ويبلغ عدد سكانها نحو (45) ألف نسمة. وتشتهر بالزيتون الذى يأتى إليه التجار من كل مكان؛ لرخص ثمنه بها، وقامت عليه صناعة زيت الزيتون الذى يعد من أهم صادراتها، كما تصدر الفوسفات والإسفنج. وقد احتلتها فرنسا سنة (1299هـ = 1881م)، كما تعرضت للهجوم البريطانى فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وذلك سنة (1361هـ = 1942م) فاحتلتها بريطانيا سنة (1362هـ = 1943 م). ومن أشهر علمائها: أبو حفص عمر بن محمد بن إبراهيم البكرى وأبو الحسن على بن محمد الربعى المعروف باللخمى.

*صفين

*صفين مكان على شاطئ نهر الفرات بالعراق من الجانب الغربى بين مدينتى الرقة وبالس، ودارت على أرضه معركة صفين بين الإمام على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنهما، سنة (37 هـ = 657 م).

*صقلية

*صقلية جزيرة من جزر البحر المتوسط تقع فى مواجهة الساحل الإفريقى، وهى مثلثة الشكل. تبلغ مساحتها (25815) كم2. ويبلغ عدد سكانها (4.000.078) نسمة. وأهم المدن بها العاصمة بالرمو. ومن أهم محصولاتها الزراعية: العنب والزيتون والبرتقال، وهى خصبة التربة، جيدة الهواء، كثيرة الأنهار، يتربى بها الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والحيوان الوحشى. وبها معادن، مثل: الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزئبق. وقد فتحها قاضى القيروان أسد بن الفرات سنة (212هـ = 827 م) فى عهد إبراهيم بن الأغلب، وأسلم معظم أهلها، وبنوا بها المساجد. وشجع المسلمون الزراعة والتجارة والفنون بها، فأصبحت ذات حضارة مزدهرة يقصدها الناس من كل مكان. وقد أحكم الفاطميون السيطرة عليها، وجعلوا منها ساترًا لحمايتهم من أعدائهم الفرنجة، وخاصة ضد إيطاليا، وكذلك فعل الأيوبيون والمماليك من بعدهم.

*غزة

*غزة مدينة فلسطينية. تقع على البحر المتوسط، فى أقصى بلاد الشام من ناحية مصر وكانت مركزًا تجاريًّا مهمًّا؛ حيث إنها ملتقى قوافل التجارة بين مصر وبلاد الشام والهند واليمن. وهى مدينة زراعية وصناعية فى آن واحد، فتقوم الزراعة بها على الشعير والحمضيات والفواكه كالعنب والتين والتوت والبطيخ، وتقوم بها صناعة النسيج بأنواعه الصوفية والحريرية وصناعة البسط والسجاد والحصر والصباغة والتطريز والصابون والفخار والسجائر والبلاط ومواد البناء والمياه الغازية وزيت السمسم وغيرها. وقد فتحها المسلمون سنة (13هـ = 634م) وأطلقوا عليها اسم غزة هاشم لوفاة هاشم بن عبد مناف جد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بها. وتوالى على حكمها ولاة من قبل الدولة الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، ودخلها الفرنسيون بعد احتلال مصر سنة (1214هـ = 1799م)، وشهدت أرضها عدة معارك بين بريطانيا وتركيا فى الحرب العالمية الأولى، ثم احتلها البريطانيون سنة (1336 هـ = 1917 م). وفى سنة (1368 هـ = 1948 م) دخلها الجيش المصرى فى حرب فلسطين، ومنذ ذلك الوقت يطلق عليها قطاع غزة وتقيم بها جيوش التحرير الفلسطينية والقوات المصرية. وبعد هزيمة الجيش المصرى فى حرب سنة (1368 هـ =1948م) احتلتها القوات الإسرائيلية، فشهدت الكثير من الحركات الفدائية التى قام بها الجانبان المصرى والفلسطينى وكان أشهرها سنة (1955م - 1956م) ولايزال قطاع غزة حتى اليوم تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلى. ومن أشهر العلماء الذين ظهروا بها: الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى وأبو عبد الله محمد بن عمرو بن الجراح الغزى والشاعر إبراهيم بن عثمان الأشهبى. ومن أشهر آثارها الإسلامية: جامع غزة الكبير، وجامع الشيخ زكريا الذى بنى سنة (449هـ = 1057م)، وجامع على بن مروان الذى أسس عام (715 هـ = 1315م)، وجامع ابن عثمان، وجامع المحكمة البروية الذى أقيم سنة (859 هـ = 1455 م).

*صنعاء

*صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية، ومن كبرى مدنها. تقع فى وسط الهضبة اليمنية على سفح جبل نقم. يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة. وكانت تُسمَّى أزال، وكانت مساحتها أقل مما هى عليه الآن، وقد حكمتها الدولة الحميرية والحبشية والفرس قبل الإسلام. ويرجع اتساعها إلى العهد العثمانى؛ حيث بنيت فيها مساكن موظفى الدولة ومنازل الأئمة وقصورهم وبساتينهم. وكانت مدينة مهمة فى عصر صدر الإسلام؛ فقد سكنها كثير من الصحابة وبنوا بها المساجد والجوامع، فازدهرت بها العلوم الإسلامية، وظهر بها الفقهاء والعلماء والمحدثون. وقد توسعت الإنشاءات المعمارية بها فى عهد الدولة الهمدانية فى القرن (6هـ = 12 م)، والدولة الأيوبية فى القرن (7 هـ = 13 م)، والعهد العثمانى فى القرن (10 هـ = 16 م)؛ إذ أنشئ فيها حى بير العزب وحى قاع اليهود فى الجانب الغربى منها. ومنذ سنة (945 هـ = 1538 م) حتى سنة (1040هـ = 1630 م) أصبح الأئمة رؤساء دينيين فقط، ولما انسحب الأتراك منها أصبح للأئمة اليمنيين سلطانهم الكامل فى اليمن سياسيًّا ودينيًّا، ولكن بعودة الأتراك إليها ثانيًة سنة (1289هـ = 1872 م) لم تعد لهم سلطة سياسية. وهى من المدن المليئة بالآثار الإسلامية وغير الإسلامية؛ ولهذا صدر قرار من مجلس الوزراء بتشكيل لجنة للمحافظة على تراثها سنة (1405هـ = 1984م). ومن أشهر علمائها وأدبائها: عبد الرازق بن همام، ووهب بن منبه، والحسن بن أحمد الهمدانى، وعلقمة ذوجدن، ووضاح اليمن.

*إمبابة

*إمبابة أحد مراكز الجيزة بمصر؛ حيث تقع على بعد (10كم) شمال الجيزة. وقاعدته إمبابة بالقرب من الشاطئ الغربى للنيل تجاه بولاق؛ حيث توصل بينهما قنطرة، واسمها الأصلى نبابة ثم قلبت النون ميمًا؛ لوقوعها قبل الباء، ثم أضيف همزة فى بداية الكلمة. قُسَّمت إمبابة سنة (715هـ) إلى ثلاث نواحٍ، هى منية تاج الدولة ومنية كرداك ومنية أبى على؛ ونتيجة لهذا التقسيم لم يستعمل اسم نبابة آنذاك فى التقسيمات الإدارية، وفى سنة (1274هـ) فصل عن تاج الدولة ناحية كفر الشيخ إسماعيل، لكن هذه النواحى ظلت معروفة عند الناس باسم إمبابة؛ بسبب تجاورها مع بعضها، ثم أعيد استخدام اسم إمبابة فى الوثائق الرسمية سنة (1939م)، وضمَّت إليها بقية النواحى السابقة وجعلت مدينة واحدة باسم إمبابة فعاد إليها اسمها بعد أن بطل استعماله سبعة قرون. وكانت أوسيم مقرًّا لقسم أوسيم منذ سنة (1826م)، ولوقوع إمبابة على السكة الحديدية؛ نقل ديوان مركز أوسيم وإدارات مصالح أخرى إلى إمبابة، مع بقائه باسم قسم أوسيم، ومنذ بداية سنة (1896م) سمى مركز إمبابة، ثم أصبح لأوسيم مركز مستقل عن مركز إمبابة. ونبغ من إمبابة مشاهير منهم: شمس الدين الإنبابى شيخ الأزهر المتوفَّى سنة (1313هـ = 1896م)، ومحمد بن حجازى الرَّقباوى الإنبابى أحد الأدباء. وقد جرت بالقرب منها معركة إمبابة بين المماليك بقيادة مراد بك والفرنسيين بقيادة نابليون وقد هزم فيها المماليك هزيمة منكرة سنة 1213هـ = 1798م.

*سيبيريا

*سيبيريا منطقة كانت ضمن الاتحاد السوفييتى السابق، تشمل آسيا الشمالية كلها، وتمتد من جبال الأورال غربًا الى المحيط الهادى شرقًا، ومن المحيط القطبى الشمالى شمالاً إلى مرتفعات جزر الشمال من وسط كازاخستان، وإلى حدود الاتحاد السوفييتى السابق، مع منغوليا والصين جنوبًا. تبلغ مساحتها (12.820.000) كم2. وقد بدأ الاحتلال الروسى لها بحملة قوقازية أطاحت بخانية، وهى إمارة سيبيريا الصغيرة، التى أطلق اسمها على المنطقة كلها. وفى العهد القيصرى كانت سيبيريا مجرد منفى للمجرمين والمعتقلين السياسيين. وبعد إنشاء سكة حديد سيبيريا (1891 - 1905م) بدأ تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، وفى أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادى نشطت الحكومة السوفييتية لتطوير الحياة الصناعية فيها، فنمت نموًّا ملحوظًا.

*بنزرت

*بنزرت ميناء تونسى على البحر المتوسط. وكانت مدينة قديمة ومطمعًا للغزاة، مثل الفينيقيين والقرطاجنيين والرومان والبيزنطيين. استولى عليها معاوية بن خديج سنة (41هـ) فى خلافة معاوية بن أبى سفيان. ودانت لولاة تونس من العرب والبربر حتى استولى عليها خير الدين بارباروسة عام (941هـ) وضمها إلى الدولة العثمانية. وفى القرن (12هـ = 18م) أصبحت مركزًا للقرصنة البحرية، وحاول البنادقة تخريبها سنة (1785م)، وقد استولى عليها الفرنسيون عام (1881 م)، وجعلوها قاعدة بحرية لأسطولهم فى البحر المتوسط. وبعد رحيل القوات الفرنسية من تونس سنة (1957م) استمرت سيطرة القوات الفرنسية على قاعدة بنزرت؛ مما أدى إلى وقوع مصادمات عسكرية بين القوات التونسية والفرنسية حتى تمَّ الجلاء التام عنها عام (1963 م).

*بندر عباس

*بندر عباس ميناء ومدينة إيرانية. تقع على الخليج العربى، وتواجه جزيرة هرمز، وتتبع محافظة هرمزخان، وسكانها من أهل السنة، ويوجد فيها بعض الشيعة. يرجع تأسيسها إلى الشاه الإيرانى عباس الأول الذى أمر بتأسيسها سنة (1615م)، وأطلق عليها اسمه، بعد أن طرد منها البرتغاليين بمساعدة الأسطول البريطانى، وقد أنشأها الشاه عباس الأول؛ لتنافس هرمز من الناحية التجارية. وكان الأوربيون يطلقون عليها فى القرنين (11، و12 هـ = 17،و18 م) اسم جمبرون أو كوهارون، بمعنى برغوث البحر. وكان لموقع بندر عباس المتميز استراتيجيًّا أثره فى أن تصبح مكانًا لتقاتل الأساطيل البحرية بين الدول الاستعمارية الكبرى، وتعرضها للاعتداءات العسكرية. وفى القرن (11هـ = 17 م) أصبحت أهم الموانئ الفارسية، ونظرًا لنمو التجارة بها تعددت الأجناس والأعراق بها. وقد سيطر عليها العُمانيون سنة (1793 م)، لكن الشاه نصر الدين استردها مرة أخرى سنة (1868 م).

*بكين

*بكين عاصمة الصين. تبلغ مساحتها سبعة الآف كيلو متر مربع، وتُسمى العاصمة الشمالية؛ تمييزًا لها عن العاصمة الجنوبية نانكينج، ويرجع تاريخ إنشائها إلى مايزيد على ألف سنة، وقد أُنشئت لتكون قلعة أمامية لحماية الصين من غزوات المغول، وقد بقيت عاصمة للصين حتى سنة (1928 م) باستثناء فترة قصيرة فيما بين عامى (1341 و 1368م) وتحولت وظيفتها كعاصمة إلى نانكينج فيما بين عامى (1928 و 1949 م). وبمجىء النظام الشيوعى أصبحت بكين عاصمة لجمهورية الصين الشعبية. وقد نمت المدينة كمركز عظيم للإدارة والتجارة والثقافة، وصارت مركزًا مهمًّا للسكك الحديدية. وتتألف المدينة من عدة مدن داخلية، وتحيط بها أسوار عملاقة، وهى ذات طابع معمارى رفيع الذوق، وتتميز بحدائقها واتساع شوارعها، ويوجد بها عدد من الصناعات.

*أزمير

*أزمير مدينة وميناء غرب تركيا، على خليج أزمير الواقع على بحر إيجة، وتُعد أهم موانئ تركيا بعد إستانبول، وهى مدينة صناعية تشتهر بصناعة السجاد الأزميرى. كان اسمها سميرنا. أسسها اليونانيون القدماء، وكانت مركزًا للمسيحية فى آسيا الصغرى، وخرَّبها تيمور لنك سنة (1402 م). واستولى عليها السلاجقة فى أواخر القرن (5 هـ = 11م) وغزاها فرسان القديس يوحنا سنة (1344م)، واستولى عليها السلطان مراد الثانى سنة (1425 م)، ثم استولى عليها محمد على سنة (1833 م) لكنه تخلى عنها للفرنسيين. وفى عام (1920 م) استولى عليها اليونانيون بعد معاهدة سيفر بمساعدة الحلفاء، إلا أن الاتراك استردوها عام (1922 م)، وأصبحت تحت السيادة التركية.

*بورسعيد

*بورسعيد مدينة تقع شمال مصر، عند المدخل الشرقى لقناة السويس، على البحر المتوسط. وهى مقامة على شريط ضيق من الأرض بين قناة السويس وبحيرة المنزلة؛ ومن ثم فهى عبارة عن شبه جزيرة صغيرة. وترجع نشأة بورسعيد إلى حفر قناة السويس سنة (1859 م)، ثم أصبحت مدينة مع افتتاح القناة سنة (1869م)، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى والى مصر فى تلك الفترة محمد سعيد باشا. وأخذ عدد سكان المدينة فى الازدياد فيها؛ نظرًا إلى نمو التجارة وفرص العمل بها، حتى أصبحت ثانى أهم موانئ مصر. وفى عام (1956 م) قاومت مدينة بورسعيد العدوان الثلاثى على مصر رغم الخسائر التى لحقت بها، وأعيد تخطيط المدينة بعد هذا العدوان. وبور سعيد تنقسم إداريًّا إلى أربعة أقسام، هى بورفؤاد والشرق والغرب والمناخ، وهى مدينة تتمتع بحرية التجارة (منطقة حرة)، وتوجد فيها بعض الصناعات الغذائية والمنسوجات، كما توجد فيها ثروة سمكية ضخمة؛ نظرًا لتعدد بحيراتها، كما تُعد بور سعيد مصيفًا رائعًا.

*القسطنطينية

*القسطنطينية مدينة تركية قديمة، تسمًّى الآن إستانبول، وكانت تسمَّى بيزنطة، فلما انتقل إليها الملك الرومانى قسطنطين تاركًا روما، بنى عليها سورًا، واتخذها عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، وكانت أكبر مدينة فى أوربا فى العصور الوسطى. وبعدما فتحها السلطان محمد الفاتح سنة (1453م) ازدهرت، وأصبحت مركزًا سياسيًّا وتجاريًّا عظيمًا؛ لأنها أصبحت عاصمة لدولة الخلافة العثمانية حتى سنة (1923م)؛ إذ انتقلت العاصمة إلى أنقرة.

*قادش (قادس)

*قادش (قادس) جزيرة بالأندلس عند طالقة من مدن إشبيلية. كان من أعجب آثارها الصنم الذى بناه هرقاس أحد قواد الروم الإغريقيين فى زمن موسى عليه السلام. وقد فتح طارق بن زياد قادش مع فتحه للأندلس عام (92هـ)، ولاتزال ضمن المدن التى يطلق عليها اسم الأندلس حتى الآن فى إسبانيا.

*ماردة

*ماردة مدينة فى الجزء الجنوبى الغربى من إسبانيا. أسسها الإمبراطور الرومانى أوغسطوس عام (25 ق. م). وفتحها المسلمون عام (713 م) فشهدت فى عهدهم ازدهارًا كبيرًا. وهى غنية بالآثار الرومانية. وقد سقطت فى يد النصارى سنة (1231 م). وهى الآن مدينة إسبانية.

*مالى

*مالى جمهورية فى الجزء الشمالى الغربى من إفريقيا. يحدها من الشمال الجزائر، ومن الجنوب غينيا وكوت دوفوار (ساحل العاج)، ومن الشرق النيجر وفولتا العليا، ومن الغرب موريتانيا والسنغال. ديانتها السائدة الإسلام. ولغتها الرسمية الفرنسية. ومساحتها نحو (1.240.000) كم2. وعاصمتها باماكو. ويعتمد اقتصادها على الزراعة وبعض الصناعات. وقد شكلت جزءًا أساسيّاً من دولة غانا السودانية القديمة التى ازدهرت فيما بين القرن الثامن ومنتصف القرن الحادى عشر الميلاديين، ثم قامت فيها إمبراطورية مالى الإسلامية من القرن (7 هـ = 13 م) إلى القرن (10 هـ = 16 م). واحتلتها فرنسا فيما بين سنتى (1880م، و1895 م)، وضمتها إلى إفريقيا الغربية الفرنسية، وأطلق الفرنسيون عليها اسم السودان الفرنسى. ثم نالت استقلالها التام سنة (1960 م).

*لبنان

*لبنان جمهورية عربية تنسب إلى جبل لبنان. عاصمتها بيروت. تقع لبنان غرب آسيا، بين دائرتى عرض (10َ 33ْ) و (35َ 34ْ) شمالا، وبين خطى طول (15َ 35ْ) و (30َ 36ْ) شرقًا. ويحدها من الغرب البحر المتوسط، وتحيط بها سورية من الشمال والشرق والجنوب الشرقى، وفلسطين من الجنوب، ومساحتها (10.306) كم2 وتمتد فى نطاق مستطيل. وقد اعتنق اللبنانيون المسيحية إبان الحكم الرومانى الذى تعرضوا أيامه للاضطهاد فترة من الزمن، ودخل الإسلام إلى لبنان على أثر فتح أبى عبيدة بن الجراح لمدينة دمشق سنة (14 هـ = 635 م)، وكانت أول مدينة لبنانية تحظى بدخول الإسلام إليها هى مدينة بعلبك، ثم صارت الأراضى اللبنانية تحت لواء الخلافة الإسلامية، ولم تلقَ الجيوش الإسلامية أى مقاومة حتى وصلت إلى وادى عربة؛ حيث واجهها جيش الروم الذى فرَّ غربًا فقضى عليه المسلمون فى غزة، لكنهم حفظوا للنصارى حقوقهم. ثم أُعلن إنشاؤها باسم دولة لبنان الكبير سنة (1920 م)، ثم باسم الجمهورية اللبنانية سنة (1926م).

*كينيا

*كينيا دولة إفريقية. عاصمتها نيروبى. تقع فى الدائرة الاستوائية. وهى إحدى دول شرق إفريقيا وتطل على ساحل المحيط الهندى فى شرقها، وتجاورها أوغندا فى الغرب، وتنزانيا من الجنوب، والصومال من الشرق، وكل من إثيوبيا والسودان فى الشمال. مساحتها (580.367) كم2، ويخترقها خط الاستواء. وتعتمد على الزراعة وتربية الحيوان. وقد بدأت الهجرات الإسلامية إلى ساحل كينيا سنة (76 هـ) بجماعة من مسلمى الشام، ثم كانت الهجرة الثانية من مسلمى عمان؛ حيث كونوا إمارة إسلامية فى لامو، ثم توالت الهجرات إليها إلى أن جاء بنونبهان من عمان سنة (703 هـ = 1303 م) إلى مدينة بانا فى كينيا شمالى لامو فتكاثرت المدن الإسلامية على الساحل. وبدأت اللغة السواحلية فى الظهور، واتخذت لها الأحرف العربية. ثم احتلها البرتغاليون، وحرقوا المدن الإسلامية بمعاونة من الحبشة، فقاوم المسلمون المحتلين حتى تحرر الإقليم الساحلى سنة (1728م)، وصارت تحت حكم آل مزروعى العرب الخليجيين، ثم صارت كينيا جزءًا من سلطنة عمان، إلى أن خضعت لبريطانيا سنة (1895م)، ولم تنل استقلالها إلا سنة (1963م)، وكانت قبيل الاستقلال تؤلف مع تنزانيا وأوغندا اتحاد شرق إفريقيا البريطانية.

*مرسية

*مرسية مقاطعة فى الجزء الجنوبى الشرقى من إسبانيا. تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط. عاصمتها مدينة مرسية. واقتصادها يقوم على الزراعة والتعدين. ومساحتها نحو (317 11) كم2. وكانت مركزًا للاستيطان القرطاجى فى إسبانيا، وفتحها المسلمون فى القرن (2هـ = 8 م) ثم سقطت فى يدالنصارى سنة (1243م).

*مخاضة الأحزان

*مخاضة الأحزان حصن بناه الصليبيون سنة (574هـ)، وكان حصنًا منيعًا بلغ عرض حائطه ما يزيد على عشرة أذرع، وقد قطعت له الحجارة الكبيرة، وتكلف تكاليف باهظة، فسار إليه صلاح الدين الأيوبى بعد موقعة مرج العيون فحاصره أربعة عشر يومًا، واستطاع أن يفتحه ويستولى عليه وهدمه، وأسر المسلمون (700) أسير، إلى جانب كثير من الغنائم.

*عين جالوت

*عين جالوت بلدة بفلسطين. تقع بين بيسان والنصرة فى الجنوب الغربى من النصرة، فى موضع وافر المياه، تكتنفه الأحراش والأشجار. وارتبط اسم عين جالوت بالمعركة الحاسمة التى انتصر فيها سلطان مصر المظفر قطز على هولاكو بجيشه المغولى، وأوقف بها موجة المد التترى على الشرق الإسلامى. وقد صدَّ الهجمة الثانية عليها السلطان المملوكى قلاوون وهزم أبا قا بن هولاكو سنة (687هـ). وصدَّ الثالثة السلطان المصرى الناصر ضد غازان حفيد هولاكو سنة (700هـ = 1301م)، وكان صلاح الدين الأيوبى صاحب سبقٍ حينما اتخذ عين جالوت مركزًا لغزواته على الإمارات الصليبية التى سبقت معركة حطين.

*باكستان

*باكستان جمهورية إسلامية. عاصمتها إسلام آباد. تقع فى القسم الغربى من جنوب آسيا. ويحدها من الغرب إيران، ومن الشمال أفغانستان والصين، ومن الشرق الهند. ومساحتها (803.943) كم2. ومناخ باكستان حار وجاف. ولغتها الوطنية هى الأردية، وتوجد لغات قومية، مثل: البنجابية والسندية والبوشتية بشكل واسع، بالإضافة إلى الإنجليزية. والدين الرسمى هو الإسلام؛ حيث تمثل نسبة المسلمين (97%). خضعت باكستان للاحتلال البريطانى منذ القرن (12هـ = 18م)، وعُرفت باسم الهند البريطانية، واستقلت عنها سنة (1947م)، وقامت المعارك بينها وبين الهند؛ لأن الهند ضمت إليها منطقتى جامو وكشمير ذواتى الأكثرية الإسلامية، كما اندلعت فى باكستان حرب أهلية سنة ( 1951م)، كانت بدايتها بسبب اللغة. وفى سنة (1956م) أعلن الدستور، وأصبحت باكستان بموجبه جمهورية إسلامية. وأهم المشاكل التى واجهتها الحروب التى عاقت تقدمها وأفقدتها إقليمها الشرقى بنجلاديش. وكبرى مدن باكستان: كراتشى ولاهور وليالبور وحيدرآباد وملتان. وتمثل الزراعة دعامة أساسية فى الاقتصاد الباكستانى. ونظام الحكم فى باكستان جمهورى منذ سنة (1947م)،. وباكستان عضو فى الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامى.

*بلبيس

*بلبيس عاصمة مركز بلبيس بمحافظة الشرقية بمصر. تبلغ المسافة بينها وبين مدينة الزقازيق (28كم). فتحها عمرو بن العاص، رضى الله عنه، نحو سنة (18هـ)، وكانت ذات حصون ومنعة. وقد حشد الروم فيها جيشًا ضخمًا، وقد راسلهم عمرو وأمهلهم أربعة أيام، ولكن القائد الرومانى اختار القتال، فنصرالله المسلمين عليهم؛ فقتلوا من جيشه ألفًا، وأسروا ثلاثة آلاف. وكانت بلبيس قاعدة الحوف الشرقى، ثم قاعدة الأعمال الشرقية فى عهد الفاطميين حتى آخر عهد الجركس، ثم قاعدة ولاية الشرقية إلى سنة (1832م)، وفى تلك السنة أصدر محمد على باشا والى مصر أمرًا بنقل ديوان المديرية (المحافظة) والمصالح الأميرية الأخرى إلى مدينة الزقازيق؛ لتوسطها بين بلاد المديرية، وبذلك أصبحت بلبيس قاعدة لقسم بلبيس الذى أنشئ فيها بدلاً من ديوان المديرية، وفى سنة (1871م) سُمى هذا المركزمركز بلبيس. وممن نبغ من العلماء فيها عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الفخر البلبيسى المقرئ، إمام الأزهر، وهو من علماء القرن (9هـ = 15م).

*البحر الأسود

*البحر الأسود بحر داخلى. مساحته (414400) كم2، وأقصى عمق له (224 م). يربطه بالبحر المتوسط مضيق البسفور وبحر مرمرة والدردنيل. تحف به بلغاريا ورومانيا والاتحاد السوفييتى السابق وتركيا. وأهم موانيه: أوديسا وباطوم وكنستانتا. وتصب فيه أنهار: الدانوب والدنيير والدون. وأُطلق عليه بحر طرابزندة والبحر البنطسى (من الاسم اليونانى القديم)، وأطلق عليه الأتراك والتتر قره دكز. وارتبط تاريخ هذا البحر بالفتح العثمانى فى الأناضول والبلقان والقرم إبان القرن (9 هـ = 15 م). وقد تم إغلاقه فى وجه جميع السفن حتى عقدت معاهدة كجك قينارجة عام (1188 هـ = 1774 م)، وقد سمحت بمرور السفن الروسية، وتلتها الدول الأوربية الأخرى، وعقدت معاهدة لوزان عام (1923 م) ونظمت حرية الدخول إلى البحر الأسود.

*الغربية

*الغربية تكونت كورة الغربية بمصر فى العصر الفاطمى. وأطلق عليها اسم الغربية؛ لوقوعها غربى النيل، وعرفت بأعمال الغربية فى العصر المملوكى، ثم ولاية الغربية فى العصر العثمانى، وفى سنة (1833 م) سُميت مديرية الغربية، ثم أصبحت محافظة الغربية سنة (1960 م)، وكانت المحلة الكبرى عاصمة لإقليم الغربية فى عهد الدولة الفاطمية، حتى سنة (1836 م)، التى نقل فيها ديوان المديرية من المحلة إلى طنطا بناءً على طلب عباس حلمى الأول، وكان مديرًا للغربية والمنوفية اللتين كان يديرهما باسم مديرية روضة البحرين؛ وبسبب هذا النقل أصبحت المحلة قرية صغيرة من توابع قسم سمنود، ثم عادت إليها شهرتها، وزاد عدد سكانها؛ بسبب المحالج والمعامل الكبيرة التى أنشأتها فيها شركة مصر منذ سنة (1927 م) لحلج القطن وغزله ونسجه وتلوينه، بحيث أصبحت المحلة الآن من كبرى المدن المصرية، وأشهرها.

*إستانبول

*إستانبول مدينة إسلامية اتخذها سلاطين الدولة العثمانية عاصمة لدولتهم منذ فتحها سنة (857 هـ = 1453 م) حتى سنة (1342 هـ = 1923 م). وإستانبول تحريف لكلمة إسلامبول التى تعنى دار الإسلام بالتركية. وهى تقع فى القسم الأوربى لتركيا الآن، على مضيق البسفور؛ حيث تحتل موقعًا فريدًا بين مدن العالم، وتحيط بها البحار من جهات ثلاث، وتقع عند ملتقى قارتى أوربا وآسيا، وفيها أوسع ميناء فى العالم، وهو ميناء القرن الذهبى المطل على شواطئ البسفور. وتبلغ مساحة المدينة (5565) كم2. وعرفت قديمًا باسم بيزنطة، ثم القسطنطينية، وكانت مطمعًا للغزاة والفاتحين على مر العصور؛ نظرًا لما تتمتع به من موقع متميز وجو رائع، وكذلك كانت موضع اهتمام المسلمين الدائم؛ حيث بشرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفتحها بقوله: لتفتحنَّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش جيشها. [مسند أحمد]

*البنجاب

*البنجاب إقليم يقع غرب باكستان ويمثل إحدى الولايات الأربع التى تكون باكستان. ويقع بين نهر السند وجمنة. والبنجاب معناه فى اللغة الأردية المياه الخمسة، وسمى بذلك لوجود خمسة أنهار فيه. ويوجد به عدة سهول صالحة للزراعة، خاصة المناطق الواقعة بين الأنهار. وتبلغ مساحة الإقليم (98) ألف ميل مربع. ويتركز فى الإقليم ثلث سكان الهند. ومناخ الإقليم متطرف؛ بحكم موقعه الداخلى؛ فهو شديد البرودة شتاءً، شديد الحرارة صيفًا، ويشتهر الإقليم بزراعة القمح والفواكه والحمص، وتكثر فيه الأمطار الموسمية. وأهم المدن فيه لاهو وهى عاصمته، وأهم المدن فى شبه القارة الهندية، وهى أكثر سكانًا من كراتشى، ويوجد بها مسجد بادشاهى، وبعض الآثار التاريخية، مثل قبر الشاعر المسلم محمد إقبال، وهى مدينة العلم والثقافة فى باكستان، وبها حدائق شاليمار الشهيرة، ومن المدن الأخرى ليالبور وملتان وسيالكون ومنتجمرى. وكان هذا الإقليم موطنًا لأقدم القبائل الآرية، واحتله الإسكندر الأكبر ثم آل إلى إمبراطورية الموريا. وبدأت أولى حملات الفتح الإسلامى للإقليم سنة (94 هـ) على يد محمد بن القاسم حيث استولى على ملتان، إلا أن إكمال الفتح قام به محمود الغزنوى سنة (392 هـ) حيث ضم البنجاب إلى الدولة الغزنوية، ثم دخل تحت حكم سلاطين دهلى، وظلت تتداوله الأيدى حتى ضمته بريطانيا إلى أملاكها سنة (1849 م) ثم قسم بين الهند وباكستان سنة (1947م) على أساس التجمعات المسلمة والهندوكية.

*إيران

*إيران دولة إسلامية آسيوية. تقع فى نصف الكرة الشمالى. يحدها من الشمال بحر قزوين وتركمانستان وأذربيجان وأرمينية، ومن الغرب تركيا والعراق، ومن الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الجنوب بحر عمان والخليج. وتبلغ مساحة إيران (1648195) كم2، وتقع بين دائرتى عرض (25ْ) و (39.5ْ)، وبين خطى طول (44ْ) و (63ْ). وأهم المدن الإيرانية: طهران العاصمة ومشهد وأصفهان وتبريز وقم. وأهم الموانئ: أنزلى وبندر عباس وخمينى. ويبلغ عدد سكان إيران نحو (56.293.660) نسمة حسب إحصائية سنة (1412 هـ = 1991 م). ومتوسط دخل الفرد فى السنة (1800) دولار حسب إحصائية سنة (1988 م). وأهم المحصولات الزراعية: الحبوب والأرز والفواكه والسكر والقطن والعنب. وأهم المعادن: الكروميوم، كما تنتج البترول والغاز الطبيعى. وأهم الصناعات: البتروكيماويات والسجاد والأسمنت. والريال هو العملة المتداولة فى إيران.

*غانا

*غانا جمهورية بغرب إفريقيا، على خليج غينيا. وعاصمتها أكرا. ومساحتها (238394) كم2. وتقع غرب إفريقيا، على ساحل غانا وتجاورها كوت دى فوار (ساحل العاج) فى الغرب، وبوركينا فاسو فى الشمال، وتوجو فى الشرق. وفتحها الشيخ عبد الله ياسين عام (469 هـ) بعد أن اجتمع عليه المرابطون، كما هاجرت إليها قبائل الماندى المسلمة فى القرن (10 هـ = 16 م)، وقبائل الهوسا فى القرن (12 هـ = 18 م)؛ حيث استقرت فى شمال غانا، وكانت تُسمى ساحل الذهب. واحتلها البرتغاليون والألمان والإنجليز والهولنديون، وبنوا لهم (35) قلعة، سيطر عليها الإنجليز، وأعلنت إنجلترا احتلالها عام (1874 م)، ولكن المسلمين الأشانتى ظلوا حاملين السلاح فى وجه بريطانيا حتى عام (1900م)، وفى (2 من فبراير 1994 م) قامت قبائل كونكمبا النصرانية بالهجوم على قرية بمبلا التى تبعد (960 كم) عن العاصمة، وسرعان ما انتشر الهجوم ليشمل (150) قرية، وكان المهاجمون يركزون على إحراق المساجد وهدمها على المصلين، فقدر عدد القتلى بنحو (8.000)، وعدد المشردين بنحو (20.000)، ولم يصل منهم إلى ثمالى إلا (4.000)، أما الأطفال والنساء والعجائز والشيوخ فلم يصلوا جميعاً، ونزح إلى التوجو نحو (5.000) مسلم. وغانا عضو فى منظمة الوحدة الإفريقية، والكومنولث، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وعقدت اتفاق شراكة مع السوق الأوربية المشتركة.

*قرطبة

*قرطبة كانت عاصمة مقاطعة قرطبة بجنوب الأندلس، على نهر الوادى الكبير، وقد ازدهرت فى عهد الرومان، وفتحها المسلمون سنة (711 م)، وبلغت أوج ازدهارها فى العهد الأموى سنة (756 هـ = 1031 م). واشتهرت بمركزها الثقافى الكبير، وازدهار العلم بها، فكان بها (200.000) بيت و (600) مسجد و (50) مستشفى و (80) مدرسة عامة كبرى، و (900) حمام سوقى، وكان فى مسجد قرطبة الموجود حتى الآن (1093) عمودًا من الرخام و (19) بابًا، مبطنة بصفائح من نحاس التوج (نحاس المدافع) ومرصعة بصفائح من ذهب، وبلغت قناديله (4700) قنديل، أحدها فى المحراب من الذهب والإبريز. وكانت قرطبة مشهورة بصناعة الذهب والفضة والجلود. وكانت تصبح مضيئة معطرة بما يلقى فيها من الزهور، وكانت عاصمة الخلافة الأموية فى الأندلس، كما كان بها دار للكتب تحتوى على أكثر من (600.000) مجلد، استولى عليها المسيحيون بعد أن سقطت فى أيديهم على يد فرديناند الثالث ملك قشتالة سنة (1236 م).

*مازندران

*مازندران مقاطعة فى الجزء الشمالى من إيران، تتاخم بحر قزوين من الجنوب. وأهم منتجاتها الحبوب والفاكهة والمنسوجات والأسماك. ومساحتها نحو (47.365) كم2، وعاصمتها سارى. وقد فتحها المسلمون سنة (644 م)، وأطلقوا عليها اسم طبرستان. وقد حكمها السامانيون والغزنويون والسلجوقيون، واستولى عليها المغول، ثم أعادها الإيرانيون، وينسب إليها أبو عبد الله محمد المازندرانى.

*مشهد

*مشهد عاصمة إقليم خراسان، من بلاد إيران. تقع فى شماله الشرقى، على ارتفاع (985 م) عن سطح البحر، على بعد (20 كم) شمالى غربى مدينة طوس القديمة التى كانت مشهد فى بداية نشأتها - قرية تتبعها، وكانت تسمى سناباد، ودفن بها هارون الرشيد وابنه المأمون. ويمر بمشهد نهر كشف. ومناخها شديد الحرارة صيفًا، شديد البرودة شتاءً. ومشهد كلمة عربية مرادفة لكلمة مزار، وسميت بهذا الاسم؛ لأن على بن موسى الكاظم الرضا إمام الشيعة دفن بها عام (203 هـ = 817 م). وتُعد مشهد المصدر الرئيسى لغذاء إيران الشرقية؛ باعتبارها مدينة زراعية وصناعية وتجارية. وتعرضت مشهد لغارات قبائل الغز وللهجمة التترية التى دمرت طوس. وكان ذلك أحد عوامل ظهور مشهد وخصوصًا بعد ما دمرها الأمير ميرانشاه بن السلطان تيمور كوركان. ولما تولى ميرزاشاهرخ عرش إيران سنة (850 م) أولى التعمير اهتمامه فشيد بها كثيرًا من الأبنية، كما أن زوجته كوهرشاد أغا أنشأت كثيراً من الأبنية والمدارس والدور الخيرية التى لاتزال آثارها باقية ومعروفة باسمها حتى الآن. وفى عهد الصفويين أرسيت دعائم المذهب الشيعى الجعفرى فى إيران ولمع نجم مدينة مشهد. ومن مشاهيرها الفردوسى المتوفَّى سنة (411 هـ) صاحب الشاهنامة، وأسدى الطوسى المتوفَّى سنة (447هـ) ونظام الملك المتوفَّى سنة (485هـ).

*قشتالة

*قشتالة إقليم عظيم بالأندلس. يقع حاليًّا بشمال وسط إسبانيا ويشمل معظم هضبة إسبانيا الوسطى العالية الجافة. والأحواض الرئيسية بها هى أحواض أنهار الدور والأعلى والتاجة والوادى اليانع. وأهم مدن قشتالة مدريد وطليطلة وكونسكا. ويشتغل السكان بالزراعة ورعى الغنم. وفى سنة (1028 م)، سقطت فى يد سانكوه الثالث ملك نفار، وجعلها مملكة مستقلة لابنه فرديناند الأول، ووسعت على حساب البلاد الإسلامية، واتحدت مع ليون. وعندما تزوجت إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة من فرديناند الثانى ملك أراجون أصبحت المملكتان مملكة واحدة، وتأكد الاتحاد حين اعتلى حفيدها شارل العرش سنة (1516 م). وبعد القرن (10 هـ = 16 م) أصبحت قشتالة قلب إسبانيا.

*أخميم

*أخميم بلدة مصرية قديمة من مدن الصعيد الأوسط. تقع على الشاطئ الشرقى لنهر النيل، وتقابلها مدينة سوهاج، وتصل بينهما قنطرة. اشتق اسمها من الاسم الفرعونى خنت مين. وكانت فى العصر الفاطمى عاصمة كورة الأخميمية حتى نهاية العصر المملوكى، وكان فيها مقام الوالى، ثم كانت مسكناً لنائب الوجه القبلى. وفى العصر العثمانى ألغيت الأخميمية، وأضيفت بلادها إلى ولاية جرجا (محافظة سوهاج حاليًّا)، وأصبحت أخميم إحدى المدن التابعة لمركز سوهاج. وفى سنة (1903م) فصلت البلاد الواقعة شرقى النيل عن مركز سوهاج، وجعلت مركزاً باسم أخميم، وهى تتبع الآن محافظة سوهاج، وكانت من أشهر مدن الصعيد فى صناعة المنسوجات فى العصرين القبطى والإسلامى، وكانت فيها مصانع حكومية لصناعة النسيج تُعرَف بالطراز، كما اشتهرت بثمرها وغلالها، وكان فيها معاصر لزيت السلجم، وكان فيها جماعة من بنى قرة (فصيلة من بنى هلال بن عامر بن صعصعة، ينتهى نسبهم إلى معد بن عدنان جد النبى - صلى الله عليه وسلم -)، وكان بأخميم بربا (محل للعبادة عند القبط) مشهورة، ونفى إليها نسطور رئيس الفرقة المسيحية المسماة النسطورية. وفيها آثار قديمة ذات قيمة عالية عندالمؤرخين، ومن أشهر أعلامها ذو النون المصرى، وكان من أعظم علماء عصره أدبًا وعلمًا، وتُوفِّى سنة (248هـ).

*باب المندب

*باب المندب مضيق عربى ذو أهمية استراتيجية بالغة، يصل البحر الأحمر بالمحيط الهندى وخليج عدن. أطلق عليه العرب باب المندب وبوابة الدموع؛ لخطورة الملاحة فيه، وهو يتحكم فى المواصلات البحرية بين البحر المتوسط والشرق. وبالمضيق عدة جزر، منها: جزر الفرسان ودهلك وجزيرة قمران التى احتلتها بريطانيا سنة (1841م)، وأهمها جميعًا جزيرة بريم أو ميوم التى استولت عليها بريطانيا سنة (1857م)، وهى تقسم المضائق إلى ممر شرقى قليل العمق، وعرضه (2.2) ميل، وممر غربى أكثر عمقًا يبلغ عرضه (17.4) ميل. ويحاذى مضيق باب المندب من الشرق الآسيوى اليمن، ومن الغرب الإفريقى الصومال وجيبوتى والحبشة. وللأهمية البالغة للمضيق بذلت القوى الغربية عدة محاولات تهدف إلى وضع المضيق تحت صورة من صور السيادة الدولية، وفى حرب (رمضان 1393هـ = أكتوبر 1973م) سيطرت عليه البحرية المصرية، وسدَّت بذلك سبل الملاحة فى خليج العقبة، وبذلك فرضت حصارًا بحريًّا على العدو الصهيونى، وقام العدو بإرسال طائرات الفانتوم للتحليق فوق مناطق مختلفة من البحر الأحمر، وتعاون مع النظام الإثيوبى لمعارضة اعتبار البحر الأحمر بحيرة عربية.

*الأناضول

*الأناضول هى المنطقة الآسيوية من الجمهورية التركية. يحدها من الشمال مضيق غاليبولى وبحر مرمرة، ومضيق إستانبول (البسفور) والبحر الأسود، ومن الجنوب العراق وسوريا والبحر المتوسط، ومن الشرق آذربيجان وجورجيا وأرمينيا وإيران، ومن الغرب بحر إيجة. وتقع الأناضول بين خطى طول (36ْ،42ْ)، وبين دائرتى عرض (6ْ،45ْ) وتبلغ مساحتها (756.946) كم2. وأهم مدن الأناضول: إستانبول وأنقرة وأزمير وقونية وبورصة وسامسون. وفى الأناضول بحيرات طبيعية، يبلغ عددها (48) بحيرة، كبراها بحيرة وان، وتبلغ مساحتها (3713) كم2. وتُحاط الأناضول بجبال شمال الأناضول، ومن الجنوب بجبال طوروس، وبين الجهتين تمتد الأناضول على شكل هضبة تسمى هضبة الأناضول. والزراعة فى الأناضول هى العمود الفقارى للاقتصاد، وأهم المحاصيل الزراعية بها: القمح والذرة والعدس والشعير والفاصوليا والتفاح والتين والبرتقال والليمون. وتشتهر الأناضول بغاباتها ومواردها الطبيعية، كالبترول والنحاس والفحم والمنجنيز، وقد اكتشف البترول لأول مرة فى الأناضول عام (1359 هـ = 1940م) فى جبل رامان. وقد مرت بمنطقة الأناضول عدة حضارات قبل ظهور الاسلام: - - حضارة الحاتيين (2500 - 2000 ق. م). - وحضارة الحيثيين (1750 - 1200 ق. م). - وحضارة الفيريجيين بعد سنة (1750 ق. م). - وحضارة الليديين (1050 - 300 ق. م). ودخلت الأناضول تحت الحكم الإسلامى سنة (464هـ = 1071م)، وقد فتحها الأتراك السلاجقة بقيادة السلطان ألب أرسلان، بعد انتصاره على البيزنطيين أو الرومانيين فى موقعة ملاذكرد. وبعد انهيار دولة سلاجقة الأناضول وحَّد العثمانيون إمارات الأناضول التركمانية، وبفضل جهودهم أصبحت الأناضول وحدة سياسية وعلمًا على تركيا. ويحكم الأناضول (تركيا) الآن (1997م) الرئيس سليمان ديميريل.

*إندونيسيا

*إندونيسيا دولة إسلامية تقع جنوب شرقى آسيا، بين دائرتى عرض (7ْ) شمالاً و (11ْ) جنوبًا، وخطى طول (45 94ْ) و (141ْ) شرقًا. وإندونيسيا كلمة مركبة من كلمتين، هما: إندو بمعنى الهند ونيسيا بمعنى جزر؛ فإندونيسيا معناها جزر الهند. ويحد إندونيسيا من الشرق المحيط الهادى، ومن الغرب والجنوب المحيط الهندى، ومن الشمال بحر الصين الجنوبى. وإندونيسيا عبارة عن أرخبيل (مجموعة من الجزر) وتُعد أكبر أرخبيل فى العالم؛ إذ يصل عدد جزرها إلى نحو (17.000) جزيرة. والمناخ فى إندونيسيا مدارى معتدل؛ بسبب التأثير البحرى، ومعدل الحرارة السنوى لا يزيد على (25ْ) مئوية. وأهم المدن فى إندونيسيا: جاكرتا العاصمة، وباندونج وميدان وباليمبانج وسورابايا. وتُعد إندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان؛ إذ يبلغ عدد سكانها نحو (188) مليون نسمة، وتبلغ نسبة المسلمين بها (94%). النشاط الاقتصادى فى إندونيسيا: تعد الزراعة أهم حرفة للسكان، وتبلغ المساحة المزروعة (18) مليون هكتار، وأهم المحاصيل فيها: الأرز وفول الصويا والقمح والمطاط وقصب السكر والبن والشاى. وتمتلك إندونيسيا ثروة حيوانية وسمكية هائلة، كما تمتلك ثروة معدنية ضخمة، أهمها: القصدير والنحاس والمنجنيز، إلى جانب مصادر غنية للطاقة، أهمها: البترول والغازالطبيعى. ويحكم إندونيسيا الآن (1997 م) الرئيس سوهارتو.

*بعلبك

*بعلبك مدينة عربية معاصرة. تقع فى سهل البقاع، على سفح جبل لبنان الشرقى. وتبعد عن شرق بيروت بمسافة (85) كم، وهى الآن إحدى مدن محافظة البقاع فى جمهورية لبنان الحاليَّة. وتمتاز بخصوبة أراضيها وتُزرع فيها الحنطة والشعير والذرة. وبعلبك مكونة من كلمتين؛ (بعل) و (بك)، وتعنى فى اللغة السامية: رب سهل البقاع. وقد فتحها المسلمون سنة (16هـ = 637م) فى عهد عمر بن الخطاب على يد قائده أبى عبيدة بن الجراح، رضى الله عنهما. وعندما فتح المعز لدين الله الفاطمى مدينة دمشق سنة (361هـ = 972م) عين على بعلبك واليًا من قبله، وظلت تابعة للفاطميين حتى سنة (468هـ = 1075م)، حين دخلها السلاجقة. وفى سنة (570هـ = 1174م) استولى عليها صلاح الدين الأيوبى، ثم استولى عليها قائد المغول كتبغا سنة (658هـ = 1260م)، وعندما هزم قطز سلطان مصر المغول فى السنة نفسها انتقلت بعلبك إلى سيطرة المماليك، ثم دخلها القائد المغولى تيمورلنك سنة (803 هـ = 1400م)، لكنها عادت إلى حوزة المماليك مرة أخرى، وظلت تحت حكمهم حتى سنة (992هـ = 1516م)، حين فتح السلطان سليم الأول بلاد الشام. وفى سنة (1344هـ = 1925م) أُعلن قيام دولة لبنان وضمت إليها بعلبك. ومن آثار بعلبك الشهيرة: معبد جوبيتر، وقلعة بعلبك، والمسجد الأموى، ويُنسب إلى الصحابى الجليل أبى عبيدة بن الجراح. وقد برز كثير من العلماء والأدباء فى بعلبك، منهم: الأوزاعى المتوفَّى سنة (157 هـ = 774 م)، والمقريزى المتوفَّى سنة ( 845 هـ = 1441 م)، ومحمد بن على بن أبى المضاء المتوفَّى سنة (509 هـ = 1115 م)، وخليل مطران المتوفَّى سنة (1369 هـ = 1949 م).

*شنترين

*شنترين مدينة بالأندلس. تقع غربى الأندلس، وتُعرف اليوم باسم سيتاريم بالبرتغال، وتبعد عن لشبونة - العا صمة البرتغالية - بنحو (43) ميلاً. ويشتغل أهلها بتجارة زيت الزيتون والفا كهة والحبوب والأسماك. وقد فتحها المسلمون سنة (93 هـ = 711 م)، وسقطت فى يد المسيحيين سنة (486 هـ = 1093 م) على يد ألفونسو السادس، وبقيت فى يد المسلمين حتى عام (543 هـ = 1147 م)، وملكها الإفرنج فى هذه السنة. ومن آثارها: أجزاء من أسوار القلعة الأندلسية، وبرج كاباساس. ويُنسب إليها كثيرمن العلماء، من أشهرهم: ابن بسام الشنترينى صاحب كتاب (الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة).

*الفيوم

*الفيوم محافظة بجمهورية مصر العربية. مساحتها (1778) كم2. وتحتل منخفضًا فى الصحراء الليبية، غربى محافظة بنى سويف. وقد كانت تابعة لمحافظة بنى سويف، ثم انفصلت عنها، وأصبحت محافظة قائمة بذاتها منذ سنة (1870 م). ويربطها بالقاهرة طريق صحراوى طوله (81) كم. وتشتهر محافظة الفيوم بزراعة الأرز والموالح والتين والعنب، كما يوجد فيها عدة مناطق سياحية. ومن أهم بلدانها: أبشواى وأطسا وسنورس.

*المراغة

*المراغة مدينة كبيرة من مدن أذربيجان، تقع فى آسيا الوسطى. وكان محمد بن مروان بن الحكم يعسكر بالقرب من أرضها، فكانت دواب الجيش تتمرغ فى أراضيها، فبنى مكانها مدينة أطلق عليها المراغة. وبنى هارون الرشيد أسوارها وحصَّنها، وأنزل بها كثيرًا من الجنود، كذلك تحصن بها الناس عندما وقعت فتنة بابك الخُرَّمى. وفى سنة (618هـ) هاجمها التتار، وقتلوا أهلها، وسلبوا وحرقوا ما وجدوه بها. وبالمراغة كثير من الآثار والعمائر الإسلامية، ونبغ بها العديد من الفقهاء والمحدثين والشعراء.

*عمورية

*عمورية مدينة بإقليم فريجيا القديم، فى الأناضول. تقع فى الشمال الغربى من قونية، وإلى الغرب من أزمير. فتحها الخليفة العباسى المعتصم بالله سنة (223هـ = 838 م)؛ إذ قتل ثيوفيل بن ميخائيل ملك الروم كثيرًا من مسلمى ملطية فى مذبحة عظيمة، وأسر كثيرًا منهم، وكان أكثر الأسرى من النساء، وعلم المعتصم بذلك فسأل أمراءه: أى بلاد الروم أمنع؟ فقالوا: عَمُّوريَّة، فتوجه إليها وفتحها. كما شهدت عمُّورية صراعًا بين السلاجقة والبيزنطيين حتى دخلها السلطان السلجوقى ألب أرسلان سنة (1067 هـ = 1656 م).

*قم

*قمُّ إحدى مدن إيران. تقع على مساحة (147) كيلو مترًا، جنوبى العاصمة طهران، عند مفترق الطرق الرئيسية التى تربط شمال إيران بجنوبها، كما أن خطوط السكك الحديدية التى تربط جميع أنحاء إيران تعبرها من ناحية الشمال. تنقسم قمُّ إداريًّا إلى قم (مركز المدينة)، وجاسب، وإدهال، وآراض، وقهستان، وخلجستان. وتعدُّ قم المدينة المقدسة بالنسبة إلى الإيرانيين، والعاصمة الدينية لإيران فى الوقت الحاضر. أما قديمًا فقد قام الإسكندر بتخريبها عند غزوه لإيران عام (330 ق. م). وافتتحها المسلمون على يد أبى موسى الأشعرى عام (23 هـ)، ثم تعرضت قم فى القرن (7 هـ = 13 م) للغزو المغولى، فلحق بها الدمار، ومع بداية القرن (10 هـ = 16 م) دخلت قم عصرًا جديدًا من العمران والازدهار فى ظل الدولة الصفوية التى جعلت المذهب الشيعى المذهب الرسمى لإيران، فولت وجهها شطر قم بالتعمير والإصلاح. ودفن خمسة من سلاطينها بجوار قبر السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الصادق، فصارت قم منذ ذلك الحين ميدانًا لدفن وجهاء إيران وأمرائها، كما أصبحت قبلة للشيعة فى كل مكان.

*مقدونيا

*مقدونيا إقليم جنوب شرق أوربا. يشبه جزيرة البلقان. ويمتد شمالا من بحر إيجة بين إبيروس وتراقيا. وينقسم من الناحية السياسية إلى مقدونيا اليونانية (34654 كم2) وعاصمتها سالونيك، وجمهورية مقدونيا المتمتعة بالحكم الذاتى (26493 كم2) وعاصمتها سكوبليى، ومقدونيا البلغارية. وكانت مقدونيا فى العصور الوسطى خاضعة للأباطرة البيزنطيين، وكان حكمهم لها مضطربًا؛ إذ كانت باستمرار فريسة للغزاة، وخاصة البلغار، وفتحها ستيفان دوشان ملك صربيا فى القرن الرابع عشر، وبعد موته فتحها الترك. واتسم سكان مقدونيا بكونهم خليطًا من الأديان والقوميات، من المسيحيين والمسلمين واليهود والصرب والبلغار واليونانيين. وحينما أخذت الخلافة العثمانية تتفكك فى القرن التاسع عشر أدعت كل من اليونان وصربيا وبلغاريا حقها فى تملكها، وأعطت معاهدة سان ستفانو الجانب الأكبر لبلغاريا، ولكن مؤتمر برلين سنة (1878 م) أعاد إليها الحكم التركى السابق، وكونت منظمات سرية إرهابية للعمل على استقلال مقدونيا عن الحكم العثمانى، ونالت هذه المنظمات تأييد بلغاريا التى ظفرت بنصيب كبير من مقدونيا فى حرب البلقان الأولى (1912 - 1913 م)، لكن اليونان وصربيا هزمتا بلغاريا فى حرب البلقان الثانية سنة (1913 م)، وحصلتا على حدودهما الحالية تقريبًا. وفى الحرب العالمية الثانية وقعت مقدونيا فى قبضة البلغار فترة قصيرة فيما بين سنتى (1941، و 1944م)، إلا أن معاهدة الصلح سنة (1947 م) أعادت الحدود السابقة.

*الاتحاد السوفييتى

*الاتحاد السوفييتى دولة اتحادية سابقة، كانت تضم (15) جمهورية، كل جمهورية ذات سيادة. وقد أطلق عليها اسم جمهوريات روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية فى عام (1337 هـ = 1918 م)، وكلمة سوفييت معناها فى اللغة الروسية مجلس، وكان الاتحاد السوفييتى السابق يشترك مع (12) دولة فى حدوده السياسية، ست منها فى أوربا، وست فى آسيا. وكانت مساحته (22.4 مليون كم2). وقد كان أحد أقوى دولتين عسكريتين فى العالم، وكان عضوًا فى حلف وارسو وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، وكان له حق النقض (الفيتو). وتنوعت تضاريسه بين مرتفعات تمثل (10%) وسهول تمثل (90%)، ووجد به كثير من الأنهار والبحيرات، وتنوعت ظروفه المناخية؛ نظرًا لاتساع مساحته. وأهم المحاصيل الزراعية التى كانت به: القمح، والذرة، والقطن، وبنجر السكر، وكان يتصدر دول العالم فى تربية الماشية وإنتاج الأسماك، كما كان فى مقدمة دول العالم فى إنتاج البترول، والغاز الطبيعى، والمعادن مثل: الحديد، والمنجنيز، والنيكل، والألومنيوم، والنحاس، والفحم. وأهم الصناعات التى كانت به: صناعة الحديد والصلب، والأسمدة، والورق، والمنسوجات القطنية، والسيارات، وغيرها. وكان عدد السكان يقدر بنحو (287) مليون نسمة وفق إحصائية سنة (1989م)، منهم نحو (60.3) مليون مسلم. وكان به (125) لغة، وكانت اللغة الروسية هى اللغة الرسمية، كما كانت الديانة المسيحية هى الديانة الرسمية. وينسب تأسيس الدولة الروسية إلى الأمير روريك، وقد تمكن أولاده من بعده من الاستيلاء على القسم الجنوبى من الاتحاد السوفييتى، ثم تعرض الاتحاد السوفييتى لغزو المغول وظل أكثر من قرنين ونصف قرن يدفع الجزية للمغول المسلمين، إلى أن استطاع إيفان الثالث سنة (844 - 911 هـ = 1440 - 1505م) أن يقيم دولة قوية كانت البداية لتكوين الإمبراطورية الروسية، ثم قامت روسيا القيصرية سنة

(1022هـ = 1613 م)، وأخذ الاتحاد السوفييتى السابق فى التوسع حتى ضم أجزاء من أوربا. وفى التسعينيات من القرن العشرين بدأت الجمهوريات السوفييتية تستقل عن الاتحاد السوفييتى بعد سقوطه.

*آسيا

*آسيا كبرى قارات العالم، ومهد الديانات السماوية والحضارات القديمة. تبلغ مساحتها (44.043.000 مليون كم2). يطل ساحلها الجنوبى على بحر العرب والمحيط الهندى، ويطل ساحلها الشمالى على المحيط المتجمد الشمالى، ويطل ساحلها الشرقى على المحيط الهادى وبحر الصين وبحر اليابان. ويوجد فيها أكثر جهات الأرض انخفاضًا، وهو منخفض الأردن، والبحر الميت، وبها أكثر جهات الأرض ارتفاعًا، وهى قمة إفرست فى جبال الهيملايا. ومناخها يختلف من مكان إلى آخر؛ نظرًا لاتساع مساحتها، وتختلف أنواع النبات أيضًا باختلاف المناخ، وأهم المحصولات الزراعية بها: الأرز وهو الغذاء الرئيسى لغالبية السكان، والقمح، والذرة، والكتان، والشاى، والبن، والبنجر، والقطن، وغيرها. كما تشتهر بوجود الإبل والماعز والأغنام والخيول والحمير، وتكثر فيها الفيلة والخراتيت. وهى غنية بالمعادن ومصادر الطاقة، مثل: الذهب والفضة والرصاص والنحاس والبلاتين والفحم والجرافيت والبترول وغيرها، ويبلغ عدد سكانها ثلاثة مليارات وثلاثمائة وثمانية ملايين نسمة حسب إحصائية سنة (1992م)، منهم (752) مليون مسلم. ومن الدول الإسلامية فيها: أفغانستان، وبنجلاديش، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، وباكستان، وتركيا، والعراق، والأردن، ولبنان، والسعودية، وسوريا، واليمن، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية، وعمان، وبروناى، وفلسطين المحتلة. ويتكلم السكان اللغات العربية، والفارسية، والتركية، والإندونيسية، والأوردية، والباشتو، والروسية، والصينية، واليابانية.

*أدرنة

*أدرنة مدينة تركية، اتخذها سلاطين الدولة العثمانية عاصمة لدولتهم فترة من الزمان قبل فتح مدينة القسطنطينية. وهى تقع فى القسم الأوربى لتركيا، وسط سهل خصيب، وتحتل موقعًا عند ملتقى ثلاثة أنهار، هى: مريج وآراد وطونجة. وتشتهر أدرنة بزراعة التفاح واللوز والجوز وأصناف من الحبوب، كما تتميز جبالها بكثرة الأشجار، ويستخرج من أرضها عديد من المعادن، مثل: الحديد والمرمر، كما توجد بها عدة صناعات، منها: صناعة المنسوجات الحريرية والقطنية والصوفية وصناعة العطور والجبن. وقد كانت أدرنة فى العصر العثمانى مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وكانت تضرب فيها العملة، كما تشتهر بكثرة الآثار الإسلامية، ففيها أكثر من (40) مسجدًا أثريًّا، أشهرها مسجد سليم الثانى المعروف باسم جامع السليمية. ويقدًّر عدد سكان أدرنة، بنحو (72) ألف نسمة. وقد كانت أدرنة قبل أن يفتحها العثمانيون سنة (763 هـ = 1361 م) مسرحًا لصراعات عديدة ومعارك حربية زمنًا طويلا، ثم اتخذها العثمانيون قاعدة أمامية لتوسعهم فى أوربا، ثم أصبحت عاصمة لهم سنة (816 هـ = 1413 م)، إلى أن فتح محمد الفاتح القسطنطينية سنة (857 هـ = 1453 م)، فاتخذ القسطنطينية عاصمة للدولة بدلا من أدرنة، ولما تولى السلطان أحمد الأول خلافة الدولة العثمانية سنة (1012 هـ = 1603م) جعل أدرنة عاصمة للدولة. وأثناء فترات ضعف الدولة العثمانية تعرضت أدرنة للاحتلال الروسى مرتين، ولكن أنور باشا استردها منهم، ثم احتلتها اليونان إلى أن انسحبت منها، وبعد ذلك أصبحت أدرنة تابعة للدولة التركية المعاصرة.

*أسوان

*أسوان مدينة كبيرة. تقع فى صعيد مصر، قرب الحدود الجنوبية. وهى الآن عاصمة لمحافظة تحمل هذا الاسم. تبلغ مساحتها (873 كم2). وهى آخر محافظات مصر من جهة الجنوب. وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل. يحدها من الشمال إدفو، ومن الجنوب أرض النوبة، ومن الشرق الصحراء الشرقية، ومن الغرب النيل، وتواجهها فى وسطه جزيرة الفنتين أو جزيرة أسوان. ويبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة. وأهم مدنها: كوم امبو، وغيبة، وإدفو. وأسوان مدينة قديمة ذات تاريخ عريق؛ فقد وجد فيها بقايا آثار من العصر الحجرى القديم الذى استخدم فيه الإنسان آلات مصنوعة من حجر الصوان، وتوجد منها نماذج محفوظة بمتحف أسوان. وقد كانت هذه المدينة عند نشأتها قرية متواضعة اتخذها التجار مكانًا يتبادلون فيه سلعهم، وأطلقوا عليها الكلمة الفرعونية سوان، أى: السوق، واتخذها الفراعنة مركزًا للدفاع عن مصر، كما اتخذوها عاصمة لمصر الجنوبية، واعتمد عليها أحمس فى محاربة الهكسوس وطردهم من مصر. وعندما فتح المسلمون مصر سنة (21 هـ = 642 م) دخلوا أسوان، وجعلوها قاعدة الجنوب الكبرى؛ لتأمين حدود مصر الجنوبية. وقد استقرت فيها القبائل العربية، مثل: قبيلة ربيعة، وقد كانت أسوان ملتقى طرق القوافل الآتية من النوبة والسودان والصحراء الشرقية، وكذلك بالنسبة إلى القوافل التى تمر بميناء عيذاب على البحر الأحمر. وقد بنى محمد على باشا أولى مدارسه الحربية فى مصر الحديثة فى أسوان، وقد زادت أهميتها فى العصر الحديث بعد إنشاء سد أسوان سنة (1321هـ = 1903 م)، ثم السد العالى الذى بدأ العمل فيه سنة (1380 هـ = 1960 م). بدأت هذه المدينة فى الازدهار فى مجال السياحة، حتى احتلت مكانة مرموقة بين مدن العالم فى هذا المجال. ومن الآثار الفرعونية فيها: المحجر الشمالى وفيه المسلة الناقصة، ومقابر الأمراء، ومعابد البطالمة. كما يوجد فيها دير الأنبا

سمعان والمآذن الإسلامية، مثل: مئذنة المشهد القبلى (بلال) ومئذنة المسجد البحرى ومئذنة الطابية.

*أشبونة

*أشبونة مدينة أندلسية قديمة، ترجع أصولها إلى العصر الرومانى، وكانت تُسمَّى أليسيبو. تقع غرب بلاد الأندلس (إسبانيا والبرتغال) عند مصب نهر تاجة على ساحل المحيط الأطلسى، وهى الآن عاصمة دولة البرتغال، وإن كان اسمها قد تغير قليلا من أشبونة إلى لشيونة. وترجع أصول هذه المدينة إلى العصر الرومانى. وفتحها المسلمون سنة (93هـ=712م) أثناء فتوحات طارق بن زياد وموسى بن نصير لبلاد الأندلس. وقد كانت لشبونة من مراكز الثقافة الإسلامية، وهى الآن من أهم مراكز الاتصالات الجوية الدولية المهمة فى العالم، كما أنها مركزحيوى عظيم للتجارة والثقافة والفن، وتعد الميناء البحرى الأول فى البلاد، كما أنها تشتهر بالتقدم العمرانى العظيم. أما سكان أشبونة فيبلغ عددهم (2.062.200) نسمة، حسب إحصائية سنة (1981م).

*إصطخر

*إصطخر مدينة من أقدم المدن الفارسية، تقع إلى الجنوب الغربى من إيران أقيمت على أنقاض مدينة برسيبوليس التى أسسها داريوس فى القرن السادس قبل الميلاد، وجعلها عاصمة اللخميين، وكانت تبعد عن مدينة شيراز الحالية بنحو (50كم)، وهى تقوم على تل صخرى قرب نهر بندمير وسط سهل فسيح يعد من أخصب السهول ويُعرَف الآن باسم مردشت. وقد أتخذتها الدولة الساسانية مركزًا دينيًّا لها، وفيها كانت النار التى أطفأها الله، عز وجل، يوم مولد الرسول e، وقد فتحها المسلمون سنة (23هـ=643م) على يد أبى موسى الأشعرى وعثمان بن العاص، وقيل: فتحت سنة (19هـ=640م) على يد العلاء الحضرمى، رضى الله عنهم جميعًا. وقد قلت أهمية إصطخر بعد بناء مدينة شيراز سنة (64هـ=684م)،ثم أصابها التدهور، فلم يبقَ منها غير أطلال مسجدها الكبير وبقايا سورها، وكان ذلك فى عهد الدولة البويهية (320 - 447هـ=932 - 1055م). وعلى أنقاض إصطخر أنشئت قرية حاجى آباد. وإلى إصطخر ينتسب أبو إسحاق إبراهيم الكرخى الإصطخرى، من علماء الجغرافيا، ويُنسَب إليها عدد من العلماء والأدباء أيضًا.

*إفريقيا

*إفريقيا إحدى قارات العالم الست. يحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب ممر رأس الرجاء الصالح، ومن الشرق البحر الأحمر، ومن الغرب المحيط الأطلنطى. وتبلغ مساحتها (30.3) مليون كم2. وهى ثانية قارات العالم من حيث المساحة بعد قارة آسيا. وقد كانت إفريقيا جزءًا من قارة جندوانا القديمة التى تصدعت، وانفصلت عنها إفريقيا فى صورتها الحالية منذ حوالى (65) مليون سنة. وإفريقيا هضبة مرتفعة، يبلغ أقصى ارتفاع لها فى الجنوب، ويشغل الأخدود الإفريقى الجزء الشرقى من الهضبة، كما توجد الجبال الالتوائية فى الجزء الشمالى الغربى، وهى جبال أطلس، وتشكل هضبة البحيرات المنابع الدائمة لنهر النيل، وأهم هذه البحيرات بحيرات: تانا، وفيكتوريا، وتنجانيفا، وألبرت. كما تجرى فى القارة أنهار: النيجر، والأورانج، والفولتا، والسنغال، والزمبيزى، وغيرها، ونتيجة لاتساع مساحة القارة تنوع المناخ فيها حيث يوجد المناخ الاستوائى والمناخ الصحراوى ومناخ البحر المتوسط. وتنقسم السلالات فى إفريقيا إلى سلالات قديمة، وهى الأقزام والبشمن، وسلالات زنجية، وسلالات قوقازية. ويبلغ عدد سكان إفريقيا (692) مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1992م)، يدين أكثر من (50%) منهم بالإسلام. وتوجد أكثر من (800) لغة فى إفريقيا، منها لغات سامية، مثل: اللغة العربية، ولغات حامية، مثل: لغة البربر، ولغات سودانية، ولغة البانتو. وتعد الزراعة من أهم مصادر الدخل فى إفريقيا. وأهم المحاصيل فيها الذرة الرفيعة والشامية والقمح والكسافا والأرز والقطن والقرنفل والمطاط والطباق وغيرها. ويعد الرعى وتربية الحيوانات ركيزة أساسية فى اقتصاديات الدول الإفريقية، وحرفة لعدد كبير من السكان، وترتبط مناطق الرعى بمناطق قلة المطر، كما تشكل الثروة المعدنية مصدرًا أساسيًّا للثروة فى إفريقيا، ولكنها تصدر كمواد خام، ومن أهمها: الحديد والمنجنيز والنحاس والفوسفات. والصناعة فى إفريقيا

متخلفة كثيرًا عن دول العالم، وتأتى جنوب إفريقيا فى مقدمة الدول الإفريقية الصناعية، تليها مصر خاصة فيما يتعلق بالصناعات التحويلية. وقد ظهرت على أرض إفريقيا حضارات عديدة، إلى أن وصل الإسلام إليها وانتشر فيها، وبنى أول مسجد فيها وهو مسجد عمرو بن العاص. وشهدت القارة تطورات كبيرة خلال تاريخها.

*الإسكندرية

*الإسكندرية كبرى الموانئ المصرية والإفريقية، والمدينة الثانية فى مصر بعد القاهرة. تقع فى الجزء الشمالى الغربى من مصر، ويحيط بها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب بحيرة مريوط. وتتميز بطبيعة صخرية جيرية ويبلغ عدد سكانها نحو (4) ملايين نسمة، وهى تُنسَب إلى الإسكندر الأكبر المقدونى الذى أمر المهندس دينوقراطيس بإنشائها سنة (332 ق. م). وكانت تُعرَف من قبل باسم راقودة، ثم جاء بطليموس بعد الإسكندر واتخذها عاصمة لمصر، وأحاطها بسور ضخم به أبراج وحصون. وقد ظلت الإسكندرية عاصمة لمصر فى العصر الرومانى حتى تم الفتح الإسلامى لمصر، ففتحت الإسكندرية سنة (20هـ=641م)، ودخلها عدد من الصحابة، رضى الله عنهم، منهم: أبو الدرداء، وقد عدَّها المسلمون ثغرًا مهمًّا؛ فاهتموا بها، فاتخذوها قاعدة للفتوحات الإسلامية فى إفريقيا، كما اهتموا ببناء المساجد فيها، وأهمها مسجد عمروبن العاص، ثم اعتنى الفاطميون بالمنشآت البحرية فيها، كما اعتنى صلاح الدين الأيوبى بالأسطول البحرى. أما فى العصر الحديث فقد شهدت هذه المدينة أحداثًا خطيرة؛ فقد نزلت فيها الحملة الفرنسية، وشهدت موقعة أبى قير البحرية بين الأسطولين الإنجليزى والفرنسى، ثم جاء محمد على فاهتم بتنمية المدينة، فشق فيها ترعة المحمودية، وأقام ترسانة بحرية فيها، وعندما احتل الإنجليز مصر اتخذوا الإسكندرية قاعدة لأسطولهم فى البحر المتوسط خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وعندما استقلت مصر وأصبحت جمهورية شهدت الإسكندرية تطورًا عمرانيًّا وحضاريًّا؛ حيث قامت بها بعض الصناعات، مثل: صناعة الغزل والنسج والورق والأسمنت وتكرير البترول. ويوجد بالمدينة عديد من المتاحف والمزارات التاريخية، مثل: المتحف اليونانى الرومانى، ومعهد الأحياء المائية، وغيرهما.

*المدائن

*المدائن مدينة فارسية قديمة. تقع اليوم فى الضفة الشرقية إلى الجنوب من بغداد بما يقرب من (30كم)، وسميت بالمدائن؛ لأن ملوك فارس كانوا يسكنونها منذ القرن الثانى قبل الميلاد، فإذا ملك أحدهم البلاد، قام ببناء مدينة له بجانب الأخرى، حتى وصل عدد هذه المدن إلى سبع مدن، فأطلق العرب عليها المدائن. ومن أهم هذه المدن، العتيقة والإسكندرية ورومية وطيسفون. وفى سنة (16هـ=637م) فتح سعد بن أبى وقاص المدائن فى عهد عمر ابن الخطاب، رضى الله عنهما، فسكنها المسلمون، ولكنهم خرجوا منها وتركوها بعدما بنيت الكوفة والبصرة وبغداد وسامراء، فهجرت قصور المدائن ومنازلها وهدمت، ولم يبق منها إلا قرية صغيرة يعيش بها بعض الفلاحين على الزراعة.

*إريتريا

*إريتريا إحدى الدول العربية الإسلامية. تقع شرق إفريقيا على الساحل الغربى للبحر الأحمر، بين خطى عرض (15ْ و18ْ) شمالا. يحدها من الشمال والغرب السودان، ومن الجنوب أثيوبيا وجيبوتى، ومن الشرق البحر الأحمر. وتبلغ مساحتها (120) ألف كم2. يعمل بالزراعة فى إريتريا (80%) من السكان. وأهم المحاصيل الزراعية: الذرة والشعير والقمح والفواكه. وتوجد ثروة حيوانية فيها ممثلة فى الأغنام والإبل والأبقار، كما توجد ثروة معدنية أهمها: الذهب والفضة والحديد والنحاس وأملاح البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. ويبلغ عدد سكان إريتريا نحو (5) ملايين نسمة، أغلبهم مسلمون سنيون، ويوجد عدد قليل من المسيحيين يتبعون الكنيسة القبطية المصرية. ويتكلم السكان اللغة العربية والتجرينية. وأسمرة هى العاصمة. وأهم الموانئ مصوع وعصب. ومن أهم المدن نقفة. وقد كان النجاشى ملك الحبشة يحكم إريتريا عندما وصل إليها الإسلام، ثم انتشر فيها الإسلام بعد الهجرات العربية إليها، حتى أصبحت مملكة إسلامية، ثم أصبحت ضمن الدولة المملوكية فى مصر، ثم احتلها البرتغاليون، ثم أخذها العثمانيون، وأطلقوا عليها اسم إيالة الجيش، ثم احتلتها إيطاليا حتى الحرب العالمية الثانية، ثم سيطرت عليها بريطانيا، فقامت أثيوبيا بعمل دعاية لإقناع الشعب الإريترى بالانضمام إليها، وقامت بريطانيا، بتحويل قضية إريتريا إلى الأمم المتحدة سنة (1368هـ=1949م)، ووافقت الأمم المتحدة على ضم إريتريا إلى أثيوبيا لكن الشعب الإريترى لم يرض بذلك، فقام بتوحيد صفوفه ضد الاحتلال الأثيوبى، واستطاع بعد أكثر من (30) سنة أن يعلن استقلاله سنة (1411هـ=1991م)، وتشكلت حكومة برئاسة أسياس أفورقى الذى قام باتخاذ الإجراءات اللازمة لانضمام إريتريا إلى المنظمات الدولية.

*مرو

*مرو لفظ مرو فى اللغه العربية يعنى الحجارة البيضاء التى يُقتدَح بها. وقد كانت مرو أشهر مدن خراسان وأعظمها، والنسبة إليها مروزى. وتقع فى واحة كبيرة بصحراء كاراكوم بجمهورية تركماستان، على نهر مرجب. كان يطلق عليها مرجيانا، حين كانت عاصمة إحدى المقاطعات الشمالية فى فارس القديمة. وكانت مركزًا للثقافة الإسلامية فى العصور الوسطى، ثم انتزعتها روسيا من الأوزبك سنة (1884م)، ونشأت المدينة الجديدة بجانب المدينة القديمة التى تسمى الآن بيرام على، وهى مركز لصناعة النسج.

*مسقط

*مسقط عاصمة سلطنة عمان. تقع شرق شبه الجزيرة العربية، على خليج عُمان وبحر العرب. يوجد فى شمال غرب المدينة سهل ساحلى خصيب يشتهر بتموره المميزة التى تنضج مبكرًا. ومعظم السكان من العرب والهنود والبلوخستانيين والزنوج، ويعمل الهنود بالتجارة. واستولى عليها البرتغاليون بين سنتى (1508و1648م) وآلت إلى حكم بعض أمراء فارس، ثم أصبحت عاصمة عمان سنة (1741م)، وتتركز تجارة مسقط الخارجية مع اليابان وبريطانيا. وأهم الصادرات: الفواكه، والتمور والحمضيات.

*مصر

*مصر دولة تقع فى الشمال الشرقى من قارة إفريقيا عند التقائها مع قارة آسيا، ويقع جزء منها فى قارة آسيا، وهذا الجزء هو شبه جزيرة سيناء. ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب السودان ومن الغرب ليبيا، ومن الشرق البحر الأحمر وخليج العقبة وفلسطين. وتبلغ مساحة مصر نحو مليون كم2. تمتد بين دائرتى عرض (21.47 ْ و31.40 ْ) شمالا، وخطى طول (24.45 ْو35.50) شرقًا. ويبلغ عدد سكانها نحو (61.452.382) نسمة حسب إحصائية سنة (1996م). واللغة الرسمية فيها هى اللغة العربية. ومن أهم مدنها: القاهرة (العاصمة) والإسكندرية والجيزة وأسوان والأقصر والسويس والإسماعيلية والفيوم وبنى سويف. ويعتمد اقتصادها على الصناعة والزراعة والتعدين، فقد تطورت الصناعة فى مصر تطورًا كبيرًا خاصة فى صناعة الغزل والنسج، والصناعات الهندسية والكهربائية والمعدنية والبترولية وصناعة الحديد والصلب والأسمنت، وأهم المحاصيل الزراعية فى مصر: الأرز والذرة والقطن وقصب السكر والشعير والمانجو واليوسفى والموز والليمون والبرتقال، وأهم مصادر الطاقة وموارد الثروة المعدنية: البترول والفوسفات والحديد. والتعليم فى مصر مجانى فى جميع المراحل، وتقوم الدولة بإرسال أبنائها إلى الخارج للحصول على الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه، وأهم الجامعات فى مصر: الأزهر والقاهرة والإسكندرية وعين شمس. وتصدر فى مصر صحف كثيرة، من أهمها: الأخبار والأهرام والجمهورية. كما يبث التليفزيون والإذاعة فى مصر برامجهما، ويقومان بتغطية أحداث الدولة ودول العالم. ويرجع تاريخ مصر إلى نحو عام (4240 ق. م)، وكانت عاصمتها هليوبوليس (عين شمس الحالية)، وقد قسمت إلى قسمين، الوجه البحرى فى الشمال، والوجه القبلى فى الجنوب، كما قسمت إلى ثلاثة عصور تاريخية، هى: العصر الفرعونى والعصر البطلمى والعصر الرومانى. وقد بدأ الفتح الإسلامى لمصر فى

سنة (18هـ=639م) بقيادة عمرو بن العاص، رضى الله عنه، وتحقق الفتح سنة (20هـ=641م) فأصبحت ولاية إسلامية إبان حكم الراشدين وبنى أمية وبنى العباس، واعتنق غالبية السكان الدين الإسلامى، وقد حكمها الفاطميون (358 - 367هـ=969 - 1171م)، ثم الأيوبيون (567 - 648هـ =1171 - 1250م)، ثم المماليك (648 - 923هـ =1250 - 1517م)، ثم العثمانيون. وفى سنة (1798م) وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر، واحتلتها، لكن الحملة لم تستمر سوى ثلاث سنوات، وبعد خروج الفرنسيين من مصر آلت السلطة إلى محمد على سنة (1805م) وأسرته من بعده. وفى عام (1882م) احتل الإنجليز مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1914م)، وأصبحت مملكة وراثية سنة (1922م). وفى سنة (1923م) أصدرت إنجلترا تصريحًا يتضمن إسقاط الحماية البريطانية عن مصر. وفى سنة (1945م) دخلت مصر الجامعة العربية. وفى (23 من يوليو 1952م) قامت ثورة الجيش الوطنية، فقضت على النظام الملكى، وأعلنت الحكم الجمهورى. وفى سنة (1958م) اتحدت مصر مع سوريا، وتكونت الجمهورية العربية المتحدة، ثم انفصلت سوريا فى عام (1961م). وقد خاضت مصر فى القرن العشرين عدة حروب، أهمها حرب (1973م) ضد إسرائيل التى نتهت بانتصار مصر. ويحكم مصر الآن (1997م) الرئيس محمد حسنى مبارك.

*معرة النعمان

*معرة النعمان منطقة قريبة من حلب. يُنسب إليها الشاعر أبو العلاء المعرى، وتنسب إلى النعمان بن بشير الأنصارى الذى كان واليًا على حمص وقنسرين، فى عهد معاوية بن أبى سفيان، ويقال: إن السبب فى إنشائها أن ابنًا للنعمان خرج فى رحلة صيد فافترسه سبع فى موضع المعرة، فجزع عليه أبوه، وبنى بيتًا فى ذلك المكان عند قبر ابنه، وأقام هنالك، فبنى الناس منازل لهم فى ذلك المكان وعُمرت البلدة، ونسبت إليه.

*أثينا

*أثينا عاصمة اليونان. تقع على دائرة عرض (38ْ) شمالا، وبين خطى طول (32ْ)، و (23ْ) شرقًا. مناخها حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً، وعدد سكانها يقدر بنحو (625) ألف نسمة، لكن إذا أضيف إليها ميناء بيرايوس وعدة ضواحٍ حولها فسيزيد عدد سكانها ليصل إلى (2.8) مليون نسمة. أهم الأنشطة الاقتصادية فيها صناعة المنسوجات والآلات. وهى من أقدم مدن العالم؛ إذ أُسست فى أثناء حكم ميكروبس منذ عام (1582 ق. م)، واشتهرت بعلومها وفنونها وآدابها، وارتبطت بها أسماء كثير من الفلاسفة والأدباء، أمثال: سقراط وأفلاطون وثوكيديس وأرسطو طاليس وليسياس، وغيرهم. وقد قامت بين أثينا وبلاد الشام ومصر والعراق والجزيرة العربية علاقات تجارية وسياسية، ثم اضطربت أحوال المجتمع، فعندما ظهرت أول حكومة فيها عام (681 ق. م) عرف المجتمع الأثينى الطبقية ممثلة فى طبقة النبلاء وطبقة الصناع وطبقة المزارعين وطبقة العمال المأجورين، ثم قام بعض الزعماء بحركات إصلاحية، إلى أن خضعت البلاد لحكم المقدونيين ثم الرومان ثم البيزنطيين، حتى قامت الحروب الصليبية وسقطت القسطنطينية سنة (601هـ=1204م)، وقُسمت بلاد اليونان بين الأمراء الفرنسيين. وكان أول اتصال بين أثينا والمسلمين عام (283هـ=896م) حين دخلها المسلمون لأول مرة، ولم يقيموا فيها إلا فترة قصيرة، وفى عام (800هـ=1397م) دخلها السلطان بايزيد الأول، لكن الإسلام لم يستقر فيها إلا فى عهد السلطان محمد الثانى الملقب بالفاتح؛ إذ دخلها عام (861هـ=1456م)، فعامل أهلها بحلم ورفق، وخلصهم من المظالم، وطبق تعاليم الإسلام فيها، فنعمت بنور الإسلام قرابة أربعة قرون، وتحدث أهلها اللغتين العربية والتركية. وفى عام (1248هـ=1832م) نجحت المؤامرة الأوربية الصليبية التى اتفق عليها فى مؤتمر لندن الذى 'عقِد سنة (1246هـ=1830م)، فى فصل أثينا وبلاد اليونان عن الخلافة

العثمانية، ثم قامت إنجلترا وروسيا وفرنسا بتنصيب الملك أوتو على بلاد اليونان، وفى عهده عادت أثينا عاصمة لليونان.

*إسبانيا

*إسبانيا دولة أوربية. تقع جنوب غرب قارة أوربا. يحدهامن الشمال فرنسا ومن الشرق والجنوب البحر المتوسط، ومن الغرب البرتغال. وتبلغ مساحتها (504.782كم2). ويوجد بإسبانيا هضبة الميزيتا وجبال أيبيريا وجبال البرانس التىتفصل بينها وبين فرنسا. ويسود إسبانيا مناخ بحر متوسطى بصيفه الجاف وشتائه الممطر. ويعمل بالزراعة مايقرب من (25%) من السكان، وأهم المحاصيل الزراعية: القمح والزيتون والبرتقال والعنب. وتعد إسبانيا مستودعًا للثروة الفلزية؛ حيث تنتج الزئبق والنحاس والزنك والفضة كما تنتج اليورانيوم. وإسبانيا دولة صناعية؛ حيث تسهم الصناعة بنحو (37%) من الإنتاج القومى. وأهم صناعاتها: صناعة السفن والسيارات وتكرير البترول وغيرها، وتعد السياحة من أهم مصادر الدخل القومى؛ حيث تسهم بأكثر من نصف عائدات النقد الأجنبى، فى إسبانبا. ويبلغ عدد سكان إسبانيا (39.625.000) نسمة، حسب إحصائية سنة (1992م)، يتركز معظمهم فى السهول الساحلية وأودية الأنهار. ويتكلم السكان الإسبانية، اللغة الرسمية، كما يتكلمون لغة الباسك واللغة الكتالانية. ويدين معظمهم بالمسيحية الكاثوليكية. والعاصمة مدريد. وأهم المدن برشلونة وبلنسبة وقرطاجنة. وقد ظلت إسبانيا، (الأندلس) دولة إسلامية تابعة للخلافة الإسلامية إلى أن سقطت الدولة الأموية، وقامت الدولة العباسية، غير أن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك استطاع أن يكوّن دولة مستقلة عن الدولة العباسية فى الأندلس، ولم تستمر هذه الدولة أكثر من ثلاثة أرباع القرن؛ حيث غرقت البلاد بعدها فى الفوضى السياسية لمدة أربعة قرون، عُرفَت بعصر ملوك الطوائف الذى انتهى بسقوط غرناطة فى سنة (898هـ=1492م)، وانتهى الحكم الإسلامى هناك، وتوحدت إسبانيا فى وقت مبكر، واستطاعت أن تبنى نفسها، وأصبحت فى العصر الحديث من الدول الصناعية.

*الأندلس

*الأندلس كانت تُطلَق على جميع المناطق التى سيطر عليها المسلمون فى شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا والبرتغال حاليًّا). وتقع فى أقصى الطرف الجنوبى الغربى لأوربا. وتبلغ مساحتها (581.666كم2). ومن الشعوب الأولى التى سكنت فى هذه المنطقة الأيبيريون الذين أطلق اسمهم على هذه البلاد، وهم أقوام من أصل إفريقى، ومع مطلع العصور التاريخية بدأت بلاد الأندلس فى الاحتكاك بالشعوب الأخرى، فعرفها الفينيقيون، وتبادلوا التجارة مع سكانها، ثم عرفها الإغريق، ثم الرومان، وبدأ المسلمون يعرفونها عندما أرسل إليهم والى سبتة يطلب منهم فتح بلاد الأندلس، وبدأ الاستعداد لفتحها سنة (91هـ =710م)، وبدأ موسى بن نصير يعد قواته لذلك الفتح بقيادة طارق بن زياد وفى (ربيع الأول 92 هـ = يناير 711 م) بدأت مراحل الجهاد؛ واستطاع موسى بن نصير وطارق بن زياد بعد معارك كثيرة فتح بلاد الأندلس فأصبحت تدين بالإسلام، وأصبحت اللغة العربية هى السائدة. وظلت الأندلس تحت حكم المسلمين طيلة (8) قرون، حتى سقطت فى أيدى المسيحيين سنة (897هـ =1491م)، وبعدها أُجبر المسلمون على مغادرة البلاد أو التنصر، وكانت هذه هى أسوأ عملية تطهير عرقى عرفها مطلع العصر الحديث.

*بجاية

*بجاية مدينة جزائرية تابعة لولاية قسنطينة. تقع على ساحل البحر المتوسط، على خط طول (5ْ) شرقًا، وخط عرض (36ْ) شمالا، ويحيط بها البحر من ثلاث جهات. وقد بنيت على هيئة مدرج أسفل منحدرات جبل كوراية. وهى تطل على خليج سُمَى باسمها، وبه مرفأ. ويعتدل مناخها فى الصيف ويغزر المطر شتاءً، وتكثر فيها أشجار الزيتون والصفصاف والشوبر. وقد أنشأها الناصر بن علناس أشهر ملوك الدولة الحمادية سنة (460هـ =1068م)، وبنى فيها قصره المعروف بقصر اللؤلؤة، كما بنى دارًا لصناعة السفن، وقناطر معلقة لجلب المياه، وأنشأ سورًا حول المدينة. وقد بلغت بجاية قمة ازدهارها فى القرن (6هـ=12م)، ثم استولى عليها الموحدَون بعد بنى حماد سنة (547هـ=1152م)، ثم آلت إلى الحفصيين سنة (629هـ=1231م) ثم المريذيين سنة (748هـ=1347م)، إلى أن استعادها الحفصيون سنة (763هـ=1361م). وتعرضت بجاية لأطماع الأوربيين فاستولى عليها يدروانافارود الإسبانى، فخرب قصر بنى حماد، لكن صالح ريس قائد البحرية العثمانية فى البحر المتوسط استطاع أن يدك الحصون التى تحصن بها الإسبان، ويهزمهم، ويسترد بجاية من الإسبان. واحتفظ بها العثمانيون قرابة (188) سنة، إلى أن استولى الفرنسيون عليها سنة (1246هـ=1830م) بعد معركة دامت خمسة أيام. وقد شن أهل بجاية ثورات عديدة ضد المستعمر الفرنسى، فكانت مرحلة جهادالشعب الجزائرى ضد المحتل الفرنسى، إلى أن استقلت الجزائر عن فرنسا. وبجاية غنية بالزراعة؛ لسقوط الأمطار ووجود الأنهار والعيون فيها، كما تكثر فيها البساتين التى تتخللها أشجار النارنج والرمان. وهى أيضًا مدينة تجارية ارتبطت بعلاقات مع بعض مدن أوربا. واشتهرت بجاية فى عصورها المختلفة بحركة علمية طيبة؛ فوفد إليها العلماء والأدباء، واستقر بها العلماء الأندلسيون، وقصدها كثير من العلماء فى مصر والشام، وقد ألف أبو العباس الفيرينى

كتابًا عن العلماء الذين زاروا بجاية سَّماه عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء المائة السابعة ببجاية، كما ظهرت فى بجاية الطرق الصوفية، وكان اشهرها الطريقة الرحمانية.

*المجر

*المجر دولة أوربية. تقع فى شرق أوربا. تحيط بها سلوفاكيا من الشمال، والنمسا من الغرب ويوغسلافيا من الجنوب، ورومانيا والاتحاد السوفييتى (سابقًا) من الشرق. وتبلغ مساحتها (93) ألف كيلومتر مربع. وعاصمتها بودابست. وأهم محاصيلها الزراعية: الحبوب والخضراوات، وتنتج البوكسيت والغاز الطبيعى. وأهم صناعاتها الحديد والصلب والسيارات. وعملتها فورينت. ولغتها المجرية. والديانة الرسمية المسيحية البروتستانتية. ويمر بها نهر الدانوب الذى يبلغ طوله فيها (410) كم. ومناخ المجر قارى؛ فصيفها حار، وشتاؤها بارد. ويرجع تاريخ المجر إلى استقرار بعض القبائل المجرية فى حوض نهر الدانوب، بعد أن تركوا موطنهم الأصلى فى سهول شرقى الأورال، وخلال القرن الثانى عشر الميلادى اجتاحها التتار. وفى سنة (1526م) فتحها العثمانيون، واستمروا فيها لمدة تزيد على القرن ونصف القرن. وفى عام (1699م) أصبحت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وظهرت كدولة بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تحولت إلى الاشتراكية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستطاعت الدبابات الروسية إخماد الثورة التى قامت فى المجر ضد الشيوعية سنة (1956م). وفى عام (1989م) تم تعديل الدستور المجرى؛ حيث أصبحت المجر بمقتضاه دولة ديمقراطية. وفى عام (1990م) فاز اليمين فى الانتخابات التشريعية. وأهم أحزاب المجر: المنبر الديمقراطى المجرى، واتحاد الديمقراطيين الشباب، وحزب الشعب الديمقراطى المسيحى. وتعانى المجر تباطؤ نموها الاقتصادى، وارتفاع التضخم، ومشكلات الأقليات المجرية فى بعض الدول الأوربية.

*مدريد

*مدريد عاصمة إسبانيا تقع على أحد روافد نهر تاجة وعلى هضبة واسعة، وهى أهم مركز مواصلات فيها. تطورت حياتها الاقتصادية والتجارية نحو سنة (1890م)، وليس لها منافس سوى برشلونة. وأول ذكر لها يرجع إلى القرن (4هـ=10م) كحصن عربى. واستولى عليها ألفونسو السادس حاكم قشتاله سنة (1083م)، وتطورت المدينة ببطء فى عهد فيليب الثانى، لكنها سرعان ما اتسعت فى القرن (12هـ=18م)، وقامت فيها ثورة شعبية فى بداية حرب شبه الجزيرة ضد الفرنسيين سنة (1808م). كما أسهمت مدريد إسهامًا بطوليًّا فى الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939م)؛ فقد قاومت حصارًا لمدة (29) يومًا، واستسلمت فى مارس (1939م). ومن أهم معالمها: القصر الملكى، ومتحف الفن الإسلامى.

*مجريط

*مجريط عاصمة إسبانيا تقع على أحد روافد نهر تاجة وعلى هضبة واسعة، وهى أهم مركز مواصلات فيها. تطورت حياتها الاقتصادية والتجارية نحو سنة (1890م)، وليس لها منافس سوى برشلونة. وأول ذكر لها يرجع إلى القرن (4هـ=10م) كحصن عربى. واستولى عليها ألفونسو السادس حاكم قشتاله سنة (1083م)، وتطورت المدينة ببطء فى عهد فيليب الثانى، لكنها سرعان ما اتسعت فى القرن (12هـ=18م)، وقامت فيها ثورة شعبية فى بداية حرب شبه الجزيرة ضد الفرنسيين سنة (1808م). كما أسهمت مدريد إسهامًا بطوليًّا فى الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939م)؛ فقد قاومت حصارًا لمدة (29) يومًا، واستسلمت فى مارس (1939م). ومن أهم معالمها: القصر الملكى، ومتحف الفن الإسلامى.

*مراكش

*مراكش ثانية مدن المملكة المغربية، والعاصمة الجنوبية التقليدية. وهى على شكل واحة فى الصحراء، وتقع على بعد (225كم) إلى الجنوب الغربى من مدينة الدار البيضاء عند سفح جبال أطلس، وتتصل بمدينة الدار البيضاء بواسطة خط للسكة الحديدية. وأهم صناعاتها السجاد والمنتجات الجلدية، وصيفها حار وشتاؤها لطيف، والمعدل السنوى لهطول الأمطار فيها (23) سم. وهى مركز تجارى، وسوق كبيرة؛ حيث يتم فيها تبادل منتجات المناطق الغربية والشمالية الرطبة من حبوب وفواكه، بالإضافة إلى السلع المستوردة، بمنتجات الداخل والجنوب الشرقى الجاف من تمور وجلود. وكانت حصنًا للدفاع ضد غارات القبائل المحاربة الغازية التى كانت تغير على المنطقة من وقت إلى آخر من جبال أطلس والصحراء. وبها الكثير من الحرفيين الذين يصوغون الذهب، ويصنعون النحاس والأوانى والجلود والصوف.

*كشمير

*كشمير ولاية إسلامية. تقع فى الطرف الشمالى الغربى من شبه القارة الهندية. تحيط بها الصين من الناحيتين الشرقية والشمالية، كما تحيط بها باكستان من الناحيتين الغربية والشمالية، فى حين تطل على الهند من ناحية الجنوب. وتبلغ مساحتها (217935 كم2). وتنقسم أراضيها حاليًّا إلى قسمين: الأول: يخضع للهند، وتبلغ مساحته ثلثى مساحة الولاية، ويسكنه حاليًّا نحو أربعة أخماس السكان. والآخر: يتبع باكستان، ومساحته الثلث، وسكانه يناهزون (1.5) مليون نسمة، وهو أقل غنى وإنتاجًا. وكانت كشمير حتى تاريخ تقسيمها فى عام (1948م) تنقسم إلى ثلاث محافظات، هى: جامو وكشمير والتخوم. ودخل الإسلام كشمير عن طريق بلبل شاه، وصارت جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية الهندية التى حكمها أباطرة الهند المسلمون منذ فتحها الشاه أمير فى عام (740هـ=1339م). وحين أعلن تقسيم الهند فى عام (1367هـ=1947م) كان المهراجا الحاكم يريد الانضمام إلى الهند، فى حين كان الشعب المسلم يريد الانضمام إلى باكستان لكن المهراجا أعلن انضمام كشمير إلى الهند، متحديًا رغبات معظم السكان. ودارت معارك بين الشعب المسلم والجيش الهندى المعتدى، وواجه مسلمو كشمير القتل الجماعى والإبادة من قبل الهنود، جزاء إصرارهم على تقرير مصيرهم، ثم تدخلت الأمم المتحدة، وحددت خط وقف إطلاق النار، فى عام (1368هـ=1948م)، فغدت الهند تسيطر على ثلثى مساحة كشمير تقريبًا، ونحو أربعة أخماس سكانها، وتدير باكستان الجزء الواقع فى شمال كشمير وغربها، ويعرف باسم كشمير أزاد، أى: كشمير الحرة، وهى ثلث مساحة كشمير، وعدد سكانها يقدر بأكثر من مليون ونصف المليون.

*مرعش

*مَرْعَش مدينة بآسيا الصغرى فى جمهورية تركيا، بالقرب من بلاد الروم. تبلغ مساحتها نحو (11207 كم2)، وكانت مركزًا تجاريًّا كبيرًا للتجارة الكردية. وكان مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية قد بنى حولها سورًا، وحصنًا كبيرًا فى وسطها، فلما ملك بنو العباس أخذها هارون الرشيد، وطوَّر مبانيها. وبعد أن ضعفت الخلافة العباسية ارتفع نفوذ السلاجقة الذين حكموا مرعش وأقطعوها لأمرائهم، فأقطعها السلطان قلج أرسلان بن سلجوق لغلام له يسمَّى إبراهيم، فحكمها أولاده من بعده. وعندما بدأت الحروب الصليبية تتجه إلى بلاد المسلمين استولت على مرعش، ولكنها ما لبثت أن فقدتها أمام إصرار المسلمين على استردادها. وفى سنة (1832 م) سقطت فى يد الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا بن محمد على.

*مصر القديمة

*مصر القديمة يرجع تاريخ مصر إلى ما قبل المسيح - عليه السلام - بأربعة آلاف وخمسمائة سنة تقريبًا. وفى نحو عام (3110 ق. م) وحَّد الملك مينا مملكة مصر العليا ومملكة مصر السفلى. ولا يعرف غير القليل عن عهد الأسرتين الأولى والثانية (نحو 3110 - نحو 2665 ق. م). وفى عهد المملكة القديمة (الأسرات 3 - 6) (نحو 2614 - 2181 ق. م) بنيت أهرامات الجيزة، وكانت العاصمة مدينة ممفيس. وفى تلك الفترة كانت سلطة الفرعون فى أوجها، لكنها ما لبثت أن ضعفت بعد أن تعاظم نفوذ أمراء الإقطاع، ونشب الصراع فيما بينهم (الأسرات 7 - 10) (نحو 2181 - نحو 2052 ق. م)، ثم ظهرت المملكة الوسيطة (الأسرتان 11و12) (نحو 2052 - نحو 1786 ق. م)، وكانت عاصمتها طيبة، وتعد هذه الفترة العهد الكلاسيكى للفن المصرى، وفى عهد هذه المملكة - أيضًا - ازدهرت الحياة الاقتصادية، وبدأ التوسع المصرى خارج الحدود. وفى عهد الأسرات (13 - 17) (نحو 1786 - نحو 1570 ق. م) سيطر الهكسوس على مصر، ثم قامت المملكة الحديثة (الأسرات 18 - 20) (نحو 1570 - نحو 1075 ق. م) فطُرد الهكسوس من مصر، وبرزت حكومة مصرية قوية ذات إدارة بيروقراطية واسعة، وأنشأ المصريون إمبراطورية ضخمة، امتدت من بلاد النوبة إلى الفرات، لكن الغزو الحيثى سرعان ما قوض دعائمها، ثم ظهرت المملكة الحديثة المتأخرة (الأسرات 21 - 25) (نحو 1075 - 657 ق. م)، وفى أواخر عهدها احتل الآشوريون مصر (670 - 654 ق. م)، ثم ظهرت الأسرة السادسة والعشرون (664 - 525 ق. م)، وبعد سقوطها احتل الفرس مصر (525 - 332 ق. م)، ثم طردهم الإسكندر منها عام (332 ق. م). وبعد وفاة الإسكندر عام (323 ق. م) حكم البطالمة مصر (323 - 40 ق. م)، وبعد وفاة كليوباترا عام (30 ق. م) أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. وتعد الحضارة المصرية القديمة إحدى الحضارات العريقة فى التاريخ.

*مرمرة (بحر)

*مرمرة (بحر) بحر كان يطلق عليه برو بنتس. يقع شمال غرب تركيا، بين أوربا وآسيا. طوله (276 كم)، ومساحته (11137 كم2). يتصل بالبحر الأسود عن طريق مضيق البسفور، كما يتصل ببحر إيجة عن طريق الدردنيل. ويحتوى على عدة جزر، أهمها: مرمرة فى الغرب، والأمراء بالقرب من إستانبول.

*مريوط

*مريوط من المدن القديمة بالبحيرة؛ فقد ذكرها هيرودوت ومؤرخو العرب. وتقع بالقرب من الإسكندرية، وموقعها الآن فى مواجهة بركة الشيخ أبى الخير، وكانت من أهم المراكز التجارية، كما كانت تقع فى منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة إلى مدينة الإسكندرية؛ فقد مر بها قيصر الروم، ثم عمرو بن العاص، رضى الله عنه، عند توجهه إلى الإسكندرية لفتحها، وفى القرن التاسع عشر كانت الطريق الذى سلكته جيوش الحملة الفرنسية فى طريقها من الإسكندرية إلى القاهرة.

*مصر العليا

*مصر العليا اسم يطلق على الجزء الممتد من جنوبى القاهرة إلى الحدود السودانية المصرية، وتعرف أيضًا بالصعيد. وكانت فى فجر التاريخ المصرى مملكة منفصلة عن مصر السفلى، ولكن الفرعون مينا وحَّد المملكتين نحو عام (3110 ق. م)، فعرف بملك مصر العليا ومصر السفلى وبموحد القطرين.

*سلانيك

*سلانيك مدينة يونانية تقع شمال شرق اليونان على خليج سالونيك، وتقوم على جزيرة صغيرة فى بحر إيجة. تأسست نحو سنة (351 ق. م)، وشهدت ازدهارًا فى فترة حكم المقدونيين لليونان، وقد خضعت فى فترة من تاريخها لحكم الرومان ثم البيزنطيين ثم استولى عليها نورمان صقلية سنة (1115 م)، ثم فتحها العثمانيون الأتراك سنة (1386 م) فى عصر السلطان مراد خان الأول، ثم استعادها البيزنطيون مرة أخرى وتركوا بها حامية عجزت عن حمايتها، فاستولى عليها البنادقة سنة (1425 م)، ثم استعادها العثمانيون سنة (1429 م) فى عصر السلطان مراد الثانى، وشهدت فى العصر العثمانى ازدهارًا فى شتى المجالات. ومنح السلطان جميع الجنسيات بها الحرية الدينية وحرية التعليم، فنشأ بها العديد من المنشآت كالمساجد والكنائس والمدارس، وصارت سالونيك ثانى الموانئ العثمانية فى أوربا بعد إستانبول. وفى سنة (1492 م)، بعد طرد اليهود والمسلمين من الأندلس، استقرت جماعة كبيرة من اليهود بسالونيك. وهم الذين أطلق عليهم يهود السفارديم، الذين ظهرت منهم بعد ذلك طائفة يهود الدونمة التى لعبت دورًا كبيرًا فى سقوط الخلافة العثمانية. وفى نهاية القرن (19م) وبداية القرن (20م) تمت جميع التدابير والسياسات المعادية للخلافة بسالونيك بزعامة اليهودى إيمانويل قرة صو، كما كانت سالونيك مقرًّا لجمعية الاتحاد والترقى وحزب تركيا الفتاة. وقد انتهت سيادة العثمانيين على سالونيك سنة (1912م) وعادت لسيادة اليونان. وتعرضت سالونيك لأضرارٍ جسيمة أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم عاد إليها الازدهار والنمو بعد الحرب العالمية الثانية حتى صارت أشهر المدن اليونانية بعد أثينا. وهى الآن مركز صناعى مهم لصناعة المنسوجات، والسجائر، والآلات، والأدوات، والصناعات الجلدية.

*الهند

*الهند دولة آسيوية، تحيط بها الباكستان، والاتحاد السوفييتى السابق (عند شريط حدودى ضيق)، والصين، ونيبال، وبوتان، وبورما وبنجلاديش، والمحيط الهندى (خليج البنغال وبحر العرب). تبلغ مساحتها (1.269.340) ميلا مربعًا = (3.287.590كم2). ويدين معظم سكانها بالهندوسية، وتبلغ نسبة المسلمين بها (10%) من السكان، بالإضافة إلى المسيحية والبوذية واليهودية والزرادشتية. العاصمة نيودلهى، وأهم المدن: كالكتا، وبومباى، ودلهى، ومدراس، وحيدر آباد، وكانبور، وبنغالو، وأحمد آباد. واللغات التى يتحدثها أهلها: الهندية والإنجليزية (رسميتان)، ولغات أخرى كالبنغالية، والبنجاب الاسمية، والسندية، والتامول، والأوردو. الاقتصاد: الزراعة يعمل بها (70%) من السكان، و (40 - 45%) من صادرات الهند نصفها من محصول الشاى وحده، وهناك محاصيل أخرى كالأرز، والقطن. ولدى الهند ثروة حيوانية، ومناجم فحم ونفط وحديد ومنجنيز وكذلك صناعات الأقمشة وتكرير النفط والبن. وأهم وارداتها: القمح والأرز والقطن الخام والفولاذ والآلات. ونظام الحكم بها جمهورى اتحادى مع برلمان فيدرالى، وعدة أحزاب، وهى عضو بالأمم المتحدة، والكومنولث، ومشروع كولومبو. وعملتها النقدية هى الروبيَّة. أما تاريخها فطويل؛ فبين عامى (2500،و 1500 ق. م) قامت بها حضارة فى موهنجو وهارابا فى البنجاب (فى الباكستان الآن). غزاها الفرس من شمالها فى القرن (4 ق. م)، وبعد قرنين أخضعها الإغريق، وفى سنة (324 ق. م) أسس أسوكا أول إمبراطورية هندية كان هو أول ملوكها (274 - 232 ق. م). اعتنق البوذية وعمل على نشرها. ومن (320 - 500 م) قامت إمبراطورية غوبتا فى الشمال، ويمثل عصرها العصر الذهبى للهند. وفى سنة (1206 م) أسس الأتراك مملكة دلهى، وفى سنة (1526 م) شيد المغول إمبراطورية كبرى، متخذين من أغرا ودلهى عاصمتين لهم، وفى سنة (1498 م) بدأت العهود الأوربية

بوصول البحار البرتغالى فاسكو دى جاما، وفى القرن (17م) أقامت الشركة الإنجليزية للهند الشرقية مراكز تجارية لها فى شبه الجزيرة الهندية، وكذلك بعدها فرنسا ثم تغلبت إنجلترا (منتصف القرن الثامن عشر) واحتلت الهند وقامت ثورات هندية، أشهرها سنة (1857 م) وقُمِعت، وفى سنة (1885 م) تأسس حزب المؤتمر الوطنى الهندى كرد فعل ضد الاحتلال، واعتمد على تأييد الجماهير له. وفى سنة (1905 م) أصبح تنظيمًا مناضلا من أجل الاستقلال. وفى سنة (1920 م) تزعمه المهاتما غاندى وقام بدور كبير فى النضال من أجل استقلال بلاده، وفى (1935 م) نالت المقاطعات الهندية حكمها الذاتى، ونحت تجاه القومية الهندية حركة قومية إسلامية بالمناطق ذات الأغلبية المسلمة بقيادة محمد على جناح مطالبة بالاستقلال، وقامت فى (14 و15 من أغسطس عام 1947 م) دولتان منفصلتان هما: الهند وباكستان؛ مما ضاعف من حدة المشاكل الاقتصادية بسبب المساحات الزراعية بالباكستان. واغتيل غاندى عام (1948 م)، وتولى نهرو ووضع دستورًا - مستوحى من الدستور الأمريكى - عام (1950 م)، أتاح لمختلف المناطق الهندية الاشتراك فى حكومة الاتحاد الوطنى. وكبرى مشاكل الشعب الهندى هى الفقر. والهنود يقبلون على الانتخابات بحماس، والهند من حيث علاقاتها الخارجية. من مجموعة دول عدم الانحياز، وقد عقدت بنيودلهى القمة السابعة للمجموعة فى (7 من مارس 1983 م)، كما عقد بها المؤتمر الثانى لدول الكومنولث. وتركز الهند على ضرورة قيام نظام عالمى جديد على العدالة والمساواة. وقد قامت ثورة فى البنجاب من قبل السيخ لإنشاء دولة خاصة بهم - باسم خالستان- قوبلت بحزم، وقام متطرفو السيخ بأعمال عنف ضد المسلمين هناك. ولا يُخشى على الهند من الأخطار الخارجية بقدر ما يخشى عليها من المشاكل الداخلية كالفقر والأوضاع الاجتماعية المضطربة.

*الواحات

*الواحات كلمة مصرية قديمة معناها مكان للراحة. وهى عبارة عن قطع متفرقة من الأراضى الزراعية وسط الصحراء. تروى أراضيها من ماء يخرج طافيًا من عيون تتفجر من باطن الأرض. وبلاد الواحات تقع بين القاهرة والإسكندرية والصعيد والنوبة والحبشة، وهى بلد قائم بنفسه، غير متصل بغيره. ومن أهم الظواهر الطبيعية فى الواحات تلال الرمال السيالة المتحركة، وهى تلال رملية، هلالية الشكل، لها خاصية الحركة البطيئة نحو الجنوب؛ لذلك كان خطرها عظيمًا على المزارع والمبانى، وهى تعد أخطر الأسلحة ضد الإنسان فى الواحات. وتتجمع هذه التلال فى شكل مجاميع كالبحر المتماوج، وتختلف فى الارتفاع، وقد تصل أحيانًا إلى (50) مترًا، وفى الاتساع إلى نحو (10 كم). ويسكن أرض الواحات الممتدة غربى النيل فريقان من البدو هما: السعادى والمرابطون.

*الواحات الداخلة

*الواحات الداخلة مركز بمحافظة الوادى الجديد. يقع إلى الغرب من الواحات الخارجة، والمسافة بينهما (180 كم)، وبين الداخلة ووادى النيل (380 كم). عرفت بالداخلة؛ لأنها متوغلة فى الصحراء، وهى كبرى الواحات وأكثرها محصولا. وتشمل الواحات الداخلة عشر قرى، أهمها: موط عاصمة الواحات الداخلة. ويوجد بالواحات الداخلة نحو (464) عينًا تفيض بالمياه على الأرض، كما تتصل الواحات بالوادى عبر الطريق الطويل الذى يربطها بمحافظة أسيوط. وكانت الواحات الداخلة قديمًا تتبع محافظة الصحراء الغربية الجنوبية.

*الهندى (المحيط)

*الهندى (المحيط) ثالث محيطات العالم مساحة (بعد الهادى والأطلسى)، ويمتد من الهند إلى المنطقة المتجمدة الجنوبية، ومن شرقى إفريقيا إلى جزيرة تسمانيا، وينبسط حوالى (6436 كم) بمحاذاة خط الاستواء، و (9654 كم) من شماله إلى جنوبه. وتتكون الأجزاء الساحلية من هضاب قديمة مثل: إفريقية وبلاد العرب والدكن وغربى أستراليا أو من بقايا قارة جندوانا القديمة، وذلك فيما عدا الجزء الشمالى الشرقى حيث توجد جزر الهند الشرقية بجبالها الالتوائية. أما فى الجنوب فيوجد جزء من قارة أنتاركتيكا بين خطى طول (20ْ) شرقًا و (115ْ) شرقًا. وكبرى جزر المحيط الهندى عبارة عن جزر قارية كمدغشقر وسيلون، وهناك جزر صغيرة مثل سقطرة، وزنجبار وكومورو، وبعض الجزر المرجانية وبخاصة فى جنوب غرب شبه جزيرة الهند، والبحار المتصلة بالمحيط الهندى هامشية وقليلة كالبحر العربى وخليج البنغال والبحر الأحمر. والخليج العربى هو الخليج الوحيد المستقل بالمحيط الهندى. وأعمق أغوار المحيط الهندى المعروفة يصل إلى (4270) مترًا بالقرب من جزيرة جاوة. وتجلب رياحه الموسمية الكبرى (مونسون) الأمطار لجنوبى شرقىآسيا، ويتميز الجزء الشمالى منه بحركة السفن الملاحية.

*هيدلبرج

*هيدلبرج مدينة تقع فى شمالى بادن، وغرب ألمانيا على نهر نيكر وسط وادٍ ملىء بحدائق الفاكهة، والكروم. بها قلاع مشهورة يرجع تاريخها إلى القرن (15 م)، ومنازل وكنائس ترجع إلى العصور الوسطى وعصر النهضة. أول إشارة إليها ترجع إلى القرن (12م)، كانت عاصمة بلاتينات الراين حتى عام (1720م). تشتهر بصناعة الباصات وآلات الطباعة. يوجد بها أقدم جامعة ألمانية؛ وهى جامعة هيدلبرج، التى أُسست عام (1386 م).

*هولندا

*هولندا تقع فى شمال غرب أوربا. تحيط بها ألمانيا، وبلجيكا وبحر الشمال. تبلغ مساحتها (40.922 كم2) (15.800) ميل مربع، وسكانها يتبعون كنيسة هولندا الإصلاحية، وهناك كاثوليك يخضعون لسلطة البابا. عاصمتها: أمستردام، لكن مقر الحكومة فى لاهاى. أهم المدن: روتردام، ولاهاى، وأولترخت، وايدهوفن، ولغتها: هولندية (نيرلندية). وأهم الثروات المنجمية: الملح، والفحم، والغاز الطبيعى، وأهم المنتجات الزراعية: الورد، والبطاطا، والقمح. وأهم الصناعات: منتجات الحليب وبعض الأدوات الإلكترونية. وأهم الصادرات: منتجات الحليب، والخضراوات وبعض الأجهزة الإلكترونية. وأهم الواردات: النفط، والحديد والفولاذ. نظام الحكم: ملكى دستورى وراثى، والبرلمان هو السلطة التشريعية. وهولندا عضو بالأمم المتحدة، والحلف الأطلسى، والبنولوكس، والسوق الأوربية المشتركة، والمجلس الأوربى. أهم الأحزاب: المسيحيون الديمقراطيون الليبراليون، والحزب الاشتراكى. الوحدة النقدية لهولندا هى: الفلورن. وفى سنة (1568 م) ولدت الجمهورية الهولندية، ثم عقدت المقاطعات الجنوبية سنة (1579 م) صلحًا مع إسبانيا، أما الشمالية فظلت تناضل حتى استقلت عام (1648 م) وبدأ العصر الذهبى لهولندا حيث تكوَّنت إمبراطورية واسعة الأرجاء لجمهورية هولندا الصغيرة، نافست القوة الإسبانية فى القارة الأوربية، وأسسوا عدة مستعمرات كمستعمرة الهند الشرقية الهولندية. وخلال عصرها الذهبى أنجبت عددًا من الأعلام منهم هوغو غروسيوس، الذى ألَّف كتاب قانون الحرب والسلم الذى استحق عليه لقب أبى القانون والأشخاص، واستحقت لاهاى بعده بعدة قرون أن تكون مقر محكمة العدل الدولية، والفيلسوف باروخ سبينوزا. وفى أواخر القرن السابع عشر بدأ عصر هولندا الذهبى فى الأفول، وفى عام (1794 م) ضمها نابليون بونابرت تحت حكمه، وفى عام (1815 م) أصبحت هولندا مملكة تضم بلجيكا حتى عام (1831

م)، ولوكسمبورج حتى عام (1839 م)، ثم تحولت إلى دولة ملكية دستورية ديمقراطية، وشهدت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ازدهارًا واسعًا. وفى الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918 م) كانت هولندا على الحياد، وفى الثانية (1939 - 1945 م) احتلت فى (14 من مايو 1940م) من جانب هتلر. وبعد انتهاء الحرب أعادت هولندا بناء اقتصادها بسرعة مذهلة.

*نجد

*نجد إقليم بوسط المملكة العربية السعودية. يشغل الجزء الأكبر من وسط الجزيرة العربية، ويمتد من إقليم الحجاز غربًا حتى نطاق الدهناء الرملى شرقًا فى نحو (400) ميل، ويحده شمالا العراق والمملكة الأردنية الهاشمية، وجنوبًا رمال الربع الخالى، ويبلغ أقصى ارتفاع له فى الغرب بنحو (4000) قدم ومتوسط ارتفاعه فى الشرق (2000) قدم فوق سطح البحر؛ ولذلك سمى نجدً لارتفاعه، وتبرز فى نجد سلسلة جبال الطريق ويقطعها عدد من الوديان، أهمها: وادى الرقة، ووادى حنيفة. وتوجد سلسلة من الواحات بالقسم الشرقى تمثل مركز الاستقرار البشرى، والسكان خارج الواحات بدو رحَّل يرعون الإبل والأغنام. أهم قبائلها: عنزة، وعتيبة وحرب، ومطير، ويتكون سكان نجد أساسًا من جنس البحر المتوسط، ونظرًا إلى بقائهم فى شبه عزلة لفترة طويلة فهم يمثلون أنقى سلالات مجموعة الثقافة السامية. أى أنهم يمثلون العرب الخلَّص، كما يوجد فى بعض المدن النجدية عناصر كثيرة من الزنوج. ومناخ نجد شديد الحرارة صيفًا شديد البرودة شتاءً وخصوصًا أثناء الليل. وينقسم إقليم نجد إلى عدد من المناطق، هى جبل شمر، والقصيم، وسدير، والوشم، والعارض، وتوجد بها مدينة الرياض، والخرج وهى واحة غنية، والحريق والإفلاج ووادى الدواسر. وخرج من نجد مسيلمة الكذاب والقرامطة، ونشأت فيها دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوَهَّاب وتأسس فيها البيت السعودى، ومنها بسط السعوديون نفوذهم على الأحساء والحجاز وعسير وتكونت المملكة العربية السعودية سنة (1932 م).

*أوربا الغربية

*أوربا الغربية يضم إقليم أوربا الغربية - أو غرب أوربا - الدول التالية: فرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وبريطانيا، وتطل هذه الأقطار على الساحل الغربى لأوربا بين خطى عرض (43ْ، و53ْ) شمالا، وتتمتع بمناخ معتدل بارد. وتتميز بتنوع كبير فى تضاريسها بين الجبال الشاهقة، والسهول الفسيحة التى يقع بعضها تحت منسوب البحر، والهضاب والأودية. التاريخ: يمكن القول بأن تاريخ غرب أوربا بدأ حينما دخل الرومان فى القرن الثانى قبل الميلاد جنوب فرنسا، ثم تقدموا عن طريق منخفض الروق وبوابة كركاسون ليحتلوا الأراضى المنخفضة (هولندا) حتى بحيرة جنيف شمالا ومدينة تولوز غربًا. ثم امتدت توسعاتهم فى القرن الأول قبل الميلاد فى غرب أوربا فى نهر الراين، ولم يبق سوى شمال هولندا خارج ممتلكاتهم وإن كان لهم بعض النفوذ به. وفى القرون التالية برزت الحضارة الرومانية، التى تمثلت فى الجوانب السياسية والفكرية والاقتصادية فى هذا الجزء، وحلت المسيحية محل الوثنية، وشهد غرب أوربا فترة من الرقى والتقدم. وفى القرن الرابع الميلادى ازداد ضغط الشعوب التيوتونية المتقدمة من السهل الشمالى على حدود الإمبراطورية الرومانية، وأدَّى ذلك إلى انقسام الإمبراطورية قسمين: شرقى وغربى. ثم تعرض غرب أوربا لغزو من الشمال تمثل فى هجرات بعض الشعوب أو القبائل والمجموعات الصغيرة مثل الجوت، والبرجنديين، واللومبارديين، والفرانك، والساكسون، والأنجل. فاحتل الفرانك بلاد Goul ( فرنسا) واحتل الساكسون والفريزيان الأراضى المنخفضة (بلجيكا) و (هولندا) وتحرك الساكسون والجوت والأنجل واحتلوا إنجلترا. وفى بداية القرن السابع الميلادى وصل المسلمون إلى جنوب فرنسا بعد فتحهم الأندلس ومحاولتهم نشر الإسلام فى أوربا، ولكنهم هُزموا فى معركة بلاط الشهداء جنوب فرنسا. وظل غرب أوربا يخضع للإمبراطورية الرومانية حتى نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة واستقلال

كل قطر من أقطار الإمبراطورية بنفسه، وظهر أربع دول عظمى مثلت غرب أوربا هى: بريطانيا، وفرنسا، وهولندا وبلجيكا، وقادت هذه الدول حركة الاستعمار عبر البحار واحتلت مناطق عديدة من العالم فى آسيا وإفريقيا والعالم الجديد وكونت كل منها مملكة عظمى. وظل غرب أوربا لمدة ثلاثة قرون سبقت الحرب العالمية الأولى يقود العالم سياسيًّا واقتصاديًّا حتى سقطت هذه الممالك الاستعمارية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وفى القرن العشرين انحسر تفوق غرب أوربا بعد ظهور القوتين العظميين أمريكا والاتحاد السوفييتى السابق، ثم انفراد أمريكا بهذا التفوق والنفوذ.

*نيس

*نيس مدينة ومنتجع سياحى فى الريفييرا الفرنسية، بالجزء الجنوبى الشرقى من فرنسا. تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد (32 كم) من الحدود الإيطالية. أسست منذ (2000) سنة على يد اليونان، ثم خضعت للرومان والأتراك، وفى القرون التالية حكمت من البروفنس وسافوى. وأهم صادراتها: زيت الزيتون، والصابون، والجلود، والأثاث.

*طليطلة

*طليطلة طليطلة أو توليدو مدينة إسبانية ذات تاريخ عربى إسلامى عريق امتد (375) سنة. وتقوم المدينة على أكمة صخرية يبلغ ارتفاعها (568 م)، وتشرف على مجرى نهر تاجة الذى يحيط بها من ثلاث جهات، وتبعد نحو (40) ميلا فى الجنوب الغربى من مدريد ويربطها بها خط حديدى. عرفت طليطلة فى التاريخ القديم باسم تولتيوم، واستولى عليها الرومان سنة (193 م) وأصبحت بعد ذلك مستعمرة رومانية ثم صارت عاصمة لإسبانيا الرومانية إلى أن استولى عليها القوط الغربيون، واتخذوها عاصمة لدولتهم سنة (534 م) وظلوا يحكمونها حتى الفتح الإسلامى لها على يد طارق بن زياد وموسى ابن نصير سنة (711 م)، وترك المسلمون حكمها لأحد أبناء الأسرة المالكة ومنحوا أهلها حرية العبادة. وأثناء الخلافة الأموية فى الأندلس كانت قرطبة حاضرة الدولة وكانت طليطلة تابعة لها إلا أنها كانت مركزًا لعدد من الثورات التى قامت ضد الأمويين بالأندلس بسبب بعدها عن مقر الحكم وحصانتها ومؤامرات رجال الكنيسة. وفى عصر ملوك الطوائف بالأندلس حكم طليطلة أسرة بنى ذى النون وظلت فى أيديهم حتى استولى عليها ألفونسو السادس ملك قشتالة فى مايو سنة (1085 م) وفشلت سلسلة المحاولات من جانب المرابطين والموحدين بعد ذلك فى استرجاعها، وهى الآن إحدى مدن إسبانيا وتسمى توليدو. ومازال بها بعض المعالم التاريخية المتمثلة فى بقايا الأسوار التى ترجع إلى العصر الرومانى، ومجرى المياه، والقنطرة الحجرية التى أقامها المنصور بن أبى عامر والتى تعرف الآن باسم الكانترا، ومبنى الكازار أى القصر، إلى جانب عدد من الكنائس التى كانت مساجد ثم حولها النصارى إلى كنائس. وقد قلَّ شأن طليطلة فى العصور الحديثة مع أنها مازالت مقرًّا لكبير أساقفة الكنيسة الإسبانية.

*عمان (خليج)

*عُمَان (خليج) ذراع من البحر العربى، تمتد بين الجزء الشرقى من عمان وسواحل إيران الجنوبية الشرقية، وتتصل بالخليج العربى عبر مضيق هرمز. يبلغ طولها (563) كيلو مترًا، وعرضها عند مدخلها (370) كيلو مترًا.

*بربرة (ميناء)

*بربرة (ميناء) يطل على خليج عدن، ويسكنه نحو (70) ألف نسمة، ويقع مرفأه فى ظهر لسان رملى يحميه من الأمواج، ويصله طريق معبَّد ببلدة هارجابا، التى كانت عاصمة للصومال البريطانى. ويتم تصدير الحيوانات ومنتجاتها من خلال ذلك الميناء.

*هرر

*هرر كبرى مقاطعات أثيوبيا، تقع فى الجزء الجنوبى الشرقى من البلاد، مساحتها (259.700كم2). بينما تقع عاصمتها على ارتفاع (6.000) قدم عن سطح البحر. يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادى. وبلغت أَوْج مجدها فى القرن السادس عشر عندما غدت عاصمة لإمارة قوية ومركزًا للدراسات الإسلامية. كانت تابعة لمصر من عام (1292 هـ = 1875 م) إلى عام (1302 هـ = 1885 م). يسكنها الصوماليون وعناصر الجالا مع القليل من الجماعات الحامية من الكوشيين، وقد اعتنق الكثير منهم الإسلام، ولهم اتصال وثيق ببلاد العرب.

*النحاسين (حى)

*النحَّاسين (حى) حى من أحياء مدينة القاهرة، به دكاكين لبيع النحاس، وتقام فيه سوق لذلك؛ فعرف بحى النحَّاسين، وكان يعرف بخط بين القصرين، ابتداؤه من سبيل عبد الرحمن كتخدا الذى أنشئ سنة (1157 م) المعروف الآن بسبيل بين القصرين، وانتهاؤه عند حارة الصالحية التى تقع تجاه باب الصاغة. وحى النحاسين زاخر بالمنشآت الأثرية، فبأوله من جهة اليمين حمام السلطان، الذى يعرف أيضًا بحمام سيدنا الحسين، ثم المدرسة الكاملية التى أنشأها الملك الكامل سنة (622 هـ) وتعرف الآن بجامع الكاملية، ثم المدرسة البرقوقية التى أنشأها الملك برقوق سنة (786 هـ) وتعرف الآن بجامع البرقوقية، ثم المدرسة الناصرية التى أتمَّ عمارتها الناصر محمد بن قلاوون سنة (703 هـ) وتعرف الآن بجامع الناصرية، ثم المدرسة المنصورية التى تقع داخل البيمارستان، وأنشأها المنصور قلاوون قبل سنة (690 هـ)، وبعدهما حمام قلاوون الذى يعرف بحمام النحاسين. وأما من جهة اليسار فبأوله درب قرمز ثم المدرسة السابقية، التى أنشأها سابق الدين الأنوكى سنة (760 هـ) وتعرف الآن بجامع درب قرمز.

*لورقة

*لُورَقَة بلد بالأندلس من بلاد تُدْمير، بينها وبين مرسية (40) ميلا ومعنى لورَقة: الزرع الخصيب. فتحها المسلمون بعد معركة شذونة سنة (92 هـ = 711 م). وفى عهد ملوك الطوائف كانت تابعة لمملكة ألمرية، بيد أنها انفصلت عنها على يد ابن شبيب الثائر بها فى سنة (443 هـ = 1051 م) وحكمها وإخوته الثلاثة من بعده، واعترف آخرهم بطاعة ابن عباد صاحب إشبيلية. وبعد معركة الزلاقة سنة (479 هـ) - التى هزم فيها المسلمون (المرابطون والممالك الأندلسية) القشتاليين- تحوَّل عدوان القشتاليين إلى شرق الأندلس حيث كان الضعف يسود الإمارات الأندلسية الصغيرة، ورابطوا فى حصن لييط الواقع بين مرسية ولورَقَة فأخذت جيوشهم ترهق الأنحاء القريبة بغاراتها المتوالية، فعادت إليهم قوات المرابطين من المغرب وحاصرتهم، وبعد فك الحصار أخلى النصارى الحصن، ثم دخلت لورقة تحت حكم المرابطين وكان مصيرها بعد ذلك مرتبطًا بتاريخ الأندلس.

*الجزائر الشرقية

*الجزائر الشرقية الجزائر الشرقية أو جزائر البليار اسم يطلق على ثلاث من الجزر الإسبانية غربى البحر الأبيض المتوسط، هى: ماجوركا، وميورقة، ووإيفيزا، وهى حاليًّا إحدى ولايات إسبانيا وعاصمتها بالما وكبرى هذه الجزر هى ماجوركا. وتبلغ مساحة جزر البليار ما يقرب من (1514كم2)، وترتبط هذه الجزر بخط مواصلات جوى جيد، ويشتغل سكانها بالزراعة وصيد الأسماك. وأهم المحاصيل الزراعية بها: الطماطم والبطاطس والفاكهة. أما الصناعة فى جزر البليار ففقيرة جدًّا، فالملح والحجر الجيرى والليمونيت هى الثروات المعدنية الوحيدة الموجودة بها. وأهم الصناعات: نسج الصوف وحفظ الأطعمة وصناعة سوبر الفوسفات. وقد سكن الإنسان جزر البليار منذ فجر التاريخ وخضعت لعدد من الشعوب كان أولهم الأيبيريون ثم الفينيقيون واليونانيون والقرطاجنيون والرومان والبيزنطيون، ثم فتحها المسلمون فى القرن (8م)، ولما خرج المسلمون من الأندلس أصبحت مملكة مستقلة فى القرن (11م). وفى القرن (13م) استولى عليها ملك أراجون ثم صارت فيما بعد إحدى ولايات إسبانيا ولا تزال كذلك حتى الآن.

*طابا

*طابا تقع فى الجزء الشرقى من شبه جزيرة سيناء، على الطرف الشمالى الغربى من خليج العقبة. احتفظت بها إسرائيل عند انسحابها من شبه جزيرة سيناء سنة (1403 هـ = 1982 م) زاعمة أنها جزء من أراضيها، وقامت ببناء فندق سياحى كبير فيها، وقد أدى هذا إلى نشوب نزاع سياسى بينها وبين مصر، لجأت فيه مصر إلى هيئة التحكيم الدولية، التى حكمت بعودة طابا إلى السيادة المصرية، وكان ذلك سنة (1409 هـ = 1988 م).

*العلاقى (وادى)

*العلاقى (وادى) هو واد يقع على بعد (109) كيلو مترات جنوب سد أسوان، وينتهى عند مناجم الذهب بالمنطقة المعروفة باسم وادى أم القريات. بدأ المصريون يستغلون تلك المناجم منذ أيام الدولة الوسطى، كما استعملت فى عصور مصر الإسلامية. ويوجد بالقرب من المناجم أطلال منازل العمال، وطواحين حجر الكوارتز، وعلى الصخور بين النيل والمناجم نقوش خلَّفها أعضاء البعثات فى مختلف العصور. وهذا الوادى كانت تسكنه قبائل البجة، ثم استوطنته قبيلة ربيعة العربية، واختلطوا بالبجة وصاهروهم، ونجح أبو مروان بن بشر بن إسحاق فى تأسيس أول إمارة عربية فى وادى العلاقى، ثم انتقل مقر الإمارة من وادى العلاقى إلى أسوان.

*النمسا

*النمسا دولة أوربية تقع فى جنوب أوربا الوسطى، يحدها من الشمال جمهوريتا التشيك والسلوفاك، ومن الجنوب يوغسلافيا السابقة وإيطاليا، ومن الغرب ألمانيا وسويسرا، ومن الشرق المجر. وتبلغ مساحتها (13850كم2)، وأراضيها مرتفعة، خاصة فى المناطق الوسطى والغربية، وأعلى قممها جبل جروس جلوكنر - (3757) مترًا -، ويخترقها نهر الدانوب بالإضافة إلى نهرى المور وإنز، ومناخها معتدل صيفًا وبارد شتاءً. واللغة الألمانية هى اللغة الرسمية. وأغلب سكان النمسا مسيحيون كاثوليك بالإضافة إلى البروتستانت والمسلمين. وأهم مدنها فيينا وهى العاصمة، وسالزبورج ولينز. والنمسا بلد سياحى يوجد به بعض الصناعات المتقدمة مثل الكيماويات والمنسوجات والصناعات الثقيلة، ويشتهر بتربية الأبقار وتصدير اللحوم. ونظام الحكم فى النمسا اتحادى دستورى حيث تنقسم إلى (9) مناطق تتمتع بالحكم الذاتى، وهى دولة حيادية. ودخلت المسيحية النمسا فى القرن الرابع الميلادى ثم سيطرت على النمسا بعد ذلك قبائل الهون والقوط وخضعت النمسا لفرنسا سنة (1788 م)، ثم المجر، وبافاريا. وقد اتحدت النمسا والمجر فى إمبراطورية واحدة سنة (1867 م) إلا أنها انهارت مع قيام الحرب العالمية الأولى. وقامت النمسا بحدودها الحالية سنة (1918 م) وكان أول رئيس لها ميشل هانثن، غير أنها وقعت تحت الاحتلال الألمانى سنة (1938 م) واستمر الوضع هكذا حتى دخلها الحلفاء سنة (1945 م) وتم تقسيمها بينهم إلى أربع مناطق. وقد جلت عنها قوات الحلفاء سنة (1955 م) بعد أن أعلنت النمسا حيادها.

*نيسابور

*نيسابور مدينة إيرانية تقع جنوبى غربى مشهد على بعد (110 كم). فتحها الأحنف ابن قيس فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ثم أعاد فتحها عبد الله بن عامر سنة (31 هـ) فى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه. وكانت نيسابور مدينة متميزة بإقليم خراسان لموقعها الجغرافى؛ لذلك صارت عاصمة للدولة السلجوقية فى القرن الخامس الهجرى ثم الدولة الطاهرية. وفى سنة (618 هـ) هدمها المغول، إلا أنها أخذت فى النمو والعمران مرة أخرى. ويوجد بنيسابور مقبرة الشاعر عمر الخيام. وقد نبغ من نيسابور عدد من العلماء مثل الإمام مسلم بن حجاج صاحب الصحيح، المتوفَّى سنة (261 هـ)، والمفسر أبى إسحاق الثعلبى المتوفَّى سنة (427 هـ).

*المحمدية

*المحمدية مدينة مغربية تقع على شاطئ المحيط الأطلنطى على بعد (23 كم) شمالى الدار البيضاء فى طريق الرباط. أسسها المولى محمد بن عبد الله سنة (1182 هـ) وكانت تدعى فضالة. وهى ميناء كبير لتصدير الأسماك والمنتجات الزراعية. وتوجد بها بعض الصناعات مثل تصفية البترول، والسيارات، وكذلك يوجد بها أكبر مطبعة فى المغرب.

*سيحون

*سَيْحون هو أحد الأنهار الشهيرة بالقرب من سمرقند على حدود تركيا، ويقع فى بلاد ما وراء النهر، وكان اسمه قديمًا سرداريا، وأطلق عليه الأتراك اسم سيحون، وعرفه العرب بهذا الاسم. وقد تردد اسم هذا النهر كثيرًا أثناء الحديث عن فتوحات المسلمين فى بلاد ما وراء النهر. وتتجمد مياه هذا النهر نحو ثلاثة أشهر فى فصل الشتاء، فتتعذر الملاحة به أثناء تلك الفترة. ويبلغ طوله (300) ميل.

*غرناطة

*غرناطة مدينة أندلسية تقع على بعد (696 كم) من مدريد. وكانت قبل الفتح الإسلامى مدينة صغيرة قرب مدينة إلبيرة، وبمرور الزمن حلت غرناطة محلها، وتقع غرناطة فى وادى نهر شنبل، وبعد الفتح الإسلامى كانت القبائل الشامية تقيم فيها ثم توافد عليها البربر. وكانت تضم نيفًا ومائة بلد وقرية. وفى منتصف القرن قامت مملكة غرناطة على يد محمد بن الأحمر، بعد سقوط باقى مدن الأندلس فى يد النصارى الإسبان، واستمرت هذه المملكة زهاء قرنين ونصف القرن تحافظ على الإسلام فى إسبانيا باعتبارها آخر معاقل المسلمين هناك، وقد تولى الحكم خلال هذه الفترة ما يزيد على عشرين حاكمًا، وقد ساعدها على البقاء هذه المدة الطويلة وقوعها فى الطرف الجنوبى من الأندلس مما سهَّل اتصالها بالمسلمين فى المغرب، وغناها بالموارد الاقتصادية ووفرة مياهها، وكذلك قوتها العسكرية، حيث كانت تستطيع أن تحشد (50) ألف مقاتل رغم أن عدد سكانها لا يزيد على نصف مليون نسمة، وكان سورها يتخلله (1300) برج منيع. فقد كان صمود غرناطة فى مواجهة النصارى يعتمد على هذه القوة العسكرية، واشتهرت بجودة صناعاتها مثل الورق والذهب والأسلحة والذخائر، وكذلك بجودة محاصيلها مثل البساتين والفواكه، وبمبانيها الفخمة مثل قصر الحمراء الذى يسع (40) ألف شخص. وسقطت غرناطة فى أيدى النصارى الإسبان فى (21 من المحرم سنة 897 هـ). ومن علماء غرناطة وأدبائها: لسان الدين بن الخطيب، والمقرى صاحب كتاب نفح الطيب.

*هراة

*هراة مدينة كبيرة من مدن خراسان، تقع فى إقليم سجستان شمالى غربى أفغانستان، فتحها الأحنف بن قيس سنة (18هـ=639م)، عندما فتح بلاد خراسان فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وفى سنة (604هـ=1207م) حاصرها خوارزم شاه محمد بن تكشن حتى سقطت فى يده، ثم توجه إلى سمرقند ولكنها ما لبثت أن سقطت فى يد تيمورلنك. وبعد أن تفككت إمبراطورية تيمورلنك، أصبحت قاعدة للدولة الصفارية منذ سنة (867هـ=1462م)، وظلت محل نزاع بين الإيرانيين والأفغان حتى بدايات القرن (19م).

*سيلان

*سيلان هى إحدى الجزر الواقعة على المحيط الهندى، وتبعد مسافة (35كم) عن الهند، ويفصل بينهما مضيق جسرآدم، وتبلغ مساحتها (65610كم2)، وكان العرب قد عرفوها باسم سرنديب، ثم حُرف الاسم إلى سيلان. ويرجع اتصال العرب بهذه الجزيرة إلى ماقبل الإسلام، حيث كانت ملتقى السفن القادمة من الصين والشرق الأقصى مع السفن القادمة من الخليج العربى وسواحل الجزيرة العربية الجنوبية، ثم امتزجت العناصر الإسلامية من سُنّة وشيعة بأهل سيلان ودخل التاميل فى الإسلام، وانتشر الإسلام بالجزيرة. وتقع الجزيرة فى المنطقة الاستوائية، وتشغل مساحتها سلسلة هضاب تنحدر تدريجيّا حتى السهول الساحلية لها. وقد اجتذبت سيلان الأوربيين وأصبحت محط أنظارهم وأطماعهم، فسيطر عليها البرتغاليون أواخر القرن (15م)، ثم الهولنديون سنة (1658م)، ثم الإنجليز سنة (1796م)، وسيطروا عليها فترة طويلة، ثم نالت الجزيرة استقلالها فى 4 من فبراير سنة (1948م)، وتحولت إلى جمهورية، وتغير اسمها إلى سيريلانكا، واتخذت من كولومبو عاصمة لها. ويعتنق أهل سيريلانكا أكثر من ديانة (إسلامية - مسيحية - بوذية - هندوسية) وتتعدد بها اللغات: السنغالية (السنهالية) - التامول (التاميل) - الإنجليزية. وهى من الدول النامية التى تعتمد على الزراعة، وبعض الصناعات البسيطة. ويعد الشاى والكاوتشوك (المطاط) والجرافيت من أهم صادراتها، وعملتها المتداولة هى الروبية السيريلانكية.

*سويسرا

*سويسرا دولة أوربية، تقع بين إيطاليا وفرنسا وألمانيا والنمسا، وتبلغ مساحتها نحو (41.293 كم2)، وتتمتع بمناخ معتدل فى الجنوب والوسط، قارى فى الشمال الشرقى. وهى البلد الأكثر ارتفاعًا فى قارة أوربا وتقع فى منتصف الطريق بين خط الاستواء والقطب الشمالى. وتشغل سلسلة جبال الألب وجبال الجورا السويسرية معظم مساحة سويسرا. وقد انعكس ذلك على مواردها الزراعية، إذ لايُستغل زراعيّا من مساحتها سوى ثلثها فقط. وتتألف سويسرا من (26) مقاطعة، تشكل كل منها دولة صغيرة مستقلة بذاتها، وجميعها يخضع لحكم مركزى بالعاصمة برن. ولايَجْمَعُ السويسريين لغة واحدة، حيث تتباين ألسنتهم بلغات أربع هى: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش (المحلية السويسرية). وتتميز سويسرا باستقرارها السياسى والاقتصادى، ويتمتع شعبها برخاء اقتصادى جيد. وتعد صناعة الساعات والأدوات الدقيقة، والمصنوعات المعدنية، والكيميائيات والجواهر والآلات والأجهزة والملابس والأغذية من أهم صناعات سويسرا وكذلك من أهم صادراتها.

*السودان

*السودان هناك فرق بين السودان كإقليم والسودان كدولة، فالسودان الإقليم يطلق جغرافيّا على الحزام الإقليمى الذى يفصل جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى عن الأقاليم الاستوائية، ويقع تقريبًا بين خطى عرض (10ْو20ْ) شمالا، ويمتد من ساحل البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسى غربًا. وينقسم إقليم السودان إلى ثلاث مناطق هى: السودان الغربى، ويضم الوحدات السياسية التالية: السنغال وغينيا ومالى والنيجر وشمال الكونغو مع أطراف سيراليون وغانا وفولتا العليا. أما السودان الأوسط فيشمل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وشمال الكاميرون وشرق نيجيريا. والسودان الشرقى، ويتألف من وحدة سياسية واحدة هى جمهورية السودان وهذه الأخيرة هى المقصود بالسودان كدولة، ويحدها من الشرق البحر الأحمر وأثيوبيا، ومن الجنوب كينيا وأوغندا والكونغو، ومن الغرب إفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا، ومن الشمال مصر. وعاصمة جمهورية السودان هى الخرطوم، ويشتغل أهل السودان بالزراعة والرعى حيث المطر ونهر النيل بفروعه المختلفة، وهما المصدر الرئيسى لهاتين المهنتين. وسكان السودان الشمالى من السلالات القوقازية، ودينهم الإسلام، ولغتهم العربية. أما السودان الجنوبى فعناصره مختلطة ولهم عدة لغات. ومن الناحية التاريخية كانت جمهورية السودان موحدة تحت الحكم المصرى حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى، ثم قامت ثورة المهدى سنة (1881م- 1899م)، وكانت مصر خاضعة للاحتلال البريطانى آنذاك وحاولت استعادتها، ثم انسحب الجيش المصرى بعد مقتل حاكم السودان سنة (1924م)، وعاد مرة أخرى سنة (1936م)، وفى عام (1953م) وقّعت مصر وبريطانيا اتفاقية السودان، وفى أول يناير سنة (1956م) أُعلن استقلال السودان

*السنغال

*السنغال جمهورية إفريقية، اشتُق اسمها من نهر السنغال، الذى يشقها ويصب فى المحيط الأطلسى. ويحدها من الشمال موريتانيا، ومن الجنوب غينيا، ومن الشرق مالى، ومن الغرب المحيط الأطلسى، وتبلغ مساحتها نحو (203.793كم2)، وعاصمتها دكار. أُعلنت جمهورية مستقلة عام (1960م) بعد ثلاثة قرون من الاستعمار الفرنسى. يتألف سكانها من قبائل بربرية نازحة وقبائل زنجية. ومن أهم هذه القبائل الفولانى والمانديجو والأولوف والبامبارا. معظم سكانها من المسلمين (75%)، وقد دخلها الإسلام من المغرب شمالا، ومن الشرق عبر نهر النيجر (عن طريق الدعاة المسلمين القادمين من وادى النيل وليبيا). كانت السنغال أكثر المستعمرات الفرنسية تقدمًا، إذ كانت دكار مقر الحاكم العام الفرنسى لجميع المستعمرات الفرنسية فى غرب إفريقيا. اللغة الرسمية هى الفرنسية، وتوجد لغات أخرى محلية بالإضافة إلى العربية. أهم منتجاتها: الذرة والفول السودانى والصمغ العربى. ووحدة السنغال النقدية هى الفرنك الإفريقى (فرنك الجماعة المالية الإفريقية)، والسنغال عضو بهيئة الأمم المتحدة منذ عام (1960م).

*الشرقية

*الشرقية إحدى محافظات مصر الشمالية، عرفت بإقليم الشرقية منذ عهد الدولة الفاطمية، وكان قبل ذلك مقسمًا إلى عدة كور صغيرة، كل كورة قائمة بذاتها، ثم ضُمّ بعضها إلى بعض. وسُمّيتْ الشرقية لوقوعها فى الجهة الشرقية من الوجه البحرى. وفى سنة (1826م) قُسّمت الشرقية إلى مأموريات، وكانت كل مأمورية قائمة بذاتها، وفى سنة (1833م) ضُمّت هذه المأموريات بعضها إلى بعض، وأصبحت إقليمًا واحدًا، باسم مديرية الشرقية، وعاصمتها مدينة الزقازيق، وفى سنة (1960م) تغير اسمها إلى محافظة الشرقية، وظلت عاصمتها مدينة الزقازيق. ومن أشهر قبائل العرب فى الشرقية: الهنادى وسمالوى والطمبلات والعبابدة والسماعنة والصوالح والحرابى. وتمثل المحافظة أهمية استراتيجية منذ أقدم العصور، إذ إنها مَعْبَر القوات الغازية من مصر إلى آسيا، أو العكس، وكانت الطريق الذى سلكه الفتح الإسلامى لمصر عام (19هـ=640م).

*سمرقند

*سمرقند اسم يطلق على إقليم ومدينة فى جمهورية أوزبكستان الإسلامية. الإقليم يقع شمالها، أما المدينة فتقع على ضفة نهر زرافستان، وتبعد (130) ميلا عن بخارى. واتصل اسم سمرقند بالتاريخ الإسلامى فى خلافة معاوية، رضى الله عنه، عام (57هـ=677م) حين فتحها صُلْحًا سعيد بن عثمان بن عفان أمير خراسان، ثم أعاد فتحها بعد قتال شديد قتيبة بن مسلم فى خلافة الوليد بن عبد الملك عام (93هـ=711م)، وينسب إلى قتيبة أنه عمل على نشر الإسلام بين أهلها الوثنيين. وقد أصبحت سمرقند منذ القرن الثالث الهجرى عاصمة لعدد من الدول التى قامت فى آسيا الوسطى، مستقلة عن دولة الخلافة الإسلامية، مثل الدولة السامانية ثم الإيلخانية ثم دولة السلاجقة، إلى أن غزاها جنكيزخان، الذى خربها وأحالها إلى أطلال عام (1221م). وعندما استولى عليها تيمورلنك جعلها عاصمة لإمبراطوريته، ودخلت سمرقند عصرًا من الازدهار. وتقع سمرقند بعد ذلك تحت أيدى الشيبانيين ثم أيدى أمراء بخارى حتى احتلها الروس عام (1285هـ=1868م) وأصبح أميرها مظفر الدين تحت السيادة القيصرية، ثم أصبحت سمرقند عاصمة لجمهورية أوزبكستان حتى عام (1930م). وأنشأ الروس سمرقند الحديثة، تفصلها عن المدينة القديمة قلعة سمرقند. ومن آثارها جامع جورأمير، وجامع شاهى زندا ومسجد مزار شاه، الذى أقيم حول ضريح الصحابى قثم بن العباس، وكذلك قبر تيمورلنك. وسمرقند مركز لعدة صناعات، تشمل: نسج الحرير والقطن، والصناعات الثقيلة.

*السويس

*السويس محافظة مصرية تقع على رأس خليج السويس وعاصمتها مدينة السويس. تعد السويس ثالث الموانئ المصرية، كان اسمها كليسما ، وسماها العرب القلزم والسويس مدينة حضرية، ذات منشآت صناعية، أقيمت بجوارها مصانع البترول والسماد. وقد زاد من أهمية مدينة السويس افتتاح قناة السويس سنة (1869م)، واكتشاف البترول على ساحل البحر الأحمر. وتعد مدينة السويس سياحية، فبالقرب منها عيون موسى، ذات المياه العذبة، التى تعد من معجزات موسى، عليه السلام. والسويس مدينة قديمة قامت فى موضع مدينة مندثرة، كانت تعرف باسم كليسما، وأنشئت إبان القرن العاشر، وقد حفرت فيها قناة تصلها بالنيل فى العصر الرومانى، وبعد اندثارها أعاد حفرها عمرو بن العاص سنة (23هـ = 644م)، وعرفت بقناة أمير المؤمنين، ثم اندثرت إلى أن تم حفر قناة السويس سنة (1869م).

*قونية

*قونية قونية مدينة قديمة وعاصمة المقاطعة التى تحمل اسمها، تقع بوسط تركيا، على بُعد (233كم) إلى الجنوب من العاصمة أنقرة، وإلى الشمال من البحر الأبيض المتوسط، وعلى ارتفاع (990) مترًا على حافة الهضبة الوسطى. تقع فى وسط زراعى مهم، وتشتهر بصناعة النسيج والسجاد والمصنوعات الجلدية، وتجارتها الحبوب والصوف والموهير. عرفت قونية عند الرومان باسم إيكونيوم، وبلغت أزهى مجدها بعد أن أصبحت قاعدة السلاطين السلاجقة الأقوياء بآسيا الصغرى فى القرن (11م)، ثم آلت إلى أمراء قرمان بعد انتصار المغول والأرمن على السلاجقة فى أخريات القرن (13م) ثم آلت إلى الترك العثمانيين فى القرن (15م)، وصارت مركزًا دينيًّا مهمّا وبقربها هَزَمَ الجيشُ المصرىّ بقيادة إبراهيم بن محمد على الجيش العثمانى سنة (1832م). بها مسجد علاء الدين السلجوقى، الذى بنى سنة (1220م)، وعدة متاحف، وبها قبر جلال الدين الرومى المنسوب إليه الطريقة المولوية (أو مؤسسها)، وهو صوفى وشاعر مشهور، وقد أُبطلت طريقتهم اليوم، ويقال: إن بقونية قبر أفلاطون الحكيم.

*مالطة

*مالطة مجموعة جزر بالبحر الأبيض المتوسط، مساحتها (316كم2)، أهمها جزيرة مالطة التى تبلغ مساحتها (216كم2)، وهذه المجموعة من الجزر تقع على بعد (95كم) جنوبى صقلية، و (300كم) من الشواطئ التونسية ومثلها من الشواطئ الليبية، وفى منتصف الطريق من قناة السويس ومضيق جبل طارق، ومناخها مناخ البحر المتوسط، حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً، وعاصمتها قاليتا المسماة باسم حاكمها جان باريزو دولا فاليت، وأهم مدنها بيركيركارا وسليما. ولغتها الرسمية: المالطية، وهى مزيج من العربية والإيطالية والإنجليزية، وأغلبية سكانها مسيحيون كاثوليك. أما عن تاريخها: فقد كانت بها حضارة الألف الثانية قبل الميلاد، ثم اندثرت فى القرن التاسع قبل الميلاد. استقر بها الفينيقيون، وخضعت للقرطاجنيين فى القرن الخامس قبل الميلاد، ثم الرومان نحو سنة (218 ق. م)، ثم خضعت للإمبراطورية البيزنطية من القرن (5ق. م:870)، ثم فتحها المسلمون، وكانت أول محاولة لأسد بن الفرات سنة (828م) ثم فتحت نهائيّا وضمّت إلى إمارة إفريقية (شمال إفريقيا، والأندلس، وصقلية). وفى عهد محمد الثانى الأغلبى انتشر الإسلام فى ربوعها، وعندما احتلها روجر غيّر الديانة الرسمية للجزر دون التعرض للجالية العربية المسلمة، ثم طرد فريدريك الثانى العرب منها بكل قسوة ووحشية بين سنتى (1240 و1250م)، ثم هاجمتها القوات العثمانية سنة (1488م)، وفى سنة (1530م) أعطيت للفرسان الإسبتارية الذين حكموها حتى هزيمتهم أمام نابليون سنة (1798م)، وهؤلاء الفرسان لعبوا دورًا كبيرًا فى احتلال الإسبان لتونس والعبث بجامع الزيتونة وذبح المواطنين، ثم هاجمها العثمانيون سنة (1551م)، وحوصرت سنة (1565م) ثم فُك الحصار بعد تدخل الأسطول الإسبانى، ثم ضمت لبريطانيا سنة (1814م) وكانت مالطة قاعدة لها فى الحرب العالمية الثانية، وفى سنة (1947م) مُنحت استقلالا ذاتيّا محدودًا،

ونالت استقلالها فى (21 من سبتمبر سنة 1964م) مع بقائها فى الكومنولث، وفى سنة (1971م) طالب رئيس الوزراء دوم منتوف بإجلاء القوات البريطانية عنها، وفى سنة (1974م) أصبحت جزيرة مالطة جمهورية، وفى سنة (1979م) تم إجلاء آخر جندى بريطانى عنها، بعد احتلال دام (180) سنة.

*سواكن

*سواكن هى ميناء سودانى يطل على البحر الأحمر بين بور سودان فى الشمال وطوكر فى الجنوب، وكان أقدم موانئ السودان وأكبرها حتى سنة (1906 م)، التى تأسس فيها ميناء بور سودان. استولى العثمانيون على سواكن سنة (923 هـ = 1517 م)، وانحصرت أهميتها آنذاك فى مراقبة تحركات الأسطول البرتغالى فى البحر الأحمر. وقامت مصر فى عهد الخديو إسماعيل بضم سواكن إلى إدارتها، وأحيطت سواكن بسور لصد حملات الدراويش، وحفر المصريون بها ترعة تستمد مياهها من خزان أقيم لتّجميع الأمطار. وعُنى الخديو إسماعيل بتعميرها، وأصبحت منفذ السودان الرئيسى الذى يرتبط بمصر عن طريق ميناء السويس، ولكنها فقدت أهميتها بعد إنشاء الخط الحديدى الذى ربط بور سودان بكسلا فى الجنوب وعطبرة فى الغرب، لنقل حاصلات السودان الرئيسية من القطن والماشية والصمغ. وكانت السفن النيلية التى استخدمت فى الاستكشافات الجغرافية، أو فى نقل الجنود إلى جنوب السودان تتجمع فى سواكن، وأصبحت سواكن، بعد اندلاع الثورة المهدية نقطة انطلاق الحملات المصرية البريطانية. وضُمَّت سواكن إلى السودان وأصبحت تابعة لمديرية كسلا بموجب اتفاقية سنة (1899 م).

*هندوستان

*هندوستان كلمة فارسية معناها أرض الهنود، وكانت تطلق على مناطق متعددة فى الهند وباكستان. ومنذ تقسيم الهند سنة (1947 م) يطلق أحيانًا على دولة الهند الهندوسية لتمييزها عن باكستان الإسلامية، وهى مشتقة من سندهو اسم نهر الأندوس (السند) ومنها اشتقت كلمتا أند وهند ومعناهما الأرض التى تقع فيما وراء الأندوس، وأصبح سكانها يسمَّون الهندوس أو الهنود، كما أصبحت بلادهم تعرف بهندُوستان. يحد هندوستان من الشمال سلسلة جبال الهمالايا، ومن الغرب جبال هندكوش وسليمان، حيث تقع أفغانستان وإيران، ثم تمتد الهند إلى الجنوب فى شبه جزيرة، يقع بحر العرب فى غربيها، وخليج البنغال فى شرقيها، وسيلان فى طرفها الجنوبى، ويتجه الإقليم منها إلى الشرق حتى جبال آسام. وتقع هندوستان بين خطى عرض (8ْ و37ْ)، وطول (61ْ - 100ْ) شرق جرينتش، وبذلك تقع فى الإقليم الحار والمعتدل، وبها نهر الأندوس (السند) وهو أطول أنهار الدنيا إذ يبلغ مجراه (2900 كم)، ينبع من الشمال؛ حيث جبال الهمالايا. ويصب نهر الأندوس فى بحر العرب. وأنهار البنجاب، ومنها نهر الكنج (أو كَنكَا) المقدّس لدى الهندوس، وبراهما بترا ونربدا وتابتى.

*همدان

*همدان مدينة تقع غربى إيران على سفح جبل الفند، وهى مركز تجارى، تشتهر منطقتها الجبلية بالآثار البرنزية التى تنسب إلى إيران قبل الإسلام بعدة قرون. كان اسمها عند الآشوريين هجماتانا، وعند الإغريق أكباتان، وكانت قاعدة مملكة ميديا القديمة. وقد توفّى فى همدان الفيلسوف على بن سينا.

*وهران

*وهران عاصمة المقاطعة التى تحمل اسمها، وهى ميناء بحرى، وثانية كبرى المدن فى الجزائر، وتقع على خليج وهران على البحر الأبيض المتوسط. صادراتها الرئيسية: القمح والخضراوات والأصواف، وصناعاتها: طحن الغلال وتعليب الأسماك والفواكه وصهر الحديد، وصناعة النسيج والأحذية والزجاج والسجائر، وتتصل بالجزائر عن طريق خط سكة حديدية. تأسست وهران فى القرن الخامس عشر الميلادى، وسقطت فى أيدى الإسبان عام (1509 م)، واحتلها العثمانيون سنة (1708 - 1732 م). أصابها زلزال مدمر عام (1790 م) واحتلها الفرنسيون سنة (1831 م). تطورت وازدهرت بسرعة، وتطور الميناء فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى، دمر جزء منها أثناء الحرب العالمية الثانية بواسطة المدمرات البريطانية؛ وذلك لمنع الألمان من احتلالها، واحتلتها قوات الحلفاء عام (1942 م).

*واشنطن

*واشنطن هى عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، تقع على الضفة اليسرى من نهر بوتوماك، يتوسطها بناء الكابيتول، وموقعه آخر البيت الأبيض. يرجع تأسيسها إلى خلاف بين ولايات الشمال والجنوب على اختيار عاصمة البلاد، انتهى بالاتفاق على إقامتها على ضفة نهر بوتوماك، واختار الموقع جورج واشنطن وأطلق اسمه عليها، وشرع فى بناء البيت الأبيض سنة (1792 م) وإقامة الكابيتول سنة (1793م) الذى عقد فيه أول اجتماع للكونجرس الأمريكى سنة (1800 م)، وكان توماس جيفرسون أول رئيس للجمهورية نصب فى واشنطن سنة (1801 م)، وفى حرب الاستقلال استولى الإنجليز على المدينة سنة (1814 م)، وكانت إبان الحرب الأهلية (1861 - 1865م) المقر العسكرى للشماليين. وقد كانت واشنطن مدينة صغيرة اتسعت بعد ذلك حتى صارت مساحتها الآن (180 كم2) وبها عدد من الأبنية الفخمة كالكونجرس، والبيت الأبيض، ومكتبة الكونجرس، ودار المحفوظات القومية، وخمس جامعات، ويطلق اسم واشنطن على أربع عشرة بلدة أخرى، تقع فى أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة. ويبلغ تعداد سكان مدينة واشنطن ما يزيد على مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1992م)، وواشنطن كولاية تقع فى الجهة الشمالية من الولايات المتحدة الأمريكية، وتبلغ مساحتها (176617 كم2)، ويصل عدد سكانها إلى نحو (2 5) مليون نسمة، وهى الولاية رقم (42) فى الاتحاد الذى انضمت إليه فى عام (1889م). عاصمتها أوليمبيا، أهم صناعاتها: المنتجات الزراعية (وبخاصة الفواكه والقمح). تركز تاريخها الأول فى تجارة الفراء، وصارت إقليمًا فى عام (1853 م)، وساعد مدّ السكك الحديدية إليها على ترويج صناعة الأخشاب، وصيد الأسماك، ونمت الصناعات بها حتى صارت مدينة سيتل من المراكز الصناعية بها فى الحرب العالمية الثانية، وتعد ولاية واشنطن مركزًا بحريًّا مهمَّا للمواصلات مع ولاية ألاسكا الأمريكية، ويتألف مجلسها

التشريعى من مجلس الشيوخ الذى يتكون من (41) عضوًا لمدة أربع سنوات، ومجلس النواب الذى يتكون من (99) عضوًا لمدة سنتين، بينما ينتخب حاكم الولاية لمدة (4) سنوات، ويمثلها فى الكونجرس شيخان و (7) نواب.

*مقديشو

*مقديشو عاصمة الصومال، وهى مركز عمرانى قديم أقامه العرب فى نحو القرن العاشر الميلادى؛ خدمةً للتجارة فى شرق إفريقيا والمحيط الهندي. ويختص ميناء مقديشو بالاستيراد فعن طريقه ترد السلع المختلفة من الآلات، والمعدات، والملابس، والبن، والبترول، لكنه لا يصدر سوى عشْر صادرات البلاد، وذلك لبعده عن مراكز إنتاج سلع التصدير. وقد تم تحديثه منذ أواخر السبعينيات، وزوّد بحاجز للأمواج، وبأربعة مراسٍ، وبمخازن ومستودعات، ومعدات للشحن والتفريغ. وبمقديشو عدد من الأقليات الإيطالية والهندية والباكستانية.

*المقس

*المقس أطلق اسم المقس بعد الفتح الإسلامى لمصر على قرية صغيرة تسمى أم دنين، كانت تقع شمالى الفسطاط. هذه القرية كان يجلس فيها الموظف المناط به جمع المكس (الضرائب) من التجَّار، ومن ثمَّ أطلق على المكان كله اسم المكس ثم حرّف إلى المقس. وكانت المقس تقع على النيل مباشرة فى المكان الذى تشغله حاليًّا حديقة الأزبكية بالقاهرة قبل أن يغير النيل مجراه إلى الغرب قليلا. وقد نزلت بها جيوش العباسيين سنة (292 هـ)، وفى عهد الإخشيديين تحولت إلى بستان كبير، وفى عهد الفاطميين أقيمت بها دار لصناعة السفن، وبنى بها صلاح الدين الأيوبى قلعة سُمّيت قلعة المقس بقيت إلى سنة (770 هـ)، وفى سنة (713 هـ) سمح السلطان الناصر محمد بن قلاوون للناس بالبناء فى المقس فتسابق الأمراء والتجار الى البناء فيها وتكون من مجموع ذلك كله بلدة جديدة هى بولاق التى احتلت مكان المقس.

*مكناسة

*مكناسة من كبريات المدن المغربية، ومن العواصم الملكية. تقع قرب جبل زرهون فى موقع يبلغ ارتفاعه (522 م) عن سطح البحر، نشأت من اجتماع قرى بربرية، كان أهلها يقومون بزراعة الزيتون والأشجار المثمرة، ومن أقدم هذه القبائل قبيلتا زناتة ومكناسة. ثم اتسعت عمارة مكناسة فى العصر المرينى، وتأسست بها عدة مساجد وحصون ومدارس وأسواق، واتخذها المولى إسماعيل عاصمة لمملكته، فبنى بها الأسوار والقصور والحدائق والدور والمساجد والحصون والأبراج، وخلَّف بها عدة مآثر تشهد بعظمة ملكه، منها باب المنصور، والهرى الذى أعده السلطان لإيداع زاد الجنود، والحوض الكبير الذى تبلغ مساحته أربعة هكتارات، وكان يُستعمل فى سقى البساتين المجاورة.

*مليلة

*مليلة ميناء كبير على شاطئ البحر المتوسط فى منتصف الطريق بين وهران وسبتة. تبلغ مساحته نحو (17 كم2)، كان يتبع المغرب إلا أن الإسبان يحتلونه منذ عام (1497 م) بعد سقوط غرناطة بخمس سنوات. وهو عبارة عن ميناء شُيّد على رأس روك ويمتد داخل البحر لمسافة (40 كم). ويرجع تاريخ إنشاء هذه المدينة إلى العصور القديمة؛ حيث عرفها الفينيقيون والقرطاجنيون والرومان والقوط والمسلمون، وأنشأ بها الموحدون والمرينيون عدة منشآت إلى أن احتلها الإسبان ومازالت تحت سيطرتهم حتى الآن.

*منى

*منى بلدة قريبة من مكة، تبعد عنها بنحو ستة كيلو مترات. سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء، يوجد فيها مرمى الجمار، وبها مسجد الخيف، وعلى مقربة منها غار كان يتعبّد فيه النبى e أحيانًا، ويسمى غار المرسلات، وسبب تسميته بهذا الاسم نزول سورة المرسلات على النبى e وهو يتعبد فيه. ويقال: إن إبراهيم عليه السلام، همَّ فى منى بذبح ابنه إسماعيل، عليه السلام؛ ولذا كانت موضع الذبح فى الحج.

*المنصورة

*المنصورة مدينة كبيرة من مدن مصر، وعاصمة محافظة الدقهلية، تقع على رأس بحر أشمون طنَّاح وتسمى اليوم أشمون الرماح، بناها السلطان الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب سنة (616 هـ = 1219 م). ونزل السلطان الكامل فى موضعها، عندما استولى الفرنجة على دمياط وقضوا على من بها من المسلمين، وبنى بها قصرًا، وأمر أمراءه وقادة جيشه ببناء دورٍ لهم، وبنى حولها سورًا كبيرًا ونصب حوله الآلات الحربية للدفاع عنها، وانتشرت بها الحمامات والفنادق والأسواق مع مرور الزمن. وظل الملك الكامل بها حتى استخلص مدينة دمياط من أيدى الصليبيين سنة (618 هـ = 1221 م)، فأطلق على المدينة اسم المنصورة تيمنًا بانتصاره على الفرنجة فى دمياط. وفى سنة (648 هـ = 1250 م) هزم توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب جيوش لويس التاسع ملك فرنسا عند المنصورة، بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وسجن لويس التاسع فى دار ابن لقمان بالمنصورة.

*منغوليا

*منغوليا منطقة واسعة فى الجزء الشرقى من آسيا، تعد وطن الشعوب المنغولية. مساحتها الإجمالية نحو (2.700.000 كم2) والمغول شعب من العرق المنغولى أنشئوا إمبراطورية كبيرة خلال حكم جنكيز خان وأحفاده امتدت من الصين شرقًا إلى نهر الدانوب واجتاحوا فى ظل حكم تيمورلنك المنطقة من منغوليا إلى البحر الأبيض المتوسط ونهر الدانوب. وكان الغموض يكتنف تاريخ هذه المنطقة حتى القرن الثالث عشر الميلادى عندما برز جنكيز خان، وكان أقصى اتساع لها قد بلغته فى عهد تيمورلنك فى أواخر القرن السابع عشر الميلادى. قامت فى منغوليا دولتان - بعد طول احتلال صينى - تفصل بينهما صحراء غوبى: الأولى: هى جمهورية منغوليا الشعبية (الخارجية). معظم سكانها من المغول، استقلت عن الصين سنة (1924 م) وأصبحت جمهورية، وانضمت إلى الأمم المتحدة عام (1961 م) ومساحتها (1.565.000 كم2) وعاصمتها: أولان باتور وحدودها الشرقية والجنوبية والغربية الصين وفى الشمال الاتحاد السوفييتى السابق. والثانية: هى جمهورية منغوليا الداخلية عاصمتها: هوهيهوت ومساحتها حوالى (1.177.500 كم2).

*المنيا

*المنيا مدينة فى صعيد مصر الأدنى، وهى عاصمة محافظة المنيا منذ سنة (1890 م)، وكانت تابعة لولاية الأشمونين. تقع على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد (243 كم) إلى الجنوب من القاهرة، عرفت باسم منية أبى الخصيب ومنية الخصيب، ويقال: إن الخصيب مولى لأحد الخلفاء العباسيين ولاة مصر فعامل أهلها معاملة حسنة فسمى الإقليم باسمه. وبالمنيا آثار إسلامية وفرعونية تنتشر فى المحافظة ومراكزها، منها مسجد اللمطى بمدينة المنيا، الذى بنى فى العهد الأيوبى سنة (578 هـ)، وآثار بنى حسن الشروق وتونا الجبل والأشمونين وتل العمارنة، التى اتخذت عاصمة لإحدى دول الفراعنة فى مصر.

*موريتانيا

*موريتانيا جمهورية تقع فى شمال غرب إفريقيا، يحدّها من الشمال الشرقى الجزائر، ومن الشرق والجنوب الشرقى مالى، ومن الجنوب السنغال حيث يفصلها عنها نهر السنغال، ومن الغرب المحيط الأطلسى، ومن الشمال الغربى الصحراء الغربية والمغرب. وتبلغ مساحتها (1.030.000 كم2)، وعاصمتها نواكشوط، وأهم المدن نواذيبو وقايدى وزويران، واللغة العربية هى لغة أغلبية السكان، والإسلام هو الدين الرسمى. عرفت موريتانيا قديمًا ببلاد شنقيط العربية، وقد وصلها الإسلام فى العهد الأموى، ولكنها لم تخضع للمسلمين بشكل رئيسى إلا فى عهد المرابطين الذين بسطوا نفوذهم إلى السنغال، ثم خضعت بعدهم للموحدين ثم لبنى وطاس وبعدهم لبنى مرين. وفى سنة (1903 م) احتلتها القوات الفرنسية، وأُعلنت مستعمرة فرنسية سنة (1920 م)، وفى سنة (1958 م) أصبحت عضوًا فى المجموعة الإفريقية الفرنسية، واستقلت برئاسة مختار ولد دادا سنة (1960 م)، وفى سنة (1973 م) انضمت إلى جامعة الدول العربية، وفى سنة (1975 م) احتلت القوات الموريتانية نحو ثلث الصحراء الغربية، بينما احتل المغرب الثلثين الشماليين بعد انسحاب إسبانيا، وعلى إثر ذلك قامت حرب بين القوات المغربية والموريتانية، مما أرهق موريتانيا، فأعلنت انسحابها من الجزء الذى فى حوزتها.

*موزمبيق

*موزمبيق دولة إفريقية تقع على الشاطئ الجنوبى الشرقى للمحيط الهندى. يحدها من الغرب جنوب إفريقيا وسوازيلاند وزيمبابوى، ومن الشمال زامبيا ومالاوى وتنزانيا، ومساحتها (801.000كم2). وأراضى موزمبيق غنية بالأنهار، وأهمها نهر الزمبيزى. وتشترك موزمبيق فى ملكية بحيرة المالاوى. وعاصمة موزمبيق مابوتو وأهم مدنها سوفالا وموزمبيق، واللغة الرسمية هى البرتغالية بالإضافة إلى لغات الجانتو، وتعتمد موزمبيق على تصدير المنتجات الزراعية، وأهمها: القطن والسكر. ويوجد بها مجمع ضخم لإنتاج الطاقة الكهربائية على نهر الزمبيزى ويدين (60%) من السكان بالوثنية، وثلث السكان مسلمون بالإضافة إلى أقلية مسيحية. وكان فى موزمبيق مراكز عربية وإسلامية تشتهر بتجارة الذهب إلا أنها تعرضت لاعتداءات البرتغال حتى سيطروا عليها سنة (1500م) واستعمروها نحو (500) سنة وجعلوها مصدرًا لتجارة الرقيق حتى تم إلغاؤها سنة (1878م). وفى سنة (1700م) تعرضت موزمبيق للركود بسبب انخفاض الحركة التجارية فى مرافئ البلاد بسبب فقدان البرتغال لأغلب مستعمراتهم. وفى سنة (1884م) بعد مؤتمر برلين أصبحت موزمبيق تحت السيطرة البرتغالية فاعتبرها البرتغال مقاطعة برتغالية فرضوا عليها لغتهم وديانتهم الكاثوليكية. وفى عام (1964م) اندلعت الثورة الإسلامية ضد البرتغال بزعامة حركة فريليمو حتى حصلت على استقلالها سنة (1975م) وارتبطت موزمبيق بعلاقات صداقة مع الاتحاد السوفييتى السابق والدول الاشتراكية. وتعانى البلاد الحرب الأهلية التى استمرت (14) سنة وأدت إلى تدمير الاقتصاد فى موزمبيق.

*موسكو

*موسكو عاصمة روسيا، تقع على نهر موسكفا، تبلغ مساحتها (325كم2)، بها شبكات من الطرق والسكك الحديدية والخطوط الجوية والممرات المائية. صناعاتها الرئيسية النسيج والاشغال والتعدين والقاطرات والسيارات والطائرات والآلات والمواد الكيماوية والمطاط والبضائع الجلدية والورق والسجائر. ونقل الركاب فى موسكو يتم بواسطة شبكة سكك حديدية تحت الأرض، شوارعها الرئيسية تنطلق من الكرملين باتجاه الضواحى، وفيها مطاران، أحدهما مركزى والآخر خارجى بالإضافة إلى شبكة من الممرات المائية تخدم ثلاثة موانئ: اثنان منها على نهر موسكفا والثالث على قناة موسكو- فولغا. ورد ذكر موسكو لأول مرة سنة (1147م)، ثم أصبحت سنة (1271م) مركزإمارة تحت حكم دانيل فلاديمير. أحرقها التتار مرتين فى سنتى (1381م) و (1572م)، ثم احتلها البولنديون فترة قصيرة حتى حررها الأمير بوزهارسكى سنة (1612م)، واحتلها نابليون الأول فى سبتمبر سنة (1812م)، ثم لم تلبث أن ثار أهلها بعد أيام قليلة فاضطر الفرنسيون إلى التقهقر، وفى المدة من سنة (1713م) إلى سنة (1918م) تركت مكانها كعاصمة لروسيا لسنت بطرسبرج، وقد تضاعف عدد سكانها بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وازدهرت بسرعة بعد انتهاء الحرب.

*الموصل

*الموصل هى ثانية كبرى مدن العراق، مركز تجارى مهم للبترول العراقى، تقع على طرف دجلة شمالى غربى بغداد، قيل سميت بالموصل لأنها وصلت بين نهرى دجلة والفرات وقيل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل غير ذلك. فتحها المسلمون سنة (16هـ=637م) فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، على يد عتبة بن فرقد السلمى، وكان أول منا اهتم بها مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، فنصب عليها الجسور، وأعد الطرق، وبنى حولها سورًا كبيرًا، وجعل لها ديوانًاخاصّا بها. وسكنها هارون الرشيد سنة (183هـ=719م)، وظلت تحت سلطة الدولة العباسية حتى حكمها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكى وظلت مقرّا للدولة النورية حتى ظهرت الدولة الأيوبية. وقامت بريطانيا باحتلال الموصل بعد الحرب العالمية الأولى ببضعة أيام، ثم أخذتها تركيا حتى سنة (1344هـ= 1925م)، ثم عادت إلى العراق. ومن أهم الآثار الإسلامية بالموصل: المدرسة الأتابكية ورباط الصوفية اللذان بناهما سيف الدين غازى بن زنكى، والمسجد النورى أو الجامع الكبير ومئذنته الحدباء، الذى بناه نور الدين محمود بن عماد الدين زنكى سنة (566هـ=1171م) وانتهى منه سنة (568هـ=1173م)، ومسجد مجاهد الدين قيماز سنة (572هـ=1176م) وانتهى مجاهد الدين منه سنة (576هـ=1180م). ومن أشهر علمائها: عبد العزيز بن حيان بن جابر بن حريث، أبو القاسم الأزدى الموصلى وأبو يعلى أحمد بن على بن المثنى بن يحيى بن هلال التميمى الموصلى المحدث المعروف صاحب المسند. ومن أهم صادراتها: البترول، والحبوب، والفاكهة، والأصواف، وبها المصنوعات القطنية والسكر، والدباغة والمطاحن.

*نابلس

*نابلس مدينة فلسطينية، عاصمة محافظة نابلس، تتوسط المرتفعات الجبلية الفلسطينية وخاصة جبال نابلس، وتبعد (69 كم) عن القدس و (42 كم) عن البحر المتوسط و (114 كم) عن عمّان، وترتفع نحو (550م) عن سطح البحر، وتنحدر الأودية من منطقة نابلس نحو الغرب والشرق. ومناخ نابلس ينتمى إلى مناخ البحر المتوسط وسمَّى الكنعانيون نابلس شكيم، أى: الأراضى المرتفعة (النجد) ودخلها الفراعنة ثم الهكسوس ثم السامريّون ثم الرومان، وفتحها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص فى خلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما، وقام المسلمون بحماية من بَقِى من أهلها على ديانته - النصرانية - على أن يدفعوا الجزية، ثم استولى عليها الصليبيون سنة (493 هـ = 1099 م) وبنوا فيها قلعة وعقدوا فيها مجمعًا كنسيًّا كبيرًا، واستردها صلاح الدين الأيوبى بعد انتصاره فى معركة حطين ثم احتلها الإنجليز سنة (1918 م) وهى الآن - كباقى مدن فلسطين - تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى. وسكان نابلس - كبقية سكان فلسطين - يعودون بأنسابهم إلى العرب القحطانيين والعدنانيين، وتعد نابلس من أهم المراكز الصناعية فى فلسطين.

*وليلى

*وليلى مدينة مغربية أثرية يرجع تاريخها إلى العصر الرومانى، تقع بجبل زهرون على بعد ثلاثة كيلو مترات من مدينة المولى إدريس. ومدينة وليلى مستطيلة الشكل تتدرج بناءاتها على سفح الجبل، وتشتهر بالآثار الرومانية، وأهم هذه الآثار قوس النصر وباب كارا كالا وكان المغاربة يسمّون هذه المدينة قصر فرعون، واسمها الرومانى فوليبيس. وقد دمر هذه المدينة زلزال أشبونة الشهير سنة (1775 م). وكان يحيط بهذه المدينة قديمًا سور كبير له عدة أبواب. وتشتهر هذه المدينة بزراعة الزيتون وتجارته.

*الكرج

*الكرج الكَرَج مدينة فارسية تقع بين همذان وأصبهان وهى إلى همذان أقرب، لم تكن فى أثناء حكم الفرس مدينة مشهورة، وإنما كانت فى عداد القرى الكبيرة، وأول من مصّرها وجعلها مدينة أبو دُلَف القاسم بن العجلى أحد أكابر قواد الخليفة العباسى المأمون وجعلها وطنه، وإليها قصده الشعراء وذكروها فى أشعارهم. وكانت الكرج تشتهر بأبنيتها المتفرقة، وقصورها الواسعة، وكانت ذات زروع ومواشٍ كثيرة. ينسب إليها القاضى أبو سعد سليمان بن محمد بن الحسين القصارى المعروف بالكافى الكرجى، كان فقيهًا فاضلا عالمًا، وَلِى قضاءها، وتوفى سنة (538هـ).

*الشمال (بحر)

*الشمال (بحر) بحر مفتوح يقع فى غرب القسم الأوسط من اليابس الأوربى ويفصل بينه وبين الجزر البريطانية وتكتنفه دول النرويج، والدانمارك، وألمانيا، وهولندا، وبلجيكا من الجهة الشرقية، وبريطانيا من الجهة الغربية، وهو واسع وضحل، وبالرغم من ذلك فهو يخلو من الجزر بداخله. يبلغ طوله حوالى (965 كم) ويبلغ أقصى عرض له (643 كم). يتميز بأن مياهه لا تتجمد فى فصل الشتاء لذا فهو صالح للملاحة طوال العام، ومعظم سواحله باستثناء السواحل النرويجية والاسكوتلاندية قليلة التعرجات.

*قزوين (بحر)

*قَزْوين (بحر) أكبر بحر داخلى (مغلق) فى العالم يقع بين إيران والاتحاد السوفييتى سابقًا. تقع على ساحله الجنوبى الإيرانى جبال البورز وعلى ساحله الجنوبى الغربى جبال القوقاز، وتصب فيه عدة أنهار منها: نهر الفولجا، ونهر الأورال، ونهر كورا، وغيرها. ومن أهم خصائص بحر قزوين انخفاض مستوى مياهه كل عام عن العام السابق بسبب ارتفاع معدل التبخر وقلة مياه الأنهار التى تصب فيه، والمياه فى غربه وجنوبه الغربى أعمق من المياه فى شرقه وجنوبه الشرقى، وعلى الرغم من انكماش حجمه وتناقصه المستمر فإنه أقل ملوحة من معظم بحار العالم، ويسبب انخفاض مياهه المستمر أخطارًا جسيمة للموانئ التى تقع عليه حيث أصبحت هذه الموانئ فى الوقت الحاضر لا يصلح الوصول إليها إلا بالقوارب الصغيرة. ولبحر قزوين أسماء أخرى مثل: بحر الخزر وبحر مازندران. وأهم موانئه باكو، وأهم جزيرة فى جنوبه الشرقى أشورادة، وأيسكون.

*بلرم

*بلرم عاصمة جزيرة صقلية تقع على ساحلها الشمالى إلى الغرب، وهى مدينة قديمة، يرجع تأسيسها إلى الفينيقيين ثم تداولها أهل قرطاجة، ثم الرومان والقوط فالروم. وقد فتح العرب مدينة بلرم سنة (235 هـ = 831 م) بقيادة أبو الأغلب العباس بن الفضل إبان إمارة إبراهيم الأغلبى على تونس، وقد ازدهرت بلرم ثقافيّا واقتصاديّا إبان حكم العرب. وكانت مدينة بلرم تنقسم إلى قسمين: القصر والمدينة. وكانت مدينة القصر تشتمل على قصور وكنائس ومساجد ومنازل كبار التجار، أما المدينة فكانت تشغل مساحة واسعة وبها المنازل والمساجد والحمامات. ومدينة بلرم غنية بالعمارة التى يظهر فيها التأثير العربى فى مساجدها وقصورها وقد تحولت المساجد والعمائر التى أقامها العرب إلى كنائس. وقد أصابت مدينة بلرم خسائر فادحة خلال الحرب العالمية الثانية. ويوجد بالمدينة جامعة بالرمو التى أنشئت سنة (1805 م).

*شبه القارة الهندية

*شبه القارة الهندية هو شبه قارة، يقع داخل نطاق إقليم آسيا الموسمية إلى الشمال من الدائرة الاستوائية، بين خطى عرض (8ْ، 36ْ) شمالاً، وخطى طول (61ْ، 97ْ) شرقًا، ويبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب (2000) ميل، ومن الشرق إلى الغرب (2200) ميل، ويبلغ طول سواحله (2000) ميل. ويمكن تقسيمه تضاريسيًّا إلى: كتلة هضبة الدكن القارية فى الجنوب، ونطاق المرتفعات الألبية فى الشمال، الذى توجد به جبال الهيمالايا، التى توجد بها قمة إفرست، أعلى قمة فى العالم، وسهول الكانج والسند، وتقع بين الإقليمين السابقين. ويسود شبه القارة مناخ موسمى يشهد ثلاثة فصول، هى: فصل بارد وفصل حار وفصل ممطر. وتوجد ثروة زراعية ضخمة فى شبه القارة الهندية، وأهم الحاصلات بها: الأرز، والقمح، وقصب السكر، والشاى، والبن، والطباق، والقطن، والجوت. كما توجد فى شبه القارة صناعات متقدمة مثل صناعة الحديد والصلب وصناعة الغزل والنسيج، علاوة على وجود خامات معدنية مثل الحديد والفحم والمنجنيز والبترول، كما توجد أعداد كبيرة من الأغنام والماشية. وقد وفدت إلى شبه القارة الهندية فى مراحل تعميرها الأولى عناصر بشرية عرفت باسم ما قبل الدرافيديين وجماعات الآريون. وتنتمى هذه الجماعات إلى الجماعات الهندوأوربية، ويتحدثون اللغة السنسكريتية، ويتركزون فى القسم الشمالى، وجماعات أخرى تنتمى إلى المغول، ويتركزون فى نيبال ويوتان، وأجزاء من آسام، ثم حدث اختلاط بين هذه الجماعات وجاءت إليها فى القرن العاشر الميلادى جماعات عربية خلال الفتوحات العربية الإسلامية، وجماعات أخرى من جماعات المغول المسلمين بين سنتى (1219 - 1398 م)، ويوجد نحو (225) لغة فى شبه القارة، أهمها: اللغة الهندية الآرية، واللغة الدرافيدية، واللغة الصينية التبتية. وأكثر الديانات فى شبه القارة انتشارًا: الهندوسية، والدين الإسلامى، وديانة السيخ. وعندما وصل فاسكوداجاما

إلى ميناء قاليقوت عام (1498 م) تنبه الاستعمار الأوربى إلى المواد الخام الصناعية الموجودة فى شبه القارة؛ فتأسست الشركات التجارية الأوربية لاستغلال الخامات الموجودة فى البلاد، وعظم النفوذ البرتغالى فى الفترة من سنة (1530 م) إلى سنة (1600 م)، ثم الاستعمار الهولندى والفرنسى، إلى أن استعمر البريطانيون شبه القارة وأسسوا إمبراطورية الهند البريطانية سنة (1858 م)، وفى أغسطس عام (1947 م) قسم شبه القارة الهندية إلى الوحدات السياسية الحاليَّة، وهى: جمهورية الهند، وجمهورية الباكستان، وجمهورية بنجلاديش ومملكة نيبال، وإمارة سكيم دايوتان، وجمهورية سيريلانكا.

*النيجر

*النيجر هى إحدى الدول الداخلية فى إفريقيا الغربية، وعاصمتها: نيامى، ويجاورها كل من ليبيا والجزائر من الشمال، ومالى وبوركينا فاسو من الغرب، وبنين ونيجيريا من الجنوب، وتشاد من الشرق، وليس لها منافذ بحرية ومساحتها (2.267) كم2، والمناخ حار جاف، ومعظم سكانها من الأفارقة السود، وهم ينتمون إلى مجموعات متنوعة. ويشكل فلاحو الهوسا والجيرما الذين يسكنون فى جنوب البلاد أكبر كثافة فى البلاد، أما باقى سكان النيجر فهم من البدو الذين يسكنون المناطق الصحراوية الشمالية. وعلى الرغم من أن الفرنسية هى اللغة الرسمية للنيجر فإن العديد من السكان يتحدثون لهجات مختلفة. والإسلام هو الدين السائد، ويوجد بعض الأقليات المسيحية. ويعتمد اقتصاد النيجر على الزراعة بشكل رئيسى رغم أن الأراضى الصالحة للزراعة قليلة، والجفاف سمة عامة فى البلاد. كانت النيجر معبرًا للعديد من الشعوب فى بداية تاريخها، وسيطرت عليها عدة إمبراطوريات إفريقية حتى وصلتها الكشوفات الأوربية فوقعت تحت نفوذ فرنسا سنة (1855م)، وأُعلنت مستعمرة فرنسية سنة (1922م) باسم غرب إفريقيا الفرنسية حتى حصلت على استقلالها سنة (1960م).

*النيجر (نهر)

*النيجر (نهر) نهر بغرب إفريقيا، يبلغ طوله أكثر من (4160) كم، ينبع قرب حدود سيراليون، وعلى بعد (320) كم من المحيط الأطلسى. يجرى تجاه الشمال الشرقى فى الهوامش الجنوبية للصحراء الكبرى، مزودًا منطقة تمبوكتو وما يليها شمالاً بمياه الرى، ثم ينحنى فى اتجاه الجنوب الشرقى، ويصل إلى خليج غينيا، مخترقًا دلتة ضخمة. والنيجر هو النهر الوحيد فى إفريقيا الذى يتميز بمصب طويل صالح للملاحة، فهو يسمح بالملاحة للسفن المحيطية حتى مدينة ماتادى على بعد (128) كم من البحر.

*نيجيريا

*نيجيريا نيجيريا جمهورية إسلامية إفريقية تتكون من (19) ولاية، تقع غرب إفريقيا على ساحل خليج غانا (المحيط الأطلنطى)، وتجاورها دولة بنين فى الغرب، والنيجر فى الشمال، والكاميرون وتشاد فى الشرق، ومساحتها (923.786) كم2، وكانت عاصمتها لاجوس، ثم نُقلت إلى مدينة أبوجا فى وسط البلاد، وتُعد نيجيريا من أكثر دول إفريقيا كثافة بالسكان، وتضم أكثر من (200) قبيلة إفريقية بارزة أكبرها: الهوسا والفولانى المسلمتان، ويكثر وجودهما فى الشمال، فى حين تعيش التجمعات المسيحية فى الجنوب. وقد دخل الإسلام شمال نيجيريا عن طريق التجار فى القرن الثامن الميلادى، وازداد انتشاره فى القرن الثالث عشر الميلادى عن طريق دولتى الموحدين والمرابطين. واحتلت بريطانيا نيجيريا سنة (1553م)، وصحب ذلك وصول بعثات تنصيرية، عملت على نشر المسيحية فى الجنوب الوثنى، وخاض المسلمون ضد المحتلين معارك حتى نجحوا فى تحرير بلادهم وإعلان استقلالها سنة (1960م).

*النيل (نهر)

*النيل (نهر) نهر شمال شرق إفريقيا، وهو من أطول أنهار العالم؛ إذ يبلغ طوله نحو (6825) كم، تبلغ مساحة حوضه (2.9) مليون كم2، وتتقاسم هذه المساحة عشر دول هى: مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندة ورواندا وبورندى وزائير وإريتريا، ولنهر النيل مجموعتان من المنابع هما: بحيرات الهضبة الاستوائية، ومياه هضبة الحبشة، وتلتقى مياه المنبعين عند الخرطوم، وأهم روافده: بحر الغزال وبحر الزراف والسوباط والنيل الأزرق والعطبرة. ويظل نهر النيل فى معظم مجراه محافظًا على اتجاهه نحو الشمال حتى يصب فى البحر المتوسط بدلتا واسعة، تبدأ إلى الشمال من القاهرة بنحو (23) كم، ويتفرع فيها النيل إلى فرعى دمياط ورشيد، ويجرى النيل فى مصر فى وادٍ ضيق لا يزيد اتساعه فى الجنوب عن (1.5) كم، ويزداد اتساعًا بالاتجاه شمالاً حتى يصل إلى أقصى اتساع له (25) كم عند مدينة بنى سويف، ويستمد نهر النيل مياهه من موردين رئيسيين: الأول: هضبة البحيرات، وتسهم بنحو (28%) من إيراد نهر النيل فى مصر، والثانى: هضبة إثيوبيا، وتسهم بنحو (72%) من جملة الإيراد السنوى. ولنهر النيل أهمية كبيرة؛ إذ قامت على ضفافه حضارة من أقدم الحضارات التى عرفها التاريخ؛ وهى الحضارة الفرعونية، كما نشأ على ضفافه أيضًا كثير من المدن الكبرى منذ آلاف السنين مثل طيبة ومنف. وقد أقيم على نهر النيل من منبعه حتى مصبه كثير من المشروعات لتوفير مياه الرى وتوليد الكهرباء، منها فى مصر: سد أسوان الذى بُنى سنة (1902م) والسد العالى الذى بُنى سنة (1970م) بالإضافة إلى عدد كبير من القناطر مثل قناطر الدلتا وأسيوط ونجع حمادى وإسنا وغيرها. وفى السودان: سد جبل الأولياء، وسد سنار، وسد الرصيرص، وفى أوغندة: سد أوين.

*النيل الأبيض

*النيل الأبيض جزء من نهر النيل يبدأ من مصب السوباط وينتهى عند مدينة الخرطوم حيث مصب النيل الأزرق فيكوِّنان نهر النيل الرئيسى. وبه بعض الجزر أهمها: بجانى وبولى ومصران وأبا، ويمثل النيل الأبيض همزة الوصل بين المجارى النيلية فى حوض الغزال والهضبة الاستوائية وبين الجريان النيلى فى الأحواض شمال الخرطوم، وذلك فى نحو (800) كم. ويجمع النيل الأبيض إيراد نهرين، هما: بحر الجبل والسوباط.

*النيل الأزرق

*النيل الأزرق أهم روافد نهر النيل، ينبع من مرتفعات جوجام بالقرب من بحيرة تانا التى يخرج منها على ارتفاع نحو (1750م)، ويسير فى مجارٍ ضيقة إلى أن يصل إلى السودان عند الرصيرص فى نحو (1520) كم، يجرى جنوبًا ثم غربًا ويتعرج كثيرًا فى هضبة الحبشة، فيجمع الجزء الأكبر من مياهها، وأهم روافده الدندر والرهد، ولئن كفلت بحيرة تانا للنيل الأزرق بداية متواضعة، وحصتها فى جريانه لا تزيد عن (7%) من إيراده الكلى، فإن انضمام الروافد إليه من كل جانب يجمع حجمًا هائلاً من الإيراد من مساحة حوضه الكبير فى الهضبة الحبشية البالغ قدرها نحو (217620) كم2، ومن ثم يتعاظم الجريان ويفعم بالمياه، وتكون قمة الزيادة فى أغسطس وسبتمبر. يسيطر فيهما على جريان النيل سيطرة شبة تامة يكاد يوقف اندفاعه - عندما يتصل بالمجرى الرئيسى - الجريان الهادئ للنيل الأبيض، وتحققت - ضمن إيراد النيل الأزرق - أهمية تمثلت فى الحمولة الهائلة من المواد العالقة والرواسب التى أسهمت فى بناء التربة الفيضية.

*اليونان

*اليونان دولة أوربية. تقع شرقى البحر المتوسط جنوبى البلقان. يحدها من الشمال ألبانيا ويوغسلافيا السابقة، ومن الشمال الشرقى تركيا. وتبلغ مساحة اليونان (132) ألف كم2. وتنتشر بها الجزر التى تكون (5/ 1) مساحة البلاد، وأهمها رودس وكريت والمورة. وتتميز أراضيها بالسهول الساحلية الضيقة والمناطق الجبلية الواسعة، وأهم جبالها أولمبس، ويصل ارتفاعه إلى (2985) مترًا. وثلث مساحة اليونان صالح للزراعة؛ لذلك يعتمد اقتصادها على الزراعة ثم الصناعة ثم السياحة والتجارة. وأهم محاصيلها الزراعية: القمح والزيتون والفواكه، ويوجد بها بعض المعادن مثل: الحديد، والصناعات مثل: الأقمشة والزيوت. وعملتها المتداولة الدراخمة، وسكان اليونان مسيحيون أرثوذكس، وتوجد بعض الجاليات الإسلامية فيها، وترجع أصول اليونانيين إلى أصول إغريقية. وأهم المدن اليونانية: أثينا العاصمة، وسالونيك الميناء الرئيسى. والنظام السياسى فى اليونان جمهورى برلمانى. وأهم أحزابها السياسية: حزب الديمقراطية الجديدة، وحزب الحركة الاشتراكية الهيلينية، وتوجد بعض المشكلات السياسية مع تركيا حول بحر إيجة والأزمة القبرصية. ويرجع تاريخ اليونان إلى حضارة الإغريق القديمة التى أثرت فى العالم ثم تكونت إمبراطورية اليونان سنة (1500 ق. م)، ثم خضعت للإمبراطورية الرومانية سنة (14 ق. م)، ثم للإمبراطورية البيزنطية حتى سنة (1456م)؛ إذ فتحها المسلمون العثمانيون واستمروا فيها حتى سنة (1821م)؛ إذ قامت ثورة المورة التى طالبت بالاستقلال عن العثمانيين وتمَّ ذلك سنة (1827م). وفى سنة (1913م) تنازل العثمانيون عن كريت لليونان، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سيطرت اليونان على بعض المناطق الحدودية من ألبانيا وبعض جزر بحر إيجة ومقدونيا، إلا أن اليونان خضعت للمحور فى الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها قامت حرب أهلية استمرت (3) سنوات، وسيطر بعدها اليمين على مقاليد

السلطة. وفى سنة (1973م) أعلنت الجمهورية فى اليونان.

*طنجة

*طنجة ميناء ومدينة مغربية، تُعد من أقدم مدن المغرب التى لعبت أدوارًا مهمة فى تاريخ المغرب القديم والحديث. وتقع هذه المدينة فى بوغاز جبل طارق بين المحيط الأطلنطى والبحر المتوسط فى مقابلة الشاطئ الإسبانى، ولا يفصلها عن هذا الشاطئ سوى (17) كم. وقد عرف القرطاجنيون والرومان هذه المدينة، التى كانت مركزًا مهمًّا للجيوش الإسلامية والمغربية التى كانت تتوجه إلى الأندلس؛ لتثبيت دعائم الإسلام بها. واحتلها الإسبان والبرتغال والإنجليز، كذلك نزل بها الإمبراطور الألمانى غليوم الثانى سنة (1905م)، وألقى خطابًا شهيرًا ضد السياسة الفرنسية. وكانت طنجة عاصمة المغرب الدبلوماسية حتى سنة (1912 م)؛ إذ خضعت لنظام دولى خاص، وقد احتلتها إسبانيا سنة (1940م)، ثم عادت إلى المغرب سنة (1956م). ويقطن طنجة عديد من الأوربيين، ويوجد فيها عديد من الآثار التاريخية وبعض القصور الملكية، ويقال: إن بها ضريح الرحالة الشهير ابن بطوطة المتُوفَّى سنة (779هـ)، كما يوجد بها بعض مقار المنظمات الدولية.

*المهدية

*المهدية مدينة مغربية قديمة تقع على شاطئ المحيط الأطلنطى بين العرائش والرباط، عند مصب نهر سبو، على بعد (9) كم من القنيطرة، أُسست فى العصر الموحدى، وكانت تُسمى بالمعمورية؛ لقربها من غابة المعمورية الشهيرة. احتلها البرتغال فى القرن السادس عشر، وجدد بناءها المولى إسماعيل بعدما طرد المغيرين منها سنة (1091هـ = 1680م)، ولا تزال أطلالها بادية للعيان.

*دهلى

*دهلى دهلى أو دلهى كبرى مدن الهند وأشهر مركز تجارى وصناعى بها. تقع فى شمال الهند ويزيد عدد سكانها على (6) ملايين نسمة. ويُطلق اسم دهلى على عدة مدن أقيمت فى مواقع متجاورة على الضفة اليمنى لنهر جمنة. وكانت دهلى كغيرها من بلاد الهند يحكمها الهندوس حتى سنة (1194م)، حيث تمكن أحد القادة المسلمين، وهو قطب الدين أيبك، أحد مماليك الدولة الغورية بالهند من فتحها، وأسس دولة إسلامية عُرفت باسم دولة المماليك التركية، واتخذ دهلى عاصمة لها، واستمرت دولته حتى سنة (1290م)، حيث استولى عليها جلال الدين نيروز وأسس الدولة الخلجية، ثم خلفتها الدولة التغلقية سنة (1320م)، وفى عهد مؤسسها غياث الدين تغلق استعادت دهلى أهميتها كعاصمة كبرى حتى استولى عليها تيمورلنك وأحدث بها خرابًا ودمارًا. وفى سنة (1526م) نجح ظهير الدين بابر، أحد أحفاد تيمورلنك فى دخولها، أثناء توسع دولته، واتخذها عاصمة لها، ثم اتخذها بعد ذلك السلطان أكبر عاصمة لإمبراطوريته الكبيرة. ويُعدُّ شاهجهان المجدد الحقيقى لمدينة دهلى منذ سنة (1638م)، فأقام أسوارها وبنى قلعتها وأسس مسجد دهلى الكبير. وفى سنة (1739م) تعرضت دهلى للغزو الفارسى على يد نادرشاه، ثم أصبحت بعد ذلك مسرحًا للثورات والاضطرابات مع استمرارها عاصمة للسلاطين حتى استولى عليها الإنجليز سنة (1857م). وفى سنة (1877 م) أُعلِنَت الملكة فيكتوريا فى دهلى إمبراطورة على الهند. وفى سنة (1911م) تُوِّج الملك جورج فى دهلى إمبراطورًا على الهند، وفى العام التالى اتخذ الإنجليز عاصمة أخرى وأطلقوا عليها نيودلهى. وتضم مدينة دهلى عددًا كبيرًا من الآثار الإسلامية، أهمها: مسجد دهلى الجامع الذى بناه شاهجهان، وضريح الإمبراطور همايون، ومسجد اللؤلؤة الذى بناه أورنكزيب، ومنارة قطب الدين أو قطب منار، وغيرها.

*ديار بكر

*ديار بكر مدينة تقع اليوم فى حدود الجمهورية التركية بالأناضول، وعلى الضفة الغربية لنهر دجلة فى مجراه الأعلى، وعند أقرب نقطة يقترب فيها من مجرى الفرات. ويبلغ عدد سكانها (44.000) نسمة، وهى مدينة قديمة ذات أهمية إستراتيجية، يدل على ذلك الأسوار التى تُحيط بها، ويرجع تاريخ إنشائها إلى العصر الرومانى، ويرتفع عليها (72) برجًا. وتشتهر ديار بكر بعدة صناعات تقليدية كالأقمشة الحريرية ومشغولات الجلود والنحاس، وفتحها العرب سنة (19هـ)، على يد عياض بن غنم فاتح أرمينية، وبعد انهيار دولة الخلافة العباسية، كانت ديار بكر من نصيب السلاجقة، ثم التركمان، ثم الأيوبيين، ثم الأرتقيين، ثم الفرس، وأخيرًا العثمانيين.

*ذو الحليفة

*ذو الحُليفة مكان بالقرب من المدينة فى الطريق الموصل إلى مكة، ويقع على مسيرة ستة أميال من جنوب المدينة، ويُعرف اليوم باسم آبار على. وأهمية هذا الموضع فى أنه ميقات أهل المدينة، فعنده يبدأ الحاج القادم من المدينة إحرامه، وقد أحرم رسول الله (بذى الحُليفة حين خرج إلى عمرة القضاء وحجة الوداع. والطريق إلى ذى الحليفة مستوٍ يُحاذى حرة الوبرة، ويمر ببئر عروة. واكتُشف فى ذى الحُليفة آثار مسجد كان مطمورًا، قيل مسجد المعرس: أى المكان الذى يبيت به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند عودته من مكة.

*رأس الرجاء الصالح

*رأس الرجاء الصالح هو الطريق الذى اكتشفه الرحالة البرتغالى فاسكو ديجاما سنة 1498م)، أثناء محاولة البرتغال الوصول إلى الشرق من خلال طريق البحر، للحصول على تجارة الشرق، خاصة البهارات والتوابل، كما استهدفوا أيضًا تطويق المسلمين من خلال التعاون مع مملكة الحبشة النصرانية لحرب المسلمين، وفصم عرى الارتباط بين الكنيسة المصرية والكنيسة الإثيوبية. ر فقام فاسكو ديجاما برحلته سنة (1497م)، ووصل إلى نهاية القارة وعبر رأس الرجاء الصالح سنة (1498م)، واستطاع الوصول إلى الساحل الغربى للهند من خلال الدوران حول إفريقيا. وتتابعت حملات البرتغال ورحلاتهم لتأمين الطريق وإقامة الحصون حوله وحماية التجارة، واعتبر البرتغال هذا الطريق سرًّا من أسرار الدولة؛ لذلك صدر قانون بتحريم حمل خرائط هذا الطريق. واستطاع البرتغال تحقيق أرباح طائلة من سيطرتهم على هذا الطريق، ولذلك حاول المماليك محاربة البرتغال؛ لتأثير اكتشاف هذا الطريق سلبيًّا على دولة المماليك، إلا أنهم هُزموا فى موقعة ديو البحرية سنة (1509م)، مما عجَّل بسقوط دولة المماليك. وقد أدى اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح إلى قيام بعثات التبشير، وعزل الشرق عن النهضة الأوربية، وركود العالم الإسلامى

*الرباط

*الرباط هى العاصمة السياسية والإدارية للمملكة المغربية، وأهم موانيها، تُطل على المحيط الأطلنطى، وتقع شمال الدار البيضاء، وتعتبر مركزًا مهمًّا للمواصلات، وبها جامعة الرباط وجامعة محمد الخامس. ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السادس الهجرى عندما أمر السلطان الموحدى عبد المؤمن بن على بتأسيسها وجعلها رباطًا لحشد الجيوش والأساطيل لغزو الأندلس، وسمَّاها رباط الفتح، تيمنًا بانتصاره على الإسبان فى موقعة الأرك عام ( 1195م)، ثم أتمَّ الخليفة يعقوب المنصور بناءها، وشيَّد بها مسجدًا كبيرًا ليكون أكبر مساجد العالم، إذ تبلغ مساحته (26) ألف متر مربع، ويُسمى مسجد حسان. واستوطن الأندلسيون الرباط بعد طردهم من بلادهم عام (1610م)؛ ولذا تميزت الرباط بالطابع الأندلسى. ثم احتلها الفرنسيون سنة (1911م)، وأصبحت مقرًّا لهم، وبعد التحرير سنة (1957م)، وصار الرباط عاصمة المملكة المغربية.

*رشيد

*رشيد مدينة مصرية تقع على الضفة الغربية لفرع رشيد - أحد فرعى النيل - اشتُقَّ اسمها من اللفظ القبطى (رشيت)، وتتبع محافظة البحيرة. ويرجع تأسيسها إلى الفراعنة، حيث كانت سوقًا رائجة فى ذلك الوقت، فتحها عمرو بن العاص سنة (641م) وسكنها بعض الصحابة، مثل: عبد الله بن الصامت. واهتم سلاطين المماليك برشيد فقام الأشرف قايتباى بإنشاء قلعة كبيرة بها سنة ( 1472م)، وبنى حولها سورًا لحمايتها، كما بنى السلطان الغورى سورًا آخر حول المدينة على شاطئ البحر سنة (1516م). وكان لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح أثره فى تراجع أهمية رشيد ، لكن بعد الفتح العثمانى سنة (1517م)، أصبحت من أهم ثغور مصر، حتى إن أهميتها كانت تفوق الإسكندرية. وقد احتلها الفرنسيون سنة (1798م)، وقاموا ببناء قلعة سان جوليان - التى سُميت باسم مَنْ اكتشف حجر رشيد أثناء بنائها - وتولى حكم رشيد الجنرال مينو الذى أسلم وتزوج من رشيد، ومازالت وثيقة زواجه موجودة حتى الآن. وقد تصدت رشيد لحملة فريزر الإنجليزية سنة (1807م)، واستطاعت المقاومة الشعبية أن تهزمها. وتشتهر رشيد بإنتاج الملح الجيد، وزراعة الأرز.

*الرصافة

*الرصافة اسم يُطلق على عدة مواضع فى عددٍ من العواصم الكبرى وتُعرف بأسمائها، فيقال: رصافة بغداد ورصافة البصرة ورصافة قرطبة، أو أنها تنسب إلى منشئها، مثل: رصافة أبى العباس، والنسبة إلى رصافة: [رصافى]. ويحمل هذا اللقب عدد من الأعلام من رجال الفقه والأدب. رصافة الشام أو رصافة هشام: نسبة إلى هشام بن عبد الملك - الخليفة الأموى الذى عَمَّرَها - وكان ينزل بها لنقاء هوائها، أُقيمت على مشارف الصحراء إلى الغرب من المجرى الأعلى لنهر الفرات وتبعد عنه (25) ميلاً، وأقرب مدينة لها الرقة، على الجانب الشرقى للنهر، وتبعد عنها مدينة تدمر المسافة نفسها. ويرجع تاريخ بناء الرصافة إلى العصر الآشورى، ثم إنها أصبحت أسقفية إبان الحكم البيزنطى، وأقيم بها ديرٌ أُعتبر من عجائب المعمار، وبرز اسمها إبان العصر الإسلامى. رصافة بغداد: إحدى ضواحى مدينة بغداد، تُطل على الجانب الشرقى لنهر دجلة، ويقابلها على الجانب الغربى الكرخ أو مدينة المنصور، ويمتد تاريخها إلى تأسيس مدينة بغداد ذاتها، وقد انتقل إليها المنصور من الأنبار عام (149هـ)؛ فأمر ابنه المهدى أن يعسكر على الجانب الشرقى وهو الرصافة، وأن يبنى به الدور والحاشية، ثم التحق به الناس وعمروا المكان. ومن آثار الرصافة: مشهد الإمام أبى حنيفة، وجامع مرجان، وقبة زبيدة. رصافة قرطبة: هى مدينة أنشأها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الملقب بعبد الرحمن الداخل. وقد نُسب إلى هذه الرصافة قوم من أهل العلم، منهم: يوسف بن مسعود الرصافى، وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن ضيفون الرصافى.

*الرملة

*الرملة مدينة كبيرة بفلسطين، كانت مقرًّا لملك داود وسليمان، عليهما السلام، وكانت رباطًا للمسلمين. وعندما تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة الأموية، ولَّى أخاه سليمان على جند فلسطين، فنزل الرملة، وبنى بها قصرًا ومسجدًا ودارًا تُعرف الآن بدار الصباغين. وكان خلفاء بنى أمية ينفقون على آبارها، وكذلك فعل من بعدهم (بنو العباس)؛ مما جعل الرملة تزدهر وتنمو باستمرار، حتى صارت أكثر البلاد صهاريج، وأكثرها فاكهة، وطيب هواء. وظلت الرملة فى يد العباسيين فترة حتى أخذها الصليبيون سنة (492هـ)، فأصبحت جزءًا من المملكة الصليبية فى بيت المقدس. وكان الفاطميون ينظرون إليها على أنها مفتاح الطريق عبر بلاد الشام إلى بغداد حيث هدفهم الأكبر وهو القضاء على الخلافة العباسية، مما جعلهم يحرصون على نشر مذهبهم الشيعى فى الرملة وجنوب الشام بكل الطرق المتاحة لهم. وفى سنة (583هـ) استطاع صلاح الدين الأيوبى، أن يُنقِذ الرملة من أيدى الصليبيين، وقام بتخريبها خوفًا من استيلائهم عليها مرة أخرى. ومن أهم العلماء والشعراء الذين ظهروا بالرملة: أبوالحسن على بن محمد التهامى، وأبو خالد يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملى الهمدانى.

*الرها

*الرها مدينة تاريخية تقع ما بين نهر الفرات ونهر دجلة، وتقوم مكانها حاليًّا مدينة أورفا التركية. ويرجع تأسيسها إلى ما قبل الميلاد إبان حكم السلوقيين حيث بناها الملك سلوقس الأول وسمَّاها أودسا، ثم دخلت فى حوزة الرومان، ثم أصبحت قاعدة لنشر المسيحية. وفى الرها انتصر هرقل على الفرس سنة (628م). وفتح المسلمون الرها سنة (18هـ)، على يد القائد عياض بن غنم، ونظرًا إلى وقوعها على الحدود، فقد امتدت إليها الأيدى بالتخريب، واستولى عليها ألب أرسلان السلجوقى سنة (463 هـ)، بعد معركة ملاذكرد، إلا أن الصليبيين استولوا عليها سنة (491هـ)، وأقاموا بها أول مملكة صليبية فى الشرق. واستمرت خاضعة لهم حتى استردها القائد عماد الدين زنكى سنة (539هـ)، ثم ضُمَّت إلى الأيوبيين سنة (578هـ)، وخربها هولاكو بعد ذلك، ثم سيطر عليها بيبرس، وبعد ذلك أخذ نجم هذه المدينة فى الأفول.

*رودس

*رودس جزيرة تقع فى أقصى الشرق من البحر المتوسط، وتبعد (12) ميلاً عن ساحل آسيا الصغرى. كانت مركزًا من مراكز الحضارة القديمة لازدهار التجارة البحرية بها، وكان لها نفوذ قوى؛ فقد قامت بإنشاء عدة مستعمرات لها على سواحل إيطاليا وصقلية. وفتحها المسلمون سنة (53هـ) فى خلافة معاوية بن أبى سفيان، عندما أرسل معاوية الأزدى على أسطول المسلمين ففتحها. وفى سنة (708هـ) استطاع البيزنطيون أن يستولوا على الجزيرة فى عهد السلطان خليل بن قلاوون سلطان مصر، واشترك فرسان بيزنطة مع فرسان رودس فى الإغارة على سواحل المسلمين فى آسيا ومصر، واشتهرت هذه الإغارات بأعمال القرصنة. ومنذ القرن الخامس عشر الميلادى توالت محاولات غزو رودس من قِبَل السلاطين المماليك فى مصر، فى الوقت الذى أصبحت فيه رودس قاعدة مهمة لتجمع الأساطيل الصليبية التى تهاجم المسلمين فى مصر والشام وتركيا. وفى سنة (928هـ) قام السلطان العثمانى سليمان القانونى بغزو رودس وضمها إلى الإمبراطورية العثمانية، وظلت تابعة لسلطان العثمانيين حتى انضمت إلى إيطاليا سنة (1918م)، ثم ضُمَّت إلى اليونان سنة (1946م)، بعد الحرب العالمية الثانية

*روسيا

*روسيا هى عبارة عن مجموعة إمارات ظلت قرونًا عديدة متفرقة متشرذمة داخل المربع الذى يحده شرقًا نهر الدنيبر، وغربًا نهر الفستولا، وشمالاً مستنقعات برييب، وجنوبًا جبال الكربات، ونهر الدنيستر. ويرجع تاريخها إلى العصر الحجرى. وتعرضت روسيا للغزاة من مختلف الشعوب، ومن هؤلاء: القوط الألمان فى القرن الثالث الميلادى، والهون الآسيويون فى القرن الرابع الميلادى، والأفار الترك فى القرن السادس الميلادى. وشيد الخازار الترك دولة قوية فى جنوب روسيا فى القرن السابع الميلادى، وأسس البلغار الشرقيون إمبراطوريتهم فى إقليم الفلجا فى القرن الثامن الميلادى، واستوطنت قبائل السلاف الشرقية غرب روسيا فى القرن التاسع الميلادى. وقد أدخل القديس أولجا المسيحية إليها، وجعلها فلاديمير الأول سنة (980 - 1015م) دين الدولة، وأتبعها للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية. وفى منتنصف القرن الثالث عشرالميلادى احتل المغول روسيا، وأقاموا إمبراطورية فى الجنوب والشرق دامت حتى سنة (1480م)، ولكن لتوانيا أخذت تفرض سيطرتها على غرب روسيا، وقامت دولة جديدة على أنقاض روسيا القديمة هى دوقية موسكو، تزعمت تشييد إمبراطورية كبيرة فى روسيا.

*روما

*روما عاصمة إيطاليا، وكبرى مدنها، تقع فى الشمال الشرقى من القسطنطينية، وتمثل المركز الإدارى والروحى للكنيسة الكاثوليكية، ومقر بابا الفاتيكان. وظلت عاصمة للدولة الرومانية حتى بُنيت القسطنطينية، التى أصبحت عاصمة مُلك الأباطرة الرومان بعد روما. وفى سنة (1944م) تحررت روما من الاحتلال النازى الألمانى، وظهرت بها مشاكل دينية كثيرة، ومشكلات اقتصادية كبيرة. وبعد سنة (1961م) بدأت تتقدم فى حل مشكلاتها خاصة فيما يتعلق بالصناعات الميكانيكية والإلكترونية، والطباعة والنشر، والصناعات الغذائية، والمفروشات.

*رومانيا

*رومانيا هى إحدى دول أوربا الشرقية. تأسست سنة (1974م)، وتنحدر من أصل رومانى. تقع فى الجزء الشرقى من البلقان، ويحدها من الشمال والشمال الشرقى الاتحاد السوفييتى (السابق)، ومن الغرب المجر، ومن الجنوب بلغاريا. وتبلغ مساحتها نحو ( 237500) كم2، ويبلغ عدد سكانها نحو (21) مليونًا و (566) ألف نسمة، ويتألف سكانها من عدة أجناس مختلفة، فمنهم: التتار والأتراك والرومان وعناصر مجرية وصربية وبلغارية وروسية. ورومانيا بلد زراعى، من أهم محاصيله: القمح والذرة والشوفان، والأعناب، والشمندر، وتربى به الأغنام والأبقار والخنازير، ومن أهم ثرواته المعدنية: الفحم الجيرى، والمنجنيز والبوكسيت والحديد والبترول. وقد دخل الإسلام رومانيا سنة (661هـ) على يد رجل تركمانى الجنسية يدعى سامى سالتيك، وبذل بعده الأتراك العثمانيون جهودًا كبيرة فى نشر الإسلام فى تلك البقاع. وأمام التسامح الدينى للمسلمين فقد أسلم كثير من سكان رومانيا. وظل الحكم فى رومانيا لأحد الولاة الأتراك حتى سنة (1882م)، عندما تولى حكمها أُسر محلية من أهل البلاد، وكانت هذه الأسر هى السبب الأول فى مساعدة روسيا ضد الدولة العلية فى حروبها معها، وبعد انتهاء هذه الحروب استقلت رومانيا بولاياتها عن الدولة العلية. وبعد سنة (1946م) أسفرت الانتخابات التى أجريت فى رومانيا عن فوز الحزب الشيوعى الرومانى واستقالة الملك فى العام التالى لتحل محل المَلكيَّة جمهورية ديمقراطية شعبية. ومن أهم الآثار الإسلامية فى رومانيا: مسجد (جنكار) أو الجامع العزيزى، ومسجد (بوخارست) أو جامع قارل (كارول)، ومسجد (آطه كاليه)، ومسجد (شرنا فوده). وفى رومانيا عدة مدارس عليا للشريعة.

*الرياض

*الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية. تقع فى وادى حنيفة، وهى كبرى مدن المملكة إذ تبلغ مساحتها (1600) كم2. اتخذها تركى بن عبد الله بن سعود - مؤسس الدولة السعودية الثانية - عاصمة لدولته بعد تخريب الدرعية سنة (1818م). وتم تعميرها على يد فيصل الأول الذى حصنها إلا أنها أهملت فى فترة حكم آل رشيد، ثم استعادت مكانتها مرة أخرى بعد سيطرة عبد العزيز آل سعود عليها سنة 1902م)، ثم أعيد تأسيسها من جديد عام (1933م). وتقع الرياض فى منطقة جافة عند مفترق الطرق الرئيسية، وتبعد عن المدينة المنورة بنحو (800) كيلو متر، وعن مكة المكرمة بالمسافة نفسها، والرياض قريبة من الخرج التى تمدها بالمنتجات الزراعية، وكانت الرياض تُعرف فى الماضى باسم (حجر) حيث كانت عاصمة لإقليم اليمامة. والرياض حاليًّا تعتبر مركزًا تجاريًّا وصناعيًّا واقتصاديًّا مهمًّا فى السعودية، وبها جامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود، كما يوجد بها مطار الملك خالد الذى يعتبر من أكبر مطارات العالم، ويوجد بها قصر المصمك الذى شُيِّد عام (1885م).

*الريف (بلاد)

*الريف (بلاد) الريف فى اللغة: أرض بها زرع، أو هى حيث الخضرة والمياه والزروع. ويُطلق اسم (الريف) على المنطقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتمتد من رأس بسكادور بالقرب من الحدود الجزائرية إلى ميناء سبتة الواقع على بوغاز جبل طارق. وتتكون من مجموعة سلاسل جبلية التوائية وعرة، منفصلة بعضها عن بعض، ويفصلها عن جبال أطلس الوسطى سلسلة من الأودية والمجارى المائية، وتغزر بها الأمطار وتتراكم فوق رءوس الثلوج إبان فصل الشتاء. وتسكن منطقة الريف قبائل بربرية مازالت متأثرة بالتقاليد القبلية، وهم شديدو التمسك بالشعائر الإسلامية، وَلِعُون بالدراسة والتعلم. وقد كانت هذه المنطقة مسرحًا لحرب التحرير بين عامى (1920 - 1926م)، والتى عُرفت بحرب الريف، فلم تخضع منطقة بلاد الريف إلا فى عام (1926م)، عندما تعاونت القوات الفرنسية والإسبانية للتغلب على قائد الثورة الأمير عبد الكريم الخطابى، وفى سنة (1956م) ألغيت الحماية الإسبانية، وأصحبت المنطقة جزءًا من المملكة المغربية المستقلة.

*الزاب (نهر)

*الزَّاب (نهر) الزاب أو الزَّابى اسم رافدين من روافد نهر دجلة. وقد قيل: إن زاب بن توركان بن منوشهر بن إيرج بن أفريدون - ملك من قدماء ملوك الفرس - حفر عدة أنهار بالعراق فسُميت باسمه. وهما يقعان فى شمال العراق، ويتصلان بالنهر من ضفته اليسرى؛ لهذا يُطلق عليهما الزابيان. والأول هو الزاب الأعلى أو الأكبر، ويقال له أيضًا: المجنون لشده جريانه، ويبلغ طوله (650) كم، وهو يرفد دجلة فى جنوب مدينة الموصل عند بلدة الحديثة، ويمثل اليوم الحد الإدارى بين لواء إربيل فى الجنوب والموصل فى الشمال، ومن فروعه الخازر الذى ارتبط اسمه بالمعركة بين ابن الأشتر وعبيد الله بن زياد (66هـ)، والتى قُتل فيها الأخير، وله شأن فى التاريخ الحربى بين العرب والبيزنطيين. أمَّا الزاب الأسفل أو الأصغر فينبع من المرتفعات التى تقع جنوبى بحيرة أورمية، ويرفد دجلة فى شمال بلدة الفتحة، طوله (530) كم، وبينهما يقع لواء إربيل. وعلى الزاب الأعلى كانت موقعة الزاب سنة (132هـ) بين العباسيين بقيادة عبد الله بن على عم الخليفة العباسى الأول أبى العباس السفاح والأمويين بقيادة مروان بن محمد، وهُزم الأخير وبه انتهى حلم الأمويين فى الاستيلاء على المشرق.

*الزمبيزى (نهر)

*الزمبيزى (نهر) يُعدُّ نهر الزمبيزى رابع أنهار إفريقيا طولاً؛ إذ يبلغ طوله (2660) كم، ويمتد هذا النهر فى جنوب وسط إفريقيا وفى جنوبها الشرقى، ومنابعه فى روديسيا الشمالية، ثم يجرى شرقًا مكوِّنًا الحدود بين ردويسيا الشمالية وروديسيا الجنوبية، ثم يدخل موزمبيق حتى يصبَّ فى مضيق موزمبيق على المحيط الهندى. ويكوِّن نهر الزمبيزى شلالات فيكتوريا العظيمة، وقد أنشأ هذا النهر دلتا عظيمة تبلغ مساحتها (8000) كم2، ويتفرع نهر الزمبيزى إلى (10) فروع فى موزمبيق، لا يصلح منها للملاحة النهرية سوى فرع تشندا. ويوجد على النهر سد كاريبا، ويعرقل النهر حركة المواصلات البرية بسبب اتساع مجراه الذى يبلغ فى بعض المناطق ميلين، ولا يقطع النهر سوى ثلاثة كَبَارٍ. ويرتبط اكتشاف هذا النهر بالرحالة الاسكتلندى لفنجستون فىالفترة من (1841 - 1856م).

*زمزم

*زمزم بئر بالمسجد الحرام قريبة من الكعبة، وبينهما مقام إبراهيم - عليه السلام - وزمزم فى اللغة تعنى: (الماء الغزير)، وهى من المواضع التى يُعظمها الحجاج لارتباطها بسيرة إبراهيم الخليل وولده إسماعيل - عليهما السلام - وبناء الكعبة، وكان لظهور بئر زمزم ووجود الماء بها أثر بالغ فى إعمار المكان، فقد نزلت بالمكان أسرة من جرهم تبعها غيرها حتى أصبح الموضع حول البيت مأهولاً بالسكان، ثم تمضى الأيام ويجىء الحارث بن مضاض، فيطم البئر، وتنقضى ثلاثة قرون وهى رديم، ويكون الذى يعيد حفرها من جديد هو عبد المطلب جد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد اهتم بتوسيعها وتعميقها أبو جعفر المنصور والمأمون، وغيرهما. ويبلغ عمق بئر زمزم (100) قدم، وقد أقيمت عليها بناية من الحجر تعلوها قبة، وماء زمزم قلوى، مما يجعله شبيهًا بالمياه المعدنية، الصحية فى تأثيرها.

*زنجبار

*زنجبار جمهورية مستقلة. تبلغ مساحتها (2652) كم2. تقع تجاه ساحل تنجانيقا بشرق إفريقيا. تشمل جزر زنجبار، وبمبا، وثالثة غير مأهولة بالسكان. وزنجبار من أكثر بلاد العالم إنتاجًا للقرنفل. ويرجع أهميتها إلى تميز موقعها؛ فهى نقطة ارتكاز لمنطقة ساحل إفريقيا الشرقى. اتصلت منذ القدم بالهند وبلدان الخليج العربى والبحر الأحمر. وقامت بها عدة سلطنات عربية وفارسية متنافسة منذ القرن التاسع الميلادى، وسيطر عليها البرتغاليون سنة (1503م)، واتخذوها قاعدة لتوسعهم فى شرق إفريقيا. وخضعت زنجبار لسيطرة عمان سنة (1652م)، حينما قدم أئمتها لنجدة الإمارات العربية المتناثرة على الساحل الإفريقى الشرقى، ثم استولوا على منبسة سنة (1698م)، التى كانت فى قبضة البرتغاليين، وتوغل منها تجار العرب داخل إفريقيا، ونقل الإمام السيد سعيد قاعدته إلى زنجبار فى أعقاب ضعف سلطنته بعمان سنة (1832م)، ثم أصبحت عمان محمية بريطانية سنة (1856م)، ثم صارت زنجبار محمية بريطانية سنة (1890م). ومُنحت الحكم الذاتى فى سنة (1963م)، ثم استقلت، واتحدت مع تنجانيقا وجزيرة بمبا لتشكل جمهورية تنزانيا، وذلك عام (1964م).

*الزهراء

*الزهراء اسم مدينة أندلسية قرب قرطبة. وقد بناها عبد الرحمن الناصر، وجعل منها ضاحية لقرطبة. وتقع الزهراء على مرتفعات سيرامورينا. والمسافة بينها وبين قرطبة نحو ثلاثة أميال. وقد بدأ عبد الرحمن الناصر بناء مدينة الزهراء سنة (325هـ)، ثم أتم البناء من بعده ابنه الحكم المستنصر، وأشرف عليه مشاهير المهندسين الذين استقدمهم الناصر من بغداد والقسطنطينية وشمال إفريقيا. ولم تعش مدينة الزهراء أكثر من نصف قرن؛ إذ أصابها الخراب فى عهد محمد بن هشام سنة (399هـ). وقد زالت معالم الزهراء حتى بدأت أعمال الحفر والتنقيب عنها منذ سنة (1910م)؛ فظهر الكثير من الآثار المعمارية والتحف التى تُنسب صناعتها إلى الزهراء.

*زيلع

*زَيْلَع هى قرية على ساحل البحر. تقع اليوم فى جمهورية الصومال، مجاورة لحدود الصومال، بين جيبوتى فى الغرب وبربارة فى الشرق. كانت زيلع ميناءً مهمًّا ومنفذًا بحريًّا لتجارة إقليم هرد الغنى، وكان يصدر منها البن والجلود والصموغ، إلا أن أهميتها الاقتصادية هبطت بعد إنشاء الخط الحديدى بين جيبوتى وأديس أبابا. وكانت زيلع تابعة للخلافة العثمانية، إبان حكم الخديو إسماعيل سنة (1875م)، ثم أصبحت محافظة مصرية، إلا أن البريطانيين أجبروا الحكومة المصرية على إخلائها، واحتلوها سنة (1885م)، ووضع الإقليم كله تحت الحماية البريطانية حتى عام (1960م)، ويُنسب إلى هذه المدينة جماعة من العلماء أكثرهم فقهاء، منهم: فخر الدين الزيلعى وجمال الدين الزيلعى.

*سالم

*سالم تقع مدينة سالم فى الشمال الشرقى لإسبانيا، ما بين مدريد إلى الغرب، وسرقسطة فى الشرق، وعلى بعد (30) كم من شنتمرية. وتقع مدينة سالم على هضبة يبلغ ارتفاعها نحو ألف متر. وعندما فتح طارق بن زياد الأندلس كانت مدينة سالم خرابًا فعمرت فى الإسلام، وكانت من مدن الإسلام وأشرفها وأكثرها شجرًا وماءً. وترجع آثارمدينة سالم إلى العصر الرومانى. وقد أطلق عليها العرب اسم الثغر الأوسط؛ لقيامها بحماية الإمارات الإسلامية من الغزو المسيحى فى الشمال الأوسط. ويُنسَب إلى مدينة سالم كثير من العلماء والقراء والأدباء، منهم: أبو الحسن على بن خلف السالمى صاحب كتاب شذور الذهب فى الكيمياء، وأبو عامر محمد بن أحمد البلوى السالمى صاحب كتاب درر القلائد وغرر الفوائد فى اللغة.

*سامراء

*سامراء مدينة عراقية قديمة. كان يُطلق عليها: سُرَّ من رأى. تقع على نهر دجلة بقرب بغداد، ويربط بينهما خط حديدى وآخر للسيارات. وكان المعتصم بالله العباسى قد رأى سنة (219هـ) مدى ازدحام مدينة بغداد بأهلها، وتضجر الناس بالجنود الأتراك، فاضطر إلى شراء أرض خارج بغداد سنة (220هـ)، وأقام عليها مدينة سامراء، وبنى بها مسجدًا جامعًا، كما بنى بها الأسواق والمنازل والقصور. واهتم بها المتوكل بالله، فأقام بها عدة قصور، منها: قصر العروس، والمختار، والجعفرى، والغريب، والشيدان، والبرج، والمليح، وبستان الإيتاخية، واللؤلؤة، والمتوكلية. وكانت سامراء موضع اضطرابات خلال حكم الدولة العباسية، واستبدَّ الأتراك بالحكم دون الخلفاء العباسيين، فخرج منها المعتضد بالله إلى بغداد، فخربت سامراء وسويت بالأرض. ومن الآثار الإسلامية بسامراء: مسجد الروضة الذى يضم قبر الإمام على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر، وابنه الحسن بن على، وبها المئذنة الملوية، وكذلك عدد من التكايا والخانات، وقبور بعض الخلفاء، مثل: الواثق والمتوكل، وابنه المنتصر، وأخيه المعتز والمهدى.

*سبتة

*سبتة مدينة وميناء كبير بالمملكة المغربية. تقع سبتة على ساحل البحر المتوسط فى مواجهة مضيق جبل طارق، ويحدها من الجنوب الغربى مدينة طنجة. وقد تم ضمُّ سبتة للخلافة الأموية على يد عقبة بن نافع الفهرى، عندما رحب به حاكمها لوليان؛ منعًا للقتال بين الطرفين. وكان بسط النفوذ الإسلامى على سبتة سببًا للتمهيد لفتح الأندلس من خلالها. وقد تعاقب فى حكمها ولاة من قبل الدول الإسلامية الكبرى، مثل: العباسيين، والفاطميين، والمرابطين، والموحدين، والحفصيين، والمرينيين. وفى سنة (818هـ) سقطت فى أيدى البرتغاليين، ثم فى أيدى الإسبان سنة (988هـ). وفى سنة (1814م) ضمها البريطانيون، ولكنها ما لبثت أن عادت للحكم الإسبانى، وظلت خاضعة له بالرغم من استقلال المغرب سنة (1956م). وممن نُسِب إليها من العلماء: ابن حرانة السبتى، وابن العربى الفرضى السبتى، وأبو بكر عبد الرحمن السبتى، وأبو عبد الله محمد بن على بن هانئ السبتى.

*سجستان

*سجستان مدينة تاريخية يُعرف بها الإقليم الذى يشمل القسم الجنوبى والشرقى من أفغانستان. ويحدها من الشمال إقليم خراسان، ويفصلها عن البحر إقليم مكران، وعاصمتها هى زرنج. وقد فتح المسلمون زرنج سنة (30هـ)، فى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وضمت سجستان إبان العصر الأموى إلى ولاية العراقيين، وفى العصر العباسى أصبحت سجستان ولاية مستقلة. وبعد فتح الهند برزت أهمية سجستان؛ لوقوعها على طريق التجارة إلى الشرق الأوسط. وفى القرن الثامن الهجرى خرب تيمورلنك عاصمتها واختفى اسم زرنج، وأصبح اسم سجستان يُطلق على الإقليم وعلى المدينة التى فقدت وجودها بعد ذلك. ويُنسَب إلى مدينة سجستان كثير من العلماء، منهم: أبو حاتم السجستانى، وأبو داود السجستانى وأبو بكر السجستانى، وأبو سعيد أحمد السجستانى، وأبو محمد خلف السجستانى.

*سردينيا

*سردينيا جزيرة إيطالية. تقع ما بين جزيرتى كورسيكا وصقلية، وتمثل اليوم أحد المقاطعات الإيطالية. تبلغ مساحتها (24092) كم2. وعاصمتها كاجليارى. وتملك سردينيا أراضى واسعة للرعى، ويوجد بها الكثير من المعادن، مثل: الزنك والرصاص. وفتح المسلمون جزيرة سردينيا سنة (92هـ) بقيادة موسى بن نصير. وفيما بين القرنين (8، و 11م) كانت سردينيا أحد ميادين الصراع البحرى بين المسلمين وأوربا المسيحية، وارتبط تاريخها باستيلاء المسلمين على صقلية وبالحملات البحرية على ساحل كلابريا الإيطالى. وفى القرن (14م) وهبها البابا لأسرة أرجون، وبقيت تابعة لإسبانيا حتى سنة (1713م)، ثم خضعت للنمسا، ثم انتزعها الإسبان بالقوة سنة (1717م)، ولكن أكرهها التحالف الرباعى على التنازل عنها سنة (1720م)، ثم ضُمَّت إلى فرنسا بعد هزيمتها فى حروب الثورة الفرنسية فى بدايات القرن التاسع عشر. وقد لعبت سردينيا الدور الرئيسى فى البعث الإيطالى، وقد ضمت إليها: عبارديا، وبارما، ومودينا، وصارت تُسمى مملكة إيطاليا.

*سرقسطة

*سَرقُسطة مدينة إسبانية. تقع على جانبى نهر أبرو، على ارتفاع (184) مترًا عن سطح البحر. وتعتبر مركزًا مهمًّا للتجارة والمواصلات، وبها معامل لتكرير السكر، ومطاحن للدقيق، وصناعات كيماوية. وقد فتحها المسلمون عام (94هـ)، على يد موسى بن نصير، بعد استيلائه على طليطلة، وعرفت باسم الثغر الأعلى؛ بسبب موقعها الاستراتيجى. وبعد سقوط سرقسطة فى أيدى المسيحيين هدموا عددًا من مساجدها، منها المسجد الكبير، وقد أقيم على أنقاضه كتدرائية سيوة. ومن الآثار الإسلامية الباقية فيها: برج الجرس فى كنيسة المجدلية، وكان منارة جامع، وأطلال الجعفرية الذى تحول إلى ثكنة عسكرية، ومازال يحتفظ بمصلاه مكسوة بالحص. ويُنسَب إلى مدينة سرقسطة جماعة من العلماء، منهم: أبو الحسن على بن إبراهيم بن يوسف السرقسطى، وإبراهيم بن نصر السرقسطى، وثابت بن حزم بن عبد الرحمن العوفى السرقسطى.

*السلطانية

*السلطانية مدينة أثرية بإيران. تقع بين مدينتى زنجان وأبهر، ويُنسَب تأسيسها إلى أرغون من بنى هولاكو، وأتم بناءها ابنه السلطان أولجايتو، وسماها سلطانية. وقد قام أولجايتو بتعمير المدينة، وجعلها عاصمة له، وجعل لها سورًا مربعًا، كما بنى بها مقبرة له تعلوها قبة كانت تُعد من أهم الآثار المعمارية فى العصر الإيلخانى، وأقام فيها مسجدًا ودارًا للحكم ومدرسة على نسق المدرسة المستنصرية ببغداد، حتى أصبحت من أعظم المدن الإسلامية فى المشرق لا يتفوق عليها سوى تبريز. ومازال موجودًا بها إلى الآن أطلال بعض الأضرحة، وقد عانت كثيرًا من التخريب إبان الغزو التيمورى.

*سلمية

*سَلَمْية بلدة فى سوريا بمحافظة حماة، شرقى نهر العاصى. ارتبط اسمها بنشأة الدعوة الفاطمية؛ فقد اتخذها العلويون مقرًّا لهم، تستروا فيه بعيدًا عن الخلفاء العباسيين؛ إذ كان الشيعة بعد زيارتهم قبر الحسين بكربلاء يُعرِّجون على سلمية لزيارة الأئمة من ولد إسماعيل الإمام. وكان أبو عبد الله الشيعى - المعروف بالقداح - أخطر الدعاة للفاطميين، وهو الذى نجح فى بث الدعوة الفاطمية فى المغرب، بعد أن انتقل إليه من سلمية. وفى عام (196هـ) انتقل مركز الدعوة الفاطمية من سلمية إلى سجلماسة، ويُنسَب إلى سلمية كثير من العلماء، منهم: أبو ثور هاشم بن ناجية السلمى، وعبد الوهاب السلمى، وأيوب بن سلمان السلمى.

*تمبكت

*تمبكت مدينة إسلامية قديمة بجمهورية مالى. تقع بالقرب من مجرى نهر النيجر كانت سوقًا تجارية رائجة، تتفرع عنها طرق التجارة على الطريق الصحراوى من الجزائر والمغرب. يُنسَب إنشاؤها إلى عرب الطوارق، إذ أسسوها سنة (1087 م)، ثم أخذت هذه المدينة فى النمو، بسبب ازدهار التجارة، خاصة الذهب والعبيد، بالإضافة إلى كونها مركزًا للقوافل. واستمرت فى نموها حتى أصبحت أهم حاضرة إسلامية فى غرب إفريقيا، خاصة فى عهد منسا موسى؛ حيث أصبحت مدينة العلم، ووفد إليها طلاب العلم للدراسة فى جامعة سنقر، وتخرج فيها عددٌ من العلماء، مثل: أحمد بابا التمبكتى. وحكمها الماليون والصنغى والطوارق والتكرور، واستولى عليها الفرنسيون سنة (1894 م).

*تنزانيا

*تنزانيا هى إحدى دول شرق إفريقيا المطلة على المحيط الهندى. يحدها من الشمال أوغندا وكينيا، ومن الغرب زائير، ومن الجنوب زامبيا ومالاوى وموزمبيق. وتتكون تنزانيا من تنجانيقا على البر الإفريقى وجزيرة زنجبار فى المحيط الهندى. وتبلغ مساحة تنزانيا (945 087 كم2). ويقدر عدد سكانها بنحو (29 393 000) نسمة. ويتكلم سكان تنزانيا اللغتين السواحلية والإنجليزية، بالإضافة إلى بعض اللغات المحلية. وأهم المدن فى تنزانيا: دار السلام (العاصمة) وزنجبار وتانغا وموانزا ووأروشا. ويعتمد اقتصاد تنزانيا على الزراعة بشكل أساسى، وأهم المحصولات الزراعية فيها: القطن والبن والسيزل والشاى والطباق والكاشو، كما يوجد فى تنزانيا بعض الثروات المعدنية، مثل: الألماس والذهب والنيكل كروم. وتحتل تنزانيا المرتبة الثانية فى استخراج الألماس. أما عن النشاط الصناعى فى تنزانيا فبها مصانع لتحضير الألماس ومصانع لصناعة الأقمشة والتبغ والأسمنت، ودباغة الجلود. وتصدر فى تنزانيا عدة صحف، أهمها: ديلى نيوز وكيبانجا وصوت زائير ومن أهم جامعاتها جامعة دار السلام التى تشكل فرعًا من جامعة شرق إفريقيا. وكان للتجار العرب دور كبير فى دخول الإسلام إلى تلك البلاد؛ فقد كانت لهم علاقات جيدة بأهلها، واستقروا فيها، وعملوا على نشر الإسلام بها، وقد استطاع البرتغاليون أن يحتلوا هذه المنطقة فى القرن السادس عشر الميلادى، وظلوا بها حتى القرن الثامن عشر الميلادى، ثم خضعت تنزانيا للاحتلال الألمانى عام (1884م)، وبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى قُسّمت تنزانيا بين بريطانيا وبلجيكا ووُضعت تحت انتداب عصبة الأمم حتى عام (1946م)، ثم تحت وصاية الأمم المتحدة. وحصلت تنزانيا على الاستقلال الذاتى عام (1960م)، وعلى استقلالها التام سنة (1961م)، وانضمت إليها زنجبار سنة (1964م)، وأُعلنت الوحدة بينهما وأصبح اسمها جمهورية تنزانيا المتحدة، وانتخب

جوليوس نيريرى رئيسًا لها وعبيد كرومى نائبًا له. وفى عام (1967م) دخلت تنزانيا وأوغندا وكينيا فى اتحاد ثلاثى سمى اتحاد دول شرق إفريقيا، إلا أنه لم يدم طويلا. والنظام السياسى فى تنزانيا جمهورى ديمقراطى، ويحكمها حزب تنزانيا الثورى، وهو الحزب الوحيد، وكان يرأسه جوليوس نيريرى، إلى أن استقال من رئاسة الجمهورية فى عام (1985م)، وخلفه فى الحكم على حسين معينى، ثم أُجريت انتخابات فى منتصف عام (1995م) على أساس التعددية الحزبية، وتم تحويل تنزانيا إلى دولة علمانية.

*تنجانيقا

*تنجانيقا هى إحدى دول شرق إفريقيا المطلة على المحيط الهندى. يحدها من الشمال أوغندا وكينيا، ومن الغرب زائير، ومن الجنوب زامبيا ومالاوى وموزمبيق. وتتكون تنزانيا من تنجانيقا على البر الإفريقى وجزيرة زنجبار فى المحيط الهندى. وتبلغ مساحة تنزانيا (945 087 كم2). ويقدر عدد سكانها بنحو (29 393 000) نسمة. ويتكلم سكان تنزانيا اللغتين السواحلية والإنجليزية، بالإضافة إلى بعض اللغات المحلية. وأهم المدن فى تنزانيا: دار السلام (العاصمة) وزنجبار وتانغا وموانزا ووأروشا. ويعتمد اقتصاد تنزانيا على الزراعة بشكل أساسى، وأهم المحصولات الزراعية فيها: القطن والبن والسيزل والشاى والطباق والكاشو، كما يوجد فى تنزانيا بعض الثروات المعدنية، مثل: الألماس والذهب والنيكل كروم. وتحتل تنزانيا المرتبة الثانية فى استخراج الألماس. أما عن النشاط الصناعى فى تنزانيا فبها مصانع لتحضير الألماس ومصانع لصناعة الأقمشة والتبغ والأسمنت، ودباغة الجلود. وتصدر فى تنزانيا عدة صحف، أهمها: ديلى نيوز وكيبانجا وصوت زائير ومن أهم جامعاتها جامعة دار السلام التى تشكل فرعًا من جامعة شرق إفريقيا. وكان للتجار العرب دور كبير فى دخول الإسلام إلى تلك البلاد؛ فقد كانت لهم علاقات جيدة بأهلها، واستقروا فيها، وعملوا على نشر الإسلام بها، وقد استطاع البرتغاليون أن يحتلوا هذه المنطقة فى القرن السادس عشر الميلادى، وظلوا بها حتى القرن الثامن عشر الميلادى، ثم خضعت تنزانيا للاحتلال الألمانى عام (1884م)، وبعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى قُسّمت تنزانيا بين بريطانيا وبلجيكا ووُضعت تحت انتداب عصبة الأمم حتى عام (1946م)، ثم تحت وصاية الأمم المتحدة. وحصلت تنزانيا على الاستقلال الذاتى عام (1960م)، وعلى استقلالها التام سنة (1961م)، وانضمت إليها زنجبار سنة (1964م)، وأُعلنت الوحدة بينهما وأصبح اسمها جمهورية تنزانيا المتحدة، وانتخب

جوليوس نيريرى رئيسًا لها وعبيد كرومى نائبًا له. وفى عام (1967م) دخلت تنزانيا وأوغندا وكينيا فى اتحاد ثلاثى سمى اتحاد دول شرق إفريقيا، إلا أنه لم يدم طويلا. والنظام السياسى فى تنزانيا جمهورى ديمقراطى، ويحكمها حزب تنزانيا الثورى، وهو الحزب الوحيد، وكان يرأسه جوليوس نيريرى، إلى أن استقال من رئاسة الجمهورية فى عام (1985م)، وخلفه فى الحكم على حسين معينى، ثم أُجريت انتخابات فى منتصف عام (1995م) على أساس التعددية الحزبية، وتم تحويل تنزانيا إلى دولة علمانية.

*تونس

*تونس دولة عربية تقع فى شمال غرب قارة إفريقيا وتحدها من الشرق والجنوب ليبيا، ومن الغرب الجزائر، وتبلغ مساحتها (163.610) كيلو مترات مربعة، ومناخها حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً. وأهم المدن: بنزرت وسوسة والقيروان وصفاقس، والعاصمة تونس، ويقدر عدد سكان تونس بنحو (8.9) مليون نسمة، واللغات المستخدمة فى تونس هى: العربية والفرنسية، وعملة البلد الدينار التونسى. والإسلام هو الدين الرسمى للدولة، حيث تبلغ نسبة المسلمين بها (99%) من السكان. وكانت تونس خاضعة للاحتلال الفرنسى فى العصر الحديث، إلا أنها نجحت فى الحصول على الاستقلال فى (30 من مارس 1956 م). وبعد الاستقلال أصبح النظام الجمهورى هو نظام الحكم فيها. وأهم مصادر الدخل التونسية: الزراعة، ومن أشهر المحاصيل الزراعية: القمح والبطاطس والزيتون، كما توجد فى تونس ثروة حيوانية كبيرة من الأبقار والإبل والماعز، علاوة على بعض الثروات المعدنية، مثل: الفوسفات والحديد والرصاص.

*الجابون

*الجابون دولة إفريقية تقع غرب إفريقيا على شاطئ المحيط الأطلنطى. تحيط بها الكونغو من الشرق والجنوب، والكاميرون وغينيا الاستوائية من الشمال، وتبلغ مساحة الجابون (267 667 كم2)، ومناخها حار رطب، مع سقوط أمطار غزيرة طوال العام. ويتكون السكان من عدة قبائل، أهمها: البانتو، وتمثل نحو (40%) من السكان، ويعتنق الدين الإسلامى نحو (50%) من سكان الجابون، فى حين أن (30%) مسيحيون، و (20%) وثنيون. واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، ولغة البانتو هى اللغة الشائعة. وأهم المدن فى الجابون ليبرفيل (العاصمة)، وبورت جنتل أهم الموانئ. ويعتمد الاقتصاد الجابونى على تصدير البترول والمعادن والأخشاب وبعض المنتجات الزراعية. وقد دخل الإسلام الجابون على أيدى المرابطين سنة (493 هـ)، وعندما ضعف سلطان المسلمين احتلها البرتغاليون، وأقاموا بها بعض المراكز لتجارة الرقيق سنة (1472 م)، وأقام الفرنسيون فيها مستعمرة سنة (1839م)، حتى تمت لهم السيطرة الكاملة على البلاد، وأصبحت مستعمرة مستقلة سنة (1910م)، وفى سنة (1958م) تم منح الجابون الحكم الذاتى بعد استفتاء ديجول، ثم حصلت على استقلالها سنة (1960م)، وتولى ليون مبا الحكم فيها. وفى عهد الرئيس الحالى عمر بونجو - الذى أعلن إسلامه - وقعت فى البلاد عدَّة اضطرابات، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. ونظام الحكم فى الجابون رئاسى برلمانى، حيث تتركز السلطة فيها فى يد رئيس الدولة. وللجابون علاقات وثيقة مع فرنسا، وتمارس الإرساليات التبشيرية بها دورًا مؤثرًا فى التعليم، وتوجد بالجابون جامعة واحدة، كما أنشأ الأزهر بها معهدًا دينيًّا.

*جامبيا

*جامبيا دولة إفريقية. تمتد على شكل لسان أرضى بطول (300 كم)، وأقصى عرض له (50 كم). وتقع على ساحل المحيط الأطلنطى فى غرب إفريقيا، حول الجزء الأوسط والأدنى من نهر جامبيا، وهى محاطة بالسنغال من ثلاث جهات، وتطل من الغرب على المحيط الأطلسى. وتبلغ مساحة جامبيا (11 295 كم2)، وعاصمتها بانجول. وأهم المدن بها: يريكاما ويوندوم وجورجتاون. ويبلغ عدد السكان (860 000) نسمة حسب إحصائية سنة (1990م)، يدين (85%) منهم بالإسلام، و (10%) بالإحيائية، و (5%) بالمسيحية البروتسانتية. واللغة الإنجليزية هى اللغة الرسمية للبلاد. وتعتمد جامبيا فى اقتصادها على الزراعة، ومن أهم المنتجات الزراعية: الفول السودانى، وهو أهم الصادرات، بالإضافة إلى صيد الأسماك وتصنيعها. والعملة المتداولة هى دالاسى ( Dalasi).

*الجانج (نهر)

*الجانج (نهر) ويطلق عليه أيضًا الكنج وكَنكَا، وهو نهر طوله نحو (2510 كم)، يجرى بشمال الهند وشرق الباكستان، وينبع من جبال هيمالايا بمقاطعة أوتار برادش، وهو أعظم الأنهار قداسة عند الهنود، ويمر بمناطق الاعتدال المقدسة فى الله آباد (حيث يلتقى مع نهر جمنة)، وفى بنارس، ويستمر الجانج فى سيره شرقًا عبر ولاية بيهار حتى مقاطعة البنغال الغربية، ثم يتفرع إلى نهرى هوغلى وبادما، وبين هذين النهرين تقع دلتا الجانج؛ حيث تزرع كميات كبيرة من الأرز. ويجرى نهر بادما فى اتجاه جنوبى شرقى عبر مقاطعة البنغال الشرقية بالباكستان؛ حيث يلتقى مع نهر براهما بترا الذى يُسمَّى فى هذه المنطقة جامونا، وتصب المجارى المتجمعة للنهر أخيرًا فى خليج البنغال. وتقوم على شواطئ الجانج معابد كثيرة يؤمها الملايين من الهندوس؛ للعبادة والتطهر.

*الجبل الأسود

*الجبل الأسود إحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة. تجاورها كل من صربيا والبوسنة والهرسك وبحر الأدرياتيك، ومن أهم المدن بها العاصمة تليثوجراد. وتبلغ مساحة الجبل الأسود نحو (13 812 كم2). وعدد سكانها (582 899) نسمة، تمثل نسبة المسلمين منهم نحو (12 5%). ومن أهم المحاصيل الزراعية بها الذرة والتين ومحاصيل العلف والشيلم والشوفان والزيتون والتبغ، ومن أهم ثرواتها المعدنية: البوكسيت والزنك والقصدير والفحم والحديد. وقد ضمت الدولة العلية إليها إقليم الجبل الأسود سنة (871 هـ)، ثم ضمت كل المناطق التابعة له بعد ذلك. وفى سنة (905 هـ) انتقلت حكومة إقليم الجبل الأسود إلى يد رئيس الأساقفة، وانحصرت السلطة الدينية والملكية فى يده. وفى سنة (1875 م) اشترك الجبل الأسود مع صربيا بتشجيع من روسيا فى الثورة على الدولة العثمانية، وقامت الحرب بين الطرفين، انتصرت فيها الدولة العثمانية، ولكن الجبل الأسود استقل عن الدولة العثمانية سنة (1878 م)، بموجب معاهدة برلين، وأصبح مملكة منذ سنة (1910 م)، وانضم إلى جمهوريات يوغسلافيا السابقة سنة (1918 م).

*حمص

*حِمْص مدينة سورية. تقع غرب سوريا، على نهر العاصى، وهى بين دمشق وحلب. كانت حمص تابعة للرومان فى القرن الأول الميلادى، وقد فتحها المسلمون سنة (15هـ)؛ فبعد أن فرغ أبو عبيدة بجيشه من فتح دمشق، اتجه بجيشه وجيش خالد بن الوليد نحو حمص وحاصروها، ودام حصارها طويلا حتى استسلم حاكمها الرومانى. وقد قامت بحمص دولة أيوبية دامت نحو قرن من الزمان. وقد استولى إبراهيم باشا بن محمد على على حمص بعد معركة فاصلة سنة (1832م) عُرِفَت باسم معركة حمص. ومن آثار حمص الإسلامية: الجامع الكبير وجامع خالد بن الوليد، واشتهرت حمص ببساتينها المطلة على نهر العاصى.

*الحيرة

*الحيرة مدينة على بعد ثلاثة أميال من الكوفة. تقع على الضفة اليمنى من نهر الفرات. وكانت مسكنًا لملوك العرب فى الجاهلية. وقيل فى سبب تسميتها: إن تُبَّعًا لما بلغ بجيوشه موضع الحيرة ضلَّ دليله وتحيَّر؛ فسميت الحيرة بذلك. وكان أول من ملك الحيرة من العرب جذيمة الأبرش، وأول من اتخذها منزلا من الملوك ابن أخته عمرو بن عدى بن نصر اللخمى. وكان يسكن الحيرة ثلاث طوائف من العرب، هم تنوخ وينزلون غربى الفرات بين الحيرة والأنبار، والعباد ويسكنون الحيرة نفسها وبنوا فيها الدور والمساكن، والأحلاف وهم الذين لحقوا بأهل الحيرة ونزلوا بها. وكانت الحيرة قد خربت بعد بخت نصر، ثم عمرت فى زمن عمرو بن عدى، إلى أن فتحها خالد بن الوليد سنة (12هـ) وعاهد أهلها على أن يدفعوا للمسلمين جزية مقدارها (190) ألف درهم، وكتب لهم كتابًا بذلك. وفى عهد على بن أبى طالب، رضى الله عنه، تم بناء مدينة الكوفة بجوار الحيرة، فانتقل المسلمون من الحيرة إلى الكوفة واستوطنوها بدلا منها.

*حيفا

*حيفا مدينة فلسطينية ساحلية. تقع شمالى فلسطين على البحر المتوسط. وهى أكبر موانئ فلسطين. ويسودها مناخ البحر المتوسط، وتكثر بها الينابيع والآبار على جبل الكرمل وحيفا معناها (المرفأ)، وكان الصليبيون يُحَرّفُون الاسم ويطلقون عليها كيفا. وأقدم ذِكر لحيفا فى المصادر العربية أورده الرحالة ناصر خسرو عام (1060م)، وأول من سكن حيفا هم الكنعانيون، وتعاقب عليها الآشوريون والكلدانيون والفرس واليونان ومرَّ بها المسيح عليه السلام، وبعض الأنبياء. احتلها الصليبيون عام (1110م)، ثم عادت إلى المسلمين عام (1188م)، وسيطر عليها الصليبيون مرة أخرى بعد صلح الرملة مع صلاح الدين الايوبى، إلا أن الظاهر بيبرس استعادها ثانية سنة (1265م)، ثم سيطر عليها العثمانيون سنة (1516م) بعد معركة مرج دابق، فعملوا على تعميرها وتحصينها، كما سيطر عليها أحمد باشا الجزار، واحتلها كليبر سنة (1799م)، ثم دخلت تحت حكم محمد على، حتى عام (1840م) وزادت أهميتها بعد عام (1890م) بعد مد الخط الحديدى الذى ربطها بدمشق. وكانت حيفا فى مطلع القرن العشرين الميلادى مركزًا ثقافيًّا مهمّا فى فلسطين وكثرت بها المدارس الأجنبية. وأحتلها البريطانيون عام (1918م)، وقام الإنجليز بتوسيع ميناء حيفا الذى أنشأه العثمانيون سنة (1908م). وأخذت حيفا فى النمو حتى أصبحت من أهم موانئ البحر المتوسط ثم احتلها الإسرائيليون عام (1948م)، وطردوا منها سكانها العرب، وتدفق إليها المهاجرون اليهود من أنحاء العالم.

*الخانكة

*الخانكة أصلها الخانقاه، وهى كلمة فارسية استعملت فى اللغة العربية للدلالة على الأماكن أو المبانى، ثم حُرّفَت، فأصبحت تعرف بالخانكة، والخانقاه، وهى مكان ينقطع فيه المتصوفون للعبادة. وقد أنشأ الناصر محمد بن قلاوون خانقاه بصحراء سرياقوس بمصر فى الطريق إلى الشام، وبنى بجوارها مسجدًا وحمًّامًا، وعمَّر قصورًا وبيوتًا، وكان ذلك سنة (725 هـ)، وبذلك أقبل الناس على البناء والسكنى والتعمير حول الخانقاه حتى صارت بلدة كبيرة، عرفت باسم خاناقاة سرياقوس. وبقيت الخانقاه تابعة لناحية سرياقوس حتى سنة (923 هـ)، ثم فصلت عنها وأصبحت مدينة قائمة بذاتها تتبع مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية. وقد اندثرت الخانقاه التى أخذت المنطقة منها اسمها، وإن كانت لا تزال تحتفظ ببعض الآثار، وأهمها: مسجد الأشرف برسباى.

*خراسان

*خراسان مدينة قديمة فى آسيا. تتقاسمها اليوم إيران الشرقية الشمالية، وأفغانستان، وتركمانيا. ومن أهم المدن بها: مرو ونيسابور وبلخ وهراة وخوارزم وجرجان وطبرستان وأصبهان وسرخس وكابول وقنجار. فتحها الأحنف بن قيس فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، سنة (18 هـ)، فأصبحت قاعدة ودار هجرة للمسلمين. وفى سنة (51 هـ) انتقل إليها أكثر من (50) ألف جندى بأُسَرهم وأقاموا بها، ومنذ ذلك الوقت أصبحت خراسان موضع ثقة خلفاء بنى أمية وقادتها، ولها مساهمة كبيرة فى شئون الدولة. وقد خرج منها أبو مسلم الخراسانى بالدعوة لبنى العباس سنة (132 هـ)، واستطاع أن يقضى على الدولة الأموية، فعلا شأن خراسان ها فى عهد العباسيين. وسيطرت عليها الدولة الطاهرية التى أسسها طاهر بن الحسين سنة (205 هـ)، ثم سيطرت عليها الدولة السامانية التى أسسها إسماعيل بن أحمد السامانى سنة (286 هـ)، وأصبح لهم حكم بلاد ما وراء النهر، واستولى عليها السلاجقة سنة (429 هـ). ودانت لحكم جنكيز خان وضمها لإمبراطوريته سنة (617 هـ)، ثم خضعت للدولة التيمورية حتى سنة (1160 هـ)، عندما أقام أحمد شاه أبدالى دولة أفغانية مستقلة بها، فأصبحت تسمى أفغانستان وطغى اسم أفغانستان على اسم خراسان التاريخى. ومن أشهر علماء خراسان، الرازى، والجرجانى، والبخارى، ومسلم والترمذى وأحمد بن حنبل، وأبو حامد الغزالى، والجوينى إمام الحرمين، والأزهرى، والجوهرى والفارابى، وعبد الله بن المبارك، والزمخشرى.

*الخرطوم

*الخرطوم عاصمة جمهورية السودان. تقع على ضفتى النيل الأزرق، عند ملتقاه مع النيل الأبيض. وقد عُرفت باسم العاصمة المثلثة، ويربط المدينة ببعضها جسور على النيل. وترتفع الخرطوم عن سطح البحر بنحو (1450) قدمًا، وتبعد عن القاهرة بنحو (1345) ميلا. أسسها محمد على باشا سنة (1832 م)، وجعل منها عاصمة لإقليم السودان، ومقرّا للحاكم المصرى، ثم خربت سنة (1885 م) أثناء الثورة المهدية، ثم أعيد تخطيطها سنة (1898 م). والخرطوم مدينة كثيرة التجارة، وسكانها خليط من المصريين والبربر والبدو والأتراك والأوربيين والزنوج، ومعظم نشاطهم الاقتصادى قائم على الزراعة، وأهم محاصيلها: القطن والذرة والقمح والسمسم والصمغ العربى، كما تقوم بها بعض الصناعات، مثل: حلج الأقطان والنسج وصناعة الأسمنت والسكر والجلود، كما توجد بها ثروات معدنية. ومن أهم معالمها: الجامع الكبير ومتحف الخرطوم.

*خط الاستواء

*خط الاستواء هو دائرة تخيلية تحيط بسطح الأرض، فى منتصف المسافة بين قطبى الأرض، وهو أكبر دائرة عرضية من دوائر العرض الأرضية. ويمثل دائرة عرض صفر أو خط العرض الرئيسى، ومنه تتدرج دوائر العرض شمالا وجنوبا حتى نقطتى القطب الواقعتين عند دائرتى عرض (90ْ) شمالا و (90ْ) جنوبًا. ويبلغ طوله نحو (40092 كم). ويبعد عن القطبين بنحو (10000 كم). وتبلغ سرعة الأرض عنده فى دورانها حول نفسها نحو (1600 كم) فى الساعة. ويمر خط الاستواء فى شمال قارة أمريكا الجنوبية، وفى وسط إفريقيا وجنوب آسيا، وتتعامد الشمس عليه يوم (20) أو (21) من مارس، أى: بداية فصل الربيع، فى نصف الكرة الشمالى، ويوم (22) أو (23) من سبتمبر، أى: بداية فصل الخريف، فى نصف الكرة الجنوبى، فى حين تتعامد على مدار السرطان يومى (21،22 من يونيو)، أى: بداية فصل الصيف، وتتعامد على مدار الجدى يومى (21،22 من ديسمبر)، أى: بداية فصل الشتاء.

*خيبر

*خيبر لفظ خيبر فى لغة اليهود يعنى الحصن، ولأن هذه البقعة تشمل عدة حصون؛ سُمّيت خيابر. وهى واحة بالحجاز على بعد (95 كم) من المدينة، وترتفع عن سطح البحر بنحو (850 م)، وتتألف من عدة أودية أو واحات متجاورة. وقد كثرت قراها وسكانها، واشتهرت بكثرة عيونها. وبها عدة حصون، منها: حصن ناعم، وحصن العموَص، وحصن الشق، وحصن النطاة وحصن السلالم، وحصن الوطيح، وحصن الكتيبة. وقد اشتهرت فيها سوق نطاة خيبر ونظرًا إلى وقوعها على الطريق التجارية الكبرى بين اليمن والشام؛ فقد كانت إحدى محطات القوافل التجارية. وقيل: إن خيبر مصرف الجزيرة المالى. وكانت تُعَرف بكثرة نخيلها وتمرها؛ إذ اشتهر أهلها بالزراعة، وكانت موطنًا ليهود بنى قريظة وبنى النضير، وأقاموا بها عدة حصون للدفاع عنها. وقد فتحها النبى e (7 هـ)، وقيل سنة (8 هـ)، ولما فتحها الرسول e صالحه اليهود على حقن دمائهم.

*دابق

*دَابِق قرية قرب حلب. اشتهرت بالمرج الذى يجاورها، ويعرف باسم مرج دابق. بينها وبين حلب نحو (22 كم). وهذا المرج عبارة عن سهل معشب، كان يعسكر به الأمويون إبان حروبهم مع الروم. وبه قبر ينسب إلى نبى الله داود عليه السلام، وتُوفّى بدابق الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك، ودُفِن بها عام (99 هـ)، كما عُقدت البيعة بمسجد دابق للخليفة عمر بن عبد العزيز بوصية من سليمان بن عبد الملك.

*الدار البيضاء

*الدار البيضاء مدينة وميناء مغربى يقع على شاطئ المحيط الأطلنطى. مساحتها (3900) هكتار. وهى ميناء المغرب الأول، وكبرى مدن الشمال الإفريقى. كان اسمها أنفا. وفتحها عقبة بن نافع سنة (62 هـ)، ثم احتلها البرتغاليون، وأعادوا بناءها سنة (1515 م)، وقد خربت بعد زلزال عام (1755 م)، ثم احتلتها القوات الفرنسية عام (1907 م)، وتوافد إليها السكان الأجانب، وأصبحوا يشكلون نسبة كبيرة بها. وفى سنة (1942 م) تعرضت لهجوم الأسطول الأمريكى فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وعقد فيها مؤتمر الحلفاء يين تشرشل وروزفلت وستالين عام (1943 م). ويتركز فى الدار البيضاء نصف الصناعات المغربية، مثل: الزيوت والأسمنت والملابس، وهى أهم موانئ التصدير المغربية، وميناء مهم أيضًا لصيد الأسماك وتصدير الفوسفات، ومركز مهم للمواصلات البرية والبحرية والجوية؛ حيث بها مطار محمد الخامس، وبها جامعة الحسن الثانى.

*دارفور

*دارفور هى إقليم جغرافى يمثل إحدى مديريات جمهورية السودان. تقع على حدود السودان الغربية، وتشترك فى حدودها مع كل من ليبيا وجمهورية تشاد. وتبلغ مساحتها (503.272 كم2). ومعظمها على شكل هضبة ترتفع بين (900.600 م) فوق سطح البحر، وتحيط بها السهول وتتخللها بعض التلال. واشتق اسمها من قبائل القور التى مازالت تسكنها، هى وعدة قبائل عربية ونوبية وزنجية، امتزجت سلالاتها، وتأثرت باللغة العربية والثقافة الإسلامية، وأهم هذه القبائل: الرزيقات والتعايشة والحوازمة والكواهلة والمناصير والزعاوة والتنجور والمساليب. وقد حكم المديرية زنوج التاجو، منذ أقدم العصور حتى القرن الرابع عشر الميلادى، وخلفهم التنجور العرب الذين حملوا إليها الإسلام قادمين من بور نود واداى. وقامت بدارفور سلطنة وراثية منذ عام (1051م - 1460م)، وينسب تأسيسها إلى سليمان سلويج الذى اتخذ بلدة طراة عاصمة له قبل أن تنتقل إلى الفاشر. وقد دام حكم سلاطين الفور نحو ثلاثة قرون ما بين سنتى (1875م، و1900 م)، كان الحكم فيها للولاة المصريين وخلفاء المهدية. وقد اعترفت حكومة السودان سنة (1899 م) بعلى دينار حفيد سلاطين دار فور، سلطانًا لكنها عادت فحاربته، واستولت على دارفور بعد مقتله عام (1916م). وتعتمد دارفور اقتصاديًّا على رعى الماشية، وبخاصة الأبقار، كما تعتمد على الزراعة والصناعات التقليدية. ونظرًا إلى مركزها المتوسط بين وادى النيل وإفريقيا الوسطى؛ فإنها تعَدّ أحد المراكز التجارية المهمة. وتتصل بمصر عن طريق درب الأربعين الذى يمر بالواحات الغربية وينتهى عند مدينة أسيوط. وعاصمة دارفور الحالية مدينة الفاشر.

*الدانوب

*الدانوب أطول أنهار أوربا؛ إذ يبلغ طوله (2816 كم)، ومساحة حوضه نحو (828800 كم2). وينبع من مجموعة من الجبال الألبية، ويخترق جبال الكريات عبر بافاريا والنمسا والتشيك وسلوفاكيا والمجر ويوغسلافيا، ثم يفصل بين جبال الكريات وجبال البلقان فى منطقة الحدود البلغارية حتى يصب فى البحر الأسود. ويعد الدانوب أعظم أنهار أوربا من حيث إمكانيات الملاحة، ولكن الانقسامات السياسية أثناء الحرب العالمية الثانية وعقبها، قللت من هذه الأهمية، ونظرًا إلى أنه يجرى بين غرب أوربا وشرقها؛ فقد تضاءلت أهميته الملاحية فى القارة. ويمر هذا النهر بمدن أولم وريجنزيرج وباسا وولنتس وفيينا وبودابست وبلجراد وبراثيسلافا، ويصلح للملاحة ابتداءً من مدينة أولم.

*درب الأربعين

*درب الأربعين طريق برى يخترق الصحراء الليبية، ويربط السودان وإفريقيا الوسطى بمصر. كانت تقطعه القوافل فى أربعين يومًا؛ ومن ثم أطلق عليه هذا الاسم، وكان هذا الطريق معروفًا قبل القرن الخامس الهجرى، وهو يمتد من دارفور مارًّا بالواحات الداخلة، والخارجة حتى يصل إلى أسيوط، ثم يسير محاذيًا لنهر النيل إلى القاهرة. ومما أعطى هذا الطريق، أهمية قيام مملكة دارفور فى غرب السودان وارتباطها بالأقاليم السودانية الوسطى التى لا منفذ إليها لإمكان التبادل التجارى مع وادى النيل الأدنى إلا عن طريقها، وكان أهم ما يتم تبادله المصنوعات المصرية والرقيق والعاج والصمغ عبر القوافل التى كان يُعيَّن لها رئيس من قِبَل ملك دارفور.

*الدردنيل

*الدردنيل مضيق يمثل المدخل الجنوبى لبحر مرمرة. طوله (64 كم)، واتساعه يصل إلى (6 كم). كان يعرف باسم هلسبونتوس، وهو يصل بحر إيجة ببحر مرمرة، ويفصل بين شبه جزيرة جاليبولى الواقعة فى الجزء الأوربى من تركيا، والجزء الآسيوى من تركيا. وقد تردد ذكره إبان الحروب الإغريقية الفارسية، وازدهرت طروادة القديمة بمقربة من المدخل الغربى له. وعبر هذا المضيق كل من أجزر كسيس الأول سنة (481 ق. م) والإسكندر الأكبر سنة (334 ق. م) على جسر من القوارب، وفى عهد الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية كانت للمضايق أهمية كبرى فى الدفاع عن القسطنطينية. وبتدهور تركيا أصبح وضع المضايق مشكلة دولية، ففى سنة (1841 م) اتفقت الدول الكبرى على إغلاق المضايق فى وجه جميع السفن الحربية فى وقت السلم، باستثناء السفن التركية، وأكد مؤتمر باريس سنة (1856 م) هذه الاتفاقية، وفى الحرب العالمية الأولى فشلت حملة جاليبولى التى دبَّرها الحلفاء لاختراق المضايق بالقوة، ولكن بعد انهيار تركيا مرَّ أسطول للحلفاء بالمضايق فى (نوفمبر 1918 م)، واحتل القسطنطينية، وقضت معاهدة سيفر سنة (1920 م) بتدويل منطقة المضايق، ولكن مؤتمر لوزان سنة (1923 م) أعادها لتركيا بشرط عدم تسليحها. وفى سنة (1936م) سمحت اتفاقية طمونترو لتركيا بتحصينها.

*الدرعية

*الدرعية مدينة سعودية تقع فى نجد على بعد (13 كم) إلى الشمال الغربى من الرياض. كان يطلق عليها اسم غبراء. وقد ازدهرت بعد أن استقل بها الأمير محمد بن سعود سنة (2722 م)، وعندما هاجر إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة (1744 م) اتخذها مقرًّا لدعوته. وقد قامت الدولة العثمانية عن طريق محمد على بالسيطرة على المدينة وتحطيمها سنة (1818 م)، وانتقلت بعد ذلك العاصمة السعودية إلى الرياض. والدرعية الجديدة تقع شمالى وادى حنيفة مقابل الدرعية القديمة، وتتبعها عدة قرى زراعية، وأهم محاصيلها الزراعية: النخيل والقمح والشعير والفاكهة والخضراوات، ويوجد بالدرعية عدة سدود، والدرعية من الأراضى الخصبة.

*دمشق

*دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية، كانت عاصمة الخلافة الأموية. قيل: إن الذى بناها هو دمشق بن قانى بن مالك بن سام، من أبناء نوح، عليه السلام، قبل مولد إبراهيم، عليه السلام، بخمس سنوات. وهى مدينة كثيرة الأنهار والأشجار، تقع فى أرض مستوية تحيط بها الجبال، وبها كثير من قبور الصحابة والتابعين وتابعى التابعين والقادة المشاهير، مثل: محمود زنكى ملك الشام وصلاح الدين الأيوبى. وقد فتحت دمشق سنة (14 هـ) فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وظلت تحت الحكم الإسلامى منذ ذلك الوقت، وحكمها كل من الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ثم احتلها الفرنسيون سنة (1920 م). وقد تعرضت لكثير من المحن والشدائد، ففى سنة (543 هـ = 1148 م) تعرضت للحملة الصليبية الثانية، وفى سنة (803 هـ = 1400 م) تعرضت لغزو تيمور لنك، الذى قضى على الرجال وهتك أعراض النساء، وحرق المنازل، ولم يبقَ من أهلها أحد إلا من هرب منها قبل قدومه إليها. ومن العلماء المبرزين بدمشق: عبد العزيز بن أحمد بن محمد التميمى الدمشقى، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان، ويوسف ابن رمضان بن بندار الدمشقى، ومنصور بن عمار السلمى الخراسانى، وعمر ابن حسن الخرقى وهو من التابعين، وأبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسى. ويوجد بدمشق كثير من المساجد والجوامع والمدارس والخانات والحمَّامات، والأضرحة ودور الحديث.

*دمياط

*دمياط إحدى المدن الكبرى فى مصر، تقع على الشاطئ الشرقى لفرع النيل الشرقى المعروف بفرع دمياط. وقد أُنشئت سنة (1225 هـ) على أنقاض دمياط القديمة التى دُمرت فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب. وقد فتحت دمياط على يد المقداد بن الأسود. أحد رجال عمرو بن العاص، فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فظلت فى أيدى المسلمين، مع ما تخلل هذه الفترة من سيطرة صليبية عليها لبعض الوقت. وقد تعرضت دمياط للعديد من الهجمات الأوربية الصليبية؛ ففى سنة (90هـ) تعرضت لغزو الروم، ثم تعرضت لهجمات أوربية عديدة فى سنة (121هـ) وسنة (200 هـ) وسنة (238 هـ) وسنة (357 هـ)، ودارت بها معركة كبيرة سنة (565 هـ) بين الصليبيين وصلاح الدين الأيوبى، هزمهم فيها صلاح الدين. وفى سنة (615 هـ) احتلها الصليبيون حتى استردها الملك الكامل سنة (618 هـ)، وفى سنة (646هـ) تعرضت لهجوم لويس التاسع ملك فرنسا، الذى احتلها وحاول مهاجمة المنصورة منها، ولكنه فشل، وهُزم جيشه وأسر هو نفسه وافتدى نفسه بمال كثير، وخرجت دمياط من هذه الحروب وهى مدمَّرة تمامًا، فقيل: إن الفرنجة دمروها فى سنتى (616 هـ) و (647 هـ)، وقيل: إن أمراء المسلمين المماليك هم الذين دمروها سنة (648 هـ)؛ خوفًا من رجوع الفرنجة إليها. وتشتهر دمياط بالصيد والزراعة وصناعة المنسوجات الحريرية وصناعة الأثاث، وطحن الحبوب، واستخراج الزيوت النباتية من السمسم والقطن. ومن أهم المساجد بها: مسجد الشيخ شطا بن الهاموك، ومسجد أبى المعاطى، وجامع المتبولى (المدرسة المتبولية). وقد كان بها عدة قلاع هدمت فى زمن الاحتلال الفرنسى لمصر، ثم أعاد بناءها محمد على. ومن أهم علمائها المبرزين: خليل الدمياطى، وعبد السلام الدمياطى، ومحمد معين الدين الدمياطى.

*دنقلة

*دنقلة إقليم سودانى يقع جنوب جندل النيل الثالث مباشرة على بعد (140 كم). وكانت منزلا لملك النوبة على شاطئ النيل، ولها أسوار عالية مشيدة بالحجارة. وكانت تمثل إحدى الوحدات الإدارية قبل استقلال السودان. ودنقلة اليوم بالاشتراك مع مديريتى حلفا وبربر تكوّن ما يُعرف باسم المديرية الشمالية، وسكانها نوبيون من الدناقلة والجعليين والشايقية، وقد تأثروا بالعرب الذين يحيطون بهم من كل جهة. ويعد السهل النيلى الفسيح الذى يشق الإقليم، مشجعًا على الاستقرار والزراعة فى الإقليم، باستخدام السواقى، كما تكثر به كروم النخيل المشهورة بتمورها الجافة. وقد شهدت دنقلة عددًا من الحضارات القديمة والوسيطة، وتوجد بها آثار فرعونية من أهرامات ومعابد، تدل على امتداد النفوذ المصرى؛ ومن ثم الحضارة المصرية القديمة إليها. ودخلت المسيحية هذا الإقليم، وقامت مملكتان مسيحيتان، عرفت الأولى بمملكة مقرة وعاصمتها دنقلة القديمة، وعرفت الثانية بمملكة علوة وعاصمتها سوية. ودام الحكم المسيحى فى دنقلة حتى القرن الرابع عشر الميلادى. وقد فتحها عبد الله بن سعد بن أبى السرح، فى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، سنة (20 هـ)، وعقد مع ملكها قليدرون معاهدة تتضمن دفع الجزية، والعناية بأمر المسجد الذى بناه المسلمون بالمدينة. ودخلت بلاد النوبة بما فى ذلك دنقلة فى الإسلام منذ القرن الرابع عشر الميلادى، إبان حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وحكمها أحد ملوكها ممن اعتنقوا الإسلام.

*حلب

*حَلب مدينة سورية كبيرة. تقع فى الشمال الغربى من سوريا. تبلغ مساحتها نحو (36) ميلا. وعدد سكانها (995.800) نسمة. بناها العماليق بعد موت الإسكندر الأكبر بثلاثة عشر عامًا، وجعلوها حصنًا لهم، حتّى انتزعها منهم نبى الله داود، عليه السلام. وقد اتسعت حلب منذ عهد سيف الدولة الحمدانى سنة (420 هـ) حتى وصلت حدودها إلى نهر الفرات، وبلغت أقصى اتساع لها فى عهد المماليك فى القرن التاسع الهجرى، وكانت - فى ذلك الوقت - أكبر ولاية بعد دمشق. وظلت حلب فى عهد العثمانيين مركزًا مزدهرًا للتجارة، حتى استولى عليها المصريون بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد على سنة (1247 هـ)، الذى ظل بها ثمانى سنين، وبعدها بدأت حلب تخطو خطوات واسعة نحو التَّقَدم والرقى. ومن أهم الآثار الإسلامية بها: قلعة حلب التى بها رأس نبى الله يحيى عليه السلام، ومشهد الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه، كما أن بها كثيرًا من المساجد، منها: المسجد الجامع، ومسجد الشجرة، ومسجد ابن الأقرع، ومسجد الهروى. وتشتهر حلب بكثرة المدارس، ومنها: المدرسة الزجاجية، والمدرسة الحلاوية، والمدرسة السيفية ومدرستا: المالكية، والحنابلة. وبها عدد ضخم من الخانات، والخوانق، والحمَّامات، والبيمارستانات. وتشتهر حلب بزراعة الذرة، والقطن، والسمسم، والبطيخ، والخيار، والتين، والتفاح، والكروم.

*حضرموت

*حضرموت إقليم يقع فى جنوب شبه الجزيرة العربية. يحدّه من الشرق عمان ، ومن الغرب عدن، وتتصل حدوده الشمالية بالسعودية بطول يبلغ (160 كم). ويتكون من ساحل رملى تعلوه بعض المرتفعات الجبلية التى يخترقها عدد من الأودية، تختلف ضيقًا واتساعًا، أهمها: وادى الكسر، ووادى دمعن، ووادى الجزع، ووادى حجر، ووادى ميفع، ووادى سنام، ووادى المسيلة. وينتشر فى حضرموت العديد من المدن، أهمها: مدينة شبام، ومدينة شبوة، ومدينة نزيم، ومدينة المكلا وهى أهم موانيها. ويسكن حضرموت عدد من القبائل الشهيرة، مثل: قبيلة شيبان، وقبيلة مهرة، وكان يطلق على حضرموت اسم وادى الأحقاف وهم قوم هود، عليه السلام، حيث يوجد بها قبره، وهى تُعَدّ من أقدم الممالك العربية التى مازالت تحتفظ باسمها القديم حتى الآن. وهى تنسب إلى حضرموت بن حمير أو حضرموت بن يقظان من القحطانيين. وقد شهدت حضرموت فى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد نهضة كبيرة؛ بسبب التجارة، كما خاضت حرب الثلاثمائة عام؛ لتوحيد سبأ وذى ريدان، ودخلها الإسلام فى عهد النبى e، ولكن زعيمها قيس بن الأشعث ادَّعى النّبوّةَ، وتم القضاء على حركته فى خلافة أبى بكر الصّدّيق. وقد تمتعت حضرموت بنوع من الاستقلال فى عهد الدولة العباسية، وساهم الحضارمة فى نشر الثقافة الإسلامية فى جزر الهند الشرقية، وسواحل المحيط الهندى. وحضرموت حاليًّا إحدى محافظات اليمن، وتبلغ مساحتها (155.376كم2)، وتنقسم إلى ثمانى مديريات، وبها مطارات، وتوجد فيها بعض الزراعات.

*حطين

*حِطّين قرية عربية فلسطينية، دارت بها معركة حطين التى استرد بعدها صلاح الدين الأيوبى، بيت المقدس من أيدى الصليبيين سنة (583 هـ)، وبها قبر نبى الله شعيب، عليه السلام. وتقع حطين غربى مدينة طبرية بنحو تسعة كيلو مترات، وتتحكم فى سهل حطين المتصل بسهل طبرية عبر فتحة طبيعية، كما تتصل بسهول الجليل الأدنى عَبْرَ ممرات جبلية، وترتفع حطين عن سطح الأرض بمسافة تتراوح بين (100) و (125) مترًا، ويمرّ فى وسطها وادى خنفور، وتتميز أراضيها بخصوبة التربة، واعتدال المناخ، وكثرة الأمطار، وتوافر المياه الجوفية، ولاسيما فى الجزء الشمالى من السهل، وأهم محاصيلها الزراعية: الحبوب والزيتون والفاكهة. وكان سكان حطين فى عام (1945 م) يقدر عددهم بنحو (1190) نسمة، وقد أبلوا بلاءً حسنًا فى الدفاع عن أرضهم، ولكن قوة الاحتلال الإسرائيلى طردتهم من بيوتهم، وقامت بتدمير قريتهم. وأنشأ اليهود عددًا من المستعمرات فوق أراضيها، مثل: كفار زيتيهم فى الشمال الشرقى من موقع حطين، وأحوازات نفتالى فى الجنوب الشرقى، وكفار حينيم فى الشرق.

*حلوان

*حلوان إحدى مدن مصر تقع فى جنوب القاهرة. أنشأها عبد العزيز بن مروان سنة (73 هـ)، بعد أن ظهر وباء الطاعون فى مصر، وقيل: بعد أن أغرق الفيضان مدينة الفسطاط. وبنى عبد العزيز بن مروان بحلوان دورًا كثيرة، وقصورًا رائعة، وأنشأ بها عددًا من المساجد، واستوطنها، وأسكن بها جنوده وقوَّاده، وزرع بها بساتين الكروم والنخيل، وأقام مقياسًا على النيل، فظلت فى ازدهار دائم طوال فترة حكمه. وبعد أن زالت الدولة الأموية، أهْمِلَت المدينة؛ فاختفت العيون المعدنية التى كانت موجودة بها، حتّى عهد الخديو عباس، الذى أقام بها مركزًا لعلاج الجنود المرضى، وبخاصة من الأمراض الجلدية والروماتيزمية. وفى سنة (1286 هـ) شُيّد بها العديد من الحمّامات عند العيون المعدنية، وأقام الملك فاروق قصرًا صيفيّا على النيل بجوار حلوان، أصبح الآن متحفًا وحديقة عامة.

*الحبشة

*الحبشة هو الاسم الذى أطلقه العرب على الإقليم الإفريقى الذى يطل على البحر الأحمر، ويواجه اليمن والذى يُعرَف حاليًّا باسم إثيوبيا، وقد اختلفت حدوده على مرّ العصور. وينسب اسم الحبشة إلى قبيلة حبشت السامية التى هاجرت من اليمن إلى هذه المنطقة، واستقرت فى هذا الإقليم نحو القرن السادس قبل الميلاد، واختلطت بالقبائل الكوشية الحامية مثل قبيلتى البجة والجالا، ومع مطلع القرن الرابع الميلادى غلب اسم قبيلة حبشت على المنطقة. وقد كان للتجارة دور كبير فى توطيد العلاقات بين الحبشة وبيزنطة، ونشأ عن هذا الامتزاج الحضارى تأثر الحبشة بالمسيحية، ودخول بعض القبائل الوثنية فيها؛ مما أدَّى إلى قيام بعض الممالك المسيحية، مثل مملكة أكسوم، وأصبحت الكنيسة الحبشية تابعة للكنيسة المصرية. وفى القرن السادس الميلادى غزت الحبشة اليمن، وحاول أبرهة هدم الكعبة المشرفة، ولكن الله أهلكه قبل أن يمسها بسوء. وعندما ظهر الإسلام كان يحكم الحبشة ملك عرف بالحكمة والعدل؛ ولذا فقد أوصى النبى e أصحابه بالهجرة إليها، بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم فى مكة، فعاش هؤلاء المهاجرون فى كنفه فى أمن وطمأنينة. وكانت هذه الهجرة هى النواة الأولى لنشر الإسلام فى الحبشة، وما لبث الإسلام أن انتشر بين كثير من القبائل، وساعد على ذلك الهجرات المتعاقبة للقبائل العربية والتجار المسلمين؛ مما أدَّى إلى قيام عدد من الممالك الإسلامية فى الحبشة، وقامت حروب وصراعات بين تلك الممالك وغيرها من الممالك المسيحية والوثنية، استمرت طويلا، حتى غزت إيطاليا الحبشة ثم احتلتها سنة (1936 م)، إلى أن تحررت سنة (1941 م). وقد تعرّض المسلمون فى الحبشة لمذابح وحشية، وحملات تطهير عرقية بشعة، واضطهاد عنيف، خاصة فى عهد الإمبراطور هيلاسلاسى والرئيس الشيوعى منجستو هيلا ماريام. ويصل عدد المسلمين فى الحبشة (إثيوبيا) إلى نحو (26) مليون

مسلم، ومن أشهر القبائل المسلمة فيها قبائل جبرت والجالا والبجة.

*جيحون (نهر)

*جَيْحون (نهر) هو الاسم الذى أطلقه الترك على النهر المعروف باسم آمو أو آموداريا، أو أوكسوس، بالتركستان فى وسط آسيا، وكان اسمه القديم أوجزوس. وينبع نهر جيحون من مرتفعات هندكوش، من مكان يسمى ريو ساران، وهو جبل يتصل بكلّ من السند والهند وكابل، ويسير غربًا على هيئة شبه قوس حتّى يَصبَّ فى الطرف الجنوبى من بحر آرال. ويبلغ طوله (2523 كم)، وتبلغ مساحة حوضه (221) ألف متر مكعب.

*الجزيرة الخضراء

*الجزيرة الخضراء مدينة فى الأندلس (إسبانيا)، لا تزال تحتفظ باسمها العربى حتَّى الآن. تقع على خليج جبل طارق، ويقابلها من البر بلاد سبتة، وتبعد عن قرطبة بنحو (300 كم). وقد اشتهرت فى تاريخ فتح العرب للأندلس بأنها أول مدينة استولى عليها طريف بن مالك عام (710 م)، بعد عبوره البحر المتوسط من ميناء سبتة إلى الأندلس، وفى العام التالى دخلها طارق بن زياد. ويُنسب إليها عدد من العلماء، منهم: أبو زيد عبد الله بن عمر بن سعد الجزيرى. وفى عام (1906 م) عُقِدَ فى الجزيرة الخضراء مؤتمر الجزيرة، واشترك فيه عدد من الدول الأوربية؛ للاتفاق على نظام الحكم فى مراكش، وأُقِرَّ فيه تكليف فرنسا وإسبانيا برعاية مراكش، وحفظ الأمن فيها. وهذه المعاهدة هى التى مهدت لتقسيم مراكش إلى منطقتى نفوذ؛ إحداهما فرنسية، والأخرى إسبانية.

*تشاد (بحيرة)

*تشاد (بحيرة) بحيرة فى وسط إفريقيا. تحيط بها جمهوريات: نيجيريا والنيجر والكاميرون، وتقع ضمن حوض تكتونى كبير، يمتد فى اتجاه الشمال الشرقى، وقد رُدِمَ بالرواسب أثناء الزمن الرابع البليستوسين. وقد كانت البحيرة أكثر امتدادًا واتساعًا أثناء العصر المطير البلايوسين. وتصب فى بحيرة تشاد عدة مجار مائية، أهمها: نهر شارى، وكانت قديمًا متصلة ببحيرة بودول التى جفت فيما بعد. وتختلف مساحة بحيرة تشاد باختلاف فصول السنة ونزول الأمطار، وتتراوح مساحتها ما بين (10) آلاف و (20) ألف كم2.

*بيزنطة

*بيزنطة مدينة قديمة أسسها الإغريق سنة (658 ق. م). تقوم فى موقعها الآن مدينة إستانبول بتركيا. وقد اكتسبت تلك المدينة شهرة واسعة، بسبب موقعها على مضيق البسفور، وأصبحت مركزًا تجاريًّا مهمًّا. استولى عليها الرومان سنة (196 م)، واختارها قسطنطين الأول موقعًا لمدينة القسطنطينية التى حملت اسمه، وأصبحت - فيما بعد - عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، ثم صارت عاصمة للخلافة العثمانية حتى قيام الجمهورية التركية سنة (1923 م). وبها عدد من الآثار القديمة، من أهمها: جامع ومتحف آيا صوفيا، الذى يرجع إلى العصر البيزنطى، وجامع السليمانية وجامع أبى أيوب، وغيرها من الآثار. ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليونى نسمة.

*تراقيا

*تراقيا إقليم يطلُّ على بحر إيجة، ويمتد - الآن - ما بين الجزء الأوربى من تركيا واليونان، ومن أهم مدنه: إستانبول وأدرنة وجاليبولى. وكانت تراقيا أول أرض أوربية فتحها الأتراك العثمانيون، على يد الأمير سليمان ابن السلطان عثمان سنة (758 هـ)، واحتفظ العثمانيون بهذا الإقليم حتَّى قيام الحرب البلقانية سنة (1912 م) التى انتهت بمعاهدة لوزان سنة (1923 م) والتى نصَّت على منح بلغاريا منفذا لها على بحر إيجة عن طريق تراقيا بين اليونان وتركيا.

*جيبوتى

*جيبوتى دولة عربية تقع فى الطرف الشرقى من قارة إفريقيا. يحدّها من الشمال إريتريا، وإثيوبيا، من الغرب ومن الجنوب الغربى، وتقع جمهورية الصومال الديمقراطية على الحدود الجنوبية لجيبوتى. وتتمتع جيبوتى بأهمية كبيرة؛ نظرًا إلى موقعها الاستراتيجى، بجانب تحكمها فى مضيق باب المندب من الجهة الغربية. ومساحتها (21.783 كم2). وتمتد سواحلها بطول (370 كم). وتعد المنفذ الرئيسى لصادرات إثيوبيا، وبها خط حديدى يربطها بأديس أبابا. ويقدر عدد سكانها بنحو (240) ألف نسمة، وبها نسبة عالية من العرب والأجانب، ويعيش فى عاصمتها جيبوتى أكثر من (65%) من السكان. ولغتها الرسمية هى اللغة العربية، كما تنتشر اللغة الفرنسية على نطاق واسع بها. والإسلام هو الدين الرسمى للبلاد. تحررت جيبوتى من الاستعمار الفرنسى سنة (1977 م)، ولكن لا تزال فرنسا تحتفظ بقوة عسكرية بها تقدر بنحو (4500) جندى. ويوجد بجيبوتى خمسة أحزاب، أهمها: الاتحاد الوطنى للاستقلال، والرابطة الشعبية الإفريقية للاستقلال، وحركة تحرير جيبوتى. ونظامها السياسى جمهورى رئاسى؛ فالرئيس هو نفسه رئيس الحكومة، والسلطة التشريعية فى يد مجلس النواب. وجيبوتى هى الدولة رقم (148) فى الأمم المتحدة، ورقم (22) فى جامعة الدول العربية، ورقم (49) فى منظمة الوحدة الإفريقية. وتعتمد جيبوتى على الرعى والزراعة، لكن المساحة المخصصة للزراعة لا تزيد على ثلاثة آلاف هكتار، وبها ثروة حيوانية وفيرة تبلغ (770) ألف رأس، كما أن بها ثروة سمكية وفيرة؛ لموقعها المتميز على مدخل البحر الأحمر، إلا أن الصيد يتم بمعدات بدائية. والعملة الرسميةُ لجيبوتى هى الفرنك الجيبوتى، وهو مقسم إلى مائة سنتيم. وتوجد بها شركتان للخطوط الجوية؛ إحداهما فرنسية، والأخرى جيبوتية.

*الجزيرة

*الجزيرة اسم يطلق على الإقليم الشمالى لبلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات). وتعرف باسم الجزيرة الفراتية، وتشمل الإقليم الذى يمتد فى شمال الأنبار وتكريت. وكانت تشمل ديار بكر وربيعة ومضر، وإليها ينسب الإمام الجزرى. وعند ظهور الإسلام كانت الجزيرة من الأقاليم الرومانية، وكانت تعرف باسم ولاية الشام، وعندما فتح المسلمون هذه الأقاليم عُدَّت الجزيرة الفراتية وأرمينيا وأذربيجان، ولاية واحدة.

*التل الكبير

*التّل الكبير إحدى مدن محافظة الشرقية بمصر. تقع على الخط الحديدى الممتد من القاهرة إلى الإسماعيلية. توجد بالقرب منها آثار حصون قديمة ومدن مندثرة. اشتهرت فى تاريخ مصر الحديث بالمعركة الفاصلة التى جرت عندها، بين القوَّات المصرية والقوات البريطانية سنة (1882 م) والتى انتهت بهزيمة المصريين، بعد أن تمكن الجيش البريطانى من الإغارة على معسكر الجيش المصرى ليلا، فارتد أحمد عرابى وبعض فلول الجيش نحو القاهرة؛ لتحصينها والدفاع عنها، ومحاولة وقف تقدم الإنجليز إليها، إلا أن الهزيمة الساحقة للجيش فى التل الكبير، فتحت أبواب العاصمة أمام جيوش المستعمرين دون مقاومة تذكر. وكان ذلك بداية الاحتلال البريطانى الذى جثم على البلاد أكثر من سبعين عامًا.

*جغبوب

*جغبوب واحة ليبية. تقع على بعد (295 كم) من شاطئ البحر المتوسط، وتوازى واحة سيوة التى تقع على بعد (150 كم) داخل حدود مصر مع ليبيا. وكلمة جغبوب تعنى المنخفضات التى فيها عيون الماء، والمستنقعات الصغيرة وتوجد فيها بعض البحيرات المالحة. وقد أقام بهذه الواحة المصلح الليبى محمد بن على السنوسى سنة (1856م)، وأسس بها عددًا من الزوايا لنشر الإسلام بين الجماعات الوثنية الموجودة فى السودان وحوض بحيرة تشاد. وكانت جغبوب هى الطريق الرئيسى للسلاح القادم إلى المجاهدين فى ليبيا أثناء حربهم مع الإيطاليين، ولم تستطع إيطاليا السيطرة عليها إلا بعد (25) عامًا من احتلال ليبيا؛ فأقامت حائطًا من الأسلاك الشائكة على حدودها مع مصر، وتحت الضغط البريطانى تنازلت مصر لإيطاليا عن جغبوب التى كانت جزءًا من أراضيها.

*تعز

*تَعِز مدينة يمنية. تقع بالقرب من الحدود الجنوبية لليمن، فى جبل صبر، على ارتفاع (1300) متر فوق سطح البحر، وهى إلى الشرق من ميناء مخا، وعلى الطريق البرى الذى يمتد شمالا إلى مدينة زبيد. وتبلغ مساحتها (12ألف كم2). وكانت - فى بداية نشأتها - عبارة عن مجموعة من القلاع، فوق جبل صبر، ولكنها لم تحظَ بالاهتمام إلا بعد وصول توران شاه الأيوبى إليها سنة (569 هـ) فى ثلاثة آلاف مقاتل، وبنائه قلعة بها. وشهدت عصرها الذهبى أيام سلاطين بنى رسول فى منتصف القرن السابع الهجرى، كما شهدت ازدهارًا اقتصاديًّا؛ لوقوعها فى طريق التجارة، ثم فتحها العثمانيون سنة (952 هـ)، وسيطر عليها إبراهيم باشا ابن محمد على قبيل منتصف القرن التاسع عشر الميلادى. وفى منتصف القرن العشرين اتخذها الإمام أحمد مقرًّا لإقامته، وقاعدة لحكمه، ولكن سرعان ما ضعفت أهميتها بعد ثورة اليمن وتحول مقرّ الحكم إلى صنعاء. وتتنوع المحاصيل الزراعية فى تعز؛ بسبب كثرة الأمطار، وتشتهر تعز بزراعة الفاكهة والخضراوات والزيتون والبن والقمح.

*تركيا

*تركيا تقع تركيا فى شمال غرب آسيا، وهى عبارة عن منطقة آسيا الصغرى بين البحر المتوسط والبحر الأسود. وتحدّها بلغاريا واليونان من الغرب، ومن الشمال الاتحاد السوفييتى سابقًا، ومن الشرق إيران، ومن الجنوب العراق وسوريا. وتبلغ مساحة تركيا (779.452 كم2)، وعاصمتها أنقرة. ويبلغ عدد سكانها نحو (56.941.000) نسمة، إلى جانب بعض الأقليات، مثل: العرب والأكراد. واللغة الرسمية فيها هى اللغة التركية، كما توجد بها بعض اللغات الأخرى، مثل: اللغة العربية واللغة الكردية. والدين الرسمى للبلاد هو الإسلام؛ حيث يمثل المسلمون نحو (99%) من السكان، منهم (85%) على المذهب السنى، و (14%) على المذهب الشيعى. وتشتهر تركيا بعدد من المحاصيل الزراعية، من أهمها: الطباق والفاكهة والقطن والذرة والشعير والبطاطس والبنجر، كما توجد بها بعض المعادن، مثل: الأنتيمون والكروميوم والزئبق والنحاس. ومن مصادر الطاقة فيها: الفحم، والبترول. ومن أهم الصناعات بها: صناعة الحديد والصلب، وصناعة السيارات، والسجاد، والمنسوجات، والآلات. والعملة المتداولة هى الليرة التركيَّة.

*تلمسان

*تلمسان أشهر مدن الجزائر. تقع فى منطقة جبلية بالقرب من حدود المغرب، وتبعد عن مدينة وهران بنحو (130 كم). وتبلغ مساحتها (250) فدانًا. وتلمسان كلمة بربرية تعنى مدينة الينابيع، وأطلق عليها المرابطون اسم تاقرارت وتعنى المعسكر، وذلك فى أثناء حصارهم لها فى القرن الخامس الهجرى؛ إذ أنشئوا تلمسان الحديثة ومسجدها الجامع. وقد فتحت تلمسان سنة (55 هـ) على يد القائد أبى المهاجر دينار، فى عهد الخليفة معاوية بن أبى سفيان، ثم تتابع عليها الأمويون والعباسيون والزناتيون والفاطميون والمرابطون والموحدون والحفصيون، وبنو زيان، ثم احتلها الإسبان سنة (1555 م)، ثم خضعت للعثمانيين، ثم صارت تابعة لسلطان مراكش، حتى احتلها الفرنسيون سنة (1836 م)، لكنهم تنازلوا عنها لنائب الأمير عبد القادر الجزائرى بمقتضى معاهدة سنة (1837 م)، إلا أنهم عادوا فاستولوا عليها سنة (1842 م)، حتى أصبحت بلدة لها استقلالها الذاتى سنة (1854 م). وتشتهر مدينة تلمسان بالزراعة والرعى، وهى تنتج الحبوب والفلين، وتوجد بها بعض الآثار الإسلامية، مثل: مسجد تلمسان، الذى بناه يوسف بن تاشفين، وبها بعض المزارات، مثل: مزار أبى مدين الزاهد. وينتسب إليها عدد من العلماء، منهم: المقرى التلمسانى صاحب كتاب نفح الطيب، وأبومدين التلمسانى أحد كبار الصوفية، والشاعر الشهير العفيف التلمسانى.

*بئر سبع

*بئر سبع مدينة فلسطينية. تقع شمالى صحراء النقب، فى منتصف المسافة بين البحر الميت شرقًا، والبحر المتوسط غربًا. ومناخها شبه صحراوى بصفة عامة. وتشتهر المدينة بالزراعة والرعى والتجارة، كما توجد بها بعض الصناعات، وتعتمد الزراعة فيها على المياه الجوفية، وتوجد بها جامعة النقب التى أنشئت عام (1970 م). ونظرًا إلى أهمية موقعها؛ صارت مركزًا للاستيطان البشرى؛ لقربها من حافة الصحراء، وقد كان لمرور القوافل التجارية قديمًا بها أثره فى ازدهار المدينة، وثراء أهلها. كما أن لها أهمية استراتيجية كبيرة، وبخاصة من الناحية العسكرية والحروب، ولا سيما فى الصراع العربى - الإسرائيلى؛ فقد كانت قاعدة للهجوم الإسرائيلى على قطاع غزَّة وسيناء وقناة السويس؛ لذلك اهتمت إسرائيل بربطها بجميع أنحاء فلسطين بشبكة من طرق المواصلات الجيدة، منذ احتلالها عام (1948م). وقد خضعت بئر سبع، على مدار التاريخ للأمم التى استولت على فلسطين، مثل: الآشوريين والبابليين والفرس واليونانيين والمصريين، حتى فتحها المسلمون مع بلاد الشام فى صدر الإسلام، واستمرت تحت لواء الإسلام حتى احتلها الصليبيون، فتعرضت للضعف بعد أن حولت طرق التجارة عنها. وفى العهد العثمانى اهتم العثمانيون بتعمير المدينة. وكانت قاعدة للجيوش العثمانية فى أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم احتلها البريطانيون سنة (1917 م)، حتى احتلها الإسرائيليون سنة (1948 م)، فعملوا على إجلاء السكان العرب عنها، ونشطوا فى تهجيرهم منها.

*تطوان

*تطوان مدينة مغربية تقع بالقرب من بوغاز جبل طارق، وتبعد عن طنجة بنحو (60 كم) من جهة الجنوب الشرقى، ويطلق عليها أيضًا تطاون وتيطاوين. قيل: إن الذى بناها هو السلطان أبو ثابت المرينى، أحد سلاطين دولة بنى مرين بالمغرب، وقيل: إنها مدينة قديمة حكمها الرومان، ثم تتابع عليها القوط، ثم العرب، وازدهرت إبان حكم بنى مرين، وحينما شهدت فترة من الضعف بعد ذلك اتخذها قراصنة البحر ملجأ لهم. وبلغت تطوان أوج مجدها وقمة ازدهارها فى القرن التاسع الهجرى، عندما استوطنها المهاجرون الأندلسيون، بعد سقوط غرناطة، بزعامة القائد أبى الحسن المنذرى، الذى قام بتحصينها، وجعلها قاعدة للغزو البحرى للبرتغال، وأسر منهم عددًا كبيرًا، استخدمهم فى تعمير المدينة وبناء الأسوار والقلاع. وفى سنة (1860 م) استولى عليها (الإسبان)، ثم خرجوا منها، ولكنهم عادوا فاستولوا عليها مرة أخرى سنة (1912 م)، وجعلوها عاصمة للمنطقة الشمالية من المغرب التى احتلوها، ثم عادت إلى المغرب بعد استقلالها سنة (1956 م). وترجع شهرة تطوان إلى كونها مدينة تجارية، إلى جانب جمالها الرائع؛ حيث تحيط بها مجموعة من الحدائق والبساتين التى أنشأها الأندلسيون، كما يوجد بها العديد من الآثار التاريخية، مثل: الأسوار القديمة، والأبراج، والمساجد، والأضرحة. وتوجد بها بعض الكليات والمتاحف الفنية، ومتحف للآثار التاريخية، وكان لشهرتها ورواجها التجارى والسياحى أثر كبير فى هجرة أعداد كبيرة إليها من سكان الريف (من أهل الشمال) ومن سكان بعض المدن، مثل: فاس ومراكش وسوسة فى الجنوب.

*حماة

*حماة مدينة فى شمال سوريا. تقع على ضفتى نهر العاصى، وتبعد شمالا عن دمشق بنحو (210 كم)، وعن حمص بنحو (40 كم)، وتبعد جنوبًا عن حلب بنحو (165 كم)، وترتفع عن سطح البحر بنحو (308) أمتارٍ. وخضعت حماة لحكم العمالقة ثم الأموريين، والسومريين، والأكاديين والحيثيين، واجتاحها الهكسوس، ثم الآراميون، وغزاها الآشوريون، ودمروها، ثم الفراعنة، ثم حكمها الفرس، ودخلت تحت نفوذ الإسكندر الأكبر، واستمرت مع خلفائه الهلنستيين فترة، وحكمها الرومان حتى أشرق عليها نور الإسلام سنة (17هـ)، على يد الصحابى أبى عبيدة بن الجراح، وظلت تحت الحكم الإسلامى طوال القرون التالية. وعندما اجتاحت الحملات الصليبية مختلف مدن سوريا وفلسطين، وقفت حماة سدًّا منيعًا ضدَّ الغزاة؛ فلم يدخلوها، واستحوذ عليها صلاح الدين الأيوبى، ثم خضعت لسلطان المماليك حتى سقطت فى يد التتار، ثم دخلت فى حكم العثمانيين، واحتلها الفرنسيون سنة (1920 م)، ثم أجلوا عنها سنة (1946 م). وقد اشتهرت حماة بالنواعير (السواقى)، وبها عدة أماكن أثرية، منها: الجامع الكبير، والجامع النورى، كما اشتهرت بقصورها التى أطنب فى وصفها المؤرخون، والتى بقى منها: قصر العظم، وقصر الطيارة الكيلانية، ومكتبة نورى باشا الكيلانى المؤرخ.

*بيروت

*بيروت عاصمة لبنان، وأشهر مدنها. تقع على ساحل البحر المتوسط، وهى من أهم مراكز الثقافة العربية فى الشرق، بما تملكه من مطابع ودور نشر، كما أنها تستقطب معظم الأنشطة الثقافية، والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى لبنان، ويوجد بها عدد كبير من الصناعات، أهمها: صناعة الكتاب ونشره، والصناعات الغذائية، والنسج، والصناعات المعدنية والكيماوية، ومواد البناء. وتضم بيروت عددًا من الآثار الإسلامية، مثل: الجامع العمرى، وجامع السراى، ومسجد الخضر، وضريح الإمام الأوزاعى. وتعد بيروت من المدن القديمة التى استوطنها الإنسان منذ العصور الحجرية القديمة، وقد استولى عليها الرومان، وخضعت للدولة البيزنطية، حتى فتحها المسلمون فى خلافة عمر بن الخطاب سنة (13 هـ)، وظلَّت تحت لواء الخلافة الإسلامية أيام الأمويين، فكانت فى عهدهم مركزًا لانطلاق الأساطيل الإسلامية فى البحر المتوسط، ثم أصبحت تحت لواء الخلافة العباسية، إلى أن اجتاحتها جيوش الصليبيين سنة (503 هـ)، وظلَّت كذلك (80) عامًا، حتى تمكن صلاح الدين من استردادها بعد معركة حطين سنة (583 هـ)، ثم دخلت تحت حكم المماليك، ثم ضُمَّت إلى الدولة العثمانية، وشهدت بيروت ازدهارًا اقتصاديًّا وحضاريًّا فى عهد العثمانيين. ثم أصبحت تحت حكم محمد على، حتى استردتها الدولة العثمانية. وبعد الحرب العالمية الأولى احتلتها فرنسا سنة (1918 م)، إلى أن استقلت بيروت سنة (1943م)، وقسمت إلى بيروت الشرقية وبيروت الغربية، ثم شبت الحرب الأهلية (الطائفية) بين أهلها سنة (1975 م)، فشهدت بيروت من الدمار والخراب ما لم تشهده من قبل، حتى هدأت الحرب الأهلية، فبدأت بيروت تستعيد مكانتها من جديد.

*تبريز

*تبريز إحدى مدن جمهورية إيران الإسلامية. تقع فى الشمال الغربى من طهران، وهى أشهر مدن محافظة تبريز، عاصمة إقليم أذربيجان الشرقية. وتنقسم محافظة تبريز إلى ستة قطاعات، هى: بستان آباد، واسكو، وهجوارقان، وشبستر، وهريس، بالإضافة إلى تبريز. ويرجع أصل تسمية تبريز إلى كلمتين فارسيتين، هما: تب، بمعنى: الحمم، وريز بمعنى: القاذفة؛ فهى تعنى: قاذفة الحمم؛ وذلك لكثرة ما يحدث بها من زلازل وبراكين. وسكانها مسلمون، معظمهم من الشيعة. وقد فتحها المسلمون سنة (22هـ)، ثم غزاها المغول سنة (628 هـ)، وشهدت ازدهارًا أثناء حكم الإيلخانيين، سلاطين المغول الذين حكموا إيران، ثم وقعت تبريز تحت سيطرة الأسرة الجلائرية سنة (759 هـ)، ثم سيطر عليها التيموريون، ثم حكمتها أسرة تركمانية، واتخذتها عاصمة لدولتها، ثم دخلها الشاه إسماعيل الصفوى، وعمل على نشر المذهب الشيعى فيها بالقوَّة، حتى سيطرت الدولة القاجرية على أذربيجان وعاصمتها تبريز. ولما توترت العلاقات بين إيران وروسيا تأثرت تبريز بذلك، ودخلت تحت سيطرة روسيا، حتى انسحبت روسيا من شمال إيران بعد انتهاء الحرب؛ فعادت تبريز إلى إيران سنة (1946 م). وتتمتع تبريز بمناخ معتدل صيفًا، إلا أنه شديد البرودة شتاءً؛ إذ تقل درجة الحرارة عن الصفر. وتشتهر تبريز بالزراعة، وتنتج كميَّات وفيرة من الفاكهة والخضراوات والحبوب، وتنتشر فيها المراعى الكثيرة، كما تتوافر فيها ثروة حيوانية كبيرة من الأغنام والماشية. وهى غنية بالثروات المعدنية من الفحم الحجرى والزرنيخ والأملاح المعدنية، وبها عدد من الصناعات، أهمها: صناعة الجلود والسجاد والنسج. وتعد تبريز - حاليًّا - مركزًا للتبادل التجارى العالمى، وحلقة اتصال مهمة بين إيران وتركيا وروسيا ودول أوربا.

*تشاد

*تشاد دولة إسلامية إفريقية. تحدها من الشمال ليبيا، ومن الجنوب إفريقيا الوسطى، ومن الشرق السودان، ومن الغرب النيجر ونيجيريا والكاميرون. وتبلغ مساحتها (1.284.000 كم2). ويعتمد اقتصادها على الزراعة، ومن أهم المحاصيل الزراعية بها: الذرة، والفول السودانى، والأرز، والقمح، وقصب السكر، والقطن، والصمغ العربى، كما يعتمد الأهالى فيها على صيد الأسماك من بحيرة تشاد. ولا تكاد توجد بها ثروات معدنية، وهى تنتج أملاح النطرون فقط، وبها بترول يستخرج من شمال بحيرة تشاد، وبها بعض الصناعات البسيطة، مثل: حلج القطن، وتكرير السكر، وتصنيع الأسماك، وحفظ اللحوم. ويبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، تبلغ نسبة المسلمين منهم (85%)، والنصارى (7%)، فى حين تمثل نسبة الوثنيين (8%). واللغة الرسمية للبلاد هى اللغة التشادية والفرنسية، وتنتشر اللغة العربية بين قبائل الشمال. ومن أهم المدن بها: إنجامينا العاصمة، وسارا، وموندو، ويونجور. وقد دخلها الإسلام فى القرن الخامس الهجرى، وقامت على أرضها عدة ممالك إسلامية، مثل: الكانم والبرنو، ووادَّاى، وباقيرمى. وبعد ضعف هذه الممالك بسطت فرنسا نفوذها على تلك المناطق منذ بداية القرن العشرين، وضمتها إلى مجموعة دول إفريقيا الاستوائية الفرنسية، وحكمها عدد من القادة العسكريين الفرنسيين، حتى حصلت على استقلالها سنة (1959 م)، ثم قامت بها عدة اضطرابات داخلية بين قبائل الشمال والجنوب؛ بسبب الاختلافات العرقية والدينية. وكانت قبائل الشمال، من الفولانى والهوسا والتيبو، تتكلم اللغة العربية، وتدين بالإسلام، ولم تتأثر بعمليات التنصير النشطة المستمرة، ولم تفقد هويتها الثقافية الإسلامية فى تيار الغزو الثقافى الفرنسى، أما قبائل الجنوب (البانتو) فيتكلمون اللغة الفرنسية، وأغلبهم وثنيون، وقد تأثروا كثيرًا بثقافة الفرنسيين، وخضعوا لعمليات تنصير واسعة. ونتيجة للاضطرابات

شهدت البلاد العديد من الانقلابات العسكرية، كان آخرها الانقلاب الذى قام به إدريس ديبى، وانتخب على إثره رئيسًا للبلاد، وسمح بتعدد الأحزاب. ونظام الحكم فى تشاد جمهورى رئاسى. وهى عضو فى منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدةالإفريقية ومنظمة شرق ووسط إفريقيا (أورياك).

*تركستان

*تركستان كلمة فارسية تتكون من مقطعين: ترك وستان، وتعنى: بلاد الترك. وكانت تطلق على المنطقة الواقعة بين بحر الخزر (قزوين)، ونهر الأورال غربًا، وحتى حدود التبت ومنغوليا والصين شرقًا، وسيبريا شمالا، وأفغانستان جنوبًا. وتنقسم تركستان إلى قسمين، هما: تركستان الغربية: وتشغل الثلث الشمالى من قارة آسيا. وتحدّها من الغرب جبال الأورال وبحر قزوين، ومن الجنوب هضبة إيران، ومن الشرق جبال تيان شان، ومن الشمال بعض السلاسل الجبلية قليلة الارتفاع. وتبلغ مساحتها (4.106.000 كم2)، وتتنوع خصائصها الطبيعية؛ فتحوى العديد من السهول والمرتفعات والأنهار، ومن أشهر سهولها: مرتفعات تشونسكى وتيان شان، وأهم أنهارها: نهر جيحون (أموداريا)، ونهر سيحون (سيرداريا)، وأهم مدنها طشقند، وسمرقند، وبخارى، وعشق آباد، وغيرها. ويعيش فيها خليط من الأجناس البشرية، أهمها: الكاجيك والتركمان والقازان والقيرغيز والأوزبك، وهم يدينون بالإسلام، ويتكلمون اللغة التركية باستثناء الطاجيك فيتكلمون اللغة الفارسية. وقد دخل الإسلام هذه المنطقة فى القرن الأول الهجرى، وتتابعت عليها الدول الإسلامية، مثل: السامانية والخاقانية والغزنوية والسلجوقية والخوارزمية، ثم استولى عليها المغول، ثم التيموريون، ثم انقسمت إلى عدة خانيات. وفى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى تمكن الروس القياصرة من الاستيلاء على تلك المنطقة، وخلفهم فيها الشيوعيون فقسموها إلى خمس جمهوريات، هى: أوزبكستان وطاجيكستان وفيرغيزستان وتركمانستان وقازاقستان، وأطلق عليها اسم جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية. تركستان الشرقية: وتعرف الآن باسم مقاطعة سيكيانج أو المستعمرة الجديدة، وتوجد بالصين. وتحدها من الجنوب باكستان وكشمير والتبت، ومن الغرب أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشرق والجنوب الشرقى الصين ومنغوليا، ومن الشمال سيبريا، ومن أهم مدنها: بخارى

الصغرى، وكاشغر. ويدين معظم أهلها بالإسلام. ويرتبط تاريخها بتاريخ تركستان الغربية، حتى تم الانفصال بينهما سنة (1760م)، بعد احتلال الصين لها، فقد كانت تلك المنطقة موضع نزاع دائم بين روسيا والصين، وتحول اسمها من تركستان الشرقية إلى مقاطعة سيكيانج سنة (1950م). وتبلغ مساحتها (1.710.745 كم2)؛ ويقدر عدد سكانها بنحو (8.5) مليون نسمة، يدين نحو (95%) منهم بالإسلام. وتمتلك تركستان الشرقية أغنى أنواع اليورانيوم وأجودها فى العالم، ولديها احتياطى ضخم من البترول، إلى جانب العديد من المناجم والثروات المعدنية التى تعتمد عليها الصين اعتمادًا كبيرًا.

*بيت المقدس

*بيت المقدس مدينة عربية قديمة. أسسها اليبوسيون الكنعانيون منذ حوالى خمسة آلاف عام، وسموها أورشليم نسبة إلى شالم، وهو معبود كنعانى معناه السلام، جاءت تسميتها فى العهد القديم باسم أورشليم، وهى ليست كلمة عبرية وإنما هى كنعانية الأصل قبل أن تظهر العبرية، كما أُطلقَ عليها يبوس نسبة إلى اليوبسيين، من بطون العرب الأوائل فى الجزيرة العربية، وهم سكان القدس الأصليون وقد نزحوا مع القبائل الكنعانية نحو سنة (2500ق. م). وترتفع القدس عن سطح البحر المتوسط بنحو (750) مترًا، وعن سطح البحر الميت بنحو (1150) مترًا، وهى ذات موقع جغرافى مهم، على هضبة القدس والخليل، وفوق القمم الجبلية. وللقدس مكانة عظيمة فى نفوس المسلمين، فهى أولى القبلتين، ومسرى النبى e، مما يجعلها ميراثًا إسلاميّا يجب حمايته والمحافظة عليه. لم يدخل اليهود القدس إلا فى عهد نبى الله داود، عليه السلام، الذى جعلها عاصمة له، حتى فتحها نبوخذ نصر (بختنصر) سنة (586ق. م)، ودمرها، وأجلى اليهود إلى بابل، ثم فتحها الإسكندر المقدونى سنة (332ق. م)، وتتابع عليها البطالمة والسلوقيون. وفى عهد الملك السلوقى أنطيوخوس الرابع أرغم اليهود على اعتناق الوثنية اليونانية، حتى نجح اليهود فى الاستقلال بأورشليم تحت حكم الحاسمونيين سنة (135 ق. م)، ثم استولى الرومان على سوريا وفلسطين. وعندما ثار اليهود من جديد سنة (132 ق. م) استطاع الإمبراطور هادريانوس إخماد ثورتهم، وخرّب أورشليم، وبنى مكانها مستعمرة رومانية، حرّم على اليهود دخولها، وأطلق عليها اسم إيليا كابيتولينا. ولما اعتنق قسطنطين المسيحية، أعاد إلى المدينة اسم أورشليم، وقامت والدته هيلانة ببناء بعض الكنائس فيها، ومنها كنيسة القيامة. وعندما فتحها المسلمون، دخلها الخليفة عمر بن الخطاب أمّن أهلها على أرواحهم واموالهم وعقيدتهم وكنائسهم، ورفض أن يُصلى فى كنيسة القيامة،

حتى لايتخذها من يأتى بعده سُنّةً. وفى عهد الأمويين بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة المشرّفة سنة (72هـ)، ثم أقام الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى سنة (90هـ)، وواصل التعمير والتجديد فيها العباسيون، والطولونيون والإخشيديون، ثم الفاطميون، والسلاجقة، حتى احتلها الصليبيون سنة (492هـ)، فقتلوا نحو سبعين ألفًا من المسلمين فى مذبحة بشعة، وأشاعوا الفساد فى القدس ونهبوا كنوزها، ووضعوا الصليب على قبة الصخرة، حتى عادت على يد القائد صلاح الدين الأيوبى سنة (583 هـ). وأصبحت القدس فى زمن المماليك مركزًا من أهم المراكز العلمية فى العالم الإسلامى، ثم تعاقب فيها العثمانيون حتى تآمرت عليها قوى الغرب الاستعمارية، وسعت إلى تقسيمها عن طريق وعد بلفور، الذى مهد لسيطرة اليهود على فلسطين كلها، فتدفقت أعداد كبيرة من شتى أنحاء العالم، إلى فلسطين عامة، والقدس خاصة حتى ضاقت بهم المدينة، فتوسعوا خارجها، فيما يسمى بالقدس الجديدة (الغربية). ومازالت اليهود تصرّ على ضمّ المدينتين، واتخاذ القدس الموحدة عاصمة لها وصبغها بالصبغة اليهودية، وقد تعرضت مبانى المدينة للتدمير والتخريب. ويتعرض المسلمون لأشد حملات العنف والاضطهاد. وكانت جريمتا حرق المسجد الاقصى وإطلاق النار على المصلين فيما عُرِف بمذبحة الحرم الإبراهيمى من أبشع الجرائم التى ارتكبت فى حق الإنسانية على مرّ التاريخ. ولم تقف ممارسات اليهود عند حدّ المذابح والإبادات الجماعية للمسلمين، فقد تعرض القرآن الكريم والنبى e لإساءات بالغة من المستعمرين اليهود فى القدس!

*طرابلس

*طرابلس ميناء شمالى لبنان على البحر المتوسط، بينها وبين بيروت (87) كم، كانت عاصمة اتحاد مدن صيدا وصور وأرواد فسماها الإغريق طرابلس، أى ذات المدن الثلاث، وبعد السيادة الفينيقية عليها، وقعت فى أيدى السلوقيين فالرومان ثم البيزنطيين حتى فتحها المسلمون نحو سنة (14هـ)، وبعد فتح دمشق فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وحصَّنوها. وبعد سنة (365هـ)، تتابعت عليها الحملات الصليبية، فقام فيها خلال تلك الفترة إمارة شبه مستقلة على يد القاضى الشيعى الحسن بن عمار المتوفَّى سنة (464هـ) وخلفه ابن أخيه على بن محمد بن عمار الذى خلفه أخوه عمار بن محمد سنة (492هـ)، ولم تسقط طرابلس فى أيدى الصليبيين رغم سقوط بيت المقدس حتى سنة (502هـ)، وظلت معهم حتى نفر إليها السلطان قلاوون فهرعت للدفاع عنها الإمارات الصليبية، وأساطيل قبرص والجمهوريات الإيطالية، ولكن حاميتها استسلمت لجيش قلاوون، فحكمها المماليك ثم العثمانيون حتى استولى عليها البريطانيون عام (1918م)، وفى سنة (1920م) أعلن الجنرال غورو الفرنسى قيام دولة لبنان الكبير التى ضمَّت مقاطعات منها طرابلس. وينتهى بطرابلس خط أنابيب بترول العراق وبها مصفاة للبترول العراقى، كما تقع طرابلس على الخط الحديدى القادم من بيروت ويتصل عند حمص بخط سكة حديد الشرق إلى حلب فالأناضول، ومن مشاهدها اليوم: الجامع الكبير، وقلعة ريمون سان جل الصليبية، وبعض الحمامات التركية، فضلاً عن أطلال القلعة البحرية بأبراجها الستة.

*كردستان

*كردستان تقع منطقة كردستان فى الجزء الغربى من قارة آسيا، ويحدها الاتحاد السوفييتى (سابقًا) من الشمال وتركيا من الغرب، وسوريا والعراق من الجنوب، وإيران من الشرق، وتقدر مساحتها بنحو (409.650) كم2، وترتفع منطقة كردستان عن سطح البحر مابين (1000 - 1500) متر، لذلك تتصف كردستان بأنها بلاد الجبال العالية والهضاب المرتفعة، فجبال آرارات ترتفع بعض قممها إلى (5168) مترًا وتمتد السهول الخصبة فى منطقة كردستان وهى بلاد غنية بمصادر المياه المختلفة من أنهار وأمطار ومياه جوفية. لذلك فالمنطقة تتمتع باقتصاد قوى من الناحية الزراعية والسياحية إذا أمكن إنهاء مشكلاتها السياسية التى تنبع من أن المنطقة مقسَّمة بين ثلاث دول هى تركيا والعراق وإيران، وتسمى كردستان فى تركيا كردستان الشمالية ، وفى العراق كردستان الجنوبية وفى إيران كردستان الشرقية، وكردستان تعنى أصلاً (بلاد الأكراد)، وأول من أطلق لفظة كردستان هو سنجر آخر ملوك السلاجقة فى القرن الثانى عشر الميلادى، وأول من أرَّخ هذه الكلمة هو القزوينى فى كتابه نزهة القلوب سنة (720هـ). وأغلب سكان منطقة كردستان من الأكراد، بالإضافة إلى العرب والتركمان والأتراك والأرمن والآشوريين، ويتكلَّم سكان كردستان اللغة الكردية بلهجاتها المختلفة، وتكتب الكردية بالحرف العربى رغم محاولات البعض كتابتها باللاتينى. ويوجد بعض الأحزاب السياسية الكردية فى المنطقة مثل: حزب العمال الكردستانى ( PKK)، وحزب شورش والحزب الديمقراطى الكردستانى والحزب الشيوعى الكردى. وأهم المدن فى المنطقة: السليمانية وأربيل وديار بكر وكرمنشاه ومها باد. وللأكراد بعض الجامعات مثل الجامعة الموجودة فى جنوب كردستان، وقد نبغ منهم عدد من الشعراء والأدباء والقادة، من أشهرهم القائد صلاح الدين الأيوبى.

*كرجستان

*كرجستان تقع منطقة كردستان فى الجزء الغربى من قارة آسيا، ويحدها الاتحاد السوفييتى (سابقًا) من الشمال وتركيا من الغرب، وسوريا والعراق من الجنوب، وإيران من الشرق، وتقدر مساحتها بنحو (409.650) كم2، وترتفع منطقة كردستان عن سطح البحر مابين (1000 - 1500) متر، لذلك تتصف كردستان بأنها بلاد الجبال العالية والهضاب المرتفعة، فجبال آرارات ترتفع بعض قممها إلى (5168) مترًا وتمتد السهول الخصبة فى منطقة كردستان وهى بلاد غنية بمصادر المياه المختلفة من أنهار وأمطار ومياه جوفية. لذلك فالمنطقة تتمتع باقتصاد قوى من الناحية الزراعية والسياحية إذا أمكن إنهاء مشكلاتها السياسية التى تنبع من أن المنطقة مقسَّمة بين ثلاث دول هى تركيا والعراق وإيران، وتسمى كردستان فى تركيا كردستان الشمالية ، وفى العراق كردستان الجنوبية وفى إيران كردستان الشرقية، وكردستان تعنى أصلاً (بلاد الأكراد)، وأول من أطلق لفظة كردستان هو سنجر آخر ملوك السلاجقة فى القرن الثانى عشر الميلادى، وأول من أرَّخ هذه الكلمة هو القزوينى فى كتابه نزهة القلوب سنة (720هـ). وأغلب سكان منطقة كردستان من الأكراد، بالإضافة إلى العرب والتركمان والأتراك والأرمن والآشوريين، ويتكلَّم سكان كردستان اللغة الكردية بلهجاتها المختلفة، وتكتب الكردية بالحرف العربى رغم محاولات البعض كتابتها باللاتينى. ويوجد بعض الأحزاب السياسية الكردية فى المنطقة مثل: حزب العمال الكردستانى ( PKK)، وحزب شورش والحزب الديمقراطى الكردستانى والحزب الشيوعى الكردى. وأهم المدن فى المنطقة: السليمانية وأربيل وديار بكر وكرمنشاه ومها باد. وللأكراد بعض الجامعات مثل الجامعة الموجودة فى جنوب كردستان، وقد نبغ منهم عدد من الشعراء والأدباء والقادة، من أشهرهم القائد صلاح الدين الأيوبى.

*المورة

*المورة هو إقليم كان مجزَّءًا بين البنادقة وعدة إمارات صغيرة يحكمها بعض أعيان الإفرنج الذين تخلَّفوا بعد انتهاء الحروب الصليبية. وفى سنة (1460م) قام بفتحها السلطان العثمانى محمد الفاتح، وفى سنة (1463م) أرسلت البندقية حملة بحرية أنزلت ما بها من الجيوش إلى بلاد المورة فثار سكانها وقاتلوا الجنود العثمانيين، وأقاموا ما كان تهدم من سور برزخ كورنته لمنع وصول المدد من الدولة العثمانية، لكن لمَّا علموا بقدوم السلطان مع جيش يبلغ عدده ثمانين ألف مقاتل تركوا البرزخ راجعين على أعقابهم؛ فدخل العثمانيون بلاد المورة دون مقاومة كبيرة، وأرجعوا السكينة إلى البلاد، وفى السنة التالية أعاد البنادقة الكرَّة على بلاد المورة، ولكن دون جدوى. وفى سنة (1538م) تم الاتفاق على وضع صلح بين البندقية والدولة العثمانية، تنازلت فيه البندقية عن ملفوازى ونابولى ودى رومانيا من بلاد المورة. وفى سنة (1686م) خضعت بلاد المورة للبنادقة من جديد، وعندما تولى السلطان سليمان خان الثانى أباح للمسيحيين بناء ما تهدم من كنائسهم فى الآستانة، وعاقب بأشد أنواع العقاب كل من تعرض لهم فى إقامة شعائر دينهم، حتىاستمال جميع مسيحى الدولة، وكانت نتيجة معاملة المسيحيين بالقسط أن ثار أهالى المورة على البنادقة، فطردوهم من ديارهم لتعرضهم لهم فى إقامة شعائر مذهبهم الأرثوذكسى وإجبارهم على اعتناق المذهب الكاثوليكى، ودخلوا فى حمى الدولة العثمانية طائعين مختارين؛ لعدم تعرضها لديانتهم مطلقًا. وبمقتضى معاهدة كارلوفتس تنازلت الدولة العثمانية عن بلاد المورة، وعندما تولى على باشا داماد منصب الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) أعلن الحرب على البندقية، وفى زمن قليل استرد بلاد المورة.

*فلسطين

*فلسطين دولة إسلامية عربية محتلة، عاصمتها القدس تقع على الساحل الشرقى للبحر المتوسط فى الغرب من قارة آسيا، يحدها من الشرق سوريا والأردن ومن الشمال لبنان وسوريا ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبلغ مساحة فلسطيين نحو (27009) كم2، سميت قديمّا أرض كنعان باعتبار أن الكنعانيين الساميين أول من سكنها؛ جاءوها من الجزيرة العربية، ثم دخلتها قبائل عبرانية واستقرت بها ثلاث جماعات هم الفلسطينيون والكنعانيون والعبرانيون، وكانت المعارك بينهم كثيرة. وغزاها الإسكندر عام (331ق. م) وفى أواخر القرن الأول قبل الميلاد وُلِد سيدنا عيسى بن مريم، عليهما السلام، فى بيت لحم، ونشأ فى الناصرة - وهما من مدن فلسطين -، وانتشرت تعاليمه ولقيت مقاومة عنيفة من اليهود والرومان، حتى تنصَّر قسطنطين فى مطلع القرن الرابع الميلادى. وقد تمرد اليهود وانتهى تمردهم بالقضاء عليهم ونكَّل بهم ومُنِعُوا من دخول القدس وبذلك انتهت صلتهم بفلسطين وازداد تشتتهم حتى القرن التاسع عشر الميلادى وفى سنة (636م) وعلى أثر معركة اليرموك دخل المسلمون فلسطين وظلت ولاية إسلامية خالصة حتى ما بعد الحرب العالمية الأولى حيث بسطت بريطانيا نفوذها عليها فأعطت اليهود وعدًا بإنشاء وطن قومى لهم فيها سنة (1917م) سمى وعد بلفور واستكملت مهمتها فأعدت وأنشأت الكيان الصهيونى، حتى أعلنوا لهم دولة سنة (1947م)، وقامت قبل الإعلان وبعده حركات وحدوية إسلامية ومسيحية ضد التهجير. وشُكِّلت لجان مقاومة بقيادة العلماء المسلمين، ونجحت مؤتمرات الدول العربية فى إقامة منظمة التحرير الفلسطينية سنة (1964م)، وكان الدور الفعَّال لحركات الجهاد الإسلامى والتى كان من أبرزها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتى عرفت أيضًا بانتفاضة أطفال الحجارة، وكان أخر فعاليات القضية الفلسطينية مؤتمر مدريد سنة (1992 م)، واتفاقية غزة - أريحا.

وأهم مايميز القضية الفلسطينية كونها قضية ذات سمة عقائدية عند اليهود من جهة والشعوب العربية والإسلامية من جهة أخرى. وأن مطامع اليهود لاتقف عند حد فلسطين وحدها، بل تمتد أطماعهم إلى دولة كبرى تمتد حدودها من النيل إلى الفرات.

*مصوع

*مصوع مدينة وميناء بإريتريا، على ساحل البحر الأحمر، وهى سوق للؤلؤ. وتمتد مصوع من رأس قصار إلى بالارثيا، وتمتد غربًا إلى سبدرات قرب كسلة. وهى جزيرة فى البحر طولها نحو ميل، وعرضها زهاء (400) ياردة، وبينها وبين البر جزيرة صغيرة تعرف بجزيرة طالوت، كان الناس يعبرون منها إلى البر بالزوارق إلى سنة (1290هـ)، فشيد لهم مونسنجر باشا جسرًا ضيقًا من خشب، أقامه على عمد من حجر جاعلاً طالوت وصلة فيه. وتوجد قرب مصوع جزائر دهلك التى يستخرج منها اللؤلؤ والصدف، وفيها آثار قديمة عليها كتابة، قيل إنها من عهد الفرس. وتجاه مصوع فى البر ثلاث قرى صغيرة، ويوجد جنوبها ميناء زولا المشهور قديمًا باسم أدولس، وفيه آثار من عهد البطالسة. كانت مصوع خاضعة لحكم مصر فى القرن التاسع عشر الميلادى، وكانت قاعدة للحلفاء فى الحرب العالمية الثانية.

*المقطم

*المقطم المقطم جبل يقع شرق القاهرة، وقد حدث هذا الجبل فى العصور الجيولوجية القديمة نتيجة التواء طبقات الأرض شرقى النيل، فى شبه قوس متوسط الارتفاع نحو (240) مترًا، ويصل ارتفاعه فى بعض أجزائه عند منطقة المعادى (375) مترًا، وتقارب قمته قلعة صلاح الدين الأيوبى، وينتهى طرف القوس شمالاً عند منطقة مصر الجديدة، وجنوبًا عند منطقة المعادى، وتوجد بعض الوديان فى جبل المقطم، مثل: وادى التيه ووادى دجلة ووادى أبو سالى، ويمتاز جبل المقطم بوجود ظواهر طبيعية متنوعة فى هضابه مثل: الطبقات الصخرية النارية فى محاجر أبو زعبل، وقد أفاض مؤرخو مصر فى العصور المختلفة فى مدح هذا الجبل، وذُكِرَت أساطير عنه، وكان هذا الجبل ملجأً للزهاد والمتصوفة، وتم بناء العديد من المساجد فى هذا الجبل، بالإضافة إلى قلعة الجبل الشهيرة وتوجد تحت سفح هذا الجبل مقابر القاهرة.

*القفجاق

*القفجاق القفجاق ويقال قبجاق هو وطن القبائل التركية من سنة (1103م) حتى سنة (1223م)، وكان وقتئذ حوض نهر أرتش فى سهل سيبيريا. وقد نزلوا إلى الجنوب الغربى بضغط من قبيلة كيمك التركية نحو سنة (1030م) ثم ساقوا قبائل أوغز التى كانت أمامهم ودخلوا أوربا وأخذوا مكان قبيلة الكومان التركية التى انصاعت لأمرهم، كما أطاعهم البجنك. وقد أبادهم باطوخان حفيد جنكيز خان مع تابعيهم الأمراء الروس فى سنة (1223م) فى حوض نهر حلقة وأصبحوا تابعين لخاقانية الطون أوردى واكتسبوا الدم المغولى، غير أنهم جعلوا المغول فى النهاية يتكلمون اللغة التركية، ومما يذكر أن العرب أطلقوا على أوكرانيا الحالية من عهد القبجاق سهل القبجاق. ومعظم سلاطين المماليك أتراك قبجاق، وقد صُنِّفَتْ لأجل ذلك - كتبًا عربية لتعليم اللهجة القبجاقية التركية مثل كتاب المشتاق فى لغة الترك والقبجاق.

*الفولجا (نهر)

*الفولجا (نهر) أطول أنهار أوربا، يقع فى روسيا الأوربية، ويبلغ طوله ( 3684) كم، وينبع الفولجا من تلال فالداى وينحنى شرقًا من جوركى إلى قازان ثم جنوبًا إلى كوبيشيف وستالينجراد، وأهم روافده كاما وأوكا. ويمثل نهر الفولجا نحو ثلث مساحة روسيا الأوربية، وتربطه قنوات ملاحية بأنهار روسيا الأخرى، وهو صالح للملاحة فى الفترة من أواخر إبريل إلى أواخر نوفمبر فى المنطقة حتى شتشرباكوف، ومن أوائل مارس حتى منتصف ديسمبر فى المنطقة حتى إستراخان. وتستخدم مياه نهر الفولجا فى رى مساحات واسعة من الأراضى الزراعية، وقد أقيمت فى مجارى نهر الفولجا العليا سدود كثيرة ومحطات للكهرباء.

*القرن الإفريقى

*القرن الإفريقى منطقة تقع فى شرق إفريقيا تضم ثلاث دول هى الصومال وأثيوبيا وجيبوتى، وتعتبر حلقة الاتصال بين أجزاء الوطن العربى فى إفريقيا وآسيا، ويتحكم هذا القرن فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر من خلال سيطرته على مضيق باب المندب. ويحد منطقة القرن الإفريقى من الشمال البحر الأحمر وخليج عدن ، ومن الشرق المحيط الهندى ومن الجنوب كينيا ومن الغرب والشمال الغربى السودان. وتبلغ مساحة القرن الإفريقى ( 1882557 كم2). وتتمتع هذه المنطقة بأهمية استراتيجية كبيرة؛ لتحكمها فى طريق التجارة الدولية بين المحيط الهندى والبحر الأحمر من ناحية والمحيط الأطلنطى والبحر المتوسط من ناحية أخرى؛ وقد ازدادت أهمية هذه المنطقة بعد اكتشاف البترول فى منطقة الخليج العربى. وكانت هذه المنطقة مَحَط أطماع الدول العظمى والاستعمارية فسيطر عليها العرب البرتغاليين والإسبان والعثمانيون والبريطانيون والإيطاليون وغيرهم، بالإضافة إلى التنافس بين الاتحاد السوفييتى - سابقًا - والولايات المتحدة لإثبات النفوذ وإقامة القواعد العسكرية، فنجد أن الولايات المتحدة حصلت على استخدام قاعدة كاغنيوم الأثيوبية منذ عام (1953م) ولمدة (25) سنة، وعمق السوفييت نفوذهم فى الصومال، كما أن اسرائيل لها نفوذ كبير فى هذه المنطقة الحيوية فى ظل علاقاتها مع أثيوبيا.

*فيينا

*فيينا عاصمة النمسا، تقع على نهر الدانوب. مساحتها (1214) كم2، وتعد مركزًا ثقافيًّا واجتماعيًّا كبيرًا، وتكثر بها الصناعات المختلفة، حاصرها السلطان العثمانى سليمان القانونى سنة ( 1529م) وهدم جزءًا من أسوارها ثم تراجع عنها لدخول الشتاء ونفاد الذخيرة، كما حاصرها العثمانيون مرة أخرى سنة (1683م). وبلغت فيينا ذروة مجدها كمركز للعلوم والفنون، فلمعت فيها أسماء مثل: موتسارت وهايدن وبيتهوفن وشوبرت وغيرهم، وأخذت أهميتها تتضاءل بعد الحرب العالمية الأولى، وأصابها تخريب ذريع فى الحرب العالمية الثانية عندما استولى عليها الجيش الروسى فى إبريل سنة (1945م)، كما احتلتها القوات الروسية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، وتم جلاء القوات الأجنبية، تنفيذًا لمعاهدة الصلح التى أبرمتها النمسا مع الحلفاء سنة (1955م).

*القطيف

*القطيف مدينة بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية بإقليم الأحساء. كانت فى القديم تسمى هجر. تقع على خليج تاروت بالخليج العربى من ورائها واحة زراعية واسعة، وعلى بعد (6 كم) من القطيف تقع جزيرة تاروت فى قلب خليج كيبوس وقد تأثر سكان القطيف بالمؤثرات الإيرانية والمؤثرات الأرمينية، ولهذا يندر أن نجد عناصر نقية لجنس البحر المتوسط، وينتشر بينهم المذهب الشيعى. وتسمى المنطقة الرئيسية فى القطيف باسم القلعة وهى على ساحل الخليج العربى، وكان يحيط بها سور قديم لم يبق منه سوى أجزاء متهدمة، وبالقلعة بعض الآثار التاريخية، من أهمها مسجد منذ القرن الثامن الهجرى، وقد نقل القرامطة الحجر الأسود إلى مكان يقع على بعد نحو (8 كم) من القطيف سنة (317هـ)، وبقى الحجر بها حتى أعاده القرامطة سرًا إلى مكة عام (339هـ).

*وادى النطرون

*وادى النطرون وادٍ يقع فى الصحراء الغربية بمصر، قريبًا من حدود الدلتا، فى منتصف الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية. كان قدماء المصريين منذ فجر تاريخهم يحصلون من بحيراته على ملح النطرون، وتوجد به أطلال حصن داخله معبد، بناه أمنمحات الأول الذى ينتمى إلى الأسرة الثانية عشرة. اشتهر هذا الوادى فىالعصر القبطى بأديرته الكبيرة التى تخرَّب معظمها الآن، ولم يبقَ منها إلا أربعة ماتزال آهلة برهبانها، وهى: أنبا بشوى، والسوريان والبراموس وأبو مقار.

*طوروس

*طوروس سلسلة من الجبال فى تركيا تمثل الحد الجنوبى للأناضول، وتمتد موازية ساحل البحر المتوسط. وتنقسم جبال طوروس إلى مجموعتين تعرفان باسم بلغار داغ وألاداغ. ويوجد فى جبال طوروس ثلاث قمم ترتفع إلى أكثر من (11) ألف قدم، وتخترقها عدة مجارٍ مائية منها الفرات الأعلى مكوِّنة ممرات جبلية تصل سوريا بالأناضول، وكان لهذه الممرات دور فى غزو جيش محمد على لآسيا الصغرى التركية سنة (1832م)، ومن ثم تمثل هذه الجبال أهمية لكل من تركيا والعالم العربى. وتحتوى جبال طوروس على كثير من المعادن أهمها: النحاس والفضة.

*اليرموك (نهر)

*اليرموك (نهر) نهر من فروع نهر الأردن طوله نحو (90 كم)، يجرى فى بدايته قرب حدود سوريا وفلسطين ثم ينحدر جنوبًا إلى فلسطين ويصب فى جنوب بحيرة الحولة. وقد انتصر عنده المسلمون بقيادة خالد بن الوليد على البيزنطيين بقيادة ملكهم سنة (13هـ) والتى كانت بمثابة فتح للأردن.

*الهملايا (جبال)

*الهملايا (جبال) الهملايا كلمة تعنى فى اللغة السنسكريتية موطن الجليد، وهى سلسلة جبال آسيوية تمتد نحو (2414) كم فى باكستان وكشمير والهند وإقليم التبت والصين، ونيبال وسكيم وبوتان، وتتكون من عدة سلاسل تمتد متوازية، وإحدى هذه السلاسل مكوَّنة من صخور بلورية قديمة؛ ولهذا قاومت عوامل التعرية واحتفظت بارتفاعها الشاهق المتمثل فى قمة إفرست التى يزيد ارتفاعها على (8800 م) وقمة تشنجنجا وارتفاعها (7450م). وتنتهى سلاسل الهملايا فى شمال شرق الهند نحو الجنوب بسبب اعتراض هضبة يونان القديمة لها، وتكون مجموعة من السلاسل الجبلية، تلك السلاسل التى تمتد متجاورة فى امتدادات طولية من الشمال إلى الجنوب، وتحصر بينها وديانًا أخدودية وعرة تجرى فيها المجارى العليا للأنهار الرئيسية فى الهند والصين، كأنهار: إيراوادى وسالوين وميكونج ويانج تسى، وتعرف السلسلة الرئيسية فى غرب بورما باسم أركان يوما، هذه السلسلة تمتد غرب دلتا نهر إيراوادى ثم تهبط فى خليج بنغال وتظهر قممها فى سلاسل جزر أندمان ونيكوبار ثم فى جزيرة سومطرة وجاوة ومجموعة جزر إندونيسيا الممتدة على طولها.

*اللوار

*اللوار اسم لنهرين فى فرنسا: الأول لوار الشمالى ويقع وسط فرنسا وطوله (310 كم) ويجرى نحو الجنوب الغربى لبصب فى نهر سارت. والثانى: وهو أطول أنهار فرنسا طوله نحو ألف كيلو متر ويجرى نحو الشمال الغربى حتى أورليان ثم ينحرف إلى الجنوب الغربى ليصب فى المحيط الأطلنطى عند سان نازير لمسافة (1012 كم). وكان نهر اللوار قديمًا ممرًّا رئيسيًّا للمواصلات يبدأ من قلب فرنسا إلى المحيط الأطلنطى، إلا أن ظهور السكك الحديدية أدى إلى حرمان النهر من هذه الميزة. ويوجد فى وادى اللوار كثير من القصور والقلاع التى ترتبط بتاريخ فرنسا وبالحضارة الفرنسية.

*نجران

*نجران واد كبير على حدود اليمن والمملكة العربية السعودية وهو مقسم بين البلدين، نصفه الشمالى تابع للسعودية ونصفه الجنوبى لليمن، وقعت فيه أحداث قصة أصحاب الأخدود فى نحو سنة (533م) والتى أشار إليها القرآن الكريم فى سورة البروج، وتم فتح نجران على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى سنة عشر صلحًا على الفَئ على أن يقاسموا العُشر ونصف العُشر، وتسكن نجران قبائل بدوية، وفيه بقايا المدن والمعابد القديمة والسدود، ويوجد على صخور بعض وديانه كثير من النقوش، أكثرها كتابات يرجع تاريخها إلى حضارتى سبأ ومعين.

*البلقاء

*البلقاء بلدة من قرى دمشق ببلاد الشام، بها قرى كثيرة، ومزارع واسعة، قيل: إن بها قرية الجبارين التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: (إن فيها قومًا جبارين ([المائدة: من 22 ]، وبها الكهف والرقيم، ومن أشهر علمائها: حفص بن عمر بن حفص بن أبى السائب، وموسى بن محمد الأنصارى المقدسس، وموسى بن محمد بن عطاء بن أيوب.

*أطلس (جبال)

*أطلس (جبال) أطلس جبال تقع فى شمال القارة الإفريقية، يمتد من غرب إفريقيا نحو (2500 كم) من المملكة المغربية ويمر بالجزائر حتى شمال شرقى تونس ويتكون من سلسلتين كبيرتين هما: سلسلة أطلس الشمالية فى المغرب، وتمتد من الغرب إلى الشرق، وتسمى فى المغرب أطلس الريف وتتميز بعدم ارتفاعها الشديد الذى لايتعدى (2480 م) كما تتميز بشدة الوعورة وصعوبة الاجتياز. وتنقسم إلى فرعين هما أطلس الريف، وأطلس الوسطى، وسلسلة أطلس الجنوبية تُعرف فى الجزائر بأطلس الصحراء أو التل، وتعُرف فى المغرب بأطلس العليا أو الكبرى، ويوازيها سلسلة جبال أطلس الخلفية التى تكوِّن هى وجبال أطلس الكبرى سدًا منيعًا بين مراكش والصحراء الكبرى، ويبلغ أعلى ارتفاع فى أطلس الكبرى (4165 م)، وتعلوها الثلوج دائمًا، ويسودها مناخ البحر الأبيض المتوسط. وبصفة عامة تعد جبال أطلس امتدادًا لجبال الألب الأوربية، وأول من أطلق عليها اسم أطلس هم اليونان.

*طلبيرة

*طَلَبيرة مدينة إسبانية تُعرف اليوم بالاسم الإسبانى تالافيرا. وتقع طلبيرة على نهر تاجة وعلى مسافة (70) كم إلى الغرب من طليطلة كما تبعد (175 كم) فى الجنوب الغربى من مدريد. فتح المسلمون مدينة طلبيرة على يد طارق بن زياد سنة (92هـ)، وبعد سقوط الخلافة الأموية أصبحت طلبيرة من نواحى طليطلة. وقد استولى الإسبان على مدينة طلبيرة سنة (475هـ). وينسب إلى مدينة طلبيرة جماعة من أهل العلم، منهم: المحدِّث أبو الحسن عبد الرحمن بن سعيد الشماخ، والأديب أبو القاسم سعيد.

*طولون

*طولون ميناء جنوب شرق فرنسا على البحر المتوسط استولى عليه الإنجليز من الفرنسيين (الملكيين) سنة (1793م)، وقد استرعى نابليون الأول الأنظار إلى ميناء طولون بسبب الدور المتميز الذى لعبه فى طرد الإنجليز من طولون، وكان ذلك سبب شهرته. وأُغرق فيها الأسطول الفرنسى سنة (1942م) حتى لايقع فى يد الألمان وخُرِّبت طولون سنة (1942م) فى الحرب العالمية الثانية بقنابل الحلفاء لكونها قاعدة لغواصات الألمان.

*العقبة

*العقبة ميناء يقع فى المملكة الأردنية عند الطرف الجنوبى لواد عربة على البحر الأحمر ويبعد (64) ميلاً جنوبى بلدة معان الأردنية. فتح المسلمون العقبة سنة (8هـ)، وكانت إبان العصور الوسطى من أهم موانئ فلسطين، تنازع عليها المسلمون والصليبيون إلى أن استولى الصليبيون عليها، ثم استردها صلاح الدين الأيوبى سنة (567هـ)،ثم أصبحت تابعة لمصر على حدودها الشرقية، ثم آلت سياسيًّا إلى تركيا، ثم ضُمت إلى الحجاز سنة (1917م)، حتى أُدمجت فى الأردن سنة (1925م). واشتهرت العقبة بقلعتها الشهيرة التى بناها السلطان قانصوه الغورى، ولم يبقَ من هذه القلعة الآن سوى أطلال تشمل الواجهة والمدخل.

*شاطبة

*شاطبة مدينة بشرقى إسبانيا بمقاطعة بلنسية تُعرف اليوم بالاسم الإسبانى خاتيفا، وتقع بعيدًا عن ساحل البحر البيض فى الجنوب من مجرى نهر شقر وعلى الخط الحديدى القادم من بلنسية فى الشمال. اشتهرت مدينة شاطبة بمتنزهاتها الثلاثة وهى: البطحة والغدير والعين الكبيرة، كما اشتهرت بصناعة الورق الجيد. كانت شاطبة تابعة لإمارة بلنسية، وبعد سقوط الخلافة الأموية بقرطبة دخلت فى حوزة العامريين، ثم استولى عليها القادر ذو النون ثم ابن تاشفين بعد معركة الزلاقة. وتم إجلاء المسلمين عنها سنة (645 هـ) بعد هزيمتهم أمام نصارى الأندلس. وكانت شاطبة بفضل موقعها الحربى حصنًا من أعظم الحصون الأندلسية، لاتزال آثار سورها وحصنها باقية إلى اليوم. وينتسب إلى شاطبة جماعه من العلماء، منهم: أبو محمد القاسم بن فيرة بن خلف الشاطبى، وأبو عبد الله بن سلمان الشاطبى، وأبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبى.

*طرسوس

*طرسوس مدينة تركية تقع بقرب ساحل الأناضول الجنوبى، وتطل على نهر طرسوس، وهى مدينة فى موقع متوسط بين مدينتى مرسية وأطنة. فتح المسلمون مدينة طرسوس سنة (15 هـ)، فأصبحت مركزًا إسلاميًّا مرموقًا، وقد استولى الصليبيون على طرسوس إبان الحملة الصليبية الأولى سنة (490هـ)، وكانت طرسوس خلال الحكم الصليبى تابعة لبطريركية أنطاكية، ثم استولى المماليك على طرسوس إبان سلطنة بيبرس على يد قائده قلاوون، ودامت السيطرة المملوكية المصرية على طرسوس نحو ثلاثة قرون، حتى خضعت للعثمانيين سنة (1017 هـ)، ثم استولى عليها الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا سنة (1832م). وينتسب إلى مدينة طرسوس جماعة من العلماء، منهم: محمد بن أحمد بن محمد الطرسوسى الحنفى.

*جزر القمر

*جزر القمر إحدى الدول العربية فى قارة إفريقيا، تقع فى المنطقة الممتدة فى مضيق موزمبيق بالمحيط الهندى بين شمالى مدغشقر وجنوب شرق إفريقيا، وتبلغ مساحتها (2235كم2)، وتتكون من عدة جزر، هى: جزر القمر الكبرى وأنجوان، وموهيلى، ومايوت. ومناخها حار ممطر. وينتمى سكانها إلى أصول عرقية مختلفة؛ وذلك لوقوعها على طرق التجارة. وتعد اللغتان العربية والفرنسية اللغتين الرسميتين، وأغلبية سكانها مسلمون، مع وجود أقلية مسيحية. ويعتمد اقتصادها على بعض المحاصيل الزراعية، مثل: الفانيليا وزهرة إيلانغ- إيلانغ، كما يعتمد اقتصادها على المساعدات الخارجية. وأول من سكن جزر القمر العنصر الماليزى، ثم توافدت عليها الهجرات ونزل بها جماعات من العرب من حَضرْمَوت فى القرن (2هـ=8م)، وسموها جزر القمر، واعتنق أهلها الإسلام فى القرن (4هـ=10م)، واحتلها البرتغاليون سنة (908هـ)، إلا أنهم طردوا منها. وقد قامت بجزر القمر سلطنات عدة كثرت الصراعات بينها؛ مما جعلها مطمعًا للاستعمار الفرنسى فى القرن التاسع عشر، حتى حصلت على استقلالها سنة (1975م). واختير أحمد عبد الله رئيسًا لها، ووقعت فى جزر القمر عدة انقلابات، وكان للمرتزقة الأجانب دور بارز فى هذه الانقلابات. ويعتمد النظام السياسى فى جزر القمر على دستور (1978 م) الذى يعدها جمهورية فيدرالية إسلامية، ويوجد بها جمعية تشريعية تتكون من (38) عضوًا، ويبلغ عدد الأحزاب بها (24) حزبًا وتنظيمًا سياسيًا. وجزر القمر عضو فى الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، ويوجد لفرنسا بها قاعدة عسكرية دائمة.

*جورجيا

*جورجيا جورجيا جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفييتى السابق، يحدها من الشمال والشمال الشرقى جمهوريات تابعة لروسيا الاتحادية، ومن الجنوب الشرقى جمهورية أذربيجان ومن الجنوب جمهورية أرمينيا والجمهورية التركية، وتقع من الغرب على البحر الأسود. ومساحة جورجيا نحو (70) ألف كم2، تشغل الجبال نحو (80%) من هذه المساحة، ويبلغ عدد سكان جورجيا نحو خمسة ملايين ونصف مليون نسمة، نصفهم تقريبًا يعيشون فى المدن. وعاصمة جورجيا تبيليسى. ويعتمد اقتصاد جورجيا على الصناعة والزراعة والتجارة، ومناخها انتقالى من شبه المدارى إلى المعتدل. وقد استقلت جورجيا عن الاتحاد السوفييتى السابق سنة (1991م)، وكان شيفرنادزة أول رئيس لها.

*الجزائر

*الجزائر تقع الجزائر شمال غرب إفريقيا، وتطل على ساحل البحر المتوسط شمالا، وتحدها من الشرق تونس وليبيا، ومن الغرب المغرب وموريتانيا، ومن الجنوب مالى والنيجر، وتبلغ مساحتها (2.381.741 كم2)، وأهم مدنها: الجزائر العاصمة، ووهران، وقسنطينة، وعنابة، وسيدى بلعباس. ويبلغ عدد سكان الجزائر نحو (25.063.000) نسمة حسب إحصاء عام (1989م) أغلبهم من العرب والبربر، وتعد اللغة العربية هى اللغة الرسمية للجزائر، ويوجد بجانبها اللغة الفرنسية ولغات البربر ولهجاتهم. ويبلغ إجمالى الدخل القومى للجزائر نحو (53.1) مليار دولار حسب تقديرات عام (1989م) ومتوسط دخل الفرد سنويًّا (2170) دولار. وأهم مصادر الدخل بها: الحبوب، والكروم، والبطاطس، والتمر، والفواكه والخضراوات، والبترول، والحديد والصلب، والأسمدة، والمنسوجات، وتجميع السيارات، وبالإضافة إلى ذلك تتمتع الجزائر بثروة حيوانية كبيرة، والعملة المتداولة هى الدينار الجزائرى.

*جدة

*جدة ميناء بالمملكة العربية السعودية. يطل على البحر الأحمر، ويعد المنفذ البحرى لمكة المكرمة وأكبر الموانئ التجارية السعودية. ويتوسط ميناء جدة المسافة بين طرفى البحر الأحمر الشمالى والجنوبى، وجدة ميناء الحجاج الوافدين إلى الحجاز عبر البحر الأحمر. ومناخ جدة حار شديد الرطوبة. ويرجع تأسيس جدة إلى ماقبل الإسلام، إلا أن أهميتها كميناء اكتسبتها على يد الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، الذى أنشأها عام (26هـ). ونظرًا لأهميتها قام سلاطين المماليك بحمايتها؛ فقد أنشأ السلطان الغورى حولها سورًا كبيرًا منيعًا، حتى عام (915هـ). وقد أغار البرتغاليون عليها سنة (1541م)؛ لتحطيم السفن العثمانية إلا أنهم فشلوا فى ذلك، واستولى عليها المصريون عام (1812م)، ثم خضعت لنفوذ السعوديين. ويوجد فى جدة محطات لتحلية المياه ومدينة للحجاج ومطار دولى، وتشتهر بعدة صناعات مختلفة.

*جبل طارق

*جبل طارق هو شبه جزيرة صغيرة، بمثابة مرتفع صخرى يشرف على المدخل الغربى للبحر الأبيض المتوسط، يبلغ ارتفاعه (425.5) متر، وطوله (4.5كم)، وعرضه (1.2كم)، ومساحته (5.5كم2). وتبعد القارة الإفريقية عن جبل طارق عبرالمضيق مسافة (20) ميلا. وهو ينسب إلى القائد العربى طارق بن زياد الذى استولى على شبه الجزيرة عام (711م) فى بداية فتحه للأندلس. وقد بلغ عدد سكان مدينة جبل طارق (30117) نسمة فى عام (1976م)، واللغة الرسمية هى الإسبانية والإنجليزية، والديانة السائدة هى المسيحية وفق المذهب الكاثوليكى؛ إذ يمثل المسيحيون (84%) من عدد سكان المدينة، فى حين لاتتجاوز نسبة المسلمين بها (8%). وبريطانيا هى الحاكم العام فى جبل طارق، فهى تقوم بمهام السلطة التنفيذية بالتشاور مع مجلس منتخب مكون من (15) عضوًا، والعملة المتداولة هى الجنيه الاسترلينى، والدولار الأمريكى. وأهم الموارد الاقتصادية: السياحة، ورسوم الشحن، والرسوم البحرية والجوية التى تتقاضاها المستعمرة مقابل التسهيلات التى تقدمها للسفن والطائرات.

*بولاق

*بولاق حىٌّ من أحياء القاهرة القديمة، كان حتى العصر المملوكى ميناء نهريًّا تفصله عن المدينة المزارع والحقول. بدأ إنشاؤه منذ ولاية محمد على (1805م = 1848م) فأقام به عدة منشآت علمية وصناعية، كان المقصود بها إضفاء الجانب الحضارى على الحياة المصرية. وحى بولاق مشهور بمطابعه، وهى أول مطابع أقيمت فى مصر بعد مطابع الحملة الفرنسية التى جلبها بونابرت معه، ولم تعمر طويلا، وصدر عن مطبعة بولاق جريدة الوقائع المصرية سنة (1828م)، وهى أول جريدة عربية تطبع بالقاهرة. وأقيم بحى بولاق متحف للآثار المصرية حتى نقل إلى قصر النيل. ومن أهم معالم بولاق الأثرية: مسجد سنان باشا ومسجد السلطان أبى العلاء.

*الجيزة

*الجيزة إحدى محافظات مصر. تقع على الجانب الغربى من النيل تجاه القاهرة عند تفرع نهر النيل. وتبلغ مساحتها (4820كم2)، وتشترك فى حدودها مع محافظات: القاهرة والبحيرة والمنوفية والقليوبية وبنى سويف. ويبلغ عدد سكانها (3) ملايين نسمة، وتنقسم إداريًّا إلى ستة مراكز، هى إمبابة وأوسيم والجيزة والبدرشين والعياط والصف، وتضم (172) قرية. والجيزة من المحافظات الزراعية التى تمد القاهرة بالمواد الغذائية، وبها جامعة القاهرة أعرق جامعات الوطن العربى، وعدد من المدارس المختلفة، وتنتشر بها الآثار الفرعونية والإسلامية مثل: أهرامات الجيزة. وقد استقرت بعض القبائل العربية فى منطقة الجيزة أيام الفتح الإسلامى لمصر، وقامت ببناء حصن لهم بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وكانت هذه القبائل هى النواة التى قامت عليها مدينة الجيزة. وعرفت الجيزة فى العهد الفاطمى باسم الجيزية، ثم سميت فى العصر العثمانى ولاية الجيزة، ثم أصبحت مديرية الجيزة سنة (1889م)، ووقعت فيها معركة إمبابة أيام الحملة الفرنسية سنة (1798م). وتضم الجيزة عددًا من الآثار الإسلامية، مثل: المسجد الجامع الذى بنى فى عهد الأمير على بن الإخشيد سنه (961هـ)، ويوجد بها أيضًا قبر الصحابى الجليل كعب الأحبار. وينتسب إلى الجيزة عدد من العلماء، مثل: الربيع الجيزى المتوفى سنة (256هـ)، وشيخ الجامع الأزهرسابقًا أبى الفضل الجيزاوى.

*كربلاء

*كربلاء عاصمة المقاطعة التى تحمل اسمها، وهى تبعد (88) كم إلى الجنوب الغربى من مدينة بغداد. ويبلغ عدد سكانها (107.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1970م)، وتقع على الضفة اليسرى من جدول الحسينية الذى يتفرع من نهر الفرات، على مسافة (104) كم من بغداد، وتحيط بها البساتين المشهورة بنخيلها وفاكهتها. وهى مدينة إسلامية مقدسة؛ إذ بها قبر الحسين، رضى الله عنه، وإلى جواره قبر أخيه العباس، وفى أطرافها عدد من القبور الأخرى، مثل: قبر الحر وقبر عون بن عبد الله، ويقصد إلى كربلاء الآلاف من الزوار المسلمين من العراق والأقطار الإسلامية الأخرى وخاصة من إيران وأفغانستان وباكستان.

*صربيا

*صربيا إحدى جمهوريات يوغسلافيا السابقة. تقع فى الجزء الشرقى منها، وكانت قديمًا تابعة للدولة البيزنطية. تبلغ مساحتها نحو ( 88920) كم2. وعدد سكانها (6.979.154) نسمة، معظمهم يعملون بالزراعة. وفى سنة (792هـ = 1389م) هُزمت صربيا أمام الجيوش العثمانية فى معركة قوصوه، وفى سنة (928هـ = 1521م) ضمها سليمان القانونى إلى مملكته، وأصبح يتولى حكمها ولاة أتراك الجنسية، يقيمون فىعاصمتها بلجراد. ومنذ سنة (1284 هـ = 1828 م) بدأت روسيا تساعد صربيا على الثورة ضد الدولة العثمانية، حتى خرجت تركيا منها سنة (1295 هـ = 1867 م)، واعترفت باستقلالها فى معاهدة برلين سنة (1299 هـ = 1878 م). وفى سنة (1303هـ = 1885م) قامت الحرب بين صربيا وبلغاريا، بسبب رغبة صربيا فى التوسع على حساب بلغاريا، ولكنها هُزمت، ومع هذا مالبث أن حاربت النمسا سنة (1333هـ = 1914م)، ولكنها هُزمت أيضًا؛ فانسحبت من الحرب. وفى سنة ( 1336هـ = 1917م) أُعلن مؤتمر الشعوب السلافية الجنوبية، اتحاد كل من صربيا وكرواتيا وسلوفانيا والجبل الأسود تحت سلطة الملك بطرس الأول ملك صربيا. وفى سنة (1360هـ = 1941م) احتلت القوات الألمانية يوغسلافيا، وأصبحت صربيا تحت السلطة الألمانية، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة (1365هـ = 1945م) أعلن الدستور اليوغسلافى أن صربيا إحدى جمهوريات الاتحاد اليوغسلافى، وصارت بقية دول المجموعة السلافية تتمتع بالحكم الذاتى. وكانت صربيا تطمع فى إقامة دولة كبرى يُطلق عليها صربيا الكبرى تضم أجزاء من كرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك، وفى سنة (1992م) قامت القوات الصربية بمهاجمة المدن البوسنية أُثر أعلان استقلال البوسنة والهرسك سنة (1992م)، ودمرت معظم مدن البوسنة والهرسك.

*الكاميرون

*الكاميرون تقع فى غرب إفريقيا، على ساحل غانا فى طرفه الشرقى. يحيط بها كل من نيجيريا فى الشمال الغربى، وتشاد وإفريقيا الوسطى فى الشرق، والكونغو والجابون وغينيا الاستوائية فى الجنوب. تبلغ مساحتها (475442) كم2، وعاصمتها ياوندى، وعدد سكانها (11.900.000) نسمة، حسب إحصائية سنة (1990م)، وأهم المحصولات الزراعية: الكاكاو، والبن، والفول السودانى، والموز، والقطن، وأهم مصادر الطاقة البترول. وقد تعرضت الكاميرون لمختلف أشكال الصراعات الأوربية، وذلك عندما كان الأوربيون فى طريقهم إلى السيطرة على خليج غينيا وحوض نهر الكونغو، سواء لتجارة الرق والعاج، أو لزراعة الكاكاو واكتشاف المعادن، فجاء إليها البرتغاليون والإسبان فى أوائل القرن (9 م)، ثم جاء الفرنسيون فالإنجليز فالألمان. وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت تحت وصاية الأمم المتحدة. وفى (أكتوبر 1961م) أصبحت جمهورية فيدرالية برئاسة أحمدو أهيدجو ونائبه فوتشا، (وفى يناير 1984م) تم إعلان جمهورية الكاميرون الاتحادية برئاسة بول بيا.

*المغرب (بلاد)

*المغرب (بلاد) يتألف المغرب العربى من ثلاث دول، هى: تونس والجزائر والمملكة المغربية، وهى تؤلف وحدة اقتصادية. ويقع المغرب العربى فى القسم الشمالى من قارة إفريقيا. وتبلغ مساحته مع القسم الصحراوى (2.782.000). ويعيش فيه نحو (56.000.000) نسمة، أكثرهم من العرب المسلمين. ومناخ المغرب العربى معتدل عمومًا فىالشمال؛ لتأثره بالبحر، ولكنه يصبح باردًا فى جبال أطلس، ويتحول إلى مناخ صحراوى فى الدخل. وأنهار المغرب العربى قليلة وقصيرة، وأهمها: نهر الملوية، ونهر الشليف، ونهر المجردة. وفى المغرب ثروات زراعية وغابيَّة. أمَّا الثروات المعدنية فأهمها: الحديد والفوسفات.

*قندهار

*قُنْدهار ثانية مدن أفغانستان حجمًا بعد العاصمة كابول. تقع على رافد جنوبى (أيسر) لنهر هيلماند فى جنوب البلاد، وتتحكم فى الطريق الذى يعبر ممر بولان، ويصلها بمدينة كويتا بباكستان، وترتبط بالعاصمة بطريق برى مرصوف. وهى السوق الرئيسية لجنوب أفغانستان. وتوجد فيها جالية من الهنود يمسكون بأيديهم زمام التجارة، وفيها ضريح الشاه أحمد خان الذى أسس الأسرة الدورانية التى حكمت البلاد (1160 - 1250هـ = 1747 - 1835م)، وعلى الضريح قبة مغطاة بصفائح الذهب، تحيط بها المآذن المحلاة بالقيشانى. وكانت قندهار عاصمة أفغانستان سنة (1747 - 1773م)، واستولى عليها الإنجليز فى القرن (13هـ = 19م) إبان الحروب الأفغانية. وتشتهر قندهار بزراعة الفاكهة.

*قناة السويس

*قناة السويس أهم شريان ملاحى فى العالم. وممر مائى بمصر، يصل البحر المتوسط شمالاً عند بورسعيد حتى بورتوفيق جنوبًا بالبحر الأحمر عند السويس. وترجع أهميتها الدولية إلى اختصارها طريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب. ويبلغ طولها (195) كم، ومتوسط عرضها (60) م وعمقها (13) م. وتسير مع الحافة الشرقية لبحيرة المنزلة فى خط مستقيم حتى بحيرة التمساح، ثم تنحرف شرقًا إلى البحيرات المرة، فخليج السويس. وكان شق القناة هدفًا من أهداف الحملة الفرنسية على مصر سنة (1798م)، وقد رفض محمد على هذا المشروع محذرًا من زيادة الأطماع الغربية فى مصر، ثم أقنع فرديناند دى ليسبس الوالى سعيد بالمشروع، فشرع فى شق القناة فى (أبريل 1859م). وقد تم حفر القناة على عهد الخديو إسماعيل سنة (1869م)، واستتبع شق القناة زيادة أطماع الدول الأوربية فيها، إلى أن احتل الإنجليز مصر سنة (1882م). وعندما أمَّم جمال عبد الناصر قناة السويس تعرضت مصر للعدوان الثلاثى البريطانى الفرنسى الإسرائيلى فى (أكتوبر 1956م) فأُغلقت القناة، ثم افتتحت بعد انسحاب أصحاب هذا العدوان، ثم أغلقت مرة أخرى بسبب العدوان الإسرائيلى على مصر فى (يونيو 1967م)، ثم أعيدت للملاحة فى (يونيو 1975م). وقد بلغ دخل مصر من قناة السويس (931) مليون جنيه مصرى حسب إحصائية سنة (1984م).

*ليبيا

*ليبيا تقع فى شمال قارة إفريقيا. تبلغ مساحتها (1.759.540) كم2. وتمتد بين دائرتى عرض (18.5ْ، و 33ْ) شمالاً، وبين خطى طول ( 9ْ، و 25ْ) شرقًا. ويحدها البحر المتوسط من الشمال، وتتصل حدودها من جهة الشرق بحدود مصر، ومن جهة الغرب بحدود كل من تونس والجزائر، ومن جهة الجنوب بحدود النيجر وتشاد والسودان. ويرتبط سكانها بروابط التاريخ والنسب بسكان مصر والسودان وتونس. وتنقسم إلى: الإقليم الطرابلسى، وإقليم الصحراء وفزان، وإقليم برقة. ومناخها صحراوى حار جاف. ويبلغ عدد سكانها (3.3) مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1983م)، ومعظمهم من العرب، وبعضهم من البربر المتعربين، وقليل منهم من البربر الذين مازالوا محتفظين ببعض مظاهر ثقافتهم الأصلية إلى جانب الثقافة العربية. ويُعد البترول - منذ اكتشافه عام (1961م) - العمود الفقرى للاقتصاد الليبى.

*اللاذقية

*اللاذقية مدينة سورية، وهى عاصمة المحافظة التى تحمل اسمها وتبعد (137) كم إلى الجنوب الغربى لمدينة (حلب)، وهىالميناء البحرى الرئيسى لسورية. وكانت مدينة فينيقية، وازدهرت تحت حكم الرومان وضمت إلى سورية سنة (1942م) وهى مشهورة بنوع خاص من التبغ. وخضعت لحكم البيزنطيين. والمسلمين والصليبيين؛ إذ استولى عليها صلاح الدين الأيوبى سنة (1188م) ثم استعادها الصليبيون، ثم استولى عليها قلاوون سنة (1287م). وبها آثار رومانية، أهمها قوس نصر. وفى عام (1950م) أُدخلت تحسينات على مينائها؛ لتحويل التجارة السورية إليه بدلاً من بيروت، واللاذقية الآن المقر الصيفى لرئاسة الجمهورية.

*كريت

*كريت جزيرة تقع فى شرق البحر المتوسط. وهى كبرى جزر اليونان. تبلغ مساحتها (8380) كم2. وعاصمتها كانيا وكبرى مدنها كانديا. وهى جزيرة جبلية إلى درجة كبيرة، ترتفع إلى (2458 م) فى جبل آيدا، وحضارتها من أقدم حضارات العالم، وبلغت أوجها سنة (1600 ق. م)؛ إذ اكتشف آثار فى كتوسوس ترجع إلى هذه الحضارة. وقد استولى عليها الرومان فيما بين سنتى (68 - 67 ق. م)، ثم فتحها المسلمون سنة (826م)، إذ انتزعوها من الأباطرة البيزنطيين، وظلت تحت الحكم الإسلامى إلى أن استعادها نيسفورس الثانى سنة (961م) ثم استولت عليها البندقية سنة (1204م) ثم تركيا سنة (1669م). وفى سنة (1913م) اتحدت مع اليونان. ومن محاصيلها: زيت الزيتون والفواكه والخضراوات والكروم. وبها خامات الحديد والفحم.

*قطر

*قطر شبه جزيرة على الساحل الشرقى لشبه الجزيرة العربية على الخليج العربى تبلغ مساحتها (11437) كم2. وتمتد بين دائرتى عرض (30َ - 24ْ)، و (10َ - 26ْ) شمالاً لمسافة (60) كم، وخطى طول (30َ - 50ْ)، و (30َ - 51ْ) شرقًا بعرض أقصاه (78) كم. وتحدها السعودية من الغرب والإمارات العربية المتحدة من الشرق، وعاصمتها الدوحة. ويبلغ عدد سكانها (444.000) نسمة حسب إحصائية سنة (1410هـ = 1990م)، ويعتمد الاقتصاد القطرى على النفط الذى يرجع تاريخ اكتشافه إلى عام (1939م)، ويسودها نظام ملكى؛ حيث يهيمن آل ثانى على السلطة. وقطر عضو فى عديد من المنظمات العربية والإسلامية والدولية، مثل: جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومجموعة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، والأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المصدرة للنفط الأوبك، ومنظمة الدول العربية المصدرة للبترول أوابك، ومجموعة ال 77.

*القليوبية

*القليوبية أحد أقاليم الوجه البحرى بمصر. استُحدثت سنة (715هـ = 1315م) بمرسوم من الملك ناصر محمد بن قلاوون، وكانت نواحيها تابعة لإقليم الشرقية، ثم فصلت عنها، وأطلق عليها اسم الأعمال القليوبية؛ نسبة إلى مدينة قليوب التى كانت عاصمة لها سنة (1826م). وفى سنة (1833م) صدر أمرعالٍ بتسمية المأموريات باسم مديريات، فسميت مديرية القليوبية، وعاصمتها الآن مدينة بنها. تتكون القليوبية من أربعة مراكز، هى: بنها وشبين القناطر وطوخ وقليوب، بالإضافة إلى مأمورية ضواحى مصر. ومجموع قرى القليوبية (188) قرية؛ القديمة منها (114)، والحديثة (74).

*كردفان

*كردفان مديرية بوسط السودان، غربى النيل، عاصمتها الأبيض. تبلغ مساحتها (385838) كم2. وأهم مدنها الأبيض العاصمة والنهود، وبادا وأبوزيد ومجلد، ويربطها بالخرطوم خط حديدى. وتوجد بها مراعٍ غنية، وتزرع فيها الذرة والسمسم والفول السودانى والقطن، وتُعد كبرى مناطق جمع الصمغ العربى. أما بالنسبة إلى السكان فإن العرب يسكنون الجزء الشمالى، ويسكن النوبيوين الجزء الجنوبى. وقد حكمها النوبيون فترة طويلة، وكانت عاصمتهم جبل كردفان وفى سنة (1881م) أعلن المهدى الجهاد من جبل قدير، وهزم حملتين أرسلتهما الحكومة، واستولى على الأبيض وبارا سنة (1883م)، وأرسل هكس لاستعادتها فهلكت حملته فى (نوفمبر 1883م) قرب شيكان. واعترف جوردون بالمهدى سلطانًا على كردفان فى (فبراير 1884م) فكان رده أن طالبه بالتسليم، وسار قاصدًا الخرطوم واستولى عليها فى (يناير 1885م)، ثم استردت المديرية سنة (1899م) بعد معارك عنيفة مع عبد الله التعايشى خليفة المهدى.

*فزان

*فزَّان مدينة ليبية قديمة. تقع بين الفيوم فى مصر وطرابلس الغرب فى ليبيا، سُميت باسم فزان بن حام بن نوح، عليه السلام. وأرضها منخفضة كبيرة المساحة، تمتد من الحمادة الحمراء وجبل السودا شمالاً إلى مرتفعات إيفاى وتيبستى جنوبًا، ومن جبال تاسيلى وحمادة غربًا إلى مرتفعات الهروج شرقًا، وتنقسم فزان إلى حوضين كبيرين هما: حوض أوباى وحوض مرزق، كما أنها كثيرة القلاع والقرى، يندر فيها الحبوب واللحوم. وقد فتحها عقبة بن نافع الفهرى سنة (49هـ = 669م)، واحتلها العثمانيون سنة (985هـ = 1577م)، وحاول أحمد القرمانلى أن يوطِّد حكمه بها منذ سنة (1129هـ = 1716م)، لكنه لم يستطع، ثم حاول ذلك مرة أخرى سنة (1247هـ = 1831م). وقد احتلها الإيطاليون سنة (1331هـ = 1913م)، وجعلوا عاصمتها مدينة (سبها)، وذلك بعد خروج جيوش الدولة العثمانية من ليبيا سنة (1329هـ = 1911م) فشغل الإيطاليون طرابلس كلها، والمراكز المهمة فى فزان. وفى سنة (1361هـ = 1942م) احتلها الفرنسيون، وحاولوا ربطها بالإدارة الفرنسية فى الجزائر، لكنهم اضطروا إلى الرحيل عنها سنة (1376هـ = 1956م).

*القرى (وادى)

*القرى (وادى) وادٍ بين بلاد الشام والمدينة المنورة. يمر به الحجاج وهم فى طريقهم إلى الحج، سُمى بذلك لانتظام القرى وكثرتها به، وقد أصبح معظمه خرابًا. وكانت عدة قبائل عربية تنزل به، ومنها: قضاعة وجهينة وبنو عذرة، وكان به عاد وثمود، وسكنه كثير من اليهود، وظلوا به حتى سنة (7هـ). وفى هذه السنة غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل وادى القرى ودعاهم إلى الإسلام فرفض اليهود وحاربوه؛ ففتحها عنوة، وأخذ الأموال والمتاع وترك النخيل والأرض لليهود. ولما تولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الخلافة أجلى اليهود عن وادى القرى، وقسم الأرض بين المسلمين، لكنها أصبحت اليوم من أحياء المدينة المنورة.

*المتوسط (بحر)

*المتوسط (بحر) أكبر بحار العالم. يقع بين أوربا شمالاً وشمالاً بغرب، وإفريقيا جنوبًا، وآسيا شرقًا، ويتصل بالمحيط الأطلسى عن طريق مضيق جبل طارق، وبالبحر الأسود عن طريق مضيق الدردنيل وبحر مرمرة ومضيق البسفور، وبالمحيط الهندى عن طريق قناة السويس. وأهم أقسامه: بحر إيجة والبحر الأيونى والبحر الأدرياتى والبحر التيرانى والبحر الليغورى. وأهم جزره: جزر البليار وجزيرة سردينيا وجزيرة صقلية وجزيرة كورسيكا وجزيرة رودس وجزيرة كريت وجزيرة مالطة وجزيرة قبرص. وكان البحر المتوسط طريق التجارة العالمية إلى الشرق حتى اكتشاف الطريق المنعطفة حول رأس الرجاء الصالح عام ( 1488م)، ثم استعاد مكانته بعد إنجاز حفر قناة السويس (1869م). ويبلغ طوله نحو (4.000) كم. ويبلغ أقصى عرض له (1.365) كم، ومساحته نحو (2.512.300) كم2.

*الروم (بحر)

*الروم (بحر) هو البحر المتوسط، أكبر بحار العالم. يقع بين أوربا شمالاً وشمالاً بغرب، وإفريقيا جنوبًا، وآسيا شرقًا، ويتصل بالمحيط الأطلسى عن طريق مضيق جبل طارق، وبالبحر الأسود عن طريق مضيق الدردنيل وبحر مرمرة ومضيق البسفور، وبالمحيط الهندى عن طريق قناة السويس. وأهم أقسامه: بحر إيجة والبحر الأيونى والبحر الأدرياتى والبحر التيرانى والبحر الليغورى. وأهم جزره: جزر البليار وجزيرة سردينيا وجزيرة صقلية وجزيرة كورسيكا وجزيرة رودس وجزيرة كريت وجزيرة مالطة وجزيرة قبرص. وكان البحر المتوسط طريق التجارة العالمية إلى الشرق حتى اكتشاف الطريق المنعطفة حول رأس الرجاء الصالح عام (1488م)، ثم استعاد مكانته بعد إنجاز حفر قناة السويس (1869م). ويبلغ طوله نحو (4.000) كم. ويبلغ أقصى عرض له (1.365) كم، ومساحته نحو (2.512.300) كم2.

*الأطلنطى (محيط)

*الأطلنطى (محيط) يشغل المحيط الأطلنطى (6/ 1) مساحة العالم، ويشبه فى شكله العام حرف ( S) ويمتد هذا المحيط أكثر من أى محيط بين الشمال والجنوب؛ إذ يبلغ طوله (16) ألف كم، أما عرضه فيختلف من موضع إلى آخر. وتوجد أضيق أجزائه بين رأس بالماس فى ليبيريا ورأس سان روك على ساحل البرازيل إذ يبلغ عرضه (800) كم. ولا يوجد حدٌّ واضح بينه وبين المحيط الهندى، ولكن يمكن اعتبار خط طول (20ْ) شرقًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط الهندى، كذلك يمكن اعتبار خط طول (67ْ) غربًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط الهادى. وتبلغ المساحة الكلية للمحيط الأطلنطى (82.400.000) كم2. ويتصل به عدة بحار، أهمها: البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر الشمال والبحر الكاريبى. وتصب فى المحيط الأطلنطى عدة أنهار، أهمها: الأمازون والكونغو والراين والمسيسبى والسين والنيجر والسنغال والأورانج. وتوجد فى الأطلنطى عدد من الجزر، أغلبها فى الشمال منها: أيسلندا والرأس الأخضر وترينداد جنوبًا. وتوجد فى المحيط الأطلنطى عدة تيارات بحرية، مثل: تيار فوكلاند البارد، وتيار لبرادور؛ لذلك يضم أكبر مصايد الأسماك فى العالم، وينتج (40%) من إنتاج السمك العالمى. وتختلف ملوحة مياه هذا المحيط من مكان إلى آخر، ويضم قاع المحيط الأطلنطى كميات من المعادن، مثل: المنجنيز والبترول.

*الأطلسى (محيط)

*الأطلسى (محيط) يشغل المحيط الأطلنطى (6/ 1) مساحة العالم، ويشبه فى شكله العام حرف ( S) ويمتد هذا المحيط أكثر من أى محيط بين الشمال والجنوب؛ إذ يبلغ طوله (16) ألف كم، أما عرضه فيختلف من موضع إلى آخر. وتوجد أضيق أجزائه بين رأس بالماس فى ليبيريا ورأس سان روك على ساحل البرازيل إذ يبلغ عرضه (800) كم. ولا يوجد حدٌّ واضح بينه وبين المحيط الهندى، ولكن يمكن اعتبار خط طول (20ْ) شرقًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط الهندى، كذلك يمكن اعتبار خط طول (67ْ) غربًا حدًّا فاصلاً بينه وبين المحيط الهادى. وتبلغ المساحة الكلية للمحيط الأطلنطى (82.400.000) كم2. ويتصل به عدة بحار، أهمها: البحر المتوسط والبحر الأسود وبحر الشمال والبحر الكاريبى. وتصب فى المحيط الأطلنطى عدة أنهار، أهمها: الأمازون والكونغو والراين والمسيسبى والسين والنيجر والسنغال والأورانج. وتوجد فى الأطلنطى عدد من الجزر، أغلبها فى الشمال منها: أيسلندا والرأس الأخضر وترينداد جنوبًا. وتوجد فى المحيط الأطلنطى عدة تيارات بحرية، مثل: تيار فوكلاند البارد، وتيار لبرادور؛ لذلك يضم أكبر مصايد الأسماك فى العالم، وينتج (40%) من إنتاج السمك العالمى. وتختلف ملوحة مياه هذا المحيط من مكان إلى آخر، ويضم قاع المحيط الأطلنطى كميات من المعادن، مثل: المنجنيز والبترول.

*عمان

*عُمان دولة عربية. تحتل القرن الجنوبى الشرقى لشبه الجزيرة العربية وتطل علىالمحيط الهندى الغربى (بحر العرب)، وخليج عُمان. عُرفت بسلطنة عُمان إثر انقلاب قام به السلطان قابوس بن سعيد على حكم والده فى (23 من يوليو 1970م)، وكانت تعرف باسم سلطنة مسقط وعُمان، أو سلطنة مسقط وإمامة عمان منذ أواخر القرن (19م). أما عمان المعاصرة فتمتد من حدود إمارة رأس الخيمة إلى رأس الجد جنوبًا، ثم تسير جهة الجنوب الغربى إلى خليج القمر، عند حدود حضرموت باليمن، وامتداد هذه الشواطئ نحو (1700) كم. ومساحتها (15.000) م2. وتتصل حدودها بالمملكة العربية السعودية عبر الربع الخالى، أما حدودها مع اليمن فقد عينها حكم أصدرته محكمة التحكيم الدولية سنة (1905م). وتنقسم جغرافيًّا إلى أربعة أقسام: الأول سهل البطينة الساحلى، والثانى: جبال الحجر، والثالث: هضبة جرداء إلا من بعض الواحات تتلاشى فى الربع الخالى، والرابع: إقليم ظفار. وسكان السلطنة من قبائل بنى بو على وريام والحارث وبنى حسن وغيرها. ويعتمد اقتصادها على التمر والبترول. وعملتها: الريال العمانى. وعاصمتها مسقط. وأهم موانيها: صحار، وأهم مدنها نزوى. وتاريخها قديم متصل فالعمانيون ينسبون إلى العماليق، وفى القرن (7 ق. م) أقام يعرب بن قحطان شبه دولة جعل عليها أخاه عمان الذى سُمى الإقليم باسمه، وغزاه الفرس، وأطلقوا عليه فرويا وفى مطلع الدعوة الإسلامية سنة (6هـ = 627م) - وهو بداية التاريخ الموثق لعمان - تردد اسم الغبراء، ودخل ابنا زعيم عمان جلندى بن المستكبر فى الإسلام، ثم ساهما فى نشر الدعوة الإسلامية وقاما برحلات بحرية، ووقفا إلى جانب الإمام على بن أبى طالب ضد معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنهما. ثم انتشر مذهب الإباضية ونظريتهم فى الإمامة، وانتخب جلندى إمامًا سنة (135هـ = 752م)، وكانت نزوى حاضرة لهم، وفى سنة (1034 هـ = 1624

م) قامت الدولة اليعربية؛ فدحرت الصفويين والبرتغاليين على يد سلطان بن سيف ثانى الأئمة، ودام حكمها مائة سنة، وكانت مصدر قلق للأساطيل الأوربية، ثم قامت الدولة البوسعيدية عام (1167 هـ = 1753 م). وفى عام (1933 م) تولى سعيد بن تيمور حكم مسقط، فى حين انتخب فى عمان الداخل غالب بن على الهنائى. وفى عام (1954 م) وقع بينهما نزاع، وتدخلت بريطانيا لصالح سعيد بن تيمور. وفى (20 من جمادى الأولى 1390هـ = 23 من يوليو 1970 م) قام قابوس بن سعيد بانقلاب داخلى تولى على إثره الحكم، وبدأ بالإنفتاح على العالم العربى والخارجى، معتمدًا على اقتصاديات البترول المتزايدة.

*عكاظ (سوق)

*عكاظ (سوق) أشهر أسواق العرب الموسمية التى بلغت قمة ازدهارها فى أواخر العصر الجاهلى، وعاشت فترة فى الإسلام. أقيمت قبل (15) عامًا من عام الفيل (وهو العام الذى وُلد فيه النبى - صلى الله عليه وسلم -)، وكانت تستقبل قاصديها مع مستهل شهر ذى القعدة من كل عام، وكان انعقادها يستمر (20) يومًا. وعكاظ موضع بين نخلة والطائف، على طريق بين الطائف ومكة، وهى واحدة من (10) أسواق كانت تعقد بالجزيرة العربية فى الأشهر الحرم؛ حيث يمتنع القتال ويُردع من يتمرد على ذلك، عن طريق سكان المكان الذين يتقاضون العشور من الصفقات التى تعقد فى السوق. وبجانب التجارة، وبخاصة الجلود المدبوغة، تُعد عكاظ لقاءً سنويًّا للخطباء والشعراء؛ إذ كانوا يتطارحون فيها أحدث إنتاجهم الأدبى، لا سيما شعر الفخر، وكان ينصب فيها حكام من فحول اللغة والشعر، مثل: النابغة الذبيانى، وعمرو بن كلثوم وقس بن ساعدة الخطيب. كما كانت هذه السوق مكانًا للفصل فى المنازعات، وعقد الاتفاقات، ومنبرًا لكل صاحب دعوة، حتى قيل: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تردد عليها؛ للدعوة إلى الإسلام. ومما كانت تتميز به أنها سوق حرة؛ لا يلتزم التجار فيها بدفع مكوس أو عشور لسادات القبائل، لا سيما من قريش وتميم، وكان لهذا أثره فى ازدهار السوق؛ مما زاد من أهمية قريش ومكانتها، وساعد على انتشار لهجتها وسيادتها، كما كان لهذه السوق أثرها فى تهذيب اللغة. وفى أواخر الدولة الأموية سنة (128 هـ = 744 م) نهب بعض الخوارج هذه السوق؛ فهجرت بعد ذلك، وإن كانت أهميتها اضمحلت، بانتقال عاصمة الدولة، وهجرة سادات قريش من مكة إلى المدينة.

*عكا

*عكا تقع فى الطرف الشمالى لخليج عكا، وتبعد عن ميناء حيفا بنحو (15) كم، وتقع بالقرب من سفوح جبل الكرمل. وهى ذات موقع استراتيجى؛ مما عرضها للأطماع الخارجية، وتبعد عن القدس بنحو (128) كم، وعن ميناء صور بنحو (44) كم. وتكثر فى أطرافها المستنقعات، كالشاحوطة وعين البقر، ومناخها مناخ البحر المتوسط؛ حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً. وتأسست عكا فى الألف الثالثة قبل الميلاد على يد إحدى القبائل الكنعانية العربية المعروفة بالجرجاشيين، وأطلقت عليها عكو، أى: الرمل الحار، وهم مستنبطو صناعة الزجاج، كما يروى بلنى، المُتوفَّى سنة (113 م)، واستمرت كنعانية عربية؛ فلم تخضع للمصريين ولا للعبرانيين إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حين خضعت للملك الآشورى شلمناصر الخامس، ثم للفرس فى القرن السادس قبل الميلاد، ثم للإسكندر المقدونى. وفى عهد البطالمة والسلوقيين غُيِّر اسمها إلى بتولمايس، ثم احتلها الأرمن عام (69 ق. م)، وفيها قامت حضارة هلنستية؛ نتيجة التداخل بين الثقافة اليونانية والسامية خلال العصر السلوقى. وقد فتحها شرحبيل بن حسنة نحو سنة (15 هـ = 637 م)، وبها أنشأ معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، أسطولاً بحريًّا، وقامت منها حملة على قبرص سنة (28 هـ = 649 م) ورودس سنة (34 هـ = 654 م)، وازدهرت تجارتها فى العصر الأموى، واستولى عليها أحمد بن طولون عام (164 هـ = 877 م)، ثم الإخشيديون ثم الفاطميون، ثم وقعت تحت سيطرة الصليبيين عام (497 هـ = 1104 م). وشهد لعكا بالعظمة والمنعة كل من زارها. وقد كان لها أهمية تجارية بارزة تحت الحكم العثمانى، ثم تصدت لحصار نابليون عام (1214هـ = 1799م)، ثم فتحها إبراهيم بن محمد على عام (1247 هـ = 1832 م)، ثم تضاءلت أهميتها التجارية بإلحاقها بسورية عام (1281 هـ = 1864 م)، ثم ألحقت ببيروت عام (1305 هـ = 1888 م)، وبعد الاحتلال الصهيونى لعكا سنة (1948 م)

تغيرت معالمها العربية. وتُعدُّ الآن من أهم الموانئ الفلسطينية لصيد السمك، وأنشأت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلى منطقة صناعية، فيها مصنع لإنتاج الصلب، وآخر لإنتاج أنابيب الفولاذ.

*عطبرة

*عطبرة مدينة تقع شرق السودان، ويلتقى عندها نهر عطبرة بالنيل، وهى الرابعة من حيث عدد السكان، وتتبع إداريًّا المديرية الشمالية، وعاصمتها الدامر، وهى بلدة صغيرة تقع على النيل الأبيض جنوبى عطبرة على بعد (15 كم) منها، وإلى شماليها تقع مدينة بربرة. وهى ملتقى عدة خطوط سكك حديدية، وقد أكسبتها هذه السكك الحديدية التى مُدت أوائل القرن العشرين أهمية بارزة، كما أن إقامة جسر يصل شرق السودان بوادى النيل جعلها مركزًا مهمًّا للمواصلات. وقد قامت فيها صناعة الأسمنت، كما أن لها شهرة تقليدية بسوق الماشية. وعند بلدة النخيلة نشبت معركة عطبرة فى (8 من إبريل 1898 م)، بين قوات الخليفة التعايشى، والجيش المصرى بقيادة كتشنر، وانتهت باستسلام قوات التعايشى، ومهدت هذه المعركة الطريق لمعركة أم درمان الفاصلة. ونهر عطبرة جنوب عطبرة يتصل بالنيل وطوله نحو (1125كم) بشمال شرق السودان، وتأتى منابعه من غربى هضبة الحبشة، ويُعد أكثر الأنهار الجبشية طميًا، وهو أحد الروافد اليمنى لنهر النيل.

*العسكر

*العسكر كانت العاصمة المصرية الإسلامية الثانية منذ الفتح بعد الفسطاط، وهى مندثرة، وموقعها الحالى حى السيدة زينب. واشتق اسمها من عسكر صالح بن على أول الولاة العباسيين على مصر، بعد سقوط الدولة الأموية؛ ذلك أن صالحًا نزل بعسكره فى هذا الموضع، وكان خرابًا منذ قدم إلى مصر عام (133 هـ = 750 م)، فأقام به دارًا للخلافة، وعندما خلفه أبو عون فى العام التالى أمر أصحابه بالبناء فيه، فبنوا، وسُمى من يومئذٍ بالعسكر، وكان أمراء مصر بعد أبى عون ينزلون به. وبُنيت بالعسكر دار للشرطة تُعرف بالشرطة العليا؛ تمييزًا لها عن دار شرطة الفسطاط أو الشرطة السفلى، وشُيد بها مسجد عرف بجامع العسكر، بجوار دار الإمارة. وقد تحولت إلى ديوان للخراج أيام خمارويه، واندمجت مع الفسطاط، ثم طغت القطائع على حدها الشرقى، ثم اختفى اسم العسكر فأصبحت تُعرف بالفسطاط والقطائع. وفى أواخر الدولة الفاطمية امتد إليها الخراب، وقد بنى بها الفضل بن صالح بن على جامع العسكر سنة (169 هـ = 785 م)، وظل إلى مابعد سنة (500 هـ)، وكان أحد الجوامع الستة الكبرى آنئذٍ، ولا أثر له اليوم. ونسب إليها عدد من العلماء، مثل: محمد بن علىٍّ العسكرى وكان مفتى العسكر بمصر، ومحدثًا وفقيهًا شافعيًّا، والحسن بن رشيق العسكرى المحدث المشهور، وغيرهما.

*عسقلان

*عسقلان بلدة بفلسطين. تطل على ساحل البحر بين غزة ويافا شمالاً، وتقع فى الجنوب الغربى من يافا، وتبتعد عنها بنحو (50 كم)، يقع فى شماليها ميناء أسدود، وشرقيها بلدة المجدل، وعدت أحد أبواب مصر الشرقية. استولى عليها رمسيس الثانى عام (1285 ق. م)، وتوالت عليها الإمبراطوريات عدا اليهود الإسرائيليين، فلم تقع تحت أيديهم طوال التاريخ، لكنها اكتسبت أهمية خاصة إبان الحروب الصليبية. وفتحها المسلمون عام (15هـ = 636 م). وخضعت للحكم الفاطمى حتى عام (492 هـ = 1099 م)، ثم استولى عليها الصليبيون، ثم عادت إلى الحكم الفاطمى، ثم استولى عليها بلدوين الثالث فى (26 من جمادى الأولى 548 هـ = 19 من أغسطس 1153 م)، بعد توليه عرش بيت المقدس، وذلك بعد حصار دام سبعة أشهر، وتحول الجامع إلى كنيسة، ثم استعادها صلاح الدين الأيوبى فى (28 من رجب 584 هـ = 4 من سبتمبر 1187 م). ويُطلق عليها عروس الشام، ونزل بها جماعة من الصحابة والتابعين، وحدَّث بها عدد كثير منهم.

*البوسفور

*البوسفور مضيق وممر مائى، طوله (32 كم)، واتساعه (549 كم) فى أضيق جزء منه. يفصل تركيا الأوربية عن تركيا الآسيوية، ويصل البحر الأسود ببحر مرمرة. تقع إستانبول على كلا ساحليه. ويبلغ عرضه عند مدخله نحو (1500) مترًا، وتمتد على شاطئيه سلسلة من القرى المتجاورة أو من ضواحى مدينة إستانبول، أهمها: سكودار التى تقابل إستانبول. ويُعد البوسفور طريقًا استراتيجيًّا، ارتبط تاريخه بغزو دارا ملك الفرس لليونان، وفتح محمد الثانى للقسطنطينية، ومحاولة الحلفاء الاستيلاء على إستانبول إبان الحرب العالمية الأولى، وقد نصت معاهدة مونترو عام (1936 م) على حرية الملاحة المدنية فى البسفور أيام السلم، ومنع مرور سفن الدول المتحاربة فى حالة الحرب، وحياد تركيا.

*البنغال (بلاد)

*البنغال (بلاد) تقع فى إقليم البنغال فى الشمال الشرقى لشبه الجزيرة الهندية ، ويشمل هذا الإقليم نهر الجانج وبراهما بترا وفروعهما العديدة، من سفوح الهملايا شمالاً إلى ساحل خليج البنغال. تبلغ مساحة البنغال نحو (83) ألف ميل مربع. وينسب فتح المسلمين لإقليم البنغال إلى محمد بختيار خلجى قائد السلطان معز الدين محمد الغورى منذ عام (602 هـ = 1205 م)، واتخذ المسلمون لخنوتى عاصمة لهم، وحكمها بعد ذلك سلاطين عديدون، وتنقلت عاصمتها بين كور، وراج محل، ودكا، ومرشد آباد. سقطت البنغال فى يد الإنجليز بعد موقعة بلاسى عام (1171 هـ = 1757 م)، وأصبح حكامها المسلمون موالين للبريطانيين فى عام ( 1764 م). وفى عام (1947 م) قُسِّم البنغال قسمين بين الهند وباكستان: مقاطعة البنغال الشرقية، ومساحتها (130.157 كم2)، وعدد سكانها (41.932.329) نسمة، وهى متحدة مع باكستان الشرقية (بنجلاديش). وعاصمتها دكا. وتنتج كميات ضخمة من الجوت. ومقاطعة البنغال الغربية، ومساحتها (87.951 كم2)، وعدد سكانها (26.306.602) نسمة، وهى إحدى ولايات الهند. وعاصمتها كلكتا. وتضم ولاية كوش بهار سابقًا. وتُعدُّ منطقة صناعية غنية بمناجم الفحم.

*برلين

*برلين مدينة عالمية، وهى من أكبر مدن ألمانيا، مساحتها (883) كم2. عدد سكانها (3.4) مليون. وقد ظلت رمزًا لتقسيم ألمانيا وللمواجهة بين الشرق والغرب ومركزًا للحرب الباردة. وكانت عاصمة لألمانيا الشرقية، وبها بُنى جدار برلين فى (13 من أغسطس 1961م)، وسقط هذا الجدار فى (9 من نوفمبر 1989م) بعد الثورة السلمية فى جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وقد كانت الحاضرة الاقتصادية الأولى فى ألمانيا، والعاصمة الثقافية لأوربا كلها فى العشرينيات الذهبية ومن المتوقع أن يصل عدد سكانها عام (1420هـ = 2000م) إلى ثمانية ملايين نسمة. ولاتزال حتىاليوم أكبر موقع صناعى فى أوربا، وبها ثلاث دور للأوبرا، وهى أشهر مدن العالم فى مجال المتاحف. وتضم برلين ثلاث جامعات، هى: هومبولت والجامعة الحرة، والجامعة التقنية، كما تضم عددًا من مراكز البحوث، مثل: معهد هان - ماينر ومعهد هاينرش هيرتز. وقد اعتمدها البرلمان الألمانى مقرًا للحكومة، إضافة إلى كونها العاصمة لألمانيا الموحدة.

*إيطاليا

*إيطاليا دولة أوربية مساحتها (301225) كم2. تقع جنوب قارة أوربا. تحدها من الشمال النمسا وسويسرا، والبحر المتوسط من الجنوب، والبحر الأدرياتى ويوغسلافيا السابقة من الشرق، والبحر التيرانى وفرنسا من الغرب. ومناخ إيطاليا حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً. وأهم مواردها الاقتصادية: الزراعة، والثروة الحيوانية، والثروة المعدنية، والصناعة خاصة الحديد والصلب، ومصادر طاقتها: الغاز الطبيعى والكهرباء والبترول، وإن كان قليلاً. ويعمل بالصناعة نحو (41%) من القوى العاملة، ويعتمد اقتصادها على القيام بدور الوسيط بين كثير من دول العالم، وتُعد السياحة من أهم موارد الدخل القومى الإيطالى. وأهم مدنها: روما ونابولى وتورينو وفينسيا أو (البندقية) وجنوة وجزيرتا صقلية وسردينيا. وعدد سكانها (57.425.000) نسمة، وعدد المسلمين فيها نحو (400) ألف مسلم. واللغة الرسمية هى الإيطالية، وهناك لهجات خاصة، إلى جانب الألمانية لدى بعض سكان الشمال، والديانة السائدة فى إيطاليا: مسيحية كاثوليكية، يوجد فى روما مقر الكنيسة الكاثوليكية الغربية. وقد مرَّ تاريخ إيطاليا بمراحل كثيرة حتى وصلت إلى تكوين إمبراطورية. بعد موقعة أكتيوم البحرية سنة (31 ق. م)، ثم أخذت تفقد مكانتها منذ منتصف القرن (3 م)، وتعرضت لغزو القبائل الجرمانية. وقد ظهر المسلمون كقوة فى القرن (3هـ = 9م) حتى غلبهم النورمان، ووقعت إيطاليا تحت النفوذ الأجنبى حتى الستينيات من القرن (19م)، وجاءت الحرب العالمية الأولى والثانية، فاحتل الإيطاليون الحبشة سنة (1354هـ = 1935م)، واستقال موسولينى بعد هزيمته، وفى (رجب 1365هـ = يونيو 1946م) ألغيت الملكية، وأعلنت الجمهورية، وفى (جمادى الآخرة 1374 هـ = يناير 1955م) انضمت إيطاليا إلى عصبة الأمم. والبرلمان فى إيطاليا ينقسم إلى مجلس النواب (مدته خمس سنوات)، والشيوخ (السناتو) (ومدته ست سنوات). وتُعانى

إيطاليا من مشكلتين: النظام الانتخابى، والإرهاب وعصابات المافيا، وأشهر الأحزاب فيها هو الحزب المسيحى الديمقراطى، وهو المهيمن على بقية الأحزاب. كما يُوجد بها الحزب الشيوعى والحزب الليبرالى والحزب الاشتراكى.

*إيجة (بحر)

*إيجة (بحر) ذراع من البحر المتوسط. طوله نحو (643.5) كم، وعرضه نحو (322) كم. يقع بين اليونان وآسيا الصغرى ويربطه الدرنيل ببحر مرمرة، واسمه القديم أرخيبلاجو، ويُطلق الآن على جزره العديدة التى تشمل أيوبوتا وسبورادس الشمالية وسبورادس الجنوبية وسايكلادس ودوديكانس. ومن بين روايات الإغريق القدماء أن اسم هذا البحر اشتُق من اسم العاصمة القديمة لمقدونيا مدينة إيجى. ويضم هذا البحر ثلاث مجموعات من الجزر.

*أطنة

*أطنة أطنة أو أدنة أو أذنة أو أضنة: مدينة جنوب تركيا فى الأناضول (آسيا الصغرى). تقع على الضفة اليسرى لنهر سيهان، وهى عاصمة ولاية سيهان، وتُعد رابعة مدن تركيا حجمًا، كما أنها مركز تجارى مهم. وعدد سكانها (190.000) نسمة. وقيل: بناها الرومان وجُددت عمارتها فى الدولة العباسية، وقيل: بناها هارون الرشيد سنة (90هـ)، لكنه لم يتم بناءها، فأكمله ابنه محمد الأمين. ازدهرت إبان الحكم الرومانى والبيزنطى، واستولى عليها الجيش المصرى وحكمها من سنة (1832م) إلى سنة (1840م) بقيادة إبراهيم باشا، وجعل منها قاعدة حربية للزحف على الأناضول، وبعد معاهدة لندن سنة (1840م) استولت عليها القوات الفرنسية، واحتلتها فرنسا من سنة (1919 - 1921م )، وعُقد فيها مؤتمر الحلفاء سنة (1943م). ومن آثارها الإسلامية: أطلال قلعة قديمة يُنسب بناؤها إلى هارون الرشيد عام (166هـ = 782م) فى أثناء ولايته العهد، وأولو جامع الذى بناه بيرى بك.

*الأدرياتك (بحر)

*الأدرياتك (بحر) ذراع من البحر المتوسط يقع بين إيطاليا وشبه جزيرة البلقان. وطوله (804) كم، وعرضه من (93 - 255) كم، وأقصى عمق له (1230م). وسواحله الغربية والشمالية المنخفضة تنتمى إلى إيطاليا، فى حين تنتمى سواحله الشرقية الوعرة إلى يوغوسلافيا وألبانيا. ومن أهم الموانئ عليه تريست والبندقية، وبارى، وفيومى وبرنديزى.

*كراتشى

*كراتشى مدينة بباكستان الغربية، على بحر العرب، وهى المركز الحضرى فى باكستان، وقد تطورت لتصبح الميناء والمخرج الرئيسى الوحيد لحوض السند، وكانت أهم الثغور منذ سنة (1843م) فى شمالى غربى الهند، ثم أصبحت عاصمة للدولة الجديدة، بعد تقسيم شبه القارة الهندية عام (1947م)، ومع أن أهميتها كانت فى ازدياد وسكانها فى نمو مستمر قبل هذا العام، فبعد أن غدت عاصمة للدولة تضاعفت الأعداد من (400) ألف نسمة إلى مليون نسمة سنة (1951م)، ثم إلى خمسة ملايين نسمة سنة (1983م). وفى عام (1959م) رأت الحكومة نقل العاصمة إلى روالبندى تمهيدًا لنقلها نهائيًّا إلى المدينة التى كان يجرى تخطيطها؛ لتكون عاصمة للدولة، وهى إسلام آباد، ورغم ذلك فإن كراتشى بقيت المركز الصناعى الرئيسى؛ ففيها تتركز وتنمو الصناعات الهندسية والمنسوجات، والمواد الغذائية. كما أنها سوق مهم للإقليم الزراعى الذى تقع فيه، ومركز تجارى مرموق، وبها مطار دولى هو أهم مطار فى شبه القارة الهندية؛ لأنه يقع على خط من أهم الخطوط العالمية. ومع ذلك فهى تعانى من التضخم السكانى؛ بسبب الهجرة الداخلية من الريف، والهجرة الخارجية للوافدين إليها عقب تقسيم شبه القارة الهندية.

*كابل

*كابل عاصمة أفغانستان. تقع على نهر كابل فى منطقة مشهورة بزراعة الفاكهة، على ارتفاع (1760) مترًا من سطح البحر، وهى كبرى مدن أفغانستان. تحيط بها سلسلة من السهول الفيضية الخصبة، يتراوح ارتفاعها بين (1700، و 2000) متر. كما تقع كابل على الطريق إلى ممر خيبر الذى يوصلها إلى مدينة بشاور بباكستان. والمدينة قسمان: الشرقى، يمثل المدينة القديمة، والغربى، يمثل المدينة الحديثة، وفى وسطها العمود التذكارى كرمز لانتصارهم على الجيوش الإنجليزية سنة (1919م)، وبالمدينة متحف كبير، وجامعة كابل التى أُسست سنة (1931م). ويعود تاريخ كابل إلى سنة (770 ق. م)، ومرت بها جيوش الغزاة والفاتحين عبر التاريخ، وفيها التقت الثقافات والحضارات المختلفة، من هندية ويونانية وفارسية ومغولية وعربية، وكانت قاعدة لانطلاق هذه الحضارات إلى غيرها من الدول والبلدان. وبدأت نهضة كابل فى مستهل القرن الأول قبل الميلاد، وتقدمت عمرانيًّا وماديًّا فى عهد الكوشانيين، وأصبحت مركزًا روحيًّا مهمًّا، واتخذها السلطان المغولى بابر ظهير الدين محمد عاصمة ملكه سنة (1504 - 1519م)، ثم عاصمة لأفغانستان فى عهد الملك تيمورشاه سنة (1776م) بدلاً من قندهار، وبرزت أهميتها فى أثناء الحرب الأفغانية الأولى (1839 - 1842م). وبالمدينة مصانع للمنسوجات والملابس والجلود، كما تشتهر بتجارتها مع الهنود والفرس.

*قيسارية

*قيسارية بلدة بفلسطين. تقع على ساحل بحرالشام على بعد (42) كم إلى الجنوب الغربى من حيفا، على ارتفاع قرابة (10م) عن سطح البحر، فى منطقة تُعد جزيرة بين الكثبان الرملية التى تحفُّ بالشاطئ بمسافة تتراوح بين (2.1) كم، تاركة نحو (1.5) كم تمثل المنطقة التى تقع فى وسطها البلدة. ويعتمد اقتصادها على الزراعة، خاصة البرتقال. وأول بُناتها الكنعانيون (الفينيقيون)، وأسموها برج ستراتون، وجُددت فى عام (10 ق. م) على يد هيرودس، وسماها قيصرية. واحتلها الفرس عام (1613م)، واسترجعها الرومان، ثم حاصرها عمرو بن العاص، رضى الله عنه، عام (13هـ =634م)، وفتحت عام (19هـ = 640م) على يد معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، وفى عام (975 م)، احتلها البيزنطيون من الفاطميين، ثم استعادها الفاطميون، وتداولها المسلمون والإفرنج بين سنتى (1101 - 1265م)، واحتلها الظاهر بيبرس إلى أن نزلها البشانقة (مسلمو البوسنة والهرسك) عام (1878 م)، فعمروها، وشرد الصهيونيون أهلها ودمروها عام (1948م). ويُنسب إلى قيسارية عبد الحميد الكاتب المُتوفِّى سنة (132هـ = 750 م) 0

*قنسرين

*قنسْرين مدينة سورية، كانت هى وحمص شيئًا واحدًا. فتحها المسلمون على يد أبى عبيدة بن الجراح، رضى الله عنه. وكانت عامرة حتى سنة (351هـ) حين تغلب الروم على مدينة حلب وقتلوا جميع مَنْ كان بها، فخاف أهل قنسرين، ودُمرت سنة (355هـ). وينسب إليها جماعة من أهل الحديث، أشهرهم: أبو بكر محمد بن بركة المعروف ببَرْدَاعَس، المتوفَّى سنة (328هـ). ومنها هاجرت عدة قبائل، واستوطنت جيَّان بالأندلس.

*السند

*السند ولاية أقامها المسلمون فى القرن (1هـ = 7 م)، وشملت الحوض الأدنى لنهر السند؛ فكانت بذلك بوابة بلاد الهند التى فتحها المسلمون. ولم تكن هذه البلاد مجهولة للعرب قبل الإسلام؛ إذ كانت تجارتها تمر بالأرض العربية عن طريق اليمن أو البحرين إلى سواحل الشام ومصر. ومرت علاقة الدولة الإسلامية بالسند بعدة مراحل، بدأت بحملة بحرية بقيادة المغيرة بن أبى العاص الثقفى عام (15هـ)، واستطلع المسلمون أمر الهند فى خلافة عثمان، وقاد الحارث بن مرة حملة إليها فى خلافة على بن أبى طالب. وتعددت الحملات عليها فى خلافة الدولة الأموية، وأشهرها التى قادها المهلب بن أبى صفرة فى خلافة معاوية بن أبى سفيان عام (44هـ = 664م) حتى بلغ الأهوار (لاهور)، وتكررت الحملات بعد ذلك للقضاء على الخارجين علىالدولة الإسلامية، أهمها كانت بقيادة محمد بن القاسم بن أبى الحجاج. وبدأ الضعف يتغلغل فى أنحاء الدولة الإسلامية فى السند؛ بسبب ضعف الولاة الأمويين والصراعات القبلية، وواجه العباسيون ما لاقاه الأمويون من قبل، وانتشر التشيع، وخاصة للعلويين؛ فانتشر فكر الطائفة الإسماعيلية، وقد أدى كل هذا إلى انحطاط شأن السند، حتى ثبَّتت الشيعة الإسماعيلية أقدامها، واستطاع جلم بن شيبان الاستيلاء على السند وأقام أول دولة إسماعيلية فى الهند.

*سجلماسة

*سجلماسة مدينة مغربية مندثرة. كانت تقع على الجانب الأيسر لوادى زيز فى إقليم تافيلالت الذى يمتد فى الجنوب الشرقى من الصحراء المغربية. واختار مكانها بربر مكناسة؛ فقد بدأ عيسى بن يزيد - أحد زعمائهم - بناءها عام (140 هـ = 757 م)، إلا أن عمرانها يُنسب إلى اليسع بن سمعون والد مدرار مؤسس دولة بنى مدرار التى جعلت سجلماسة عاصمة لها. وحتى عام (296 هـ = 908 م)؛ حيث انتهى حكمهم. وقد استوطن إقليم تافيلالت الأشراف العلويون، وبايع أهل سجلماسة المولى محمد بن الشريف، وجاء بعده أخوه المولى الرشيد، وجعل سجلماسة عاصمة لدولة الأشراف، إلى أن جاء المولى إسماعيل فنقل العاصمة إلى مكناسة الجديدة عام (1048 هـ = 1673 م)، ففقدت سجلماسة أهميتها، وامتد إليها الاضمحلال، وتحولت إلى أطلال. وقد زار ابن بطوطة سجلماسة، وقال: إنها من أجمل البلدان.

*سوسة

*سوسة ميناء تونسى، وهى تطل على مدينة الحمامات بين تونس فى الشمال وصفاقس فى الجنوب، وهى أقرب ما تكون إلى القيروان التى تقع غربيها. وتُعدُّ سوسة أقدم تاريخًا من قرطاجنة. وتضم أطلالها القديمة عدة مقابر رومانية، فضلاً عن سورها وقلعتها، وتشتهر بالنسج والحياكة. وقد اتخذها الألمان إبان الحرب العالمية الثانية قاعدة عسكرية، واستولى عليها الحلفاء سنة (1943 م).

*سرخس (مدينة)

*سرخس (مدينة) مدينة قديمة. تقع الآن فى ولاية خراسان الإيرانية، بالقرب من حدودها مع تركمانستان، وهى مدينة يقل فيها المطر، وليس فيها أنهار سوى نهر صغير لاتدوم فيه المياه طوال السنة، وتعتمد المدينة على مياه الآبار العذبة فى سد احتياجاتها. وقد فتحها المسلمون بقيادة الأحنف بن قيس سنة (21 هـ = 642 م) أثناء خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما، وكانت من مراكز الدعوة العباسية فى أوائل القرن الثانى الهجرى، ثم دخلت تحت إمرة الغزنويين، ثم السلاجقة ثم الخوارزميين، ثم استولى عليها التيموريون، وضموها إلى حكمهم. ويُنسب إليها بعض العلماء، ومنهم: الفقيه الشافعى أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد السرخسى، والفقيه أبو على زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى السرخسى، وأبو العباس بن الطيب السرخسى عالم الرياضيات والفلك والفلسفة والموسيقى، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسى الذى كان من الثقات فى رواية الحديث وأخذ عنه الإمامان الجليلان البخارى ومسلم.

*شلب

*شلب مدينة أندلسية، كانت من أهم المواقع فى أقصى الجنوب الغربى؛ بسبب موقعها الاستراتيجى، فهى تقع على حدود جمهورية البرتغال، بالقرب من ساحل المحيط الأطلنطى على نهر أراد، كما أنها تقع بالقرب من ميناء شنتمرية. وكانت هذه المدينة قاعدة لولاية الغرب تحت الحكم الإسلامى الذى امتد نحو خمسة قرون، ثم أصبحت تابعة لمملكة إشبيلية أثناء عصر الطوائف. وتولى إمرتها الشاعر ابن عمار - وكان من أبنائها - فى عهد المعتمد بن عباد، واستقلت المدينة عن إشبيلية فى عصر المرابطين والموحدين، ثم عمل البرتغاليون على الاستيلاء عليها سنة (585 هـ = 1189 م)، وحاصروها ثلاثة أشهر، ومنعوا عنها مياه الشرب، واستعانوا بالقوات البحرية الصليبية من الإنجليز والألمان، ولكن السلطان الموحدى المنصور تمكن من استعادة هذه المدينة من أيدى البرتغاليين بعد عامين من غزوهم، وتمَّ له ذلك فى (جمادى الآخرة 587 هـ = يوليو 1191 م)، إلا أن البرتغاليين استولوا على المدينة ثانية سنة (640 هـ = 1242 م) ولاتزال تحت أيديهم حتى الآن.

*إقليم السوس

*إقليم السوس اسم يُطلق على إقليمين بالمغرب؛ يُعرف أحدهما بإقليم السوس الأدنى، ويعرف الآخر بإقليم السوس الأقصى. وقد ظهر اسم هذا الإقليم منذ الفتح الإسلامى لبلاد المغرب؛ حيث مدَّ عقبة بن نافع فتوحاته الإسلامية سنة (62 هـ = 681 م) غربًا إلى المغرب الأقصى حتى طنجة، ثم اتجه جنوبًا محاذيًا الساحل إلى إقليم السوس الأدنى، وأحرز انتصارات كبيرة على البربر من قبيلة المصامدة، ثم واصل ابن نافع انتصاراته، واتجه إلى إقليم السوس الأقصى، وأمَّن الناس على حياتهم، وبنى فيها مسجدًا. ويُعد ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، من أبرز الشخصيات التى تُنسب إلى إقليم السوس.

*الأرجنتين

*الأرجنتين إحدى دول قارة أمريكا الجنوبية. وتمتد من وسط القارة إلى أقصى جنوبها، بين خطى عرض (22 ْ، 55 ْ)، جنوبى خط الاستواء. والأرجنتين. لفظة إسبانية تعنى: أرض الفضة. ومساحة الأرجنتين نحو (2.800.000 كم2)، ويشاركها فى الحدود (6) دول هى: بوليفيا وباراجواى والبرازيل شمالاً، والبرازيل وأورجواى شرقًا، وشيلى غربًا، وتطل على المحيط الأطلنطى من الجنوب. وتلى الأرجنتين البرازيل من حيث عدد السكان، ويُعد معدل النمو السكانى فيها من أعلى المعدلات فى العالم؛ إذ كان عدد السكان سنة (1970 م) نحو (23.5) مليون نسمة، ثم أصبح نحو (32.880) مليون نسمة حسب إحصائية سنة (1990 م)، فى حين أنه لم يكن يسكنها منذ قرن واحد سوى (1.5) مليون نسمة. وأهم مدن الأرجنتين: العاصمة بيونس أيرس، وقرطبة، وتقع فى وسط البلاد، وروزاريو، وتقع فى شمال البلاد. واللغة الرسمية للأرجنتين هى الإسبانية، والديانة الرسمية هى المسيحية الكاثوليكية، كما تُوجد أقلية مسلمة يبلغ عددها نحو (100) ألف، ويوجد فى العاصمة بيونس أيرس الجمعية الإسلامية الخيرية. ويقوم الاقتصاد الأرجنتينى على الزراعة، وأهم المحاصيل فيها: القمح والذرة والشعير والأرز والقطن، كما تمتلك ثروة حيوانية ضخمة تُمثل مع الزراعة نحو (90 %) من صادراتها. وأهم الصناعات فى الأرجنتين: المنسوجات، والورق، والمطاط، والحديد، والآلات الميكانيكية، كما يستخرج من أرص الأرجنتين بعض المعادن، مثل: الحديد والمنجنيز والكبريت والفضة والذهب.

*الصحراء الكبرى

*الصحراء الكبرى هى صحراء شمال إفريقيا، وهى المنطقة الصحراوية الكبرى فى العالم. وتمتد من المحيط الأطلنطى إلى البحر الأحمر، ومن البحر المتوسط إلى السودان، ويحدها من الشمال جبال أطلس. وبالصحراء الكبرى كثبان رملية عالية، ثابتة ومتحركة، ويُعد معظمها هضبة قليلة الارتفاع، لكنها تتميز بوجود كتل بركانية ومنخفضات تقع تحت مستوى سطح البحر. وكان معظم سكان الصحراء الكبرى فى العصور القديمة من الزنوج السودانيين، ثم أصبحت السيادة للبربر ثم للعرب. ويقطع الصحراء الكبرى - الآن - طرق السيارات، وقد فكر العلماء فى إنشاء خط حديدى يعبرها من الشمال إلى الجنوب، فلم ينفذ سوى جزء صغير منه فى القطاع الشمالى. وزادت أهمية الصحراء الكبرى بعد اكتشاف البترول فيها.

*قابس

*قابس مدينة بين طرابلس وصفاقس والمهدية على ساحل البحر المتوسط، على بعد (320 كم) من مدينة تونس ناحية الجنوب. وقد فتحها المسلمون مع القيروان سنة (27 هـ). وهى ذات مياه جارية، وتشتهر بصيد الأسماك وبساتين الرمان والمشمش، بالإضافة إلى وجود (300) ألف شجرة نخيل بها، كما أنها تصدر كميات كبيرة من التمر. ويُنسب إلى قابس طائفة كبيرة من العلماء، منهم: عبد الله بن محمد القابسى، ومحمد بن رجاء القابسى، وعيسى بن أبى عيسى بن نزار بن بجير أبو موسى القابسى الفقيه المالكى الحافظ.

*النجف

*النجف مدينة عراقية تقع على مقربة من نهر الفرات وتبعد (161 كم) إلى الجنوب من بغداد، بناها هارون الرشيد فى القرن (2هـ = 8م)، وتتبع الآن محافظة كربلاء، وكانت تعدُّ مركزًا مهمًّا لتعليم العلوم الدينية واللغة العربية. ويوجد بها مدفن الإمام على، رضى الله عنه، الذى يتميز بقبته الذهبية الشامخة ومنارتيه المذهبتين، والذى يحوى نفائس لا تقدر بثمن، من هدايا الملوك والسلاطين.

ملحق: الأمم والشعوب والقبائل

*النورمان شعب أوربى، استقر فى مقاطعة نورماندى الواقعة شمال غرب فرنسا فى القرن التاسع الميلادى، وينتمى النورمان (أى: رجال الشمال) إلى قبائل الفايكنج الذين كانوا يسكنون إسكاندافيا، ثم نزحوا إلى نورماندى واستقروا بها واعتنقوا المسيحية، وتأثروا بالحضارة الفرنسية مع احتفاظهم بحبهم للغزو والمغامرة، وأصبحت نورماندى من أغنى المقاطعات الأوربية فى القرن الحادى عشر الميلادى، ثم انتقل النورمان واستقروا فى جنوب إيطاليا وأسسوا مدينة أفرسا سنة (1030م) التى أصبحت مركزًا لتجمعهم، وانتصروا على البابا ليو التاسع سنة (1053 م)، ثم حصلوا على شرعية حكمهم لجنوب فرنسا من البابا مقابل دفعهم مبلغًا من المال سنويًّا، وشنوا الغارات على الدولة البيزنطية وفتحوا إنجلترا سنة (1066م) على يد وليم الفاتح، وأدخلوها تحت حكمهم، واستطاعوا فتح جزيرة صقلية المسلمة على يد رجار سنة (1091م) بعد حروب استمرت (30) سنة، وكان لهم دور فعال فى بداية الحروب الصليبية، وقد سيطر الفرنسيون على نورماندى سنة (1450م).

*الألبان

*الألبان شعب غالبيته تدين بالإسلام، وقد كان يُعرف أيام العثمانيين بالأرناؤوط، وينحدر الألبان من الإلبريين القدماء الذين سكنوا البلقان، وأسسوا حضارة ودولة لهم اصطدمت بالإمبراطورية الرومانية فى عدة حروب، ثم خضعت للرومان سنة (168 ق. م)، وقد اعتنقوا بعد ذلك المسيحية، وعرف الألبان الإسلام خلال حكم العثمانيين فى النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى، ولم يلبث الإسلام أن انتشر بينهم خلال القرن السادس عشر، بالإضافة إلى اللغة العربية. وأفاد العثمانيون من الألبان فى الجيش والإدارة فى البلاد المختلفة، وأدى ذلك إلى اختلاطهم واندماجهم مع سكان هذه البلاد. واشتهر من الألبان عدد من الولاة، مثل: محمد على باشا والمعمارى الشهير سنان باشا، وقد استقل الألبان عن الدولة العثمانية سنة (1912م) بعد الحرب البلقانية، ويعيش معظم الألبان داخل دولة ألبانيا، بالإضافة إلى بعض الأقليات الألبانية فى الخارج مثل يوغسلافيا.

*البربر

*البربر هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا من حدود مصر الغربية إلى المحيط الأطلنطى، وهم ليسوا سلالة نقية، ولكنهم أخلاط سلالية وحضارية متعددة على مر التاريخ. ويسكنون الآن مناطق منفصلة متباعدة فى الصحراء الكبرى من واحة سيوة إلى موريتانيا وجبال الأطلس فى المغرب والجزائر. ويعود مصطلح البربر فى الأغلب إلى الأصل اللاتينى بربارى، أى: الشعوب الأجنبية بالنسبة إلى الرومان، وقد كانت القبائل البربرية تقاوم كل أجنبى يغزو بلادها، فقاوموا القرطاجنيين والرومان والوندال والقوط والروم البيزنطيين، كما قاوموا الفتح الإسلامى لبلادهم مقاومة شديدة كانت سببًا فى إطالة مدته التى استمرت أكثر من نصف قرن تقريبًا، وأشهر المعارك التى دارت بين المسلمين والبربر موقعة تهودة سنة (62هـ)، التى استشهد فيها عقبة بن نافع الفهرى، ومعارك حسان بن النعمان مع كاهنة البربر، التى انتهت بهزيمتها سنة (83هـ). وشارك البربر - بعد إسلامهم - فى الفتوح الإسلامية فى الأندلس، ونبغ القائد البربرى طارق بن زياد فى هذا الفتح، وقام البربر بعدة ثورات ضد العرب فى المغرب والأندلس، وانضموا إلى صفوف الخارجين على دولة بنى العباس، وساعدوا على إقامة دول مستقلة، مثل الأدارسة والرستمية، كذلك ظهرت للبربر كيانات مستقلة، مثل دول: بنىزيرى وبنى يفرن والحمارية والمرابطين وبنى مرين وبنى وطاس. واشتهر من البربر عدد من الأعلام، منهم: طارق بن زياد فاتح الأندلس، ويوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين، والمهدى بن تومرت مؤسس دولة الموحدين. وقد فشل الفرنسيون فى القرن العشرين فى إذكاء روح الفرقة بين العرب والبربر. وأهم القبائل البربرية: القبايل وتوات وبربر الريف وشلوح.

*الأتراك

*الأتراك جماعة عرقية استقرت بعد هجرتها من موطنها الأصلى فى وسط آسيا، فيما يسمى اليوم بجمهورية تركمانستان، ولهذه الجماعة العرقية امتداد فى شمال إيران وشمال غرب أفغانستان. اعتمد الترك فى حياتهم على الرعى والتجارة؛ ولذا كثر ترحالهم، ثم اتجهوا إلى الزراعة، وقد فصل نهر المرغاب بين الشعوب التركية والفارسية. وتعددت القبائل التركية فنجد الترك القراخانية والترك القفجاق، والترك البلغار. وساهم الترك فى نشر الإسلام فوطَّد محمود بن سبكتكين الغزنوى دعائم الحكم الإسلامى فى الهند، وكان للترك نفوذ كبير أيام العباسيين حتى إنهم استولوا على بغداد سنة (447هـ)، واستطاعوا نشر الإسلام فى آسيا الوسطى بعد انتصارهم على الروم البيزنطيين فى موقعة ملاذكرد سنة (470هـ)، ثم قام الأتراك العثمانيون بتأسيس إمبراطورية بلغت ذروة مجدها فى القرن العاشر الهجرى، واستمرت حتى سنة (1343هـ). وينتمى المماليك إلى العنصر التركى، واستطاع المماليك إقامة دولة تركية فى مصر عندما استطاع أيبك التركمانى تأسيس دولة للمماليك أطلق عليها المماليك البحرية. ويمكن تقسيم الأتراك الموجودين حاليًّا من حيث الأصل السلالى واللغوى إلى قسمين: أحدهما: الأتراك الخُلَّص، وهم الذين يعيشون فى تركيا، بالإضافة إلى الأقليات التركية فى بلغاريا والجبل الأسود وكريت وقبرص. والآخر المتأتركون: وهم مجموعة من الشعوب المختلفة ثقافيًّا ولغويًّا، غير أنها اختلطت بأصول تركية، ومن هذه الشعوب: قازاقستان وأذربيجان وتركمانستان.

*الترك

*الترك جماعة عرقية استقرت بعد هجرتها من موطنها الأصلى فى وسط آسيا، فيما يسمى اليوم بجمهورية تركمانستان، ولهذه الجماعة العرقية امتداد فى شمال إيران وشمال غرب أفغانستان. اعتمد الترك فى حياتهم على الرعى والتجارة؛ ولذا كثر ترحالهم، ثم اتجهوا إلى الزراعة، وقد فصل نهر المرغاب بين الشعوب التركية والفارسية. وتعددت القبائل التركية فنجد الترك القراخانية والترك القفجاق، والترك البلغار. وساهم الترك فى نشر الإسلام فوطَّد محمود بن سبكتكين الغزنوى دعائم الحكم الإسلامى فى الهند، وكان للترك نفوذ كبير أيام العباسيين حتى إنهم استولوا على بغداد سنة (447هـ)، واستطاعوا نشر الإسلام فى آسيا الوسطى بعد انتصارهم على الروم البيزنطيين فى موقعة ملاذكرد سنة (470هـ)، ثم قام الأتراك العثمانيون بتأسيس إمبراطورية بلغت ذروة مجدها فى القرن العاشر الهجرى، واستمرت حتى سنة (1343هـ). وينتمى المماليك إلى العنصر التركى، واستطاع المماليك إقامة دولة تركية فى مصر عندما استطاع أيبك التركمانى تأسيس دولة للمماليك أطلق عليها المماليك البحرية. ويمكن تقسيم الأتراك الموجودين حاليًّا من حيث الأصل السلالى واللغوى إلى قسمين: أحدهما: الأتراك الخُلَّص، وهم الذين يعيشون فى تركيا، بالإضافة إلى الأقليات التركية فى بلغاريا والجبل الأسود وكريت وقبرص. والآخر المتأتركون: وهم مجموعة من الشعوب المختلفة ثقافيًّا ولغويًّا، غير أنها اختلطت بأصول تركية، ومن هذه الشعوب: قازاقستان وأذربيجان وتركمانستان.

*قريش (قبيلة)

*قريش (قبيلة) قبيلة كبيرة من قبائل العرب، سُميت بقريش لقولهم: فلان يتقرش مال فلان، أى: يجمعه شيئًا إلى شئ، وكانت تُنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مُدْركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وتنقسم قريش إلى قسمين كبيرين: أحدهما: قريش البطاح، ومنهم: بنو عبد مناف وبنو عبد العزى وبنو عبد الدار وبنو زهرة، وبنو تيم، وغيرهم. والآخر: قريش الظواهر، ومنهم: قبائل بنى عامر بن لؤى. وكانت بطون قريش متفرقة فى أرض العرب، فجمعها قصى بن كلاب وحارب بهم قبيلة خزاعة، وأخرجها من حول البيت الحرام، وجمع قومه فى مكة، وأصبح ملكًا عليهم. وعندما بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حاربته قريش فى أكثر من غزوة، منها: بدر الكبرى، وأحد، والأحزاب، أو (الخندق)، وهى الغزوة التى تحالفت فيها قريش مع غطفان ويهود المدينة المنورة، ولكن قريشًا ما لبثت أن دخلت فى الإسلام عندما فُتحت مكة سنة (8هـ = 629م). وكانت قريش تعتمد على التجارة مع الحبشة وبلاد الشام، واشتهر عنهم قيامهم برحلتى الشتاء والصيف. وكانت تعبد الأصنام التى وُضعت حول الكعبة وداخلها، ومن أشهر تلك الأصنام: هبل وأساف، ونائلة ومناة، والعزى، وكانت قريش تجمع من أموالها لكساء الكعبة. وتنقسم قريش فى الوقت الحاضر إلى قسمين: أحدهما: الأشراف القرشيون، وهم بقايا قريش الذين يقيمون فى منى وعرفات وماجاورهما. والآخر: يطلق على فرع من ثقيف يُسمى قريشًا، ويقيم بالقرب من الطائف.

*صنهاجة

*صنهاجة قبيلة كبرى من قبائل البربر ببلاد المغرب العربى، ترجع إلى أصل عربى حميرى يمنى، وكانت هذه القبيلة تؤيد الدولة الفاطمية ضد قبائل زناتة التى كانت تؤيد الدولة الأموية بالأندلس؛ ولهذا فقد نشأ بين القبيلتين نزاع شديد استمر عدة قرون. وكان لهذه القبيلة عدة إمارات مستقلة فى عدة جهات مختلفة، منها: إمارة بنى زيرى بتونس، وإمارة بنى حمَّاد بالجزائر، إلى جانب دولة المرابطين بالمغرب العربى والأندلس. ولاتزال هناك عدة قبائل تحمل اسم صنهاجة نفسه حتى الآن بإقليمى تازة والناظور.

*مغرادة

*مغرادة فرع من قبيلة زناتة الكبرى. ظهرت فى نهاية القرن الرابع الهجرى، عندما انضمت هذه القبيلة إلى الدولة الأموية بالأندلس، فحاربت دولة الأدارسة. وأسس زعيمها زيرى بن عطية إمارة مستقلة، استمرت إلى ما يقرب من نصف قرن من سنة (381هـ) إلى سنة (428هـ)، وكانت عاصمتها مدينة وجدة.

*لمتونة

*لمتونة قبيلة كبيرة من قبائل البرانس الصنهاجية، كانت تسكن الصحراء الكبرى بين بلاد المغرب والسودان، ومن أبزر رجالها: أبو بكر بن عمر، ويحيى بن عمر، ويوسف بن تاشفين، مؤسسو دولة المرابطين بالمغرب.

*أمية (بنو)

*أمية (بنو) أمية إحدى البطون القرشية الكبيرة التى تُنسب إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مُرَّة، أحد سادات قريش فى الجاهلية. كان بنو أمية يسكنون الحجاز، ثم تفرقوا بعد انتشار الإسلام فىالبلاد، فسكنوا الشام ومصر والأندلس، وغيرها. وقد أقام بنو أمية دولتين إسلاميتين، عُرفتا بنسبتهما إليهم، هما: الدولة الأموية فى المشرق، وعاصمتها دمشق، وقد ظلت تحكم العالم الإسلامى من نحو سنة (41 - 132هـ)، ومن أبرز رجالها: معاوية بن أبى سفيان مؤسس الدولة الأموية بالشام، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك والخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وقد انتهى حكم بنى أمية فىالمشرق بعد مقتل مروان بن محمد سنة (132هـ). أما الدولة الإسلامية الثانية التى أقامها بنو أمية فكانت فى الأندلس، وظلت تحكم الأندلس نحو (284) سنة، من سنة (138 - 422 هـ). وينقسم حكم بنى أمية فى الأندلس من حيث نظام الحكم إلى ثلاثة أقسام، هى: عهد الولاية: ويبدأ سنة (92هـ) وينتهى سنة (138هـ). وعهد الإمارة: ويبدأ سنة (138هـ) بإمارة عبد الرحمن بن معاوية الملقب بعبد الرحمن الداخل، وصقر قريش الذى يُعد مؤسس الدولة الأموية فى الأندلس، وينتهى سنة (316هـ). وعهد الخلافة: ويبدأ سنة (316هـ)، وينتهى سنة (422هـ). وقد بدأ هذا العهد بأعظم خلفاء بنى أمية فى الأندلس وهو عبد الرحمن الناصر. وقد انتهت دولة بنى أمية فى الأندلس بعزل هشام الثالث سنة (422هـ)، وصار الحكم بعد ذلك لملوك الطوائف.

*الغساسنة

*الغساسنة قبائل عربية أزدية يمانية، حكمت حوران والبلقاء والغوطة ببلاد الشام، وأقامت مملكة عربية مسيحية بمساعدة الروم البيزنطيين، كانت درعًا للروم تحميهم من هجمات الفرس وعرب المناذرة. واسم الغساسنة - فى رأى البعض - مأخوذ من عين ماء سقوا منها، اسمها غسان. ويعرف الغساسنة - أيضًا - بآل جفنة نسبة الى أول ملك لهم، ويسمى جفنة بن عمرو. وقد استقر الغساسنة - بعد ترحال - فى جنوب شرقى دمشق فى أواخرالقرن الثالث الميلادى، ولم تكن لهم عاصمة محددة، فقد كانت الجولان والجابية أهم حواضرهم، واعتنقوا المسيحية على المذهب اليعقوبى، الذى ينادى بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح، عليه السلام. وساند الغساسنة الروم فى حربهم ضد الفرس فى مواقع كثيرة، وتعاظمت قوتهم وحاولوا الإفلات من سيطرة الروم؛ لذلك وقع قتال بينهم وبين الروم، انتهى بأسر النعمان بن المنذر، ملك الغساسنة، سنة (583 م) ونفيه إلى جزيرة صقلية. وبذلك انفرط عقد القبائل الغسانية. واستغل الفرس ذلك واستولوا على سوريا، وبيت المقدس سنة (613 م)، فقام الروم بتجميع هذه القبائل مرة ثانية وتكوين مملكة لهم، على رأسها جبلة بن الأيهم، الذى حارب المسلمين، ثم أسلم بعد ذلك وارتدَّ ومات بأرض الروم. وكانت الغساسنة من أرغد العرب عيشًا، وكانت لهم حضارة وكانوا يتكلمون اللغة الآرامية إلى جانب اللغة العربية.

*الأكراد

*الأكراد شعب من مجموعة الشعوب (الهند وأوربية)، وقد تعددت الآراء والنظريات حول أصل الأكراد، فبعضها يرى أنهم ينحدرون من أصل آرى، وبعضها يرى أنهم من أصل آشورى، وبعض ثالث يرى أنهم من أصل عربى. ولكن معظم الكتاب والمفكرين الأكراد يرون أن أصولهم آرية. ويقطن الأكراد منطقة كردستان فى قارة آسيا، داخل ثلاث دول، هى: تركيا وإيران والعراق. ولا يزيد عدد الأكراد على تسعة ملايين نسمة، موزعين على الدول التى تضم منطقة كردستان، ويتوزع باقى الأكراد كأقليات فى كل من سوريا ولبنان وجمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق وأفغانستان وباكستان. والأكراد مسلمون سُنِّيون فى غالبيتهم، ومعظمهم على المذهب الشافعى، وتوجد قلة شيعية تعيش فى كردستان وكرمنشاه ولورستان. وقد حكم الأكراد بابل فى عهد الملك أمبيا فترة امتدت من سنة (2300 ق. م) إلى سنة (2175 ق. م)، ثم خضع سكان كردستان لحكم الأرمن، والإخمانيين، والسلوقيين، والرومان، والفرس، والبيزنطيين، والساسانيين، والعرب. وقد دخل الأكراد فى الإسلام فى الثلث الأول من القرن الأول الهجرى. ومن أبرز الشخصيات الكردية فى التاريخ: صلاح الدين الأيوبى، مؤسس الدولة الأيوبية، وقائد المعارك الحاسمة ضد الصليبيين. وفى أوائل القرن العشرين الميلادى نشأت بين الأكراد فكرة القومية الكردية؛ كردِّ فعل تجاه القوميات التركية والعربية التى بدأ الترويج لها منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادى، ونتيجة لمعاناتهم من النظم الحاكمة فى المنطقة، وبخاصة فى تركيا والعراق وإيران. ويتكلم الأكراد اللغة الكردية، وتكتب فى إيران والعراق بحروف عربية، وفى جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق وتركيا تكتب بالحروف اللاتينية.

*الأوزبك

*الأوزبك إحدى المجموعات التركية التى تعيش فى وسط آسيا، وهم كبرى المجموعات التركية المعاصرة عددًا؛ إذ يبلغون (20) مليون نسمة، ويسكنون فيما كان يعرف قديمًا باسم بلاد ما وراء النهر ، وهو نهر جيحون، ويسكن نحو (15.5 مليون) منهم فى جمهورية أوزبكستان الحالية، و (1.8 من المليون) فى شمالى أفغانستان، و (1.2 من المليون) فى طاجيكستان، والباقون موزعون على الجمهوريات المجاورة، وهى: قيرغيزيا وقازاقستان وتركمانيا. وقد ظهرت الأوزبك فى نحو القرن (2 م) وكونت مملكتين فى القرن (5 م)؛ إحداهما فى منغوليا الحالية، والأخرى فى آسيا الوسطى وعرفت باسم مملكة قره اقطاى. واشتغل الأوزبك برعاية الأغنام والخيول والإبل، وعاشوا بعد تغلبهم على قبائل السارت فى أعالى نهر سيحون. ويتميز الأوزبك بأنهم خليط تركى إيرانى. وكانت المنطقة التى عاشوا فيها ممرًّا مهمًّا للتجارة بين حضارة الصين وحضارات غربى آسيا، ونجم عن ازدهار الحضارة والثروة فى هذه المنطقة أن صارت المنطقة محطَّ أطماع الدول القوية من حولها. وبدأ دخول الإسلام فى المنطقة التى يسكنها الأوزبك سنة (31 هـ). ومن أشهر المعارك التى خاضها المسلمون فى هذه المنطقة معركة تالاس سنة (134 هـ)، وقامت للأوزبك بعض السلطنات مثل خوارزم السلجوقية، ثم سيطر المغول ومن بعدهم الروس على تلك المناطق الأوزبكية، وخضع الأوزبك لسيطرة الشيوعيين السوفييت سنة (1917 م)، واستمروا خاضعين لهم حتى انهيار الاتحاد السوفييتى السابق سنة (1990 م).

*التكرور

*التكرور شعب مسلم من الزنج، ينتشر فى غرب إفريقيا فى السنغال والنيجر وحول بحيرة تشاد. والتكرور خليط من عدة أجناس زنجية. وقد دخل الإسلام المنطقة التى كان يقيم فيها التكرور مع جهاد المرابطين فى منتصف القرن الخامس الهجرى؛ لذلك فهم من أقدم الإفريقيين فى جنوب الصحراء إسلامًا، حيث أسلم التكرور وقاموا بنشر الإسلام بين الوثنيين حتى صار لفظ التكرورى مرادفًا للمسلم. وكان التكرور شعبًا يعمل بالزراعة ويحترف بعض الصناعات ويجيد فنون القتال، لذلك استطاع إقامة عدة ممالك مستقلة أو متحالفة فى منطقة غرب إفريقيا، وقامت هذه الممالك بمواجهة الاستعمار الأوربى، خاصة الفرنسى، وظهر عدد من المجاهدين المسلمين الذين حققوا بعض الانتصارات على الفرنسيين، مثل الحاج عمر الفونى التكرورى، الذى قاد الجهاد حتى استشهاده سنة (1864 م). واستطاع الفرنسيون القضاء على نفوذ التكرور سنة (1898 م) بعد موت أحمد ابن الحاج عمر الفونى التكرورى.

*الأوس

*الأوس قبيلة عربية يرجع نسبها إلى أوس بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. و (الأوس) فى اللغة معناها: (الذئب). وهى خمس أفخاذ: عمرو بن عوف، والنبيت، وجُشَم، ومُرة، وامرؤ القيس، ومن الأفخاذ الثلاث الأخيرة تكونت قبيلة أوس الله أو الأوس. وكانت الأوس تسكن اليمن مع الخزرج ضمن قبيلتهم الكبرى الأزد، ثم خرجوا مع رؤسائهم من تهامة إلى شمالى الجزيرة العربية، فنزلت كل من الأوس والخزرج بضواحى المدينة، وظلتا فيها حتى خرج مالك بن العجلان الخزرجى منها إلى الشام، فنزل هناك على ملك الغساسنة أبى جبيلة الغسَّانى، فشكا إليه مالك حالهم وصراعهم مع اليهود، واستجار به منهم، فجهَّز أبو جبيلة جيشه، وغزا المدينة فأعمل السيف فى اليهود حتى أذلَّهم وقتل كبراءهم ورؤساءهم، وأصبح الأوس والخزرج هم أصحاب السيادة فى المدينة، وظلت القبيلتان على عدائهما لليهود. وعاشت الأوس مع الخزرج فى الإسلام حينًا من الدهر، ثم ما لبثت الحرب أن نشبت بينهما، وكان من أشهر أيامها: يوم سمير، ويوم كعب، ويوم حاطب، ويوم بعاث. وفى بيعة العقبة الثانية اختار النبى - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة نقباء من الأوس، هم: أُسيد بن حضير، وسعد بن خثيم، وأبو الهيثم بن التيهان. ولما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة جمع الله به بين الأوس والخزرج، فأصبحوا إخوانًا فى فعل الخيرات، والجهاد فى سبيل الله؛ انتصارًا للإسلام، وإعلاءً لكلمة الله، وتأييدًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

*الخزرج

*الخزرج قبيلة من عرب الجنوب، هاجرت هى وقبيلة الأوس التى تنحدر معها من أصل واحد إلى يثرب، ثم اتسعت منازلها شمالاً فى فجر الإسلام، حتى بلغت خيبر وتيماء. وتُعرف هاتان القبيلتان بالأنصار تشريفًا وتكريمًا، لما كان لهما من شأن كبير فى مؤازرة الإسلام ونشر الدعوة. وكانت الخزرج فى عهد النبى (منقسمة إلى عشائر غير متكافئة فى العدد، وكان أكثرها عددًا عشيرة بنى النجار، ثم الحارث، ثم جشم، ثم عوف، ثم كعب. وخرج من بين الخزرج شعراء النبى - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت، وكعب ابن مالك، وعبد الله بن رواحة). وقد نزح عدد من الخزرج إلى مصر فى وقت مبكر، وأثرت لغتهم فى اللهجة المصرية؛ لنشوئهم فى جنوبى بلاد العرب، فكانوا ينطقون الجيم معطشة على خلاف أهل المشرق.

*الخطا

*الخطا الخطا أو القره خطائيون مجموعة من القبائل التركية التى سكنت شمال شرقى إيران فىالعصر السلجوقى، واستطاعت تثبيت أقدامها فى تلك المنطقة حتى أسست دولة لها، وكان كل ملك من ملوكهم يُطلق عليه كورخان. ويرجع أصل هذه القبائل إلى قبائل الكيتان الصينية، التى أقامت دولة لها فى شمال الصين فى القرن الرابع الهجرى، واستمرت قرنين من الزمان حتى انهارت ونزحت من موطنها واستقرت فى شمال شرقى إيران، وتوسعت شرقًا وغربًا على حساب أملاك السلاجقة؛ مما أدى إلى وقوع الحرب بين الطرفين، خاصة أن الخطا كانوا يدينون بالبوذية. واستطاع الخطا الانتصار على السلاجقة فى موقعة قطوان الشهيرة سنة (536هـ)، وبذلك قامت دولتهم، واستمروا يحكمونها (89) سنة، وسيطروا على بلاد ما وراء النهر، ودفع الخوارزميون لهم الجزية التى كان مقدارها (30) ألف دينار ذهب سنويًّا، واستمر الحال هكذا حتى استطاع السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه القضاء على مملكة الخطا بمساعدة المغول سنة (607هـ). وأدى انهيار مملكة الخطا إلى اجتياح المغول للعالم الإسلامى، والقضاء على دولة الخلافة العباسية بعد ذلك فى سنة (656هـ).

*هلال (قبيلة)

*هلال (قبيلة) هلال بن عامر بطن من قبيلة عامر بن صعصعة من العدنانية. وهم بنو هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عَيْلان. كانوا يسكنون الحجاز ونجدًا حول مكة، وفى بسائط الطائف، ما بينه وبين جبل غزوان، وأقاموا بالشام إلى أن رحلوا إلى مصر والمغرب. ومن أيامهم فى الجاهلية: يوم الوندة وكانوا قد أغاروا على نِعَم بنى َنهْشل فأنزلتهم بنو نهشل بالوندة، وهى بالدهناء، فما أفلت من المغيرين إلا رجل واحد، كما خرجوا مع هوازن يوم حنين لمحاربة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وساروا إلى مصر فى حروب القرامطة ثم إلى إفريقية، فلما زاحمهم بنو سُليم ساروا إلى الغرب ما بين بونة وقسطنطينة، إلى المحيط. وكان لهلال خمسة من الولد، بطونها كلها ترجع إليهم، وهم: شعبة وناشرة ونَهيك وعبد مناف، وعبد الله. ومن بطون هؤلاء أيضًا: بنو قرة، وبنو بعجة، وبنو حرب، وبنو رياح.

*هوازن

*هوازن بطن من بطون قيس بن عيلان، وهم بنو هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كانوا يقطنون نجدًا بالقرب من اليمن، ووادى حنين (بين الطائف ومكة)، وقد غزاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة ووقعت معركة كبيرة هُزم فيها جيش هوازن، ووقع أبناؤهم ونساؤهم ومعظم رجالهم فى الأسر. ودخل أبناء هذا البطن الإسلام بعد ذلك، ولكنهم ما لبثوا أن ارتدَّوا عنه بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ارتد من قبائل العرب، فحاربهم أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - حتى ثابوا إلى رشدهم.

*هاشم (بنو)

*هاشم (بنو) بطن من قبيلة قريش، يرقى إلى هاشم بن عبد مناف، الذى أُطلق عليه هذا اللقب؛ لأنه كان أول من هشَّم الثريد لقومه فى مجاعة أصابتهم. وإلى بنى هاشم ينتسب النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى بن أبى طالب - كرم الله وجهه - والحسن والحسين، رضى الله عنهما. أما فى العصر الحديث، فأبرز ممثليهم فى المشرق هم: الشريف حسين، شريف مكة، وابناه الملك عبد الله والملك فيصل وخلفاؤهما. وأبرز ممثليهم فى المغرب الأسرة الملكية الحاكمة فى المملكة المغربية.

*التركمان

*التركمان شعب ينتسب إلى مجموعة الشعوب الناطقة باللغات التركية. يقدر عددهم بنحو (1.750.000) نسمة، يعيش معظمهم فى جمهورية تركمانستان الاشتراكية السوفيتية، ويعيش بعضهم فى الأجزاء الشمالية من إيران وأفغانستان. والتركمان يتكلمون اللغة التركمانية، وهى إحدى اللغات التركية، وكانت تكتب فى الأصل بحروف عربية، حتى سنة (1927م) عندما استعيض عن الحروف العربية بحروف لاتينية معدلة.

*جدالة

*جدالة قبيلة من قبائل صنهاجة الملثمة السبعين، تقع غرب لمتونة فى الصحراء الغربية، على سواحل المحيط الأطلسى، بالقرب من أرجوين ورأس الأسود. أقام المصلح ياسين فيها فترة، وأجبر أهلها على التمذهب بمذهبه سنة (432هـ). ولما توفِّى رفضت القبيلة الائتمام بمن جاء بعده، فما كان إلا أن اعتكف من جاء بعده فى قبائل لمتونة المجاورة. وقد أخضع يوسف بن تاشفين - رأس الدولة الموحدية - قبيلة جدالة لحكمه، ومنذ ذلك الحين لم يعد لهم ذكر فى التاريخ.

*هود (بنو)

*هود (بنو) أسرة ملكية إسلامية عربية، حكمت سرقسطة بالأندلس فى عهد ملوك الطوائف. أسسها سليمان بن محمد بن هود، المعروف بالمستعين سنة (534هـ)، فلما تُوفِّى خلفه ابنه أحمد الأول المقتدر فى الفترة من سنة (441هـ) إلى سنة (477هـ)، بعد أن نشب صراع بين أولاد المستعين الخمسة. وآخر ملوك أسرة بنى هود المستنصر أحمد الثالث، الذى لقى مصرعه فى معركة خاضها ضد النصارى عام (541هـ)، وبموته زالت دولة بنى هود.

*جهينة (قبيلة)

*جهينة (قبيلة) قبيلة عربية وثيقة النسب ببلىّ،، وبهراء، وكلب، وتنوخ. وتنتمى مثلها إلى قضاعة، تلك القبيلة العربية الكبيرة فى جنوبى بلاد العرب. وقد نزلت جهينة فى الجاهلية نجدًا أول الأمر، ثم نزلت فيما جاور المدينة بين البحر الأحمر ووادى القرى. واستقر بنو جهينة فى هذه الناحية عندما أخذ الإسلام فى الظهور، ودخلوا فى الإسلام طائعين، وثبتوا عليه بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -. وظل حىٌّ من هذه القبيلة فى منازلهم القديمة، ولايزالون فيها إلى اليوم، بينما نزح معظم القبيلة إلى مصر بصفة خاصة، واستقروا عند الحدود النوبية، وكان لهم أكبر الأثر فى فتح النوبة وتعريبها، ودخولها فى الإسلام.

*الأرمن

*الأرمن هم أحد الشعوب القديمة التى لا يُعرف أصلها بدقة، ولا سبب تسميتها بوضوح. وتعددت الآراء حول أصلهم، فيرى بعض المؤرخين أن أصولهم السلالية تعود إلى القبائل الهندو أوربية التى سكنت أواسط آسيا على حدود الهند قديمًا، ثم هاجرت إلى أماكن أخرى فى آسيا مثل جبال القوقاز، وجورجيا، وأرمينيا وكونت شعوبًا بأكملها تعرف بأسماء معينة، مثل: الهنود والفرس والساسانيين والأرمن. ويرى بعض المؤرّخين أنهم من القبائل الهندو أوربية التى هاجرت إلى أوربا واستقرت بها حينًا من الدهر، ثم عاد قسم منهم فعبروا إلى الشرق، مجتازين منطقة البلقان ومضيقى البسفور والدردنيل واستقروا أخيرًا فى آسيا الصغرى. ويتميز الشعب الأرمنى من الناحية النفسية بأنه هادئ الطبع إلا إذا أثير، كثير التحمل للمشاق، ويصعب توجيهه كمجموعة؛ نظرًا لانفراد كل منهم برأيه. وقد بدأ اسم الأرمن يتردد فى كثير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية بعد الزلزال المدمر الذى أحاق بجمهورية أرمينيا سنة (1408 هـ = 1988 م)، ثم النزاع على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان سنة (1409 هـ = 1989 م).

*أسد (بنو)

*أسد (بنو) قبيلة عربية كبيرة، تنسب إلى أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس من العدنانية، تشعبت بطونًا وتفرعت عشائر، فمن بطونها: بنو كاهل، وبنو غنم، وبنو ثعلبة وبنو عمرو بن قعيد. ومن عشائرها: بنو أسد عبد العزى وأسد بن جشم وأسد بن مسلية وأسد بن مناة. كانت هذه القبيلة تسكن منطقة نجد، ثم ارتحلت جماعات منها إلى ما وراء شَمَّر، واتخذ بعضهم الكوفة مستقرًّا لهم، واستوطن بنو غنم، مكة، وهاجرت جماعة إلى شمالى إفريقيا وسكنت سطيف غربى القيروان. وقبيل منتصف القرن الثالث الميلادى هاجرت قبيلة بنى أسد إلى خط الفرات، وعاشت تحت حكم اللخميين. وبظهور الإسلام انحاز معظم بنى أسد إلى جانب مشركى مكة، وأعانوهم فى حروبهم ضد رسول الله e وحاولوا غزو المدينة بعد غزوة أحد، فأنفذ إليهم الرسول سرية بقيادة أبى سلمة فلمَّا أحسَّ بنو أسد مقدمها فروا هاربين. وفى عام الوفود قدم وفد من بنى أسد يعلنون إسلامهم. وفى حياة الرسول خرج منهم طليحة بن خويلد، يدَّعى النبوة، فتبعه قومه من بنى أسد، وشايعه بعض القبائل المجاورة. وقد وجَّه إليهم أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد، فانتصر عليهم وأعادهم إلى الإسلام. وقد سكن بنو أسد الكوفة، وانضموا إلى جيش على بن أبى طالب ومن بعده ابنه الحسين، وبمرور الزمن أصبح كثير منهم من رواة الحديث على المذهب الشيعي.

*البجة

*البجة اسم يطلق على بدو الصحراء الشرقية بين النيل والبحر الأحمر، ومن بقايا الشعوب التى تألَّفت منها مملكة أثيوبيا القديمة، ويظَن أنهم من سلالة أولاد كوش ابن حام بن نوح، الذين هاجروا إلى السودان بعد الطوفان. ومن الثابت المقطوع به أنهم من سلالة غير سلالة السود، وأنهم أقدم الشعوب فى إفريقيا بعد السود. وهم منقسمون إلى قسمين رئيسيين: العبابدة، والبشارين، ويبلغ عددهم نحو المليونين ونصف المليون نسمة، منهم نحو نصف المليون يعيشون داخل الأراضى المصرية، ويعيش الباقون فى السودان. وهم رعاة يعتمدون فى حياتهم على تربية الإبل والماشية والأغنام، إلى جانب زراعة الشعير، التى تعتمد على مياه الأمطار. وهم يعيشون فى شبه عزلة اجتماعية وثقافية.

*التتار

*التتار قبيلة مغولية، استقرت بعد القرن الخامس للميلاد فى منغوليا الشرقية ومنشوريا الغربية، وشكلت جزءًا من جحافل جنكيز خان التى اجتاحت أوربا الشرقية فى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى، وبعد انقسام إمبراطورية جنكيز خان أطلق اسم التتار على الشعوب التركية، التى تألّف منها ما يعرف عادة ب الجحفل الذهبى، وخلال القرن الرابع عشر الميلادى دخل التتار فى الإسلام. وعدد التتار حاليًّا خمسة ملايين نسمة، يقيم معظمهم فى جمهورية تتارستان، وفى الجزء الشمالى من بلاد القوقاز، وفى شبه جزيرة القرم وأجزاء من سيبريا. وقد أطلق اسم التتار فى كثير من الأحيان على جميع المغول وعلى الأتراك أيضًا. وأشهر طوائفهم: تتار (كنشاهـ)، الذين كان الروس تحت حكمهم قبل القرن العاشر للميلاد، وتتار (القازان)، وتتار (سيبريا).

*تغلب

*تغلب قبيلة عربية من أعظم قبائل ربيعة شأنًا، تنسب إلى جد جاهلى يدعى تغلب ابن وائل بن قاسم، ويطلق على بنى تغلب الأرقم. كانت تغلب تسكن - قديمًا - نجد والحجاز ثم هاجرت واستقرت فى ديار ربيعة بالقرب من الشام. وتغلب من القبائل التى كانت تخوض حروبًا كثيرة فى جاهليتها فقد حاربت بنى بكر أربعين سنة فى حرب البسوس، وقد اعتنق بنو تغلب النصرانية، ثم اعتنق بعض بنى تغلب الإسلام سنة (9 هـ) إلا أنهم ارتدوا وناصروا سجاح كما ساندوا الفرس فى حربهم ضد المسلمين، إلا أن خالد بن الوليد انتصر عليهم فى عين التمر سنة (12 هـ)، وقد شاركت تغلب فى ثورة القرامطة. وتفرقت تغلب فى بلاد الشام بعد ذلك وكان لها دور بارز فى قتال التتار سنة (681 هـ). ونبغ من تغلب عدد من الشعراء مثل: المهلهل بن ربيعة والأخطل وعمرو بن كلثوم. وتفرعت تغلب إلى عدة فروع، منها بنو شعبة بالطائف وبنو حمدان ملوك الموصل.

*تيم

*تيم اسم تنسب إليه عدة قبائل وبطون عربية فى العصر الجاهلى منها: 1 - تيم بن مرة: وهى بطن من بطون قريش، وتنسب إلى تيم بن مرة بن كعب بن لؤى وكان بنو تيم من سادات قريش، وكان لهم حى بمكة، ومن شخصياتهم البارزة فى الجاهلية عبد الله بن جدعان، أما فى الإسلام فقد برز من تيم الخليفة الأول أبو بكر الصديق والصحابى الجليل طلحة ابن عبيد الله، رضى الله عنهما. 2 - تيم الله: وهى قبيلة عربية عدنانية كانت مسيحية ثم أسلمت وشاركت فى الفتوحات الإسلامية. 3 - تيم الله بن النمر: وهى عربية عدنانية أيضًا، كما أنها بطن من بطون جديلة بن ربيعة. بالإضافة إلى عدة قبائل وبطون أخرى، مثل: تيم بن ثعلبة بن جدعان وتيم ابن غالب وتيم بن عبد مناة وغيرها.

*ثقيف

*ثقيف قبيلة عربية مشهورة فى الجاهلية والإسلام، تسكن الطائف وما حولها إلى الجنوب الشرقى من مكة المكرمة. تنسب هذه القبيلة إلى ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن وجدهم الأعلى هو: قيس بن عيلان. وقد انفردت ثقيف بسكنى الطائف بعد تغلبها على بنى عامر بن صعصعة، وكان الثقفيون أصحاب أموال كثيرة لمهارتهم فى الزراعة. انتصر النبى على ثقيف فى حنين سنة (8 هـ = 629 م)، ثم ما لبث الثقفيون بعد ذلك أن دخلوا الإسلام وشاركوا فى الفتوحات الإسلامية، كذلك شاركوا فى تخطيط وبناء عدد من المدن، مثل: الكوفة والبصرة، وتولى الثقفيون إدارة العديد من الأمصار المفتوحة مثل أرمينية وأذربيجان، وكان الثقفيون منحازين إلى بنى أمية مما كان سببًا فى عداوة بنى العباس لهم - فيما بعد - ثم أوغلت جماعات من ثقيف فى بلاد اليمن ونجران فى القرن (3 هـ = 9م) وكان لهم دور بارز فى بعض أحداث اليمن واشتهر من الثقفيين رجال فى الحديث والشعر والطب واللغة والحكم والسياسة والحرب، مثل الحجاج بن يوسف الثقفى والمغيرة بن شعبة الثقفى ومحمد بن القاسم الثقفى.

*ثمود

*ثمود قبيلة من قبائل العرب البائدة تنسب إلى ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نبى الله نوح، عليه السلام، عاشت قديمًا فى منطقة بابل بالعراق، ثم انتقلت إلى موضع بالحجر (دومة الجندل) فى المنطقة الواقعة بين الأردن وشمال الحجاز. وقد ورد ذكر ثمود فى القرآن الكريم (27) مرة، ومرة واحدة باسم أصحاب الحجر. واختلف الباحثون فى التحديد الدقيق لديار ثمود، والراجح أن مواطن ثمود كانت فى الحجاز على ساحل البحر الأحمر، وتدل بعض الكتابات الثمودية الأثرية أن قوم ثمود أصحاب زراعة وأنهم كانوا أقرب إلى الحضر، وكانت لهم أماكن ثابتة ومعابد بها عدد من الأصنام مثل ود. وكانت ثمود ذات قوة وبأس وحضارة حتى إنهم نحتوا من الجبال بيوتًا، إلا أنهم تكبَّروا فى الأرض وتجبَّروا وكذَّبوا نبى الله صالحًا، عليه السلام، وقتلوا الناقة التى أرسلها الله لهم آيةً على صدق نبوة صالح، عليه السلام، فأهلكهم الله بالصاعقة. ولم يرد فى المصادر العربية والإسلامية ما يفيد وجود قبائل ثمودية قبيل الإسلام أو فى الإسلام.

*الوندال

*الوندال شعب جرمانى عبر نهر الراين عام (406 م)، واجتاح بلاد الغال (فرنسا)، ومن ثم اجتاح جبال البرانس إلى إسبانيا؛ حيث هزم القوط والرومان. وفى عام (429 م) استولى الوندال على المقاطعات الرومانية فى شمال إفريقيا؛ حيث أسسوا مملكة عمرت حتى عام (534 م)، وفى غضون ذلك احتلوا روما ونهبوها عام (455 م) وكان الوندال شعبًا غير ميّال إلى الفنون، فلم يتركوا آثارًا لحكمهم، ولشدة همجيتهم اشتق من اسمهم لفظ الوَنْدلة، الذى يفيد معنى التخريب المتعمد للممتلكات العامة والخاصة.

*الفونج

*الفونج هم الذين أسسوا مملكة سنار القديمة مع العبد لاب، وكان لهم شأن عظيم فى السودان. وقد اختلف فى أصلهم؛ فمنهم من قال: إنهم فرع من الشلك، ومنهم من قال: إنهم من سكان دارفور الأصليين، أمَّا هم فيدَّعون النسبة إلى بنى أمية؛ حيث قالوا: إن العباسيين لمَّا تغلبوا على الأمويين فى الشام، ونزعوا الملك من أيديهم سنة (132 هـ = 750 م) أخذ من بقى من الأمويين ومن والاهم بالفرار، فتفرقوا فى أنحاء العالم، فذهبت جماعة منهم إلى إسبانيا فأسسوا مملكة الأندلس، وذهب آخرون إلى السودان، وسكنوا البلاد التى فى أعالى جزيرة سنار، وكان سكانها من السود وبينهم الفونج، فملكوهم، وتزوجوا منهم، فغير ذلك من لونهم، ولكنه لم يذهب بأصلهم بالكلية، فما زالوا يحتفظون بملامحهم العربية واضحة.

*الأحباش

*الأحباش هم قوم نشئوا من اختلاط وتزاوج أهالى منطقة الحبشة بالمصريين القدماء والأقوام السامية الوافدة من جنوب جزيرة العرب، فيشبه البعض منهم العرب والبعض الآخر يشبه السودانيين. أما الذين يشبهون العرب فإنهم يمتازون عن الآخرين بجمال الشكل والهيئة واللون المائل للبياض، ودقة الأنوف والأفواه واعتدال القامة وتناسب الأعضاء. والأحباش لا يعدّون من جنس الزنوج، بل هم معدودون من الأجناس السامية، وهم شغوفون بحمل السلاح والحروب، وهم على جانب عظيم من الذكاء والجسارة. ويبلغ عدد الأحباش اثنى عشر مليونًا، منهم ثمانية ملايين مسلمون، وأربعة ملايين مسيحيون أرثوذكس، تابعون للكنيسة القبطية فى مصر. والحرفة الرئيسية عندهم رعى الماشية، كما توجد زراعة بسيطة جدًّا، يعتمدون فيها على الآلات الخشبية.

*زهر (بنو)

*زهر (بنو) أسرة عربية من أشراف الأندلس اشتهرت بالطب وذاع صيتها ما بين القرنين الخامس والسابع الهجريين، وبنو زهر قبيلة تنحدر من إياد العدنانية التى هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت فى الأندلس، واشتهرت هذه الأسرة بنبوغ عدد كبير من الأطباء بها مثل: أبى بكر محمد بن مروان بن زهر المتوفى سنة (422 هـ) وكان فقيه إشبيلية، وأبى مروان عبد الملك بن أبى بكر بن زهر المتوفى سنة (471 هـ) من كبار أطباء إشبيلية، وأبى العلاء زهر بن عبد الملك المتوفى سنة (526 هـ) وكان طبيبًا مشهورًا وتولى الوزارة لأمير المرابطين يوسف بن تاشفين وله مؤلفات عديدة منها: الإيضاح بشواهد الافتضاح والرد على ابن سينا، وأبى مروان عبد الملك بن زهر المتوفى سنة (557 هـ) أشهر أطباء بنى زهر وقد قام ببعض العمليات الجراحية مثل: رفع الحصى من الكلى، وفتح القصبة الهوائية، وكان ابن زهر أوَّل من دعا إلى تغذية المريض عن طريق فتحة الشرج وأشهر كتبه الطبية كتاب الاقتصاد فى إصلاح الأنفس والأجساد، والتيسير فى المداواة والتدبير الذى ترجم إلى العبرية واللاتينية وكان ذا أهمية كبيرة فى الجامعات الأوربية فى العصور الوسطي، وأبى بكر محمد بن عبد الملك بن زهر المتوفى سنة (596 هـ) المشهور بالحفيد ابن زهر، وكان أديبًا وشاعرًا وطبيبًا وكان له علاقات وطيدة بالموحدين، إلا أن بعض الحاقدين عليه دَسّوا له السمَّ فمات سنة (596 هـ). وللحفيد ابن زهر بعض الرسائل فى طب العيون.

*زهرة (بنو)

*زهرة (بنو) قبيلة من قريش تنسب إلى زهرة بن كلاب وهو الجد الثانى للسيدة آمنة بنت وهب أم النبى e وكان لبنى زهرة مكانة فى الجاهلية، كما أنهم اشتركوا فى حلف الفضول الذى أقامته قريش قبل البعثة وأسلم الكثير من بنى زهرة مثل: عبد الرحمن بن عوف وعمير بن أبى وقاص، وشارك العديد منهم فى الفتوحات الإسلامية، واستقروا فى المنيا بصعيد مصر، ومازالت إحدى قرى المنيا تسمى حتى الآن ب زهرة. وظهر من بنى زهرة فى مصر بعض الشخصيات البارزة مثل: هارون بن عبد الله المتوفى (226 هـ) قاضى مصر فى ذلك الوقت.

*ربيعة (قبيلة)

*ربيعة (قبيلة) اسم أطلق على عدة قبائل وبطون عربية، تنسب إلى أجداد عليا من أشهرها: 1 - ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، وإليه تنسب أكبر القبائل التى تعرف بربيعة، وأخوه النضر بن نزار، الذى يعرف بربيعة الحمراء، كما يعرف نزار بربيعة الفرس، وكانت قبيلة ربيعة العدنانية تسكن شرق الجزيرة من العراق شمالا إلى اليمامة والبحرين، وتسلسلت من ربيعة عدة قبائل وبطون منها: بنو أسد، وعنزة، ووائل، ومن وائل ثعلب وبكر، ومن بكر بنو حنيفة ومن ربيعة الحمراء صعصعة. ومن صعصعة كلاب ومالك وعامر وكعب. ومن أحفاده ربيعة بن عامر، وربيعة بن حنظلة؛ تنسب إلى الأول قبيلة ربيعة الكبرى ومنازلها بنجد، وتعرف الثانية بربيعةالصغرى. 2 - ربيعة بن حذار من بنى سعد وكان فى الجاهلية من حكام العرب. والنسبة إلى ربيعة رَبَعى.

*جذام (بنو)

*جذام (بنو) قبيلة عربية يمنية الأصل تنسب إلى جذام بن الحارث بن مرة هاجرت شمالا واستقرت فى المنطقة الواقعة بين مدين وتبوك، وكان بنو جذام يرشدون القوافل التجارية فى المنطقة الصحراوية فيما بين الحجاز والشام ومصر، وكانوا يعبدون - فى بادئ الأمر - كوكب المشترى وصنمًا يسمَّى الأقيصر ثم اعتنقوا المسيحية إلا أن إيمانهم بها كان سطحيًّا كما أنهم كانوا حلفاءَ للروم، وقد غزاهم النبى e مرتين، وقاتلوا المسلمين، ثم أسلموا وشاركوا فى الفتوح الإسلامية، وقد استقر كثير من الجذاميين بمصربعد فتحها حيث استقروا فى الإسكندرية والشرقية ومن أشهر بطون جذام فى مصر سعد ووائل، وهاجر بعضهم إلى الأندلس وسكنوا شذونة وإشبيلية. ومن أشهر الجذاميين روح بن زنباع المتوفى سنة (84 هـ) الذى تولى إمارة فلسطين، وكان مشهورًا بالدهاء والخطابة.

*عامر (آل)

*عامر (آل) آل عامر اسم يطلق - فى تاريخ الأندلس - على بعض أحفاد وموالى المنصور بن أبى عامر الذى كان يحكم الأندلس باسم الخليفة الأموى حتى توفى سنة (392 هـ = 1002م)، فتولى عبد الملك بن المنصور حكم مرسية، وتولى أخوه عبد الرحمن بن المنصور حكم بلَنْسِية فلما توفى سنة (399 هـ = 1019م) خلفه مواليه المعروفون بالفتيان العامريين وبعد سقوطهم تولى ابنه عبد العزيز الملقب بالمنصور سنة (412 هـ = 1021 م) ولما توفى سنة (452 هـ = 1061م) خلفه ابنه عبد الملك المظفر الثانى وطرده صاحب طليطلة من بلنسية فاستعادها محمد بن عبد العزيز العامرى الذى خلفه ولده عثمان وبوفاة عثمان انتهت دولة آل عامر فى بلنسية. ومما يذكر أن الفتيان العامريين - وهم الموالى الذين نشأهم المنصور ليكونوا خاصته - كان لهم دور مهم فى الأحداث التى تتابعت خلال العصر الأول لملوك الطوائف بشرق الأندلس، وكان من أبرزهم مجاهد العامرى الذى حكم بلنسية والفتى العامرى خيران الصقلبى الذى حكم ألمرية ومرسية وأبو الجيش الموفق مجاهد العامرى الذى حكم دانية وطرطوشة وجزر الشرق.

*سلول (بنو)

*سلول (بنو) قبيلة عربية عدنانية من هوازن كانت تسكن جبال السّراة وهى سلسلة جبلية تمتد من مشارق فلسطين إلى اليمن محاذية ساحل البحر الأحمر الشرقى بين الحجاز واليمن. وتنسب هذه القبيلة إلى أمّ جاهلية هى سلول بنت ذهل بن شيبان، والنسبة إليها سَلولىّ.

*المغول

*المغول شعب من العراق المغولانى، موطنه منغوليا الداخلية، ومنغوليا الخارجية التى تُعرف الآن بجمهورية منغوليا الشعبية. وقد أنشأ المغول فى ظل جنكيز خان وخلفائه إمبراطورية امتدت من الصين شرقًا إلى نهر الدنواب، واجتاحوا فى ظل تيمورلنك كامل المنطقة الممتدة من منغوليا إلى البحر الأبيض المتوسط. وكان المغول ولا يزالون من الرعاة، وكان نظامهم الاجتماعى النموذجى إلى وقت قريب يضم أمراء ونبلاء ورجال دين وأقنانًا، ولهم لغة مكتوبة، ويرجع تاريخ أقدم مؤلف موجود ومكتوب باللغة المغولية إلى سنة (638هـ = 1240م).

*خزاعة

*خزاعة قبيلة من عرب الجنوب، وهى فرع من قبيلة الأزد الكبيرة. يرجع نسب بنى خزاعة إلى عمرو الملقب بلُحىِّ بن ربيعة بن حارثة بن مزيقياء. نزحت خزاعة مع غيرها من بطون الأزد فى عهد سحيق، واتجهوا جميعًا صوب الشمال، فلما بلغوا ربوع مكة تابع أغلبهم الرحلة، فذهب بنوغسان إلى الشام، وذهب أزد شنوءة إلى عمان، بيد أن لحيًّا بقى مع عشيرته بالقرب من مكة، وبذلك انفصلوا عن بقية القبيلة. وكانت مكة إذ ذاك فى يد قبيلة جرهم، فدارت بين خزاعة وجرهم حرب ضروس، استمرت عدة أيام، وانتهت بهزيمة جرهم، وأصبح بنو خزاعة السادة المسيطرين على مكة وما جاورها من ربوع.

*المولدون

*المولدون هم المسلمون الذين من أصل إسبانى، ودخل أجدادهم فى الإسلام. وقد نموا بمضى الزمن حتى أصبحوا عنصرًا مهمًّا بين سكان الأمة الأندلسية. وأصبحوا يمثلون أنفسهم تمثيلاً قويًّا فى المجتمع الأندلسى. وكان العرب والبربر ينظرون إليهم بشىء من الريب، وكان المولدون - بالرغم من تمتعهم فى ظل الحكومات الإسلامية المتعاقبة بجميع الحقوق التى كان يتمتع بها باقى المسلمين - يميلون إلى القيام بثورات فى أحيان كثيرة؛ إذ كان لهم دور كبير فى إثارة بعض الثورات الخطيرة التى قامت ضد حكومة قرطبة، مثل: ثورة الربض، وثورة طليطلة فى عهد الحكم بن هشام، وثورة بنى قسى فى الثغر الأعلى، وكان المولدون أعوان ابن حفصون أخطر ثوار الأندلس؛ إذ استطاع بمؤازرتهم ومؤازرة معاهديه من النصارى أن ينشئ مملكة مستقلة فى منطقة رندة أواخر القرن التاسع للميلاد. ووقف المولدون إلى جانب مواطنيهم الأندلسيين ضد المرابطين ثم الموحدين. وكان قائد الثورة ضد المرابطين فى غرب الأندلس زعيمًا من المولدين وهو الفقيه المتصوف أحمد بن قسى شيخ المريدين، وكان قائد الثورة ضد الموحدين فى شرق الأندلس زعيمًا من الموحدين وهو محمد بن سعد بن مردنيش أمير بلنسية ومرسية.

*النضير (بنو)

*النضير (بنو) أحد أقوام ثلاثة من اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة مع النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان يهود بنى النضير ممن عاهدهم النبى - صلى الله عليه وسلم - على أن يأمن كل فريق منهم الآخر، لكنهم لم يفوا بالعهد؛ فهمُّوا بقتل الرسول حينما خرج إليهم - صلى الله عليه وسلم - يستعينهم فى دية رجلين قتلهما أحد أصحابه، وهو عمرو بن أمية الضمرى، فلما جاءهم أظهروا له حسن الاستعداد للاستجابة لطلبه، ثم خلا بعضهم إلى بعض، فتآمروا على قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واختاروا رجلاً منهم، وهو عمرو بن جحَّاش؛ ليصعد فوق أحد البيوت، ثم يلقى صخرة على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس بجوار جدارٍ لهم، فصعد هذا اليهودى ليلقى الصخرة، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد اليهود؛ فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، فلما تأخر النبى - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه قاموا فى طلبه حتى انتهوا إليه بالمدينة فأخبرهم بما كان من اليهود، واعتزامهم الغدر بهم. فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة إلى بنى النضير يطلب منهم الخروج من جواره بالمدينة، وأمهلهم عشرة أيام، وإلا حاق بهم الهلاك، فأيقنوا أن الله أطلع رسوله على ما أرادوا، وصاروا متحيرين لا يدرون ما يفعلون، وبينما هم فى حيرتهم وترددهم جاءهم رأس أهل النفاق عبد الله بن أبى بن سلول وأتباعه قائلاً: اثبتوا وتمنعوا؛ فإنا لن نُسلمكم؛ إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم؛ فقويت عند ذلك نفوسهم، وبعثوا إلى رسول الله أنهم لن يخرجوا، ونابذوه بنقض العهود. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاستعداد لحربهم، وسار إليهم فى (ربيع الأول سنة 4 هـ) وحاصرهم؛ فقذف الله فى قلوبهم الرعب، وأيقنوا أن حصونهم لا تمنعهم من سوء المصير؛ فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويؤمنهم على دمائهم، على

أن لهم ما حملت الإبل من ممتلكاتهم إلا السلاح، فوافق الرسول؛ فحملوا ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به، وخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى أذرعات فى الشام، وتركوا وراءهم مغانم كثيرة. ولم يدخل فى الإسلام من بنى النضير إلا رجلان هما: يامين بن عمير، وأبو سعد بن وهب، ونزلت فى بنى النضير سورة الحشر.

*حنيفة

*حنيفة بطن من بطون قبيلة بكر بن وائل التى نزلت شمال بلاد العرب، وكان بعض حنيفة فى الجاهلية وثنيًّا وبعضها نصرانيًّا، وكان الوثنيون منهم يعظمون صنمًا يصنعونه من الزبد والعسل على هيئة كعكة، وقد جرت عادتهم على أكله إذا أصابهم الجدب. واستقر المقام بحنيفة فى اليمامة؛ حيث أنشئوا فيها مدينة حجر الحصينة، واتخذوها قصبة لهم فيما بعد. وانفصلت حنيفة فى السنوات الأخيرة من حرب البسوس عن بكر، وانضمت إلى خصومهم تغلب، وحاربت فى صفوفهم آنئذ، والتزمت الحياد فى وقعة ذى قار الشهيرة التى نشبت بين بكر والفرس. وفى عام الوفود سنة (9 هـ) مثلت حنيفة أمام النبى - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسها هارون بن حبيب المعروف بمسيلمة، الذى ادعى النبوة فيما بعد، وزعم أنه صاحب النبى - صلى الله عليه وسلم - وخليفته، وقد تبعته حنيفة بإيعاز زعيمهم الرجال بن عنفوة، واستمر أمر مسيلمة فى الازدياد حتى قاتله المسلمون بقيادة خالد بن الوليد، وتمكنوا من قتله وهزيمة حنيفة التى استسلمت، وقبلت أن تعود إلى الإسلام، وأن تسلِّم كل أملاكها وقسَّمت بين جند المسلمين.

*زناتة

*زناتة إحدى المجموعتين الكبيرتين اللتين ينقسم إليهما البربر فى شمال إفريقيا. ينتشر أفرادها فى الصحارى الممتدة من غدامس إلى المغرب. نشأبينها وبين قبيلة صنهاجة البربرية صراع عنيف، خلال القرن العاشر للميلاد. ومن أشهر أعلامها: أبو يزيد الزناتى الذى قاتل الفاطميين قتالاً ضاريًا، وحاصر خليفتهم القائم بأمر الله فى عاصمته المهدية عامًا كاملاً.

*زيرى (بنو)

*زيرى (بنو) سلالة إسلامية بربرية. تنسَب إلى زيرى بن مَناد الصنهاجى. وأولى عواصمها مدينة آشير بالجزائر. سيطرت فروعها المختلفة على تونس، والجزء الشرقى من الجزائر، وغرناطة بالأندلس، فيما بين عام (927 م) وعام (1152 م)، وكانت فى بادئ أمرها موالية للفاطميين، ولكنها سرعان ما استقلت عنهم، وأعلنت ولاءها للعباسيين.

*السلاف

*السلاف شعوب تسكن بين جبال الأورال والبحر الإدرياتى فى أوربا الشرقية والوسطى، وتتكلم بلغات تنتمى إلى فصيلة اللغات الهندو - أوربية. وتنقسم هذه الشعوب إلى ثلاثة أقسام، هى: ( السلاف الغربيون: يشملون البولنديين، والتشيكيين، والسلوفاكيين، وعناصر أخرى صغيرة شرقى المانيا. السلاف الشرقيون: هم الروس الكبار، والأوكرانيون، والروس البيض. السلاف الجنوبيون: يضمون الصربيين، والكرواتيين، والسلوفينيين، والمقدونيين، والبلغاريين. وينقسم السلاف إلى طائفتين رئيسيتين: الأولى: ترتبط بالكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. والأخرى: ترتبط بكنيسة الروم الكاثوليك. ويعتبر السلاف أكبر مجموعة عرقية فى أوربا؛ إذ يبلغ عددهم نحو (275.000.000) نسمة.

*سليم (بنو)

*سليم (بنو) قبيلة عربية عظيمة من قيس بن عيلان، من العدنانية. تنسَب إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. كانت تتفرع إلى عدة عشائر وبطون، منها: بنو ذكوان، وبنو بهثة بن سليم، وبنو مطرود، وبنو عصيَّة، وبنو ظفر، وغيرهم. وكانت منازلها فى عالية نجد بالقرب من خيبر (بين مكة والمدينة)، ومن منازلها: حرة سليم، وحرة النارين، ووادى القرى، وتيماء. وكانت لها أيام مشهورة فى الجاهلية، مثل: يوم ذات الرمرم، ويوم تثليث وغيرهما. وقد هزم السليميون جيش النعمان بن المنذر فى إحدى حروبهم. واستجاب بنو سليم قبل إسلامهم لعامر بن الطفيل وقتلوا - عذرًا - رجال البعثة التى أوفدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لدعوة أهل نجد إلى الإسلام، وخرج إليهم الرسول سنة (3 هـ) فى مائتى رجل، فبلغ ماء يقال له: الكدر؛ فعرفت هذه الغزوة بغزوة الكدر، فأقام النبى - صلى الله عليه وسلم - عدة أيام، فلم يلقَ أحدًا من سليم وغطفان. ولا يعرف على وجه التحديد متى أسلم بنو سليم، ولكن الثابت أنهم كانوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، وأنه قدم لواءهم على الألوية. وبعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ارتد بعضهم فأرسل إليهم أبو بكر، رضى الله عنه، جيشًا لحربهم. وتفرقت بطونهم بعد ذلك بين البحرين وعمان، كما استوطنوا شمال إفريقية وشرقها.

*سهل (بنو)

*سهل (بنو) أسرة فارسية، ظهرت وعلا شأنها فى العصر العباسى الأول، وتولت شئون الوزارة فى عهد المأمون العباسى. تنسَب أسرة بنى سهل إلى سهل بن زاذا نفروخ، وكان من أبناء ملوك الفرس، فأسلم على عهد الرشيد، وقيل: أسلم على عهد المهدى، وكان له ولدان، هما: الفضل، والحسن. اتصل الفضل بن سهل بعد إسلامه بالمأمون فأحسن 'إليه، وأجرى عليه رزقًا، ولعب الفضل دورًا كبيرًا فى الصراع بين الأمين والمأمون، وكانت له اليد الطولى فى انتصار المأمون وانفراده بالخلافة، وأحس المأمون بفضله؛ فولاه على المشرق سنة (196 هـ)، ولقبه بذى الرياستين، أى: أنه أصبح له مطلق التصرف فى الأمور الإدارية والسياسية والحربية. كما كافأ المأمون الحسن بن سهل بأن ولاه ديوان الخراج، كما ولاه كور الجبال والعراق والحجاز واليمن. واستغل الفضل ما منحه المأمون من سلطة فاستأثر بالسلطة وصارت بيده مقاليد الأمور، وخص أقاربه وأعوانه الفرس بأعظم مناصب الدولة دون العرب؛ مما أوغر صدور العرب عليه وعلى أسرته، وبلغ من تأثير الفضل بن سهل فى المأمون أنه أغراه بتولية على بن عيسى الرضا - وهو علوى - العهد من بعده، وأراد تحويل الخلافة من العباسيين إلى العلويين. وقد أحس المأمون بالخطر من ازدياد سلطة بنى سهل؛ فتحين الفرصة حتى تمكن من القضاء على الفضل بن سهل سنة (202 هـ)، وقضى بذلك على نفوذ تلك الأسرة.

*الشركس

*الشركس شعب ينتمى إلى المجموعة القوقازية الشمالية، ويقيم فى ولاية كوبان فى روسيا، فى مساحة قدرها (20.000) ميل مربع. ويبلغ عدد السكان نحو (300.000) نسمة. وتكثر النخاسة فى الشركس، لكن الحكومة شيدت الحصون والمخافر على شاطئ البحر لمنع النخاسة. والشراكسة معظمهم رعاة ومقاتلون، ويتصفون بطول القامة، وعرض المنكبين، ونحافة الجسم، وحدة البصر، ولهم هيبة وبأس، وأغلبهم يدين بالإسلام وبعضهم يدين بالمسيحية، ويوجد لكل قبيلة منهم لهجة.

*الصرب

*الصرب هم نواة يوغسلافيا، ومملكة الصرب التى كانت تسكنها فى أقدم العصور التاريخية قبائل إيليرية وتراقية من الرعاة. وفى القرنين السادس والسابع الميلاديين قدم الصربيون من إقليم جاليسيا الحالية، واستقروا فى شبه الجزيرة البلقان، واعتنقوا المسيحية، وخضعوا لسيادة الإمبراطورية البيزنطية، وكونوا مملكة مستقلة سنة (1217م). وبلغت صربيا فى العصور الوسطى أقصى اتساع لها تحت حكم الملك ستيفن دوشان فى القرن الرابع عشر الميلادى، ولكنها سرعان ما تدهورت بعد موته، وسيطرت عليها الخلافة العثمانية، وفرضت عليها الجزية، وأخضعتها لحكمها سنة (1459م). وفى سنة (1828م) أجبرت روسيا السلطان العثمانى فى معاهدة أدرنة على الاعتراف بصربيا. وفى سنة (1867م) جلت آخر الكتائب العثمانية عن صربيا. وقد استغلت صربيا حرب البلقان فى تحقيق مطامعها؛ فقد أصبحت بعدها الدولة السلافية الأولى فى البلقان. وكان اغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى، الشرارة التى أشعلت نار الحرب العالمية الأولى، وفيها انسحب جيش صربيا وحكومتها إلى جزيرة كورفو؛ حيث تم إعلان اتحاد صربيا وكرواتيا، وسلوفانيا، والجبل الأسود تحت راية الملك بطرس الأول ملك صربيا، وأعلن رسميًّا قيام الدولة الجديدة التى اتخذت فيما بعد اسم يوغسلافيا سنة (1918م). وفى الحرب العالمية الثانية اكتسحت الجيوش الألمانية يوغوسلافيا. وبانتهاء الحرب جعل الدستور اليوغسلافى سنة (1945م) صربيا إحدى الجمهوريات الاتحادية فى يوغسلافيا، وفصل عنها مقدونيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك، التى صارت جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتى.

*الطوارق

*الطوارق شعب مسلم من البربر، يُعرَف أحيانًا باسم الملثمين؛ لأن رجاله يضعون على وجوههم لثامًا أسود أو أزرق طيلة الوقت. ويسكن الطوارق الأرجاء الوسطى والغربية من الصحراء الكبرى، كما يوجدون على طول نهر النيجر، من تمبكتو فى مالى إلى نيجيريا. ويبلغ عددهم نحو (500.000) نسمة، يشتغلون بتربية الإبل والأغنام والماعز. وتتألف القبيلة من طبقتين هما: النبلاء والعبيد ويعكس تنظيمهم القبلى بعض ملامح النظام الأموى؛ فمركز الرجل تحدده طبقة الأم، فابن الأَمَة يعتبر عبدًا، حتى لو كان أبوه نبيلاً.

*عاد (قوم)

*عاد (قوم) قوم عاد أقدم ألأقوام العربية البائدة، ويُنسبون إلى عاد بن عوص بن أرم بن سام وقد ورد ذكر عاد فى القرآن الكريم فى (24) موضعًا، واقترن ذكرهم باسم نبى الله هود، عليه السلام. وتدل الآيات الكريمة التى وردت عن هؤلاء القوم وعن نبيهم، على أنهم قد استكبروا فى الأرض بغير الحق واغتروا بقوتهم؛ فقد كانوا أشداء أقوياء، وزادهم الله تعالى - بسطة فى الجسم. كما بلغوا شأوا من الحضارة لم يبلغه قوم أخرون من معاصريهم فى المنطقة التى كانوا يسكنون فيها وانتهى أمرهم إلى عبادة الأوثان، وترك عبادة الله الواحد القهار؛ ومن ثم أرسل الله إليهم نبيه هود، عليه السلام؛ ينهاهم عن عبادة الأوثان، ولينذرهم بعذاب عظيم غير أنهم كذبوا، واغتروا بقوتهم. ونتيجة لذلك أنزل الله بهم العذاب الشديد، وكان أول العذاب أن الله أصابهم بالجدب الشديد الذى استمر ثلاث سنوات، فلم يفيقوا ويهتدوا، بل ظلوا على كفرهم وغيهم؛ فأرسل الله عليهم ريحًا عاتية استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام، فلم تُبقِ منهم أحدًا، بل تتبعهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والمغارات فتبيدهم وتهلكهم وتدمر عليهم البيوت والقصور المشيدة. ويذهب المؤرخون المسلمون إلى أن منطقة عاد تقع فى الأحقاف إلى الشمال الشرقى من حضرموت فى جنوبى الربع الخالى فى حين تتجه الآراء الحديثة إلى أن عادًا تقع فى شمال الجزيرة العربية.

*عبس (قبيلة)

*عبس (قبيلة) عبس بطن عظيم من غطفان من قيس بن عَيْلان من العدنانية، وينتسبون إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عَيْلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. كانت منازلهم بنجد، وتنسب إليهم محلة فى الكوفة بالعراق، كما سكنوا بلبيس (أحد مراكز محافظة الشرقية بمصر). وتمثل عبس اليوم قبيلة صغيرة تسكن شمال ينبع فى المملكة العربية السعودية، ومن بطونها: الهتمان والشرارات. وتُعد عبس من القبائل المحاربة؛ حيث لهم أيام مشهورة فى الجاهلية، استعرت فيها نار الحروب مدة طويلة مع قبائل عدة، وكان أشهر من يُنسب إلى عبس الفارس عنترة بن شداد العبسى شاعر الجاهلية. وقد قدم وفدُ من عبس على النبى - صلى الله عليه وسلم - فى عام الوفود وأسلموا.

*غطفان

*غطفان إحدى القبائل العربية. تُنسب إلى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان من العدنانية. كانت منازلهم بنجد مما يلى وادى القرى، وجبل طيئ، ثم افترقوا فى الفتوحات الإسلامية وتنقسم غطفان إلىثلاثة أفخاذ عظيمة، هى: أشجع وعبس وذبيان. ومن أيامهم فى الجاهلية يوم الرقم ويوم القرنتين ويوم طوالة ويوم قرن. وقد شاركوا مع قريش فى غزوة الأحزاب، ثم دخلوا الإسلام، ولكنهم ارتدوا بعد موت النبى - صلى الله عليه وسلم - فحاربهم أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، وبعث إليهم خالد بن الوليد فقاتلهم حتى عادوا إلى الإسلام.

*القوط

*القوط إحدى الشعوب البربرية التى هبطت من شمال أوربا، وقضت على الامبراطورية الرومانية. وينقسم شعب القوط إلى قسمين، هما: القوط الشرقيون، وهم قليلوا العدد، ويقيمون فى الزاوية الشمالية الشرقية لجبال ألبرت، والقوط الغربيون، ويقيمون فى جنوبى غانة، وقد أخذوا يتوسعون على حساب جيرانهم الوندال حتى أجلوهم عن إسبانيا، واستقروا بها، وأعلن زعيمهم يوريك نفسه ملكًا غير تابع لأحد سنة (467م)، ثم استطاع أن يضم البرتغال ولوزيتانيا، وامتد حتى الجنوب فضم قرطاجنة الرومانية وشمال جبال ألبرت ومرسيليا، والهضبة الفرنسية الوسطى. وكان القوط مسيحيين آريين لا يعتقدون بألوهية المسيحية، ولايعترفون بالقساوسة كوسطاء بين الله والناس؛ فشجع القساوسة ملك الفرنجة على حرب القوط وساعدوه ضدهم، حتى استطاع هزيمة القوط سنة (507م)، وأخرجهم إلى جنوب الجزيرة الإسبانية. وفى سنة (586هـ) تحول القوط إلى المسيحية الكاثولكية، فأصبحت الديانة الرسمية لهم، وجعلوا اللغة اللاتينية هى اللغة الرسمية للبلاد؛ ونتيجة لذلك اتحد الشعب القوطى مع الشعب الأيبيرى الرومانى وشَكَّلا دولة واحدة، ولكن القوط احتفظوا بالمناصب العليا فى الدولة لهم؛ مما كان له أكبر الآثر فى سوء أحوال البلاد؛ نتيجة لسوء معاملة الحكام لباقى طوائف الشعب، وظهور الطبقية العرقية، فزادت الاضطرابات والفتن وظهر الفساد السياسى والاجتماعى والتأخر الاقتصادى وعدم الاستقرار. وبدأت الدولة القوطية فى الانهيار أمام ضربات المسلمين المتلاحقة لها، حتى تم الفتح الإسلامى لها سنة (93هـ = 711م).

*قينقاع (بنو)

*قينقاع (بنو) أحد ثلاثة أقوام من اليهود، هم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة. كانوا يسكنون المدينة المنورة (يثرب) قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها، ولماهاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها نظم علاقة المسلمين باليهود من خلال ما عرف باسم الصحيفة، لكن هؤلاء اليهود ما لبثوا أن حاكوا الدسائس والمكائد للتخلص من النبى، ونقضوا ما بينهم وبينه من عهود، وكان أولهم يهود بنى قينقاع. وذات يوم ذهبت امرأة مسلمة إلى سوق بنى قينقاع، ثم جلست إلى صائغ منهم لتشترى منه، فحاولوا كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عقد طرف ثوبها إلى ظهرها - وهى لاتشعر - فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت واستغاثت؛ فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودى فقتله؛ فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه؛ فاستصرخ أهل المسلم على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع؛ فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة حتى نفذوا حكم الله ورسوله. واستشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - كبار أصحابه، فأشاروا بقتلهم، وكان لهم حليفان: عبد الله بن أُبى، وعبادة بن الصامت، فأما عبادة فقد تبرأ منهم إلى الله رسوله وأما عبد الله بن أبى فقال: يامحمد أحسن فى موالىَّ، فأعرض عنه الرسول، ثم كرر عبد الله مقالته، والرسول يعرض عنه، ومازال يلح على الرسول ويقول: إنى أخشن الدوائر، حتى قبل شفاعتة فيهم، على أن يخرجوا من المدينة، ولهم النساء والذرية وللمسلمين الأموال، فأمهلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث ليالٍ؛ فذهبوا إلى أذرعات على حدود الشام، وكان ذلك أوائل سنة (3هـ).

ملحق: المعارك والفتوحات

*عين التمر حصن فى جنوب العراق، توجه إليه خالد بن الوليد، رضى الله عنه، بعد فتح الأنبار، وكان عليها من الفرس والعرب وبعض الأعراب جيش كثيف يقوده مهران بن بهرام جوبين، وكان قائد العرب المتحالفين مع الفرس عقّة بن أبى عقّة الذى قال لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالدًا. فقال مهران له: دونكم وإياهم، وإن احتجتم إالينا أعنَّاكم. وعدَّل خطّته على أن تكون المواجهة للعرب، فإن غلبوا المسلمين انتهى الأمر، وإن انتصر المسلمون حمل عليهم مهران، وقد أعياهم التعب، فلما تواجه الجيشان قال خالد لمجنبتيه: احفظوا مكانكم فإنى حامل، وأمر حماته أن يكونوا من ورائه وحمل على عقّة وهو ينظم الصفوف وأسره، وهُزِم جيش عقَة من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر. وتوجه المسلمون إلى حصن عين التمر، فنزل مهران من الحصن، وهرب، وعرفت هذه الهزيمة بهزيمة جيش عقّة. ولما وصل خالد إلى الحصن وجد الفارين من نصارى الأعراب دخلوا الحصن واحتموا به، فحاصرهم خالد أشد الحصار حتى فتحه.

*أحد (غزوة)

*أحد (غزوة) وقعت هذه الغزوة فى شهر شوال من العام الثالث للهجرة عند جبل «أحد»؛ شمالى «المدينة المنورة»، فقد جندت «قريش» ثلاثة آلاف من رجالها وحلفائها للانتقام من المسلمين، والثأر لهزيمتها الساحقة فى «بدر» التى جلبت فى كل بيت من بيوت «مكة» مأتمًا. وعندما وصلت أخبار ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ جمع أصحابه على الفور، واستشارهم فى أفضل طريقة لمواجهة هذا الموقف، فأشار عليه شيوخ «المدينة» أن يتحصنوا داخلها، ويتركوا الأعداء خارجها لأن شوارع «المدينة» ضيقة، ويمكن إغلاقها عليهم، وقتالهم فيها بكل طريقة ممكنة حتى بالحجارة، ويمكن أن يشترك النساء والأطفال فى مقاومتهم، وكان هذا رأى الكبار ورأى النبى - صلى الله عليه وسلم -. أما الشباب فقد أخذهم الحماس، وخشوا أن يتهمهم الأعداء بالجبن؛ ففضلوا الخروج لمواجهتهم فى مكان مكشوف. ولما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرأى الأخير هو رأى الأغلبية قام إلى بيته ولبس درعه وحمل سلاحه وخرج إليهم، فأدركوا أنهم أخرجوه مكرهًا، فقالوا له: يارسول الله، لقد استكرهناك وما كان لنا ذلك، فافعل ما شئت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ماكان لنبى لبس لأمته - عدة حربه - أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه». وخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى ساحة «أحد»، وجعل ظهر جيشه إلى الجبل، والأعداء أمامه، ونظر إلى ميدان المعركة نظرة فاحصة، وعرف أن الخطر يكمن خلف ظهر الجيش، فأعد خمسين رجلا ممن يُحسنون الرمى بالنبل، وأمَّر عليهم «عبد الله بن جبير الأنصارى»، وكلفهم بالصعود إلى قمة عالية خلف ظهورهم، سُميت بعد ذلك بجبل الرماة، وقال لهم فى حسم: «احموا ظهورنا، لأنُؤتى من قبلكم»، وأمرهم برمى المشركين بالنبال، وألا يتركوا مواقعهم أبدًا سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، لخطورة الموقع وأهميته، وكرر عليهم أوامره مرارًا. ودارت

المعركة، وكانت الغلبة للمسلمين فى البداية، لكنهم تعجلوا النصر ولم يصبروا، وظنوا أن المعركة انتهت، فالذين فى الميدان تركوا القتال وبدءوا فى جمع الغنائم، والذين فوق الجبل خالفوا أوامر النبى - صلى الله عليه وسلم - وأوامر قائدهم «عبدالله بن جبير»، وتركوا مواقعهم، ليشتركوا فى جمع الغنائم. انتهز «خالد بن الوليد» هذه الفرصة، وانقض بفرسانه من الخلف، مستغلا الثغرة التى حدثت بترك الرماة مواقعهم، فحول بحركته العسكرية سير المعركة من نصر للمسلمين فى أولها إلى هزيمة، وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، حتى إن بعضهم أخذ يقتل بعضًا، وزاد ارتباكهم عندما أشاع المشركون أنهم قتلوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى كان قد سقط فى حفرة، وجُرِح وكُسِرَت رباعيته، وانجلت المعركة عن هزيمة للمسلمين، وسقوط واحد وسبعين شهيدًا، وكان ذلك درسًا قاسيًا، أنزل الله بشأنه أكثر من ستين آية فى سورة «آل عمران»، وضح لهم أسباب ما حدث، وأن الهزيمة إنما كانت لمخالفة أوامر الرسول، والحرص على جمع الغنائم، قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين}. [آل عمران: 152]. ثم واساهم وعفا عنهم، وذكرهم بأنهم إن كانوا قد أصابهم قرح وخسروا معركة، فقد أصاب أعداءهم قرح مثله {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، ثم طلب من نبيه أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وألا يدع مشورتهم، حتى لو أدت إلى الهزيمة فى معركة، فخسارة المعركة أسهل من خسارة مبدأ الشورى الذى يربى الرجال ويدربهم على إبداء الرأى والمشاركة فى صنع القرار.

*الأحزاب غزوة

*الأحزاب غزوة إحدى الغزوات التى وقعت بين المسلمين وأحزاب المشركين سنة (5 هـ = 672م) بعد غزوة أحد. وسُميت بهذا الاسم؛ لأن قريشًا وغطفان وبنى سليم وبنى مرة تحزَّبوا وتجمعوا للقضاء على الإسلام ودعوته بالمدينة المنورة. وقد قام اليهود من بنى النضير بتحزيب هذه القبائل وتجميعها وتأليبها على المسلمين؛ إذ ذهب وفد منهم على رأسه حُيى بن أخطب إلى قريش، وحرَّضهم على غزو المسلمين، فاستجابوا للدعوة، ثم توجهوا إلى غطفان فأغروهم بأن يكون لهم نصف ثمار بنى النضير ثم طافوا بقبائل أخرى. وتمَّ الأمر لهم كما أرادوا؛ فقد تجمع جيش كبير قوامه (10) آلاف مقاتل، أعدوا عدتهم للسير تجاه المدينة. وكان ذلك فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأخبار المفزعة، فجمع كبار الصحابة واستشارهم كيف يواجهون هذا الموقف، فأشاروا عليه بالتحصن داخل «المدينة»؛ لأنهم استفادوا من درس «أحد»، وأخذوا يعدُّون العدة لتحمل حصار طويل من الأعداء. وهنا جاءت فكرة رائعة من «سلمان الفارسى» - رضى الله عنه - وهى حفر خندق فى الجهة الشمالية الغربية من «المدينة»؛ لمنع اقتحام جيوش الأحزاب لها، لأن بقية جهاتها الأخرى كانت محصنة بغابات من النخيل، يصعب على الخيول اقتحامها. وتم حفر الخندق فى نحو أسبوع، وعمل النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع المسلمين فى حفره، وبشرهم وهم فى هذا الموقف العصيب بفتح «الشام» و «العراق» و «اليمن». جاءت قوات الأحزاب وهى واثقة لا بالنصر على المسلمين فحسب، بل باستئصالهم، لكن المفاجأة أذهلتهم عندما رأوا الخندق يحول بينهم وبين اقتحام المدينة، وظلوا أمامه عاجزين، تأكل قلوبهم الحسرة، لأنهم لم يتعودوا مثل هذا الأسلوب فى القتال، ولما حاول واحد منهم اقتحام الخندق لقى حتفه فى الحال. وعلى الرغم من أن الخندق قد حمى المسلمين من هجوم المشركين، فإن الكرب قد اشتد عليهم، وضاقوا بطول

الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، فالمشركون من فوقهم يحيطون بالخندق، وبنو قريظة أسفل منهم قد نقضوا العهد، والمنافقون فى المدينة يرجفون، ويخذلون الناس، واشتدَّ الخوف، وعظُم البلاء، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا. وصفه الله - تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً (الأحزاب:10 - 11) اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش» فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه، فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى - صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى أصحابه. وفى هذه اللحظة لاحت فرصة عظيمة حيث جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود الأشجعى - وكان قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - يعرض عليه أن يأمره بما يشاء للتخفيف عن المسلمين، فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب، وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة» تجاه بعضهم بعضًا وفرق كلمتهم، ثم أرسل الله ريحًا شديدة قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق

الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الموقف بقوله: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا».أى أن قريشًا لن تستطيع مهاجمة «المدينة» مرة أخرى؛ لأن ميزان القوى أصبح يميل مع المسلمين.

*أستاذ سيس (حركة)

*أستاذ سيس (حركة) «أستاذ سيس» رجل فارسى ادَّعى النبوة، وقاد حركة تهدف إلى تخليص بلاد فارس من قبضة العباسيين، واستطاع بجيوشه الضخمة بسط نفوذه على مناطق «سجستان» و «هراة» و «كور خراسان» وغيرها، فحشدت له الخلافة العباسية قوات ضخمة بقيادة «خازم بن خزيمة التميمى»، استطاعت القضاء على هذه الحركة، وانتهى الأمر بالقبض على «أستاذ سيس» وإعدامه.

*ابن الأشعث (ثورة)

*ابن الأشعث (ثورة) هى واحدة من أعنف الثورات التى هبت فى وجه الدولة الأموية، ولم يكن الدافع إليها خلاف مذهبى مع الدولة، كما هو الحال مع الخوارج والشيعة، وإنما كان دافعها الأساسى الطموح الشخصى الذى لعب برءوس بعض أبناء القبائل الكبرى، وكان «عبدالرحمن بن الأشعث» زعيم هذه الثورة نموذجًا لها؛ إذ استغل العداء التقليدى والحقد الدفين الذى يكنه العراقيون لبنى أمية أسوأ استغلال، وأعلن الثورة عليهم. خلاصة القصة أن «الحجاج بن يوسف» والى «العراق» (75 - 95هـ) أمَّر «عبدالرحمن بن الأشعث» على جيش كبير سنة (80هـ) أطلق عليه المؤرخون «جيش الطواويس»؛ لضخامته وحسن إعداده، وأمره بالتوجه إلى «سجستان» شرقىّ بلاد فارس؛ لمعاقبة ملكها «رتبيل» الذى نقض المعاهدة التى بينه وبين المسلمين، وفتح حدود بلاده للخارجين على الدولة الأموية، موفِّرًا لهم الأمن والحماية، فصبر عليه «الحجاج» على مضض، إلى أن فرغ من أمر الخوارج وقضى على «ابن الزبير»، فأرسل إليه هذا الجيش الهادر لتأديبه والقصاص منه. وبدلا من أن يمضى «عبدالرحمن بن الأشعث» لأداء المهمة المكلَّف بها، وقتال ملك كافر متمرد على الدولة، ارتد ثائرًا عليها، وشجعه على ذلك استجابة أهل «العراق» للثورة ورغبتهم فى التمرد على الدولة، وكانوا أغلبية فى الجيش الذى بلغ عدده مائة ألف مقاتل. وزاد الأمر سوءًا انخداع بعض العلماء من كبار التابعين بدعوة «ابن الأشعث»، فصدَّقوا دعواه بأنه إذا بويع بالخلافة فسيحكم بالعدل، ويعيد حكم الراشدين ويمحو مظالم «بنى أمية»، فاستجابوا له، وكان على رأسهم: «عامر الشعبى»، و «سعيد بن جبير» الذى جعله «الحجّاج» أمينًا على الأموال التى ينفق منها على الجيش، وكان لموقفهم هذا أثر كبير فى تمادى «ابن الأشعث» فى الثورة واستجابة الجنود له، وترتَّب على ذلك أعنف ثورة واجهت «عبدالملك بن مروان»، دامت نحو سنتين (81 - 83هـ)، ودارت

بينهما نحو ثمانين موقعة، قتل فيها عشرات الألوف من الرجال، وكان أشهرها معركة «دير الجماجم» التى استمرت مائة يوم، وانتهت بهزيمة «ابن الأشعث» فى شهر جمادى الآخرة سنة (83هـ). لجأ «ابن الأشعث» بعد هزائمه إلى «رتبيل» ملك «سجستان»، وكان قد عقد معه اتفاقًا على أن يوفر له الحماية إذا هُزِم، لكن «الحجاج» طلب من «رتبيل» أن يسلمه «ابن الأشعث»، فعزم على تسليمه؛ لأنه كان حريصًا على عدم إثارة «الحجاج» أكثر من ذلك، فلما أحس «ابن الأشعث» بنية «رتبيل» على تسليمه، ألقى بنفسه من فوق القصر الذى كان يقيم به، فمات منتحرًا سنة (85هـ).

*الأندلس (فتح)

*الأندلس (فتح) كان الذى دعا المسلمين إلى فتح تلك البلاد هو «يوليان» حاكم ولاية «سبتة» المغربية الواقعة على ساحل البحر، والخاضعة لحكم «القوط» آنذاك، ولم يكن المسلمون قد فتحوها، فاتصل حاكمها بطارق بن زياد حاكم «طنجة»، وعرض عليه الفكرة، فنقلها إلى «موسى بن نصير» الذى اتصل بالخليفة «الوليد بن عبدالملك»، فأذن له الخليفة، على أن يتأكد من صدق نيات «يوليان»، وأن يرتاد البلاد بحملة استطلاعية، ليعرف أخبارها قبل أن يدخلها فاتحًا. كلَّف «موسى بن نصير» أحد رجاله وهو «طريف بن مالك» على رأس خمسمائة جندى، بدخول «الأندلس» وجمع ما يمكن جمعه من أخبار، كما طلب من «يوليان» أن يوافيه بتقرير عن أوضاع البلاد، فاتفقت معلومات «طريف» التى جمعها مع تقرير «يوليان»، وكلها تفيد أن البلاد فى حالة فوضى، وتعانى من الضعف العسكرى، وأن الناس ينتظرون المسلمين ليرفعوا عنهم الظلم، وعاد جيش «طريف» سنة (91هـ) محملا بالغنائم. اختار «موسى بن نصير» للقيام بمهمة فتح «الأندلس» طارق بن زياد» وهو من أصل بربرى لما يتمتع به من شجاعة ومهارة فى القيادة، فخرج فى سبعة آلاف جندى، معظمهم من «البربر»، وعبر المضيق الذى يفصل بين الساحل المغربى والساحل الأندلسى، والذى لايزال يحمل اسمه، ونزل على الجبل - الذى حمل اسمه أيضًا - فى شهر رجب سنة (92هـ)، واستولى عليه بعد عدة معارك مع القوات القوطية التى كانت تقوم بحراسته، وتوغَّل فى جنوبى البلاد. وما إن علم الملك «روذريق» بنزول المسلمين فى بلاده - وكان فى شمالى غربى البلاد مشغولا بقمع ثورة اندلعت ضده - حتى عاد مسرعًا للقاء المسلمين على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندى، ولما علم «طارق» بعودة الملك طلب مددًا من «موسى بن نصير»، فأمدََّه بخمسة آلاف، وأصبح عدد جيشه اثنى عشر ألفًا، والتقى الفريقان فى أواخر شهر رمضان سنة (92هـ)، وحقق المسلمون

نصرًا حاسمًا، ويؤكد المؤرخون أن هذه المعركة المعروفة باسم معركة «شذونة» قد قررت مصير «الأندلس» لصالح المسلمين، لأن الجيش القوطى دُحر تمامًا، وهبطت روحه المعنوية إلى الحضيض، ولم يعد قادرًا على المقاومة، فانفتح الطريق أمام البطل الفاتح «طارق بن زياد»، ليستولى على مدن مهمة، مثل: «قرطبة»، و «غرناطة»، ووصل إلى «طليطلة» فى وسط البلاد، وكانت عاصمة البلاد فى ذلك الوقت. أرسل «طارق» إلى «موسى بن نصير» يبشره بهذه الانتصارات، ويطلب منه مددًا جديدًا، فعبر إليه بنفسه على رأس قوة كبيرة قوامها ثمانية عشر ألفًا، ونجح فى فتح عدد من المدن فى غربى البلاد مثل «إشبيلية» وهو فى طريقه إلى لقاء «طارق» فى «طليطلة». اتفق القائدان العظيمان على استكمال فتح «الأندلس»، فاتجه كل منهما إلى ناحية فأخذ «طارق بن زياد» طريقه إلى الشمال الشرقى، فى حين اتجه «موسى» إلى الشمال الغربى، ونجح الاثنان فى غضون عامين (93 - 95هـ) فى فتح معظم «شبه الجزيرة الأيبرية».

*بدر (غزوة)

*بدر (غزوة) وقعت هذه الغزوة الخالدة فى السابع عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة عند بئر بين «مكة» و «المدينة»، وقد سمى الله - تعالى - يومها «يوم الفرقان»؛ لأنه فرَّق بين الحق والباطل، وأعلى كلمة الإسلام. وسببها أن قافلة تجارية لقريش، كانت قادمة من «الشام» إلى «مكة»، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتعرض لها والاستيلاء عليها؛ تعويضًا لهم عن أموالهم التى استولت «قريش» عليها فى «مكة»، وعندما وصل النبى - صلى الله عليه وسلم - بجيشه إلى المكان الذى دارت فيه المعركة علم أن القافلة أفلتت ونجت، بعد أن نجح قائدها «أبو سفيان بن حرب» فى اتخاذ طريق الساحل بعيدًا عن طريق القوافل المعتاد، حين علم بخروج المسلمين للاستيلاء عليها، وكان قبل أن يفلت بقافلته قد أرسل سريعًا إلى «قريش» يستنفرها للخروج لاستنقاذ أموالها التى توشك أن تقع فى أيدى المسلمين فخرجت فى نحو ألف رجل للقتال، وأصروا على ذلك حتى بعد أن علموا بنجاة قافلة «أبى سفيان».وعندما علم المسلمون بإفلات القافلة، رأى بعضهم العودة إلى «المدينة»، لأن كثيرًا ممن خرجوا لم يكن فى حسبانهم أنهم خرجوا لقتال وأن حربًا ستقع، وإنماخرجوا للاستيلاء على القافلة، فكرهوا القتال. لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أن الرجوع إلى «المدينة» ستفسره «قريش» على أنه جبن وضعف عن لقائها ومواجهتها، وسوف تذيع ذلك فى أوسع نطاق ممكن من شبه الجزيرة العربية، وفى هذا ضرر بالغ بالدولة الإسلامية ودعوتها، فتصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكمة بالغة وبعد نظر، واستشار كبار أصحابه فيما يصنعون، فتحدث «أبو بكر الصديق» و «عمر بن الخطاب» وغيرهما فأحسنوا الكلام، وأبدوا استعدادًا للتضحية والجهاد فى سبيل الله. سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - كلامهم فسعد به وسُرَّ، لكنه لا يزال فى حاجة إلى معرفة رأى الأنصار

فى وضوح وجلاء، لأن بيعتهم معه كانت تنص على الدفاع عنه داخل «المدينة» لا خارجها، فلما كرَّر قوله: «أشيروا علىَّ أيها الناس»، قال له: «سعد بن معاذ» وغيره من زعماء الأنصار: «لعلك تقصدنا يارسول الله»، قال: «نعم». قالوا: «يا رسول الله، آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضِ بنا يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذى بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر فى الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله. اطمأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لموقف أصحابه وسلامة جبهتهم، وقوة ترابطهم، وبدأ يُعدُّ للمعركة الأولى فى تاريخ الإسلام، وأعدَّ له المسلمون عريشًا (مقر قيادة) يدير منه المعركة. وعرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدد أعدائه وقوتهم من عيونه ومخابراته العسكرية فكانوا نحو ألف رجل مدججين بالسلاح، فيهم عدد كبير من الفرسان، فى حين كان عدد المسلمين نحو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، فيهم فارسان فقط. وبدأت المعركة صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان سنة (2هـ) بالمبارزة، حيث خرج ثلاثة من صفوف المشركين، هم «عتبة بن ربيعة»، و «شيبة بن ربيعة»، و «الوليد بن عتبة»، يطلبون المبارزة، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - عمه «حمزة»، وابنى عمه «على بن أبى طالب»، و «عبيدة بن الحارث» بالخروج إليهم، وهذا تصرف له مغزاه من القائد الأعلى «محمد» رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث بدأ المعركة بأقرب الناس إليه، فضرب المثل فى التضحية والفداء لدين الله، واستطاع الثلاثة المسلمون القضاء على الثلاثة المشركين من أعدائهم، وتركوهم صرعى فى ميدان المعركة، ثم احتدمت الحرب، وتلاحم الناس، وحمى الوطيس، والرسول فى عريشه

يدعو الله سبحانه وتعالى ويستنزل نصره الذى وعده به، فيقول: «اللهم نصرك الذى وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة من المسلمين فلن تُعبَد على وجه الأرض، يامولاى»، واستجاب الله لدعاء نبيه، وانجلت المعركة عن نصر ساحق للمسلمين، وهزيمة ماحقة للمشركين الذين قُتِلَ منهم سبعون، وأُسِرَ مثلهم، وفر الباقون، وامتلأت أيدى المسلمين من غنائمهم التى تركوها، واستُشهد من المسلمين أربعة عشر شهيدًا، وتحقق وعد الله، فنصر القلة القليلة المؤمنة، على الكثرة المشركة المتغطرسة.

*بلاد ماوراء النهر (فتح)

*بلاد ماوراء النهر (فتح) أطلق المسلمون اسم بلاد «ما وراء النهر» على البلاد المعروفة الآن باسم «آسيا الوسطى» الإسلامية، وتضم خمس جمهوريات إسلامية، كانت خاضعة للاتحاد السوفييتى، ثم منَّ الله عليهم، فاستقلُّوا بعد انهياره. طرق المسلمون هذه البلاد عدة مرات منذ خلافة «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، وغزاها عدد كبير من القادة المسلمين كان آخرهم «المهلب بن أبى صفرة»، ولم تكن حملاتهم عليها للاستقرار الدائم والفتح المنظم، وإنما كانت لتعرفها ومعرفة أحوالها. وبدأت المرحلة الحاسمة فى الفتح والاستقرار مع تسلم «قتيبة بن مسلم» قيادة جيوش الفتح وولاية إقليم «خراسان» سنة (85هـ)، وقد مرت خطوات «قتيبة» فى فتح تلك البلاد التى استمرت نحو عشر سنوات (86 - 96هـ) عبر مراحل أربع هى: - المرحلة الأولى (86 - 87هـ (: وفيها أخضع «قتيبة بن مسلم» إقليم «طخارستان»، الواقع على ضفتى نهر «جيحون»، ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت للمسلمين تمامًا، منذ أن فتحه «الأحنف بن قيس» فى خلافة «عثمان بن عفان»، وكانت تلك بداية ناجحة، فبدون توطيد أقدامه فى «طخارستان» لم يكن ممكنًا أن يمضى لفتح «ما وراء النهر»، وأصبح يتمتع بهيبة كبيرة فى تلك البلاد؛ فما إن يسمع الملوك بمسيره إليهم، حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح. - المرحلة الثانية (87 - 90هـ): وفيها فتح «قتيبة» إقليم «بخارى»، بعد حروب طاحنة، وانتظام حملاته عليها، وكان الغزو يحدث فى الصيف، لأن شتاء تلك البلاد كان قاسيًا شديد البرودة على العرب، لكنهم صبروا وجاهدوا حتى تمَّ لهم الفتح. - المرحلة الثالثة (90 - 93هـ): وفيها أكمل فتح حوض نهر «جيحون» كله، وتوَّج عمله بالاستيلاء على «سمرقند»، أعظم مدائن «ما وراء النهر» كلها. - المرحلة الرابعة (93 - 96هـ): وفيها عبر «قتيبة» نهر «سيحون»، وفتح الممالك السيحونية الثلاث: «الشاش»، و «أشروسنة»، و «فرغانة»، ووصل إلى إقليم «كاشغر» الذى

يلامس حدود «الصين»، التى تهيأ لفتحها، لولا أن وفاة «الحجاج» سنة (95هـ)، وبعده الخليفة «الوليد بن عبدالملك» سنة (96هـ)، جعلته يتوقف عند هذا الحد، لكنه أجبر ملك «الصين» على دفع الجزية له مع رسوله إليه «هُبيرة بن المشمرج الكلابى».

*بلاط الشهداء (معركة)

*بلاط الشهداء (معركة) فى أوائل سنة (114هـ = 732م) سار «الغافقى» بجيوشه نحو الشمال وعبر جبال «البرت» من طريق «بنبلونة» ودخل فرنسا؛ حيث قام بمعارك ناجحة ضد أعدائه، وفتح نصف فرنسا الجنوبى كله من الشرق إلى الغرب فى بضعة أشهر، وواصل زحفه المظفر حتى أشرف بجيشه على نهر اللوار، وهناك احتشد له «شارل مارتل» بجيش ضخم من الفرنج والمرتزقة نصف العراة، ويتشحون بجلود الذئاب، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية. استولى المسلمون على مدينتى «بواتيه» و «تور»، ثم فاجأهم العدو دون أن تشعر به طلائع المسلمين أو تحسن تقدير عدده، وأراد عبدالرحمن أن يقتحم «اللوار» ففاجأه «شارل مارتل» بجموعه الجرارة فارتد إلى السهل الواقع بين مدينتى «بواتيه» و «تور»، وعبر جيش الفرنج «اللوار» وعسكر غربى الجيش الإسلامى. عزم «الغافقى» على لقاء العدو على الرغم من أن بعض قبائل البربر فى جيشه كانت تتوق إلى الانسحاب بما تحمله من غنائم كثيرة، وأن عدد جنوده قد قل بسبب تخلف حاميات كثيرة فى المدن والقرى المفتوحة. ودامت المعركة تسعة أيام دون أن يحقق الفريقان نصرًا حاسمًا، وفى اليوم العاشر أبدى كلا الطرفين غاية الجلد والشجاعة، وظهر الإعياء على الفرنج، وبدت علامات انتصار المسلمين، لكن حدث أن افتتح الفرنج ثغرة فى معسكر غنائم المسلمين وارتفعت فيه صيحة مجهول تقول إن معسكر الغنائم سيقع فى يد العدو، فارتدت قوات كبيرة إلى ماوراء الغنائم لحمايتها، واختلت صفوف المسلمين، وبينما يحاول «الغافقى» إعادة النظام إلى جيشه أصابه سهم أرداه من فوق جواده قتيلا، فعم الاضطراب بين المسلمين، وكثر القتل فيهم، واشتد الفرنج عليهم، لكنهم صبروا حتى جن الليل وافترق الجيشان دون فصل فى (أوائل رمضان 114هـ = 21 أكتوبر 732م)، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم فى «سبتمانيا» تاركين غنائمهم. وفى فجر اليوم التالى تقدم

«شارل» بحذر فوجد المعسكرات الإسلامية خالية إلا من الجرحى ومن لم يتمكنوا من مرافقة الجيش المنسحب فذبحوهم، وخشى «شارل مارتل» الخديعة فاكتفى بانسحاب المسلمين ولم يتعقبهم، وآثر العودة بجيشه إلى الشمال.

*تارابى (ثورة)

*تارابى (ثورة) تنتسب هذه الثورة إلى زعيمها «محمود الترابى»، الذى كان يعمل صانعًا للغرابيل، بقرية «تاراب»؛ أقدم قرى مدينة «بخارى»، وهدفت هذه الثورة - التى أطلق عليها بعض المؤرخين الفرس: حركة شعبية - إلى رفض الحكم المغولى، واعتمدت على الدين كأساس لها فى ذلك، فالتف الناس حولها، على الرغم من أن دعاتها اعتمدوا على الخرافات، وادعوا اتصالهم بالأرواح، إلا أن انضمام «شمس الدين المحبوبى» أحد علماء «بخارى» إليها أكسبها قوة؛ إذ كان على خلاف مع أئمة «بخارى»، فساند «محمود تارابى» زعيم الثورة، وذكر له أن أباه قرأ فى أحد الكتب نبوءة مفادها: أن رجلا سيظهر ببخارى، سيكون فتح العالم على يديه، وأن مواصفات هذا الرجل تنطبق على «محمود تارابى»، وأكد المنجمون صدق ذلك، وأعلنوا أن نجم «محمود تارابى» قد بزغ، وأن الحظ سيحالفه، ولأن هذه المعتقدات كانت سائدة آنذاك، فقد اهتم الناس بأقوال المنجمين، والتفوا حول زعيم هذه الثورة، وحققوا انتصارات كبيرة، ودخلوا «بخارى»، غير أن المغول تمكنوا من صد الثورة ومقاومتها، وسقط «التارابى» و «محبوبى» صريعين، فأعلن الثوار «محمدًا» و «عليا»، أخوىْ «تارابى»، زعيمين للثورة، فعزز المغول قواتهم، وتمكنوا من القضاء على هذه الثورة، وقبضوا على الثائرين، وأرادوا معاقبتهم، ولكن «محمود يلواج» استطاع الحصول على العفو لهم من قادة المغول

*تبوك (غزوة)

*تبوك (غزوة) قام النبى - صلى الله عليه وسلم - بقيادة هذه الغزوة فى شهر رجب سنة 9 هـ، وهى آخر غزوة غزاها، وكان سببها أن أخبارًا وصلت إليه من عيونه التى بثها لمراقبة تحركات الروم فى الشمال، أنهم يعدون العدة للهجوم عليه. فأعد جيشًا لصده، وكان عدده ثلاثين ألفًا، وهو أكبر جيش قاده النبى - صلى الله عليه وسلم - وسُمى «جيش العسرة»، لأن المسافة كانت بعيدة والجو صيف شديد الحرارة، والناس يحبون المقام فى مزارعهم وبساتينهم لجنى الثمار، والاستمتاع بالظل الوارف، ولكن مادامت الدولة الإسلامية ودعوتها فى خطر، فلابد من التضحية والاستهانة بكل راحة ومتعة، وقد ضحى أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - تضحيات كبيرة، وأسهموا فى تجهيز الجيش وإعداده بأموالهم، وبخاصة «عثمان بن عفان» الذى جهز نحو ثلث الجيش من ماله الخاص. سار النبىحتى وصل إلى «تبوك»، فإذا به يعلم أن جيش الروم الذى كان يُعد يومئذٍ أقوى جيش فى الدنيا قد فرَّ مذعورًا إلى داخل «الشام»، فعسكر النبى فى «تبوك» ثلاثة أسابيع، رتب خلالها أوضاع المنطقة، وأظهر هيبة الإسلام وضرب هيبة الروم ضربة قاصمة، جعلت سكان الإمارات الصغيرة فى المنطقة الخاضعة لسيطرة الروم - كأيلة و «أدرح» و «الجرساء» - يهرعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذعنين، وقالوا له: ماذا تريد منا؟ فعرض عليهم الإسلام فرفضوا، وقالوا: غير هذا، قال: «تدفعون الجزية ونؤمنكم على عقائدكم وأرواحكم وأموالكم»؛ فقبلوا، فأعطاهم بذلك معاهدات، وكان تصرف النبى - صلى الله عليه وسلم - مثلا عاليًا ودليلا على تسامح الإسلام، وأنه لا يُفرض على الناس بالقوة.

*التوابون (ثورة)

*التوابون (ثورة) «التوابون» مجموعة من الشيعة الذين أحسوا بخطئهم الفادح حين دعوا «الحسين» إلى «الكوفة» ليبايعوه خليفة وإمامًا، ثم خذلوه لما حضر إليهم، لذلك قرروا الثأر له، وسمُّوا أنفسهم التوابين، أى الذين تابوا عن تقصيرهم فى نصرته، وتزعمهم «سليمان بن صرد الخزاعى». وقد اجتمع لهم عدة آلاف من الناس، قيل إنهم بلغوا ستة عشر ألفًا، وبايعوا «ابن صرد» على الموت طلبًا لثأر «الحسين»، لكنهم انفضُّوا عنه حين جدَّ الجد، كما انفضوا عن «الحسين» من قبل، ولم يبقَ معه سوى نحو ثلاثة آلاف، توجه بهم لقتال الأمويين، فتصدَّى لهم «عبيدالله بن زياد» فى جيش ضخم، بلغ عدده نحو ستين ألفًا، فهزمهم وقتل معظم التوابين وعلى رأسهم زعيمهم «سليمان بن صرد»، فى مكان يُسمَّى «عين الوردة» فى شمالى «العراق» سنة (65هـ).

*الجمل (معركة)

*الجمل (معركة) كانت أم المؤمنين «عائشة» - رضى الله عنها - عائدة من أداء فريضة الحج، وسمعت بمقتل «عثمان»، فعادت من الطريق إلى «مكة»، وأعلنت سخطها على قتله، وأخذت تردد «قُتل والله عثمان مظلومًا لأطلبن بدمه»، ثم وافاها فى «مكة» «طلحة» و «الزبير» - رضى الله عنهما - و «بنو أمية»، وكل من أغضبه مقتل «عثمان»، وراحوا يتباحثون فى الأمر، وهداهم تفكيرهم إلى تجهيز جيش للأخذ بالثأر من قتلة «عثمان» والسير به إلى «البصرة»، باعتبارها أقرب بلد إليهم من البلاد التى اشترك أهلها فى الثورة على «عثمان» وقتله، وصلت أخبار سير «عائشة» ومن معها إلى «على» وهو يتأهب للخروج إلى الشام لقتال «معاوية»، فاضطر إلى تغيير خطته، فلم يعد ممكنًا أن يذهب إلى الشام، ويترك هؤلاء يذهبون إلى «البصرة»، فاستعد للذهاب إلى هناك. خرجت السيدة «عائشة» - رضى الله عنها - ومعها فى البداية نحو ألف رجل لكن هذا العدد تضاعف عدة مرات، بانضمام كثيرين إلى الجيش، نظرًا إلى مكانة «عائشة»، فلما اقتربوا من «البصرة»، أرسل واليها «عثمان بن حنيف» إلى أم المؤمنين «عائشة» رسولين من عنده، هما «عمران بن حصين» و «أبو الأسود الدؤلى» يسألانها عن سبب مجيئها. فقالت لهما: «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا لعنة الله ورسوله، مع مانالوا من قتل إمام المسلمين، بلا ترة ولا عذر، فخرجت فى المسلمين، أعلمهم ما أتى هؤلاء، وكذلك سأل الرسولان «طلحة» و «الزبير» - رضى الله عنهما - عن سبب مجيئهما، فقالا: «الطلب بدم عثمان»، فرجع الرجلان وأخبرا «عثمان بن حنيف»، الذىأصرَّ على منعهم من دخول «البصرة»، فدارت بينه وبينهم معركة عند مكان يُسمى «الزابوقة» قُتل فيها نحو ستمائة من الفريقين، فلما رأوا كثرة القتلى تنادوا إلى الصلح والكف عن

القتال، وانتظار قدوم الإمام «على» إلى «البصرة». وصل «على» إلى «البصرة» وعلم بما حدث من سفك الدماء وهاله ذلك، فأرسل على الفور «القعقاع بن عمرو التميمى» إلى معسكر «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، ليعرف ماذا يريدون، فقالت «عائشة» - رضى الله عنها -: «خرجنا لنصلح بين الناس»، وكذلك قال «طلحة» و «الزبير»، فسألهم «ما وجه الإصلاح الذى تريدون»، قالوا: «قتلة عثمان»، قال: «لقد قتلتم ستمائة من قتلة عثمان، فغضب لهم ستة آلاف من قبائلهم، وكنتم قبل ذلك أقرب إلى السلامة منكم الآن»، قالوا: «فماذا ترى أنت؟»، قال: «أرى أن هذا الأمر دواؤه التسكين»، واقترح عليهم تجديد البيعة لعلى، ومقابلته، والتفكير بعد ذلك فيما يصلح المسلمين، فقبلوا. كانت نقطة الضعف التى فى معسكر الإمام «على» هى وجود كثيرين ممن اشتركوا فى قتل «عثمان» والتخطيط له، وعلى رأسهم «عبدالله بن سبأ»، و «الأشتر النخعى»، ولم يكن لعلى حيلة فى وجودهم معه، ولا قدرة على إبعادهم، لكونهم قوة كبيرة تساندهم عصبات قبلية، وقد أدرك زعماؤهم الذين تولوا كبر الثورة على «عثمان» أن الصلح بين الفريقين سيجعل «عليًّا» يتقوى بانضمام الفريق الآخر إليه، ويقيم الحد عليهم باعتبارهم قتلة «عثمان»، فعزموا على إفساد الأمر كله. وترتب على هذا العزم أن عقد «ابن سبأ» لهم مؤتمرًا تدارسوا فيه الأمر، فاقترح «الأشتر» أن يقتلوا «عليًا» كما قتلوا «عثمان» من قبل، فتهيج الدنيا من جديد، ولا يقدر عليهم أحد، لكن هذا الاقتراح لم يعجب «ابن سبأ»، فهو يريد أن يدخل الأمة كلها فى حرب طاحنة، لا أن يقتل فرد واحد وإن كان خليفة المسلمين، فأمرهم بشن هجوم فى ظلام الليل على جيش «عائشة» و «طلحة» و «الزبير»، بدون علم الإمام «على»، فاستجابوا لرأيه، وبينما الناس نائمون مطمئنون بعد أن رأوا بوادر الصلح تلوح فى الأفق، إذا بهم يفاجئون بقعقعة السلاح، وكانت هذه هى بداية

حرب «الجمل» المشئومة التى راح ضحيتها خيرة الصحابة «طلحة» و «الزبير» المبشران بالجنة، ونحو عشرين ألفًا من المسلمين.

*الحسين بن على (ثورة)

*الحسين بن على (ثورة) لم يقم الشيعة بأى ثورة ضد «معاوية بن أبى سفيان»، طوال مدة خلافته (41 - 60هـ)، وإنما اندلعت أولى ثوراتهم بقيادة «الحسين بن على» فى خلافة «يزيد بن معاوية»، بعد أن رفض «الحسين» بيعة «يزيد»، وكان قد رفض من قبل تعيينه وليا للعهد فى زمن أبيه. اعتصم «الحسين» بمكة المكرمة، وهناك توالت عليه رسائل أهل «الكوفة» يطلبون منه الحضور إليهم؛ ليبايعوه بالخلافة، فاستجاب لهم على الرغم من تحذير «ابن عباس» - وهو من أقرب الناس إليه - من الذهاب إلى «العراق»، لأنها دعوة من لا أمان أو عهد لهم، وقد خذل أهل العراق أباه من قبل، لكنه أصر على الذهاب، وأرسل - قبل أن يتحرك- ابن عمه «مسلم بن عقيل بن أبى طالب» إلى «الكوفة»، ليستطلع الأمر، ويكتب له بحقيقة الموقف هناك. وصل «مسلم بن عقيل» إلى «الكوفة»، فاستقبله الناس بحماس شديد وبحفاوة بالغة، وبايعه منهم نحو ثمانية عشر ألفًا، فانخدع بهم بعد أن تغافل «النعمان بن بشير» والى «الكوفة» عنه، فكتب إلى «الحسين» يطمئنه، ويطلب منه الحضور إلى «الكوفة». ولما علم «يزيد» بما فعله «مسلم» فى «الكوفة»، اضطر إلى عزل «النعمان بن بشير» عن ولايتها لتغاضيه عما يقوم به «مسلم»، وولَّى مكانه «عبيدالله بن زياد»، فحضر على الفور، وقبض على «مسلم» وقتله بعد أن انفضت عنه الآلاف التى تجمعت حوله من أهل «الكوفة»، وتركوه يلقى مصرعه وحده. وفى أثناء هذه الأحداث المتلاحقة كان «الحسين» فى طريقه إلى «الكوفة»، فلما وصلته أخبار «مسلم»، وتخاذُل الكوفيين عنه، قرر العودة إلى «مكة»، لكن إخوة «مسلم» أصروا على مواصلة السير، طلبًا لثأر أخيهم، فلم يجد «الحسين» بُدا من مطاوعتهم، وكان هذا من الأخطاء الكبيرة، فالذى قتل «مسلم» دولة لا فرد، وليس فى استطاعتهم - وهم قلة فى عددهم - التصدِّى للدولة، فقد كانوا نحو سبعين رجلا. واصل «الحسين» سيره حتى بلغ «كربلاء»

بالقرب من «الكوفة»، فوجد جيشًا كبيرًا فى انتظاره بقيادة «عمر بن سعد بن أبى وقَّاص» يزيد عددُه عمَّا معه من أفراد بنحو خمسين مرة، وعسكرت القوتان دون تكافؤ بينهما فى القوة، فعرضَ «الحسين» على «عمر بن سعد» ثلاثة حلول للخروج من هذا المأزق، إمَّا أن يتركه يعود إلى «مكة»، وإما أن يتركه يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد فى سبيل الله، وإما أن يدعه يذهب إلى «دمشق» لمقابلة الخليفة «يزيد بن معاوية» ويضع يده فى يده. وكانت هذه الخطوة من «الحسين» - رضى الله عنه - طيبة؛ لأن ذلك معناه أنه أنهى ثورته وجنح إلى السلام، كما سُرَّ بهذه الخطوة «عمر بن سعد»، لأنه لم يكن راغبًا فى مواجهة «الحسين»، ولكن عليه أن يستشير «عبيد الله بن زياد»، فهو الوالى وصاحب القرار، فرحب بالفكرة لأول وهلة، لأن فيها حقن الدماء، وبخاصة دم «الحسين» حفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غير أن شيطانًا من شياطين الإنس يُدعى «شمر بن ذى الجوش» أشار على «ابن زياد» ألا يقبل من «الحسين» إلا أن يسلِّم نفسه باعتباره أسير حرب، وأن يرسله بهذه الصفة إلى الخليفة «يزيد بن معاوية» فى «دمشق». وكان من الطبيعى أن يرفض «الحسين بن على» هذا الطلب، فالموت عنده أهون عليه من هذا كما قال هو نفسه، ولو أن مشركًا أو ذميا كان فى مكان «الحسين»، وعرض عليهم هذه الحلول السلمية لكان عليهم قبولها، لكن «ابن زياد» خضع لهذه الفكرة الشيطانية، ورفض «الحسين» تسليم نفسه أسير حرب، فدارت معركة غير متكافئة بين الفريقين فى «كربلاء» فى العاشر من المحرم سنة (61هـ)، استُشْهِد فيها «الحسين»، رضى الله عنه، وقتل من كان معه من أهل بيته، ولم ينجُ من القتل إلا ابنه «على» الملقب بزين العابدين.

*حطين (معركة)

*حطين (معركة) تعد «حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد الصليبيين، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها مثل: موقعة «مرج العيون» سنة (574هـ) التى انتصر فيها عليهم، ثم موقعة «مخاضة الأحزان» سنة (575هـ)، وهىمعركة فاصلة. بدأت فى ربيع الثانى سنة (583 هـ)، بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبى والصليبيين. وكان صلاح الدين قد وحَّد مصر والشام والعراق والجزيرة وجمع كلمة العرب تحت لوائه، فقرر التصدِّى للصليبيين فوضع خطة لاستدراجهم بعيدًا عن معاقلهم وحصونهم فانتهز فرصة تعدى الأمير رينو دوشاتيون - المعروف بأرناط - على قوافل المسلمين والحجاج ونقضه بذلك الهدنة التى بين المسلمين والصليبيين؛ فحرق لهم طبرية، ونفذ خطته، فجاءوه مجتمعين ومعهم صليب الصلبوت أو الصليب الأعظم وعلى رأسهم الملك غى ملك بيت المقدس فى خمسين ألف مقاتل، وساروا إليه فى أرض جرداء وعرة لا كلأ فيها ولا ماء فى يوم شديد الحرارة ، فعانى الصليبيون من التعب والحر والعطش. على حين كانت دوريات صلاح الدين تهاجمهم فى المقدمة والقلب والمؤخرة، وتقوم بحرب إزعاج ضدهم، ثم تنسحب بسرعة، دون أن تعطيهم فرصة للالتحام، وكان عسكر المسلمين على سفوح هضاب حطين ينتظرون وصول الجيش الصليبى، ولما وصل الصليبيون طوَّق صلاح الدين بجيشه الهضبة التى تمركز عليها جيش الصليبيين، ومنع عنهم الماء، وأحرق المسلمون الأراضى المكسوة بالأشواك، وكانت الريح مواتية فحملت إليهم حر النار والدخان. وبدأ جيش المسلمين بالهجوم، وقاتل الفرنجة ببسالة لا نظير لها، ولم يترك لهم المسلمون فرصة لالتقاط أنفاسهم، فهُزِم المشاة، وفرَّ قسم من الفرسان، وطوق المسلمون خيمة الملك غى، ودكوها، وأسروا الملك وجميع الأمراء والفرسان الصليبيين وعددًا كبيرًا من رجالاتهم وقادتهم، فأكرم صلاح الدين ضيافتهم، وسقى مليكهم الماء المثلج. ثم شرع صلاح الدين فى

فتح البلاد والمدن والثغور الصليبية حتى توَّج جهاده بتحرير بيت المقدس فى شهر رجب من السنة نفسها.

*حنين (غزوة)

*حنين (غزوة) بعد فتح «مكة» بدأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرتب أمورها، فعين لها واليًا من قبله، هو «عتاب بن أسيد»، ومعلمًا يعلم أهلها شرائع الإسلام هو «معاذ بن جبل»، ولكن بعد أقل من أسبوعين من ذلك الفتح العظيم وصلت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أخبار بأن قبائل «هوازن» و «ثقيف» قد جمعت جموعها فى وادى «حنين» بين «مكة» و «الطائف» لمحاربته؛ لظنهم أن ذلك الفتح وعلو شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطر عليهم، ولا شك أنهم كانوا فى ذلك مخطئين، فالإسلام ليس خطرًا عليهم ولا على غيرهم، بل هو رحمة وعدل وعزة وكرامة لهم وللعرب وللعالم أجمع. أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - الجيش بالتأهب لمواجهتهم فى أوائل شهر شوال سنة 8هـ، وكان يضم اثنى عشر ألفًا بعد أن انضم إلى جيش الفتح ألفان من أهل «مكة»، واتجه به إلى وادى «حنين»، ففاجأتهم جموع «هوازن» و «ثقيف» من مكامنها فى الأودية والجبال، وكادت تهزمهم، وفر معظم المسلمين من هول المفاجأة، ولم يثبت مع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة قليلة من أهله وأصحابه، تقدر بنحو عشرة رجال، وصاح النبى - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين «إلى أين أيها الناس؟ إلىَّ أيها الناس، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وأمام ثبات النبى - صلى الله عليه وسلم - وشجاعته عاد المسلمون وراءه، وتماسكوا من جديد، وحملوا على عدوهم حملة صادقة، فهزموهم هزيمة شديدة، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وأسروا كذلك نحوًا من ستة آلاف، وغنموا غنائم كثيرة.

*الخندق (غزوة)

*الخندق (غزوة) إحدى الغزوات التى وقعت بين المسلمين وأحزاب المشركين سنة (5 هـ = 672م) بعد غزوة أحد. وسُميت بهذا الاسم؛ لأن قريشًا وغطفان وبنى سليم وبنى مرة تحزَّبوا وتجمعوا للقضاء على الإسلام ودعوته بالمدينة المنورة. وقد قام اليهود من بنى النضير بتحزيب هذه القبائل وتجميعها وتأليبها على المسلمين؛ إذ ذهب وفد منهم على رأسه حُيى بن أخطب إلى قريش، وحرَّضهم على غزو المسلمين، فاستجابوا للدعوة، ثم توجهوا إلى غطفان فأغروهم بأن يكون لهم نصف ثمار بنى النضير ثم طافوا بقبائل أخرى. وتمَّ الأمر لهم كما أرادوا؛ فقد تجمع جيش كبير قوامه (10) آلاف مقاتل، أعدوا عدتهم للسير تجاه المدينة. وكان ذلك فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأخبار المفزعة، فجمع كبار الصحابة واستشارهم كيف يواجهون هذا الموقف، فأشاروا عليه بالتحصن داخل «المدينة»؛ لأنهم استفادوا من درس «أحد»، وأخذوا يعدُّون العدة لتحمل حصار طويل من الأعداء. وهنا جاءت فكرة رائعة من «سلمان الفارسى» - رضى الله عنه - وهى حفر خندق فى الجهة الشمالية الغربية من «المدينة»؛ لمنع اقتحام جيوش الأحزاب لها، لأن بقية جهاتها الأخرى كانت محصنة بغابات من النخيل، يصعب على الخيول اقتحامها. وتم حفر الخندق فى نحو أسبوع، وعمل النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه مع المسلمين فى حفره، وبشرهم وهم فى هذا الموقف العصيب بفتح «الشام» و «العراق» و «اليمن». جاءت قوات الأحزاب وهى واثقة لا بالنصر على المسلمين فحسب، بل باستئصالهم، لكن المفاجأة أذهلتهم عندما رأوا الخندق يحول بينهم وبين اقتحام المدينة، وظلوا أمامه عاجزين، تأكل قلوبهم الحسرة، لأنهم لم يتعودوا مثل هذا الأسلوب فى القتال، ولما حاول واحد منهم اقتحام الخندق لقى حتفه فى الحال. وعلى الرغم من أن الخندق قد حمى المسلمين من هجوم المشركين، فإن الكرب قد اشتد عليهم، وضاقوا بطول

الحصار، وكانوا فى موقف عصيب بالغ الصعوبة، فالمشركون من فوقهم يحيطون بالخندق، وبنو قريظة أسفل منهم قد نقضوا العهد، والمنافقون فى المدينة يرجفون، ويخذلون الناس، واشتدَّ الخوف، وعظُم البلاء، وزُلزل المسلمون زلزالاً شديدًا. وصفه الله - تعالى - أدق وصف بقوله: {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً (الأحزاب:10 - 11) اجتهد النبى - صلى الله عليه وسلم - فى تفريج الكرب عن المسلمين، فاتصل بقبائل «غطفان» وعرض عليها ثلث ثمار «المدينة» على أن يعودوا إلى ديارهم ويتخلوا عن «قريش» فوافقوا، وعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر على الأنصار، فسألوه إن كان هذا أمرًا من الله فليس لهم أن يخالفوه، أما إذا كان اجتهادًا من أجلهم فلن يوافقوا عليه، فأعلمهم أنه اجتهاد منه لمصلحتهم ولتفريق الأحزاب عنهم، فأبوا وعزموا على مواصلة الجهاد والدفاع عن بلدهم، فأوقف النبى - صلى الله عليه وسلم - المفاوضات مع «غطفان» نزولا على رأى أصحابه. وفى هذه اللحظة لاحت فرصة عظيمة حيث جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجل من غطفان اسمه نعيم بن مسعود الأشجعى - وكان قد أسلم وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا - يعرض عليه أن يأمره بما يشاء للتخفيف عن المسلمين، فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يفرق بينهم وبين «بنى قريظة»، الذين نقضوا عهدهم مع النبى - صلى الله عليه وسلم - واتفقوا مع الأحزاب على الانضمام إليهم حين تبدأ الحرب، وقد نجح «نُعيم» فى مسعاه نجاحًا عظيمًا، وزرع الشكوك فى قلوب الأحزاب و «بنى قريظة» تجاه بعضهم بعضًا وفرق كلمتهم، ثم أرسل الله ريحًا شديدة قلعت خيام المشركين، وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله بفضل الله - تعالى - عليهم، وأدرك «أبو سفيان بن حرب» قائد الأحزاب ألا فائدة من البقاء، فأمرهم بالرحيل فرحلوا، وقد علق

الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذا الموقف بقوله: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا».أى أن قريشًا لن تستطيع مهاجمة «المدينة» مرة أخرى؛ لأن ميزان القوى أصبح يميل مع المسلمين.

*الخندق (موقعة)

*الخندق (موقعة) هى معركة جرت بين عبد الرحمن الناصرو ملك ليون قائد التحالف النصرانى فى الأندلس عند باب قلعة «شنت منكش» (سيمانقة) وكانت الحرب سجالا، ثم انكشف المسلمون انكشافًا لم يسمع بمثله وردهم العدو إلى خندق عميق نسبت الموقعة إليه، وقد تساقط فيه المسلمون حتى امتلأ بهم عن آخره وانكشف الناصر واستولى العدو على محلاته وما فيها من عدة ومتاع وفقد مصحفه الشريف ودرعه. وكان للخونة وعلى رأسهم «فرتون بن محمد الطويل» أثره فى الهزيمة، وقد أعدمه الناصر جزاءً وفاقًا لخيانته، كما كان لتولية قائد صقلبى أثره فى امتعاض العرب وتأثيره على روحهم المعنوية أثناء القتال، وقد قتل ذلك القائد فى المعركة، وأسر من كبار المسلمين «محمد بن هاشم التجيبى» وبقى فى أسر ملك ليون مدة عامين حتى افتداه الناصر بمبلغ كبير.

*الخوارج (ثورات)

*الخوارج (ثورات) الخوارج لفظ يطلق على طائفة عقائدية سياسية، ظهرت فى أواخر عصر الخلفاء الراشدين، وهى أولى الفرق الإسلامية. وقد خرجوا على على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وصحبه رافضين التحكيم بينه وبين معاوية بن أبى سفيان. وانبثقت عنهم عدة فرق - عُرف كل منها باسم خاص - بلغت اثنتين وعشرين فرقة، ومن أهمها: الأزارقة والصفرية والنجدات. واشتهر الخوارج بالتشدد فى العبادة، وكانوا يرون أن الخلافة حق لكل مسلم مادام مستحقًّا لها، ومادامت شروطها متحققة فيه، كما اتفقوا على تكفير عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وأصحاب الجمل، وتكفير الحكمين، وكذلك معاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنه، وأصحابه. وقد أعلن الخوارج الثورة على على ومعاوية وقاموا بثورات كثيرة، وتصاعدت هذه الثورات منذ حربهم ضد على بن أبى طالب سنة (38 هـ = 658 م) بالنهروان، حتى تحولت إلى تحرك جماهيرى مسلح ضد بنى أمية، حيث لجأ الخوارج إلى القوة واستخدام السيف فى فرض أفكارهم وآرائهم على الناس، وأبدوا فى صراعهم الدموى مع الدولة الأموية كثيرًا من ضروب الشجاعة والتضحية والإقدام وكانت الأعداد القليلة منهم تهزم جيوشًا جرارة للدولة، ولو أن شجاعتهم وبطولاتهم اتجهت اتجاهًا صحيحًا، ووحدوا جهودهم مع الدولة الأموية فى مجال الفتوحات الإسلامية ومحاربة أعداء الإسلام، لكان ذلك أجدى وأنفع، والعجيب أن أغلبهم لم يكونوا من طلاب الدنيا، والتطلع إلى المال والمناصب، وإنما كانوا طلاب آخرة، ولكنهم أخطئوا الطريق إليها، كما قال لهم «عمر بن عبدالعزيز». أعلن الخوارج وبخاصة «الأزارقة» حربًا شعواء على الدولة الأموية منذ قيامها، ولم تفلح معهم سياسة «معاوية بن أبى سفيان» - رضى الله عنه - القائمة على التسامح وسعة الأفق، فثاروا فى وجهه سنة (41هـ) - أى عام الجماعة - قبل أن يغادر «الكوفة»، وكان أول من ثار عليه «عبدالله بن أبى

الحوساء» فى مكان قريب من «الكوفة»، ثم ثار عليه «المستورد بن عُلَّنة الطائى». وكان عجيبًا أن تشب هذه الثورات فى «الكوفة» أيام واليها «المغيرة بن شعبة» الذى انتهج سياسة متسامحة مع الناس كلهم، ولم يشأ أن يزيد فى آلام الناس فى «العراق»، أو ينكأ جروحهم بعد الحروب الكثيرة التى عانوها فى «الجمل» و «صفين». وكان حريا بالخوارج أن يركنوا إلى الهدوء ويبتعدوا عن سياسة العنف إزاء سياسة التسامح التى انتهجها «المغيرة»، لكنهم تمرَّدوا وثاروا، فاضطر «المغيرة» إلى التصدى لهم والقضاء على ثوراتهم. ثم ازداد ضغط الدولة عليهم منذ أن ولى «زياد بن أبى سفيان» ولاية «البصرة» سنة (45هـ) فأخذ يتعقبهم فى «البصرة»، فى الوقت الذى يتعقبهم فيه «المغيرة بن شعبة» فى «الكوفة»، حتى ضيَّقا عليهم الخناق، وضربا عليهم بيد من حديد، حتى ضعفت شوكتهم. وعلى الرغم من ذلك فقد استأنف الخوارج نشاطهم على نحو أعنف بعد وفاة «معاوية» سنة (60هـ)، فأرسل إليهم «يزيد بن معاوية» حملة بقيادة «عبيدالله بن زياد»، فتصدى لهم بقوة، ثم ازدادت ثوراتهم بعد وفاة «يزيد» سنة (64هـ)، مستغلِّين فى ذلك حالة الفوضى التى سادت «العراق»، ولما استقامت الأمور للأمويين كلَّف «عبدُالملك بن مروان» «المهلب بن أبى صفرة»، بمواجهة الخوارج، فاستطاع أن يكسر شوكتهم، ويخمد أنفاسهم، فاستكانوا فترة طويلة تزيد على العشرين عامًا (78 - 100هـ)، لم تقم لهم ثورة خلالها، ثم عاودوا نشاطهم فى عهد «عمر بن عبدالعزيز»، فاستعمل معهم أسلوب الحوار، فاستجابوا له لمَّا أقنعهم بخطأ أفكارهم المتطرفة، ووعدوه بالهدوء، لكنهم هبُّوا من جديد بعد وفاته سنة (101هـ)، ولم تهدأ ثوراتهم التى استمرت حتى آخر أيام الدولة الأموية. وبلغت حركة الخوارج أقصى درجات العنف فى عهد «مروان بن محمد» آخر خليفة أموى (127 - 132هـ)، وقد شهد آخر ثورات الخوارج وأشدها خطرًا، بقيادة «الضحاك بن قيس الشيبانى» فى

«العراق»، و «أبى حمزة الخارجى» فى جنوبى الجزيرة العربية.

*خيبر (غزوة)

*خيبر (غزوة) وهى قرية كبيرة تقع شمالى شرقى «المدينة المنورة» بنحو مائة وثمانين كيلو مترًا، يسكنها بعض اليهود الذين لم تبد منهم أية إساءة إلى المسلمين من البداية، ولم يُسمع أن لهم ضلعًا فى أية مؤامرة أو موقف من مواقف اليهود المخزية ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاحترم الرسول موقفهم وحيادهم، غير أنهم تبدلوا وتغيرت مواقفهم. منذ أن نزل عندهم يهود «بنى قينقاع» و «بنى النضير»، فأفسدوهم وجعلوا بلدهم وكرًا للتآمر على المسلمين والكيد لهم. ولما كانت «خيبر» تقع على الطريق المؤدى إلى «الشام»، فكان لابد من تطهير ذلك الطريق من أية عوائق، وبخاصة أنه الطريق الرئيسى للدعوة الإسلامية وللجيوش الإسلامية التى ستخرج بعد وقت قصير لمواجهة دولة الروم، التى تكرر اعتداؤها على المسلمين؛ لذلك قرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصفية آخر وكر يهودى فى شبه جزيرة العرب؛ لتسلم قاعدة الإسلام الأساسية ومنطلقه إلى العالم من عدو ماكر، فبعد عودته من «الحديبية» بأقل من شهر - أى فى المحرم من العام السابع للهجرة - غزا «خيبر»، ودك حصونها، فاستسلمت، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - كريمًا ورحيمًا مع أهلها، فلم يجبرهم على الدخول فى الإسلام، ولم يطردهم من بلدهم، بل أبقاهم يزرعون أرضهم، ولهم نصف محاصيلها، وللمسلمين النصف الآخر.

*ذات الصوارى (معركة بحرية)

*ذات الصوارى (معركة بحرية) أثار بروز الأسطول الإسلامى فى البحر المتوسط حفيظة «قنسطانز الثانى» الإمبراطور البيزنطى، وجعله يفكر فى القضاء على الأسطول الإسلامى وتحطيمه، قبل أن تكتمل قوته، ويزداد خطره، وحتى تظل السيطرة على «البحر المتوسط» للأسطول البيزنطى وحده دون غيره، فعبأ الإمبراطور قواته البحرية كلها، واتجه بها قاصدًا سواحل الشام، وهو لا يراوده شك فى قدرته على تدمير السفن الإسلامية؛ لحداثة نشأتها، وقلة خبرة رجالها، لكن المسلمين استعدوا لهذا اللقاء جيدًا وتعاون الأسطولان فى «مصر» والشام، لرد هذا العدوان، وأسندت قيادتهما إلى «عبدالله بن سعد» والى «مصر». والتقى الأسطولان الإسلامى والبيزنطى - الذى كان بقيادة الإمبراطور نفسه - فى شرقى «البحر المتوسط»، جنوبى شاطئ «آسيا الصغرى» (تركيا الحالية)، ودارت بينهما معركة بحرية كبيرة، سُميت بمعركة «ذات الصوارى»، لكثرة السفن التى اشتركت من الجانبين (خمسمائة سفينة من جانب الروم، مقابل مائتى سفينة من جانب المسلمين) وانتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للأسطول البيزنطى، ونجاة الإمبراطور من القتل بأعجوبة. ونتيجة لهذه الهزيمة لم يرجع الإمبراطور إلى عاصمة «القسطنطينية» بعد المعركة، وإنما ذهب إلى «جزيرة صقلية»، قبالة شاطئ «تونس»، فى محاولة منه لحماية ما تبقى من دولة الروم فى «شمال إفريقيا»، لكنه قتل فى «صقلية» سنة (68هـ = 688م).

*الربض (ثورة)

*الربض (ثورة) هى ثورة عنيفة اشتعلت فى «قرطبة» فى أواخر عهد الحكم الأول بن هشام المعروف بالربضى، وقدسميت بثورة الربض بسبب كراهية «المولِّدين» للحاكم، وبغضهم له لصرامته وقسوته، واتهامهم له بممارسة اللهو والشراب، والمبالغة فى فرض الضرائب، وقد تأجج لهيب الثورة فى الربض الجنوبى المسمى «شقندة» بصفة خاصة يوم (13 من رمضان 202هـ = 25 من مارس 818م) وتوجه الثوار إلى القصر، وتأهب الحكم ورجاله لردِّهم، وقد نجحوا فى ذلك، ثم مالبث أن شقت قوات الحكم طريقها إلى النهر، وعبرته إلى الضاحية الأخرى موطن الثائرين وأضرمت النيران فى جوانبها، فأسرع الثوار إلى دورهم، لإطفاء النيران وإنقاذ الأهل والعشيرة. وفى هذه اللحظة أحاط الجنود بالثوار، وأوسعوهم قتلا ومطاردة ونهبوا دورهم، واستمرت هذه المأساة ثلاثة أيام، فرَّ خلالها إلى طليطلة من استطاع، ثم نودى بالأمان بعد أن هدأت الفتنة، ثم أصدر الحكم قرارًا بهدم دور الثوار ولاسيما فى الضاحية التى شهدت ميلاد الثورة، فتم محوها تمامًا، ثم أمر بإخراج الثائرين من قرطبة، فتفرقوا فى الثغور، وعبر بعضهم إلى العدوة الأخرى بالمغرب، وهاجر بعضهم إلى طليطلة وشمالى غربى الأندلس. كما ركب نحو (15) ألفًا منهم سفنًا رست بهم فى ميناء الإسكندرية، حيث أقاموا فيها، غير أن والى مصر «عبدالله بن طاهر» أجبرهم على الرحيل، فتوجهوا إلى جزيرة «كريت» وفتحوها سنة (212هـ = 827م)، وأسسوا بها دولة زاهرة، بقيت هناك إلى أن استولى عليها البيزنطيون سنة (350هـ = 961م).

*الردة (حروب)

*الردة (حروب) بدأت حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان» و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض على «الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة، ويعدُّونها إتاوة تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر الزكاة فى التكافل الاجتماعى بين المسلمين. كان رأى فريق من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن يستجيب «أبو بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة، وخاصة أن «المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛ لأن جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن «الصديق» لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا جازمًا قائلا له: «والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه». ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات صائبة فحسب، بل كان يقرنها بالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك أنهم سيهاجمون «المدينة» على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب معظم الرجال مع جيش «أسامة»، وأعلن حالة الاستعداد للدفاع عن «المدينة» عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله، مقرا لغرفة عمليات عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها، وأمر عددًا من كبار الصحابة بحراسة مداخل «المدينة»، على رأسهم «على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيدالله»، و «الزبير بن العوام»، و «عبدالله بن مسعود» رضى الله عنهم. وحدث ما توقعه «الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة «المدينة»، فوجدوا المسلمين فى انتظارهم، فهزمهم المسلمون وردوهم على أعقابهم إلى «ذى القصة» - شرقى «المدينة». ثم تعقبهم «الصديق» وألحق بهم هزيمة منكرة، وفرت فلولهم، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ «الصديق» من «ذى القصة» مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة كلها، وفى هذه الأثناء

جاءت الأخبار بوصول جيش «أسامة» سالمًا غانمًا، فأسرع «الصديق» بنفسه لاستقبال قائد الجيش الشاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة خير قيام، وبعد أن احتفى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم «المدينة»، وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير المعركة مع المرتدين بعزيمة لا تلين. أراد «أبو بكر الصديق» أن يبصِّر المرتدين بخطورة ما أقدموا عليه، فواجههم مواجهة سلمية بأن دعاهم إلى العودة بدون قتال إلى الإسلام، الذى أكرمهم الله به، وأرسل إليهم كتابًا يقرأ على القبائل كلها؛ لعلهم يعقلون، جاء فى أخره: «وإنى بعثت إليكم فلانًا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرَّ وكف وعمل صالحًا، قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحدٍ منهم قدر عليه، .. ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتابى فى كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذَّنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم ... ». وفى الوقت الذى كان يأمل فيه أن يستجيب المرتدون، ويعودوا إلى دين الله دون قتال؛ كان يعد أحد عشر جيشًا فى وقت واحد، تغطى المناطق التى ارتد أهلها فى شبه جزيرة العرب، جاهزة للانطلاق إلى كل منطقة؛ ليشغل كل قبيلة بالدفاع عن نفسها فى ديارها، ولا تأخذ فرصة للتجمع والتكتل ضده، وكان هذا تصرفًا بارعًا وحكيمًا من «الصديق». واختار «الصديق» لهذه الجيوش أمهر القادة وأكثرهم خبرة بالقتال، وهم: «خالد بن الوليد»، سيف الله وعبقرى الحرب، وأمره بقتال المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» وحلفائهم بقيادة «طليحة بن خويلد» فى «بذاخة»، فإذا انتهى من مهمته توجه لقتال المرتدين من «بنى تميم» فى «البطاح»، إلى الشرق من ديار «بنى أسد». - و «عكرمة بن أبى جهل» وأردفه

بشرحبيل بن حسنة، وأمرهما بالتوجه إلى «مسيلمة الكذاب» ومن معه فى «اليمامة»، وأمرهما ألا يقاتلاه حتى يأمرهما بذلك، لمعرفة «أبى بكر» بقوة جيش «مسيلمة»، وأنهما لن يقدرا على هزيمته بسهولة، بل يشغلاه حتى يحين الوقت المناسب لإرسال قوات أكبر؛ لمواجهة «بنى حنيفة» فى جموعهم الكبيرة. - و «العلاء بن الحضرمى»، وأمره بقتال المرتدين فى «البحرين» وما والاها. - و «حذيفة بن محصن»، وأمره بقتال المرتدين فى «دبا» فى جنوبى شرقى شبه الجزيرة. و «عرفجة بن هرثمة»، وأمره بقتال المرتدين فى «مهرة» فى جنوبى شبه الجزيرة. و «المهاجر بن أبى أمية المخزومى»، وأمره بقتال المرتدين فى جنوبى «اليمن». و «سويد بن مقرن»، وأمره بقتال المرتدين فى «تهامة اليمن» على ساحل «البحر الأحمر». - و «عمرو بن العاص»، وأمره بقتال قبائل «قضاعة» فى الشمال. - و «معن بن حاجز» وأمره بقتال المرتدين فى «هوازن» و «بنى سليم». و «خالد بن سعيد بن العاص»، وأمره أن يعسكر فى «تيماء»، ولا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل. لم يستجب المرتدون لدعوة «أبى بكر» السلمية، فبدأ قادته ينفذون ما عهد إليهم من مهام، وخاض «خالدبن الوليد» أول معارك الردة فى «بذاخة» ضد المرتدين من «غطفان» و «بنى أسد» وحلفائهم ممن التفوا حول «طليحة بن خويلد الأسدى» مدعى النبوة، وكان النصر حليف «خالد»، بعد أن ألحق بهم هزيمة منكرة وغنم كثيرًا، وأرسل عددًا من زعمائهم أسرى إلى الخليفة، وفر «طليحة»، وظهر كذبه، ويجدر بالذكرى أن «طليحة» قد أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه فى عهد «أبى بكر الصديق»، واشترك فى الفتوحات الإسلامية فى «فارس»، فى عهد «عمر بن الخطاب»، وكان له دور بارز فيها. وبعد ذلك توجه «خالد بن الوليد» إلى «البطاح» فى «نجد» لقتال المرتدين من «بنى تميم» بزعامة «مالك بن نويرة»، ونجح فى إلحاق الهزيمة بهم، والقضاء على الردة فى بلادهم. وكان «أبو بكر» قد أرسل

«عكرمة بن أبى جهل» و «شرحبيل بن حسنة» للوقوف فى وجه «مسيلمة»، ولم يأمرهما بقتال؛ لكنهما تعجلا مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع «مسيلمة» فى حرب لم يصمدا فيها، وعادا منهزمين، ولعلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو. وما إن وصلت أنباء هزيمتهما إلى «أبى بكر» حتى غضب غضبًا شديدًا، وطلب منهما ألا يعودا إلى «المدينة»، وقرر فى الوقت نفسه أن يرسل «خالد بن الوليد» إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة»، فهو أصلح الناس لهذه المهمة. وكان «خالد» قد فرغ من القضاء على فتنة المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»، فجاءته أوامر من «أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة الكذاب». امتثل «خالد بن الوليد» لأوامر الخليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيلو متر، حتى التقى بجيوش «مسيلمة» - وكانت نحو أربعين ألفًا - فى مكان يسمى «عقرباء» فى حين كانت قوات «خالد» تبلغ نحو ثلاثة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحرب بين الفريقين، وكانت حربًا شرسة، اشتدت وطأتها على المسلمين فى البداية، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر «خالد» كالأسد الهصور، ونادى بأعلى صوته «وامحمداه»، وكان شعار المسلمين فى المعركة، فاشتعلت جذوة الإيمان فى القلوب، وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فى النصر أو الشهادة، وصبروا لأعداء الله حتى هزموهم هزيمة منكرة، وقتلوا «مسيلمة» الكذاب مع نحو عشرين ألفًا من رجاله، واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومائتى رجل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم. وحين ترامت إلى المرتدين أخبار انتصارات «خالد» وما فعله فى «بنى حنيفة»، وقر فى أذهانهم أن المسلمين لا ينهزمون؛ ولذا كانت مهمة بقية القادة فى المناطق

التى توجهوا إليها أقل صعوبة مما واجهه «خالد بن الوليد» فى «اليمامة». وقبل أن يمضى عام على بدء حركة الردة كان «أبو بكر الصديق» قد نجح فى القضاء عليها فى كل مكان، وعادت شبه الجزيرة العربية موحدة دينيًا وسياسيًا تحت لواء المسلمين وحكومتهم فى «المدينة» ما كانت فى آخر حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

*الزلاقة (معركة)

*الزلاقة (معركة) أشهر المعارك الحربية وأعظمها فى تاريخ المسلمين بالأندلس. وقعت فى (رجب 479هـ = أكتوبر 1086م) عند سهل فسيح تسميه المصادر العربية بالزلاقة أو ساكرا خاس ( Sac( صلى الله عليه وسلم) ajas) شمالى بطليوس على الحدود الإسبانية البرتغالية حاليًّا حيث جرت وقائعها بين المرابطين وألفونسو السادس وحلفائه وكانوا ما بين أربعين إلى ثمانين ألفًا على حين قدر الجيش الإسلامى بما بين عشرين إلى نحو خمسين ألفًا، وكان يقود مقدمة جيش المسلمين المعتمد بن عباد، وعلى الميمنة «المتوكل بن الأفطس» وتكونت الميسرة من أهل شرقى الأندلس، أما المؤخرة فكانت من البربر بقيادة «داود بن عائشة»، وكان أنجاد المرابطين من لمتونة وصنهاجة وغيرها بقيادة يوسف بن تاشفين. لبث الجيشان ثلاثة أيام لايفصلهما سوى نهر، والرسل تتردد بينهما، وقد أرسل «ابن تاشفين» إلى خصمه يدعوه إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاستاء الملك النصرانى ورد بقوله: «إنى ما كنت أتوقع أن يصل الحد بالمسلمين الذين كانوا يعطوننى الجزية منذ سنين أن يعرضوا على مثل هذه الاقتراحات الجارحة ومع هذا فإن لدى جيشًا فى استطاعته أن ينزل العقوبة على هذه الوقاحة البالغة من الأعداء» ولم يكن جواب «يوسف» على أكثر من هذه العبارة» الذى يكون ستراه «. جرت اتصالات تهدف إلى تحديد موعد المعركة، وحاول «ألفونسو» خديعة المسلمين، فأرسل إليهم يوم الخميس يخبرهم أن المعركة ستكون يوم الإثنين، لكن المعتمد بن عباد أدرك خديعته، وقد أخبرته طلائعه بما فى معسكر العدو من حركة وجلبة سلاح، رغم أن الوقت المتفق عليه لبدء القتال لم يكن قد حان بعد. فتوقع المسلمون أن يبدأ ألفونسو الحرب صباح يوم الجمعة، وبالفعل تحقق ما توقعه المسلمون، وهجم ألفونسو بجيشه، ودارت المعركة. ففى أوائل (رمضان 480هـ = ديسمبر 1087م) بدأ القتال فى الصباح الباكر واشتد لهيب المعركة وهاجم

النصارى بعنف مقدمة «المعتمد بن عباد» ونجح فى ردها عن مواقعها واختل نظامها وارتد معظمها إلى بطليوس ولم يثبت إلا الإشبيليون وابن عباد الذى كان مثالا للشجاعة والإقدام حيث صمد للعدو، وقاوم هجماته العنيفة رغم جرحه الذى فى وجهه ويده، وهجم «ألفونسو» على مقدمة المرابطين التى يقودها «داود بن عائشة» وردها عن مواقعها، وفى اللحظة المناسبة دفع ابن تاشفين بقوات البربر إلى نجدة الأندلسيين والمرابطين، ونفذت قواته إلى قلب النصارى بكل قوة، وسرعان ما تغير وجه المعركة، لأن يوسف هاجم عدوه من الخلف مباغتة وهذا شجع الفارين فعادوا ونظموا صفوفهم، وشدوا من أزر المعتمد، ورغم أن «ألفونسو» كان قد وصل إلى خيام المرابطين، فإن ابن تاشفين تقدم على رأس من معه من قوات وتجاوز جموع النصارى وقصد إلى معسكرهم نفسه وهاجمه بشده وفتك بحراسته، ثم وثب إلى مؤخرة القشتاليين النصارى، وأثخن فيهم قتلاً وطبوله تضرب فتشق أجواز الفضاء، ثم أضرم النار فى معسكر الأعداء. اضطر «ألفونسو» أن يستدير لينقذ معسكره؛ لكنه اصطدم بالمرابطين ولم يصل إلى محلته إلا بعد خسائر فادحة، وكان «يوسف» أثناء القتال يجول على صهوة جواده بين المحاربين يهيب بهم «أن تشجعوا أيها المسلمون، أعداء الله أمامكم والجنة تننتظركم، وطوبى لمن أحرز الشهادة». وكان سماع النصارى لدوى الطبول ووقوف المسلمين يقاتلون فى صفوف متراصة ثابتة من العوامل المساعدة على انتصار المسلمين وإلحاقهم الهزيمة بصفوف عدوهم، وقد دفع «ابن تاشفين» بحرسه الأسود البالغ عدده نحو أربعة آلاف إلى قلب المعركة فى الوقت المناسب، وتمكن واحد منهم من الوصول إلى «ألفونسو» وطعنه فى فخذه، الأمر الذى اضطره إلى الاعتصام بتل قريب حتى جن الليل ثم هرب فى نحو خمسمائة فارس معظمهم من الجرحى ووصل إلى طليطلة منهم مائة فقط. أمضى المسلمون الليل يرقبون حركات النصارى وفى اليوم التالى طارد

الفرسان الفارين، وجمعت الأسلاب الهائلة. وقد استبشر المسلمون فى شبه الجزيرة بهذا النصر العظيم غير أن وصول نبأ وفاة الأمير أبى بكر بن يوسف بن تاشفين كدر صفو النصر، وجعل «ابن تاشفين» يقرر العودة إلى بلاد المغرب ومعه عامة الجند، وترك تحت إمرة المعتمد جيشًا من المرابطين مؤلفًا من ثلاثة آلاف جندى. بعد أن نجح «يوسف» بما حققه من نصر مؤزر فى إعادة روح الثقة والأمل إلى نفوس المسلمين بالأندلس. ومن نتائج تلك المعركة توقف المد النصرانى على حدود الأندلس لمدة أربعة قرون؛ إذ حكم المرابطون ثم الموحدون الأندلس.

*زيد بن على بن الحسين (ثورة)

*زيد بن على بن الحسين (ثورة) مضت فترة امتدت إلى أكثر من نصف قرن، منذ مصرع «المختار الثقفى» سنة (67هـ)، دون أن يقوم الشيعة بأية ثورة ضد الدولة الأموية، بسبب الضربات المتلاحقة التى حاقت بهم، وافتقارهم إلى الزعامة القوية التى تقودهم، لأن «على بن الحسين» - وهو الوحيد الذى نجا من مذبحة «كربلاء» - كان عازفًا عن الاشتغال بالسياسة، محبا للعلم متفرغًا للعبادة، غير أن ابنه «زيد بن على» - وكان عالمًا فاضلا - حدَّثته نفسه بالخلافة، ورأى أنه أهل لها، وعرف أهل «الكوفة» منه ذلك، فزيَّنوا له الثورة على «بنى أمية»، وقالوا له: «إنا لنرجو أن تكون المنصور، وأن يكون هذا الزمان الذى يهلك فيه بنو أمية». تشكك «زيد بن على» فى صدق نيتهم، وقوة عزيمتهم، وقال لهم: «إنى أخاف أن تخذلونى وتسلمونى كفعلتكم بأبى وجدى»، لكنه استجاب لهم على الرغم من تحذير أهله وأولاد عمومته من غدر أهل «الكوفة». انخدع «زيد بن على» بأهل «الكوفة» وأعلن الثورة على «هشام ابن عبدالملك» سنة (121هـ)، فتكررت أحداث قصة جده «الحسين»، وأعاد التاريخ نفسه، فلم يتساهل الخليفة «هشام» مع ثورة تريد نقض ملكه والإطاحة بدولته، على الرغم من كراهيته لسفك الدماء، فأمر واليه على «الكوفة» «يوسف بن عمر الثقفى» فتصدَّى لزيد بن على الذى انفض عنه شيعته، وأسلموه إلى عدوه، كما أسلم أسلافهم جدَّه «الحسين»، ولم يبقَ معه فى اللحظات الحرجة من بين خمسة عشر ألفًا بايعوه وعاهدوه على النصرة، إلا نحو مائتى رجل، فاستطاع «يوسف بن عمر» أن يقضى فى سهولة ويسر على تلك الثورة، وقتل «زيد بن على» فى صفر سنة (122هـ).

*السند (فتح)

*السند (فتح) عزم «الحجاج» على فتح إقليم «السند»، بعد أن استقرت أحوال الدولة الأموية، فأسند هذه المهمة إلى «محمد بن القاسم» وكان دون العشرين من عمره، وجهَّزه بما يكفل له النجاح من عدة وعتاد، وأمدَّه بستة آلاف جندى من أهل الشام، بالإضافة إلى ما كان معه من الجنود، فأصبح تحت قيادته نحو عشرين ألفًا فى تقدير بعض المؤرخين. اتخذ «محمد بن القاسم» من مقاطعة «مهران» فى جنوبى «فارس» قاعدة للفتح ونقطة انطلاق، فقسَّم جيشه نصفين، أحدهما برِّى والآخر بحرى، ثم تحرك قاصدًا مدينة «الديبُل» - وهى تقع قريبًا من «كراتشى» الحالية فى «باكستان» - وفتح فى طريقه إليها «فنزبول»، و «أرمائيل»، ثم وافته السفن التى كانت تحمل الرجال والعتاد، فحاصر «الديبل» واستولى عليها بعد قتال دام ثلاثة أيام، وترك فيها حامية من أربعة آلاف رجل، وبنى لهم مسجدًا. وكان لفتح المسلمين مدينة «الديبل» أثر كبير فى أهل «السند»، فسارعوا يطلبون الصلح فصالحهم «محمد بن القاسم» ورفق بهم، ثم سار إلى «البيرون» - «حيدر آباد السند» حاليا - فتلقاه أهلها وصالحوه كذلك، وكان لا يمر بمدينة إلا فتحها صلحًا أو عَنوة، وتوَّج ذلك كله بالانتصار على «داهر» ملك «السند»، ومضى يستكمل فتحه، فاستولى على حصن «راوَدْ»، ثم «برهماناباذ»، و «الرور» و «بهرور»، ثم اجتاز نهر «بياس» وعبر إلى إقليم «الملتان»، فاستولى عليه بعد قتال شديد، وغنم كميات كبيرة من الذهب. وبينما يواصل «محمد بن القاسم» فتوحاته؛ إذ جاءته الأخبار بوفاة «الحجاج» سنده وعونه فى الفتح، فاغتم لذلك غما شديدًا؛ لكنه واصل فتوحاته حتى أتم فتح بلاد «السند»، وجاءته قبائل «الميد» و «الجات» و «الزط» تقرع الأجراس فرحة هاتفة، مرحبة به، لأنهم عدُّوه محررهم من ظلم الهندوس واستعبادهم. وفى هذه الأثناء مات الخليفة «الوليد بن عبدالملك» سنة (96هـ)، وتولَّى أخوه «سليمان بن عبدالملك» منصب

الخلافة، فعيَّن على «العراق» «صالح بن عبدالرحمن»، وكان واحدًا من ألد خصوم «الحجاج»، فقرر الانتقام منه على الرغم من وفاته سنة (95هـ)، فى شخص ابن عمه «محمد بن القاسم»، فعزله عن قيادة الجيش، ولم يكتفِ بذلك، بل أمر بالقبض عليه ووضعه فى السجن، وظل يعذبه حتى مات.

*شذونة (معركة)

*شذونة (معركة) علم «لذريق» ملك القوط بمجىء القوات الإسلامية إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وهو مشغول بمحاربة أعدائه فى شمالى شبه الجزيرة، فأصيب بهلع ورعب عظيمين، وجمع جنوده وانحدر بهم لمواجهة المسلمين، ووصلت أنباء تلك الحشود الضخمة إلى «طارق بن زياد»، فكتب إلى «موسى بن نصير» يخبره بذلك، فأمده بخمسة آلاف جندى صار بهم مجموع جنود المسلمين بالأندلس (21) ألف جندى. وصل «لذريق» إلى بلدة «شذونة» وأتم بها استعداداته، ثم اتجه للقاء المسلمين ودارت بين الفريقين معركة فاصلة فى كورة «شذونة» جنوب غربى إسبانيا، استمرت ثمانية أيام من (الأحد 82 من رمضان إلى الأحد 5 من شوال سنة 29هـ = 91 - 62 يوليو 117م)، وكانت معركة هائلة، اقتتل فيها الطرفان اقتتالا شديدًا حتى ظنوا أنه الفناء، وكان النصر فى النهاية حليف المسلمين، وفر «لذريق» من أرض المعركة، وتبعه المسلمون حتى أدركوه وقتلوه بالقرب من بلدة «لورقة».

*الشام (فتح)

*الشام (فتح) كان «خالد بن سعيد بن العاص»، أحد قادة حروب الردة، معسكرًا بقواته فى «تيماء» شمالى «الحجاز» بأمر من الخليفة الذى ألزمه بألا يقاتل أحدًا إلا إذا قوتل، وقصد الخليفة بذلك أن يكون هذا الجيش احتياطيًا، يمد -عند الضرورة - القوات المحاربة فى جهات أخرى، وأن يراقب تحركات الروم؛ لأنه كان على يقين أنهم سوف يستغلون فرصة انشغاله بحروب الردة، ويكرروا عدوانهم. وحدث ما توقعه «أبو بكر الصديق»، فقد هجم الروم على جيش «خالد»، ومعهم القبائل العربية القاطنة فى الشام، وألحقوا به هزيمة قاسية، وقتلوا معظم جنوده، واستشهد ابنه فى المعركة، فلما وصلت أخبار الهزيمة إلى الخليفة «أبى بكر» جمع كبار الصحابة لدراسة الموقف، فاستقر رأيهم على ضرورة صد العدوان، وشرع «أبو بكر» فى حشد أربعة جيوش لتحقيق ذلك: - جيش بقيادة «أبى عبيدة بن الجراح» وجهه إلى «حمص» شمالى الشام. - وجيش بقيادة «يزيد بن أبى سفيان»، ووجهه إلى «دمشق» فى وسط الشام. - وجيش بقيادة «شرحبيل بن حسنة»، ووجهه إلى «الأردن». - وجيش بقيادة «عمرو بن العاص»، ووجهه إلى «فلسطين». وقال «أبو بكر» لقادة جيوشه: إذا عملتم منفردين، فكل واحد منكم أمير على من معه من قوات - وكان مع كل واحد منهم نحو ثمانية آلاف جندى - ثم أمير على المنطقة التى يفتحها، أما إذا ألجأتكم الظروف إلى الاجتماع فى مكان واحد، فالقائد العام «أبو عبيدة بن الجراح» تحرك القادة الأربعة بجيوشهم، فلما دخلوا جنوبى الشام، وجدوا جيشًا روميا، قوامه نحو (250) ألف جندى، بقيادة «تذراق» أخى «هرقل»، يساندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا - بقيادة «جبلة بن الأيهم الغسانى»، فلم يستطيعوا الالتحام مع هذه الجموع الحاشدة، فدارت بينهم مراسلات تجمعوا بعدها فى وادى «اليرموك»، تحت قيادة «أبى عبيدة بن الجراح». لكن تجمعهم لم يؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فأخبروا الخليفة

«أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا، فدع العراق، وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد» لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا، حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم «خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش العالم. بعد تولى «عمر بن الخطاب» الخلافة عزل «خالد بن الوليد» من قيادة جيوش الشام، وأعاد «أبا عبيدة بن الجراح» إليها، وجعل «خالداً» تحت قيادته، وقد قبل القائد البطل هذا التعديل دون تذمر، لأنه كان جنديًا يعمل للإسلام لا لمجده الشخصى، وإذا كان قد احتل المكان الأعلى بين قادة الفتوحات ببطولاته وانتصاراته، فإنه اعتلى ذروة أعلى بقبوله العزل، وضرب أروع الأمثلة فى الانضباط والطاعة، وتلك أهم صفات القادة العظام. وكانت تعليمات «عمر» لأبى عبيدة بعد «اليرموك»، أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل فى مطلع فتح الشام، حين رتب ذلك «أبو بكر الصديق»، فيسير «أبو عبيدة» ومعه «خالد بن الوليد» إلى «حمص»، و «يزيد بن أبى سفيان» إلى «دمشق»، و «شرحبيل بن حسنة» إلى «الأردن»،

و «عمرو بن العاص» إلى «فلسطين»، وكل قائد يكون أميرًا على منطقته التى يفتحها، على أن يكون ذلك بعد أن يشتركوا جميعًا فى فتح «دمشق». وبعد أن نجح القادة جميعهم فى فتح «دمشق» وأعطوا أهلها معاهدة صلح بقى «يزيد بن أبى سفيان» أميرًا عليها، فى حين اتجه القادة الباقون إلى مناطقهم، وفى خلال عامين فقط تم فتح الشام كله. وفى سنة (15 هـ) جاء «عمر ابن الخطاب» إلى «فلسطين»؛ ليتسلم مفاتيح «بيت المقدس» من البطريرك «صفرونيوس»، وأعطى معاهدة لأهلها هى آية فى التسامح والعدل، أمنهم على عقائدهم وأموالهم وأنفسهم، وأخذت منهم نظير ذلك الجزية لرفضهم الدخول فى الإسلام. وقد رفض «عمر بن الخطاب» أن يصلى فى «كنيسة القيامة»، معللا ذلك بخوفه أن يأتى من المسلمين من يقول: لقد صلى «عمر» فى الكنيسة فهى من حقنا، وهذا ظلم للمعاهدين لا يقره عمر.

*شمال أفريقيا (فتح)

*شمال أفريقيا (فتح) لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل «عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع «عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من «المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت، ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار» أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وصل المسلمون فى أواخر خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)، كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها، لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا» بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى سنة (45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء» و «سوسة». أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن «عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ

أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان» (50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان «عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع» مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام

فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة «كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى» قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة (64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة (69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر» هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة» للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى «حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ

عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة «تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى «المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. حلّ «موسى بن نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة وحرية وعدل ومساواة.

*صفين (معركة)

*صفين (معركة) بعد معركة «الجمل» توجه «على ابن أبى طالب» بجيش يبلغ عدده نحو مائة ألف إلى «صفين»، واستعد «معاوية» لمقابلته بجيش يقاربه فى العدد، ودارت بينهما معركة شرسة فى شهر صفر سنة (37هـ) قُتِل فيها من الجانبين نحو سبعين ألفًا، خمسة وعشرين ألفًا من جيش «على»، وخمسة وأربعين ألفًا من جيش «معاوية»، ولما رأى الناس كثرة القتلى من الجانبين تنادوا يطلبون وقف القتال، فجعل أهل «العراق» (جيش «على») يصيحون فى أهل الشام (جيش «معاوية») قائلين: من لثغور «العراق» إن فنى أهل «العراق». ويرد الآخرون: من لثغور الشام إن فنى أهل الشام. ومن هنا جاءت فكرة التحكيم. رفع جيش «معاوية» المصاحف للاحتكام إليها، ووقف القتال فورًا، بدلا من سفك الدماء، وكانت فكرة التحكيم من عند «عمرو بن العاص»، وقد قبلها الطرفان، وأوقفت الحرب، بعد أن فزع الناس لكثرة عدد القتلى. أوقفت الحرب، وطلب من «على» و «معاوية» أن ينيب كل منهما شخصًا يتفاوض باسمه، للفصل فى القضايا محل الخلاف، فأناب «معاوية» «عمرو بن العاص»، وأناب «على» «أبا موسى الأشعرى»

*الطائف (غزوة)

*الطائف (غزوة) بعد هزيمة «هوازن» و «ثقيف» فى وادى «حُنين». فرت فلولهم وتحصنت بالطائف فحاصرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من ثلاثة أسابيع، وكانت حصونهم قوية، وأخذوا فى قذف المسلمين بالنبال فآذوهم، فاضطر النبى أن يتراجع بقواته بعيدًا عن مرمى النبال، ثم استشار أصحابه ماذا يفعل معهم، فقالوا له: «يارسول الله هم كضب فى جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته فلن يضرك»، أى أنهم بعد فتح «مكة» وبعد هزيمتهم فى وادى «حنين» لن يستطيعوا الصمود فى وجهك، وهم مستسلمون لا محالة إن أطلت الحصار، وإن رفعته عنهم فسيقدمون عليك من تلقاء أنفسهم، فاقتنع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الرأى، ورفع عنهم الحصار، ورفض أن يدعو عليهم عندما طلب منه ذلك بعض الصحابة، بل قال: «اللهم اهدِ ثقيفًا وأتِ بهم». وبعد أقل من عام جاءت وفودهم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى «المدينة»، وأعلنوا إسلامهم، فى رمضان سنة 9هـ، وعين الرسول - صلى الله عليه وسلم - «عثمان بن العاص الثقفى» واليًا عليهم.

*العراق (فتح)

*العراق (فتح) فى أثناء حروب الردة طارد «المثنى بن حارثة» - أحد قادة المسلمين - المرتدين إلى الشمال، على الساحل الغربى للخليج العربى، فلما وصل إلى حدود «العراق» تكاثرت عليه قوات الفرس، بعد أن رأوا فشل عملائهم من المرتدين فى القضاء على الإسلام فألقوا بثقلهم فى المعارك ضد المسلمين ولما رأى «المثنى» أنه غير قادر بمن معه على مواجهة القوات الفارسية، أرسل إلى الخليفة يشرح له الموقف، ويطلب منه المدد، فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم، فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم. وفى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك «خالد بن الوليد» من «اليمامة»، وكان لايزال بها، بعد أن قضى على فتنة «مسيلمة الكذاب»، وتوجه إلى «العراق». حيث خاض سلسلة من المعارك ضد الفرس فى خلال عدة شهور، فى «ذات السلاسل» و «المذار»، و «الولجة»، و «أليس»، وهذه أسماء الأماكن التى دارت فيها الحروب، وكان النصر حليفه فيها، ثم توَّج انتصاراته بفتح «الحيرة» عاصمة «العراق» فى ذلك الوقت، واستقر بها فى شهر ربيع الأول من العام نفسه، ثم فتح «الأنبار» و «عين التمر» إلى الشمال من «الحيرة»، ثم جاءته أوامر من «أبى بكر» أن يعود إلى «الحيرة» ويستقر بها إلى أن تأتيه أوامر أخرى وخلاصة القول أنه فى خلال بضعة أشهر نجح «خالد» فى فتح أكثر من نصف «العراق»،وصالح أهله على دفع الجزية، ولم يجبر أحدًا على الدخول فى الإسلام». وبعد أن رحل «خالد بن الوليد» من «العراق» إلى الشام؛ ليتولى قيادة الجيوش فى «اليرموك»؛ تنمَّر الفرس بالمثنى بن حارثة خليفة «خالد» على قيادة الجيش فى «العراق» وبدءوا فى الضغط عليه، فطلب مددًا من «أبى بكر»، الذى كان مشغولا بحرب الروم. فلما تأخر رد «الصديق أبى بكر» على «المثنى» جاء بنفسه ليعرف سبب ذلك، فوجد الخليفة على فراش المرض، فلم يستطع أن يكلمه،

ولما علم بذلك الخليفة أدرك أن «المثنى» لم يأت إلا لضرورة، فكان أخر كلامه لعمر بن الخطاب أن أوصاه بتجهيز جيش، يرسله مع «المثنى» إلى «العراق»، لصد عدوان الفرس، فعمل «عمر» بوصية «أبى بكر»، وأرسل جيشًا على الفور إلى «العراق» بقيادة «أبى عبيد بن مسعود الثقفى». وفى شهر شعبان من سنة 13هـ خاض «أبو عبيد بن مسعود» معركة ضد الفرس سميت بموقعة الجسر، لأن المسلمين أقاموا جسرًا على «نهر الفرات» لعبور قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، وكان عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم، لكن «أبا عبيد» لم يستجب لهم، فحلت الهزيمة بالمسلمين على يد القائد الفارسى «بهمن جاذويه»، وقُتل «أبو عبيد» نفسه، واستشهد أربعة آلاف مسلم. بذل «المثنى بن حارثة» جهدًا كبيرًا فى تأمين عبور من بقى من قوات المسلمين إلى الناحية الأخرى، وأدرك أنه لابد من خوض معركة أخرى مع الفرس، حتى لا تؤثر الهزيمة فى معنويات المسلمين، وبخاصة أنها كانت أول مرة يهزمون فيها فى هذه الجبهة منذ أن بدأت الفتوحات. استدرج «المثنى بن حارثة» قوات الفرس للعبور إلى غرب النهر، فعبروا إليه مدفوعين بنشوة النصر السابق، وظنوا أن تحقيق نصر آخر سيكون أمرًا سهلا، لكن «المثنى» فاجأهم بعد أن استثار حمية العرب القاطنين فى المنطقة، وأوقع بالفرس هزيمة كبيرة، على حافة نهر يُسمى «البويب» الذى سميت المعركة باسمه. وعلى الرغم من هذا النصر الذى أعاد به «المثنى» الثقة إلى قواته، فإنه أدرك بعد طول تجربة أنه لن يستطيع بمن معه من قوات أن يواجه الفرس الذين ألقوا بثقلهم

كله فى الميدان، فتراجع إلى الخلف، ليكون بمأمن من هجمات الفرس، وأرسل «إلى» «عمر» يخبره بحقيقة الموقف. لما وصلت إلى «عمر بن الخطاب» تقارير «المثنى» عن الوضع فى جبهة «العراق» عزم على الخروج بنفسه على رأس جيش كبير، لينسى الفرس وساوس الشيطان كما أنسى «خالد بن الوليد» الروم تلك الوساوس، لكن الصحابة لم يوافقوه على رأيه، ورأوا أن الأفضل أن يبقى هو فى «المدينة» يدير أمور الدولة، ويشرف على تجهيز الجيوش، ويختار واحدًا لقيادة الحرب ضد الفرس، فقبل نصيحتهم، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه بسعد بن أبى وقاص، وقالوا عنه: هو الأسد فى عرينه، فاستدعى «سعدًا» وأمَّره على الجيش، فاتجه به «سعد» إلى «العراق» حيث عسكر فى القادسية. وقبل نشوب المعركة أرسل «سعد» وفدًا إلى بلاط فارس، ليعرض الإسلام على «يزدجرد الثالث» أخر ملوكهم، فإذا قبله فسيتركونه ملكًا على بلاده، كما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «باذان» ملكًا على «اليمن»، وإذا رفض الدخول فى الإسلام، فلن يكرهه عليه أحد، ولكن لابد من دفع الجزية دليلا على عدم المقاومة، فإذا امتنع عن دفعها، حاربوه، لأن رفضه دفع الجزية يعنى عزمه على حرب المسلمين، ومنعهم بالقوة من تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس. سمع «يزدجرد» هذا الكلام، فأخذه العجب، وعلته الدهشة؛ لأنه لم يتعود سماع مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس، فخاطب رئيس الوفد قائلا: «إنى لا أعلم أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى -الحدود- فيكفونناكم، لا تغزون فارس، ولا تطمعون أن تقوموا لهم .. وإن كان الجهد - الجوع - دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يرفُق بكم». فقام زعيم الوفد ورد على الملك الذى كان لا يزال يتحدث بروح السيادة، ومنطق الاستعلاء، قائلا: «إن ماقلته عنا صحيح قبل

بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله فى قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله .. وقال: من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه». رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة منه بقدرة جيوشه بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب، وعاد الوفد إلى «سعد بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث، فاستعد هو للمعركة الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى الحرب بين الفريقين، واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع، وأسفرت عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل قائدهم «رستم»، وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة «القادسية» من المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر «العراق» العربى نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى دامت قرونًا، وأعادته إلى أهله العرب المسلمين. انفتح الطريق أمام المسلمين بعد انتصارهم فى «القادسية» إلى «المدائن» عاصمة الفرس، فعبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان الفارسى»، ودخل «المدائن»؛ ليجد الملك الفارسى قد فرَّ منها، وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: 25 - 29]. أرسل «سعد» إلى «عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما حازوه من غنائم، ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد فارس، لكن «عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا

وبينهم سدًا من نار، لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، حسبنا من الأرض السواد - أى أرض العراق- إنى آثرت سلامة المسلمين على الأنفال». اعتقد «عمر بن الخطاب» أن الفرس سيجنحون إلى السلام بعد هزيمتهم فى «القادسية»، واسترداد المسلمين «العراق» وهى أرض عربية، لكن الحوادث كثيرًا ماتكون أقوى من الرجال، وتدفعهم دفعًا إلى تعديل سياساتهم، فقد وردت الأنباء إلى «عمر» أن الفرس التفوا حول ملكهم الذى هرب من «المدائن»، واحتشدوا فى جموع هائلة فى «نهاوند» (7) تصل إلى نحو مائتى ألف جندى بقيادة «الفيرزان». وكانت سياسة «عمر بن الخطاب» أن يقف بالفتوحات الإسلامية عند حدود «العراق» و «الشام»، ولايتعداها، حيث قبائل العرب التى نزحت من شبه الجزيرة العربية وأقامت هناك، أما ما وراء ذلك من أرض الفرس والروم فلم يكن للمسلمين مطمع فى غزوه وفتحه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد حملت حوادث الفتوحات وتطوراتها «عمر بن الخطاب» على تعديل سياسته تجاه الفرس والروم. ولما وصلت أخبار استعداد الفرس جمع «عمر» كبار الصحابة واستشارهم فى كيفية مواجهة هذا الموقف، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس قبل أن ينقضوا على المسلمين فى بلادهم، فعمل بمشورتهم، وجهز جيشًا قوامه نحو أربعين ألف مجاهد تحت قيادة «النعمان بن مقرن». ودارت معركة «نهاوند»، وانتهت بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للفرس، وقد سمى المؤرخون المسلمون هذ النصر «فتح الفتوح»، لأن الفرس قد تفرقت كلمتهم، وانفرط عقد دولتهم بهذا النصر.

*الفيل (حادثة)

*الفيل (حادثة) بعد أن حكم «أبرهة» «اليمن» تملكته الغيرة من الكعبة المشرفة، وأراد أن يصرف العرب عن زيارتها، فبنى كنيسة ضخمة بالغة الروعة، تُسمَّى «القُلَّيس»، وساق أهل «اليمن» إلى التوجه إليها والتعبد فيها، لكنه لم يفلح فى ذلك، وزاد من غضبه أن أحد الأعراب عبث بالكنيسة وقذَّرها، فأقسم «أبرهة» ليهدمن الكعبة، ويطأن «مكة»، وجهَّز لذلك جيشًا جرارًا، تصاحبه الفيلة، وفى مقدمتها فيل عظيم، ذو شهرة خاصة عندهم. وحينما علمت العرب بنية «أبرهة» تصدَّوا له، لكنهم لم يفلحوا فى وقف زحفه، حتى إذا بلغ جيش «أبرهة» «المغمَّس» - وهو مكان بين «الطائف» و «مكة» - ساق إليه أموال «تهامة» من «قريش» وغيرها، وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم، فهمَّت «قريش» وقبائل العرب بقتال «أبرهة»، ولكنهم وجدوا أنفسهم لا طاقة لهم بحربه، فتفرقوا عنه دون قتال. أرسل «أبرهة» إلى «عبدالمطلب» يُبلغِه أنه لم يأتِ لحربهم، وإنما جاء لهدم البيت، فإن تركوه وما أراد فلا حاجة له فى دمائهم، فذهب «عبدالمطلب» إليه، فلما دخل نزل «أبرهة» من سريره، وجلس على البساط، وأجلس «عبدالمطلب» إلى جانبه، وأكرمه وأجلَّه، فطلب «عبدالمطلب» منه أن يرد عليه إبله التى أخذوها، فقال «أبرهة»: أعجبتنى حين رأيتك، وزهدتُ فيك حين كلمتنى، تترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، جئتُ لأهدمه، وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك؟ فقال: «عبدالمطلب»: إنى رب الإبل (أى صاحبها) وإن للبيت ربًا سيحميه. قال «أبرهة»: ما كان ليمتنع منى، فرد عليه «عبد المطلب»: أنت وذاك، ثم رد «أبرهة» الإبل لعبد المطلب. أمر «عبدالمطلب» قريشًا بالخروج من «مكة»، والاحتماء فى شعاب الجبال، وتوجه هو إلى باب «الكعبة»، وتعلَّق به مع نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه، وانطلق جيش «أبرهة» نحو «مكة»، وحينما اقترب منها برك الفيل الأكبر الذى يتقدم الجيش رافضًا الدخول، وتعبوا فى إجباره على

اقتحام «مكة»، وكانوا عندما يوجهونه إلى جهة غير «مكة» ينهض ويهرول. ثم شاء الله أن يهلك «أبرهة» وجيشه، فأرسل عليهم جماعات من الطير، أخذت ترميهم بحجارة، فقضت عليهم جميعًا، وتساقطوا كأوراق الشجر الجافة الممزَّقة، كما حكى ذلك القرآن الكريم: [ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم فى تضليل وأرسل عليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيل فجعلهم كعصف مأكول]. (سورة الفيل)

*القادسية (معركة)

*القادسية (معركة) لما وصلت إلى «عمر بن الخطاب» تقارير «المثنى» عن الوضع فى جبهة «العراق» عزم على الخروج بنفسه على رأس جيش كبير، لينسى الفرس وساوس الشيطان كما أنسى «خالد بن الوليد» الروم تلك الوساوس، لكن الصحابة لم يوافقوه على رأيه، ورأوا أن الأفضل أن يبقى هو فى «المدينة» يدير أمور الدولة، ويشرف على تجهيز الجيوش، ويختار واحدًا لقيادة الحرب ضد الفرس، فقبل نصيحتهم، وقال لهم: أشيروا على، فأشاروا عليه بسعد بن أبى وقاص، وقالوا عنه: هو الأسد فى عرينه، فاستدعى «سعدًا» وأمَّره على الجيش، فاتجه به «سعد» إلى «العراق» حيث عسكر فى القادسية. وقبل نشوب المعركة أرسل «سعد» وفدًا إلى بلاط فارس، ليعرض الإسلام على «يزدجرد الثالث» أخر ملوكهم، فإذا قبله فسيتركونه ملكًا على بلاده، كما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «باذان» ملكًا على «اليمن»، وإذا رفض الدخول فى الإسلام، فلن يكرهه عليه أحد، ولكن لابد من دفع الجزية دليلا على عدم المقاومة، فإذا امتنع عن دفعها، حاربوه، لأن رفضه دفع الجزية يعنى عزمه على حرب المسلمين، ومنعهم بالقوة من تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس. سمع «يزدجرد» هذا الكلام، فأخذه العجب، وعلته الدهشة؛ لأنه لم يتعود سماع مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس، فخاطب رئيس الوفد قائلا: «إنى لا أعلم أمة كانت أشقى، ولا أقل عددًا، ولا أسوأ ذات بين منكم، قد كنا نوكل بكم قرى الضواحى -الحدود- فيكفونناكم، لا تغزون فارس، ولا تطمعون أن تقوموا لهم .. وإن كان الجهد - الجوع - دعاكم فرضنا لكم قوتًا إلى خصبكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يرفُق بكم». فقام زعيم الوفد ورد على الملك الذى كان لا يزال يتحدث بروح السيادة، ومنطق الاستعلاء، قائلا: «إن ماقلته عنا صحيح قبل بعث النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى قذف الله فى قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب

العالمين، فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله .. وقال: من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه». رفض الملك هذا العرض فى كبرياء وصلف، ثقة منه بقدرة جيوشه بقيادة «رستم» على سحق هؤلاء العرب، وعاد الوفد إلى «سعد بن أبى وقاص» وقصوا عليه ما حدث، فاستعد هو للمعركة الحاسمة. وفى «القادسية» دارت رحى الحرب بين الفريقين، واستمرت ثلاثة أيام ونصف اليوم الرابع، وأسفرت عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للفرس، وقتل قائدهم «رستم»، وتشتيت من نجا منهم من القتل. وتُعد معركة «القادسية» من المعارك الفاصلة فى التاريخ؛ لأنها حسمت أمر «العراق» العربى نهائيا، وأخرجته من السيطرة الفارسية التى دامت قرونًا، وأعادته إلى أهله العرب المسلمين.

*قبرص (فتح)

*قبرص (فتح) كان أول عمل بحرى ناجح قام به الأسطول الإسلامى، هو فتح «جزيرة قبرص» التى كانت تهدد شواطئ المسلمين باستمرار لقربها منها من ناحية، وباعتبارها محطة مهمة من محطات الأساطيل البيزنطية من ناحية أخرى. وقد غزاها «معاوية» سنة (28هـ)، أى بعد أربع سنوات فقط من بناء الأسطول الإسلامى، وهى مدة ليست بالطويلة لإنشاء أسطول بحرى، ولكنها عزيمة الرجال وإصرارهم على إنجاز العمل. وكانت الغزوة مشتركة أسهمت فيها قوات الشام، وقوات «مصر» بقيادة «عبدالله بن سعد»، ونزلوا «قبرص» واستولوا عليها، فعرض أهلها الصلح، فقبل «معاوية»، واشترط لعقده عدة شروط: - أن يدفع أهل «قبرص» جزية سنوية، مقدارها سبعة آلاف دينار. - وأن يُعلموا المسلمين بأية تحركات عدائية من جانب الروم ضد سواحلهم. - وأن يقف أهل «قبرص» على الحياد، إذا نشبت حرب بين المسلمين والروم، ولكن لا يمنعون المسلمين من المرور بجزيرتهم إذا احتاجوا إلى ذلك. ولم يلتزم أهل «قبرص» بما تعاهدوا عليه فى الصلح، مما جعل «معاوية» يعاود غزو الجزيرة مرة أخرى سنة (33هـ) ويضمها إلى دولة الخلافة، وينقل إليها اثنى عشر ألفًا من المسلمين من أهل الشام، وأسكنهم فيها، وبنى لهم الدور والمساجد.

*مصر (فتح)

*مصر (فتح) بعد فتح «بيت المقدس» اتجه «عمر» إلى الشمال، وعقد فى «الجابية» جنوبى «دمشق» مؤتمرًا حضره جميع القادة المسلمين، ناقش فيه ماتم إنجازه والترتيبات اللازمة لإدارة البلاد المفتوحة إدارة حسنة، والعمل على إشاعة العدل والحرية بين الناس بعد الظلم والاستبداد والاستعباد الذى ذاقوه من الروم. وفى هذا المؤتمر عرض «عمرو بن العاص» والى «فلسطين» على «عمر بن الخطاب» ضرورة فتح «مصر»، لأن فلول قوات الروم فى «الشام» لجأت إلى «مصر» التى كانت فى ذلك الوقت تحت حكم الروم، كما لجأ «الأطربون» قائد قواتهم فى فلسطين إلى «مصر»؛ ليستعد من جديد للانقضاض على المسلمين فى الشام، ولذا فإن بقاء «مصر» فى أيدى الروم سيكون خطرًا على فتوحات المسلمين فى الشام، بل قد يصل الخطر إلى شبه الجزيرة العربية نفسها. ولما اقتنع «عمر بن الخطاب» بما أبداه «عمرو بن العاص» أذن له بالسير إلى «مصر» لفتحها، فخرج فى أربعة آلاف جندى، ودخل «العريش» دون قتال، ثم توجه إلى «الفرما» (مدينة قديمة شرقى «بور سعيد») ففتحها بعد معارك يسيرة مع حاميتها الرومية، ثم توجه إلى «بلبيس» فى محافظة «الشرقية» الحالية، فهزم جيشًا روميا كان يقوده «الأطربون»، ثم هزم الروم مرة أخرى فى «عين شمس». ولما تجمعت قوات الروم كلها فى «حصن بابليون» بالقرب من «مصر القديمة» الحالية؛ طلب «عمرو» مددًا من الخليفة «عمر»، فأمده بثمانية آلاف جندى، مكنته من فتح الحصن والاستيلاء عليه، ثم اتجه إلى «الإسكندرية» ففتحها، وأرسل فرقة من قواته لفتح «الفيوم». وفى نحو «عامين» (19 - 21هـ) فتُحت «مصر» بأكملها، وكان فتحًا سهلا ويسيرًا، لأن القبط لم يشتركوا فى معارك ضد المسلمين، بل ساعدوهم وقدموا لهم يد العون، فدلوهم على أيسر الطرق، وأمدوهم بالطعام، تخلُصًا من حكم الروم الذين اضطهدوهم دينيا، مع أنهم مسيحيون مثلهم، وأرهقوهم بالضرائب، واستغلوهم أبشع استغلال. ولما تعامل

أهل «مصر» مع الفاتحين المسلمين أدركوا أن ما سمعوه كان حقيقة، فقد منحوهم الحرية الدينية الكاملة، وأعادوا بطريركهم «بنيامين» إلى كنيسته بالإسكندرية، وكان الروم قد نفوه إلى «وادى النطرون»، وقد حفظ الرجل هذا العمل الجليل لعمرو بن العاص، فعاونه كثيرًا فى إدارة «مصر» إدارة حسنة. وقد أتاح الفتح الإسلامى لمصر جوا من الحرية والتسامح لم تشهده البلاد منذ زمن بعيد، بنص المعاهدة التى أعطاها «عمرو بن العاص» لأهل «مصر»: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شىء من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب - أهل النوبة - وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية .. ومن دخل فى صلحهم من الروم والنوب، فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، على ما فى هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمة المؤمنين». وقد عمل المسلمون بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى أوصاهم فيها بأهل «مصر» خيرًا عندما يفتحونها؛ لأن لهم ذمة ورحمًا، كما نصحهم أن يتخذوا منها جندًا كثيفًا، فأجنادها من خير أجناد الأرض، لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة.

*مكة (فتح)

*مكة (فتح) التزمت «قريش» بمعاهدة «الحديبية» لمدة عام وبعض العام، فقد ذهب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لأداء عمرة القضاء فى العام السابع من الهجرة. لكنها ما لبثت أن نقضت المعاهدة عندما أعانت قبيلة «بنى بكر» حليفتها على قبيلة «خزاعة» حليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلبت «خزاعة» من الرسول نصرتها طبقًا للمعاهدة التى بينها وبينه، فوعدهم بالنصر، وبدأ فى الاستعداد لغزو «مكة». شعر «أبو سفيان» زعيم «مكة» بالخطأ الفاحش الذى وقعوا فيه، فسافر إلى «المدينة» لمقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولتجديد المعاهدة، فلم يقبل الرسول اعتذاره. وفى بداية الأسبوع الثانى من شهر رمضان من العام الثامن للهجرة توجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس جيش قوامه عشرة آلاف مجاهد لفتح «مكة»، وكان «أبوسفيان» يتوقع - منذ أن عاد من «المدينة» دون أن يحقق هدفه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيغزو «مكة»، ولكن لا يعرف متى يقع ذلك، فكان قلقًا ودائمًا يتحسس الأخبار. وفى ليلة من الليالى رأى أبو سفيان نيران جيش النبى التى أوقدها المجاهدون فاستبد به الخوف والهلع، فسمع صوته «العباس بن عبد المطلب»، وكان قد خرج من «مكة» من قبل، والتقى بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وأعلن إسلامه، فلما التقى بأبى سفيان أخبره بالجيش القادم لفتح «مكة»، ولا قبل لهم به، وأخذه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأعلن إسلامه، وأعطاه النبى ميزة كبيرة، بناء على اقتراح من «العباس بن عبد المطلب»، ضمن الإعلان الذى أمره أن يبلغه لأهل «مكة»: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن». حرص النبى - صلى الله عليه وسلم - على دخول «مكة» بدون قتال، فهى بلد الله الحرام، وأحبُّ بلاد الله إليه، وفيها أهله وذووه، فكانت أوامره صريحة لجيشه، ألا يقاتلوا إلا إذا قوتلوا، وبالفعل دخل الجيش

«مكة» فى العشرين من شهر رمضان دون قتال، إلا مناوشات بسيطة حدثت فى الجهة التى دخلت منها الفرقة التى كان يقودها «خالد بن الوليد» عند جبل «خندمة» فقضى عليها «خالد»، وكان قد أسلم هو و «عمرو بن العاص» بعد عمرة القضاء سنة (7هـ). دخل النبى - صلى الله عليه وسلم - «مكة» فاتحًا منتصرًا، وهى التى طردته قبل ثمانى سنوات وتآمرت على حياته، فماذا هو فاعل بهؤلاء الذين عادوه وآذوه أذى شديدًا هو وأصحابه؟ وهل فكر فى الانتقام منهم؟ لم يحدث ذلك منه، بل جمعهم بعد أن دخل «الكعبة» وطاف بها، وكسر أصنامها بيده وهو يتلو: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}. وقال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم؟» قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وبهذا ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة فى العفو والتسامح عندالمقدرة، فلم تحمله نشوة النصر وزهو القدرة على الانتقام ممن أساء إليه، بل نسى كل ما فعلوه معه ومع أصحابه من ألوان العذاب.

*نهاوند (معركة)

*نهاوند (معركة) وردت الأنباء إلى «عمر» أن الفرس التفوا حول ملكهم الذى هرب من «المدائن»، واحتشدوا فى جموع هائلة فى «نهاوند» (7) تصل إلى نحو مائتى ألف جندى بقيادة «الفيرزان». ولما وصلت أخبار استعداد الفرس جمع «عمر» كبار الصحابة واستشارهم فى كيفية مواجهة هذا الموقف، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس قبل أن ينقضوا على المسلمين فى بلادهم، فعمل بمشورتهم، وجهز جيشًا قوامه نحو أربعين ألف مجاهد تحت قيادة «النعمان بن مقرن». ودارت معركة «نهاوند»، وانتهت بنصر عظيم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للفرس، وقد سمى المؤرخون المسلمون هذ النصر «فتح الفتوح»، لأن الفرس قد تفرقت كلمتهم، وانفرط عقد دولتهم بهذا النصر.

*اليرموك (معركة)

*اليرموك (معركة) تحرك القادة الأربعة - «أبوعبيدة بن الجراح» و «يزيد بن أبى سفيان» و «شرحبيل بن حسنة» و «عمرو بن العاص» - بجيوشهم بعد تكليفهم بفتح الشام، فلما دخلوا جنوبى الشام، وجدوا جيشًا روميا، قوامه نحو (250) ألف جندى، بقيادة «تذراق» أخى «هرقل»، يساندهم نحو ستين ألفًا من العرب - تقريبًا - بقيادة «جبلة بن الأيهم الغسانى»، فلم يستطيعوا الالتحام مع هذه الجموع الحاشدة، فدارت بينهم مراسلات تجمعوا بعدها فى وادى «اليرموك»، تحت قيادة «أبى عبيدة بن الجراح». لكن تجمعهم لم يؤدِ إلى تحريك للموقف ضد الروم، فأخبروا الخليفة «أبا بكر» بما هم فيه، وطلبوا المدد منه، فرأى أنه لن ينقذ الموقف فى الشام سوى «خالد بن الوليد»، وقال عبارته المشهورة: «والله لأُنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد»، ثم كتب رسالة إليه: «أما بعد فإذا جاءك كتابى هذا، فدع العراق، وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامضِ متخففًا فى أهل القوة من أصحابك الذين قدموا العراق معك من اليمامة، وصحبوك من الطريق، وقدموا عليك من الحجاز، حتى تأتى الشام، فتلقى أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام عليك». امتثل «خالد» لأوامر الخليفة، وسار من «العراق» فى سبعة آلاف جندى فى واحدة من أجرأ المسيرات العسكرية فى التاريخ وأكثرها خطرًا، حيث قطعوا أكثر من ألف كيلو متر فى ثمانية عشر يومًا، فى صحراء قاحلة مهلكة، حتى وصلوا إلى «وادى اليرموك» فتسلم «خالد بن الوليد» القيادة من «أبى عبيدة» وخاض معركة مع الروم تُعد من أعظم المعارك وأبعدها أثرًا فى حركة الفتح الإسلامى، وسحق جيش الروم الذى كان يعد يومئذٍ أقوى جيوش العالم، إذ قتل منه نحو مائة وعشرين ألفًا، وقد أدرك «هرقل» إمبراطور الروم حجم الكارثة التى حلت بجيشه، فغادر المنطقة نهائيًا، وقلبه يقطر دمًا، ويتحسر على جهوده التى بذلها فى

استرداد الشام من الفرس، ثم ها هى ذى يفتحها المسلمون، وقال: «السلام عليك يا سوريا، سلامًا لا لقاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومى بعد الآن إلا خائفًا». وقد استشهد من المسلمين نحو ثلاثة آلاف، وقد فتح هذا النصر العظيم الطريق لفتح بقية الشام، الذى تم فى عهد «عمر بن الخطاب».

*اليمامة (معركة)

*اليمامة (معركة) اليمامة مصطلح جغرافى قديم، يشمل المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية التى تقع فيها الآن مدينة «الرياض» عاصمة «المملكة العربية السعودية». ووقعت معركة «اليمامة» نفسها فى مكان قريب من هذه المدينة. عندما مات النبى - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، ارتدت بعض القبائل وامتنعت عن دفع الصدقات، وادعى مسيلمة الكذاب النبوة، فأرسل «أبو بكر» «عكرمة بن أبى جهل» و «شرحبيل بن حسنة» للوقوف فى وجه «مسيلمة الكذاب»، ولم يأمرهما بقتال؛ لكنهما تعجلا مخالفين أوامر الخليفة، واشتبكا مع «مسيلمة» فى حرب لم يصمدا فيها، وعادا منهزمين، ولعلهما أرادا أن يتشبها بخالد بن الوليد حتى يحوزا أكاليل النصر، كما حازها هو. وما إن وصلت أنباء هزيمتهما إلى «أبى بكر» حتى غضب غضبًا شديدًا، وطلب منهما ألا يعودا إلى «المدينة»، وقرر فى الوقت نفسه أن يرسل «خالد بن الوليد» إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة»، فهو أصلح الناس لهذه المهمة. وكان «خالد» قد فرغ من القضاء على فتنة المرتدين من «بنى أسد» و «غطفان» و «تميم»، فجاءته أوامر من «أبى بكر» بالتوجه إلى «اليمامة» للقضاء على فتنة «مسيلمة الكذاب». امتثل «خالد بن الوليد» لأوامر الخليفة، وسار فى صحراء وعرة نحو ألف كيلو متر، حتى التقى بجيوش «مسيلمة» - وكانت نحو أربعين ألفًا - فى مكان يسمى «عقرباء» فى حين كانت قوات «خالد» تبلغ نحو ثلاثة عشر ألفًا، فيهم عدد كبير من المهاجرين والأنصار، ودارت الحرب بين الفريقين، وكانت حربًا شرسة، اشتدت وطأتها على المسلمين فى البداية، وكادوا ينهزمون، لولا أن زأر «خالد» كالأسد الهصور، ونادى بأعلى صوته «وامحمداه»، وكان شعار المسلمين فى المعركة، فاشتعلت جذوة الإيمان فى القلوب، وهانت الحياة على النفوس، وأقبل المسلمون على القتال دون خوف أو وجل، طمعًا فى النصر أو الشهادة، وصبروا لأعداء الله

حتى هزموهم هزيمة منكرة بنصر أنزله الله تعالى على عباده المسلمين؛ حيث لجأ الكفار إلى حديقة احتشدوا فيها، فأحاط المسلمون بها ودخلوها وقاتلوا من فيها قتالاً شديداً حتى قتل مسيلمة على يد وحشى مولى جبير بن مطعم، واشترك مع وحشى فى قتل مسيلمة رجل من الأنصار، كما قتل من رجال مسيلمة نحو عشرين ألفًا من رجاله، واستسلم من بقى من قواته أسرى للمسلمين، واستشهد من المسلمين أكثر من ألف ومائتى رجل، منهم عدد كبير من القراء وحفظة القرآن الكريم.

*يزيد بن المهلب (ثورة)

*يزيد بن المهلب (ثورة) ينتمى «يزيد بن المهلب» إلى أسرة كانت من أهم الأسر التى قامت بدور كبير فى التاريخ الإسلامى بعامة، وفى تاريخ الدولة الأموية بخاصة، فأبوه «المهلب» أبلى بلاءً حسنًا فى محاربة الخوارج وكسر شوكتهم. عمل «آل المهلب» تحت رئاسة «الحجَّاج» ثم غضب عليهم، فعزلهم عن العمل سنة (85هـ) ووضع أكبرهم وهو «يزيد بن المهلب» فى السجن، مع أنهم كانوا أصهاره، فقد كان متزوجًا من «هند بنت المهلب» أخت «يزيد»، واستطاع إقناع الخليفة «عبدالملك بن مروان» بضرورة الاستغناء عنهم، فوافقه الخليفة. ظل «آل المهلب» فى الظل، بعيدين عن السلطة إلى أن جاءت خلافة «سليمان بن عبدالملك» فأعادهم إلى ما كانوا عليه، وعيَّن «يزيد» واليًا على «العراق» والمشرق، وظل فى منصبه حتى عزله «عمر بن عبدالعزيز» عن الولاية لأنه كان يراه جبَّارًا قاسيًا، ثم أمر بسجنه حتى يؤدى ما عليه، وكان قد أخذ أموالا كثيرة من بيت المال، وظل سجينًا حتى بعد أن تولى «يزيد بن عبدالملك» الخلافة بعد «عمر»، لكنه نجح فى الهرب من السجن ليقود ثورة هائلة ضد الدولة الأموية. قوى «يزيد بن المهلب» بتأييد أهل «العراق» له، كعادتهم خلف كل ثائر على الأمويين، وبعصبية قبيلته الكبيرة - «الأزد» - ذات النفوذ فى «العراق»، فوثب على «عدى بن أرطاة الفزارى» والى «البصرة» من قبل «يزيد بن عبدالملك»، وسيطر على الموقف فى «البصرة»، وخلع طاعة «يزيد بن عبدالملك»، وانضم إليه كل معادٍ للدولة الأموية حتى استفحل أمره، واتسع نفوذه وتجاوز «البصرة» إلى «الجزيرة الفراتية» و «البحرين» و «عمان» و «فارس» و «الأهواز». وإزاء هذه الأحداث وجدت الدولة الأموية نفسها من جديد أمام ثورة عارمة تريد القضاء عليها، فأرسل الخليفة «يزيد بن عبدالملك» أخاه «مسلمة» بجيش كبير من أهل الشام، تمكن به من إلحاق الهزيمة الساحقة بابن المهلب فى معركة «عفر» قرب «الكوفة» فى شهر صفر سنة (102هـ) بعد

أن خذله العراقيون كعادتهم وقُتل هو فى المعركة ومعظم رجالات بيته، ومن نجا من القتل هرب إلى إقليم «السند».

*المغرب (فتح)

*المغرب (فتح) لما ولى «عبدالله بن سعد بن أبى السرح» ولاية «مصر» من قبل «عثمان بن عفان»؛ كتب إليه أن الروم الذين لا يزالون يسيطرون على «شمال إفريقيا» يغيرون على حدود «مصر» الغربية، ولابد من مواجهتهم قبل أن يتجرءوا ويهاجموا «مصر» نفسها، فاقتنع «عثمان» بعد أن استشار كبار الصحابة، وأذن له بتجريد حملات عسكرية لردعهم وكف عدوانهم، كما أرسل إليه جيشًا من «المدينة» مددًا، يضم عددًا من الصحابة كابن عباس، و «عبد الله بن الزبير» رضى الله عنهما. وفى سنة (27هـ = 647م) انطلق جيش المسلمين بقيادة «عبدالله بن سعد»، وتوغل غربًا حتى وصل إلى «قرطاجنة» عاصمة إقليم «تونس» فى ذلك الوقت، ودارت عدة معارك بين المسلمين وبين ملكها «جريجوار» أو «جرجير» كما تسميه المصادر العربية، انتهت بانتصارالمسلمين وقتل الملك «جريجوار» على يد «عبدالله بن الزبير». ولم تكن تلك الحملة تهدف إلى الاستقرار، بل إلى ردع العدوان، ولذا اكتفى «عبدالله بن سعد» بعقد معاهدات صلح مع زعماء تلك البلاد تعهدوا فيها بدفع مبلغ كبير. وصل المسلمون فى أواخر خلافة «عثمان» إلى «تونس» الحالية، لكنهم لم يواصلوا فتوحاتهم بسبب الفتن التى استمرت حتى نهاية خلافة «على بن أبى طالب» (36 - 40هـ)، فلما استتب الأمر لمعاوية سنة (41هـ)، كانت جبهة «شمالى إفريقيا» أولى الجبهات التى اهتم بها، لأنها كانت تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية التى عزم على تضييق الخناق عليها، فأرسل سنة (41هـ) حملة إلى «شمالى إفريقيا» بقيادة «معاوية بن حديج»، ثم أرسله على رأس حملة أخرى سنة (45هـ)، فاستطاع أن يفتح العديد من البلاد، مثل «جلولاء» و «سوسة». أسند «معاوية بن أبى سفيان» قيادة الجيش الفاتح إلى «عُقبة بن نافع»، وهو واحد من كبار القادة الذين لمعت أسماؤهم فى الفتوحات الإسلامية فى العصر الأموى، ولم يكن «عُقبة» جديدًا على الميدان، فقد شارك فى فتح تلك البلاد منذ

أيام «عمرو»، واكتسب خبرة كبيرة، فواصل فتوحاته فى هذه الجبهة. ولما رأى «عقبة» اتساع الميدان، وبعد خطوط مواصلاته عن قواعده فى «مصر»، شرع فى بناء مدينة تكون قاعدة للجيش، ومركزًا لانطلاقاته وإمداداته، فبنى مدينة «القيروان» (50 - 55هـ) بإذن من «معاوية»، وكان لهذه المدينة شأن عظيم فى الفتوحات وفى الحركة العلمية، وأثناء تأسيسها كان «عقبة» يرسل السرايا للفتح، ويدعو الناس إلى الإسلام، فدخل كثير من «البربر» -سكان البلاد- فى الإسلام. ظل «عقبة بن نافع» يواصل فتوحاته ونشر الإسلام حتى عزله «معاوية» وولَّى مكانه قائدًا آخر، لا يقل عنه شجاعة وإقدامًا، وحبا للجهاد فى سبيل الله، هو «أبو المهاجر دينار»، وكان يتمتع إلى جانب مهارته العسكرية بقدر من الكياسة وحسن التصرف والفطنة، فقد أدرك أن «البربر» سكان الشمال الإفريقى قوم أشداء، يعتدُّون بكرامتهم ويحرصون على حريتهم كالعرب تمامًا، وأن سياسة اللين والتسامح قد تجدى معهم أكثر من سياسة الشدة. وقد نجحت سياسة «أبى المهاجر» فى اجتذاب البربر إلى الإسلام، وبخاصة عندما أظهر تسامحًا كبيرًا مع زعيمهم «كسيلة بن لمزم»، وعامله فى إجلال وإكرام، فأسلم الرجل متأثرًا بتلك المعاملة، وأسلم بإسلامه طائفة كبيرة من قومه. وفى مقابل تلك السياسة المتسامحة مع «البربر» كان «عقبة» حازمًا فى تعامله مع الدولة البيزنطية التى حاولت أن تحتفظ بالشمال الإفريقى بعد أن فقدت «مصر» والشام، لكنها لم تنجح، فقد حقق «أبو المهاجر» نصرًا عسكريا عليها، مكَّنه من السير إلى الغرب، فاتحًا معظم «المغرب الأوسط» - الجزائر الحالية - ووصل إلى «تلمسان». أعاد الخليفة «يزيدُ بن معاوية» «عقبةَ بن نافع» مرة أخرى إلى «شمالى إفريقيا»، فواصل جهود «أبى المهاجر»، وقام بحملته التى اخترق بها الساحل كله فى شجاعة وجرأة حتى بلغ شاطئ «المحيط الأطلسى»، وأوطأ أقدام

فرسه فى مياهه، وقال قولته المشهورة: «اللهم اشهد أنى قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت فى البلاد، أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحدًا دونك». وفى أثناء عودة «عقبة» من غزوته المظفرة تعرض لكمين نصبه له البيزنطيون بمساعدة «كسيلة» زعيم «البربر»، الذى كان «عقبة» قد أهانه، فبينما هو يسير فى عدد قليل من جنوده يبلغ زهاء ثلاثمائة جندى انقضت القوات البيزنطية عليه وعلى من معه عند بلدة تهودة فاستشهدوا جميعًا سنة (63هـ). ومما أسهم فى وقوع الكارثة أن «عقبة» قد وقع فى خطأ عسكرى كبير، إذ سرَّح معظم جيشه، وأمرهم بالسير أمامه، فابتعد عنه لمسافة طويلة، مما جعل الجيش البيزنطى ينفرد به ويهزمه هزيمة ثقيلة أضاعت كل الجهود التى بذلها المسلمون فى فتح تلك البلاد، واضطر المسلمون إلى الارتداد إلى الخلف، ولم يستطيعوا الاحتفاظ بالقيروان، وعادوا إلى «برقة». تسلَّم «زهير بن قيس البلوى» قيادة الجيش خلفًا لعقبة بن نافع سنة (63هـ)، وعزم على الثأر من البيزنطيين و «البربر»، لكنه لم يستطع أن يحقق هدفه إلا فى سنة (69هـ)، نظرًا لانشغال الدولة الأموية بالأحداث والفتن الخطيرة التى حدثت فى الداخل بعد وفاة «يزيد بن معاوية» سنة (64هـ). تحرّك «زهير» بجيش كبير وزحف على «القيروان» سنة (69هـ)، والتقى على مقربة منها بجيش «كسيلة»، فهزم «البربر» هزيمة ساحقة بعد معركة شديدة وفى أثناء عودته إلى «برقة» للدفاع عنها - بعد ما نمى إلى علمه أن البيزنطيين زحفوا عليها فى جموع عظيمة - تعرض لهجوم بيزنطى مفاجئ، فلقى حتفه هو ومن معه. وصلت أخبار استشهاد «زهير» ومن معه إلى الخليفة «عبدالملك بن مروان» وهو مشغول بصراعه مع الخوارج والشيعة وآل الزبير، فلم يتمكن من القيام بعمل حاسم إلا بعد أن استقرت له الأوضاع، فأسند قيادة جبهة الشمال الإفريقى إلى «حسان بن النعمان» وأمده بجيش كبير من «مصر» والشام، بلغ

عدده نحو أربعين ألف جندى. واستطاع «حسان» بعد جهد جهيد القضاء على الوجود البيزنطى فى الشمال الإفريقى، وأن يحطم مدينة «قرطاجنة» أكبر مركز بيزنطى، وأن يبنى محلها مدينة «تونس» الحالية، كما قضى على كل مقاومة للبربر، بعد أن حقق نصرًا هائلا على زعيمتهم الكاهنة التى آلت إليها الزعامة بعد مقتل «كسيلة»، ونعم المسلمون بأولى فترات الاستقرار فى «المغرب». ولم يكن «حسان بن النعمان» قائدًا عسكريا عظيمًا فحسب، بل كان رجل دولة وتنظيم وإدارة أيضًا، فأنشأ الدواوين، ورتَّب أمور الخراج والجزية، ووطَّد سلطان الحكم الجديد فى الثغور والنواحى، وجدد مدينة «القيروان»، وأنشأ بها المسجد الجامع، ووضع سياسات مستقبلية انتهت بأهل الشمال الإفريقى كله إلى اعتناق الإسلام. حلّ «موسى بن نصير» سنة (85هـ) محل «حسان بن النعمان» فى ولاية شمالى إفريقيا وقيادة جيوش الفتح بها، فأكمل ما بدأه سابقوه من القادة العظام، وقدِّر له أن يجنى ثمار غرسهم، ففى ولايته تم فتح «المغرب» كله، وأقبل أبناؤه على اعتناق الإسلام فى حرية تامة، بعدما أدركوا وفهموا ما يحمله من عزة وكرامة وحرية وعدل ومساواة.

*سنباذ (حركة)

*سنباذ (حركة) قاد «سنباذ» - وهو أحد أتباع «أبى مسلم» - حركة ثورية للثأر لمقتل «أبى مسلم الخراسانى»، ومحاربة الإسلام، وأحس الخليفة «المنصور» بخطر هذه الحركة فأرسل جيشًا كبيرًا استطاع القضاء على قوات «سنباذ» وقتله وهو فى طريقه لاجئًا إلى حاكم «طبرستان».

*سومنات (معركة)

*سومنات (معركة) فى سنة (416هـ = 1025م)، قام السلطان «محمود بن سبكتكين الغزنوى» بآخر غزواته فى بلاد «الهند»، وهى غزوة «سُومْنَات» وكان بقلعة «سومنات» الحصينة معبد يضم نفائس الذهب والفضة والجواهر، مما لا يوجد له نظير فى أى مكان آخر فى شبه القارة الهندية، بالإضافة إلى صنم البراهمة الأعظم الذى يحج إليه الهنود من كل مكان، فاقتحم السلطان «محمود» هذه القلعة، فى (ذى القعدة سنة 416هـ = ديسمبر سنة 1025م) بعد أن استبسل الهنود فى الدفاع عنها، واستولى على كل ما فيها من نفائس قُدِّرت قيمتها بأكثر من عشرين مليون دينار، وحطم السلطان «محمود» بنفسه صنم البراهمة الأعظم بسومنات وأرسل منه قطعًا إلى «غزنة»، و «مكة» و «بغداد» إعلانًا بهذا الفتح العظيم، وكان السلطان «محمود» يتصل -عادة- بالخليفة «القادر بالله» فى «بغداد» بعد كل فتح عظيم فى البلاد الهندية؛ ليخبره بما فتح الله للمسلمين فى هذه البلاد، مجددًا ولاءه له.

*شبه الجزيرة الأيبيرية (فتح)

*شبه الجزيرة الأيبيرية (فتح) كان الذى دعا المسلمين إلى فتح تلك البلاد هو «يوليان» حاكم ولاية «سبتة» المغربية الواقعة على ساحل البحر، والخاضعة لحكم «القوط» آنذاك، ولم يكن المسلمون قد فتحوها، فاتصل حاكمها بطارق بن زياد حاكم «طنجة»، وعرض عليه الفكرة، فنقلها إلى «موسى بن نصير» الذى اتصل بالخليفة «الوليد بن عبدالملك»، فأذن له الخليفة، على أن يتأكد من صدق نيات «يوليان»، وأن يرتاد البلاد بحملة استطلاعية، ليعرف أخبارها قبل أن يدخلها فاتحًا. كلَّف «موسى بن نصير» أحد رجاله وهو «طريف بن مالك» على رأس خمسمائة جندى، بدخول «الأندلس» وجمع ما يمكن جمعه من أخبار، كما طلب من «يوليان» أن يوافيه بتقرير عن أوضاع البلاد، فاتفقت معلومات «طريف» التى جمعها مع تقرير «يوليان»، وكلها تفيد أن البلاد فى حالة فوضى، وتعانى من الضعف العسكرى، وأن الناس ينتظرون المسلمين ليرفعوا عنهم الظلم، وعاد جيش «طريف» سنة (91هـ) محملا بالغنائم. اختار «موسى بن نصير» للقيام بمهمة فتح «الأندلس» طارق بن زياد» وهو من أصل بربرى لما يتمتع به من شجاعة ومهارة فى القيادة، فخرج فى سبعة آلاف جندى، معظمهم من «البربر»، وعبر المضيق الذى يفصل بين الساحل المغربى والساحل الأندلسى، والذى لايزال يحمل اسمه، ونزل على الجبل - الذى حمل اسمه أيضًا - فى شهر رجب سنة (92هـ)، واستولى عليه بعد عدة معارك مع القوات القوطية التى كانت تقوم بحراسته، وتوغَّل فى جنوبى البلاد. وما إن علم الملك «روذريق» بنزول المسلمين فى بلاده - وكان فى شمالى غربى البلاد مشغولا بقمع ثورة اندلعت ضده - حتى عاد مسرعًا للقاء المسلمين على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندى، ولما علم «طارق» بعودة الملك طلب مددًا من «موسى بن نصير»، فأمدََّه بخمسة آلاف، وأصبح عدد جيشه اثنى عشر ألفًا، والتقى الفريقان فى أواخر شهر رمضان سنة (92هـ)، وحقق المسلمون

نصرًا حاسمًا، ويؤكد المؤرخون أن هذه المعركة المعروفة باسم معركة «شذونة» قد قررت مصير «الأندلس» لصالح المسلمين، لأن الجيش القوطى دُحر تمامًا، وهبطت روحه المعنوية إلى الحضيض، ولم يعد قادرًا على المقاومة، فانفتح الطريق أمام البطل الفاتح «طارق بن زياد»، ليستولى على مدن مهمة، مثل: «قرطبة»، و «غرناطة»، ووصل إلى «طليطلة» فى وسط البلاد، وكانت عاصمة البلاد فى ذلك الوقت. أرسل «طارق» إلى «موسى بن نصير» يبشره بهذه الانتصارات، ويطلب منه مددًا جديدًا، فعبر إليه بنفسه على رأس قوة كبيرة قوامها ثمانية عشر ألفًا، ونجح فى فتح عدد من المدن فى غربى البلاد مثل «إشبيلية» وهو فى طريقه إلى لقاء «طارق» فى «طليطلة». اتفق القائدان العظيمان على استكمال فتح «الأندلس»، فاتجه كل منهما إلى ناحية فأخذ «طارق بن زياد» طريقه إلى الشمال الشرقى، فى حين اتجه «موسى» إلى الشمال الغربى، ونجح الاثنان فى غضون عامين (93 - 95هـ) فى فتح معظم «شبه الجزيرة الأيبرية».

*عمورية (معركة)

*عمورية (معركة) تعدُّ معركة «عمورية» سنة (223هـ= 838م)، أبرز المعارك بين المسلمين والبيزنطيين فى عهد «المعتصم بالله»، وكان سببها اعتداء الإمبراطور البيزنطى «تيوفيل بن ميخائيل» على بعض الثغور والحصون على حدود «الدولة الإسلامية»، وحين بلغ «المعتصم» ما وقع للمسلمين فى هذه المدن، وصيحة امرأة مسلمة وقعت فى أسر الروم: وامعتصماه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك، وجهز جيشًا ضخمًا أرسله على وجه السرعة لإنقاذ المسلمين، ثم خرج بنفسه على رأس جيش كبير وفتح مدينة «عمورية»، وهى من أعظم المدن البيزنطية، واستولى على ما بها من مغانم وأموال كثيرة جدا.

*محمد النفس الذكية (ثورة)

*محمد النفس الذكية (ثورة) هو «محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب»، المعروف بالنفس الزكية، زعيم البيت العلوى والشيعة، ومنذ مقتل الإمام «على» - كرم الله وجهه - والشيعة يحاولون الوصول إلى مقعد الحكم عن طريق الثورات والخروج على السلطة، باعتبارهم أصحاب الحق الشرعى. وبقيام «الدولة العباسية» وتولِّى العباسيين الخلافة انتقل صراع العلويين على الخلافة من محاربة الأمويين إلى محاربة أبناء عمومتهم العباسيين. وعلى الرغم من أن أسرة «محمد النفس الزكية» لم تتخذ موقفًا عدائياً واضحًا فى بدء الخلافة العباسية فإن الأمر تغير حين تولَّى «أبو جعفر المنصور» الخلافة وبدأ يتعقب «محمدًا النفس الزكية» وأخاه «إبراهيم» اللذين اختفيا وأخذا يعملان سرا فى الدعوة لنفسيهما والخروج على «الدولة العباسية». ولما فشل «أبو جعفر المنصور» فى القبض على «محمد النفس الزكية» أمر بالقبض على عدد كبير من أفراد أسرته، وحملهم إلى سجون «العراق» وعذَّبهم لإرغام «محمد النفس الزكية» على الظهور، وقد نجح «أبو جعفر» فى ذلك؛ فظهر «محمد النفس الزكية» فى «المدينة المنورة» فى (رجب سنة 145هـ= سبتمبر سنة 762م) وقتله العباسيون هناك، كما قتلوا أخاه «إبراهيم» بالعراق، وكثيرًا من أهلهما.

*المختار بن أبى عبيد الثقفى (ثورة)

*المختار بن أبى عبيد الثقفى (ثورة) وهو من الشخصيات التى كانت تسعى إلى السلطة بأى ثمن، تقلَّب من العداء لآل البيت، إلى الاتصال بعبدالله بن الزبير حين أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ)، فلما لم يجد تجاوبًا به، انطلق إلى «الكوفة» التى كانت تموج بالفوضى بعد هزيمة التوابين فادَّعى أنه جاء مندوبًا من عند «محمد بن على بن أبى طالب»، المشهور بابن الحنفية للمطالبة بدم الحسين والأخذ بثأره. ولم يكن «المختار» صادقًا فى دعواه، وإنما هداه تفكيره الانتهازى إلى استخدام مأساة «الحسين» ذريعة للوصول إلى مطالبه، وكان الشيعة فى تلك الفترة يفتقرون إلى الزعامة بعد مقتل «سليمان بن صرد الخزاعى»، فلما وجدوا «المختار» - وكان بارعًا فى الحيل وخداع الناس - التفوا حوله وأسلموا له القيادة. ازداد نفوذ «المختار» بعد أن حالفه التوفيق فانتصر على جيش أموى، وقتل قائده «عبيدالله بن زياد» فى معركة عند نهر «الخازر» بالقرب من «الموصل» سنة (67هـ)، ولما كان «ابن زياد» يعد المسئول الأول عن قتل «الحسين» فى «كربلاء»، فقد دعم مقتله «المختار»، وزاد من ثقة الشيعة به ووقوفهم خلفه، فاستفحل أمره، وعظم شأنه، واتسع نفوذه، وقامت له دولة فى «الكوفة»، اتسعت رقعتها لتشمل معظم «العراق». لم ينعم «المختار» بدولته طويلا، فقد أزعج صعود أمره «آل الزبير» فى «مكة»، و «عبدالملك بن مروان» فى «دمشق»، فأرسل «عبدالله بن الزبير» أخاه «مصعباً» بجيش ضخم، قضى به على «المختار» فى سنة (67هـ). وانتهت بذلك حركة واحد من كبار المغامرين المتطلعين إلى السلطة فى العصر الأموى، ولم تنفعه مزاعمه وادعاءاته حب آل البيت والثأر لقتلاهم، فقد انكشفت حيله، وتخلَّى عنه الشيعة وأسلموه إلى مصيره المحتوم.

*ملاذكرد (معركة)

*ملاذكرد (معركة) عزم الإمبراطور البيزنطى «رومانوس الرابع» على طرد «السلاجقة» من «أرمينيا» وضمها إلى النفوذ البيزنطى، فأعد جيشًا كبيرًا سنة (463هـ = 1071م) يتكون من مائتى ألف مقاتل، وتولَّى قيادته بنفسه، وزحف به إلى «أرمينيا»، وعندما علم السلطان «ألب أرسلان» بذلك وهو بأذربيجان لم يستطع أن يجمع من المقاتلين إلا خمسة عشر ألف فارس، فتقدم بهم إلى لقاء الإمبراطور البيزنطى وجحافله، والتقت مقدمة جيش السلطان بمقدمة جيش «رومانوس» فى «أرمينيا» فهزمتها. وقد أراد السلطان «ألب أرسلان» استغلال هذا النصر المبدئى فأرسل إلى الإمبراطور «رومانوس» يعرض عليه الصلح، إدراكًا منه لحرج موقفه بسبب قلة جنده، فرفض «رومانوس» الصلح وهدد السلطان بالهزيمة والاستيلاء على ملكه، وقد ألهب هذا التهديد حماس السلطان وجيشه وعزموا على إحراز النصر أو الشهادة، ووقف فقيه السلطان وإمامه «أبو نصر محمد بن عبدالملك البخارى» يقول للسلطان: «إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله - تعالى - قد كتب باسمك هذا الفتح، فالْقَهُم يوم الجمعة بعد الزوال، فى الساعة التى تكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة». فلما جاءت هذه الساعة صلى بهم، وبكى السطان فبكى الناس لبكائه ودعا ودعوا معه، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قُتِلْتُ فهذا كفنى! والتقى جيش السلطان وجيش الإمبراطور فى مدينة «ملاذكرد» بأرمينيا، وحمل المسلمون على الروم حملة رجل واحد، وأنزل الله نصره عليهم فانهزم الروم وامتلأت الأرض بجثثهم، وتمكن المسلمون من أسر إمبراطور الروم «رومانوس»، فأحسن السلطان «ألب أرسلان» معاملته، وأعفاه من القتل مقابل فدية مقدارها مليون ونصف مليون دينار، وعقد معه صلحًا مدته خمسون عامًا، وأطلق سراحه وأرسل معه جندًا أوصلوه إلى

بلاده ومعهم راية مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وقد أنهت معركة «ملاذكرد» النفوذ البيزنطى فى «أرمينيا» بصورة مطلقة، وفتحت المجال لامتداد النفوذ الإسلامى السلجوقى إلى «آسيا الصغرى»، وتهديده العاصمة البيزنطية وما وراءها فى «أوربا». وقد حدثت هذه المعركة المظفرة - معركة «ملاذكرد» - فى شهر (ذى القعدة سنة 463هـ = أغسطس 1071م).

*عين جالوت (معركة)

*عين جالوت (معركة) بعد سقوط «بغداد» زحف التتار بقيادة «هولاكو» تجاه «سوريا» واحتلوا «حلب»، وقتلوا خمسين ألفًا من سكانها، ثم احتلوا «حماة» و «دمشق» وعقدوا معاهدة مع «أنطاكية» (على حدود الروم) للتحالف ضد المسلمين، ولم يكتفِ «هولاكو» بذلك، بل أرسل إلى ملك «مصر» يطلب منه التسليم، ويهدده بالقضاء على جيوش المسلمين كلها إن لم يُسرع بذلك، فقد رأى «هولاكو» أثر تهديداته بهذه الصورة على مقر الخلافة فى «بغداد»، وظن أن يجد الصدى نفسه لدى حكام «مصر»، ويدخل «مصر» بسهولة ودون مقاومة مثلما دخل «بغداد»، إلا أن «سيف الدين قطز» أجبره على أن يفيق من أحلامه بصاعقة لم تكن متوقعة، فقد مزق رسالته وقتل رسله وعلق رءوسهم على مداخل «القاهرة»، وتوعده بالموت والهلاك إن لم يرحل عن هذه البلاد التى قتل من مسلميها ما لايُحصَى عدده، وجعل الدماء أنهارًا فى «بغداد» والشام. خرج «المظفر قطز» فى أواخر شهر شعبان سنة (658هـ) لملاقاة التتار الذين وصلت طلائعهم إلى غزة بقيادة «كتبغا»، ودارت رحى المعركة بين الطرفين فى «عين جالوت» بفلسطين فى رمضان من سنة (658هـ)، وأظهر فرسان المماليك، والجند المصريون شجاعة بالغة بقيادة السلطان «المظفر قطز» وبجواره «بيبرس» أعظم فرسان المماليك البحرية. وتجدر الإشارة إلى الارتباك الشديد الذى حدث بين صفوف المسلمين فى بدايةالمعركة، فلما رأى «قطز» ذلك عمل على رفع معنويات جنده وشد عزيمتهم، وألقى خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصاح بأعلى صوته: واإسلاماه .. واإسلاماه؛ فاستجاب له الجند، ودوت الصيحة فى ميدان المعركة، ورفع المسلمون أصواتهم بالتكبير .. الله أكبر .. الله أكبر، وعمدوا إلى قتال عدوهم، وجاهدوا بإخلاص وثقة فى سبيل الله للحفاظ على الدين والأرض والمال والولد، فكتب الله لهم النصر المؤزر على جحافل التتار، وقضوا عليهم قضاء مبرمًا.

*مرج الصقر (معركة)

*مرج الصقر (معركة) معركة جرت وقائعها بين «الناصر محمد بن قلاوون» والمغول بقيادة زعيمهم «غازان» فى «مرج الصقر» على مقربة من «حمص» فى سنة (702هـ)، فقد حاول المغول الثأر لهزيمتهم فى «عين جالوت»، فواجههم «الناصر محمد» بما تميز به من شدة وبأس وقوة عزيمة، وهزمهم هزيمة ساحقة مات على إثرها «غازان» زعيم المغول حزنًا، وقوبل «الناصر محمد» بأعظم مظاهر الترحيب حين عودته من الشام إلى «مصر»، وأقيمت له أقواس النصر، وخرج الشعب كله لاستقباله وتهنئته والترحيب به.

*العقاب (معركة)

*العقاب (معركة) بعدموقعة الأرك عقدت هدنة بين المسلمين والنصارى سنة (594هـ = 1198م)، ولكن ملك النصارى ما كان ليستريح بعد هزيمته القاسية فىتلك المعركة، ولذلك أخذ فى الاستعداد لمعركة جديدة مع المسلمين قبل انتهاء أمد الهدنة وأعد جيشًا ضخمًا واحتشد بكل ما يستطيع بمعاونة كاملة من ملوك النصارى فى غرب أوربا ومن البابوية ومن نصارى إسبانيا وشجعه موت أبى يوسف يعقوب خليفة الموحدين، وتولية خلفه أبى عبدالله محمد الناصر الذى كان أقل كفاءة من أبيه وقد عبر الخليفة الجديد إلى الأندلس فى ذى الحجة (607هـ = 1211م) على رأس جيش ضخم ونزل إشبيلية ومن هناك صعد شمالى الوادى الكبير وعسكر فى سهل تكثر فيه التلال الصغيرة ويقع غربى الحصن المسمى بالعقاب (جمع عقبة)، وأقبل النصارى كذلك، وعسكروا فوق هضبة الملك المشرفة على معسكر المسلمين، وقبل اللقاء استولى النصارى على قلعة «رباح» من قائدها الأندلسى، وعندما وصل هذا القائد إلى معسكر الناصر قتله دون تحقيق، الأمر الذى أغضب الأندلسيين وأثَّر فى معنوياتهم. بدأ اللقاء فى (15 من صفر 609هـ = 16 من يوليو 1212م)، وانخذل الأندلسيون والخارجون على المسلمين من العرب بعد قليل، وتركوا الجناح الشرقى للمسلمين مكشوفًا فانقض عليهم النصارى وحصدوا الألوف من متطوعة المسلمين المجاهدين من الأندلس كما حصدوا زهرة مقاتلى الأندلس، وعددًا كبيرًا من خيرة العلماء والفقهاء والقضاة، وكان الخطب عظيمًا حتى قيل إن الإنسان كان يتجول فى المغرب بعد المعركة فلا يصادف شابًا قادرًا على القتال.

*قلونية (معركة)

*قلونية (معركة) حين وصل إلى مسامع عبدالملك المظفر بالله حاجب الخليفة الأندلسى هشام المؤيد بالله أن أمير قشتالة يفكر فى الاعتداء على أراضى المسلمين، خرج لغزوته الخامسة المسماة «غزوة قلونية» فى (صيف 397هـ = 1007م)، واخترق أراضى قشتالة ليحارب ملكها الذى تحالف معه ملك ليون وملك نبرة، وعدد من زعماء النصارى الذين وحدوا صفوفهم، ومع ذلك فقد تمكن عبدالملك من إلحاق هزيمة بهم جميعًا عند مدينة «قلونية»، وحملهم على طلب الصلح ثم عاد إلى قرطبة أواخر العام المذكور، فسر الناس بما حقق، واتخذ هو لقب «المظفر بالله» إشادة بما أحرز من نصر عظيم.

*العلة (معركة)

*العلة (معركة) فى شوال 397هـ خرج عبدالملك المظفر بالله حاجب الخليفة هشام المؤيد بالله بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة العلة»؛ إذ إنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض وتفرق عنه المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى (المحرم 399هـ = سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته فعمل على استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت، وتعرض لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى محفة حيث مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر 1008م) بعد حكم دام نحو سبع سنوات.

*مرج دابق (معركة)

*مرج دابق (معركة) معركة دارت بين المماليك بقيادة السلطان الغورى والعثمانيين بقيادة سليم الأول حيث التقى الجمعان على مشارف «حلب» فى «مرج دابق» سنة (923هـ= 1517م)، وحقق العثمانيون النصر، وقُتل السلطان «الغورى»،ودخل «سليم الأول» «حلب» ثم «دمشق» ودُعى له فى المساجد، وفتحت كثير من المدن الشامية أبوابها للعثمانيين دون مقاومة تذكر.

*المورة (معركة)

*المورة (معركة) وقعت بين الأتراك والمصريين من ناحية واليونانيين من ناحية أخرى، بعد إعلان اليونانيين الثورة على العثمانيين، وإعلان استقلالهم، وفشل القوات العثمانية فى القضاء على هذه الثورة سنة (1236هـ= 1821م)،. واستعان السلطان العثمانى بمحمد على وجيشه الحديث للقضاء على هذه الثورة، فأعد محمد على جيشًا كبيرًا بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وتكوَّن من (17) ألف جندى من المشاة و (700) فارس و (51) سفينة حربية و (146) سفينة نقل. والتقى الأسطول المصرى مع الأسطول التركى فى ميناء بوردروم، وسارا إلى المورة، ودارت معارك شديدة هناك، وأدرك إبراهيم باشا أنه لا سبيل إلى الانتصار على اليونانيين إلا فى البر؛ لذلك خاض معارك شرسة ضد اليونانيين فى البر، واستطاع أن يحقق انتصارات عظيمة عليهم، وأوشك على القضاء على هذه الثورة، إلا أن تآمر الدول الأوربية وتدخل «روسيا» و «بريطانيا» فى الحرب وتحطيمهم للأسطول المصرى فى معركة «نوارين» سنة 1827م جعل «محمد على» يقبل الهدنة ويسحب جيشه من «المورة».

*موهاج (معركة)

*موهاج (معركة) بعد خمس سنوات من استيلاء العثمانيين على «بلجراد» سنة (927هـ = 1521 م)، أخذ ملك «المجر» «لايوش» يجمع القوى الأوربية لمحاربة العثمانيين، وكتب إلى كل من «شرلكان» الإمبراطور الألمانى، و «فرديناند» الأرشيدوق النمساوى يطلب منهما التحالف معه ضد العثمانيين. وفى الوقت نفسه كان السلطان «سليمان القانونى» يستعد لمحاربة «المجر»، فتحرك بجيشه فى سنة (932هـ= 1526م) فى أكثر من (60) ألف جندى حتى وصل إلى «صحراء موهاج» المجرية، وهناك دارت معركة ضخمة من معارك الإسلام فى يوم (21 من ذى القعدة 932هـ= 29 من أغسطس 1526م)، هزم فيها العثمانيون الجيش المجرى، وكان من أرقى الجيوش الأوربية، ومعروف بفرسانه المدرعين، ولعبت المدفعية العثمانية دورها فى هذا النصر السريع الذى أحرزه الجيش العثمانى فى ساعتين، على الرغم من قطعه مسافات طويلة، حتى وصل إلى أرض المعركة. وقد تكبَّد الجيش المجرى خسائر هائلة فلم تقم له قائمة، فقد أسر العثمانيون حوالى (25) ألف جندى، وتعرض نحو (75) ألفًا للقتل أو للغرق فى مستنقعات «موهاج»، وكان الملك المجرى «لايوش» ممن مات غرقًا فى هذه المستنقعات. وقد رفعت الرايات العثمانية فوق العاصمة المجرية «بشت»، ولم تكن قد عرفت باسمها الآن «بودابست»، وأعلن منها السلطان «سليمان القانونى» خضوع «مملكة المجر» للحماية العثمانية.

*مؤتة

*مؤتة هى إحدى الغزوات التى شهدها النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ووقعت أحداثها فى (جمادى الآخرة 8هـ = أغسطس 629م) بمؤتة، إحدى قرى البلقاء بالشام، وموضعها بالأردن حاليًّا، وسببها: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل الحارث بن عمير الأزدى بكتاب إلى حاكم بُصرى بأرض الشام - والتى كانت تابعة للروم - يدعوه إلى الإسلام، ولكن شرجبيل بن عمرو الغسانى حاكم البلقاء قتل الحارث بن عمير؛ فجهز النبى - صلى الله عليه وسلم - جيشاً قوامه ثلاثة آلاف رجل، وجعل إمرته لزيد بن حارثة، فإن قُتل فجعفر بن أبى طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليختر المسلمون من بينهم أميرًا. وتحرك الجيش حتى نزل معان من أرض الشام وجاءتهم الأخبار أن هرقل نزل بمآب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم، وانضم إليهم مائة ألف أخرى من قبائل لخم وجذام وبلقين وبهراء، وفوجئ المسلمون بهذا العدد الكبير، وأقاموا ليلتين فى معان تشاوروا خلالهما فى الأمر، واتفقوا على المواجهة، وتحركوا حتى التقوا جيش الروم عند مؤتة، وأبلى المسلمون بلاءً حسنًا، وثبتوا ثباتًا عظيمًا، على الرغم من استشهاد قادتهم الثلاثة، ثم اختاروا خالد بن الوليد أميرًا عليهم فقام ببعض التعديلات، فجعل المقدمة ساقة، والميمنة ميسرة، والعكس، وفوجئ العدو بذلك فظنوا أن مددًا قد جاء إلى المسلمين، وأثناء سير المعركة نجح خالد فى أن يتأخر بجيشه قليلاً قليلاً - مع حفظ نظام الجيش - وخاف الروم من تتبعهم خشية أن تكون مكيدة. واستشهد فى هذه المعركة (12) رجلاًَ، وعاد المسلمون إلى المدينة فاستقبلهم الناس باللوم وهو يحسون التراب عليهم ويقولون: يافُرار، فررتم فى سبيل الله، فيقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: ليسوا فُرَّارًا ولكنهم كُرار إن شاء الله. وكانت غزوة مؤتة أول قتال بين المسلمين والروم.

*كربلاء

*كربلاء معركة وقعت فى (العاشر من المحرم سنة 61هـ) بمدينة كربلاء بالعراق بين الحسين بن على بن أبى طالب وجيش يزيد بن معاوية، وسببها: أن يزيدًا لما ولى الخلافة رفض الحسين مبايعته وكان بالمدينة، فتركها ورحل إلى مكة، واجتمع الشيعة بالكوفة وأرسلوا له كتبًا يدعونه إلى الذهاب إليهم، فلما وصلت تلك الرسائل إلى الحسين بعث ابن عمه مسلم بن عقيل ليتبين حقيقة الأمر، فسار إلى الكوفة، والتف حوله كثير من الشيعة وبايعوه، فاغتر بما شاهده، وأرسل إلى الحسين يستحثه على القدوم. وفى تلك الأثناء تولى عبيد الله بن زياد إمارة الكوفة إلى جانب البصرة، فأخذ الشيعة بالشدة، فتفرقوا عن مسلم بن عقيل وانتهى الأمر بقتله. ولما أستبطأ الحسين أخبار مسلم خرج إلى الكوفة على رأس ثمانين رجلاً، فلما دنا منها وعلم بقتل مسلم بن عقيل وخذلان أهلها له، همَّ بالرجوع، لكن إخوة مسلم صمموا على الأخذ بثأر أخيهم أويُقْتَلون دونه، فنزل الحسين على رأيهم وسار حتى نزل كربلاء، وهناك التقى جيش عبيد الله بن زياد ونشب قتال بينهما انتهى بمقتل الحسين وكثيرٍ من أهل بيته.

*مرج الصفر (معركة)

*مرج الصفر (معركة) موضع بالشام، كانت به معركة، انتصر فيها المسلمون على نصارى الشام بعد وقعة أجنادين، قبل وفاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه بأربعة أيام. ونشبت هذه المعركة لمّا كان المسلمون يحاصرون دمشق، أتاهم آتٍ فأخبرهم أن: جيشًا قد أقبل نحوكم من عند ملك الروم، فنهض خالد بن الوليد بالناس، وأقبلوا نحو ذلك الجيش، وألحقوا الهزيمة به، وتفرَّق المشركون، فمنهم من دخل دمشق مع أهلها، ومنهم من رجع إلى حمص، ومنهم من لحق بقيصر الروم. وقتل من الروم نحو خمسمائة، وأُسِر منهم نحو ذلك.

*وادى نكور (معركة)

*وادى نكور (معركة) جرت بين الموحدين وبنى مرين سنة (613 هـ)؛ حيث كان الضعف قد ضرب بجذوره فى دولة الموحدين، وانشغل زعماء الموحدين بالمؤامرات والدسائس؛ للوصول إلى السلطة، وأتاح هذا الجو الفرصة للقبائل أن تمارس السلب والنهب، ومن هذه القبائل بنو مرين الذين أخذوا فى الإغارة على القرى والمدن وترويع الآمنين وإشاعة الفوضى؛ لذلك قرر الموحدون تأديبهم؛ فجرد الخليفة جيشًا بقيادة أبى على بن وانورين، وانضمت إليه قوات والى فاس بقيادة أبى إبراهيم بن يوسف الذى تولى القيادة، والتقى الجيشان فى وادى نكور، واستطاع بنو مرين هزيمة الموحدين هزيمة ساحقة، وقتل قائد الموحدين.

*نفارين (معركة)

*نفارين (معركة) وقعت فى خليج نفارين غربى اليونان، بين الأسطول المصرى والعثمانى من جهة، والأسطول الأوربى من جهة أخرى، وكان الأسطول المصرى العثمانى يدعم القوات البرية بقيادة إبراهيم باشا، وكانت هذه القوات تحاول القضاء على ثورة المورة. وتألف الأسطول الأوربى من بريطانيا وروسيا وفرنسا. وقد ضم الأسطول المصرى العثمانى (62) قطعة بحرية و (1962) مدفعًا، فى حين شمل الأسطول الأوربى (27) قطعة بحرية و (1294) مدفعاً. وقد استهدف الأوربيون تدمير الأسطول المصرى العثمانى، ونجحوا فى ذلك، ووصلت الخسائر المصرية العثمانية إلى ثلاثة آلاف قتيل، إلى جانب عدد من الجرحى، ولم يخسر الأوربيون سوى (140) قتيلاً؛ ومن ثم فقد قضت هذه المعركة على البحرية العثمانية. ويجدر بالذكر أن إبراهيم باشا لم يشهد هذه المعركة؛ لانشغاله بالحرب داخل المورة. وعقب هذه المعركة أعلن السلطان العثمانى الجهاد المقدس.

*ملبد بن حرملة الشيبانى (ثورة)

*ملبد بن حرملة الشيبانى (ثورة) ملبد بن حرملة: أحد قواد الخوارج فى العصر العباسى. قاد ثورة بالجزيرة فى العراق فى عهد المنصور العباسى سنة (137 هـ)، ومعه ألف فارس، فوجه إليه المنصور عدة جيوش، إلا أن ملبد بن حرملة انتصر عليها؛ فوجه إليه المنصور خازم بن خزيمة فى ثمانية آلاف مقاتل، وكاد ملبد أن ينتصر عليهم، إلا أن خازمًا قتل (800) من أتباع ملبد، على رأسهم ملبد نفسه سنة (138 هـ)، وبذلك انتهت ثورة ملبد بمقتله.

*مرج راهط (معركة)

*مرج راهط (معركة) وقعت بين القيسيين المؤيدين لعبد الله بن الزبير، والكلبيين المؤيدين للأمويين فى مرج راهط سنة (64 هـ)، بالقرب من الشام. وكان القيسيون بقيادة الضحاك بن قيس، والأمويون بقيادة مروان بن الحكم؛ فبعد أن خلع معاوية بن يزيد نفسه من الخلافة ومات صار أهل الشام بلا خليفة، فأراد مروان بن الحكم مبايعة عبد الله بن الزبير، فنشبت الحرب، وكان أنصار عبد الله بن الزبير (30) ألفاً، أما أنصار الأمويين فكان عددهم (7) آلاف، واستمرت المعركه بين الطرفين (20) يوماً، وأسفرت عن مقتل الضحاك وبعض أنصاره، وهروب القيسيين وانتصار مروان بن الحكم، وتثبيت حكم الأمويين وخلافتهم.

*هارون بن عبد الله الشارى (ثورة)

*هارون بن عبد الله الشارى (ثورة) قامت فى العصر العباسى فى عهد المعتضد بالله أبى العباس، بزعامة هارون بن عبد الله الشارى الذى خرج فى أطراف الموصل، وتبعه عدد كبير، فقصده المعتضد سنة (282هـ = 895م)، ودار بينهما قتال شديد انهزم فيه هارون، واستسلم أصحابه. وبقى هارون فى قلة، فعبر نهر دجلة فتعقبه الحسين بن حمدان التغلبى فى ثلاثمائة فارس، ودار بينهما قتال، انتهى بهزيمة هارون الشارى، وأسره وقتله سنة (283 هـ = 896 م).

*أبو قير

*أبو قير معركة بحرية، وقعت فى (2 من أغسطس 1798 م)، بين الأسطول الفرنسى بقيادة الأميرال برويس، والأسطول الإنجليزى بقيادة الأميرال نلسون. وكان قوام الأسطول الفرنسى (55) سفينة بحرية و (280) ناقلة، فى حين لم يتجاوز الأسطول الإنجليزى (14) سفينة حربية، ومع ذلك فقد تمكن الأسطول الإنجليزى من إلحاق هزيمة ساحقة بالأسطول الفرنسى؛ إذ أغرق معظم سفن أسطولهم، واستسلم ما تبقى منها، ولم ينجُ من الأسطول كله سوى ثلاث سفن، هربت اثنتان منها إلى مالطة، وفرت الثالثة إلى البحر الأدرياتيكى. ولم يكن ممكنًا للأسطول البريطانى القليل العدد بالنسبة إلى الأسطول الفرنسى أن يهزم هذا الأخير لولا عنصر المفاجأة الذى استغله الإنجليز استغلالاً تامًّا وناجحًا. وبعد هذه المعركة قام الأسطول الإنجليزى بقطع الإمداد البحرى عن فرنسا؛ فاصطرت الحملة الفرنسية إلى أن تعتمد فى تموين الجيش وسد نفقاته على مصر وحدها. وكان لذلك أثر كبير فى الحد من تطلعات نابليون التوسعية.

*الأعراب (ثورة)

*الأعراب (ثورة) ثورة قام بها بنو سليم وغيرهم من البدو فى بلاد الحجاز، ضد الخليفة العباسى الواثق، وقام فيها هؤلاء الأعراب بنهب الأسواق، وقطع الطرق، والإيقاع بجند والى المدينة المنورة. أرسل إليهم الواثق فى (شعبان 230هـ) جيشًا بقيادة بغا الكبير أحد قواد الأتراك، فقتل منهم نحو خمسين رجلاً، وأسر مثلهم، وهزم سائرهم، فدعاهم بغا إلى الأمان على حكم الواثق فاجتمعوا إليه، فاحتبس منهم من وصف بالشر والفساد، وهم زهاء ألف رجل، وخلَّى سبيل سائرهم. ثم رحل بالأسرى إلى المدينة فى (ذى القعدة 230هـ) فحبسهم بها، ثم سار لإخضاع بنى مرة بعدن، فحاول هؤلاء الخروج من حبسهم، وثاروا فى المدينة، فأحاط بهم أهلها، وقتلوهم عن آخرهم. ولما قدم بغا ووجدهم قُتِلوا شق ذلك عليه، وحزن حزنًا شديدًا.

*الأرك (معركة)

*الأرك (معركة) معركة دارت أحداثها سنة (591 هـ = 1195 م)، بالقرب من حصن الأرك، بين الجيش الإسلامى من الموحدين والأندلسيين وبين جيش قشتالة. وكان الدافع إليها اعتداء ألفونسو الثامن ملك قشتالة على أراضى الأندلس بعد انقضاء الهدنة التى كانت معقودة بينه وبين الموحدين. كانت خطة المسلمين أن تبدأ معظم الجيوش الأندلسية ومن جاء مع الموحدين بالاشتباك، ويبقى الخليفة المنصور فى جيش من الموحدين فى موضع مستور، فإن كان النصر للمسلمين فهو المطلوب، وإن كانت الكرة عليهم يبادر الخليفة بقواته للقاء العدو، بعد أن يكون قد خبت قوته وأصابه الوهن. كان جيش القشتاليين كبيرًا؛ فقد كان يزيد على (25) ألف فارس و (200) ألف راجل. وفى (9 من شعبان 591هـ) التحم الطرفان فى قتال عنيف، وكثر القتل فى مقدمة القشتاليين، ثم التحمت بقية الجيوش، واضطر الجيش القشتالى إلى التقهقر والفرار، كما فر ألفونسو الثامن صوب طليطلة. استمرت المعركة يومًا واحدًا، غنم المسلمون فيها مغانم كثيرة، وافتتحوا حصن الأرك، ومن نتائج هذه المعركة وقف اعتداءات القشتاليين على الأندلس.

*فتح الحيرة

*فتح الحيرة فتح تم صلحًا على يد خالد بن الوليد، رضى الله عنه، سنة (12هـ)، فى عهد الخليفة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، بعد أن انتهى خالد من حرب اليمامة؛ حيث أمره أبو بكر بالمسير إلى العراق، فسار من اليمامة إلى الحيرة، وخرج إليه أشرافها مع إياس بن قبيصة الطائى الأمير عليها بعد النعمان بن المنذر، فخيرهم بين الدخول فى الإسلام ودفع الجزية وخوض الحرب، فاختاروا دفع الجزية، ومقدارها (190) ألف درهم. ولمّا رأى دهاقين البلاد ذلك أتوا خالدًا، وصالحوه على دفع الجزية من منطقة الفلاليج إلى هُرمزجِرد، وكتب لهم بذلك كتابًا، وأقام خالد بالحيرة، وجعلها مركز قيادته.

*أقليس

*أقليس معركة جرت أحداثها فى بلدة أقليس، الواقعة شمالى جبال طليطلة، بين المرابطين بقيادة تميم والى غرناطة وبين القشتاليين بقيادة البرهانس وكونت دى قبرة وكونتات طليطلة، وبينهم الأمير الفتى الإنفانت سانشو. وكان قوام جيش المرابطين بضعة آلاف فارس، وكان يتكون من حشود غرناطة وقرطبة وشرق الأندلس، أما الجيش القشتالى فقد كان متفوقًا على المرابطين فى الكثرة؛ إذ بلغ قوامه نحو (10) آلاف فارس. دار القتال بين الفريقين فجر يوم الجمعة (16من شوال 501هـ)، وبينما القتال على أشده إذ وقع حادث كان حاسماً لمصير المعركة، وهو إصابة الأمير سانشو بطعنة قاتلة، وسقوط الكونت دى قبرة مدافعًا عنه، فدبت الفوضى بين صفوف القشتاليين، وكثر القتل بينهم، ولجأ الكثيرون منهم إلى الفرار، وسقط معظم القادة والكونتات قتلى، وارتدت فلول القشتاليين صوب طليطلة، وحاول الكونتات السبعة الذين كانوا يؤلفون حاشية الأمير القتيل الفرار، إلا أن جماعة من المسلمين لحقت بهم وقتلتهم عن آخرهم. وبانتهاء القتال أمر الأمير تميم بجمع رءوس القتلى من النصارى، فجمعت الدانية منها، وتركت النائية، فبلغ ما جمع منها أكثر من (3000) رأس، مُيِّزت منها رءوس غرسيه أردونيش وقواد طليطلة، فكدست، وأذن من فوقها المؤذنون؛ وفقاً للتقليد المأثور. واستولى المرابطون فى الوقت نفسه على عدد كبير من الأسلاب والغنائم. ومن نتائج موقعة أقليس توطيد سلطان المرابطين فى المناطق الوسطى والشرقية فى الأندلس، وإعلاء مكانتهم العسكرية والدفاعية.

*أليس

*أُليس معركة وقعت فى اُلّيس، إحدى قرى الأنبار، بين جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، رضى الله عنه، ومن تجمع من نصارى العرب وجموع فارس بقيادة جابان. التقى الفريقان، واقتتلوا قتالاً شديدًا، أظهر فيه المشركون صبرًا؛ لأنهم كانوا ينتظرون قدوم مدد بقيادة بهمن جاذويه، ولمّا رأى خالد منهم ذلك ضيَّق عليهم الخناق حتى نفد صبرهم، وتداعت قوتهم، وأسرعوا إلى الفرار، وأسر منهم المسلمون الكثير. وبعث خالد إلى الخليفة بفتح أُلّيس، وبقدر الفىء، وعدد السبايا، وما حصّل من الأخماس.

*أنقرة (معركة)

*أنقرة (معركة) معركة دارت أحداثها فى سهل أنقرة فى (19 من ذى القعدة 804 هـ = 20 من يوليو 1402 م)، بين الجيش العثمانى بقيادة السلطان بايزيد، والجيش المغولى بقيادة تيمورلنك. وكان الدافع إليها أن أحمد الجلائرى أمير بغداد والعراق لجأ إلى السلطان بايزيد حينما هاجمه المغول فى بلاده، فأرسل تيمورلنك إلى السلطان فى طلبه، فأبى تسليمه إليه، فأغار تيمورلنك بجيوشه الجرارة على بلاد آسيا الصغرى، وافتتح مدينة سيواس بأرمينيا، وأخذ أرطغرل ابن السلطان بايزيد أسيرًا، وقطع رأسه. وانتقامًا لذلك جمع السلطان بايزيد جنوده، وسار لمحاربة تيمورلنك، فتقابل الجيشان فى سهل أنقرة، وكان قواد عسكر تيمورلنك أربعة من أولاده، وقواد السلطان بايزيد خمسة من أولاده، وهم: موسى وسليمان ومحمد وعيسى ومصطفى، فدار بينهم القتال من الصباح إلى المساء، وأظهر السلطان من الشجاعة ما بهر العقول وأدهش الأذهان، ولكن ضعف جيشه بفرار فرق آيدين ومنتشا وصاروخان وكرميان، وانضمامها إلى جيوش تيمورلنك؛ لوجود أولاد أمرائهم الأصليين فى معسكر التتار، ولم يبقَ مع السلطان إلا عشرة آلاف انكشارى وعسكر الصرب، فحارب معهم طوال النهار، حتى سقط أسيرًا فى أيدى المغول هو وابنه موسى، وهرب أولاده سليمان ومحمد وعيسى ولم يعثر لابنه الخامس مصطفى على أثر. وعامل تيمورلنك السلطان بايزيد بالحسنى، وأكرم مثواه، لكنه شدد فى المراقبة عليه، بعد أن شرع فى الهروب ثلاث مرات. وتُوفىِّ السلطان بايزيد فى الأسر فى (15 من شعبان 805هـ)، وعمره (44) سنة، فنقل ابنه موسى جثته إلى مدينة بورصَّة؛ حيث دفن بجانب السلطان مراد.

*بابك الخرمى (حركة)

*بابك الخرمى (حركة) هى حركة منحرفة تُعدُّ أخطر الحركات الفارسية المعادية للخلافة العباسية، تزعمها بابك الخرمى، إبان خلافة المأمون والمعتصم، وامتدت عشرين سنة، وتُعرَف بالخرمية، واتسمت بدقة التنظيم وبراعة القيادة، والاتصال السياسى بالأكراد والأرمن وغيرهم، وكانت تؤمن بمبادئ هدامة منها: 1 - الإيمان بالحلول والتناسخ حتى إن زعيمها «بابك» ادَّعى الألوهية. 2 - المشاعية المزدكية فى الأموال والأعراض. 3 - ضرورة التخلص من السلطان العربى والدين الإسلامى. أخذ الخرميون فى العبث والفساد منذ سنة (201هـ) فبعث إليهم المأمون عدة حملات، ولكنها هزمت الواحدة تلو الأخرى، ومن قوادها: يحيى بن معاذ، وعيسى بن أبى خالد، وصدقة بن على، والجنيد الإسكافى، ومحمد بن حميد الطوسى. وكان من وصية المأمون لأخيه المعتصم أن يتابع محاولات القضاء على الخرمية وبدعهم، فبعث المعتصم جيشين بقيادة إسحاق بن إبراهيم وبغا الكبير إلا أن بابك انتصر عليهما. واستمر أمر بابك فى الظهور حتى سنة (221هـ) إذ بعث المعتصم قائده الأفشين؛ لقتال بابك فنظم البريد، وأقام الحصون بين سامراء وآذربيجان؛ لاستجلاب المدد، وتمكن من تحقيق أول نصر على الخرمية، وفى السنة التالية نجح الأفشين فى الاستيلاء على البذ، ثم وقع بابك فى يده، فحمله إلى سامراء؛ حيث أمر المعتصم بقتله، وبذلك انتهى أمر الخرمية. ويقدر ضحايا بابك خلال عشرين سنة بنحو (255) ألفاً.

*التل الكبير (معركة)

*التل الكبير (معركة) معركة وقعت يوم (10 من ذى القعدة 1299هـ = 13 من سبتمبر 1882 م) بين الجيش الإنجليزى بقيادة الجنرال ولسلى والجيش المصرى وحلفائه من رجال الثورة. والتل الكبير تل يقع على الضفة اليسرى لترعة الإسماعيلية بمصر، بين الصالحية والقصاصين، وكان قائد الجيش المصرى فى هذه المعركة الزعيم أحمد عرابى، وكانت الهزيمة فى وقعة القصاصين الثانية فى يوم الأحد (6 من ذى القعدة 1299هـ = 9 من سبتمبر 1882 م) ضربةً قاصمة، ارتد على أثرها الجيش المصرى إلى مواقعه الدفاعية الرئيسية فى التل الكبير. تراوح عدد الجيش المصرى بين (10) و (12) ألف مقاتل، أما الجيش الإنجليزى فكان عدده (11) ألف مقاتل من المشاة، وألفين من الفرسان، مع ستين مدفعًا من مختلف العيارات. والمسافة بين القصاصين والتل الكبير خمسة عشر كيلو مترًا، قطعها ولسلى بسرية تامة، وكان فى مقدمة جيشه بعض ضباط أركان حرب من المصريين، وكذا جماعة من عرب الهنادى، ولم يصادف الجيش الإنجليزى أثناء زحفه ليلاً أية قوة تصده، سوى فرقة من الخيالة ظلت تتقهقر أمامه بدلاً من الصمود. وبلغت المسافة بين الجيشين (150 ياردة تقريبًا) دون أن يكون الجيش المصرى فى وضع التأهب للدفاع، وقبل الصباح طوق الجيش المصرى بتشكيل نصف دائرى، واحتل خط الدفاع الأول، وقتل مائتين، واستبسل عدد من المصريين منهم اليوزباشى حسن أفندى رضوان - قائد المدفعية - حتى إن القائد الإنجليزى ولسلى أعجب به وبشجاعته، وتراوحت خسائر المصريين بين (1500) و (2000) قتيل، أما خسائر الإنجليز فبلغت (57) قتيلاً، بينهم (9) ضباط و (402) جريح، بينهم (27) ضابطًا، وغنم الإنجليز مدافع الجيش المصرى ومؤنه وعتاده وذخائره. أما عرابى فانطلق إلى القاهرة للدفاع عنها، بعدما تعرض للخيانة، خاصةً المعلومات المضللة التى كان يقدمها على يوسف لعرابى.

*البياض (موقعة)

*البياض (موقعة) موقعة حدثت بين المنصور بن أبى عامر مؤسس الدولة العامرية بالأندلس (368 - 399 هـ = 978 - 1009 م) وملك مملكة نافار ( إحدى الممالك النصرانية الإسبانية خلال القرن (4هـ = 10 م)؛ فبعد أن غزا المنصور ليون؛ ردًّا على مطاردة برمود وملك ليون للمسلمين، ثم سار غربًا إلى مدينة قلُمرية فى (378 هـ = 987 م) أغار النافاريون أو البشكنس بقيادة ملكهم سانشو غرسيه الثانى على أراضى الثغر الشمالى، فسار المنصور بن أبى عامر لقتالهم، وطاردهم حتى مدينة بنبلونة عاصمة نافار. وتقول الرواية النصرانية: إن البشكنس انقلبوا إلى الهجوم، وهزموا المسلمين سنة (378هـ = 987 م)، ولم تتحدث المصادر الإسلامية عن هزيمة المسلمين، وتسميها بغزوة البَيَاض وتحدد تاريخها بسنة (379هـ = 989 م)، وتضيف أن المنصور عاد بجيشه إلى سرقسطة؛ حيث التقى بولده عبد الملك إثر عودته من بلاد المغرب.

*بروزة

*بروزة موقعة بحرية بين الجيوش الأوربية المتحالفة والعثمانيين. وهىتعد من المعارك البحرية الخالدة فى التاريخ الإسلامى الحديث، فقد دعا البابا «بول الثالث» الجيوش الأوربية إلى الاتحاد ضد العثمانيين، وتكوَّن منهم تحالف بحرى ضمَّ أكثر من (600) سفينة و (60) ألف جندى، يقودها «أندريا دوريا»، وهو من أمهر القادة البحرية فى ذلك الوقت. وتكوَّن الأسطول الإسلامى من (122) قطعة بحرية، و (22) ألف جندى، والتقى الأسطولان فى (4 من جمادى الأولى945هـ= 28 من سبتمبر 1538م) أمام «بروزة» فى البحر المتوسط. وضع خير الدين برباروس أسطوله على شكل هلال، وعيَّن على رأس جناحه الأيمن صالح رئيس. وعلى رأس جناحه الأيسر سيدي على رئيس. وقاد خير الدين الجناح الأيسر بنفسه، وأمر طورغود بأن يقود احتياطى الأسطول، ويبقى فى الخلف. واستعمل خير الدين برباروس عنصر المباغتة، ولم يكن أسطول الصليبيين مستعدًّا؛ مما أدى إلى اختلال نظامه؛ فما لبث أن تفرق، وهرب قائده أندريا دوريا؛ نجاة بحياته. ولم تستمر المعركة أكثر من خمس ساعات تمكَّن فى نهايتها «خير الدين» من حسم المعركة لصالحه، وصارت العزة والسيادة للعثمانيين فى البحر المتوسط.

*البحيرة (معركة)

*البحيرة (معركة) نشبت بين الموحدين والمرابطين - بعد الانتصارات المتتالية للموحدين - معركة جديدة فى بقعة البحيرة، وهُزم الموحدون، وتمزقت قواتهم، وقتل البشير قائد الموحدين ومعظم زملائه، وانسحب عبد المؤمن بن على فى فلوله، وفتكت القوات المرابطية بالموحدين، وارتدت القوات الموحدية إلى تينملل. وقعت بالمغرب الأقصى يوم الجمعة (29 من ربيع الآخر 524هـ = 11 من أبريل 1130م)، وشارك فيها ابن تومرت، وقيل: كان مريضًا، فلما وقف على أخبار النكبة سأل: هل عبد المؤمن على قيد الحياة؟ فلما أُجيب بالإيجاب، قال: الحمد لله، قد بقى أمركم. وكانت هزيمة الموحدين فادحة؛ فقد كان المرابطون يتفوقون فى العدد وقد أرهقت الموحدين المعارك المتوالية، وبدأ القتال بمعركة محلية نشبت بين جيش سجلماسة وحرس الأمير النصرانى، وبين قوة من الموحدين، فهُزم الموحدون، ثم كانت معركة عامة قاتل فيها الموحدون بشجاعة فائقة، ولكن المرابطين - فضلاً عن كثرتهم -كانت تحدوهم روح الانتقام، فقاتلوا بشدة رائعة. وقُتل من الموحدين أربعون ألفًا، وقيل: إنه لم يسلم من الموحدين إلا أربعمائة؛ بين فارس وراجل، وارتد عبد المؤمن بن على إلى أغمات حتى أرض هيلانة، وطارده المرابطون، وانتصروا على الموحدين، وارتد المرابطون إلى مراكش، وسارت فلول الموحدين إلى تينملل. ورغم هذا الانتصار الساحق للمرابطين فى موقعة البحيرة فإن النصر كان للموحدين فى النهاية؛ إذ كانت هذه المعركة درسًا مفيدًا للموحدين؛ فقد امتنعوا عن منازلة أعدائهم فى السهل، واعتصموا بالجبال.

*ذات السلاسل

*ذات السلاسل أول لقاء عسكرى بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، رضى الله عنه، والفرس بقيادة هرمز جنوب العراق سنة (12هـ = 633 م). وسميت ذات السلاسل؛ لأن قائد الفرس هرمز ربط كل مجموعة من جنوده بسلسلة واحدة؛ حتى لا يفروا من المعركة. وسبب المعركة أن الخليفة الأول أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، بعد انتصاره على المرتدين وإخضاع القبائل العربية الموالية للفرس على حدود العراق، أرسل إلى خالد بن الوليد يأمره بالسير إلى العراق لفتحها، وكان المثنى بن حارثة الشيبانى قد استأذنه أيضًا فى المسير بجيش لفتح العراق فأذن له، ثم أصدر أمراً آخر إلى القائد عياض بن غنم بالتوجه إلى العراق. التقت الجيوش الثلاث تحت قيادة خالد بن الوليد فسار بها حتى توقف قبل حدود العراق وأرسل إلى هُرمز حاكم الأُبلة (مدينة بجانب البصرة) يعرض عليه الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأبى هُرمز إلا الحرب. قسم خالد جيشه أربع مجموعات، والتقى الجيشان فى موضع يُسمَّى الكاظمية، فتقاتل خالد وهُرمز وحدهما فى بداية المعركة، فقتله خالد، ثم اشتبك الطرفان، فهزمت القوة الرئيسية لجيش الفرس، وفر الباقون، وغنم المسلمون الغنائم، ودخلوا الأبلة، وكانت هذه بداية الفتوحات فى العراق وبلاد فارس.

*الراوندية

*الراوندية إحدى الطوائف المنحرفة. تنسب إلى مدينة راوند قرب أصفهان ببلاد فارس. كانت بداية ظهورها فى الدولة الأموية، عندما خرج رجل يقال له: الأبلق، وكان أبرص، وزعم أن الروح التى كانت فى عيسى بن مريم صارت فى على بن أبى طالب والأئمة من بعده واحدًا واحدًا وأنهم آلهة. ولما شاع أمرهم وما يرتكبونه من المحرمات، قام عليهم أسد بن عبد الله القسرى والى بنى أمية على خراسان فقتلهم، ولكن ظل منهم قليل حتى ظهروا ثانية فى خلافة أبى جعفر المنصور العباسي، وخرجوا جميعًا على الناس بالسلاح فأقبلوا يصيحون: بأبى جعفر أنت أنت! يعنون أنت الله، فخرج إليهم بنفسه ورد عليهم ادعاءهم، وقاتلهم وحبس مائتى رجل من زعمائهم، ولكن الباقين اقتحموا السجن، وأخرجوهم منه، ثم ذهبوا إلى قصر أبى جعفر فخرج إليهم مترجلاً وكادوا يقتلونه لولا دفاع معن بن زائدة الشيبانى الذى دفعهم عنه، وظل المنصور فى جهادهم حتى قضى عليهم.

*الزنج (ثورة)

*الزنج (ثورة) إحدى الثورات التى قامت فى عهد الدولة العباسية، فى إقليم البطائح بين واسط والبصرة، بزعامة رجل عرف باسم صاحب الزنج، وكان يسمى نفسه محمد بن على وادعى أنه من نسل على بن أبى طالب، رضى الله عنه. كان الزنج عبارة عن مجموعات كبيرة من السود الذين جلبوا من إفريقيا، خاصة الصومال وزنجبار، واستخدمتهم الدولة؛ لتحويل إقليم البطائح من غابات ومستنقعات وأرض سبخة إلى أرض صالحة للزراعة دون أن تعطيهم مقابل، سوى مايأكلون من السويق والتمر بأثمان بخسة. شعر هؤلاء الزنوج بالظلم فتحركت فى نفوسهم الرغبة فى الثورة خاصة أن الدولة كانت تمر بمرحلة من الضعف شجعتهم على الثورة، وكانوا ينقسمون إلى مجموعات يبلغ عدد المجموعة مابين (500 و 1500) رجل. تجمعت هذه المجموعات تحت إمرة صاحب الزنج ثم ساروا فى سنة (249هـ) إلى البحرين وانضم إليهم عبيدها، كما انضم إليهم عبيد البصرة وواسط وما حولهما، فلما قويت شوكتهم انتشروا فى العراق وخوزستان والبحرين ونهبوا القادسية والبصرة وغيرها من المدن واستولوا على ألف وتسعمائة سفينة، كانت تحمل بعض الحجاج إلى مكة، وألقوا الرعب فى قلوب الآهلين بهذه المناطق، وهزموا جيشين أرسلتهما الخلافة فى عهد الخليفة المهتدى وهددوا بغداد العاصمة نفسها، وملكوا كثيرًا من الأموال والنساء والأطفال. وبعد ارتفاع شأن صاحب الزنج بنى لنفسه مدينتين يتحصن بهما من جيوش الخلافة، وهما: المختارة والمنيعة. وكان يعتمد فى حروبه على التخفى فى المستنقعات والغابات؛ مما صعب مهمة أى جيش يرسل إليها، حتى قاد الموفق أخو الخليفة المعتضد بنفسه الجيوش، وكانت أمور الخلافة بيده، وأدرك سر تفوق الزنج فأعد الخطط، وجهز الجيوش، وتمكن من إلحاق عدة هزائم بهم وتدمير مدينتهم المختارة، وبنى بجوارها مدينة جديدة تسمى الموفقية؛ ليتحصن بها أثناء حروبه لهم، وتوالت انتصاراته عليهم، وفر كثير منهم من حول صاحبهم، حتى هزم

وقتل سنة (270هـ = 883 م) كما قتل قائده بهبوذا. وبذلك خمدت الثورة التى دامت (14) سنة و (4) أشهر، فكثر ضحاياها وقوضت اقتصاديات الدولة، وساعدت على نشوب عدة ثورات داخلية.

*ديو البحرية (معركة)

*ديو البحرية (معركة) معركة بحرية. وقعت فى فبراير (1509 م)، بين أسطول برتغالى وأسطول مشترك للمماليك وسلطنة غوجرات. وسببها أنه فى عام (1498 م) وصلت مجموعة من السفن البرتغالية بقيادة فاسكوداجاما حول رأس الرجاء الصالح إلى ساحل مالابار، وأنشأ البرتغاليون سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندى بين سنتى (1500، و 1505 م)، كما استولوا على جزيرة هرمز على مدخل الخليج العربى عام (1507 م)، وغيرها من النقاط الاستراتيجية؛ فأثر هذا التوسُّع سلبًا على التجارة بين الدول الإسلامية فى الهند فقام السلطان قانصوه الغورى سلطان المماليك بإعداد حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين، وأسند القيادة إلى حسين الكردى نائب السلطان فى جدة. وأبحر حسين على رأس قوته فى عام (1505 م)، للبدء فى مراقبة البرتغاليين. وفى عام (1508 م) عقد السلطان قانصوه الغورى حلفا مع محمود بغارها سلطان غواجرت؛ للقضاء على التدخل البرتغالى فى التجارة بين الهند والبحر الأحمر. ووقعت فى عام (1508 م) معركة دابول البحرية التى أسفرت عن مقتل لورنزو ابن القائد البرتغالى فرانسيسكو دو ألميدو؛ فأقدم فرانسيسكو على احتلال عدد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندى فى أول عام (1509 م) ومنها غوا ودابول. وفى فبراير (1509م) اكتشف فرانسيسكو وجود أسطول المماليك وسلطنة غوجرات قرب ديو الواقعة على الساحل الهندى الغربى شمالى غربى بومباى؛ فشن هجومًا فوريًّا أدى إلى تدمير أسطول الدولتين الإسلاميتين. وكانت معركة ديو البحرية حاسمة؛ إذ ترسخ النفوذ البرتغالى بعدها فى الهند والمحيط الهندى فترة طويلة من الزمن.

*الحملة الصليبية الأولى

*الحملة الصليبية الأولى بدأت هذه الحملة عام (489 هـ = 1096م) بكتائب شعبية من المشاة والأطفال والنساء بقيادة بطرس الناسك إلا أنها فشلت بعد هزيمتها على يد السلطان السلجوقى قلج أرسلان فى مدينة نيقية عاصمة السلجوقيين. أما الحملة الصليبية العسكرية الأولى فكانت تتكون من (700) ألف مقاتل، وانطلقت بأربعة جيوش: الأول: من جنوب فرنسا بقيادة ريموند دى ساى جيل. والثانى: من شمال فرنسا بقيادة روبرت كورت هوذ. والثالث: من أعالى فرنسا بقيادة جودفرى بويون. والرابع: من جنوب إيطاليا بقيادة تنكريدو بوهيموند النورماندى. واتفق القادة الأربعة أن يلتقوا فى القسطنطينية عام (1097م) فوصلوا إلى القسطنطينية، ولم يلبثوا فيها طويلاً حتى تجاوزوها إلى الأناضول واستولوا على نيقية سنة (1097م)، وهزموا السلاجقة فى دور يليوم واحتلوا أنطاكية عام (1098م)، وعسقلان والقدس سنة (1099م) وتأسست مملكة القدس اللاتينية، واختير جودفرى بويون حاكمًا لها، ولقب بحامى القبر المقدس.

*الحرة (موقعة)

*الحرة (موقعة) حدثت سنة (63هـ = 682 م)، بين جيش يزيد بن معاوية وأهل المدينة. وسببها أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية وولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر وسجنوا من بالمدينة من بنى أمية وطردوا عامل يزيد - بعث إليهم يزيد ليعودوا إلى الطاعة دون قتال، فامتنعوا؛ فأرسل إليهم جيشًا عدته (12) ألف مقاتل بقيادة مسلم بن عقبة المرى، وقال له يزيد: ادعهم إلى البيعة ثلاثة أيام دون حرب، ولاتقاتلهم إلا بعد انتهاء المدة. ففعل مسلم، ولكن أهل المدينة امتنعوا عن البيعة؛ فحاصر مسلم المدينة من ناحية الحرة ولما فتحها أباحها لجنده ثلاثة أيام.

*الحرب العالمية الثانية

*الحرب العالمية الثانية هى الحرب التى اشتركت فيها معظم دول العالم فى الفترة من سبتمبر سنة 1939م وحتى سبتمبرسنة 1945م، واستمرت ست سنوات؛ انقسم العالم فيها إلى معسكرين هما: المحور بزعامة ألمانيا وايطاليا واليابان، والحلفاء بزعامة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى السابق. وكان السبب فى هذه الحرب صعود الاتجاهات المتطرفة فى ألمانيا وايطاليا وسيطرة النازية والفاشية على مقاليد الحكم فيهما، واتجاه ألمانيا لبناء قوتها العسكرية بعد نقضها معاهدة فرساى فى سنة 1935م، وقيامها باستعادة بعض الأقاليم الألمانية التى انتزعت منها بعد الحرب العالمية الأولى، وغزوها للنمسا ثم بولونيا ولكسمبورج وهولندا وبلجيكا ثم سيطرتها على فرنسا وتشكيل حكومة فيشى فى فرنسا، وتشديد ألمانيا لضغطها العسكرى على بريطانيا. واستمر الألمان فى انتصارات حتى فصل الربيع من سنة 1942م، حينما فشل الغزو الألمانى للاتحاد السوفييتى السابق، وهُزم القائد الألمانى رومل فى العلمين بمصر، ودخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء بعد تدمير اليابان للأسطول الأمريكى فى بيرل هارير سنة 1941م، كما نجحت عملية انزال جيوش الحلفاء إلى ساحل نور ماندى وتحرير فرنسا سنة 1944م. وانتهت الحرب العالمية الثانية فى سنة 1945م، بعد استسلام ألمانيا فى مايو 1945م، والقاء القنبلة الذرية على اليابان واستسلامها فى سبتمبر سنة 1945م. ونتج عن هذه الحرب خسائر فادحة فى الأرواح والأموال والعمران، كما أنها خلفت مشكلات اجتماعية عديدة، وقدرت هذه الخسائر ب (1154) مليار دولار، وفقد فيها (41) مليون قتيل بخلاف الجرحى والأسرى. وكان من أهم نتائجها انقسام ألمانيا إلى دولتين، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى السابق على العالم، وقيام هيئة الأمم المتحدة، وتصفية الاستعمار فى آسيا وإفريقيا.

*الزاب (معركة)

*الزاب (معركة) إحدى المعارك الفاصلة فى التاريخ الإسلامى. كانت بين مروان بن محمد الخليفة الأموى وجيش العباسيين بقيادة عبد الله بن على، فى (11 من جمادى الآخرة 132 هـ = 25 من يناير 750 م). وسميت بهذا الاسم؛ لأن أحداثها دارت عند نهر الزاب الأكبر، أحد روافد نهر دجلة، ويقع فى شمال العراق، ويتصل بدجلة من جهته اليسرى. وكانت الخلافة الأموية قد وصلت إلى مرحلة الضعف فى عهد مروان بن محمد، وعمت الثورة - التى قام بها أتباع العباسيين ضده - منطقة خراسان، وعلا شأن بنى العباس، فتوجه مروان إلى الثوار فى جيش كبير، وزحف به حتى وصل إلى الموصل، ونزل دجلة، وسار إليه جيش العباسيين، وعسكر على الزاب الأكبر بقيادة عبد الله بن على. فكان النهر بينهما. وفى البداية أرسل بد الله بن على قوة من جيشه بقيادة عيينة بن موسى عبرت النهر، واقتتلت مع جيش مروان بن محمد، لكنها هُزمت، فارتدت عائدة. ثم أنشأ مروان جسرًا على النهر، ليعبر عليه إلى الضفة الأخرى، ولما عبر التقى الجيشان، واستمرت المعركة بينهما تسعة أيام، اقتتلا فيها قتالاً شديداً ومات عدد كبير من الجيشين، إلا أن النصر كان حليف العباسيين، وفر جيش مروان بن محمد، ثم قطع العباسيون الجسر فغرق من جيش مروان أكثر ممن قُتل، وفر مروان إلى مصر ثم تتبعه العباسيون حتى قتلوه فى سنة (132هـ = 750 م)، وبذلك سقطت الخلافة الأموية، وقامت الخلافة العباسية.

*ديوبالبور

*ديوبالبور معركة وقعت بين غياث الدين تُغْلُق مؤسس الدولة التغلقية، وخسروشاه آخر حكام الدولة الخلجية بالهند. وكان خسروشاه قد أتى من الأعمال ما يخالف الإسلام، وقرب الهندوس منه؛ مما شجعهم على إيذاء المسلمين؛ فغضب شعبه عليه بسبب ذلك، وقرروا التخلص منه. ولما رأى تغلق ما فعله خسروشاه جمع حوله الجند وزحفوا إلى دهلى للقضاء على خسروشاه فقابلهم بجيش كبير فى ديوبالبور، واقتتل الجيشان حتى هُزِم خسروشاه، وقُتل، وبذلك انتهت الدولة الخلجية، وقامت الدولة التغلقية.

*الجسر (معركة)

*الجسر (معركة) إحدى المعارك التى دارت بين المسلمين والفرس سنة (13 هـ)، أثناء فتوحات المسلمين فى العراق (بلاد فارس آنذاك). وسميت باسم الجسر لأن المسلمين أقاموا جسرًا على «نهر الفرات» لعبور قواتهم البالغة تسعة آلاف جندى، كما سميت باسم قس الناطف. وكان جيش المسلمين بقيادة أبى عبيد بن مسعود الثقفى، فى حين كان جيش الفرس بقيادة بهمس جازويه المعروف بذى الحاجب. وفى بداية المعركة عبر أبو عبيد الجسر بجيشه، وكان عبورهم النهر خطأ عسكريًا جسيمًا وقع فيه «أبو عبيد»، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه ومنهم «المثنى بن حارثة»، الذين نبهوه إلى خطورة ذلك، وأن موقف المسلمين غربى النهر أفضل وضع لهم، وليتركوا قوات الفرس تعبر إليهم، فإذا انتصروا كان عبور النهر إلى الشرق أمرًا سهلا، وإذا انهزموا كانت الصحراء وراءهم يتراجعون فيها، ليعيدوا ترتيب أوضاعهم، لكن «أبا عبيد» لم يستجب لهم، والتقى بجيش الفرس الذى كان يتقدمه مجموعة كبيرة من الفيلة الضخمة التى أخافت خيول المسلمين وأربكت حركتهم؛ فاضطربت صفوف المسلمين، واستشهد عدد كبير منهم، ثم أمر أبو عبيد جيشه بقتل الفيلة أولاً ففعلوا ذلك، وقد أُصيب أبو عبيد بضربة شديدة أدت إلى استشهاده، فتناوب عدد من الفرسان المسلمين اللواء فاستشهدوا، ثم تسلّم المثنّى بن حارثة اللواء، فأمر المسلمين بالتراجع حتى ينظموا صفوفهم، ولكن الجسر انكسر بمقدمتهم؛ فانحصر المسلمون فى أرض المعركة فاستشهد منهم عدد كبير قتلاً وغرقًا، فى حين قتل من جيش الفرس نحو ستة آلاف مقاتل.

*البويب (معركة)

*البويب (معركة) البويب اسم نهر كان بالعراق موضع الكوفة أو مما يلى موضع الكوفة اليوم، وسميت باسمه المعركة التى دارت عليه (فى رمضان سنة 13 هـ) بين المسلمين بقيادة المثنَّى بن حارثة الشيبانى والفرس بقيادة مهران الهمذانى. وقد هُزم المسلمون فى المعركة السابقة فى حربهم مع الفرس، وهى معركة الجسر فى العام نفسه؛ مما أطمع الفرس فيهم، فى حين رغب المسلمون فى الثأر لهزيمتهم. وقد استعان المثنى قبل المعركة بقبائل العرب فى العراق، مثل قبيلتى نمر وتغلب، وكانوا من النصارى، كما أمده الخليفة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بجيش من المدينة فبلغ جيشه نحو (10) آلاف مقاتل. وعسكر جيش المسلمين على الضفة الغربية لنهر الفرات، فى حين عسكر جيش الفرس على الضفة الشرقية، وأرسل مهران إلى المثنى يسأله: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم، فأجاب المثنى: أن اعبروا أنتم. ونظم المثنى جيشه ومر بفرسه المُسمَّى الشموس على صفوف الجيش؛ يحثهم على الصمود والاستبسال. ولما عبر مهران بجيشه دارت معركة بين الطرفين حامية الوطيس، واشتد القتال، وحمل المثنى وجماعة معه على قلب جيش العدو ففرقوه، وقتلوا قائدهم مهران؛ فاضطربت صفوف جيش الفرس، وضعفت مقاومتهم، وحاولوا الهرب، فقطع المسلمون عليهم الجسر، وأعملوا فيهم سيوفهم؛ فقُتل منهم الكثير، وغرق الكثير، حتى قدر عدد قتلاهم بنحو (100) ألف قتيل، وهو رقم مبالغ فيه، ولكنه يدل على كثرة من قتل فى المعركة. وكانت هذه المعركة مقدمة لانتصار المسلمين الحاسم على الفرس فى معركة القادسية.

*الحروب الصليبية

*الحروب الصليبية هى سلسلة من الحروب شنَّها المسيحيون الأوربيون خلال القرنين (6 و 7 هـ = 12 و13م)؛ لاستعادة الأراضى المقدسة، وتُسمَّى - أيضًا - الحملات الصليبية، ويبلغ عددها تسع حملات، هى: الحملة الصليبية الأولى (1096 - 1099م): بدأت هذه الحملة بكتائب شعبية من المشاة والنساء والأطفال، قادها بطرس الناسك، إلا أنها أُبيدت على أبواب مدينة نيقية على يد السلطان قلج أرسلان. أما الحملة العسكرية الأولى فكانت تتكون من نحو (700) ألف مقاتل، وانطلقت بأربعة جيوش، واتفق القواد على أن يلتقوا فى القسطنطينية، واستولت هذه الجيوش على نيقية عاصمة السلجوقيين، ثم استولت على الرها وأنطاكية وبيت المقدس وعكا وطرابلس، وانتهت هذه الحملة سنة (1099م). الحملة الصليبية الثانية: (1147 - 1149م): دعا إليها سنت برناردلكيرفر بعد أن استولى عماد الدين زنكى على الرها، وكان عماد الدين زنكى يتزعم الدفاع عن الإسلام، ولكنه تُوفِّى قبل أن يطرد الصليبيين، وخلفه ابنه نور الدين زنكى، فقدمت الحملة الصليبية الثانية؛ لتتصدى له، ولكن هذه الحملة باءت بالفشل؛ لاحتدام الخلاف بين قادتها، ولاندحارها أمام السلجوقيين عند قونية. الحملة الصليبية الثالثة (1189 - 1192م): قادها ثلاثة من أشهر ملوك أوربا، وهم: فريدرك بربوس إمبراطور ألمانيا، وفيليب أوغست ملك فرنسا، وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا. وكان مصير هذه الحملة الفشل؛ بسبب غرق إمبراطور ألمانيا فى نهر السالف، وهو فى طريقه إلى الشرق؛ فتشتت جيشه، ثم نشب الخلاف بين ملك فرنسا وملك إنجلترا، وكان من نتائجه أن رحل ملك فرنسا راجعًا إلى بلاده، وظل ريتشارد يقاتل صلاح الدين الأيوبى راغبًا فى إعادة بيت المقدس إلى الحكم الصليبى، ولكنه عجز عن ذلك، وتم توقيع صلح الرمل سنة (1192م) بين صلاح الدين وريتشارد. الحملة الصليبية الرابعة (1203 - 1204م): وكانت موجهة أصلاً ضد مصر، وكان داعيتها

فولوك دى توبى، وقد استجاب لدعوته كثير من الإقطاعيين والأشراف بفرنسا، ولكن كراهية الأوربيين للبيزنطيين جعلتهم يعتقدون أنه لن يكون بإمكانهم مقارعة المسلمين، إلا إذا أقاموا دولة لاتينية على أنقاض الدولة البيزنطية، فاتجهت الحملة نحو القسطنطينية، واحتلتها سنة (1204م). الحملة الصليبية الخامسة (1216 - 1221م): دعا إليها البابا هونوريوس الثالث، وكان هدفها الاستيلاء على مصر، واستولى الصليبيون خلالها على دمياط، ولكنهم لم يلبثوا أن أخلوها، وانتهت الحملة بالفشل. الحملة الصليبية السادسة (1228 - 1229م): قادها فريدرك الثانى إمبراطور ألمانيا، وكان زائرًا مسالمًا؛ فتفاهم مع المسلمين، وعقد معاهدة سنة (1229م) مع الملك الكامل سلطان مصر، وكان من شروطها: التخلِّى عن الناصرة وبيت لحم والقدس للصليبيين، واستمرت هذه المعاهدة إلى أن تُوفِّى الملك الكامل سنة (1239م) وخلفه ابنه الملك الصالح الذى أعلن الحرب على الصليبيين، واحتل بيت المقدس ليعيدها إلى حوزة الإسلام سنة (1244م). الحملة الصليبية السابعة (1248 - 1251م): تولى قيادتها لويس التاسع ملك فرنسا وتمكَّن من احتلال دمياط، وفى هذا الوقت تُوفِّى الملك الصالح، وقامت بالدفاع عن مصر امرأته شجرة الدر، وفشلت حملة لويس، وأسر، ولم يُطلَق سراحه إلا بعد تعهده بمغادرة أرض مصر. الحملة الصليبية الثامنة (1270م): قادها الملك لويس التاسع أيضًا؛ فأغار على تونس، ولكن وفاته حالت دون استمرارها. الحملة الصليبية التاسعة (1271 - 1272م): قادها الأمير إدوارد الأول، وكان نصيبها الفشل أيضاً، وتمكن المماليك من طرد الصليبيين من الشرق الأدنى.

*دير الجماجم (معركة)

*دير الجماجم (معركة) كانت بين الحجاج بن يوسف الثقفى وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وكان الحجاج قد سيَّر عبد الرحمن بن الأشعث بجيش لغزو رتبيل بسجستان، فدخلها عبد الرحمن، واتفق مع قادة جيشه على إخراج الحجاج من أرض العراق، بعد أن ملك سجستان وكرمان والبصرة وفارس، ثم خرج يريد الكوفة لأن أهلها يبغضون الحجاج، وبها عشائره ومواليه؛ فقصده الحجاج بن يوسف فنزل ابن الأشعث دير الجماجم، وهو دير بظاهر الكوفة، على طريق البر إلى البصرة ونزل الحجاج بإزائه بدير قُرَّة، ووقعت الحرب بينهما، واشتدَّ القتال، ولما بلغ ذلك رءوس القبائل عرضوا على عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين أن يخلع الحجاج من العراق؛ ليحقن دماء المسلمين، فبعث عبد الملك إلى العراق محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك؛ ليعرضوا على أهل العراق عزل الحجاج مقابل حقن الدماء، فرفض أهل العراق وأبو إلاَّ القتال. وأخذ الفريقان يقتتلان حتى انتهت المعركة بهزيمة عبد الرحمن بن الأشعث فى (14من جمادى الآخرة 83 هـ = 18 من يونية 702 م) بعد مائة يوم من الحرب.

*تونديبى (موقعة)

*تونديبى (موقعة) تونديبى (أوتندى) موقعة حدثت يوم الأربعاء (16من جمادى الأولى 999 هـ = 12من مارس 1591 م)، بين جيش السلطان أحمد المنصور الذهبى (أحد سلاطين الدولة السعدية بالمغرب الأقصى التى حكمت من سنة (1057 - 1159 هـ = 1552 - 1654م) وسلطنة صنغاى (صنغى أو سنغاى). جرت أحداثها شمالى مدينة جاوً (أو كاو) فى السودان الغربى. كان لأحمد المنصور الذهبى تطلع إلى هذه المنطقة حتى قبل أن يكون سلطانًا، فلما تولى السلطنة وحدث خلاف بين المغاربة وسلطنة صنغاى حول واحة تغازة التى كان المغاربة يحصلون منها على الملح؛ انتهز فرصة خلاف وقع بين أهالى هذه الواحة وصمم على شن حملة تسيطر على الإقليم، رغم صعوبة المناخ وقلة المياه. تألفت هذه الحملة المغربية من عشرين ألف جندى، وعدد من الأسرى الإسبانيين، وقيل: ثلاثة آلاف جندى معظمهم من الإسبان الذين أسلموا، وكان الزحف عملية صعبة، حتى قيل: لم يبقَ إلا ألف جندى من أصل ثلاثة آلاف بقيادة جودر ولكنهم يتميزون بامتلاكهم الأسلحة النارية؛ مما حقق لهم النصر على جيش مملكة صنغاى، وألحقت بملكهما إسحاق الهزيمة، فقد كان جيشه يقاتل بالحراب والسهام والسيوف، فتمكن جودر من دحر أعدائه، ودخل جاو العاصمة. وقَبِل السلطان أن يحكم تحت سلطة أحمد المنصور، لكن الأخير رفض، وسير قائدًا آخر فاستند القائد الأول للجند؛ فبدأ سلطان صنغاى فى مقاومة المغاربة من الغابات، وحصل المنصور على غنائم كثيرة فى شكل أحمال جمال من التبر والذهب، وأصبح يلقب بالذهبى، وأصبح ينظر إلي المغرب على أنه مورد كبير من الذهب؛ لكن هذا الوضع كان بالنسبة إلى المغرب مؤقتًا، وقيل: تم القضاء على مملكة صنغاى سنة (1593م)، واتخذ القائد جودر تمبكتو مقرًّا له.

*ثورتا القاهرة الأولى والثانية

*ثورتا القاهرة الأولى والثانية ثورة القاهرة الأولى: أدَّتْ الضرائب والقروض الإجبارية، خاصة بعد كارثة الأسطول الفرنسى فى أبى قير، بالإضافة إلى العادات الاجتماعية (كتبرج النساء)، وما قام به نابليون من هدم بعض البيوت والمساجد لدواعى الأمن، وإعدام السيد محمد كريم، والتعرض لنفيسة هانم زوج مراد بك - وكانت ذات منزلة كبيرة فى قلوب الشعب - وفرض مبلغ من المال مصالحة. وقد أدت الضريبة التى فرضت على المنازل إلى ثورة القاهرة فى وجه نابليون. ولم تَدُمْ هذه الثورة سوى يومين، وبدأت فى يوم الأحد (11من جمادى الأولى 1213هـ = 21من أكتوبر 1798م) من الأزهر، واستعمل نابليون المدافع التى ركبت فوق جبل المقطم، وصبَّ القنابل فوق حى الأزهر والجامع ذاته. وبلغ من قتلوا ثلاثة أو أربعة آلاف، ودخلت الخيل الأزهر، وعسكرت فيه، وأعدم ثلاثة عشر من مشايخ الأزهر، واتسعت الهوة بين نابليون والشعب المصرى. وانتهت هذه الثورة فى (13من جمادى الأولى 1213هـ = 23 من أكتوبر 1798م). ثورة القاهرة الثانية: أثناء معركة عين شمس بين الجيش العثمانى والجيش الفرنسى شرع القاهريون فى ثورتهم الثانية فى (17من شوال 1214 هـ = 15 من مارس 1800 م) ودامت سبعة وثلاثين يومًا بزعامة السيد عمر مكرم الذى أصبح رمزًا لمقاومة الشعب التى لاتقهر. وفرضت الجيوش الفرنسية حصارًا حول المدينة، ومنعت عنها الأقوات، وعقد كليبر صلحًا مع مراد بك حاكم الصعيد، وشرع فى حرق القاهرة. وكان حىُّ بولاق هو نقطة البداية؛ لقيامه بدور كبير فى الثورة، ولمع فيه اسم زعيم شعبى هوالحاج مصطفى البشتيلى، ونصبت المدافع، ففتحت دخل ثغرة منها الجنود الفرنسيون، لحرق كل شىء؛ من بيوت ومخازن ومحال تجارية. وفى (25 من ذى القعدة 1214هـ = 21من أبريل 1800م) تم الاتفاق بين بقية الثوار وكليبر على جلاء الأتراك والمماليك وزعماء الثورة عن القاهرة، على أن يعلن كليبر العفو العام عن

السكان. واحتل كليبر القاهرة، وفرض غرامة حربية قدرها اثنا عشر مليونًا من الفرنكات، وعشرون ألف بندقية، وعشرة آلاف سيف، وعشرون ألف طبنجة، ثم قتل كليبر على يد سليمان الحلبى السورى.

*بانى بت (معركة)

*بانى بت (معركة) معركة نشبت بالقرب من بانى بت، إحدى المدن الهندية، بين ظهير الدين محمد بابر مؤسس الدولة المغولية التيمورية، والسلطان إبراهيم اللودى حاكم دلهى. وقد بدأت وقائع هذه المعركة باستنجاد حاكم لاهور ضد ابن عمه إبراهيم اللودى فانتهز هذه الفرصة، خاصة أنه أحد أحفاد تيمورلنك وأن للهند أهمية، وأن الدولة التيمورية تسعى إلى توطيد أركانها وتوسيع رقعتها - فسار إلى الهند باثنى عشر ألف مقاتل فقط، لكنهم كانوا مزودين بالمدافع الحديثة التى لم يعرفها حاكم دلهى الذى اعتمد على كثرة الجنود؛ إذ كانوا مائة ألف من الفرسان مزودين بالفيلة. والتقى الجيشان فى بانى بت فى (رجب 932هـ = أبريل 1526م)، ولم تنفع الكثرة أمام تنظيم بابر ومدافعه، لاسيما أن إبراهيم اللودى كان رجلاً متكاسلاً مترددًا، غير مَعْنِىٍّ بتنظيم جيشه، فدارت الدائرة عليه، وقُتِل هو وآلاف من جيشه، وفر الباقون، ودخل بابر دلهى ظافرًا؛ حيث نودى به ملكًا على الهند يوم الجمعة (رجب 932هـ = أبريل 1526م). ومما يذكر أن حاكم لاهور الذى استدعاه مستنجدًا به خانه، ولم يكن بابر رجلاً عسكريًّا فحسب، وإنما كان نابغة فى مختلف العلوم؛ فقد كان حنفيًّا مجتهدًا، وألفَّ فى علم العَروض، وفى الفقه، واخترع خطٍّا سُمِّى باسمه وكتب به مصحفًا وأهداه إلى مكة، كما كان أديبًا شاعرًا مجيدًا يقرض الشعر باللغتين التركية والفارسية، وكتب مذاكراته بنفسه، وقد طبعت فى قازان سنة (1875م)، وترجمت إلى الفارسية ومنها إلى اللغات الأوربية، لكنها لم تترجم إلى العربية.

*المدائن (فتح)

*المدائن (فتح) وقعت بين المسلمين والفرس معركة فى المدائن سنة (16هـ)، واستطاع المسلمون خلالها السيطرة على المدائن عاصمة الفرس؛ فبعد فراغ سعد بن أبى وقاص من فتح القادسية أقام شهرين، ثم كاتب عمر بن الخطاب فيما يفعل، فأمره بالسير إلى المدائن وفتحها، فقابل سعد بعض جيوش الفرس، فقاتلهم، وأقام فترة ببابل، ثم أرسل أحد قواده فاستطاع فتح المدائن الغربية ثم سار إلى المدائن الشرقية التى يوجد فيها إيوان كسرى؛ حيث عبر «سعد» نهر «دجلة» من أضيق مكان فيه بنصيحة «سلمان الفارسى» على خيولهم، فلما رأى الفرس ذلك هربوا إلى حلوان وأخذوا ما استطاعوا من متاع، ودخل سعد بن أبى وقاص إيوان كسرى وكان قبل أيام قليلة يهدد المسلمين ويتوعدهم من قصره الأبيض، مقر ملك الأكاسرة، الذى كان آية من آيات الفخامة والبهاء. وفى ذلك القصر صلى «سعد ابن أبى وقاص» صلاة الشكر لله على هذا الفتح العظيم وتلا فى خشوع قول الله تعالى: {كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}. [الدخان: 25 - 29]. وغنم المسلمون غنائم كثيرة فى فتح المدائن، منها: كنوز كسرى وتاجه وثيابه وأساوره، وأدى المسلمون الأمانات التى كانت لديهم، فقال عمر بن الخطاب عند ذلك: إن قومًا أدوا هذا لذوو أمانة. وأخذ سراقة بن مالك سوارى كسرى اللذين وعده بهما النبى. وكان سهم الفارس (12) ألف درهم. أرسل «سعد» إلى «عمر بن الخطاب» رسولا يبشره بالنصر وبما حازوه من غنائم، ويطلب منه السماح لهم بمواصلة الفتح فى بلاد فارس، لكن «عمر» رفض ذلك، وقال له: «وددت لو أن بيننا وبينهم سدًا من نار، لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، حسبنا من الأرض السواد - أى أرض العراق- إنى آثرت سلامة المسلمين على الأنفال».

*المنصورة (معركة)

*المنصورة (معركة) وقعت بين المصريين - بزعامة الأيوبيين والمماليك - والفرنجة ( الفرنسيين) بزعامة لويس التاسع فى المنصورة سنة (1250م). فبعد احتلال الفرنسيين لدمياط سنة (1249م) سعوا إلى الزحف على القاهرة، عن طريق الدلتا، خاصة بعد موت نجم الدين أيوب، واستطاعوا هزيمة الأمير فخر الدين قائد جيش الأيوبيين، وقتله قرب فارسكور؛ حيث عسكر لويس على ضفاف البحر الصغير، وظلت المناوشات بين الجيشين لمدة (6) أسابيع، استطاع خلالها لويس التاسع إقامة جسر على البحر الصغير بمساعدة بعض النصارى فى قرية سلمون، وعانى جيش لويس الحصار والأوبئة؛ لذلك عبر روبرت دى أرتوا أخو لويس بحر أشموم مع مقدمة من الجيش الصليبى، ولم ينتظر قدوم بقية الجيش الصليبى إليه، فبادر باقتحام المنصورة واستطاع المصريون بقيادة بيبرس البندقدارى قتل روبرت ومقدمة جيش الصليبيين التى وصل عددها (1500) مقاتل، وعبر لويس، واحتمى المصريون بالمنصورة، وبدءوا يشنون الغارات على الفرنسيين حتى قدم توران شاه وتولى الحكم خلفًا لأبيه، وأنشأ أسطولاً من السفن الخفيفة، نقلها إلى النيل، واستطاعت أسر مايزيد على (80) سفينة من سفن الفرنج، وتعرض الإفرنج للمجاعة والأوبئة، وفروا إلى دمياط إلا أنهم لم يدمروا الجسر الذى أقاموه، فعبره المصريون، واستطاعوا أسر لويس التاسع والجيش الصليبى حيث افتدى لويس نفسه بنصف مليون دينار.

*الحرب العالمية الأولى

*الحرب العالمية الأولى استمرت هذه الحرب أربع سنوات وخمسة عشر أسبوعًا؛ إذ بدأت سنة (1914م) وانتهت سنة (1918م)، واشترك فيها ثلاثون دولة، وجُنِّد فيها خمسة وستون مليون مقاتل، لقى مصرعه منهم ثمانية ملايين ونصف المليون، وجرح وأسر تسعة وعشرون مليونًا. وكان السبب المباشر لنشوبها اغتيال فرانسيز فرديناند ولىُّ عهد النمسا فى سراييفو فى (28 من يونيو 1914م) بيد برنشيو الصربى، وفى نهاية صيف سنة (1914م) اشتبك الحلفاء (إنجلترا وفرنسا وروسيا وبلجيكا وصربيا واليابان) فى حرب عنيفة ضد قوات التحالف المكون من (ألمانيا والنمسا والمجر والإمبراطورية العثمانية). وفى العام الأول من الحرب حققت ألمانيا انتصارات فى الجبهة الغربية؛ فاحتلت بلجيكا وتقدمت نحو باريس، أما فى الجبهة الشرقية فقد مُنيت القوات الروسية بهزائم كبيرة نجمت عن عدم فاعلية قيادتها. واستمرت الحرب على الجبهة الغربية فى عام (1915م) ولم يحقق أى الطرفين انتصارات بارزة، وفى مايو (1915م) أعلنت إيطاليا الحرب على النمسا، وفى الجبهة الشرقية استمرت هزائم روسيا أمام قوات ألمانيا، كما شهد عام (1915م) عدة معارك بحرية غير حاسمة، غير أن عمليات الغواصة الألمانية اتسعت بشكل كبير. ولم يشهد عام (1916م) تغيرات جوهرية على الجبهة الغربية باستثناء استخدام الدبابة لأول مرة إبان معركة السوم، كما استمرت عمليات الغواصة الألمانية، وقيام معركة جونلاند البحرية. وقد شهد عام (1917م) عدة تحولات مهمة، أهمها إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على ألمانيا فى (6من أبريل 1917 م)، وشهدت الجبهة الشرقية تحولاً أساسيًّا، تمثل فى الثورة الروسية فى (مارس 1917م) وتعهد النظام المؤقت الجديد بمتابعة الحرب ضد ألمانيا، واستمر البريطانيون فى تقدمهم فتمكنوا من احتلال القدس وبغداد. وفى مطلع عام (1918م) حدد الرئيس الأمريكى ويلسون برنامجًا يحتوى على (14) بندًا للسلام ضمنه

مبادئ عامة، منها حرية الملاحة فى البحار، ونزع القيود على التجارة، وتخفيض السلاح. وفى (28من يونيو 1919 م) تم توقيع معاهدة فرساى التى تضمنت تجريد ألمانيا من مستعمراتها، كما فرضت عليها دفع تعويضات بلغت (56) مليون دولار. وقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى تغيرات جذرية فى العالم؛ إذ اختفت أربع إمبراطوريات كبرى، هى: الألمانية والنمساوية والروسية والعثمانية، وظهرت عدة دول جديدة، مثل: فنلندا وبولونيا وإستونيا وليتوانيا. وخرجت فرنسا وبريطانيا بمكاسب كثيرة، وتعززت سيطرتهما الاستعمارية على مناطق واسعة من العالم.

*جالديران (معركة)

*جالديران (معركة) وهى معركة دارت بين العثمانيين والفرس فى (2من رجب 920 هـ = 23 من أغسطس 1514 م)، فى سهل جالديران، بالقرب من تبريز؛ فعرفت بهذا الاسم. فبعد إعلان السلطان العثمانى سليم الأول الحرب على الشاه إسماعيل الصفوى سار الجيش العثمانى حتى التقى مع الجيش الفارسى فى سهل جالديران. وقد نجح العثمانيون فى الانتصار على الفرس؛ بسبب استخدام العثمانيين الأسلحة الحديثة. ومن أهم النتائج التى أسفرت عنها هذه المعركة: انتقال الأناضول الشرقية والجنوبية إلى حوزة الدولة العثمانية، عدا القسم الموجود لدى المماليك، وأفول نجم الصفويين السياسى لمدة عشرين سنة، وانضمام الأمراء الأكراد السنيين إلى الدولة العثمانية، وأن الدولة العثمانية أصبحت على حدود الدولة المملوكية، خاصة بعد احتلال الرقة فى سوريا.

*حادث 31 مارس

*حادث 31 مارس ثارت حامية الآستانة - وكان عددها ثلاثين ألفًا - على مجلس المبعوثان وجماعة الاتحاد والترقى. وكان الثائرون يطالبون بإحياء الشريعة الإسلامية، وبعزل الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) وناظرى (وزيرى) الحربية والبحرية، وطرد أحمد رضا بك وحسين جاهد بك وأمثالهما من مجلس المبعوثان، وعزل محمود مختار باشا وبالعفو عنهم. وقد عقد مجلس المبعوثان اجتماعًا واستجاب لمطالب الثوار، وانتخبوا وفدًا ليبلغ السلطان قرارهم، وعين توفيق باشا صدرًا أعظم (رئيسًا للوزراء)، وأدهم باشا ناظرًا (وزيرًا) للحربية. وقد حاصر الروم الآستانة ودخلها الجيش بقيادة محمود شوكت باشا وحاصر يلديز، ودارت معركة كبيرة انتهت بتسليم حامية يلديز وأطلقت القنابل على حامية الباب العالى والنادى العسكرى، وقبض على الكثيرين، كمراد بك الداغستانى، وأعدم عدد كبير رميًا بالرصاص، وبلغ عدد القتلى (1200) قتيل، واجتمعت الجمعية العمومية؛ لتتداول فى أمر السلطان عبد الحميد الثانى وقررت عزله، وتولية السلطان رشاد مكانه.

*بنو قريظة (غزوة)

*بنو قريظة (غزوة) لما نقض بنو قريظة العهد مع المسلمين فى غزوة الأحزاب، وجاء جبريل عليه السلام، وقال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إن الملائكة لم تضع أسلحتها، قال (: لا يصلينَّ أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة. وأعطى الراية لعلى، واستخلف ابن أم مكتوم على المدينة، ووصل النبى إليهم، وقال لهم: نقضتم العهد ياإخوة القرود، أخزاكم الله، وأنزل بكم نقمته، فقالوا: ما كنت جاهلاً يامحمد، فلا تجهل علينا. وحاصرهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بضعًا وعشرين ليلة، وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد ثلاثة اختيارات ليختاروا أيها شاءوا؛ إما الإسلام، وإما قتل نسائهم وأبنائهم وقتال المسلمين، وإما إتيان المسلمين فى ليلة السبت حين طمأنينتهم فيقتلونهم قتلاً، فأبوا الإسلام والقتال، وعن الثالث قالوا: لا نتعدى فى السبت. واستشاروا أبا لُبابة، فقال لهم: نعم انزلوا على حكمه، وأشار إلى عنقه - يعنى الذبح - ثم ندم؛ لأنه علم أنه خان الله ورسوله، وربط نفسه فى سارية المسجد، ثم تاب الله عليه، ونزل ثعلبة وأسيد ابنا سَعْية، وأسد بن عبيد - نزلوا مسلمين، وخرج عمرو بن سُعْدى (القُرظى)، وقد أبى أن ينقض العهد، قائلاً: لا أغدر بمحمد أبدًا، وبات ليلة فى المسجد، ثم خرج فلم يُعْلَم أين سقط، وقال عنه (: ذلك رجل نجَّاه الله بوفائه. وحكم فى بنى قريظة سعد بن معاذ الأوسى بأن يُقتل الرجال، وتُسبى الذَّرارى والنساء وتقسم الأموال، فقال (: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، وقتل يومئذٍ حُيَىُّ بن أخطب وكعب بن أسد، وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة. وقتلت امرأة، وهى بُنانة امرأة الحكم القرظىِّ التى طرحت الرحى على خلاد بن سويد، فقتلته أثناء الحصار، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموال بنى قريظة، واستشهد بعد ذلك سعد بن معاذ، وهو الذى أتى فيه الحديث: أنه اهتز لموته عرش الرحمن، يعنى سكان العرش من الملائكة، فرحوا بقدوم روحه.

*الريدانية (موقعة)

*الريدانية (موقعة) آخر معركة دارت بين الجيش العثمانى بقيادة السلطان سليم الأول وجيش المماليك بقيادة طومان باى فى يناير (1517م). كانت دولة المماليك قد أخذت فى الضعف منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادى، فى حين كانت الدولة العثمانية تضم إليها بلدان العالم الإسلامى فى مرحلة توسعها، ونجحت سنة (1516م) فى ضم سوريا بعد هزيمة السلطان قانصوه الغورى سلطان مصر والشام فى معركة مرج دابق، ثم اتجهت إلى ضم مصر. وأرسل السلطان سليم الأول رسالة إلى طومان باى الذى خلف قانصوه الغورى فى حكم مصر، يأمره بتسليم مصر، فى مقابل الاعتراف به نائبًا عليها من قِبَل العثمانيين، ولكنه رفض وآثر الحرب. سار السلطان سليم بجيشه من غزة وسلك الطريق الساحلى الممتد على الشاطئ الشمالى لشبه جزيرة سيناء حتى وصل إلى الصالحية داخل الأراضى المصرية، ثم اتجه نحو بلبيس فى حين خرج طومان باى إلى الريدانية قرب العباسية بظاهر القاهرة، وعسكر بجيشه الذى ضم نحو (40) ألفًا من الجنود تدعمهم المدفعية والفرسان، ولكنهم غير متجانسين، ويفتقرون إلى الروح القتالية العالية. وقد امتاز جيش السلطان سليم الأول بالتفوق العددى والقيادة الحكيمة والمعنويات المرتفعة، ودارت المعركة، وفى بدايتها قام جيش طومان باى بعدة هجمات لاختراق صفوف الجيش العثمانى، لكن التفوق العددى والمناورات القتالية للعثمانيين تغلبت عليه، وانفرط عقد جيشه، وفر من حوله كثير من جنده، فهرب بمن بقى معه، وعاد إلى القاهرة لينظم باقى جنده، ويستأنف الحرب. ودارت عدة اشتباكات بينه وبين العثمانيين حتى تمكنوا من هزيمته نهائيًّا، والقبض عليه، ثم إعدامه. ومن نتائج هذه المعركة سقوط دولة المماليك، وإعلان مصر ولاية عثمانية، وانتقال الخلافة من العباسيين إلى العثمانيين؛ فكان السلطان سليم الأول أول خليفة عثمانى سنة (1517م).

*الحسين بن الحسن (ثورة)

*الحسين بن الحسن (ثورة) قام بها أحد أفراد البيت العلوى بالحجاز، وهو الحسين بن الحسن الأفطس، ضد المأمون سنة (199هـ)، وشجعه على ذلك غلبة الطالبيين على الكوفة والبصرة وكور العراق ولما رأى الحسين بن الحسن ومن معه من أهل بيته تغير معاملة الناس لهم، وبلغهم أنه قد طَرِد من الكوفة والبصرة وكور العراق ومن كان بها من الطالبيين، ورجعت الولاية فيها للعباسيين - اجتمعوا إلى محمد بن جعفر بن محمد ابن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، وكان محببًا إلى الناس، وطلبوا منه أن يبايعوه بالخلافة، فأبى، فألح عليه ابنه على والحسين بن الحسن حتى استجاب لهما فبايعه الناس بالخلافة، ثم توجه إليه إسحاق بن موسى بن عيسى والى اليمن فقاتله ببئر معونة وهزمه، فطلب محمد بن جعفر وأصحابه الأمان حتى يخرجوا من مكة فأجابهم إسحاق، وتفرق الطالبيون كل قوم فى ناحية.

*فارنا (معركة)

*فارنا (معركة) دارت عند مدينة فارنا على البحر الأسود معركة بين الجيش العثمانى وحملة صليبية كبيرة. وسببها تخلى مراد الثانى عن الحكم لولده محمد الفاتح الذى كان طفلا آنذاك، فأطمع ذلك الأوربيين وعلى رأسهم المجريون والبيزنطيون. وتشكلت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة الملك لاديلاس ظاهرًا وبقيادة هنيادى فعليًّا، ضد العثمانيين. وبعد عودة مراد الثانى إلى الحكم قاد جيشًا قوامه أربعون ألفًا، ونزل الجيش الصليبى ساحل البحر الأسود، واقترب من فارنا، ونهب المدن والكنائس الأرثوذكسية التى قابلوها فى طريقهم وبدأت الحرب بهجوم هنيادى، وترك مراد الثانىالعدوَّ يتوغل إلى عمق صفوف المسلمين، ثم أعطى الأمر لجيشه بالهجوم، ولم يدرك الملك لاديسلاس أن المسلمين قد طوقوه، وقتل العثمانيون لاديسلاس بعد قتلهم خمسين فارسًا من الحرس الملكى، كما قُتل الكاردينال جسارينى، وتمكن هنيادى من الهرب، وبلغ عدد الأسرى مابين ثمانين وتسعين ألف جندى، وأبيد الباقى، واستشهد من العثمانيين نحو مائة وخمسين، وكان عدد الجرحى كبيرًا، وأيقن الأوربيون صعوبة طرد العثمانيين من منطقة البلقان، وانفصلت بولونيا عن المجر مرة ثانية؛ لأن ديسلاس قُتل، ولم يترك وارثًا لملكه.

*الإسكندر (فتوحات)

*الإسكندر (فتوحات) هو الإسكندر الثالث بن فيليب المقدونى، ملك مقدونيا. تتلمذ لأرسطو، وقضى على الثورات التى قامت بعد موت أبيه فى المدن الإغريقية وتراقيا والليريا. وفى سنة (334 ق. م) بدأ تنفيذ مشروع محاربة الفرس الذى ورثه عن أبيه. أحرز نصرين كبيرين عند نهر جرانيكوس، فى موقعة أسوس، ثم استولى على صور وغزة فى نحو عام، ثم واصل سيره تجاه مصر حتى وصل إلى بلوزيوم بوابة مصر الشرقية، فاستسلم له حاكم مصر الفارسى، وقدم الإسكندر القرابين إلى الآلهة المصرية، وتُوّج فرعونًا فى منف، وأسس مدينة الإسكندرية وهو فى طريقه إلى معبد الوحى بسيوة. وفى سنة (331ق. م) إتجه إلى بابل والتقى بالجيش الفارسى فى معركة جاوجميلا، وأحرز نصرًا مؤزرًا على الإمبراطور الفارسى دارا الثالث الذى لقى مصرعه، ودخل الإسكندر العاصمة سوسة معلنًا بذلك سقوط الدولة الفارسية. واصل الإسكندر سيره حتى بلغ شواطئ بحر قزوين، واستولى على أفغانستان وبلاد ماوراء النهر، ثم اتجه غربًا حتى وصل إلى منطقة سمرقند الحالية، واشتبك فى أثناء رحلته مع عديد من القبائل المنتشرة فى هذه المناطق، حتى وصل إلى الهند، واستولى على بعض أقاليمها. وبعد هذه الرحلة الشاقة والمعارك الكثيرة أصاب الكلل الجيش، فتذمر جنوده وطالبوا بالعودة إلى بلادهم، وفى أثناء هذه العودة أصيب الإسكندر بالحمَّى عند بابل، ومات فجأة، سنة (323ق. م)، وهو فى سن الثالثة والثلاثين، بعد أن أسس إمبراطورية كبيرة.

*الحسين بن على بن الحسن (ثورة)

*الحسين بن على بن الحسن (ثورة) هى ثورة قام بها العلويون فى عهد الهادى بمكة والمدينة، بزعامة الحسين بن على بن الحسين بن الحسن بن على؛ بسبب سوء معاملة عامل الهادى على المدينة لهم، واتهامه لهم بشرب الخمر، وقبضه عليهم، والتشهير بهم بين أهل المدينة. وقد توجه الحسين بن علىبعد خروجه من المدينة نحو مكة، فلقيه جيش العباسيين بوادى فخ الذى يبعد عن مكة بستة أميال، وقتل الحسين بن على بعد أن أبلى بلاء حسنًا، وقتل معه بعض أهل بيته. وكانت هذه الموقعة من الشدة بحيث قيل: لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ. وقد كثر شعر الشيعة فى رثاء من قتل فى هذه المعركة.

*عمرو بن معاوية القيسى (ثورة)

*عمرو بن معاوية القيسى (ثورة) ثورة ضد دولة الأغالبة؛ نتيجة لسياسة العنف التى انتهجها زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير الأغالبة، وكان عمرو بن معاوية واليًا من قبل زيادة الله على منطقة القصرين، فأعلن العصيان سنة (208هـ=823م)، وسيطر على المنطقة، وأدخل ولديه حبابًا وسجمان فى الفتنة رغم معارضة حباب لأبيه وتخويفه إياه من عواقب الفتنه فتعرض للتنكيل من والده. ولم تطل ثورة عمرو القيسى فقد سار إليه موسى بن هارون بقوات الأغالبة، فقبلوا الاستسلام، على أن يأخذوا الأمان، وجىء بهم إلى زيادة الله الذى أمر بحبسهم فى بيت ابن عمه ووزيره الأغلب بن عبد الله المشهور باسم غلبون، إلى أن يرى فيهم رأيه، وسرعان ماراح الثلاثة ضحية القيل والقال فقد أشيع أن الأمير لم يقتصَّ منهم؛ خوفًا من عصبية بنى قيس فى مصر إبقاءً على عمه والى مصر آنذاك فقتلهم جميعًا، ولم تشفع لديه معارضة الحباب لأبيه أول الأمر، وقيل: إن ثورة الطنبذى ضد الأغالبة كانت انتقامًا لمقتل عمرو بن معاوية وولديه، إلى جانب عنف زيادة الله وفساده.

*العقر (معركة)

*العقر (معركة) وقعت سنة (102هـ=720م) فى خلافة الأمويين، بين يزيد بن المهلب وجيش الخلافة بقيادة مسلمة بن عبد الملك فى خلافة أخيه يزيد بن عبد الملك. وكان يزيد بن عبد الملك واليًا على العراق ثم خراسان ثم البصرة فى خلافة سليمان بن عبد الملك، ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة عزله وسجنه، فلما مات عمر ذهب غلمان يزيد، وأخرجوه فسار بجيش إلى البصرة، واستولى عليها، وتجهز لحرب جيش الخلافة. وأرسل يزيد بن عبد الملك جيشًا بقيادة أخيه مسلمة، والتقى الجيشان فى موضع يقال له: العقر، فى أواسط العراق، واقتتلا قتالا شديدًا، فقتل كثير من جيش يزيد بن المهلب، وفر كثير من جنده من حوله، كما قُتل فى المعركة يزيد وأخوه حبيب وبموتهما انتهى دور الأسرة المهلبية (أسرة بن المهلب) فى التاريخ الأموى.

*كينونة (معركة)

*كينونة (معركة) كينونة أو كبونة: إحدى المعارك التى دارت بين أبى عبد الله الشيعى دولة الأغالبة ببلاد المغرب سنة (292هـ=905م). وكان أبو عبد الله قد أخذ ينشر المذهب الشيعى الفاطمى، ويدعو إلى إمامة أبى عبيد الله المهدى فى المغرب قبل قيام الدولة الفاطمية، وتبعه عدد كبير من القبائل، واستولى على مناطق تابعة للأغالبة؛ مما أوقع الصدام بينهما، وانتصر جيش أبى عبد الله على الأغالبة فى أكثر من معركة، أشهرها معركة كينونة؛ حيث التقى جيش أبى عبد الله الشيعى مع جيش زيادة الله الأغلبى الذى بلغ نحو (40) ألف رجل مابين فارس وراجل، وعهد بقيادته إلى إبراهيم بن حبش، وتقدم إلى مقر أبى عبد الله فى بلدة إجانه أو إيكحان، ونزل فى موضع يسمى كبونة أو كينونة بالجزائر، ودارت بينهما معركة شديدة مُنى فيها جيش الأغالبة بهزيمة ساحقة.

*ميسرة المضفرى (ثورة)

*ميسرة المضفرى (ثورة) إحدى ثورات الخوارج ببلاد المغرب على الخلافة الأموية. قام بها ميسرة المضفرى؛ نسبة إلى قبيلة مضفر إحدى القبائل البترية بالمغرب، ويلقب بالفقير والحقير، وكان فى بداية حياته يعمل سقاءً يبيع الماء فى سوق القيروان حتى عرف مبادئ الخوارج ومطالبهم فتحمس لها خاصة فرقة الصفرية، ولما عاد إلى موطنه نشر هذا المذهب بين أفراد قبيلته الذين بايعوه إمامًا لهم، ثم انضمت إليه قبائل أخرى، مثل: غمارة ومكناسة وبرغواطة؛ فأعلن ثورته على الخلافة، ونجح فى الاستيلاء على طنجة بعد هزيمة عاملها، وحاولت الخلافة القضاء عليه، فأرسلت إليه قواتها أكثر من مرة لمحاربته لكنها فشلت فى القضاء عليه حتى كانت نهايته فى إحدى المعارك بالقرب من وادى شلف قرب تلمسان، انتصر فيها جيش الخلافة على جيش ميسرة، وانتهى الأمر بقتله سنة (123هـ) على أيدى أتباعه الذين اتهموه بالفرار من المعركة.

*حادث القنبلة

*حادث القنبلة كون الثوار الأرمن جمعيات إرهابية ضد المسلمين من رعايا الدولة العثمانية، داخل أراضى الدولة العثمانية وخارجها، وأحدثوا اضطرابات دامية، وذلك بتنظيم ماسونى مع جمعية الطاشناق الأرمنية وبتشجيع من كال إدوارد السابع ملك بريطانيا الماسونى الذى قدم إليهم (23) ألف ليرة ذهبية؛ لقتل السلطان عبد الحميد الثانى فكان هذا الحادث الذى اشتهر بحادث القنبلة، وكلف فيه يهود سويسرا إدوارد جورج اليهودى الفرنسى الجنسية بالتعاون مع الطاشناق؛ لادخال عربة إلى إستانبول فوصلت إلى إستانبول قطعةً قطعةً، وتم تركيبها لتكون قنبلة جحيم تنفجر فى الوقت الذى يخرج فيه السلطان عبد الحميد من مسجد محمد الفاتح بعد صلاة الجمعة، فانفجرت، ولم يتم لهم ماأرادوا، ووقع اشتباك مع رجال الحرس السلطانى والشرطة، فلقى عشرون منهم مصرعهم، وقبض على المنفذين الأرمن بالباب العالى، فتدخل السفير لحمياتهم بحجة الامتيازات الأجنبية، وتم له ماأراد. ولم يكن حادث القنبلة المحاولة الوحيدة للأرمن لاغتيال السلطان عبد الحميد.

*القصر الكبير (معركة)

*القصر الكبير (معركة) وقعت فى (4 من أغسطس 1578م) فى مدينة القصر الكبير غرب إقليم الريف بالمغرب العربى، بين البرتغاليين بقيادة ملكهم سيباسيتان والسلطان أحمد المنصورالذهبى أحد سلاطين دولة الأشراف السعديين بالمغرب الأقصى. وكان ملك البرتغال قد قام- بإيعاز من رجال الدين الجزويت بالبرتغال - بإعداد حملة لغزو بلاد المغرب، فعبر بجيشه إلى المغرب، ودارت بين الطرفين معركة شديدة انتهت بهزيمة الجيش البرتغالى وقتل الملك.

*فخ (معركة)

*فخ (معركة) اسم وادٍ فى الطريق بين مكة والمدينة، يبعد عن مكة بستة أميال. وقعت به معركة سنة (169 هـ) فى خلافة موسى الهادى، أحد خلفاء بنى العباس، بين العلويين بقيادة الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن ابى طالب وجيش الخلافة العباسية. وكان الحسين قد خرج هو وأتباعه العلويون فى المدينة على عاملها، ودعا إلى نفسه، واجتمع حوله الشيعة والعلويون، وقصدوا دار الامارة واقتحموا السجون وأخرجوا من كان بها. وأقام الحسين بدار الإمارة (11) يومًا بعد بيعته، ثم خرج منها قاصدًا مكة، وفى الطريق قابله جيش الخلافة العباسية، ودارت معركة بينهما بفخ، قُتل فيها الحسين وبعض أمراء بيته.

*يوسف بن إبراهيم البرم (ثورة)

*يوسف بن إبراهيم البَرْم (ثورة) هو يوسف بن إبراهيم المعروف بيوسف الَبَرْم. أحد ثوار خراسان، خرج على الخليفة العباسى محمد المهدى بعد أن جمع الناس حوله، واستولى على عدة مدن فى خراسان ومروالروذ والطالقان، فأرسل إليه المهدى جيشًا بقيادة يزيد ابن مزيد الشيبانى؛ حيث اقتتلا، واستطاع يزيد أن يأسره، وأرسله إلى المهدى الذى قتله.

*النهروان (معركة)

*النهروان (معركة) وقعت بين على بن أبى طالب، رضى الله عنه، والخوارج الذين رفضوا التحكيم مع معاوية بن أبى سفيان، عند النهروان الواقعة بين بغداد وواسط. وكان الخوارج بقيادة عبد الله بن وهب الراسبى قد طالبوا على بن أبى طالب بأن يعلن كفره، ويدخل الإسلام من جديد، واستباحوا دماء المسلمين، واعتدوا على أعراضهم وأملاكهم، ولم تنجح محاولات على فى ردهم عن القتال، فاستعد الطرفان للقتال. وانصرف عن الخوارج كثير من الجيش بعد ما أعلن لهم على الأمان. ودارت المعركة، وقتل فيها رءوس الخوارج، وقتل من جيش على (7) أفراد، إلا أن الخوارج قاموا بعد ذلك باغتيال الإمام على.

*الولجة

*الولجة بعد هزيمة الفرس فى معركة المذار فى جنوب العراق أرسل أردشير ملك الفرس جيشًا، لقتال المسلمين بقيادة الأندرزغر واستعان بالعرب، ولما علم خالد بن الوليد بنبأ هذا الجيش سار بجيش المسلمين لحربهم فى منطقة الولجة جنوب العراق واقتتل الطرفان قتالا شديدًا، ولما خرج الكمين الذى أعده مسبقًا خالد ابن الوليد ساد الذعر فى صفوف الفرس، حتى إن الرجل لم ير مَقتل صاحبه، ومات قائد الفرس عطشًا، وقتل خالد بن الوليد رجلاً كانت الفرس تعده بألف رجل، وغنم المسلمون فى هذه المعركة غنائم كثيرة.

*بنو المصطلق (غزوة)

*بنو المصطلق (غزوة) وقعت سنة (6هـ)، وقيل: سنة (5هـ)، وتسمى المريسيع، وهو ماء قريب من المدينة المنورة، حيث غزا النبى e بنى المصطلق الذين كانوا يعدون العدة لقتال المسلمين، بعدما علم النبى e بذلك، وخرج إليهم فى (700) من أصحابه فهاجمهم على ماء المريسيع وهم غافلون، وقتل المسلمون منهم (10)، واسروا الباقين، ولم يقتل من المسلمين إلا هشام بن صبابة الذى قتله أحد المسلمين خطأ. وغنم المسلمون فى هذه الغزوة غنائم كثيرة بلغت ألفى بعير وخمسة آلاف شاة وكثيرًا من السبايا والأسرى، ومن بينهم السيدة جويرية بنت الحارث، رضى الله عنها، التى تزوجها النبى e، بعد أن أعتقها. وأعتق المسلمون أسرى بنى المصطلق؛ إكرامًا لأصهار النبى e. فأسلم بنو المصطلق جميعًا. وكان شعار المسلمين فى هذه الغزوة يامنصور أمت أمت، ووقعت فى هذه الغزوة عدة أحداث مهمة، مثل: الفتنة التى كاد المنافقون يشعلونها بين الأنصار والمهاجرين، وقول زعيم المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وحادثة الإفك التى أشاعها المنافقون حول السيدة عائشة، رضى الله عنها. فبرأها الله - تعالى - فى صدر سورة النور.

*المذار (معركة)

*المذار (معركة) وقعت فى البصرة سنة (12هـ) بين المسلمين والفرس، ويقال لها الثنى؛ حيث التقت جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، رضى الله عنه، مع قائد الفرس قارن بن قريانس الذى أرسله كسرى مددًا لهرمز بعد هزيمته فى ذات السلاسل فعسكر قارن بالمذار بالقرب من واسط، وجمع فلول الفرس الهاربة، واتفقوا على قتال المسلمين. وعندما علم خالد بن الوليد بذلك خرج إليهم فى المذار، وقاتلهم، وقتل منهم ثلاثين ألفًا، من بينهم قارن، وأقام خالد فى المذار عدة أيام ينظم الجيش ويوزع الغنائم. وممن أسر فى هذه المعركة حبيب أبو الحسن البصرى.

*الفجار (حرب)

*الفجار (حرب) نشبت بعد عام الفيل، بين قريش ومن معها من كنانة وقيس عيلان، وسميت بالفجار؛ لأن القتال حدث فى الأشهر الحرم. وسببها أن عروة الرحال بن عتبة أجاز تجارة للنعمان بن المنذر، فقال البراض بن قيس: أتجيزها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق. فخرج فيها عروة وخرج البراض يطلب غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذى طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام، فأتى آتٍ قريشًا فقال: إن البراض قد قتل عروة بعكاظ وهو فى الشهر الحرام، فارتحلوا، وهوازن لاتشعر بهم، ثم بلغهم الخبر، فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل، فدخلوا الحرم، فأمسكت هوازن عنهم، ثم التقوا بعد هذا اليوم أيامًا. وقد شاركهم رسول الله فى بعض أيامهم؛ إذ أخرجه أعمامه معهم، وكان عمره خمس عشرة سنة. وفى هذه الحرب قال رسول الله كنت أُنبَل على أعمامى، أى: أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.

*دومة الجندل (غزوة)

*دومة الجندل (غزوة) بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن جمعًا من الأعراب بدومة الجندل يقطعون الطريق على مَنْ مرَّ بهم، وأنهم يريدون غزو المدينة، فخرج إليهم فى ألف من أصحابه فى ربيع الأول سنة (5 هـ)، وولى على المدينة سباع بن عرفطة، فلما بلغهم الخبر تفرقوا، ثم نزل المسلمون ساحتهم فلم يلقوا أحدًا، فغنموا ماشيتهم وأغنامهم، وصالح النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو عائد عيينة بن حصن الفزارى، وأقطعه أرضًا؛ لأن أرضه كانت قد أجدبت.

*ذى قرد (الغابة) (غزوة)

*ذى قرد (الغابة) (غزوة) بعد غزوة بنى لحيان فى جمادى الأولى سنة (5 هـ) أغار عيينة بن حصن فى أربعين راكبًا على لقاح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستلبها من راعيها، فبلغ سلمة بن الأكوع - أحد رماة الأنصار - رسول الله (بذلك، وكان سلمة عدَّاءً فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج فى أثرهم؛ ليشغلهم بالنبال والكر والفر، حتى يدركهم المسلمون، ففعل، واستنقذ وحده أكثر ما فى أيديهم من أموال المسلمين، فلما أدرك المسلمون أواخر العدو حصلت بينهم مناوشات قُتل فيها مسلم ومشركان، واستنقذ المسلمون أغلب اللقاح، وهرب المشركون.

*بنى لحيان (غزوة)

*بنى لِحيان (غزوة) قصد النبى - صلى الله عليه وسلم - بنى لحيان، يطلب ثأر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وأصحابهما المقتولين بالرَّجيع، وكان فى مائتى راكب، وسار حتى نزل عُسفان وبعث بعثًا، بلغ كُراع الغميم جنوبى عُسفان فى الطريق إلى مكة، حتى تسمع قريش بتلك الغزوة، فرجعوا ولم يلقوا أحدًا، ورجع (إلى المدينة. وكان ذلك فى جمادى الأولى سنة (5 هـ).

*ذات الرقاع (غزوة)

*ذات الرقاع (غزوة) بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن قبائل من نجد تتهيأ لغزو المسلمين؛ فخرج لهم فى سبعمائة مقاتل، وساروا حتى وصلوا ديار القوم فلم يجدوا أحدًا غير نسوة، فأخذهن المسلمون، فبلغ الخبر رجالهن؛ فتفرقوا فى رءوس الجبال، ثم اجتمع جمع منهم، وجاءوا للحرب، فلما صلى المسلمون صلاة الخوف - وكان ذلك أول مشروعيتها - تفرقوا وفروا؛ لما رأوا من حذر المسلمين. وسميت هذه الغزوة ذات الرقاع؛ لأن أقدام الصحابة - رضى الله عنهم - نقبت فلفوا عليها رقاعًا من قماش. واختلف فى زمن وقوع هذه الغزوة، ودارت الآراء بين سنوات (4 هـ)، و (5 هـ)، و (7 هـ).

*بنى النضير (غزوة)

*بنى النضير (غزوة) همَّ بنو النضير بإلقاء حجر على النبى - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس إلى جدار عندهم؛ ليقتلوه؛ فأوحى الله - تعالى - بذلك إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقام وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم، فحاصرهم ست ليال، وقال لهم المنافقون: إنا معكم؛ فاغتروا بذلك، فلما بدأ القتال خذلوهم وأسلموهم فسأل بنو النضير النبى أن يوافق على إجلائهم، والكف عن قتلهم، على أن يكون لهم ما حملت الإبل من ممتلكاتهم إلا السلاح، فأعطوا ذلك، وذهبوا إلى خيبر، ومنهم من ذهب إلى الشام، ولم يُسلم منهم إلا أبا سعد بن وهب، ويامين بن عمير بن كعب. وفى خبر إجلائهم نزلت سورة الحشر.

*وادى القرى (غزوة)

*وادى القُرَى (غزوة) فى سنة (7هـ) بعد غزوة خيبر انصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى وادى القرى فدعا سكانها من اليهود إلى الاستسلام، فأبوا وقاتلوا المسلمين فأصاب المسلمون منهم أحد عشر رجلاً، وغنموا منهم مغانم كثيرة، وتم الفتح الإسلامى، وترك لليهود الأرض فى مقابل دفع نصف ما يخرجون منها.

*حمراء الأسد (غزوة)

*حمراء الأسد (غزوة) بعد غزوة أحد وفى (16 من شوال 3هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى طلب العدو، وعهد ألا يخرج معه إلا من شهد أُحدًا، فخرجوا وقد أصابهم قدر من الجهد والجراح. وكانت قريش قد همَّت أن تُغير على المدينة فلما سمعت بخروج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فر رجالها إلى مكة؛ فنزل المسلمون حمراء الأسد (على بعد 8 أميال من المدينة) فأقاموا بها ثلاثة أيام، ثم رجعوا. وقد ظفر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمعاوية بن المغيرة بن العاص فأمر بقتله.

*بدر الثالثة (غزوة)

*بدر الثالثة (غزوة) بعد انتهاء غزوة أحد قال أبو سفيان بن حرب للمسلمين: موعدنا بدر من العام المقبل. فأجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، فلما جاء الميعاد فى شعبان سنة (4هـ). كانت قريش مجدبة؛ فلم يتمكن أبو سفيان من الوفاء بوعده، فأرسل نعيم بن مسعود يخذل السلمين عن الخروج، فيكون الخلف منهم فإذا خرج هو لم يجد أحدًا عند الخروج؛ فقال نعيم للمسلمين: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فلم يلتفتِ المسلمون لهذا الإرجاف، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس (1500) من أصحابه، رضى الله عنهم، حتى أتوا بدرًا، فلم يجدوا بها أحدًا؛ لأن أبا سفيان خرج وعاد من مسيرة ليلة؛ ظنًا منه أن إرجاف نُعَيم قد أفاد، ولكن المسلمين خرجوا، وأقاموا ببدر، وكان موسم تجارة {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}.

*بنى قينقاع (غزوة)

*بنى قينقاع (غزوة) حدثت فى (15 من شوال سنة 2 هـ)؛ إذ نقض بنو قينقاع عهدهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا له بعد غزوة بدر الكبرى: يا محمد لا يغرنك من نفسك أن نِلْتَ من قومك ما نِلْتَ؛ فإنه لا علم لهم بالحرب، أما والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا ليس كحربهم، و'إنا لنحن الناس، وانتهكوا حرمة سيدة من الأنصار، فتبرأ عبادة بن الصامت (أحد رؤساء الخزرج) من حلفهم. ولما ظهرت العداوة من بنى قينقاع، استخلف النبى - صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا لبابة الأنصارى، وحاصرهم (15) يومًا؛ فطلبوا الخروج مقابل أموالهم، فَقَبِلَ النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وأمهلهم ثلاث ليالٍ، ووكل بجلائهم عبادة بن الصامت، فذهبوا'إلى أذرعات من بلاد الشام، ولم يمر عليهم العام حتى هلكوا.

*بحران (غزوة)

*بحران (غزوة) بلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - أن جمعًا من بنى سليم يريدون أن يغيروا على المدينة؛ فسار إليهم فى (300) من أصحابه، رضى الله عنه، وذلك فى (جمادى الأولى سنة 3 هـ)، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. فلما وصل إلى بحران تفرق بنو سليم، ولم يلقَ حربًا؛ فرجع إلى المدينة.

*ذى أمر (غطفان) (غزوة)

*ذى أَمَرّ (غطفان) (غزوة) فى مطلع العام الثالث الهجرى بلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن غطفان تجمعوا؛ بقصد الإغارة على المدينة؛ فخرج إليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى (450) من أصحابه، رضى الله عنهم، بعد أن استخلف على المدينة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، فلما سمع الغطفانيون بسير الرسول هربوا إلى رءوس الجبال، فعسكر المسلمون عند ماء يسمى ذا أَمَرّ، ثم انصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يلق حربًا.

*السويق (غزوة)

*السويق (غزوة) حلف أبو سفيان أن يغزوا الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم يحضر غزوة بدر فخرج فى (200) راكب حتى أتى العُرَيض فى طرف المدينة، فحرق بعض نخيلها وقتل رجلاً من الأنصار وحليفًا له ثم كرَّ راجعًا؛ فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى أثرهم فى (200) من أصحابه، رضى الله عنهم، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، ولكن الكفار طرحوا كثيرًا من أزوادهم من السويق؛ ليتخففوا فيسرعوا فى الهرب، فأخذها المسلمون؛ فسميت هذه الغزوة بغزوة السويق، وكان ذلك فى (ذى الحجة سنة 2هـ) بعد بدر بنحو شهرين.

*بنى سليم (غزوة)

*بنى سليم (غزوة) بعد سبعة أيام من انتهاء غزوة بدر الكبرى سنة (2 هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - يريد بنى سليم، واستخلف على المدينة سِباع بن عرفطة الغِفارى، ثم سار حتى بلغ ماء يقال له: الكُدْر، فأقام عنده ثلاثة أيام، ثم انصرف ولم يلقَ حربًا.

*بدر الأولى (سفوان) (غزوة)

*بدر الأولى (سفوان) (غزوة) بعد غزوة العشيرة التى كانت فى (جمادى الأولى سنة 2 هـ) لم يقم البنى - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إلا نحو عشر ليالٍ حتى أغار كُرُز بن جابر الفهرى القرشى على إبل المدينة وغنمها؛ فخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى طلبه حتى بلغ وادى سفوان ناحية بدر لكن كُرزًا هرب؛ فرجع النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.

*العشيرة (غزوة)

*العشيرة (غزوة) فى (جمادى الاولى سنة 2 هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن استخلف على المدينة أبا سلمى بن عبد الأسد المخزومى ليعترض عيرًا عظيمة لقريش، جمعوا فيها أموالهم وكان يرأسها أبو سفيان بن حرب، فلما بلغ الجيش الإسلامى الذى كان قوامه (150) من المهاجرين ذا العشيرة وجد العير قد مضت. وحالف النبى فى هذه الغزوة بنى مدلج وحلفاءهم، ثم رجع إلى المدينة ينتظر العير حينما ترجع من الشام، ولما رجعت حدثت غزوة بدر الكبرى.

*بواط (غزوة)

*بواط (غزوة) فى (ربيع الآخر سنة 2 هـ) خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن استخلف على المدينة السائب بن مظعون؛ ليعترض عيرًا لقريش راجعة من الشام، فسار حتى بلغ بواط فوجد العير قد فاتته، فرجع ولم يلقَ حربًا.

*الأبواء (ودان) (غزوة)

*الأبواء (ودَّان) (غزوة) كانت فى (صفر سنة 2 هـ) وهى أول غزوة غزاها النبى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه؛ إذ خرج بعد أن استخلف على المدينة سعد بن عبادة؛ ليعترض عيرًا لقريش، فسار حتى بلغ ودَّان (قرية من نواحى الفرع على الطريق إلى مكة)، فلم يلقَ حربًا؛ لأن العير كانت قد سبقته، وعقد صلحًا مع بنى ضمرة على أن لا يغزوه ولا يغزوهم، ولا يكثِّروا عليه جمعًا ولا يعينوا عدوًّا، وأنهم آمنون على أنفسهم، ولهم النصر على مَنْ اعتدى عليهم، وعليهم النصرة إذا دعوا، ثم رجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة.

ملحق: الدول والممالك

*الدولة الطولونية تنسب هذه الدولة إلى مؤسسها «طولون»، الذى ينحدر من أسرة كان موطنها «بخارى» ببلاد «التركستان»، وفى سنة (200هـ) وصل «طولون» إلى «بغداد» إبان خلافة «المأمون» (198 - 218هـ)، فأهدى بعض الرجال إلى الخليفة «المأمون»، الذى رأى فيه اتزانًا فى الفكر وبسطة فى الجسم، فجعله رئيسًا لحرسه الخاص، فعلا نجم طولون فى الدولة، ومهَّد لنفسه ولأسرته طريق السيادة والسلطة فيها. وكان من عادة الخلفاء أن يعينوا ولاة للأقاليم الخاضعة لسلطانهم، وكان هؤلاء الولاة يعينون من ينوب عنهم فى حكم هذه الولايات؛ رغبة منهم فى البقاء بالعاصمة؛ أملا فى الحصول على منصب أعلى وخوفًا من المؤامرات. وكانت «مصر» - آنذاك - تحت ولاية القائد التركى «باكباك» الذى أناب «أحمد بن طولون» عنه فى حكم «مصر»، لما رآه من شجاعته وإقدامه، وأمده بجيش كبير دخل به «أحمد بن طولون» «مصر» فى (23 من رمضان سنة 254هـ). فلما تُوفى «باكباك» تولى مكانه القائد التركى «بارجوخ»، فعهد إلى «أحمد بن طولون» بولاية «مصر» كلها، فلما آل الأمر إلى «ابن طولون» فى حكم «مصر» واجهته المصاعب والعقبات، وأشعل أصحاب المصالح فى «مصر» الثورات حتى لا يتمكن «ابن طولون» من تنفيذ إصلاحاته التى عزم عليها، ولكن «ابن طولون» تمكن من القضاء على كل العقبات والصعوبات واحدة تلو الأخرى بكياسة وحزم، كما أخمد الثورات فى كل مكان. بعد وفاة «أحمد بن طولون» خلفه ابنه «خمارويه»، فعمل على تذليل العقبات التى واجهته كى تتوطد أركان دولته، وزوج ابنته «أسماء» المعروفة بقطر الندى من الخليفة العباسى «المعتضد»، وقام «خمارويه» بتجهيز ابنته، وغالى فى ذلك، مما أدى إلى إفلاس مالية البلاد. وظل واليًا على «مصر» والشام والجزيرة حتى وفاته سنة (282هـ). وبعد وفاة «خمارويه» سنة (282هـ)، بدأت الدولة الطولونية فى الانحلال، فتولَّى زمامها طائفة من أفراد البيت الطولونى، وكانت تنقصهم الحنكة

السياسية، وهم: «أبو العساكر جيش بن خمارويه» (282 - 284هـ)، الذى خلعه الجند، فتولَّى من بعده أخوه «أبو موسى هارون بن خمارويه» (284 - 292هـ)، وهو فى الرابعة عشرة من عمره، فازدادت البلاد ضعفًا حتى مات، فتولى بعده عمه «شيبان»، إلا أن الجند رفضوا تعيينه، وكان ذلك إيذانًا بزوال الدولة الطولونية، وعودة «مصر» والشام والجزيرة إلى ولايات تابعة مباشرة للخلفاء العباسيين، بعد أن استقلت منذ عهد «أحمد بن طولون» كان «أحمد بن طولون» مثلا عاليًا للحاكم العادل والوالى المصلح، وكان عهده عهد سلام شامل، ورخاء تام، وفنون وآداب عالية المستوى، وخلَّف «ابن طولون» آثارًا رائعة بقى منها جامعه الذى مازال معروفًا باسمه حتى الآن. ومن مظاهر الحضارة فى عهد الدولة الطولونية: أ - إنشاء القطائع: أقام «أحمد بن طولون» عاصمة خاصة به شمالى مدينة «الفسطاط»، وبناها على نظام مدينة «سامراء» عاصمة الخلافة العباسية، وبنى بها مستشفى عظيمًا، وقسم المدينة وجعل لكل من كبار رجاله وقواده وغلمانه قطيعة خاصة به، وكذلك فعل مع أرباب الحرف والصناعات والتجار، فسُميت المدينة «بالقطائع»؛ وهى ثالث عواصم «مصر» بعد «الفسطاط» و «العسكر». ب - جامع ابن طولون: هو أحد مآثر الدولة الطولونية، فلايزال شاهد صدق على عظمة هذه الدولة، ويقع بجهة «الصليبة» و «قلعة الكبش»، ويُعد أقدم بناء إسلامى بقى على أصله حتى اليوم، والناظر إليه يرى مدى ما وصلت إليه الفنون والعمارة الإسلامية من ازدهار، وتُعدُّ مئذنته من أقدم المآذن التى لاتزال قائمة حتى اليوم. ج - الجانب الاقتصادى: بلغت عناية الطولونيين بالناحية الاقتصادية مبلغًا عظيمًا، ليضمنوا لبلادهم الرخاء والاستقلال، خاصة بعد اتساع رقعة دولتهم وانضمام الشام إلى «مصر» تحت إمرتهم، فشجعوا الصناعات وعملوا على ازدهارها، كصناعة النسيج التى كانت أهم الصناعات فى هذا العهد، وأقاموا

مصانع للأسلحة، وتقدمت صناعة ورق البردى وصناعة الصابون والسكر والخزف فى عهدهم، وظلت التجارة رائجة، ونشطت فى «مصر» و «الشام» وذلك لموقعهما الفريد المتحكم فى طرق التجارة، فأصبحتا حلقة اتصال بين تجارة الشرق والغرب، إلى جانب ما كانتا تحصِّلانه من ضرائب جمركية على البضائع التى تمر بهما. كما اهتم الطولونيون بالزراعة، واعتنوا بتطهير «نهر النيل»، وأقاموا الجسور، وشقوا الترع، وشجع «أحمد بن طولون» الفلاحين على امتلاك الأراضى، وخصص لذلك ديوانًا أسماه: «ديوان الأملاك»، كما قلل من الضرائب، وأصلح «مقياس الروضة»، وأنشأ القناطر، وحفر الآبار فى الصحراء حين علم بما يعانيه الناس فى هذه المناطق فى الحصول على الماء، فتقدمت الزراعة فى عهده ونشطت، كما تقدمت الصناعة والتجارة، وبلغت مالية «مصر» و «الشام» فى عهده مبلغًا عظيمًا، فكثرت الإنشاءات العظيمة، مثل «الحصن المنيع» الذى بناه «أحمد بن طولون»، ليكون مأوى له إذا ما حاق به خطر، وقد تكلفت هذه المشروعات العظيمة أموالا طائلة، تدل على تحسن الأحوال المالية والاقتصادية فى هذا العهد، وعاش الناس فى رخاء وسعة. د - الناحية الاجتماعية: يبدو أن الأتراك قد حظوا بمكانة عظيمة فى عهد الطولونيين، وشاركهم فى ذلك طبقة الأشراف؛ التى نالت احترام الشعب والأمراء، وإلى جانبهم كانت تعيش طبقة الأغنياء من كبار التجار وكبار الملاك. أما عامة الشعب فقد تحسنت أحوالهم نتيجة استقرار الأوضاع، واهتمام الحاكم بشئونهم، وحرصه على إقامة العدل بينهم؛ لدرجة أن «أحمد ابن طولون» تولَّى القضاء بنفسه فى فترة من الفترات، وعامل أهل الذمة معاملة كريمة طيبة، جعلتهم يقبلون على أعمالهم بشغف واطمئنان. واهتم الطولونيون بإحياء الأعياد الإسلامية كعيدى «الفطر» و «الأضحى»، كما اهتموا أيضًا بإحياء الأعياد المسيحية كعيد الميلاد، وكانت ألعاب الفروسية التى أولاها

الطولونيون عنايتهم من أهم مظاهر الترفيه فى هذه الأعياد.

*الدولة الإخشيدية

*الدولة الإخشيدية تنسب هذه الدولة لمحمد بن طغج بن جق الإخشيدى (طغج معناها فى التركية: عبدالرحمن)، أحد أبناء ملوك «فرغانة» ببلاد «ما وراء النهر»، وكان الملوك فى هذه البلاد يتخذون من لفظة «الإخشيد» لقبًا لهم، فأطلق هذا اللقب على «محمد بن طغج»، وتسمت به دولته، وعُرفَت باسم «الدولة الإخشيدية». اتصل «جق» جد «الإخشيد» بالخلفاء العباسيين، أما «طغج» والده؛ فقد كان على درجة عظيمة من الثراء وسعة العيش، واتصل بخدمة الطولونيين فى عهد «خمارويه»؛ الذى ولاه على «دمشق» و «طبرية»، فلما سقطت الدولة الطولونية، تولَّى «محمد ابن طغج» ولاية «دمشق»، ثم أُضيفت إليه ولاية «مصر»، ولكنه أناب عنه من يحكمها، ولم يغادر «دمشق»، ولكن محاولات الفاطميين للسيطرة على «مصر» جعلت الخليفة العباسى «الراضى» يطلب من «ابن طغج» أن يقوم بنفسه على حكم «مصر» والشام، حتى يُوقِف الزحف الفاطمى، ويعيد الاستقرار والأمان إلى الولايتين. جاء «محمد بن طغج» سنة (323هـ)، وبدأ يؤسس دعائم دولته الكبرى بها، وضُمت إلىه «الحجاز» - التى ظلت مرتبطة بمصر عدة قرون بعد ذلك - كما حصل من الخليفة سنة (323هـ) على حق توريث حكم البلاد التى تحت يده لأسرته من بعده، فأصبحت هذه الولايات فى عداد الدول المستقلة. بذل «محمد بن طغج» جهودًا كبيرة فى إعادة الاستقرار والأمان إلى بلاده، واستطاع بكفاءته وذكائه أن يتغلب على العواقب التى صادفته كافة، وأخذت «مصر» والشام و «الحجاز» تستعيد مكانتها ثانية، بعد أن استطاع «ابن طغج» رد الفاطميين وإيقاف زحفهم على «مصر»، فحاول الفاطميون استمالته إلى جانبهم، ولكنه رفض، وظل وفيا للخلافة العباسية، واستطاع فى مدة قصيرة أن يبسط سلطانه على «مصر» والشام، وأعاد إليهما النظام، وعرف كيف يسوس الناس فيهما، فعاش حياته عزيزًا كريمًا. فلما شعر بدنو أجله عهد إلى ابنه «أبى القاسم أنوجور»

بالحكم من بعده، وجعل «كافورًا» وصيا عليه لأن «أنوجور» كان فى ذلك الوقت صغيرًا، ومات الإخشيد بدمشق سنة (334هـ = 946م (. وعندما تولَّى «أنوجور» ابن محمد بن طغج حكم «مصر» سنة (334هـ) كان لايزال طفلا صغيرًا لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقام «كافور» بتدبير أموره وأمور الدولة، وبقيت علاقتهما - كما كانت - علاقة الأستاذ بتلميذه، وأصبح «كافور» صاحب السلطان المطلق فى إدارة الدولة الإخشيدية، واستطاع التغلب على المشاكل التى قابلت الدولة فى مستهل ولاية «أنوجور»، وتمكن من القبض على زمام الأمور بيده، وخاطبه الناس بالأستاذ، وذُكِرَ اسمه فى الخطبة، ودُعى له على المنابر فى «مصر» والبلاد التابعة لها، كما عامل رؤساء الجند وكبار الموظفين معاملة حسنة، فاكتسب محبتهم واحترامهم، فلما كبر «أنوجور» شعر بحرمانه من سلطته، فظهرت الوحشة بينه وبين أستاذه «كافور»، وحاول البعض أن يوقع بينهما، وطلبوا من «أنوجور» أن يقوم بمحاربة «كافور»، فلما علمت أم «أنوجور» بذلك خافت عليه، وعملت على الصلح بينه وبين «كافور»، وما لبث «أنوجور» أن مات سنة (349هـ). كان ولى عهد «أنوجور» فى الحكم ولدًا صغيرًا هو «أحمد بن أبى الحسن على»، فحال «كافور» دون توليته بحجة صغر سنه، واستصدر كتابًا من الخليفة العباسى يقره فيه على توليته «مصر» سنة (355هـ) بدلا من هذا الطفل الصغير، فتولى «كافور» «مصر» وما يليها من البلاد ولم يغير لقبه «الأستاذ»، ودُعِى له على المنابر بعد الخليفة. مات كافور سنة (357هـ)، فاختار الجند - بعد وفاته - «أبا الفوارس أحمد بن على بن الإخشيد» واليًا على «مصر» وما حولها، وكان طفلا لم يبلغ الحادية عشرة من العمر، فلم تستقر البلاد فى عهده حتى دخلها الفاطميون سنة (358هـ). كان الاتجاه الحضارى فى العهد الإخشيدى شديد الشبه بالاتجاه الحضارى فى العصر الطولونى؛ لقرب الصلة الزمنية بين

العهدين، وتميزت حضارة الإخشيديين بزيادة العمران بالفسطاط ومدِّ ضواحيها، وتشييد القصور وإقامة البساتين الجميلة، كما كان «ضرب السَّكَّة» من مظاهر الاستقلال فى العهد الإخشيدى، فقد ضربوا السكة وجعلوا عليها أسماء الإخشيديين إلى جانب الخليفة، وفى عهدهم ظهر منصب «الوزارة» رسميا، لأول مرة فى «مصر» منذ الفتح الإسلامى لها، وكان «أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات» أول من تولى هذا المنصب حتى وفاته سنة (327هـ)، ثم من بعده ابنه «جعفر»، الذى ظل يشغل هذا المنصب حتى نهاية الدولة الإخشيدية، وكذلك كان منصب «الحاجب» من المناصب التى ظهرت أهميتها فى البلاط الإخشيدى، وقد أولى الإخشيديون القضاء عنايتهم، وكان من أشهر قضاتهم: «محمد ابن بدر الصيرفى» و «الحسين بن أبى زرعة الدمشقى»، وكان «عمر ابن الحسن الهاشمى» من أشهر القضاة فى عهد «كافور»، وكذلك «أبو طاهر الزهلى» الذى ظل على قضاء «مصر» حتى دخلها الفاطميون. ولعل من أبرز مآثر «الإخشيد» أنه كان يجلس للنظر فى المظالم يوم الأربعاء من كل أسبوع، وحذا «كافور» حذوه فى ذلك، كما أن «الإخشيد» كان ذا عزيمة، فقد أعد جيشًا قويا بلغ أربعمائة جندى فيما عدا حرسه الخاص، فنعمت البلاد بالرخاء والثراء خلال هذا العهد الذى لم يبخل فيه «الإخشيد» بأى مال أو معونة، وأنعم على الفقراء وقدم لهم المساعدات، ومضى «كافور» على نفس الدرب، ويُروَى عنه أنه كان يعمل على إسعاد الفقراء وخاصة فى الأعياد، وكان يخرج من ماله يوم عيد الأضحى حمل بغل ذهبًا، وكشوفًا بأسماء المحتاجين، وينيب عنه من يمر عليهم ويعطى كلا منهم نصيبه. كان للعلم والأدب دولة ذات شأن فى بلاط الإخشيديين، ونبغ فى عهدهم عدد كبير من العلماء منهم: «أبو إسحاق المروزى» المتوفَّى سنة (340هـ) أحد الأئمة المعروفين بسعة معارفهم وكثرة مؤلفاتهم، و «على بن عبدالله المعافرى» قاضى «الإسكندرية» المتوفى سنة (339هـ)، ومن المحدثين:

«الحسن بن رشيق المصرى» المتوفَّى سنة (370هـ) ومن النحاة: «أحمد بن محمد بن الوليد التميمى المصرى»، ومن المؤرخين: «أبو عمرو الكندى»، ومن الشعراء: «المتنبى»، وغيره كثيرون، وكان لهؤلاء العلماء أثر كبير فى الحياة الحضارية والعلمية فى «مصر»، فقد عملوا على شرح علومهم وتبسيطها للناس، فزاد عدد المتعلمين، وارتفع مستوى التفكير والفهم لدى الناس خلال هذه الفترة من حكم الإخشيديين. اهتم الإخشيديون بالبناء والإصلاح، ولكن معظم ما أقاموه قد زال، ولم يبق منه سوى الاسم فقط. قام «الإخشيد» بالكثير من مشروعات الإصلاح، فتحسنت أحوال البلاد الاقتصادية، ونهضت نهضة قوية أدهشت المؤرخ الشهير «أبا الحسن على المسعودى»، الذى زار «مصر» فى عهد «الإخشيد»، وأُعجب بما أقامه «الإخشيد»، ووصف نظام الرى، وجبر الخليج، وقطع السدود، وليلة الغطاس فى ذلك العصر، الذى نعمت فيه البلاد بالأمن والأمان فى ظل قيادة قوية، تخاف عليها وتحميها، يدعمها جيش قوى وأسطول حديث، فتقدمت البلاد خطوات واسعة فى مجالات الحضارة.

*الدولة الجغتائية

*الدولة الجغتائية تنسب «الدولة الجغتائية» إلى مؤسسها «جغتاى» الابن الثانى لجنكيزخان الذى أصبح ولى عهده بعد وفاة أخيه الأكبر «جوجى» فى حياة والدهما، فلما مات «جنكيزخان» فى سنة (624هـ = 1227م)، آلت إلى «جغتاى» أملاك «الدولة الجغتائية» (خانات جغتاى)، التى تُعرف باسم: «منطقة التركستان»، وهى تعتبر حدا فاصلا بين دولة «القبجاق» ودولة الخاقانات. حكم «جغتاى» مؤسس هذه الدولة منذ وفاة والده فى عام (624هـ = 1227م) إلى عام (639هـ =1242م)، وكان رجلا حازمًا وصارمًا وعنيدًا، ذلك لأنه كان المسئول عن تنفيذ الياسا، وقد اشتُهر بسوء معاملة المسلمين، وتعطشه لسفك دمائهم. كانت دولة «خانات جغتاى» دولة تابعة للدولة الأم التى أسسها «جنكيزخان»، وكانت ذات علاقة حدودية بين هذه الدولة الأم (دولة الخاقانات) من جانب، ودولة «القبجاق والإيلخانية» من جانب آخر؛ ولذلك فقد دخلت فى صراعات طويلة مع هذه الدول بسبب موقعها المتوسط بينها، ولم تكن صراعاتها من أجل التوسعة أو الوصول إلى حكم دولة مغولية أخرى، وإنما كان صراعًا على عرش «دولة الخاقانات»؛ فعندما تُوفى «متكوقا آن» الحاكم الأعظم (الخاقان) (4) لدولة «خاقانات المغول»، كان ابنه «قوبيلاى» يقود الجيوش ببلاد «الصين» لتوسعة أملاك «دولة الخاقانات» بها، وكان «أريق بوقا» فى «قراقورم» عاصمة الدولة، وتم إعلانهما خاقانين على البلاد خلفًا «لمتكوقا آن»، وحيث إن «قراقورم» كانت منطقة فقيرة، فقد أراد «أريق بوقا» أن يوفر لقواته ما يلزمهم، وأغار على «الدولة الجغتائية»، وأخضع حاكمها «آلغو بن بايدار بن جغتاى» تحت سلطانه ليأمن شره، ويضمن عدم تحالفه مع غيره، ولكن ذلك لم يتم؛ فقد انقلب عليه حاكم «الدولة الجغتائية» وانضم إلى «قوبيلاى قا آن» حين عاد من «الصين»، واعترف به خاقانًا للمغول، فاضطر «أريق بوقا» إلى الاستسلام لخصمه «قوبيلاى»، الذى انفرد بحكم دولة الخاقانات وأسس بها حكمًا

جعله لأسرته، التى عُرفت فى التاريخ باسم: أسرة اليوان. وهكذا دخلت «الدولة الجغتائية» فى صراع لم تكن سببًا فى حدوثه، بل لم تسلم من الصراعات بعد ذلك، فقد دخلت فى صراع مع «قايدوخان» (وهو من نسل أوكتاى قا آن)، بتحريض من «بركة خان» حاكم «القبجاق»، ودارت الحروب سجالا بين الطرفين إلى أن مات «ألغو بن بايدار» حاكم «الجغتائيين»، فاعتلى «مباركشاه» عرش الدولة فى عام (662هـ =1264م)، ولكنه لم يلبث طويلا فى الحكم، إذ استطاع «براق خان» الاستيلاء على العرش فى عام (664هـ = 1266م)، بمساعدة «قوبيلاى قا آن» خاقان المغول، وذلك يؤكد أن العلاقة الخارجية لهذه الدولة كانت ذات صلة وثيقة بالسياسة الخارجية لدولة خاقانات المغول. تُعد «بخارى» أعظم مدن «الدولة الجغتائية»، وكانت حاضرتها التى يشار إليها بالبنان ضمن بلاد «ما وراء النهر»، إذ كانت تزخر بالأبنية الفخمة، والحدائق الغناء، والبساتين والمتنزهات والثمار الكثيرة، التى يعد البرقوق أشهرها حتى الآن، كما كانت سوقًا ومركزًا تجاريا مهما، فبها مصانع للحرير والديباج، وأخرى للمنسوجات القطنية، وكذلك كانت ذات مكانة خاصة فى العالم الإسلامى، ولم يضارع «بخارى» فى كل ذلك سوى «سمرقند» بأضرحتها وبفواكهها، ومصنوعاتها من الجلود، والمنسوجات القطنية. ولقد شهدت بلاد «ما وراء النهر» فترة ازدهار حضارى على يد حاكمها «مسعود يلواج» فى ظل «الدولة الجغتائية»، وبنى ببخارى مدرسة نسبها إليه هى «المدرسة المسعودية»، فدمرها الإيلخانيون فى عام (1273م)، فأعاد البخاريون بناءها ثانية، ودفن بها «مسعود يلواج» فى عام (1289م). ولم يقتصر مجهود «يلواج» على «بخارى» وحدها، بل تعداها ليشمل منطقة حكمه كلها، وشيد «بكاشغر» «مدرسة مسعودية» أخرى، وبذا تمكنت بلاد «ما وراء النهر» من الصمود أمام غزوات المغول عليها، وأن تعيد بناءها بفضل موقعها ومناخها، وبفضل حكامها الذين

عملوا على تأسيس الحضارة فيها وبنائها.

*الدولة الإيلخانية

*الدولة الإيلخانية تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع، و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. ويعد «هولاكو» المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق» الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة (756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى «العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة قراقورم. كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه «أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى «الياسا»، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس «أرغون»، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار» إيلخانًا فى سنة (681هـ (. اعتنق تكودار المسيحية فى صغره، لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين، وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه، وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام من الإيلخانيين. بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على «خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون

الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان «أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول» ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»، و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات (المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون» لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. بعث الأمراء المغول عقب وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه «قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب جهان»، ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول - ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ). بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن

طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع «كيخاتو»، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها، وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»، وسلك مسلك «آباقا خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»، وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير «نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»، فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). تولى «غازان» عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون». قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من

الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات، واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن، فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان» هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. قدم السلطان «أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين الساوجى. بدأ إنشاء مدينة السلطانية فى عهد السلطان «غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان»، فعمد «أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى

منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن «أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم «جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ «أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). تولى «أبو سعيد» حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو»، وكان لايزال فى الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد» استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم، وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. تعرضت «الدولة الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد «أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة (756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى: دولة آل جلائر (الجلائريون) - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. - دولة السربداريون. - دولة آل كرت.

*الإيلخانيون

*الإيلخانيون تعود تسمية الدولة الإيلخانية بهذا الاسم إلى هولاكو خان الذى لُقِّب بإيلخان، وهى كلمة مكونة من مقطعين «إيل» بمعنى تابع، و «خان» بمعنى ملك أو حاكم، والمقصود أن حاكم الدولة الإيلخانية تابع للخان الحاكم فى قراقورم. ويعد «هولاكو» المؤسس الأول لسلسلة سلاطين المغول فى «إيران» و «العراق» الذين ظلوا يحكمون هذه البلاد من سنة (654هـ) حتى سنة (756هـ)، وقد تُوفى «هولاكو» سنة (663هـ)، وخلفه ابنه «آباقا خان» فى حكم البلاد، التى امتدت من «نهر جيحون» حتى «العراق العربى» غربًا، ومن جنوبى روسيا شمالا حتى «البحر العربى» جنوبًا. وقد جنحت الدولة الإيلخانية منذ إنشائها إلى الاستقلال عن العاصمة المغولية، فى أمور السياسة والحكم - منذ عهد «آباقا خان» - وكأن حكامها مستقلون تمامًا عن العاصمة قراقورم. كان «آباقا خان» يريد أن يخلفه عن العرش ابنه «أرغون» لكنه لم يستطع لأن هذا الإجراء كان يعد مخالفة كبيرة لأحكام الدستور المغولى الذى وضعه جنكيز الذى يسمى «الياسا»، فقد كان يتعين إذا مات الخان أن يخلفه على العرش أكبر الأمراء الأحياء، ولقد كان أكبرهم هو «تكودار» وليس «أرغون»، ولذلك أجمع الأمراء المغول الذين اجتمعوا فى المجلس العام الذى يسمى «قوريلتاى» وقرروا انتخاب «تكودار» إيلخانًا فى سنة (681هـ (. اعتنق تكودار المسيحية فى صغره، لكنه مال إلى الإسلام شيئًا فشيئًا؛ لكثرة اتصاله بالمسلمين، وتوطيد علاقته بعظماء المسلمين وكبار أئمتهم، فأعلن إسلامه، وسُمى بالسلطان «أحمد تكودار»، فكان أول مَن اعتنق الإسلام من الإيلخانيين. بعد مقتل السلطان «أحمد» اجتمع الأمراء المغول ونصبوا الأمير «أرغون ابن آباقا» إيلخانًا عليهم فى جمادى الآخرة سنة (683هـ)، فنصب ابنه «غازان» حاكمًا على «خراسان» وعين الأمير «نوروز» نائبًا له عليها، وأنعم على الأمير «بوقا» بلقب «أمير الأمراء»، وأطلق يده فى تسيير شئون

الدولة، وقتل الوزير «شمس الدين الجوينى» وجميع أفراد أسرته تقريبًا فى شعبان سنة (683هـ)، وذلك لموقفهم مع السلطان «أحمد تكودار» ومساندتهم له فى المعركة التى دارت بينه وبين أفراد المغول بقيادة الأمير «أرغون»؛ والتى انتهت بمقتل السلطان وتنصيب الأمير سلطانًا. حاول «أرغون» أن يحد من نفوذ «مصر» فى المشرق الإسلامى، فأقام علاقات سياسية وطيدة مع قادة الدول المسيحية مثل: «البابا» و «إدوارد الأول» ملك «إنجلترا»، و «فيليب لوبل» ملك «فرنسا»، تمهيدًا لتكوين حلف للقضاء على النفوذ المصرى فى «آسيا الصغرى»، و «العراق» و «الشام»، و «فلسطين». وشجعت هذه العلاقات (المغولية - الأوربية) عددًا من الرحالة الأوربيين على زيارة بلاد المغول، وسافر الرحالة الشهير «ماركو بولو» إلى العاصمة المغولية، وأقام فى بلاط الامبراطور المغولى «قوبيلاى» نحو عشرين عامًا، عمل فيها مستشارًا له ووزيرًا، ولم تقع حروب تذكر بين الجانبين - المصرى والمغولى - فى عهد «أرغون» لانشغال كل منهما بمشكلاته الداخلية. بعث الأمراء المغول عقب وفاة «أرغون» إلى أخيه «كيخاتو خان» يخبرونه بوفاته، فقدم على الفور من بلاد الروم التى كان يحكمها، وتولى عرش الإيلخانية فى رجب سنة (690هـ)، ثم عين «صدر الدين أحمد الزنجانى» وزيرًا له، ولقبه بلقب «صدر جهان» وأوكل إليه التصرف فى شئون الدولة كافة دون تدخل من أحد، وعين أخاه «قطب الدين الزنجانى» قاضيًا للقضاة، وأطلق عليه لقب «قطب جهان»، ولما كان «كيخاتو» مغرمًا بشرب الخمر، سيئ الخلق فاسقًا، كرهه الأمراء وثاروا عليه، وبخاصة بعد أن أغلظ القول - ذات ليلة - لابن عمه «بايدو» أحد كبار الأمراء، فحقد عليه، وتآمر مع الأمراء الآخرين على قتله، وعلم «كيخاتو» بالمؤامرة، فآثر الفرار، ولكن الأمراء تتبعوه، وتمكنوا من قتله فى سنة (694هـ). بعد مقتل «كيخاتو» وقع اختيار الأمراء على «بايدوخان بن

طرغاى بن تولوى بن جنكيزخان» ليكون إيلخانًا، فاعتلى العرش فى جمادى الأولى سنة (694هـ)، ثم تخلص من أتباع «كيخاتو»، وقرر إعادة الحقوق والوظائف إلى أصحابها، وأعفى الأوقاف الإسلامية من الضرائب، وعهد بأمور الجيش ورئاسة الوزراء إلى الأمير «طغاجار»، وسلك مسلك «آباقا خان» حيث جعل الإدارة لا مركزية، وجعل أميرًا من الأمراء على كل ولاية من الولايات، ونصب «جمال الدين الاستكردانى» وزيرًا له. لم يكد «بايدو» يتولى أمور الحكم حتى بلغ «غازان خان» ما حدث لعمه «كيخاتو»، فأقبل بجنوده ومعه الأمير «نوروز»، وأرسل رسله إلى «بايدو» ينكر عليه قتل كيخاتو، ويطالبه بإجراء تحقيق ليلقى القتلة جزاءهم، فلما لم يلقَ جوابًا دارت رحى الحرب بين الفريقين، وفى هذه الأثناء عرض الأمير «نوروز» الإسلام على «غازان»، وحَسَّن له اعتناق هذا الدين بتشريعاته السمحة ونظمه الدقيقة، وما ينادى به من عدل ورحمة ومساواة، فاعتنق «غازان» الدين الإسلامى، ومال إليه أكثر الأمراء، وانتصر على «بايدو» فى الحرب، فهرب «بايدو» ولحق به الأمير «نوروز»، وألقى القبض عليه، وأرسله إلى «غازان»، فأمر بقتله فى شهر ذى الحجة عام (694هـ). تولى «غازان» عرش المغول عقب مقتل «بايدو» فى ذى الحجة سنة (694هـ)، وبعد أن اعتنق الإسلام تبعه جميع الأمراء والجنود المغول، وأسلم بإسلامه أكثر من مائة ألف شخص منهم فى فترة وجيزة، ولقب «غازان» نفسه باسم السلطان «محمود غازان»، وأعلن الإسلام دينًا رسميا للدولة، وأمر المغول بأن يغيروا ملابسهم التقليدية، ويلبسوا العمامة للتدليل على خضوعهم للإسلام، وأمر بهدم الكنائس والمعابد اليهودية والمزدكية والهياكل البوذية، وتحويلها إلى مساجد، وبارتداء اليهود والنصارى ثيابًا تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كرد فعل لما لقيه المسلمون من ضروب المهانة والذلة فى عهد كل من: «هولاكو» و «آباقا» و «أرغون». قام «غازان» بإصلاحات كثيرة ومهمة فى كثير من

الميادين، وكانت أبرزها إصلاحاته العمرانية، حيث أقام شمالى غرب «تبريز» محلة عُرفت باسم «شام غازان»، وتفصلها عن مدينة «تبريز» حدائق ومتنزهات كثيرة، وأمر كبار مهندسيه بإقامة بناء عالٍ فى ذلك المكان؛ تعلوه قبة كبيرة، ليكون مدفنًا له، وقد استمرت عمارة القبة وتوابعها نحو خمس سنوات، واشتملت على مسجد وخانقاه ومدرستين (إحداهما للشافعية والأخرى للحنفية)، ومستشفى، ومكتبة، ومرصد، ومدرسة لتعليم العلوم الطبية، وبيت لحفظ كتب القوانين التى أصدرها الإيلخان عرف باسم «بيت القانون»، كما أنشأ مسكنًا للأطفال وآخر للأشراف، وضمت هذه الأبنية بعض الحمامات العامة، وملجأ واسعًا لليتامى؛ به مكتب لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه، وملجأ آخر يتسع لنحو خمسمائة أرملة من النساء اللائى فقدن عائلهن، فضلا عن ذلك أنشأ «غازان» الأجران الواسعة المملوءة بالحبوب، والمزودة بأحواض المياه لكى تتزود منها الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب فى الفصول الباردة من السنة خلال رحلتها عبر الهضبة الإيرانية التى تغطيها الثلوج فى هذا الوقت من السنة، خاصة أن أعدادًا كثيرة من هذه الطيور كانت تلقى حتفها، لتعذر حصولها على الغذاء، فأقام لها «غازان» هذه الأجران رحمة بها، وأصبحت هذه المؤسسات والمنشآت التى أقامها «غازان» مفخرة العالم الإسلامى والحضارة الإسلامية، حيث حول الإسلام القبائل الهمجية البربرية إلى أناس مهذبى الطباع، منظمين محبين للحضارة والعمران، وامتلأت قلوبهم رحمة وعطفًا حتى على الطيور والحيوانات. قدم السلطان «أولجايتو» من «خراسان» التى كان حاكمًا عليها، وتولى العرش خلفًا لأخيه «غازان» فى سنة (703هـ)، وجعل الوزارة مشاركة بين «رشيد الدين فضل الله الهمدانى» وسعد الدين الساوجى. بدأ إنشاء مدينة السلطانية فى عهد السلطان «غازان»، وهى تقع على بعد خمسة فراسخ من «زنجان»، فعمد «أولجايتو» إلى استكمال تشييدها وأمر بالتوسعة فى

منشآتها العمرانية، فساهم الأمراء والوزراء فى بناء بعض أحيائها، وأنشأ الوزير «رشيد الدين فضل الله» محلة بها على نفقته الخاصة؛ اشتملت على ألف منزل، ومسجد كبير. وأمر السلطان ببناء قبة كبيرة فوق مقبرته، ومازالت هذه القبة قائمة حتى اليوم دليلا على عظمة العمارة فى هذا العصر. تمكن «أولجايتو» فى سنة (706هـ) من بسط سيطرته على إقليم «جيلان»، وهو الإقليم الذى لم يتمكن المغول من السيطرة عليه حتى هذه السنة لكثرة غاباته، ووعورة مسالكه، وأعاد بناء مرصد «مراغة» الذى بناه «هولاكو» من قبل، وحين بلغ «أولجايتو» الثالثة والثلاثين من عمره اشتد عليه المرض واعتلَّت صحته، وتوفِّى فى رمضان سنة (716هـ). تولى «أبو سعيد» حكم البلاد بعد وفاة السلطان «أولجايتو»، وكان لايزال فى الثالثة عشرة من عمره، فاضطربت أحوال البلاد وتعددت ثورات الأمراء المغول فى مناطق متفرقة ضده، غير أن «أبا سعيد» استعان عليهم بقائد جيشه الأمير «جوبان»، فقضى عليهم، وأعاد إلى البلاد استقرارها وهدوءها. تعرضت «الدولة الإيلخانية» -عقب وفاة السلطان «أبى سعيد بهادر» - للضعف والزوال، حيث كان السلاطين الذين اعتلوا عرش هذه الدولة بعد «أبى سعيد» ضعاف الشخصية، كما كانوا ألعوبة فى أيدى الأمراء المغول وكبار رجال الدولة، وظل هذا حال هذه الدولة حتى وفاة «أنوشيروان» آخر السلاطين الإيلخانيين فى سنة (756هـ)، فتقاسم خمسة من كبار الأمراء المغول أملاك هذه الدولة، وكون كل منهم دولة صغيرة مستقلة، وهذه الدول هى: دولة آل جلائر (الجلائريون) - دولة الجوبانيين. - دولة آل المظفر. - دولة السربداريون. - دولة آل كرت.

*الدولة الجلائرية

*الدولة الجلائرية كان «آل جلائر» من القبائل المغولية، ويعد «تاج الدين شيخ حسن بزرَك بن حسين» أول حكام «آل جلائر» ومؤسس دولتهم «الجلائرية»، وثالث مَن تولى الحكم فى «الدولة الإيلخانية»، وقد امتد سلطانه إلى «العراق»، واتخذ «بغداد» عاصمة له، وأعلن نفسه ملكًا عليها، فظهرت بذلك الدولة «الجلائرية» إلى حيز الوجود. شهدت اللبنات الأولى لقيام «الدولة الجلائرية» عدة حروب بين الأمراء المغول بهدف الوصول إلى الحكم، إلا أن «حسن الجلائرى» تمكن من الاستقلال بالعراق واستطاع أن يوحد الصفوف لتأسيس دولته الوليدة، ومع ذلك لم تتوقف الصراعات والحروب مع بقايا الإيلخانيين، إلى أن تمكن «الشيخ حسن الجلائرى» من طردهم إلى خارج حدود دولته - «العراق» - فى عام (748هـ= 1347م). كان «الشيخ حسن الجلائرى» سياسيا حكيمًا، وأراد أن يضمن لدولته قوتها ووحدتها، فلم يعلن نفسه خانًا أو سلطانًا؛ بل أعلن ولاءه للسلطان المملوكى فى «مصر» ليكون سنده الذى يحتمى به إذا ما فكر المغول فى غزوه، خاصة وأن دولته قريبة ومتاخمة للإمارات والممالك المغولية فساعده هذا التصرف على استقرار بلاده، وشجعه على الاستيلاء على «لورستان»، و «الموصل»، و «تستر»، وبسط نفوذه على غيرها، فاتسعت رقعة بلاده، وامتد نفوذ حكمه، ثم مات فى عام (757هـ = 1356م)، وخلفه ابنه «الشيخ أويس بن حسن الجلائرى»، فبلغت الدولة فى عهده أقصى اتساع لها، إذ ضم إليها «أذربيجان»، و «آران»، و «موقان»، واتخذ من «تبريز» عاصمة لبلاده، وانتقل نشاط الدولة السياسى ومركزها من «العراق» إلى «أذربيجان»، فأدى ذلك إلى قيام حركات التمرد فى «بغداد» على الجلائريين، وكانت حركة «مرجان» نائب «الشيخ أويس» على «بغداد» من أشهر هذه الحركات، وكان «مرجان» طواشيا للشيخ أويس. لقد أخطأ «الشيخ أويس» فى حساباته عندما ابتعد عن «العراق» واتخذ له عاصمة فى «إيران»، فضلا عن تقريبه الفرس دون العرب، فكانت النتيجة

انضمام العرب بمختلف طوائفهم إلى «مرجان» وحركته، وحُذف اسم «الشيخ أويس» من الخطبة؛ رمز السيادة فى الدولة، وخُطب للسلطان المملوكى فى «مصر». خرج «الشيخ أويس» من «تبريز» إلى «بغداد» فى سنة (765هـ = 1363م)، واستطاع وزيره أن يستميل أعوان «الخواجة مرجان» إلى صفه، فانفضوا من حول «مرجان» وفشلت حركته، ودخل «الشيخ أويس» «بغداد» ثم جعل «شاه خازن» نائبًا له عليها، ولكن «مرجان» لم ييأس من المحاولة، وعاد مرة ثانية إلى حكم «بغداد» عقب وفاة «شاه خازن»، مما يؤكد حب أهل «العراق» لمرجان ومكانته عندهم، فاضطر «الشيخ أويس» إلى الصفح عنه، ثم أرسل ابنه «الشيخ علىّ» ليحكم «العراق». تُوفى «الشيخ أويس» عام (776هـ = 1373م)، وخلفه فى الحكم ابنه «جلال الدين حسين بن أويس» (776 - 784هـ = 1373 - 1382م)، فضاعت هيبة الدولة فى عهده، وبدأت فى التدهور والانهيار؛ حيث اهتم بملذاته ومصالحه الشخصية على حساب أمور الدولة والرعية، وزادت الأمور اضطرابًا فى عهد أخيه «أحمد بن أويس» الذى خلفه فى الحكم (784 - 813هـ = 1382 - 1410م)، إذ تمكن «تيمورلنك» من إسقاطه عن عرشه عدة مرات، ثم دخل «بغداد» فى عام (795هـ = 1393م)، ففر «أحمد بن أويس» إلى «مصر» مستنجدًا بالسلطان المملوكى «برقوق»، وتمكن «الشيخ أحمد» -أخيرًا - من العودة إلى «بغداد» فى عام (804 هـ = 1401م)، وتمكن من استعادتها فى عام (807هـ= 1404م)، بعد أن خرجت عدة مرات من حكم «آل جلائر» إلى حكم التيموريين، ثم استعاد «تبريز» فى عام (809هـ= 1406م)، ولم يلبث أن فقدها ثانية فى العام نفسه على يد حفيد «تيمورلنك». وفى عام (813هـ = 1410م)، اختلف «أحمد بن أويس» مع زعيم قبيلة «قراقيونلو»، وحدث صدام بينهما، فقُتل «الشيخ أحمد»، وتمكن زعيم «قراقيونلو» من انتزاع «تبريز» وما والاها من الجلائريين، ثم أسس دولة له فى «أذربيجان». تولى الحكم بعد «أحمد بن أويس» عدد من

السلاطين، وصلت الدولة فى عهدهم إلى أقصى مراحل الضعف حتى انتهت بموت «حسين بن علاء الدولة» آخر السلاطين الجلائريين سنة (835هـ)، وسلاطين هذه الفترة هم: - شاه ولد (813 - 814هـ). - محمود بن شاه ولد (814 - 818هـ). - أويس بن شاه ولد (818 - 824هـ). - محمد بن شاه ولد (824 - 827هـ (. حسين بن علاء الدولة (827 - 835هـ). تمتعت «الدولة الجلائرية» باستقلالها فى عهد «الشيخ حسن الجلائرى» الذى أدت سياسة حكمه إلى انتعاش اقتصاد البلاد، وبناء حضارة زاهرة، وتشييد المدارس والمكتبات وأماكن العلاج، فتردد طلاب العلم على «بغداد» من كل مكان؛ طلبًا للعلم والمعرفة، فأعاد لبغداد عهدها القديم المشرق، واعتمد على العرب والترك فى الجيش، فقل تأثير الفرس على المجتمع العراقى، وبات «آل فضل» العرب ذوى مكانة خاصة فى هذه الدولة، ولكن ذلك لم يدم طويلا؛ إذ تولى «الشيخ أويس بن حسن» عرش «الدولة الجلائرية» واعتمد فيها على العنصر الفارسى، وأساء إلى العرب، فتقلص نفوذ العرب ونشاطهم فى الدولة، وازداد الأمر سوءًا حينما اتخذ «الشيخ أويس» «تبريز» عاصمة لبلاده بدلا من «بغداد»، وجعل اللغة الفارسية لغة بلاده الرسمية؛ فازداد نفوذ الفرس، واشتعلت الثورات فى «العراق»، وطمع المظفريون فى فارس، فأحدقت الأخطار بالدولة الجلائرية من كل جانب فغزاها التيموريون، فأفقدها ذلك القدرة على مواصلة الإصلاح الاقتصادى، وأهملت المنشآت الخاصة بالزراعة والرى، وأصبح شغل الحكام الجلائريين الشاغل هو الحفاظ على وجودهم فى الحكم، ونشبت بينهم الصراعات الكثيرة التى أطاحت بهم جميعًا فى النهاية. كما ساعدت الفيضانات والأوبئة التى تعرضت لها هذه الدولة على انهيار اقتصادها، وتدهور الأحوال فيها، واضطر الحكام إلى فرض الضرائب لملاحقة المجهود العسكرى، فضجر الناس من ذلك، وانتكست تجارتهم بسبب الضرائب، وأصيبت الصناعة

بالخمول والكساد أيضًا، ولم تبقَ إلا بعض الصناعات القليلة مثل: صناعة الحرير، وصناعة الأسلحة، وبات هَمُّ الحكام الحفاظ على العرش، وضحوا فى سبيل تحقيق ذلك بكل غالٍ ونفيس.

*الدولة المظفرية

*الدولة المظفرية ينسب «آل مظفر» إلى الأمير «مبارز الدين محمد» ابن الأمير «شرف الدين بن منصور بن غياث الدين حاجى الخراسانى»، وقد تولى الأمير «شرف الدين» عدة مناصب فى عهد الإيلخانيين، فولاه السلطان «أولجايتو» مدينة «ميبد» (6)، ثم توفى «شرف الدين» بعد أن قضى على المتمردين فى منطقة «شبانكاره»، فاتخذ السلطان «أبو سعيد بهادرخان» ابنه «مبارز الدين محمد» ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره مكان أبيه، وولاه مناصبه فى عام (717هـ= 1317م)، ولذا يعد الأمير «مبارز الدين» أول حكام المظفريين. استقل الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بإقليم «فارس» عقب سقوط الحكم الإيلخانى، ثم استولى على «كرمان» فى سنة (741هـ = 1340م)، وطمح فى تكوين إمبراطورية واسعة الأرجاء، فضم كثيرًا من المدن الإيرانية إلى دولته، وأعلن ولاءه للخليفة العباسى «المعتضد بالله» واتخذ لنفسه لقب «ناصر أمير المؤمنين»؛ ليضفى الشرعية على حكمه، وظل يسعى إلى تحقيق هدفه حتى بات الخليفة ألعوبة فى يده. اعترض «آل إينجو» بزعامة «الشيخ أبى إسحاق» طريق «آل مبارز» فى تحقيق حلمهم، ونشبت الخلافات والصراعات بينهما، وظلت العلاقة بين الطرفين سيئة حتى قتل المظفريون «الشيخ أبا إسحاق» عقب إحدى المعارك التى دارت بينهما فى عام (758هـ = 1356م)، واستولى «شاه شجاع» ابن الأمير «مبارز الدين» على «شيراز»، فانتقل إليها الأمير «مبارز» وأقام بها وأرسل ابنه «شاه شجاع» إلى حكم «كرمان». وفى عام (758هـ) فتح الأمير «مبارز الدين» منطقة «تبريز»، ثم لما علم بقدوم الشيخ إدريس الجلائرى إليها، غادرها إلى «شيراز»، وهناك اصطدم بولديه «شاه شجاع»، و «شاه محمود»، اللذين تحالفا مع «شاه سلطان» أحد الناقمين على أبيهما، فقبضوا عليه، وأمر ابنه «شاه شجاع» بسمل عينيه، ثم حبسوه فى إحدى القلاع، والتمس الأب عطف ولديه، وطلب منهما الصلح،

فعفوا عنه، وحكما البلاد نيابة عنه، وضربا السكة باسمه، وظل الوضع على ذلك فترة، ثم أرسلاه للإقامة بقلعة «بم» بكرمان، ولكن الأمير «مبارز الدين» كان قد اشتد به المرض ومات فى الطريق قبل أن يصل إلى هذه القلعة قى عام (765هـ = 1364م). وظل أبناء «مبارز الدين» يحكمون من بعده «كرمان» و «فارس» و «كردستان»، فحكم «جلال الدين شاه شجاع» فى حياة أبيه فى سنة (759هـ = 1357م)، وظل فى الحكم حتى سنة (786هـ = 1384م)، وقضى فترة حكمه فى مطاردة المارقين والعصاة والخارجين على الدولة، ثم تولى بعده ابنه «مجاهد الدين زين الدين» (786 - 789هـ = 1384 - 1387م)، إلى أن عزله الأمير «تيمور كوركان»، فخلفه «شاه يحيى» فى «يزد»، و «سلطان أحمد» فى «كرمان». وكان «شاه منصور» آخر حكام دولة «آل المظفر» فى «أصفهان»، وسقطت «الدولة المظفرية» فى عام (795هـ = 1393م). وقد اشتهر المظفريون بحبهم للعلم والثقافة طيلة اثنتين وسبعين سنة هى عمر دولتهم من النشأة حتى السقوط. عانت «الدولة المظفرية» كثيرًا من الصعاب من أجل الاحتفاظ بالحكم، فدار صراع بينها وبين «آل إينجو» بزعامة الشيخ «أبى إسحاق»، ودخلت حروب عدة مع «الدولة الجلائرية»، وكذلك مع «الدولة التيمورية» التى اجتاحت ما اعترض سبيلها من الدول والحكام، ولم تستطع دولة «آل المظفر» الصمود أمام تسلط «تيمور كوركان» الذى قسم أملاكها بحجة الوصاية التى منحه إياها الأمير «مجاهد الدين زين العابدين» لرعاية أولاده من بعده، فوضع «تيمور» النهاية لهذه الدولة فى عام (795هـ = 1393م) بعد أن فرق وحدتها، وشتت حكمها، وقسم أرضها، ثم عمد بعد ذلك إلى إسقاطها. تميز عهد الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بالنشاط الحضارى، والازدهار الفكرى والثقافى، بفضل تشجيعه للعلماء والفقهاء والنابغين، فتعهد علماء «شيراز» بالرعاية، وبنى فى «كرمان» مسجدًا كبيرًا أوقف عليه الأملاك لرعايته، وضرب السكة فى عهده ونقش عليها اسم

الخليفة العباسى رمز المسلمين، وتذكر المصادر الفارسية أن «مبارز الدين» كان ضيق الصدر، ويعاقب المخطئ بنفسه؛ حتى أُطلِق عليه: «الملك المحتسب»، وكان شاه شجاع محبا للشعر والشعراء، فازدهر الشعر فى عصره، ونبغ عدد كبير من الشعراء منهم: «الشاعر الحافظ الشيرازى»، و «العماد الفقيه الكرمانى».

*آل مظفر

*آل مظفر ينسب «آل مظفر» إلى الأمير «مبارز الدين محمد» ابن الأمير «شرف الدين بن منصور بن غياث الدين حاجى الخراسانى»، وقد تولى الأمير «شرف الدين» عدة مناصب فى عهد الإيلخانيين، فولاه السلطان «أولجايتو» مدينة «ميبد» (6)، ثم توفى «شرف الدين» بعد أن قضى على المتمردين فى منطقة «شبانكاره»، فاتخذ السلطان «أبو سعيد بهادرخان» ابنه «مبارز الدين محمد» ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره مكان أبيه، وولاه مناصبه فى عام (717هـ= 1317م)، ولذا يعد الأمير «مبارز الدين» أول حكام المظفريين. استقل الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بإقليم «فارس» عقب سقوط الحكم الإيلخانى، ثم استولى على «كرمان» فى سنة (741هـ = 1340م)، وطمح فى تكوين إمبراطورية واسعة الأرجاء، فضم كثيرًا من المدن الإيرانية إلى دولته، وأعلن ولاءه للخليفة العباسى «المعتضد بالله» واتخذ لنفسه لقب «ناصر أمير المؤمنين»؛ ليضفى الشرعية على حكمه، وظل يسعى إلى تحقيق هدفه حتى بات الخليفة ألعوبة فى يده. اعترض «آل إينجو» بزعامة «الشيخ أبى إسحاق» طريق «آل مبارز» فى تحقيق حلمهم، ونشبت الخلافات والصراعات بينهما، وظلت العلاقة بين الطرفين سيئة حتى قتل المظفريون «الشيخ أبا إسحاق» عقب إحدى المعارك التى دارت بينهما فى عام (758هـ = 1356م)، واستولى «شاه شجاع» ابن الأمير «مبارز الدين» على «شيراز»، فانتقل إليها الأمير «مبارز» وأقام بها وأرسل ابنه «شاه شجاع» إلى حكم «كرمان». وفى عام (758هـ) فتح الأمير «مبارز الدين» منطقة «تبريز»، ثم لما علم بقدوم الشيخ إدريس الجلائرى إليها، غادرها إلى «شيراز»، وهناك اصطدم بولديه «شاه شجاع»، و «شاه محمود»، اللذين تحالفا مع «شاه سلطان» أحد الناقمين على أبيهما، فقبضوا عليه، وأمر ابنه «شاه شجاع» بسمل عينيه، ثم حبسوه فى إحدى القلاع، والتمس الأب عطف ولديه، وطلب منهما الصلح، فعفوا عنه، وحكما البلاد نيابة عنه، وضربا السكة باسمه، وظل

الوضع على ذلك فترة، ثم أرسلاه للإقامة بقلعة «بم» بكرمان، ولكن الأمير «مبارز الدين» كان قد اشتد به المرض ومات فى الطريق قبل أن يصل إلى هذه القلعة قى عام (765هـ = 1364م). وظل أبناء «مبارز الدين» يحكمون من بعده «كرمان» و «فارس» و «كردستان»، فحكم «جلال الدين شاه شجاع» فى حياة أبيه فى سنة (759هـ = 1357م)، وظل فى الحكم حتى سنة (786هـ = 1384م)، وقضى فترة حكمه فى مطاردة المارقين والعصاة والخارجين على الدولة، ثم تولى بعده ابنه «مجاهد الدين زين الدين» (786 - 789هـ = 1384 - 1387م)، إلى أن عزله الأمير «تيمور كوركان»، فخلفه «شاه يحيى» فى «يزد»، و «سلطان أحمد» فى «كرمان». وكان «شاه منصور» آخر حكام دولة «آل المظفر» فى «أصفهان»، وسقطت «الدولة المظفرية» فى عام (795هـ = 1393م). وقد اشتهر المظفريون بحبهم للعلم والثقافة طيلة اثنتين وسبعين سنة هى عمر دولتهم من النشأة حتى السقوط. عانت «الدولة المظفرية» كثيرًا من الصعاب من أجل الاحتفاظ بالحكم، فدار صراع بينها وبين «آل إينجو» بزعامة الشيخ «أبى إسحاق»، ودخلت حروب عدة مع «الدولة الجلائرية»، وكذلك مع «الدولة التيمورية» التى اجتاحت ما اعترض سبيلها من الدول والحكام، ولم تستطع دولة «آل المظفر» الصمود أمام تسلط «تيمور كوركان» الذى قسم أملاكها بحجة الوصاية التى منحه إياها الأمير «مجاهد الدين زين العابدين» لرعاية أولاده من بعده، فوضع «تيمور» النهاية لهذه الدولة فى عام (795هـ = 1393م) بعد أن فرق وحدتها، وشتت حكمها، وقسم أرضها، ثم عمد بعد ذلك إلى إسقاطها. تميز عهد الأمير «مبارز الدين محمد بن مظفر» بالنشاط الحضارى، والازدهار الفكرى والثقافى، بفضل تشجيعه للعلماء والفقهاء والنابغين، فتعهد علماء «شيراز» بالرعاية، وبنى فى «كرمان» مسجدًا كبيرًا أوقف عليه الأملاك لرعايته، وضرب السكة فى عهده ونقش عليها اسم الخليفة العباسى رمز المسلمين، وتذكر المصادر الفارسية أن

«مبارز الدين» كان ضيق الصدر، ويعاقب المخطئ بنفسه؛ حتى أُطلِق عليه: «الملك المحتسب»، وكان شاه شجاع محبا للشعر والشعراء، فازدهر الشعر فى عصره، ونبغ عدد كبير من الشعراء منهم: «الشاعر الحافظ الشيرازى»، و «العماد الفقيه الكرمانى».

*كرت (دولة)

*كرت (دولة) استقل ملوك «كرت» ببلادهم استقلالا محدودًا تحت لواء الإيلخانات فى «إيران»، وإن استمروا فى الحكم فترة بعد سقوط «الدولة الإيلخانية»، وقد استقر ملوك «آل كرت» فى «هراة»، و «بلخ»، و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»، ولم يصلوا إلى ما وصلت إليه الأسر المغولية الأخرى من أهمية فى تاريخ المشرق الإسلامى؛ إذ حكموا الجزء الشرقى لإيران من منتصف القرن السابع الهجرى إلى نهاية القرن الثامن الهجرى، وأزال ملكهم الأمير «تيمور كوركان» مثلما أزال ملك الأسر المغولية الأخرى. كان «شمس الدين الأول محمد»، أول ملوك «آل كرت»، وهو ابن ابنة «ركن الدين بن تاج» الذى تزوج ابنة السلطان «غياث الدين محمود الغورى»، الذى عينه حاكمًا على قلعة «خنسيار» (تقع بين هراة والغور) والتى آل أمرها -فيما بعد - إلى الملك «شمس الدين». وعندما زحف المغول على العالم الإسلامى رأى الجد «ركن الدين بن تاج» الدخول تحت لوائهم، ليضمن سلامة ملكه، فتركه المغول، وبعث بحفيده «شمس الدين كرت» إليهم ليكون فى خدمتهم، تعبيرًا عن الطاعة والولاء. حكم «شمس الدين كرت» مناطق كثيرة، منها: «هراة»، و «بلخ»، و «غزنة»، و «سرخس»، و «نيسابور»،ووصل بملكه إلى ضفاف «سيحون»، و «سيستان»، و «كابل» حتى «نهر السند»، وتمكن من الاستقلال بالحكم فى سنة (648هـ)، ومن المؤكد أن «شمس الدين» لعب دورًا كبيرًا فى حملة «هولاكو خان» على بلاد طائفة «الإسماعيلية»، إذ كان أول المشاركين فيها إظهارًا لولائه وطاعته للمغول، وكان له الفضل فى تسليم «ناصر الدين محتشم» «قلعة قهستان» إلى المغول. لم تسر سياسة «شمس الدين» على نهج واحد فى علاقته بالمغول، إذ انحاز إلى «براق خان» الجغتائى فى هجومه على «آباقا خان بن هولاكو» للاستيلاء على «خراسان» التابعة للدولة الإيلخانية، وذلك بعد وفاة «هولاكو»، وتولى ابنه «آباقا خان» الحكم خلفًا له، فغضب «آباقا خان» على «شمس الدين» لموقفه، وخشى «شمس

الدين» على حياته من غضب «آباقا خان» وانتقامه. شعر «براق خان» بقرب نهاية دولته (الدولة الجغتائية)، فعرض على «شمس الدين كرت» أن يعرف له أسماء الأغنياء فى «خراسان» -طمعًا فى مالهم- مقابل أن يحصل «شمس الدين» على تفويضه فى أملاك «الدولة الإيلخانية»، فأحس «شمس الدين» بذكائه قرب زوال ملك الجغتائيين، خاصة أن جيشهم بدت عليه أمارات القسوة والتجبر، فعاد إلى «هراة»، واعتصم بقلعة «خنسيار»، وانتظر ما ستسفر عنه الأحداث، ولكنه لم يلبث طويلا وتمكن من النجاة بشفاعة «شمس الدين الجوينى» صاحب الديوان (7) له عند «آباقا خان» الذى عفا عنه، ومات «شمس الدين كرت» فى «تبريز» مسمومًا فى عام (676هـ = 1277م)، فولَّى «آباقا خان» «ركن الدين بن شمس الدين» حكم «هراة» (677 - 682هـ = 1278 - 1283م). واتخذ هذا الابن لقب أبيه وعرف باسم «ركن الدين بن شمس الدين الأصغر». فلما تُوفِّى الإيلخان «آباقا خان» خشى ركن الدين على حياته، واعتصم بقلعة «خنسيار» الحصينة حتى وفاته سنة (705هـ = 1305م)، ثم تولى ابنه «فخر الدين» مكانه من قِبَل «غازان خان» سنة (695هـ= 1295م)، وشغل عهده بالخلاف مع «غازان»، حتى تُوفِّى سنة (706هـ = 1306م)، فعين «أولجايتو» مكانه أخاه «غياث الدين»، وظل فى الحكم حتى سنة (729هـ = 1328م)، فخلفه بالتتابع ولداه «شمس الدين الثانى» الذى مات سنة (730هـ = 1329م)، و «الملك حافظ» الذى قتل سنة (732هـ = 1331م)، ثم جاء من بعدهما الأخ الثالث «معز الدين حسين»، وكان من أبرز حكام «بنى كرت»، فقد قرأت الخطبة باسمه، وأهداه «سعد الدين التفتازانى» كتابه المشهور فى البلاغة باسم «المطول» وقد توفى «معز الدين حسين» سنة (771هـ = 1370م)، وحل مكانه ابنه «غياث الدين بير على» الذى دعاه «تيمورلنك» للاجتماع به، فلما لم يلبِّ دعوته، قاد بنفسه جيشًا تمكن من الاستيلاء على هراة سنة (783 هـ = 1381م)،

وأسر «غياث الدين» وابنه «بير محمد» وأخاه الملك «محمد» والى «سرخس» وأركان حكومته، وساقهم إلى «سمرقند»، ثم أعدمهم فى أواخر سنة (784هـ) وبذلك انقرضت أسرة ملوك كرت. كانت إمارة «آل كرت» إمارة ثرية؛ إذ ضمت إلى حكمها مناطق عدة اشتهرت بثرواتها وخيراتها ومزروعاتها، وسعة أرضها، وعذوبة مائها، وخصوبة تربتها، فاشتهرت «هراة» ببساتينها الكثيرة، و «غزنة» بسعة أرضها وخصوبة تربتها ووفرة مائها العذب، وكانت تقع فى أطراف «خراسان» وتربطها بالهند، أما «سرخس» فتقع بين «مرو» و «نيسابور» وبها خيرات كثيرة، واشتهرت «نيسابور» (إحدى مدن خراسان) بالفواكه والثمار، والمعادن الكثيرة وبخاصة الفيروز، كما كانت تزخر بالعلماء الفضلاء، وتعد هذه المدينة عتبة الشرق. والواقع أن تلك البقاع التى شملتها أقاليم «آل كرت» كانت تفيض بالخير والثراء، فلم يجد الحكام صعوبة فى توفير احتياجات البلاد، وكذلك لم يكن لهم طموح فى توسيع حدودهم، أو إدخال دولة ما تحت تبعيتهم؛ إذ كانوا أنفسهم تابعين للحكم الإيلخانى المغولى، وحرص الإيلخانيون على ولائهم وكسب ودهم، وبقاء تبعية «آل كرت» لهم. وقد أدى استقرار الأوضاع الاقتصادية فى دولة «آل كرت» إلى استقرار الأوضاع السياسية، فشجع «الحكام» العلماءَ والأدباء، وعمدوا إلى مساعدتهم، فبرز منهم عدد كبير، ومنهم «ابن يمين» (المتوفى عام 769هـ)، وقد مدح بأشعاره «آل كرت» والسربداريين، وتضمن شعره الحكم والمواعظ، ومما يجدر ذكره أن العالم الجليل والقطب الكبير «جلال الدين الرومى»، قد وُلد وعاش فى «بلخ» فى الفترة من (604هـ إلى 672هـ)، وهو من أكبر شعراء الصوفية الفرس، وصاحب كتاب «مثنوى».

*قراقيونلو (دولة)

*قراقيونلو (دولة) ظهرت جماعة من التركمان أطلقوا على أنفسهم اسم «قراقيونلو» (8) فى أواخر عهد السلطان «أبى سعيد بهادرخان» آخر حكام «الدولة الإيلخانية» - فى النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى = النصف الثانى من القرن الرابع عشر الميلادى - فى الشمال الغربى لآسيا جنوبى بحيرة «وان». ومما لاشك فيه أن هذه الجماعة قد استفادت استفادة كبيرة من الضعف الذى منيت به «الدولة الإيلخانية» فى عهد خلفاء السلطان «أبى سعيد بهادرخان»، ودخلوا فى صراع مع التيموريين، واعتنقوا المذهب الشيعى، ويرجع نسب أمرائهم إلى الأمير «محمد تورمش ابن بيرام خواجة». استطاع الأمير «أبو نصر قرا يوسف نويان بن محمد» أول أمراء «قراقيونلو» أن يقود كتائبهم المنتشرة بالأقاليم المجاورة لأرمينيا و «أذربيجان»، ويستولى على «تبريز» ويجعلها عاصمة لإمارته، ثم اصطدم بأحمد بن أويس الجلائرى فى عام (813هـ = 1410م)، وتمكن منه وقتله، ومد سلطانه وسيطرته على «أذربيجان» (أذربايجان). ولما غزا «تيمور» بلاد «قرا يوسف» فى عام (802هـ = 1400م)، سلبه ملكه، ولكنه استعاد ما سلب منه فى عام (808هـ = 1405م)، ونادى بابنه «بيربوداق» أميرًا على «أذربيجان» سنة (810هـ = 1407م)، فاستطاع أن يتخلص من «قرا عثمان» رئيس «الآق قيونلو» فى «ديار بكر»، ويحقق لقبيلته كثيرًا من الانتصارات والفتوح من ناحية الغرب، ثم توجه إلى الشرق لصد القوات التيمورية بقيادة «شاه رخ»، ولكنه توفى فجأة فى الطريق بأذربيجان، وكذلك توفى والده «قرا يوسف» فى الوقت نفسه، فتولى الأمير «إسكندر بن قرا يوسف» الحكم فى عام (823هـ = 1420م)، واستمر حتى عام (841هـ = 1437م (. وفى أثناء هذه الفترة وقعت أحداث كثيرة، فهاجم «شاه رخ» الذى كان يحكم القسم الشرقى لإيران الأمير إسكندر بن قرا يوسف، وألحق به الهزيمة فى «تبريز»، وطرده من «أرمينية» فى عام (824هـ = 1421م)، ولكن الأوضاع

الداخلية للدولة التيمورية أجبرت الأمير «شاه رخ» على العودة إلى «خراسان»، مما أتاح الفرصة للأمير «إسكندر» للعودة إلى إمارته واسترداد ملكه، وتحقيق انتصارات متتالية فى «أرمينية» و «أران»، و «بلاد الأكراد». واستمر الصراع بينهما حتى قتل الأمير إسكندر سنة (841هـ) فتولى أخوه الأمير «جهانشاه» زعامة أمراء «قراقيونلو»، واصطدم بالتيموريين وهزم «الميرزا علاء الدولة التيمورى» واستولى منه على «خراسان»، وفى الوقت نفسه تمرد ابن «جهانشاه» عليه فى «أذربيجان»، فاضطر إلى مصالحة التيموريين ثانية، وأعاد إليهم «خراسان»، ثم عاد إلى «تبريز» عاصمته ليتمكن من مواجهة ابنه والقضاء على تمرده، فخرج عليه «حسن بيك» أحد أفراد قبيلة «آق قيونلو»، وقتله فى سنة (872هـ = 1467م). كان الأمير «حسن على» هو آخر أمراء هذه الدولة، وهو ابن الأمير «جهانشاه» الذى اعتقله فى «باكو» نحو خمسة وعشرين عامًا؛ فلما ولى الأمير «حسن» الحكم، لقى هزيمة منكرة على أيدى قبيلة «آق قيونلو» بزعامة «أوزون حسن» فى عام (873 هـ = 1495 م)، وسقطت أسرة «قراقيونلو»، فكانت النهاية. لم تتح الحروب والمعارك العسكرية فرصة كافية أمام أمراء «قراقيونلو» للاهتمام بمظاهر الحضارة، فقد عاشت دولتهم فى صراعات متواصلة من أجل الحفاظ على حدودها من الجلائريين والتيموريين، ولكن ذلك لم يمنع الأمير «جهانشاه» من الاهتمام بالأدب والشعر، إذ كان هو نفسه ينظم الشعر، وكان محبا له. وقد شيد «جهانشاه» مسجدًا يعد تحفة فنية فى عمارته، وهو «المسجد الأزرق» الذى يمثل العمارة الإسلامية فى هذه المنطقة. لم يمنح التيموريون أيا من أمراء «قراقيونلو» فرصة الاتجاه نحو الاهتمام بمظاهر الحضارة، لأنهم كانوا يحطمون كل شىء ويقضون على الأخضر واليابس فى غزوهم الشامل على مناطق نفوذ أمراء «قراقيونلو»، لذا لم يهتم هؤلاء الأمراء بمظاهر الحضارة، وصرفوا جهودهم إلى النشاط الحربى.

*الصفوية (دولة)

*الصفوية (دولة) ينتسب الصفويون إلى «صفى الدين الأردبيلى» الذى عاش فى الفترة من (650هـ = 1252م) إلى (735هـ = 1334م)، وهو أحد شيوخ الصوفية، وقد درس فى مطلع حياته العلوم الدينية والعقلية فى موطنه، ثم ارتحل إلى «شيراز»، واتصل بالشاعر المعروف «سعدى الشيرازى»، ثم رحل إلى «أردبيل» ومنها إلى «كيلان»، ودخل فى زمرة الشيخ «زاهد الكيلانى» وتزوج ابنته، وخلفه فى الطريقة، وعهد إلى أبنائه وأتباعه بالعمل على جذب الأتباع والدراويش، والاجتهاد فى نشر طريقتهم والدعاية لها، وكان هؤلاء ينتسبون إلى المذهب الشيعى. الوضع الداخلى: شهدت «إيران» فترة عصيبة ضاعت فيها حقوق المواطنين، وساءت معاملتهم، فى الفترة التى سبقت قيام «الدولة الصفوية»، فمهد ذلك الطريق أمام شيوخ الصفويين، وتحولوا من أصحاب دعوة وشيوخ طريقة إلى مؤسسى دولة لها أهدافها السياسية والمذهبية. وكانت «إيران» - آنذاك - مقسمة إلى عدة أجزاء، يحكمها عدة حكام، ويستقل كل منهم بما تحت يديه، فعاش الناس حياة قلقة يشوبها الصراع على الحكم، وبحثوا عن مخرج لذلك ناشدين الراحة والهدوء، فلم يجدوا أمامهم سوى أن يكونوا مريدين وأتباعًا لشيوخ الصفويين وطريقتهم، وذلك فى الوقت الذى آلت فيه رئاسة الأسرة الصفوية إلى «إسماعيل»، الابن الثالث لحيدر حفيد الشيخ «صفى»، فأسس «إسماعيل» «الدولة الصفوية» فى عام (907هـ = 1502م)، ثم دخل «تبريز» وأعلن نفسه فيها ملكًا على «إيران»، وتلقب بأبى المظفر شاه إسماعيل الهادى الوالى، وأصدر السكة باسمه، وفرض المذهب الشيعى، وجعله المذهب الرسمى لإيران بعد أن كانت تتبع المذهب السنى، وقال حين أعلن ذلك: «لا يهمنى هذا الأمر، فالله، وحضرات الأئمة المعصومين معى، وأنا لا أخشى أحدًا، وبإذن الله - تعالى - لو قال واحد من الرعية حرفًا، فسأسحب سيفى، ولن أترك أحدًا يعيش». وأمر المؤذنين أن يزيدوا فى الأذان عبارتَى: «أشهد أن عليا ولى الله»، و «حى على خير

العمل». مضى الشاه «إسماعيل» فى إرساء قواعد دولته، وترسيخ دعائم مذهبه، وتنظيم إدارة بلاده، فاتخذ من «حسين بك لله» نائبًا له، وجعل «الشيخ شمس الدين اللاهيجى» حاملا للأختام، واستوزر «محمد زكريا»، ثم قضى على قبيلة «آق قيونلو»، ودخل «شيراز»، وأقر فيها مذهبه الشيعى، فأصبحت «إيران» دولة شيعية بين قوتين سنيتين هما: «الهند» والأتراك من جهة الشرق، والعثمانيون والشام فى الغرب. خلف الشاه «طهماسب الأول» أباه «إسماعيل الأول» على العرش فى (يوم الاثنين 19 من رجب عام 930هـ = 1524م)، وحكم أكثر من نصف قرن دخل خلالها فى حروب كثيرة مع العثمانيين والأوزبك و «كرجستان»، ثم خلفه ابنه الشاه «إسماعيل ميرزا» الذى تلقب بالشاه «إسماعيل الثانى» فى عام (984هـ = 1576م]، واعتمد سياسة الاعتدال فى نشر المذهب الشيعى، فأبعد عددًا من علماء الشيعة المتعصبين عن بلاطه، وأمر بمنع لعن الخلفاء الثلاثة والسيدة «عائشة» فوق المنابر وفى الطرقات، وحاول إعادة المذهب السنى إلى البلاد بالتدريج، مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وأغلبية المجتمع، وقرروا عزله وتعيين ابن أخيه «حسن ميرزا» إذا لم يتراجع عن ذلك، فعمل على تهدئة الثورة التى قامت ضده، وأبعد علماء المذهب السنى عن بلاطه، ونقش على السكة بيتًا مضمونه: أن عليا وآله أولى بالخلافة فى العالم الإسلامى كله. لم يتمكن الشاه «إسماعيل الثانى» من البقاء فى الحكم فترة طويلة، حيث قُتل، وقد اختلفت الروايات فى كيفية قتله، وتم اختيار «محمد خدا بنده» ملكًا على «إيران» فى عام (985هـ = 1578م)، فكثرت فى عهده الاضطرابات التى لم يستطع السيطرة عليها، إذ لم يكن جديرًا بالحكم، فخلفه ابنه الشاه «عباس الأول» على العرش من عام (996هـ = 1588م) إلى عام (1038هـ = 1629م)، ويعد عهده من أبرز عهود الحكم الصفوى فى «إيران» وأهمها؛ إذ عمل على رفاهية شعبه وتعمير بلاده،

ونقل عاصمة دولته من «قزوين» إلى «أصفهان»، وأعاد الحكم المركزى إلى «الدولة الصفوية»، على الرغم من الصعوبات والحروب الكثيرة التى اعترضت سبيله، ونجح فى إقرار أمن بلاده وتأمين رعيته؛ واتخذ مجلسًا لبلاطه ضم سبع أشخاص بسبعة وظائف هى: «اعتماد الدولة» - «ركن السلطنة» - «ركن الدولة» - «كبير الياوران» - «قائد حملة البنادق» - «رئيس الديوان» - «كاتب مجلس الشاه»، وبالرغم من وجود هذا المجلس كان هو صاحب القرار الأول والأخير فى الدولة. ثم توالى على حكم «الدولة الصفوية» - عقب وفاة الشاه «عباس الصفوى» - شاهات ضعاف؛ أدى الصراع فيما بينهم على السلطة إلى ضعف الدولة، فضلا عن أن ذلك أعطى الفرصة للأعداء الخارجيين الذين كانوا متربصين بالدولة، وبخاصة الأتراك العثمانيون، لغزوها ومحاولة السيطرة عليها. وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرًا من الرحالة الأوربيين الذين وفدوا على بلاط الصفويين؛ وصفوا مدى الأبهة والعظمة التى وفرها الصفويون فى بلاطهم، ولعل أبرز ما كان يميز هذا البلاط هو سيطرة رجال الدين واتساع نفوذهم، حتى بات أمر الدولة كله فى أيديهم، نظرًا إلى أنها دولة مذهبية، اتخذت من الدين أساسًا لقيامها، والدعوة إلى مذهبها. بدأ نجم «الدولة الصفوية» فى الأفول عقب وفاة الشاه «عباس الصفوى»، وحكمها «صفى الأول» عام (1038هـ= 1629م)، ثم «عباس الثانى» عام (1052هـ = 1642م)، ثم «سليمان الأول» عام (1077 هـ = 1667م)، ثم «حسين الأول» عام (1105هـ = 1694م)، ثم «طهما سب الثانى» (1135هـ= 1722م) ثم «عباس الثالث» الذى حكم من عام (1144هـ = 1731م) إلى عام (1148هـ = 1736م). وجميع هؤلاء الشاهات الصفويين لم تكن لديهم الصفات التى تمتع بها الشاه «عباس الأول»، وبدت الأمور أمامهم مجرد مظاهر ملكية يجب الحفاظ عليها، ونسوا أمور بلادهم، فضعفت الدولة، وضاعت هيبتها، وسقطت أجزاؤها واحدة تلو الأخرى، فضاعت

الدولة، وسقط العرش، وسقطت «الدولة الصفوية» فى عام (1148هـ = 1736م) فانقسمت «إيران» إلى عدة مناطق منفصلة. تمكن الصفويون من إقامة دولة قومية لهم فى «إيران» على أسس مذهبية، وأحيوا بها الروح القومية، ووحدوا عناصر الشعب تحت لواء مذهبهم الذى قاموا بنشره بالترهيب والترغيب بين الطبقات كافة. وانتفع الصفويون فى تكوين حضارتهم بالصراع العسكرى فى حروبهم ضد العثمانيين؛ إذ كلفوا «روبرت»، و «أنتونى شيرلى» الإنجليزيين بإنشاء مصنع للمدافع لهم، فكان سببًا من أسباب تقدم حضارتهم العسكرية، وانتقل «طهما سب» بعاصمة بلاده من «تبريز» إلى «قزوين» نتيجة توغل السلطان العثمانى «سليمان القانونى» فى «العراق»، ثم فى «تبريز» و «أصفهان»، وأخذ «طهما سب» فى بلاطه الجديد بكل أسباب التحضر والتأنق والدقة، حيث كان خطاطًا ماهرًا، وله دراية عالية بفنون النقش من خلال دراساته فى هذا المجال. وفى سنة (1007هـ = 1598م)، نقل الشاه «عباس الصفوى» عاصمة بلاده إلى «أصفهان»؛ فدبت بها حياة جديدة، وراجت بها التجارة، وازدهرت الصنائع والفنون، وعمد «الشاه عباس» إلى تطوير الجيش وتحديثه، فاستبدل جيشه القديم -المكون من قوات قبلية- بجيش نظامى جديد، واستحدث فيه فرقة عسكرية جديدة أطلق عليها اسم «أصدقاء الملك»، وكانت هذه الفرقة تضم عشرة آلاف فارس، وكان ضعف هذا العدد من المشاة، ثم مضى فى طريق التحديث العمرانى فشيد الطرق، وشق القنوات، وأعد الأماكن اللازمة لنزول القوافل التجارية فى طول البلاد وعرضها، وأقام مدينة ملكية جديدة فى «أصفهان»، وجعلها مجاورة للمدينة القديمة، وأنشأ بها الإنشاءات اللازمة، ثم ضاعف هذه الإنشاءات فى عام (1020هـ = 1611م)، وبنى لنفسه بها قصرًا عظيمًا، وأنشأ حول ميدانه مسجدًا كبيرًا أسماه «مسجد شاه»، وجعل بجواره مسجدًا آخر أصغر منه، وأحاط المدينة بسور من الآجر والطين، وأقام بها الأسواق المسقوفة، ومائة واثنين

وستين مسجدًا، وثمانيًا وأربعين مدرسة دينية، وألفى رباط لإقامة القوافل، وثلاثمائة حمام عام، وجعل لكل منزل بها حديقة خاصة، كما جعل شوارع هذه المدينة متعرجة وضيقة، ربما لأسباب أمنية ودفاعية، فبلغ تعداد السكان بالمدينة الجديدة نحو ستمائة ألف نسمة فى ذلك الوقت، ولقد بقيت آثار هذه المدينة شاهد صدق على عظمة الحضارة الصفوية إلى وقتنا الحاضر.

*الأفاغنة

*الأفاغنة تمرد الأفغانى «محمود بن ميرويس» ورفع راية العصيان على «الدولة الصفوية» فى عهد الشاه الصفوى «حسين الأول»، فلما لم يجد هذا الرجل من يأخذ على يديه ويوقف عصيانه؛ تمكن من الاستيلاء على مدينتى «هراة» و «مشهد»، وهما من أهم مدن دولة الصفويين، ولم يكتفِ بذلك: بل استولى على العاصمة «أصفهان» فى سنة (1135هـ = 1722م)، فدخلت دولة الصفويين فى طور السقوط والانهيار النهائى، وتحولت من دولة كانت تتمتع بالنفوذ والسطوة والهيبة فى عهد «عباس الأول» ومَن سبقوه، إلى هيكل ضعيف لاحول له ولا قوة، وظهرت إلى جانبها قوى أخرى جديدة وفتية سلبتها حق التمتع بإمكاناتها وممتلكاتها، وسلبت حكامها حق الانفراد بحكم البلاد. أقام الأفغانيون دولتهم على ما سلبوه من أراضى الدولة الصفوية، وكان أول حكامهم هو «محمود بن ميرويس» الذى حكم فى (11من المحرم عام 1135هـ = 1722م)، وقُتل فى سنة (1137هـ = 1725م)، فخلفه «أشرف بن عبدالله» فى الحكم، وظل به حتى عام (1142هـ = 1729م)، ثم ظهر الأمير الأفغانى «آزاد خان» مطالبًا بالحكم فى «أصبهان» فى سنة (1166هـ = 1753م)، وتم له ما أراد، وظل فى الحكم حتى سنة (1169هـ = 1756م).

*الأفشارية

*الأفشارية لم يستمر حكم الأفاغنة طويلا؛ إذ استعان الشاه «طهما سب الثانى» - على دفع تهديد الأفغان- بالقوى المحيطة، فأسرعت «روسيا» إلى مساعدته فيما طلب، نظير السماح لها بدخول «استراباد»، وهكذا تمكن الروس من وضع أقدامهم فى هذه المناطق. ثم ظهرت قوة جديدة حكمت فى الفترة من سنة (1148هـ = 1736م) إلى سنة (1210هـ - 1796م) عرفت باسم الأفشارية، واستطاع «نادر شاه الأفشارى» أن يقضى على حكم الأفغان، ويخلع الشاه «طهماسب الثانى» ويسجنه مع طفله الرضيع «الميرزا عباس الثالث»، ثم أعلن تتويجه ملكًا على «إيران» فى سنة (1148هـ = 1736م)، وظلت أسرته تحكم أكثر من ستين عامًا، أى إلى سنة (1210هـ = 1796م)، وقد اتسم حكم «نادر شاه» بالسطوة والعنف ضد الرعية، مما أسرع بقتله على يد أحد ضباطه، فأدى ذلك بدوره إلى ظهور «الزنديين»، وأصبح زعيمهم «محمد كريم خان» شاه «إيران» فى سنة (1163هـ = 1750م)، ولكن هذه الأسرة لم تستطع مد نفوذها إلى «خراسان» التى كانت فى قبضة «شاه رخ» الإفشارى، وبقيت هذه الأسرة الزندية فى الحكم مدة خمسين عامًا، حتى قُتل آخر حكامهم «لطف على» على يد «آقا محمد القاجارى» فى الرابع عشر من المحرم عام (1211هـ = 1799م)، فظهرت الأسرة القاجارية.

*القاجارية

*القاجارية هى إحدى الأسر المغولية، وانتشر أفرادها فى البلاد الإسلامية، وأقاموا بصفة خاصة بأرمينية، واقتصر دورهم فى عهد الشاه «إسماعيل الأول الصفوى» على تقديم العون إلى الصفويين، حيث اتخذ منهم جنودًا لمواجهة شر القبائل المهاجمة لحدوده، فازدادوا بذلك قوة ونفوذًا، ثم استطاع «آقا محمد خان» توحيد فروع قبيلته بالقوة والعنف حتى تمكن من الاستيلاء على «طهران» فى سنة (1193هـ = 1779م)، ثم أقام «الدولة القاجارية»، وأصبح أول ملوكها، وأطلق على نفسه لقب ملك «إيران» فى عام (1211هـ = 1796م)، وقضى على «الزنديين»، وحقق السيطرة الكاملة على «إيران» و «جورجيا»، ثم خلفه «فتحعلى شاه» فى الفترة من (1212هـ = 1797م) إلى (1250هـ = 1834م)، وامتاز عصره بالهدوء النسبى، وإن تخللته بعض الاضطرابات والمشاكل السياسية.

*التيمورية (دولة)

*التيمورية (دولة) ينتسب التيموريون إلى قبيلة «برلاس» المغولية، ويرجعون فى أصلهم إلى «تيمور بن ترغاى بن أبغاى»، الذى أحاط المؤرخون نسبه بهالة من الرفعة وعلو الشأن، ليبرروا استيلاءه على «بلاد ما وراء النهر»، فقد كان أبوه «أمير مائة» عند السلطان المغولى، وكان المغول يستخدمون الأتراك فى دواوينهم، وأكثروا منهم، حتى صارت اللغة التركية هى لغة البلاط والمجتمع فى «بلاد ما وراء النهر»، فلما دخلت «الدولة المغولية» مرحلة الاضمحلال والضعف؛ قامت «الدولة الجغتائية» بمساعدة قبيلة «برلاس»، فحفظ الجغتائيون هذا الجميل، وولوا «تيمور لنك»، ولاية «كش»، حين التجأ إليهم أثناء الاضطرابات التى عصفت ببلاد «ما وراء النهر» ثم لم يلبث أن أخرج الجغتائيين من بلاد «ما وراء النهر»، وطارد قبائل «الجتة» البدوية؛ التى اتسمت بالعنف والوحشية، وتمكن من طردهم من «بلاد ما وراء النهر»، ثم أعلن نفسه سلطانًا فى بلخ» على هذه المنطقة، واتخذ «سمرقند» عاصمة لملكه، وأعلن ذلك رسميا فى عام (800هـ = 1397م)، ثم مضى فى تنظيم حكومته الجديدة، واتبع قانون «جنكيزخان» (الياسا المغولية)، بما لا يتعارض مع القرآن الكريم والسنة النبوية. كان «تيمور لنك» ميالا إلى الفتح والتوسع، وغزا «خوارزم» فى عام (773هـ)، ثم دخلها وسيطر عليها فى عام (781هـ)، فأضحت «آسيا الوسطى» كلها تحت سلطانه. بدأ حكم «تيمور كورخان» (تيمورلنك) منذ دخل «سمرقند» فى عام (771هـ = 1329م)، فكوَّن مجلس شورى من كبار الأمراء والعلماء، وعلى الرغم من أنه كان الحاكم الفعلى للبلاد، فإنه عمد إلى اختيار الأمير الجغتائى «سيورغتمش بن دانشمندجة»، وجعله رمزًا للحكم ولقبه بلقب السلطان فى الفترة من سنة (771هـ = 1329م) إلى سنة (790 هـ = 1387م)، ثم اتخذ من بعده «محمود بن سيورغتمش» من عام (790هـ = 1387م) إلى عام (800هـ = 1397م). وقد اتسمت سياسة «تيمور لنك»

بالتوسع، فزحف إلى «إيران» فى سنة (782هـ = 1380م)، وتمكن من الاستيلاء على «خراسان» و «جرجان»، و «مازندران»، و «سيستان»، و «أفغانستان»، و «فارس»، و «أذربيجان»، و «كردستان»، ثم دخل «جورجيا» وغرب «إيران» فى عام (786هـ = 1384م)، وتمكن من فتح «العراق» و «سورية» (حلب ودمشق)، وهزم المماليك فى الشام، وحقق انتصارات عظيمة فى «الهند» عقب وفاة «فيروزشاه» سلطان «دلهى» فى عام (799هـ = 1397م)؛ حيث استولت جيوشه على حصن «أوكا»، وأسقطت «الملتان»، وفتحت «آباد»، ودخلت «هراة» بالأمان، ولاقى «تيمورلنك» مقاومة شديدة وصعوبة فى دخول «دهلى» على يد سلطانها «محمود تغلق»، ولكن هذه المقاومة لم تستمر طويلا، ودخل «تيمور» هذه المدينة، فقدم إليه أعيانها وعلماؤها فروض الولاء والطاعة، وخُطب له فيها، وعلى الجانب الآخر حقق «تيمورلنك» انتصارات كثيرة على الأتراك العثمانيين، وأسر حاكمهم «بايزيد خان». وتُوفى «تيمورلنك» فى «أترار» عن عمر يناهز السبعين عامًا فى سنة (807هـ = 1405م) بعد أن دانت له البلاد من «دهلى» إلى «دمشق»، ومن «بحيرة آرال» إلى «الخليج العربى»، فلما علمت بوفاته الأسر الحاكمة من «آل المظفر»، و «آل جلائر» و «ملوك كرت»، وكذا الأسر التركية والتركمانية أخذت جميعها تطالب باستقلالها عن خلفاء «تيمور»، وعودتها إلى الحكم ثانية، فأثارت الفتن والقلاقل، وكثرت الاضطرابات والمشاكل فى طول البلاد وعرضها، وتعرضت «الدولة التيمورية» إلى نكسة حقيقية عقب وفاة عاهلها ومؤسسها «تيمور»، وتمكنت بعض الأسر الحاكمة - من قبل - من العودة إلى الحكم، وإعادة ما سلب من أملاكها وممتلكاتها، فصارت هناك عدة أسر حاكمة تنافس خلفاء «آل تيمور» ثم خلف «تيمورلنك» ابنه «شاهرخ» على العرش سنة (807هـ = 1405م) واستمر فى الحكم إلى سنة (850هـ = 1447م) فعاشت البلاد فى عهده أفضل فترات الحكم؛ إذ كان محبا للعلم

والعلماء، وحفيا بالثقافة، كما كان عادلا وتقيا وورعًا، فاشتهر بسلوكه الحسن وسيرته الطيبة بين الرعية. ولى «شاهرخ» أملاك «الدولة التيمورية» فيما عدا «سوريا» و «العراق العربى»، فقام بإصلاحات كثيرة فى البلاد، وشيد المبانى، وبنى المدارس الكثيرة فى «بخارى» و «سمرقند»، وأنشأ مرصده الشهير، ثم خلفه ابنه «أولوغ بك» على العرش، وقتله ابنه «عبداللطيف بن أولوغ» فى سنة (853هـ = 1449م)، ثم قُتل هو الآخر من بعده، ولم يستفد، من قتل أبيه، وتمكن «أبو سعيد ميرزا» من الاستيلاء على الحكم بسمرقند فى سنة (854هـ = 1450م)، ثم تولى من بعده «أحمد» فى سنة (872هـ = 1467م)، ثم من بعده «محمود» فى سنة (899هـ = 1493م)، ولم يلبث بالحكم سوى عام واحد فقط، ثم حدثت الاضطرابات فى سنة (906هـ = 1500م)، وقضى «الشيبانيون» على «الأسرة التيمورية» فيما عدا «ظهير الدين بابر» الذى فر إلى «الهند»، وتمكن بعد ذلك من تأسيس دولة عظيمة بها. لم يشهد العهد التيمورى ازدهارًا فى مناحى الحياة كافة مثلما حدث فى عصر «شاهرخ»؛ الذى يعد من أكثر حكام «إيران» ثقافة وذكاءً ومعرفة، فقد جعل من «هراة» مركزًا ثقافيا لأواسط آسيا، وتبوأ المهندسون والمعماريون والرسامون والشعراء والعلماء مكانة بارزة فى بلاده، وأغدق عليهم بالعطايا، وتولى رعايتهم بنفسه، فشهدت البلاد فى عصره نهضة حضارية فى كل الفنون ومختلف التخصصات، ويعد مسجد «جوهر شاد» (12) من أبرز إنجازات هذا العصر، وظل العمل فى بنائه اثنى عشر عامًا فى الفترة (808 - 820هـ = 1405 - 1417م)، وقد أقيم تكريمًا لزوجته - التى حمل المسجد اسمها - بمدينة «مشهد». وكذلك بنى المعمارى «قوام الدين الشيرازى» مدرسة كبيرة - بتكليف من شاهرخ- بمنطقة «خركرد» التى تقع إلى الغرب من «هراة»، وتقع حاليا فى شرقى «إيران»، ثم خلف «ألوغ بيك» أباه على العرش، فكانت فترة حكمه قصيرة، ومع ذلك فقد حرص خلالها على رعاية

الفنون والآداب الفارسية. يعد «شمس الدين محمد حافظ الشيرازى» ألمع شخصية أدبية عرفها العصر التيمورى، ويمثل شعره ازدهارًا للحركة الثقافية فى هذا العصر، وقد توفى فى سنة (792هـ = 1389م)، وكذلك يُعد «الجامى» المتوفى فى سنة (898هـ= 1492م)، من أبرز العلماء والشعراء فى هذا العصر؛ إذ ألف ستة وأربعين كتابًا فى مختلف فروع العلم، ثم يأتى «نظام الدين الشامى»، صاحب كتاب «ظفرنامة»، الذى يعد سجلا لفتوحات «تيمورلنك».

*الغزنوية (دولة)

*الغزنوية (دولة) اعتمد السامانيون على الأتراك فى صفوف الجيش، وفى تولى المناصب الكبيرة فى «الدولة السامانية»، فعلا شأن الأتراك، وازداد نفوذهم، ويعد «البتكين» الذى ولى منصب صاحب الحجاب للأمير «عبدالله بن نوح» (343 - 350هـ = 954 - 961م) أبرز الشخصيات التركية فى بلاط السامانيين، وبلغ من نفوذه أن خشى الأمير «عبدالله بن نوح» منه على ملكه فأبعده عن العاصمة، وأسند إليه ولاية «خراسان» فى عام (349هـ = 961م). ولما تولى «منصور بن نوح» الإمارة خلفًا لأخيه «عبدالله» الذى توفى سنة (350هـ = 961م)؛ تمرد عليه «البتكين» فى «خراسان»، وأرسل جيشًا لمحاربته والقضاء على تمرده، وأسند «خراسان» إلى «أبى الحسين سيمجور»، فتوجه «البتكين» إلى «غزنة» واستولى عليها من حاكمها السامانى، وأسس بها إمارة مستقلة عن السامانيين، ثم جعلها مركز حكمه وعاصمة دولته المناهضة للدولة السامانية. حاول الأمير «منصور» جاهدًا أن يقضى على تمرد «البتكين» فى غزنة، ويوقف تأسيس دولته المناهضة، لكن جهوده جميعها باءت بالفشل. لم يتمكن «البتكين» أول حكام «الدولة الغزنوية» ومؤسسها من ترسيخ دعائم دولته الجديدة، فقد وافاه أجله فى سنة (352هـ)، بعد عام واحد تقريبًا من توليه الحكم، ثم خلفه ابنه «إسحاق»، ثم غلامه «بلكانين» - من بعده - ولكنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك، فلما ولى «سبكتكين» أمور الدولة سنة (366هـ)، تمكن بهمته العالية وحسن سياسته أن يبسط نفوذه ويُوطد دعائم دولته، ويحقق لها ما لم يقدر عليه سابقوه، فعُدَّ المؤسس الفعلى لها. ويُعد «محمود الغزنوى» -الذى ولى الحكم فى الفترة من سنة (388هـ) إلى سنة (421هـ) - من أكبر الشخصيات فى التاريخ الإسلامى وأشهرها، إذ قاد الجيوش والحملات والفتوحات من أجل نشر الدين الإسلامى بالهند، ونزل من أعالى «إيران الشرقية» إلى «هندوستان»، ثم واصل جهاده حتى بلغ حدود

«كشمير» و «البنجاب»، وغزا «سومنات» ومنها إلى «كجرات»، ثم استولى على بلاد «الغور» فى عام (401هـ= 1010م)، وأخضع مناطق «ما وراء النهر»، ومدينتى «بخارى» و «سمرقند» لحكمه، فلقبه المؤرخون بلقب «مكسر الأصنام»، كما كان أول من تلقب بلقب السلطان من أمراء المسلمين. وأضحت مدينة «غزنة» فى عهده منارة للعلم، ومقصدًا للعلماء، ووفد عليها أشهر أدباء هذا العصر أمثال الشاعر «الفردوسى»، وأصبحت عامرة بالمساجد والسدود والأبنية الخيرية، التى لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التى اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة. وتُوفى السلطان «محمود» فى عام (421هـ = 1030م)، بمدينة غزنة. وفى سنة (556هـ = 1161م)، أسقط الغوريون «غزنة» وسيطروا عليها، ولم يستطع أحفاد السلطان «محمود الغزنوى» الصمود أمام هجمات الغوريين، ولم يتمكنوا من استعادة عاصمة بلادهم، فسقطت «الدولة الغزنوية» فى سنة (582هـ = 1186م). ولعل أبرز ما يميز «الدولة الغزنوية» عن مثيلاتها من الدول المستقلة فى شرق العالم الإسلامى هى نهضتها الثقافية، التى ازدهرت على أيدى أمرائها الذين قدَّروا رجال الأدب، وعملوا على تشجيعهم والعناية بهم، فقد كان كل أمير يريد أن يحيط نفسه برجال العلوم والفنون؛ ليتفوق على أقرانه، وبرزت «غزنة» فى أواخر القرن الرابع الهجرى كمركز إشعاع كبير فى جنوبى غرب «آسيا»، بفضل تشجيع السلاطين الغزنويين الذين لم يألوا جهدًا فى سبيل رفع شأن العلوم والفنون فى دولتهم، واستطاع السلطان «محمود الغزنوى» أن يضم إليه رجال العلم والأدب الذين كانوا يحيطون بأمراء البلاد المجاورة، وزيَّن «غزنة» بأجمل ما حصل عليه من مغانم «الهند»، وأعاد تشييد مسجدها الجامع، وأضاف إليه مدرسة كبيرة، ووضع بها مؤلفات وتصانيف نقلها من خزائن الملوك السابقين فى العلوم كافة، ليقوم علماء «غزنة» وفقهاؤها بدرسها وتدريسها. وجدير بالذكر أن السلطان «محمود بن سبكتكين»

كان مولعًا بعلم الحديث، ويستمع إلى علمائه، ويستفسر عما يتلونه عليه من أحاديث، وكان يستدعى إلى «غزنة» كل من له سعة فى العلم والأدب والشعر، مثل «بديع الزمان الهمذانى» صاحب فن المقامات، قال عنه «الثعالبى»: «إنه معجزة همذان، وغرة العصر، كان ينشد القصيدة إذا سمعها مرة واحدة، ويترجم ما يستمع إليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعانى الغريبة إلى الشعر العربى، فيجمع فيها من الإبداع والإسراع». ومنهم أبو ريحان محمد بن أحمد البيرونى (362 - 440هـ) الذى يعد من أعظم رجال الحضارة الإسلامية وأبرزهم، وقد نال تقديرًا علميا كبيرًا، وترجمت كتبه إلى اللغات الأوربية، وسمَّت روسيا جامعة حديثة باسمه وأقيم له تمثال فى جامعة موسكو، وأصدر اليونسكو وبعض جامعات أمريكا وألمانيا فهارس بأعماله. وكذلك ظهر عشرات العلماء والفقهاء والشعراء فى «الدولة الغزنوية»، وبلغ اهتمام الغزنويين بالنهضة الثقافية والعلمية مدى كبيرًا تفوقت به على مثيلاتها؛ لدرجة أنها كادت تتفوق على «بغداد» مركز الإشعاع الثقافى فى العالم الإسلامى.

*الغورية (دولة)

*الغورية (دولة) كان الغوريون أسرة صغيرة تحكم «ولاية الغور» التى تقع بين «هراة» و «غزنة»، وكانت «قلعة فيروزكوه» مقر حكمهم، ودأبوا على شن الغارات على رعايا «الدولة الغزنوية»، واتخذوا من وعورة بلادهم وصعوبة مسالكها معصمًا يقيهم من بطش السلطان «محمود الغزنوى»، حين أراد معاقبتهم بعد أن باتوا خطرًا جسيمًا يهدد دولته. ولكن السلطان «محمود الغزنوى» تمكن من استمالة «محمد بن سورى» - أحد رؤسائهم - فى عام (401هـ = 1010م)، ثم عين أولاده فى حكم «فيروزكوه» و «باميان»، ومن ثَمَّ تصاهر الغوريون مع الغزنويين، واتحدوا مع ملوك «غزنة»، فلما قتل «بهرامشاه الغزنوى» «قطب الدين محمود» والد زوجته الغورية، نهض أخوه «سيف الدين سورى» مطالبًا بثأره، واحتل «غزنة» فى عام (543هـ = 1148م). ولمَّا تمكن «بهرامشاه الغزنوى» من قتل «سيف الدين سورى» فى عام (543هـ = 1148م)، قام «علاء الدين حسين» (جهانسوز) الأخ الثانى لقطب الدين بالهجوم على «غزنة»، ثم دخلها ونهبها، ولكنه وقع أسيرًا - بعد فترة قصيرة- فى قبضة السلطان «سنجر السلجوقى»، وتُوفى فى عام (556هـ = 1161م)، فخلفه «غياث الدين محمد»، وأقيمت له الخطبة فى «غزنة»، ولكن الغز طمعوا فى «غزنة» بعد وفاة «علاء الدين» واستولوا عليها، وظلت فى أيديهم مدة خمس عشرة سنة، ثم ألحق «غياث الدين محمد» أمير الغور الهزيمة بالغز وطردهم من «غزنة»، إلا أنه لم يكتفِ بذلك، وعمل على استئصال شأفة «آل سبكتكين»، وتمكن منهم، وضم أملاكهم إلى دولته، ثم اتجهت فتوحات «الغور» إلى «الهند» لعدم قدرتهم على الزحف إلى أواسط «آسيا» حيث توجد «الدولة الخوارزمية»، ودولة الخطا، اللتان وقفتا حصنًا منيعًا أمام راغبى التوسع فى هذه المناطق، ثم جاءت نهاية «الدولة الغورية» على أيدى الخوارزميين فى عام (612هـ = 1215م). كانت مدينة «فيروزكوه» أشهر مدن الغوريين، ومركز حضارتهم، وقصبة

ملكهم، وكان السلطان «غياث الدين محمد» الذى تُوفى فى عام (599هـ = 1202م) من أعدل وأعظم حكام «الدولة الغورية»، وكان شافعى المذهب ومع ذلك لم يحمل الناس على اتباع مذهبه، وقرَّب إليه الشعراء والعلماء، ونبغ منهم الكثيرون فى عهده.

*دهلى (سلطنة)

*دهلى (سلطنة) شهد العالم الإسلامى فترة من تاريخه، تبوَّأ فيها الأرقاء والعبيد عرش البلاد، وتقاليد الحكم، ومناصب الدولة المهمة، وكان هؤلاء العبيد من الأتراك الذين جلبهم السلاطين للخدمة فى صفوف الجيش، فتدرجوا فى مناصبه حتى بلغوا المناصب القيادية المهمة، فزاد نفوذهم، وعلا شأنهم، وباتوا قوة ضاربة تتحكم فى سير الأمور وتطورها؛ حتى إن أحدهم انتزع الملك لنفسه حين توفى أحد السلاطين، ولم يكن له وارث، وأقام المماليك دولتهم بالهند عقب زوال دولة الغور، وظلَّت دولتهم قائمة مدة أربعة وثمانين عامًا فى الفترة من سنة (602هـ= 1206م) إلى سنة (689هـ = 1290م). كان «قطب الدين أيبك» الذى حكم من سنة (602 هـ= 1206م) إلى سنة (607هـ = 1210م)، أول سلاطين المماليك فى «الهند»، واشتهر بحبه للعدل، وإقراره السلام والأمن فى نواحى بلاده، وبنى مسجدين كبيرين، أحدهما بدهلى والآخر بآجمبر. وتوفى هذا السلطان فى عام (607هـ= 1210م)، ثم خلفه ابنه «آرام شاه»، وعجز عن تسيير أمور البلاد وإدارتها، فاستدعى رجال الدولة والبلاط «ألتُمش» وطلبوا منه أن يلى أمور السلطنة، فوافق على مطلبهم وطرد «آرام شاه» من السلطنة، وتربع على عرشها فى عام (607هـ = 1211م). يُعدّ «شمس الدين ألتمش» المؤسس الحقيقى لدولة المماليك فى «الهند»، وهو مملوكى اشتراه «قطب الدين أيبك» من «غزنة»، وحمله معه إلى «الهند»، ثم جعله رئيسًا لحرسه، ثم أسند إليه حكم ولايات «الهند»، فتعرض «شمس الدين» لمحاولات كثيرة للإطاحة به، وما كاد يتخلص منها حتى ظهر له خطر المغول، وألحقوا بدياره الخراب والدمار، ولكنهم لم يتحملوا حرارة جو بلاده، واتجهوا صوب الغرب ثانية، فنجت البلاد من شرورهم. لم ير «ألتُمش» فى أبنائه الذكور مَنْ يصلح للحكم من بعده، فأوصى به لابنته «رضية»، ولكن رجال البلاط عهدوا بالملك عقب وفاته إلى الأمير «ركن الدين فيروز شاه»، إلا أنه لم يهنأ بالملك

بسبب الفتن والاضطرابات التى عمت أنحاء البلاد، وكان نتيجة ذلك أن قُتل هو وأمه، فآلت أمور الحكم إلى السلطانة «رضية» فى عام (643هـ = 1236م). يعد السلطان «بِلْبان» (بِلْبِن) الذى حكم فى الفترة من عام (664هـ = 1265م) إلى عام (686هـ = 1287م)، من أقوى سلاطين «الهند» وأعظمها فى تاريخها الوسيط، إذ واجه المغول الذين عادوا إلى تهديد «الهند» ثانية، وأعاد الهدوء والاستقرار إلى بلاده، ثم قضى على «الهندوس» الذين قطعوا الطريق بين «دهلى» و «البنغال»، وأقر الأمن والنظام فى ربوع دولته. عهد «بلبان» - حين شعر بدنو أجله - بالحكم إلى ابنه «بغراخان»، إلا أن ابنه رفض ذلك، فعهد به إلى حفيده «كيخسرو بن بغراخان»، فتولى أمور البلاد، ولكنه كان ضعيفًا لا يقوى على تسيير أمور الحكم بمفرده، فأسندها إلى «نظام الدين» الذى اعتمد على خواصه والمقربين إليه فى إدارة شئون البلاد، فاستبدوا بها، وحاول «بغراخان» أن يتخلص من «نظام الدين» ولكن الترك لم يمكنوه من ذلك، وعزلوا ابنه «كيخسرو» وولوا «كيقباد» أحد أطفاله الصغار، فتصدى لهم «الخلجيون» بقيادة زعيمهم «فيروز شاه»، وقضوا عليهم، فزال حكم المماليك بالهند على أيديهم. نعمت «دهلى» بالاهتمام ببعض مظاهر الحضارة فى عهد الملوك المماليك، فبنى «قطب الدين أيبك» مدرسة كبيرة إلى جانب مسجده الشهير الذى بدأ بناءه فى عام (1191م)، ثم أكمله له «ألتُمش» فى عام (1230م)، ولاتزال منارة هذا المسجد - التى كانت مكونة من سبعة طوابق - قائمة حتى الآن، ولم يتبقَّ من طوابقها سوى خمسة فقط. كما قام «ألتُمش» بتشجيع العلوم والآداب فى السلطنة، وأنفق أموالا كثيرة فى نسخ أعداد كثيرة من القرآن الكريم لتكون فى متناول أفراد شعبه، وأسس العديد من المدارس، وزيَّن بلاطه بالعلماء والشعراء، وأولى الفن المعمارى عناية فائقة، فأتم مسجد «أيبك» فى «دهلى»، وشيَّد آخر فى «آجميز»، وجعل

عاصمته أحد مراكز العلوم والآداب المهمة.

*الخلجية (دولة)

*الخلجية (دولة) يرجع الفضل فى ظهور «الخلجيين» فى «بلاد الهند» إلى الأمير «قطب الدين أيبك»، الذى ولى «الهند» نيابة عن سلطان «الغور»، فحرص على توسيع رقعة ولايته بها، وأسند أمرها إلى قائده «محمد بن بختيار الخلجى»، الذى قام بدوره على خير وجه، واستولى على «بندنتيورى» عاصمة «إقليم بهار» من ملوك أسرة «بالا»، ثم استولى على الإقليم كله، وقضى على «البوذية» التى كانت منتشرة هناك، وحطم معابدها وأصنامها، ونشر الدين الإسلامى فى ربوع هذه المملكة، ثم استولى على عاصمة إقليم «البنغال»، وأقام الخطبة فيها للسلطان الغورى. حرص خلفاء هذا القائد على توطيد نفوذهم بالأقاليم الهندية التى استولوا عليها، فلما قامت «دولة المماليك» بالهند، وولى «شمس الدين ألتُمش» أمور السلطنة بدهلى، قامت فى وجهه المشاكل والاضطرابات الداخلية التى هدفت إلى الإطاحة بحكمه، ثم أعقبها وفاة «قطب الدين آيبك»، فانتهز «الخلجيون» هذه الفرصة، وسيطروا على «بهار» والبنغال. عمد سلاطين «دولة المماليك» بالهند إلى القضاء على حركات الاستقلال التى تزعمها «الخلجيون» للانفصال عنهم، والاستقلال بما تحت أيديهم، فتصدى «الخلجيون» لهم، وعوَّلوا على تغيير نظام الحكم فى «دهلى»؛ حيث استبد الأتراك بالأمر فيها، ثم جمعوا قواتهم تحت قيادة زعيمهم «فيروز»، وأحدثوا انقلابًا فى «دهلى»، وأطاحوا بالسلطان الطفل، وأعلنوا «فيروز» سلطانًا عليهم، ولقبوه بجلال الدين، وذلك فى سنة (689هـ = 1290م)، فكان أول السلاطين الخلجيين الذين استمر حكمهم ثلاثين عامًا تقريبًا، حتى سنة (720هـ =1320م). يعد «علاء الدين الخلجى»، الذى حكم فى الفترة من سنة (695هـ = 1295 م) إلى سنة (715هـ = 1315م)، من أعظم سلاطين عصره، حيث كان محاربًا شجاعًا، وحاكمًا عادلا، وكان أول من قاد الجيوش فاتحًا شبه القارة الهندية، رافعًا راية الجهاد تحت لواء الإسلام. تأثر

الخلجيون بالبيئة الأفغانية التى انتشر بها التصوف على يد رجل فارسى يُدعى «سيدى مولى»، الذى فر إلى «الهند» عقب الغزو المغولى لبلاد فارس، فالتف حوله الناس من مختلف الطبقات، ووفدوا عليه من كل مكان، فقويت شوكته، وتدخل فى شئون الحكم، ودبر مؤامرة للإطاحة بجلال الدين الخلجى، ولكن «جلال الدين» أحبط هذه المؤامرة، ثم خلفه السلطان «مبارك شاه» فى عام (716هـ = 1316م)، فى الوقت الذى كانت البلاد تمر فيه بظروف صعبة، وتحتاج إلى حكومة قوية؛ تنقذها من هاوية الأزمات التى تردت فيها، فعمل على إعادة الهدوء والسكينة إلى البلاد، وأصلح شئونها، وأغدق على المحتاجين من رعاياه، ومنح الجنود المكافآت، وخفف عن الناس عبء الضرائب، وشجع التجارة، وألغى القوانين التى تحدد أرباحها، فانتعشت وراجت، وكان لذلك أثره المباشر فى تنمية موارد البلاد وازدهار حضارتها، رغم الفترة القصيرة التى قضاها «مبارك شاه» فى الحكم، حيث قُتل فى عام (720هـ = 1320م (.

*التغلقيون (دولة)

*التغلقيون (دولة) استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم قادهم إلى «دهلى»، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية»، فقد عدد كبير من جيش «خسرو شاه»، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور»، وخسر الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه»، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد الهند. قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد «الهند»، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ = 1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم السلطان «غياث الدين تغلق»، ويرجع أصله إلى الجغتائيين الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند»؛ لخدمة بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين»، ثم دخل فى خدمة «أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق»، فشغل هذا المنصب إلى عهد «خسرو شاه»، أعلن الثورة، ودخل «دهلى»، ودارت بينه وبين «خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله، والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق»؛ حيث ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم، وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)، حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه. كان «محمد بن تغلق»

غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة «ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه، ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق» وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام (752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام (790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية، وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين «آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى»، ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى» للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح «الهندوستان»، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. شجع «تغلق شاه» رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق، كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون

عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب الأدباء والعلماء. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى عهد «بنى تغلق»، ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب، وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس، وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس، وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام (734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق»، وتولى منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة «الفيروزشاهية»، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء، وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء

والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع الناس، وخير الكلام ما قل ودل».

*تغلق شاه (بنو)

*تغلق شاه (بنو) استمال «تغلق شاه» جنود شمالى غرب «الهند» إلى صفه، ثم قادهم إلى «دهلى»، وتمرد على السلطان «خسرو شاه ناصر الدين» آخر حكام «الدولة الخلجية»، فقد عدد كبير من جيش «خسرو شاه»، ثم التقى الفريقان فى «ديوبالبور»، وخسر الخلجيون المعركة، وفروا منها، تاركين خلفهم الأسلحة والخيول والفيلة والأموال والمعدات، فدخل «تغلق» العاصمة «دهلى» دون معارضة، ولبَّى الناس نداءه للدخول فى طاعته، بسبب كرههم لخسرو شاه الذى آذاهم وأهان معتقداتهم، ثم دارت معركة فاصلة بين الطرفين فى عام (720هـ = 1320م)، وانتهت بهزيمة الخلجيين، ومقتل «خسرو شاه»، وسقوط «دولة الخلجيين» ببلاد الهند. قامت «دولة التغلقيين» على أنقاض «دولة الخلجيين» ببلاد «الهند»، وتولى «تغلق شاه الأول» الحكم فى عام (720هـ = 1320م)، واستمر فيه حتى سنة (725هـ = 1324م)، وعرف باسم السلطان «غياث الدين تغلق»، ويرجع أصله إلى الجغتائيين الأتراك، وقد قدم فى مطلع شبابه إلى «بلاد السند»؛ لخدمة بعض التجار فى عهد السلطان «علاء الدين»، ثم دخل فى خدمة «أولوخان» أمير «السند» آنذاك، وتدرج فى الفروسية حتى احتل وظيفة أمير الخيل، فلما ولى «قطب الدين» عهد بهذه الإمارة إلى ابنه «محمد تغلق»، فشغل هذا المنصب إلى عهد «خسرو شاه»، أعلن الثورة، ودخل «دهلى»، ودارت بينه وبين «خسرو شاه» عدة معارك، تمكن - فى نهايتها - من قتله، والانتصار على جيشه، ثم دخل القصر الملكى وجلس على سرير الملك. لم تستقر أمور هذه السلطنة فى عهد «بنى تغلق»؛ حيث ظهرت بها المؤامرات، واشتعلت الفتن لانتزاع كرسى الحكم، وثار «محمد بن تغلق» على أبيه فى سنة (725هـ = 1325م)، حين أعلن هذا الأب استياءه من تصرفات ابنه، ومن استكثاره شراء المماليك، ومبالغته فى بذل العطايا، ومنح الهبات، فدبر الابن حيلة تمكن بواسطتها من قتل أبيه. كان «محمد بن تغلق» غريب الأطوار؛ حيث كان محبا للإنفاق والإغداق وبذل الهبات

والعطايا، وفى الوقت نفسه يعمل على إراقة الدماء، ويسعد برؤيتها، فساءت الأحوال فى عهده، ونقل عاصمته إلى مدينة «ديوكر» التى أطلق عليها اسم: «دولت آباد» لكى يأمن خطر المغول، وأجبر سكان «دهلى» على الانتقال إلى العاصمة الجديدة، فاشتدت الأمور سوءًا، وقامت الثورات فى وجهه، ونشطت الحركات الاستقلالية فى عهده، فعدل عن الاستقرار فى هذه العاصمة الجديدة، ولكن الخراب والدمار قد لحقا بدهلى نتيجة هجرها، ولم يتمكن الناس من العودة إليها، فبنى لهم مدينة جديدة بالقرب منها. لم يكن للسلطان «محمد بن تغلق» وريث للحكم حين وفاته، فورثه ابن عمه «فيروز تغلق» فى عام (752هـ = 1351م)، وحكم فى الناس بالعدل، وسار بينهم سيرة حسنة، ثم خلفه حفيده «غياث الدين تغلق شاه الثانى» فى عام (790هـ = 1388م)، ونشطت فى عهده الحركات الاستقلالية، وظلت البلاد فى هذا الوضع المضطرب حتى وفاة آخر سلاطين «آل تغلق» فى عام (815هـ = 1412م)، فاجتمع أعيان «دهلى»، ونصبوا «دولت خان» حاكمة على البلاد، ثم تعرضت «دهلى» للغزو التيمورى الذى قضى على مظاهر الحضارة فيها، وأهلك الحرث والنسل، ولكن هذه الحضارة عادت مظاهرها ثانية إلى هذه السلطنة فى عهد «ظهير الدين محمد بابر» فاتح «الهندوستان»، الذى ينتهى نسبه إلى «تيمورلنك» من ناحية أبيه، وإلى «جنكيزخان» من ناحية أمه. شجع «تغلق شاه» رعيته على تعمير الأرض والاهتمام بالزراعة، فشق الترع والقنوات، وأصلح طرق الرى، وخفض الضريبة على الأراضى الزراعية. وكان «محمد بن تغلق» من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وله منثورات ومنظومات رفيعة المستوى باللغتين العربية والفارسية، وكذلك كان يجيد الفلسفة والحكمة والمنطق، كما برع فى الطب، وعالج الناس بنفسه، وأشرف على ملاجئ العجزة التى أقامها لهم، وأنشأ مدينة «دولت آباد» لكى تكون عاصمة لبلاده، إلا أنه عدل عن هذه الفكرة، ووفد عليه

الكثيرون من المشتغلين بالعلوم والفنون والآداب، وعمل على رعايتهم، ونهج حكام أسرة «آل تغلق» سياسة فى استقطاب الأدباء والعلماء. ظلت الحياة الثقافية فى «الهند» مزدهرة فى عهد «بنى تغلق»، ووفد على السلطان «محمد بن تغلق» الكثير من العلماء والأدباء والفلاسفة، فقد كان هذا السلطان أديبًا وشاعرًا، كما كان فيلسوفًا وطبيبًا بارعًا. ولم يكن «فيروز شاه» أقل منه اهتمامًا بالعلم وأهله، إذ أسس ثلاثين مدرسة لعلوم الدين واللغة والتاريخ والحكمة والرياضيات والفلك والطب، وجلب العلماء المسلمين إلى السلطنة للتدريس بهذه المدارس، وعنى بدراسات «الهند» وعلومها القديمة للاستفادة منها. وقد لاحظ «ابن بطوطة» فى رحلاته ببلاد «الهند» كثرة المدارس، وذكر أنه كانت هناك مدارس للصبية وأخرى للفتيات، وأوضح أن النساء بالهند كن يقبلن على التعليم باهتمام بالغ وخصوصًا العلوم الدينية، وقد وفد «ابن بطوطة» على بلاد «الهند» فى عام (734هـ = 1333م)، واتصل بالسلطان «محمد بن تغلق»، وتولى منصب القضاء فى دولته، وأقام بها مدة ثمانى سنوات، ووصف بلاد «الهند» ونظمها وسياسة حكامها، وطرق إدارتها، وأحوال المعيشة، ومعايش الناس فيها. وأنشأ «فيروز شاه» المدرسة «الفيروزشاهية»، وعنى بعمارتها، وأحاطها بالحدائق الغناء، وجعلها مقصد العلماء وطلاب العلم من كل مكان، فكان من أساتذتها «جلال الدين الرومى» الذى قام بتدريس علوم التفسير والحديث والفقه بها، ومارس الوعظ والتدريس، وبرع فى نظم الشعر، فأقبل عليه التلاميذ من كل مكان، وكانت آخر وصاياه لتلاميذه وصيته التى قال فيها: «أوصيكم بتقوى الله فى السر والعلانية، وقلة النوم والطعام والكلام، وهجران المعاصى والآثام، ومواظبة الصيام، ودوام القيام، وترك الشهوات على الدوام، واحتمال الجفاء من جميع الأنام، وترك مجالسة السفهاء والعوام، ومصاحبة الصالحين والكرام. فإن خير الناس مَن ينفع

الناس، وخير الكلام ما قل ودل».

*المغول (دولة فى الهند)

*المغول (دولة فى الهند) ترجع نشأة المغول إلى «عمر شيخ» الذى تولى إمارة «فرغانة»، ثم دخل فى حروب طويلة مع جيرانه وأصهاره المغول، وإخوته الأتراك، لتوسيع أملاكه، ثم تُوفى فى عام (899هـ = 1493م)، نتيجة سقوطه من فوق حصن له، وخلفه ابنه «ظهير الدين محمد بابر»، وكان عمره اثنتى عشرة سنة آنذاك، وحكم سلاطين الإمبراطورية المغولية «الهند» نحو ثلاثة قرون. ولد «ظهير الدين بابر» فى عام (888هـ = 1482م) بإمارة «فرغانة» التى كان يحكمها والده، ثم أخرجه منها «الأزبك» و «الشيبانيون»، فاتجه إلى «أفغانستان»، واستولى على «كابل» فى عام (910هـ = 1504م)، ثم استولى على «قندهار» فى عام (913هـ = 1507م)، ومن ثم عقد العزم على غزو «هندوستان»، والاستيلاء عليها، وأعد العدة لذلك، ثم خرج بقواته وجيوشه، وبصحبته قادته الأتراك الذين أطلق عليهم اسم «المغول»، وقصد «هندوستان»، فغزا «البنجاب» واستولى على «لاهور» فى (السابع من شهر رجب سنة 932هـ = 20 من إبريل سنة 1526م)، وانتصر على «إبراهيم اللودى» وقضى على اللوديين فى معركة «بانى بت»، وتمكن من السيطرة على «دهلى» و «آكره»، ثم واصل زحفه إلى «هندوستان»، وسيطر على شمالها من «نهر السند» إلى سواحل «بنكاله»، ولكن وافاه أجله فى عام (937هـ = 1530م)، قبل أن يدخل «بنكاله»، و «كجرات»، و «مالوه». كان «ظهير الدين» قد بعث بابنه «همايون» على رأس الجيش للاستيلاء على «آكره»، فاستولى عليها، وعلى كنوزها الثمينة التى كانت تضم جوهرة «كوه نور» أثمن جوهرة فى العالم، فأثار ذلك ملوك الهندوس، فتحالفوا ضده، إلا أنه تمكن من الانتصار عليهم، فى معركة «رانا سنك»، وأسس «بابر» دولته، واهتم بالإصلاحات الداخلية فيها. خلف «ناصر الدين هُمايون» أباه «ظهير الدين بابر» فى التاسع من جمادى الأولى عام (937هـ = 1530م)، وكان عمره آنذاك تسعة عشرة عامًا، فواجه صعوبات شديدة، وتوفى فى

عام (963هـ = 1556م)، وخلفه ابنه «أكبر شاه» الذى انتقل بالبابريين من مجرد غزاة إلى أصحاب دولة قوية راسخة البنيان؛ إذ استولى على أهم مناطق «الهند»، وانتصر فى معركة «بانى بت» فى عام (964هـ= 1556م) - وهى المنطقة نفسها التى انتصر فيها «بابر» من قبل - ونجح «أكبر شاه» فى تنظيم حكومة أجمع المؤرخون على دقتها وقوتها، وذلك فضلا عن النهضة الثقافية التى حدثت فى عصره، والتى بلغت مكانة سامية لم تصل إليها بلاد «أوربا»، ثم تُوفى «أكبر شاه» فى سنة (1014هـ = 1605م)، وخلفه ابنه «سليم» الذى تلقَّب باسم «نور الدين بادشاه» «جهانكيز»، وكان عمره -آنذاك- ستا وثلاثين سنة، فنهج سياسة أبيه فى التسامح، وأشاع العدل بين رعاياه، ثم خلفه ابنه «شاه جهان» فى عام (1037هـ = 1628م). وإذا كانت «نورجهان» زوجة «جهانكيز» قد اشتهرت بمكائدها، فقد اشتهرت «ممتاز محل» زوجة «شاهجهان» بالطيبة والصفات الحميدة، والبر بالفقراء، ودفعت زوجها إلى العفو عن المذنبين، واستخدام «التأريخ الهجرى» بدلا من «التأريخ الألفى» الذى وضع فى عهد «جلال الدين أكبر». أحب «شاه جهان» زوجته حبا شديدًا، وبلغ وفاؤه لها مبلغًا عظيمًا، وبنى لها مقبرة «تاج محل»، التى تعد من روائع الفن المعمارى، وإحدى عجائب الدنيا، ومازالت قائمة حتى الآن. وفى عهد «شاه جهان» حدثت مجاعة شديدة بالهند، فاستغلها البرتغاليون فى خطف الأهالى وأسرهم، ثم بيعهم فى سوق الرقيق، وقد استطاع «قاسم خان» تخليص عشرة آلاف فرد منهم من أيديهم، وعهد «شاه جهان» بالحكم إلى ابنه «أورنك زيب»، بعد أن عهد إلىه بالقضاء على ثورات «الدكن». تولى «أورنك زيب» العرش فى سنة (1069هـ)، فألغى الاحتفال بأعياد «النيروز»، وتمسك بتعاليم السنة، وأمر بتعمير المساجد، وعين لها العلماء والوعاظ، وعمل على نهضة هذه البلاد، ثم أدت الاضطرابات التى قامت وعمت مناطق واسعة من الإمبراطورية المغولية إلى سقوط

هذه الإمبراطورية فى قبضة الإنجليز فى عام (1275هـ = 1858م). اتسم حكام الإمبراطورية المغولية بالهند بالتسامح والعدل بين الرعية، وأدى ذلك إلى اقتراب الناس منهم، ومصاهرتهم، وإلى انتشار الإسلام فى ربوع دولتهم، وقد تجلى هذا التسامح فى أبهى صوره فى عهد السلطان «جلال الدين أكبر»، الذى نادى بأن تكون «الهند» لأهلها من المسلمين والهندوس. ظلت السلطة الفعلية فى أيدى السلاطين، إذ كانوا يسيطرون على نظم الحكم كلها، فقويت البلاد فى عهد الحكام الأقوياء، وسقطت بالسلاطين الضعفاء، ولم تكن للوزير أو الوالى سلطات قوية. انقسمت إدارة الأراضى الزراعية للدولة إلى نوعين، أولهما: إقطاع القادة والأمراء مساحات من الأرض، ليقوموا على زراعتها ورعايتها، ثم ينفقوا من غلتها على جنودهم وخدمهم وتابعيهم، والنوع الثانى: شبيه بما يحدث اليوم؛ إذ كان الرجل يأخذ قطعة أرض مقابل الالتزام بدفع بدل يؤديه إلى خزانة الدولة. ولعل العمارة كانت من أبرز مظاهر الحضارة فى الإمبراطورية المغولية فى «الهند»، إذ اهتم بها البابريون اهتمامًا بالغًا، وعمدوا إلى تعمير المدن، وأصبح لهم طرازهم المعمارى المميز، الذى كان مزيجًا من فنون المسلمين والهندوس، وكانت أهم سماته القباب البصلية الشكل؛ المرصعة بالأحجار الكريمة، و «الميناء» و «الخزف»؛ فضلا عن الأقواس الحادة، والأبواب الفخمة التى فى أعلاها نصف قبة، يُضاف إلى ذلك «تاج محل» إحدى عجائب الدنيا، ذلك البناء الذى شيده «شاهجهان» ليكون مثوى لزوجته «ممتاز محل» تخليدًا ووفاءً لذكراها. عنى أباطرة «الدولة المغولية» عناية فائقة بالحركة الفكرية بالهند، حيث ساهموا فى إخراج كتب قيمة للناس مثل كتاب: «بابرنامه» الذى وضعه «بابر» عن نفسه وحكمه، وأظهر هذا الكتاب إلمام «بابر» الواسع بالتاريخ وتقويم البلدان، والعلوم العقلية والنقلية، كما أظهر إلمامه بالآداب العربية

والتركية والفارسية. وكذلك كتبت «كلبدن بيكيم» ابنة «بابر» كتاب «همايون نامه» الذى يعد مرجعًا وثيقًا فى تاريخ «همايون» ثانى سلاطين الإمبراطورية المغولية. أعفى «أكبر» الهنادكة من ضريبة الرءوس، واهتم بالعلوم والآداب والفنون، وأصدر القوانين والتشريعات الاجتماعية التى تكفل للناس حقوقهم، وتحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم، ونبغ فى عصره العديد من المؤرخين والعلماء والأدباء من المسلمين والهنادكة.

*الأغالبة

*الأغالبة ينسب الأغالبة إلى «الأغلب بن سالم التميمى»، وهو عربى من قبيلة «تميم»، التى شاركت فى القضاء على «الأمويين»، وإقامة «الدولة العباسية»، وقد تولى «الأغلب» إفريقية فى سنة (148هـ=765م)، ثم استشهد بها فى حربه ضد الطامعين بقيادة «الحسن بن حرب الكندى». إبراهيم بن الأغلب [184هـ=800م]: تلقى «إبراهيم بن الأغلب» - فى نشأته الأولى - دروسه الدينية بمسجد الفسطاط على يد الإمام «الليث بن سعد»، فلما بلغ مبلغ الشباب التحق بالجندية، ثم جاء إلى «المغرب» وشارك فى أحداثها، ثم ظهر على مسرح الأحداث فى إفريقية - كما سبقت الإشارة إليه - فى عهد «محمد بن مقاتل العكى». استقل «إبراهيم» بحكم «المغرب الأدنى» عن الخلافة، وعمد إلى إقرار الأمن والاستقرار بهذا الإقليم، فضلاً عن تعريبه، واستكمال نظامه الإدارى، وتنمية اقتصاده، فباتت «القيروان» مركزًا من مراكز العلم والحضارة بالدولة الإسلامية، وظهرت أهمية المدن التابعة لها. مثل: «تونس»، و «سوسة»، و «قابس»، و «قفصة»، و «توزر»، و «نفطة»، و «طبنة»، و «المسيلة»، و «بجاية»، وغيرها. ولكن ذلك لم يمنع من وقوع بعض الثورات بالمنطقة، مثل ثورة «عمران بن مجالد الربيعى» الذى جمع حوله أهل «القيروان» فى محاولة للقضاء على حكم «الأغالبة»، ولكن محاولتهم باءت بالفشل، حيث تصدى لهم «إبراهيم بن الأغلب» بحزم وشدة، واستمر فى منصبه حتى وافته منيته فى شوال سنة (196هـ= يونيو 812م)، فذكره المؤرخون بأنه كان أحسن الولاة سيرة، وأفضلهم سياسة، وأوفاهم بالعهد، وأرعاهم للحرمة، وأرفقهم بالرعية، وأخلصهم لأداء واجبه. أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن الأغلب [196هـ=812م]: تولى «أبو العباس» «المغرب» خلفًا لوالده، فاستقامت له الأمور واستقرت، ولكنه انتهج سياسة ضريبية سيئة، أسفرت عن سخط الناس عليه، وظل «أبو العباس» بالحكم مدة خمس سنوات ثم مات من جرَّاء قرحة

أصابته تحت أذنه. زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب [201هـ=816م]: تولى «زيادة» مقاليد الحكم بالمغرب خلفًا لأخيه «أبى العباس» واستمر فى هذه الإمارة حتى سنة (223هـ= 838م)، فتمتعت البلاد فى عهده بالرخاء والازدهار، فضلا عن التشييد والعمران بالمدن المغربية، مثل: «القيروان»، و «العباسية»، و «تونس»، و «سوسة» وقد وجه «زيادة» قدراته العسكرية للقضاء على الثورات التى قامت بالمنطقة، ومنها: ثورة «زياد بن سهل» المعروف بابن الصقلبية فى سنة (207هـ=822م)، وثورة «عمرو بن معاوية العيشى» فى سنة (208هـ=823م)، وثورة «منصور الطنبذى» فى سنة (209هـ=824م)، وكذلك وجه «زيادة» كفاءته الحربية فى العناية بالأسطول الإسلامى، ثم توجيهه لغزو بعض الجزر القريبة من «تونس»، وإليه يرجع الفضل فى إعداد حملة بحرية كبيرة بقيادة «أسد بن الفرات» لغزو الجزر القريبة من «تونس»، ثم تُوفى فى سنة (223هـ=838م). أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب [223هـ=838م): تولى الإمارة خلفًا لأخيه «زيادة» فى سنة (223هـ=838م)، ومكث بها ما يقرب من ثلاث سنوات؛ نعمت البلاد خلالها بالهدوء والاستقرار، وحرَّم «أبو عقال» صنع الخمور بالقيروان، وعاقب على بيعها وشربها، فكان لذلك صداه الطيب فى نفوس الناس عامة، فضلا عن الفقهاء والعلماء، ومات «أبو عقال» بالقيروان فى سنة (226هـ=841م). أبو العباس محمد بن الأغلب [226هـ=841م]: تولى الإمارة خلفًا لأبيه «الأغلب»، وظل بها أكثر من خمسة عشر عامًا، اتسمت بالخلافات بين أبناء «الأسرة الأغلبية»، فضلا عن محاولة أخيه «أحمد» الفاشلة للإطاحة به والوصول إلى الحكم، يضاف إلى ذلك انتفاضات الجند التى لم يكتب لها النجاح بمنطقتى «الزاب»، و «تونس»، وقد تُوفى «أبو العباس» فى سنة (242هـ) بالقيروان. أبو إبراهيم أحمد بن محمد [242هـ=856م]: تولى خلفًا لأبيه عقب وفاته فى سنة (242هـ)، وتميزت فترة حكمه بالهدوء والاستقرار، وقد غلب

الطابع الدينى على سلوكه، فكان يخرج فى شهرى شعبان ورمضان من مقر إقامته ليوزع الأموال على الفقراء والمساكين بالقيروان، واهتم «أبو إبراهيم» بالبناء والتعمير، وزاد فى «مسجد القيروان»، وجدد «المسجد الجامع» بتونس، وحصَّن مدينة «سوسة» وبنى سورها، كما اهتم بإمداد سكان المدن بمياه الشرب، وقد تُوفى فى سنة (249هـ=863م). أبو محمد زيادة الله الثانى [249هـ=863م]: تولى «أبو محمد» خلفًا لأخيه «أبى إبراهيم أحمد»، ولم يستمر فى منصبه سوى عام واحد، ثم تُوفى فى سنة (250هـ=864م). أبو عبد الله محمد بن أحمد [250هـ=864م]: خلف عمه «أبا محمد زيادة» فى الإمارة فى سنة (250هـ=864م). وقد اشتهر «أبو عبدالله» بأبى الغرانيق؛ لولعه بصيد «الغرانيق»، وبنى لذلك قصرًا كبيرًا، أنفق عليه أموالا كثيرةً، كما شاد الحصون والمحارس الكثيرة على سواحل البحر المتوسط وتوفى «أبو الغرانيق» فى سنة (261هـ). إبراهيم بن أحمد [261هـ=875م]: ولى أمور الحكم عقب وفاة أخيه «أبى الغرانيق» فى سنة (261هـ=875م)، وامتد عهده أكثر من ثمانية وعشرين عامًا؛ ظهر خلالها «أبو عبدالله الشيعى»، الذى استقطب إلى دعوته الشيعية عددًا من القبائل، وقد اختلف المؤرخون فى تقييم شخصية «إبراهيم بن أحمد»، فذكر بعضهم أن عهده كان عهد استقرار وهدوء، وإقرار للعدل، وتأمين للسبل، فضلا عن قيامه بإتمام بناء المسجد بتونس، وبناء الحصون والمحارس على سواحل البحر، يضاف إلى ذلك تأسيسه مدينة «رقادة»، وبناؤه جامعًا بها، فى حين يصفه «ابن خلدون» بقوله: «وذكر أنه كان جائرًا، ظلومًا ويُؤخذ أنه أسرف فى معاقبة المعارضين له بالقتل والتدمير، لكنه حاول فى أخريات أيامه إصلاح ما أفسده، وبخاصة بعد ظهور داعية الشيعة «أبى عبدالله» وانضمام كثير من الناس إلى دعوته، فأسقط المغارم، ورفع المظالم عن طبقات الشعب الكادحة، كما تجاوز عن ضريبة سنة بالنسبة إلى أهل الضياع، ووزع الأموال على الفقراء

والمحتاجين، وختم حياته بالجهاد فى «صقلية»، حيث مرض أثناء حصاره لإحدى المدن، ومات ليُحمل ويدفن فى مدينة «بلرم» فى سنة (289هـ=902م)، وذكر «ابن الأثير» أنه حُمل فى تابوت ودفن بالقيروان. أبو العباس عبدالله بن إبراهيم [289هـ=902م]: تولى الإمارة فى سنة (289هـ=902م)، ولم يستمر بها سوى عام ونصف العام، حيثُ قُتل على يد ابنه «زيادة الله»، وكانت فترة حكمه امتدادًا لسياسة والده «إبراهيم بن أحمد» فى الحكم، فبدأت عوامل الضعف والوهن تدب فى أوصال دولة الأغالبة. زيادة الله بن أبى العباس عبدالله [290هـ=903م]: تولى «زيادة» الحكم عقب مقتل أبيه، وانتهج سياسة أبيه وجده، وتتبع أفراد أسرته بالقتل، فى الوقت الذى نشط فيه «أبو عبدالله الشيعى» وأحرز الانتصارات تلو الأخرى، واستولى على كثير من المدن الأغلبية، ولم تفلح جيوش «زيادة» فى صده أو إيقاف زحفه، فوجد «زيادة» نفسه عاجزًا عن الحفاظ على ملك آبائه وأجداده، فآثر الهرب إلى «مصر»، وحمل معه كل ما استطاع حمله من مال وعتاد، ورحل من «رقادة» فى (26من جمادى الآخرة عام 296هـ= مارس 909م)، فباتت المدينة سهلة المنال «لأبى عبدالله الشيعى»، فبعث «عروبة بن يوسف» أحد قادته للاستيلاء عليها، فدخلها دون قتال، وطويت بذلك صفحة «الأغالبة».

*الرستمية (دولة)

*الرستمية (دولة) دولة نشأت بالمغرب الأوسط (الجزائر) سنة 161 هـ في عهد الخلافة العباسية، وظلت حتى سنة 296 هـ وتوالى عليها عدد من الولاة هم: عبدالرحمن بن رستم [162هـ=779م]: بويع «عبدالرحمن» ليكون أول إمام للدولة الإباضية الناشئة فى ربوع «المغرب الأوسط»، وقد كان أحد طلاب العلم، ودرس على يد «أبى عبيدة مسلم ابن أبى كريمة»، فلما أتم تعليمه عمل على نشر «المذهب الإباضى» ودعمه، ثم عينه «أبو الخطاب» نائبًا له على «مدينة القيروان»، فاكتسب الخبرة الإدارية، وعرف طبائع الناس وظروفهم، ولم يدخر جهدًا فى محاربة الولاة العباسيين، وجَمْع شمل «الإباضية»، خاصة بعد مقتل «أبى الخطاب». كان «عبدالرحمن» رجلاً زاهدًا، وذا صبر على الشدائد، وملتزمًا بكتاب الله وسنة نبيه، واشترط على الناس حين وقع اختيارهم عليه للإمامة أن يسمعوا له ويطيعوا ما لم يحد عن الحق، ثم اختط مدينة «تهيرت»، ودخل فى طاعته العديد من القبائل مثل: «لماية»، و «سدرانة»، و «مزاتة»، و «لواتة»، و «مكناسة»، و «غمارة»، و «أزداجة»، و «هوارة»، و «نفوسة»، وقد افترشت هذه القبائل مساحات واسعة، امتدت من «تلمسان» غربًا حتى «طرابلس» شرقًا. ومضى «عبدالرحمن» فى حكم البلاد بالعدل، منتهجًا سياسة شرعية فى إدارتها، مما أشاع الاستقرار والأمن بين الناس، فلما شعر بدنو أجله اختار مجلسًا للشورى، ليُختار من بين أفراده مَن يصلح للإمامة من بعده، واختار ابنه «عبدالوهاب» ضمن أفراد هذا المجلس، ثم مات فى سنة (168هـ= 784م). عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم [168هـ=784م]: اختاره مجلس الشورى ليكون خلفًا لأبيه فى الإمامة، واتسم عهده ببعض الاضطرابات والقلاقل، وواجه العديد من الثورات التى اتخذ بعضها طابعًا مذهبيا، وبعضها الآخر طابعًا قبليا، فأثَّرت إلى حد بعيد على «الدولة الرستمية»، وعلى رمزها الدينى المتمثل فى الإمام. ومات «عبد الوهاب» فى سنة

(198هـ=814م). أفلح بن عبدالوهاب [198هـ= 814م]: بويع الإمام «أفلح» خلفًا لأبيه، وكان ذا صفات طيبة، وجاءت مبايعته على عكس ما نهجه الخوارج فى تعيين الإمام، إذ اختاره أبوه للإمامة قبل وفاته، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة الظروف التى ألمت بالبلاد، حيث أحاط الأعداء بمدينة «تهيرت»، وكان لابد من اختيار رجل شجاع يتمكن من مواجهة الأعداء. وقد اتسم عهد «أفلح» بالهدوء والاستقرار، وبلغت الدولة فى عهده أوج ازدهارها، ونشطت التجارة، وأقبل الناس من كل مكان قاصدين العاصمة «تهيرت»، وتُوفِّى الإمام «أفلح» فى سنة (240هـ)، إثر حزنه الشديد على وقوع ابنه «أبى اليقظان» فى أيدى العباسيين. أبو بكر بن أفلح بن عبدالوهاب [240هـ=854م]: كان «أبو اليقظان» مرشحًا لمنصب الإمامة، ولكن وقوعه فى أيدى العباسيين حال دون ذلك، وتولاها أخوه «أبو بكر» الذى لم يكن فى شدة آبائه وأجداده وحزمهم، فضلا عن انغماسه فى الترف والنعيم وميله إلى الراحة، وقد تفرغ لراحته وملذاته حين خرج أخوه «أبو اليقظان» من سجن العباسيين وشاركه الحكم، ولكن «أبا بكر» دبر مقتل «محمد بن عرفة» وهو من الشخصيات البارزة بالعاصمة، ليتخلص من نفوذه، فكان ذلك سببًا فى نشوب الصراع بين طوائف الدولة الرستمية، وحاولت كل طائفة تحقيق أهدافها من خلال المعارك الطاحنة، التى أسفرت عن هزيمة حكام البيت الرستمى، واعتزال «أبى بكر» منصب الإمامة. أبو اليقظان محمد بن أفلح بن عبدالوهاب [268هـ= 881م]: شهدت العاصمة «تهيرت» فترة من القلاقل والاضطرابات، ثم نجح «أبو اليقظان» فى تهدئة الأوضاع ودخول العاصمة «تهيرت» فى سنة (268هـ=881م)، فتولى منصب الإمامة، وتجنب سياسة التعصب وتفضيل قبيلة بعينها على غيرها، وجلس لبحث شكاوى رعاياه والبت فيها بنفسه، واستعان بمجلس الشورى الذى ضم إليه شيوخ القبائل ووجهاءها، فاستقرت الأوضاع، وهدأت النفوس، وظل «أبو اليقظان» يدير دفة الأمور فى دولته حتى وفاته فى

سنة (281هـ=894م). أبو حاتم يوسف بن محمد [281هـ=894م]: تولى «أبو حاتم» الإمامة عقب وفاة والده «أبى اليقظان»، لأن أخاه الأكبر «يقظان» كان غائبًا فى موسم الحج، وقد لعب العامة -بزعامة «محمد بن رباح» و «محمد بن حماد» المعروفين بالشجاعة والنجدة- دورًا بارزًا فى المطالبة ببيعة «أبى حاتم» بالإمامة لسخائه وكرمه، ولكن هذا الدور الذى لعبه العامة أطمعهم فى التدخل فى شئون الحكم وتحقيق المكاسب، فرفض «أبو حاتم» ذلك وضرب على أيديهم وطردهم من المدينة، فعمدوا إلى تأليب القبائل ضده، ونجحوا فى طرده من العاصمة «تهيرت»، وبايعوا عمه «يعقوب بن أفلح» بالإمامة، فصار هناك إمامان من بيت واحد، يقفان وجهًا لوجه فى صراعٍ دامٍ على السلطة، ولكن أحدهما لم يحقق نجاحًا ملموسًا على الآخر، فاحتكما وعقدا هدنة، وعاد «أبو حاتم» إلى العاصمة إمامًا على البلاد، وانسحب عمه «يعقوب» بعد أن حكم العاصمة «أربع سنوات». وقد حاول «أبو حاتم» إصلاح ما أفسدته الحروب داخل العاصمة «تهيرت»، وكوَّن مجلسًا استشاريًا من زعماء القبائل ومشايخها للاستعانة بهم فى إدارة البلاد، ولكن محاولاته الإصلاحية كانت بمثابة صحوة الموت للبيت الرستمى، خاصة بعد أن ضعفت قوتهم العسكرية فى محاولة لإنهاء الصراع الذى وقع حول مدينة «طرابلس». وقد تآمر أفراد البيت الرستمى أنفسهم على حياة إمامهم «أبى حاتم»، وقتلوه فى سنة (294هـ=907م) اليقظان بن أبى اليقظان [294هـ=907م]: بويع بالإمامة عقب مقتل أخيه فى سنة (294هـ=907م)، واتسم عهده بالفتن والقلاقل، وتطلع مختلف القبائل والطوائف إلى الاستئثار بالحكم، كما دبرت المؤامرات من داخل البيت الرستمى على يد «دوسر» ابنة «أبى حاتم»، وتكاتفت فرق الخوارج مثل: «المالكية» و «الواصلية» و «الشيعة» لإحباك الفتن والمؤامرات للإطاحة بالإمام، وقد نجح «اليقظان» إلى حد بعيد فى كبح جماح هذه الطوائف والحد من

نشاطها، فهربت «دوسر»، ولجأت إلى «أبى عبدالله الشيعى» الذى نجح فى بسط نفوذه على مساحات كبيرة من أرض «المغرب»، واستنجدت به للثأر لأبيها، فاستجاب لها، واتجه إلى «تهيرت»، فخرجت لمقابلته وجوه أهل «تهيرت» ورحبوا بمقدمه، واستسلم «اليقظان» لمصيره، وخرج مع بنيه إلى «أبى عبدالله»، فأمر بقتلهم ودخل العاصمة فى سنة (297هـ= 910م)، واستولى على ما بها من أموال ومغانم، فطويت صفحة «الدولة الرستمية».

*الأدارسة (دولة)

*الأدارسة (دولة) دولة نشأت بالمغرب الأقصىسنة 172 هـ في عهد الخلافة العباسية، وظلت حتى سنة 300 هـ وتنسب إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله وتوالى عليها عدد من الحكام هم: إدريس بن عبدالله (172هـ= 788م): اضطهد العباسيون منذ اللحظة الأولى لقيام دولتهم أبناء عمومتهم من العلويين، وأسرف بعض الخلفاء العباسيين فى ذلك، فأسفر الأمر عن قيام عدة ثورات، كانت آخرها ثورة «الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب» على والى «المدينة» فى سنة (169هـ=785م)، ولكن العباسيين استطاعوا قمعها، وقتلوا زعيمها ومجموعة من أهل بيته. وكان «إدريس بن عبدالله» ومولاه «راشد» ممن فرَّ من أرض المعركة، واتجها إلى «مصر»، ومنها إلى «المغرب الأقصى»، ونزلا مدينة «وليلى» عاصمة هذا الإقليم، ثم توجها إلى أميرها وزعيمها «إسحاق بن محمد بن عبدالحميد الأوربى»، زعيم قبيلة «أوربة» التى فرضت نفوذها وسيطرتها على مدينة «وليلى» وما حولها، وعرفه «إدريس» بنفسه، وأعلمه بسبب فراره من موطنه «الحجاز»، ولجوئه إلى بلاده، فرحب به «إسحاق» وآمن بدعوته، وبايعه بالإمامة، وكذلك بايعته قبيلته «أوربة»، ومعها بقية القبائل فى رمضان سنة (172هـ=788م)، ومن ثَم نجح «إدريس» فى تأسيس دولة حملت اسمه بالمغرب الأقصى. لكن ذلك أقلق الخلافة العباسية، خاصة بعد أن مدَّ «إدريس» نفوذه إلى مدينة «تلمسان» بالمغرب الأوسط. عمد الخليفة العباسى «الرشيد» إلى الحيلة للقضاء على نفوذ «الأدارسة»، فقيل إنه بعث برجل يدعى «الشماخ» إلى «إدريس»، فتظاهر بحبه لآل البيت، وفراره من بطش العباسيين، ولازم «إدريس» فترة ثم اغتاله حين سنحت له الفرصة، وهكذا نجحت الخلافة العباسية فى التخلص من «إدريس» أبرز المناوئين لها، وفقدت «دولة الأدارسة» مؤسسها فى سنة (175هـ=791م) بعد ثلاث سنوات ونصف فقط من قيامها. إدريس بن إدريس بن عبد

الله: [175 - 213هـ = 791 - 828م]: بات مقعد الإمامة شاغرًا عقب اغتيال «إدريس»، والتف البربر حول مولاه «راشد»، وانتظروا مولود «كنزة» جارية «إدريس بن عبدالله»، فلما وضعت حملها أسموه «إدريس» تبركًا باسم والده، وتعهده «راشد» بالتربية والرعاية، ونشَّأه تنشأة دينية، حتى إذا بلغ الحادية عشرة من عمره أقبلت القبائل على مبايعته بالإمامة، فدعا ذلك الخلافة العباسية إلى التحرك ثانية للقضاء على هذه الدولة، وأوكلت هذه المهمة إلى والى «المغرب الأدنى» «إبراهيم بن الأغلب» الذى نجح فى استمالة مجموعة من البربر بأمواله وهداياه، ثم أوكل إليهم مهمة قتل «راشد»، فقاموا بتنفيذها فى سنة (186هـ= 802م)، لكن «الدولة الإدريسية» واصلت مسيرتها، وانتقلت كفالة «إدريس» والوصاية عليه إلى «أبى خالد بن يزيد بن إلياس العبدى»، وجُدِّدت له البيعة فى سنة (188هـ= 804م)، حين بلغ الثالثة عشرة من عمره، وأصبح فى سن تؤهله لخلع الوصاية، وإدارة البلاد، وعزز مركزه إقبال الوفود العربية من «القيروان» و «الأندلس» للعيش فى كنف دولته فرارًا من بطش الحكام، فدعم بهم نفوذه، واتخذ منهم الوزراء والكتاب والقضاة، وجعلهم بطانته وحاشيته، وقد شجعه هؤلاء على بناء عاصمة جديدة لدولته، فبنى مدينة «فاس»، ثم استقر بها. وفى سنة (197هـ= 813م) خرج «إدريس الثانى» على رأس قواته لإخضاع «قبائل المصامدة» التى هددت أمن بلاده، ونجح فى ذلك نجاحًا كبيرًا، وامتد نشاطه حتى منطقة «السوس الأقصى»، ودخل مدينة «نفيس» ثم عاد إلى عاصمته «فاس»، وخرج فى العام التالى صوب الشرق لتأمين حدود دولته، ودخل مدينة «تلمسان»، وأقام بها ثلاث سنوات، يرتب أمورها، ويرمم مسجدها، ثم عاد إلى «فاس» فى سنة (201هـ)، وظل فى الحكم حتى وافته المنية فى سنة (213هـ=828م). محمد بن إدريس بن إدريس (213 - 234هـ= 828 - 848م): تولى «محمد» أكبر أبناء «إدريس الثانى»

الإمامة فى سنة (213هـ=828م)، فنفذ وصية جدته «كنزة» بتقسيم أقاليم الدولة بين إخوته، فكان لذلك أثره السيئ على وحدة دولة «الأدارسة»، ولما يمضِ على قيامها أربعون سنة بعد، وطمع كل أخٍ فى الاستقلال بإقليمه، وشقََّ عصا الطاعة على السلطة المركزية. ولكن «محمد بن إدريس» تصدى لإخوته وضم ممتلكات أخويه «عيسى» و «القاسم» بعد هزيمتهما إلى أخيه «عمر». ولم تشهد البلاد بعد هذا التقسيم استقرارًا إلا فى بعض الفترات مثل: عهد «يحيى بن محمد» الذى تولى الإمامة فى سنة (234هـ=848م)، فازدهرت فى عهده مدينة «فاس» وشهدت تطورًا ملحوظًا فى أنشطتها، ثم عهد «يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس» عام (292هـ= 905م)، الذى وصفه المؤرخون بأنه كان أعظم ملوك «الأدارسة» قوة وسلطانًا وصلاحًا وورعًا وفقهًا ودينًا، وقد ظل بالحكم حتى سنة (305هـ = 917م) حتى طرق «مصالة بن حيوس» أبواب مدن «المغرب الأقصى»، فأطاعه «يحيى بن إدريس»، وبايع «أبا عبيد الله المهدى»، فدخلت دولة «الأدارسة» منذ ذلك الحين فى طور التبعية للفاطميين تارة، وللحكم الأموى بالأندلس تارة أخرى.

*بنو مدرار (دولة)

*بنو مدرار (دولة) ساهمت الظروف السياسية التى مر بها إقليم «المغرب» عقب نجاح الثورة التى قادها «ميسرة المضفرى الصفرى» ضد الدولة الأموية فى سنة (122هـ=740م) فى استقلال «المغرب الأقصى» وانفصاله عن الحكم الأموى، فأسهم ذلك -إلى جانب اضطراب الأوضاع فى إقليمى «المغرب الأوسط» و «الأدنى» - فى قيام تجمع مذهبى فى جنوب «المغرب الأقصى»؛ هو تجمع «الصفريين» الذين وجدوا بمنطقة «سجلماسة» المجال المناسب لإقامتهم، ثم أسسوا مدينة تحمل اسم المنطقة، لتكون نواة لدولة صفرية، وبايعوا «عيسى بن يزيد بن الأسود» إمامًا لهم، وسانده «أبو القاسم سمكو» زعيم قبيلة «مكناسة» بمبايعة قبيلته له، ولكن جماعة «الصفرية» - بعد خمس عشرة سنة- أخذوا عليه بعض المآخذ، وأنكروا عليه بعض الأمور، وقتلوه فى سنة (155هـ= 772م)، وقد تولى «أبو القاسم بن سمنون بن واسول المكناسى بن مدرار» الحكم خلفًا لعيسى، وجعل الحكم متوارثا فى أفراد «الأسرة المدرارية» حتى سقوط المدينة فى أيدى الفاطميين، وقد توالى الأئمة بعد وفاة «مدرار»، حتى جاءت سنة (174هـ= 790م) فتولى «اليسع بن أبى القاسم» الملقب بأبى منصور شئون الحكم، وظل فى مقعد الإمامة حتى سنة (208هـ=823م)، وشهدت المدينة فى عهده ازدهارًا اقتصاديا، ونفوذًا سياسيا كبيرًا، لذا يعد «اليسع» المؤسس الحقيقى لدولة «بنى واسول» المعروفة بدولة «بنى مدرار»، وامتد نجاح «اليسع» إلى تعمير العاصمة «سجلماسة»، فشهدت فى عهده تطورًا واتساعًا، ومات «اليسع» فى سنة (208هـ= 823م). وتولى «مدرار» خلفًا لوالده فى سنة (208هـ= 823م)، ولقب نفسه بالمنتصر، وظل بالحكم حتى سنة (223هـ=838م)، ونشب النزاع- خلال هذه الفترة - بين أبناء «مدرار»، مما أضعف نفوذهم، وفكَّكَ وحدة بيتهم. وخلفه «محمد بن ميمون بن مدرار»، ووافاه أجله فى سنة (270هـ= 883م)، فتولى من بعده عمه «اليسع بن مدرار»، ودخل «عبيدالله المهدى» وابنه «القاسم» إلى

«سجلماسة» فى عهده، فلما اكتشف حقيقة أمرهما، قبض عليهما، وأودعهما السجن، فظلا به حتى أقبل «أبو عبدالله الشيعى» على رأس قواته وخلصهما، ثم استولى على المدينة فى سنة (296هـ=909م)، وحاول بعض أفراد البيت المدرارى استرداد مدينتهم واستعادة حكمهم من قبضة الفاطميين، وقد حققوا نجاحًا نسبيا فى ذلك، ولكن «جوهر الصقلى» تمكن من القضاء على مُلكهم فى سنة (347هـ=958م)، وقبض على «الشاكر بالله» آخر أمرائهم، وأودعه سجن مدينة «رقادة»، فمات به فى سنة (354هـ= 965م). وطويت صفحة التاريخ السياسى لمدينة «سجلماسة» فى القرن الثالث الهجرى.

*بنو واسول (دولة)

*بنو واسول (دولة) ساهمت الظروف السياسية التى مر بها إقليم «المغرب» عقب نجاح الثورة التى قادها «ميسرة المضفرى الصفرى» ضد الدولة الأموية فى سنة (122هـ=740م) فى استقلال «المغرب الأقصى» وانفصاله عن الحكم الأموى، فأسهم ذلك -إلى جانب اضطراب الأوضاع فى إقليمى «المغرب الأوسط» و «الأدنى» - فى قيام تجمع مذهبى فى جنوب «المغرب الأقصى»؛ هو تجمع «الصفريين» الذين وجدوا بمنطقة «سجلماسة» المجال المناسب لإقامتهم، ثم أسسوا مدينة تحمل اسم المنطقة، لتكون نواة لدولة صفرية، وبايعوا «عيسى بن يزيد بن الأسود» إمامًا لهم، وسانده «أبو القاسم سمكو» زعيم قبيلة «مكناسة» بمبايعة قبيلته له، ولكن جماعة «الصفرية» - بعد خمس عشرة سنة- أخذوا عليه بعض المآخذ، وأنكروا عليه بعض الأمور، وقتلوه فى سنة (155هـ= 772م)، وقد تولى «أبو القاسم بن سمنون بن واسول المكناسى بن مدرار» الحكم خلفًا لعيسى، وجعل الحكم متوارثا فى أفراد «الأسرة المدرارية» حتى سقوط المدينة فى أيدى الفاطميين، وقد توالى الأئمة بعد وفاة «مدرار»، حتى جاءت سنة (174هـ= 790م) فتولى «اليسع بن أبى القاسم» الملقب بأبى منصور شئون الحكم، وظل فى مقعد الإمامة حتى سنة (208هـ=823م)، وشهدت المدينة فى عهده ازدهارًا اقتصاديا، ونفوذًا سياسيا كبيرًا، لذا يعد «اليسع» المؤسس الحقيقى لدولة «بنى واسول» المعروفة بدولة «بنى مدرار»، وامتد نجاح «اليسع» إلى تعمير العاصمة «سجلماسة»، فشهدت فى عهده تطورًا واتساعًا، ومات «اليسع» فى سنة (208هـ= 823م). وتولى «مدرار» خلفًا لوالده فى سنة (208هـ= 823م)، ولقب نفسه بالمنتصر، وظل بالحكم حتى سنة (223هـ=838م)، ونشب النزاع- خلال هذه الفترة - بين أبناء «مدرار»، مما أضعف نفوذهم، وفكَّكَ وحدة بيتهم. وخلفه «محمد بن ميمون بن مدرار»، ووافاه أجله فى سنة (270هـ= 883م)، فتولى من بعده عمه «اليسع بن مدرار»، ودخل «عبيدالله المهدى» وابنه «القاسم» إلى

«سجلماسة» فى عهده، فلما اكتشف حقيقة أمرهما، قبض عليهما، وأودعهما السجن، فظلا به حتى أقبل «أبو عبدالله الشيعى» على رأس قواته وخلصهما، ثم استولى على المدينة فى سنة (296هـ=909م)، وحاول بعض أفراد البيت المدرارى استرداد مدينتهم واستعادة حكمهم من قبضة الفاطميين، وقد حققوا نجاحًا نسبيا فى ذلك، ولكن «جوهر الصقلى» تمكن من القضاء على مُلكهم فى سنة (347هـ=958م)، وقبض على «الشاكر بالله» آخر أمرائهم، وأودعه سجن مدينة «رقادة»، فمات به فى سنة (354هـ= 965م). وطويت صفحة التاريخ السياسى لمدينة «سجلماسة» فى القرن الثالث الهجرى.

*الزيرية (دولة)

*الزيرية (دولة) يرجع نسب «بنى زيرى» إلى قبيلة «صنهاجة» البربرية؛ التى تنتمى إلى فرع من «البرانس»، ولم تكن «صنهاجة» مجرد قبيلة؛ بل كانت شعبًا عظيمًا، لا يكاد يخلو قطر من أقطار «المغرب» من بطونه وأفراده، مما دفع «ابن خلدون» إلى القول بأنهم يمثلون ثلث البربر. وقد سكنت «صنهاجة» فى مساحات شاسعة؛ امتدت من «نول لمطة» فى جنوب «المغرب الأقصى» إلى «القيروان» بإفريقية، وهى منطقة صحراوية، آثروا السكنة فيها على غيرها من المدن الآهلة، لأنها- كما علل «ابن خلدون» - تتوافق مع طباعهم، ورغبتهم فى الابتعاد عن الاختلاط بالناس، والفرار من الغلبة والقهر. وظهرت أسرة «بنى زيرى» -فى أول أمرها- فى طاعة الفاطميين، وتعاونت معهم فى صد الأخطار التى تعرضت لها دولتهم بالمغرب، وكان أول اتصال بينهما فى عهد «المنصور الفاطمى»، حين قدم «زيرى بن مناد» وأهل بيته وقبيلته لمحاربة «أبى يزيد الخارجى» فى سنة (335هـ=946م)، فخلع عليه «المنصور»، ووصله، وعقد له على أهل بيته وأتباعه وقبيلته، فعظم شأنه، وصار «بنو زيرى» أعوانًا وأتباعًا للفاطميين، ومن ثَم نشب الصراع بين الصنهاجيين، وقبائل «زناتة»، لأن «زناتة» كانت دائمة الإغارة على ممتلكات «الدولة الفاطمية». وحين عزم «المعز» على الرحيل إلى «مصر» فى سنة (361هـ= 972م) للانتقال إليها بخلافته، وقع اختياره على «يوسف بُلكِّين ابن زيرى بن مناد الصنهاجى» ليتولى الإمارة بالمغرب خلفًا للفاطميين. 1 - يوسف بُلكِّين بن زيرى بن مناد الصنهاجى [362 - 373هـ= 973 - 983م]: عينه «المعز» على ولاية «المغرب»، واستثنى من ذلك «طرابلس المغرب»، و «أجدابية» و «سرت»، وعين معه «زيادة الله ابن القديم» على جباية الأموال، وجعل «عبدالجبار الخراسانى» و «حسين بن خلف» على الخراج، وأمرهما بالانقياد ليوسف بن زيرى. واجه «يوسف» عدة ثورات واضطرابات بالمغرب، كان منها عصيان أهل «تهيرت»، ثم

سيطرة قبيلة «زناتة» على مدينة «تلمسان»، وقد توجه إلى «تهيرت» بجنوده وأعادها إلى طاعته، كما توجه إلى «تلمسان» وأعادها إلى حكمه فى سنة (365هـ= 976م). وفى سنة (373هـ=984م) خرج الأمير «يوسف» على رأس جيوشه لاستعادة «سجلماسة» من أيدى بعض الثوار الذين استولوا عليها، ولكنه أصيب بمرض أودى بحياته فى شهر ذى الحجة سنة (373هـ= مايو 984م). 2 - المنصور بن يوسف بُلكِّين بن زيرى [373 - 386هـ= 984 - 996م]: أوصى الأمير «يوسف بلكين» قبل وفاته بالإمارة من بعده لابنه «المنصور» الذى كان بمدينة «أشير» حين بلغه خبر وفاة والده، وأقبل عليه أهل «القيروان» وغيرها من المدن، لتعزيته، وتهنئته بالولاية، فأحسن إليهم وقال لهم: «إن أبى يوسف وجدى زيرى، كانا يأخذان الناس بالسيف، وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان، ولست ممن يُولَّى بكتاب، ويُعزل بكتاب»، وقصد «المنصور» من ذلك أن الخليفة الفاطمى بمصر لا يقدر على عزله بكتاب. وقد واجهت «المنصور» عدة مشاكل، كانت منها غارات قبائل «زناتة» المستمرة على المدن المغربية فى سنة (374هـ = 985م)، واستيلاء «زيرى بن عطية الزناتى» على مدينتى «فاس» و «سجلماسة»، مما دفع «المنصور» إلى إرسال أخيه «يطوفت» على رأس جيش كبير لمواجهة هذه القبائل، ودارت معركة كبيرة بين جموع الفريقين، أسفرت عن هزيمة الصنهاجيين، وعودتهم إلى «أشير». ثم تصدى الأمير «المنصور» فى سنة (376هـ= 986م) لعمه «أبى البهار» الذى نهب مدينة «تهيرت»، ففر «أبو البهار» أمامه، ودخل «المنصور» المدينة، وأعاد إلى أهلها الأمن والهدوء. ثم تُوفى فى يوم الخميس (3 من ربيع الأول سنة 386هـ= مارس 996م)، ودُفن بقصره. 3 - باديس بن المنصور [386 - 406هـ= 996 - 1015م]: وُلد «باديس» فى سنة (374هـ=985م)، وتكنى بأبى مناد، وخلف أباه على «المغرب» فى سنة (386هـ=996م)، وأتته الخلع والعهد بالولاية من «الحاكم بأمر الله الفاطمى» من

«مصر»، وبايع للحاكم، وأعلن تبعية بلاده لخلافته، ثم أقطع عمه «حماد بن يوسف» مدينة «أشير»، وولاه عليها، وأعطاه خيلا وسلاحًا، وجندًا كثيرًا، فكانت هذه هى نقطة البداية لانقسام «بنى زيرى» إلى أسرتين: تحكم إحداهما بالمغرب الأدنى فى «ليبيا» و «تونس»، وتحكم الأخرى - أسرة «بنى حماد» - فى «الجزائر»، متخذة من قلعة «بنى حماد» مقرا للحكم. وانفرد «بنو حماد» بإقليم «الجزائر»، نظرًا لضعف قبضة الأمير «باديس» على البلاد. وقد واصل «باديس» مطاردة «زناتة، وأُخبر فى سنة (387هـ= 997م) بأن «زيرى بن عطية الزناتى» قد اعتدى على مدينة «أشير»، فبعث إليه بجيشه لمواجهته، ولكن الجيش هُزم على أيدى الزناتيين، فاضطر الأمير «باديس» إلى الخروج بنفسه لمواجهتهم فى «أشير»، فلما علم الزناتيون بذلك انطلقوا إلى الصحراء، وتركوا المدينة، فدخلها «باديس»، وأقر الأمور بها، ثم مات فى سنة (406هـ= 1015م). 4 - المعز بن باديس [406 - 453هـ= 1015 - 1061م]: أُخذت البيعة للمعز بمدينة «المحمدية»، وتولى الأمر يوم وفاة أبيه وفرح الناس بتوليته لما رأوا فيه من كرم ورجاحة عقل، فضلا عن تواضعه، ورقة قلبه، وكثير عطائه، على الرغم من حداثة سِنه. وقد حدثت فى عهده بعض التطورات، حيث ألغى المذهب الشيعى، وخلع طاعة الفاطميين، ودعا على منابره للعباسيين، وتصالح مع أبناء عمومته الحماديين سنة (408هـ= 1017م)، وواصل مطاردة «قبائل زناتة» جهة «طرابلس»، فى أبناء «حماد». ثم أُصيب «المعز بن باديس» بمرض فى كبده أودى بحياته فى سنة (453هـ= 1061م)، بعد حكم دام سبعًا وأربعين سنة. 5 - تميم بن المعز بن باديس [453 - 501 هـ = 1061 - 1108م]: وُلد بالمنصورية فى منتصف رجب سنة (422هـ= يونيو 1031م)، ثم تولى إمرة «المهدية» فى عهد والده «المعز» فى سنة (445هـ=1053م)، ثم خلف والده فى الإمارة فى سنة (453هـ= 1061م)، فواجه عددًا

من الاضطرابات والقلاقل، حيث سيطر العرب الهلاليون على كثير من مناطق «إفريقية»، وثار عليه أهل «تونس» وخرجوا عن طاعته، فأرسل إلى «تونس» جيشًا، حاصرها سنة وشهرين، فلما اشتد الحصار على الناس، طلبوا الصلح، وعاد جيش «تميم» إلى «المهدية»،ثم ثارت عليه مدينة «سوسة» فحاصرها وفتحها عنوة، وأمن أهلها على حياتهم. وقد تعرضت «المهدية» فى عهده لهجمات الهلالية، لكنه تمكن من صدهم، ثم حاصر «قابس» و «صفاقس»، واستولى عليهما من أيدى الهلالية الذين كانوا يحتلونهما. وعمد إلى مهادنة أبناء عمومته فى «الجزائر»، وزوج ابنته للناصر بن علناس أمير «الجزائر»، وأرسلها إليه فى موكب عظيم، محملة بالأموال والهدايا. ثم تُوفى فى سنة (501هـ= 1107م). 6 - يحيى بن تميم بن المعز بن باديس [501 - 509هـ= 1107 - 1115م]: ولد بالمهدية فى (26 من ذى الحجة سنة 457هـ)، وولى الإمارة وعمره ثلاث وأربعون سنة وستة أشهر وعشرون يومًا، فوزَّع أموالا كثيرة، وأحسن السيرة فى الرعية، ثم فتح قلعة «أقليبية» التى استعصى على أبيه من قبل فتحها، كما جهز أسطولاً كبيرًا، كان دائم الإغارة على الجزر التابعة لدولة الروم فى البحر المتوسط، ومات فجأة فى يوم عيد الأضحى سنة (509هـ - 1115م). 7 - على بن يحيى بن تميم [509 - 515 هـ = 1115 - 1121م]: لم يكن الأمير «على» حاضرًا بالمهدية - التى وُلد بها - حين وفاة والده، فلما وصل إليه الخبر، حضر مسرعًا، ودفن والده، وتولى الإمارة خلفًا له، ثم جهز أسطولاً كبيرًا لمهاجمة جزيرة «جَرْبَة»، لأن أهلها قطعوا الطريق على التجار، وتمكن الأسطول من إخضاع الجزيرة، وأمَّن الأمير أهلها وعفا عنهم، ثم قضى على عصيان «رافع» عامله على «قابس»، الذى سعى إلى شق عصا الطاعة وحشد الجموع لمهاجمة «المهدية». وقد تُوفى الأمير «على» فى العشر الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة (515هـ= يونيو 1121م). 8 - الحسن بن

على بن يحيى [515 - 543هـ= 1121 - 1148م]: ولى الإمارة عقب وفاة والده الأمير «على»، وكان عمره آنذاك اثنتى عشرة سنة، فقام «صندل الخصىّ» بإدارة شئون الحكم، إلا أنه تُوفى بعد فترة قصيرة، فتولى القائد «أبو عزيز موفق» الإشراف على أمور البلاد، وتمكن من صد الأسطول الرومى الذى هاجم بعض حصون الزيريين فى سنة (517هـ= 1123م)، وكذلك ألحق الأمير «الحسن» الهزيمة بجيش «يحيى بن عبدالعزيز بن حماد» أمير «بجاية» الذى جاء لمهاجمة «المهدية» والاستيلاء عليها فى سنة (529هـ= 1135م). وفى سنة (537 - 543هـ= 1142 - 1148م) حل القحط بإفريقية واستغل ملك «صقلية» ذلك وجهز أسطولاً كبيرًا، وتوجه به قاصدًا «المهدية»، ولم يستطع «الحسن» الدفاع عنها، وهرب بأهله ومتاعه إلى أبناء عمومته من «بنى حماد»، فوضعوه وأهله تحت الحراسة، ومنعوه من التصرف فى شىء من أمواله، ودخل الروم مدينة «المهدية» دون قتال أو ممانعة، فسقط حكم «بنى زيرى»، وسقطت إمارتهم، وكان «الحسن بن على» آخر أمراء «الدولة الزيرية». شكلت العلاقات الزيرية الفاطمية حجر الزاوية فى وضع «بنى زيرى» بالمغرب؛ إذ أسفرت هذه العلاقات عن هجوم القبائل الهلالية على أقاليم «الدولة الزيرية»، بمساعدة الفاطميين فى «مصر» وتوجيههم، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى سقوط «بنى زيرى» وانتهاء دولتهم، كما اتخذ «المعز بن باديس» خطوات جريئة فى سبيل الاستقلال بإمارته عن الخلافة الفاطمية، حين قاطع أهل «إفريقية» صلاة الجمعة بالمساجد لأنها تمثل المذهب الشيعى، فضلا عن نبذ الرعية للمذهب الشيعى وتمسكهم بالمذهب المالكى، وبدأ «المعز» فى السعى إلى الاستقلال عن الفاطميين وراسل الخلافة العباسية فى سنة (435هـ= 1044م)، وبعث رسولاً من قِبله إلى «بغداد» ليأتيه بالعهد واللواء، ورحب «العباسيون» بذلك، للانتقام من الفاطميين، واسترجاع بعض مظاهر سيادتهم على هذه المناطق التى انفصلت عنهم منذ زمن بعيد، وبعثوا

بالعهد واللواء مع «غالب الشيرازى» أحد رجالهم، ولكن «غالب» وقع فى قبضة الروم، وأرسلوه إلى أصدقائهم الفاطميين بمصر، فأحرق الفاطميون العهد واللواء، وطافوا بالرجل فى شوارع «القاهرة»، فقطع «بنو زيرى» علاقتهم بالفاطميين، وعادوهم ولعنوهم على المنابر، ودعوا للعباسيين، ثم دعموا استقلالهم وارتباطهم بالعباسيين، وهدموا دار «الإسماعيلية»؛ مركز نشر الدعوة الفاطمية بالبلاد، وغَيَّروا العملة، واتخذوا اللون الأسود شعار العباسيين رمزًا لهم. وقد حاولت الخلافة الفاطمية إرجاع العلاقات إلى ما كانت عليه بالترغيب والترهيب حتى وصل «اليازورى» إلى منصب الوزارة وقبض على مقاليد الأمور بالخلافة، فعمد إلى تشجيع القبائل الهلالية على التوجه إلى «القيروان» وأطلق لها العنان فى التدمير والتخريب، وامتلاك كل ما يقع تحت سيطرتها. ويرجع تشجيع الوزير الفاطمى لهذه القبائل لعدة أمور، منها: رغبته فى الانتقام من «المعز بن باديس»، وتوفير الأموال الطائلة التى ستنفقها الجيوش إذا ما خرجت إلى المغرب لمحاربة «بنى زيرى»، فضلاً عن أمله فى التخلص من القبائل الهلالية ذاتها؛ لأنها تشكل مصدر إزعاج وقلق للسلطة الحاكمة بالقاهرة. وقد فرض الوزير الفاطمى «اليازورى» دينارًا وبعيرًا لكل رجل من «الهلالية»، فخرجت هذه القبائل قاصدة «القيروان» واستولت على مدينة «برقة» دون مقاومة، وتقاسمت فيما بينها المناطق الشرقية، واستأثرت بعض قبائل «بنى هلال» بالمناطق الغربية، واتجهت جموع «دياب» و «عُرف» و «زغب». وبقية البطون الهلالية إلى «إفريقية»، واستولوا على «سرت» و «أجدابية» ودمروها، كما دمَّروا بقية المدن والقرى فى طريقهم إلى «القيروان». وخرج «المعز بن باديس» بجيشه وجموع «زناتة» و «صنهاجة» و «عبيدة» لملاقاة الهلاليين، ولكنهم تغلبوا عليه وهزموه على الرغم من أن عددهم كان لا يتجاوز ثلاثة آلاف فارس، فى حين بلغ تعداد جيش

«المعز» ثلاثين ألف مقاتل، وأسرع المعز إلى «القيروان» وأقام حولها سورًا لحمايتها فى سنة (446هـ= 1054م)، ثم أمر السكان من النساء والأطفال والشيوخ بالانتقال إلى مدينة «المهدية» الحصينة للاحتماء بها، فلما يئس من حماية «القيروان»، انتقل برجال دولته وحاشيته إلى «المهدية»، فدخلها الهلاليون فى سنة (449هـ= 1057م). ولم يمكث «المعز» طويلا بعد سقوط «القيروان» والكثير من مدن دولته، وتوفى بالمهدية فى سنة (453هـ= 1061م)، ومن ثَم انهار الحكم الزيرى بالمنطقة، وتحكمت فيها القبائل الهلالية، وامتد تأثيرهم السياسى حتى وصل إلى «المغرب الأوسط»، وهادنهم «بنو حماد»، وأعطوهم نصف غلات بلادهم اتقاء لشرهم، ودفعًا لأذاهم وخطرهم. كانت الزراعة هى دعامة الحياة الاقتصادية فى المنطقة، التى تمتعت بالهدوء والاستقرار فى ظل الحكم الزيرى فيما عدا الفترة التى شهدت هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الرى على تطور الزراعة، فعرفت المنطقة زراعة «القطن» و «قصب السكر» و «الشعير» وازدهرت زراعة «التمر» و «العنب» و «الموز»، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما فى حياة الفلاح المغربى. وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن المغربية بدور مهم فى تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها من الأسواق التى ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة فى مدينة «القيروان»، فأصبحت «المغرب» بلدًا غنيا، وباتت قبلة تجار الشرق والغرب. ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها، واشتهرت مدينة «باجة» بتصدير كميات كبيرة من «القمح»، كما صُدِّر «زيت الزيتون» عن طريق ميناءى «سوسة» و «صفاقس» إلى بلدان المشرق، وبلاد «أوربا»، فأدى هذا الازدهار إلى تطور الصناعات، وعرفت المدن المغربية صناعات «النسيج» و «الجلود»، و «الأوانى الفخارية»، وغيرها من الصناعات

المتنوعة. أما الناحية الفكرية: فقد شهدت ازدهارًا كبيرًا وتطورًا ملحوظًا، وبخاصة فى مدينة «القيروان» التى أصبحت فى طليعة العواصم الإسلامية ذات الأثر فى تاريخ الفكر الإسلامى، وشهدت مساجد المغرب المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة، والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكى وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدى الشيعة الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم الرسمى منذ ذلك الوقت حتى الآن. وتطورت الحركة الأدبية فى عهد «المعز بن باديس» الذى اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم، وأحسن معاملتهم، مثلما أخبرعنه «ياقوت» بقوله: وكانت «القيروان» فى عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال «المعز» على أهل العلم والأدب وعنايته بهم. ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان «المغرب» أثره الكبير فى تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب، فانتشرت اللغة العربية فى مناطق كثيرة من المغرب، ومن ثم انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد.

*المرابطون (دولة)

*المرابطون (دولة) قامت «دولة المرابطين» على أساس دعوة دينية، نمت وازدهرت فى «ديار الملثمين» بجنوب «المغرب الأقصى» بفضل جهود الفقيه المالكى «عبدالله ابن ياسين»، الذى تمتع إلى جانب علمه وفقهه ببعد النظر ونفاذ البصيرة، وتوجه إلى قبيلة «جدالة» بصحبة زعيمها «يحيى بن إبراهيم»، ففرحت بمقدمه، ثم ما لبث هذا الفرح طويلا حتى تحول إلى جفوة وإعراض حين بدأ «ابن ياسين» فى تغيير ما ألفوه من عادات وملذات تخالف أحكام الدين، وحسبه الزعماء والنبلاء ينتقص من حقوقهم، ويُسوِّى بينهم وبين مواليهم، وساءت العلاقة بينهم وبين «ابن ياسين» ونهبوا داره وهدموها، واضطر هذا الفقيه إلى الرحيل بمن تبعه إلى جزيرة منعزلة بالسنغال. وبدأ «ابن ياسين» فى هذه الجزيرة بإعداد التلاميذ ونشر الدعوة، فذاع صيته، وكثر عدد أتباعه، فأطلق عليهم لقب: «المرابطين»، ومضوا فى تنفيذ ما أمر به. وقد بدأ المرابطون نشر دعوتهم بين قبيلة «جدالة» التى تمردت على «ابن ياسين» من قبل، فقصدوا قبيلتى «لمتونة» و «سوقة» ونجحوا فى نشر دعوتهم بينهما، فكان ذلك مدعاة لانضواء بقية القبائل تحت لوائهم. تُوفِّى الأمير «يحيى بن إبراهيم الجدالى» فى سنة (447هـ= 1055م)، فاختار «ابن ياسين» «يحىى بن محلاكاكين اللمتونى» قائدًا لجند المرابطين، فنقل بذلك السلطة العسكرية من «جدالة» إلى «لمتونة» التى كانت تتمتع بمكانة مرموقة بين بقية «قبائل الملثمين»، فضلا عن سيطرتها على طرق التجارة الساحلية، وهكذا ظهرت قبيلة «لمتونة» على مسرح الأحداث، وتتابع أبناؤها فى السلطة حتى نهاية حكم المرابطين. وفى سنة (447هـ= 1055م) استغاث فقهاء «درعة» و «سجلماسة» بعبدالله بن ياسين لإنقاذ بلادهم من الفساد والظلم، فاستجاب لهذه الدعوة، وخرج بجيشه متوجهًا إلى «درعة» و «سجلماسة»، وتمكن من القضاء على أمراء «مغرادة»، وولى المرابطون عمالا تابعين لهم على هذه البلاد. ولم يستمر الهدوء طويلاً بمدينة

«سجلماسة» وقامت بها ثورة؛ اضطرت المرابطين بقيادة «يحيى بن محلاكاكين» إلى العودة إليها، ونجحوا فى إخماد ثورتها، إلا أن قائدهم «يحيى اللمتونى» استشهد فى المعركة، فوقع اختيار «ابن ياسين» على الأمير «أبى بكر بن عمر» فى سنة (448هـ= 1056م) لقيادة الجيوش، فانتقل «أبو بكر» بالدعوة من مرحلة تلبية نداء المعونة لسجلماسة و «درعة» إلى مرحلة الغزو المسلح للمغرب الأقصى، ودخل مع قبائل «برغواطة» التى اعتنقت المجوسية فى عدة معارك، فأصيب الداعية «ابن ياسين» فى إحداها بإصابات قاتلة أودت بحياته فى سنة (451هـ= 1059م). وواصل «أبو بكر» جهاده، وفرَّق جموع «برغواطة»، واستأصل شأفتهم، ثم رجع إلى مدينة «أغمات» التى اتخذها عاصمة له. وقد شاركه فى نشاطه المسلح ابن عمه «يوسف بن تاشفين الصنهاجى اللمتونى»، الذى أثبت كفاءة عالية، ومقدرة فائقة، وحقق نجاحًا بارزًا؛ غير أن أحداثًا ما وقعت بالصحراء، جعلت «أبا بكر» يتوجه إلى الجنوب تاركًا قيادة بقية المرابطين لابن عمه «يوسف بن تاشفين» الذى يعد المؤسس الحقيقى لدولة المرابطين بالمغرب الأقصى، وقد تجمعت فيه صفات الزعامة والشجاعة والقيادة والحزم، والتفت حوله قلوب المرابطين، وشرع فى بناء مدينة «مراكش» عاصمته الجديدة فى سنة (454هـ= 1062م) ونجح فى بسط نفوذه على «المغرب الأقصى» فى سنة (467هـ= 1074م). وقد نجح ابن «تاشفين» إلى جانب توحيد «المغرب الأقصى» فى وقف الزحف النصرانى على «الأندلس»، وضمَّها إلى «دولة المرابطين» التى اتسعت أطرافها وزادت خيراتها، وتمتعت بالازدهار والرقى فى مختلف المجالات، ثم مرض «يوسف» فى سنة (498هـ= 1104م)، ثم أسلم روحه فى سنة (500هـ= 1106م) ودفن بمدينة «مراكش». ولى الأمير «على بن يوسف بن تاشفين» الحكم واقتفى سياسة والده، وسار بين الناس بالحكمة والعدل، واستعان بالفقهاء والعلماء فى حكم البلاد، فتبوأ مكانة طيبة فى نفوس رعيته.

ومضى «على بن يوسف» فى استكمال الجهود الحربية التى بدأها والده بالأندلس، وعبر إليها بنفسه أربع مرات؛ لتثبيت سلطان المرابطين، ومواجهة الهجمات المتكررة للمسيحيين، فأحرز انتصارات كبيرة، ونال رضا الخلافة العباسية. تُوفِّى الأمير «على» فى سنة (537هـ= 1142م)، فتولى ابنُه «تاشفين» الحكم من بعده، فدخل فى صراع مع دولة «الموحدين»، ولم تفلح جهوده فى صد موجاتهم المتتابعة، وانتهى به الأمر إلى «وهران»؛ حيث قُتل فى سنة (539هـ= 1144م)، فَفَتَّ ذلك فى عضد الدولة، وسقطت أجزاء كثيرة منها فى أيدى الموحدين. حاول المرابطون الاحتفاظ بكيانهم المتداعى، وأمَّروا عليهم «إبراهيم بن تاشفين» إلا أنه لم ينعم بالسلطة طويلا، حيث نازعه عليها عمه «إسحاق بن على ابن تاشفين»، وتولى مكانه، ولكنه لم يستطع أن يدفع حصار الموحدين بقيادة «عبدالمؤمن» خليفة «ابن تومرت» حول العاصمة «مراكش» فى سنة (541هـ= 1146م)، فسقطت «مراكش» فى يد «عبدالمؤمن» الذى أعمل فيها السيف وقضى على كثير من أهلها، وترتب على ذلك سقوط «دولة المرابطين». ضعفت القيادة العليا للمرابطين منذ تولى «على بن يوسف» حكم البلاد، واستبد كثير من الأمراء بالأمر، ثم جاء الخلاف الخطير بين «إبراهيم بن تاشفين» وعمه «إسحاق بن على» على السلطة، فى الوقت الذى كان يزحف فيه الموحدون نحو العاصمة «مراكش». يضاف إلى ذلك تخاذل الجند، فضلا عن الحروب المستمرة التى خاضوها بالأندلس، فاستنزفت قواهم واقتصاد بلادهم، وظهور شخصية «ابن تومرت» الذى نجح فى جذب أعداد كبيرة إليه. فكان ذلك كله من أسباب سقوط «دولة المرابطين» وقيام «دولة الموحدين». تركزت علاقات المرابطين فى جبهتى «الأندلس» و «الدولة العباسية»؛ حيث هبوا لنجدة «الأندلس» من النصارى الإفرنج، ثم قرروا -بعد عدة معارك- ضمها إلى دولتهم، وظلت المعارك هى الطابع المميز لعلاقة المرابطين بالممالك الإفرنجية فى الشمال الأندلسى. أما علاقتهم

بالعباسيين فقد بدأت بعد أن قاموا بنشر دعوتهم بأرجاء «المغرب الأقصى»، ومن ثم اتصلوا بالخلافة واعترفوا بسلطة الخليفة الروحية فى العالم الإسلامى، وطلبًا لتأييد «الخلافة العباسية» لهم، وفى ذلك دعم لدعوتهم التى تأسست عليها دولتهم، وكان الترحيب والاستجابة سمة العلاقة بين الجانبين. شهد «المغرب الأقصى» فى عهد «دولة المرابطين» ازدهارًا اقتصادياً ورخاءً فى مناحى الحياة كافة؛ حيث حرص المرابطون على النهوض بالزراعة والصناعة والتجارة، واهتموا بالنظام المالى وإدارته وكيفية جمعه وإنفاقه، واتخذ «يوسف بن تاشفين» حصنًا صغيرًا لحفظ الأموال والسلاح، ثم دَوَّن لذلك الدواوين حين اتسعت أعمال دولته واستقرت أوضاعها فجعل للمالية دواوين: «الغنائم»، و «نفقات الجند»، و «الضرائب»، و «الجباية»، و «مراقبة الدخل والخرج»، وكان الكتَّاب يقومون بتدوين النواحى المالية المختلفة، والعمال الذين يقومون بجبايتها، وكان جمع أموال الزكاة والجزية المفروضة على أهل الذمة يتم كل عام، أما غير ذلك من مصادر المال كالغنيمة والعشور، فإنها كانت مرتبطة بظروفها. وكان المشتغلون بمالية الدولة -دائمًا- تحت المراقبة الشديدة، والحساب المستمر، والعقاب السريع فى حالة التقصير. وتأتى الزكاة فى مقدمة مصادر الدخل المالى لهذه الدولة، ثم تليها الجزية المفروضة على أهل الكتاب نظير ما يتمتعون به من أمن وحماية، وقد فُرضت الجزية على الرجال الأحرار العقلاء، ولم تُؤخذ من النساء، ولا من الصبية والمجانين والعبيد، وكان مقدارها موكولاً إلى ولاة الأمر واجتهادهم. أما فيما يتعلق بالضرائب، فإن المرابطين فى بداية عهدهم التزموا بأحكام الشرع، ولم يفرضوا إلا ما جاء بالكتاب والسنة، وألغوا ما عدا ذلك من الضرائب بالمغرب والأندلس، وشكلت الغنيمة مصدرًا مهما من مصادر الدخل للدولة، نظرًا للمعارك الكثيرة التى خاضها المرابطون ضد الإفرنج. وقد

ساهمت المصادر المالية المتنوعة فى الإنفاق على تجهيز الحملات العسكرية المتكررة، وإقامة المنشآت، والإنفاق على أوجه الإصلاح والتعمير، فضلا عن المرتبات والأرزاق، وأصدر المرابطون العملات النقدية لتأكيد سلطانهم الاقتصادى. واهتموا بالزراعة وما يتعلق بها، فشيد «على بن يوسف» قنطرة على نهر «تانسيفت» لتوزيع المياه اللازمة للزراعة، فشهدت البلاد - لخصوبة أرضها- وفرة فى المزروعات، وكذلك فى الغابات التى نبتت فى أجزاء متفرقة من البلاد. فأمدت البلاد بكميات وفيرة من الأخشاب التى استخدمت فى كثير من الصناعات مثل صناعة السفن. وكان للصناعة دور بارز فى ازدهار اقتصاد «دولة المرابطين»؛ حيث ازدهرت صناعات كثيرة ومتنوعة نتيجة استقرار الأوضاع، وتوافر المواد الخام، ووجود الخبرة الصناعية المتمثلة فى الأيدى العاملة التى حركت عجلة التصنيع، ودفعتها إلى الأمام. وقد ظهرت عدة صناعات منها: صناعة السفن والزجاج، وأدوات النحاس والحديد، واستخراج الزيوت من الزيتون، والسكر من القصب، وكذلك صناعة الملابس من القطن والصوف، وصناعة دبغ الجلود. وشاركت التجارة فى دفع عجلة الاقتصاد بدولة المرابطين منذ تأسيسها؛ حيث وجه أمراء هذه الدولة اهتمامهم إلى التجارة، وعملوا على تنشيطها؛ بتشجيع التجار على ارتياد البلاد، ووفروا لهم سبل الإقامة، وأنشأوا لهم الفنادق، مثلما فعل «يوسف بن تاشفين» حين دخل مدينة «فاس» فى سنة (462هـ= 1069م). وقد وُجدت المراكز التجارية فى أنحاء دولة المرابطين، وبخاصة فى العاصمة «مراكش» التى حظيت باهتمام التجار، وصارت مركزًا للتجارة الداخلية بين مدن الشمال والجنوب، كما كانت مدينة «فاس» مركزًا تجارياًّ مهماًّ، لموقعها الممتاز فى قلب البلاد، وتوافر المحاصيل الزراعية والصناعات المختلفة بها. وارتبطت مراكز التجارة الخارجية بالمغرب الأقصى فى عهد المرابطين، بعدة طرق برية يضاف

إليها الطريق الملاحى الذى تنقل التجارة بواسطته من هذه البلاد وإليها، وكانت أهم الطرق البرية هى: الطريق الذى كان يربط البلاد بمنطقة «السنغال» و «النيجر»؛ إذ كان يمر بسجلماسة «ودرعة» ومدن «المغرب الأقصى»، متجهًا إلى «أودغشت»، ثم إلى منحنى «النيجر»، وهناك طريق الساحل الذى يربط «دولة المرابطين» بالشرق حتى «مصر»، إلى جانب طريق آخر من «أودغشت» و «سجلماسة»، تسير فيه القوافل بالصحراء حتى «الواحات الداخلة» بمصر. وكان للموانى المنتشرة على ساحل «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى» أثر كبير فى تنشيط حركة التجارة، فتنوعت صادرات البلاد، وشملت: القطن، والقمح، والسكر، والزيتون، والزيت المستخرج من الأسماك، والنحاس المسبوك، وغيرها من الصادرات. أما أهم وارداتها، فكانت: الذهب، والزئبق، وبعض أنواع النسيج البلنسى، والعطر الهندى، وبعض الواردات الأخرى. شكل البربر الغالبية العظمى من سكان «بلاد المغرب» الذين تأسست على أيديهم دولة المرابطين، وقد شاركهم العرب فى الإقامة بالمنطقة منذ بدأت فتوح المسلمين لهذه البلاد، ثم جاءت القبائل العربية الهلالية بعد ذلك إليها، وشاركهم السودانيون الذين انضموا إلى جيوش المرابطين، فضلاً عن تواجد عنصر الروم والصقالبة الذين عاشوا فى ظل المرابطين، واتخذ منهم بعض الأمراء حرسه الخاص، كما استخدمهم بعض الأمراء فى جباية الأموال. وقد تبوأت المرأة مكانة مرموقة فى المجتمع المرابطى، وتمتعت بوضع كريم فى القبيلة الصنهاجية؛ إذ كانت تشترك فى مجلس القبيلة، وتشارك فى الأمور المهمة. وبلغ احترام المرابطين للمرأة حدا جعل القادة والأمراء يُلقبون أنفسهم بأسماء أمهاتهم، تقديرًا لدور المرأة فى المجتمع، فنجد «ابن عائشة»، و «عبدالله بن فاطمة»، وهما من أبرز قادة المرابطين. وعاش أهل الذمة فى بلاد المرابطين إلى جانب غيرهم من طبقات المجتمع وفئاته فى ظل حماية

القيادة العليا للبلاد، وأصبحت طائفة اليهود على قدر كبير من الثراء، ولكن بعض أهل الذمة عمدوا إلى مساعدة أعداء البلاد، وتحريضهم على غزوها، فكان رد فعل أمراء المرابطين هو نفى عدد كبير من هؤلاء، ومنْع اليهود من المبيت بالعاصمة «مراكش»، والسماح لهم بالعمل نهارًا، والانصراف منها ليلاً؛ وهو إجراء وقائى للحفاظ على العاصمة من المؤامرات والدسائس والفتن، وبها ما بها من تجمعات الجند وقادة الجيوش، وإدارة البلاد، فضلا عن كونها مقر أمير البلاد وأسرته وأعوانه وحاشيته. انتعشت حركة البناء والتعمير فى «دولة المرابطين»، وقد بدأها الأمير «يوسف بن تاشفين» بتأسيس مدينة «مراكش» وبنائها، وغيرها من المنشآت، وتبعه فى ذلك ابنه «على» والأمراء من بعده، وامتازت مبانى المرابطين بالضخامة والقوة والاتساع، والاقتصاد فى الزخرفة تمشيًا مع بساطتهم. وتعد «مراكش» من أبرز أعمال المرابطين، وكان سبب بنائها، ازدحام مدينة «أغمات» بقبائل المرابطين القادمين من الجنوب، يضاف إلى ذلك موقعها الاستراتيجى فى مفترق طرق الأطلس والصحراء، وقربها من مواطن المصامدة الذين يشكلون غالبية السكان، وكذلك قربها من صحراء المرابطين ومواطن «لمتونة»؛ حيث توجد الإمدادات العسكرية، وتأسست «مراكش» على أرجح الآراء فى سنة (454هـ= 1062م)، وشارك الأمير «يوسف» فى البناء لتشجيع من حوله فى المساهمة، ثم بنى فيها ابنه الأمير «على» قصره المعروف بدار الحجر، وأحاطه بالأسوار. عاشت «دولة المرابطين» نهضة فكرية مزدهرة، ازدهرت فيها علوم الأدب واللغة والعلوم والفلسفة والطب، ووفد طلاب العلم على المدن المغربية من كل مكان، وقد ساعد على ذلك تشجيع الأمراء المرابطين للعلماء وطالبى العلم، فقصد العلماء العاصمة «مراكش»، وانتظم الطلاب فى دراساتهم، واجتهد كل ذى موهبة فى إبراز ما لديه، ورغب كثير من أبناء «المغرب» فى طلب

العلم، لأن مناصب الدولة ووظائفها كانت مقصورة على المتعلمين والمثقفين. وأصبحت «مراكش» تضاهى «بغداد» فى ازدهار العلوم وكثرة العلماء وشاركتها مدينة «فاس» التى أسسها «إدريس بن عبدالله» فى المكانة، وظل مسجدها الكبير (جامع القرويين) مركز إشعاع علمى يقصده طلاب العلم من كل مكان. أسهمت الروح الدينية التى سادت «بلاد المغرب» منذ قيام «دولة المرابطين» فى ازدهار العلوم الشرعية؛ مثل: علوم التفسير والحديث والفقه والكلام، ووفود كثير من علماء الأندلس على مراكش وغيرها فأسهموا فى دفع حركة التأليف، وشاركهم أبناء المغرب الذين أقبلوا على الدراسة والبحث فى دفع هذه الحركة، فنبغ عدد كبير من العلماء. وعنى المغاربة بكتاب «الوجيز» فى التفسير لعبدالحق بن غالب بن عطية المحاربى، المتوفى فى سنة (541هـ= 1146م)؛ حيث جمع فيه «ابن غالب» خلاصة التفاسير كلها، وتحرَّى منها ما هو أقرب إلى الصحة. ونال علم الحديث عناية فائقة من ولاة الأمر، وكان «موطأ» الإمام «مالك» مدار الدراسات فى الدولة، وكذلك نشط علم الفقه، ولم ينل علم الكلام الرعاية والعناية خلال حكم المرابطين، لأنهم نهجوا طريق السلف، ولم يميلوا إلى الخوض فى هذا العلم. ازدهر الأدب بنوعيه الشعر والنثر فى هذه الفترة باعتباره مظهرًا من مظاهر الحركة الفكرية بالبلاد، وحظى الأدباء برعاية الولاة، وكان بالبلاط المرابطى بعض كبار الكتاب والأدباء الأندلسيين، أمثال: «أبى القاسم بن الجد»، و «ابن القبطرنة»، و «أبى عبدالله بن أبى الخصال»، و «ابن خلدون» وغيرهم. وقد أثر المذهب المالكى وعلماؤه وفقهاؤه فى توجيه الأدب المغربى وجهة تميزت بالبساطة والوضوح، وبعدت عن الزخرف والصنعة وبعدته عن تناول بعض الأغراض التى تناولها أدباء المشرق مثل: «الخمريات»، التى تتنافى مع الجو الدينى الذى ساد البلاد. كثر عدد المكتبات التى ازدحمت بالمؤلفات فى عهد المرابطين، نظرًا

لكثرة العلماء والمؤلفين والكتاب، واهتمام ولاة الأمر بهم وتكريمهم لهم، وقد ساعد ذلك على ازدهار الحركة الفكرية للبلاد. ولم تكن الرغبة فى جمع الكتب مقصورة على ولاة الأمر، بل تعدتها إلى أبناء الشعب، ودفع الكثير منهم مبالغ كبيرة لشراء مرجع أو اقتناء كتاب. مثلما فعل القاضى: «عيسى بن أبى حجاج بن الملجوم» الذى اشترى من «أبى على الغسانى» نسخة من «سنن أبى داود» بخمسة آلاف دينار. وكان منصب «أمين مكتبة الخزانة العلية» من المناصب الرفيعة فى الدولة، ولا يتولاه إلا أحد أكابر العلماء المشهورين بالثقافة والكفاءة ودقة التصنيف. وقد تحددت أماكن كثيرة لبيع الكتب بدولة المرابطين، ففى «مراكش» كانت متاجر بيع الكتب المخطوطة إلى جوار جامع الكتبيين، وكانت فى «تلمسان» سوق لبيع الكتب. وهكذا ساهمت المكتبات فى دفع تيار الثقافة بالبلاد، وتزويدها بما تحتاجه من مختلف فروع العلم والمعرفة.

*الموحدون (دولة)

*الموحدون (دولة) لم تنعم «دولة المرابطين» بالهدوء والاستقرار منذ ظهور الداعية «محمد ابن تومرت» على مسرح الأحداث، وقد نشأ «ابن تومرت» نشأة دينية بقبيلة «هرنمة» إحدى قبائل المصامدة، ولكن ما تلقاه من علوم فى وطنه لم يَرْوِ ظمأه، فسافر إلى المراكز الثقافية المشهورة بالعالم الإسلامى، وبدأ رحلاته إلى «الأندلس» فى مطلع القرن السادس الهجرى، ثم إلى المشرق مارَّا بالإسكندرية، ومنها إلى «مكة» ثم إلى «بغداد» حيث التقى هناك بأكابر العلماء أمثال «أبى بكر الطرطوشى»، واستغرقت رحلته فى طلب العلم نحو خمسة عشر عامًا مكنته من التزود بقدر كبير من الثقافة والمعرفة، وتعرُّف أحوال العالم الإسلامى، ومدى انقسام المسلمين وفرقتهم بالمشرق. وبعد أن عاد إلى «المغرب» بدأ دعوته بمدن المغرب محاولاً إصلاح الأوضاع الفاسدة وتغييرها. فوجدت دعوته قبولاً وترحيبًا من الجماهير، ورفضًا شديدًا من الحكام؛ إذ رأوها خطرًا يهدد مصالحهم ومراكزهم. والتقى «ابن تومرت» خلال هذه الرحلة بعبد المؤمن بن على الذى أصبح من أخلص تلاميذه، وصاحبه فى كل مكان يذهب إليه، ثم دخل «ابن تومرت» العاصمة «مراكش» فى منتصف ربيع الأول سنة (515هـ= 1121م)، وقام بدوره فى الوعظ والإرشاد، واعترض على سياسة الدولة فى بعض الأمور، فوصل خبره إلى الأمير «على بن يوسف» الذى استدعاه، وجمع كبار العلماء والفقهاء لمناظرته. وانتهى الأمر بطرده من العاصمة خشية التأثير على العامة وإضعاف مراكز الفقهاء. وكانت الحصافة السياسية تقتضى سجن هذا الداعية أو التحفظ عليه لخطورته على الدولة، وهو ما تحقق عقب مغادرة «ابن تومرت» «مراكش»، إذ أعلن عن نياته فى مواجهة السلطة الحاكمة، وخلعه الأمير «على بن يوسف»، وبايعه مَن حوله إمامًا للدعوة الجديدة فى سنة (515هـ= 1121م)، واتخذ من مدينة «تينملل» مقرا له، ومركزًا لدعوته، وشرع فى تحقيق أهدافه السياسية

والدينية لإقامة خلافة إسلامية بالمغرب، ولم يدخر فى ذلك وُسعًا ولا وسيلة إلا استغلها، وعمد إلى نشر دعوته بين السذج، وألَّف لهم فى التوحيد والعقيدة بلغتهم البربرية حتى يسهل عليهم التعلم، ويسهل عليه السيطرة عليهم، ومن ثم باتت له الكلمة العليا فى كل شئونهم. شارك «ابن تومرت» فى الكفاح المسلح ضد «دولة المرابطين»، وتذكر المراجع أنه اشترك فى تسع غزوات، وكانت معركة «البحيرة» التى أصيب فيها الموحدون بالهزيمة هى السبب الرئيسى فى خيبة أمل «ابن تومرت» ومرضه؛ حيث قتل فيها عدد كبير من أتباعه، ولكن بقاء تلميذه ومساعده «عبد المؤمن بن على» على قيد الحياة كان سببًا فى تخفيف هذه الصدمة، ومع ذلك لزم «ابن تومرت» داره، واشتد عليه مرضه، وفارق الحياة فى سنة (524هـ= 1130م)، وخلَّف وراءه حربًا مشتعلة على أرض «المغرب الأقصى». حمل «عبدالمؤمن بن على» أعباء الدعوة عقب وفاة أستاذه، وشُغل بتنظيم شئون الموحدين، مدة عام ونصف العام، ثم شرع فى الكفاح ضد المرابطين فى منطقة «الأطلس» جنوبى «مراكش» فى «وادى درعة» و «بلاد السوس» و «بلاد جاحة» القريبة من «تينملل»، ثم استولى الموحدون على «مراكش» عاصمة المرابطين فى سنة (541هـ= 1146م)، بعد كفاح دام أكثر من عشر سنوات كان النصر فيها حليفًا للموحدين. وقد نجح «عبدالمؤمن» فى إحكام قبضته وسيطرته على «المغرب الأقصى» بعد سقوط دولة المرابطين بسقوط عاصمتهم «مراكش»، ثم وجه اهتمامه إلى الشرق، وبعث بحملاته المتتابعة التى وصلت حتى «طرابلس» بإفريقية، فساعد هذا النصر على تحقيق الوحدة السياسية للمغرب الإسلامى، وتلقب «عبدالمؤمن» بلقب خليفة، واتخذ من «مراكش» عاصمة للخلافة، ثم شرع فى تجهيز حملة كبيرة لدفع النصارى عن مدن «الأندلس» فى سنة (556هـ= 1161م)، إلا أن مرضه حال دون إتمام هذه الحملة، ومات فى سنة (558هـ= 1163م). بويع «يوسف بن عبد المؤمن» فى

سنة (558هـ= 1163م)، ليكون خلفًا لوالده. وما إن استقر فى العاصمة حتى واجهته ثورة «مرزدغ الصنهاجى» بجبال «غمارة»، فنجح فى القضاء عليها وتفريق أعوانها، ثم أمر بقتل «مرزدغ»، وحمل رأسه إلى العاصمة «مراكش». ووجه «ابن عبدالمؤمن» جُلَّ جهوده إلى دعم سلطة الموحدين بالأندلس، وبعث بالحملات المتتابعة إليها، وخرج على رأس إحداها فى سنة (566هـ= 1170م)، لتأمين ثغور «الأندلس» وضبطها وإصلاحها، ثم خرج فى سنة (579هـ= 1183م) على رأس حملة كبيرة إلى «الأندلس» لغزوها، إلا أنه أصيب بسهم عند أسوار «شنترين»، فأسرع الجند بحمله والعودة به مصابًا إلى «مراكش»، فقضى نحبه فى سنة (580هـ= 1184م). ولى «يعقوب بن يوسف بن عبدالمؤمن» خلفًا لوالده فى سنة (580هـ= 1184م)، ولقب نفسه بالمنصور، وتوزعت جهوده العسكرية فى أكثر من ميدان؛ حيث قامت ثورة بزعامة «الجزيرى» الذى أخذ يدعو لنفسه بين القبائل فى سنة (585هـ= 1189م)، فقضى عليها «المنصور» وقتل زعيمها، ثم قامت ثورة أخرى ببلاد «الزاب» بزعامة رجل يدعى «الأشلّ» فى سنة (589هـ = 1193م)، فكان مصيرها الفشل مثل سابقتها. أما ثورة «بنى غانية»، التى استهدفت إحياء «دولة المرابطين» والدعاء للخلافة العباسية على المنابر بإفريقية، فكانت الخطر الحقيقى الذى هدد «دولة الموحدين»، فوجّه «المنصور» إليها كل جهوده للقضاء عليها، وعلى الرغم من تكرار المحاولة فإنه لم ينجح فى القضاء عليها نهائياًّ. وقد أولى «المنصور» «الأندلس» اهتمامه وعنايته، ودخل فى عدة معارك مع الإفرنج؛ كانت أبرزها معركة «الأرك» فى سنة (591هـ= 1195م)، تلك التى أوقفت زحف النصارى، وزادت من هيبة الموحدين ومكانتهم بالشمال الإفريقى، ثم أصيب المنصور بوعكة صحية أدت إلى وفاته فى سنة (595هـ = 1199م). تولى «الناصر أبو عبدالله محمد بن يعقوب» خلفًا لوالده «المنصور»، فحدثت فى عهده بعض التطورات السياسية

والعسكرية التى انتقلت بدولة الموحدين من مرحلة القوة والسيادة إلى مرحلة الانهيار والسقوط؛ حيث تمكن فى بداية حكمه من القضاء على ثورة «بنى غانية» بإفريقية التى دخلها فى سنة (598هـ= 1202م)، وعاد منها فى سنة (604هـ= 1207م)، بعد أن ولى على «إفريقية» «أبا محمد عبد الواحد بن أبى حفص» أحد أشياخ الموحدين، فعكف «ابن أبى حفص» على معالجة شئون «إفريقية»، ودعم سلطان الموحدين بها، إلا أن ولاية «أبى حفص» كانت البداية لقيام «دولة الحفصيين» بتونس؛ حيث استقل أبناؤه - بعد ذلك - بها وأسسوا ملكًا مستقلاً. وقد فُجع الموحدون بهزيمة قاسية بالأندلس فى معركة «العقاب» التى راح ضحيتها عدد كبير من الجند، مما أضعف «دولة الموحدين» وأفقدهم هيبتهم، وأُصيب «الناصر» بالمرض، وتوفى فى سنة (610هـ= 1213م). وقد عرف الانهيار والضعف طريقهما إلى «دولة الموحدين» عقب وفاة «الناصر»، ودخلت الدولة مرحلة من الفوضى، والصراع بين أفراد البيت الموحدى، فضلاً عن اندلاع الثورات والقلاقل فى أماكن متعددة، وظل هذا حالها حتى سنة (668هـ= 1269م)، التى قتل فيها «أبو دبوس» آخر خلفاء الموحدين أمام أسوار العاصمة «مراكش» التى دخلها «المرينييون» وقضوا على «دولة الموحدين». وقد تولى عقب وفاة «الناصر» عدد من الخلفاء الضعاف، هم: 1 - أبو يعقوب يوسف الثانى المستنصر بالله [611 - 620هـ]. 2 - أبو محمد عبدالواحد المخلوع [620 - 621هـ= 1223 - 1224م]. 3 - أبو محمد عبدالله العادل [621 - 624هـ = 1224 - 1227م]. 4 - المأمون أبو العلاء إدريس ابن يعقوب المنصور [624 - 630هـ= 1227 - 1233م]. 5 - أبو محمد عبدالواحد الرشيد [630 - 640هـ= 1233 - 1242م]. 6 - أبو الحسن على السعيد المقتدر بالله [640 - 646هـ= 1242 - 1248م]. 7 - أبو حفص عمر المرتضى [646 - 665هـ = 1248 - 1267م]. 8 - أبو العلاء إدريس الثانى (المعروف بأبى دبوس) [665 - 668هـ= 1267 - 1269م]. انحصرت علاقات الموحدين

الخارجية فى جبهتين هما: «الأندلس»، و «الخلافة العباسية». أما «الأندلس»، فقد استولى عليها الموحدون مع غيرها من المدن من المرابطين، وساروا على نهج من سبقهم فى التصدى لعدوان النصارى، وأعدوا الحملات، وخاضوا المعارك من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى عام (609هـ= 1212م)، كانت بداية انحسار نفوذهم على أرض «الأندلس»، ومن ثَم بدأت القوى النصرانية تحقق انتصاراتها حتى زالت «دولة الموحدين». وقد اختلف موقف الموحدين من الخلافة العباسية عن موقف المرابطين؛ حيث لم يعترف الموحدون بالعباسيين، واعتبروا أنفسهم خلفاء، وأن مركز الخلافة مدينة «مراكش»، وليس «بغداد»، ودعموا خلافتهم بالادعاء بأن «ابن تومرت» و «عبدالمؤمن» من نسل الرسول عن طريق «الأدارسة»، واتخذوا اللون الأخضر شعارًا لهم كى يظهروا ميلهم إلى الدعوة العلوية، وتشبهوا بالرسول فى تصرفاته وأفعاله. نعمت البلاد بالرخاء الاقتصادى فى عهد الموحدين؛ إذ وضعوا نظامًا مالياًّ دقيقًا، تمثل فى الإدارة المشرفة على الجوانب المالية فى الجباية والإنفاق، فضلا عن وجود دواوين للمال بالعاصمة، وديوان للمال بكل إقليم يختص بماليته، وأفرد الموحدون دارًا للإشراف على النواحى المالية، كما استحدثوا منصب الوزير المسئول عن الشئون المالية أطلقوا عليه اسم «صاحب الأشغال»، ومهمته استخراج الأموال وجمعها وضبطها، وتعقب نظر الولاة والعمال فيها، ثم تنفيذها على قدرها وفى مواقيتها، وكان يعاون صاحب الأشغال رؤساء الدواوين المالية بالدولة. فوفرت هذه المصادر إلى جانب الزكاة وخمس الغنائم أموالا كثيرة لخزينة الدولة، أُنفق معظمها على إعداد الجيش فى البر والبحر، ودفع مرتبات الوزراء ورجال البلاط والحشم والقضاة والفقهاء، وكذلك فى الإنفاق على الطلبة المنتظمين بالمدرسة التى أنشأها الخليفة «عبدالمؤمن»، كما أنفق منها على إنشاء المدن

والقصور والحصون وغيرها من المنشآت. وأصدر الموحدون عملة نقدية من الدنانير والدراهم. وقد اهتم الموحدون بالزراعة وشجعوا المزارعين على استغلال الأرض، ووفروا لهم المياه اللازمة للزراعة، فتوافرت محاصيل القمح والشعير، والقطن، وقصب السكر، وغير ذلك من المحاصيل، كما نعمت البلاد بأصناف الفواكه المتنوعة مثل: العنب والتفاح والكمثرى، وغيرها، وانتشرت الغابات بالبلاد، وتوافر بها شجر الأَرْز والزان والبلوط. ونشطت الحركة الصناعية، وتوافرت المراكز الصناعية بالبلاد، مثل مدينة «فاس» و «مراكش»،وغيرها من المدن التى تنوعت بها الصناعات وضمت: صناعة الصابون، والتطريز، والدباغة، وسبك الحديد والنحاس، وصناعة الزجاج، والفخار، وغير ذلك من الصناعات. وازدهرت التجارة فى الداخل والخارج، وكثرت المراكز التجارية التى أولاها الموحدون عنايتهم، وشيدوا بها عدة أسواق، كما شيدوا بها الفنادق، كما ساهمت «مكناسة» فى دعم ازدهار التجارة حيث كانت محطة للمسافرين يبيعون ويشترون بها، فضلاً عن وجود عدد من الأسواق العامرة والتجارات المختلفة بها. وتمتعت البلاد بنهضة تجارية خارجية، لوجود شبكة من الطرق التى ربطت المدن المغربية بغيرها من المراكز التجارية، فضلاً عن وجود عدد من الموانئ المطلة على «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، وكانت محطات للسفن المحملة بالبضائع القادمة أو الخارجة منها، فتنوعت الصادرات مثل: القطن والقمح والسكر، وكذلك الواردات مثل: الذهب وبعض أنواع النسيج البلنسى، والعطر الهندى ولعب ميناء «سبتة» على «البحر المتوسط»، وميناء «سلا» على «المحيط الأطلسى»، دورًا بارزًا فى تنشيط الحركة التجارية فى ظل حماية الأسطول الموحدى. شكلت قبائل المصامدة العنصر الرئيسى لسكان دولة الموحدين، وقد استقرت بالمنطقة منذ زمن، واتخذت المعاقل والحصون والقلاع، وشيدت المبانى والقصور، وامتهن أفرادها

الزراعة وفلاحة الأرض، ولم يحاولوا الهجرة من أرضهم، بل تمسكوا بها، ودافعوا عنها ضد أى محاولة للاعتداء أو الاستيلاء عليها. أما العنصر الثانى من سكان «دولة الموحدين» فهم العرب الهلالية الذين ظهروا على مسرح الأحداث، وعمد الموحدون إلى تهجيرهم من «إفريقية» إلى «المغرب الأقصى»، ليتخلصوا من ثوراتهم، كما استخدموهم فى عمليات الجهاد بالأندلس، فأقبلت أعداد كبيرة منهم إلى «المغرب الأقصى»، وانتقلت أعداد أخرى إلى الإقامة بالأندلس من خلال الحملات التى قام بها الموحدون هناك، ثم حدد الموحدون إقامة بعض القبائل. وقد تمتع العرب الهلالية بما يتمتع به جند الموحدين، وأقطعهم ولاة الأمر بعض الأراضى، وأنفقوا عليهم النفقات الكبيرة، وأغدقوا عليهم بالعطايا حتى يوفروا لهم الاستقرار ويبعدوهم عن الفتن وإثارة القلاقل والاضطرابات. ونالت المرأة حظها من التكريم والإنصاف والاحترام فى «دولة الموحدين»، وأتاحت لها الظروف أن تنال حظا من العلوم المختلفة، وقسطًا من ثقافة العصر وأدبه، وبرزت الكثيرات من النساء مثل: «زينب» بنت الخليفة «يوسف بن عبدالمؤمن»، والشاعرة العالمة «حفصة بنت الحاج الركونية»، و «فاطمة بنت عبدالرحمن». وعاش أهل الذمة فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكانت لهم أحياؤهم بالعاصمة «مراكش» وبمدينة «سجلماسة»، وكانوا يشتغلون بالبناء. اهتم الموحدون بالبناء والتعمير بالمغرب و «الأندلس»، وحظيت «مراكش» و «الرباط» وغيرهما من المدن المغربية بكثير من المنشآت الموحدية، وأنشأ الخليفة «عبدالمؤمن» «مدينة الفتح»، كما شيد المساجد والقصور فى أنحاء متفرقة من البلاد، وكان «المنصور» مولعًا بالعمارة، فشهدت البلاد نهضة معمارية استمرت طيلة عهده. شهدت «بلاد المغرب» حركة فكرية نشيطة فى عهد المرابطين، واستمرت كذلك فى عهد الموحدين، وساعدها على ذلك استقرار الأوضاع بالبلاد، والصلة الوثيقة بين

«المغرب» و «الأندلس»، إلى جانب رغبة الكثيرين من أبناء «المغرب» فى طلب العلم، فضلاً عن تكريم الموحدين للعلماء، والمتعلمين ووصلهم بالعطايا، والهبات، والإنفاق عليهم، كما كانت الأسس الدينية التى قامت عليها «دولة الموحدين» سببًا فى انتعاش دراسة علوم الدين، وانتعاش الحركة الفكرية. شن «ابن تومرت» حربًا شعواء على العلماء والفقهاء واتهمهم بالجمود، ولكنه لم يستطع مهاجمة المذهب المالكى الذى رسخ فى أذهان عامة الشعب وقلوبهم، وتحايل على ذلك بإعداد مُؤَلَّف جمع فيه الأحاديث النبوية التى وردت بموطأ الإمام «مالك»، وحذف منها معظم الإسناد للاختصار، فى محاولة لصرف أذهان الناس عن المؤلفات المالكية، ثم جاء «عبدالمؤمن» من بعده وأمر بحرق كتب الفروع، والاقتصار على الأحاديث النبوية. فلما تولى «المنصور الموحدى» عمد إلى محو المذهب المالكى من البلاد، وجمع كتب المذهب المالكى وحرقها، وأمر بجمع الأحاديث المتعلقة بالعبادات من كتب الأحاديث مثل: «البخارى» و «مسلم» وغيرهما، وألزم الناس بدراستها وحفظها، وعاقب علماء المذهب المالكى المتمسكين بتدريسه، وعلل ذلك بميله إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة والأخذ بظاهرهما، وكراهيته للخلافات التى امتلأت بها كتب الفروع، ولكن علماء المالكية لم يؤثر فيهم التهديد والعقاب، وظلوا يكافحون فى سبيل بقاء مذهبهم وتدريسه، فسُجن بعضهم مثل «ابن سعيد الأنصارى»، وتُوفى بعضهم نتيجة التعذيب مثل: «أبى بكر الجيانى المالكى»، ومع ذلك نجح هؤلاء العلماء فى إبقاء هذا المذهب وظل مذهب المالكية راسخًا ببلاد المغرب. ازدهرت العلوم الدينية بدولة الموحدين، وزاد الإقبال على تفسير القرآن ودراسته باعتباره مصدر التشريع الأول للبلاد، وبرز عدد من المفسرين منهم: «عبدالجليل بن موسى الأنصارى الأوسى» المتوفى عام (608هـ= 1211م)، و «أبو بكر بن الجوزى السبتى»، كما لاقى

علم القراءات رعاية ولاة الأمر، واشتهر فيه: «أبو بكر بن يحيى بن محمد بن خلف الإشبيلى» المتوفى عام (602هـ= 1205م)، و «على بن محمد بن يوسف اليابرى الضرير» المتوفى عام (617هـ= 1220م). أما علم الحديث فقد صار له شأن كبير واهتم به الخلفاء، وأمر الخليفة «عبدالمؤمن» بحرق كتب الفروع، وردّ الناس إلى قراءة الحديث، وأملى ابنه «يوسف» وحفيده «المنصور» الأحاديث بنفسيهما على الكُتاب لتوزيعها على الناس، واشتهر «أبو الخطاب بن دحية السبتى» و «ابن حبيش» المتوفى عام (584هـ= 1188م)، و «القاضى عياض السبتى» بتمكنهم من علم الحديث، ووضع بعضهم المصنفات فى هذا العلم، أما فى مجال الفقه فقد وضع «ابن تومرت» كتابه «الموطأ» على غرار «موطأ الإمام مالك» بعد حذف أسانيده. ومن أعلام الفقه فى هذا العصر: «عبدالملك المصمودى» قاضى الجماعة بمراكش، و «إبراهيم بن جعفر اللواتى» الفقيه المعروف بالفاسى. ويعد كتاب: «الإعلام بحدود قواعد الإسلام» للقاضى عياض من أبرز مؤلفات هذا العصر الفقهية. وقد نال علم الكلام عناية الموحدين منذ قيام دولتهم؛ حيث دعا «ابن تومرت» إلى دراسته، واتهم علماء المرابطين بالجمود لتحريمهم دراسة هذا العلم، وقد اشتهر فى هذا العلم: «أبو عمرو عثمان بن عبدالله السلالجى» المتوفى سنة (564هـ= 1168م)، و «محمد بن عبدالكريم الغندلاوى الفاسى» المعروف بابن الكتانى المتوفى عام (596هـ= 1200م). تابعت اللغة العربية انتشارها بدولة الموحدين، لأنها لغة البلاد الرسمية فى مكاتباتها ومعاملاتها وشئونها، وقد ساعد مجىء العلماء إلى المدن المغربية على انتشار اللغة العربية وازدهارها، كما كان لقدوم القبائل الهلالية إلى «المغرب الأقصى» واستيطانهم بعض مناطق البلاد أكبرالأثر فى دعم اللغة العربية وانتشارها؛ لتمسك هذه القبائل البدوية باللسان العربى وما فيه من مفردات وتراكيب وبلاغة فى الأساليب. وازدهر الأدب بفرعيه

الشعر والنثر، وبلغ درجة عالية من الرقى، وكثرت محافله ببلاد المغرب، وأقبل ولاة الأمر على تشجيعه ودعمه، وسعى المغاربة إلى المساواة بالأندلسيين الذين يفتخرون بمنزلتهم الأدبية، فضلا عن رغبة المغاربة فى الوصول إلى المناصب العليا التى لا يرقى إليها إلا ذوو العلم والأدب. وقد تدفق أدباء «الأندلس» وغيرهم على البلاط الموحدى؛ حيث العطايا والمنح، وبرزت مجموعة من الشعراء منهم: «أحمد بن عبدالسلام الجراوى»، و «أبو عبدالله محمد بن حبوس» من أهل «فاس»، و «أبو بكر بن مجبر» من «شقورة»، وغيرهم كثير. وكانت أبرز أغراض الشعر آنذاك هى الوصف والغزل والمدح. حرص خلفاء الموحدين على تزويد أنفسهم من مختلف الثقافات، لدعم موقف دولتهم، التى قامت على أساس دينى، ولذا تنوعت ثقافة الخليفة «عبدالمؤمن»، وأجاد فى علوم الفقه والجدل والأصول، كما حفظ الأحاديث النبوية، وأحاط بالنحو واللغة، والأدب، والتاريخ، وعلم القراءات، والأنساب، وتنوعت ثقافة ابنه «يوسف»، حيث حظى بقسط وافر من العلوم المختلفة حين كان واليًا من قِبل أبيه على «الأندلس»، وكذلك كان «المنصور» عالمًا بالحديث والفقه واللغة. أما طبقات الشعب فقد قامت المؤسسات التعليمية بتثقيفهم، سواء بالمكتب أو الرباط أو المسجد أو المدرسة، وقد قامت المدرسة التى أسسها الخليفة «عبدالمؤمن» بدور فعّال فى إثراء ثقافة طبقات الشعب؛ إذ جمعت هذه المدرسة بين الدراستين النظرية والعملية. وكان أبرز علومها النظرية هى: حفظ القرآن وتدريسه، ودراسة «موطأ تومرت»، وحفظ «صحيح مسلم»، أما العلوم العملية، فكانت: ركوب الخيل والرمى بالسهم والقوس، وتعليم السباحة فى بحيرة صنعت من أجل ذلك بالمدرسة.

*المرينية (دولة)

*المرينية (دولة) ينتمى المرينييون إلى قبائل «زناتة»، وهم - على أرجح الآراء- من فرع بربر البتر، الذين كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر سعيًا وراء الماء والكلأ، وبدأ ظهورهم على مسرح الأحداث خلال عهد المرابطين حيث شاركوا فى مجريات الأحداث بزعامة «المخضب بن عسكر» أحد أبناء «بنى مرين»، وكان زعيمًا قويا مرهوب الجانب، ونجح فى السيطرة على جميع «بلاد زناتة» و «بلاد الزاب»، فحاول المرابطون مصانعته، وأرسلوا إليه الهدايا والأموال. ثم انتقل ولاء المرينيين إلى الموحدين وساعدوهم فى إقامة دولتهم، وتثبيت أقدامهم، وشاركوهم فى معاركهم بالميدان الأندلسى. ولقد كان ضعف الموحدين سببًا رئيسيا فى انتقال «بنى مرين» من المغربين الأدنى والأوسط إلى «المغرب الأقصى» حيث الخصب والرخاء. مراحل قيام دولة بنى مرين: أولا: مرحلة تثبيت أقدامهم فى مناطق التلول والأرياف: (592 - 614هـ = 1191 - 1217م). اتصف الأمير عبدالحق زعيم قبائل بنى مرين بالتقوى والصلاح والشجاعة والعدل والعطف على الفقراء مما كان له أثره على جموع المرينيين الذين التفوا حوله، وجذبوا إليهم عددًا من القبائل المغربية التى انضمت إليهم، وعمدوا إلى التوسع وفرض النفوذ على حساب الموحدين، ودخلوا فى عدة معارك كانت أشهرها معركة «وادى نكور» التى خسرها الموحدون. وقد حمل «عثمان بن عبدالحق» (614 - 637هـ=1217 - 1239م) راية المرينيين عقب مقتل والده الأمير «عبدالحق»، فواصل حملاته العسكرية، وفرض نفوذه على مساحات واسعة من أرض «المغرب»، ثم دعا شيوخ القبائل واتفق معهم على خلع طاعة الموحدين، والقيام بأمر الدنيا والدين، والنظر فى صلاح المسلمين، فعملوا على تحقيق ذلك حتى عام (625هـ= 1228م)، فقوى شأنهم، وخضعت لهم جميع قبائل «المغرب»، وسيطروا على جميع موانى «المغرب» التى امتدت من «وادى ملوية» إلى «رباط الفتح». ثانيًا: مرحلة

الاستيلاء على المدن الكبرى: وحمل أعباء هذه المرحلة فارس «زناتة» الأمير «أبو يحيى أبو بكر ابن عبدالحق»، الذى كان بطلا شجاعًا، قوى الإرادة، حازم الرأى، فقام بتأمين الجبهة الداخلية للمرينيين، وأخضعها لإشراف مالى وإدارى دقيق، ثم واصل مهاجمة المدن المغربية الكبرى، واستولى على «مكناسة»، و «فاس»، و «سلا»، و «رباط الفتح»، و «سجلماسة»، و «درعة». ثالثًا: المرحلة الأخيرة للاستيلاء على العاصمة مراكش: هيأ الله لبنى مرين فى هذه المرحلة أن يقوم بقيادتهم الأمير «أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق» (656 - 685هـ = 1258 - 1286م)، الذى اعتبرته المصادر سيد «بنى مرين» على الإطلاق، وبدأ عهده بمواجهة بعض المشاكل التى واجهت المرينيين فى هذه الفترة، ودخل فى عدة معارك مع الموحدين تمهيدًا لدخول العاصمة «مراكش». وقد أعد «أبو يوسف» حملة كبيرة، ثم خرج بها من «فاس» فى شعبان سنة (666هـ=إبريل 1268م)، وعبر بها النهر المجاور لمدينة «فاس»، ثم هاجم كل القوى والقبائل المعاونة للموحدين. ونجح فى إخضاعها والسيطرة عليها، ثم كانت المعركة الأخيرة بين الموحدين والمرينيين فى شهر المحرم سنة (688هـ= يناير 1289م) عند «وادى غفو»، ودارت بين الفريقين معركة قوية، أسفرت عن هزيمة الموحدين، ومقتل «أبى دبوس» خليفتهم، ثم دخل الأمير «أبو يوسف يعقوب» العاصمة «مراكش» معلنًا سقوط «دولة الموحدين»، وقيام «دولة بنى مرين». ظلت «دولة بنى مرين» فى اتساعها ودعم استقرارها مدة خمس وسبعين سنة، فى الفترة من سنة (685هـ= 1286م) إلى سنة (759هـ= 1359م)، وحكمها خلال هذه الفترة مجموعة من السلاطين الأقوياء، هم: 1 - أبو يعقوب يوسف بن يعقوب [685 - 706هـ= 1286 - 1306م]. 2 - أبو ثابت عامر بن أبى عامر [706 - 708هـ= 1306 - 1308م]. 3 - أبو الربيع سليمان بن أبى عامر [708 - 710هـ= 1308 - 1310م]. 4 - أبو سعيد عثمان (الثانى) بن يعقوب [710 - 732هـ= 1310 - 1332م]. 5 - أبو الحسن

على بن عثمان [732 - 749هـ = 1332 - 1348م]. 6 - أبو عنان فارس المتوكل بن على [749 - 759هـ= 1348 - 1358م]. وقد اتسمت هذه الفترة بتوسع نفوذ «بنى مرين» بالمغرب و «الأندلس»، على الرغم من الثورات الكثيرة والقلاقل المتتابعة التى واجهتهم. كان مقتل السلطان «أبى عنان فارس المتوكل بن على» فى سنة (759هـ= 1358م) إيذانًا بدخول «دولة بنى مرين» فى مرحلة الضعف والانهيار؛ حيث انتقلت السلطة من أيدى «بنى مرين» إلى أيدى الوزراء، فضلا عن فقدان الدولة لنفوذها، وانكماشها داخل حدودها بالمغرب الأقصى، وتعرضها للأزمات الاقتصادية، والأوبئة والكوارث الطبيعة، التى حلَّت بالمغرب الأقصى، مما عجَّل بسقوط الدولة، فى عهد السلطان «عبدالحق بن أبى سعيد»، الذى تمكن الثوار من القبض عليه وقتله فى صبيحة يوم الجمعة (27من رمضان سنة 869هـ= 23 مايو 1465م). تعددت العلاقات الخارجية لدولة «بنى مرين»، وشملت «الأندلس»، و «دول المغرب» المختلفة، وتراوحت علاقتهم ببنى الأحمر بالأندلس بين الود والعداء، وشابها الحذر والترقب، على الرغم من أنهما تحالفا ضد الفرنج وهزموهما فى سنة (676هـ= 1277م) بالأندلس، وانحصرت العلاقات بينهما فى أحايين كثيرة على التمثيل الدبلوماسى وتبادل الرسائل. وكانت علاقة المرنييين بجيرانهم من «بنى عبد الواد» بالمغرب الأوسط علاقة عدائية لتضارب المصالح بينهما، وكانت فترات السلام بينهما قليلة وقصيرة، لأن «بنى عبدالواد درجوا على نقض ما بينهما من معاهدات، على الرغم من أن المرينيين سعوا إلى كسب ودهم؛ ليتفرغوا للجهاد بالأندلس، واضطر السلطان «أبو يوسف يعقوب بن عبدالحق» إلى مهاجمة «المغرب الأوسط» وإلحاق هزيمة نكراء بجيوش «بنى عبد الواد»، ثم عقد الصلح معهم. وحاول «بنو عبدالواد» الإغارة على الحدود الشرقية لدولة «بنى مرين» فى سنة (679هـ= 1280م)، فخرج إليهم المرينيون للدفاع عن

بلادهم وألحقوا بهم الهزيمة بالقرب من «تلمسان». وفى سنة (698هـ= 1299م) حاصر السلطان «أبو يعقوب يوسف» مدينة «تلمسان» ودام الحصار مدة سبع سنوات؛ ذاق فيها «بنو عبدالواد» مرارة الحصار، ولم ينقذهم من الهلاك سوى مقتل السلطان «أبى يعقوب» وعودة المرينيين بعدها إلى بلادهم. ثم دخلت «دولة بنى عبدالواد» فى تبعية «بنى مرين» بعد أن غزاهم السلطان «أبو الحسن على»، واستولى على عاصمتهم «تلمسان» فى سنة (732هـ= 1332م)، ثم استغلت بقايا «بنى عبد الواد» الخلافات التى دبت بالبيت المرينى وعادوا إلى عرش بلادهم فى «تلمسان» سنة (749هـ= 1348م)، ولكنهم عادوا إلى تبعية «بنى مرين» ثانية فى سنة (759هـ= 1358م)، وظلوا على عدائهم لبنى مرين، وحاولوا العودة إلى «المغرب الأوسط» مرتين خلال فترة نفوذ الوزراء بدولة المرينيين، كانت الأولى فى سنة (772هـ= 1370م)، والثانية فى سنة (791هـ= 1389م). شهدت «الدولة المرينية» رخاءً وازدهارًا فى نواحى الحياة كافة. وجعل المرينيون كل إقليم من أقاليم دولتهم وحدة اقتصادية مستقلة، وجعلوها جميعًا تحت إشراف الوزير المختص أو صاحب الأشغال، وقد تعددت مصادر الدخل المالى وشملت الزكاة، والخراج، والجزية، والضرائب، والغنائم، والمصادرات، وكذلك تنوعت أوجه الإنفاق وشملت: الرواتب، والعطايا، ونفقات الجيش، والبناء والتعمير. وقد ازدهرت الزراعة ببلاد «المغرب الأقصى» نظرًا لتوافر أسبابها؛ حيث تمتعت البلاد بعدد من الأنهار، إلى جانب الأمطار التى تسقط على جهات متفرقة، مع تنوع المناخ، فضلا عن خصوبة التربة، واهتمام السلاطين بالزراعة، فأسفر ذلك عن وفرة وتنوع فى المحاصيل مثل: القمح، والفول، والشعير، والزيتون، وقصب السكر، والبقول، وكذلك توافرت الفواكه والخضراوات، ونمت الغابات فى مساحات واسعة، فأمدت البلاد بأنواع الأخشاب المختلفة لصناعة السفن والمنازل وغير ذلك من الأغراض. وشهدت الصناعة ازدهارًا ورواجًا كبيرًا،

وتعددت أغراضها ونشطت مراكزها، خاصة وأن الموحدين تركوا وراءهم صناعة مزدهرة بهذه البلاد، وجاء المرينيون فازدهرت فى عهدهم صناعة عصر الزيتون وصناعة السكر، واهتموا بالصناعات الحربية نظرًا لكثرة حروبهم، ويُروى أنهم كانوا روَّادًا فى استعمال البارود، بل لعلهم - كما يقول «ابن خلدون» - أول من استعمله فى صناعة المدافع التى استخدمت فى قذف الأسوار وتحطيمها. ولم يهمل «بنو مرين» التجارة، بل حرصوا على توفير الأمن للقوافل واهتموا بالتجارة، وأكثروا من الأسواق المتخصصة، وزادوا من عدد الحوانيت ووفروا الراحة للتجار، وأنشأوا لهم الفنادق مثل: «فندق الشماعين»، الذى كان من أهم مراكز التجميع لكبار التجار. وقد تعددت طرق التجارة، وأقام المرينيون علاقات تجارية مع كثير من الأقطار، فنشطت التجارة الخارجية، وكان التجار المغاربة يحملون الذهب والصمغ من «السودان» إلى «الأندلس»، وقاموا بتصدير المنسوجات الصوفية والجلدية إلى «أوربا»، واستوردوا الآلات الحديدية والأحواض الرخامية، وكان لميناء «سبتة» وغيره من الموانى دور بارز فى تسهيل عمليتى استيراد هذه البضائع وتصديرها. تشكل المجتمع المرينى من عدة عناصر جاء البربر فى مقدمتها، وجاءت «قبيلة هنتانة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة فى مقدمة القبائل البربرية. ولاشك أن هذه القبيلة التى أسست «الدولة المرينية» قد احتلت مركز الصدارة بالدولة، وتلتها فى المرتبة القبائل الهلالية، ثم القبائل التركية، ثم بقايا الروم والفرنج الذين انضموا إلى الجيش المرينى. وقد اتسم بلاط المرينيين فى بداية عهدهم بالبداوة، ثم أخذوا بمظاهر الرقى والترف بعد أن استقرت لهم أوضاع البلاد، وثبتت أركانها وتنوعت احتفالات المرينيين، وتعددت بها مظاهر الأبهة والعظمة وكان لاستقبال الوفود وتوديعها احتفال خاص يليق بالدولة، كما كان الاحتفال بعيدى الفطر والأضحى، والمولد النبوى، من أهم

ما حرص عليه سلاطين هذه الدولة. وحظى البناء والتعمير بمرتبة رفيعة لدى المرينيين، واهتموا به اهتمامًا بالغًا، وشيدوا عدة مدن تأتى فى مقدمتها مدينة «فاس الجديدة» أو «الدار البيضاء» التى أنشأها السلطان «يعقوب بن عبدالحق»، فى سنة (674هـ= 1275م)، لتكون عاصمة لبلاده بدلا من العاصمة القديمة «فاس» التى ازدحمت بالناس. كما بنى «يوسف بن يعقوب» مدينة «المنصورة» أثناء حصاره لمدينة «تلمسان» سنة (698هـ= 1299م) واختط بها قصره ومسجدًا، ومساكن للجند والدور والفنادق والبساتين، ثم أُحيطت المدينة بسور كبير. هكذا بنى المرينيون المساجد الكبيرة بشتى مدن «المغرب الأقصى»، وعنوا بفرشها وتزويدها بالماء اللازم للوضوء، وكان المسجد الجامع الذى بنى بفاس الجديدة سنة (677هـ= 1278م) من أهم هذه المساجد. وكانت المدارس من أهم المنشآت التى حرص المرينيون على إقامتها، فأقاموا «مدرسة الصفارين» فى عهد السلطان «يعقوب» الذى عين لها المدرسين، وأجرى على طلبتها النفقات اللازمة، وزودها بخزانة للكتب، وبنى السلطان «أبو سعيد» عدة مدارس منها: مدرسة العطارين، ومدرسة المدينة البيضاء، ومدرسة الصهريج. ولم يغفل المرينيون إنشاء المستشفيات، فأقام السلطان «يعقوب بن عبد الحق» عدة مستشفيات للمرضى والمجانين، ووفر لها الأطباء، وأجرى عليهم المرتبات، كما خصص جزءًا كبيرًا من أموال الجزية لرعاية الجذامى والعميان. ورث «بنو مرين» عن المرابطين والموحدين ثروة ثقافية كبيرة، فأسهموا بدورهم فى زيادة هذه الثروة، وأنشئوا المؤسسات العلمية كالمساجد والمدارس، ورحبوا بالعلماء القادمين من «الأندلس» وغيرها؛ وشجعوهم على بذل ما لديهم دفعًا للحركة العلمية بالبلاد. فاهتم العلماء بتفسير القرآن، وبرع عدد كبير منهم فى هذا العلم أمثال: «محمد بن يوسف بن عمران المزداغى» المتوفى عام (655هـ= 1257م)، و «محمد بن محمد بن على» المعروف بابن البقال المتوفى عام (725هـ=

1325م)، و «محمد بن على العابد الأنصارى» الذى اختصر تفسير الزمخشرى المتوفى عام (762هـ= 1361م). أما علم الحديث فقد ازدهر باعتباره المصدر الثانى للتشريع، ومن أبرز علمائه: «عبدالمهيمن الحضرمى»، و «محمد بن عبدالرازق الجزولى»، و «ابن رشيد» الذى تُوفى فى سنة (721هـ= 1321م). وقد تقدم علم الفقه تقدمًا كبيرًا بسبب تشجيع سلاطين «بنى مرين» للفقهاء؛ فكثرت المؤلفات، وظهر كثير من الفقهاء مثل: «محمد بن محمد بن أحمد المقرى» المعروف بالمقرى الكبير المتوفى عام (758هـ= 1357م)، و «أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن الجذامى» الذى عُرف بالقباب المتوفى عام (778هـ= 1376م). وإلى جانب هذه العلوم الدينية ازدهرت علوم اللغة، والنحو والتاريخ، والسير، والرحلات، والجغرافيا، والفلك، والرياضيات، والفلسفة والمنطق والطب، كما ازدهرت الحركة الأدبية، واشتهر عدد كبير من الشعراء، مثل: «أبى القاسم رضوان البرجى» الذى تولى وظيفة الإنشاء فى عهد «أبى عنان المرينى»، و «لسان الدين بن الخطيب» أشهر الشعراء الأندلسيين الذين عاشوا مدة طويلة بالدولة المرينية، وكذا اشتهر عدد كبير فى فن النثر، منهم: «ابن خلدون» و «ابن مرزوق الخطيب». وأسهمت المكتبات إسهامًا بارزًا فى تنشيط الحركة الفكرية، وكان السلطان «أبو عنان المرينى» قد أفرد دارًا للكتب وزوَّدها بالكتب فى شتى مجالات العلوم والمعرفة، واستخدم بها الأمناء لحفظ الكتب وترتيبها وتصنيفها، وكذا لاستقبال الزائرين.

*بنو وطاس (دولة)

*بنو وطاس (دولة) بنو وطاس» فخذ من قبيلة «بنى مرين»، ولكنهم ليسوا من فرع الأسرة المرينية الحاكمة، وقد قامت علاقة حذرة بين أسرتى «بنى وطاس» و «بنى مرين»، ثم تعدى «بنو وطاس» هذا الحذر، واتخذوا موقفًا عدائيا من دولة «بنى مرين» منذ قيامها، وساندوا الموحدين فى صراعهم معهم، ومن ثم عمد المرينيون- بعد قيام دولتهم واستقرار الأوضاع لهم - إلى إحكام قبضتهم على حصن «تازوطا» الذى كان مقر «بنى وطاس» فى ذلك العهد، ولكن الوطاسيين قاموا بثورة فى سنة (691هـ= 1292م) للاحتفاظ بنفوذهم فى هذا الحصن، وامتدت ثورتهم فشملت منطقة الريف، ثم طردوا الوالى المرينى وحاشيته، وسيطروا على الحصن، مما دفع السلطان «يوسف بن يعقوب المرينى» إلى تجهيز جيش كبير، وجعل عليه «عمر بن المسعود بن خرباش» أحد قادته المخلصين، وأمره بالتوجه إلى حصن «تازوطا»، ثم خرج السلطان بنفسه على رأس جيش آخر، وحاصر الجيشان الحصن مدة عشرة أشهر، وتمكن «عمر» و «عامر» ابنا «يحيى بن الوزير الوطاسى» زعيما الوطاسيين من الفرار بأموالهما إلى «تلمسان»، ودخل السلطان الحصن، وأنزل العقاب بالوطاسيين ثم عاد إلى عاصمته «فاس» فى آخر جمادى الأولى سنة (692هـ= أبريل1693م). وقد تآمر «زيان بن عمر الوطاسى» مع الأمير «أبى عبدالرحمن المرينى» ضد والده السلطان «أبى الحسن»، فى محاولة للاستيلاء على السلطة، ولكن محاولتهما باءت بالفشل، وسُجن الأمير، وفر «الوطاسى» إلى «تونس». وعلى الرغم من كل ما سبق فإن الوطاسيين نالوا حظا وافرًا من المراكز العامة بالدولة المرينية، وتغلغل نفوذهم داخل مراكز الحكم المدنى، وكذا العسكرى، ووصل بعضهم إلى منصب الوزارة، مثل: «رحو بن يعقوب الوطاسى» الذى ولى الوزارة فى عهد السلطان «عامر بن عبدالله المرينى»، واستمر إلى عهد «سليمان بن عبدالله»، وتولى «عمر بن على الوطاسى» الإمارة فى مدينة «بجاية» فى عهد «أبى عنان المرينى» فى سنة

(759هـ= 1358م). دخل «محمد الشيخ الوطاسى» سلطان الوطاسيين فى مواجهة مستمرة - منذ أسس دولته- مع الفتن والقلاقل والثورات التى قامت بالدولة على أيدى العرب الذين أغاروا على «فاس» و «مكناسة» ودمروهما، ثم واجه ثورة «على بن راشد» فى «شفادن» وهى مدينة قريبة من «البحر المتوسط» و «المحيط الأطلسى»، و «مضيق جبل طارق»، ثم حاول «محمد بن أحمد المرينى» الاستقلال بمدينة «دبرو» التى تقع شمال شرق «المغرب»، ونجح فى ذلك، وبسط نفوذه على المناطق الغربية منها، فأدرك «محمد الشيخ» خطورته، وخرج لمواجهته مرتين، كانت الأولى فى سنة (895هـ= 1490م)، وهُزم فيها الوطاسيون، وكانت الثانية فى سنة (904هـ= 1498م)، وانتصر فيها «بنو وطاس»، وعقد سلطانهم الصلح مع «محمد بن أحمد المرينى»، وزوج السلطان ابنتيه لولدىّ الأمير «محمد»، فحل بينهما السلام. وقد واجهت هذه الدولة ثورة بالمنطقة الجنوبية، قادها «عمرو بن سليمان الشيظمى»، الشهير بالسياف، فى سنة (870هـ= 1465م)، ولم تهدأ هذه الثورة إلا بعد أن اُغتيل «الشيظمى» على يد زوجته فى سنة (890هـ= 1485م). والواقع أن «بنى وطاس» لم يتمكنوا من فرض سلطانهم ونفوذهم على كل «المغرب الأقصى»، بل يمكن القول بأن نفوذهم لم يتجاوز العاصمة «فاس»، واقتسمت القبائل والأشراف والزعامات المحلية ومشايخ الصوفية باقى البلاد. فأدى هذا إلى نشوب الاضطرابات والقلاقل بالبلاد، وتزايد الانقسامات بها، واستغلال البرتغال والإسبان لهذه الأوضاع للتوسع وفرض النفوذ ونشر المسيحية. ثم بدأت مرحلة أخرى من الصراع بين الوطاسيين والسعديين الذين حشدوا الناس إلى جانبهم بحجة الدفاع عن البلاد من خطر الإسبان والبرتغال، وكانوا فى حقيقة الأمر يسعون لإسقاط «دولة الوطاسيين»، ونجحوا فى السيطرة على بعض المدن المغربية، ثم دخلوا «مراكش»، وفشل «بنو وطاس» فى صدهم، وتدخل العلماء للصلح بينهما، ونجحت

محاولتهم، واتفق الفريقان على اقتسام «بلاد المغرب الأقصى»، ولكنهما دخلا فى صراع ثانية، وتوسع السعديون على حساب أملاك الوطاسيين، ثم دخلوا مدينة «فاس»، وقتلوا السلطان الوطاسى «أبا حسون على بن محمد بن أبى ذكرى» فى يوم السبت (24 من شوال سنة 961هـ=22 من سبتمبر 1554م)، وبدأ السعديون بقيادة «محمد الشيخ السعدى» فى فرض نفوذهم على بقية المناطق التابعة للوطاسيين، وهكذا سقطت دولة بنى وطاس تعددت العلاقات الخارجية بين «بنى وطاس» و «دول المغرب»، فضلا عن الإسبان والبرتغال، وحاولوا كسب ود الحفصيين بتونس، وبايعوهم، ولكن هذا الود لم يدم، لأن الحفصيين ساندوا ثورة «الشيظمى» التى استمرت نحو عشرين عامًا، وكذلك حاول «بنو وطاس» مسالمة الإسبان والبرتغال، وعقد «محمد الشيخ الوطاسى» مؤسس الدولة معاهدة سلام مع البرتغال فى سنة (876هـ= 1471م)، ولكن البرتغاليين نقضوا هذه المعاهدة، ثم توالت الاتفاقات بين الطرفين. وقد تطورت العلاقات بين «بنى وطاس» و «الإسبان»، أثناء الصراع الذى دار بين «ابن حسون الوطاسى» والسعديين؛ حيث التمس «ابن حسون» العون من الإسبان، وأعلن ولاءه لامبراطورهم، واستعداده لتسليمهم «بادس» فى مقابل مساعدته فى استرداد عرش «فاس»، وساعده الاسبان بالسفن والأموال، ولكنه فشل فى استعادة عرشه، فلجأ إلى البرتغال، وساندوه بالجنود والأموال وعدة الحرب، ولكن هذه المساعدات لم تحقق أغراضها؛ إذ حاصرتها قوات الدولة العثمانية واستولت عليها، مما جعل «ابن حسون» يلجأ إليهم طلبًا للعون فى مقابل الاعتراف بسلطة الخليفة العثمانى، فمكَّنه العثمانيون من العودة إلى عاصمته «فاس» ثانية فى سنة (961هـ= 1554م)، ثم مالبث الأتراك أن سيطروا على مقاليد الأمور بفاس، وضاق الناس بذلك، فاضطر «ابن حسون» إلى تعويض الأتراك بمبالغ مالية كبيرة للرحيل عن العاصمة، ففعلوا، وواصل «ابن حسون» نشاطه ضد السعديين،

حتى سقط قتيلا، ومن ثم سقطت «دولة بنى وطاس». كان الحكم وراثيا فى «بنى وطاس»، وكان السلطان يعين كبار مستشاريه من كبار الشخصيات، وكان للسلطان أمين سر مهمته الإشراف على أموال السلطان، كما كان السلطان يُعيِّن حكامًا على كل مدينة، وجعل لهم الحق فى التصرف فى مواردها، وتزويد جيش السلطان بالجنود من مدنهم، وتعيين وكلاء من طرفهم على القبائل التى تسكن الجبال، وجباية الأموال، وأخضع السلطان كل ذلك لسلطته، وأحكم قبضته على مقاليد الأمور، كما أخضع كل موارد الدولة لخدمة الأغراض العسكرية. واتخذوا الوزراء من أقاربهم، واستوزر «محمد الشيخ الوطاسى» أخويه «محمد الحلو» و «الناصر أبا زكريا»، وعين مسعود بن الناصر خلفًا لأبيه على الوزارة، وقد تنوعت اختصاصات الوزراء بين المهام السياسية والحربية إلى جانب أعمالهم الإدارية. وتنوعت الوظائف الإدارية وشملت: الباشا، والقائد، والقاضى، والمحتسب، ويساعدهم مجموعة من الموظفين، منهم: الأمين والناظر، وأمين المواريث. وقد نشطت حركات الاستقلال أثناء ضعف الحكومة المركزية بفاس، وغياب سلطتها عن مناطق الأطراف، والمناطق النائية. نجحت الزراعة نجاحًا عظيمًا، كعادتها ببلاد «المغرب»، وكثرت المحاصيل وزادت أنواع الفواكه، وساعدت هجرة الأندلسيين إلى «بلاد المغرب» على إدخال النظم الزراعية الحديثة، واستحداث أنواع كثيرة من المحاصيل بالبلاد. وقد ترتب على ازدهار الزراعة قيام صناعات كثيرة، إلى جانب الصناعات التى كانت موجودة من قبل، واشتهرت «فاس» بصناعات الأحذية والأوانى النحاسية والخيوط والمنسوجات. وكذلك صناعة الحلى. ونشطت التجارة - خاصة فى أوقات السلم- وتوافرت الطرق الداخلية التى تربط بين المدن، كما توافرت الطرق الرئيسية التى تسير فيها القوافل من المدن المغربية وإليها، مثل: «سوسة» و «درعة» اللتين حظيتا بنشاط تجارى كبير. وتنوعت صادرات «المغرب» من الأوانى النحاسية، والمصنوعات الجلدية

والزجاجية، والقطنية والحريرية، وكذلك التمور بأنواعها والتين والحلى، أما وارداتهم فكانت الذهب وبعض التوابل. لم تختلف طبقات المجتمع كثيرًا فى العهد الوطاسى عما سبقه من عهود، واحتل الجيش مكانًا بارزًا، نظرًا لكثرة الحروب التى خاضها الوطاسيون، وقد انقسم هذا الجيش إلى قسمين هما: الجيش النظامى، وأفراده من البربر، ويضم: الفرسان والرماة وراشقى السهام، والمشاة، والقسم الثانى: من المتطوعة من العرب وغيرهم، وقد عرف جيش الوطاسيين نظام الحصون والحاميات. وتوقف نشاط الوطاسيين العمرانى على مدينة «فاس»، ويرجع ذلك إلى الأوضاع السياسية المضطربة التى سادت تلك الفترة، وانصراف «بنى وطاس» إلى المعارك والحروب، وصرف إمكاناتهم المادية فى التسليح والإنفاق على الجيش. وقد أدى كل ذلك إلى توقف النشاط العمرانى، وتناقص عدد الفنادق والمستشفيات، وقلة الاهتمام بالمرضى. شهدت العلوم الدينية نشاطًا ملحوظًا، وبرز عدد كبير من العلماء فى المجالات كافة، منهم: «أبو عبدالله بن أبى جمعة الهبطى»، صاحب كتاب: «الوقف فى القرآن الكريم»، والمتوفى عام (930هـ= 1524م)، والفقيه «محمد بن عبدالله بن عبدالواحد الفاسى» المتوفى عام (894هـ= 1489م)، وألف «الوتشريشى» عدة كتب منها: «المعيار المعزب، والجامع المعرب عن علماء إفريقية والأندلس والمغرب»، وهو فى اثنى عشر جزءًا. وفى علم التاريخ برز القاضى «أبو عبدالله محمد الكراسى الأندلسى»، الذى ألف منظومة عن «بنى وطاس»، أسماها: «عروسة المسائل فيما لبنى وطاس من فضائل». وتقع هذه المنظومة فى نحو ثلاثمائة بيت، وهى المصدر الوحيد الذى يعتمد عليه المؤرخون فى التأريخ لهذه الفترة، حيث لم يصل إليهم غيره. ويعد كتاب «وصف إفريقيا» للجغرافى «حسن الزان» من أهم الكتب وأشهرها فى هذا المجال، وقد تناول فيه جغرافية «إفريقية» عمومًا، و «المغرب الأقصى»، و «مملكة فاس»، و «مملكة مراكش»، كما تناول

العادات والتقاليد والحياة الاقتصادية والفكرية والدينية، والنظم الإدارية. وتنافس الشعراء والوعاظ - فى هذه الفترة- فى تأليف الخطب والقصائد الحماسية؛ لحث الناس على جهاد الأسبان والبرتغال، ومن أبرز هؤلاء المؤلفين «أبو عبدالله محمد بن عبد الرحيم التازى» المتوفى عام (920هـ= 1514م)، وله مؤلف عنوانه: «تنبيه الهمم العالية، والانتصار للملكة الذاكية، وقمع الشرذمة الطاغية، عجل الله دمارها، ومحا ببواتر المسلمين آثارها». ووجدت علوم اللغة اهتمامًا بالغًا، وألف «عبدالعزيز بن عبدالواحد اللمطى الميمونى» ألفية فى النحو تضاهى ألفية «ابن مالك»، و «ابن عبدالواحد»، وهو من أهل «فاس» وقد توفى عام (880هـ= 1475م)، وكذلك قام العالم «أبو العباس أحمد بن محمد» المتوفى عام (995هـ= 1587م) بتدريس الفلك والحساب بجامع القرويين بفاس.

*زيان (بنو)

*زيان (بنو) ترجع تسمية هذه الدولة بهذا الاسم إلى «زيان بن ثابت»، والد «يغمراس» مؤسسها، كما أنها تسمى بدولة بنى عبدالواد (العبد الوادية) نسبة إلى قبيلة «عبد الواد» التى ينتمى إليها «بنو زيان». وقد قامت هذه الدولة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا) وكان يحدها غربًا «نهر ملوية»، ومدينة «قسنطينة» من الجانب الشرقى، وكانت هذه المنطقة تضم عدة مدن منها: «بجاية»، و «الجزائر»، و «وهران»، و «قسنطينة»، و «مليانة»، و «تلمسان». شجع ضعف «دولة الموحدين» عقب هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى سنة (609هـ= 1212م)، بعض القوى على الاستقلال، فشجع ذلك بدوره «بنى عبدالواد» على الاستقلال بالمغرب الأوسط، فاستولوا على «تلمسان» فى سنة (627هـ= 1230م). ويعد «يغمراس بن زيان» الذى تولى الإمارة بعد أخيه فى سنة (633هـ= 1235م) هو المؤسس الحقيقى لهذه الدولة، حيث سالم جيرانه من الموحدين كى لا يعرض دولته الناشئة لمعارك جانبية، تصرفه عن تأسيس الدولة، وبنى سياسته فى هذه المرحلة على عاملين مهمين هما: العامل العسكرى: جاور «الحفصيون» «بنى زيان» من جهة الشرق، وجاورهم «بنو مرين» من الغرب، وهاجم «بنو حفص» مدينة «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، فهادنهم «بنو زيان» وبايعوهم، ودعوا على منابرهم للحفصيين، وفى الوقت نفسه بعثوا بجنودهم إلى الجبال واتخذوا من الإغارة على القوات الحفصية وسيلة لطردهم من «تلمسان» و «المغرب الأوسط»، فاضطر الحفصيون إلى عقد الصلح معهم وأعادوا «يغمراس» إلى مقر حكمه بتلمسان ثانية، وكذلك فعل «بنو زيان» مع الموحدين فى سنة (646هـ= 1248م) ثم قاموا بغارات كثيرة على القبائل الموجودة داخل «المغرب الأوسط»، مثل قبائل «توُين» و «مغرادة». العامل السلمى: لم يكتف «يغمراس» بالمعارك والغارات، وعمد إلى تحصين بلاده شرقًا وغربًا، وجاء بقبيلة «بنى عامر» وأقطعها نواحى «وهران» و «تلمسان» لتكون حائط الصد لأعدائه، ثم دعم كيان

دولته بمصاهرة الحفصيين، حيث زوج إحدى بناته لعثمان ابن الأمير الحفصى «أبى إسحاق»، فأمن بذلك شرهم، وهجماتهم على الحدود الشرقية لدولته. كانت القبيلة من أهم العوامل التى أثرت فى سياسة دولة «بنى زيان» وكيانها؛ حيث دخلت هذه الدولة فى صراع طويل مع قبائل: «بنى توُين» و «مغرادة» من البربر، و «بنى عامر سويد» من العرب، لرفض هذه القبائل الخضوع لغيرها، ولتعصبها لبنى جلدتها وقبيلتها، وشقت عصا الطاعة، ثم زادت حدة موقفها بعد وفاة «يغمراس» فى سنة (681هـ= 1282م)، واضطر الأمير «عثمان» الذى خلف والده «يغمراس» إلى مواجهتهم، فاستولى على «مازونة» من «مغرادة» فى سنة (686هـ= 1287م)، ثم احتل مدينة «تنس»، ودخل «إنشريش» ولكن هذا الاتساع عاد إلى الانكماش ثانية نتيجة احتلال «بنى مرين» للمغرب الأوسط، وحصارهم «تلمسان» فى سنة (698هـ= 1299م)، وعادت القبائل مرة أخرى إلى التمرد والعصيان عقب وفاة الأمير «عثمان»، فخرج إليهم الأمير «أبو زيان محمد الأول» (703 - 707هـ= 1303 - 1307م)، ثم خضعت هذه الدولة أكثر من مرة لدولة بنى مرين مثلما حدث فى سنة (670 - 680هـ= 1271 - 1281م) وسنة (689هـ= 1290م) وسنة (737 - 749هـ= 1336 - 1348م) ولكن بنى زيان كانوا يرفضون هذا الخضوع، وينتهزون الفرصة للعودة إلى حكم بلادهم. وقد عاشت هذه الدولة فى حروب واضطرابات دائمة، ونشبت الخلافات بين أفراد البيت الزيانى، وأدى التهافت على السلطة بينهم إلى أن يشهر الولد السيف فى وجه أبيه، بل يتعدى ذلك، ويقتل أباه، مثلما حدث مع «أبى تاشفين (الثانى) عبد الرحمن» (791 - 795هـ=1389 - 1393م) ووالده السلطان «أبى حمو موسى (الثانى) بن يوسف»، حين خلع «تاشفين» أباه من السلطة، واستولى على الحكم، ثم اعتقل أباه وإخوته فى سنة (788هـ= 1386م) فقامت حروب بين أفراد هذه الأسرة، وعاد «أبو حمو» إلى عرشه، واستعان «ابنه تاشفين» ببنى مرين عليه، وحاربه،

ثم قتله وعاد «تاشفين» إلى الحكم فى ظل التبعية لبنى مرين. تفشت ظاهرة قتل السلاطين بدولة بنى زيان، وزاد التناحر بين أفراد البيت الزيانى، وتكررت هجمات الاسبان على الشواطئ المغربية، واستولوا على «مرسى وهران» فى سنة (911هـ= 1505م)، ثم استولوا سنة (912هـ= 1506م) على «وهران» و «بجاية» و «تدلس» وهى موانى تابعة «لبنى زيان»، وارتضى «أبو حمو الثالث» (909 - 923هـ= 1503 - 1517م) دفع ضريبة سنوية للإسبان لكى يبقى فى مقعد الحكم، فاستنجد الناس بالأتراك العثمانيين لتخليصهم من هذا الاحتلال، فأسرع لنجدتهم الأخوان «عروج» و «خير الدين» ابنا «يعقوب التركى»، اللذان كانا يحملان المتطوعين فى السفن لإنقاذ مهاجرى الأندلس، ونقلهم إلى أرض «المغرب»، ودارت معركة بين الطرفين، وأرسلت إسبانيا بالإمدادات لتعزيز قواتها وحليفها «أبى حمو» الذى فر إلى «وهران» للاحتماء بالقوة الإسبانية هناك، وحاصر الإسبان مدينة «تلمسان» واستشهد «عروج» فى سنة (924هـ= 1518م)، ومات «أبو حمو الثالث» فى السنة نفسها. وتوالت الاضطرابات، وزاد التنافس على العرش، وأقبل السعديون من «المغرب الأقصى» واستولوا على «تلمسان» فى سنة (957هـ= 1550م). وانقسم البيت الزيانى إلى طوائف ثلاث: إحداها تضامنت مع الأتراك، والأخرى استعانت بالأسبان، والأخيرة تحالفت مع السعديين، وتحرك الأتراك، ودخلوا فى معركة مع السعديين وهزموهم، فعادوا إلى «المغرب الأقصى»، ودخل الأتراك العاصمة «تلمسان». وكان آخر حكام «بنى زيان» هو «الحسن بن عبدالله» (957 - 962هـ= 1550 - 1555م) الذى ثار عليه الناس لميله إلى الإسبان فخلعه الأتراك، وضموا «تلمسان» إلى حكومة «الجزائر» التركية فى سنة (962هـ= 1555م). كان موقع «الدولة الزيانية» بالمغرب الأوسط حافزًا للقوى الأخرى بالمغرب على التطلع إليها، بغرض السيطرة وفرض النفوذ، ولعل هذا هو ما فعله الموحدون، و «بنو مرين»، و «الحفصيون». وظلت العلاقات

بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف، وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (640هـ= 1242م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم، وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين» فى سنة (668هـ= 1269م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين، فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان» لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (868هـ= 1464م)، ومن ثم حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (871هـ= 1466م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة، وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام

قبضتهم عليهم، ويضمنوا تبعيتهم، وتم لهم ذلك واستمر حتى دبَّ الضعف والتفكك بين سلاطين «بنى حفص» وأفراد أسرتهم، فوجه إليهم بنو زيان عدة ضربات متوالية، وتمكنوا من هزيمتهم والاستيلاء على «تونس» فى سنة (730هـ= 1330م). وعلى الرغم مما سبق فقد شهدت العلاقات الزيانية الحفصية - أحيانًا- بعض حالات الهدوء، وحسن الجوار، وتجلى ذلك حين صاهرهم «يغمراس» وزوَّج ابنه «عثمان» إحدى بنات «أبى إسحاق الحفصى» فى سنة (681هـ= 1282م). كان الحكم فى «دولة بنى زيان» وراثيا، وكانت ألقاب حكامهم تتراوح بين «أمير المسلمين» ولقب «السلطان»، وقد تفشت ظاهرة قتل سلاطينهم على أيدى أفراد أسرتهم الحاكمة للوصول إلى الحكم، كما فعل «تاشفين» مع والده «أبى حمو». وتعددت المناصب الإدارية فى هذه الدولة، وجاء منصب «الوزارة» فى مقدمتها، كما كان قاضى القضاة يتقدم مجموعة القضاة بالدولة، وكذلك كان قائد الجيش من رجال هذه الدولة البارزين، ولذا كان السلطان يختاره من أفراد أسرته، أو يتولى هو مكانه، ويخرج بنفسه على رأس الجيوش. وكان ديوان الإنشاء والتوقيع من أبرز الدواوين، لأنه يختص بالمراسيم السلطانية، ومراسلات الدولة مع غيرها من الدول. تمتع «المغرب الأوسط» بسطح متنوع، جمع بين السهل الساحلى والوديان الداخلية، وسلسلة جبال الأطلس، فضلاً عن تمتعه بمناخ يختلف من منطقة إلى أخرى، وبتربة خصبة صالحة للزراعة، وبأنهار منتشرة فى كل مكان مثل نهرى «شلف» و «سيرات»، وبعيون مائية منبثة، وبأمطار تسقط على منطقة الساحل، فهيأت كل هذه العناصر لقيام زراعة ناجحة، أولاها ولاة الأمر عنايتهم ورعايتهم، فتنوعت المحاصيل الزراعية، كما ازدهرت صناعة الأقمشة الحريرية والصوفية، وصناعة السجاد والبسط، وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية، والأسلحة، والمصنوعات الجلدية، والمشغولات الذهبية والفضية والنحاسية. وكان لموقع «المغرب الأوسط» دور كبير فى تنشيط التجارة،

باعتباره همزة الوصل بين المغربين الأدنى والأقصى، حيث تمتد شواطئه، وتكثر موانيه المطلة على «البحر المتوسط»، فضلا عن طرق التجارة المتعددة بجنوبه، والتى كانت تمر منها القوافل التجارىة القادمة من جنوب الصحراء قاصدة الموانى المطلة على «البحر المتوسط»، لتكمل رحلتها إلى «أوربا» وغيرها من المناطق. وقد تعددت صادرات «المغرب الأوسط»، وكان الصوف والأسلحة والمنتجات الزراعية من أهم صادرات «بنى زيان» وأسهمت موانى: «وهران» و «تنس» و «الجزائر» و «بجاية» إسهامًا بارزًا فى تنشيط التجارة، وازدهار الاقتصاد، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى اهتمام سلاطين «بنى زيان» بالبناء والتعمير، فتنوعت فى عهدهم المؤسسات وعُنوا بإنشاء المساجد والمدارس والقصور، والمنشآت العسكرية، وكانت أبرز مساجدهم هى: «مسجد أبى الحسن» الذى أمر «عثمان بن يغمراس» ببنائه سنة (696هـ= 1296م)، و «مسجد الولى إبراهيم» الذى تم بناؤه فى عهد أبى حمو الثانى، كما شهد عهد «أبى تاشفين الأول» نهضة عمرانية كبيرة. وتعددت المدارس بتلمسان ووهران، وكانت أبرز هذه المدارس هى «المدرسة التاشفينية» (أو المدرسة القديمة) التى أنشأها «أبو تاشفين بن عبد الرحمن» (718 - 736هـ = 1318 - 1336م)، و «المدرسة اليعقوبية» التى بناها «أبو حمو موسى الثانى»، وكان افتتاحها فى الخامس من صفر سنة (765هـ= نوفمبر 1363م). وبنى «بنو زيان» الحصون والأبراج والأسوار والقلاع العسكرية لتحصين بلادهم، ومن أبرز قلاعهم: قلعة «تامز يزدكت» التى كانت مركز مقاومتهم على الحدود الشرقية مع «بنى حفص». اهتم «بنو زيان» بتنشيط الحركة الفكرية فى بلادهم، ودعموها بإنشاء المدارس والمساجد والكتاتيب والزوايا لتعليم الطلاب، ولم يختلف أسلوب التعليم فى دولتهم عن مثيله فى «دولة بنى مرين» و «دولة الحفصيين»، وامتلأت المؤسسات التعليمية بالعلماء المتخصصين فى كل علم وفن، وقد لقى هؤلاء من الدولة معاملة حسنة

وأغدقت عليهم المنح والعطايا، وولتهم المناصب الرفيعة حتى ينهضوا بالمستوى التعليمى والفكرى فى البلاد. واستعاد المذهب المالكى مكانته بدولة «بنى زيان» كما استعاده فى بقية الدول الأخرى عقب سقوط «دولة الموحدين»، وازدهرت علوم التفسير والفقه والحديث والمنطق والجدل والكلام، وغيرها من العلوم، وتبوأت مجموعة من العلماء مكانة ممتازة لدى «بنى زيان»، منهم: «أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسى» المتوفى عام (680هـ= 1281م)، و «أبو عبدالله محمد بن محمد المقرى» المتوفى عام (759هـ= 1358م) والذى تتلمذ على يديه مجموعة من العلماء النابغين، أمثال: ابن الخطيب، وابن خلدون، والشاطبى وغيرهم. وبرزت كذلك جماعة من العلماء فى علوم اللغة والأدب منهم: «أبو عبدالله بن عمر بن خميس التلمسانى» المتوفى عام (708هـ= 1308م)، وقد أشرف على «ديوان الإنشاء» بتلمسان فى عهد «عثمان بن يغمراس»، و «أبو عبدالله محمد بن منصور القرشى التلمسانى» الذى أنشأ «ديوان الرسائل» فى عهد أبى حمو الأول.

*عبد الواد (بنو)

*عبد الواد (بنو) ترجع تسمية هذه الدولة بهذا الاسم إلى «زيان بن ثابت»، والد «يغمراس» مؤسسها، كما أنها تسمى بدولة بنى عبدالواد (العبد الوادية) نسبة إلى قبيلة «عبد الواد» التى ينتمى إليها «بنو زيان». وقد قامت هذه الدولة بالمغرب الأوسط (الجزائر حاليا) وكان يحدها غربًا «نهر ملوية»، ومدينة «قسنطينة» من الجانب الشرقى، وكانت هذه المنطقة تضم عدة مدن منها: «بجاية»، و «الجزائر»، و «وهران»، و «قسنطينة»، و «مليانة»، و «تلمسان». شجع ضعف «دولة الموحدين» عقب هزيمتهم فى معركة «العقاب» فى سنة (609هـ= 1212م)، بعض القوى على الاستقلال، فشجع ذلك بدوره «بنى عبدالواد» على الاستقلال بالمغرب الأوسط، فاستولوا على «تلمسان» فى سنة (627هـ= 1230م). ويعد «يغمراس بن زيان» الذى تولى الإمارة بعد أخيه فى سنة (633هـ= 1235م) هو المؤسس الحقيقى لهذه الدولة، حيث سالم جيرانه من الموحدين كى لا يعرض دولته الناشئة لمعارك جانبية، تصرفه عن تأسيس الدولة، وبنى سياسته فى هذه المرحلة على عاملين مهمين هما: العامل العسكرى: جاور «الحفصيون» «بنى زيان» من جهة الشرق، وجاورهم «بنو مرين» من الغرب، وهاجم «بنو حفص» مدينة «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، فهادنهم «بنو زيان» وبايعوهم، ودعوا على منابرهم للحفصيين، وفى الوقت نفسه بعثوا بجنودهم إلى الجبال واتخذوا من الإغارة على القوات الحفصية وسيلة لطردهم من «تلمسان» و «المغرب الأوسط»، فاضطر الحفصيون إلى عقد الصلح معهم وأعادوا «يغمراس» إلى مقر حكمه بتلمسان ثانية، وكذلك فعل «بنو زيان» مع الموحدين فى سنة (646هـ= 1248م) ثم قاموا بغارات كثيرة على القبائل الموجودة داخل «المغرب الأوسط»، مثل قبائل «توُين» و «مغرادة». العامل السلمى: لم يكتف «يغمراس» بالمعارك والغارات، وعمد إلى تحصين بلاده شرقًا وغربًا، وجاء بقبيلة «بنى عامر» وأقطعها نواحى «وهران» و «تلمسان» لتكون حائط الصد لأعدائه، ثم دعم كيان

دولته بمصاهرة الحفصيين، حيث زوج إحدى بناته لعثمان ابن الأمير الحفصى «أبى إسحاق»، فأمن بذلك شرهم، وهجماتهم على الحدود الشرقية لدولته. كانت القبيلة من أهم العوامل التى أثرت فى سياسة دولة «بنى زيان» وكيانها؛ حيث دخلت هذه الدولة فى صراع طويل مع قبائل: «بنى توُين» و «مغرادة» من البربر، و «بنى عامر سويد» من العرب، لرفض هذه القبائل الخضوع لغيرها، ولتعصبها لبنى جلدتها وقبيلتها، وشقت عصا الطاعة، ثم زادت حدة موقفها بعد وفاة «يغمراس» فى سنة (681هـ= 1282م)، واضطر الأمير «عثمان» الذى خلف والده «يغمراس» إلى مواجهتهم، فاستولى على «مازونة» من «مغرادة» فى سنة (686هـ= 1287م)، ثم احتل مدينة «تنس»، ودخل «إنشريش» ولكن هذا الاتساع عاد إلى الانكماش ثانية نتيجة احتلال «بنى مرين» للمغرب الأوسط، وحصارهم «تلمسان» فى سنة (698هـ= 1299م)، وعادت القبائل مرة أخرى إلى التمرد والعصيان عقب وفاة الأمير «عثمان»، فخرج إليهم الأمير «أبو زيان محمد الأول» (703 - 707هـ= 1303 - 1307م)، ثم خضعت هذه الدولة أكثر من مرة لدولة بنى مرين مثلما حدث فى سنة (670 - 680هـ= 1271 - 1281م) وسنة (689هـ= 1290م) وسنة (737 - 749هـ= 1336 - 1348م) ولكن بنى زيان كانوا يرفضون هذا الخضوع، وينتهزون الفرصة للعودة إلى حكم بلادهم. وقد عاشت هذه الدولة فى حروب واضطرابات دائمة، ونشبت الخلافات بين أفراد البيت الزيانى، وأدى التهافت على السلطة بينهم إلى أن يشهر الولد السيف فى وجه أبيه، بل يتعدى ذلك، ويقتل أباه، مثلما حدث مع «أبى تاشفين (الثانى) عبد الرحمن» (791 - 795هـ=1389 - 1393م) ووالده السلطان «أبى حمو موسى (الثانى) بن يوسف»، حين خلع «تاشفين» أباه من السلطة، واستولى على الحكم، ثم اعتقل أباه وإخوته فى سنة (788هـ= 1386م) فقامت حروب بين أفراد هذه الأسرة، وعاد «أبو حمو» إلى عرشه، واستعان «ابنه تاشفين» ببنى مرين عليه، وحاربه،

ثم قتله وعاد «تاشفين» إلى الحكم فى ظل التبعية لبنى مرين. تفشت ظاهرة قتل السلاطين بدولة بنى زيان، وزاد التناحر بين أفراد البيت الزيانى، وتكررت هجمات الاسبان على الشواطئ المغربية، واستولوا على «مرسى وهران» فى سنة (911هـ= 1505م)، ثم استولوا سنة (912هـ= 1506م) على «وهران» و «بجاية» و «تدلس» وهى موانى تابعة «لبنى زيان»، وارتضى «أبو حمو الثالث» (909 - 923هـ= 1503 - 1517م) دفع ضريبة سنوية للإسبان لكى يبقى فى مقعد الحكم، فاستنجد الناس بالأتراك العثمانيين لتخليصهم من هذا الاحتلال، فأسرع لنجدتهم الأخوان «عروج» و «خير الدين» ابنا «يعقوب التركى»، اللذان كانا يحملان المتطوعين فى السفن لإنقاذ مهاجرى الأندلس، ونقلهم إلى أرض «المغرب»، ودارت معركة بين الطرفين، وأرسلت إسبانيا بالإمدادات لتعزيز قواتها وحليفها «أبى حمو» الذى فر إلى «وهران» للاحتماء بالقوة الإسبانية هناك، وحاصر الإسبان مدينة «تلمسان» واستشهد «عروج» فى سنة (924هـ= 1518م)، ومات «أبو حمو الثالث» فى السنة نفسها. وتوالت الاضطرابات، وزاد التنافس على العرش، وأقبل السعديون من «المغرب الأقصى» واستولوا على «تلمسان» فى سنة (957هـ= 1550م). وانقسم البيت الزيانى إلى طوائف ثلاث: إحداها تضامنت مع الأتراك، والأخرى استعانت بالأسبان، والأخيرة تحالفت مع السعديين، وتحرك الأتراك، ودخلوا فى معركة مع السعديين وهزموهم، فعادوا إلى «المغرب الأقصى»، ودخل الأتراك العاصمة «تلمسان». وكان آخر حكام «بنى زيان» هو «الحسن بن عبدالله» (957 - 962هـ= 1550 - 1555م) الذى ثار عليه الناس لميله إلى الإسبان فخلعه الأتراك، وضموا «تلمسان» إلى حكومة «الجزائر» التركية فى سنة (962هـ= 1555م). كان موقع «الدولة الزيانية» بالمغرب الأوسط حافزًا للقوى الأخرى بالمغرب على التطلع إليها، بغرض السيطرة وفرض النفوذ، ولعل هذا هو ما فعله الموحدون، و «بنو مرين»، و «الحفصيون». وظلت العلاقات

بين هذه الدولة وهذه القوى بين شَد وجذب، فتارة يخضع «بنو زيان» للنفوذ الموحدى والمرينى والحفصى، وتارة ينعمون باستقلالهم، وأخرى يمتد فيها نفوذهم إلى بعض مناطق المغربين الأدنى والأقصى. ولقد وقف «بنو زيان» فى بداية الأمر فى وجه الزحف الموحدى، إلا أن الموحدين تمكنوا من إخضاعهم والسيطرة على «المغرب الأوسط»، ودخل «بنو زيان» فى تبعية الموحدين، فلما قويت شوكة «بنى زيان» كانت «دولة الموحدين» فى مرحلة الضعف والانهيار، فبدأ الموحدون يتوددون إليهم ويهادنونهم، فخشى الحفصيون من هذا التحالف، وتوجهوا إلى «تلمسان» واستولوا عليها فى سنة (640هـ= 1242م) بمساعدة بعض قبائل «المغرب الأوسط»، واشترطوا لعودة «بنى زيان» إلى الحكم أن يخلعوا طاعة الموحدين ويعلنوا تبعيتهم للحفصيين، فقبل «بنو زيان» ذلك، وعادوا إلى حكم «تلمسان». ولكن الموحدين لم يعجبهم هذا الوضع وحشدوا جيوشهم وحاصروا «تلمسان»، فأعلن «بنو زيان» طاعتهم لهم، وساعدوهم فى صراعهم مع المرينيين على الرغم من العلاقات المتوترة بينهما، وظل هذا شأنهما حتى سقوط «دولة الموحدين» فى سنة (668هـ= 1269م). أما علاقة «بنى زيان» بالحفصيين، فكانت علاقة عداء؛ نظرًا لتضارب مصالح الدولتين، حيث رغبت كل منهما فى التوسع على حساب الأخرى. وقد بدأت هذه العلاقات باستيلاء الحفصيين على «تلمسان» فى سنة (640هـ= 1242م)، ثم بدأت بينهما المفاوضات، وعاد «يغمراس» إلى عاصمته «تلمسان» وأعلن تبعيته للحفصيين، ولكن «بنى زيان» لم يرضوا بهذه التبعية وأعلنوا استقلالهم عن هذه التبعية فى عهد «المتوكل الزيانى» فى سنة (868هـ= 1464م)، ومن ثم حاصرتهم جيوش الحفصيين فى «تلمسان» فى سنة (871هـ= 1466م)، وهدموا أسوارها، وأجبروهم على إعلان الطاعة والتبعية للحفصيين ثانية. وقد عمد الحفصيون إلى إحداث الفُرقة، وإشعال الفتنة بين أفراد البيت الزيانى، حتى يتسنى لهم إحكام

قبضتهم عليهم، ويضمنوا تبعيتهم، وتم لهم ذلك واستمر حتى دبَّ الضعف والتفكك بين سلاطين «بنى حفص» وأفراد أسرتهم، فوجه إليهم بنو زيان عدة ضربات متوالية، وتمكنوا من هزيمتهم والاستيلاء على «تونس» فى سنة (730هـ= 1330م). وعلى الرغم مما سبق فقد شهدت العلاقات الزيانية الحفصية - أحيانًا- بعض حالات الهدوء، وحسن الجوار، وتجلى ذلك حين صاهرهم «يغمراس» وزوَّج ابنه «عثمان» إحدى بنات «أبى إسحاق الحفصى» فى سنة (681هـ= 1282م). كان الحكم فى «دولة بنى زيان» وراثيا، وكانت ألقاب حكامهم تتراوح بين «أمير المسلمين» ولقب «السلطان»، وقد تفشت ظاهرة قتل سلاطينهم على أيدى أفراد أسرتهم الحاكمة للوصول إلى الحكم، كما فعل «تاشفين» مع والده «أبى حمو». وتعددت المناصب الإدارية فى هذه الدولة، وجاء منصب «الوزارة» فى مقدمتها، كما كان قاضى القضاة يتقدم مجموعة القضاة بالدولة، وكذلك كان قائد الجيش من رجال هذه الدولة البارزين، ولذا كان السلطان يختاره من أفراد أسرته، أو يتولى هو مكانه، ويخرج بنفسه على رأس الجيوش. وكان ديوان الإنشاء والتوقيع من أبرز الدواوين، لأنه يختص بالمراسيم السلطانية، ومراسلات الدولة مع غيرها من الدول. تمتع «المغرب الأوسط» بسطح متنوع، جمع بين السهل الساحلى والوديان الداخلية، وسلسلة جبال الأطلس، فضلاً عن تمتعه بمناخ يختلف من منطقة إلى أخرى، وبتربة خصبة صالحة للزراعة، وبأنهار منتشرة فى كل مكان مثل نهرى «شلف» و «سيرات»، وبعيون مائية منبثة، وبأمطار تسقط على منطقة الساحل، فهيأت كل هذه العناصر لقيام زراعة ناجحة، أولاها ولاة الأمر عنايتهم ورعايتهم، فتنوعت المحاصيل الزراعية، كما ازدهرت صناعة الأقمشة الحريرية والصوفية، وصناعة السجاد والبسط، وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية، والأسلحة، والمصنوعات الجلدية، والمشغولات الذهبية والفضية والنحاسية. وكان لموقع «المغرب الأوسط» دور كبير فى تنشيط التجارة،

باعتباره همزة الوصل بين المغربين الأدنى والأقصى، حيث تمتد شواطئه، وتكثر موانيه المطلة على «البحر المتوسط»، فضلا عن طرق التجارة المتعددة بجنوبه، والتى كانت تمر منها القوافل التجارىة القادمة من جنوب الصحراء قاصدة الموانى المطلة على «البحر المتوسط»، لتكمل رحلتها إلى «أوربا» وغيرها من المناطق. وقد تعددت صادرات «المغرب الأوسط»، وكان الصوف والأسلحة والمنتجات الزراعية من أهم صادرات «بنى زيان» وأسهمت موانى: «وهران» و «تنس» و «الجزائر» و «بجاية» إسهامًا بارزًا فى تنشيط التجارة، وازدهار الاقتصاد، وكان ذلك سببًا رئيسيا فى اهتمام سلاطين «بنى زيان» بالبناء والتعمير، فتنوعت فى عهدهم المؤسسات وعُنوا بإنشاء المساجد والمدارس والقصور، والمنشآت العسكرية، وكانت أبرز مساجدهم هى: «مسجد أبى الحسن» الذى أمر «عثمان بن يغمراس» ببنائه سنة (696هـ= 1296م)، و «مسجد الولى إبراهيم» الذى تم بناؤه فى عهد أبى حمو الثانى، كما شهد عهد «أبى تاشفين الأول» نهضة عمرانية كبيرة. وتعددت المدارس بتلمسان ووهران، وكانت أبرز هذه المدارس هى «المدرسة التاشفينية» (أو المدرسة القديمة) التى أنشأها «أبو تاشفين بن عبد الرحمن» (718 - 736هـ = 1318 - 1336م)، و «المدرسة اليعقوبية» التى بناها «أبو حمو موسى الثانى»، وكان افتتاحها فى الخامس من صفر سنة (765هـ= نوفمبر 1363م). وبنى «بنو زيان» الحصون والأبراج والأسوار والقلاع العسكرية لتحصين بلادهم، ومن أبرز قلاعهم: قلعة «تامز يزدكت» التى كانت مركز مقاومتهم على الحدود الشرقية مع «بنى حفص». اهتم «بنو زيان» بتنشيط الحركة الفكرية فى بلادهم، ودعموها بإنشاء المدارس والمساجد والكتاتيب والزوايا لتعليم الطلاب، ولم يختلف أسلوب التعليم فى دولتهم عن مثيله فى «دولة بنى مرين» و «دولة الحفصيين»، وامتلأت المؤسسات التعليمية بالعلماء المتخصصين فى كل علم وفن، وقد لقى هؤلاء من الدولة معاملة حسنة

وأغدقت عليهم المنح والعطايا، وولتهم المناصب الرفيعة حتى ينهضوا بالمستوى التعليمى والفكرى فى البلاد. واستعاد المذهب المالكى مكانته بدولة «بنى زيان» كما استعاده فى بقية الدول الأخرى عقب سقوط «دولة الموحدين»، وازدهرت علوم التفسير والفقه والحديث والمنطق والجدل والكلام، وغيرها من العلوم، وتبوأت مجموعة من العلماء مكانة ممتازة لدى «بنى زيان»، منهم: «أبو إسحاق إبراهيم بن يخلف التنسى» المتوفى عام (680هـ= 1281م)، و «أبو عبدالله محمد بن محمد المقرى» المتوفى عام (759هـ= 1358م) والذى تتلمذ على يديه مجموعة من العلماء النابغين، أمثال: ابن الخطيب، وابن خلدون، والشاطبى وغيرهم. وبرزت كذلك جماعة من العلماء فى علوم اللغة والأدب منهم: «أبو عبدالله بن عمر بن خميس التلمسانى» المتوفى عام (708هـ= 1308م)، وقد أشرف على «ديوان الإنشاء» بتلمسان فى عهد «عثمان بن يغمراس»، و «أبو عبدالله محمد بن منصور القرشى التلمسانى» الذى أنشأ «ديوان الرسائل» فى عهد أبى حمو الأول.

*الحفصية (دولة)

*الحفصية (دولة) ينتسب الحفصيون إلى «أبى حفص عمر بن يحيى» الذى ينتمى إلى «قبيلة هنتاتة»، وهى من قبائل المصامدة التى عاشت بالمغرب الأقصى، واتخذت المعاقل والحصون، وشيدت المبانى والقصور، وامتهنوا الفلاحة وزراعة الأرض. وقد طمع الحفصيون فى الاستقلال بإفريقية بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» بالأندلس فى سنة (609هـ= 1212م)، وعملوا على تحقيق ذلك حتى سنة (625هـ= 1228م)، فوصل «أبو زكريا بن عبدالواحد الحفصى» إلى مقعد الإمارة بتونس، ومهد لقيام «دولة الحفصيين» حتى سنة (627هـ= 1230م) فبايعه الحفصيون واستقل عن طاعة الموحدين وضم إليه «الجزائر» و «تلمسان». وقد واجهت الدولة الحفصية عدة ثورات، إلا أنها تمكنت من القضاء عليها فى عهد قوتها، فلما حل الضعف بخلفاء الأمير «أبى زكريا الحفصى»، زادت الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة، وقامت الثورات فى أماكن كثيرة، ولم يتمكن أمراء الحفصيين من مواجهة هذه الاضطرابات، فحل الضعف بدولتهم حتى سقطت على أيدى العثمانيين سنة (893هـ=1488م). تنوعت علاقات «الدولة الحفصية»، وشملت «الأندلس»، و «أوربا»، ودول: «بنى مرين» والوطاسيين والزيانيين. واتسمت علاقتهم بالأندلسيين بالهدوء تارة وبالتوتر والمنافسة تارة أخرى، وكذلك تمثلت علاقتهم بالأوربيين فى عدة حملات عسكرية، عُرفت باسم الحروب الصليبية، وسعى الصليبيون إلى تحويل مسلمى «المغرب الأدنى» إلى المسيحية، غير أن وباءً تفشى بالمعسكر الصليبى، وتوفى لويس متأثرًا بهذا الوباء، فلجأ الصليبيون إلى التفاوض والصلح مع الحفصيين، ثم الانسحاب فى سنة (669هـ= 1270م) ولكن الصليبيين عاودوا الهجوم على مدينة «طرابلس» فى سنة (755هـ= 1354م)، واستولوا عليها واستباحوها، ولم يخرجوا منها إلا بعد الحصول على قدر كبير من المال، ثم توالت حملاتهم الصليبية بعد ذلك على بلاد «المغرب الأوسط» ومدنه. وقد مرت العلاقات الحفصية المرينية بعدة مراحل

ارتبطت بالأحوال والظروف السياسية التى كانت تمر بها كل من الدولتين، واتسمت هذه العلاقات بالصراع بين الطرفين، ودخول بنى حفص فى تبعية «بنى مرين» فى أحايين كثيرة، ولكن ذلك لم يمنع من قيام بعض العلاقات الطيبة فى فترة حكم «عثمان ابن أحمد المرينى» (801 - 823هـ = 1398 - 1420م)، و «عبدالحق بن سعيد المرينى» (863 - 869هـ = 1459 - 1465م). عرفت «دولة بنى حفص» نظام الخلافة، وكان الحكم بها وراثياًّ، ويعاون الخليفة هيئة استشارية، يُطلق عليها اسم أشياخ البساط، وجميعهم من قبيلة «هنتاتة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة، وكذلك عرفت هذه الدولة نظام الحجابة، وتطور هذا النظام لدرجة أن الحاجب كان يفصل فى الأمور دون الرجوع إلى الخليفة، وجاء منصب الوزارة فى مرتبة تلى منصب الحجابة، ويأتى إلى جانبهما منصب القضاء الذى أولاه الحفصيون عنايتهم لأهميته. تنوعت مصادر الدخل فى «دولة بنى حفص»، وشملت: الضرائب والزكاة، والجزية، والمصادرات، والخراج، وانتعشت الزراعة وكثرت المحاصيل، ونشطت الصناعات مثل: المنسوجات بأنواعها، والصناعات الجلدية والزجاجية، وصناعة الأسلحة والسفن، واستخدم «بنو حفص» عملة خاصة بهم ليؤكدوا استقلالهم. تشكل المجتمع الحفصى من عدة عناصر، وكانت قبيلة هنتاتة البربرية فى مقدمة هذه العناصر، كما كان العرب المقيمون، والعرب الهلالية ممن شكلوا هذا المجتمع، تضاف إليهم مجموعات الروم والأتراك. وشهدت «الدولة الحفصية» حركة واسعة فى البناء والتعمير، وأقام الحفصيون المؤسسات التعليمية مثل: الكتاتيب، والزوايا والمساجد، فقامت بدورها فى دعم العلوم المختلفة وتدريسها، ثم أنشأ الحفصيون المدارس بالعاصمة «تونس»، وكانت أول مدرسة هى «المدرسة الشماعية» التى أنشأها «أبو زكريا يحيى الأول» فى سنة (633هـ= 1235م)، وتلتها «التوفيقية» فى سنة (650هـ= 1252م). وأخذت «الدولة الحفصية» بالمذهب المالكى، واهتمت بالعلوم

الدينية مثل تفسير القرآن، وعلم الحديث، والفقه، وكذلك اهتم الحفصيون بالعلوم العقلية مثل: المنطق والكيمياء والفلك وغيرها. وساهمت المكتبات - التى زُوِّدت بالكتب فى شتى فروع المعرفة- فى تنشيط الحركة الثقافية بالبلاد، وكذا ساهمت المجالس العلمية، التى شجعها بعض الحكام الحفصيين فى إثراء النشاط العلمى ودعمه. وقد أثمرت هذه الحركة الثقافية المزدهرة مجموعة من العلماء البارزين فى شتى فروع العلم والمعرفة، فكان من الفقهاء «أبو عبدالله محمد بن عرفة» المتوفى عام (802هـ= 1399م)، ومن المحدثين: «أبو بكر بن سيد الناس» المتوفى عام (659هـ= 1261م)، ومن النحويين: «أبو الحسن على بن موسى» المعروف «بابن عصفور» المتوفى عام (969هـ= 1561م)، ومن الشعراء: «حازم القرطاجنى» المتوفى عام (684هـ= 1285م)، و «ابن الأبار» المتوفى عام (662هـ= 1264م). وقد أسهم هؤلاء وغيرهم فى دعم المعرفة، وتنشيط الثقافة، ومؤازرة الحركة الفكرية فى دولة «بنى حفص».

*نبهان (آل)

*نبهان (آل) ظهر ملوك «آل نبهان» ولاة للبويهيين على «عمان» فى القرن الرابع الهجرى الذى ساءت خلاله أحوال «عمان»؛ نتيجة الصراعات والاضطرابات الداخلية التى زادت بتولى «آل نبهان» حكم «عمان»؛ إذ استبدوا بأمورها، وأساءوا معاملة أهلها، ومع ذلك لم يكونوا وحدهم المسئولين عما ألمَّ بعمان من اضطرابات، فقد ساعدتهم فى ذلك صراعات الأئمة التى شهدتها «عمان» خلال تلك الفترة، وظل «آل نبهان» يحكمون «عمان» حتى القرن التاسع الهجرى، ثم عادت إلى الأئمة قوتهم السياسية فى «عمان» من جديد. وكان أهم ملوك «آل نبهان» خلال هذه الفترة: «أبو عبدالله محمد بن عامر بن نبهان» وإخوته، ثم «الحسين أحمد» و «أبو محمد نبهان» وغيرهم. فلما زالت دولة «آل نبهان» بدأ الأئمة يستعيدون مجدهم وسلطتهم من جديد.

* نجاح (بنو)

* نجاح (بنو) قامت دولة بني نجاح فى اليمن (403هـ - 555هـ) ونتنسب إلى الأمير نجاح الذى استتب له الأمر فى «زبيد» و «تهامة»، فكتب إلى الخليفة العباسى فى «بغداد» معلنًا له ولاءه وطاعته للدولة العباسية، فأقره الخليفة عليها، ونعته بالمؤيد نصر الدين، وكان «نجاح» سمحًا يتبع المذهب الشافعى، فدانت له تهامة طيلة حياته، فلما وافته المنية فى سنة (452هـ) دار صراع طويل بين أولاده وأحفاده من جانب ودولة «صليح» التى نشأت فى «صنعاء» سنة (429هـ) من جانب آخر، واستقر الأمر لبنى نجاح - بعد معارك طويلة - فى عام (472هـ) وبقى فيهم حتى سنة (554هـ)، وأمراء «بنى نجاح» هم: 1 - الأمير «نجاح» (403 - 452هـ). 2 - سعيد بن نجاح» (452 - 481هـ). 3 - «جياش بن نجاح» (483 - 498هـ). 4 - «فاتك بن جياش» (498 - 503هـ). 5 - «منصور بن فاتك» (503 - 521هـ). 6 - «فاتك بن منصور» (521 - 540هـ). 7 - «فاتك بن محمد بن فاتك» (540 - 554هـ). وجاء سقوط «بنى نجاح» على أيدى «بنى المهدى» الذين يعودون فى نسبهم إلى أسرة حميرية هالها تحكم «بنى نجاح» الأحباش فى «اليمن»، فجمع زعيمها «على بن مهدى» الجموع حوله وغزا مدينة «الكدراء» فى سنة (538هـ)، وظل «بنو المهدى» من ذلك التاريخ يعملون للسيطرة على «زبيد»، وتحقق لهم ذلك فى سنة (553هـ)، عندما عجز «آل نجاح» عن صدهم، ودخل المهديون «زبيد» واستقر لهم الأمر فيها.

*المهدى (بنو)

*المهدى (بنو) قامت دولة بني المهدى فى اليمن (553هـ - 569هـ) ونتنسب إلى الأمير «على بن مهدى الحميرى» الذى ينحدر من أسرة «الأغلب بن أبى الفوارس بن ميمون الحميرى»، وقد عاش «آل المهدى» فى قرية «العنبرة» من سواحل «زبيد». نشأ «على بن المهدى» نشأة دينية، وحج البيت الحرام، ولقى العلماء وأخذ عنهم العلم، ونهل من المعارف حتى أصبح واعظًا بارعًا، وعالمًا فصيحًا، فاستمال القلوب حوله، وظهر أمره بساحل «زبيد»، فقربته «أم فاتك بن منصور»؛ لصلاحه وتقاه، وأغدقت عليه هو وأهله، حتى أصبحوا من الأثرياء، وباتوا قوة كبيرة التف حولها الناس من كل مكان، فى الوقت الذى ضعف فيه «آل نجاح»، ونظر إليهم اليمنيون على أنهم أحباش تحكموا فى بلادهم، فسعى «على بن المهدى» إلى طرد «آل نجاح» من السلطة، وعمل على تحقيق ذلك جاهدًا حتى تم له ما أراد فى سنة (553هـ) بعد معارك طويلة، ثم أسس دولته التى سعد بها اليمنيون، لأن المهديين كانوا وطنيين امتاز مؤسس دولتهم بالعلم والخلق الطيب، فانضمت إليه جميع بلاد «اليمن» وذخائرها، إلا أن أمراء هذه الأسرة الذين جاءوا بعد «على بن المهدى» مؤسس دولتهم اتجهوا إلى معاملة الناس بالقسوة والشدة؛ وانحرفوا عن الطريق التى رسمها الأمير «على»، فتهيأ الجو لاستقبال أى فاتح يخلص «اليمن» منهم، فلم تدم دولتهم طويلا لدخول الأيوبيين «اليمن». وولاة أسرة «المهدى» هم: 1 - «على بن المهدى» (553هـ). 2 - «مهدى بن على» (553 - 558هـ). 3 - «عبدالنبى بن على» (558 - 569هـ).

*بنو يعفر (دولة)

*بنو يعفر (دولة) بدأ نفوذ «بنى يعفر» فى «شبام» بحضرموت سنة (225هـ)، وامتد نفوذهم إلى «صنعاء» عن طريق «جعفر بن على الهاشمى» الذى وَلَّى «عبدالرحيم بن إبراهيم الحوالى الحميرى» اليمن نيابة عنه، فلما تُوفِّى «عبدالرحيم» قام ابنه «يعفر» مقامه، وصارع فى ميادين عديدة، كان من أهمها: صراعه ضد «حمير بن الحارث» والى «اليمن»، وصراعه ضد «ابن زياد» حاكم «زبيد»، فلما تُوفِّى «ابن زياد» فى سنة (245هـ) استقر سلطان «يعفر» فى «صنعاء»، فبدأ بتأسيس دولته فيها، وتم له ذلك فى سنة (247هـ)، فاعتبر المؤرخون هذه الدولة هى صاحبة الفضل فى تحقيق استقلال «اليمن»، إلا أنها اختلت اختلالا واسعًا فى عهد «محمد بن إبراهيم» نتيجة لاقتحام الأئمة والقرامطة البلاد، فعمت فيها الفوضى، وانتهت فى سنة (387هـ). وأمراء «بنى يعفر» بصنعاء هم: 1 - «يعفر بن عبدالرحيم» [247 - 259هـ]. 2 - «محمد بن يعفر» [259 - 279هـ]. 3 - «إبراهيم بن محمد بن يعفر» [279 - 285هـ]. 4 - «أسعد بن إبراهيم بن يعفر» [286 - 288هـ] وتولى مرة ثانية [303 - 332هـ]. 5 - «محمد بن إبراهيم» [332 - 352هـ].

*همدان (بنو)

*همدان (بنو) قامت دولة بني همدان فى اليمن عقب وفاة «سبأ الصليحى» سنة (492هـ) حيث مرت «صنعاء» بفترة اضطراب، وكان «حاتم الهمدانى» أول من تولاها بعد «سبأ» وكان رجلا ذكيا محبا للنهضة، كما كان ابنه «محمد» شجاعًا وجوادًا، فبقيت «صنعاء» فى أيدى «بنى حاتم» الهمدانيين حتى اضطربت أحوالها فى نهاية عهدهم سنة (596)، وعمتها الفوضى، فمهد ذلك الطريق للأيوبيين، فضموها إلى سلطانهم مع ما ضموه من «اليمن». وسلاطين الهمدانيين باليمن هم: 1 - «حاتم بن الغشم الهمدانى». 2 - «هشام بن القبيب الهمدانى». 3 - «حاتم بن أحمد بن عمران». 4 - «عبدالله بن حاتم». 5 - «حماس بن القبيب». 6 - «على بن حاتم». 7 - «معن بن حاتم».

*زريع (بنو)

*زريع (بنو) عندما استولى «الصليحى» على «اليمن» مد سلطانه إلى «عدن»، فوجد بها «بنى معن» الحميريين؛ فأبقاهم عليها بعد أن أظهروا ولاءهم له، فلما استقر الأمر -بعد ذلك - للمكرم الصليحى فى «عدن» وما حولها جعل ولايتها «للعباس» و «مسعود» ابنى «المكرم الجشمى بن يام بن أصبى الزريعى» وجعل «العباس» على حصن «التعكر» وما يليه من البر، وجعل «مسعود» على حصن «الخضراء» وما يليه من البحر وله كذلك «عدن»، فعظم سلطان «بنى زريع» وأصبحوا شبه مستقلين فى هذه المناطق، وبخاصة بعد نهاية دولة الصليحيين. وسلاطين آل زريع هم: - فى حصن التعكر 1 - «العباس بن المكرم» [470 - 477هـ]. 2 - «زريع بن العباس» [477 - 480هـ]. 3 - «أبو السعود بن زريع» [480 - 494هـ]. - فى حصن الخضراء وعدن: 1 - «المسعود بن المكرم» [470 - 480هـ]. 2 - «أبو الغازات بن مسعود» [480 - 485هـ]. 3 - «محمد بن أبى الغازات» [485 - 488هـ]. 4 - «على بن محمد» [488 - 489هـ].

*طاهر (بنو)

*طاهر (بنو) تمكن «عامر بن طاهر» من السيطرة على مقاليد السلطة فى «اليمن» (858 هـ)، بعد أن أزال دولة «بنى رسول»، إلا أن الأمور لم تكن سهلة - آنذاك - فقد كان نفوذ الأئمة قويا، ورأوا أنهم أحق بالسيطرة على «اليمن» كله من الطاهريين، فى حين طمع «بنو طاهر» فى أن يكون لهم ملك «بنى رسول» فى شمالى «اليمن» وجنوبيه، ونشب صراع مذهبى عنيف بين الفريقين، واستمر لفترة طويلة حتى تمكن الظافر الثانى «عامر بن عبدالوهاب بن طاهر» من هزيمة الأئمة، فدانت له «اليمن» شمالا وجنوبًا، واستكمل الطاهريون ما بدأه «آل رسول» فى بناء حضارة «اليمن»، فانتشرت فى عهدهم المدارس والمساجد، واختطوا مدينة «المقرانة» فى «رواع»، وشيدوا بها القصور العظيمة، وأقاموا الحدائق البديعة، وشهدت «اليمن» فى عهدهم نهضة علمية عظيمة، وبرز فيها العلماء والمؤرخون، وبلغت العلوم الرياضية والفلكية والبحرية والجغرافية فى عهدهم شأوًا كبيرًا، فكان «أحمد بن ماجد العدنى»، و «سليمان المهرى» من علماء هذا العصر، وتتلمذ على أيديهما البحارة والجغرافيون من البرتغاليين والأتراك، ولأحمد بن ماجد مؤلفات بلغ الموجود منها أربعين مؤلفًا فى الجغرافيا والملاحة وأحوال البحار وطرقها، وظل الطاهريون فى دأبهم من أجل بناء حضارة «اليمن» حتى جاءت نهايتهم على أيدى المماليك فى سنة (945هـ) بحجة حماية طرق التجارة. وسلاطين بنى طاهر هم: 1 - الظافر (الأول) «عامر بن طاهر» [857 - 870هـ]. 2 - المجاهد على بن عمر» [870 - 883هـ]. 3 - «المنصور عبدالوهاب بن طاهر» [883 - 894هـ]. 4 - الظافر (الثانى) «عامر بن عبدالوهاب» [894 - 923هـ]. 5 - «عامر بن داود بن طاهر» [929 - 945هـ] (احتفظ «عامر» بعدن حتى سنة 945هـ).

*العيونيون

*العيونيون «العيونيون» فرع من «بنى عبدالقيس»، وكانوا يسكنون على مشارف «العيون» بالإحساء، وكان منهم «عبدالله بن على العيونى» الذى ثار على القرامطة وقضى عليهم، ثم سيطر «العيونيون» على «البحرين» وبدأ حكمهم فيها فى عام (467هـ)، وشمل «الإحساء»، و «البحرين»، و «القطيف»، فنعمت البلاد فى عهدهم بالاستقرار والهدوء وانتعشت التجارة، واتسع ملكهم حتى شمل «نجد»، وتميز عهدهم بالحضارة العلمية الزاهرة، وظل الأمر مستقرا فى «البحرين» حتى نشبت الصراعات والخلافات الداخلية من جديد، فهيأ ذلك الفرصة أمام الفرس لدخولها. وأهم أمراء «العيونيين» هم: 1 - «الفضل بن عبدالله بن على». 2 - «محمد بن الفضل». 3 - «محمد بن أحمد بن عبدا

*البيزنطية (دولة)

*البيزنطية (دولة) الإمبراطورية البيزنطية أو الرومانية أو كما عرفها المسلمون بدولة الروم، التى نزل فى بعض شأنها سورة الروم فى القرآن الكريم، إمبراطورية امتدت مابين القرنين (4، و 15م)، عاصمتها القسطنطينية (إستانبول حاليًّا)، وسميت بالبيزنطية نسبة إلى مدينة بيزنطة التى أسس فيها الإمبراطور قسطنطين مدينة القسطنطينية. بلغت الإمبراطورية البيزنطية أقصى اتساع لها خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادى؛ فكانت حدودها من الفرات شرقًا حتى بريطانيا غربًا، ومن الدانوب شمالاً حتى النوبة جنوبًا، وانتهى بها الأمر فى مطلع القرن (15م) إلى أن تكون القسطنطينية هى الإمبراطورية كلها. ومرجع تقلصها إلى هذا الحد هو تداعى الأمم المجاورة لها عليها واقتضامها منها، بدءًا بالفرس وانتهاءً بالعثمانيين ومرورًا بالجرمان (قوط شرقيين وغربيين، والفرنجة، والأنجلو) والبرجنديين، والوندال واللومبارد، ثم الأفار، فالمسلمين فى عصر الراشدين والأمويين، ثم الصرب والكروات والبوشناق والمجيار والبلغار، فالأتراك السلاجقة فالنورمان، ثم الصليبيين، حتى انتهى الأمر إلى زوالها على يد السلطان محمد الفاتح سنة (1453م). وأهم الضربات الموجعة التى أثرت فى تاريخ البيزنطيين هى: 1 - التهام النصف الغربى كله الذى يضم إيطاليا وغالة (فرنسا حاليًّا) واسبانيا وبريطانيا وتونس وطرابلس ونوميديا (الجزائر حاليًّا)، كل ذلك على يد الشعوب الجرمانية المتخلفة حضاريًّا، وذلك خلال القرنين (4، و 5 م)؛ مما أفقد الإمبراطورية نصفها اللاتينى، وعجل بتحولها إلى عصر بيزنطى. 2 - ضم المسلمين لبلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا. 3 - استيلاء الحملة الصليبية الرابعة على القسطنطينية سنة (607هـ = 1204م)، حتى نجح الإمبراطور ميخائيل الثامن فى استردادها سنة (659هـ = 1261م)، غير أن الإمبراطورية العائدة لم تقدم - خلال ما بقى من عمرها - إلاإ مزيدًا

من الهوان، على حساب عقيدتها الأرثوذكسية التقليدية لصالح الكاثوليكية فى الغرب الأوربى. وكان رخاء الإمبراطورية الحقيقى حتى الربع الأول من القرن (11م)؛ حيث نَهَجَ البيزنطيون نَهْجَ الرومان الأجداد؛ إذ اعتبروا القانون عصب الحياة، فأعطوا التشريعات اهتمامهم ما بدأه الأسلاف، وخلفوا لنا مجموعات قانونية متميزة. ومن الشخصيات المؤثرة فى الحياة البيزنطية العامة: الإمبراطور قسطنطين الذى بنى العاصمة، واعتنق المسيحية واعترف بها ديانة شرعية، والإمبراطور ثيودوسيوس الأول (379 - 395م)، وجوستنيان صاحب المجموعة القانونية الشهيرة، والإمبراطور هرقل، والإمبراطور ليو الثالث الأيزورى، الذى نجح فى فك الحصار الثالث على القسطنطينية فى عهد الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك. وتكتمل هذه الشخصيات بأباطرة الأسرة المقدونية، الذين شهدت الإمبراطورية عصرها الذهبى على أيديهم، وقد تركت الإمبراطورية البيزنطية أثرًا حضاريًّا كبيرًا، فأفاد المسلمون منها فى ترجمة كثير من الكتب المؤلَّفة فى مختلف فروع المعرفة، لكن الأثر الأكثر عمقًا كان فى حياة الصرب والبلغار والروس، أو بعبارة آخرى فى منطقة البلقان، وكان فى النواحى العقيدية والفكرية والفنية والأدبية.

*البيزنطيون

*البيزنطيون الإمبراطورية البيزنطية أو الرومانية أو كما عرفها المسلمون بدولة الروم، التى نزل فى بعض شأنها سورة الروم فى القرآن الكريم، إمبراطورية امتدت مابين القرنين (4، و 15م)، عاصمتها القسطنطينية (إستانبول حاليًّا)، وسميت بالبيزنطية نسبة إلى مدينة بيزنطة التى أسس فيها الإمبراطور قسطنطين مدينة القسطنطينية. بلغت الإمبراطورية البيزنطية أقصى اتساع لها خلال النصف الأول من القرن الرابع الميلادى؛ فكانت حدودها من الفرات شرقًا حتى بريطانيا غربًا، ومن الدانوب شمالاً حتى النوبة جنوبًا، وانتهى بها الأمر فى مطلع القرن (15م) إلى أن تكون القسطنطينية هى الإمبراطورية كلها. ومرجع تقلصها إلى هذا الحد هو تداعى الأمم المجاورة لها عليها واقتضامها منها، بدءًا بالفرس وانتهاءً بالعثمانيين ومرورًا بالجرمان (قوط شرقيين وغربيين، والفرنجة، والأنجلو) والبرجنديين، والوندال واللومبارد، ثم الأفار، فالمسلمين فى عصر الراشدين والأمويين، ثم الصرب والكروات والبوشناق والمجيار والبلغار، فالأتراك السلاجقة فالنورمان، ثم الصليبيين، حتى انتهى الأمر إلى زوالها على يد السلطان محمد الفاتح سنة (1453م). وأهم الضربات الموجعة التى أثرت فى تاريخ البيزنطيين هى: 1 - التهام النصف الغربى كله الذى يضم إيطاليا وغالة (فرنسا حاليًّا) واسبانيا وبريطانيا وتونس وطرابلس ونوميديا (الجزائر حاليًّا)، كل ذلك على يد الشعوب الجرمانية المتخلفة حضاريًّا، وذلك خلال القرنين (4، و 5 م)؛ مما أفقد الإمبراطورية نصفها اللاتينى، وعجل بتحولها إلى عصر بيزنطى. 2 - ضم المسلمين لبلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا. 3 - استيلاء الحملة الصليبية الرابعة على القسطنطينية سنة (607هـ = 1204م)، حتى نجح الإمبراطور ميخائيل الثامن فى استردادها سنة (659هـ = 1261م)، غير أن الإمبراطورية العائدة لم تقدم - خلال ما بقى من عمرها - إلاإ مزيدًا

من الهوان، على حساب عقيدتها الأرثوذكسية التقليدية لصالح الكاثوليكية فى الغرب الأوربى. وكان رخاء الإمبراطورية الحقيقى حتى الربع الأول من القرن (11م)؛ حيث نَهَجَ البيزنطيون نَهْجَ الرومان الأجداد؛ إذ اعتبروا القانون عصب الحياة، فأعطوا التشريعات اهتمامهم ما بدأه الأسلاف، وخلفوا لنا مجموعات قانونية متميزة. ومن الشخصيات المؤثرة فى الحياة البيزنطية العامة: الإمبراطور قسطنطين الذى بنى العاصمة، واعتنق المسيحية واعترف بها ديانة شرعية، والإمبراطور ثيودوسيوس الأول (379 - 395م)، وجوستنيان صاحب المجموعة القانونية الشهيرة، والإمبراطور هرقل، والإمبراطور ليو الثالث الأيزورى، الذى نجح فى فك الحصار الثالث على القسطنطينية فى عهد الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك. وتكتمل هذه الشخصيات بأباطرة الأسرة المقدونية، الذين شهدت الإمبراطورية عصرها الذهبى على أيديهم، وقد تركت الإمبراطورية البيزنطية أثرًا حضاريًّا كبيرًا، فأفاد المسلمون منها فى ترجمة كثير من الكتب المؤلَّفة فى مختلف فروع المعرفة، لكن الأثر الأكثر عمقًا كان فى حياة الصرب والبلغار والروس، أو بعبارة آخرى فى منطقة البلقان، وكان فى النواحى العقيدية والفكرية والفنية والأدبية.

*الأفطس (بنو)

*الأفطس (بنو) أسرة أندلسية، قيل: إن أصولها عربية ترجع إلى قبيلة تَجِيب العربية الأصل، ولكن غالبية المؤرِّخين ينسبونها إلى قبيلة مكناسة البربرية، التى استقرت بمنطقة فحص البلوط جنوبى قرطبة. وترجع بداية ظهور هذه الأسرة إلى عبد الله بن محمد بن مسلمة بن الأفطس، الذى استعان به سابور العامرىّ بعدما سيطر على مدن بطليوس وإشبونة وقلمرية، فتفتحت ملكاته وخبراته فى الإدارة؛ فآل إليه الأمر بعد وفاة سابور العامرىّ. واستقل ابن الأفطس بهذه المملكة الصغيرة اعتبارًا من سنة (413 هـ) وتلقب بالمنصور ولم يصعب عليه التخلص من ابنى سابور. وكان موقع مملكة بطليوس يجعلها مطمعًا للممالك المجاورة لها، بالإضافة إلى تطلع نصارى الشمال الدائم إلى السيطرة عليها هى وغيرها، فتصارعت مملكتا بطليوس وإشبيلية بسبب تنافسهما فى الاستيلاء على مدينة باجة. وظل الصراع بين المملكتين إلى أن وحدهما الخطر الصليبى. وفى سنة (427 هـ) تولى أمر بطليوس محمد بن عبد الله بن الأفطس، الذى لُقِّب بالمظفر بعد وفاة أبيه، وقد كان عالِمًا فارسًا شجاعًا، استطاع مقاومة الضربات الشديدة التى وجهها إلى دويلته المعتضد بن عباد، حاكم إشبيلية، والمأمون صاحب طليطلة. وهذه الحروب أدت إلى ضعف الممالك الأندلسية الإسلامية، وطمع فرناندو ملك قشتالة فيها جميعًا. وبالفعل، فقد اجتاح فرناندو شمالى بطليوس دون ممانع له، ثم شنترين وأَُجبر ابن الأفطس على الصلح ودفع الجزية، وعلى الرغم من هذا غزا القشتاليون قلمرية، وهى من كبرى مدن غربى الأندلس، وأوقعوا بأهلها مذبحةً رهيبةً، وأجبروهم على إخلاء جميع الأراضى المتاخمة لمملكتهم. ولم يستطع ابن الأفطس صدَّ عدوان النصارى، فلما توفِّى سنة (461هـ) خلفه ولدُه يحيى الملقب بالمنصور؛ فنازعه أخوه عمر واستمر تصارعهما إلى أن توفِّى يحيى بن المنصور سنة (464 هـ) فانفرد عمر بالأمر، ولقب بالمتوكل على الله،

فحسنت إدارته وأصبح من أشهر أمراء الطوائف عامةً وأبقاهم ذِكرًا. وكان من مواقفه أنه كان عونًا لأهل طليطلة ونجدة لهم، حين شدد ألفونسو السادس على طليطلة، وعندما استولى ألفونسو السادس على طليطلة شارك عمر فى الكتابة إلى يوسف بن تاشفين، أمير المرابطين يستنجد به، فانتهى الأمر بمواجهة حاسمة بين القشتاليين من جهة وقوات المرابطين وقوات دويلات الطوائف الإسلامية بالأندلس من جهة أخرى فى موقعة عظيمة، عرفت باسم الزلاقة شمالى بطليوس فانتصر المسلمون، وامتد بقاؤهم على أرض الأندلس عدة قرون أخرى، فلما ظهر الخلاف مرة ثانية بين ملوك الطوائف، لم يتردد ابن تاشفين فى خلعهم عن عروشهم وتوحيد دولة الإسلام فى المغرب والأندلس. وتم فتح بطليوس للمرابطين سنة (488 هـ). وهكذا سقطت دويلة بنى الأفطس، وانتهت أسرتهم التى حكمت فى غربى الأندلس ما يقرب من ثمانين عامًا، كان لهم خلالها أثر سياسى وأدبى مهم فى تاريخ هذه المنطقة.

*آق قيونلو (دولة)

*آق قيونلو (دولة) عشيرة تركمانية كبيرة، هاجرت من تركستان إلى أذربيجان ثم إلى أطراف ديار بكر، واستقرت بين آمد والموصل، من نهر جيحون شرقًا إلى الفرات غربًا. وآق قيونلو معناه: القطيع الأبيض، وينسبون إلى أوغوزخان، ولكون حفيده يُسمى بايندر، نُسبت إليه الدولة فقيل لها: بايندرية، واشتهر من أمرائها أوزون حسن الذى نقل عاصمته إلى تبريز. واشترك فى قتال السلطان العثمانى محمد الفاتح، وبعد مقتل أحمد كوده بن أوغورلى انقسم أمراء آق قيونلو إلى فرقاء؛ فاختار كل فريق حاكمًا من الأسرة. فكان مراد بن يعقوب حفيد أوزون حسن فى شيروان، وألوند بن يوسف فى أذربيجان، وأخوه محمدى ميرزا فى نيرد، كل واحدٍ منهم يحكم فى منطقته، فتغلب ألوند ومراد على محمدى ميرزا، وقُتل محمدى بالقرب من أصبهان سنة (905هـ)، وانهزم ألوند سنة (907هـ) أمام إسماعيل الصفوى، وفرَّ إلى بغداد ثم إلى ديار بكر ومات فى أواخر سنة (910هـ). وفى أواخر سنة (908هـ) هُزِمَ مراد بن يعقوب أمام إسماعيل الصفوى ثم فرَّ إلى بغداد، ثم فرَّ منها أيضًا بعد تحرك الصفوى نحوها.

*الخطا (مملكة)

*الخطا (مملكة) هى دولة كبيرة، قامت قبيل الغزو المغولى للعالم الإسلامى، وكانت تقع مابين مملكة الخوارزميين فى الغرب ومساكن المغول فى الشرق، وكان نهر سيحون يشكِّل حدًّا فاصلاً بين ممالك القراخطائيين والدولة الخوارزمية. والخطا مجموعة من القبائل التى نزحت من شمال الصين بعد انهيار دولتها هناك سنة (519هـ = 1125م)، وقداستقرت هذه القبائل فى غرب إقليم التركستان إبان العصر السلجوقى، وكونت دولة عُرفت باسم الخطا أو القراخطائيين، وعملت على توسيع مملكتها الجديدة شرقًا وغربًا ؛ حيث امتدت حدودها من صحراء جوبى إلى نهر سيحون، ومن هضبة التبت إلى سيبيريا. وكانت هذه القبائل لاتكفُّ عن الإغارة على البلاد الإسلامية؛ حيث كانت الخطا تدين بالبوذية؛ فاشتبك جيشها مع السلطان السلجوقى سنجر فى معركة قطوان (فى سمرقند حاليًّا) سنة (536هـ = 1141م)، وقد انتهت هذه المعركة بانتصار الخطا وقتل (100) ألف جندى سلجوقى، وبذلك قامت دولة الخطا فى بلاد ما وراء النهر، واستمر الخطا فى حكمها لمدة (89) سنة، ودفع الخوارزميون جزية سنوية حتى عهد السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذى استطاع - بمساعدة بعض القوى الأخرى خاصة المغول - القضاء على الخطا سنة (607هـ = 1210م). وكانت دولة الخطا تقف سدًّا منيعًا بين المسلمين والمغول؛ لذلك تعرض العالم الإسلامى لهجمات التتار.

*القراخطائية

*القراخطائية هى دولة كبيرة، قامت قبيل الغزو المغولى للعالم الإسلامى، وكانت تقع مابين مملكة الخوارزميين فى الغرب ومساكن المغول فى الشرق، وكان نهر سيحون يشكِّل حدًّا فاصلاً بين ممالك القراخطائيين والدولة الخوارزمية. والخطا مجموعة من القبائل التى نزحت من شمال الصين بعد انهيار دولتها هناك سنة (519هـ = 1125م)، وقداستقرت هذه القبائل فى غرب إقليم التركستان إبان العصر السلجوقى، وكونت دولة عُرفت باسم الخطا أو القراخطائيين، وعملت على توسيع مملكتها الجديدة شرقًا وغربًا ؛ حيث امتدت حدودها من صحراء جوبى إلى نهر سيحون، ومن هضبة التبت إلى سيبيريا. وكانت هذه القبائل لاتكفُّ عن الإغارة على البلاد الإسلامية؛ حيث كانت الخطا تدين بالبوذية؛ فاشتبك جيشها مع السلطان السلجوقى سنجر فى معركة قطوان (فى سمرقند حاليًّا) سنة (536هـ = 1141م)، وقد انتهت هذه المعركة بانتصار الخطا وقتل (100) ألف جندى سلجوقى، وبذلك قامت دولة الخطا فى بلاد ما وراء النهر، واستمر الخطا فى حكمها لمدة (89) سنة، ودفع الخوارزميون جزية سنوية حتى عهد السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه الذى استطاع - بمساعدة بعض القوى الأخرى خاصة المغول - القضاء على الخطا سنة (607هـ = 1210م). وكانت دولة الخطا تقف سدًّا منيعًا بين المسلمين والمغول؛ لذلك تعرض العالم الإسلامى لهجمات التتار.

*واداى (مملكة)

*واداى (مملكة) إحدى الممالك الإفريقية القديمة. قامت فى منطقة تشاد فى القرن (3 هـ = 10 م). وأول من سكنها التنجر، وأسسوا بها مملكة واسعة الأرجاء، وكانت عاصمتها كتم، وبسطت هذه المملكة نفوذها على دارفور حتى أوائل القرن السابع عشر؛ إذ استولى أحد مجاهدى دار فور وهو عبد الكريم بن جماع سنة (1615 - 1655 م) على السلطة فى دار فور، وخلع سلطة واداى، بل وبسط نفوذه عليها حتى جعلها تدفع الجزية له. وفى بداية القرن (18م) رفض السلطان يعقوب إدريس أحد سلاطين واداى دفع الجزية لدارفور، واستقلت مملكة واداى عنها. وفى سنة (1785م) بسطت واداى نفوذها على مملكة باقيرمى المجاورة، وفى سنة (1833م) خلع سلطان دارفور سلطان واداى، وعين سلطانًا آخر تابعًا له هو محمد الشريف، وفى سنة (1871 م) عاودت مملكة واداى غزو مملكة باقيرمى ومناطق أخرى حولها، وعاشت المملكة بعد ذلك فى فتن واضطرابات داخلية ومؤامرات حتى أوائل القرن العشرين؛ إذ بسط الفرنسيون نفوذهم عليها. وقد لعبت مملكة واداى دورًا كبيرًا فى نشر الإسلام واللغة العربية والثقافة الإسلامية فى تشاد، كما أنها استخدمت اللغة العربية فى الدواوين والشريعة الإسلامية فى الحكم. وقد ضُمت إلى جمهورية تشاد بعد حصول تشاد على الاستقلال سنة (1960م).

*الإسبان

*الإسبان هم معظم سكان شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال). وهم أجناس مختلفة يتكونون من الأيبيريين والفينيقيين والإغريق والقرطاجنيين. ولما استولت روما على أيبيريا فى أواسط القرن الثانى قبل الميلاد وكان جيش روما خليطًا من شعوب أوربية مختلفة، واستوطن أيبيريا بعض الأسر الرومانية وأشاعت فيها حضارتها ولغتها، كوَّن كل هؤلاء جزءًا من سكان أيبيريا الإسبان، وأطلقت روما على أيبيريا اسم إسبانيا. كما أضاف الفتح الإسلامى إلى هذه العناصر البشرية الكثيرة عناصر جديدة آسيوية وإفريقية من العرب. وبهذا يمثل الإسبان العناصر البشرية للعالم القديم (آسيا، وإفريقيا، وأوربا). واللغة الإسبانية هى اللغة المنتشرة بين الإسبان، وتوجد بعض اللغات الأخرى، مثل: لغة الباسك ولغة الكتالانية.

*البرامكة

*البرامكة أسرة فارسية الأصل، اعتنقت الإسلام، وشاركت فى قيام الدولة العباسية، وتولى أبناؤها المناصب الكبيرة فيها. تُنسب إلى برمك خادم معبد النوبهار البوذى فى بلخ، وخالد بن برمك أول برمكى اتصل بالعباسيين، وأصبح من كبار دعاتهم، وأسند إليه أبو العباس السفاح سنة (132هـ) ديوان الخراج وديوان الجند، وجعله بمنزلة وزيره، وولاه حكم فارس والرِّى وطبرستان. ولما تُوفِّى خالد، أسند المهدى أعماله إلى ابنه يحيى بن خالد، وعهد إليه بالإشراف على دواوين ابنه هارون الرشيد، ولما تُوفِّى المهدى وتولى الهادى حاول أن يخلع أخاه هارون عن ولاية العهد، غير أن يحيى بن خالد استطاع أن يصرف الهادى عن فكرته، فلما آلت الخلافة إلى هارون دفع إلى يحيى بن خالد خاتم الخلافة، فصار بيده الحل والعقُد، فقلد ابنه الفضل بن يحيى المشرق كله؛ فأزال ما وقع على الناس من ظلم، ونجح فىالقضاء على الخارجين على الخلافة، وهو أول من أشعل القناديل فى المساجد فى أثناء شهر رمضان، كما قلَّد يحيى ابنه جعفرًا المغرب كله، وأقام هو بحضرة الرشيد، إذ أذن له الرشيد بالنظر فىالمظالم، وأن يظهر اسمه على سِكَّة الخليفة (العملة)، كما عهد إليه بتأديب ابنه المأمون، وأسند إلى الفضل بن يحيى تربية الأمين، وتولى موسى بن يحيى الشام سنة (176هـ)، وتولى محمد بن خالد أخو يحيى منصب الحجابة فى بلاط الخلافة. وظل يحيى بن خالد وأولاده يتولون أمور الدولة سبعة عشر عامًا، كانوا خلالها المتصرفين فى جميع شئون الدولة، حتى إذا كانت سنة (187هـ) فنكبهم الرشيد نكبتهم المشهورة، بعد أن بلغوا من القوة والسلطان مبلغًا عظيمًا، فسعى لنكبتهم بالتدرج؛ فعزل محمد بن خالد بن برمك عن الحجابة، وقلدها الفضل بن الربيع، وبعد عودته من الحج سنة (186هـ) نزل ناحية العُمر بالأنبار، وأمر خادمه مسرورًا بقتل جعفر بن يحيى وحبس يحيى بن خالد وابنه الفضل ومصادرة

أموالهم وممتلكاتهم، ولم يستثنِ الرشيد من ذلك سوى محمد بن خالد وولده وأهله وخدمه. والسبب الرئيسى وراء النكبة خفى؛ وإن كان للفضل بن الربيع فى ذلك اليد الطولى. وقد اتهم عددٌ من المؤرخين البرامكة بالزندقة، كالبغدادى وابن النديم وأنهم من باطنية المجوس. وقد عُنِىَ البرامكة بالعلم والأدب أيما عناية، ونهضوا بشئون الثقافة وتدبير الحكم فبلغت الإدارة فى ظل البرامكة ذروة التنظيم؛ وكانوا طليعة نهضة فكرية.

*الإغريق

*الإغريق هم سكان شبه جزيرة البلقان، الذى عُرف عند العرب باسم بلاد اليونان وعرف سكانه أيضًا باسم الهيلينيين. وقد شمل التوسع الإغريقى مناطق فى آسيا الصغرى والبحر الأسود. وأهم المستعمرات التى أقاموها كانت فى بيزنطة (التى أصبحت عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية)، وفى ليبيا، ومصر، وإسبانيا، وفرنسا، وحظيت إيطاليا وصقلية بالنصيب الأوفر من نشاط المستعمرين الإغريق. وفى العصر الحجرى الحديث وفدت إلى بلاد الإغريق عناصر من غربى آسيا الصغرى، وامتزجوا بالشعوب التى هبطت من الشمال، وكانت المينوية من سنة (3000 - 1400 ق. م) تقريبًا، من أهم الحضارات فى هذه المنطقة. وينقسم تاريخ المينوية إلى ثلاث مراحل، (الأولى) تقارب عصر بناء الأهرامات فى مصر، و (الوسطى) انتقلت الحضارة فيها من الشرق إلى الوسط، حيث ازدهرت مدينة كنوسس العاصمة، وازدادت سلطة الحاكم الذى كان يحمل لقب مينوى، الذى نسبت إليه الحضارة، و (الثالثة) تميزت بعمق العلاقات بين مصر وكريت، التى سكنها الإغريق، كما وقع حريق مدمر فى الجزيرة فى أواخر هذا العصر. وبعد ذلك انتقل الثقل الحضارى إلى جنوبى بلاد الإغريق وسُمِّيت بالحضارة الموكينية، وكان مركزها مدينة موكيناى. وأهم أحداث هذه العصر حرب طروادة، التى سجلها الشاعر اليونانى هوميروس فى ملحمة الإلياذة. وكانت نهاية الموكينية خلال القرن الثانى عشر قبل الميلاد، على يد الدوريين الوافدين من الشمال، الذين احتلوا الجزء الجنوبى من بلاد اليونان، وعجزوا عن اقتحام مدينة أثينا. وقد أقام الدوريون عدة مدن، أشهرها إسبرطة، التى نافست أثينا على زعامة الإغريق. وبعد السنوات الألف الأولى من غزو الدوريين أصبح نظام دويلات المدن هو النظام السائد فى بلاد الإغريق، الذين كانوا يعتقدون أن نظام دول المدينة هو النظام الأمثل، وما عداه تخلف. وكانت أثينا كبرى هذه الدويلات، ولكن هذا النظام

شرذم الإغريق؛ فطمع فيهم الفرس الذين دمروا أثينا سنة (480 ق. م) فاضطر الإغريق إلى الاتحاد، وكونوا حلفًا عسكريًّا للتصدى للفرس، عُرف باسم حلف ديبوس، الذى لم تنضم إليه إسبرطة، بل أخذت فى إقامة حلف آخر، فأدى ذلك إلى قيام حرب البليونيز، التى استمرت من سنة (431 - 404 ق. م)، حتى حققت إسبرطة فى النهاية انتصارًا عسكريًّا، بعد أن استنزفت هذه الحرب قوى الإغريق عدا مقدونيا، التى لم تشترك فى الحرب، واستطاعت فرض الوحدة على الإغريق على يد فيليب الثانى، الذى قهر ابنه الإسكندر الأكبر بلاد فارس وأسقط إمبراطوريتها. وكانت أثينا مدرسة الإغريق وعاصمتهم الثقافية على طول عهدها، رغم الحروب.

*الرومان

*الرومان لفظة تطلق فى الأصل على سكان مدينة روما. والرومان شعوب استقرت ابتداءً من القرن الثانى عشر قبل الميلاد فى حوض نهر التيبر فى أواسط إيطاليا، وقامت بتأسيس مدينة روما القديمة فى نحو القرن الثامن قبل الميلاد، وبدأت بالتوسع تدريجيًّا عبر سلسلة من الحروب حتى سيطرت على شبه الجزيرة الإيطالية وتقدمت منه حتى سيطرت على معظم العالم القديم فى آسيا وإفريقيا وأوربا. وبذلك سيطر الرومان على مقدرات العالم وخاضوا حروبًا عديدة ضد القرطاجنيين والفرس، وتدفقت الأموال إلى روما، إلا أن الإمبراطورية الرومانية بدأت فى الانحطاط، خاصة بعد تزايد التنافس على السلطة، وهجمات القبائل الجرمانية. وبعد تأسيس الإمبراطور قسطنطين لمدينة القسطنطينية سنة (330 م)، تراجعت أهمية روما وصدارتها حتى انقسمت الإمبراطورية الرومانية سنة (337 م) إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعاصمتها بيزنطة، والإمبراطورية الرومانية الغربية، وعاصمتها روما. واستمرت الإمبراطورية الرومانية الغربية قائمة حتى غزتها القبائل الجرمانية وسيطرت على روما سنة (476 م). وانقسمت بعد ذلك الإمبراطورية الغربية إلى عدة دول، أما الإمبراطورية الشرقية فقد استمرت حتى فتحها العثمانيون واستولوا على القسطنطينية سنة (1453 م).

*غانة الإسلامية (دولة)

*غانة الإسلامية (دولة) «غانة» التى نقصدها بهذا الحديث ليست هى «غانا» التى تقع اليوم فى أقصى الجنوب من غرب إفريقيا وعاصمتها «أكرا» وإنما هى التى تقع بين منحنى «النيجر» و «نهر السنغال»، وتضرب حدودها فى جنوبى «موريتانيا» الحالية، وكانت عاصمتها مدينة تُسمَّى «كومبى» وتقع على بعد (200) ميل شمال «باماكو» عاصمة دولة «مالى» الحالية. وكانت غانة القديمة متسعة النفوذ والسلطان حتى قيل عنها: إنها كانت إمبراطورية خضع لها معظم بلاد «السودان الغربى» فى النصف الأول من العصور الوسطى. وتعد هذه الدولة أو الإمبراطورية من أقدم ممالك غربى إفريقيا شمال نطاق الغابات، ويرجع تاريخ نشأتها إلى الفترة مابين القرن الثالث والرابع الميلاديين، ويبدو أن كلمة «غانة» كانت لقبًا يطلق على ملوكهم، ثم اتَّسع مدلول هذا الاسم حتى أصبح يطلق على العاصمة والإمبراطورية. وقد قامت هذه الدولة على يد جماعة من البيض وفدوا من الشمال، وكان أول ملوكهم المدعو «كازا» قد اتَّخذ مدينة «أوكار» قرب «تمبكت» الحالية عاصمة له، وكان الشعب يتكون من قبائل «السوننك»، وهى أحد فروع شعب «الماندى» الذى يسكن معظم نواحى غرب إفريقيا. واستطاعت هذه الدولة منذ أواخر القرن الثامن الميلادى، وبعد أن انتقل الحكم إلى فرع «السوننكى» - أن تُخضِع بلاد «فوتا» حيث التكرور والولوف والسرير، ووصل هذا التوسع إلى نهايته القصوى فى مستهل القرن الحادى عشر للميلاد، فأصبحت «غانة» تسيطر على المسافات الممتدة من أعالى «نهر السنغال» وأعالى «نهر النيجر»، وامتد نفوذها إلى موقع «تمبكت» شرقًا وبلاد «التكرور» أو «السنغال» غربًا، وينابيع نهر «النيجر» جنوبًا، وأغلب الصحراء الغربية (موريتانيا حاليا) شمالا، وانتقلت عاصمتها إلى مدينة «كومبى» أو «كومبى صالح» وهى نفسها مدينة «غانة». وقد اعتمدت إمبراطورية «غانة» على التجارة كمصدر رئيسى فى اقتصادها خاصة تجارة الذهب، حتى صارت

تعرف ببلاد الذهب، وأصبح ملوك «غانة» من أغنى ملوك الأرض؛ بفضل سيطرتهم على الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب والتى كانت تقع فى منطقة «وانقارة» أو «وانجارة» جنوبى مملكة «غانة». وقد أدَّى رواج التجارة إلى أن أصبحت «غانة» (العاصمة «كومبى صالح») أكبر أسواق بلاد «السودان»، ودخل الإسلام إليها سلميا عن طريق التجار والدعاة المسلمين، ويتبين هذا من رواية «البكرى» الذى زار هذه البلاد فى عام (460هـ = 1068م)، وذكر أن مدينة «غانة» مدينتان يحيطهما سور، إحداهما للمسلمين وبها اثنا عشر مسجدًا، يُعيَّن لها الأئمة والمؤذِّنون، والقضاة، أما المدينة الأخرى، فهى مدينة الملك وتسمى بالغابة، وبها قصر الملك ومسجد يصلى فيه من يَفدُ عليه من المسلمين. ويضيف «البكرى» أن مترجمى الملك وصاحب بيت ماله وأكثر وزرائه كانوا من المسلمين، وهذا يدل على أن الإسلام قد انتشر بين زنوج غربى إفريقيا لدرجة أن شعب «التكرور» بأكمله أسلم على يد الملك «وارجابى بن رابيس» الذى توفى عام (432هـ = 1040م)، كذلك امتد الإسلام إلى مدينة «سلى» التى تقع بين «التكرور» و «غانة»، وإلى مدينة «غيارو» التى تبعد عن مدينة «غانة» مسيرة (18) يومًا. ويتحدث «البكرى» عن مملكة أخرى هى مملكة «ملل» ويقصد بها مملكة «مالى» التى تقع جنوبى مملكة «غانة»، ويقول: إن ملكها يعرف بالمسلمانى لأنه أعلن إسلامه على يد أحد الفقهاء المسلمين الذى خرج معه للاستسقاء بعد أن أجدبت البلاد وكاد الناس يهلكون، ولما استجاب الله وهطل المطر أمر الملك بتحطيم الدكاكير (أى الأصنام)، وأخرج السحرة من بلاده، وأسلم هو وأهله وخاصته وحَسُنَ إسلامهم، على الرغم من أن أغلب أهل مملكته كانوا وثنيين. ويتحدث «البكرى» أيضًا عن مدن أخرى أهلها مسلمون مثل مدينة «كونمة» ومدينة «الوكن» ومدينة «كوكو» عند انحناءة «نهر النيجر» تجاه بلاد «الهوسا»، والمدينة الأخيرة مدينتان، مدينة الملك ومدينة المسلمين، ويبدو

أن ملكهم كان مسلمًا، بدليل ما يذكره «البكرى» من أن ملكهم كان يتسلَّم عند تنصيبه خاتمًا وسيفًا ومصحفًا، يزعمون أن أمير المؤمنين بعثها إليه. ويصرح «البكرى» فى نهاية حديثه بأن ملكهم مسلم ولا يتولى العرش أحد من غير المسلمين. وحتى يسير الإسلام فى مجراه الطبيعى ويستقر بين هذه الشعوب التى آمنت به، وحتى ينتهى دور «غانة» فى مناهضة الإسلام والاعتداء على القبائل المسلمة كان الهدف الأساسى الذى كرَّس له الأمير «أبو بكر بن عمر اللمتونى» زعيم «الملثمين» جهوده هو الاستيلاء على «غانة» وإخضاعها لدولة المرابطين التى أقامها هؤلاء «الملثمون» من قبائل صنهاجة. وعلى الرغم من أن أغلب المصادر تغفل تفاصيل جهاد هذا الأمير فى بلاد «السودان الغربى» فإننا نعرف أنه استطاع أن يفتح مملكة «غانة»، وأن يستولى على العاصمة عام (469هـ = 1076م) ويسقط الحكومة الغانية الوثنية. ومنذ ذلك الوقت يمكن أن يؤرخ لإمبراطورية «غانة» الإسلامية حتى اختفائها من التاريخ فى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى. فقد أضحت حكومتها إسلامية، ويقال إن ملكها اعتنق الإسلام بدليل أن المرابطين تركوه فى الحكم بعد أن أعلن الخضوع ودفع الخراج لهم. وبإسلام هذا الملك دخل عدد كبير من سكان المملكة فى الإسلام. ولم تستمر سيطرة المرابطين على «غانة»؛ إذ سرعان ما تخلَّصت من هذه السيادة على أثر اغتيال الأمير «أبى بكر» أمير المرابطين عام (480هـ = 1087م) على يد أتباع أحد زعماء قبائل «الموسى» بجنوب «داهومى» وانتهزت بلاد «السودان الغربى» هذه الفرصة وما تبعها من اضطراب الجيوش المرابطية هناك بعد موت قائدها فأعلنت «غانة» استقلالها وانفصالها عن الدولة المرابطية، ونقضت تبعيتها لها، وفى الوقت نفسه استطاعت بعض الولايات التى كانت تابعة لإمبراطورية «غانة» أن تنفصل هى الأخرى وتستقل فى حكمها، مثل مملكة «أنبارة» وولاية «ديارا» و «كانياجا»،

وأصبحت ممالك مستقلة، بينما أصبحت سلطة ملوك «غانة» لا تتعدَّى «أوكار» و «باسيكورو» مما أضعف الدولة ومهد للقضاء عليها. ومعنى ذلك أن فتح المرابطين لغانة لم يقض عليها تاريخيا، ولكنه حولها إلى الإسلام، وجاءت الصدمة القاضية على الوجود التاريخى لإمبراطورية «غانة» على يد قبائل «الصوصو» الوثنية التى استقلت بولاية «كانياجا» كما سبق القول، وكانوا من قبل يدفعون الجزية لحكومة «غانة» لفترة طويلة. وفى مطلع القرن الثالث عشر الميلادى استولى أعظم أباطرة «الصوصو» وهو «سومانجورو» على العاصمة «كومبى صالح» فى عام (600هـ= 1203م) بعد معركة طاحنة مع ملك «غانة» الإسلامية. وبذلك أنهى «الصوصو» سيادة الملوك الغانيين المسلمين فتفرقوا فى البلاد، وقام زعيم «الصوصو» بالاتجاه نحو الجنوب؛ حيث توجد دولة «الماندنجو» النامية فى «كانجابا» واستولى عليها ولكن أحد أبناء ملك «كانجابا» ويسمى «سندياتا» أو (مارى جاطهـ) نجح فى استرداد الأراضى التى ضاعت من أبيه، بل واستطاع أن يقضى على «سومانجورو» نفسه وأن يضم جميع أملاك «الصوصو» إليه. وذلك بعد موقعة حربية فاصلة (632هـ = 1235م)، وفى عام (638هـ = 1240م) نجح «مارى جاطة» فى تدمير ما بقى من «كومبى صالح» عاصمة «غانة»، وكان ذلك هو الفصل الختامى فى اختفاء إمبراطورية «غانة» من مسرح التاريخ. وعلى الرغم من أن «غانة» الإسلامية لم تعمَّر طويلا فإن أهلها وأغلبهم من «السوننك» اشتهروا بحماسهم للإسلام وبالدعوة إليه، حتى إن بعض العشائر السوننكية تكاد تختص بالعمل فى الدعوة إلى الإسلام، بل إن كلمة «سوننك» فى أعالى نهر «غمبيا» استخدمها «الماندنجو» الوثنيون مرادفة لكلمة «داعية»، مما يدل على الدور الكبير الذى نهض به «السوننك» فى نشر الإسلام. ويبدو أن هذه الدفعة التى دفعها المرابطون للإسلام كانت من القوة بحيث تركت فى تاريخ الإسلام فى غربى إفريقيا آثارًا

عميقة، ذلك أن دعاة المرابطين نشروا الإسلام فى المنطقة الواقعة بين «السنغال» و «النيجر» وعلى ضفاف «السنغال»، وتمخض ذلك عن إسلام شعب «التكرور» الذى عمل بدوره على متابعة الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بين قبائل «الولوف» و «الفولبة» (الفولانى) و «المندنجو». وفى ركاب المرابطين دخلت الثقافة الإسلامية متدفقة من مدارس «المغرب» و «الأندلس»، فقد وحَّد المرابطون بين «السودان الغربى» و «المغرب» و «الأندلس» فى دولة واحدة. وفى عهدهم تم تأسيس مدينة «تمبكت» التى أصبحت حاضرة الثقافة العربية فى غربى «السودان» وقد أسَّسها قوم من طوارق «مقشرن» فى آخر القرن الخامس الهجرى، وأصبحت سوقًا مهمة يؤمُّها الرحالة ويَفِدُ إليها التجار من «مَرَّاكُش» و «السودان». وسرعان ما اقتفى العلماء أثر التجار فوفدوا إليها من «المغرب الأقصى» و «الأندلس»، بل ومن «مصر» و «توات» و «تافللت» و «فاس» وغيرها، وأصبح مسجدها الجامع الذى يسمى مسجد «سنكرى» جامعة إسلامية زاهرة فى هذه البقعة النائية، وامتدَّ الإسلام إلى مدينة أخرى كان لها ما لتمبكت من أثر فى تاريخ الإسلام والثقافة العربية، وهى مدينة «جنى» التى أسلم أهلها آخر القرن الخامس الهجرى، وأمَّها الفقهاءُ والعلماءُ، كما انتشرت اللغة العربية بين كثير من أهالى دولة «غانة» الإسلامية، وأصبحت لغة العبادة والثقافة الوحيدة بالبلاد بجانب كونها لغة التجارة والمعاملات. انتهى هذا الدور بانتشار الإسلام فى بلاد «السودان الغربى» على نطاق واسع، وبتوطُّن الثقافة العربية فى مركزين مشهورين فى «تمبكت» و «جنى»، وبسقوط مملكة «غانة» الإسلامية على يد «الصوصو»، وورثتها مملكة «مالى» الناشئة، وبدأ دور جديد يمكن أن نسميه دور الازدهار فى تاريخ الدول والممالك الإسلامية التى قامت فى غرب إفريقيا فى العصور الوسطى. وفى هذا الدور انتقلت السلطة إلى أهل البلاد الأصليين الذين دخلوا الإسلام وتشربوا من

ثقافته واقتبسوا من نظمه، وهو التطور نفسه الذى حدث فى «المغرب» حينما انتقل السلطان إلى أهل البلاد أنفسهم، بل شهده كل قطر دخله الإسلام وتغلغل فيه. ومن الدول الإسلامية التى قامت من أهل البلاد الأصليين فى غربى إفريقيا دولة «مالى» ودولة «صنغى» ودولة «الكانم والبرنو». وهذه الدول بعد قيامها كانت تشتغل بالحياة الإسلامية وتتخذ مظهرًا إسلاميا واضح المعالم.

*مالى (دولة)

*مالى (دولة) أسس هذه السلطنة شعب زنجى أصيل هو شعب «الماندنجوه»، أو «الماندنجو» ومعناها «المتكلمون بلغة الماندى»، ويطلق «الفولانى» على هذا الشعب اسم «مالى»، ويلقبه المؤرخون العرب بلقب «مليل» أو «ملل»، وتقع سلطنة «مالى» بين بلاد «برنو» شرقًا والمحيط الأطلسى غربًا وجبال البربر شمالا و «فوتاجالون» جنوبًا. وقد اشتهرت باسم بلاد «التكرور» وهى أحد أقاليمها الخمسة التى اشتملت عليها المملكة زمن قوتها وازدهارها، وكان كل إقليم منها عبارة عن مملكة مستقلة استقلالا ذاتيا، لكنها تخضع لسلطان «مالى»، وهذه الأقاليم الخمسة حسبما ذكرها «القلقشندى»: 1 - «مالى»، ويتوسط أقاليم المملكة. 2 - «صوصو»، ويقع إلى الجنوب من «مالى». 3 - «غانة»، ويقع شمال «مالى» ويمتد إلى «المحيط الأطلسى». 4 - «كوكو»، ويقع شرق إقليم «مالى». 5 - «تكرور»، ويقع غرب «مالى» حول «نهر السنغال». ولايعرف إلا القليل عن نشأة مملكة «مالى» ويتلخص فى أنه فى نحو منتصف القرن الحادى عشر الميلادى تقريبًا اعتنق ملوك «الماندنجو» فى «كانجابا» (مالى) الإسلام، وأنشئوا دُوَيلة صغيرة انفصلت عن مملكة «غانة»، وظفرت بنوع من الاستقلال الذاتى، مستغلة الصراع الذى نشب بين المرابطين ومملكة «غانة» واستطاع ملوك «كانجابا» أن يوسعوا مملكتهم فى أوائل القرن الثالث عشر فى اتجاه الجنوب والجنوب الشرقى، مما أثار حفيظة ملك «الصوصو»، الذى أخذ يعمل للسيطرة على مملكة «كانجابا» الناشئة وكادت جهوده تكلل بالنجاح، بعد أن استطاع القضاء على دولة «غانة» الإسلامية عام (600هـ = 1203م)، لكن «سندياتا» ملك «كانجابا» الذى اشتهر باسم «مارى جاطة» (627 - 653هـ = 1230 - 1255م) استطاع أن يقهر ملك «الصوصو»، وأن يقتله فى إحدى المعارك عام (632هـ = 1235م) وأن يضم بلاده إليه، ثم وسَّع نفوذه شمالا واستولى على البقية الباقية من مملكة «غانة» عام (638هـ= 1240م)،

وبذلك يعتبر هذا الملك المؤسس الحقيقى لسلطنة «مالى» الإسلامية. وقد برزت سلطنة «مالى» فى سماء الحياة السياسية فى غربى إفريقيا كأعظم ماتكون، واتخذت حاضرة جديدة لها، ترمز إلى الدولة وإلى نفوذها وقوتها النامية وهى عاصمتها الجديدة «نيانى» أو «مالى»، بدلا من عاصمتها القديمة «جارب»، وتقع العاصمة الجديدة على أحد روافد «نهر النيجر». استمرت حركة التوسُّع بعد ذلك، ففى عهد «منسى ولى» (653 - 669هـ = 1255 - 1270م) خليفة «مارى جاطة» استولى قواده على منطقة «وانجارة» الغنية بمناجم الذهب، كما استولوا على مدينتى «بامبوك» و «بندو»، ولم تتوقَّف الفتوح بعد «منسى ولى»، إنما استمرت فى عهد خلفائه - أيضًا - حتى وصلت الغاية فى عهد ملك «مالى» الشهير «منسا موسى» (712 - 738هـ = 1312 - 1337م) الذى استولت قواته على مدن «ولاته» و «تمبكت» و «جاو» فى «النيجر الأوسط»، وبلغت دولة «مالى» الإسلامية فى عهده ذروة مجدها وقوتها واتساعها، فقد امتدت من بلاد «التكرور» غربًا عند شاطئ «المحيط الأطلسى» إلى منطقة «دندى» ومناجم النحاس فى «تكدة» شرقى «النيجر»، ومن مناجم الملح فى «تغازة» فى الصحراء شمالا إلى «فوتاجالون» ومناجم الذهب فى «ونقاره» جنوبًا، كما شملت الحدود الجنوبية منطقة الغابات الاستوائية. وتقدر مساحة «مالى» زمن السلطان «منسا موسى» بمساحة كل دول غربى أوربا مجتمعة، وتعتبر «مالى» من أعظم الإمبراطوريات فى القرن الرابع عشر الميلادى، وفاقت شهرتها دولة «غانة»؛ من حيث العظمة والقوة والثروة والاتساع والشهرة، فقد ضمَّت داخل حدودها مناجم الذهب والملح والنحاس، وتحكَّمت فى طرق القوافل بين هذه المناجم شمالا وجنوبًا، ونتج عن ذلك ثراء جم، يظهر ذلك من وصف «ابن بطوطة» و «الحسن الوزَّان» لهذه المملكة. لكن ما كادت الدولة تبلغ الغاية فى القوة حتى بدت عليها مظاهر الضعف؛ فأَغرق الملوك فى الترف، وفقدوا الروح

العسكرية، وبدأت أقاليمها تستقل عنها واحدًا بعد الآخر؛ فاستقلَّت «جاو» واستولى «الطوارق» على «أروان» و «ولاته» و «تمبكت»، وبدأ «الولوف» و «التكرور» يُغيرون عليها من الغرب، ودولة «الكانم» من الشرق واستقلّت إمارة «صنغى» التى ورثت مملكة «مالى» وتبوأت مكانتها فى غرب القارة فيما بعد. وقد بلغ ضعف مملكة «مالى» الغاية فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين حين استنجدوا فى عام (886هـ = 1481م) بالعثمانيين، الذين كانوا قد استقروا بالمغرب، ثم بالبرتغاليين الذين كانوا قد أنشئوا لهم مستعمرة على ساحل إفريقيا الغربى، فلم يستجب لهم أحد، وكان «سُنِّى على» سلطان دولة «صنغى» الإسلامية والمؤسس الحقيقى لها قد أوغل فى سلطنة «مالى» فلم يترك بلدًا ولا مدينة فى النصف الشمالى منها إلا حاربه بما فى ذلك مدينة «مالى» نفسها، واحتل «تمبكت» عام (873هـ = 1469م)، ونرى عهد قوة إمبراطورية «مالى» ينتهى فى العام الذى سقطت فيه «تمبكت» فقد أخذت الإمبراطورية تفقد أقاليمها واحدًا إثر الآخر حتى أصبحت فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى مجرد دُوَيلة صغيرة فى «كانجابا» كما كانت من قبل. وظلَّت هذه الدولة قائمة حتى ابتلعها الفرنسيون فى عام (1316هـ = 1898م)، بعد أن هزموا آخر زعيم أراد أن يعيد مجد دولة «مالى» الإسلامية، ويوحد شعب «الماندنجو» وهو «سامورى التورى»، ورغم جهاده المستمر فإن الفرنسيين قضوا عليه فى العام نفسه، ونفوه إلى «جابون»؛ حيث مات هناك فى عام (1318هـ = 1900م). وقد استطاعت دولة مالى تحقيق كثير من المظاهر الإسلامية. وأول هذه المظاهر، اتصالها بالقوى الإسلامية المختلفة، وإظهارها لروح الأخوة الإسلامية، وقد ظهر هذا فى سفر سلاطين هذه المملكة إلى مكة لأداء فريضة الحج وزيارة «مصر» فى طريقهم إلى «مكة»، وقد بدت هذه الظاهرة منذ فجر الدولة؛ إذ أشار «القلقشندى» إلى خروج «منساولى بن مارى

جاطة» إلى الحج فى عهد السلطان «بيبرس»، وتطورت الصلات بين «مالى» و «مصر» فى عهد السلطان «منسا موسى» الذى يعد موكبه من أروع مواكب الحج التى وفدت على «مصر» فى القرن الثامن الهجرى. وقد قدَّر بعض المؤرخين عدد من جاء فى ذلك الموكب بعدة آلاف، وقالوا إن السلطان حمل خمسين ألف أوقية من الذهب وزَّع أكثرها على الناس فى صورة هدايا أو صدقات فى «مصر» و «الحجاز»، وقد بعث إلى الخزانة السلطانية فى «القاهرة» بحمْل كبير من الذهب، وقد أكرمه سلطان «مصر» وبعث إليه بالخِلع وزوَّده بما يحتاج إليه فى سفره إلى «مكة» من الجمال والمتاع والمئونة. وكان السلطان «منسا موسى» قد بعث قبل مجيئه إلى «مصر» كتابًا إلى السلطان المملوكى «الناصر محمد» خاطبه فيه بما يدل على التقدير والإخاء، وبعث إليه بخمسة آلاف مثقال من الذهب، مما يدل على عمق الصلات الطيبة وروح الأخوة الإسلامية بين القاهرة وغربى إفريقيا، تلك الصلات التى نشأت عنها علاقات ثقافية وتجارية واسعة وقد انتهز السلطان «منسا موسى» فرصة وجوده فى «مصر»، فابتاع جملة من الكتب الدينية ليوفر لأهل بلاده طرفًا من الثقافة الإسلامية المتفوقة فى «مصر» وقتئذٍ وتبع ذلك رحيل كثير من علماء «مصر» إلى «مالى»، ورحيل علماء «مالى» إلى «مصر»؛ حيث كان لهم رواق فى الأزهر يقيمون فيه يسمى «رواق التكرور». ولم تقتصر العلاقات على «مصر» وحدها، بل كان لسلاطين «مالى» علاقات طيبة أيضًا بملوك «المغرب» وترجع العلاقات بين الطرفين إلى زمن بعيد، فيذكر «ابن عذارى» مؤرخ «المغرب» و «الأندلس» الشهير فى كتابه «البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب» بعض الهدايا التى كان يرسلها ملوك «السودان الغربى» فى القرنين الرابع والخامس الهجريين إلى ملوك «بنى زيرى» فى «تونس»، أما سلطان مملكة «مالى» «منسا موسى» فقد أرسل إلى السلطان «أبى الحسن المرينى» يهنئه باستيلائه على «تلمسان»، كما بعث بالسفراء الدائمين

إلى مدينة «فاس»، وكانت العلاقات الثقافية مع «المغرب» فى غاية القوة والازدهار، بسبب انتشار مذهب «مالك» فى البلدين. وقد امتدت علاقات مملكة «مالى» إلى «الأندلس»، بدليل ما يروى من أن «منسا موسى» استعان بأحد علمائها وهو «أبو إسحاق السهلى» من أهل «غرناطة» فى بناء القصور والمساجد، وإليه يرجع الفضل فى إدخال فن البناء بالآجر فى غربى «السودان»، وبنى مسجدًا عظيمًا فى «جاو» وآخر فى «تمبكت»، كما بنى قصر «منسا موسى» نفسه. وكان أهل «مالى» يحتفلون بشهر رمضان وبالأعياد الإسلامية احتفالا كبيرًا، وكان السلطان يوزع الأموال والذهب على القضاة والخطباء والفقهاء وفقراء الناس، ويصف «ابن بطوطة» خروج السلطان لصلاة العيد وصفًا رائعًا لا يقل فخامة وأبهة عن خروج خلفاء «بغداد» و «القاهرة». ويقول إن الأهالى كانوا يواظبون على الصلاة فى الجماعات، وإنهم كانوا يضربون أولادهم إذا ما قصروا فى أدائها، وإنه إذا لم يبكر الإنسان فى الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة لم يجد مكانًا لكثرة الزحام. وبلغ من عمق العقيدة فى نفوسهم أنهم كانوا يلزمون أبناءهم بحفظ القرآن الكريم، وكانوا يضعون قيودًا من الحديد فى أرجلهم إذا ماقصروا فى حفظه، ولا تفك عنهم حتى يحفظوه، ولذلك أتقن كثير من الماليين اللغة العربية، وكان السلطان «منسا موسى» نفسه يجيدها، وكان التعليم لايتم إلا بها كما كانت لغة الحكومة فكانت الوثائق المهمة والمراسلات الدولية لاتكتب إلا بها، كما كانت لغة التجارة والمعاملات، أى أنها كانت اللغة السائدة بجانب اللغات المحلية، مثل لغة «الهوسا» و «صنغى» و «الفولانيين» التى تأثرت باللغة العربية، وتوجد آلاف الكلمات العربية مستخدمة فى شتى مظاهر الحياة فى غرب إفريقيا حتى اليوم، وقد زار الرحالة الإنجليزى «فرانسيس مور» مالى عام (1144هـ = 1731م) ووجد معظم أهل «جمبيا» البريطانية يتكلمون العربية. وقد ساعد على ذلك أن سلاطين «مالى» كانوا

يكثرون من بناء المساجد التى كانت تتخذ بجانب العبادة مكانًا للعلم والتدريس، ويذكر أن السلطان «منسا موسى» كان يقيم مسجدًا فى كل مكان تدركه فيه صلاة الجمعة إذا كان مسافرًا أو خارج عاصمته، ومن أهم هذه المساجد مسجد أو جامع سنكرى الذى أصبح جامعة علمية فى مدينة «تمبكت»؛ حيث وفد إليه العلماء وطلاب العلم من داخل «مالى» وخارجها، وبلغ من أهمية هذه المساجد أنها أصبحت حرمًا آمنًا، فكان السلطان إذا غضب على أحد من الرعية استجار المغضوب عليه بالمسجد، وإن لم يتمكن من ذلك يستجير بدار خطيب المسجد، فلا يجد السلطان سبيلا إلا أن يعفو عنه، وهذا يدل على مدى تقدير سلاطين «مالى» للأماكن الدينية وللعلماء، وكان مجلس السلاطين لا ينعقد إلا بحضور العلماء ولا يبت فى رأى إلا بعد مشورتهم، فإذا أضفنا إلى ذلك ما قام به سلاطين «مالى» من جهاد لنشر الإسلام وثقافته بين القبائل الوثنية سواء داخل دولتهم أو خارجها، وما قاموا به من أصول عربية مشرقية لأسرتهم الحاكمة وهى أسرة «كيتا»؛ لأدركنا مدى حرص تلك السلطنة وهؤلاء السلاطين على التقاليد الإسلامية ومظاهر الحياة الإسلامية.

*صنغى (دولة)

*صنغى (دولة) بدأت سلطنة «صنغى» (صنغاى- سنغاى) دويلة صغيرة لا تختلف من حيث قيامها عن سلطنة «مالى» أو «غانة» فقد تدفقت بعض قبائل مغربية - وخاصة قبائل «لمطة» - فى نحو منتصف القرن السابع الميلادى إلى الضفة اليسرى لنهر «النيجر» عند مدينة «دندى»، وسيطروا على الزراع من أهل «صنغى». ورحب هؤلاء بهم ليحموهم من الصيادين الذين كانوا يعتدون عليهم ونجح هؤلاء الوافدون فى تكوين أسرة حاكمة استفادت إلى حد كبير من العلاقات التجارية مع «غانة» و «تونس»، و «برقة» و «مصر»، وكانت هذه العلاقات التجارية ذات أثر بعيد فى تحويل ملوك «صنغى» إلى الإسلام فى بداية القرن الحادى عشر الميلادى إبان النهضة الإسلامية التى اضطلع بها المرابطون فى ذلك الوقت لنشر الإسلام فى غربى القارة. رأى ملوك «صنغى» أن ينقلوا حاضرة ملكهم من «كوكيا» إلى «جاو» لتكون على مقربة من طرق القوافل الرئيسية. ومدينة «جاو» زارها البكرى عام (460هـ = 1068م) وقال: «إن مدينة كوكوا (جاو) مدينتان، مدينة الملك ومدينة المسلمين، وإذا وُلِّى منهم ملك دُفع إليه خاتم وسيف ومصحف يزعمون أن أمير المؤمنين بعث بذلك إليهم، وملكهم مسلم لا يملِّكون غير المسلمين»، كما زارها «ابن بطوطة» فى منتصف القرن الرابع عشر للميلاد، وقال عنها: إنها مدينة كبيرة تقع على نهر «النيجر»، وهى من أحسن مدن «السودان» وأكبرها وأخصبها، وقد قابل فيها فقهاء ينتسبون إلى بعض قبائل البربر. وكانت «جاو» والبلاد التابعة لها تشكل جزءًا من سلطنة «مالى» (777هـ = 1375م)، عندما تحرك ملوك «صنغى»، واستردوا استقلالهم منتهزين فرصة الضعف الذى أخذ يظهر فى دولة «مالى» منذ ذلك الوقت واتخذوا لقب «سُنِّى» أو «السُّنِّى». وأخذت بلادهم تتسع فى عهد «سنى على» (868 - 897هـ = 1464 - 1492م) الذى كون جيشًا كبيرًا منظمًا سار على رأسه إلى الغرب، واستولى على مدينة «تمبكت» (873هـ = 1468م)،

ثم على مدينة «جنِّى» (878هـ = 1473م)، وفتح مملكة «الموسى» وضمها إلى دولته، وتقدم شرقًا فهاجم بعض إمارات «الهوسا» فخضعت له «كاتسينا» و «جوبير» و «كانو» و «زمفرة» و «زاريا»، ثم اتجه غربًا فاستولى على بلاد «الماندنجو» و «الفولانى»، ومعظم ممتلكات دولة «مالى» الإسلامية، واتجه شمالا حتى مواطن الطوارق. وبذلك أسس «سنى على» إمبراطورية «صنغى» الإسلامية، وكان أول إمبراطور لها، حتى مات فى ظروف غامضة، وبموته انتقل الحكم إلى أسرة جديدة أسسها أحد قواد «السوننكى»، وهو «أسكيا محمد الأول» بعد إعلانه الثورة على ابن «سنى على» واستيلائه على السلطة. و «أسكيا» لقب يعنى «القاهر» وقام بتنظيم شئون البلاد من الناحية الإدارية، واستخدم طائفة من الموظفين الأكفاء، كما نظم الجيش وأفاد من الخبرات السابقة، واتخذت حركته مظهرًا إسلاميا واضحًا نتيجة عاملين قام بهما: الأول: هو اهتمامه بالشئون الدينية واستغلاله ثروة سلفه فى النهوض بها وقيامه بالحج إلى البيت الحرام فى مكة (900هـ = 1495م)، وكان موكبه فى موسم الحج يفوق ما عرف عن موكب ملوك «مالى»، من حيث الأبهة والفخامة، واستردت «تمبكت» فى عهده مكانتها كمركز للثقافة الإسلامية فى غربى إفريقيا، وبلغ من شهرتها أن ملك «صنغى» كان ينسب إليها. والعامل الثانى: هو الجهاد الذى قام به بغرض توسيع رقعة بلاده، ونشر الإسلام بين الوثنيين من جيرانه «الماندنجو» و «الفولانى» فى الغرب «والطوارق» فى الشمال، وقبائل «الموسى» الزنجية فى الجنوب، «والهوسا» فى الشرق فى مدن «كتسينا» و «غوبير» و «كانو» و «زنفروزاريا» وقد خضعت هذه المدن كلها لهذا الملك عام (919هـ = 1513م)، وكان هذا بداية لظهور الثقافة الإسلامية فى هذا الجزء من شمال «نيجيريا». وقد أشار كثير من المؤرخين السودانيين إلى أن علماء من «تمبكت» رحلوا إلى هذه الجهات الخاضعة لنفوذ «صنغى»، وأقاموا هناك يفقِّهون

الناس فى الدين وينشرون الثقافة الإسلامية، حتى امتد النفوذ الإسلامى إلى منطقة «بحيرة تشاد»، وبلغت إمبراطورية «صنغى» أقصى اتساع لها، فقد شمل نفوذها منطقة «السافانا» كلها من الشرق إلى الغرب، واستطاع «أسكيا محمد الأول» أن ينشر الأمن والسلام فى جميع ربوع هذه المملكة الشاسعة الأرجاء، بتنظيماته الإدارية والعسكرية الرائعة التى قام بها بين صفوف الجيش والإدارة. لكن حكمه آذن بالزوال حينما أصيب بالعمى وانتابه المرض وتآمر عليه أولاده، وعزله أحدهم عن الحكم فى عام (935هـ = 1529م). وظل القواد والمغامرون يتنافسون من أجل السيطرة على الجيش والحكومة، إلا أن «أسكيا إسحاق الأول» (946 - 956هـ = 1539 - 1549م) استطاع أن يلى العرش بمساندة الجيش، وأن يعيد الأمن إلى نصابه، وأن يقضى على منافسيه، وأن يبعد كبار ضباط الجيش وكبار المسئولين، الذين أساءوا استخدام مناصبهم خلال فترة الاضطراب. وعلى الرغم من ذلك لم يستطع الاحتفاظ بالعرش مدة طويلة، فقد خلفه «أسكيا داود» (1549 - 1582م) الذى عين أنصاره فى الوظائف المهمة واشتهر بحنكته السياسية فأبعد خطر ملوك «مراكش» عن بلاده بالمهادنة والتودد إليهم. وبعد وفاة «داود» (990هـ = 1582م) أثرت المنازعات التى قامت بسبب العرش تأثيرًا سيئًا على مملكة «صنغى»، فقد كان سلاطين «المغرب» منذ عهد بعيد يتطلعون إلى مناجم الملح فى «تغازة» وإلى السيطرة على تجارة الذهب، وظل ملوك «صنغى» يصدون سلاطين «المغرب» حتى سنة (993هـ = 1585م)، حينما انقسمت البلاد على نفسها، فاستغل «أحمد المنصور الذهبى» سلطان «المغرب» الذى انتصر على البرتغاليين فى موقعة «القصر الكبير» ضعف «صنغى» وسيَّر جيشًا كبيرًا عام (998هـ = 1590م) استولى على العاصمة «جاو» بعد أن هزم قوات «إسحاق الثانى» فى موقعة «تونديبى» وبذلك دخلت البلاد فى طور جديد من أطوار تاريخها وهو طور التبعية والفناء.

لكن واقعة «تونديبى» لم تكن نصرًا للمغرب إلا من الناحية العسكرية؛ إذ إنهم لم يحققوا الأغراض التى قاتلوا من أجلها، وهى السيطرة على مناجم الذهب فى غرب إفريقيا، لأن ثروة «صنغى» لم تكن نتيجة امتلاكها الذهب بقدر ما كانت نتيجة لسيطرتها على تجارته مع مواطن إنتاجه، فى «وانجارة» و «يندوكو» و «أشنتى»، وكلها فى جنوب مملكة «صنغى»، وهى تجارة لا تزدهر إلا فى ظل الأمن والسلام الذى قضى عليه سلاطين «مراكش»، الذين لم يستطيعوا أن يمدوا نفوذهم إلى ما وراء المدن الرئيسية «جنى» و «تمبكت» و «جاو»، ولما أدركوا قلة الفوائد التى عادت عليهم من وراء هذا الفتح الذى كلفهم كثيرًا، كفُّوا عن إرسال الجند والمئونة اللازمة إلى قواتهم، وتركوا هذه القوات تقرر مصيرها بنفسها، فنشأت أسرة محلية من باشوات «تمبكت» تدين بالتبعية الاسمية لسلطان «مراكش»، وتعتمد على عنصر خليط من البربر وأهل البلاد، أو المولدين الذين سموا باسم «أرما». وكان همُّ هؤلاء الباشوات منصرفًا إلى جمع المال وحمل الزعماء المحليين على دفع الإتاوة على أن سلطانهم ضعف تدريجيًا لاعتمادهم على الجيش الذى كان يعزلهم متى شاء، حتى بلغ عدد من تولى منهم بين سنتى (1070هـ=1660م) و (1163هـ= 1750م) نحو (128) باشا، ولما ضعفت قوة الجيش نفسه اضطر الباشوات منذ عام (1081هـ = 1670م) إلى دفع الإتاوة إلى الحكام الوثنيين من ملوك «البمبارا»، وهم ملوك مملكة «سيجو» الوثنية، التى كانت تقع على وادى نهر «بانى» جنوبى «كانجابا» فى حوض «النيجر». وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الفرنسيون والتهموا المنطقة بأسرها، وسموها «إفريقية الاستوائية الفرنسية». وبعد نجاح حركة الكفاح الوطنى ضد الاستعمار الفرنسى والإنجليزى؛ ظهرت عدة دول إسلامية حديثة على أنقاض إمبراطورية «صنغى» الإسلامية، وهذه الدول هى: «جمهورية موريتانيا، و «جمهورية غينيا»، و «جمهورية مالى»، و «جمهورية السنغال»،

و «جمهورية النيجر»، و «جمهورية نيجيريا»، و «جمهورية جامبيا». وإذا كانت دولة «صنغى» قد شابهت دولة «مالى» من حيث تطورها العام، فإنها قد شابهتها أيضًا فى اتخاذها مظهرًا إسلاميا واضحًا، بل فاقتها فى هذه الناحية فى بعض الأحيان، وهذا التطور طبيعى، فقد امتد سلطان «صنغى» إلى القرن السادس عشر الميلادى، وكان الإسلام قد قطع خطوات واسعة فى سبيل النمو والانتشار. وقد سعى ملوك «صنغى» كما سعى ملوك «مالى» من قبل إلى الاتصال بالقوى الإسلامية المعاصرة، تحقيقًا لروح الأخوة الإسلامية، وفى هذا المجال كان لملوك «صنغى» اتصالات عديدة بملوك المسلمين فى الشرق والغرب. فقد خرج «أسكيا محمد الأول» إلى الحج ومر بمصر سنة (899هـ= 1494م) فى موكب حافل، وأغدق على الناس والفقراء أكثر مما أغدق أسلافه، فقد روى «السعدى» صاحب كتاب «تاريخ السودان» أنه تصدق مثلا فى الحرمين الشريفين بمائة ألف مثقال من الذهب، واشترى بساتين فى «المدينة المنورة» حبسها على أهل التكرور (أهل دولة صنغى)، واجتمع فى موسم الحج بزعماء المسلمين، وتأثر بما رآه فى «مصر» من نظم الحكم، ومن ثقافة عربية مزدهرة، فاتصل بالإمام «السيوطى» وغيره من علماء العصر، وتلقى تقليدًا من الخليفة العباسى بالقاهرة، وعاد إلى بلده متأثرًا بما رآه من روح إسلامية، وعمل على تطبيق ما تعلمه من آراء وتجارب شاهدها بنفسه. ويقال إن هذا السلطان قلد فى تنظيماته الإدارية النظم التى رآها فى «مصر»، وأمعن فى إحاطة نفسه ببطانة من العلماء الذين كان يحمل لهم كل احترام وتقدير، فقد روى مؤرخو «السودان» أنهم كانوا إذا دخلوا عليه أجلسهم على سريره وقربهم وأمر بألا يقف أحد إلا للعلماء أو الحجاج، وألا يأكل معه إلا العلماء والشرفاء. كما أبطل البدع والمنكر وسفك الدماء، وأقام الدين والعقائد، وأعطى «جامعة تمبكت» المزيد من عنايته، فتفوقت فى عهده ووصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل، وكانت فى غربى

«السودان» كجامعة «الأزهر» فى «القاهرة»، أو «القرويين» فى «فاس» أو «الزيتونة» فى «تونس» أو «النظامية» فى «بغداد». وأصبحت هذه السياسة الإسلامية سياسة مقررة لخلفائه من بعده، فأسكيا إسحاق يسير فى الطريق نفسه، من تشجيع العلماء وإكرامهم والأخذ بيدهم، و «أسكيا داود» يتخذ خزائن الكتب وله نساخ ينسخون الكتب وربما يهادى بها العلماء، وقيل إنه كان حافظًا للقرآن الكريم. وهذا يدل على أن دولة «صنغى» قد شهدت تمكن الإسلام من أهل غرب إفريقيا، كما شهدت ازدهار الثقافة الإسلامية إلى أبعد الحدود. وبذلك نكون قد انتهينا من الحديث عن الدول الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، أما «السودان الأوسط» فقد قامت فيه دول أهمها وأعظمها على الإطلاق هى سلطنة «الكانم والبرنو» الإسلامية.

*الكانم والبرنو

*الكانم والبرنو قامت هذه السلطنة فى «بلاد السودان الأوسط» الذى يتكون من حوض «بحيرة تشاد» وما تقع حواليها من بلدان تمتد من «نهر النيجر» غربًا إلى «دارفور» شرقًا، وكانت منطقة «بحيرة تشاد» مهد سلطنة «الكانم والبرنو». وقد ضمَّت هذه الدولة عددًا كبيرًا من القبائل والعناصر، فهناك قبائل «الصو»، وقبائل «الكانمبو»، وقبائل «الكانورى» وهى خليط من العرب والبربر والزنوج، وهؤلاء يكوِّنون أغلب سكان هذه السلطنة، يضاف إلى ذلك قبائل «التبو» (التدا) من البربر، وكذلك «بربر الطوارق» من سكان المناطق الشمالية الصحراوية، وكذلك قبائل العرب الذين كانوا يُعرَفون هناك باسم (الشوا)، وقد قدموا إلى «تشاد» من «وادى النيل»، ومن القارة عبر الصحراء، وكانوا يتمثَّلون فى قبائل «جذام» و «جهينة» و «أولاد سليمان»، وقد أدَّى اختلاط هؤلاء العرب بالوطنيين إلى ظهور عناصر جديدة، منها: «التنجور» و «البولالا» و «السالمات» وغيرهم. وينقسم تاريخ هذه السلطنة إلى عصرين: عصر سيادة «كانم»، ثم عصر سيادة «برنو»، ويقع إقليم «كانم» - الذى كان مهدًا لقيام هذه الدولة - فى الشمال الشرقى لبحيرة تشاد وبه العاصمة «جيمى»، أما إقليم «برنو» فإنه يقع غرب هذه البحيرة، وبه العاصمة «بيرنى نجازرجامو» التى انتقل الحكم إليها بعد انقضاء عصر سيادة «كانم». وقد قامت هذه الدولة فى القرن التاسع للميلاد على يد أسرة من البربر البيض هى الأسرة «الماغومية السيفية»، التى تزعم أنها من أصل عربى من نسل «سَيْفِ بن ذِى يَزن الحِمْيَرِى»، واستطاعت هذه الأسرة أن تسيطر على حوض «بحيرة تشاد»، وأن تتخذ من مدينة «جيمى» عاصمة لها، وبدأ الإسلام يطرق أبواب هذه الدولة منذ قيامها، وخاصة من الشمال والشرق على يد التجار والمهاجرين الذين توافدوا عليها فى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وتتحدث المصادر عن قيام داعية إسلامى كبير هو الفقيه «محمد بن مانى»، الذى عاش فى

القرن الحادى عشر الميلادى، وعاصر خمسة من ملوك «الكانم» الذين كانوا يعرفون باسم «المايات» (جمع ماى، وهو لقب بمعنى: ملك)، أولهم «الماى بولو» الذى كان يحكم نحو (411هـ = 1020م) وآخرهم هو «الماى أوم بن عبدالجليل» الذى بدأ حكمه فى عام (479هـ = 1086م) وهو الذى جعل الدين الإسلامى دينًا رسميا للدولة، وذلك نتيجة لجهود هذا الداعية العظيم الذى أسلم على يديه هؤلاء المايات الخمسة، وقد قام آخرهم وهو «الماى أوم بن عبدالجليل» (479 - 490هـ = 1086 - 1097م) بجهد كبير فى نشر الإسلام فى بلاده، ثم اتَّجه إلى الشرق، وذهب إلى بلاد «الحجاز» لأداء فريضة الحج، ولكن المنية وافته بمصر أثناء عودته من أداء هذه الفريضة، فدُفِنَ بها، ومنذ عهد هذا الماى لم يتول حكم دولة «الكانم» أى ملك وثنى، وأصبحت منذ ذلك التاريخ دولة إسلامية. خلف «الماى دونمة بن أوم» والده فى حكم البلاد لفترة طويلة (491 - 546هـ = 1097 - 1151م) وبلغت فى عهده دولة «الكانم» درجة كبيرة من القوة والاتساع وطبقت شهرته الآفاق، وحج ثلاث مرات. وفى عهده بُنيت مدرسة «ابن رشيق» فى «فسطاط مصر» بأموال كانمية؛ كى تكون موئلا للحجاج القادمين من «كانم» وبلاد «التكرور». وتابع خلفاؤه العمل على توسيع حدود هذه الدولة حتى صارت إمبراطورية كبيرة، وخاصة فى عهد «الماى دونمه بن سالم بن بكر» (618 - 657هـ = 1221 - 1259م) الذى اشتهر بقوة فرسانه، وكثرتهم حتى قيل إنها بلغت نحوًا من (41) ألف فارس، ويُعرف هذا الماى باسم «دونمه دباليمى»، نسبة إلى والدته «دابال»؛ حيث كانت النسبة إلى الأم شيئًا مألوفًا ومشهورًا فى هذه السلطنة بالذات. وقد حارب هذا الماى القبائل المتمردة، مثل قبائل «البولالا» الذين كانوا يعيشون فى حوض بحيرة «فترى الصغيرة» الواقعة إلى الشرق من «بحيرة تشاد»، وأخضعها وأقام علاقات طيبة مع «الدولة الحفصية» فى «تونس». واتسعت

الإمبراطورية فى عهده حتى وصلت شرقًا إلى مشارف «وادى النيل»، وغربًا قرب نهر «النيجر»، مما يعنى أن بلاد «الهوسا» التى تشكِّل الآن «نيجيريا الشمالية» كانت تحت سيادته وسلطانه، كما امتدت حدود بلاده شمالا حتى وصلت قرب «فزان» الليبية واقتربت مساحتها من مساحة إمبراطورية «صنغى» الإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولكن هذه الإمبراطورية الكبيرة لم تلبث أن دبَّ إليها الوهن نتيجة لعوامل كثيرة، منها الانقسامات التى ظهرت بين أبناء الأسرة الحاكمة، وظهور خطر قبائل «الصو»، التى كانت تسكن فى إقليم «بورنو» وقيامها بمهاجمة عاصمة الدولة؛ وتمكنها من قتل أربعة من المايات. كذلك اشتد خطر البولالا الذين ازدادوا ضراوة بعد أن تمكَّنوا من إقامة سلطنة صغيرة لهم فى حوض «بحيرة فترى» واتخذوها مركزًا لمناوأة أبناء عمومتهم من مايات «الكانم والبرنو». وقد استطاعت سلطنة «البولالا» التى ظهرت قوتها فى عهد سلطانها «عبدالجليل بن سيكوما» أن تشن حربًا شرسة ضد الأسرة «السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم»، وتمكن «عبدالجليل» هذا من أن يقتل أربعة من المايات من هذه الأسرة. وقد انتهى أمر الصراع بين الفريقين إلى طرد الأسرة «السيفية» الحاكمة فى «كانم» إلى إقليم «بورنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، وذلك فى عهد «الماى عمر بن إدريس» (788 - 793هـ = 1386 - 1391م) الذى استأنف حكمه من إقليم «برنو» فيما يعرف بعصر سيادة «برنو»، هذا العصر الذى امتد حتى نهاية الدولة فى عام (1262هـ = 1846م)، وقد ترك طرد الماغوميين السيفيين إلى «برنو» فراغًا سياسيا فى «كانم»، ملأه «البولالا» الذين أقاموا سلطنة كبيرة ضمت هذا الإقليم بالإضافة إلى إقليم «بحيرة فترى» والمناطق المحيطة بها فى حوض «بحيرة تشاد». ورغم ذلك فقد استمر الصراع بين «البولالا» وبين الماغوميين فى مقرِّهم الجديد الذى جعلوه مركزًا لدولتهم، وبنوا فيه مدينة

تسمى «بيرنى نجازرجامو» واتخذوها عاصمة لهم. ولما تطلعوا إلى إعادة نفوذهم فى «كانم»؛ وقعت حروب كثيرة بينهم وبين سلاطين «البولالا»، وتبادل الفريقان النصر والهزيمة، وخاصة فى عهد «الماى إدريس بن عائشة» (908 - 932هـ = 1502 - 1526م) الذى أنزل بالبولالا هزيمة ساحقة، واستولى على العاصمة «جيمى» وأقام فيها فترة ثم عاد إلى عاصمته «بيرنى». وتابع ابنه «الماى على بن إدريس» (952 - 953هـ = 1545 - 1546م) محاربة «البولالا» حتى لُقِّب بحارق «البولالا»، ولم يلبث أن لَقِىَ حتفه فى إحدى المعارك معهم. ولم يقضِ على خطرهم إلا «الماى إدريس ألوما» (978 - 1011هـ = 1570 - 1602م) الذى أقام معهم علاقة طيبة نتيجة ارتباط البيت البولالى بالأسرة السيفية برباط المصاهرة، مما سهل على هذا الماى أن يقضى على خطر «البولالا» وأن يعيد نفوذ أسرته إلى إقليم «كانم»، ووصلت الإمبراطورية فى عهده إلى أقصى اتساعها وقوتها وازدهارها. وكما تكالبت عوامل الضعف الداخلية والخارجية على إمبراطوريتى «مالى» و «صنغى» حتى سقطتا، فقد تعرَّضت إمبراطورية «البرنو» للظروف نفسها وشهدت النتيجة نفسها ذلك أن الماى «إدريس ألوما» الذى بلغت الإمبراطورية فى عهده قمتها وازدهارها خلفه حكام ضعاف لم يكونوا فى مثل قوته وحزمه، بلغوا خمسة عشر سلطانًا على مدى قرنين ونصف قرن من الزمان، حدث فى أثنائها كثير من الوقائع التى أدَّت إلى القضاء على الإمبراطورية، فبالإضافة إلى ضعف هؤلاء المايات أو السلاطين أصيبت البلاد بموجة من المجاعات المتلاحقة وصلت إلى خمس مجاعات، استمرت إحداها أربع سنوات، وأخرى سبع سنوات، ويدل تكرار حدوث هذه المجاعات على التدهور السريع والضعف العام الذى أصاب البلاد نتيجة إهمال الزراعة وكثرة الفتن والاضطرابات، فضلا عن ظهور أخطار جديدة تمثلت فى ظهور قبائل وثنية فى منطقة «جومبى» تُسمى قبائل «كوارارافا» اشتهرت بالقوة والشجاعة، وتمكنت من اجتياح

الأقاليم الغربية فى «برنو»، كما حدثت حروب بين «برنو» وجيرانها من إمارات «الهوسا» وخاصة إمارة «كانو» فى النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، غير أن أخطر ما تعرضت له إمبراطورية «البرنو» هو خطر «الفولانيين» وهم قبائل بيضاء انحدرت من الشمال وأقامت فى غربى القارة، ثم انحدرت إلى الشرق واستقرَّت فى إمارات «الهوسا» التى تتكون منها «نيجيريا» الشمالية الآن، وقامت على يد زعيمها الشيخ «عثمان بن فودى» بحركة ضخمة لنشر الإسلام بين من كان على الوثنية فى هذه الإمارات، وتمكنت من ضم هذه الإمارات فى دولة واحدة تحت زعامة هذا الداعية الكبير، الذى أعلن قيام دولة «الفولانى» فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى هذا فى الوقت الذى كانت إمبراطورية «البرنو» تزداد ضعفًا على ضعف وتلقى سلطانها «الماى أحمد بن على» (1206 - 1223هـ = 1791 - 1808م) أكثر من هزيمة على يد الفولانيين فى عهد الشيخ «عثمان بن فودى» حتى اضطر هذا الماى إلى استدعاء أحد الكانميين والعلماء البارزين ويدعى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» لمساعدته فى محنته ضد هذا الغزو الفولانى، واستجاب هذا الزعيم لهذا الطلب وتبادل عدة رسائل مع الشيخ «عثمان بن فودى»، كل منهما يحاجج الآخر عبرمناقشات فقهية يبرر كل منهما سياسته، ولكن هذه الرسائل لم تؤدِّ إلى إزالة حالة الحرب القائمة بين الفريقين، وأخيرًا نجح الفولانيون فى الاستيلاء على عاصمة «برنو» فاضطر الماى إلى الهرب منها ولجأ إلى الشيخ محمد الأمين الذى أصبحت له السيطرة الكاملة على المايات الذين صاروا حكامًا بالاسم فقط. استمر الشيخ «محمد الأمين» يحكم ما بقى من إمبراطورية «البرنو» و «الكانم» وأجرى مفاوضات مع سلطان الفولانيين «محمد بلو» الذى خلف أباه الشيخ «عثمان بن فودى» فى زعامة الفولانيين، واتخذ مدينة «سوكوتو» عاصمة له، وأرسل له الشيخ الكانمى رسائل أوضح له فيها أنهم أهل دين

واحد هو الإسلام، وأنه لا ينبغى أن يحارب بعضهم بعضًا وأن كلا منهما يجب أن يحترم حدود الآخر، فهدأت الأحوال بين الدولتين حتى تُوفِّى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» فى عام (1251هـ = 1835م) وخلفه ابنه الشيخ «عمر». وفى عهد هذا الشيخ حاول «الماى إبراهيم بن أحمد» (1232 - 1262هـ = 1817 - 1846م) أن يسترد سلطاته التى سلبها منه الشيخ «محمد الأمين» ثم ابنه «عمر»، واستعان فى ذلك بأمير دويلة صغيرة تقع بين «كانم» و «دارفور» تُسمَّى «واداى» وتآمر معه لغزو «برنو». ونفذ أمير «واداى» الخطة المتفق عليها وأباد جيش «برنو» فى (1262هـ = 1846م) منتهزًا فرصة غياب الشيخ «عمر» عن العاصمة؛ لحرب كانت واقعة بينه وبين أحد جيرانه الآخرين، ولما علم هذا الشيخ بنبأ هذا الغزو وهذه المؤامرة عاد إلى «برنو»، وأخرج الغزاة منها نظير مبلغ كبير من المال دفعه لهم، وقبض على الماى «إبراهيم» ومستشاريه وأعدمهم جميعًا، ثم تخلَّص من الماى «على بن دالاتو» عام (1262هـ = 1846م) الذى لم يحكم سوى أربعين يومًا وكان مفروضًا عليه كشرط لرحيل جيش أمير «واداى» عن «برنو». وبمقتل «على بن دالاتو» انتهى حكم الأسرة «السيفية الماغومية» التى ظلت تحكم هذه البلاد أكثر من ألف عام، وأصبحت «برنو» تحت حكم الأسرة الكانمية فِعليا ورسميا منذ ذلك التاريخ وحتى وقوعها فى قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1318هـ = 1900م)، وقد أعيد تقسيم أملاك إمبراطورية «برنو» بين «إنجلترا» و «فرنسا» و «ألمانيا» بعد القضاء على مقاومة أحد المجاهدين ضد الاستعمار الأوربى وهو «رابح الزبير». فأخذت «فرنسا» إقليم «كانم»، وأخذت «إنجلترا» إقليم «برنو»، وظفرت «ألمانيا» بالمناطق الجنوبية لبرنو، وهكذا تلاشت إمبراطورية «برنو» التاريخية على يد الغزاة الأوربيين فى بداية القرن العشرين الميلادى، وظل الأمر على هذا النحو حتى قامت حركة الكفاح الوطنى فى هذه المنطقة ضد المستعمر الأوربى، وتكللت

جهودها بالنجاح وظفرت بالاستقلال، وقامت على أنقاض إمبراطورية «الكانم والبرنو» عدة دول حديثة، هى جمهورية «تشاد» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380 هـ = 1960م)، وهى دولة إسلامية يدين (85%) من سكانها بالإسلام، ويتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، وجمهورية «إفريقيا الوسطى» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى العام نفسه أيضًا، وتضم هذه الدولة الأطراف الجنوبية من إمبراطورية «البرنو» التاريخية، ولذلك فإن نسبة المسلمين فيها قليلة. وجمهورية «النيجر» التى استقلَّت عن الفرنسيين فى العام نفسه، وضمت أغلب الأجزاء الشمالية الغربية من إمبراطورية «البرنو» ولذلك فإن (95%) من سكانها مسلمون يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية، واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، و «نيجيريا» التى استقلَّت عن «إنجلترا» فى عام (1381هـ = 1961م) وضمت إقليم «برنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، كما ضمت جميع بلاد «الهوسا»، وأكثر من (70%) من سكانها مسلمون يتكلم الكثير منهم اللغة العربية ولغة الهوسا بجانب اللغة الإنجليزية، وهى اللغة الرسمية، كذلك ضمت «جمهورية الكمرون» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380هـ = 1960م) وتضم بعض الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من «برنو»، وكذلك فإن هذه الدولة دولة إسلامية؛ إذ إن أكثر من (55%) من سكانها مسلمون، واللغة الفرنسية هى السائدة بجانب اللغة العربية واللهجات المحلية. وإذا كنا قد تحدثنا عن التاريخ السياسى لسلطنة «الكانم والبرنو» منذ أن أصبحت دولة إسلامية فى عام (479هـ= 6801م) وحتى نهايتها على يد الاستعمار الفرنسى، فإن الواجب يحتم علينا أن نتحدث باختصار عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحياة الإسلامية فى هذه السلطنة الكبيرة. وفى هذا الصدد نستطيع القول بأن سلطنة «الكانم والبرنو» قد قامت بالدور نفسه الذى قامت به سلطنتا «مالى» و «صنغى»؛ فقد اتصلت بالقوى

المعاصرة لتأكيد روح الأخوة الإسلامية وللإفادة من خبراتها الثقافية والعلمية والإدارية والحضارية فقد اتَّصلت بمصر أثناء ذهاب أهلها وسلاطينها لتأدية فريضة الحج، وقد سبقت الإشارة إلى قيام أول سلطان فى «كانم» وهو «أوم بن عبدالجليل» بأداء هذه الفريضة، وإلى وفاته فى «مصر» عام (490هـ = 1097م) عند عودته إلى بلاده، وقام ابنه «دونمة» بأداء هذه الفريضة ثلاث مرات مرَّ خلالها بمصر وفى حجته الثالثة غرق فى مياه «البحر الأحمر» عند مدينة «عيذاب» فى عام (546هـ = 1151م) وواصل مايات «الكانم والبرنو» أداء هذه الفريضة. ومن مظاهر الاتصال بالدول الإسلامية الرسائل المتبادلة بين سلاطين «مصر» و «البرنو»، من ذلك رسالة أوردها «ابن فضل الله العُمَرِى» و «القَلْقَشَنْدِى» وأشارت إلى استغاثة سلطان «البرنو» بسلطان «مصر» «الظاهر برقوق» فى عام (795هـ = 1393م) لمساعدته فى القضاء على تمرد القبائل العربية التى ساعدت خصومه السياسيين من «البولالا». كذلك كانت هناك علاقات ثقافية وتجارية بين «مصر» وسلطنة «الكانم والبرنو» من ذلك ما ترويه لنا المصادر من أن «الأزهر» كان به رواقٌ خُصِّص للطلاب القادمين من هذه السلطنة يُسمَّى «رواق البرنوية» كما سمحت «مصر» للكانميين بإنشاء مدرسة تُسمَّى مدرسة «ابن رشيق» فى مدينة «الفسطاط» بمصر لتدريس الفقه المالكى؛ ولكى تكون مقرا ينزل به حجاج «البرنو». أما العلاقات التجارية فقد ازدادت بين «مصر» وبلاد «الكانم والبرنو»، ومما يدل على ذلك أن طائفة من أهل «كانم» اشتهرت باسم «التجار الكارمية» رحلوا إلى «مصر» وأقاموا فيها واشتركوا بنصيب موفور فى تجارتها الخارجية وخاصة فى تصريف المحاصيل السودانية، وتجارة البهار القادمة من «اليمن» و «الهند» و «الصين»، واتخذت من مدينة «قوص» بصعيد «مصر» مركزًا لها. وكان لهؤلاء التجار الذين عُرِفوا بالتقوى والورع فضل كبير فى نشر الإسلام وخاصة

فى بلاد الحبشة. كذلك كان لسلطنة «الكانم والبرنو» علاقات تجارية وثقافية مع شمال إفريقيا وخاصة «تونس» فقد اتصل سلاطين «الكانم» بحكامها من «بنى حفص» وتبادلوا الرسائل والهدايا، من ذلك سفارة أرسلها الماى «عبدالله بن كادى» إلى السلطان الحفصى «أبى يحيى المتوكل» فى عام (727هـ = 1307م)، كذلك تبودلت الرسائل والسفارات مع «طرابلس» فى عام (908هـ = 1502م) وسفارة بعث بها أيضًا فى عام (941هـ = 1534م) وأخرى فى زمن الماى «إدريس ألوما» المتوفَّى عام (1011هـ = 1602م) كذلك نشطت العلاقات التجارية بين «برنو» وهذه البلدان. ويمثل الجهاد قمة إيمان السلطنة بالإسلام، فقد اتخذه سلاطينها طريقًا لرد العدوان والتعريف بالإسلام بين الوثنيين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على هذه الدولة الإسلامية ، وخاصة الوثنيين المقيمين فى الجنوب، فقد حاربهم السلاطين ودخل كثير منهم فى الإسلام، بالإضافة إلى اتِّباع أسلوب الإقناع الذى اتبعه بعض السلاطين وخاصة السلطان «إدريس ألوما»، الذى اشتهر ببناء المساجد الضخمة من الحجارة، وطبق الشريعة الإسلامية خاصة فى معاملة الأسرى، ونظم الجهاد بما يتمشى مع تعاليم الإسلام، فازداد الدخول فى هذا الدين وانتشر فى منطقة «بحيرة تشاد» كلها. كذلك فقد شجع سلاطين «الكانم والبرنو» انتشار الثقافة العربية الإسلامية، فأكثروا من بناء المساجد والكتاتيب، وكانت اللغة العربية هى لغة التعليم ولغة الحكومة الرسمية، فضلا عن كونها لغة المعاملات التجارية ولغة المراسلات الدولية، كما كان الحال فى جميع الدول الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، وظلت الحال على هذا النحو حتى عصر الاستعمار الأوربى الذى قضى على اللغة العربية ولم يعد لها إلا وجود محدود بين قليل من الأهالى، ووجود كبير فى المدارس الدينية الإسلامية. وفى ظل تشجيع سلاطين «الكانم والبرنو» للثقافة الإسلامية ارتقى العلماء

والفقهاء منزلة رفيعة، وحرص السلاطين على رعايتهم والإغداق عليهم، وإصدار المحارم (أى الفرمانات) التى كانوا يمنحونهم بمقتضاها كثيرًا من الامتيازات المادية والإقطاعات، ويحرِّمون على أى شخص مهما بلغت منزلته وقدره أن يسلبهم شيئًا منها. ولذلك ظهر فى هذه السلطنة كثير من العلماء والفقهاء، منهم الفقيه «محمد بن مانى» الذى سبق الحديث عنه، والإمام «أحمد بن فرتو» الذى كان معاصرًا للماى «إدريس ألوما»، والذى تعد كتاباته المرجع الرئيسى لتاريخ «برنو»، والعالم الكبير «عمر بن عثمان بن إبراهيم»، والعالم «عبداللاه ديلى بن بكر»، وغيرهم من العلماء الذين صدرت لهم محارم (فرمانات) تشجيعًا لهم على التفرُّغ للعلم والبحث والتدريس؛ مما أدَّى إلى انتشار العلوم الإسلامية بين أهالى هذه البلاد.

*البرنو

*البرنو قامت هذه السلطنة فى «بلاد السودان الأوسط» الذى يتكون من حوض «بحيرة تشاد» وما تقع حواليها من بلدان تمتد من «نهر النيجر» غربًا إلى «دارفور» شرقًا، وكانت منطقة «بحيرة تشاد» مهد سلطنة «الكانم والبرنو». وقد ضمَّت هذه الدولة عددًا كبيرًا من القبائل والعناصر، فهناك قبائل «الصو»، وقبائل «الكانمبو»، وقبائل «الكانورى» وهى خليط من العرب والبربر والزنوج، وهؤلاء يكوِّنون أغلب سكان هذه السلطنة، يضاف إلى ذلك قبائل «التبو» (التدا) من البربر، وكذلك «بربر الطوارق» من سكان المناطق الشمالية الصحراوية، وكذلك قبائل العرب الذين كانوا يُعرَفون هناك باسم (الشوا)، وقد قدموا إلى «تشاد» من «وادى النيل»، ومن القارة عبر الصحراء، وكانوا يتمثَّلون فى قبائل «جذام» و «جهينة» و «أولاد سليمان»، وقد أدَّى اختلاط هؤلاء العرب بالوطنيين إلى ظهور عناصر جديدة، منها: «التنجور» و «البولالا» و «السالمات» وغيرهم. وينقسم تاريخ هذه السلطنة إلى عصرين: عصر سيادة «كانم»، ثم عصر سيادة «برنو»، ويقع إقليم «كانم» - الذى كان مهدًا لقيام هذه الدولة - فى الشمال الشرقى لبحيرة تشاد وبه العاصمة «جيمى»، أما إقليم «برنو» فإنه يقع غرب هذه البحيرة، وبه العاصمة «بيرنى نجازرجامو» التى انتقل الحكم إليها بعد انقضاء عصر سيادة «كانم». وقد قامت هذه الدولة فى القرن التاسع للميلاد على يد أسرة من البربر البيض هى الأسرة «الماغومية السيفية»، التى تزعم أنها من أصل عربى من نسل «سَيْفِ بن ذِى يَزن الحِمْيَرِى»، واستطاعت هذه الأسرة أن تسيطر على حوض «بحيرة تشاد»، وأن تتخذ من مدينة «جيمى» عاصمة لها، وبدأ الإسلام يطرق أبواب هذه الدولة منذ قيامها، وخاصة من الشمال والشرق على يد التجار والمهاجرين الذين توافدوا عليها فى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وتتحدث المصادر عن قيام داعية إسلامى كبير هو الفقيه «محمد بن مانى»، الذى عاش فى

القرن الحادى عشر الميلادى، وعاصر خمسة من ملوك «الكانم» الذين كانوا يعرفون باسم «المايات» (جمع ماى، وهو لقب بمعنى: ملك)، أولهم «الماى بولو» الذى كان يحكم نحو (411هـ = 1020م) وآخرهم هو «الماى أوم بن عبدالجليل» الذى بدأ حكمه فى عام (479هـ = 1086م) وهو الذى جعل الدين الإسلامى دينًا رسميا للدولة، وذلك نتيجة لجهود هذا الداعية العظيم الذى أسلم على يديه هؤلاء المايات الخمسة، وقد قام آخرهم وهو «الماى أوم بن عبدالجليل» (479 - 490هـ = 1086 - 1097م) بجهد كبير فى نشر الإسلام فى بلاده، ثم اتَّجه إلى الشرق، وذهب إلى بلاد «الحجاز» لأداء فريضة الحج، ولكن المنية وافته بمصر أثناء عودته من أداء هذه الفريضة، فدُفِنَ بها، ومنذ عهد هذا الماى لم يتول حكم دولة «الكانم» أى ملك وثنى، وأصبحت منذ ذلك التاريخ دولة إسلامية. خلف «الماى دونمة بن أوم» والده فى حكم البلاد لفترة طويلة (491 - 546هـ = 1097 - 1151م) وبلغت فى عهده دولة «الكانم» درجة كبيرة من القوة والاتساع وطبقت شهرته الآفاق، وحج ثلاث مرات. وفى عهده بُنيت مدرسة «ابن رشيق» فى «فسطاط مصر» بأموال كانمية؛ كى تكون موئلا للحجاج القادمين من «كانم» وبلاد «التكرور». وتابع خلفاؤه العمل على توسيع حدود هذه الدولة حتى صارت إمبراطورية كبيرة، وخاصة فى عهد «الماى دونمه بن سالم بن بكر» (618 - 657هـ = 1221 - 1259م) الذى اشتهر بقوة فرسانه، وكثرتهم حتى قيل إنها بلغت نحوًا من (41) ألف فارس، ويُعرف هذا الماى باسم «دونمه دباليمى»، نسبة إلى والدته «دابال»؛ حيث كانت النسبة إلى الأم شيئًا مألوفًا ومشهورًا فى هذه السلطنة بالذات. وقد حارب هذا الماى القبائل المتمردة، مثل قبائل «البولالا» الذين كانوا يعيشون فى حوض بحيرة «فترى الصغيرة» الواقعة إلى الشرق من «بحيرة تشاد»، وأخضعها وأقام علاقات طيبة مع «الدولة الحفصية» فى «تونس». واتسعت

الإمبراطورية فى عهده حتى وصلت شرقًا إلى مشارف «وادى النيل»، وغربًا قرب نهر «النيجر»، مما يعنى أن بلاد «الهوسا» التى تشكِّل الآن «نيجيريا الشمالية» كانت تحت سيادته وسلطانه، كما امتدت حدود بلاده شمالا حتى وصلت قرب «فزان» الليبية واقتربت مساحتها من مساحة إمبراطورية «صنغى» الإسلامية التى سبق الحديث عنها، ولكن هذه الإمبراطورية الكبيرة لم تلبث أن دبَّ إليها الوهن نتيجة لعوامل كثيرة، منها الانقسامات التى ظهرت بين أبناء الأسرة الحاكمة، وظهور خطر قبائل «الصو»، التى كانت تسكن فى إقليم «بورنو» وقيامها بمهاجمة عاصمة الدولة؛ وتمكنها من قتل أربعة من المايات. كذلك اشتد خطر البولالا الذين ازدادوا ضراوة بعد أن تمكَّنوا من إقامة سلطنة صغيرة لهم فى حوض «بحيرة فترى» واتخذوها مركزًا لمناوأة أبناء عمومتهم من مايات «الكانم والبرنو». وقد استطاعت سلطنة «البولالا» التى ظهرت قوتها فى عهد سلطانها «عبدالجليل بن سيكوما» أن تشن حربًا شرسة ضد الأسرة «السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم»، وتمكن «عبدالجليل» هذا من أن يقتل أربعة من المايات من هذه الأسرة. وقد انتهى أمر الصراع بين الفريقين إلى طرد الأسرة «السيفية» الحاكمة فى «كانم» إلى إقليم «بورنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، وذلك فى عهد «الماى عمر بن إدريس» (788 - 793هـ = 1386 - 1391م) الذى استأنف حكمه من إقليم «برنو» فيما يعرف بعصر سيادة «برنو»، هذا العصر الذى امتد حتى نهاية الدولة فى عام (1262هـ = 1846م)، وقد ترك طرد الماغوميين السيفيين إلى «برنو» فراغًا سياسيا فى «كانم»، ملأه «البولالا» الذين أقاموا سلطنة كبيرة ضمت هذا الإقليم بالإضافة إلى إقليم «بحيرة فترى» والمناطق المحيطة بها فى حوض «بحيرة تشاد». ورغم ذلك فقد استمر الصراع بين «البولالا» وبين الماغوميين فى مقرِّهم الجديد الذى جعلوه مركزًا لدولتهم، وبنوا فيه مدينة

تسمى «بيرنى نجازرجامو» واتخذوها عاصمة لهم. ولما تطلعوا إلى إعادة نفوذهم فى «كانم»؛ وقعت حروب كثيرة بينهم وبين سلاطين «البولالا»، وتبادل الفريقان النصر والهزيمة، وخاصة فى عهد «الماى إدريس بن عائشة» (908 - 932هـ = 1502 - 1526م) الذى أنزل بالبولالا هزيمة ساحقة، واستولى على العاصمة «جيمى» وأقام فيها فترة ثم عاد إلى عاصمته «بيرنى». وتابع ابنه «الماى على بن إدريس» (952 - 953هـ = 1545 - 1546م) محاربة «البولالا» حتى لُقِّب بحارق «البولالا»، ولم يلبث أن لَقِىَ حتفه فى إحدى المعارك معهم. ولم يقضِ على خطرهم إلا «الماى إدريس ألوما» (978 - 1011هـ = 1570 - 1602م) الذى أقام معهم علاقة طيبة نتيجة ارتباط البيت البولالى بالأسرة السيفية برباط المصاهرة، مما سهل على هذا الماى أن يقضى على خطر «البولالا» وأن يعيد نفوذ أسرته إلى إقليم «كانم»، ووصلت الإمبراطورية فى عهده إلى أقصى اتساعها وقوتها وازدهارها. وكما تكالبت عوامل الضعف الداخلية والخارجية على إمبراطوريتى «مالى» و «صنغى» حتى سقطتا، فقد تعرَّضت إمبراطورية «البرنو» للظروف نفسها وشهدت النتيجة نفسها ذلك أن الماى «إدريس ألوما» الذى بلغت الإمبراطورية فى عهده قمتها وازدهارها خلفه حكام ضعاف لم يكونوا فى مثل قوته وحزمه، بلغوا خمسة عشر سلطانًا على مدى قرنين ونصف قرن من الزمان، حدث فى أثنائها كثير من الوقائع التى أدَّت إلى القضاء على الإمبراطورية، فبالإضافة إلى ضعف هؤلاء المايات أو السلاطين أصيبت البلاد بموجة من المجاعات المتلاحقة وصلت إلى خمس مجاعات، استمرت إحداها أربع سنوات، وأخرى سبع سنوات، ويدل تكرار حدوث هذه المجاعات على التدهور السريع والضعف العام الذى أصاب البلاد نتيجة إهمال الزراعة وكثرة الفتن والاضطرابات، فضلا عن ظهور أخطار جديدة تمثلت فى ظهور قبائل وثنية فى منطقة «جومبى» تُسمى قبائل «كوارارافا» اشتهرت بالقوة والشجاعة، وتمكنت من اجتياح

الأقاليم الغربية فى «برنو»، كما حدثت حروب بين «برنو» وجيرانها من إمارات «الهوسا» وخاصة إمارة «كانو» فى النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادى، غير أن أخطر ما تعرضت له إمبراطورية «البرنو» هو خطر «الفولانيين» وهم قبائل بيضاء انحدرت من الشمال وأقامت فى غربى القارة، ثم انحدرت إلى الشرق واستقرَّت فى إمارات «الهوسا» التى تتكون منها «نيجيريا» الشمالية الآن، وقامت على يد زعيمها الشيخ «عثمان بن فودى» بحركة ضخمة لنشر الإسلام بين من كان على الوثنية فى هذه الإمارات، وتمكنت من ضم هذه الإمارات فى دولة واحدة تحت زعامة هذا الداعية الكبير، الذى أعلن قيام دولة «الفولانى» فى بداية القرن التاسع عشر الميلادى هذا فى الوقت الذى كانت إمبراطورية «البرنو» تزداد ضعفًا على ضعف وتلقى سلطانها «الماى أحمد بن على» (1206 - 1223هـ = 1791 - 1808م) أكثر من هزيمة على يد الفولانيين فى عهد الشيخ «عثمان بن فودى» حتى اضطر هذا الماى إلى استدعاء أحد الكانميين والعلماء البارزين ويدعى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» لمساعدته فى محنته ضد هذا الغزو الفولانى، واستجاب هذا الزعيم لهذا الطلب وتبادل عدة رسائل مع الشيخ «عثمان بن فودى»، كل منهما يحاجج الآخر عبرمناقشات فقهية يبرر كل منهما سياسته، ولكن هذه الرسائل لم تؤدِّ إلى إزالة حالة الحرب القائمة بين الفريقين، وأخيرًا نجح الفولانيون فى الاستيلاء على عاصمة «برنو» فاضطر الماى إلى الهرب منها ولجأ إلى الشيخ محمد الأمين الذى أصبحت له السيطرة الكاملة على المايات الذين صاروا حكامًا بالاسم فقط. استمر الشيخ «محمد الأمين» يحكم ما بقى من إمبراطورية «البرنو» و «الكانم» وأجرى مفاوضات مع سلطان الفولانيين «محمد بلو» الذى خلف أباه الشيخ «عثمان بن فودى» فى زعامة الفولانيين، واتخذ مدينة «سوكوتو» عاصمة له، وأرسل له الشيخ الكانمى رسائل أوضح له فيها أنهم أهل دين

واحد هو الإسلام، وأنه لا ينبغى أن يحارب بعضهم بعضًا وأن كلا منهما يجب أن يحترم حدود الآخر، فهدأت الأحوال بين الدولتين حتى تُوفِّى الشيخ «محمد الأمين الكانمى» فى عام (1251هـ = 1835م) وخلفه ابنه الشيخ «عمر». وفى عهد هذا الشيخ حاول «الماى إبراهيم بن أحمد» (1232 - 1262هـ = 1817 - 1846م) أن يسترد سلطاته التى سلبها منه الشيخ «محمد الأمين» ثم ابنه «عمر»، واستعان فى ذلك بأمير دويلة صغيرة تقع بين «كانم» و «دارفور» تُسمَّى «واداى» وتآمر معه لغزو «برنو». ونفذ أمير «واداى» الخطة المتفق عليها وأباد جيش «برنو» فى (1262هـ = 1846م) منتهزًا فرصة غياب الشيخ «عمر» عن العاصمة؛ لحرب كانت واقعة بينه وبين أحد جيرانه الآخرين، ولما علم هذا الشيخ بنبأ هذا الغزو وهذه المؤامرة عاد إلى «برنو»، وأخرج الغزاة منها نظير مبلغ كبير من المال دفعه لهم، وقبض على الماى «إبراهيم» ومستشاريه وأعدمهم جميعًا، ثم تخلَّص من الماى «على بن دالاتو» عام (1262هـ = 1846م) الذى لم يحكم سوى أربعين يومًا وكان مفروضًا عليه كشرط لرحيل جيش أمير «واداى» عن «برنو». وبمقتل «على بن دالاتو» انتهى حكم الأسرة «السيفية الماغومية» التى ظلت تحكم هذه البلاد أكثر من ألف عام، وأصبحت «برنو» تحت حكم الأسرة الكانمية فِعليا ورسميا منذ ذلك التاريخ وحتى وقوعها فى قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1318هـ = 1900م)، وقد أعيد تقسيم أملاك إمبراطورية «برنو» بين «إنجلترا» و «فرنسا» و «ألمانيا» بعد القضاء على مقاومة أحد المجاهدين ضد الاستعمار الأوربى وهو «رابح الزبير». فأخذت «فرنسا» إقليم «كانم»، وأخذت «إنجلترا» إقليم «برنو»، وظفرت «ألمانيا» بالمناطق الجنوبية لبرنو، وهكذا تلاشت إمبراطورية «برنو» التاريخية على يد الغزاة الأوربيين فى بداية القرن العشرين الميلادى، وظل الأمر على هذا النحو حتى قامت حركة الكفاح الوطنى فى هذه المنطقة ضد المستعمر الأوربى، وتكللت

جهودها بالنجاح وظفرت بالاستقلال، وقامت على أنقاض إمبراطورية «الكانم والبرنو» عدة دول حديثة، هى جمهورية «تشاد» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380 هـ = 1960م)، وهى دولة إسلامية يدين (85%) من سكانها بالإسلام، ويتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، وجمهورية «إفريقيا الوسطى» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى العام نفسه أيضًا، وتضم هذه الدولة الأطراف الجنوبية من إمبراطورية «البرنو» التاريخية، ولذلك فإن نسبة المسلمين فيها قليلة. وجمهورية «النيجر» التى استقلَّت عن الفرنسيين فى العام نفسه، وضمت أغلب الأجزاء الشمالية الغربية من إمبراطورية «البرنو» ولذلك فإن (95%) من سكانها مسلمون يتكلمون اللغة العربية بجانب اللغات المحلية، واللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية، و «نيجيريا» التى استقلَّت عن «إنجلترا» فى عام (1381هـ = 1961م) وضمت إقليم «برنو» الذى يقع غرب «بحيرة تشاد»، كما ضمت جميع بلاد «الهوسا»، وأكثر من (70%) من سكانها مسلمون يتكلم الكثير منهم اللغة العربية ولغة الهوسا بجانب اللغة الإنجليزية، وهى اللغة الرسمية، كذلك ضمت «جمهورية الكمرون» التى استقلَّت عن «فرنسا» فى عام (1380هـ = 1960م) وتضم بعض الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من «برنو»، وكذلك فإن هذه الدولة دولة إسلامية؛ إذ إن أكثر من (55%) من سكانها مسلمون، واللغة الفرنسية هى السائدة بجانب اللغة العربية واللهجات المحلية. وإذا كنا قد تحدثنا عن التاريخ السياسى لسلطنة «الكانم والبرنو» منذ أن أصبحت دولة إسلامية فى عام (479هـ= 6801م) وحتى نهايتها على يد الاستعمار الفرنسى، فإن الواجب يحتم علينا أن نتحدث باختصار عن الطابع الإسلامى ومظاهر الحياة الإسلامية فى هذه السلطنة الكبيرة. وفى هذا الصدد نستطيع القول بأن سلطنة «الكانم والبرنو» قد قامت بالدور نفسه الذى قامت به سلطنتا «مالى» و «صنغى»؛ فقد اتصلت بالقوى

المعاصرة لتأكيد روح الأخوة الإسلامية وللإفادة من خبراتها الثقافية والعلمية والإدارية والحضارية فقد اتَّصلت بمصر أثناء ذهاب أهلها وسلاطينها لتأدية فريضة الحج، وقد سبقت الإشارة إلى قيام أول سلطان فى «كانم» وهو «أوم بن عبدالجليل» بأداء هذه الفريضة، وإلى وفاته فى «مصر» عام (490هـ = 1097م) عند عودته إلى بلاده، وقام ابنه «دونمة» بأداء هذه الفريضة ثلاث مرات مرَّ خلالها بمصر وفى حجته الثالثة غرق فى مياه «البحر الأحمر» عند مدينة «عيذاب» فى عام (546هـ = 1151م) وواصل مايات «الكانم والبرنو» أداء هذه الفريضة. ومن مظاهر الاتصال بالدول الإسلامية الرسائل المتبادلة بين سلاطين «مصر» و «البرنو»، من ذلك رسالة أوردها «ابن فضل الله العُمَرِى» و «القَلْقَشَنْدِى» وأشارت إلى استغاثة سلطان «البرنو» بسلطان «مصر» «الظاهر برقوق» فى عام (795هـ = 1393م) لمساعدته فى القضاء على تمرد القبائل العربية التى ساعدت خصومه السياسيين من «البولالا». كذلك كانت هناك علاقات ثقافية وتجارية بين «مصر» وسلطنة «الكانم والبرنو» من ذلك ما ترويه لنا المصادر من أن «الأزهر» كان به رواقٌ خُصِّص للطلاب القادمين من هذه السلطنة يُسمَّى «رواق البرنوية» كما سمحت «مصر» للكانميين بإنشاء مدرسة تُسمَّى مدرسة «ابن رشيق» فى مدينة «الفسطاط» بمصر لتدريس الفقه المالكى؛ ولكى تكون مقرا ينزل به حجاج «البرنو». أما العلاقات التجارية فقد ازدادت بين «مصر» وبلاد «الكانم والبرنو»، ومما يدل على ذلك أن طائفة من أهل «كانم» اشتهرت باسم «التجار الكارمية» رحلوا إلى «مصر» وأقاموا فيها واشتركوا بنصيب موفور فى تجارتها الخارجية وخاصة فى تصريف المحاصيل السودانية، وتجارة البهار القادمة من «اليمن» و «الهند» و «الصين»، واتخذت من مدينة «قوص» بصعيد «مصر» مركزًا لها. وكان لهؤلاء التجار الذين عُرِفوا بالتقوى والورع فضل كبير فى نشر الإسلام وخاصة

فى بلاد الحبشة. كذلك كان لسلطنة «الكانم والبرنو» علاقات تجارية وثقافية مع شمال إفريقيا وخاصة «تونس» فقد اتصل سلاطين «الكانم» بحكامها من «بنى حفص» وتبادلوا الرسائل والهدايا، من ذلك سفارة أرسلها الماى «عبدالله بن كادى» إلى السلطان الحفصى «أبى يحيى المتوكل» فى عام (727هـ = 1307م)، كذلك تبودلت الرسائل والسفارات مع «طرابلس» فى عام (908هـ = 1502م) وسفارة بعث بها أيضًا فى عام (941هـ = 1534م) وأخرى فى زمن الماى «إدريس ألوما» المتوفَّى عام (1011هـ = 1602م) كذلك نشطت العلاقات التجارية بين «برنو» وهذه البلدان. ويمثل الجهاد قمة إيمان السلطنة بالإسلام، فقد اتخذه سلاطينها طريقًا لرد العدوان والتعريف بالإسلام بين الوثنيين الذين كانوا يقومون بالاعتداء على هذه الدولة الإسلامية ، وخاصة الوثنيين المقيمين فى الجنوب، فقد حاربهم السلاطين ودخل كثير منهم فى الإسلام، بالإضافة إلى اتِّباع أسلوب الإقناع الذى اتبعه بعض السلاطين وخاصة السلطان «إدريس ألوما»، الذى اشتهر ببناء المساجد الضخمة من الحجارة، وطبق الشريعة الإسلامية خاصة فى معاملة الأسرى، ونظم الجهاد بما يتمشى مع تعاليم الإسلام، فازداد الدخول فى هذا الدين وانتشر فى منطقة «بحيرة تشاد» كلها. كذلك فقد شجع سلاطين «الكانم والبرنو» انتشار الثقافة العربية الإسلامية، فأكثروا من بناء المساجد والكتاتيب، وكانت اللغة العربية هى لغة التعليم ولغة الحكومة الرسمية، فضلا عن كونها لغة المعاملات التجارية ولغة المراسلات الدولية، كما كان الحال فى جميع الدول الإسلامية التى قامت فى بلاد «السودان الغربى»، وظلت الحال على هذا النحو حتى عصر الاستعمار الأوربى الذى قضى على اللغة العربية ولم يعد لها إلا وجود محدود بين قليل من الأهالى، ووجود كبير فى المدارس الدينية الإسلامية. وفى ظل تشجيع سلاطين «الكانم والبرنو» للثقافة الإسلامية ارتقى العلماء

والفقهاء منزلة رفيعة، وحرص السلاطين على رعايتهم والإغداق عليهم، وإصدار المحارم (أى الفرمانات) التى كانوا يمنحونهم بمقتضاها كثيرًا من الامتيازات المادية والإقطاعات، ويحرِّمون على أى شخص مهما بلغت منزلته وقدره أن يسلبهم شيئًا منها. ولذلك ظهر فى هذه السلطنة كثير من العلماء والفقهاء، منهم الفقيه «محمد بن مانى» الذى سبق الحديث عنه، والإمام «أحمد بن فرتو» الذى كان معاصرًا للماى «إدريس ألوما»، والذى تعد كتاباته المرجع الرئيسى لتاريخ «برنو»، والعالم الكبير «عمر بن عثمان بن إبراهيم»، والعالم «عبداللاه ديلى بن بكر»، وغيرهم من العلماء الذين صدرت لهم محارم (فرمانات) تشجيعًا لهم على التفرُّغ للعلم والبحث والتدريس؛ مما أدَّى إلى انتشار العلوم الإسلامية بين أهالى هذه البلاد.

*الهوسا (إمارات)

*الهوسا (إمارات) تشمل بلاد «الهوسا» ما يعرف الآن بنيجيريا الشمالية، وجزءًا من جمهورية «النيجر»، وكانت تقع فى العصور الوسطى فى المنطقة المحصورة بين سلطنتى «مالى» و «صنغى» غربًا، وسلطنة «البرنو» شرقًا، تحدُّها من الشمال بلاد «أهير» والصحراء الكبرى، ومن الجنوب ما يعرف الآن بنيجيريا الجنوبية. و «الهوسا» (أو الحوصا) مصطلح يطلق على الذين يتكلمون بلغة «الهوسا»، ولذلك فليس هناك جنس يمكن أن يتسمى بهذا الاسم؛ إذ إن الهوسويين لاينحدرون من دم واحد، بل جاء أغلبهم نتيجة امتزاج حدث بين جماعات قَبَلِيَّة وعِرْقِية كثيرة، أهمها: السودانيون. أهل البلاد الأصليون، والطوارق من البربر، والفولانيون وغيرهم. ونتج عن هذا الامتزاج هذا الشعب الذى أصبح يتكلم لغة واحدة، هى لغة «الهوسا» التى انتشرت انتشارًا كبيرًا فى إفريقيا الغربية، حتى أصبحت لغة الناس والمعاملات المالية والتجارية. وعلى الرغم من أن المتكلمين بلغة «الهوسا» فى هذا الجزء من القارة الذى يعرف الآن بنيجيريا كانوا يعيشون متجاورين، ويتكلمون لغة واحدة، ويدين معظمهم بالإسلام، فإنهم لم يعيشوا تحت حكم دولة واحدة، بل كَوَّنُوا سبع إمارات صغيرة، تُعرف باسم إمارات أو ممالك «الهوسا»، وهى: «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا»، و «جوبير»، و «دورا»، و «رانو»، و «زمفرة». ويرى بعض الباحثين أن «دورا» هى أقدم هذه الإمارات، وأن دماء أهلها وافدة من «مصر العليا» و «الحبشة» وبلاد العرب، و «كاتسينا» التى كانت تتوسط هذه الإمارات، و «زاريا» أوسعها أرضًا، و «كانو» أغناها، و «جوبير» أجدبها، وتقع فى شماليِّها. وعلى ذلك فقد كانت كل إمارة من هذه الإمارات مستقلة عن الأخرى، وكانت الحروب تندلع فيما بينها فى فترات كثيرة؛ نتيجة لأطماع حكامها فى فرض سيطرتهم، كل على الآخر؛ أو نتيجة لتحالف أحدهم مع القوى الكبيرة المجاورة لبلاد «الهوسا» وهى: دولة «البرنو» الإسلامية

من الشرق، ودولة «مالى» ثم دولة «صنغى» الإسلامية من الغرب. وقد اشتهر الهوسويون بالمهارة فى الزراعة والصناعة والتجارة، وقد استغلوا موقع بلادهم المتوسط بين «السودان الغربى» و «السودان الشرقى» فى الاشتغال بالتجارة، ولذلك مهروا فى هذه الحرفة، وكانوا من أكثر التجار مغامرة، وكانت قوافلهم تخترق الصحراء الكبرى ثلاثة أشهر من كل عام؛ لتزوِّد «طرابلس»، و «تونس» وغيرهما من بلدان شمال إفريقيا بمنتجات بلاد «السودان» من ذهب وعاج ورقيق. كما اخترقت قوافلهم مناطق الغابات فى الجنوب؛ حيث وصل نشاطهم التجارى إلى «نوب»، واتجهوا شرقًا إلى «برنو»؛ حيث فتحوا طريقًا للتجارة عام (856هـ= 1452م)، وتوغَّلوا فى الجنوب حتى حوض «فولتا» الأوسط. وقد أصبحت طرق التجارة الخارجية، وخاصة التى تخرج من بلاد «الهوسا»، متجهة شمالا إلى «أهير». وتتصل عندها بالطرق الرئيسية المتجهة إلى «غات» و «غدامس» و «فزَّان» و «تكدا» و «برنو» مفتوحة ومستعملة بطريقة كافية ومنظمة، وأصبحت مألوفة جدا للمسافرين والتجار؛ مما شجَّع العلماء والباحثين على زيارة بلاد «الهوسا» بكل سهولة وارتياح، كما شجَّع التجار المغامرين على ارتيادها. وقد أدَّى هذا كله إلى انتشار الإسلام، ونموِّ الحركة الفكرية، وازدياد تأثير الثقافة العربية الإسلامية، وسيطرة تجار «الهوسا» على النشاط التجارى فى جميع أنحاء «السودان الأوسط»، وتضخمت جالياتهم فى كل المراكز التجارية المهمة، وأصبحت لغتهم لغة التخاطب العامة فى الأسواق والمعاملات المالية والتجارية، وازدادت سيطرتهم على التجارة فى بلاد «السودان» بعد انهيار سلطنة «صنغى» الإسلامية أمام الغزو «المرَّاكُشى» سنة (1000هـ = 1591م)، مما أدَّى إلى تحول المجرَى الرئيسى للحركة التجارية إلى بلاد «الهوسا»، وقفزت «كانو» و «كاتسينا» بصفة خاصة إلى مكان الصدارة والشهرة باعتبارهما مركزين مهمين من مراكز التجارة والحضارة فى ذلك

الحين، وبخاصة بعد أن أصبحتا من أهم مراكز الإسلام فى تلك المنطقة من بلاد «الهوسا». وقد انتشر الإسلام فى إمارات «الهوسا» السبع فى فترة مبكرة إذ دخل الإسلام فى إمارة «كانو» فى أواخر القرن الثانى عشر الميلادى، وفى باقى الإمارات فى أوائل القرن الرابع عشر الميلادى، وكان لاعتناق حكام إمارات «الهوسا» الإسلام، بالإضافة إلى ما اتَّسمُوا به من العدالة وحب الرعية أثر كبير فى انتشار الإسلام بين الناس، فازداد تمسكهم به وازداد تفانيهم وإخلاصهم له. وبعد انتشار الإسلام فى هذه الإمارات، كثر وفود العلماء إليها للدعوة ونشر الإسلام وتصحيح العقيدة بين أهلها، فقاموا بإنشاء عدد كبير من المساجد كمراكز لنشر الدعوة الإسلامية فى هذه الإمارات وما حولها من المناطق الأخرى، ونجحوا فى القضاء على الوثنية التى كانت منتشرة بين السكان قبل دخولهم فى الإسلام. وقد وجد هؤلاء العلماء فى هذه الإمارات الأمن والطمأنينة، مما دفعهم إلى إحضار مؤلفاتهم، وبخاصة فى علوم اللغة والأدب والتوحيد، ورحَّب بهم حكام هذه الإمارات، فازدهرت الثقافة واتسعت مجالاتها بجهود هؤلاء العلماء، كما ازداد عدد الرجال المتعلمين؛ حيث كان العلماء يعلِّمون الناس الآداب والثقافة الإسلامية باللغة والحروف العربية. ومن العلماء الذين يرجع إليهم الفضل فى نشر الإسلام والثقافة الإسلامية فى هذه الإمارات الشيخ «عبدالرحمن زيد» الذى مارس نشاطه فى الدعوة فى إمارة «كانو»، والشيخ «محمد بن عبدالكريم المغيلى» فقيه «توات» الشهير الذى رحل إلى «كانو» و «كاتسينا»، ونشر فيهما عقيدة الإسلام الصحيحة، والشيخ «عبده سلام» الذى أحضر معه كتب «المدوَّنة» و «الجامع الصغير» والشيخ القاضى «محمد بن أحمد بن أبى محمد التاذختى» المعروف باسم «أيد أحمد» بمعنى «ابن أحمد» الذى وَلِىَ قضاء «كاتسينا» وتُوفِّى نحو سنة (936هـ = 1529م)، وغيرهم. وقد كان للتجار - أيضًا -

دور كبير فى نشر الإسلام فى هذه الإمارات، بل كان لهم الدور الأول فى معرفة هذه الإمارات بالإسلام، كما أدَّى انتشار الإسلام إلى ازدهار التجارة ازدهارًا كبيرًا، بسبب كثرة احتكاك هذه الإمارات بالمدن المجاورة لها. وعلى أية حال فقد كان لجهود العلماء والتجار القادمين إلى بلاد «الهوسا» والمحليين أثرها الكبير فى نشر الإسلام فى هذه البلاد منذ القرن الثانى عشر الميلادى، وأصبحت «كانو»، و «كاتسينا»، و «زاريا» وغيرها من بلاد «الهوسا» مراكز إسلامية فى هذه البقاع من القارة، وتألَّقت فيها الثقافة الإسلامية، وكان لها فضل كبير فى نشر الثقافة الإسلامية بين سكانها وغيرهم من البلاد المجاورة، فإمارة «كانو» يرجع إليها الفضل فى نشر الإسلام شرقًا حتى حدود «برنو»، وإمارة «زاريا» يرجع إليها الفضل فى نشر الإسلام فى أواسط بلاد «الهوسا»، وجنوبيها فى حوض «نهر فولتا»، وكان علماء «تمبكت» - التى تقع على نهر «النيجر» - يرحلون إلى هذه الإمارات، كذلك رحل إليها علماء من «مصر»، من أبرزهم الإمام «جلال الدين السيوطى» المتوفى سنة (911هـ = 1505م) والذى نشأت بينه وبين أمير «كاتسينا» علاقة طيبة، وهناك ما يدل على أن الإمام «السيوطى» رحل إلى هذه الإمارة وعاش فيها زمنًا، يعلِّم الناس ويفتيهم، وعاد إلى «مصر» سنة (876هـ = 1471م)، واتصلت المراسلات بينه وبين علماء هذه البلاد، كما اتصلت بينهم وبين علماء «مصر» وبلاد «الحجاز» وغيرهما، مما يدل على التواصل الإسلامى، وعلى صلة بلاد «الهوسا» بالعالم الإسلامى سواء فى إفريقيا، أو فى غيرها من القارات.

*البلالة (سلطنة)

*البلالة (سلطنة) قامت هذه السلطنة فى حوض بحير «تشاد» (أى: فى بلاد السودان الأوسط)، وبالتحديد فى حوض بحيرة «فترى»، وإلى الشمال منها حتى بحيرة «تشاد»، وظهرت كدولة يمكن التحقق من تاريخها منذ عام (766هـ = 1365م)، واستمرت حتى بداية القرن العشرين، عندما سقطت المنطقة كلها فى يد الاستعمار الفرنسى. وعلى الرغم من طول مدة بقاء هذه السلطنة، فإن المؤرخين لم يذكروها كثيرًا ولم يهتموا بها؛ لأنها كانت تابعة لسلطنة «الكانم والبرنو» فى كثير من فترات حياتها. ويعود اسم «البلالة» إلى أول زعيم لهم ويدعى «بولال» أو «بلال» أو «جيل» أو «جليل»، ومنه جاء اسم أول زعمائهم وهو «عبدالجليل»، وربما جاء اسم «بلالة» أو «بولالة» من «بولو» الذى كان ابنًا لقبائل «البيوما» التى كانت تسكن منطقة «بيو» ( Biyo)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى ( ilalla) فجاء اسم «بولالا» أو «بلالة»، وهى كلمة تعنى الأحرار النبلاء، وربما جاء الاسم أيضًا من اسم ميناء كان ولايزال يقع على الساحل الشرقى لبحيرة «تشاد»، ويسمى «بول» ( Bol)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى، فصار «بولالا» أو «بلالة» كما ينطقه البلاليون أنفسهم فى هذه الأيام. أما أصل قبائل «البلالة» فقد جاء نتيجة اختلاط عناصر متعددة سكنت هذه المنطقة، وهى: البربر والعرب والسودان والزنج، وقد تصاهرت هذه العناصر فيما بينها، فأدَّى ذلك إلى امتزاجهم وتغير فى صفاتهم. وقد كان «البلالة» وثنيين حتى القرن الثانى عشر الميلادى؛ حيث أسلموا عقب إسلام بنى عمومتهم الذين يتمثلون فى «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة فى سلطنة «كانم» فى القرن الحادى عشر الميلادى. أما من الناحية السياسية فقد ظهر خطر «البلالة» على سلاطين دولة «كانم» منذ وقت مبكر، رغم صلة القرابة التى تربط بينهما، ويعود ذلك إلى أن «البلالة» كانوا يحاولون التخلُّص من تبعيتهم لأقربائهم من حكام «كانم»، وقد

ظهر هذا الخطر منذ عهد أول سلاطين «كانم» الإسلامية وهو الماى (السلطان) «أوم بن عبدالجليل» (1086 - 1097م) الذى حاربهم وانتصر عليهم، فأعلنوا الطاعة والخضوع، وظلوا يتقلبون بين التبعية والتحرر من سلطان «كانم» حتى ظهر زعيمهم الموصوف بالقوة والشجاعة والدهاء وهو «عبدالجليل سيكومامى» الذى حقق لهم الاستقلال التام والتوسع فى حدود سلطنته فى عام (1365م)، بفضل معاونة العرب الموجودين فى هذه المنطقة، واتخذ من مدينة «ماسيو» التى تقع بين «بحيرة فترى» و «كانم» عاصمة له. ثم حارب مايات كانم وانتصر عليهم، وبذلك وقع إقليم «كانم» بأسره فى قبضة «البلالة»، مما جعلهم يحكمون دولة واسعة تمتد من حدود «دارفور» الغربية وبلاد «النوبة» حتى شواطئ «بحيرة تشاد» الشرقية، واضطرت «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة فى «كانم» إلى الهرب إلى إقليم «برنو» الذى يقع فى غرب «بحيرة تشاد». ولكن لم يلبث حكام «برنو» أن استعادوا قوتهم على يد الماى «على جاجى بن دونمه» الملقب بالغازى؛ نظرًا لغزوه إقليم «كانم»، ونشب بينه وبين «البلالة» صراع منذ عام (1472م) فى محاولة لاسترداد «كانم» مرة أخرى، واستمر الصراع فترة طويلة انتهى بعقد اتفاقية سلام، اتفقا فيها على رسم الحدود بين «كانم» و «برنو». وعلى الرغم من ذلك وبمرور الوقت بدأ الضعف يدب فى جسد سلطنة «البلالة»؛ بسبب الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، وظهور إمارات جديدة بدأت تُغِير على سلطنة «البلالة»، مثل سلطنة «واداى» التى تقع فى الشمال الشرقى لدولة «البلالة»، وسلطنة «باجرمى» التى تقع فى جنوبيِّها الغربى. وعلى الرغم من هذا الضعف فقد ظلت هذه السلطنة قائمة حتى بداية القرن العشرين؛ حيث سقطت فى قبضة الاستعمار الفرنسى فى عام (1900م)، ومع ذلك حكم بعض سلاطين «البلالة» تحت راية هذا الاستعمار، وظلوا كذلك حتى نالت البلاد استقلالها فى عام (1960م) ودخلت بلاد «البلالة» ضمن حدود جمهورية «تشاد»

الحديثة منذ ذلك التاريخ. وقد أدَّت «سلطنة البلالة» دورًا اقتصاديا وعلميا ودينيا مهما فى تاريخ المنطقة؛ إذ كانت نظرًا لموقعها بين «دارفور» و «النوبة» فى الشرق، و «كانم» و «بحيرة تشاد» وماوراءها من بلاد «الهوسا» و «مالى» فى الغرب، و «ليبيا» فى الشمال - مركزًا مهما من مراكز التجارة التى تأتى من هذه البلدان مما انعكس أثره على مسيرتها التاريخية، ودَعْم اقتصادها، ورَبَط بينها وبين دول تقع خارج منطقة «بحيرة تشاد»، واتسعت تجارتها حتى وصلت إلى «مصر» وغيرها من البلدان، كما زادت محصولاتها الزراعية. أما الحياة العلمية: فقد تجلت فى المدارس والعلماء والفقهاء والأشراف الذين كانوا يُعامَلُون بكلِّ تبجيلٍ واحترامٍ، كما ظهرت الطرق الصوفية وبخاصة «التيجانية» و «القادرية»، وكان لهذه الطرق أثر كبير فى نشر الإسلام فى هذه البلدان. أما اللغات التى كانت منتشرة بين «البلالة»، فهى عديدة، فقد كانوا يتكلمون لغة «كوكا» وهى قبيلة كانت تسكن مملكة «جاوجا» - أحد أقاليم سلطنة البلالة - وكانوا يتكلمون أيضًا اللغة العربية التى كانت لغة العلم والتعليم ولغة الحكومة الرسمية والتجارة والمراسلات، حتى قضى الاستعمار الفرنسى عليها وعلى استخدام الحروف العربية فى الكتابة وحَوَّلَها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية، وإن كان كثير من الأهالى - حتى الآن - يحافظون على التحدث والكتابة باللغة العربية، ومعظمهم - أى نحو (85%) - يدينون بالإسلام.

*الفونج (دولة)

*الفونج (دولة) اختلف الباحثون فى أصل «الفونج»، فقيل إنهم من سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين، وأنهم جاءوا إلى «الحبشة» أولا ومنها إلى «السودان الشرقى» (النيلى)؛ حيث تصاهروا مع ملوك «السودان»، وظهرت نواة إمارة «الفونج» عقب القضاء على مملكة «دنقلة» المسيحية، وتسرَّب العرب على نطاق واسع إلى مملكة «علوة» المسيحية، واتَّسع نطاق هذه الإمارة غربًا، ووصل إلى أطراف منطقة الجزيرة من الشرق، ثم تمَّ التحالف بين هذه الإمارة النامية فى عهد أميرها «عمارة دونقس» (911 - 941هـ= 1505 - 1534م) وبين عرب «القواسمة» الذين ينتمون إلى مجموعة «الكواهلة» فى عهد زعيمهم وشيخهم «عبدالله جَمَّاع». وقد كان لهذا التحالف نتائج مهمة فى تاريخ «سودان وادى النيل»: أولها: قضاء الحليفين على مملكة «علوة» المسيحية عام (911هـ= 1505م). وثانيها: قيام مملكة «العبد لاب» التى اتَّخذت مدينة «قِرِّى» حاضرة لها، ثم انتقلت منها إلى «حلفاية»، وشاركت «الفونج» فى السيطرة على القسم الشمالى من البلاد وامتدَّ ملكهم من مصب «دندر» إلى بلاد «دنقلة». وثالثها: قيام مملكة «الفونج» الإسلامية التى كان «عمارة دونقس» أول سلطان لها وامتدت من «النيل الأزرق» إلى «النيل الأبيض». وقد بلغت هذه السلطنة أوج مجدها فى عهد السلطان «بادى الثانى أبو دقن» (1052 - 1088هـ = 1642 - 1677م)؛ إذ امتدت رقعتها من «الشلال الثالث» إلى «النيل الأزرق»، ومن «البحر الأحمر» إلى «كردفان»، واستمر توسُّع هذه الدولة طيلة القرن الثامن عشر الميلادى فى عهد الملك «بادى الرابع». غير أنه قبيل نهاية ذلك القرن ظهرت عوامل الضعف فى هذه السلطنة، عندما تصدَّعت عُرَى التحالف بين سلاطين «الفونج» و «عرب القواسمة»، كما كان لاستبداد الوزراء والقواد أثره فى القضاء على هذه الدولة، فقد استطاع «محمد بن أبى لكيلك كتمور» المتوفى سنة (1190هـ = 1776م) أن يعزل السلطان «بادى

الرابع» ويولِّى غيره، وبدأت الانقسامات الداخلية والحروب الأهلية؛ فأدَّت إلى انحلال الأسرة المالكة، حتى جاء الفتح المصرى فى النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادى فى عهد «محمد على باشا». وقد اتخذت سلطنة «الفونج» مظهرًا إسلاميا منذ البداية، فقد استهلت حياتها بالإسهام فى حركة الجهاد الإسلامى، وساعدت العرب فى القضاء على مملكة «علوة» المسيحية، وبذلك تدفَّق الإسلام فى وسط «السودان»، ومنه إلى الجنوب والغرب. كما أسهموا فى محاربة الوثنيين داخل «السودان» نفسه، فقد حاربوا أهل جبال «النوبا» بسبب غاراتهم على «كردفان»، واستمروا فى حربهم زمنًا طويلا حتى انتشر الإسلام فى كثير من مناطق هذه الجبال فى غربى «السودان». كما حارب «الفونج» «الشلك» (أو الشلوك) للغرض نفسه، بل شاركوا فى حركة الجهاد الإسلامى ضد الأحباش فى القرن الثامن عشر الميلادى فقد قضوا على بعثة فرنسية كانت قد قدمت إلى «الحبشة»، بهدف مساندتها فى حربها ضد المسلمين عام (1117هـ= 1705م)، كما اشتبكوا مع الأحباش فى عهد الملك «بادى الرابع أبى شلوخ» سنة (1157هـ = 1744م)، وكانت جيوش «الفونج» بقيادة شيخ «قرى» التى كان يتولى إمارتها الشيخ «محمد أبو اللكيلك» كبير الهمج (الهمق)، الذى قضى على دولة «الفونج» فيما بعد، وقد انتصر هؤلاء القواد على جيش «الحبشة»، وكان لانتصارهم هذا دوى هائل فى العالم الإسلامى المعاصر فى «مصر» و «الشام» و «الحجاز» و «تونس» و «إستانبول» و «الهند». ولم يسهم «الفونج» فى نشر الإسلام عن طريق الجهاد فحسب، إنما استعانوا بالوسائل السِّلمية التى كانت الأصل فى غالب الأحوال وكان لرواد الدعوة الذين وفدوا من «الحجاز» و «المغرب» و «مصر» و «العراق» إلى جانب الدعاة الوطنيين فضل كبير فى هذا السبيل فالحج والتجارة بين «الحجاز» و «السودان» كانا من أكبر ماهيَّأ للسودان نشر الدعوة. وكان حجاج «السودان» يشجعون علماء

«الحجاز» على الرحلة إلى بلاد «الفونج»، كما أن كثيرًا من السودانيين كانوا يتلقون العلم فى «مكة» و «المدينة». أما «المغرب» فكان منبعًا آخر للثقافة الإسلامية. أما «مصر» فكانت علاقة «السودان» بها فى ذلك الحين أقل من تلك التى كانت بينه وبين «الحجاز» و «المغرب»، ومع ذلك تطلَّع ملوك «الفونج» إلى «الأزهر» وعلمائه ورحبوا بهم، وكان بعض السودانيين يذهبون إلى «الأزهر» ثم يعودون إلى بلادهم ناشرين الإسلام وثقافته. وقد رحل أحدهم وهو الفقيه «محمد الجعلى» إلى منطقة جبال «النوبا» التى تقع جنوب «كردفان» مع مجموعة من الفقهاء؛ للدعوة إلى الإسلام فى أوائل القرن السادس عشر الميلادى واستطاع أن يتزوَّج أميرة من البيت الحاكم هناك، فانتقل الحكم إلى ابنه المسمَّى «قيلى أبو جريدة». وقد أسَّس هذا الابن أول أسرة إسلامية حاكمة فى جبال «النوبا»، سنة (926هـ = 1520م) عرفت باسم مملكة «تقلى»، وكان هو أول سلاطينها. كذلك كان لسلطنة الفونج وعاصمتها اتصال بدارفور التى كانت تستعين بفقهاء «سنار» فى نشر الدعوة، وكان للفونج اتصال أيضًا بالباشا التركى فى موانئ «البحر الأحمر» فى «سواكن» و «مصوع»؛ حيث كان له وكلاء فى «سنار» و «أريجى»، وكذلك اتصلوا باليمن وغيره من الأمصار الإسلامية؛ مما يدل على عمق الروح الإسلامية التى تغلغلت فى مملكة «الفونج». وتظهر هذه الروح الإسلامية فى معاملتهم الحسنة لرجال العلم، وفى احترامهم وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، فرحل إليهم كثير من علماء المناطق النائية، وعاشوا فى جوارهم، مما كان له أثر كبير على مسيرة الإسلام فى هذه السلطنة.

*دارفور (سلطنة)

*دارفور (سلطنة) بلاد «دارفور» عبارة عن هضبة تنتشر فيها المراعى وتتخللها بعض المرتفعات، ويتألف سكانها من العنصر الزنجى والعنصر الحامى، وكانت هذه البلاد مستقرا لشعب يُسمَّى شعب «الداجو»، وفد عليها من الشرق أو من «جبال النوبا» الواقعة غرب «النيل الأبيض» قبل القرن الثانى عشر الميلادى وأسس فيها مُلكًا. وفى القرن الثانى عشر الميلادى دخل هذه البلاد عنصر مغربى من «تونس» يتمثل فى «شعب التنجور» أو «عرب التنجور»، وهم عنصر من البربر أو العرب، وقد خالط هؤلاء شعب «الداجو» وصاهروهم، ونتج عن ذلك وجود جنس مختلط يُسمَّى شعب الفور استطاع أن يصل إلى الحكم. كان أول السلاطين المولدين من «الداجو» «والتنجور» هو «أحمد المعقور» الذى تزوج من ابنة ملك «دارفور» الوثنى، بعد أن أثبت جدارته فى الإشراف على شئون بيت الملك، وقد اتخذه الملك مستشارًا، ولما لم يكن للملك أبناء ذكور، فقد زوج ابنته لأحمد المعقور، وعينه خليفة له، فتأسست بذلك أول سلطنة إسلامية فى «دارفور». ولقد اقترنت إصلاحات السلطان «أحمد» وأولاده من بعده بنشاط ملحوظ فى نشر الدعوة الإسلامية، على أن «دارفور» لم تدخل فى الإسلام حقا إلا نتيجة جهود أحد ملوكها وهو «سليمان سولون» الذى وصل إلى الحكم نتيجة لإحدى الهجرات العربية التى وفدت على «دارفور» منحدرة من «وادى النيل» فى القرن الخامس عشر الميلادى وأصهر هؤلاء العرب إلى سلاطين «الفور»، كما أصهروا إلى ملوك «النوبة» من قبل. وكان «سليمان سولون» وليد هذه المصاهرة، وتمكن من اعتلاء عرش «دارفور» (849 - 881هـ = 1445 - 1476م)، وفتح البلاد للهجرات العربية، فوفدت قبائل «الحبانية» و «الرزيقات» و «المسيرية» و «التعايشة» و «بنى هلبة» و «الزيادية» و «الماهرية» و «المحاميد» و «بنى حسين» وغيرهم، وبفضل هؤلاء العرب المهاجرين إلى «دارفور»، اصطبغت السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة، وعمد السلطان «سليمان سولون»

إلى تنشيط الحركة الإسلامية، عن طريق استدعاء الفقهاء من الشرق ليعلِّموا الناس أصول دينهم، كما شجع التجارة وأسس المساجد والمدارس. وبدأت الدولة تتسع، فامتد سلطانها على «كردفان» فى عهد السلطان «تيراب» (1768 - 1787م)، وبلغت أقصى اتساعها، فكان حدها من الشمال «بئر النترون» فى الصحراء الكبرى، ومن الجنوب «بحر الغزال»، ومن الشرق «نهر النيل»، ومن الغرب منطقة «واداى». وقد وصل نفوذ الدولة أقصاه فى عهد السلطان «عبدالرحمن الرشيد» (1192 - 1214هـ = 1778 - 1799م)، الذى نقل العاصمة إلى مدينة «الفاشر»، واتصل بالسلطان العثمانى واعترف بسيادته، فمنحه لقب «الرشيد». وفى عهد خلفاء «عبدالرحمن الرشيد» كان من الممكن أن تتسع السلطنة إلى آفاق أوسع لولا التوسع المصرى فى القرن التاسع عشر الميلادى، ذلك التوسع الذى قضى على هذه السلطنة عام (1292هـ = 1875م) فى عهد الخديوى «إسماعيل». واصطبغت هذه السلطنة بالصبغة الإسلامية الواضحة؛ حيث عمل سلاطينها على ربط بلادهم بالعالم الإسلامى المعاصر، وتوثقت به صلاتهم الثقافية والدينية، فوصل طلاب «دارفور» إلى «مصر» والتحقوا بالأزهر، حيث أنشئ لهم رواق خاص بهم. وكان سلاطين «دارفور» رغم ندرة أخبارهم ينهجون نهجًا إسلاميا، فيلتزمون بأحكام الكتاب والسنة، ويحرصون على تحرى العدل فى أحكامهم، كما حرصوا على تشجيع العلماء ومنحهم الهدايا، وعملوا على نشر العلم فى بلادهم، ويذكر «التونسى» أخبارًا كثيرة عن العلماء والفقهاء الذين وفدوا على «دارفور» لما وجدوه فيها من تشجيع وعدالة وكرم واحترام. ومن مظاهر ارتفاع مكانة العلماء فى سلطنة «دارفور» الإسلامية أن مجلس السلطان كان لايتم إلا بحضورهم، وكانوا يجلسون عن يمينه، ويجلس الأشراف وعظماء الناس عن يساره، وعند موت السلطان واختيار سلطان جديد كان هؤلاء العلماء يدخلون ضمن مجلس الشورى الذى ينعقد لهذا الغرض، وإذا حدث

تنازع فإنه لايتم حسمه إلا على أيديهم، وكان السلاطين يكثرون من الإنعام عليهم ويقطعونهم الإقطاعات الواسعة حتى يتفرغوا للعلم والدرس، ولم يكن هذا التشجيع وقفًا على السلاطين وحدهم، فقد شارك فيه الأهالى؛ حيث كان سكان الحلة القرية يسارعون لمقابلة العلماء الوافدين ويستضيفونهم، كما كانوا يستضيفون الطلبة الغرباء فى بيوتهم ويعاملونهم كأبنائهم أو ذوى قرباهم. ومن المظاهر الإسلامية التى وضحت فى سلطنة «دارفور» أن سلاطينها كانوا يتلقبون بألقاب إسلامية مثل «أمير المؤمنين»، و «خادم الشريعة»، و «المهدى» و «المنصور بالله»، كما كانوا يحرصون على النسب العربى كعادة الحكام فى كل ممالك «السودان»، كما أن أختامهم التى يختمون بها كتبهم ورسائلهم كانت تحمل آية من القرآن، وكانوا يحرصون على إرسال محمل الحرمين الشريفين كل عام إلى «مكة» و «المدينة»، فكانت قافلة المحمل ترسل إلى «مصر» محملة بالبضائع، مثل ريش النعام وسن الفيل والصمغ وغير ذلك من منتجات البلاد، فتباع ويتكون من ثمنها نقود الصرة التى تحملها القافلة المصاحبة لقوافل الحجاج المصريين إلى الأراضى المقدسة، وهكذا نرى أن الحياة الإسلامية كانت زاهرة فى سلطنة «دارفور» الإسلامية.

*شوا (سلطنة)

*شوا (سلطنة) أسست هذه السلطنة على يد أسرة عربية تسمى «بنى مخزوم» سنة (283هـ = 896م)، وليس ثمة شك فى أن هؤلاء كانوا عربًا هاجروا إلى هذه الجهات فى ذلك الوقت المبكر، وليس بعيدًا أن يكونوا قد نزلوا أول الأمر فى ضيافة إمارة محلية، ثم اختلطوا بالأمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر الأمر. وأيا كان الأسلوب الذى انتقل به الحكم فى «شوا» إلى هذه الأسرة العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام «سلطنة شوا الإسلامية»، التى استمرت أربعة قرون من الزمان فى الفترة (283 - 684هـ = 896 - 1285م) تمتعت فى معظمها بالأمن والاستقرار وازدهار العمران، وكثرة المدن والقرى والنواحى، حتى إن وثيقة «تشيروللى» ذكرت أكثر من خمسين اسمًا لمواقع كانت موجودة، ووقعت على أرضها أحداث مهمة. ومن أمثلة هذه المدن أو النواحى مدينة «ولِلَّه» العاصمة، ومدن هكلة (هجلة) وجداية، ودجن، وأبتا، ومورة، وحدية (لعلها مملكة هدية الإسلامية) والزناتير، والمحررة، وعَدَل التى أصبحت عاصمة لمملكة إسلامية فى القرن الخامس عشر الميلادى، مما يدل على أن هذه السلطنة اتسمت بسعة المكان وازدهار العمران وكثرة المدن والبلدان. وهذا الازدهار العمرانى الحضارى الذى تمتعت به سلطنة شوا الإسلامية كان نتيجة لما تملكه من أرض غاية فى الخصوبة استغلها السكان وزرعوا فيها ما يكفى حاجتهم ويسد مطالبهم، خاصة أنه قد استمر توافد الجماعات الإسلامية المهاجرة فى أعداد يسيرة، واستطاعت أن تتجمع وتدعم كيان هذه السلطنة الإسلامية بزعامة هذه الأسرة العربية التى اتخذت من «وللِّه» عاصمة لها، والتى يصعب تحديد موضعها الآن نتيجة لكثرة التغيرات التى تعرضت لها المنطقة. ونتيجة لهذا الإزدهار لم تكن الدولة المخزومية فى «شوا» إمارة أو مملكة صغيرة، بل كانت سلطنة كبيرة، توالى على حكمها كثير من الحكام الذين اتخذوا لقب سلطان كما أشارت إلى ذلك وثيقة «تشيروللى». هذا

وقد ظهر فى هذه السلطنة الوظائف السياسية والدينية المعروفة وقتذاك فى بقية الدول الإسلامية مثل الوزراء والقضاة، يتضح ذلك من الوثيقة المذكورة التى عنى المؤرخ فيها بتسجيل وفاة الفقيه «إبراهيم بن الحسن» قاضى قضاة شوا فى رمضان (653هـ = أكتوبر 1255م)، مما يدل على وجود حياة علمية ودينية زاخرة، شأنها فى ذلك شأن السلطنات الإسلامية الأخرى؛ مما يجعلنا نقول إن هذه السلطنة عاشت عصرًا زاهرًا كبيرًا، وأنها عاشت مستقلة عن جيرانها سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين. والسبب الذى أتاح لهذه السلطنة ذلك الاستقلال وهذا الهدوء مع دولة الحبشة هو ظروف الحبشة نفسها، فقد كانت تعيش حياة مليئة بالاضطراب السياسى وعدم الاستقرار، فقد كانت مملكة «أكسوم» الحبشية القديمة فى أواخر أيامها عندما نشأت سلطنة شوا الإسلامية، ولذلك لم تتمكن «أكسوم» من التصدى لتلك الدولة أو تمنع قيامها فى جزء من الهضبة الحبشية ذاتها لبعد «أكسوم» التى كانت تقع فى أقصى الشمال، بينما كانت دولة «شوا» فى أقصى الجنوب، ولذلك لم يحدث بينهما أى نوع من أنواع العلاقات، سواء أكانت ودية أم عدائية. ومن الأسباب التى أتاحت الهدوء لهذه السلطنة ما حظيت به من موقع حصين فقد كان يحيط بها جبال وعرة تحف بمجرى نهر تكازى الأعلى من ناحية اليمين، والنيل الأعلى من جهة اليسار، وهذه الجبال جعلت من «شوا» حصنًا آمنًا يوفر الحماية لمن يسكنه. وقد استغل بنو مخزوم هذا الهدوء وهذا السلام اللذين تمتعوا بهما حوالى ثلاثة قرون ونصف قرن من الزمان فى تنمية قدرات السلطنة الاقتصادية والسياسية والدينية، فصار لها نفوذها فى المناطق المجاورة وخاصة المناطق الإسلامية التى تقع إلى الشرق منها وهى سبع ممالك صغيرة قامت فى القرن الثالث عشر الميلادى. كما كان لها دورها الدينى أيضًا، من ذلك أن أحد سلاطينها ويسمى (حربعر) بذل جهودًا كبيرة لنشر الإسلام

صوب الداخل وخاصة فى «جبلة» فى سنة (502هـ = 1108م)، وفى بلاد «أرجبة»، وأن هذه البلاد بعد إسلام أهلها أضيفت إلى أملاك سلطنة «شوا» المخزومية، أى أن هذه السلطنة كانت من المراكز التى ساعدت على نشر الإسلام وثقافته فى هذه المنطقة. وقد حافظ الأهالى من الأحباش على إسلامهم، سواء أكانوا من أحباش شوا أم من أحباش المناطق المجاورة لها، وذلك رغم الاضطهاد الشديد والمستمر الذى تعرض له المسلمون فى القرن الإفريقى على يد ملوك الحبشة (إثيوبيا) منذ عام (669هـ= 1270م). ولكن سيطرة «شوا» على جيرانها المسلمين لم تستمر طويلا أمام اضطراب أحوالها وكثرة الفتن الداخلية التى جعلتها تسير فى طريق الضعف وخاصة فى الخمسين عامًا الأخيرة من عمرها، ولذلك انتهز حكام «أوفات» الإسلامية الفرصة وأغاروا عليها وأسقطوها وضموها إلى دولتهم. وطبيعى أن لسقوط سلطنة «شوا» الإسلامية أسبابًا، وعوامل أدت إليه، أهمها: العوامل الاقتصادية: وتتمثل فى ظروف طبيعية جغرافية حدثت فى الثلاثين عامًا الأخيرة من عمر الدولة، وأدت إلى نقص مياه الأمطار بدرجة نتج عنها حدوث مجاعات، وطواعين فتكت بالناس فتكًا ذريعًا، وأضعفت الدولة وسكانها أمام أى هزات داخلية أو خارجية. سوء الأحوال السياسية: ويتمثل فى الصراع الداخلى بين أمراء الأسرة المخزومية على الحكم، وكثرة المتمردين والمغتصبين لعرش السلطنة، وكثرة الحروب الأهلية، وما كان ينتج عنها من إحراق المدن وتدميرها ونهبها وقتل كثير من سكانها. ولم يظهر الصراع الداخلى بين أمراء هذه السلطنة إلا فى المائة عام الأخيرة من عمرها وخاصة منذ عهد السلطان «حسين» (575هـ = 1179م)، ثم تولى بعده السلطان «عبدالله» سنة (590هـ = 1194م)، وكان مغتصبًا للعرش، استطاع أن يزيحه ابن السلطان «حسين» فى (632هـ = 1232م) واستمر فى الحكم 14 عامًا، ثم أعقبه عدد من المغتصبين، ثم عاد العرش إلى صاحبه الشرعى وهو السلطان

«دلمارة بن والزرة» سنة (668هـ = 1269م) الذى صاهر «عمر ولشمع» سلطان «أوفات» الإسلامية كى يشد أزره بهذه المصاهرة، لكن الطامعين فى العرش ازدادوا شراسة حتى انتهى الأمر بمقتل السلطان «دلمارة» فى سنة (682هـ = 1283م) وقد أدت هذه الظروف السيئة إلى تدخل سلطان «أوفات» (عمر ولشمع) فدخل «شوا» وانتقم من قتلة صهره السلطان «دلمارة» واستطاع أن يعيد الأمن والوحدة إلى «شوا» من جديد، وبهذا حافظ (عمر ولشمع) على سلطنة «شوا» من أن تقع فى يد الأحباش وذلك بعد أن ضمها لدولته.

*أوفات (سلطنة)

*أوفات (سلطنة) كانت الحركة الإسلامية قد ازدادت قوة فى بلاد الزيلع منذ القرن العاشر الميلادى. وبلاد الزيلع هى البلاد التى تحيط بهضبة الحبشة من الشرق والجنوب الشرقى، وتتمثل الآن فيما يعرف بإريتريا وجيبوتى والصومال الكبير بأقسامه الثلاثة: الشمالى والجنوبى والغربى، المعروف باسم إقليم «أوجادين»، يضاف إلى ذلك كل المناطق الإسلامية التى ضمتها الحبشة بالغلبة والقوة قرب نهاية القرن التاسع عشر الميلادى. فى هذه البقعة الواسعة التى تنحصر بين ساحل البحر الأحمر وخليج عدن وبين هضبة الحبشة قامت مراكز تجارية عديدة على الساحل وانتشرت أيضًا فى الداخل، وتحولت فى النهاية إلى إمارات وممالك إسلامية نامية تحدث عنها المؤرخون القدامى، وقالوا إنها كانت سبع ممالك هى: «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دارة» و «بالى» و «أرابينى» و «شرخا»، وامتدت هذه الممالك إلى «هرر» وبلاد «أروسى» جنوبًا حتى منطقة البحيرات، مطوقة الحبشة من الجنوب والشرق. غير أن هذه الممالك والسلطنات التى قامت فى شرق الحبشة وجنوبها تختلف عما رأيناه فى أقطار إفريقية أخرى فى هذه المرحلة من التطور؛ إذ لم تكن هذه السلطنات إفريقية خالصة، أسستها أسرات من أهل البلاد الأصليين الذين أسلموا، كما حدث فى «مالى» و «صنغى» و «كانم وبرنو»، إنما أسستها أسرات عربية الأصل، فسلاطين «أوفات» وسلاطين «شوا» وغيرها يمثلون أرستقراطية عربية مهاجرة، استقرت فى هذه الجهات ونمت ثروتها وازداد نفوذها واستولت على حكم البلاد وكانت الرعية مسلمة ومن أهل البلاد الأصليين. وكانت العلاقات بين هذه الإمارات متوترة تسودها المنافسات القبلية، ولم يكن بينها من رابط سوى الصلة الروحية فقط، وكانت من الضعف بحيث إن أمراءها لايتولون العرش - فى كثير من الأحيان - إلا بموافقة ملك الحبشة المسيحى، وليس معنى ذلك أن مسلمى تلك الإمارات قنعوا بالخنوع والخضوع

للأحباش، بل إنهم كانوا فى أحيان كثيرة مناوئين لملك الأحباش وغازين له فى عقر داره كما سنرى. وكان من أسباب ضعف هذه الإمارات أو السلطنات الإسلامية أنها ما كاد يكتمل نموها وتزداد قوتها حتى واجهت حربًا صليبية ضروسًا استنزفت مواردها وشغلتها عن التفرغ للدعوة الإسلامية، ولذلك فإن الإنتاج الثقافى لتلك الإمارات كان محدودًا جدا، إذ إن الصراع مع الأحباش أخذ كل وقتها ولم يترك لها فرصة للإبداع والابتكار، ولم تنج سلطنة واحدة من الاشتباك مع هؤلاء الأحباش. وقد قامت سلطنة «أوفات» حوالى (648 - 805 هـ = 1250 - 1402م) بعبء المقاومة والدفاع ضد هذا الخطر الصليبى الحبشى الذى كان يهدف إلى القضاء على الإسلام فى منطقة القرن الإفريقى كلها، ولذلك كان من الواجب أن نخص هذه السلطنة بحديث. كانت سلطنة «أوفات» أقوى سلطنة إسلامية قامت فى بلاد «الزيلع»، أسسها قوم من قريش من «بنى عبدالدار» أو من «بنى هاشم» من ولد «عقيل بن أبى طالب». ومدينة «أوفات» هى نفسها مدينة «جبرة» أو «جبرت» وكانت من أكبر مدن بلاد «الزيلع»، وكانت تتحكم فى الطريق التجارى الذى يربط المناطق الداخلية بميناء «زيلع» على البحر الأحمر. ولم يتضح تاريخ «أوفات» إلا حوالى منتصف القرن الثالث عشر الميلادى حينما ظهر أحد أمراء المسلمين وكان يسمى «عمر» ويعرف بلقب «ولشمع»، وأقام هذه السلطنة التى نمت وازدادت قوتها حتى استطاع صاحبها «عمر ولشمع» أن ينتهز فرصة ضعف سلطنة «شوا» المخزومية وأن يهاجمها عام (684هـ = 1285م) ويقضى عليها ويستولى على أملاكها كما رأينا عند الحديث عن هذه السلطنة. وقد أدى هذا إلى اتساع سلطان «بنى ولشمع» السياسى، واستطاعت «أوفات» فى عهدهم أن تبسط نفوذها على بقية هذه الإمارات الصغرى التى أشرنا إليها وأن يصل هذا النفوذ حتى ساحل البحر الأحمر وحتى منطقة «زيلع» وسهل «أوسا». وكانت مساحة الأراضى التى سيطر عليها المسلمون بزعامة «أوفات»

تفوق مساحة أرض مملكة الحبشة المسيحية نفسها، بل كانت تحيط بالحبشة من الجنوب والشرق، فضلا عن إحاطة الإسلام بها من ناحية السودان من الشمال والغرب، مما أدى إلى عزل مملكة الحبشة عزلا تاما عن العالم الخارجى، ولاسيما بعد استيلاء المسلمين على ميناء «عدل» قرب «مصوع»، ولذلك لاندهش من أنه عندما تولت الأسرة «السليمانية» عرش الحبشة عام (669هـ = 1270م)، رسمت لنفسها خطة لتوسيع سلطان «الحبشة» على حساب جيرانها من المسلمين الذين كانوا يسيطرون على الموانى ومن ثم على التجارة الخارجية. وبذلك بدأت أولى مراحل الجهاد والصراع بين «أوفات» وتوابعها من الإمارات الإسلامية وبين ملوك الحبشة من ذلك الحين، وكانت البداية المبكرة على أيام الملك «ياجبياصيون» (684 - 693هـ = 1285 - 1294م) الذى شن حملة صليبية عنيفة ضد إمارة «عَدَل» التابعة لأوفات، وكان قد استشعر خطر الاتحاد الإسلامى الذى كانت تدعو إليه سلطنة «أوفات»، فضلا عن أن تلك السلطنة أعلنت زعامتها على الممالك الإسلامية المجاورة لها فى بلاد «الزيلع»، وكان هذا أمرًا يتعارض مع مشاريع ملوك الحبشة الجدد، فقاموا بحملتهم تلك التى أشرنا إليها، وانتهت بانتصارهم. وترجع هذه الهزيمة إلى أن حركة المقاومة التى تزعمتها «أوفات» لم تكن منبعثة عن وحدة وتعاون فعال بينها وبين الممالك الإسلامية، ولذلك هزمهم الأحباش من أول لقاء، بل يقال إن إمارتين إسلاميتين عاونتا ملك الحبشة فى هجومه الذى انتهى بنهب «عَدَل» وعَقْد هدنة بين الطرفين، وكان من الممكن أن تكون هذه الحرب هى القاضية لولا تدخل سلطان «مصر» المملوكى الذى هدد بقطع العلاقات وعدم الموافقة على تعيين «المطران» الذى طلبه الأحباش، وكان يعين من قبل بطرك مصر، وأثمر هذا التدخل، فقَبِل الأحباش الهدنة مع «أوفات». استطاع المسلمون تقوية مراكزهم ودعم سلطانهم على طول منطقة الساحل، وكانوا يرتقبون فرصة ضعف أو تخاذل فى صفوف أعدائهم، وعندما

علموا بوفاة ملك «الحبشة» عام (698هـ = 1299م)، قام شيخ مجاهد يدعى «محمد أبو عبدالله» بحشد طائفة كبرى من قبائل «الجَلا» و «الصومال» وأعدهم للجهاد، وقام بغزو الحبشة، ولم تعمد الحبشة إلى المقاومة بسبب بعض المتاعب الداخلية، واضطر ملكها إلى التنازل للمسلمين عن بضع ولايات على الحدود نظير الهدنة، ولم يكن سلاطين «أوفات» ليقنعوا بالهدنة، وخاصة أن قوتهم قد ازدادت، فلم يستطع الملك الحبشى «ودم أرعد» (698 - 714هـ = 1299 - 1314م) أن يرد هجماتهم. ورأت «أوفات» أن تظهر قوتها للحبشة بل وتتوسع فى أملاكها وتقضى على عدوانها، فتقدم السلطان «حق الدين» وتوغل فى أملاك الحبشة وغزا بعض الولايات المسيحية؛ مما جعل ملك الحبشة يقوم بغزو «أوفات» فى عام (728هـ = 1328م) وهاجمها من جميع الجهات وأسر «حق الدين» ووضع يده على مملكته وعلى «مملكة فطجار» الإسلامية وجعلهما ولاية واحدة وعين عليها «صبر الدين» وهو شقيق «حق الدين» بشرط الاعتراف بسيادة الحبشة. غير أن «صبر الدين» لم يطق صبرًا على هذه التبعية وكوَّن حلفًا إسلاميا من إمارتى «هدية» و «دوارو»، ثم تقدم لغزو الحبشة واستولى على كثير من الغنائم، وهدد ملك الحبشة الذى خرج على رأس جيشه وهاجم الحلفاء منفردين بادئًا بإمارة «هدية»، فحطمها قتلا ونهبًا وأسرًا، وأرغمها على الخروج من الحلف، وحمل ملكها أسيرًا إلى عاصمته، ثم تقدم إلى «أوفات» ودخلها ودمرها ونهب معسكر المسلمين فيها، ثم تقدم إلى «فطجار» واستولى عليها وعلى مملكة «دوارو». وعلى ذلك يمكن القول بأنه فى هذه الفترة انتهى استقلال الممالك الإسلامية فى «أوفات» و «هدية» و «فطجار» و «دوارو». وعين عليها ملك الحبشة «جلال الدين» أخا «صبر الدين» حاكمًا، فقبل على أن يكون تابعًا للحبشة، وهكذا اتسعت مملكة الحبشة وضعف أمر المسلمين. وفى غمرة هذا الصراع الدموى اتفقت كلمة المسلمين

بين عامى (1332 و 1338م) على الاستنجاد بدولة المماليك فى «مصر»، وذلك بإرسال سفارة إلى سلطان «مصر» «الناصر محمد بن قلاون» برئاسة «عبدالله الزيلعى» ليتدخل السلطان فى الأمر لحماية المسلمين فى بلاد «الزيلع». فطلب «الناصر محمد» من بطرك الإسكندرية أن يكتب رسالة إلى ملك الحبشة فى هذا الصدد. غير أن ملك الحبشة لم يكفَّ عن مهاجمة المسلمين الذين لم يتوانوا عن انتهاز الفرص للثأر منه. وتحالفت إمارتا «مورا» و «عدل» مع بعض القبائل البدوية وأخذوا يشنون حربًا أشبه بحرب العصابات، وأخذ ملك الحبشة فى مطاردتهم وتقدم فى أراضى «مورا» الإسلامية، حتى وصل إلى مدينة «عَدَل» وقبض على سلطانها وذبحه، فتقدم أولاد السلطان الثلاثة إلى ملك الحبشة مظهرين الخضوع. وفى تلك الأثناء انتاب إمارة «أوفات» بعض الفتن الداخلية بسبب النزاع على العرش بين أفراد الأسرة الحاكمة، وانتهى النزاع بانفراد «حق الدين الثانى» وإعلان استقلاله عن الحبشة، واستطاع أن يهزمها ويردها عن إمارته فترة طويلة حتى هُزم ومات عام (788هـ = 1386م)، والتف المسلمون للمرة الأخيرة حول خليفته وأخيه «سعد الدين»، واستأنفوا حركة الجهاد ودحروا الأحباش، وتوغلوا فى أرض «أمهرة» (مملكة النجاشى) لكن «سعد الدين» هُزم فى معارك تالية، واضطر إلى الفرار إلى جزيرة «زيلع» حيث حوصر وقتل عام (805هـ = 1402م) نتيجة لخيانة رجل دلَّهم على مكمنه. ويعتبر احتلال الأحباش لزيلع بمثابة إسدال الستار على سلطنة أوفات التى احتلها الأحباش نهائيا، ولم يعد يسمع بها أحد، وانتهى دورها فى الجهاد، وتفرق أولاد «سعد الدين» العشرة مع أكبرهم «صبر الدين الثانى»، وهاجروا إلى شبه الجزيرة العربية حيث نزلوا فى جوار ملك اليمن «الناصر أحمد بن الأشرف» الذى أجارهم وجهزهم لاستئناف الجهاد ضد الحبشة، فعادوا إلى إفريقيا حيث انضم إليهم من بقى من جنود والدهم، فقوى أمرهم

واستأنفوا النضال واتخذوا لقبًا جديدًا هو لقب «سلاطين عَدَل».

*عدل (سلطنة)

*عَدَل (سلطنة) كانت «عَدَل» إقليمًا من الأقاليم التى خضعت لسلاطين «أوفات». وليس ببعيد أن تكون قد تأسست فيها إمارة محلية تدين بالولاء لبنى ولشمع، ويبدو أن موقعها المتطرف قد ساعد على نجاتها من التوسع الحبشى الذى أطاح بالإمارات السابقة. وكان طبيعيا أن يأوى «بنو سعد الدين» إلى إقليم قريب من البحر يتيح لهم الاتصال ببلاد اليمن بعيدًا عن مناطق النفوذ الحبشى. وكانت تلك السلطنة تضم البلاد الواقعة بين ميناء «زيلع» و «هرر» وتشمل ما يعرف بالصومال الشمالى والغربى وإقليم «أوجادين»، وسميت هذه البلاد «بر سعد الدين» تخليدًا لسعد الدين الذى مات بزيلع ودفن بها. استأنف سلاطين «عَدَل» الجهاد مرة أخرى فى عهد «صبر الدين الثانى» الذى اتخذ مدينة «دَكَّر» عاصمة له، واستطاع الاستيلاء على عدة بلاد حبشية فيما يعرف بحرب العصابات، وبعد وفاته عام (825هـ = 1422م) خلفه أخوه «منصور» المتوفى سنة (828هـ = 1425م) الذى بدأ عهده بحشد عدد كبير من مسلمى «الزيلع» وهاجم بهم ملك الحبشة وقتل صهره وكثيرًا من جنده، وحاصر منهم نحوًا من ثلاثين ألفًا مدة تزيد على شهرين، ولما طلبوا الأمان خيَّرهم بين الدخول فى الإسلام أو العودة إلى قومهم سالمين، فأسلم منهم نحو عشرة آلاف وعاد الباقون إلى بلادهم، ولم يقتلهم «منصور» ولم يستعبدهم كما كان يفعل ملوك الحبشة بجنود المسلمين الذين كانوا يقعون فى أسرهم. لكن ملك «الحبشة» «إسحاق بن داود» أعد جيشًا كبيرًا وهجم به على «منصور» وقواته وهزمها هزيمة شنيعة لدرجة أن السلطان «منصور» وقع هو وأخوه الأمير «محمد» فى أسر «إسحاق» عام (828هـ = 1425م). ولكن راية الجهاد ضد عدوان الأحباش لم تسقط بهذه الهزيمة، فقد قام أخ للسلطان الأسير وهو السلطان «جمال الدين» برفع راية الجهاد من جديد. وانتصر على ملك الحبشة فى مواقع كثيرة، ولكن أبناء عمه حقدوا عليه ربما رغبة فى النفوذ والسلطان الذى

حرموا منه فاغتالوه فى عام (836هـ = 1432م)، فتولى الحكم بعده أخوه السلطان «شهاب الدين أحمد بدلاى» الذى عاقب القتلة وحارب الأحباش واسترد إمارة «بالى» الإسلامية من أيديهم، ولكنه وقع صريعًا أمام الأحباش فى (848هـ = 1444م) نتيجة لخيانة أحد الأمراء الذين أظهروا التحالف معه. ومن ثم تمكن الأحباش من اجتياح سلطنة «عَدَل» وبقية الممالك الزيلعية الأخرى، وأصبحت الحبشة إمبراطورية كبيرة امتدت شمالا حتى مصوع وسهول السودان وضمت «أوفات» و «فطجار» و «دوارو» و «بالى» و «هدية»، ومنحت هذه الإمارات استقلالها الذاتى، وولت عليها عاملاًيسمى «الجراد» ينحدر من البيت المالك القديم. ويبدو أن الرغبة الصادقة فى الجهاد التى عرف بها الجيل الأول من سلاطين «أوفات» قد فترت عند أحفادهم سلاطين «عدل»، فقد سئموا القتال وجنحوا إلى المسالمة ولكن الشعب المسلم لم يتخل عن سياسته التقليدية فى جهاد الأحباش ومقاومتهم. وكان تخاذل سلاطين «عدل»، وتحمس الشعب للجهاد مؤذنًا ببداية الدور الأخير من أدوار الجهاد وهو دور «هرر». وتميز هذا الدور بظهور طائفة من الأمراء الأئمة أشربت قلوبهم حب الجهاد وصارت لهم السلطة الفعلية فى البلاد، وبذلك أصبح فى المجتمع العَدَلى حزبان: هذا الحزب الشعبى الذى يتزعمه الأمراء الأئمة، وذلك الحزب الذى يريد أن يسالم الأحباش ويتكون من الطبقة الأرستقراطية والتجار، وعلى رأسه سلاطين عدل التقليديون. وكان أول هؤلاء الأئمة ظهورًا هو الداعى «عثمان» حاكم زيلع الذى أعلن الجهاد بعد وفاة السلطان «محمد بن بدلاى» مباشرة عام (876هـ = 1471م)، ثم ظهر فى «هرر» الإمام «محفوظ» الذى تحدى السلطان «محمد بن أزهر الدين»، واشتبك مع الأحباش، غير أن البرتغاليين ظهروا على مسرح الأحداث وفاجئوا «زيلع» وأغاروا عليها وانتهى الأمر بفشل حركة «محفوظ»، وباغتيال السلطان «محمد» سنة (924هـ = 1518م). وفى بداية القرن (16م)

ظهرت تطورات كان لها تأثيرها فى مسرح الأحداث بين المسلمين والأحباش، تمثلت فى ظهور الأتراك العثمانيين وقيام حركة الكشوف الجغرافية بزعامة الملاحين البرتغاليين، كذلك أدخلت الأسلحة النارية إلى منطقة الأحداث فى بلاد «الزيلع» و «الحبشة»، وأهم من هذا كله إسلام قبائل البدو من الأعفار والصومالى، ودخولها ميدان الجهاد، ووقوفها وراء الإمام الذى رشحته الأحداث لتزعم حركة الجهاد الإسلامى فى ذلك الدور، وهو الإمام «أحمد بن إبراهيم الغازى» الملقب بالقرين أى الأشول. اتبع الإمام «أحمد القرين» بعد أن سيطر على مقاليد الأمور فى سلطنة «عَدَل» وبعد أن اتخذ «هرر» مقرا له سياسة موفقة جمعت الناس حوله، فقد طبق الشريعة الإسلامية فى حكمه وخاصة فى توزيع أموال الزكاة والغنائم على مستحقيها وفى مصارفها الشرعية، وبذلك كسب حب الجند وحب الفقهاء والعلماء، كما كسب أيضًا محبة الشعب، فقد كان يلطف بالمساكين ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعطف على الأرملة واليتيم، وينصف المظلوم من الظالم، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، كما قضى على قُطَّاع الطرق فأمنت البلاد وانصلح حال الناس وانقادوا له وأحبوه. بهذه السياسة الداخلية السليمة استطاع الإمام «أحمد القرين» أن يوحد كلمة المسلمين ويتولى زعامتهم وعزم على رد عادية الأحباش، وذلك بفتح بلاد الحبشة ذاتها، وتمكن من التوغل فيها حتى وصل إلى أقاليمها الشمالية، ودارت بينه وبين الأحباش عدة معارك، كان أولها فى عام (933هـ = 1527م) حيث هزم الأحباش لأول مرة منذ بداية الجهاد. وفى عام (934هـ = 1528م) أحرز الإمام «أحمد» نصرًا حاسمًا على الأحباش فى موقعة «شنبر كورى»، ثم بدأ فى غزو بلاد الحبشة نهائيا. ففى سنة (938هـ = 1531م) دخل «دوارو» و «شوا» و «أمهرة» و «لاستا». وفى سنة (940هـ = 1535م) سيطر المسلمون على جنوب الحبشة ووسطها، وغزوا «تجراى» للمرة الأولى وأصبح مصير الأحباش فى كفة الميزان. وفى هذا

الوقت كان الزحف البرتغالى قد وصل إلى البحر الأحمر فاستنجد بهم الأحباش عام (942هـ = 1535م) فأرسل إليهم ملك البرتغال نجدة عسكرية وصلت البلاد عام (948هـ = 1541م)، وتقابل المجاهدون بقيادة «أحمد القرين» مع الأحباش والبرتغاليين فى عدة مواقع عام (949هـ = 1542م)، لكنه هُزم وتكررت هزيمته فى العام التالى حيث استشهد وتفرقت جموعه، ونجت الحبشة من السقوط، ولم يعد المسلمون مصدر خطر جدى يهدد الأحباش، ومع ذلك فإن حركة الجهاد لم تمت بموت «أحمد القرين»، بل استأنفها خلفاؤه من بعده وخاصة فى عام (966هـ = 1559م) بقيادة الأمير «نور» الذى اتخذ لقب أمير المؤمنين، والسلطان الأسمى المسمى «عليَّا» سليل أمراء «عَدَل» السابقين، لكن هذه الجهود باءت بالفشل. وكانت انتفاضة «هرر» الأخيرة عام (985هـ = 1577م) حينما تحالفت مع أحد ثوار الأحباش للنيل من ملك الحبشة، وحدثت موقعة انتهت بمقتل «محمد الرابع» آخر أمراء «هرر» عند نهر «ويبى»، وانتهت هرر كقوة سياسية ذات شأن، فى الوقت الذى استطاع فيه الأحباش أن يقضوا على خطر الأتراك العثمانيين أيضًا بهزيمتهم وعقد هدنة معهم عام (997هـ - 1589م) واكتفى العثمانيون بالسيطرة على «مصوع» و «سواكن»، وبذلك انتهى الصراع فى الحبشة لصالح الأحباش. وإذا كانت هذه الحركة لم تحقق أهدافها بالقضاء على مملكة الحبشة نهائيا، إلا أنها أثبتت عمق الشعور الإسلامى فى نفوس أهل شرق إفريقيا وعمق تمسكهم بالإسلام، فقد دأبوا على الجهاد وأصروا عليه طيلة أربعة قرون، وظهر أثر العلماء والفقهاء وأصبحت لهم الزعامة فى المجتمع فى ذلك الوقت. وعلى الرغم من هذه الهزيمة التى منى بها المسلمون فى منطقة القرن الإفريقى وانصراف اهتمام العثمانيين إلى أوربا والعالم العربى، فإن المسلمين الزيالعة بقيت لهم بعض سلطناتهم وبلادهم. ذلك أن الصراع الذى اندلع بينهم وبين الأحباش أنهك

الطرفين معًا؛ مما هيأ الفرصة لدخول قبائل الجلا الوثنية القادمة من الجنوب، فاحتلت «هرر» واستقرت فى النصف الجنوبى من دولة الحبشة، ثم أسلمت هذه القبائل أخيرًا، ولكن أوربا الغربية أعانت الأحباش على المسلمين فى القرن التاسع عشر الميلادى، وخاصة فى عهد «منليك الثانى» الذى استولى على سلطنة «هرر» فى عام (1302هـ = 1885م) وعلى غيرها من البلدان الإسلامية، ثم استولى الأحباش على سلطنة «أوسا»، ثم على «إريتريا» و «إقليم الأوجادين الصومالى» فى القرن العشرين. وظل الأمرعلى هذا النحو حتى نالت هذه البلاد استقلالها وتحررت من نير الأحباش، وإن كان بعضها لايزال تحت سيطرتهم حتى الآن.

*مقديشيو (سلطنة)

*مقديشيو (سلطنة) كانت بلاد «الصومال» تعرف فى العصور الوسطى باسم «سلطنة مقديشيو». وينتمى الصوماليون إلى العنصر الكوشى الحامى، ومنهم قبائل «الجَلا» و «الدناكل»، وهؤلاء اختلطوا بالعناصر السامية التى هاجرت من جنوب بلاد العرب قبل الميلاد، وبالزنوج البانتو، وتكون منهم «شعب الصومال». وبعد ظهور الإسلام تدفقت القبائل العربية على تلك المنطقة، إما بهدف التجارة أو نشر الإسلام أو الإقامة فرارًا من الانقسامات السياسية، وأقام هؤلاء المهاجرون العرب مراكز تجارية على طول الساحل الشرقى الإفريقى؛ فى «مقديشيو» و «براوة» و «سوفالة»، و «بات» و «ممبسة» و «مالندى» و «كلوة» وغيرها، وعلى أيديهم نشأت معظم هذه المدن. وقد سبقت الإشارة - عند الحديث عن الهجرات العربية إلى ساحل شرق إفريقيا - إلى هجرتين وصلتا إلى ساحل «الصومال»، وهى «هجرة الزيدية» التى أقبلت إلى «الصومال» بعد مقتل زعيمهم «زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب» رضى الله عنهم، ثم هجرة الإخوة السبعة من «بنى الحارث» ومن معهم من العرب إلى بلاد «الصومال» فى عام (292هـ = 903م). والهجرة الأخيرة كانت أبقى أثرًا فى تاريخ «الصومال»، إذ إنها أقامت «سلطنة مقديشيو» الإسلامية. وقد كانت «مقديشيو» أول مدينة عربية بناها «بنو الحارث» على «ساحل بنادر» عام (295هـ = 907م)، وتلتها مدينة «براوة» حوالى عام (365هـ = 975م). وتشير بعض المصادر إلى مواضع مدن أخرى مثل «قرفاوة»، و «النجا»، و «بذونة»، و «ماندا» فى جزيرة «ماندا»، و «أعوزى»، و «شاكة» قرب دلتا نهر «تانا»، وقد بنى «بنو الحارث» هذه المدن فى سنوات متفاوتة وأسسوا فيها سلطنة استمروا فى حكمها معظم فترات العصور الوسطى، فكان حكام «سلطنة مقديشيو» عند قدوم البرتغاليين من سلالة الإخوة السبعة، بل إن فيها حتى اليوم سبع عشائر تعود بأصولها إليهم. وفى عهد هذه الأسرة الحاكمة صارت «مقديشيو» سلطنة قوية ذات شوكة

ونفوذ على عربان الساحل وعلى المدن التى تحيط بها، وكان تجارها أول من وصلوا إلى بلاد «سفالة»، واستخرجوا منها الذهب، مما درَّ عليهم أموالا كثيرة، استفادوا منها فى تطوير «مقديشيو» فحلت المنازل المشيدة بالأحجار على الطراز العربى محل المبانى الخشبية ومحل المساكن المتخذة من القش المغطى بجلود الحيوانات. وكانت «مقديشيو» فى عهدهم بمثابة العاصمة لجميع البلاد المجاورة ومركزًا للمدن العربية الأخرى التى امتدت على طول الشاطئ، فكانت جموع الناس ترد على «مقديشيو» من هذه المدن، فيجتمعون فى مسجدها الجامع حيث يؤدون صلاة الجمعة، مما يدل على أهمية مركز «مقديشيو» الدينى والثقافى عند سكان الساحل جميعًا، حتى اعتبرت العاصمة الثقافية لساحل الزنج كله، وزعيمة عرب هذا الساحل؛ نتيجة لما وصلت إليه من قوة ونفوذ، ولما قامت به من دور مهم فى نشر العروبة والإسلام. وعندما وصل الشيرازيون المهاجرون بقيادة «على بن حسن بن على» إلى «مقديشيو» بعد حوالى سبعين عامًا من بنائها، لم يستطيعوا دخولها لحصانتها ومناعتها فتركوها واتجهوا جنوبًا إلى «كلوة»؛ حيث أقاموا هناك سلطنة إسلامية، فكانت هى و «مقديشيو» أهم مدينتين على الساحل من القرن العاشر إلى الخامس عشر الميلادى، ولم تستطع إحداهما أن تسيطر على الساحل سيطرة كاملة. وعند قدوم «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» كانت تسيطر عليها قبيلة الأجران الصومالية، وكان سلطانها يسمى «أبا بكر بن الشيخ عمر»، ويبدو أن سيطرة هذه الأسرة كان أمرًا عارضًا؛ بدليل أن البرتغاليين عندما قَدِموا إليها كان حكامها من أسرة «المظفر» من «بنى الحارث» الذين أسسوها من قبل. ونظرًا لطول مدة حكم هذه الأسرة فقد كانت لها جهود كبيرة فى تعريب كثير من القبائل الصومالية خاصة الساحلية، التى دخلت فى الإسلام على أيديهم، ذلك أن هذه القبائل وخاصة قبيلة «الأجران» كانت تربطها بأسرة «المظفر» الحارثية صلات تجارية كبيرة. ولاشك

أن هذه العلاقات التجارية لابد أن تؤتى ثمارها فى نشر الإسلام بين هذه القبيلة وغيرها من القبائل الصومالية، التى اتصلت بسلطنة «مقديشيو» الإسلامية، التى أكثرت من إنشاء المساجد والجوامع التى لايزال بعضها باقيًا حتى الآن، منها مسجد عليه كتابة تبين تاريخ تأسيسه وهو سنة (637هـ = 1239م)، أى قبل مرور «ابن بطوطة» بها بنحو قرن من الزمان، ولعله «مسجد عبدالعزيز» الذى بُنى فى «مقديشيو» منذ سبعمائة عام تقريبًا، ولازال موجودًا حتى الآن. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن بلاد الصومال بفضل ما كتبه عنها الرحالة والجغرافيون العرب، مثل: «المسعودى» و «الإدريسى» و «ابن بطوطة» الذى أمدنا بوصف دقيق لعدد من المدن الإفريقية وأحوال سكانها المسلمين، ولاسيما «مقديشيو»، التى زارها عام (1332م) و «زيلع» التى قال عنها: «إنه يسكنها طائفة من السودان شافعية المذهب وهى مدينة كبيرة، لها سوق عظيمة لها رائحة غير مستحبة بسبب كثرة السمك ودماء الإبل التى ينحرونها فى الأزقة والطرقات». ثم أقلع «ابن بطوطة» إلى «مقديشيو» واستقر بها أسبوعًا، وأتيح له أن يتصل بقاضيها وعلمائها وسلطانها الشيخ «أبى بكر ابن الشيخ عمر» الذى استضافه مدة إقامته، وقد أمدنا بمعلومات كثيرة عن طعام أهلها وفاكهتها وملابس شعبها وتقاليد سلطانها فى مواكبه ومجالسه، وعن مجالس الفقهاء والعلماء وذوى الرأى، وعن كيفية نظرهم فى شكوى الناس، وتطبيقهم للشريعة الإسلامية. بعد ذلك يصف «ابن بطوطة» الازدهار الاقتصادى الذى كانت تنعم به سلطنة «مقديشيو» الإسلامية فيقول: «إن هذه المدينة مدينة واسعة كبيرة يمتلك أهلها عددًا وافرًا من الجِمال والماعز، ينحرون منها مئات كل يوم، وإنهم تجار أغنياء أقوياء، بعضهم يقوم بصناعة ثياب جميلة لا نظير لها تُصدَّر إلى مصر وغيرها من البلاد». وكى يشجعوا التجار على القدوم إلى بلادهم كان من عادتهم أنه متى

وصل مركب أو سفينة محملة بالتجار والبضائع إلى ميناء «مقديشيو» يركب شباب هذه المدينة فى قوارب صغيرة ويحمل كل منهم طبقًا مُغطى فيه طعام، فيقدمه لتاجر من التجار القادمين على هذه السفن ويقول «هذا نزيلى» فينزل معه هذا التاجر إلى داره، ويساعده هذا الشاب فى عمليات البيع والشراء، مما أدى إلى رواج تجارتهم مع الأقطار الخارجية. وقد استمرت سيادة «مقديشيو» على ساحل «بنادر» حتى القرن السادس عشر الميلادى حينما فقدت أهميتها وانحطت منزلتها كمركز تجارى، خاصة بعد انتشار التجارة بين عدة مدن ساحلية أخرى منافسة لمقديشيو، وتعرضها والمنطقة للخطر البرتغالى، فقد ضرب «فاسكودى جاما» «مقديشيو» بالمدافع فى أثناء عودته من «الهند» عام (1498م)، ثم استولى أحد قواد البرتغال على مدينة «براوة» عام (1507م)، وحاول الاثنان الاستيلاء على «مقديشيو» لكنهما فشلا، وغزا «لوبى سواريز» «زيلع» عام (1515م) وأضرم فيها النار، كما حاصر البرتغاليون «بربرة» عام (1516م). وهكذا نرى أن البرتغاليين قادوا حربًا صليبية ضد المسلمين فى شرق إفريقيا و «الصومال»، ومن المدهش حقا أنه كان من نتائج تلك الحملة الوحشية انتشار الإسلام، ذلك لأن السكان المسلمين الذين تركوا الساحل أمام نيران المعتدين البرتغاليين لجئوا إلى الداخل، حيث اختلطوا بالقبائل الصومالية ونشروا الإسلام بينها، فنتج عن ذلك «شعب الصومال» المسلم، وبسبب كثرة الهجرات العربية من بلاد «اليمن» و «الحجاز» وامتزاجها بأهل تلك البلاد؛ انتشرت اللغة العربية والدم العربى بدرجة كبيرة، وأصبحت العربية هى لغة التخاطب بجانب اللغة المحلية، وكانت قبائل «الصومال» بعد اعتناقها الإسلام هى السند والحصن الذى لجأ إليه «أحمد القرين» فى صراعه ضد ملوك «الحبشة»، مما يدل على تمسك شعب الصومال بالإسلام ودفاعهم عنه دفاعًا قويا، ولا غرو فالصومال الآن كما هو معروف إحدى دول الجامعة العربية.

*كلوة (سلطنة)

*كلوة (سلطنة) قامت هذه السلطنة نتيجة هجرة قدمت من «شيراز» بفارس، كان على رأسها «على بن حسن بن على» وأبناؤه الستة، حيث كانوا على متن سفنهم بما فيها من بضائع بقصد التجارة، ولما وصلوا إلى «جزيرة كلوة» التى تقع أمام الساحل الشرقى لإفريقيا، وهى ضمن دولة «تنزانيا» الآن، استقروا فيها منذ عام (365هـ = 975م)، ووفد عليهم كثير من العرب، وكان هؤلاء الوافدون يفضلون المعيشة فى الجزر لسهولة الدفاع عنها والاعتصام بها إذا ما حاول الأهالى الساكنون فى البر الإفريقى الاعتداء عليهم، وعند وفاة «على بن حسن بن على الشيرازى» كان نفوذه يمتد إلى مدينة «سوفالة» فى الجنوب، وإلى «ممبسة» فى الشمال، وبعد وفاته اعتدى الأهالى على ابنه، واضطروه إلى الفرار إلى «زنجبار» عام (1020م) وبعد قليل جمع السلطان المطرود جنوده وعاد بهم إلى «كلوة» ودخلها مرة ثانية، وازدهرت المدينة خلال القرن التالى بسبب تجارة العاج والذهب الذى كان يُصدَّر من «سوفالة» التى تقع جنوب نهر «الزمبيرى»، أى جنوب «كلوة» وحرمت «مقديشيو» من تلك التجارة التى كانت تحصل عليها من «سوفالة»، وخاصة فى عهد السلطان «داود بن سليمان» سلطان «كلوة» (1130 - 1170م)، وبذلك صارت الزعامة السياسية والاقتصادية لكلوة، ويعتبر القرنان الثانى عشر والثالث عشر الميلاديان هما العصر الذهبى لتلك السلطنة الزنجية الإسلامية، فقد أصبحت «كلوة» عروس الشاطئ الإفريقى، وقام سلطانها بسك النقود، وقد عثر فى «كلوة» و «مافيا» و «زنجبار» على نحو (10000) قطعة نحاسية من هذه النقود. ولما كان مؤسسو «كلوة» الأوائل من الشيرازيين الفرس، فلا غرو أن يكون لهم تأثير كبير على أسلوب الحضارة الذى ازدهر هناك خلال القرون من العاشر إلى الثالث عشر الميلادى، فظهر الأسلوب الفارسى فى البناء بالحجارة، وفى صناعة الجير والأسمنت واستخدامهما فى البناء، وفن النقش على الخشب، ونسج القطن، وشيدوا عدة

مساجد ومبانٍ جميلة الطراز، مازال بعض مخلفاتها باقيًا حتى الآن، ولكن الأثر العربى تغلب بعد ذلك بسبب كثرة الهجرات العربية واستقرارها. وقد وصل إلينا كثير من المعلومات عن هذه السلطنة من الوثائق التاريخية المهمة وبفضل ما كتبه عنها الرحالة والجغرافيون العرب كالمسعودى، و «الإدريسى»، و «ابن بطوطة» الذى زار مدينة «كلوة» و «ممبسة». وقال عن الأخيرة: «إنها جزيرة كبيرة بينها وبين أرض الساحل مسيرة يومين فى البحر، وأشجارها: الموز والليمون والأترج، وأكثر طعام أهلها السمك والموز، والقمح يأتى لهم من الخارج لأنهم لايزرعون. وهم شافعيون يعنون بأمور دينهم ويشيدون المساجد من الأخشاب المتينة». وبعد أن قضى «ابن بطوطة» ليلة فى «ممبسة» ركب البحر إلى مدينة «كلوة»، وقال عنها: «إنها مدينة كبيرة، بيوتها من الخشب، وأكثر أهلها زنوج مستحكمو السواد، وهم شافعيون، ويحكمها السلطان «أبو المظفر حسن»، وقد كان فى قتال دائم مع السكان المجاورين، وعرف بتقواه وصلاحه، كما كان محسنًا كريمًا». ولم يكن السلطان «أبو المظفر حسن» الذى زار «ابن بطوطة» «كلوة» فى عهده فارسى الأصل، بل كان من أصل عربى صميم، فهو من بيت «أبى المواهب الحسن بن سليمان المطعون بن الحسن بن طالوت المهدلى» اليمنى الأصل. وقد انتقل الحكم من البيت الفارسى إلى هذا البيت العربى منذ عام (676هـ = 1277م)، وظل هذا البيت يحكم هذه السلطنة حتى جاء البرتغاليون وقاموا بغزوها فى عام (1505م). وقد ازدادت الهجرات العربية فى عهد هذا البيت العربى الحاكم فى «كلوة»، مما جعل الطابع العربى يتغلب على الطابع الفارسى فى مظاهر الحياة المختلفة، فاللغة الغالبة هى اللغة العربية التى كانت تُكتَب بها سجلات «كلوة» بجانب اللغة السواحلية، كما كان المذهب الدينى السائد هو المذهب الشافعى السُّنى وليس المذهب الشيعى، الذى أتى به البيت الحاكم الأول

على يد «على بن حسن بن على الشيرازى»، وما زالت أغلبية المسلمين فى هذه المنطقة من السُّنة الشافعية حتى الآن. على أية حال فقد انفعل سلاطين هذه السلطنة سواء أكانوا من الفرس أم من العرب بالحياة والتقاليد الإسلامية كل الانفعال، فأكثروا من بناء المساجد والمدارس، واهتموا بالعلوم الإسلامية، واستقدموا العلماء ورحبوا بالأشراف والصالحين، كما شاركوا فى الجهاد ضد الوثنيين الذين كانوا يقيمون فى الداخل، وقد أشار إلى ذلك «ابن بطوطة» وقال: «إن سلطانها كان كثير الغزو إلى أرض الزنوج، يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيُخرج خمسها ويصرفه فى مصارفه المعينة فى كتاب الله تعالى، ويجعل نصيب ذوى القربى فى خزانة على حدة، فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم، وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها .. وكان هذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع الفقراء ويأكل معهم ويعظم أهل الدين والشرف». غير أن ازدهار «كلوة» لم يتجاوز منتصف القرن الرابع عشر؛ إذ أخذ نجمها فى الأفول بسبب تعرضها لبعض الاضطرابات الداخلية، وبدأت مدينة «بات» فى شمالها تقوى وتثرى لانتقال تجارة الذهب إليها، وأخذت فى التوسع صوب «كلوة» فى عهد أسرة «بنى نبهان» العربية التى أسست سلطنة قوية فى مدينة «بات» فرضت سلطانها على كثير من بلاد الساحل الشرقى لإفريقيا، كذلك قام حاكم «سوفالة» بالتخلص من سيادة «كلوة» وأعلن استقلاله عنها، وانتهى الأمر إلى نزوح بعض العرب من «مالندة» (مالندى) إلى «كلوة» وتولوا مناصب الوزراء والأمراء وأبقوا على السلطان الذى لم يكن له من الحكم إلا الاسم فقط، وقام الصراع بين أفراد البيت الحاكم على منصب السلطان فى القرن الخامس عشر الميلادى، وتعاقبوا على العرش الواحد بعد الآخر، وقل المال حتى إن الحكومة لم تجد ما تنفقه على إصلاح المسجد الكبير بعد أن أصابه الخراب. وقد أعطى كل هذا الفرصة للبرتغاليين للسيطرة على مقاليد الأمور فى البلاد، ففى عهد

«فضيل بن سليمان» آخر سلاطين «كلوة» الذى بلغ عددهم (29) سلطانًا احتل البرتغاليون مدينة «كلوة» عام (1505م)، وفى أخريات القرن السابع عشر وقعت «كلوة» تحت سيادة سلاطين عُمان الذين قضوا على النفوذ البرتغالى فى بلادهم ثم فى شرق إفريقيا. ولما فصل هؤلاء السلاطين ممتلكاتهم الأسيوية عن ممتلكاتهم فى إفريقيا فى عام (1856م) آلت «كلوة» إلى سلطان «زنجبار» العُمانى، ثم استولى عليها الألمان عام (1885م)، وفى عام (1919م) أصبحت جزءًا من «تنجانيقا» (تنزانيا الحالية).

*بات (سلطنة)

*بات (سلطنة) ظهرت هذه السلطنة على مسرح التاريخ نتيجة لهجرة عربية وفدت من «عُمان» إلى ساحل شرقى إفريقيا فى أوائل القرن السابع للهجرة الثالث عشر الميلادى؛ حيث كونت سلطنة إسلامية نبهانية فى «بات» تولت حكم شطر كبير من هذا الساحل، وظلت موجودة حتى عام (1278هـ = 1861م). والنباهنة قوم من العتيك من الأزد فى «عُمان» كانوا قد استولوا على مقاليد السلطة هناك بعد أن دبت الفوضى فى البلاد وانقسم العمانيون إلى طائفتين متخاصمتين، وحكم النباهنة عمان نحوًا من خمسمائة عام، حيث قامت دولتهم هناك عام (500هـ= 1106م) أو عام (506 هـ= 1112م) واستمرت حتى نهاية القرن العاشر الهجرى عندما قامت دولة اليعاربة فى عُمان عام (1024هـ = 1615م). ويبدو أن الدولة النبهانية فى عمان قد مرت بأطوار من القوة والضعف بسبب الصراع الداخلى على الحكم، وكان الطور الأول يشمل مدة قرن من الزمان والذى انتهى بهجرة أحد ملوك النباهنة، وهو على أرجح الأقوال «سليمان ابن سليمان بن مظفر النبهانى» إلى ساحل شرقى إفريقيا فى عام (600 - 611هـ) واستقر هو وأتباعه فى مدينة «بات» التى تقع فى «أرخبيل» لامو (فى كينيا الآن). وأقاموا سلطنة هناك وحكموا جزءًا كبيرًا من الساحل متخذين من «بات» مقرا لسلطنتهم، وذلك بعد أن استطاع أول سلطان لهم هناك، وهو «سليمان بن سليمان بن مظفر النبهانى»، أن يتزوج أميرة سواحيلية، ليست فارسية، هى ابنة «إسحاق» حاكم «بات» فى ذلك الحين، وعن طريق زوجته ورث الملك، كما يقال: إن والدها تنازل له عن الحكم فأصبح الحاكم الشرعى لبات، ومن ثم نقل بلاطه من عُمان إلى شرق إفريقيا. وقد نمت هذه السلطنة واتسعت فى عهد أبنائه وأحفاده، ففى عهد السلطان «محمد الثانى بن أحمد» (690 - 732هـ = 1291 - 1331م) توسعت السلطنة شمالا بعد حملات ناجحة قام بها هذا السلطان أخضع فيها كل المدن الساحلية التى تقع شمالى

«بات» حتى «مقديشيو» وعين حاكمًا لكل منها. وفى عهد ابنه السلطان «عمر الأول» (732 - 760هـ = 1331 - 1358م)،توسعت السلطنة جنوبًا؛ حيث أخضع المدن الساحلية بما فيها «كلوة»، ووصل إلى جزر «كيرمبا» جنوب رأس «دلجادو»، وخضعت له كل هذه المنطقة ماعدا جزيرة «زنجبار» التى لم تكن فى ذلك الوقت قطرًا مهما بدرجة تجذب انتباهه إليها. كذلك فإن حكام «مالندى» أتوا إلى «بات» ليعطوا ولاءهم لسلطانها، ودخلت أيضًا مدينة «ممبسة» والمستوطنات القريبة منها ضمن منطقة نفوذه، وهكذا أصبح السلطان «عمر بن أحمد» فى غاية القوة والنفوذ بعد أن أصبحت جميع المدن الساحلية تحت سيطرته. وقد استمرت سيطرة النباهنة على هذه المناطق وكان لهم فى كل مدينة خضعت لهم عامل أو قاضٍ يعرف باسم «ماجومب» بمعنى الخاضع لليمب أى للقصر الملكى فى «بات»، وكانت دار الشورى فى «بات» مقرا للحكومة المركزية التى كانت تحكم كل البلاد التى خضعت لهؤلاء السلاطين الذين اتخذوا اللقب السواحيلى «بوانا فومادى»، أو «فومولوتى» ويعنى الملك أو السلطان. وقد تميزت سلطنة «بات» بنظم إدارية وتقاليد سياسية واضحة، وانفردت بتقاليد جديدة فى الملاءمة بين الضرائب وبين النشاط الاقتصادى للأهالى، إذ فرضت ضريبة إنتاج لا يتعدى مقدارها 10%، ذلك أن الدولة كانت تتقاضى وسقين أو حملين من كل عشرين وسقًا تنتجها كل جماعة مشتغلة بالزراعة، وهى الضريبة المعروفة بالعشور فى الفقه الإسلامى، كما دخلت الزراعة فى بقاع كثيرة من الساحل الإفريقى فى فترة الحكم النبهانى، وظهر كثير من النباتات التى زرعها العرب هناك مثل القرنفل وقصب السكر، كما اهتموا بالرعى وتربية الماشية والأغنام وأدخلوا تربية الإبل إلى هذه المناطق. وقد نشطت الحركة التجارية فى عهد ازدهار هذه السلطنة إلى حد كبير، وتوافد على الساحل التجار العرب من عُمان وغيرها، وكذلك تجار الهند المسلمون، وقد عمل هؤلاء التجار بنقل الحاصلات

المتوافرة فى شرق إفريقيا إلى البلدان المطلة على المحيط الهندى، وإلى الأسواق العربية فى مصر والشام والعراق، فأصبحت الدولة على جانب كبير من الثراء. وقد نتج عن هذا الثراء تطور حضارى كبير، فقد أنشأ أهل «بات» منازل كبيرة واسعة، وضعوا فيها لمبات نحاسية جميلة، كما صنعوا سلالم أو درجات مزينة بالفضة يتسلقونها أو يصعدون عليها إلى فرشهم أو سُررهم، كما صنعوا سلاسل فضية تزين بها الرقاب، وزينوا أعمدة المنازل بمسامير كبيرة من الفضة الخالصة، وبمسامير من الذهب على قمتها. وقد تجلت مظاهر هذه الحضارة العربية أيضًا فى المبانى المعمارية وتخطيط المدن وزخارف الأبواب والنوافذ، كما أدخل العرب فن النقش والحفر والنحت وعقود البناء العالية والفسيفساء المتناسقة مع الرخام الملون. وفى مجال الثقافة واللغة والعلوم والفنون ظهر فى تلك الفترة ما يعرف باللغة السواحيلية، وهى الفترة التى كانت فيها سلطنة «بات» النبهانية صاحبة السيطرة والنفوذ على معظم أجزاء الساحل الشرقى لإفريقيا كما سبق القول، مما أدى إلى وجود تأثير عربى قوى فى اللغة السواحيلية حتى فى المناطق الجنوبية التى تقع فى «تنجانيقا» و «زنجبار»، حيث ظهرت أفصح أنواع اللغة السواحيلية. ونتيجة لذلك ظهرت نظرية تقول بأن الشعب السواحيلى ولغته نشأ كل منهما حول «لامو» حيث توجد «بات»، وأن المهاجرين العرب الذين أقاموا فى «لامو» وأنشئوا هذه الإمارة تزوجوا من نساء «البانتو» واضطروا إلى استخدام عدد من الكلمات البانتوية بحكم معيشتهم اليومية مع زوجاتهم، ونشأ أولاد «مولَّدون» أى نصف عرب ونصف بانتو، مزجوا بين اللغة العربية لغة آبائهم، وبين لغة البانتو لغة أمهاتهم، ومع استمرار التزاوج والاختلاط والمصاهرة تكوَّن الشعب السواحيلى وظهرت اللغة السواحيلية التى أصبحت لغة التجارة ولغة الحياة اليومية، وسرعان ما انتشرت هذه اللغة فى شرق ووسط إفريقيا نظرًا

لغناها ومرونتها. ولاشك أن انتشار اللغة السواحيلية بين السكان الأصليين، بجانب اللغة العربية التى كانت لغة الطبقة العربية الحاكمة، كان له أثره الكبير فى نشر الإسلام وثقافته بين القبائل الإفريقية التى تقيم على الساحل، وتلك التى تقيم حول طرق القوافل الرئيسية مما جعل اللغة السواحيلية عاملا قويا فى توحيد السكان فى هذه المنطقة من القارة على اختلاف ألوانهم وتباين لغاتهم وتعدد قبائلهم وشعوبهم وأجناسهم، مما أدى إلى ظهور ثقافة مشتركة هى الثقافة السواحيلية التى غلبت عليها السمة العربية. ومن ثم فقد ساعد ذلك كثيرًا على انتشار الإسلام بين السكان المحليين وتطعيم ثقافتهم بعناصر عربية كثيرة، خاصة أن هذه اللغة كتبت بحروف عربية، واستمرت كذلك حتى جاء الاستعمار الأوربى الحديث وحوَّلها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية بهدف إيجاد فاصل بين الثقافة الإسلامية والثقافة السواحيلية الحديثة. وعندما كانت السواحيلية تكتب بحروف عربية دخلها كثير من الألفاظ العربية، وقد قدر عدد هذه الألفاظ بحوالى عشرين بالمائة من لغة التخاطب، وثلاثين بالمائة من السواحيلية المكتوبة، وخمسين بالمائة من لغة الشعر السواحيلى القديم، كما أن العرب غرسوا فى السواحيليين حب الأدب وفنون الشعر وخرج منهم شعراء وخطباء مطبوعون، وأصبح لهم أدب يعتزون به، وتكوَّن تراث كبير من الشعر والنثر السواحيلى مكتوب بالحروف العربية يشتمل على أعمال دينية ودنيوية، حتى إنهم عرفوا الشعر الغنائى (المشارى) منذ زمن بعيد يعود إلى ما قبل عام (545هـ = 1150م) ومازالوا ينظمونه، كما كتبوا شعر الملاحم المعروف باسم «التندى». كذلك مهدت اللغة السواحيلية السبيل أمام ظهور شعب جديد هو الشعب السواحيلى، وقد ساعد فى تكوين هذا الشعب ميل المستوطنين العرب إلى السلم وحبهم للسكون والاستقرار، فإن مستوطناتهم وإماراتهم وسلطناتهم لم تقم على الفتح بل على التجارة،

والتجارة كما هو معروف لا تنشط إلا فى جو من السلام والأمن والعلاقات الطيبة، كما أن أخلاق الإفريقيين، وطباعهم كانت قريبة من طباع العرب الذين اعتاد الأفارقة رؤيتهم ورؤية أحفادهم يوغلون فى البلاد ويعملون بالتجارة وينشرون الإسلام والوئام بين الناس، فظهر التآلف واتحدت الأهواء والميول، وظهر ما يعرف بالشعب السواحيلى. وقد دعم «النباهنة» هذه الثقافة السواحيلية ذات الطابع الإسلامى وذلك بالعمل على نشر التعليم الدينى فى المساجد والمدارس والكتاتيب التى وفد إليها كثير من الوطنيين الأفارقة ليحفظوا القرآن الكريم ويتعلموا الكتابة بالحروف العربية، بل ويتعلموا اللغة العربية ذاتها، حتى يتمكنوا من التعمق فى فهم عقيدة الإسلام وتراثه الدينى واللغوى، وهكذا نرى أن سلطنة «بات» النبهانية قد فرضت نفوذها على معظم أنحاء الساحل الشرقى لإفريقيا، وأنشأت حضارة إسلامية تغلغلت جنوبًا وحملها المهاجرون والتجار العرب معهم لا إلى الساحل فقط، بل إلى الجزر المواجهة له مثل جزر «كلوة» و «زنجبار» و «بمبا» و «مافيا»، مكونة بذلك دولة كبيرة تعدد سلاطينها حتى بلغ عددهم اثنين وثلاثين سلطانًا، وقد ظلت هذه السلطنة قائمة رغم مهاجمة البرتغاليين لها، وبعد طردهم برز العُمانيون فى الميدان ووضعوا أيديهم على هذا الساحل بما فيه سلطنة «بات»، وظل الأمر على هذا النحو حتى جاء الإنجليز واحتلوا هذه البلاد قرب نهاية القرن التاسع عشر للميلاد، حتى تحررت وصارت تعرف اليوم باسم «جمهورية كينيا».

*الأموية (خلافة)

*الأموية (خلافة) قامت الخلافة الأموية رسميا فى شهر ربيع الأول من سنة (41هـ)، بعد أن تنازل «الحسن بن على بن أبى طالب» - رضى الله عنه - عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه - وبايعه هو وأخوه «الحسين»، وتبعهما الناس فى «الكوفة»، وأصبح بذلك «معاوية» خليفة للمسلمين وحده، ولُقِّب بأمير المؤمنين، وكان قبل ذلك يلقَّب بالأمير فقط. وقد نجح معاوية بن أبى سفيان وخلفاؤه من بنى أمية فى تشييد دولة عظيمة، ومد حدود العالم الإسلامى ليصل إلى أبعد مدى، وبسط نفوذه على أكبر رقعة من الأرض، امتدت من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا، ومن بحر قزوين شمالا إلى المحيط الهندى جنوبًا. وبذل الأمويون جهودًا كبيرة فى مواصلة الفتح والجهاد، وحماية الثغور والحدود، ونشر الإسلام، وتوطيد أركان الدولة، والقيام بالإصلاحات الإدارية والمالية، وتعريب العملة والدواوين، وتنظيم البريد وجعله جهازًا رقابيا على العمال والولاة، وإنشاء المدن، والعناية بالبناء والتشييد، وتسهيل حركة التجارة، والاهتمام بالزراعة والصناعة وما يتصل بهما من شئون، وتنشيط حركة الثقافة والعلم، وتشجيع العلماء. ويزداد المرء إعجابًا بالأمويين وتقديرًا لإنجازاتهم، إذا علم أنهم قاموا بكل تلك الأعمال الجليلة، فى وقت كانوا يصارعون فيه أعداء أشداء، ناصبوهم العداء، وحقدوا عليهم أشد الحقد، ولم يتركوا فرصة للثورة عليهم إلا انتهزوها، وجعلوا الدولة تعيش معظم أيامها فى قلق وصراع داخلى؛ لمواجهة تلك التيارات السياسية المناوئة من خوارج وشيعة. وعلى الرغم من ذلك فقد تعرضت الدولة الأموية لحملات ظالمة، حاولت إلصاق كل تهمة بها، وسلب كل مزية لها، واتهم خلفاؤها بالاستبداد وسفك الدماء، غير أن الإنصاف يقتضى أنه كما كانت لهم مزايا عظيمة وأعمال جليلة فقد كانت لهم أخطاء كثيرة، لكنها ليست على النحو الذى يصوره هؤلاء الناقمون عليها.

*العباسية (خلافة)

*العباسية (خلافة) ينتسب خلفاء «بنى العباس» إلى جدهم «العباس بن عبدالمطلب» عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى عاش فى «مكة» وأسلم بها، وكانت له مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد امتدت دولتهم لفترة زمنية طويلة تزيد على خمسة قرون (231 - 656هـ)، واتسعت لتشمل مساحات كبيرة من العالم الإسلامى، ومرَّت خلال عمرها المديد بفترتين اصطلح أغلب المؤرخين على تسميتهما بالعصر العباسى الأول والعصر العباسى الثانى. وشهد العصر العباسى الأول (132 - 232 هـ) حياة مزدهرة، وسلطانًا واسعًا وقوة غالبة وجاهًا عريضًا، حتى أطلق عليه العصر الذهبى للخلافة أو عصر القوة والازدهار، وذلك بفضل جهود خلفائه العظام، ووزرائه الأكفاء، وقادته المهرة. واستقرت فى هذا العصر النظم السياسية والإدارية، فاستحدث نظام الوزارة، وارتقت وظائف الكتابة، واتسع نظام الدواوين، واستقل منصب القضاء، كما ازدهرت الحياة الاقتصادية، وتعددت موارد الدولة، وارتفع مستوى المعيشة، وازداد العمران، وبنيت المدن والعواصم، وأقيمت الأسواق، وشيدت المساجد والقصور، أمَّا الحياة الفكرية فقد ازدهرت ازدهارًا عظيمًا فى شتى فروع المعرفة، فتمايزت العلوم واستقلت، ونهضت حركة الأدب، ونشطت الترجمة، وكثرت حلقات العلم، وبرز العلماء والأدباء، وظهرت المذاهب الفقهية، ووضعت الكتب والمصنفات. أما العصر العباسى الثانى الذى دام أكثر من أربعة قرون فيقسمه المؤرخون إلى أربع فترات رئيسية هى: فترة نفوذ الأتراك (232 - 334هـ)، وفترة سيطرة البويهيين (334 - 447هـ)، وفترة نفوذ السلاجقة (447 - 590هـ)، وفترة ما بعد السلاجقة، وهى الفترة التى انحصر فيها نفوذ الخلفاء فى بغداد وما حولها. وقد تميز هذا العصر بظهور الدول المستقلة عن الخلافة وإن ارتبطت بها ارتباطًا اسميا كالدولة «الصفارية» (254 - 289هـ) فى فارس وخراسان، والدولة «السامانية» (261 - 389هـ) فى بلاد ما وراء

النهر وخراسان، و «الدولة الحمدانية» (293 - 392هـ) فى الموصل وحلب، و «البويهيين» فى فارس وشيراز وأصبهان والرى وهمذان، كما ظهر «الفاطميون» فى الشمال الإفريقى وحكموا مصر، واتخذوا من القاهرة عاصمة لدولتهم الشيعية. وفى هذا العصر فقد الخلفاء نفوذهم ولم يعد لهم من الأمر شىء، وضاعت هيبتهم، وتعرض بعضهم للعزل والإهانة وعدم التوقير، بل والقتل أحيانًا دون نظر إلى جلال المنصب فى النفوس، لكنهم نعموا فى ظل السلاجقة بقدر كبير من الاحترام والتوقير، وإن لم يتمتعوا بسلطة الخلافة الحقيقية التى كانت فى أيدى السلاجقة. وعلى الرغم من افتقاد هذا العصر إلى الوحدة السياسية فإنه شهد تفوقًا حضاريا هائلا ونهضة فكرية شاملة، وازدهارًا فى الحركة الثقافية، وبروزًا لعدد ضخم من الفقهاء والمفسرين والكتاب والشعراء وغيرهم، وتنافسًا فى بناء المدارس واجتذاب العلماء. وظلت الدولة العباسية قائمة حتى استطاع «هولاكو» دخول بغداد فى المحرم من سنة (656هـ)، والقبض على الخليفة «المستعصم العباسى» وأهل بيته، وقتلهم جميعًا، وبهذا سقطت الخلافة العباسية فى بغداد، وهى التى ظلت لأكثر من خسمة قرون رمزًا لوحدة المسلمين حتى فى فترات الضعف التى حلّت بها.

*العباسيون

*العباسيون ينتسب خلفاء «بنى العباس» إلى جدهم «العباس بن عبدالمطلب» عم النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى عاش فى «مكة» وأسلم بها، وكانت له مكانته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد امتدت دولتهم لفترة زمنية طويلة تزيد على خمسة قرون (231 - 656هـ)، واتسعت لتشمل مساحات كبيرة من العالم الإسلامى، ومرَّت خلال عمرها المديد بفترتين اصطلح أغلب المؤرخين على تسميتهما بالعصر العباسى الأول والعصر العباسى الثانى. وشهد العصر العباسى الأول (132 - 232 هـ) حياة مزدهرة، وسلطانًا واسعًا وقوة غالبة وجاهًا عريضًا، حتى أطلق عليه العصر الذهبى للخلافة أو عصر القوة والازدهار، وذلك بفضل جهود خلفائه العظام، ووزرائه الأكفاء، وقادته المهرة. واستقرت فى هذا العصر النظم السياسية والإدارية، فاستحدث نظام الوزارة، وارتقت وظائف الكتابة، واتسع نظام الدواوين، واستقل منصب القضاء، كما ازدهرت الحياة الاقتصادية، وتعددت موارد الدولة، وارتفع مستوى المعيشة، وازداد العمران، وبنيت المدن والعواصم، وأقيمت الأسواق، وشيدت المساجد والقصور، أمَّا الحياة الفكرية فقد ازدهرت ازدهارًا عظيمًا فى شتى فروع المعرفة، فتمايزت العلوم واستقلت، ونهضت حركة الأدب، ونشطت الترجمة، وكثرت حلقات العلم، وبرز العلماء والأدباء، وظهرت المذاهب الفقهية، ووضعت الكتب والمصنفات. أما العصر العباسى الثانى الذى دام أكثر من أربعة قرون فيقسمه المؤرخون إلى أربع فترات رئيسية هى: فترة نفوذ الأتراك (232 - 334هـ)، وفترة سيطرة البويهيين (334 - 447هـ)، وفترة نفوذ السلاجقة (447 - 590هـ)، وفترة ما بعد السلاجقة، وهى الفترة التى انحصر فيها نفوذ الخلفاء فى بغداد وما حولها. وقد تميز هذا العصر بظهور الدول المستقلة عن الخلافة وإن ارتبطت بها ارتباطًا اسميا كالدولة «الصفارية» (254 - 289هـ) فى فارس وخراسان، والدولة «السامانية» (261 - 389هـ) فى بلاد ما وراء

النهر وخراسان، و «الدولة الحمدانية» (293 - 392هـ) فى الموصل وحلب، و «البويهيين» فى فارس وشيراز وأصبهان والرى وهمذان، كما ظهر «الفاطميون» فى الشمال الإفريقى وحكموا مصر، واتخذوا من القاهرة عاصمة لدولتهم الشيعية. وفى هذا العصر فقد الخلفاء نفوذهم ولم يعد لهم من الأمر شىء، وضاعت هيبتهم، وتعرض بعضهم للعزل والإهانة وعدم التوقير، بل والقتل أحيانًا دون نظر إلى جلال المنصب فى النفوس، لكنهم نعموا فى ظل السلاجقة بقدر كبير من الاحترام والتوقير، وإن لم يتمتعوا بسلطة الخلافة الحقيقية التى كانت فى أيدى السلاجقة. وعلى الرغم من افتقاد هذا العصر إلى الوحدة السياسية فإنه شهد تفوقًا حضاريا هائلا ونهضة فكرية شاملة، وازدهارًا فى الحركة الثقافية، وبروزًا لعدد ضخم من الفقهاء والمفسرين والكتاب والشعراء وغيرهم، وتنافسًا فى بناء المدارس واجتذاب العلماء. وظلت الدولة العباسية قائمة حتى استطاع «هولاكو» دخول بغداد فى المحرم من سنة (656هـ)، والقبض على الخليفة «المستعصم العباسى» وأهل بيته، وقتلهم جميعًا، وبهذا سقطت الخلافة العباسية فى بغداد، وهى التى ظلت لأكثر من خسمة قرون رمزًا لوحدة المسلمين حتى فى فترات الضعف التى حلّت بها.

*البويهية (دولة)

*البويهية (دولة) ينتسب البويهيون إلى «أبى شجاع بويه» الذى نشأ فى «بلاد الديلم» التى تقع جنوبى غربى «بحر قزوين» أو «بحر الخزر» بين منطقتى «طبرستان» و «الجبال». وكانت هذه البلاد معقلاً لنفوذ العلويين، فانتشر فيها التشيع. ورغم أن «أبا شجاع بويه» كان فقيرًا فإنه كان يتحلى بروح المغامرة والشجاعة، كما تشرب الروح الشيعية التى كانت سائدة فى «بلاد الديلم». وقد انضم «أبو شجاع» إلى العلويين فى صراعهم مع السامانيين، ومع ذلك فلم يكن هو المؤسس الحقيقى لأسرة «بنى بويه»، وإنما كان أبناؤه الثلاثة «على»، و «حسن»، و «أحمد» هم الذين قاموا بذلك، فقد التحق أبناؤه بخدمة «ماكان بن كاكى» أحد القواد البارزين المناصرين للداعية الشيعى «الحسن بن على»، الملقب بالأطروش، وأبرزوا تميزًا فى خدمته فارتقوا من مرتبة الجنود إلى رتبة القادة، ثم حدث صراع بين «ماكان» و «مرداويج بن زيار» أحد القادة الفرس فى منطقة «الديلم»، وأحس أبناء «بويه» أن كفة «مرداويج» هى الراجحة فى هذا الصراع، فانضموا إليه، فيما بين عامى (316و317هـ= 928 و 929م)، وكان ذلك بداية تمكن نفوذهم فى فارس والمناطق المحيطة بها. وقد ظهر «بنو بويه» - أو البويهيون - على مسرح الأحداث فى أواخر عصر نفوذ الأتراك، فبدءوا منذ عام (321هـ= 933م) يؤسسون لأنفسهم مناطق نفوذ تخضع لسيطرتهم التامة، فاستولوا على «فارس»، و «شيراز» و «أصبهان»، و «الرى»، و «همذان» و «الكرج» و «كرمان»، وأغراهم ذلك على التطلع إلى مد نفوذهم إلى «العراق» موطن الخلافة العباسية. وقد ساعدهم على ذلك تضاؤل النفوذ التركى، واشتداد الصراع على منصب «أمير الأمراء» الذى ابتدعه الخليفة «الراضى بالله» سنة (324هـ= 936م)، مما أدى إلى تمزق الكلمة وضعف الجبهة التى يمكن أن تحمى دار الخلافة فلم يجد «أحمد بن بويه» أى صعوبة فى دخول «بغداد» والسيطرة عليها بدون قتال فى (الحادى عشر من جمادى الأولى سنة334هـ = يناير

سنة 946م) .. وعندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى الأولى سنة (334هـ= ديسمبر سنة 945م) كان «المستكفى بالله» هو الخليفة العباسى، ولم يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل إنه زاد على ذلك فخلع عليه الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب أخاه «عليا» «عماد الدولة»، وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»، وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم على الدنانير والدراهم، وكان «على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»، و «الحسن ابن بويه» حاكمًا لعدة أقاليم أهمها «الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى حين دخل أخوهم الأصغر «أحمد» «بغداد». وقد تدهورت أحوال «الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من الناحية الواقعية حينما سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا الخليفة من كل سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة الشرعية على سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه، وسلبوه حقه فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا (سكرتيرًا) فقط يشرف على أمواله. ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم يسقطوا الخلافة العباسية السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها خلافة علوية شيعية تتفق مع مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم وسلطانهم، وليس الأمر كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم أن يفعلوا به ما يشاءون. وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى» على صدق ذلك، فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل «معز الدولة أحمد بن بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف الناس حسب مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم - وهم قوم «معز الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم هجم «الديلم» على دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى منزله، وساقوا الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه المأساة بخلع «المستكفى» وسمل عينيه. وإذا استبعدنا خلافة «المستكفى»،

فإننا نجد أن الخلفاء الذين شهدوا عصر نفوذ البويهيين كانوا أربعة هم: 1 - المطيع لله «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد» [334 - 363هـ = 945 - 974م]. 2 - الطائع لله «أبو بكر عبدالكريم بن المطيع» [363 - 381هـ= 974 - 991م]. 3 - القادر بالله «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر» [381 - 422 هـ= 991 - 1031م]. 4 - القائم بأمر الله «أبو جعفر عبدالله بن القادر» [422 - 467هـ= 1031 - 1075م]. أولاً: خلافة المطيع لله: بعد أن أمر «معز الدولة أحمد ابن بويه» بخلع «المستكفى» فى (جمادى الآخرة سنة 334هـ= 945م)، أحضر «أبا القاسم الفضل ابن المقتدر» وبايعه بالخلافة، ولقَّبه بالمطيع لله، وعمره - حينئذٍ- أربع وثلاثون سنة، وحدد له «معز الدولة» راتبًا مائة دينار فى اليوم. وقد شهدت خلافة «المطيع» أحداثًا كثيرة، أولها: نشوب الصراع بين البويهيين فى «بغداد» بزعامة «معز الدولة» (أحمد بن بويهـ)، وبين الحمدانيين فى «الموصل» بزعامة «ناصر الدولة» (الحسين بن عبداللهـ)، وقد استمر هذا الصراع طويلاً فى محاولة كل منهما الإطاحة بالآخر، وفى (المحرم سنة 335هـ = أغسطس سنة 946م) تم الصلح بين «معز الدولة البويهى» وبين «ناصر الدولة الحمدانى» على أن يدفع «ناصر الدولة» الخراج للبويهيين فى «بغداد» كل عام. وفى سنة (336هـ= 947م) استطاع «معز الدولة» أن يستولى على «البصرة» بعد هروب صاحبها «أبى القاسم عبدالله بن أبى عبدالله البريدى» إلى القرامطة فى «هجر». وجدير بالذكر أن «معز الدولة» كان نائبًا فى «بغداد» عن أخيه الأكبر «عماد الدولة» (على بن بويهـ) فى «فارس»، ثم عن أخيه الأوسط «ركن الدولة» (الحسن بن بويهـ)، عقب وفاة «عماد الدولة». ورغم أن الخليفة العباسى كان تحت سيطرة البويهيين فإنهم كانوا يخضعون له من الناحية الشكلية فقط. وقد حاول البويهيون صبغ «العراق» بمذهبهم الشيعى، واتخذ

«معز الدولة» فى سبيل ذلك خطوات بالغة الخطورة أسهمت فى إثارة عوامل الفتنة والاضطراب داخل مجتمع «العراق»؛ ففى (ربيع الآخر سنة 351= مايو سنة 962م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بأن يُكتَب على المساجد لَعْنُ «معاوية بن أبى سفيان» وغيره من الصحابة كأبى بكر و «عمر»؛ حيث يتهمهم الشيعة بإساءة معاملتهم وغصبهم حقوقهم، ولم يستطع الخليفة العباسى منع ذلك، وفى العاشر من (المحرم سنة 352هـ= يناير سنة 963م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بتوقف الناس عن البيع والشراء فى ذلك اليوم، وإظهار البكاء والعويل، وأمر النساء أن يخرجن حاسرات الرءوس قد شققن ثيابهن وهن يلطمن الوجوه على «الحسين ابن على بن أبى طالب» فى ذكرى استشهاده بكربلاء، وكان هذا أول يوم يحدث فيه ذلك ببغداد، ولم يستطع الخليفة وأهل السنة أن يمنعوا ذلك لكثرة الشيعة ومناصرة السلطان «معز الدولة» لهم. وقد أحدثت هذه المظاهر الشاذة آثارها السيئة بين الناس، ففى العاشر من (المحرم سنة 353هـ= يناير سنة 964م) - على سبيل المثال - تم إغلاق الأسواق فى «بغداد»، وفعل الناس ما تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة، أُصيب فيها كثيرون ونُهبت الأموال، وجدير بالذكر أن هذه الممارسات التى شجعها البويهيون ماتزال آثارها موجودة حتى الآن. ومن أهم ما سجله «معز الدولة» من انتصارات: تخليص «عُمان» فى (ذى الحجة سنة 355هـ = نوفمبرسنة 966م) من يد القرامطة الذين كانوا قد استولوا عليها وعاثوا بها فسادًا، فأصبحت بذلك ضمن مملكة البويهيين. ظل «معز الدولة» اثنين وعشرين عامًا يدير الأمور فى «بغداد»، حتى تُوفِّى فى الثالث عشر من (ربيع الآخر سنة 356هـ= مارس سنة 967م)، فتولى ابنه «بختيار» إمارة «العراق» بعهد منه، ولُقب «عز الدولة». وقد قدم «عز الدولة» صورة صارخة لانصرافه عن المهام الكبرى واهتمامه بملذاته الشخصية، فقد أنفق وقته فى اللهو والتسلية وعِشرة النساء

والاستماع إلى الغناء، واستولى على أموال كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الخليفة فى سبيل ذلك. ففى سنة (361هـ= 972م) هاجم الروم ثغور «الجزيرة» ومن بينها «الرها» و «نصيبين»، فأحرقوا البلاد وخربوها وغنموا وسلبوا ما استطاعوا ولم يجدوا من يردعهم بعد وفاة «سيف الدولة الحمدانى» سنة (356هـ= 967م)، فسار جماعة من أهل «الجزيرة» إلى «بغداد» لاستنفار المسلمين ضد الروم، فاستعظم الناس ذلك، وتوجهوا إلى «عز الدولة بختيار»، وأنكروا عليه انشغاله باللهو والصيد عن جهاد الروم الذين انتهكوا حرمة دار الإسلام، فوعدهم بالإعداد لغزوهم، واتصل بالخليفة «المطيع لله» يطلب منه المال ليجهز به المسلمين للغزو، ولكن «المطيع لله» أجابه بقوله: «إن الغَزاة والنفقة عليها، وغيرها من مصالح المسلمين تلزمنى إذا كانت الدنيا فى يدى، وتُجبَى إلىَّ الأموال، وأما إذا كانت حالى هذه فلا يلزمنى شىء من ذلك، وإنما يلزم مَن البلاد فى يده، وليس لى إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت»، فهدد «بختيار» الخليفة «المطيع» واضطره إلى دفع أربعمائة ألف درهم، فلما قبضها «عز الدولة» صرفها فى مصالحه وملذاته! ونتيجة لسوء طبع بختيار واضمحلال شخصيته، بدأت أسباب الشقاق والفتنة تظهر بين البويهيين، فقد حاول ابن عمه «ركن الدولة» والملقب فيما بعد «عضد الدولة» انتزاع «العراق» من «بختيار» ولكن والده «ركن الدولة» اعترض على ذلك، فاضطر «عضد الدولة» إلى تأجيل ذلك إلى ما بعد وفاة والده. ولعل من أخطر الأحداث التى شهدتها خلافة «المطيع لله» سيطرة الفاطميين على «مصر» سنة (358هـ= 969م) وكانت «مصر» حينئذٍ تحت حكم الإخشيديين الذين كانوا يخضعون للخليفة العباسى من الناحية الشكلية، فلما دخلها القائد الفاطمى «جوهر الصقلى» فى (شعبان سنة 358هـ= يونيو سنة 969م)، شرع فى بناء مدينة «القاهرة»؛ لتصبح عاصمة للفاطميين، كما بنى الجامع الأزهر سنة (361هـ= 972م)،

وظل حاكمًا لمصر نيابة عن مولاه «المعز لدين الله» (7) حتى سنة (362هـ= 973م)، حين قدم «المعز» إلى «مصر» فى رمضان من هذه السنة، فقام بالأمر وأصبحت «مصر» منذ ذلك الوقت مقرا للخلافة الفاطمية الشيعية حتى سنة (567هـ= 1172م). ظل «المطيع لله» فى الخلافة ما يقرب من «ثلاثين عامًا»، حتى أُصيب بالفالج - وهو الشلل النصفى - فى أواخر حياته فتعذرت حركته وثقل لسانه، مما دعا «سُبُكْتكين»، حاجب «عز الدولة بختيار» إلى أن يطلب منه خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ابنه «عبدالكريم»، فتم ذلك فى (13من ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م)، ولقب «عبدالكريم» بالطائع لله. ثانيًا: خلافة الطائع لله (363 - 381هـ= 974 - 991م). تولى «الطائع لله» الخلافة فى (ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م) وعمره ثلاث وأربعون سنة، وقد تُوفِّى والده «المطيع لله» بعد ذلك بفترة قصيرة، فى (سنة المحرم سنة 364هـ= سبتمبر 974م). فى بداية خلافة «الطائع لله» حدثت الفتنة بين «عضد الدولة بن ركن الدولة»، وابن عمه «بختيار بن معز الدولة»، فقد شجع «عضد الدولة» جند «بختيار» على الثورة عليه ووعدهم بالإحسان إليهم والنظر فى أمورهم، فثار عليه الجند وتم القبض على «بختيار» وحبسه فى (جمادى الآخرة سنة 364هـ= فبراير سنة 975م)، وأصبحت «بغداد» و «العراق» تحت سلطان «عضد الدولة» .. وقد عز على «ركن الدولة» أمير أمراء البيت البويهى ووالد «عضد الدولة» أن يتصرف ابنه «عضد الدولة» مع ابن أخيه «بختيار» بهذه الصورة، فكتب إلى أنصار «بختيار» يساندهم ويأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه عازم على المسير إلى «العراق» لإخراج «عضد الدولة» وإعادة «بختيار»، فانصرف أنصار «عضد الدولة» عنه واضطر إلى الإذعان لإرادة أبيه، فأخرج «بختيار» من سجنه ورد إليه ما سلبه من سلطانه، وعاد إلى «فارس» فى (شوال سنة 364هـ= يونيو سنة 975م)، وكان الخليفة «الطائع لله» مسلوب

الإرادة خلال هذه الفتنة، لاحول له ولا قوة. وقد قسم «ركن الدولة» ملكه بين أولاده فى (جمادى الأولى سنة 365هـ= يناير سنة 976م) فجعل لابنه «عضد الدولة» ملك البلاد من بعده، ولولده «فخر الدولة» (أبى الحسن على) «همدان» وأعمال «الجبل»، ولولده «مؤيد الدولة» (أبى منصور بويهـ) «أصبهان» وأعمالها، وجعلهما تحت رئاسة أخيهما «عضد الدولة»، وأوصاهم بالاتفاق وترك التنازع. وفى (المحرم سنة 366هـ= أغسطس سنة 976م) تُوفِّى «ركن الدولة» فأصبح ابنه «عضد الدولة» زعيم البويهيين بلا منازع. وفى العام نفسه حشد «عضد الدولة» جنوده لغزو «العراق»، وكان «بختيار» ووزيره «أبو طاهر محمد بن محمد بن بقية» يعلمان نيات «عضد الدولة» فحاولا استمالة كبار الأمراء من حكام الأقاليم المختلفة، مثل «فخر الدولة بن ركن الدولة»، و «أبى تغلب بن حمدان» وغيرهما، وحدثت بعض المعارك بين جيوش «عضد الدولة» وجيوش «بختيار» سنة (366هـ= 976م) انتهت بهزيمة «بختيار» وفراره من «بغداد» إلى «الموصل» حيث تحالف مع واليها «أبى تغلب بن حمدان» ضد «عضد الدولة»، فسار إليهما «عضد الدولة» وهزمهما بالقرب من «تكريت» فى (شوال سنة 367هـ= مايو سنة 978م) وأسر «بختيار» وقتله، وضم مملكة الحمدانيين فى «الموصل» و «الجزيرة» إلى أملاكه، واتخذ «العراق» مقرا لحكمه. اهتم «عضد الدولة» بدعم سلطانه وتوسيع أملاكه؛ ففى سنة (368هـ= 978م) فتح «ميَّافارقين» و «آمد» و «ديار بكر»، و «ديار مضر» منهيًا بذلك نفوذ «أبى تغلب ابن حمدان» فى بلاد «الجزيرة». وفى عام (369هـ= 979م) استولى على الأقاليم الخاضعة لأخيه «فخر الدولة» بسبب وقوفه إلى جانب «بختيار»، فاستولى على «همدان» و «الرى» وما بينهما من البلاد، وعين عليها أخاه «مؤيد الدولة» نائبًا عنه فى حكمها، وفى سنة (371هـ= 981م) ضم إلى نفوذه بلاد «جرجان» و «طبرستان» بعد أن أجلى عنها صاحبها «قابوس ابن أبى طاهر» و «شمكير» (أحد أمراء آل

زيار) (8)، فتعاظم بذلك نفوذ «عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله «بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم «عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب «الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول: «أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح، وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (354هـ= 965م)، و «أبو الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان «عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى «مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن عباد» وزيرًا له سنة (366هـ= 976م)، وكان من أعظم رعاة العلم والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة» على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر

المعتزلة المشهور «عبدالجبار بن أحمد» قاضى قضاة للرى سنة (367هـ= 978م) لصلته بالصاحب بن عباد، ثم عزله «فخر الدولة» سنة (385هـ= 995م) حينما تُوفِّى «الصاحب بن عباد». وتُوفِّى «عضد الدولة» فى (شوال سنة 372هـ= مارس سنة 983م)، وعمره ثمانٍ وأربعون سنة (9)، وقد تركت وفاته فراغًا هائلاً تعذر على خلفائه أن يملئوه. وكان أخطر ما ترتب على وفاة «عضد الدولة»، الصراع الذى نشب بين أولاده الخمسة على السلطة، وهم: «أبو كاليجار المرزبان» (صمصام الدولة)، و «أبو الحسين أحمد»، و «أبو طاهر فيروز شاه»، و «أبو الفوارس شيرزيل» الملقب «شرف الدولة»، و «أبو نصر فيروز» الملقب «بهاء الدولة». وقد استقر الأمراء والقادة على اختيار «أبى كاليجار المرزبان» ليكون خلفًا لأبيه «عضد الدولة»، ولقبوه «صمصام الدولة» وأقر الخليفة «الطائع لله» هذا الاختيار وخلع على «صمصام الدولة» سبع خلع، ولقبه «شمس الملة»، فلم يكن للخليفة دور سوى إقرار ما يتفق عليه القادة والأمراء. وقد واجه «صمصام الدولة» انشقاقًا من أخيه «شرف الدولة» الذى استطاع الاستقلال ببلاد «فارس» والاستيلاء على «البصرة»، وتعيين أخيه «أبى الحسين أحمد» نائبًا عنه فى حكمها، كما تمكن من هزيمة الجيش الذى أرسله إليه «صمصام الدولة» ليسترد منه بلاد «فارس». وقد استطاع «صمصام الدولة» استمالة عمه «فخرالدولة» إلى صفه فى هذا الصراع، ولكن جنده فى «بغداد» ثاروا عليه وأعلنوا بيعتهم لشرف الدولة، ورغم أن «صمصام الدولة» قضى على هذه الثورة فإنه لم يستطع وضع حد لازدياد قوة أخيه «شرف الدولة». ففى سنة (375هـ= 985م) استولى «شرف الدولة» على «الأهواز» وقبض على أخيه «أبى طاهر فيروز شاه» المناصر لصمصام الدولة، وفى (رمضان سنة 376هـ= يناير سنة 987م) استولى على «العراق» ودخل «بغداد» وقبض على أخيه «صمصام الدولة»، فذهب إليه الخليفة وهنأه بالسلطنة. لم يستمر «شرف الدولة» طويلاً فى إمارته على

«العراق»، فقد تُوفِّى فى غرة (جمادى الأولى سنة 379هـ= أغسطس سنة 989م)، ولم يجد حرجًا وهو فى مرض موته أن يأمر بِسَمْل عينى أخيه «صمصام الدولة» وهو فى سجنه. وخلف «شرف الدولة» أخوه «أبو نصر فيروز»، الذى لقبه الخليفة «بهاء الدولة وضياء الملة»، ولكن العلاقة بين «بهاء الدولة أبى نصر فيروز» وبين الخليفة «الطائع» وصلت بعد قليل إلى الحد الذى جعل «بهاء الدولة» يقوم بعزل الخليفة؛ فقد قلت الأموال عند «بهاء الدولة»، وثار جنده عليه، فاقترح عليه أحد خواصه وهو «أبو الحسن بن المعلم»، أن يقبض على الخليفة «الطائع» ويستولى على أمواله، فدخل «بهاء الدولة» على الخليفة ومعه جمع كثير، وتقدم أحد رجاله كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره والخليفة يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ويستغيث دون أن يلتفت إليه أحد، وتم الاستيلاء على أمواله، وحُمِل الخليفة إلى دار «بهاء الدولة»؛ حيث أُرغِم على خلع نفسه فى (التاسع عشر من شعبان سنة (381هـ= أكتوبر سنة 991م) بعد أن استمر فى الخلافة ما يقرب من ثمانية عشر عامًا، كان خلالها مسلوب الإرادة. ثالثًا: خلافة القادر بالله (381 - 422هـ= 991 - 1031م). هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. وقد دامت خلافة «القادر بالله» إحدى وأربعين سنة وحفلت بالكثير من الأحداث والتطورات، وأهمها: أ - ازدياد التفكك فى البيت البويهى: فقد نشب الصراع بين «بهاء الدولة»، وأخيه «صمصام الدولة» ولم يكن فى «بنى بويه» أظلم من «بهاء الدولة» ولا أقبح سيرة منه، ففى سنة (383هـ= 993م) قام بمحاولة للاستيلاء على المنطقة الخاضعة لإمارة أخيه «صمصام الدولة» فى بلاد «فارس»

و «أرَّجان»، فانتهت هذه المحاولة بعكس ما كان يهدف إليه؛ حيث تمكن «صمصام الدولة» من الاستيلاء على «خوزستان» الخاضعة لبهاء الدولة، وبدد شمل الجيش الذى أرسله «بهاء الدولة». وفى سنة (384هـ = 994م) استطاع «بهاء الدولة» أن يهزم «صمصام الدولة»، وأن يسترد منه بعض ما خسره قبل ذلك. وقد تجدد الصراع بينهما مرات عديدة، ووصل فى إحدى مراحله إلى استيلاء «صمصام الدولة» على «البصرة» فى «العراق» سنة (386هـ= 996م)، ولم يتوقف هذا الصراع بين «بهاء الدولة» و «صمصام الدولة» إلا بمقتل «صمصام الدولة» على يد بعض أبناء «عز الدولة بختيار»؛ انتقامًا لمقتل أبيهم «بختيار» على يد «عضد الدولة»، والد «صمصام الدولة»، وذلك فى (ذى الحجة سنة 388هـ= 998م). وعقب مقتل «صمصام الدولة» أراد بعض أبناء «بختيار» الاستيلاء على «فارس»، فنشب الصراع بينهم وبين «بهاء الدولة» وانتهى بهروبهم ومقتل أحدهم واسمه «أبو نصر» على يد أنصار «بهاء الدولة» سنة (390هـ = 1000م). وقد تُوفِّى «بهاء الدولة» (أبو نصر فيروز بن عضد الدولة) فى (جمادى الآخرة سنة 403هـ = ديسمبر سنة 1012م)، فخلفه على إمارة «العراق» ابنه «أبو شجاع فخر الملك»، الذى لقبه الخليفة «القادر بالله» «سلطان الدولة»، فولى أخاه «جلال الدولة» «أبا طاهر» إمارة «البصرة» وأخاه «قوام الدولة أبا الفوارس» «كرمان». ونشب صراع مرير بين أبناء «بهاء الدولة»: «سلطان الدولة» و «جلال الدولة»، و «قوام الدولة»، و «مشرف الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «العراق» سنة (411هـ = 1020م) وبعد وفاة «سلطان الدولة» فى (شوال سنة 415هـ = ديسمبر سنة 1024م) خلفه ابنه «أبو كاليجار» على إمارة «فارس» و «كرمان»، ودخل فى صراع مع عمه «أبى الفوارس بن بهاء الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «كرمان»، وأرغم «أبا كاليجار» على دفع خراج له قيمته عشرون ألف دينار، إلا أن «أبا كاليجار» استرد «كرمان» بدون قتال عقب وفاة عمه «أبى

الفوارس» سنة (419هـ = 1028م). وعقب وفاة «مشرف الدولة» تولى أخوه «أبو طاهر جلال الدولة» - أمير «البصرة» - إمارة «العراق»، لكنه لم يتمكن من دخول «بغداد»؛ حيث منعه أنصار ابن أخيه «أبى كاليجار» من دخولها، تمهيدًا لقدوم «أبى كاليجار» وسيطرته على «العراق»، ولكن ذلك لم يحدث لانشغاله بصراعه مع عمه «أبى الفوارس»، وبقيت «بغداد» بدون أمير بويهى لمدة عامين وبضعة أشهر، مما دعا رؤساء الجند إلى أن يطلبوا من الخليفة «القادر بالله» أن يرسل إلى «جلال الدولة» ليحضر إلى «بغداد» ويتسلم الإمارة؛ جمعًا للكلمة وحسمًا للخلاف، فاستجاب الخليفة لهم ودخل «جلال الدولة» «بغداد» فى (رمضان سنة 418هـ = سبتمبر سنة 1027م)، إلا أنه ما لبث أن دخل فى صراع مع ابن أخيه «أبى كاليجار»، الذى أراد انتزاع «العراق» من عمه «جلال الدولة»، واستمر الصراع بينهما بين النصر والهزيمة لهذا الطرف أو ذاك حتى وفاة «جلال الدولة» سنة (435هـ= 1044م). وقد أدى الصراع المستمر بين أبناء البيت البويهى إلى تطلع قوى أخرى من خارج البيت البويهى للاستيلاء على مقاليد الحكم فى دولة الخلافة العباسية، كما شغل هذا الصراع البويهيين عن توجيه أذاهم إلى الخليفة العباسى «القادر بالله»، الذى ظل واحدًا وأربعين عامًا على كرسى الخلافة حتى تُوفِّى سنة (422هـ = 1031م).

*البويهيون

*البويهيون ينتسب البويهيون إلى «أبى شجاع بويه» الذى نشأ فى «بلاد الديلم» التى تقع جنوبى غربى «بحر قزوين» أو «بحر الخزر» بين منطقتى «طبرستان» و «الجبال». وكانت هذه البلاد معقلاً لنفوذ العلويين، فانتشر فيها التشيع. ورغم أن «أبا شجاع بويه» كان فقيرًا فإنه كان يتحلى بروح المغامرة والشجاعة، كما تشرب الروح الشيعية التى كانت سائدة فى «بلاد الديلم». وقد انضم «أبو شجاع» إلى العلويين فى صراعهم مع السامانيين، ومع ذلك فلم يكن هو المؤسس الحقيقى لأسرة «بنى بويه»، وإنما كان أبناؤه الثلاثة «على»، و «حسن»، و «أحمد» هم الذين قاموا بذلك، فقد التحق أبناؤه بخدمة «ماكان بن كاكى» أحد القواد البارزين المناصرين للداعية الشيعى «الحسن بن على»، الملقب بالأطروش، وأبرزوا تميزًا فى خدمته فارتقوا من مرتبة الجنود إلى رتبة القادة، ثم حدث صراع بين «ماكان» و «مرداويج بن زيار» أحد القادة الفرس فى منطقة «الديلم»، وأحس أبناء «بويه» أن كفة «مرداويج» هى الراجحة فى هذا الصراع، فانضموا إليه، فيما بين عامى (316و317هـ= 928 و 929م)، وكان ذلك بداية تمكن نفوذهم فى فارس والمناطق المحيطة بها. وقد ظهر «بنو بويه» - أو البويهيون - على مسرح الأحداث فى أواخر عصر نفوذ الأتراك، فبدءوا منذ عام (321هـ= 933م) يؤسسون لأنفسهم مناطق نفوذ تخضع لسيطرتهم التامة، فاستولوا على «فارس»، و «شيراز» و «أصبهان»، و «الرى»، و «همذان» و «الكرج» و «كرمان»، وأغراهم ذلك على التطلع إلى مد نفوذهم إلى «العراق» موطن الخلافة العباسية. وقد ساعدهم على ذلك تضاؤل النفوذ التركى، واشتداد الصراع على منصب «أمير الأمراء» الذى ابتدعه الخليفة «الراضى بالله» سنة (324هـ= 936م)، مما أدى إلى تمزق الكلمة وضعف الجبهة التى يمكن أن تحمى دار الخلافة فلم يجد «أحمد بن بويه» أى صعوبة فى دخول «بغداد» والسيطرة عليها بدون قتال فى (الحادى عشر من جمادى الأولى سنة334هـ = يناير

سنة 946م) .. وعندما دخل «أحمد بن بويه» «بغداد» فى جمادى الأولى سنة (334هـ= ديسمبر سنة 945م) كان «المستكفى بالله» هو الخليفة العباسى، ولم يكن أمامه إلا أن يظهر الترحيب به، بل إنه زاد على ذلك فخلع عليه الخُلَع ولقبه «معز الدولة»، كما لقَّب أخاه «عليا» «عماد الدولة»، وأخاه «الحسن» «ركن الدولة»، وأمر بأن تُضرَبَ ألقابهم وكُناهم على الدنانير والدراهم، وكان «على بن بويه» حاكمًا لإقليم «فارس»، و «الحسن ابن بويه» حاكمًا لعدة أقاليم أهمها «الرى»،و «الجبل»،و «أصفهان»، فى حين دخل أخوهم الأصغر «أحمد» «بغداد». وقد تدهورت أحوال «الخلافة العباسية»، واندثرت معالمها من الناحية الواقعية حينما سيطر البويهيون على «بغداد»، فقد جردوا الخليفة من كل سلطاته، وعدُّوه مجرد موظف مهمته إضفاء صفة الشرعية على سلطانهم لدى جماهير المسلمين، فحددوا له راتبه، وسلبوه حقه فى تعيين الوزراء، وسمحوا له بأن يتخذ كاتبًا (سكرتيرًا) فقط يشرف على أمواله. ورغم أن البويهيين كانوا شيعة، فإنهم لم يسقطوا الخلافة العباسية السُنِّية فى «بغداد»، ليحلوا محلها خلافة علوية شيعية تتفق مع مذهبهم، وسبب ذلك علمهم أن وجود خليفة من العلويين يهدد ملكهم وسلطانهم، وليس الأمر كذلك مع الخليفة السنِّى الذى يستطيعون هم أن يفعلوا به ما يشاءون. وقد برهن سلوك البويهيين مع الخليفة «المستكفى» على صدق ذلك، فقبل مرور شهر على دخولهم «بغداد» دخل «معز الدولة أحمد بن بويه» على الخليفة «المستكفى»، فوقف الناس حسب مراتبهم، فتقدم اثنان من الديلم - وهم قوم «معز الدولة» - فمدَّ الخليفة يده إليهما ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه وطرحاه أرضًا، وجرَّاه بعمامته، ثم هجم «الديلم» على دار الخلافة ونهبوها، وسار «معز الدولة» إلى منزله، وساقوا الخليفة «المستكفى» ماشيًا إليه، ثم انتهت هذه المأساة بخلع «المستكفى» وسمل عينيه. وإذا استبعدنا خلافة «المستكفى»،

فإننا نجد أن الخلفاء الذين شهدوا عصر نفوذ البويهيين كانوا أربعة هم: 1 - المطيع لله «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المعتضد» [334 - 363هـ = 945 - 974م]. 2 - الطائع لله «أبو بكر عبدالكريم بن المطيع» [363 - 381هـ= 974 - 991م]. 3 - القادر بالله «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر» [381 - 422 هـ= 991 - 1031م]. 4 - القائم بأمر الله «أبو جعفر عبدالله بن القادر» [422 - 467هـ= 1031 - 1075م]. أولاً: خلافة المطيع لله: بعد أن أمر «معز الدولة أحمد ابن بويه» بخلع «المستكفى» فى (جمادى الآخرة سنة 334هـ= 945م)، أحضر «أبا القاسم الفضل ابن المقتدر» وبايعه بالخلافة، ولقَّبه بالمطيع لله، وعمره - حينئذٍ- أربع وثلاثون سنة، وحدد له «معز الدولة» راتبًا مائة دينار فى اليوم. وقد شهدت خلافة «المطيع» أحداثًا كثيرة، أولها: نشوب الصراع بين البويهيين فى «بغداد» بزعامة «معز الدولة» (أحمد بن بويهـ)، وبين الحمدانيين فى «الموصل» بزعامة «ناصر الدولة» (الحسين بن عبداللهـ)، وقد استمر هذا الصراع طويلاً فى محاولة كل منهما الإطاحة بالآخر، وفى (المحرم سنة 335هـ = أغسطس سنة 946م) تم الصلح بين «معز الدولة البويهى» وبين «ناصر الدولة الحمدانى» على أن يدفع «ناصر الدولة» الخراج للبويهيين فى «بغداد» كل عام. وفى سنة (336هـ= 947م) استطاع «معز الدولة» أن يستولى على «البصرة» بعد هروب صاحبها «أبى القاسم عبدالله بن أبى عبدالله البريدى» إلى القرامطة فى «هجر». وجدير بالذكر أن «معز الدولة» كان نائبًا فى «بغداد» عن أخيه الأكبر «عماد الدولة» (على بن بويهـ) فى «فارس»، ثم عن أخيه الأوسط «ركن الدولة» (الحسن بن بويهـ)، عقب وفاة «عماد الدولة». ورغم أن الخليفة العباسى كان تحت سيطرة البويهيين فإنهم كانوا يخضعون له من الناحية الشكلية فقط. وقد حاول البويهيون صبغ «العراق» بمذهبهم الشيعى، واتخذ

«معز الدولة» فى سبيل ذلك خطوات بالغة الخطورة أسهمت فى إثارة عوامل الفتنة والاضطراب داخل مجتمع «العراق»؛ ففى (ربيع الآخر سنة 351= مايو سنة 962م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بأن يُكتَب على المساجد لَعْنُ «معاوية بن أبى سفيان» وغيره من الصحابة كأبى بكر و «عمر»؛ حيث يتهمهم الشيعة بإساءة معاملتهم وغصبهم حقوقهم، ولم يستطع الخليفة العباسى منع ذلك، وفى العاشر من (المحرم سنة 352هـ= يناير سنة 963م) أصدر «معز الدولة» أمرًا بتوقف الناس عن البيع والشراء فى ذلك اليوم، وإظهار البكاء والعويل، وأمر النساء أن يخرجن حاسرات الرءوس قد شققن ثيابهن وهن يلطمن الوجوه على «الحسين ابن على بن أبى طالب» فى ذكرى استشهاده بكربلاء، وكان هذا أول يوم يحدث فيه ذلك ببغداد، ولم يستطع الخليفة وأهل السنة أن يمنعوا ذلك لكثرة الشيعة ومناصرة السلطان «معز الدولة» لهم. وقد أحدثت هذه المظاهر الشاذة آثارها السيئة بين الناس، ففى العاشر من (المحرم سنة 353هـ= يناير سنة 964م) - على سبيل المثال - تم إغلاق الأسواق فى «بغداد»، وفعل الناس ما تقدم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة، أُصيب فيها كثيرون ونُهبت الأموال، وجدير بالذكر أن هذه الممارسات التى شجعها البويهيون ماتزال آثارها موجودة حتى الآن. ومن أهم ما سجله «معز الدولة» من انتصارات: تخليص «عُمان» فى (ذى الحجة سنة 355هـ = نوفمبرسنة 966م) من يد القرامطة الذين كانوا قد استولوا عليها وعاثوا بها فسادًا، فأصبحت بذلك ضمن مملكة البويهيين. ظل «معز الدولة» اثنين وعشرين عامًا يدير الأمور فى «بغداد»، حتى تُوفِّى فى الثالث عشر من (ربيع الآخر سنة 356هـ= مارس سنة 967م)، فتولى ابنه «بختيار» إمارة «العراق» بعهد منه، ولُقب «عز الدولة». وقد قدم «عز الدولة» صورة صارخة لانصرافه عن المهام الكبرى واهتمامه بملذاته الشخصية، فقد أنفق وقته فى اللهو والتسلية وعِشرة النساء

والاستماع إلى الغناء، واستولى على أموال كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الخليفة فى سبيل ذلك. ففى سنة (361هـ= 972م) هاجم الروم ثغور «الجزيرة» ومن بينها «الرها» و «نصيبين»، فأحرقوا البلاد وخربوها وغنموا وسلبوا ما استطاعوا ولم يجدوا من يردعهم بعد وفاة «سيف الدولة الحمدانى» سنة (356هـ= 967م)، فسار جماعة من أهل «الجزيرة» إلى «بغداد» لاستنفار المسلمين ضد الروم، فاستعظم الناس ذلك، وتوجهوا إلى «عز الدولة بختيار»، وأنكروا عليه انشغاله باللهو والصيد عن جهاد الروم الذين انتهكوا حرمة دار الإسلام، فوعدهم بالإعداد لغزوهم، واتصل بالخليفة «المطيع لله» يطلب منه المال ليجهز به المسلمين للغزو، ولكن «المطيع لله» أجابه بقوله: «إن الغَزاة والنفقة عليها، وغيرها من مصالح المسلمين تلزمنى إذا كانت الدنيا فى يدى، وتُجبَى إلىَّ الأموال، وأما إذا كانت حالى هذه فلا يلزمنى شىء من ذلك، وإنما يلزم مَن البلاد فى يده، وليس لى إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت»، فهدد «بختيار» الخليفة «المطيع» واضطره إلى دفع أربعمائة ألف درهم، فلما قبضها «عز الدولة» صرفها فى مصالحه وملذاته! ونتيجة لسوء طبع بختيار واضمحلال شخصيته، بدأت أسباب الشقاق والفتنة تظهر بين البويهيين، فقد حاول ابن عمه «ركن الدولة» والملقب فيما بعد «عضد الدولة» انتزاع «العراق» من «بختيار» ولكن والده «ركن الدولة» اعترض على ذلك، فاضطر «عضد الدولة» إلى تأجيل ذلك إلى ما بعد وفاة والده. ولعل من أخطر الأحداث التى شهدتها خلافة «المطيع لله» سيطرة الفاطميين على «مصر» سنة (358هـ= 969م) وكانت «مصر» حينئذٍ تحت حكم الإخشيديين الذين كانوا يخضعون للخليفة العباسى من الناحية الشكلية، فلما دخلها القائد الفاطمى «جوهر الصقلى» فى (شعبان سنة 358هـ= يونيو سنة 969م)، شرع فى بناء مدينة «القاهرة»؛ لتصبح عاصمة للفاطميين، كما بنى الجامع الأزهر سنة (361هـ= 972م)،

وظل حاكمًا لمصر نيابة عن مولاه «المعز لدين الله» (7) حتى سنة (362هـ= 973م)، حين قدم «المعز» إلى «مصر» فى رمضان من هذه السنة، فقام بالأمر وأصبحت «مصر» منذ ذلك الوقت مقرا للخلافة الفاطمية الشيعية حتى سنة (567هـ= 1172م). ظل «المطيع لله» فى الخلافة ما يقرب من «ثلاثين عامًا»، حتى أُصيب بالفالج - وهو الشلل النصفى - فى أواخر حياته فتعذرت حركته وثقل لسانه، مما دعا «سُبُكْتكين»، حاجب «عز الدولة بختيار» إلى أن يطلب منه خلع نفسه وتسليم الخلافة إلى ابنه «عبدالكريم»، فتم ذلك فى (13من ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م)، ولقب «عبدالكريم» بالطائع لله. ثانيًا: خلافة الطائع لله (363 - 381هـ= 974 - 991م). تولى «الطائع لله» الخلافة فى (ذى القعدة سنة 363هـ= يوليو سنة 974م) وعمره ثلاث وأربعون سنة، وقد تُوفِّى والده «المطيع لله» بعد ذلك بفترة قصيرة، فى (سنة المحرم سنة 364هـ= سبتمبر 974م). فى بداية خلافة «الطائع لله» حدثت الفتنة بين «عضد الدولة بن ركن الدولة»، وابن عمه «بختيار بن معز الدولة»، فقد شجع «عضد الدولة» جند «بختيار» على الثورة عليه ووعدهم بالإحسان إليهم والنظر فى أمورهم، فثار عليه الجند وتم القبض على «بختيار» وحبسه فى (جمادى الآخرة سنة 364هـ= فبراير سنة 975م)، وأصبحت «بغداد» و «العراق» تحت سلطان «عضد الدولة» .. وقد عز على «ركن الدولة» أمير أمراء البيت البويهى ووالد «عضد الدولة» أن يتصرف ابنه «عضد الدولة» مع ابن أخيه «بختيار» بهذه الصورة، فكتب إلى أنصار «بختيار» يساندهم ويأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه عازم على المسير إلى «العراق» لإخراج «عضد الدولة» وإعادة «بختيار»، فانصرف أنصار «عضد الدولة» عنه واضطر إلى الإذعان لإرادة أبيه، فأخرج «بختيار» من سجنه ورد إليه ما سلبه من سلطانه، وعاد إلى «فارس» فى (شوال سنة 364هـ= يونيو سنة 975م)، وكان الخليفة «الطائع لله» مسلوب

الإرادة خلال هذه الفتنة، لاحول له ولا قوة. وقد قسم «ركن الدولة» ملكه بين أولاده فى (جمادى الأولى سنة 365هـ= يناير سنة 976م) فجعل لابنه «عضد الدولة» ملك البلاد من بعده، ولولده «فخر الدولة» (أبى الحسن على) «همدان» وأعمال «الجبل»، ولولده «مؤيد الدولة» (أبى منصور بويهـ) «أصبهان» وأعمالها، وجعلهما تحت رئاسة أخيهما «عضد الدولة»، وأوصاهم بالاتفاق وترك التنازع. وفى (المحرم سنة 366هـ= أغسطس سنة 976م) تُوفِّى «ركن الدولة» فأصبح ابنه «عضد الدولة» زعيم البويهيين بلا منازع. وفى العام نفسه حشد «عضد الدولة» جنوده لغزو «العراق»، وكان «بختيار» ووزيره «أبو طاهر محمد بن محمد بن بقية» يعلمان نيات «عضد الدولة» فحاولا استمالة كبار الأمراء من حكام الأقاليم المختلفة، مثل «فخر الدولة بن ركن الدولة»، و «أبى تغلب بن حمدان» وغيرهما، وحدثت بعض المعارك بين جيوش «عضد الدولة» وجيوش «بختيار» سنة (366هـ= 976م) انتهت بهزيمة «بختيار» وفراره من «بغداد» إلى «الموصل» حيث تحالف مع واليها «أبى تغلب بن حمدان» ضد «عضد الدولة»، فسار إليهما «عضد الدولة» وهزمهما بالقرب من «تكريت» فى (شوال سنة 367هـ= مايو سنة 978م) وأسر «بختيار» وقتله، وضم مملكة الحمدانيين فى «الموصل» و «الجزيرة» إلى أملاكه، واتخذ «العراق» مقرا لحكمه. اهتم «عضد الدولة» بدعم سلطانه وتوسيع أملاكه؛ ففى سنة (368هـ= 978م) فتح «ميَّافارقين» و «آمد» و «ديار بكر»، و «ديار مضر» منهيًا بذلك نفوذ «أبى تغلب ابن حمدان» فى بلاد «الجزيرة». وفى عام (369هـ= 979م) استولى على الأقاليم الخاضعة لأخيه «فخر الدولة» بسبب وقوفه إلى جانب «بختيار»، فاستولى على «همدان» و «الرى» وما بينهما من البلاد، وعين عليها أخاه «مؤيد الدولة» نائبًا عنه فى حكمها، وفى سنة (371هـ= 981م) ضم إلى نفوذه بلاد «جرجان» و «طبرستان» بعد أن أجلى عنها صاحبها «قابوس ابن أبى طاهر» و «شمكير» (أحد أمراء آل

زيار) (8)، فتعاظم بذلك نفوذ «عضد الدولة» وذاع صيته وتمكنت هيبته، وكان أول من خوطب بشاهنشاه فى الإسلام، وأول من خُطب له على منابر «بغداد» بعد الخلفاء. وقد كان لعضد الدولة إنجازات حضارية بالإضافة إلى أمجاده الحربية، فبعد دخوله «بغداد» بدأ فى عمارتها، كما أمر بإخراج أموال الصدقات وتسليمها للقضاة وأعيان الناس، لإعانة من يستحق، وبدفع أموال للعاطلين الذين يتعذر عليهم الحصول على العمل، بما يكفى احتياجاتهم، ثم يردونها بعد ذلك إذا عملوا. كما اهتم «عضد الدولة» بالعلم والعلماء، وأغدق عليهم العطاء وأحاطهم بمظاهر التكريم، وقد كان مجلسه منتدى للعلماء، تدور فيه المناقشات الدقيقة فى فروع العلم المختلفة، وكان يشترك مع العلماء فى هذه المناقشات ويعارضهم فى المسائل، ومن أبرز هؤلاء العلماء «أبو على الفارسى» الذى صنَّف له كتاب «الإيضاح» و «التكملة» فى النحو، وكان «عضد الدولة» يقول: «أنا غلام أبى على فى النحو»، ومنهم أيضًا «أبو إسحاق الصابى» الذى صنف لعضد الدولة كتاب «التاجى فى أخبار بنى بويه». وكان «عضد الدولة» يحب الشعر ويطرب له، ويقرضه أحيانًا، ويغمر الشعراء بفيض كرمه وجزيل عطائه، فقصده عدد من فحول الشعراء فى عصره، وكتبوا فيه أروع قصائد المديح، وفى مقدمتهم «أبو الطيب المتنبى» سنة (354هـ= 965م)، و «أبو الحسن محمد بن عبدالله السَّلامى أبرز شعراء «العراق»، وكان «عضد الدولة» يقول: «إذا رأيت السَّلامى فى مجلسى ظننت أن عطارد قد نزل من الفَلك إلىَّ ووقف بين يدى». وقد اقتدى «مؤيد الدولة» و «فخر الدولة» بأخيهما «عضد الدولة» فى تشجيع العلم وإكرام أهله، فعين «مؤيد الدولة» «الصاحبَ بن عباد» وزيرًا له سنة (366هـ= 976م)، وكان من أعظم رعاة العلم والأدب، وعقب وفاة «مؤيد الدولة» واستيلاء أخيه «فخر الدولة» على مملكته أقر «الصاحب بن عباد» على وزارته، وعين مفكر

المعتزلة المشهور «عبدالجبار بن أحمد» قاضى قضاة للرى سنة (367هـ= 978م) لصلته بالصاحب بن عباد، ثم عزله «فخر الدولة» سنة (385هـ= 995م) حينما تُوفِّى «الصاحب بن عباد». وتُوفِّى «عضد الدولة» فى (شوال سنة 372هـ= مارس سنة 983م)، وعمره ثمانٍ وأربعون سنة (9)، وقد تركت وفاته فراغًا هائلاً تعذر على خلفائه أن يملئوه. وكان أخطر ما ترتب على وفاة «عضد الدولة»، الصراع الذى نشب بين أولاده الخمسة على السلطة، وهم: «أبو كاليجار المرزبان» (صمصام الدولة)، و «أبو الحسين أحمد»، و «أبو طاهر فيروز شاه»، و «أبو الفوارس شيرزيل» الملقب «شرف الدولة»، و «أبو نصر فيروز» الملقب «بهاء الدولة». وقد استقر الأمراء والقادة على اختيار «أبى كاليجار المرزبان» ليكون خلفًا لأبيه «عضد الدولة»، ولقبوه «صمصام الدولة» وأقر الخليفة «الطائع لله» هذا الاختيار وخلع على «صمصام الدولة» سبع خلع، ولقبه «شمس الملة»، فلم يكن للخليفة دور سوى إقرار ما يتفق عليه القادة والأمراء. وقد واجه «صمصام الدولة» انشقاقًا من أخيه «شرف الدولة» الذى استطاع الاستقلال ببلاد «فارس» والاستيلاء على «البصرة»، وتعيين أخيه «أبى الحسين أحمد» نائبًا عنه فى حكمها، كما تمكن من هزيمة الجيش الذى أرسله إليه «صمصام الدولة» ليسترد منه بلاد «فارس». وقد استطاع «صمصام الدولة» استمالة عمه «فخرالدولة» إلى صفه فى هذا الصراع، ولكن جنده فى «بغداد» ثاروا عليه وأعلنوا بيعتهم لشرف الدولة، ورغم أن «صمصام الدولة» قضى على هذه الثورة فإنه لم يستطع وضع حد لازدياد قوة أخيه «شرف الدولة». ففى سنة (375هـ= 985م) استولى «شرف الدولة» على «الأهواز» وقبض على أخيه «أبى طاهر فيروز شاه» المناصر لصمصام الدولة، وفى (رمضان سنة 376هـ= يناير سنة 987م) استولى على «العراق» ودخل «بغداد» وقبض على أخيه «صمصام الدولة»، فذهب إليه الخليفة وهنأه بالسلطنة. لم يستمر «شرف الدولة» طويلاً فى إمارته على

«العراق»، فقد تُوفِّى فى غرة (جمادى الأولى سنة 379هـ= أغسطس سنة 989م)، ولم يجد حرجًا وهو فى مرض موته أن يأمر بِسَمْل عينى أخيه «صمصام الدولة» وهو فى سجنه. وخلف «شرف الدولة» أخوه «أبو نصر فيروز»، الذى لقبه الخليفة «بهاء الدولة وضياء الملة»، ولكن العلاقة بين «بهاء الدولة أبى نصر فيروز» وبين الخليفة «الطائع» وصلت بعد قليل إلى الحد الذى جعل «بهاء الدولة» يقوم بعزل الخليفة؛ فقد قلت الأموال عند «بهاء الدولة»، وثار جنده عليه، فاقترح عليه أحد خواصه وهو «أبو الحسن بن المعلم»، أن يقبض على الخليفة «الطائع» ويستولى على أمواله، فدخل «بهاء الدولة» على الخليفة ومعه جمع كثير، وتقدم أحد رجاله كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره والخليفة يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ويستغيث دون أن يلتفت إليه أحد، وتم الاستيلاء على أمواله، وحُمِل الخليفة إلى دار «بهاء الدولة»؛ حيث أُرغِم على خلع نفسه فى (التاسع عشر من شعبان سنة (381هـ= أكتوبر سنة 991م) بعد أن استمر فى الخلافة ما يقرب من ثمانية عشر عامًا، كان خلالها مسلوب الإرادة. ثالثًا: خلافة القادر بالله (381 - 422هـ= 991 - 1031م). هو «أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر»، اختاره «بهاء الدولة» بعد خلع «الطائع لله» لتولِّى الخلافة، وكان غائبًا عن «بغداد»، فلما وصله الخبر حضر إليها وبايعه «بهاء الدولة» والناس فى (رمضان سنة 381هـ= نوفمبر سنة 991م)، وعمره خمسة وأربعون عامًا. وقد دامت خلافة «القادر بالله» إحدى وأربعين سنة وحفلت بالكثير من الأحداث والتطورات، وأهمها: أ - ازدياد التفكك فى البيت البويهى: فقد نشب الصراع بين «بهاء الدولة»، وأخيه «صمصام الدولة» ولم يكن فى «بنى بويه» أظلم من «بهاء الدولة» ولا أقبح سيرة منه، ففى سنة (383هـ= 993م) قام بمحاولة للاستيلاء على المنطقة الخاضعة لإمارة أخيه «صمصام الدولة» فى بلاد «فارس»

و «أرَّجان»، فانتهت هذه المحاولة بعكس ما كان يهدف إليه؛ حيث تمكن «صمصام الدولة» من الاستيلاء على «خوزستان» الخاضعة لبهاء الدولة، وبدد شمل الجيش الذى أرسله «بهاء الدولة». وفى سنة (384هـ = 994م) استطاع «بهاء الدولة» أن يهزم «صمصام الدولة»، وأن يسترد منه بعض ما خسره قبل ذلك. وقد تجدد الصراع بينهما مرات عديدة، ووصل فى إحدى مراحله إلى استيلاء «صمصام الدولة» على «البصرة» فى «العراق» سنة (386هـ= 996م)، ولم يتوقف هذا الصراع بين «بهاء الدولة» و «صمصام الدولة» إلا بمقتل «صمصام الدولة» على يد بعض أبناء «عز الدولة بختيار»؛ انتقامًا لمقتل أبيهم «بختيار» على يد «عضد الدولة»، والد «صمصام الدولة»، وذلك فى (ذى الحجة سنة 388هـ= 998م). وعقب مقتل «صمصام الدولة» أراد بعض أبناء «بختيار» الاستيلاء على «فارس»، فنشب الصراع بينهم وبين «بهاء الدولة» وانتهى بهروبهم ومقتل أحدهم واسمه «أبو نصر» على يد أنصار «بهاء الدولة» سنة (390هـ = 1000م). وقد تُوفِّى «بهاء الدولة» (أبو نصر فيروز بن عضد الدولة) فى (جمادى الآخرة سنة 403هـ = ديسمبر سنة 1012م)، فخلفه على إمارة «العراق» ابنه «أبو شجاع فخر الملك»، الذى لقبه الخليفة «القادر بالله» «سلطان الدولة»، فولى أخاه «جلال الدولة» «أبا طاهر» إمارة «البصرة» وأخاه «قوام الدولة أبا الفوارس» «كرمان». ونشب صراع مرير بين أبناء «بهاء الدولة»: «سلطان الدولة» و «جلال الدولة»، و «قوام الدولة»، و «مشرف الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «العراق» سنة (411هـ = 1020م) وبعد وفاة «سلطان الدولة» فى (شوال سنة 415هـ = ديسمبر سنة 1024م) خلفه ابنه «أبو كاليجار» على إمارة «فارس» و «كرمان»، ودخل فى صراع مع عمه «أبى الفوارس بن بهاء الدولة» الذى استطاع الاستيلاء على «كرمان»، وأرغم «أبا كاليجار» على دفع خراج له قيمته عشرون ألف دينار، إلا أن «أبا كاليجار» استرد «كرمان» بدون قتال عقب وفاة عمه «أبى

الفوارس» سنة (419هـ = 1028م). وعقب وفاة «مشرف الدولة» تولى أخوه «أبو طاهر جلال الدولة» - أمير «البصرة» - إمارة «العراق»، لكنه لم يتمكن من دخول «بغداد»؛ حيث منعه أنصار ابن أخيه «أبى كاليجار» من دخولها، تمهيدًا لقدوم «أبى كاليجار» وسيطرته على «العراق»، ولكن ذلك لم يحدث لانشغاله بصراعه مع عمه «أبى الفوارس»، وبقيت «بغداد» بدون أمير بويهى لمدة عامين وبضعة أشهر، مما دعا رؤساء الجند إلى أن يطلبوا من الخليفة «القادر بالله» أن يرسل إلى «جلال الدولة» ليحضر إلى «بغداد» ويتسلم الإمارة؛ جمعًا للكلمة وحسمًا للخلاف، فاستجاب الخليفة لهم ودخل «جلال الدولة» «بغداد» فى (رمضان سنة 418هـ = سبتمبر سنة 1027م)، إلا أنه ما لبث أن دخل فى صراع مع ابن أخيه «أبى كاليجار»، الذى أراد انتزاع «العراق» من عمه «جلال الدولة»، واستمر الصراع بينهما بين النصر والهزيمة لهذا الطرف أو ذاك حتى وفاة «جلال الدولة» سنة (435هـ= 1044م). وقد أدى الصراع المستمر بين أبناء البيت البويهى إلى تطلع قوى أخرى من خارج البيت البويهى للاستيلاء على مقاليد الحكم فى دولة الخلافة العباسية، كما شغل هذا الصراع البويهيين عن توجيه أذاهم إلى الخليفة العباسى «القادر بالله»، الذى ظل واحدًا وأربعين عامًا على كرسى الخلافة حتى تُوفِّى سنة (422هـ = 1031م).

*الصفارية (دولة)

*الصفارية (دولة) أسسها «يعقوب بن الليث الصفَّار» (6) فى بلاد «فارس» و «خراسان» على أنقاض «الدولة الطاهرية»، فى عهد «المعتز بالله» (252 - 255هـ) بعد أن أظهر كفاءة ملحوظة فى محاربة الخارجين على الخلافة والتخلص من الطاهريين بإذن من الخليفة العباسى «المعتز بالله». واستطاع «يعقوب بن الليث» أن يضم إلى «الدولة الصفارية» كثيرًا من الأماكن التى استطاع السيطرة عليها فى بلاد «فارس» و «خراسان» وأعلن ولاء دولته - فى البداية - للخلافة العباسية. وعندما تولى «المعتمد على الله» الخلافة، أصر أخوه «الموفق» على أن يكون ولاء «الدولة الصفارية» للخلافة ولاءً تاما لا صوريا، إلا أن «يعقوب بن الليث» رفض ذلك، وتدهورت العلاقة بين الطرفين، وهدد «يعقوب» بدخول عاصمة الخلافة وبسط سلطانه عليها، مما أدى إلى حدوث صدام مسلح بين «الدولة الصفارية»، والخلافة فى منطقة «واسط» بالعراق، وكان لظهور الخليفة العباسى «المعتمد» على رأس جيش الخلافة أثر كبير فى هزيمة «يعقوب بن الليث»، ورغم هزيمته فقد استمر فى تحدى الخلافة ورفض التفاهم معها حتى تُوفى فى «جنديسابور» سنة (265هـ= 879م) ثم تولى رئاسة «الدولة الصفارية» بعد وفاة «يعقوب بن الليث» أخوه «عمرو بن الليث»، الذى كان حريصًا على كسب ود الخلافة حتى يؤكد سلطانه الروحى فى بلاده، فاعترف به الخليفة «المعتمد» واليًا على «خراسان» و «السِّند» و «سجستان» و «كرمان» و «فارس» و «أصبهان»، وعندما تولى «المعتضد» الخلافة بعد وفاة عمه «المعتمد» أقر «عَمْرًا» على ما فى يده. وقد نشط «عمرو» فى توسيع حدود دولته وتطلع إلى غزو بلاد «ما وراء النهر»، حيث «الدولة السامانية»، وعبر نهر «جيحون» ولكن السامانيين تصدوا له بقيادة زعيمهم «إسماعيل بن أحمد السامانى» وهزموه، وأخذوه أسيرًا إلى الخليفة «المعتضد» الذى سجنه حتى مات فى سجنه سنة (287هـ= 900م)، وقد تولى زعامة

الصفاريين بعد هزيمة «عمرو» وأسره حفيده «طاهر بن محمد بن عمرو»، ولكن أحوال الصفاريين تدهورت بشدة خلال هذه الفترة نتيجة الهجمات المتلاحقة التى شنها عليهم السامانيون، وسقطت دولتهم سنة (289هـ= 902م). وقد لاحظ المؤرخون أن قادة هذه الدولة اتبعوا فى حياتهم مبدأ العدالة والمساواة والأخوة، والبعد عن مظاهر الترف، فكانت حياة رئيس الدولة لا تكاد تختلف فى مظهرها عن حياة أحد جنوده، وكان العطاء يوزع بالإنصاف والعدل، وقد ازدهر اقتصاد الدولة نتيجة البعد عن إنفاق الأموال فى غير وجوهها، فيروى أن «يعقوب ابن الليث» ترك فى خزانة الدولة عند وفاته ثمانين مليون دينار وخمسين مليون درهم، ولكن يؤخذ عليه اعتداده بقوته وطاعة جنده فتمرد على الخلافة وحاول الاستقلال عنها؛ مما زعزع ثقتها به وكان له آثاره السلبية فى تماسك الدولة واستمرارها.

*السامانية (دولة)

*السامانية (دولة) ظهر السامانيون على المسرح السياسى لدولة الخلافة العباسية فى عصر الخليفة «المأمون» (198 - 218هـ= 813 - 833م)، وسموا بذلك نسبة إلى قرية «سامان» القريبة من «سمرقند»؛ حيث كانوا يتوارثون إمارتها، ويسمى أميرهم «سامان خداه»، أى كبير قرية «سامان» وصاحبها. وقد اعتنق أحد السامانيين الإسلام أثناء خلافة الأمويين، وسمى ابنه «أسدًا»، كاسم حاكم «خراسان» فى عهد «هشام بن عبدالملك»، واسمه «أسد بن عبدالله القسرى». وطال العمر بأسد السامانى حتى أدرك «المأمون»، فذهب إليه فى «مرو»، قبل انتقاله إلى «بغداد» (فى الفترة من سنة 193هـ= 809م إلى سنة 202هـ = 817م)، ومعه أبناؤه الأربعة: «نوح» و «أحمد»، و «إلياس»، و «يحيى»، فاحتفى بهم «المأمون» وألحقهم بخدمته. وبعد انتقال «المأمون» إلى «بغداد» أمر بإسناد عمل إلى كل واحد من أبناء «أسد السامانى»، فتم إسناد حكم «سمرقند» إلى «نوح»، وحكم «فرغانة» إلى «أحمد»، وحكم «الشاش» إلى «يحيى»، وحكم «هراة» إلى «إلياس»، فكان هذا مقدمة لتمكن نفوذ السامانيين فى هذه المناطق المعروفة باسم «بلاد ما وراء النهر» (نهر جيحون) .. وقد برز «أحمد بن أسد» حاكم «فرغانة» على إخوته، وكان له سبعة أبناء هم «نصر» و «يحيى» و «يعقوب» و «إسماعيل» و «إسحاق» و «أسد» و «حميد»، وعند وفاته سنة (250هـ= 864م) حل محله ابنه الأكبر «نصر»، ودان له باقى إخوته بالطاعة والولاء. وفى سنة (261هـ= 875م) حدَث التحول الحاسم فى تاريخ السامانيين، حينما أسند الخليفة «المعتمد على الله» ولاية جميع بلاد «ما وراء النهر» إلى «نصر بن أحمد بن أسد السامانى»، فأقام «نصر» فى «سمرقند»، وعين أخاه «إسماعيل» نائبًا عنه ببخارى وعهد إلى كل أخ من إخوته الباقين بحكم إحدى الولايات، مما يمكن معه اعتبار عام (261هـ= 875م) بداية تكوُّن «الدولة السامانية». وعقب وفاة «نصر بن أحمد» فى «سمرقند» عام (279هـ= 892م) ضم أخوه

«إسماعيل» «سمرقند» إلى ملكه، وأصبح هو الحاكم الأعلى لكل بلاد «ما وراء النهر»؛ لذلك يرى بعض المؤرخين أن «إسماعيل بن أحمد بن أسد السامانى» هو المؤسس الحقيقى للدولة السامانية؛ حيث خضع له سائر الأمراء السامانيين، ووسع حدود الدولة، فضم لها «خراسان» ومعظم البلاد التى كانت خاضعة لنفوذ «الدولة الصفارية»، وبلغت «الدولة السامانية» قمة مجدها فى عهده (من 279 - 295هـ= 892 - 908م) ثم فى عهد حفيده «نصر بن أحمد بن إسماعيل» (301 - 331هـ= 913 - 943م) وبدأت «الدولة السامانية» تتدهور منذ عهد «نوح بن نصر» (331 - 343هـ= 943 - 954م)، حتى سقطت فى يد الغزنويين سنة (389هـ= 999م) .. وقد كانت «الدولة السامانية» ملتزمة بمذهب أهل السنة، وكانت علاقتها بالخلافة العباسية علاقة احترام وإجلال؛ حيث كان أمراؤها يعدون أنفسهم نوابًا عن الخليفة. وقد ازدهرت الحياة العلمية فى عصر السامانيين، وكانت «بخارى»، و «سمرقند» تنافسان «بغداد» فى مكانتها العلمية والأدبية، بسبب تشجيع الأمراء السامانيين للعلم وحبهم للعلماء، فقد سمح الأمير السامانى «أبو القاسم نوح بن منصور» (نوح الثانى) لابن سينا باستخدام مكتبة قصره، كما قام الطبيب والفيلسوف المشهور «أبو بكر الرازى» (251 - 313هـ= 865 - 925م) بإهداء كتابه المعروف فى الطب «المنصورى» إلى الأمير السامانى «أبى صالح منصور بن إسحاق» أمير «سجستان». وقد شهد الأدب الفارسى أيضًا عصره الذهبى خلال حكم السامانيين، وعاش الشاعر الفارسى المعروف «الفردوسى» شطرًا من حياته فى عصر «الدولة السامانية».

*الحمدانية (دولة)

*الحمدانية (دولة) ينتمى الحمدانيون إلى «حمدان بن حمدون بن الحارث» من قبيلة «تغلب»، وقد ظهر نفوذ «حمدان» فى شمال «العراق» سنة (254هـ) أثناء خلافة «المعتز بالله»، وتعاون مع خوارج الجزيرة فى شمال «العراق»، واستطاع أن يسيطر على بعض المواقع الحصينة هناك، وأهمها «قلعة ماردين»، ولكن الخليفة «المعتضد بالله» استطاع استردادها، وقبض على «حمدان» وسجنه. تعهد «حسين بن حمدان» بالطاعة والولاء للخليفة «المعتضد» وساعده فى حربه ضد الخوارج حتى هزمهم، فقربه الخليفة وعفا عن والده «حمدان بن حمدون». وفى خلافة «المكتفى بالله» (289 - 295هـ= 902 - 908م) تعاظمت مكانة «حسين بن حمدان» وقام بدور بارز فى الحرب ضد القرامطة وفى الحملة التى جهزها العباسيون لاسترداد «مصر» من يد الطولونيين فى سنة (292هـ= 905م). وقد شارك «حسين بن حمدان» فى المؤامرة الفاشلة التى دبرها أنصار «ابن المعتز» لخلع «المقتدر»، وهرب حتى عفا عنه «المقتدر» وأسند إليه ولاية بعض البلاد وأهمها «ديار ربيعة» بالجزيرة سنة (298هـ= 911م)، إلا أنه حدث بينه وبين «على بن عيسى» وزير «المقتدر» نزاع انتهى بالقبض عليه، وقتله فى سجنه سنة (306هـ= 918م) .. ورغم أن «حسين بن حمدان» كان من أعظم الأمراء بأسًا وشجاعة، وكان أول من ظهر أمره من ملوك «بنى حمدان» فإن أخاه «أبا الهيجاء عبدالله بن حمدان» كان أعمق تأثيرًا وأوسع نفوذًا فى تاريخ الأسرة الحمدانية، وقد ولاه الخليفة «المكتفى» إمارة «الموصل» وتوابعها سنة (293هـ= 906م)، ويعد «أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان» المؤسس الحقيقى لمملكة الحمدانيين فى «الموصل»، التى ظل حاكمًا لها إلى أن قتل سنة (317هـ= 929م) عقب اشتراكه فى المؤامرة الفاشلة لخلع الخليفة «المقتدر»، وقد خلفه ابنه «حسن» الملقب بناصر الدولة، واستطاع أن يمد سلطانه على أقاليم الجزيرة الثلاثة: «ديار ربيعة»، و «ديار مضر» و «ديار

بكر»، بإذن من الخليفة «الراضى»، حتى أقعدته الشيخوخة، فخلفه على الحكم ابنه «فضل الله أبو تغلب الغضنفر» سنة (353هـ= 964م) .. وقد دخل «ناصر الدولة» وابنه «أبو تغلب الغضنفر» فى صراع طويل مع البويهيين، أصحاب السلطة فى «العراق» منذ سنة (334هـ = 945م)، وانتهى هذا الصراع بهزيمة «أبى تغلب الغضنفر» أمام «عضد الدولة البويهى» سنة (368هـ= 979م)، وانتهت بذلك مملكة الحمدانيين فى «الموصل» و «الجزيرة». أما «الدولة الحمدانية» فى «حلب»، فقد أسسها «على بن أبى الهيجاء عبدالله بن حمدان»، الملقب بسيف الدولة؛ حيث استطاع بمعاونة أخيه الأكبر «ناصر الدولة» انتزاع «حلب» من الإخشيديين سنة (333هـ= 944م)، ثم استطاع بعد ذلك أن يبسط سلطانه على «حمص» و «قنسرين» و «العواصم» وبعض بلاد «الجزيرة» سنة (336هـ= 947م) .. وقد قام «سيف الدولة الحمدانى» بمهمة جليلة أثناء حكمه الذى استمر حتى سنة (356هـ= 967م)، وهى حماية حدود دولة الخلافة من غارات الروم (البيزنطيين) المتواصلة، بعد أن ضعفت الخلافة المركزية عن القيام بهذه المهمة المقدسة. وكان «سيف الدولة الحمدانى» أديبًا شاعرًا، فجمع حوله العلماء والأدباء، مثل «أبى نصر الفارابى»، و «ابن خالويه»، و «أبى الطيب المتنبى»، و «أبى فراس الحمدانى» و «ابن نباتة» و «السَّرىّ الرَّفَّاء»، وغيرهم. وتُوفِّى «سيف الدولة» سنة (356هـ= 967م)، وخلفه فى الحكم ابنه «أبو المعالى شريف» المعروف بسعد الدولة، وضعفت فى عهده سلطة الحمدانيين فى «الشام»؛ لكثرة الضغوط التى تعرض لها من البيزنطيين والبويهيين فى «العراق»، والفاطميين فى «مصر» بغرض الاستيلاء على «الشام». وتُوفِّى «سعد الدولة» سنة (381هـ= 991م)، وتولَّى بعده ابنه «أبو الفضائل سعيد الدولة»، الذى تعرض لضغوط الفاطميين المتزايدة لضم «الشام» إلى «مصر»، فتحالف مع البيزنطيين لصد هجمات الفاطميين عليه، ثم انتهت إمارته بمقتله سنة (392هـ= 1002م) على يد وزيره

«لؤلؤ الحاجب»، وانتهت بذلك «الدولة الحمدانية» فى «الشام» الذى أصبح خاضعًا لسلطان الفاطميين. وقد كان الحمدانيون يميلون إلى التشيع، وكانت علاقتهم بالخلافة العباسية تتأرجح بين الرضا، والسخط، والتوجس.

*السلاجقة (دولة)

*السلاجقة (دولة) السلاجقة أسرة تركية كبيرة، كانت تقيم فى بلاد «ما وراء النهر»، وتنسب إلى زعيمها «سلجوق بن تُقاق»، الذى اشتهر بكفاءته الحربية، وكثرة أتباعه. وقد أسلم «سلجوق» وأتباعه، وخلَّف من الأولاد «أرسلان» و «ميكائيل» و «موسى»، وكان أبرزهم «ميكائيل»، الذى أنجب «طغرل بك» (محمد) و «جغرى بك» (داود)، اللذين قام عليهما مجد «السلاجقة». هاجر السلاجقة بزعامة «طغرل بك» وأخيه «جغرى» فى الربع الأول من القرن الخامس الهجرى إلى «خراسان» الخاضعة لنفوذ الغزنويين، وبعد سلسلة من الصراع بين الغزنويين و «السلاجقة»، استطاع «السلاجقة» السيطرة على «خراسان» بعد هزيمة الغزنويين بقيادة السلطان «مسعود بن محمود بن سبكتكين» سنة (431هـ = 1040م) أمام «طغرل بك» وأخيه «جغرى». وقد ساعد «السلاجقة» على توطيد سلطانهم انتماؤهم إلى المذهب السنى، وإعلانهم الولاء والتبعية للخليفة العباسى «القائم بأمر الله»، الذى عين «طغرل بك» نائبًا عنه فى «خراسان» وبلاد «ما وراء النهر» وفى كل ما يتم فتحه من البلاد. وقد استطاع «السلاجقة» توسيع حدود مملكتهم بسرعة هائلة، فاستولى زعيمهم «طغرل بك» على «جرجان» و «طبرستان» سنة (433هـ)، وعلى «خوارزم» و «الرى» و «همدان» سنة (434هـ = 1043م) وعلى «أصبهان» سنة (443هـ = 1051م)، وعلى أذربيجان» سنة (446هـ = 1054م)، وبدأ يتطلع للسيطرة على «بغداد»، وقد هيأت له الأوضاع السائدة فى «العراق» تحقيق هذا الهدف. وقد أصبح «طغرل بك» (ركن الدين أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق» أولَ سلاطين «السلاجقة» فى «بغداد»، ابتداءً من (رمضان 447هـ = نوفمبر 1055م)، وقد استقبله الخليفة «القائم بأمر الله» بكل مظاهر الحفاوة والترحاب، ولقبه «ملك المشرق والمغرب». كان «طغرل بك» حريصًا على إبداء كل مظاهر الإجلال والتوقير للخليفة، وقد اقتدى به خلفاؤه؛ فعاملوا الخلفاء العباسيين بكل ما يليق بمكانتهم من احترام وتعظيم. وقد

أوصى «طغرل بك» بأن يخلفه بعد موته ابن أخيه «سليمان بن داود جغرى»؛ حيث إنه لم يخلف ولدًا، وفى (8 من رمضان سنة 455هـ = سبتمبر سنة 1063م) توفى «طغرل بك» بمدينة «الرى» ببلاد «الجبل»، وعمره نحو سبعين عامًا، وقد نفذ «عميد الملك الكندرى» وصية «طغرل بك»، ولكن الناس كانوا أميل إلى «ألب أرسلان»، فأمر «عميد الملك» بالخطبة له وتم الأمر له بمساعدة وزيره «نظام الملك»، وأصبح سلطانَ «السلاجقة». وعقب تولِّى «ألب أرسلان» سلطنة «السلاجقة»، أقر «عميد الملك الكندرى» وزير عمه «طغرل» فى منصبه، ولكنه سرعان ما تغير عليه فعزله فى شهر (المحرم سنة 456هـ = ديسمبر سنة 1063م)، وسجنه، ثم دبر قتله فى شهر (ذى الحجة سنة 456هـ = نوفمبر سنة 1064م)، ويبدو أن «نظام الملك» لعب دورًا فى ذلك. وبعد عزل «عميد الملك»، عين «ألب أرسلان» «نظام الملك» وزيرًا له، وكان وزيره أثناء إمارته على «خراسان» قبل توليه السلطنة، ويُعدُّ «نظام الملك» أشهر وزراء «السلاجقة» كما يعد من أشهر الوزراء فى التاريخ الإسلامى. استطاع «ألب أرسلان» أن يوسع حدود مملكة «السلاجقة» التى ورثها عن عمه «طغرل»، وأن يسجل انتصارات رائعة ضد أعدائه فى الداخل والخارج، فنجح فى القضاء على حركات العصيان فى «خراسان» و «ما وراء النهر» و «أذربيجان»، وتمكن من تعزيز الوجود الإسلامى فى «أرمينيا» بعد انتصاره فى معركة ملاذكرد الشهيرة، واستولى على «حلب» وقضى على النفوذ الفاطمى بها. وعقب وفاة «ألب أرسلان» تولى السلطنة ابنه «ملكشاه» بعهد من أبيه، وتولى «نظام الملك» أخذ البيعة له، وأقره الخليفة «القائم بأمر الله» على السلطنة. لم يكتفِ «ملكشاه» بإقرار «نظام الملك» فى الوزارة كما كان فى عهد أبيه، بل زاد على ذلك بأن فوض إليه تدبير المملكة، وقال له: «قد رددت الأمور كلها كبيرها وصغيرها إليك، فأنت الوالد»، ولقبه ألقابًا كثيرة، أشهرها لقب «أتابك»،

ومعناه الأمير الوالد، وكان «نظام الملك» أول مَن أُطلق عليه هذا اللقب. وسبب هذه المكانة الرفيعة التى حظى بها «نظام الملك» عند السلطان «ملكشاه»، أنه هو الذى مهد له الأمور، وقمع المعارضين، فرآه السلطان أهلاً لهذه المكانة. الخلفاء العباسيون فى العهد السلجوقى: كان «المقتدى بأمر الله»، أول خليفة يتقلد منصبه فى ظل «دولة السلاجقة»، وبذلك يكون الخلفاء الذين تولوا الخلافة فى العهد السلجوقى - بعد «القائم بأمر الله» - ثمانية هم: 1 - المقتدى بأمر الله (عبدالله بن محمد بن القائم بأمر اللهـ) [467 - 487هـ = 1075 - 1094م]. 2 - المستظهر بالله (أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر اللهـ) [487 - 512هـ = 1094 - 1118م]. 3 - المسترشد بالله (أبو منصور الفضل بن المستظهر) [512 - 529هـ = 1118 - 1135م]. 4 - الراشد بالله (أبوجعفر المنصور بن المسترشد) [529 - 530هـ = 1135 - 1136م]. 5 - المقتفى لأمر الله (أبوعبدالله بن محمد بن المستظهر باللهـ) [532 - 555هـ = 1138 - 1160م]. 6 - المستنجد بالله (أبوالمظفر يوسف بن المقتفى) [555 - 566هـ = 1160 - 1170م]. 7 - المستضىء بأمر الله (أبو محمد الحسن بن المستنجد باللهـ) [566 - 575هـ = 1170 - 1179م]. 8 - الناصر لدين الله (أبو العباس أحمد بن المستضىء بأمر اللهـ) [575 - 622هـ = 1179 - 1225م]. وقد شهدت خلافة «الناصر لدين الله» زوال ملك «السلاجقة» فى سنة (590هـ = 1194م) وبداية استقلال الخلفاء العباسيين بالسلطة فى «بغداد» وما يحيط بها. بلغت «الدولة السلجوقية» ذروة مجدها وعظمتها على يد «ملكشاه» الذى استمر فى السلطنة عشرين عامًا تقريبًا؛ حيث استطاع أن يستثمر ما حققه «طغرل بك» و «ألب أرسلان» على أحسن وجه، فحقق إنجازات عظيمة بمعاونة وزيره «نظام الملك». وقد تزامنت سلطنة «ملكشاه» -فى معظمها- مع خلافة «المقتدى بأمر الله»، الذى تولى منصبه بعد ابتداء حكم «ملكشاه» بعامين، وتُوفِّى بعد

وفاته بعامين. وقد اتسعت حدود «الدولة السلجوقية» فى عهد «ملكشاه» اتساعًا غير مسبوق، من حدود الصين إلى آخر «الشام»، ومن أقاصى بلاد الإسلام فى الشمال إلى آخر بلاد «اليمن»، وحمل إليه ملوك الروم الجزية. وترجع عظمة «الدولة السلجوقية» فى عهد «ملكشاه» إلى اتساع حدودها وازدهار الحركة الثقافية فيها بصورة جديرة بالإعجاب. وكان لنظام الملك أثر متميز وجهد خلاق فى ذلك، على المستوى الإدارى والعسكرى، والثقافى. فاهتم بإنشاء العديد من المدارس التى نسبت إليه فى أنحاء الدولة، فسميت بالمدارس النظامية، وكان أشهرها: «نظامية بغداد» التى تخيَّر «نظام الملك» مشاهير الفكر والثقافة فى العالم الإسلامى للتدريس فيها مثل: «حجة الإسلام أبى حامد الغزالى» صاحب كتاب «إحياء علوم الدين»، الذى فوض إليه «نظام الملك» مهمة التدريس فى «المدرسة النظامية» ببغداد، ثم فى «المدرسة النظامية» بنيسابور، التى كان إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى يقوم بالتدريس فيها. وقد أسهمت هذه المدارس النظامية فى تثبيت قواعد المذهب السنى والدفاع عنه ضد مختلف البدع والأهواء والمذاهب المنحرفة التى انتشرت فى ذلك الوقت. وقد كان «نظام الملك» مؤلفًا مرموقًا أيضًا، فهو مؤلف كتاب «سياسة نامه» الذى تحدث فيه عن كيفية تدبير شئون الملك، وفضح معتقدات الحشاشين وغيرهم من الخارجين عن الدين. ثم بدأت مظاهر الضعف تنتشر فى جسم «الدولة السلجوقية» عقب وفاة «ملكشاه»، فظهر الانقسام والتمزق والفتن، باستثناء فترة حكم السلطان «معز الدين سنجر أحمد»؛ حيث شهدت الدولة قوة وصحوة مؤقتة.

*الطاهرية (دولة)

*الطاهرية (دولة) إحدى الدول الإسلامية الصغيرة التى قامت فى العصر العباسى الأول. تُنسَب إلى مؤسسها طاهر بن الحسين أحد القواد فى ظل الخلافة العباسية. ظلت هذه الدولة نحو (52) سنة حتى سقوطها على يد الصفاريين. بدأ حكم الطاهريين سنة (202 هـ) حين ولى المأمون العباسى قائده طاهر بن الحسين إمارة المشرق، التى كانت تمتد شرقى العراق، وتشمل فارس والرى وطبرستان وجرجان وكرمان وخراسان، كما كانت تمتد شمالاً إلى إقليم ما وراء النهر (تركستان). ووطد طاهر نفوذه فى خراسان، واتخذ من نيسابور عاصمة لدولته، واستطاع بذلك أن يؤسس لنفسه إمارة شبه مستقلة عن الدولة العباسية؛ إذ منحه الخليفة اسقلالاً فى إدارتها، على أن يؤدى ما عليها من الخراج. لم يدم حكم طاهر بن الحسين مؤسس الدولة سوى عامين؛ إذ تُوفِّى بمرو سنة (207 هـ)، وخلفه ابنه طلحة بن طاهر (207 - 213 هـ)، ثم عبد الله بن طاهر (213 - 230 هـ) الذى اتسعت الدولة فى عهده، وأقام صلات طيبة مع الخلفاء العباسيين، وخلفه طاهر الثانى بن عبد الله بن طاهر (230 - 248 هـ)، وفى عهده بدأت مرحلة ضعف الدولة الطاهرية، ثم خلفه محمد بن طاهر (248 - 259 هـ). وكان محمد بن طاهر آخر حكام الدولة، فلم يكن محمد بن طاهر على شاكلة أسلافه؛ فقد كان أميرًا ماجنًا يميل إلى اللهو والعبث؛ فعجز عن القضاء على الثورات التى قامت ضده، ولما ازدادت الاضطرابات فى الدولة الطاهرية، استنجد أهل خراسان بالأمير يعقوب بن الليث الصفارى مؤسس الدولة الصفارية؛ لإعادة الأمن والاسقرار إلى بلادهم، فوجد الأمير الصفارى الفرصة مواتية لتوسيع رقعة دولته على حساب الدولة الطاهرية المتداعية، فزحف بجيشه إلى نيسابور سنة (259 هـ)، وقبض على محمد بن طاهر وعلى أهل بيته، وبذلك انتهت الدولة الطاهرية.

*الصليحية (دولة)

*الصليحية (دولة) دولة شيعية. قامت فى اليمن إبان القرن الخامس الهجرى، وكانت تدين بالولاء للخلافة الفاطمية بمصر. تنسَب إلى مؤسسها على بن محمد الصليحى الذى أحيا الدعوة الشيعية الإسماعيلية فى اليمن، بعد أن كانت سرِّية نحو قرن من الزمان؛ على أثر النزاع الذى دبَّ بين دعاة الإسماعيلية فى اليمن المتمثلين فى ابن حوشب، وابن فضل، ثم برزت الدعوة على يد على بن محمد الصليحى. استمرت هذه الدولة نحو (60) عامًا، واتخذت من زبيد ووصنعاء عاصمة لها، وامتد سلطانها إلى الحجاز، وعاصرت فترة حكم الخليفة الفاطمى المستنصر بالله ومرت اليمن خلال حكم الصليحيين بفترة ازدهار عمرانى؛ بما شيدوه من قصور ومعاقل وحصون ومساجد وأضرحة، كما تميزت هذه الفترة بتأكيد سلطة الحكومة المركزية فى صنعاء وإضعاف الزعامات القبلية. وكان أول حكام هذه الدولة أبو كامل على بن محمد بن على الصليحى الذى كان أبوه قاضيًا شافعيًّا، ولكن عليًّا مال إلى التشيع؛ فصحب داعى الشيعة باليمن عامر الزواحى، ثم خلفه فى الدعوة للإسماعيلية، وجمع حوله الأنصار، ثم أرسل إلى الخليفة الفاطمى المستنصر بالله يستأذنه فى الخطبة له وإظهار الدعوة، فوافق المستنصر على ذلك، ومنح على بن محمد الصليحى عدة ألقاب مثل: الأمير الأجل وتاج الدولة وسيف الإمام وعمدة الخلافة. وظل على بن محمد فى الحكم حتى اغتيل سنة (473 هـ). وخلف عليًّا ابنه احمد الذى منحه الخليفة لقب المكرم وألقابًا أخرى، وتزوج من امرأة تدعى أروى بنت جعفر أو الحرة الصغرى. وشهدت فترة حكمه نزاعًا مع القبائل اليمنية وحروبًا مع بنى نجاح باليمن، ونجح فى القضاء على خصومه، ثم نقل مقر حكمه إلى ذى جبلة بدلاً من صنعاء. وتُوفِّى المكرم سنة (484 هـ)، وخلفه سبأ الصليحى، وهو ابن عم على بن محمد الصليحى. وقد بدأ حكمه بنزاع مع الحرة الصغرى التى كانت تريد تولية ابنها خلفًا لأبيه، ولكن الخليفة المستنصر تدخل فى

الأمر، وحسمه لصالح سبأ الصليحى الذى تزوج الحرة؛ تنفيذًا لأمر الخليفة، ثم تُوفِّى سنة (492 هـ)، وبوفاته انتهت الدولة الصليحية، بالرغم من المحاولات التى قامت بها الحرة لرأب الصدع حتى توفيت سنة (532 هـ)، وخلف الصليحيين فى حكم اليمن بنونجاح فى زبيد، والهمذانيون فى صنعاء.

*الإسماعيلية (دولة)

*الإسماعيلية (دولة) دولة أسسها الحسن بن الصَّبَّاح، بعد أن استفحل أمر الإسماعيلية فى عهد السلطان ملكشاه السلجوقى؛ إذ استولى الحسن على حصن ألموت بأصبهان سنة (483 هـ). وقد تعمق الحسن فى المذهب الإسماعيلى الباطنى على يد الفاطميين فى مصر، لكن ظهرت بينه وبينهم خلافات فى المذهب، فترك مصر، وعمل على توسيع دولته، وخصوصًا بعد وفاة السلطان ملكشاه فتمكن الحسن من إقامة دولة إسماعيلية قوية عرفت بعدة أسماء، منها: النذارية والباطنية والحشيشية. وأقرَّ الحسن الاغتيال كوسيلة للتخلص من الخصوم؛ فبذل السلاجقة محاولات للتنكيل بالإسماعيلية، لكن الإسماعيلية قضوا على بعض الحملات السلجوقية، واضطر السلطان السلجوقى سنجر إلى مهادنتهم؛ لما رأى من بأسهم. وفى سنة (520 هـ) أمر الوزير السلجوقى أحمد بن المفضل بغزو الإسماعيلية، وقتلهم أين ما كانوا؛ فاستمرت حملات السلاجقة عليهم، بعد أن اشتد خطرهم، وكثرت اغتيالاتهم. وفى سنة (549 هـ) سار جيش من الإسماعيلية إلى خراسان منتهزًا فرصة انشغال جيشها بقتال الغز، فقاومهم أهل خراسان، وهزموهم وقتلوا كثيرًا منهم. وكان الحسن بن محمد أشد حكام الإسماعيلية انحرافًا؛ فهو الذى نسخ ظاهر الشريعة تمامًا، وغيَّر القبلة، وأحلَّ شرب الخمر، إلى أن ولى الحسن الثالث الحكم فدعا إلى الإسلام الصحيح، وارتبط مع جيران دولته السنيين بروابط من المودة والثقة المتبادلة، وكذلك فعل حفيده خورشاه؛ بحيث كان من الممكن إنهاء الفكر المغالى للإسماعيلية النذارية، ولكن هولاكو قائد المغول سيطر على الدولة الإسماعيلية فى الشرق وإيران فقضى بذلك على دولتهم سنة (654 هـ).

*الأويغوريون (دولة)

*الأويغوريون (دولة) دولة تأسست سنة (745 هـ)، على يد قطلغ بلكة قاغان. كانت شرق تركستان وكانت عاصمتها قرة لغاغصون. وفى سنة ( 747 هـ) خلف موين جور أباه قطلغ فى الحكم، وأقام نقشًا على شاطئ بحيرة شينة أوزو بشمال منغوليا، سجل فيه تاريخ تأسيس دولة الأويغوريين وتوسعها وانتصاراته هو وأبيه. وفى عهد ولده بوكوها تم الاعتراف بالمانوية كدين للدولة، وأقيم لها كثير من المعابد. وبسبب اعتناقهم المانوية مالوا فى طعامهم إلى الأطعمة النباتية؛ فهبطت عندهم الروح القتالية؛ ومن ثم هُزموا أمام القرغير عام (840 هـ)، وتم الاستيلاء على عاصمتهم قرة بالغاصون، وانسحب فريق كبير منهم إلى إقليم تارم، واستقر بجوار جبال تانر ومدن أويغورية أخرى، مثل: قوجا وكشغر وهاجى. وفى سنة (947 هـ) بدأت تظهر خوجو - تُعرف الآن باسم قرة خوجو - كعاصمة للأويغوريين فى شرق تركستان، وكان لهم عاصمة صيفية فى بشى باليك، وعُرِف المتأخرون من الحكام الأويغوريين باسم إذق - قت، وأطلق على العاصمة خوجو مدينة الأذق - قت أو أذق - قت شهرى. وأخذت البوذية تنتشر فى دولة الأويغوريين بعد عام (870 م) ففاقت المانوية، كما ظهرت بها المسيحية، ثم دخلها الإسلام. ولغات الأويغوريون المكتوب بها، هى: الصفدية والصينية والكوكتورك. ولقد قام الأويغوريون بدور كبير فى انتشار الطباعة، وكانت هجائيتهم الخاصة بهم هى ثانى أقدم الألفبائيات التركية. والأويغوريون سلالة من قبائل الهون الآسيوية، كانوا يقيمون على الشواطئ الشرقية لنهر سلنكة، وكانوا - حتى قيام دولتهم - يتبعون الكوك الأتراك. واستمر وجود الدولة الأويغورية حتى سنة (1209 م)؛ أصبحت ولاية تتبع جنكيز خان، وبعد ذلك استمر وجودها تحت الاسم القديم أدق - قت إلى بداية أسرة منغ سنة (1368 م)، حين انتهت أدق - قت تمامًا.

*جهور (بنو)

*جهور (بنو) بيت من الوزراء ثم من ملوك الطوائف بالأندلس. كان جدهم جهور من أوائل المسلمين الذين دخلوا الأ ندلس، والذى أسس دويلتهم أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور الكلبى الذى كان وزيرًا لهشام الثالث آخر خلفاء بنى أمية، وقد نجح فى خلع هشام سنة (422 هـ)، وبقيت قرطبة دون خلافة ودون حكومة سنتين، بعدها تولى أبو الحزم جهور. وكانت سلطة بنى جهور على رقعة متوسطة من الأندلس، تمتد شمالاً حتى جبل الشارات، وشرقًا حتى منابع نهر الوادى الكبير، وجنوبًا حتى حدود ولاية غرناطة. ولم يأخذ أبو حزم لقب الخلافة، وبقى فى الحكم (12) سنة، نعمت فيها قرطبة بالهدوء والاستقرار، فلما توفى سنة ( 1043 هـ) خلفه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور، ولم تختلفْ سياسته عن سياسة أبيه، لكن الفساد دبَّ فى الحكم عندما عهد بالحكم إلى ابنه عبد الملك الذى تنازع معه أخوه عبد الرحمن، واستطاع عبد الملك الانفراد بالسلطة بعد أن اعتقل أخاه. وتحالف بنو جهور مع بنى عباد (حكام إشبيلية) حتى استطاع المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية دخول قرطبة سنة (605 هـ)، بعد ولاية يحيى بن إسماعيل بعامين، وكان قد سبق له دخولها على عهد عبد الملك، لكنه فى هذه المرَّة أنهى بها دويلة بنى جهور فى قرطبة التى اتصل تاريخها بعد ذلك الوقت بتاريخ إشبيلية.

*رسول (بنو)

*رسول (بنو) أسرة إسلامية. حكمت اليمن وحضر موت فى الفترة من عام ( 1229 م) إلى عام (1554 م)، بعد أن تخلى الأيوبيون عن المقاطعات الجنوبية من شبه جزيرة العرب. أسسها الملك المنصور عمر بن على بن رسول الذى تولى الحكم من عام (1229 م) حتى عام (1250 م)، فجعل من صنعاء عاصمة ملكه، وبسط سلطانه على مكة المكرمة. وخلال القرنين التاليين استطاع الرسوليون جعل اليمن دولة إسلامية ذات شأن، وأقاموا علاقات سياسية وتجارية مع الهند والصين وسيلان.

*الروم

*الروم الروم أو البيزنطيون هم امتداد الإمبراطورية الرومانية، فى الشرق، وهى التى عرفت باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية، واتخذت من القسطنطينية عاصمة لها، منذ أن بناها الإمبراطور قسطنطين سنة (330 م)، وشملت هذه الإمبراطورية أجزاء كبيرة من آسيا وأوربا وإفريقيا، وكان العرب يطلقون عليها اسم الروم. وقد مرت هذه الإمبراطورية التى أسسها قسطنطين بمرحلة قوة وازدهار، ومرحلة ضعف وانهيار، وقد حاربت الفرس حروبًا كثيرة، كان النصر فيها سجالاً بينهما، كما ذكر القرآن الكريم فى سورة الروم. وبعد ظهور الإسلام بدأ الاحتكاك بين الروم والمسلمين؛ حيث خاض المسلمون حروبًا ضد الروم، واستطاع المسلمون إجلاء الروم من بلاد الشام ومصر والساحل الشمالى لإفريقية، واستمرت حملات المسلمين المتوالية على عاصمتهم القسطنطينية حتى استطاع المسلمون العثمانيون فتحها سنة (1453 هـ)، واتخذوها عاصمة لهم عرفت باسم إستانبول، وبذلك انهارت هذه الإمبراطورية.

*الزبيريون

*الزبيريون جماعة تنسب إلى عبد الله بن الزبير. كانت تهدف إلى استعادة الخلافة من الأمويين بعدما أصبحت وراثية فى بنى أمية، فنادت بأحقية عبد الله بن الزبير بالخلافة، وبويع ابن الزبير بالخلافة سنة (63هـ)، وحكم الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام. وقد ساعد على نجاح الزبيريين موقف المسلمين الرافض لجعل الخلافة وراثية، كذلك قتل الأمويين للإمام الحسين، والصراعات التى قامت بين الأمويين، حتى إن المسلمين قضوا فترة بدون خليفة. وقد جعل ابن الزبير المدينة مقرًّا لخلافته التى استمرت عشر سنوات حتى سنة (73 هـ)؛ إذ انتصر الحجاج عليه، وقتله فى البيت الحرام. ومن أسباب سقوط خلافته تحامل ابن الزبير على الهاشميين، وإخراجه بنى أمية من المدينة، وظهور دعوات الخوارج والشيعة، بالإضافة إلى عجز الزبيريين عن تعميق الولاء لدعوتهم؛ مما جعل بعض ولاة الأمصار ينضمون إلى الأمويين.

*الزندية

*الزندية أسرة إيرانية، حكمت إيران نيابة عن شاهات الدولة الصفوية فى أواخر عهدها، واحتل تاريخها النصف الثانى من القرن الثانى عشر الهجرى، وكانت شيراز عاصمة لها. والزنديون فرع من قبيلة اللك الكردية، وينسب الزنديون إلى كريم خان الذى استطاع أن يحكم هو وخلفاؤه إيران نيابة عن الصفويين لمدة (44) عامًا من سنة (1163 هـ) حتى سنة (1209 هـ)، وتتابع على الحكم خلال هذه الفترة سبعة حكام. وكان الزنديون يطلقون على أنفسهم وكيل الملك. وقد استطاع كريم خان مؤسس هذه الأسرة سلب السلطة من على مردان البختيارى. وتمتعت إيران فى ظل حكم الزنديين بالاستقرار والأمان؛ وانتعشت التجارة، وتم بناء سوق شيراز فيها، 'إلاَّ أنه بعد وفات كريم خان تنافس خلفاؤه فى الحكم، حتى استطاع القاجاريون القضاء على الزنديين، وقتل لطف على سنة (1209 هـ).

*الزنكية

*الزنكية إحدى الأسر الإسلامية الحاكمة. تنسَب إلى عماد الدين زنكى بن آق سنقر الذى كان حاكمًا للموصل أيام السلاجقة، ثم استقل بالموصل، وبدأ فى تكوين الدولة الزنكية سنة (521 هـ)؛ إذ استطاع الاستيلاء على حلب فى العام التالى، وأقام جبهة قوية لجهاد الصليبيين، واستطاع أن يسيطر على مملكة الرها الصليبية سنة (539 هـ)، واتسعت مملكته حتى شملت الشام وحلب وشمال الجزيرة وسنجار، إلا أنه اغتيل سنة (541 هـ). وبوفاة عماد الدين زنكى انقسمت مملكته الكبيرة إلى أربعة أقسام ،هى: الموصل: وحكمها سيف الدين غازى، واستمر هذا الفرع يحكم حتى سنة (631 هـ)؛ إذ تولى الموصل بعد ذلك الوزير بدر الدين لؤلؤ، الذى لقِّب بالملك الرحيم، وخلفه أبناؤه فى الحكم حتى غزاها المغول سنة (660 هـ). وحلب: حكمها نور الدين محمود الذى امتد سلطانه إلى دمشق ومصر، وقام بتكوين جبهة لقتال الصلبيين، واستمرت هذه الأتابكية حتى ضمها صلاح الدين الأيوبى إلى دولته سنة (579 هـ). وسنجار: استمرت أسرة عماد الدين بن مودود تحكمها، حتى استولى عليها الأشرف الأيوبى سنة (617 هـ). وأتابكية الجزيرة: تولى حكمها سنجر بن نور الدين الذى قُتل سنة (605هـ)، ثم خضعت لصلاح الدين الأيوبى.

*السعديون

*السعديون اسم لدولة إسلامية، قامت فى المغرب. أسسها أبو عبد الله بن محمد القائم بأمر الله؛ على أثر انهيار دولة بنى مرين فى أواخر القرن التاسع الهجرى. وقد استمرت هذه الدولة من سنة (916 هـ) حتى سنة (1069هـ)، وحكمها (12) حاكمًا أطلقوا على أنفسهم الشرفاء السعديين، وقد قام هؤلاء الأشراف بمواجهة الخطر الصليبى المتمثل فى البرتغال، واستطاعوا الانتصار عليه سنة (917 هـ)، وتمكنوا من طرد الصليبيين من المغرب تمامًا سنة (948 هـ). وقد أدى تضافر الجهود لمحاربة المستعمر البرتغالى، إلى وحدة بلاد المغرب، واستطاع السعديون ضم فاس ومراكش ومكناسة وتلمسان، فلم يأتِ عام (960 هـ) إلاَّ وكان توحيد المغرب قد تم، ولكن الصراع على السلطة دب بين أفراد البيت السعدى للاستيلاء على الحكم؛ مما جعلهم يستعينون بالإسبان والبرتغال والعثمانيين. وحاول البرتغاليون السيطرة على المغرب إلا أن المغربيين استطاعوا الانتصار عليهم فى معركة فاصلة تسمى وادى المخازن سنة (986 هـ) وقتل ملك البرتغال وأغلب قادته. وقد امتد نفوذ السعديين حتى سنغاى وتمبكتو وكان أبو العباس أحمد الثانى الذى قتل سنة (1066 هـ) آخر حكام السعديين.

*سلاجقة الروم

*سلاجقة الروم سلاجقة الروم أو سلاجقة الأناضول هم أحد فروع دولة السلاجقة المسلمين الذين حكموا مساحة كبيرة من العالم الإسلامى، وأسدوا للإسلام خدمات جليلة. وينحدر سلاجقة الروم من قتلمش بن إسرائيل أرسلان بيغو بن سلجوق. ومؤسس هذه الأسرة هو سليمان الأول الذى تولى الحكم سنة (470 هـ)، وجاء من بعده سبعة عشر سلطانًا. وقد حكموا منطقة شاسعة من العالم الإسلامى، وهى منطقة آسيا الصغرى التى ضمت قونية، وسيواست، وقيصرية، وملطية، وأماسية، وأرخروم وغيرها من بلاد آسيا الصغرى. وكان آخرهم فى الحكم السلطان غياث الدين سعود الثانى الذى حكم من سنة (702 هـ) 'إلى سنة (708 هـ)، ثم استولى المغول والعثمانيون على أملاك هذه الدولة. وتدل الآثار المعمارية القائمة فى أماكن كثيرة، على أن عهد السلاجقة الأتراك فى الأناضول كان مزدهرًا، كما اتسم برقى الفنون الجميلة، خاصة فى حكم علاء الدين كيبقاد الأول. ومن أهم آثارهم الموجودة تربة خداوند ابنة ركن الدين قلج أرسلان الرابع، والتى أنشأئها فى نيكدة سنة (712 هـ).

*الشهابيون

*الشهابيون دامت إمارتهم نحو قرن ونصف سنة (1697م) إلى سنة (1841م)، وتولوا، فى هذه الفترة حكم جبل لبنان وأخذوا على عاتقهم الحفاظ على وحدته، وأعادوا السواحل والسهول إلى منطقة نفوذهم بعد أن استغلوا ضغف الحكومة المركزية فى إستانبول. واستطاعوا أن يحتفظون بنوع من التوازن السياسى بين الموازنة والدروز؛ مما جعلهم ينجحون فى تحقيق الأمن الاستقلال الذاتى الذى كان لبنان الكبير يتمتع به.

*الشيبانيون

*الشيبانيون اسم يُطلق على الدولة الأوزبكية التركية التى قامت بالتركستان ( بلاد وراء النهر) إبان القرن التاسع الهجرى. ورثت ملك التيموريين، واتخذت سمرقند عاصمة لها، وعاشت نحو قرن من الزمان، وتُنسب هذه الدولة إلى شيبان بن جوجى بن جنكيز خان. وقد كان أول زعيم لهذه الدولة أبو الخير بن دولت شيخ الذى تزعم قبائل الأوزبك فترة، فى منطقة السهوب، واستنجد به الأمراء التيموريون فى خلافاتهم الأسرية، ودام حكمة نحو أربعين سنة حتى عام (872هـ)، وهى السنة التى تُوفِّى فيها أخر حكام التيموريين. وخلف أبا الخير فى زعامة الأوزبك ابنه حيدر سلطان إلا أن الزعامة الفعلية كانت لابن أخيه محمد شيبانى بن شاه بوراق بن أبى الخير الذى نجح بعد سلسلة حروب مع التيموريين والصفويين فى توسيع رقعة دولته، حتى شملت من بلاد ما وراء النهر حتى خراسان جنوبًا. وبعد موت محمد شيبانى واصل خلفاؤه جهوده وحروبه ضد الصفويين، لاسيما فى عهد أبى الغازى عبيد الله بن محمود الذى قام وحده بخمس غزوات لخراسان وإيران كان أخرها سنة (938هـ)، إلا أن عبد الله بن سكندر يعتبر أعظم الشيبانيين فقد ضم كشغر وختن، واستعاد بخارى ومرو ومشهد. وقد شجعت حالة الفوضى التى شهدتها دولة الأوزبك فى نهايتها الشاه عباس الأول الصفوى على غزو الشيبانيين وآستعادة خراسان، كما استعاد أمير القزاق فى الشمال إقليم طشقند وتقدم حتى تم الاستيلاء على سمرقند نفسها. ولم يأت عام (1007هـ) حتى طويت صفحة دولة الشبانيين، وكان بير محمد الثانى بن سليمان أخر من تولى الحكم منهم. وخلف الشيبانيين فى حكم بلاد ما وراء النهر الاسترخانيون، وهم من أبناء عمومتهم من أحفاد جوجى بن جنكيز خان.

*غانية (بنو)

*غانية (بنو) بنو غانية هم حكام الجزائر الشرقية. ويرجع نسبهم إلى جدهم على المسوفى الصنهاجى الذى زوجة يوسف بن تاشفين من قريبة له تُدعى غانية، وقد أنجبت له يحيى ومحمدًا، فكانا مقربين من على بن يوسف بن تاشفين. فولى يحيى على بلنسية ثم على قرطبة فظل عليها حتى تُوفِّى، وولى محمدًا على الجزائر الشرقية سنة (520هـ)، وكان يخطب لبنى العباسى فى بلاده، مع هزيمة جيوش المرابطين أمام الموحدين، وجعل بلاده مقرًّا للفارين من أمام الموحدين، وتُوفِّى سنة (550هـ). وخلف محمدًا ابنه عبد الله الذى حكم غرناطة، وابنه إسحاق الذى حكم غرموته والجزائر الشرقية، فصانع الموحدين، وبعث إليهم بالهدايا الثمينة، فطلبوا منه الدخول فى طاعتهم، والدعاء لهم على المنابر، ولكنه تُوفِّى قبل أن يرد عليهم. وتولى بعده ابنه على بن إسحاق فاستولى على بجاية سنة (580هـ) ثم مازونة ومليانة، وقطع الخطبة فى البلاد التى فتحها عن الموحدين، وجعلها للعباسيين. ولما علم أبو يوسف المنصور الموحدى بذلك أرسل جيشًا وأسطولاً كبيرًا قضى به على ولاة على بن إسحاق، واسترد بلاده، فاضطر على بن إسحاق إلى الهرب فىالصحراء، واتجه إلى رؤساء الواحات يستميلهم إليه وتقابل مع بهاء الدين قراقوش، فتحالف معه سنة (581هـ)، وجمع فلول لمتونة، ومسوفة، فهزم الموحدين سنة (581هـ) بالقرب من قعصة ولكنه هزم سنة (584هـ)، ثم قتل فى العام نفسه. وخلف على بن إسحاق ابنه يحيى الذى هزم جيوش الموحدون فى عدة معارك، استولى بعدها على عدة مدن إفريقية سنة (600هـ)، ثم قضى الموحدون على بنى غانية، واستولوا على جزيرة ميورقة، ثم حاصروا مدينة المهدية حتى أجبروهم على التسليم.

*الفرس (دولة)

*الفرس (دولة) مملكة قديمة. تنسب إلى فارس بن علم بن سام بن نوح، عليه السلام. وهى بلاد كثيرة الجبال يزرع بها القمح والأرز والشعير والقطن والصمغ والتبغ والفاكهة. وبدأ نفوذ الفرس يزداد فيها سنة (559 ق. م) فى عهد الملك كيروش، عندما قام بضم أجزاء كبيرة من بلاد العرب وسواحل آسيا واليونان، وحارب التتار كثيرًا، إلا أنه قتل فى حربه معهم، وتولى بعده ابنه قمبيز الذى ضم مصر إلى مملكته، وملك بعده دارا فحارب اليونان، وخرب جزرها، ونهب أرضها. وفى عهد كسيرسيس سنة (488 ق. م) حارب اليونان فأخضع معظم بلادها، ولكن أسطوله هُزم سنة (470 ق. م)، وقتل فى العام نفسه. وفى سنة (336 ق. م) هاجم الإسكندر المقدونى آسيا الصغرى وفتحها، وفتح العراق وسوريا، ومصر، وانتصر على دار الثالث فى موقعة إربل سنة (331 ق. م)، وأخذ فارس التى ظلت تحت قبضة اليونان، بعد موت الإسكندر حتى سنة (230 م). وفى هذه السنة أسس أردشير دولة الفرس الساسانية، ومن أشهر ملوكها: أنو شروان الذى ملكها سنة (580 م)، وانتصر على الرومان فى آسيا، وتوفى سنة (620 م)؛ فتولى يزدجرد الحكم، ثم هزمه المسلمون وقتل فى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه. وظل الولاة المسلمون يحكمون فارس؛ مما ساعد على انتشار الإسلام بين أهلها. وساعد الفرس فى قيام الدولة العباسية بعد أن دمروا الدولة الأموية؛ فظهر أثرهم واضحًا فى حياة المسلمين السياسية والاجتماعية والعلمية والأدبية. وبعد أن دب الضعف فى أوصال الدولة العباسية استقلت بعض الدول الصغيرة عن الخلافة الإسلامية، ومن أشهر هذه الدول: الدولة السامانية والدولة الغزنوية والدولة السلجوقية والدولة الخوارزمية. كما استولى جنكيز خان على فارس سنة (1251 م)، وتوارثها أبناؤه من بعده حتى استولى عليها تيمورلنك سنة (1374 م). وقام الشاه إسماعيل الصفوى بإنشاء الدولة الصفوية بفارس، وتعرض خلال حكمه لفارس لعدة هجمات

من الأتراك العثمانيين. وفى عهد الشاه عباس ضم جورجيا وبغداد والموصل وديار بكر وأذربيجان، وجعل أصفهان عاصمة دولته. وفى سنة (1694 م) استولى الأفغان على فارس فى عهد صافى ميرزا الذى انتهت الدولة الصفوية بوفاته، وظهر نادرشاه سنة (1736 م)، واستولى على قندهار وكابول، ودخل الهند وبخارى وخوارزم، وبعد موته سنة (1747 م) عاشت البلاد فى حالة فوضى كبيرة حتى سنة (1896 م). وفى سنة (1907 م) طالب الفرس بتطبيق الدستور، ولكن روسيا وانجلترا قسمتا فارس بينهما؛ فأخذت روسيا المنطقة الشمالية، وأخذت انجلترا المنطقة الجنوبية، ولكن فارس تخلصت من السيطرة الأوربية سنة (1915 م).

*طخارستان (مملكة)

*طخارستان (مملكة) اسم كان يطلق على المنطقة الشمالية من أفغانستان الحالية، وهو نفسه الذى عرف فى التاريخ باسم بلاد بكتريا، وجاء ذكرها فى فتوحات الملك الفارسى كيروش إبان القرن السادس قبل الميلاد، ثم فى فتوحات الإسكندر الأكبر إبان القرن الثالث قبل الميلاد. وكانت طخارستان تمتد من حدود نهر جيحون حتى جبال هندكوش لمسافة (120) ميلاً، وكانت عاصمتها بلخ، وكانت تُسمَّى بكترا. وصلت إلى طخارستان الجيوش الإسلامية فى عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ودارت معركة بين المسلمين وجيش كان يتألف من أهل طخارستان والجوزجان والطالقان والغارياب، وانتصر جيش المسلمين وعقد صلح بين الطرفين، وفى خلافة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، أرسل والى البصرة عبد الله بن عامر قائده الأحنف بن قيس لغزو شمال خراسان، وأقر الصلح الذى عقد فى خلافة عمر بن الخطاب، ومن ثم أصبحت طخارستان ثغرًا إسلاميًّا، وقاعدة حربية حصينة ضد الصفد وغيرهم من الأتراك على حدود الدولة الإسلامية، ثم أصبحت مركزًا لانطلاق الجيوش الإسلامية عبر نهر جيحون. وفى سنة (45هـ) وَلى البصرة زياد بن أبيه، فقسم خراسان أربعة أقسام بين قواده الأربعة، فكانت طخارستان من نصيب قيس بن الهيثم. ولم يستقر العرب فى طخارستان إلا منذ سنة (85هـ) أثناء مرحلة فتوح بلاد ما وراء النهر. وشهدت طخارستان فى أواخر حكم الدولة الأموية عدة ثورات، منها ثورة الحارث بن سريج سنة (117هـ)؛ إذ نجح فى بسط سلطانه على الإقليم حتى عاد إلى الخلافة. وفى سنة (129هـ) أصبحت طخارستان مهدًا لثورة أبى مسلم الخراسانى الذى نجح فى نشر الدعوة العباسية، ومنها انتشرت إلى أنحاء خراسان، ثم توالى الحكم الإسلامى على طخارستان، وهى الآن الإقليم الشمالى من جمهورية أفغانستان الإسلامية.

*السعودية (المملكة العربية)

*السعودية (المملكة العربية) دولة عربية إسلامية تقع غرب آسيا يحدها البحر الأحمر من الغرب، والأردن والعراق من الشمال، واليمن وعمان من الجنوب، والخليج العربى وقطر والإمارات من الشرق، والكويت من الشمال الشرقى، وتبلغ مساحتها (627) ألف ميل، وتحتل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية وتشتهر المملكة بكثرة الجبال، مثل: تهامة وعسير وطويق وشمر، كذلك تنتشر الصحارى بها، مثل: صحراء النفود والربع الخالى والدهناء، وتنعدم فيها الأنهار تمامًا، ولكن توجد بعض الأودية بها، مثل: الرومة والدواسر والسرحان. ومناخ السعودية صحراوى شديد الحرارة، وكمية المطر قليلة، وإن كانت الحرارة تعتدل فى بعض المناطق. وتعتبر السعودية من البلاد الغنية لوجود البترول بها؛ فالسعودية أكبر مصدر للبترول فى العالم. وأهم مدن السعودية: مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة. وتوجد بالسعودية جنسيات من جميع دول العالم. أما السكان الأصليون فينتمون إلى أصول عربية قبلية فى أغلبهم، والدين الإسلامى هو الدين الرسمى للمملكة، والشريعة الإسلامية مطبقة فيها. وتنقسم السعودية إداريًّا إلى (14) منطقة، ويوجد بها عدد من الجامعات والكليات. ونظام الحكم فى المملكة ملكى وراثى. وقد اقترن قيام المملكة بظهور الدعوة الوهابية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومرت السعودية بثلاثة أطوار حتى أصبحت مملكة، وهى: الدولة السعودية الأولى من سنة (1744م) حتى سنة (1817م). وسيطرت هذه الدولة على الحجاز ومسقط وعمان ونجران وعسير وبعض أجزاء اليمن وانتهت على يد إبراهيم باشا سنة (1817م). ثم الدولة السعودية الثانية من سنة (1824م) حتى سنة (1890م)، وسيطرت على الرياض ونجد والأحساء والقطيف وعسير والقصيم، واستمرت هذه الدولة حتى سيطرعليها ابن رشيد، أمير حائل سنة (1890م) ولجأ الإمام عبد الرحمن بن فيصل إلى الكويت، ثم الدولة السعودية الثالثة من

سنة (1902 م) حتى الآن (1997 م)، وقامت على يد عبد العزيز آل سعود، الذى استولى على الرياض ونجد والأحساء والحجاز، وأزال حكم الأتراك وآل رشيد والأشراف، وأعلن قيام المملكة العربية السعودية سنة (1932 م). وتعاقب فى حكم السعودية من ذرية الملك عبد العزيز آل سعود الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد.

*نصر (بنو)

*نصر (بنو) انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على

حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر 1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م). وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن «ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته

فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية، وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ = 1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل (725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه. ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 - 1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم

من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ = 1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)، تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث» ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب، وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ = 1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب

خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد. بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م) طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)، وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق، واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد

رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ = 1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم، ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول

مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية: أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية. كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛ كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.

*الأحمر (بنو)

*الأحمر (بنو) انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على

حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر 1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م). وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن «ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته

فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية، وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ = 1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل (725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه. ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 - 1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم

من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ = 1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)، تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث» ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب، وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ = 1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب

خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد. بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م) طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)، وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق، واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد

رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ = 1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم، ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول

مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية: أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية. كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛ كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.

*غرناطة (دولة)

*غرناطة (دولة) انفرط عقد الأندلس بعنف بعد هزيمة الموحدين فى معركة «العقاب» أمام الجيوش الإسبانية والأوربية المتحالفة، وسارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، والقواعد تخرج من قبضة الموحدين واحدة بعد الأخرى، ينتزع بعضها ابن هود الثائر وبعضها النصارى وأتاحت هذه الظروف فرصة الظهور والمغامرة للطامحين من القادة والزعماء. فى تلك الأثناء ظهر محمد بن يوسف بن نصر أو ابن الأحمر الملقب بالغالب بالله فى وقت اشتدت فيه المحن، وانعقدت عليه الآمال؛ لتميزه بالشجاعة ومجاهدة العدو، والتف حوله الناس وبايعوه فى «أرجونة» وما حولها على بعد ثلاثين كيلو مترًا من «جيان» فى (رمضان 629هـ = يوليو 1232م) وتوافد عليه جنود الأندلس؛ فأعلن نفسه أميرًا وانتقل إلى «جيان»، ودخلت فى طاعته بلاد الجنوب كلها، لكنه أحس أنه فى حاجة إلى معقل يعتصم به؛ لأن «جيان» مدينة مكشوفة، فوقع اختياره على غرناطة الواقعة عند سفح جبل الثلج، وكان يوجد فى أعلى الجبل حصن منيع سبق تعميره أول عصر ملوك الطوائف، فتوجه إليه وسكنه واستقر به، وشيئًا فشيئًا أخذ يوسع نطاق سلطانه، حتى أصبحت دولته تضم بين جنباتها ثلاث ولايات كبيرة هى: غرناطة وألمرية، ومالقة، ووصلت حدودها إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق، واتخذ مدينة غرناطة عاصمة لدولته، وساعد على دعم دولته استيلاؤه على ألمرية ومالقة لما لهما من أهمية عظيمة فى المجالين التجارى والبحرى. وقد واجهت «ابن نصر» بعض المشكلات الداخلية والخارجية، منها: علاقته بأصهاره «بنى أشقيولة» الذين عاونوه ثم انقلبوا عليه، ونقص المال الذى كان فى أشد الحاجة إليه لتثبيت قواعد سلطانه، ومشكلته مع ملوك النصارى الذين أدركوا خطر دولته الناشئة وأرادوا القضاء عليها، فاضطر إلى أن يعقد معهم معاهدة صلح سنة (643هـ = 1245م) لمدة عشرين عامًا، وبمقتضاها حكم ابن الأحمر مملكته باسم ملك قشتالة «فرناندو الثالث» ودفع له جزية، ووافق على

حضور البلاط القشتالى باعتباره واحدًا من أمراء الملك، وعلى مده بالجنود كلما طلب منه ذلك، وبالفعل أمده ابن الأحمر بقوات ساعدت على سقوط «إشبيلية» فى يد النصارى فى (3 شعبان 646هـ = نوفمبر 1248م). وفى (جمادى الثانية 671هـ = ديسمبر 1272م) توفى محمد بن يوسف بن نصير الملقب بالشيخ، وكان قد أخذ البيعة لولده محمد، فأقر بذلك مبدأ الملكية الوراثية، وقد اعتلى محمد الثانى العرش ولقب بالفقيه؛ لاشتغاله بالعلم أيام أبيه، وقال عنه ابن الخطيب: «وهو الذى رتب رسوم الملك للدولة ووضع ألقاب خدمتها، ونظم دواوينها وجبايتها، هذا إلى جانب اعتنائه بالجيش وخاصة فرق الفرسان .. وكان سياسيا بارزًا .. ، أديبًا عالمًا، يقرض الشعر ويجالس العلماء والأدباء والأطباء والمنجمين والحكماء، والكتاب والشعراء». وقد واجه الأمير الجديد ثلاث مشكلات هى، مشكلته مع الإسبان، وقد نجح فى تحقيق انتصارات عليهم منتهزًا فرصة موت مليكهم، ومع المرينيين الذين استنصر بهم ليعاونوه فى الجهاد ضد المسيحيين فإذا بهم يطمعون فى الاستيلاء على الأندلس، الشىء الذى دفعه إلى التحالف مع ملك أراجون تارة ومع ملك قشتالة تارة أخرى لدرء خطر المرينيين، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين غرناطة وفاس، فإن الفقيه لم يكن يطمئن إلى نياتهم، وقد دفعهم ذلك إلى التحالف مع النصارى مرات، وأخيرًا كانت هناك مشكلة مع أصهار أبيه «بنى أشقيلولة» التى اشتدت فى زمنه، وانتهت بصدور أمر يقضى بتهجيرهم إلى مدينة القصر الكبير بشمالى المغرب جنوب مدينة سبتة سنة (687هـ = 1288 م). وعلى كل حال فقد توفى محمد الفقيه فى (شعبان 701هـ = أبريل 1302م) بعد أن نجح فى دعم دولته داخليا وخارجيا. تولى الأمر بعد محمد الفقيه ابنه أبو عبدالله محمد، وفى عهده تحالف ملكا قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة برا وبحرًا، ولكن «ألمرية» تمكنت من الصمود فى مواجهة أقصى هجوم عرفته

فى تاريخها وتمكن جيشها بقيادة شيخ الغزاة «عثمان بن أبى العلاء» من هزيمة جيش أراجون، لكن العلاقة ساءت بين غرناطة وفاس، وقام صاحب مالقة بثورة عارمة ضد الحكومة المركزية، وكانت فتنة وقتال وحرب وهدنة استمرت أعوامًا ولم تنته إلا بموت الأمير. ثم تولى أبو الوليد إسماعيل بن فرح (713هـ = 1313م) الذى اشتهر بإقامة الحدود وتطبيق الشرع، وفى عهده قام القشتاليون بهجوم ضخم على غرناطة، انتهى بمقتل أميرى الجيش النصرانى فى مروج غرناطة، وانتهز الأمير فرصة منازعات بين أمراء قشتالة واستولى على بعض المدن القشتالية ومنها مدينة «أشكر»، وقد استخدم الغرناطيون المدفع لأول مرة عند منازلتهم لها. ثم تولى أبو عبدالله محمد الرابع بن إسماعيل (725هـ = 1325م) الذى اشتهر بالشجاعة كما كان مغرمًا بالصيد محبا للأدب والشعر، وفى عهده قامت بعض الفتن الداخلية التى انتهزها النصارى واستولوا على عدد من الحصون، كما أحرز أسطولهم نصرًا على الأسطول الإسلامى فى ألمرية ومالقة. وقد دفع هذا السلطان أن يعبر بنفسه إلى المغرب ليستنجد ببنى مرين الذين أجابوه إلى ما طلب، ونزلت قوات المرينيين على جبل الفتح وأمكنها الاستيلاء عليه عام (733هـ = 1333م)، ولكن السلطان قُتل فى طريق عودته إلى غرناطة وتولى من بعده أخوه أبو الحجاج يوسف الأول. وشهدت مملكة غرناطة فى عهده عصرها الذهبى، فأنشئت المدرسة اليوسفية والنصيرية، وجرى الاهتمام بتحصين البلاد، وإنشاء المصانع، وإقامة الحصون، وبناء السور العظيم حول ربض البيازين فى غرناطة، وأضيفت منشآت كثيرة إلى قصر الحمراء منها باب الشريعة وغيره، وكان السلطان حريصًا على تفقد أحوال شعبه بنفسه. ومن الأحداث العظام فى عهده: الوباء الأسود الذى تفشى فى حوض البحر الأبيض المتوسط عامى (749 - 750هـ = 1348 - 1349م)، وشمل المشرق والمغرب، وراح ضحيته عدد عظيم من علماء الأندلس ورجال الدين والأدب والسياسة فيها. وعلى الرغم

من قيام أبى الحجاج بعقد سلام مع ملك قشتالة عام (734هـ = 1334م) فإنه سرعان ما تحطم وبدأ صراع بين غرناطة والمغرب من ناحية، وقشتالة تساندها أراجون والبرتغال من ناحية أخرى حول السيطرة على جبل طارق، وبعد معارك انتهى الأمر بين كل الأطراف بعقد معاهدة مدتها عشر سنوات، وتوفى يوسف الأول قتيلاً فى (أول شوال 755هـ = سبتمبر 1357م)، وتولى ابنه محمد الخامس الغنى بالله، وحدث صراع وتحالف بين هذا الطرف أو ذاك وبين ملوك النصارى، وانتهت هذه المرحلة بعقد صلح دائم بين قشتالة وأراجون وغرناطة والمغرب عام (772هـ = 1370م)، ثم توفى السلطان محمد الخامس الذى كان ملك البرتغال وسلطان بنى مرين قد ساعداه على استرداد ملكه، وبعده تعاقب على عرش غرناطة عدد من السلاطين الضعاف وتعرضت المملكة لكثير من الفتن والدسائس والمؤامرات وجرت اتصالات وتحالفات مع ملوك النصارى، وبلغ الاضطراب حدا تعاقب فيه على مملكة غرناطة اثنا عشر سلطانًا خلال القرن (9هـ = 15م)، تولى بعضهم أكثر من مرة، فشهدت غرناطة اعتلاء عشرين سلطانًا على عرشها. حدث هذا فى الوقت الذى شهدت إسبانيا المسيحية نهضة حربية وسياسية توجت بزواج «فرناندو الثالث» ملك أراجون من «إيزابيلا» ملكة قشتالة، واتحدت الدولتان فى مملكة واحدة عام (874هـ = 1469م) بعد طول نزاع وحروب، وكان ذلك بداية النهاية لمملكة غرناطة الإسلامية التى استمر بقاؤها معتمدًا - على حد كبير - على استغلال النزاع بين هاتين المملكتين، وبدأ الملكان الكاثوليكيان يعملان على إنهاء الوجود الإسلامى فى شبه الجزيرة، وعرف ذلك سلطان غرناطة فامتنع عن دفع الجزية لقشتالة وبدأ النزاع بين الجانبين، وتمكن النصارى من الاستيلاء على حصن «الحمة» عام (887هـ = 1482م). وزاد من سوء الموقف اشتغال الحروب الأهلية بين أفراد البيت الحاكم؛ فقد هجر السلطان أبا الحسن على ولداه «أبو عبدالله محمد» و «يوسف» وأعلنا الثورة على والدهما بسبب

خضوعه لسيطرة زوجته الرومية الأصل وإهماله أمهما، وقد قامت حروب بين الفريقين، أسفرت عن طرد السلطان أبى الحسن الذى لجأ إلى مدينة بسطة، كما قتل ابنه يوسف وتولى ابنه أبو عبدالله على مملكة غرناطة، وقد تعرض السلطان الجديد لهزيمة على يد النصارى وأسروه ثم أطلقوا سراحه بعد أن أملوا عليه شروطهم، وواصل السلطان الجديد الحرب ضد والده الذى سرعان ما توفى وخلفه أخوه أبو عبدالله محمد الملقب بالزغل. انتهز النصارى فرصة هذه الفتن واستولوا على بعض المدن، وبعثوا إلى الزغل يعرضون تسليم ما معه من أراضٍ مقابل مال كثير فوافق ورحل إلى فاس، وهناك وضعه سلطان المغرب فى السجن وصادر أمواله وسمل عينيه. وقد لجأت مملكة غرناطة فى السنوات الأخيرة من عمرها إلى السلطات الحاكمة فى مصر تطلب نجدتها، ولكن مصر المملوكية آنئذٍ لم يكن فى مقدورها أن تفعل شيئًا بسبب ظروفها الداخلية، وكل ما استطاعته هو التهديد. بمعاملة المسيحيين فى المشرق معاملة سيئة إذا ما تعرض المسلمون فى الأندلس للإهانة، وقد أرسل الملكان المسيحيان سفارة إلى السلطان «قانصوه الغورى» عام (907هـ = 1501م) طمأنته على وضع المسلمين وأزالت التوتر بين الجانبين. وقد التقت قوات غرناطة والمرينيين من قبل وحاربوا قوات قشتالة وليون عند «أسنجة» جنوبى قرطبة سنة (647 هـ = 1249م)، وتحمس المسلمون حماسًا عظيمًا ومزقوا قوات قشتالة شر ممزق، واضطر «ألفونسو العاشر» إلى طلب الصلح، وحدث لقاء مماثل قرب غرناطة عام (718هـ = 1318م) اتحد فيه المسلمون فحققوا نصرًا مؤزرًا، وهذا يعنى أن قوة المسلمين فى الأندلس كانت لاتزال تستطيع الدفاع عن نفسها ودحر عدوها إذا وحدت صفوفها وأدركت أهمية معاركها، ووعت جيدًا دورها فى مواجهة الأعداء وتثبيت أقدام المسلمين فى أرض الأندلس، لكن النفور بين المرينيين وبين بنى نصر كان أكثر أذىً وأشد وطأة من خلافهم مع النصارى. وبقى عبدالله فى الميدان وحده وقد

رفض تسليم غرناطة وصمم على القتال، وفى عام (896هـ = 1491م) قام الملك «فرناندو» بحصار غرناطة وأفسد زراعتها وأقام حولها القواعد، ثم توصل الطرفان إلى معاهدة التسليم، ودخل الملكان الكاثوليكيان مدينة غرناطة فى (الثانى من ربيع الأول 897هـ = الثانى من يناير 1492م). بعض مظاهر الحضارة بغرناطة فى عصر بنى نصر: ازداد عدد السكان فى مملكة غرناطة بسبب تدفق المهاجرين إليها من المدن الأخرى وبسبب هجرة المدجنين الذين أفتاهم فقهاؤهم بضرورة مغادرة البلاد التى سقطت فى يد النصارى، فلجأ إليها العلماء والأدباء وعامة الناس، كذلك عاش البربر الذين جاءوا لمعاونة غرناطة فى حروبها ضد المسيحيين، كما تحدثت بعض المصادر عن عناصر سودانية خارج مالقة، وعن صوفية وفدوا من الهند وخراسان وبلاد فارس للمرابطة فى سبيل الله، هذا بالإضافة إلى الأفارقة السود الذين عبروا إلى الأندلس منذ حركة الفتوح الأولى، وقد تغلغل حب الانتماء إلى القبائل العربية بين الأندلسيين، ويذكر فى هذا أن بنى نصر ملوك غرناطة ينسبون أنفسهم إلى الصحابى الجليل «سعد بن عبادة» سيد الخزرج وأحد زعماء الأنصار. العمارة فى مملكة غرناطة: كان لغرناطة مسجد جامع من أبدع الجوامع وأحسنها منظرًا. لا يلاصقه بناء، قد قام سقفه على أعمدة حسان، والماء يجرى داخله. وإلى جانب المسجد الجامع وجدت مساجد أخرى مهمة مثل: مسجد الحمراء وعدد من المساجد فى الأحياء المختلفة. واشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، كما عرفت المساجد الأندلسية بتجميل صحونها بحدائق الفاكهة وأقيمت المآذن منفصلة عن المساجد يفصل بينها صحن المسجد، وكانت المئذنة عبارة عن أربعة أبراج مربعة وتتكون من طابقين، ويحيط بها سور يزين أعلاه بكرات معدنية مختلفة، وحتى الآن توجد مئذنتان ترجعان إلى عصر دولة بنى نصر، الأولى مئذنة مسجد تحول إلى كنيسة هى كنيسة «سان خوان دى لوس ريس»، والثانى ببلدة «رندة» التى تحول

مسجدها إلى كنيسة باسم «سان سباستيان». الناحية العلمية: أما فى الناحية العلمية، فقد حافظت تلك الفترة على ما خطه السابقون وأضافت إليه، ونجد ثبتًا طويلا بأسماء اللامعين فى كتاب الإحاطة لابن الخطيب، وفى نفح الطيب للمقرى، كما أنشئت المدارس وتوافرت الاختراعات مثل: المدافع والبنادق التى استعملها المسلمون فى دفاعهم عن غرناطة، ويحتفظ متحف مدريد الحربى بنماذج منها حتى الآن. كذلك ازدهرت صناعات عديدة منها: صناعة السفن، والمنسوجات، وقد أنتجت المصانع القماش الموشى بالذهب فى ألمرية ومالقة وأقمشة أخرى فى غرناطة وبسطة، وتم اتخاذ الفراء من بعض الحيوانات البحرية. كما عرفت المملكة صناعة الأصباغ والجلود والحلى وغيرها؛ كذلك اهتم بنو نصر بالزراعة وما يتصل بها من وسائل الرى وأنواع المزروعات، وكانت مدينة غرناطة أجمل مدن العالم بشوارعها وميادينها وحدائقها ومرافقها وكانت تصدر صناعاتها إلى عدد من البلدان بعضها أوربى، وهناك أسماء كثيرة من أعلام الفكر ظهرت فى هذه الفترة منها: ابن البيطار وابن خاتمة وابن الخطيب، وهناك عدد من سلاطين بنى نصر ألفوا كتبًا فى الأدب، ورعوا العلم ورجاله ومعاهده.

*العامرية (دولة)

*العامرية (دولة) بعد أن أصبحت السيطرة كاملة لابن أبى عامر فكر فى إنشاء مدينة جديدة يتوافر فيها الأمان ومظاهر السلطان فكانت مدينته الزاهرة أو العامرية شرقى قرطبة والتى استغرق بناؤها عامين، وضمت قصرًا ومسجدًا ودواوين للإدارة ومساكن للحرس، ونقل خزائن المال والسلاح إليها، وأقيم حولها سور ضخم كما بنى خندقًا وتم إقطاع ضواحيها للوزراء والقادة، فابتنوا الدور وأنشئت الشوارع والأسواق حتى اتصلت مبانيها بضواحى قرطبة، وقد انتقل إليها ابن أبى عامر سنة (370هـ = 980م)، واتخذ له حرسًا خاصا من الصقالبة والبربر أحاطوا بقصره، ومنعوا الدخول والخروج إليه، وبذلك أقفرت قرطبة وأقفر قصرها ونقلت كل مظاهر السلطان إلى المدينة الجديدة، ومنع الخليفة من أى حركة إلا بإذن ابن أبى عامر حماية له من المتآمرين وحتى يتفرغ للعبادة كما زعم. حاولت «صبح» بعد هذا التطور أن تستبعد «ابن أبى عامر» مستعينة بمنافسيه، ولجأت إلى القائد «غالب» - صاحب الثغر - فى سرية تامة، فرد ابن أبى عامر بتقريب «جعفر بن على بن حمدون الأندلسى» -وهو بربرى من زناتة - عبر البحر وتقلد الوزارة، واستعان به ابن أبى عامر على كسب مودة البربر الذين توافدوا من عدوة المغرب إلى الأندلس، وغمرهم بأمواله. أراد غالب مصانعة ابن أبى عامر فدعاه إلى غزوة مشتركة فى أراضى قشتالة، وأقام له وليمة دخل معه خلالها فى نقاش عنيف ورفع السيف فأصيب ابن أبى عامر، لكنه استطاع الفرار وذهب إلى دار غالب بمدينة سالم واستولى على كل ما كان فيها، ثم دخل الفريقان فى قتال عند حصن «شنت بجنت» يعاون غالب ملك ليون، وانتهى الأمر بموت غالب وهزيمة أعوانه من المسلمين والنصارى فى (4 المحرم سنة 371هـ = 10يوليو 981م). غزوات ابن أبى عامر: بدأت سلسلة هذه الغزوات الشهيرة بعد أن استقرت الأمور لابن أبى عامر، ووصل عددها إلى نحو أربع وخمسين غزوة استقصى المؤرخ

القرطبى ابن حيان أخبارها فى كتاب له مفقود عنوانه «الدولة العامرية» ويتحدث عنها ابن خلدون فيقول: «غزا ابن أبى عامر اثنتين وخمسين غزوة فى سائر أيام ملكه، لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولاأصيب له بعث ولا هلكت له سرية». وقد بدأ «ابن أبى عامر» غزواته بمملكة «ليون»؛ ليعاقب ملكها على معاونته لغالب، وقد تحالف ضده ملوك النصارى الثلاثة: ملك ليون، وملك قشتالة، وملك نبرة، وجرت بينه وبينهم موقعة عند «شنت منكش» انتصر فيها «ابن أبى عامر»، ووصل إلى عاصمة مملكة «ليون»، ثم عاد إلى «قرطبة» سنة (371هـ = 981م) بسبب حلول الشتاء، وبعد عدة أشهر من عودته اتخذ لنفسه لقب «الحاجب المنصور» ودعى له على المنابر وصدرت الكتب باسمه ونقش على السكَّة، وقبَّل المسئولون وكبار الموظفين والوزراء يده وأصبح هو كل شىء. وفى سنة (274هـ = 984م) خرج «المنصور» إلى شمال شرقى «الأندلس» على رأس جيش ضخم مر بغرناطة ثم «بسطة» فلورقة فمرسية، ثم اتجه شمالا إلى «برشلونة»، حيث دخل منطقة «قطلونية»، ثم اقتحم مدينة «برشلونة» ودمَّرها وأحرقها فى (صفر 375هـ = يوليو 985م)، ولم يحاول المنصور الاحتفاظ ببرشلونة، وإنما قصد إلى تدمير قوى النصارى فى هذه المنطقة النائية. ثم قام المنصور عام (378هـ = 988م) بغزو مملكة ليون بعد أن انقض ملكهم على المسلمين، وطاردهم إلى آخر حدود بلاده، فسار المنصور شمالا إلى ليون، ثم غربًا إلى مدينة قلمرية شمالى البرتغال بالقرب من المحيط واستولى عليها وبقيت خرابًا مدة سبعة أعوام، ثم سار المنصور نحو مملكة «نبرة» وقصد عاصمتها «بنبلونة» ردا على إغارة ملكهم على أراضى المسلمين، وغزوة المنصور هذه تسمى غزوة البياض، وقد عاد بجيشه إلى «سرقسطة» والتقى هناك بابنة عبدالملك بعد عودته ظافرًا من حروبه فى بلاد المغرب كما سنشير فيما بعد. وفى ربيع سنة (378هـ = 988م) خرج المنصور فى جيش ضخم، واخترق مملكة ليون واستولى

على عاصمتها بعد معارك عنيفة، ثم سار إلى «سمورة» وحاصرها حتى سلمت، واعترف النبلاء له بالطاعة، ولم يبق تحت سيطرة ملك ليون إلا المنطقة الجبلية الواقعة شمالى غربى إقليم جليقية. وأثناء قيام المنصور بغزوته هذه رقم (45) انضم ابنه «عبدالله» إلى ملك قشتالة بتحريض من صاحب الثغر الأعلى «عبدالرحمن بن مطرف التجيبى» وكانت عاصمته «سرقسطة»، ولكن المنصور ضغط على الملك النصرانى عن طريق العمليات العسكرية المتتالية فسلمه ابنه، ولم يتردد المنصور فى قتل ولده فى الحال. ثم قام «المنصور» سنة (387هـ = 997 م) بأعظم غزوة قام بها متجهًا نحو منطقة جليقية، وهى منطقة وعرة من الصعب غزوها؛ لأنها ملاذ ملوك ليون يلجئون إليها كلما ضيق المسلمون الخناق عليهم، فخرج المنصور إليها من قرطبة فى (شهر جمادى الآخر سنة 387هـ= 997م)، وفى الوقت نفسه تحرك الأسطول الأندلسى فى مياه البرتغال يحمل المشاة والأقوات والذخيرة، وعبر المنصور الجبال والأنهار حتى وصل إلى مدينة قورية، ثم زحف نحو الشمال الغربى واستولى على مدينتى: «بازو» و «قلمرية»؛ حيث وفد إليه العديد من أمراء النصارى وانضموا إلى جيشه وأطاعوه، بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية شمالا نحو نهر «دويرة»، حيث وافاه الأسطول، فجعله جسرًا عبر به صوب جليقية، وسار فى شعب الجبال، ثم التزم المشى بحذاء الشاطئ يهدم ويخرب، ففرت أمامه جموع النصارى، وظل المنصور يواصل عملياته حتى انتهى إلى مدينة «شنت ياقب» المقدسة عند النصارى فدخلها ثم سار المنصور حتى وصل إلى شاطئ المحيط وتابع سيره إلى أن أصبح فى شمال البرتغال الحديثة، وهناك وزع الهدايا على الموالين له من زعماء النصارى وطلب منهم أن يعودوا إلى بلادهم ورجع هو إلى مدينته الزاهرة. وقد هزت هذه الغزوة إسبانيا النصرانية، وبقى تأثيرها بضع سنين وكانت الثامنة والأربعين من بين مجموع غزواته. ثم قام المنصور بعد ذلك بغزوات فى سنوات (389، 390هـ= 999،

1000م) فى أراضى نبرة وقشتالة؛ حيث واجه جموع النصارى متحدين مصممين على النيل منه، وتعرض المسلمون للهزيمة أول الأمر، لكن المنصور صعد على ربوة عالية، وأخذ يضاعف جهوده ويحرض الناس، حتى تمكن من تحويل الهزيمة إلى نصر ومزق العدو شر ممزق، وتوالى زحفه حتى اقتحم مدينة «برغش»، ومنها توجه إلى «سرقسطة»، ثم إلى «بنبلونة» عاصمة «نبرة» دون أن يجرؤ أحد على اعتراضه وأخيرًا رجع إلى العاصمة بعد تسعة ومائة يوم. وفى ربيع (392هـ =1002م) خرج المنصور لآخر مرة، وتوجَّه إلى قشتالة ومنها اتجه غربًا نحو «برغش» وعاث فى تلك المنطقة، وتقول المصادر النصرانية إنه تعرض لهزيمة على أيدى ملوك النصارى متحدين، وإنه اضطر إلى الفرار فى جنح الظلام بعد موقعة معهم جرت أحداثها بمكان يسمى «قلعة النسور»، وقد جرح المنصور ثم مات بعد ذلك متأثرًا بجراحه، لكن الباحثين المحدثين - ومنهم المستشرق الهولندى دوزى - يرفضون هذه الرواية لأنها تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، فهى تتحدث عن تحالف بين ملوك من النصارى ماتوا قبل هذه الموقعة، أضف إلى ذلك أن المصادر الإسلامية لاتذكرشيئًا عن تلك الموقعة، مع أنها لاتخفى هزائم المسلمين، فالصمت قرينة على أنه لم تكن هناك هزيمة ولاحتى موقعة أصلا. ومهما يكن من أمر فقد سار المنصور فى حملته هذه محمولا حتى وصل إلى «مدينة سالم»، وهناك وافاه الأجل فى (27 رمضان 392هـ = 11 أغسطس 1002م) بعد حكم دام 27 عامًا. المنصور وولاية العهد: اتخذ المنصور فى سنة (381هـ= 991م) خطة غير مسبوقة بهدف دعم سلطانه فرشح ابنه عبدالملك ليتولى الأمر من بعده، وتنازل له عن الحجابة والقيادة وجميع ما كان يتولى من خطط مكتفيًا بلقب «المنصور» ثم تلقب بالملك الكريم فى سنة (386هـ = 996م) وبولغ فى تعظيمه وإجلاله، ولم يكن المنصور يقصد أن تجتمع السلطات فى يده، فكل السلطات السياسية والعسكرية فى

قبضة يديه بالفعل، لكنه أراد أن يصبغ حكمه بالصبغة الشرعية، وأن تكون له رسوم الملك والخلافة، ويقوم بتأسيس دولة تحل محل دولة بنى أمية، لكن الظروف لم تكن مهيأة فالناس لاتميل كثيرًا إلى المنصور؛ بسبب الوسائل الدموية التى لجأ إليها لتصفية خصومه. الجيش فى عهد المنصور: أعطى المنصور اهتمامًا كبيرًا للجيش، فعنى بتنظيمه، واستقدم قوات تعد بالألوف من المرتزقة من قبائل زناتة وصنهاجة وغيرهما من البربر ومن الجند النصارى، وكون من هؤلاء جميعًا جيشًا ضخمًا ضمن ولاءه له بجوده ووفرة عطاياه، كما غير من نظام الجيش، فقدَّم رجالات البربر وأخَّر زعماء العرب وفرق جند القبيلة الواحدة، وكان الخليفة الناصر من قبله قد مهد له الطريق عندما سحق القبائل العربية وأضعف هيبتها حسبما أشرنا من قبل، أى أن ابن أبى عامر وجد الطريق ممهدًا، فلم تلق سياسته كبير معارضة. وقد نفر المحاربون القدماء والأندلسيون بشدة من ذلك الجيش وسعِدَ «ابن أبى عامر» بهذا النفور لأنه يقف حائلا بين عناصر الجيش القديم وبين اتحادها ضده، كما أنه يشعر البربر بضرورة الاعتماد عليه. ومن أهم ما فعله فصل جيش الحضرة (قرطبة) عن الجيش العام، وتعيين نفسه قائدًا له، فأصبح قوة عسكرية، وفتحت له والدة الخليفة بيت المال ظنا منها أنه يعمل لحسابها وحساب ابنها، فأكثر من الجند، وأصبح مستبدا عسكريا، وتحوَّل من فقيه إلى رجل سياسة، وملك من القوة العسكرية ما لم يملكه من سبقوه، فالناصر رغم ميله إلى الاستبداد كان يقف عند حد معين، ويعلم أنه من المستحيل القضاء على النصارى فيكتفى بإضعافهم وحملهم على أداء الجزية، أما المنصور فتتوالى ضرباته دون أن يحاول ضم جزء إلى أراضى الخلافة، أو إسكان بعض المسلمين فى الأراضى التى يفتحها وإنما يضرب ويحوز الغنائم ويعود النصارى إلى ما كانوا عليه، وكأنه لم يكن يهدف إلا إلى ذلك. وجدير بالذكر أن

المنصور فى سنة (388هـ = 998م) أعفى الناس من إلزامهم بالغزو؛ بسبب ما وصلت إليه أعداد الجيش وما توافر له من قوة، واكتفى بالقوات المرابطة، وقد بلغ الجيش المرابط أى الثابت فى زمن المنصور (12100) من الفرسان يصرف لهم جميعًا المرتبات والسلاح والنفقة بخلاف (600) فارس للحراسة الخاصة، أما الجيش المرابط من الرجَّالة فقد بلغ ستة وعشرين ألفًا، وكان هذا العدد يتضاعف بمن ينضم إليه من المتطوعة أثناء الصوائف ولا يدخل فى هذا الخيل ومطايا الركوب ودواب الحمل وغيرها من العدد، وكان المنصور يتولى قيادة قواته بنفسه غالبًا. وقد حققت غزواته أهدافها من ردع النصارى ومنعهم من الهجوم على أراضى المسلمين، وكان يعرف أبرز جنده جميعًا بأسمائهم ويدعوهم إلى المآدب التى يقيمها عقب كل انتصار، ومع ذلك فإن المحصلة النهائية لغزواته كانت ضعيفة فهو لم يقضِ على كل قوى النصرانية أو يسحقها، وغزواته وإن أضعفت النصارى، فإنها لم تغير أحوالهم، وبقيت حدود دولة الإسلام على ما هى عليه، فهى غزوات دويها عظيم تجذب الناس إليها، لكن نتائجها قليلة فقد أنهكت قوى الجيوش الإسلامية دون أن تحقق هدفًا ثابتًا أو تقضى على خصم، إنها مثل الطبل الأجوف صوت كبير وعمل قليل. إدارة المنصور: أظهر المنصور مقدرة كافية ممتازة فى جميع المناصب التى تولاها وشهدت البلاد فى زمنه أمنًا واستقرارًا وطمأنينة لم تعرفها قبله، وفى زمنه لم تعرف البلاد الثورات مقارنًا بغيره، وازدهرت الصناعة والتجارة والزراعة، وارتقت العلوم والآداب، وامتلأت خزائن قرطبة بالمال حتى وصلت الإيرادات إلى نحو أربعة ملايين دينار، بخلاف الموارد من المواريث ومال السبى والغنائم، وقد عاون المنصور مجموعة من الكتاب والوزراء فى هذا العصر من أبرزهم: «أبو مروان عبدالملك بن شهيد» و «محمد بن جهور» و «أحمد بن سعيد بن حزم» والد الفيلسوف المشهور، و «خلف بن حسين بن حيان»

والد أمير المؤرخين الأندلسيين «ابن حيان»، ومن الكتاب «سعيد بن القطاع» وغيره من أبناء الأسر العريقة التى تعاقب أبناؤها على الوزارة. العمارة فى عهد المنصور: لم يخل عهد المنصور من الإنشاءات العظيمة على الرغم من الغزوات المستمرة وقد أشرنا إلى بنائه مدينته الزاهرة بقصورها وحدائقها، وجعلها قصرًا للحكم والإدارة، وقد بنى المنصور بجانبها منية جميلة ازدانت بالحدائق والقصور أسماها «العامرية»، وكان يقصدها عندما يريد الاستجمام. كذلك قام بزيادة المسجد الجامع فى «قرطبة» بعد أن اتسعت المدينة، وضمت واحدًا وعشرين حيا، الواحد فيها أكبر من أية مدينة أندلسية، وقد حفر حولها خندقًا بلغ 16 ميلاً وزاد سكانها كثيرًا لا سيما البربر، وضاق المسجد الجامع بهؤلاء السكان فأدخل المنصور فى سنة (387هـ = 997م) زيادة عليه من الناحية الشرقية، بلغت المساحة الأصلية نفسها تقريبًا، وحرص المنصور على الاشتراك فى هذا المشروع بنفسه، واشتغل فيه أسرى النصارى، وتم تعويض أصحاب الدور والأماكن التى صودرت لهذا الغرض، ولا يزال هذا الجناح قائمًا حتى اليوم، ويعرف بمسجد المنصور، وإن تحولت عقوده الجانبيه إلى هياكل وكنائس. وبهذه الزيادة بلغت مساحة المسجد الجامع ما يزيد على ستة أفدنة، كما انفرد بطرازه الرائع، وليس فى العالم مسجد ولا كنيسة فى مثل حجمه اللهم إلا قصر «فرساى» بفرنسا. كما جدد المنصور قنطرة قرطبة على نهر الوادى الكبير، وكان «السمح بن مالك» قد جددها من قبل وأنفق المنصور على تجديدها فى سنة (378هـ = 988م) مائة وأربعين ألف دينار وبنى قنطرة «أستجة» على نهر «شنيل» أحد فروع نهر الوادى الكبير. المنصور فى نظر المؤرخين: يشهد المؤرخون القدماء للمنصور بالكرم، وبأنه كان يبذل الأموال للمتصلين به والفقراء خاصة، ورغم سفكه للدماء فقد كان يتظاهر بالتقوى، حريصًا فى كل غزواته على حمل مصحف خطه بيده، ويقال إنه

كان منصفًا عادلا يزجر الظالم حتى لو كان من كبار حاشيته، وكان صبورًا حليمًا، ولكنهم ينعون عليه شغفه بمعاقرة الخمر، ولم يتخل عن ذلك إلا قبل وفاته بعامين. وتميز المنصور بأنه كان شغوفًا بالعلم والأدب، محبا للعلماء والأدباء والشعراء ويناظرهم ويشترك معهم فى نظم الشعر ويغدق عليهم، ساعده على ذلك نشأته فى بيت علم وأدب، وبراعته فى علوم الشريعة وفنون الأدب خلال فترة صباه. وحرص المنصور على نشر العلم والمعرفة بين طبقات الشعب، فأنشأ كثيرًا من دور العلم فى قرطبة وأنفق عليها، وكان يزور المساجد والمدارس، ويمنح المكافآت للمتفوقين من الطلاب، كما حرص على جمع الكتب ومكافأة أصحابها، وقد منح «صاعد البغدادى» (500) دينار مكافأة له على كتابه «الفصوص»، وكان يكره الفلسفة، ويرى أنها مخالفة للدين كما كان يبغض التنجيم ويطارد المنجمين، وقد استخرج من المكتبة الأموية جميع كتب الفلاسفة والدهريين وأحرقها بحضرة كبار العلماء، وما فعله «المنصور» أمر خطير، تسبب فى ضياع ثروة علمية عظيمة. ونظرًا للشهرة الواسعة التى حققها المنصور، جاء إليه بعض ملوك النصارى واستعطفوه وتقربوا إليه وزوجوه من بناتهم. ويرى بعض المؤرخين المعاصرين أن «ابن أبى عامر» من أعظم الرجال وأنه قام بما لم يقم به أحد فى تاريخ الإسلام، فقد استطاع الاستيلاء على الحكم فى دولة كبرى، وهى فى أوج سلطانها ووجه أمورها بصورة مستبدة. ومع ذلك فإن هنا أمورًا ثلاثة هى أكثر ما أضر به المنصور: 1 - إقامته ملكه على جند مرتزقة تعالوا على الناس، واصطناعه لبيوت جديدة من زعانف الأسر، وصغار الفقهاء والطامعين، وتوليتهم وظائف القضاء والولايات، وقد أثقل هؤلاء على الناس، وأرهقوهم بالمطالب، واستولوا على أموالهم، ومن هؤلاء بنو عباد فى إشبيلية، ومن البربر الذين استعان بهم فى النواحى، بنو الأفطس فى بطليوس، وبنو ذى النون جنوب غربى طليطلة - بالإضافة

إلى الصقالبة الجدد الذين اشتراهم المنصور لحسابه ومن هؤلاء جميعًا يتكون الحزب العامرى - وهم الذين قضوا على وحدة الأندلس فيما بعد، ويتكون منهم ما يعرف بملوك الطوائف. 2 - انعدام المفهوم الأخلاقى عنده، وهذا جعل الناس يخافونه ولا يحبونه، بل إن أنصاره ما كانوا يأمنونه؛ لأنه كان كثير التجسس فكان يطلب من العبيد والجوارى أن يكونوا عيونًا فى بيوتهم وأفسد أخلاق الناس بالرشوة ونحوها. 3 - حجر المنصور على الخليفة «هشام»، وتعيين ابنه «عبدالملك بن المنصور» وليا لعهده، والتخلص من معارضيه بالتآمر والقتل. ولقى المنصور ربه فى «مدينة سالم» فى (27 من رمضان سنة 392هـ = أغسطس سنة 1002م) كما أسلفنا وتولى الأمر من بعده ابنه عبدالملك المظفر. عبدالملك المظفر بالله ابن المنصور [رمضان 392 - صفر 399هـ = أغسطس 1002 - أكتوبر 1008م]: صدر أمر الخليفة «هشام» بتولية «عبدالملك» الحجابة بعد وفاة والده، وقضى عبدالملك بسرعة على من أراد انتهاز الفرصة للعودة إلى حكم الخليفة، وقد بدأ عهده بإسقاط سدس الجباية (الضرائب) عن السكان بكل نواحى الأندلس فاستبشر الناس به خيرًا. سياسة عبدالملك مع النصارى: ظن ملوك النصارى أن خطر الغزوات الإسلامية عليهم سيقل بعد وفاة المنصور، لكنهم كانوا واهمين لأن عبدالملك بدأ بعد أشهر قليلة من ولايته يستعد لغزوته الأولى، ووفد إليه الزعماء والمتطوعة من المغرب وغيرها للاشتراك معه، فرحَّب بهم وبذل لهم الأموال ووزع عليهم السلاح، وخرج بالجيش من مدينة الزاهرة فى (شعبان 393هـ = يونيو 1003م)، وتوجه إلى مدينة «طليطلة»، ومنها إلى مدينة «سالم»، حيث انضم إليه «الفتى واضح» فى قواته وقوات من النصارى حسب اتفاقهم مع المنصور، ثم اتجه الجنود نحو الثغر الأعلى، ثم من سرقسطة إلى «برشلونة»، حيث استولت القوات الإسلامية على بعض الحصون المنيعة، واستولت على سبى ومغانم، ثم

عاد المسلمون إلى قرطبة عن طريق مدينة «لاردة» فى شهر ذى القعدة، وقد تلقى عبدالملك رسالة من أمير برشلونة تطلب الصفح والمهادنة فاستقبل الرسل استقبالا يليق بمقام الخلافة. ولما اعتدى أمير قشتالة على أراضى المسلمين سنة (394هـ = 1004م) قصد إليه عبدالملك وأدبه، واضطره إلى التسليم وطلب الصلح ثانية، وتعهد على التعاون مع عبدالملك فى حملاته ضد مملكة ليون وضد خصومه جميعًا. وفى العام التالى خرج «عبدالملك» وسار نحو طليطلة ولحق به «الفتى واضح» وملك قشتالة، واتجهوا شمالا نحو أراضى ليون ومدينة سمورة وعاث فى هذه النواحى ووصل إلى جليقية واستولى على كثير من المغانم والسبى، ولكنه لم يحقق نتائج حربية ذات قيمة. خرج عبدالملك فى أواخر سنة (396هـ = 1006م) إلى «بنبلونة» عاصمة «نبرة» فقصد «سرقسطة» و «شقة» و «بريشتر» ومنها اخترق المسلمون أراضى العدو وأخذوا يقتلون وينهبون، ثم تعرض الجيش لبعض العواصف ورعد وبرق قاسٍ، واضطر إلى العودة إلى العاصمة. حين وصل إلى مسامع عبدالملك أن أمير قشتالة يفكر فى الاعتداء على أراضى المسلمين، خرج لغزوته الخامسة المسماة «غزوة قلونية» فى (صيف 397هـ = 1007م)، واخترق أراضى قشتالة ليحارب ملكها الذى تحالف معه ملك ليون وملك نبرة، وعدد من زعماء النصارى الذين وحدوا صفوفهم، ومع ذلك فقد تمكن عبدالملك من إلحاق هزيمة بهم جميعًا عند مدينة «قلونية»، وحملهم على طلب الصلح ثم عاد إلى قرطبة أواخر العام المذكور، فسر الناس بما حقق، واتخذ هو لقب «المظفر بالله» إشادة بما أحرز من نصر عظيم. لكن ملك قشتالة جدد عدوانه وغدر بالمسلمين فخرج إليه عبدالملك فى (صفر سنة 398هـ = أكتوبر 1007م)، واخترق أراضى قشتالة الوسطى، وقصد إلى بعض الحصون المنيعة، وجرت معركة، اضطر النصارى بعدها إلى دخول الحصن، وهجم عليهم المسلمون وضربوا الحصن بالمجانيق والنيران حتى حملوا العدو على طلب التسليم، وهنا

أمر عبدالملك بقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، ثم رجع إلى العاصمة فى شهر ربيع الثانى. وفى شوال من العام نفسه خرج عبدالملك بغزوته السابعة والأخيرة وتعرف «بغزوة العلة»؛ إذ إنه ما كاد يصل إلى مدينة سالم حتى اشتد به المرض وتفرق عنه المتطوعة، واضطر إلى الرجوع إلى قرطبة فى (المحرم 399هـ = سبتمبر 1008م) لكنه شعر بتحسن فى صحته فعمل على استئناف الغزو بعد فترة وجيزة لكن حالته ساءت، وتعرض لنكسة سببها التهاب رئوى، وعاد إلى العاصمة فى محفة حيث مات فى (16 من صفر سنة 399هـ = 21 من أكتوبر 1008م) بعد حكم دام نحو سبع سنوات. أسلوب عبدالملك فى الإدارة والحكم: التزم عبدالملك الأسلوب الذى كان يحكم به والده الأندلس فجعل الخليفة محجورًا عليه لاحول له ولاقوة. وجمع السلطات كلها فى يديه، وحدَّ من نفوذ الوزراء والكتاب وراقبهم وحاسبهم، وجلس للناس وهجر اللهو، وعمل على تنمية الموارد وترتب على هذا تحسن فى الأحوال المالية التى كانت قد ساءت بسبب كثرة النفقات. ولم يكن لعبدالملك نصيب كبير فى مجالات العلم والأدب وكان مجلسه لايقوم إلا على الأعاجم من البربر وغيرهم، ومع ذلك فقد استمر يجرى الرواتب التى كان أبوه يجريها على العلماء والأدباء والندماء، كما استمع إلى الشعر ووصل الشعراء. عبدالرحمن بن شنجول قلد الخليفة هشام الحجابة لعبدالرحمن بن منصور، وأنعم عليه بالخلع السلطانية، وكانت أمه ابنة لملك «نبرة» تزوجها «المنصور» وأنجب منها، وقد أسلمت وتسمت باسم «عبدة» ولأنه أشبه جده لأمه المسمى «شانجة» لقب بشنجول أو شانجة الصغير. ولم يكن الشعب يميل إلى «عبدالرحمن» لما فيه من دماء نصرانية ولانحراف سلوكه، ولأنه جرى على منهج أبيه وأخيه فى الحجر على الخليفة هشام مع الاستبداد بالرأى وإن مال هو إلى التودد إلى الخليفة ومخالطته، وقد منحه الخليفة لقب المأمون ناصر الدولة بعد عشرة أيام من ولايته، ليس هذا فحسب، بل إن عبدالرحمن جرؤ

على ما لم يجرؤ عليه أحد لا المنصور ولا عبدالملك، حين نجح بعد محاولات فى استصدار مرسوم من الخليفة بتعيينه وليا للعهد من بعده، لتنتقل رسوم الخلافة من أسرة بنى أمية إلى أسرة بنى عامر، وأقر فقهاء قرطبة وعلماؤها هذا التحول وزكاه الوزراء والقضاة والقادة، وكان ذلك فى ربيع الأول سنة (399هـ= 1008م)، ومضى «عبدالرحمن» أبعد من ذلك حين عين ابنه الطفل فى خطة الحجابة ولقبه سيف الدولة، ثم اتخذ قرارًا جلب عليه كثيرًا من السخط حين طلب من أكابر الموظفين ورجال الدولة خلع القلانس الطويلة التى يتميزون بها لأنها لبس الأندلسيين، وتغطية الرأس بالعمائم التى هى لباس البربر فأذعن هؤلاء كارهين. فكر عبدالرحمن أن يشغل الناس بالغزو، فقرر أن يتوجه إلى جليقية رغم تحذيره من سوء الأحوال الجوية، ومن انقلاب قد يقوم به المروانية ضده، لكنه صمم وسار بالجيش نحو طليطلة، ومنها إلى جليقية وسط أمطار وبرد شديدين وكان يمارس هوايته فى اللهو والشراب، وقد اخترق مملكة ليون قبل أن يصل إلى جليقية، فتحصن الأعداء برءوس الجبال، ولم يجد عبدالرحمن سبيلا إلى مقاتلتهم بسبب كثرة الثلوج وفيضان الأنهار، فاضطر إلى أن يعود دون أن يفعل شيئًا. وعند وصوله إلى طليطلة جاءته الأنباء تفيد أن انقلابًا قد حدث فى قرطبة وأن الثوار استولوا على مدينة الزاهرة فاضطربت صفوفهم، واضطر عبدالرحمن إلى أن يعود عن طريق قلعة رباح، ولم يلتفت إلى نصح من طلب منه البقاء فى طليطلة، لاعتقاده أن الناس سترحب به إذا رأوه يقترب من قرطبة. وكان السبب الرئيسى للثورة هو استبداد بنى عامر وقهرهم للناس استنادًا إلى قوة قوامها البربر والصقالبة، ثم كانت ولاية عبدالرحمن للعهد واستئثاره برسوم الخلافة والحكم هى الشرارة التى انتقلت منها نيران الثورة إلى كل العناصر الناقمة، وعلى رأسهم بنو أمية، وكان المخطط للثورة والمتابع لمراحل تنفيذها «الزلفاء» والدة عبدالملك -التى اعتقدت أن

«شنجول» سم ابنها - ثم فتى أموى اسمه «محمد بن هشام بن عبدالجبار بن عبدالرحمن الناصر» كان عبدالملك قد أعدم أباه. لم يكن المروانية وحدهم يرغبون فى القضاء على العامريين، وإنما كان معهم كل العناصر الناقمة من البيوت العربية مضرية أو يمنية، يؤازرهم كل طبقات الشعب، وأحكم هؤلاء جميعًا خطتهم وانتهزوا فرصة خروج عبدالرحمن للغزو ومعه معظم الجيش ليقوموا بالتنفيذ، وفى يوم (16 من جمادى الأولى 299هـ = 15 من يناير 1009م) جاءت الأنباء بأن عبدالرحمن عبر بجيشه إلى أرض النصارى، فقام محمد بن هشام بإنزال ضربته، وهجم على قصر قرطبة وقتل صاحب المدينة، والتف حوله الساخطون، ثم اقتحم سجن العامرية وأخرج من فيه، واجتمع حوله المروانية وانضم إليه الناس من كل حدب وصوب، وبعد أن سيطر ابن عبدالجبار على القصر واستولى على كل ما فيه من سلاح وغيره، طلب من الخليفة هشام أن يخلع نفسه فوافق، وانتهت بذلك خلافته الصورية التى دامت (33) سنة وتولى الأمر «محمد بن هشام بن عبدالجبار» وتلقب بالمهدى فى (17 من جمادى الآخرة 399هـ = 16 من فبراير 1009م) وجاءه الناس مهنئين، وما شعروا أن تلك هى بداية الفتنة التى ستطيح ليس بالدولة العامرية وحدها بل وبالخلافة بكل ما تمثله. وفى اليوم التالى قام الثائرون بهدم مدينة الزاهرة وقصورها، وأحست الحامية المنوط بها الدفاع عنها أن المقاومة غير مجدية ففتحوا أبواب المدينة شريطة أن يؤمنهم المهدى، وتم نهب القصور والاستيلاء على كل ما كان فيها من متاع وجواهر، ولم يكتف المهدى بذلك وإنما قام بهدم كل مبانى مدينة الزاهرة وأسوارها بعد أن استولى على كل ما فيها من خزائن وأموال وتحف حرصًا منه على إزالة كل آثار بنى عامر، وأصبحت المدينة أطلالا، وتحولت إلى أثر بعد عين. وقد حاول «عبدالرحمن» وهو فى «طليطلة» بعد أن بلغته أخبار الثورة أن يتنازل عن ولاية العهد مكتفيًا

بالحجابة، فلم يلتفت إليه أحد ثم سار إلى قرطبة، ولما اقترب منها تركه جند البربر وفروا فى جنح الظلام، ثم تمكن الخليفة الجديد من مطاردته وإلقاء القبض عليه وهو مختبئ فى أحد الأديرة، وقتله فى (3 من رجب 399هـ = 3 من مارس 1009م). وهكذا انتظر الشعب أول فرصة وأطاح بالطغيان المستبد الذى فرضه العامريون، ولم يشفع لذلك النظام ما تحقق على يدى المنصور من أمن واستقرار عم ربوع الأندلس وكانت تلك الثورة بداية مرحلة من الفتن والفوضى الشاملة التى أنهت وجود الحكومة المركزية، وقضت على الخلافة الإسلامية، ومزَّقت الأمة وجعلتها أشلاء متناثرة. ولم يكن محمد بن هشام بن عبدالجبار شخصًا مناسبًا لهذه الفترة، إذ كان قليل التفكير لا يعرف شيئًا عن الدولة وشئونها أحاط نفسه بطائفة على شاكلته لا تحسن غير النهب والسرقة ولم يكن يحركهم إلا شىء واحد هو الانتقام من العامريين، وإهانة البربر، عقابًا لهم على تأييدهم بنى عامر.

*حمود (بنو)

*حمود (بنو) كان تمزق الأندلس فرصة يقتنصها من يريد، ولهذا كتب «على بن حمود» صاحب سبتة إلى «خيران» يزعم أنه تلقى رسالة من «هشام المؤيد» يوليه فيها عهده، ويطلب منه إنقاذه من البربر ومن سليمان المستعين والتف حول «ابن حمود» بعض الأعوان، وعبر بهم إلى الجزيرة الخضراء بناء على طلب خيران، واستوليا معًا على بعض البلاد، وقرَّرا الزحف على قرطبة يعاونهما بربر غرناطة، واستعد سليمان لقتالهم، ونشبت بينهما معركة فى مكان قريب من قرطبة وانتهى الأمر بهزيمة سليمان ووقوعه فى الأسر. بعد ذلك دخل على بن حمود قرطبة وبويع بالخلافة فى (محرم 407هـ= أول يوليو 1016م)، وأعلن وفاة هشام المؤيد، وقتل سليمان وأباه وأخاه، وتلقب بالناصر لدين الله، وبموت سليمان انتهت الخلافة الأموية بالأندلس بعد حكم دام (268) سنة منذ وصل إليها عبدالرحمن الداخل، وبدأت خلافة الحموديين الأدارسة. قبض على بن حمود على الحكم واشتد فى معاملة البربر وواجه أية محاولة للثورة بمنتهى الشدة سواء قام بها العرب أو البربر، وفى الوقت نفسه أحسن معاملة القرطبيين، يعاونه فى ذلك مجموعة من أعوان الخلافة السابقة من أمثال أبى الحزم بن جهور وابن برد. لكن الأمور ما لبثت أن اتخذت خطا جديدًا، ذلك أن خيران العامرى دخل قرطبة فلم يجد هشاماً المؤيد حيا، وخشى سطوة على بن حمود فغادر قرطبة، وأعلن العصيان واتجه ناحية شرق الأندلس، حيث يجتمع الزعماء العامريون، وأعاد دعوة بنى أمية فى شخص رجل منهم اسمه عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله من أحفاد عبدالرحمن الناصر، وبايعه خيران بالخلافة ولقب بالمرتضى، وانضمت إليه ولايات سرقسطة والثغر الأعلى وشاطبة وبلنسية وطرطوشة وغيرها، وسارت قوات هؤلاء نحو غرناطة لمواجهة قوات صنهاجة، وجرت معركة انتهت بهزيمة الأندلسيين ومقتل المرتضى، وكان «على بن حمود» قد غيَّر سلوكه، مع أهل قرطبة بسبب علمه بميلهم

إلى المرتضى فنزع سلاحهم وصادر أموالهم واعتقل زعماءهم وعلى رأسهم «أبو الحزم بن جهور»، ثم تربص جماعة من الصقالبة بعلى هذا، وقتلوه فى الحمام فى (الثانى من ذى القعدة سنة 408هـ = 23من مارس 1018م) بعد خلافة دامت عامًا وتسعة أشهر. بعث زعماء زناتة بخبر مقتل «على» لأخيه القاسم الذى كان واليًا على إشبيلية، فخف مسرعًا، وبويع بالخلافة فى الثامن من الشهر نفسه وتلقب بالمأمون، وقد مال فى سياسته إلى اللين والإحسان إلى الناس وحاول التقرب إلى الفتيان العامريين، فولَّى زهير العامرى على جيان وقلعة رباح لكنه لم يستطع التخلص من سيطرة البربر عليه، فتآمر عليه أبناء أخيه، وزحف يحيى بن على بن حمود على قرطبة، وبويع بالخلافة فى جمادى الأولى سنة (412هـ = 1021م) وتلقب بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد استقر به المقام فى إشبيلية وتلقب بالخلافة أيضًا. والعجيب أن كلا الرجلين اعترف لصاحبه بالخلافة، ولم يسمع قبل ذلك بخليفتين تصالحا واعترف كل منهما بصاحبه من قبل. ثم لم يلبث أن دعا البربر القاسم إلى قرطبة، وولوه الخلافة فى (18 من ذى القعدة من العام نفسهـ)، ولقب بأمير المؤمنين، ولكن الرجل لم يكن موفقًا فى سياسته، فقد أعان البربر على أهل قرطبة فعاملوهم معاملة قاسية وطاردوهم وأهانوهم، وجرت معارك متفرقة بين الطائفتين، ثم جرت موقعة كبيرة فاصلة انتهت بانتصار القرطبيين وتمزيق البرابرة، واضطر القاسم إلى الرجوع إلى إشبيلية، وجرت تطورات عاد البربر بعدها وبايعوا يحيى بن على بن حمود ولقبوه بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد سجن وبقى فى محبسه حتى قتل خنقًا بعد ذلك بفترة سنة (431هـ = 1040م). كان أهل قرطبة قد سئموا سلوك البربر وقتالهم، وقرروا رد الأمر لبنى أمية، وعقدت جلسة لهذا الغرض فى المسجد الجامع تمت فيها مبايعة عبدالرحمن بن هشام فى (16 من رمضان سنة 414هـ= ديسمبر سنة 1023م)، ولقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته

بعض القدامى من وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح عهده بإلقاء القبض على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل فرسان البربر وأحسن وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا، وهجموا على القصر وقتلوا كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب بالمستكفى بالله، وأتى بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (3من ذى القعدة سنة 414هـ = 17 من يناير سنة 1024م). كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى البطالة والمجون، وفى عهده تهدمت القصور الناصرية، وأتى على مدينة الزاهرة من أساسها، واضطهد معظم البارزين من الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم بخلعه واضطر إلى مغادرة قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض مرافقيه من قتله فى ضاحية قرطبية. وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة» الشاعرة المعروفة. رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة وجاء إليها «يحيى ابن على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير» العامريان، وتم الاتفاق بين الجميع يقودهم أبو الحزم بن جهور على تولية أموى، ووقع اختيارهم على «هشام بن محمد» الذى بويع ولقب بالمعتد بالله، بيد أنه ألقى بمقاليد الأمور كلها إلى رجل من المستبدين تولى وزارته اسمه «سعيد القزاز» بالغ فى اضطهاد زعماء البيوت وإهانتهم وشغل الخليفة نفسه عن أمور الحكم بشرابه ومجونه، وضاعت هيبة الخلافة تمامًا. ثم اضطر القرطبيون الناقمون إلى الفتك بالوزير «سعيد» فى (ذى القعدة 422هـ = نوفمبر 1031م)، ثم ساروا إلى القصر يتزعمهم «أمية بن عبدالرحمن العراقى» من أحفاد «الناصر» ونهبوا أجنحة القصر. وانتهى الأمر باتفاق رأى الناس جميعًا بزعامة أبى الحزم بن جهور على التخلص من بنى أمية، وإبطال رسوم الخلافة كلها، وإجلاء كل الأمويين عن مدينة قرطبة، فليس هناك من يستحق الخلافة، وينبغى أن يتحول الحكم إلى شورى بأيدى

الوزراء وصفوة الزعماء أو من اسماهم «ابن حزم» «الجماعة». تولى ابن جهور تنفيذ الأمر بمنتهى الحزم حتى أجلى الأمويين عن المدينة ومحا رسومهم تمامًا، وبهذا انتهت معالم الخلافة الأموية، وانقطع ذكرها فى كل من الأندلس والمغرب.

*الفاطمية (دولة)

*الفاطمية (دولة) أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الروحية والزمنية على ذرية الإمام «على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث «غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم «إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه «موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا، فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر»، ثم من بعده ابنه «محمد»، فابنه «جعفر الصادق»، فابنه «محمد الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. قامت «الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة»، التى تنتمى إلى بربر «البرانس»، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها، ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية» و «قسطنطينة»، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد «كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة» بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره

ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته فى السفر معهم إلى «مصر»، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم، فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)، واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج «الأندلس» و «المغرب الأقصى»، والمتوجهين لأداء فريضة الحج. وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية، وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء «كتامة»، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة «كتامة»، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله» على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض أبناء القبائل الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى: «الأغالبة» بالمغرب الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار» بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن «المغرب الأقصى»، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة «كنيونة»، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ= 906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة» وقضى على نفوذ «الأغالبة»، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى «المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى

التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة» فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ= 969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد [297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 - 334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 - 341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ = 952 - 975م]. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد أسلاف «المعز»، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى «بغداد»، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس وشقاء فى أواخر عهد «كافور»، كما كان لانخفاض النيل الذى استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها، فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» - عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع رواتبهم، ونشط جواسيس «المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز» رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه، وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه، وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر». سار «جوهر الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة (358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام

قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»، وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج «المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل «جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا، واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى، وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما

بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى. و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم. وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة التى بنيت عند إنشاء «القاهرة». وأيا كانت نسبة هذه التسمية إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك الفاطميين قد توطدت فى «مصر»، عمل على تحقيق ما جاء من أجله، فزاد فى الأذان عبارة: «حى على خير العمل»، وجهر بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى، وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. الله صلِّ على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة «المعز»، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس الخضراء شعار العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى «مصر»، فوافقه «المعز»، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة (362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى

استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة» عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر»، اتجه ببصره تجاه بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة قاصدة «دمشق»، واستولت فى طريقها على «الرملة» و «طبرية»، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية - جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق»، وتمكن «جعفر» من السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان العباسيين فى الشام. وقد توالى على حكم الدولة الفاطمية عدد من الخلفاء هم: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 - المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 - المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 - العاضد. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى» كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة «العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه، وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر»، فعمل «صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس،

وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين» يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه إزالة الخلافة الفاطمية، والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى سنة (567هـ). الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم: قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا لهم. إرثًا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ويختلفون فى ذلك عن أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى»، بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه «إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة

وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى «مصر»، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام، وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم. كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر، كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا، وكان له حق الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر، باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم

بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات. وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة. النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 - القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة - مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها الباطنى هو الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق

فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى «مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين، ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى، عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه الشهرى مائة دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى «المقريزى»: «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف

جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا»، ويروى «القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى «ديوان الجهاد»، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون والمماليك. مُنْشآت الفاطميين: تميز العصر الفاطمى بمنشآته العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة»، وإنشاء «الجامع الأزهر»، وتشييد «القصر الشرقى»، و «القصر الغربى»، و «قصر البحر»، و «قصور عين شمس»، و «جامع الحاكم»، و «جامع الأولياء». تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم، ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء، وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد «المعز»، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛ فذكر «ابن دقماق»: أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له «القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى: «لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا»، فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة»، وهناك من ذكر أنها

سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة» بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت مدينة «الفسطاط»، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس»، ثم وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز»، ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة، وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى «المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين»، وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة 359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة 360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس التدريس فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ. وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس «قاعة الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة» وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ

«الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح «جوهر» «مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز» (285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر». بزغ نجم «مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين»، التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة، وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب

المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا، وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى «عيذاب»، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد، ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية، ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط الوزراء على الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة

الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى»، وقويت شوكتهم فى عهد «الحاكم»، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم. مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات منهن ثروات طائلة، مثل: «رشيدة ابنة المعز لدين الله»، التى بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة» خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز» أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته «ست الملك»، فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت «ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة

الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر «المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه «المقريزى»: «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد». أما الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد: «عيد رأس السنة الهجرية»، الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من شهر ذى الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى»، وفيهما تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم بين «مكة» و «المدينة»، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نزل بموضع «الغدير»، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «علىٌّ منى كهارون من موسى،

اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن»، ذلك إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ، بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة».

*العبيديون

*العبيديون أصل الشيعة الفاطمية: قامت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلى الشيعى القائل بالنص والتعيين، ويقصرون خلافة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الروحية والزمنية على ذرية الإمام «على» - رضى الله عنه - مستندين فى ذلك إلى حديث «غديرخم» الشهير، وقد لجأت الإسماعيلية بعد وفاة إمامهم «إسماعيل بن جعفر» إلى الاختفاء والعمل السرى، فقد افترق أشياع «جعفر الصادق» بعد وفاته إلى فرقتين، ولت الأولى ابنه «موسى الكاظم» إمامًا، وولت الثانية ابنه «إسماعيل» إمامًا، فعُرِفَت الفرقة الأولى بالإمامية أو الاثنا عشرية؛ لأنها سلسلت الإمامة حتى الإمام الثانى عشر «محمد» المُلقب بالمهدى المنتظر ابن الحسن العسكرى ابن على الهادى ابن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم، وعُرفت الفرقة الثانية بالإمامية الإسماعيلية؛ لأنهم أبقوا الإمامة فى ذرية «إسماعيل بن جعفر»، ثم من بعده ابنه «محمد»، فابنه «جعفر الصادق»، فابنه «محمد الحبيب»، فابنه «عبيدالله المهدى» مؤسس الدولة الفاطمية. قامت «الدولة الفاطمية» ببلاد «المغرب» - وفق خطة مرسومة من قِبل دعاة الشيعة - على أكتاف قبيلة «كتامة»، التى تنتمى إلى بربر «البرانس»، وتميزت عن غيرها من القبائل بكثرة عددها، ومنعة منطقة سكناها بجبال «الأوراس» بين مدينتى «بجاية» و «قسطنطينة»، فضلا عن عدم خضوعها لسلطة الولاة اعتزازًا بمنعتها وقوة بأسها. وقد وقف زعماء الشيعة على ما اتصفت به هذه القبيلة، واختار «ابن حوشب» رئيس مركز الدعوة الشيعية باليمن «أبا عبدالله الحسين بن أحمد الشيعى» للاتصال بوفد «كتامة» بموسم الحج، لنشر الدعوة الشيعية بالمغرب، وإقامة الدولة المرتقبة هناك. وقد تم لقاء «أبى عبدالله» بوفد «كتامة» بمكة، وجعله هذا الشيعى يبدو كأنه جاء مصادفة، وبدأ يتعرَّف أحوالهم وميولهم المذهبية، ولم يفصح عما أضمره وما جاء من أجله، ونجح فى استمالتهم والسيطرة على قلوبهم بمكره

ودهائه وعلمه وجدله، ثم تظاهر بعد انقضاء موسم الحج برغبته فى السفر معهم إلى «مصر»، للتدريس لأبنائها، فاصطحبوه معهم، فلما وصلوها، ألحوا عليه بمصاحبتهم إلى بلادهم، فوافقهم، وذهب معهم إلى المغرب فى سنة (289هـ= 902م)، واتخذ من «إيكجان» مستقرا له، لأنها نقطة التقاء حجاج «الأندلس» و «المغرب الأقصى»، والمتوجهين لأداء فريضة الحج. وبدأ «أبو عبدالله» فى تنفيذ خطته، وتظاهر بتعليم الصبية، وإلقاء دروسه عليهم، فزاده ذلك مكانة ومنزلة بين أبناء «كتامة»، وذاع صيته بين القبائل، وقصده البربر من أماكن متفرقة، لينهلوا من علمه، ويستفيدوا من نصائحه، ثم عمد «أبو عبدالله» إلى مصارحة بعضهم - بعد أن اطمأن إليهم- بحقيقة أمره، ورغبته فى إقامة دولة لآل البيت تقوم على أكتاف قبيلة «كتامة»، لأن الروايات - كما ادَّعى لهم - جاءت بذلك، وأخبرت عما ينتظرهم من عز الدنيا وثواب الآخرة. وأخذ «أبو عبدالله» على عاتقه تنظيم صفوف أبناء «كتامة» وبعض أبناء القبائل الأخرى، وقسَّمهم إلى سبعة أقسام، وجعل على رأس كل قسم منها داعية يطمئن إليه، فاستطاع بهذا الأسلوب العملى إقامة مجتمع يدين بفكرة واحدة؛ هى إقامة الدولة المثالية التى يحكمها إمام من آل البيت. وقد اتخذ «أبو عبدالله الشيعى» من أبناء «كتامة» جندًا يدافعون عن الدعوة، ويهاجمون القوى السياسية الموجودة بالمنطقة، وهى: «الأغالبة» بالمغرب الأدنى، و «الرستميون» بالمغرب الأوسط، و «بنو مدرار» بسجلماسة بجنوب «المغرب الأقصى» وبقايا «الأدارسة» بمدن «المغرب الأقصى»، وترتَّب على ذلك دخول «أبى عبدالله الشيعى» فى عدة معارك مع هذه القوى، كانت أشهرها معركة «كنيونة»، التى انتصر فيها على «الأغالبة» فى سنة (293هـ= 906م)، ثم توالت انتصاراته بعد ذلك، ودخل مدينة «رقادة» وقضى على نفوذ «الأغالبة»، ثم دعا «المهدى الفاطمى» إلى «المغرب» لتسلم مقاليد الأمور؛ فلبى الدعوة، وتخفَّى فى زى

التجار حتى لا يقع فى قبضة العباسيين، ودخل مدينة «رقادة» فى سنة (297هـ= 909م)، ثم بويع بالإمامة. الخلفاء الفاطميون بالمغرب: حكم أربعة خلفاء فاطميين بلاد «المغرب» فى الفترة من سنة (297هـ=909م) إلى سنة (365هـ= 975م)، وكان «المعز لدين الله الفاطمى» هو آخر هؤلاء الخلفاء، حيث انتقل بالخلافة إلى «القاهرة» التى اتخذها عاصمة جديدة للفاطميين، بعد أن تم له فتح «مصر» على يد قائده «جوهر الصقلى» فى سنة (358هـ= 969م)، والخلفاء الأربعة هم: 1 - المهدى: عبيد الله أبو محمد [297 - 322هـ= 909 - 934م]. 2 - القائم: محمد أبو القاسم [322 - 334 هـ = 934 - 945م]. 3 - المنصور: إسماعيل أبو طاهر [334 - 341هـ= 945 - 952م]. 4 - المعز: معدّ أبو تميم [341 - 365 هـ = 952 - 975م]. دخول الفاطميين مصر: جانب التوفيق الحملات الثلاث التى أُرسلت من قبل الفاطميين لفتح «مصر» فى عهد أسلاف «المعز»، ولكن الوضع العام فى المشرق كان ينبئ بنجاح الحملة الرابعة، للضعف الذى حلّ بدار الخلافة فى «بغداد»، وكذلك ما وصلت إليه حال «مصر» من ضعف وبؤس وشقاء فى أواخر عهد «كافور»، كما كان لانخفاض النيل الذى استمر تسع سنوات أثر كبير فى انتشار الوباء والقحط فيها، فلم تستطع «مصر» مواجهة الغزاة، كما عجزت -بعد «كافور» - عن صد هجوم ملك «النوبة» من الجنوب، وثار الجند لعدم دفع رواتبهم، ونشط جواسيس «المعز»، وتوغلوا فى البلاد لنشر المذهب الشيعى، فمال الكثيرون إلى مذهبهم، وبعث «المعز» رسله إلى «كافور» مُرهِّبة مرة ومُرغِّبة أخرى للتأثير عليه، وكان استقرار بلاد المغرب ورسوخ أقدام الفاطميين فيه، وتنظيمهم الدقيق للأمن والإدارة، وحسن إعدادهم للجيوش والقادة سبب نجاح حملتهم الرابعة على «مصر». سار «جوهر الصقلِّى» قائد جيوش «المعز» إلى «مصر» فى ربيع الأول سنة (358هـ)، بعد أن خرج «المعز» لوداعه، وأمر أهله بالترجل أمام

قائده وهو راكب، كما أمر واليه على «طرابلس» أن يسير فى ركاب «جوهر» ويقبِّل يده، فكبر ذلك على والى «طرابلس»، وأراد أن يعفى نفسه من ذلك مقابل مائة ألف دينار ذهبًا يعطيها لجوهر، ولكن «جوهر» رفض هذه الأموال ومضى بجيشه الذى كان يضم مائة ألف جندى حاملا معه أموالا طائلة قيل إنها بلغت ألفًا ومائتى صندوق حملها على ظهور الجمال، وحين خرج «المعز» لوداع «جوهر» والجيش بمنطقة «رقادة» قال لمن كانوا معه: «والله لو خرج جوهر وحده لفتح مصر». فكان لهذه العبارة أثرها الكبير فى نفس «جوهر»، وكانت له حافزًا على تحقيق ما خرج من أجله. وصل «جوهر» إلى «مصر»، وحط رحاله بالإسكندرية التى فتحت أبوابها من غير مقاومة، فعامل «جوهر» أهلها بالحسنى ووسَّع لهم فى أرزاقهم، فكان لذلك أثره الطيب فى نفوس الأهالى، كما كان للنظام الذى ظهر به الجيش، وطاعته لقائده أثره الكبير فى نفوسهم، فرحبوا بالقائد الجديد. سياسة جوهر فى مصر: عمل «جوهر» على نشر العدل بين أهل «مصر»، وأمَّنهم على ممتلكاتهم، وجلس للبت فى المظالم بنفسه رغم شواغله، فرد الحقوق إلى أصحابها، وضرب بيد من حديد على أيدى العابثين بالنظام حتى إذا كانوا من خاصته؛ لدرجة أنه عاقب بعض المغاربة بالقتل على إثم كبير اقترفوه، كما برهن «جوهر» على حسن سياسته حين لجأ إلى الوسائل السلمية لنشر المذهب الفاطمى، ولم يفرضه كرهًا، واتخذ من المساجد مدارس يتلقى فيها الناس أصول مذهبه الشيعى، وذكر اسم الخليفة الفاطمى فى خطبة الجمعة وأسقط اسم الخليفة العباسى، فكان ذلك إيذانًا بزوال النفوذ العباسى، وزوال ملك الإخشيديين. حكم «جوهر» «مصر» أربع سنوات هى من أصعب الفترات وأخطرها، حيث تم فيها إقامة معالم دولة وتشييدها على أنقاض دولة أخرى؛ فإلى «جوهر» يرجع الفضل فى تأسيس وبناء «القاهرة» المعزِّية، التى جعل لها أربعة أبواب منها: «باب النصر»، و «باب الفتوح»، و «بابا زويلة»، كما

بنى بها «الجامع الأزهر» لينشر من داخله المذهب الشيعى. و «الأزهر» هو أول مسجد شُيِّدَ فى «القاهرة» المعزية، وأقيمت فيه الصلاة لأول مرة فى (17 من رمضان سنة 360هـ)، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميته بالأزهر، فقال فريق سُمِّى بهذا الاسم نسبة وتكريمًا للسيدة فاطمة الزهراء. وقال فريق آخر: تفاؤلا بما سيكون عليه أمر هذا المسجد من شأن عظيم. وقال فريق ثالث: سُمى بذلك لأنه كان محاطًا بالقصور الزاهرة التى بنيت عند إنشاء «القاهرة». وأيا كانت نسبة هذه التسمية إلى الجامع الأزهر؛ فهو يُعد -الآن- أعظم جامعة إسلامية تُدَّرَسُ فيها العلوم الدينية والعلوم العقلية، ويقصده آلاف الطلاب من مختلف أرجاء العالم الإسلامى، وقد أدى خدمات عظيمة للعلم فى مختلف العصور، ونشره فى شتى بقاع العالم. إبراز المظاهر الشيعية فى مصر: لما رأى «جوهر» أن دعائم ملك الفاطميين قد توطدت فى «مصر»، عمل على تحقيق ما جاء من أجله، فزاد فى الأذان عبارة: «حى على خير العمل»، وجهر بالبسملة فى قراءة القرآن فى الصلاة، وزاد فى خطبة الجمعة ما يلى: «اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى علىّ المرتضَى، وفاطمةَ البتول، وعلى الحسن والحسين سبطى الرسول؛ الذين أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا. الله صلِّ على الأئمة الراشدين آباء أمير المؤمنين الهادين المهتدين»، ونقش على جدران «مسجد الفسطاط» شعار العلويين باللون الأخضر، كما أضاف فى أول خطبة بالجامع الأزهر عبارة: «السلام على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله»، وضرب العملة باسم الخليفة «المعز»، وألغى السواد شعار العباسيين، وعمم الملابس الخضراء شعار العلويين، ثم أرسل إلى «المعز» يستدعيه إلى «مصر»، فوافقه «المعز»، وخرج من «المنصورية» بالمغرب فى شوَّال سنة (361هـ)، ووصل إلى «القاهرة» فى رمضان سنة (362هـ)، واستقبله أهل «مصر» بالفوانيس، فأصبحت عادة فى

استقبال شهر رمضان حتى الآن، وأعلن «المعز» «القاهرة» عاصمة للخلافة الفاطمية، فأصبحت «مصر» دار خلافة بعد أن كانت دار إمارة. النفوذ الفاطمى يمتد إلى بلاد الشام: حينما استقرت الأمور لجوهر الصقلى فى «مصر»، اتجه ببصره تجاه بلاد الشام، وبذل جهودًا مضنية من أجل مد نفوذ سيده إلى هذه البلاد، وجهز حملة كبيرة جعل قيادتها للقائد الكبير «جعفر ابن فلاح»، الذى عُرِف بعقليته العسكرية الفريدة، فخرجت الحملة قاصدة «دمشق»، واستولت فى طريقها على «الرملة» و «طبرية»، فلما علم أهل «دمشق» بذلك خرجوا عن بكرة أبيهم حاملين السلاح مشاة وفرسانًا لمواجهة هذه الحملة، والتقى الطرفان، وبذل أهالى «دمشق» كل ما فى وسعهم، إلا أنهم هُزِموا فى النهاية، ودخل «جعفر» وجنوده المدينة، فاعتبرها الجنود غنيمة ونهبوها، ولم يكبح «جعفر» - بطبيعته الحربية - جماحهم، فقامت الثورة فى «دمشق»، وتمكن «جعفر» من السيطرة عليها، وقبض على زعمائها، فهدأت الأحوال، وأُقيمت الخطبة للمعز الفاطمى فى المحرم سنة (359هـ)، وزال سلطان العباسيين فى الشام. وقد توالى على حكم الدولة الفاطمية عدد من الخلفاء هم: 1 - عبيد الله المهدى. 2 - القائم. 3 - المنصور. 4 - المعز. 5 - العزيز. 6 - الحاكم. 7 - الظاهر. 8 - المستنصر. 9 - المستعلى. 10 - الآمر. 11 - الحافظ. 12 - الظافر. 13 - الفائز. 14 - العاضد. انهيار الدولة الفاطمية: حين علا «صلاح الدين الأيوبى» كرسى الوزارة فى الدولة الفاطمية، حدث الصدام المتوقع بين المذهبين الشيعى والسنى، فسلب الوزير السنى من الخليفة «العاضد» الشيعى كل سلطانه، وبات الخليفة كالمحجور عليه، وصار حبيس قصره، فاستاء أتباع الخليفة وجنوده من هذا الوضع وقاموا بثورة عارمة، نجح الوزير «صلاح الدين» فى تشتيتها، فاضطر مشعلوها إلى الهرب نحو صعيد «مصر»، فعمل «صلاح الدين» على تثبيت قدميه، وتوطيد علاقته بالناس،

وحارب الصليبيين، وحقق انتصارات عظيمة عليهم، وعزل القضاة الشيعة، وجعل السنيين بدلا منهم، ثم أرسل إلى «نور الدين» يطلب منه أن يُلحق به أسرته فوافق، وألحقهم به، فقويت شوكته، وأحبه الناس لسلوكه وسيرته بينهم، فلما اطمأن «نور الدين» إلى استقرار الأوضاع أرسل إلى «صلاح الدين» يطلب منه إزالة الخلافة الفاطمية، والدعاء للخليفة العباسى، فرفض «صلاح الدين» أول الأمر خوفًا من عواقب هذا الصنيع، ثم عمد إلى التجربة -بعد أن شاور خلصاءه- فقرر أن يصعد واحد من الناس المنبر قبل الخطيب، ويدعو للخليفة العباسى «المستضىء» ليرى ماذا سيفعل الناس، فلما تم له ما أراد، ولم يثر أحد أسقط الدعاء للعاضد وجعله للمستضىء، فكانت نهاية الدولة الفاطمية التى حكم ملوكها الأوائل رقعة شاسعة من العالم امتدت من «المحيط الأطلسى» غربًا إلى «الخليج العربى» شرقًا، ودُعى لأحد خلفائها على منابر «بغداد» -عاصمة الخلافة العباسية - عامًا بأكمله. وكان «العاضد» مريضًا حين سقطت دولته فآثر أهله عدم إخباره حتى لا يفجع ويزداد مرضه، ولكنه لم يلبث طويلا وتُوفِّى سنة (567هـ). الحضارة والنظم فى العصر الفاطمى نظام الحكم: قام نظام الحكم على نظرية الإمامة التى اعتبرها الشيعة حقا لهم. إرثًا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ويختلفون فى ذلك عن أهل السنة القائلين بحق الأمة فى اختيار إمامها، كما يختلفون مع الإمامية الإثنا عشرية الذين ساقوا الإمامة فى اثنى عشر رجلا من آل البيت، كان آخرهم «محمد بن الحسن العسكرى»، بينما وقف بها الإسماعيلية بعد «جعفر الصادق» عند ابنه «إسماعيل» الذى نُسِبَت الدولة إليه، وركزت كلتا الطائفتين على حق آل البيت فى الإمامة، وأن مهمة الإمامة هى الحفاظ على تراث النبوة. الوزارة: هى أرفع المناصب بعد الخلافة، وكانت تنقسم إلى: 1 - وزارة قلم. 2 - وزارة سيف. وكان يُطلَق عليها رتبة الوساطة أو السفارة فى أول عهد الدولة، ولم تظهر كلمة

وزير إلا فى عهد «العزيز» ثانى الخلفاء الفاطمىىن فى «مصر»، وكان يتم اختيار الوزير -غالبًا - من بين أرباب الأقلام، وتحول هذا المنصب إلى سلطة استبدادية أثناء الشدة المستنصرية؛ فكان «بدر الجمالى» وزير سيف، وبه بدأ عهد استبداد الوزراء، وتحولت الوزارة إلى وزارة تفويض، وأصبح الوزير متحكمًا فى جميع أمور الدولة؛ بل أصبح الوزراء يتدخلون فى تولية الإمام وولى عهده، فعظم أمرهم وقويت شوكتهم. كان وزير التنفيذ يُلقَّب بالأجَلِّ، أما وزراء التفويض فكانت ألقابهم تدل على السلطة الواسعة التى تمتعوا بها، مثل: أمير الجيوش، وكافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين، وتلقَّب الوزير «طلائع بن رزيك» بالملك المنصور، وتلقَّب ابنه «رزيك بن طلائع» بالملك العادل، وكذلك تلقب «صلاح الدين الأيوبى» آخر وزراء الفاطميين وأول سلاطين الدولة الأيوبية بالملك الناصر، كما وُصِف بعض هؤلاء الوزراء بالسلطان. كانت للوزير فى العصر الفاطمى علامات تميزه عن غيره من موظفى الدولة، وانفرد بلبس زى خاص، وبلغ راتبه خمسة آلاف دينار شهريا، وكان له حق الجلوس بجوار الخليفة، وكان مجلسه بدار الوزارة الكبرى - التى بُنى لها قصر كبير بجوار باب النصر - لا يقل فى الأبهة والعظمة عن مجلس الخليفة نفسه. واشتُرط فيمن يتولى منصب الوزارة أن يكون مخلصًا لعقيدة الدولة، وأن تكون لديه المهارة فى تدبير الأموال، ولذلك تولى وزارات التنفيذ وزراء من أهل الذمة ظلوا على عقيدتهم. نظام الإدارة: ورث الفاطميون نظام العباسيين فى الإدارة، فعملوا على تركيز السلطة فى أيديهم، وأصبح نظامهم الإدارى شديد المركزية تُدار شئونه من داخل القصر، باستثناء بعض الظروف النادرة التى نُقل فيها ديوان الوزارة إلى دور الوزراء، وسرعان ما يعود إلى القصر ثانية. انقسمت الشئون الإدارية فى عهد الفاطميين إلى: 1 - ديوان الإنشاء الذى يقوم

بتنفيذ أوامر السلطة العليا. 2 - ديوان المالية، ويقوم بجباية الأموال وإنفاقها. 3 - ديوان الإدارة المحلية التى تحكم الولايات. وتفرع عن كل ديوان من هذه الدواوين أقسام عديدة، كان لكل منها عمل معين، وعلى الرغم من محاولة «جوهر الصقلى» إحلال المغاربة محل المصريين فى الوظائف الإدارية، فإنه فشل فى ذلك، لجهل البربر بدقائق الإدارة، فبقى المصريون من المسلمين وأهل الذمة فى مناصبهم الإدارية، وتشير المصادر التاريخية إلى استخدام القبط واليهود - بكثرة - فى مختلف دواوين الدولة. النظام الدينى: أطلِق لقب: «أصحاب الوظائف الدينية» على علماء الدين فى العصر الفاطمى، وكانت هذه الوظائف تضم: 1 - القضاء: ويعتمد على التشريع الإسماعيلى. 2 - الدعوة: وتعتمد على العقيدة الشيعية للدولة. ويتفق التشريع الشيعى مع التشريع السنى فى أن كلا منهما يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية كأساس للتشريع، مع اختلاف جوهرى هو أن الفاطميين وضعوا تأويلا باطنيا لنصوص القرآن والسنة؛ فالصلاة - مثلا - هى الفرائض الخمس المعروفة، ولكن معناها الباطنى هو الإخلاص للإمام الباطنى، ولذلك لا يقبلون من الأحاديث إلا ما رواه آل البيت ونُقل عنهم، حتى وإن كانت هناك أحاديث مشتركة بين الطرفين اختلف رواتها. لم يمنع المذهب الشيعى الاجتهاد، ولكنه اشترط أن يكون هذا الاجتهاد قائمًا على الأصول التى وضعها الفاطميون، ولذا أصبح اجتهاد الشيعة مقيدًا. تولى أصحاب الوظائف الدينية الإشراف على القضاء فى أرجاء الخلافة، فكان منهم: قاضى القضاة، وصاحب المظالم، والمحتسب، وصاحب الشرطة. وقامت الدعوة على أسس العقيدة الشيعية؛ لأن الدولة الفاطمية دولة قامت على أسس مذهبية، وكانت دعوتها تُسمَّى رسميا: الدعوة الهادية، أو الدعوة العلوية، وكان الهدف من هذه الدعوة تأييد حكم الفاطميين ليترسخ فى النفوس حق الفاطميين فى حكم العالم الإسلامى، فأيدت حق الإمام المطلق

فى ولاية أمر المسلمين، ولجأت إلى تأويل القرآن بما يتفق مع تأييد وجهة نظرها، بزعم أن أبناء «فاطمة» بنت رسول الله وذريتها هم وحدهم القادرون على هذا التأويل، ولديهم معنى واضح وآخر باطن لكل كلمة قرآنية. بمجىء الفاطميين إلى «مصر» أصبحت «القاهرة» مقر داعى الدعاة؛ الذى له حق الإشراف على الدعوة فى «مصر» والعالم الإسلامى، وعليه إرسال الدعاة فى أنحاء العالم أجمع للتبشير بمذهب الفاطميين، ولهذا كان يجب عليه أن يكون عالمًا بالمذهب الإسماعيلى، عارفًا بأسرار العقيدة، بليغًا، ذكيا، عالمًا بقواعد الدين. كانت مجالس الدعوة تُعقد بصفة منتظمة ودورية، فخصص يوم الأحد للرجال، ويوم الثلاثاء للأشراف والشخصيات المرموقة، ويوم الأربعاء للنساء، وكانت المحاضرات المقروءة فى هذه المجالس تُسمَّى: مجالس الحكمة، أو مجالس الدعوة، فإذا فرغ الداعى من إلقاء محاضرته تزاحم عليه الناس فى طقوس غريبة، فيمسح على رءوسهم برقعة وضع عليها الخليفة توقيعه. كان الداعى يلى قاضى القضاة فى الرتبة والمكانة، وكان راتبه الشهرى مائة دينار مثل راتب القاضى، وتلقَّب بألقاب فخمة مثل: «الشيخ الأجلّ»، وكانت له سلطة روحية غير محدودة على جميع الشئون السياسية والدينية فى الدولة. النظام الحربى: كان الجيش الفاطمى من أقوى الجيوش فى عصره، وكانت له دواوين خاصة قامت على تنظيمه وإعداده، كديوان الجيش الذى أشرف على إعداد الجنود وأعدادهم، وديوان الرواتب الذى اختص بتسجيل العطاءات، وديوان الإقطاع الذى اختص بالنظر فى الإقطاعات التى تمنحها الدولة لبعض العسكريين مقابل قيامهم بواجبات معينة، وقد أتت مكانة قائد الجيش بعد صاحب الباب الذى كان يلى الوزير مباشرة، وتميز قادة الجيش عن بعضهم بعلامات يحملونها، وسكن الجنود فى معسكرات خاصة بهم حتى لا يضايقوا الأهالى فضلا عن تواجدهم فى مراكز الحدود. روى «المقريزى»: «أن خزائن المال وأمتعة الجيش حملها عشرون ألف

جمل، حين خرج جيش العزيز قاصدًا الشام، وعمل الفاطميون على تزويد الجيش بأحدث أنواع الأسلحة. ولذا يمكن القول بأن الجيش الفاطمى كان جيد الإعداد مثل غيره من جيوش الدول الكبرى آنذاك». قام الأسطول الفاطمى بعدة حملات بحرية فى البحر المتوسط أثبت خلالها شدة بأسه، وكانت له غزوات مظفرة على «بيزنطة» و «إيطاليا» و «فرنسا» و «إسبانيا»، ويروى «القلقشندى» أن وحدات الأسطول الفاطمى كانت مرتبة ومتواجدة بجميع الشواطىء الساحلية، ماعدا سواحل الشام التى فقدوا سيطرتهم عليها فى القرن الأخير من حكمهم، فقد غلبهم عليها الصليبيون. خصصت الدولة الفاطمية جزءًا كبيرًا من ميزانيتها للإنفاق على إعداد الجيش وتجهيز رجاله بما يحتاجون إليه من أدوات الحرب وغيرها، وكان للجيش ديوان خاص يُدعى «ديوان الجهاد»، وأُنشئت الموانئ لبناء السفن التى كان بعضها يتسع لحمل ألف وخمسمائة شخص، وأصبح الأسطول الفاطمى من أكبر الأساطيل، وبقى نموذجًا احتذى به الأيوبيون والمماليك. مُنْشآت الفاطميين: تميز العصر الفاطمى بمنشآته العديدة، وكان على رأسها تأسيس «القاهرة»، وإنشاء «الجامع الأزهر»، وتشييد «القصر الشرقى»، و «القصر الغربى»، و «قصر البحر»، و «قصور عين شمس»، و «جامع الحاكم»، و «جامع الأولياء». تأسست مدينة «القاهرة» سنة (358هـ) لسبعة عشر يومًا خلت من شهر شعبان، واختطت قبائل البربر مساكنها حول قصر «المعز» بها. وأصبحت منذ ذلك اليوم مقرا للحكم، ومركزًا لنشر الدعوة الشيعية، وحصنًا يصد هجمات الأعداء، وأطلق عليها اسم «المنصورية» نسبة إلى «المنصور» والد «المعز»، وقد اختلف المؤرخون فى سبب تسميتها بالقاهرة؛ فذكر «ابن دقماق»: أن أساسها حُفِر أثناء طلوع كوكب يُقال له «القاهر» فسميت به. وقيل إن «المعز» قال لجوهر الصقلى: «لتدخلن فى خرابات ابن طولون، وتبنى مدينة تقهر الدنيا»، فلما حدث ذلك سماها «جوهر» «القاهرة»، وهناك من ذكر أنها

سُميِّت بذلك لأنها تقهر من يشذ عنها. أحاط «جوهر» «القاهرة» بسور كبير من الطوب اللَّبِن، وإلى الجنوب الشرقى منها كانت مدينة «الفسطاط»، وإلى الغرب منها وقع ميناء «المقس»، ثم وضع «جوهر» أساس القصر الذى شيده من أجل مولاه «المعز»، ذلك القصر الذى قيل عنه إنه احتوى على أربعة آلاف حجرة، وتأثَّث بفاخر الرياش، وبأفخر ما يحتاج إليه خاصة الناس لاسيما الملوك والخلفاء. كانت «القاهرة» مدينة الخاصة، فلم يكن أحد يسكنها إلا الخليفة ورجاله، وقد بنى «العزيز بن المعز» فيها قصرًا عُرِف بالقصر الغربى، فعرفت المنطقة الواقعة بين قصرى «المعز» و «العزيز» - الشرقى والغربى- باسم: «بين القصرين»، وكان «الأزهر» أول مسجد شُيد فى «القاهرة» المعزية، وقد شرع «جوهر» فى بنائه يوم السبت الموافق (4 من رمضان سنة 359هـ)، وأقيمت الصلاة به لأول مرة فى (7 من رمضان سنة 360هـ)، وصار منذ ذلك الوقت إلى الآن أشهر جامع فى العالم الإسلامى، وكان «على ابن النعمان» أول مَنْ مارس التدريس فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان» فى الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه فى ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل مُعَدَّة لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان هناك رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ. وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس «قاعة الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه بستة وثلاثين ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق على أبوابه الستور الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته والإنفاق عليه، وفى سنة (395هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة» وألحق بها مكتبة كبرى أطلق عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ

«الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ من أجمل قصور العصر الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من بعده وقت فيضان النيل. ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها بإقامة المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة أكبر مساحة من الأراضى. الحالة الاقتصادية: وجَّه الفاطميون اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا الضرائب على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر الوباء لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح «جوهر» «مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب برقابتها فى الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة مياه النيل إلى الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز» (285 ألف فدان)، وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر وإقامة السدود، وتنظيف الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة التى عُرفَت بالشدة العظمى فى عهد «المستنصر». بزغ نجم «مصر» عاليًا فى مجال الصناعة فى عهد الفاطميين، وبرع المصريون فى صناعة المنسوجات، وزادت ثروتهم من صادرات هذه الصناعة لاسيما منتجات «دمياط» و «تنيس» و «الأشمونيين»، التى نالت منسوجاتها شهرة عالمية. كذلك ارتقت صناعات الفرش والسجاد والسيرج والذهب والفضة، ورُصِّع عرش الخلافة الفاطمية بمائة وسبعةَ عشر ألف مثقال من الذهب، ووُضع ستار قبالة هذا العرش رُصِّع بألف وخمسمائة وستين قطعة من الجواهر المختلفة الألوان، وحُلى بثلاثمائة ألف مثقال من الذهب الخالص، وكان لدى المستنصر طاووس من الذهب مرصع بالأحجار الكريمة، وعيناه من الياقوت، وريشه من الزجاج المموه بالذهب، كما وجد بدار الوزير «الأفضل» ثمانية تماثيل لثمانى جوارٍ متقابلات، أربع منهن بيضاوات والأربع الأخر لونهن أسود، مرتديات أفخر الثياب، متزينات بأثمن الجواهر، إذا دخل «الأفضل» من باب

المجلس نكسن رءوسهن إجلالا له. كذلك برع المصريون فى صناعة الأطباق والصحاف والزجاج، لدرجة أنهم استطاعوا إنتاج نوع شفاف من الزجاج يشبه «الزمرد» لنقائه الشديد فكان يباع بالوزن. وقد نشطت التجارة بين «مصر» والعالم نشاطًا ملحوظًا، وكانت حركة السفن التجارية لا تتوقف غدوا ورواحًا بميناءى «عيذاب»، و «القلزم» (السويس)، وكانت نسبة الضرائب تزيد وتنقص تبعًا لزيادة المحصول وقلته نتيجة الزيادة أو النقصان فى ماء النيل، وبلغت ضريبة الفدان فى عهد «المعز» سبعة دنانير، وبلغت ضريبة الرءوس دينارًا وربع الدينار عن كل فرد، ثم كانت الجزية التى تُحصَّل من قادرى اليهود والنصارى دون ظلم أو إجحاف مقابل رعايتهم وإعفائهم من الخدمة العسكرية، ولم تكن الجزية مبلغًا كبيرًا لقلة عدد اليهود والنصارى بعد تحول معظم المصريين إلى الإسلام. وفرضت الضرائب على الصناع والحرفيين، وروعى فيها العدل -غالبًا- أثناء قوة الخلافة الفاطمية وخلفائها، فلما حَلَّ الضعف بها وتسلط الوزراء على الخلفاء والبلاد؛ أُهملَت النواحى الاقتصادية، ولم يراعِ هؤلاء الوزراء حالة المواطنين، فكان ذلك سببًا فى فتح أبواب البلاد أمام الطامعين. طوائف الشعب: كان سواد الشعب المصرى من أهل السنة حين دخلها الفاطميون، فحاولوا نشر مذهبهم الشيعى بالترغيب مرة وبالترهيب أخرى، ومنحوا العطايا والهبات، فكان لذلك أثره الكبير فى اعتناق الكثيرين للمذهب الشيعى، فضلا عن رغبة البعض فى الإبقاء على وظائفهم؛ إذ تحتم على من يرغب فى الإبقاء على وظيفته اعتناق المذهب الشيعى. وكان المغاربة وعلى رأسهم الكتاميون الذين قدموا مع الجيش الفاطمى، وقامت دولة الفاطميين بسواعدهم - ضمن طوائف الشعب بعد أن استقر لهم الأمر، وطاب لهم العيش بمصر، وكذلك كان هناك أهل الذمة من اليهود والنصارى؛ الذين تقلدوا مناصب رفيعة. وشغلوا معظم الوظائف المالية، تُضاف إليهم طائفة

الأتراك الذين كثر عددهم منذ عهد الطولونيين، وظلوا بمصر، فدار بينهم وبين المغاربة تطاحن وتنابذ فى عهد الحاكم، أما السودانيون فقد كثر عددهم منذ «كافور الإخشيدى»، وقويت شوكتهم فى عهد «الحاكم»، فاستعان عليهم بالأتراك، ثم زاد خطرهم ثانية وقويت شوكتهم حين تزوج «الظاهر» واحدة منهم. مكانة المرأة: كان للنساء شأن كبير فى الدولة الفاطمية، لدرجة أنهن كن يتدخلن فى توجيه سياسة الدولة، وحققت الكثيرات منهن ثروات طائلة، مثل: «رشيدة ابنة المعز لدين الله»، التى بلغت ثروتها مليونًا وسبعمائة ألف دينار، وكان لأختها «عبدة» خزائن عديدة ملأى بالحلى، وصناديق كثيرة يحوى كل منها خمسة أكياس من «الزمرد» وثلاثمائة قطعة فضية وثلاثين ألف ثوب صقلى وغير ذلك، وامتلكت الملكة «تغريد» زوج «المعز» أموالا طائلة، وشيَّدت مسجدًا بالقرافة. تزوج «العزيز» امرأة نصرانية من الروم، وعين أخويها بطريركين بالإسكندرية و «بيت المقدس»، وولدت «للعزيز» ابنه «الحاكم» وابنته «ست الملك»، فكان لها نفوذ كبير، ثم كان لابنتها «ست الملك» من النفوذ والدهاء ما مكنها من تأجيل انهيار الدولة الفاطمية فترة طويلة بعد أن أزاحت «الحاكم» عن العرش، كما سبق ذكره، وتركت «ست الملك» ثروة ضخمة كان منها ثمانمائة جارية وعدد كبير من الأحجار الكريمة، وبلغت مخصصاتها السنوية خمسين ألف دينار، وكانت زوجة «الظاهر» وهى أم «المستنصر» من النساء اللاتى حظين بنفوذ كبير فى الدولة الفاطمية، فأكثرت من بنى جلدتها السودانيين حتى وصل عددهم إلى خمسين ألفًا. لم يكن لنساء العامة أى أثر فى الحياة السياسية، ولم تذكر المصادر أى نشاط لهن فى الدولة الفاطمية، فقد كان ذلك مقصورًا على نساء الطبقة الحاكمة. المواسم والأعياد: كان للمصريين أعيادهم المختلفة ومواسمهم المعينة قبل الفتح الإسلامى، علاوة على ما استجد من الأعياد الدينية بعد الفتح الإسلامى، وبما أن الدولة

الفاطمية دولة دينية مذهبية، فقد كانت الحفلات بالنسبة إلى خلفائها مناسبة لتأكيد عقيدتهم، وعملوا على صبغها بالصبغة المذهبية، فمن الأعياد التى كانت موجودة قبل الفتح الإسلامى وظلت باقية بعده «عيد وفاء النيل» الذى ظل تقليدًا بعد الفتح مع إدخال بعض التعديلات على الاحتفال به لتتناسب مع الدين الإسلامى، وكان هناك «عيد الغطاس» الذى يحتفل فيه النصارى بذكرى المسيح فى ليلة (11 من طوبة = 9من يناير)، وذكر «المقريزى» أنها أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب»، وعيد «النوروز» الذى يقول عنه «المقريزى»: «إنه أول السنة القبطية بمصر، وهو أول يوم من توت، و «عيد الميلاد» فى (29 من كيهك)، و «خميس العهد». أما الأعياد والمواسم الدينية التى عرفها المصريون بعد الفتح الإسلامى؛ فلم تأخذ شكلها الفخم ومظهرها الرائع إلا بعد مجىء الفاطميين، ومن أشهر هذه الأعياد: «عيد رأس السنة الهجرية»، الذى كانوا يعدون العدة للاحتفال به ابتداء من العشر الأواخر من شهر ذى الحجة، فكان الاحتفال به مثالا للروعة والبهاء، كما كان لهم كبير اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام، وبأعياد ليالى الوقود الأربعة وهى: الأول من رجب ونصفه، والأول من شعبان ونصفه، وكذلك بعيدى «الفطر» و «الأضحى»، وفيهما تُقَام الولائم وتُعدُّ الموائد للشعب، وفى الثانى عشر من شهر ربيع الأول من كل عام يقام الاحتفال بالمولد النبوى الشريف بمراسم خاصة فخمة تليق بالمكانة العظيمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى نفوس المسلمين. ذلك بالإضافة إلى أعياد الشيعة المذهبية كعيد «غديرخم» نسبة إلى الغدير الموجود بهذا الاسم بين «مكة» و «المدينة»، ويذكر الشيعة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نزل بموضع «الغدير»، وآخى «علىَّ بن أبى طالب» فى عودته من «مكة» إلى «المدينة» بعد حجة الوداع سنة (10هـ)، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «علىٌّ منى كهارون من موسى،

اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله»، فاعتبر الشيعة هذه المقولة بمثابة وصية من الرسول لعلىّ، وأنه أحق بالخلافة من غيره. ومن احتفالات الفاطميين احتفال بذكرى مقتل «الحسين بن علىّ» -رضى الله عنهما - وهو عندهم يوم حزن يُمدُّ فيه سماط يُسمَّى «سماط الحزن»، ذلك إضافة إلى أعياد أخرى مثل الاحتفال بإرسال الكسوة بصحبة قافلة الحج، والاحتفال بشهر رمضان، والاحتفال بذكرى مولد الكثير من الأئمة، ومولد الخليفة القائم بالأمر. ولا يعرف التاريخ دولة إسلامية استطاعت طبع «مصر» بطابع قوى وجديد مثلما فعلت الدولة الفاطمية، التى مرت عبر صفحات التاريخ شأنها شأن أىة دولة تباينت قوة وضعفًا، واعتورها الصواب والخطأ، بيد أنها سطرت صفحة ناصعة من ألمع الصفحات فى التاريخ الإسلامى تمثلت فى «الجامع الأزهر» ومدينة «القاهرة».

*الأيوبية (دولة)

*الأيوبية (دولة) أصل الأيوبيين: يرجع أصل الأيوبيين إلى «نجم الدين أيوب» الكردى الأصل، وأبوهُ يُدعَى «شادى» من قبيلة «الهذبانية» إحدى القبائل التى استقرت ببلدة «روبن» بأطراف «أرمينية». اتصل «شادى» والد «نجم الدين أيوب» برجل اسمه «بهروز» كان مربيًا لأبناء السلطان السلجوقى «مسعود»، ثم أصبح حاكمًا لبغداد تحت سلطة السلاجقة سنة (502هـ)، وكانت له مكانة سامية لدى السلطان السلجوقى، فأقطعه السلطان «قلعة تكريت»، فأسند «بهروز» حراستها إلى «نجم الدين أيوب بن شادى»؛ الذى ظل فى حكمها وحراستها عدة سنوات اكتسب خلالها الخبرة بشئون الإدارة، وتمتع فيها بحب الأهالى. دب خلاف بين «بهروز» و «نجم الدين أيوب»، فخرج «نجم الدين» وأخوه «شيركوه» وأهلهما من «تكريت» عقب هذا الخلاف سنة (532هـ)، فحزن الأهالى على ذلك حزنًا شديدًا؛ لما كان يحظى به «نجم الدين» من محبة فى قلوبهم. اتصال أيوب بعماد الدين زنكى: خرج «أيوب» من القلعة، وعزم على المغامرة فى حوادث الشرق الأدنى، وربط مستقبله بشخصية «عماد الدين زنكى» الذى عظمت مكانته، واشتدت قوته، ورحب بمقدم أسرة «أيوب» إلى «الموصل»، واستقبلهم وأكرم وفادتهم، ثم أسند حكم «بعلبك» بعد فتحها إلى «أيوب» سنة (534هـ)، وقلد «شيركوه» قيادة الجيش؛ فكانا عند حسن ظنه، وأصبح «أيوب» محبوبًا من رعيته لعدله، واتصف «شيركوه» بالشجاعة والإقدام والمغامرة وحب القتال. صلاح الدين الأيوبى: شاءت الأقدار أن يولد لأيوب ولد أسماه «يوسف» ليلة رحيله عن «قلعة تكريت» سنة (526هـ)، فنشأ «يوسف» فى بلاط «زنكى» بالموصل وعُرف باسم «صلاح الدين»، وقضى طفولته فى ظل والده «أيوب» ببعلبك، وأخذ عنه براعته فى السياسة، وشجاعته فى الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل «صلاح الدين يوسف» مع والده إلى

«دمشق» بعد وفاة «عماد الدين زنكى»، ثم دخل فى خدمة «نور الدين بن عماد الدين زنكى» سلطان «حلب»، فاستعان «نور الدين» بشيركوه وابن أخيه «صلاح الدين» فى ضم «مصر» إليه. قيام الدولة الأيوبية: فى أواخر العصر الفاطمى قام صراع محموم بين «شاور» و «ضرغام» على منصب الوزارة، فاستنجد «شاور» بنور الدين محمود، فلبى نداءه وأرسل حملة كبيرة تحت قيادة «شيركوه» ومعه ابن أخيه «صلاح الدين»، فكان النصر حليف الحملة على «ضرغام» والصليبيين الذين استنجد بهم، وقُتل «شاور» فى المعركة، فاعتلى «أسد الدين شيركوه» كرسى الوزارة، ولكنه تُوفِّى بعد قليل، فخلفه فى المنصب ابن أخيه «صلاح الدين» سنة (565هـ) وهو فى الثانية والثلاثين من عمره. عمل «صلاح الدين» على توطيد مركزه فى «مصر»؛ لتأسيس دولة قوية تحل محل الدولة الفاطمية التى ضعفت، وتحقق له ذلك بعد وفاة «العاضد» آخر خلفاء الدولة الفاطمية سنة (567هـ). العقبات التى اعترضت صلاح الدين: لم تكن الأوضاع مهيأة أمام «صلاح الدين» لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، خاصة أن العالم الإسلامى كان مفككًا وضعيفًا ويحيط به الأعداء من كل جانب، بالإضافة إلى كونه نائبًا عن «نور الدين محمود» فى «مصر» التى يطمع الصليبيون وبقايا الفاطميين فى امتلاكها والسيطرة عليها، فعمل على مواجهة هذه العقبات والقضاء عليها واحدة بعد الأخرى كالآتى: أ - إلغاء المذهب الشيعى فى مصر: كان «صلاح الدين» وزيرًا سنيا فى دولة شيعية، وتولَّى أكبر المناصب بعد الخليفة، وأصبحت له الكلمة العليا فى إدارة شئون البلاد، فتحولت مهمته المؤقتة التى جاء من أجلها مع عمه «شيركوه»، إلى إقامة دائمة بمصر مع ولائه لسيده «نور الدين محمود»، وحذف اسم الخليفة الفاطمى «العاضد» من الخطبة، وجعلها للخليفة العباسى ولسيده «نورالدين» من بعده، فزاد حاسدو «صلاح الدين»، وأدرك أن تعدد المذاهب هو السبب الرئيسى فى ضعف المسلمين، فعمل

على إلغاء المذهب الشيعى فى «مصر»، وتم له ما أراد، وهوى نجم الدولة الفاطمية، وسقطت، وتولى «صلاح الدين» رئاسة الدولة بعد صراع مرير مع بقايا الفاطميين وأنصارهم، وأصبح المذهب السنى هو مذهب البلاد. ب - الفتن الداخلية: لاشك أن الإصلاح الحقيقى لأى بلد يحتاج إلى فترة كى يتفهمه الناس ويشعروا به، لذا فقد صعب على دعاة الفتن مسعى «صلاح الدين» لإصلاح أمر الأمة وتأسيس دولة قوية، خاصة أن الأعداء يحيطون بمصر من كل جانب، فقامت حركات مناهضة لما يقوم به «صلاح الدين»، وكان من أشدها وأخطرها: الحركة التى قادها الشاعر «عمارة اليمن»، الذى طالما مدح الفاطميين وأيامهم، واعتبر الأيوبيين مغتصبين للعرش الفاطمى، فعمل على إعادة الحكم للفاطميين، ودعا عددًا كبيرًا من الجند، وانضم إليه المناصرون وبقايا الفاطميين، وأصبحت حركته خطرًا يهدد دولة الأيوبيين الوليدة، إلا أن «صلاح الدين» تمكن من إفشالها، وقبض على قادتها، وما كادت الأوضاع تهدأ حتى قامت فتنة أخرى فى «أسوان» تدعو إلى عودة البيت الفاطمى، فأرسل «صلاح الدين» أخاه «العادل» الذى تمكن من دخول «أسوان» والقضاء على هذه الفتنة فى سنة (570هـ). ج - تطور العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين محمود: لم تكن الفتن الداخلية هى العقبة الوحيدة التى واجهت «صلاح الدين» فى بداية حكمه لمصر فحسب، ولكنه كان أحد قواد «نور الدين محمود»، وحكم «مصر» نيابة عنه، وذكر اسمه فى الخطبة بعد الخليفة العباسى، وضرب السكة باسمه. وقد كانت تبعية «صلاح الدين» لنور الدين تبعية اسمية، ولم يتدخل «نور الدين» فى شئونه، وكان هو الحاكم الفعلى لمصر، وله جيشه وحاشيته، ويتمتع بحب رعيته، ولكن «نور الدين» كان يعتمد على مساعداته لصد أعدائه من السلاجقة والصليبيين، إلا أن الفتن الداخلية التى قامت فى وجه «صلاح الدين» لم تمكنه من مساعدة «نور الدين» فى حربه، وظل على ذلك حتى وفاة «نورالدين» سنة (569هـ)، فتولى من

بعده ابنه الملك «إسماعيل بن نور الدين» وكان لايزال طفلا صغيرًا، فضعفت الدولة فى عهده. د - وحدة المسلمين: كان لنجاح «صلاح الدين» فى التغلب على الفتن الداخلية التى واجهته منذ أن أصبح وزيرًا بمصر، وارتداد الحملة الصليبية إلى «دمياط» سنة (564هـ) أكبر الأثر فى ذيوع اسمه فى أرجاء العالم الإسلامى، ونظر إليه الناس نظرة إجلال، واعتبروه أحد القادة العظماء؛ لوقوفه فى وجه الصليبيين، ونجاحه فى فتح «اليمن»،ونجاحه فى القضاء على حركة «عمارة اليمن». وقد أثرت وفاة «نور الدين محمود» على دولته فى بلاد الشام، وقام تنازع شديد بين الأمراء على مَن يعتلى العرش، وانتهى الأمر بتولية «إسماعيل بن نور الدين» عرش أبيه وهو مايزال فى الحادية عشرة منْ عمره، فوقع فريسة للصراع بين الأمراء، وضاعت بذلك هيبة الدولة النورية وقوتها، وبدت عليها مظاهر التفكك والضعف لدرجة أن أحد الأمراء لم يقو على مواجهة الفرنجة وقتالهم، فعمل على مهادنتهم واسترضائهم بالمال؛ ليأمن شرهم ويتجنب مواجهتهم. كان «صلاح الدين» متابعًا للأحداث التى تجرى فى العالم الإسلامى من حوله، فقرر التدخل فى شئون «الشام» وضمه إلى «مصر» كى يحول دون وقوعه غنيمة فى أيدى الصليبيين، وليحمى «مصر» والإمارات الإسلامية من أى خطر يهددها، وجعل هدفه توحيد صفوف المسلمين وقوتهم فى جبهة واحدة؛ ليتمكنوا من صد الصليبيين وحصرهم بين شِقَّى الرحى فى الجزيرة والشام من جهة، وفى «مصر» من جهة أخرى، وانتظر «صلاح الدين» الفرصة لتحقيق ذلك حتى واتته الفرصة حين استنجد به بعض أمراء «دمشق»، فسار إلى الشام وتمكن دون قتال من السيطرة والاستيلاء على «دمشق» سنة (570هـ)، ثم على «حمص» و «حماة»، وحال الملك «الصالح إسماعيل» دون دخوله إلى «حلب»، فقرر «صلاح الدين» حصارها، فاستنجد أهالى «حلب» بأعداء الدولة، واضطر «صلاح الدين» إلى فك الحصار عن «حلب»، واستولى على

«بعلبك» ليحمى جيشه من الخلف، ثم عاد ثانية لحصار «حلب»، وأعلن استقلاله، وحذف اسم «الصالح إسماعيل» من الخطبة، واتصل بالخليفة العباسى، فمنحه لقب سلطان. هـ - السلطان صلاح الدين وتوحيد باقى الولايات الإسلامية: بعد حصول «صلاح الدين» على لقب السلطان استقل عن أسرة «نور الدين»، وأصبح حاكم «مصر» الرسمى، وقوى مركزه باستيلائه على «منبج» و «إعزاز»، وشدد حصاره على «حلب»، وعزلها عن جيرانها حتى طلب «الصالح إسماعيل» الصلح، فوافق «صلاح الدين»؛ لأن هدفه كان وحدة المسلمين وحماية بلادهم. تُوفِّى صاحب «الموصل» سنة (578هـ)، ومن بعده تُوفى «الصالح إسماعيل»، فعاد الانقسام ثانية من أجل الوصول إلى كرسى الحكم، فزحف «صلاح الدين» إلى الشام فى سنة (578هـ)، وانضمت إليه بعض المدن دون قتال، واستولى على «حلب»، وبذا أصبح شمال الشام كله تحت سيطرته، ولم يعد أمامه سوى مدينة «الموصل» التى سعى حاكمها إلى التصالح مع «صلاح الدين»، وتعهد بإرسال المساعدات الحربية إذا طُلب منه ذلك، فخضعت بذلك جميع الإمارات الإسلامية الشامية تحت سلطان «صلاح الدين»، وتمكن من توحيد كلمة المسلمين تمهيدًا للنضال ضد الصليبيين. موقف صلاح الدين من الصليبيين: ظل «صلاح الدين» يعمل على توحيد العالم الإسلامى مدة عشر سنوات فى الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامى، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك ما يأتى: واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م]: تعد «حِطِّين» من أشهر الحروب التى خاضها «صلاح الدين» ضد الصليبيين، بعد سلسلة من الحروب التى خاضها مثل: موقعة «مرج العيون» سنة (574هـ) التى انتصر فيها عليهم، ثم موقعة «مخاضة الأحزان» سنة (575هـ)، ثم حدثت الهدنة بين الطرفين،

ولكن الصليبيين لم يكفُّوا عن محاولة السيطرة على «مصر» وبلاد الشام، وظل «صلاح الدين» وفيا بعهده؛ لما عرف عنه من الشجاعة والمروءة والمحافظة على العهد، إلى أن نقض «أرناط» حاكم «حصن الكرك» الهدنة معه فى سنة (583هـ)، وهاجم إحدى قوافل الحج، فكانت هذه الجريمة هى الشرارة التى أشعلت نار الحرب بين الفريقين، فقد غضب «صلاح الدين» من هذا العمل الوحشى، خاصة وأن القافلة كانت فى طريقها إلى حج بيت الله الحرام، فهدد «صلاح الدين» «أرناط» وأنذره بالقتل إذا تمكن منه، وأعد عدته لقتال الصليبيين، ووافته الإمدادات من المدن الشامية والمصرية، وسار إلى «طبرية» وحاصرها، فلما علم الصليبيون باستعداداته الحربية اجتمعوا ببلدة تُدعى «صفورية»، وتناقشوا فى خطة الحرب الواجب اتباعها إزاء «صلاح الدين»، واستقر رأيهم على هجوم المسلمين، وتقدموا واحتلوا تلا على مقربة من «حِطِّين» فى الوقت الذى تمكن فىه «صلاح الدين» من السيطرة على مدينة «طبرية» باستثناء قلعتها التى استعصت عليه، فتركها ومضى لملاقاة الصليبيين. وفى سنة (583هـ = يولية 1187م) دارت الموقعة الحاسمة بين جيش المسلمين بقيادة البطل الشجاع «صلاح الدين» وبين الصليبيين، فشن جيش المسلمين حملة هزت جنبات «حطين»، وكان نداء «الله أكبر» و «لا إله إلا الله محمد رسول الله» حافزًا قويا ومؤثرًا فى دخول الجنود المعركة ولا هم لهم إلا النصر أو الشهادة، فنصرهم الله نصرًا مؤزرًا، ونال الصليبيون هزيمة ساحقة، وفر مَنْ بقى منهم هربًا، فسجد «صلاح الدين» شكرًا لله على ما منحه من نصر، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت «قلعة طبرية» وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه «صلاح الدين» صوب الساحل وحاصر «عكا» حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقى المدن الساحلية التى تقع جنوب

«عكا» وهى: «نابلس» و «الرملة» و «قيسارية» و «أرسوف» و «يافا» و «بيروت»، وكذا المدن الواقعة شمال «عكا» مثل: «الإسكندرونة»، وكلها حصلت على العهد بالأمان من «صلاح الدين» الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى فى طريقه إلى «فلسطين»، فاستسلمت «عسقلان» له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير «بيت المقدس». الفتح المبارك: شاءت إرادة الله أن يكون تحرير «المسجد الأقصى» - أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - على يدى البطل الشجاع «صلاح الدين الأيوبى»، الذى حاصر مدينة «بيت المقدس» حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح، فأجابهم «صلاح الدين» إلى طلبهم وأمهلهم مدة أربعين يومًا للجلاء عن المدينة ومعهم أمتعتهم، وترك بسماحته زوجة «أرناط» تخرج من المدينة بسلام مع مَن خرج، ولم يتعرض «صلاح الدين» لأحد بسوء، وسمح لبطريق المدينة بالخروج مثل باقى الأهالى الذين حملوا معهم ثرواتهم وكنوزهم وتحفهم، ودخل «بيت المقدس»، وبدأ على الفور فى إصلاحها، ورمَّم «المسجد الأقصى»، وأقام فيه فترة بعد أن حرره من المغتصبين المستعمرين، ليعلو صوت الحق والعدل من جديد، ويصبح «صلاح الدين» ثانى القادة الفاتحين - الذين دخلوا هذه المدينة - بعد «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه-الذى فتحها الفتح الأول. صلح الرملة: أوشكت الأمور على الاستقرار بعد الانتصارات العظيمة التى حققها «صلاح الدين الأيوبى»، ولكن أوربا أرادت أن تحول دون تحقيق ذلك، وأرسلت حملة من أقوى الحملات الصليبية وأكثرها عددًا وعدة وعتادًا؛ ضمت ملوك أوربا بعد أن دعا البابا إلى حرب المسلمين، وأعلن قدسية هذه الحرب، فتشكلت حملة من «ألمانيا» وأخرى من «فرنسا» وثالثة من «إنجلترا»، وخرجت جميعها فى طريقها إلى العالم الإسلامى لتخريبه، فوقف «صلاح الدين» صامدًا أمام هذه الحملات الكبيرة

التى أتت من البر والبحر، واستطاعت السيطرة على المناطق الساحلية، ومع ذلك عمد «صلاح الدين» إلى تقوية جيشه وتنظيم جبهته الداخلية على الرغم من مرضه، فطلب الصليبيون الصلح الذى عُرف بصلح الرملة، وبدأت المفاوضات بين «الملك العادل» نائبًا عن «صلاح الدين»، و «ريتشارد» قائد حملة الصليبيين، واتفق الطرفان على «صلح الرملة» الذى كان من أهم شروطه: أ - تخريب «عسقلان»؛ لأنها مفتاح «بيت المقدس». ب - يحكم الصليبيون الساحل من «صور» إلى «يافا»، ويكون جنوبى ذلك الساحل لصلاح الدين، على أن يقع «بيت المقدس» فى حدوده وتحت سيطرته. ج - يُسمَح للمسيحيين بالحج إلى «بيت المقدس» فى أمن وأمان. وهكذا اتفق الطرفان على بنود هذا الصلح التاريخى، ليكون بداية مرحلة جديدة لهذه البلاد، التى فقدت قائدها «صلاح الدين» عقب هذا الصلح، ليأخذ الصراع مع الصليبيين وضعًا آخر. وفاة صلاح الدين الأيوبى: خرج «صلاح الدين» من «القاهرة» لآخر مرة فى طريقه إلى الشام سنة (578هـ)، لتوحيد صفوف المسلمين وإعدادهم لقتال الصليبيين، وعلى الرغم من طول فترة حكمه التى بلغت أربعة وعشرين عامًا فإنه لم يمكث فى مصر سوى ثمانى سنوات فقط، فلما أراد مغادرة «القاهرة» فى المرة الأخيرة، خرج رجال القصر لتوديعه عند بركة الجيش وأنشده أحد الشعراء شعرًا استاء منه، وشعر أنه لن يرى «مصر» ثانية، وقد صح حدسه؛ إذ مرض أثناء مفاوضاته مع الصليبيين فى «صلح الرملة» ولزم فراشه؛ ثم لقى ربه فى سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامى بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودى به وتوقعه فى أيدى الأعداء. يُعدُّ «صلاح الدين» من الشخصيات العظيمة النادرة فى التاريخ الإسلامى، فقد كان سياسيا ماهرًا، وقائدًا محنكًا نبيلا، مخلصًا فى

تصرفاته، ميالا إلا التسامح والعفو، محبا للعلم والأدب، وفيا مع أصدقائه وأعدائه على السواء. خلفاء صلاح الدين [589 - 648هـ = 1193 - 1250م]: بعد وفاة «صلاح الدين» انقسمت السلطنة الأيوبية بين أبنائه الثلاثة وأخيه وبعض أقاربه، فاستقل ابنه «العزيز» بمصر، واستقل ابنه «الأفضل» بدمشق و «وسط سوريا»، وابنه «الظاهر» بحلب، أما أخوه «العادل» فحكم «العراق» و «ديار بكر» و «الرها»، وتولَّى أبناء عمومته «حماة» و «حمص» و «بعلبك» و «اليمن»، وهكذا قضى أبناء «صلاح الدين» وأقاربه على وحدة الدولة، ولم يفهموا الهدف الذى سعى طيلة حياته من أجل تحقيقه. العزيز عماد الدين [589 - 595هـ = 1193 - 1199م]: خلف «صلاح الدين» على عرش «مصر» أصغر أبنائه «الملك العزيز»، وكان شابا فى الحادية والعشرين من عمره، يتصف بالشجاعة والرحمة والعفة والأخلاق الحميدة، وحكم «مصر» فى حياة أبيه «صلاح الدين» نيابة عنه، ومكَّنه ذلك من اعتلاء عرشها عقب وفاته، إلا أنه كان يفتقد إلى الدراية السياسية فى تسيير أمور البلاد واستقرار أحوالها، فاستعان بعمه «العادل» واستوزره ليقوم بهذه المهمة، ومات «العزيز» فى سنة (595هـ). المنصور ناصر الدين [595 - 596هـ = 1199 - 1200م]: خلف «العزيز» ابنه «الملكُ المنصور» وهو طفل فى التاسعة من عمره، فحكم «مصر» مدة سنة وتسعة أشهر، فرأى «الملك العادل» أن الدولة أوشكت على الانهيار تحت حكم الملك الطفل، فجمع العلماء والفقهاء فى مجلس للتشاور فيما يجب فعله، فقرر الجميع وجوب خضوع الصغير للكبير، وتولى «العادل» عرش «مصر»، فأصبحت تحت يده أهم أجزاء دولة «صلاح الدين»، واعترفت الولايات بسيادته، وساهمت فى حروبه، وضربت «السكة» باسمه، وخُطب له فوق كل المنابر الإسلامية السلطان العادل سيف الدين [596 - 615هـ = 1200 - 1218م]: يعد «العادل» أعظم سلاطين الأيوبيين بعد «صلاح الدين»، فقد اكتسب خبرة واسعة من اشتراكه مع أخيه «صلاح

الدين» فى غزواته ومفاوضاته وإدارة الأقاليم، إذ وكل إليه «صلاح الدين» معاونة «العزيز» فى حكم «مصر»، كما عهد إليه بحكم «حلب»، ثم «العراق»، وذاع صيت «العادل» بين ملوك «أوربا»، واشتهر بالكفاءة والدهاء والدراية بشئون الحكم، ولم يتأخر فى حمل المسئولية حين رأى تدهور الأوضاع بمصر وحاجتها إليه، فكان الرجل المناسب لتلك المرحلة. بعض الصعوبات التى واجهت العادل: تأثر «العادل» تأثرًا بالغًا بشخصية أخيه «صلاح الدين»، فسار على نهجه فى إدارة البلاد، رغم الصعوبات التى واجهته، فقد ثارت ضده طائفة الشيعة الإسماعيلية مثلما ثارت من قبل فى وجه أخيه «صلاح الدين»، وحاولت هذه الطائفة زعزعة ملك «العادل» وتفريق البلاد وتشتيت الصفوف، فعمل «العادل» على الحيلولة دون حدوث ذلك، وتمكن من القبض على عناصرها وسجنهم سنة (605هـ)، فخرجت جماعة أخرى تنادى بتولية أحد أبناء «صلاح الدين» أمور الدولة، وكان هذا الابن لايزال طفلا صغيرًا، فاستطاع «العادل» التغلب عليهم وإعادة الاستقرار إلى بلاده، إلا أن انخفاض مياه النيل كان إحدى العقبات الطبيعية التى واجهته، فقد حدثت بسببه مجاعة وقحط شديدان؛ نتيجة قلة الزراعة، كما أن الحملات الصليبية لم تهدأ فى عهده؛ إذ لم ترضَ «أوربا» عن استقرار أحوال البلاد الإسلامية، فعملت على زعزعتها، وأرسلت حملة صليبية هاجمت «مصر» ووصلت إلى «دمياط» وحاصرت حصونها، ثم تمكنت منها، واستولت على برجها الحصين «برج السلسلة»، يضاف إلى ذلك كله العقبات الداخلية التى واجهت «العادل» أثناء حكمه لمصر. وفاة العادل: على الرغم مما واجهه «العادل» من صعاب داخلية وخارجية فى الحكم، فقد اتسع ملكه إلى حد كبير، وقلَّده الخليفة العباسى بمرسوم رسمى حكم «مصر» والشام وأرض الجزيرة، وخلع عليه الخلع الثمينة، فوزع «العادل» حكم مملكته الواسعة بين أبنائه التسعة عشر نيابة عنه؛ ليضمن وحدتها وتماسكها، فأناب ابنه «الكامل» عنه فى

«مصر»، وجعل «المعظَّم عيسى» على الشام، و «نجم الدين أيوب» على «ميافارقين» ونواحيها، وأناب ابنه «الأشرف مظفر» على «الولايات الشرقية». وقد ضمن «العادل» وحدة دولته فى حياته، إلا أنه تركها إرثًا موزعًا بين أبنائه بعد وفاته، فكان لذلك أثره الخطير فى قوة الدولة وتماسكها. وحين سمع «العادل» بسقوط «برج السلسلة» بدمياط حزن حزنًا شديدًا، فمرض ومات سنة (615هـ)، وكتم أصحابه خبر موته ونقلوه إلى «دمشق»، حيث تولى ابنه «الكامل» حكم «مصر». كان «العادل» حاكمًا عادلا، ذكيا، حليمًا، حسن التدبير، محبًا للعلماء والأدباء ومشجعًا لهم، كما كان سياسيا محنكًا، قام برحلات عديدة جاب بها أطراف مملكته الشاسعة، كى يضمن استتباب الأمن والنظام، كما كان متفقدًا لأحوال أبنائه فى الأقاليم التى أنابهم عنه فى حكمها. الكامل ناصر الدين [615 - 635هـ = 1218 - 1237م]: حكم «الكامل» «مصر» نيابة عن أبيه «العادل» فى حياته، فلما مات استقل الكامل بحكم «مصر» فى ظروف حرجة، إذ كان الصليبيون منتصرين فى «دمياط»، وكان عليه دحر هذا الانتصار الذى أدى إلى موت أبيه كمدًا، وخرج عليه عدد من الأمراء لعزله فى الوقت الذى يتصدى فيه للصليبيين بدمياط، فتمكن من التغلب عليهم، ولكن الصليبيين استغلوا حالة التمرد والتفكك الداخلى واستولوا على «دمياط»، إلا أن «الكامل» استطاع توحيد بلاد المسلمين، وتمكن من دخول «نابلس»، وتحرير «بيت المقدس»، واتسع ملكه لدرجة جعلت أئمة المساجد يدعون له من فوق المنابر بقولهم: «سلطان مكة وعبيرها، واليمن وزبيرها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها، سلطان القبلتين، ورب العلامتين، وخادم الحرمين الشريفين». ورث عن أبيه صفاته الطيبة، فكان قائدًا قديرًا، وسياسيا بارعًا، وإداريا نشيطًا، حازمًا يدير أمور دولته بنفسه، لدرجة أنه لم يعين وزيرًا بعد وفاة وزير أبيه، وقام بالأمر بمفرده، وكان محبا للحديث،

مشجعًا للعلماء والأدباء، فقد كان عالمًا، ينظم الشعر ويجيده. ظل فى حكم البلاد التى تحت يديه حتى وفاته سنة (635هـ)، فأخذت الدولة فى الضعف والانحلال من بعده. العادل الثانى [635 - 637هـ = 1237 - 1240م]: يُطلَق اسم «العادل الصغير» أو «العادل الثانى» على هذا السلطان، تمييزًا له عن الملك «العادل» أخى «صلاح الدين»، وقد كان «العادل الثانى» نائبًا عن أبيه «الكامل» فى حكم «مصر»، فلما مات أبوه أصبح سلطانًا على «مصر»، ولكن اضطراب الأوضاع، وضعف الدولة جعلاه لا يستمر طويلا فى حكم البلاد، فتولى أخوه «الصالح نجم الدين أيوب» الحكم من بعده. الصالح نجم الدين أيوب (637 - 647هـ = 1240 - 1249]: ورث «الصالح نجم الدين أيوب» عرشًا مضطربًا، مزعزع الأركان جلب عليه الكثير من المشاكل والمتاعب، فدبر أموره، وأعد عدته وتمكن من القضاء على أكثر هذه المصاعب التى واجهته رغم شدتها، فلما تم له ما أراد تحول بقوته إلى مواجهة الصليبيين، ولم يألُ جهدًا فى جهاده ضدهم، واستطاع استعادة «بيت المقدس» ثانية من قبضتهم، فاستقرت له الأحوال، وحل السلام بينه وبين أمراء مملكته، وتفرغ لمواصلة جهاده ضد الصليبيين؛ أملا منه فى تحرير البلاد كافة من أطماعهم. بداية المماليك: أكثر «الصالح نجم الدين أيوب» من استجلاب المماليك لمساعدته فى حروبه ضد الصليبيين، فنبغ منهم عدة أشخاص كان لهم أكبر الأثر فى تغيير مجرى السياسة المصرية، ومنهم «شجرة الدر» الأرمينية الأصل، والتى كانت أم ولد للصالح نجم الدين أيوب، ولازمته فى حياة أبيه «الكامل»، وظلت معه بذكائها حتى أنجبت من «الصالح أيوب» ابنه «خليل» فتوطدت مكانتها، فلما أصبح سلطانًا على «مصر» اتخذها إلى جواره ملكة غير متوَّجة، فقد كانت تعمل على راحته، ووجد فيها ما يحبه. وفاة الصالح نجم الدين أيوب: مات «الصالح أيوب» فى ليلة النصف من شعبان سنة (647هـ)، وكانت الحرب لاتزال دائرة بين المسلمين والصليبيين

أمام «المنصورة»، فأعملت «شجرة الدر» عقلها وتجلى ذكاؤها، وأخفت خبر وفاته عن الناس فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ «مصر» و «الشام»، وأمرت أحد أطبائه بغسل جثمانه ووضعه فى تابوت، ثم حمله فى الظلام إلى «قلعة الروضة»، ثم إلى «قبو» بجوار المدرسة الصالحية ودفنه هناك، وأخبرت الأمراء أن «السلطان مريض لا يصل إليه أحد»، ولم تعلن خبر وفاته إلا بعد انتصار المسلمين على الصليبيين، ورد حملتهم، فاستمر العزاء ثلاثة أيام بلياليها بمدرسته، وبعثت «شجرة الدر» بالسناجقة السلطانية، وأمرت بأن تُعلَّق داخل القاعة على ضريح «الملك الصالح»، ليرى الزائر آلات الجهاد التى كان يحملها آخر سلاطين «بنى أيوب» فى جهاده ضد الصليبيين فى معركة «المنصورة»، فقد كان «الصالح أيوب» من أعظم سلاطين «مصر» وأشجعهم. المعظم توران شاه [647 - 648 هـ = 1249 - 1250م]: قبل أن تعلن «شجرة الدر» عن وفاة الملك «الصالح أيوب» أرسلت فى استدعاء ابنه «توران شاه» الذى كان غائبًا عن «مصر»، فقد كان فى «حصن كيفا»، وقبل وصوله أصدرت أوامرها للأمراء وأكابر رجال الدولة بأن يحلفوا يمين السلطنة لتوران شاه، وأمرت خطباء المساجد بالدعاء له، وأدارت «معركة المنصورة» حتى وصل «توران شاه»، فتسلم قيادة الحرب وزمام الملك، ولم يمكث على عرش السلطنة أكثر من شهرين، ثم خرج لملاقاة الصليبيين الذين دخلوا «المنصورة»، وأخذوا يتقدَّمون نحو «القاهرة»، فتصدَّى لهم، وقاد المعركة بمهارة فائقة حتى تم النصر للمسلمين، فأحبه الناس وقدروه، إلا أن سيرته لم تكن حسنة، فقتل سنة (648هـ). نهاية الدولة الأيوبية: تولت «شجرة الدر» زمام سلطنة «الأيوبيين» فى «مصر» لمدة ثمانين يومًا عقب مقتل «توران شاه»، ثم تزوجت «عز الدين أيبك» التركمانى، وتنازلت له عن العرش بسبب المشاكل التى واجهتها، وعدم رضى الخليفة العباسى عن توليها السلطنة، ولكن «عز الدين» كان رجلا ضعيف الرأى، فأسدل الستار على

الدولة الأيوبية، إحدى أعظم الدول الإسلامية فى العصور الوسطى، بعد أن نالت مكانة عظيمة فى تاريخ المسلمين، وبدا فى الأفق ظهور دولة جديدة فى تاريخ المسلمين هى دولة المماليك. النظم والحضارة فى العصر الأيوبى النظام السياسى: كان السلطان الأيوبى يطلب من الخليفة العباسى - بصفته الرئيس الأعلى لبلاد المسلمين - تفويضًا يجعل حكمه فى «مصر» شرعيا، رغم أن سلطان الأيوبيين على البلاد التى تحت أيديهم كان سلطانًا مطلقًا، ولم تكن للخلافة العباسية عليه أية نفوذ، ولكن سلاطين الدولة الأيوبية حرصوا على الحصول على هذا التفويض دومًا، وكان «الناصر صلاح الدين» أول مَنْ اتشح بخلعة الخليفة العباسى من سلاطين «مصر» الأيوبيين. ألقاب السلطان وأعماله: يُعدُّ «صلاح الدين» أول مَنْ اتخذ لقب السلطنة من حكام «مصر»، وقد حصل على لقب «سلطان»، ولقب: «محىى دولة أمير المؤمنين» لأعماله الجليلة التى قام بها فى نشر المذهب السنى والقضاء على المذهب الإسماعيلى الشيعى، ونجاحه فى مناهضة الصليبيين وصدهم عن بلاد المسلمين، ومع ذلك فقد كان «صلاح الدين» رجلا متواضعًا، واتخذ من لقب: «السلطان الملك الناصر» لقبًا للتعامل، رغم حصوله على ألقاب عديدة تحمل فى طياتها معانى العظمة والأبهة والجاه مثل: «السيد العالم العادل المظفر المنصور، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، إسكندر الزمان، صاحب القبلتين، خادم الحرمين الشريفين، سيد الملوك والسلاطين»، ومما لاشك فيه أن هذه الألقاب تبين عظمة ما بلغه سلاطين الدولة الأيوبية، خاصة أن لكل لقب من هذه الألقاب موقفًا عظيمًا وحادثًا جللا خاضه السلطان فمُنح اللقب على إثره. دُوِّنت الألقاب فى الرسائل التى تُبودلت بين السلاطين وملوك «أوربا» وفى الكتابات التاريخية، وعلى السكة والعمائر، والتحف الفنية، وفهارس دار الآثار العربية. كان السلطان يقيم مع

أسرته وحاشيته ورجال بلاطه فى «قلعة الجبل»، وهو رئيس الدولة الأعلى الذى له الحق فى الهيمنة على شئون الأمراء الخاصة والعامة، وفى تدرجهم الوظيفى، وفى توزيع الإقطاعات والجنود عليهم وتحديد أنصبتهم، وكان على السلطان تعيين موظفى الدولة وعزلهم، وتأديبهم والنظر فى المظالم وقيادة الجيوش فى الحروب. وكان للدولة الأيوبية مجلس شورى تُقَرُّ من خلاله مشروعات الدولة الحيوية كإعلان حرب أو إبرام صلح أو إصلاح لهيكل من هياكل الدولة، وكان هذا المجلس يُسمَّى: «مجلس السلطنة»، وكان أعضاؤه من كبار موظفى الدولة للاستئناس بآرائهم ومشورتهم قبل الإقدام على تنفيذ المشروعات والخطط، ويتولى «أمير مجلس» -الذى يشبه منصبه منصب كبير الأمناء - الآن - الأمور الخاصة بمجلس السلطنة، وله حق التصرف فى شئون البرتوكول، كما كان يتمتع بالجلوس فى حضرة السلطان بحكم هذه الوظيفة. نائب السلطان: نيابة السلطنة وظيفة استحدثها السلاطين الأيوبيون، فأصبح النائب كأنه سلطان ثانٍ، ويشترك مع السلطان فى منح لقب الإمارة، وتوزيع الإقطاعات، وتعيين الموظفين، وتوقيع المراسيم والمنشورات، وتنفيذ القوانين، والخروج على رأس فرق الجيش فى المواكب الرسمية، يحف به الأمراء عند دخوله أو خروجه من قصر السلطان، وكان يُلقَّب بكامل المملكة الشريفة الإسلامية، لأن من اختصاصاته تصريف أمور الدولة عامة سواء أكان السلطان بالقاهرة أم كان متغيبًا عنها. وهناك نوع آخر من النيابة يقول عنه «المقريزى»: «يقوم النائب فيها بمهام الدولة إذا خرج السلطان إلى الصيد، أو سار على رأس الجيش فى حرب خارجية». الوزير: اتخذ سلاطين الدولة الأيوبية فى «مصر» وزراء لم يحددوا سلطتهم، ولم يجعلوها مقصورة على التنفيذ، بل جعلوها سلطة مطلقة، فأصبحت الوزارة أعلى الوظائف وأرفعها، وأصبح صاحبها باب الملك المقصود، ولسانه الناطق، ويده المعطاءة. النظام القضائى فى عهد الأيوبيين: فى سنة

(564هـ) افتتح الناصر «صلاح الدين» مدرستين لتدريس الفقه، وجعل إحداهما لتدريس الفقه الشافعى، وجعل الأخرى للفقه المالكى، وفصل جميع القضاة الشيعة، وعين بدلا منهم قضاة من الشافعية السنيين، فاقتصر القضاء على مذهب الإمام «الشافعى»، كما أن قاضى الشافعية «صدر الدين درباس» لم يُنب عنه فى أقاليم «مصر» إلا من كان شافعيا، ومن ثم انتشر المذهب الشافعى فى «مصر» وما يتبعها من أقاليم. وكان الذى يتولى منصب القضاء فى «القاهرة» وسائر أعمال الديار المصرية، فى عهد الأيوبيين قاضٍ واحد هو بمثابة قاضى القضاة، وله حق إنابة نواب عنه فى بعض الأقاليم. أعوان القاضى: كان للقاضى فى عهد الأيوبيين أعوان يساعدونه على العدل فى الحكم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فكان منهم «الجلواز» الذى يستعين به القاضى على تنظيم قاعة الجلسة، وحفظ النظام، وترتيب الخصوم وفق ترتيب حضورهم، ومنعهم من التقدم إلى القاضى فى غير دورهم، ومراعاة الآداب فى مجلس القضاء. ومنهم «الأعوان» ومهمتهم إحضار الخصوم إلى المحكمة، والقيام بين يدى القاضى عند نظره فى الخصومات إجلالا لمركزه .. ومنهم «الأمناء» ومهمتهم حفظ أموال اليتامى والغائبين. ومنهم «العدول» ومهمتهم مراعاة دقة عبارات السجلات والعقود ومطابقتها للشرع، وتزكية الشهود. وقد استقرت النفوس وهدأت فى ظل هذا النظام القضائى المنضبط، لأن القضاء العادل من شأنه أن يجعل الناس سواء، خاصة أن مصادر القضاء الإسلامى المتمثلة فى القرآن والسنة وإجماع العلماء والاجتهاد كانت هى الأسس التى سار عليها قضاة ذلك العصر، فقلَّت المظالم، واستقرت أحوال البلاد. التطور الاقتصادى فى العهد الأيوبى: تأخذ الأمم القوية بأسباب قوتها، وتعمل على استثمار الإمكانات المتاحة لها لتنمية ثرواتها، لذا فإن تقدم الأمم وقوتها مرتبط بنجاح اقتصادها وقوته واستمرار روافده، وكانت الدولة الأيوبية إحدى الدول القوية ذات الاقتصاد

القوى، فقد امتلكت ما تركه الفاطميون عقب سقوط دولتهم، ونظمت الخراج والجزية، بالإضافة إلى غنائم حروبها وفدية الأسرى، واستخدمت هذه الموارد لصالح البلاد الإسلامية كافة، وأنفقت على تسليح الجيش وإعداده جزءًا كبيرًا منها، وبنت القلاع والحصون، وقامت بالإصلاحات الداخلية فى البلاد. غَيَّر «الناصر صلاح الدين» النظام الاقتصادى الذى كان سائدًا قبله، وقلل من النظام الإقطاعى، فقضى بذلك على استقلال أمراء الإقطاعات، وقوَّى الحكومة المركزية، فكان لهذا أثره الكبير فى ازدهار حالة البلاد الاقتصادية. وقد أولى «الأيوبيون» الزراعة عنايتهم؛ فهى عماد حياة البلاد، فطهَّروا الترع، وأقاموا الجسور، ونظموا وسائل الرى، لدرجة أن السلطان «الكامل» كان يراقب المهندسين بنفسه أثناء إقامتهم السدود والخزانات، وغير ذلك من أعمال الرى الخاصة، فنشطت الزراعة دون أن تؤثر الحروب عليها، فقد كانت حروب الأيوبيين تتوقف فى «سوريا» شتاءً، وهو موسم الزراعة فى «مصر». ونشطت التجارة كما ازدهرت الزراعة فى العصر الأيوبى، وأصبحت «مصر» -آنذاك - همزة الوصل بين تجارة الشرق والغرب، وعقد السلطان «العادل» معاهدة تجارية مع «البندقية» فى سنة (605هـ = 1208م)، حصل البنادقة بمقتضاها على تسهيلات تجارية فى الموانى المصرية، خاصة «الإسكندرية»، فى مقابل أن يمنعوا الصليبيين، من التقدم نحو «مصر»، فلما ولى السلطان «الكامل» حكم البلاد أقر ما اتفق عليه السلطان «العادل» مع أهل «البندقية»، وسمح لهم بتأسيس سوق تجارية فى الإسكندرية، سُمِّيت «سوق الأيك»، ومنح الامتيازات نفسها لأهل «بيزة» الذين أرسلوا قنصلا لهم إلى «الإسكندرية»، فأدت هذه الخطوات إلى ازدهار التجارة وانتعاش الاقتصاد، وزيادة دخل الدولة. وجدير بالذكر أن «مصر» مرت بانتكاسة اقتصادية فى عهد «العادل» نتيجة انخفاض مياه النيل الذى ترتب عليه قلة الزراعة، فحدثت المجاعة واشتد القحط، وبذل «العادل» جهودًا

كبيرة لمواجهة هذه الأزمة، فكان يخرج بنفسه أثناء الليل ويوزع الأموال على الفقراء والمساكين والغرباء، ولكن الموقف ازداد سوءًا وتفاقم خطره حين وقع زلزال مروِّع وقت المجاعة هدم كثيرًا من المبانى، وأزهق أرواحًا لا تُحصَى فى «مصر» والشام، ولكن الأوضاع سرعان ماعادت إلى طبيعتها بعد زيادة مياه النيل سنة (601هـ = 1204م)، فزادت الغلال وخفت المجاعة، وانتهى أمر النكبة بعد أن تكاتف الجميع للقضاء عليها وإعادة الاقتصاد إلى سابق عهده؛ ليتتابع الكفاح ضد الصليبيين من جديد. وهكذا كان اقتصاد الدولة الأيوبية اقتصادًا منظمًا زادت فيه موارد الدولة وشعر الجميع بانتعاش اقتصادى عَمَّ أرجاء البلاد. النظام الحربى فى عهد الأيوبيين: كانت حياة الأيوبيين سلسلة متتابعة من الجهاد والنضال والقتال، ولذا كان اهتمامهم بالجيش وعنايتهم بأمره، لدرجة أن سلاطين «بنى أيوب» أنفقوا معظم إيرادات الدولة على إصلاح الجيش، وبناء ما يلزمه من الحصون والقلاع، فلعب الجيش دورًا خطيرًا خلال تلك الحقبة من التاريخ الإسلامى. تألف معظم الجيش الأيوبى من الترك والأكراد، وكان له «مجلس حرب» اعتاد السلطان أن يستشيره فى الخطط التى يجب أن تُتبع، وكان يخضع لرأى المجلس مهما يكن. قسم الأيوبيون الجيش إلى عدة فرق، تُنسَب كل منها إلى أحد القواد العظماء، فكانت هناك فرقة «الأسدية» نسبة إلى «أسد الدين شيركوه»، و «الصلاحية» نسبة إلى «صلاح الدين» .. إلخ، وكان لأمراء هذه الفرق نفوذ كبير، وكان الجيش مكونًا من الفرسان والمشاة، وكانت أسلحته من السهام والرماح والنبال والنار اليونانية. ألَّف «الصالح أيوب» جيشه من الأتراك والمماليك الذين استكثر من شرائهم، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة جهزها بالأسلحة والآلات الحربية والأقوات، وأسكنهم فيها، وعُرفوا منذ ذلك الحين باسم المماليك البحرية، وقد أسسوا دولة -فيما بعد-

عُرِفَت باسمهم. البحرية فى العهد الأيوبى: لم يقتصر إعداد «صلاح الدين» على الجند فى البر وتحصين البلاد، بل وجه اهتمامه إلى سلاح البحرية الذى بلغ درجة عظيمة من التقدم، واهتم بتأسيس الأسطول اهتمامًا كبيرًا خاصة أن الصليبيين كانوا يستخدمون البحر فى هجومهم على البلاد الإسلامية، ومن ثَمَّ أصبح لزامًا على المسلمين الاستعداد لحملات الصليبيين البحرية، فأعد «الناصر صلاح الدين» العدة لتأسيس وتكوين أسطول إسلامى يستطيع مجابهة حملات الصليبيين المعتدين، وكانت أولى خطواته فى ذلك: تخصيص ديوان كبير، عُرف باسم «ديوان الأسطول». وأفرد له «صلاح الدين» ميزانية خاصة، وعهد به إلى أخيه «العادل». واستطاع «صلاح الدين» تكوين أسطول قوى تمكن بواسطته من مواجهة الصليبيين، وأصبح هذا الأسطول من أكبر الأساطيل فى ذلك الوقت، ورابط فى البحر الأحمر، وفى شرق البحر الأبيض، وتمكن من تحقيق انتصارات هائلة. لم يألُ الأيوبيون جهدًا فى سبيل تنظيم الجيش والأسطول، وليس أدل على اهتمام السلاطين بالأسطول البحرى من أنهم كانوا يشركون معهم الأهالى عند عرض الجيوش والأساطيل، أو عند توديعهم للغزو، فقد كان قدر هذه الدولة أن تقوم بمحاربة الصليبيين وردهم عن البلاد الإسلامية، فأدت هذه الأسباب فى النهاية إلى وجود دولة قوية ذات سيادة، فرضت احترامها على أصدقائها وأعدائها، وحررت بلاد المسلمين من الأعداء، لأنها عرفت الأسباب التى تؤدى إلى القوة والازدهار. المنشآت الحضارية فى العهد الأيوبى: رغم كثرة حروب العهد الأيوبى إلا أنه كان حافلا بالإنشاءات العظيمة، فقد بُنيت فيه المدارس والمستشفيات، ونُسِّقت الحدائق، وأُقيمت المنشآت الحربية للدفاع عن الدولة أو للهجوم على العدو طبقًا لظروف الدولة الحربية، وكان من أهم هذه الإنشاءات الحربية وأولها: - قلعة الجبل: وتُعدُّ من أبرز ما خلَّفه الأيوبيون من منشآت فى

«القاهرة»، فمازالت شاهد صدق على عظمة هذه الدولة إلى اليوم، وإن الناظر إليها ليدرك مدى عناية الأيوبيين بالمنشآت والقلاع الحربية التى كانت منتشرة فى بلادهم، خاصة المدن الشامية التى هى خط الدفاع والهجوم الأول للدولة، لم يكن بناء «قلعة الجبل» مجرد تقليد أو مظهر أراده «صلاح الدين» ليظهر به، وإنما بناها لتكون مقرا لحكومته، ومعقلا لجيشه الكبير، وحصنًا يمكِّنه من الإشراف على حاضرة دولته. ويحميه من القلاقل الداخلية، وكذلك لتكون نقطة دفاعية يصد منها غارات المغيرين على «مصر» سواء أكانوا من الصليبيين أم غيرهم. وقد استخدم «صلاح الدين» الأسرى فى تشييد قلعته، ومع ذلك لم يتمكن من إتمام تشييدها فى عهده، فلم يتم منها سوى الهيكل والبئر الحلزونى. وكانت بالقلعة - على الرغم من ارتفاعها - بئر عمقها تسعون مترًا، مملوءة بالماء العذب، مثقوبة فى الحجر، بأسفلها سواقٍ تدور فيها الأبقار، فتنقل الماء إلى وسطها الذى توجد فيه أبقار تنقل بدورها الماء إلى أعلاها، ويُعدُّ هذا البئر من أعجب الآبار، ويعرف باسم «بئر يوسف» نسبة إلى «صلاح الدين يوسف بن أيوب». أتم السلطان «الكامل محمد» بناء «القلعة» فى سنة (604هـ)، ثم انتقل من دار الوزارة إليها. وكان للقلعة سور، وأبراج، وثلاثة أبواب، أحدها من جهة «القرافة» و «جبل المقطم»، والثانى من جهة جدارها البحرى ويُعرَف باسم «باب السر»، والثالث يقع مدخله فى أول الجانب الشرقى من القلعة، ويصل الداخل منه إلى فناء مستطيل به دواوين الحكومة، وبهذا الفناء باب يُسمَّى: «باب القبلة»، وتمتد منه دهاليز فسيحة، وعلى يسار الداخل منها باب يوصل إلى جامع الخطبة وهو من أعظم الجوامع لاتساع أرجائه، وكثرة زخرفته، وفى وسطه قبة تليها مقصورة ليصلى فيها السلطان صلاة الجمعة، وبصدر الدهاليز مدخل يوصل إلى الإيوان الكبير الذى نُصب به سرير الملك؛ وهو منبر من الرخام، وتمتد من هذا الإيوان مساحة

كبيرة بها القصر الذى بناه «الظاهر بيبرس» فيما بعد. صارت «قلعة الجبل» منذ تم بناؤها مقر الدواوين السلطانية ودور الحكومة، فقد كانت حصينة جدا، وتشتمل على كثير من القصور، والإيوانات، والطباق والأحواش، والميادين، والإصطبلات، والمساجد، والمدارس، والأسواق، والحمامات، وكانت بها دار الوزارة، وديوان الإنشاء، وديوان الجيش، ودار النيابة، وبيت المال، وخزانة السلطان الخاصة، والدور السلطانية، وكذلك الأبراج التى كان الخارجون على السلطان ونظام الدولة يُحبسون بها. وكان نقش بابها: «بسم الله الرحمن الرحيم». أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة، المجاورة لمحروسة القاهرة بالعرصة، التى جمعت نفعًا وتحصينًا وسعة على من التجأ إلى ظل ملكه مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين أبو المظفر يوسف بن أيوب محىى الدولة أمير المؤمنين فى نظر أخيه وولى عهده الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد خليل أمير المؤمنين، على يد أمير مملكته ومعين دولته قراقوش عبدالله المكى الناصرى فى سنة تسع وسبعين وخمسمائة». إنشاء المدارس: عُنى «صلاح الدين» ببناء المدارس، فبنى مدرسة بالقرب من قبر الإمام «الشافعى» بالقرافة، وبنى مدارس الناصرية والقمحية، وكذلك نهج نهجه سلاطين «بنى أيوب»، فأسس الملك «الكامل» مدرسة دار الحديث الكاملية؛ نسبة إليه، وكانت عبارة عن بناء متجه إلى القبلة، وفى وسطه صحن كبير مربع، وفى كل جانب من جوانبه الأربعة إيوان، وتعلوها قبة تحتها محراب، ومن ثَمََّ لم تختلف المدارس عن المساجد من حيث الهيئة والشكل. وكان الطلبة يذهبون إلى تلك المدارس بانتظام لتلقى العلم مجانًا، وكان سلاطين الدولة الأيوبية يهتمون بالمدارس وإنشاء المزيد منها، ويوقفون عليها الأوقاف الكثيرة، ويرتبون لها الفقهاء والعلماء لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة، فكثرت بها المباحثات والمناقشات بتشجيع من السلاطين الذين شُغفوا بالبحث العلمى،

كما كان منهم مَنْ ينظم الشعر ويجيده كالملك الكامل. تأسيس المنصورة: يُعدُّ إنشاء مدينة «المنصورة» من الأعمال العظيمة التى خلدت ذكر دولة الأيوبيين، فقد أنشأها السلطان «الكامل» سنة (616 هـ = 1218م)؛ إذ قام بإنشاء مدينة على الشاطىء الشرقى لفرع «دمياط» عقب سقوط «دمياط» فى أيدى «لويس التاسع»، واتخذ «الكامل» المدينة الجديدة مركز دفاع له يقاوم به الصليبيين. وبعد أن تمكن «الكامل» من استرجاع مدينة «دمياط» من أيدى الصليبيين أطلق اسم «المنصورة» على مدينته الجديدة تيمنًا بالنصر، ثم ما لبثت هذه المدينة الجديدة أن اتسعت، واشتهرت منذ إنشائها بأنها مدينة حصينة، وكانت سجن «لويس التاسع» ومَنْ كانوا معه حين تم أسرهم ووضعهم بدار الحكمة، التى مازالت معروفة لدى العامة حتى اليوم باسم «دار ابن لقمان» نسبة إلى «القاضى فخر الدين بن لقمان» الذى كان ينزل بها كلما جاء إلى «المنصورة». قلعة الروضة: بناها السلطان «الصالح نجم الدين أيوب» فى جنوب «جزيرة الروضة» سنة (638هـ)، وهى تشغل مساحة كبيرة من الأرض، وقد عُمِّرت بالأبنية والقصور، وجُهزت بالأسلحة والمعدات والآلات الحربية. وأنشأ فيها «نجم الدين» جامعًا، وشيد برجًا، وبنى لمماليكه البحرية ثكنات لسكناهم، فلما تم بناؤها وتجهيزها انتقل إليها مع أفراد أسرته ومماليكه البحرية، واتخذها مقرا لحكمه. وظلت «قلعة الروضة» عامرة حتى زالت الدولة الأيوبية، وتولى «أيبك» السلطنة، فأمر بهدمها، ونقل جميع ما بها إلى «قلعة الجبل» التى أسسها «صلاح الدين». عاصمة مصر فى العصر الأيوبى: ربما يتبادر إلى الذهن سؤال حول عاصمة الأيوبيين، ولماذا لم يعمد «صلاح الدين» إلى إنشاء عاصمة جديدة لدولته جريا على سياسة مَنْ سبقوه من ولاة «مصر» وخلفائها؟ والإجابة: أن «صلاح الدين» استن فى ذلك سنة جديدة، وضم «الفسطاط» و «العسكر» و «أطلال القطائع» و «القاهرة» بعضها إلى بعضها

الآخر بقصد توسيع مدينة «القاهرة» وجَعْلها فى ثوبها الجديد عاصمة لدولته، بعد أن أحاطها بسور عظيم طوله خمسة عشر كيلو متر (15كم)، ومتوسط عرضه ثلاثة أمتار، وبنى واجهة هذا السور من الحجر المنحوت وتتخلله الأبراج، ولاتزال بقاياه قائمة حتى اليوم فى جهات متفرقة، وأظهر هذه البقايا موجود بالفسطاط، وقد اقتضى ضم تلك العواصم إلى بعضها وإحاطتها بالسور وبناء القلعة هدمَ المبانى الموجودة فى ضواحى «القاهرة» من «مصر القديمة» إلى «السيدة زينب»، وأقيمت حدائق للفاكهة مكان هذه المبانى، كما أقيم سد من الحجارة على حافة الصحراء بالجيزة؛ لحماية «القاهرة» من ناحية الغرب، وأصبحت هذه العواصم مجتمعة - بعدما أُدخل عليها من تعديل - عاصمة الدولة الأيوبية فى «مصر» آنذاك.

*المماليك البحرية (دولة)

*المماليك البحرية (دولة) أصل المماليك: أكثر الأيوبيون من شراء المماليك الأتراك، وبنوا لهم الثكنات بجزيرة الروضة، وأطلقوا عليهم اسم «المماليك البحرية»، فقويت شوكتهم، وزادت سطوتهم، وسنحت لهم الفرصة بعد ذلك، فتولوا حكم «مصر». كانت الغالبية العظمى من جماعات المماليك الذين جلبهم الأيوبيون وسلاطين المماليك من بعدهم تأتى من «شبه جزيرة القرم» و «بلاد القوقاز»، و «القفجاق»، و «آسيا الصغرى»، و «فارس»، و «تركستان»، و «بلاد ما وراء النهر»، فكانوا خليطًا من الأتراك، والشراكسة، والروم، والروس، والأكراد، فضلا عن أقلية من مختلف البلاد الأوربية. والمماليك طائفة من الأرقَّاء الذين اشتراهم سلاطين «مصر» وأكثروا منهم، لاسيما فى العهد الفاطمى، ثم تهيأت لهم الظروف ليحكموا «مصر» و «الشام»، وبلاد أخرى، ومع ذلك احتفظوا أثناء حكمهم لمصر بشخصيتهم، ولم يختلطوا بأى عنصر من عناصر السكان فى «مصر» وفى غيرها من البلاد التى حكموها. وكان المماليك ينقسمون فيما بينهم إلى أحزاب وطوائف متنافسة، ولكن هذا الانقسام لم يكن يؤثر على وحدتهم أمام العالم الخارجى حين يواجهونه، فقد كانوا يظهرون كعصبة واحدة متحدة، ويفسر ذلك سر قوتهم وأسباب تفوقهم وانتصاراتهم الحربية. وكان باب الترقى فى حكومة المماليك مفتوحًا على مصراعيه أمام كل مملوك يثبت كفاءته فى العمل، فيترقى من مملوك إلى أمير حتى يصل إلى عرش المملكة بكفاءته واجتهاده، فالسلطان لم يكن إلا واحدًا من أمراء المماليك، قدموه على أنفسهم لقوة شخصيته، ووفرة أنصاره، وكثرة جنوده، وقدرته على المنافسين الطامعين فى العرش، ولقد سطرت دولة المماليك الأولى «المماليك البحرية» صفحة مضيئة من تاريخ «مصر» خاصة، والتاريخ الإسلامى عامة، على أيدى سلاطينها الأقوياء الذين عملوا على توحيد البلاد، ورفع رايات الجهاد، وهم: 1 - العز أيبك: 2 - على بن أيبك (المنصور نور

الدين) [655 - 657هـ]: 3 - سيف الدين قُطُز: 4 - الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ): 5 - أولاد بيبرس فى السلطنة (بركة خان، وسلامش): 6 - السلطان قلاوون [679 - 689هـ = 1280 - 1290م]: 7 - السلطان الأشرف خليل بن قلاوون [689 - 693هـ = 1290 - 1294م]: 8 - السلطان الناصر محمد بن قلاوون [693 - 741هـ = 1294 - 1341م]: جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر محمد» أولاده وأحفاده فى الفترة من سنة (741هـ) إلى سنة (784هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد الآخر حتى سقوط دولة المماليك البحرية عام (784هـ)، وفى مدة بلغت ثلاثًا وأربعين سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد وأربعة أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف السنة، وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه، لسهولة خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا واضحًا، وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه أو يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛ فاضطربت أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن. بعد وفاة «الناصر محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر» (741 - 742هـ)، وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه، لامتناعه عن الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه الأمراء وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (742هـ= 1341م)، وعمره إذ ذاك يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وتم عزله بعد فترة وجيزة. ثم تولى أخوه «أحمد» عرش السلطنة ولقب نفسه بالناصر فى سنة (742 - 743هـ)، إلا أنه لم يستمر طويلا فى الحكم كسابقيه، ووقع الاختيار على أخيه «إسماعيل» سنة (743هـ)، ولكنه مالبث أن مرض ومات سنة (746هـ)، فتولى ابنه «شعبان» من بعده سنة (746 - 747هـ)، ولم يكن عهده خيرًا من سلفه، فخلفه أخوه «حاجى» سنة (747هـ)، ولم يستكمل عامًا واحدًا حتى اعتلى العرش «الناصر

حسن» سنة (748هـ)، وهو لايزال فى الحادية عشرة من عمره، ولم يلبث أن عُزل، ثم عاد وتولى السلطنة ثانية فى سنة (755هـ)، وظل على العرش ست سنوات ونصف السنة، فعاد فى عهده الاهتمام بالعمائر الإسلامية، وبنى مسجده الشهير المعروف باسمه «مسجد السلطان حسن» بالقاهرة، ومع ذلك فقد ظلت حالة عدم الاستقرار فى البلاد سائدة، فكانت فرصة سانحة لظهور دولة المماليك الثانية المعروفة «بدولة المماليك البرجية».

*المماليك البرجية (دولة)

*المماليك البرجية (دولة) كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر، وآخر سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان «حاجى» صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه عشر سنوات، فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه وضعفه، واستدعى الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم «القاضى بدر الدين بن فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين، وياسادتى القضاة: إن أحوال المملكة قد فسدت، والوقت قد ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى على خلع الملك الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية البلاد، فاعتلى عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك البحرية بعد أن حكمت مائة وستا وثلاثين سنة. عُرفت الدولة الجديدة باسم: «دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها كانوا ينتمون إلى لواء من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق على جنوده اسم «المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية» الذين كانت إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك باسم: «المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم الأصلى الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)، وفيما يلىأهم سلاطين هذه الدولة السلطان برقوق [784 - 801هـ = 1382 - 1399م]: السلطان فرج بن برقوق [801 - 815هـ = 1399 - 1412م]: السلطان «شيخ المؤيد» [815 - 824 هـ = 1412 - 1421م]: السلطان ططر [824هـ]: السلطان برسباى [825 - 841 هـ]: السلطان جمقمق [841 - 857هـ]: السلطان إينال [857 - 865 هـ = 1453 - 1461م]: السلطان خشقدم [865 - 872هـ]: السلطان قايتباى [872 - 901هـ = 1467 - 1496م]: شهدت السنوات القليلة التى تلت حكم «قايتباى» عددًا من السلاطين تميز جميعهم بالضعف وسوء الإدارة، كما تميزت فترات حكمهم بالدسائس والمؤامرات والفتن والاضطرابات، فقد تولى «السلطان الناصر

محمد بن قلاوون» الحكم عقب وفاة أبيه، وكان صغير السن، فتولى القائد «قانصوه الخمسمائة» الوصاية عليه فى بداية عهده، ولكن «الناصر محمد» ترك العرش وتنازل عن السلطنة حين رأى الدسائس والفتن والاضطرابات من حوله، فتولى من بعده عدد من السلاطين، كانت مدة حكم كل منهم قصيرة، فساعد ذلك على زيادة الاضطرابات واشتعالها، وظل الوضع على ذلك حتى تمكن «قانصوه الغورى» من الوصول إلى العرش، وهؤلاء السلاطين هم: «قانصوه الأشرفى»، و «جنبلاط»، و «طومان باى الأول». السلطان قانصوه الغورى [906 - 922هـ=1501 - 1516م]: السلطان طومان باى الثانى [922 - 923 هـ = 1516 - 1517م]: بعد مقتل «الغورى» بالشام استقر الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»، وجلس «طومان باى» على العرش فى فترة كانت شديدة الحرج فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها. حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على أيدى العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر «القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج «طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ)، بعدما بذل كل جهوده

وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم، ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين.

*المماليك (دولة)

*المماليك (دولة) أصل المماليك: أكثر الأيوبيون من شراء المماليك الأتراك، وبنوا لهم الثكنات بجزيرة الروضة، وأطلقوا عليهم اسم «المماليك البحرية»، فقويت شوكتهم، وزادت سطوتهم، وسنحت لهم الفرصة بعد ذلك، فتولوا حكم «مصر». كانت الغالبية العظمى من جماعات المماليك الذين جلبهم الأيوبيون وسلاطين المماليك من بعدهم تأتى من «شبه جزيرة القرم» و «بلاد القوقاز»، و «القفجاق»، و «آسيا الصغرى»، و «فارس»، و «تركستان»، و «بلاد ما وراء النهر»، فكانوا خليطًا من الأتراك، والشراكسة، والروم، والروس، والأكراد، فضلا عن أقلية من مختلف البلاد الأوربية. والمماليك طائفة من الأرقَّاء الذين اشتراهم سلاطين «مصر» وأكثروا منهم، لاسيما فى العهد الفاطمى، ثم تهيأت لهم الظروف ليحكموا «مصر» و «الشام»، وبلاد أخرى، ومع ذلك احتفظوا أثناء حكمهم لمصر بشخصيتهم، ولم يختلطوا بأى عنصر من عناصر السكان فى «مصر» وفى غيرها من البلاد التى حكموها. وكان المماليك ينقسمون فيما بينهم إلى أحزاب وطوائف متنافسة، ولكن هذا الانقسام لم يكن يؤثر على وحدتهم أمام العالم الخارجى حين يواجهونه، فقد كانوا يظهرون كعصبة واحدة متحدة، ويفسر ذلك سر قوتهم وأسباب تفوقهم وانتصاراتهم الحربية. وكان باب الترقى فى حكومة المماليك مفتوحًا على مصراعيه أمام كل مملوك يثبت كفاءته فى العمل، فيترقى من مملوك إلى أمير حتى يصل إلى عرش المملكة بكفاءته واجتهاده، فالسلطان لم يكن إلا واحدًا من أمراء المماليك، قدموه على أنفسهم لقوة شخصيته، ووفرة أنصاره، وكثرة جنوده، وقدرته على المنافسين الطامعين فى العرش، ولقد سطرت دولة المماليك الأولى «المماليك البحرية» صفحة مضيئة من تاريخ «مصر» خاصة، والتاريخ الإسلامى عامة، على أيدى سلاطينها الأقوياء الذين عملوا على توحيد البلاد، ورفع رايات الجهاد، وهم: 1 - العز أيبك: 2 - على بن أيبك (المنصور نور

الدين) [655 - 657هـ]: 3 - سيف الدين قُطُز: 4 - الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى (658 - 679هـ): 5 - أولاد بيبرس فى السلطنة (بركة خان، وسلامش): 6 - السلطان قلاوون [679 - 689هـ = 1280 - 1290م]: 7 - السلطان الأشرف خليل بن قلاوون [689 - 693هـ = 1290 - 1294م]: 8 - السلطان الناصر محمد بن قلاوون [693 - 741هـ = 1294 - 1341م]: جلس على عرش «مصر» بعد «الناصر محمد» أولاده وأحفاده فى الفترة من سنة (741هـ) إلى سنة (784هـ)، يتعاقبون عليه واحداً بعد الآخر حتى سقوط دولة المماليك البحرية عام (784هـ)، وفى مدة بلغت ثلاثًا وأربعين سنة علا عرش «مصر» من البيت الناصرى ثمانية أولاد وأربعة أحفاد، بلغ متوسط حكم الواحد منهم ثلاث سنوات ونصف السنة، وتميز هذا العهد بصغر سن السلطان، وقصر مدة حكمه، لسهولة خلعه على أيدى الأمراء، ولظهور نفوذ الأتابكة ظهورًا واضحًا، وكذلك اشتداد تنافس الأمراء فى بسط نفوذهم للسيطرة على الدولة، ولذا أصبح السلطان ألعوبة فى أيدى أمرائه، يعزلونه أو يبقونه على العرش حسب هواهم، وما تقتضيه مصالحهم؛ فاضطربت أحوال البلاد، وكثرت فيها الفتن. بعد وفاة «الناصر محمد» تولى العرش ابنه «سيف الدين أبو بكر» (741 - 742هـ)، وسرعان ما ساءت العلاقات بينه وبين أتابكه، لامتناعه عن الاستجابة لمطالب هذا الأتابك، فحرض الأتابك عليه الأمراء وعزلوه. وتولى من بعده أخوه «علاء الدين كجك» (742هـ= 1341م)، وعمره إذ ذاك يتراوح بين خمس وسبع سنوات، وتم عزله بعد فترة وجيزة. ثم تولى أخوه «أحمد» عرش السلطنة ولقب نفسه بالناصر فى سنة (742 - 743هـ)، إلا أنه لم يستمر طويلا فى الحكم كسابقيه، ووقع الاختيار على أخيه «إسماعيل» سنة (743هـ)، ولكنه مالبث أن مرض ومات سنة (746هـ)، فتولى ابنه «شعبان» من بعده سنة (746 - 747هـ)، ولم يكن عهده خيرًا من سلفه، فخلفه أخوه «حاجى» سنة (747هـ)، ولم يستكمل عامًا واحدًا حتى اعتلى العرش «الناصر

حسن» سنة (748هـ)، وهو لايزال فى الحادية عشرة من عمره، ولم يلبث أن عُزل، ثم عاد وتولى السلطنة ثانية فى سنة (755هـ)، وظل على العرش ست سنوات ونصف السنة، فعاد فى عهده الاهتمام بالعمائر الإسلامية، وبنى مسجده الشهير المعروف باسمه «مسجد السلطان حسن» بالقاهرة، ومع ذلك فقد ظلت حالة عدم الاستقرار فى البلاد سائدة، فكانت فرصة سانحة لظهور دولة المماليك الثانية المعروفة «بدولة المماليك البرجية». كان «حاجى بن شعبان» آخر سلاطين المماليك من بيت الناصر، وآخر سلاطين دولة المماليك البحرية فى الوقت نفسه، وكان «حاجى» صغير السن حين اعتلى عرش السلطنة؛ إذ كانت سنُّه عشر سنوات، فعُيِّن «برقوق» أتابكًا له، واستغل حداثة سِنِّه وضعفه، واستدعى الخليفة، والقضاة الأربعة والأمراء، وخاطبهم «القاضى بدر الدين بن فضل» بقوله: «يا أمير المؤمنين، وياسادتى القضاة: إن أحوال المملكة قد فسدت، والوقت قد ضاق، ونحن محتاجون إلى إقامة سلطان كبير تجتمع فيه الكلمة، ويسكن الاضطراب»، فاستقر الرأى على خلع الملك الصالح «حاجى»، وأن يتولى «برقوق» مسئولية البلاد، فاعتلى عرش السلطنة رسميا، وانتهت بذلك دولة المماليك البحرية بعد أن حكمت مائة وستا وثلاثين سنة. عُرفت الدولة الجديدة باسم: «دولة المماليك البرجية»، لأن سلاطينها كانوا ينتمون إلى لواء من الجند كان مقيمًا فى أبراج القلعة وأطلق على جنوده اسم «المماليك البرجية» لتمييزهم عن «المماليك البحرية» الذين كانت إقامتهم بجزيرة الروضة، وقد عُرف «البرجية» كذلك باسم: «المماليك الجراكسة» أو الشراكسة، نسبة إلى موطنهم الأصلى الذى أتوا منه وهو: «ُورُيا» و «بلاد الشركس» (القوقاز)، وفيما يلىأهم سلاطين هذه الدولة السلطان برقوق [784 - 801هـ = 1382 - 1399م]: السلطان فرج بن برقوق [801 - 815هـ = 1399 - 1412م]: السلطان «شيخ المؤيد» [815 - 824 هـ = 1412 -

1421م]: السلطان ططر [824هـ]: السلطان برسباى [825 - 841 هـ]: السلطان جمقمق [841 - 857هـ]: السلطان إينال [857 - 865 هـ = 1453 - 1461م]: السلطان خشقدم [865 - 872هـ]: السلطان قايتباى [872 - 901هـ = 1467 - 1496م]: شهدت السنوات القليلة التى تلت حكم «قايتباى» عددًا من السلاطين تميز جميعهم بالضعف وسوء الإدارة، كما تميزت فترات حكمهم بالدسائس والمؤامرات والفتن والاضطرابات، فقد تولى «السلطان الناصر محمد بن قلاوون» الحكم عقب وفاة أبيه، وكان صغير السن، فتولى القائد «قانصوه الخمسمائة» الوصاية عليه فى بداية عهده، ولكن «الناصر محمد» ترك العرش وتنازل عن السلطنة حين رأى الدسائس والفتن والاضطرابات من حوله، فتولى من بعده عدد من السلاطين، كانت مدة حكم كل منهم قصيرة، فساعد ذلك على زيادة الاضطرابات واشتعالها، وظل الوضع على ذلك حتى تمكن «قانصوه الغورى» من الوصول إلى العرش، وهؤلاء السلاطين هم: «قانصوه الأشرفى»، و «جنبلاط»، و «طومان باى الأول». السلطان قانصوه الغورى [906 - 922هـ=1501 - 1516م]: السلطان طومان باى الثانى [922 - 923 هـ = 1516 - 1517م]: بعد مقتل «الغورى» بالشام استقر الرأى على تعيين «طومان باى» ابن أخيه سلطانًا على «مصر»، وجلس «طومان باى» على العرش فى فترة كانت شديدة الحرج فى تاريخ «مصر»؛ إذ سيطر العثمانيون على الشام، وساءت الأحوال بمصر بعد هزيمة «مرج دابق»، ولم يكتفِ العثمانيون بما حققوا، بل يمموا شطر «مصر» فى محاولة منهم للسيطرة عليها. حاول «طومان باى» السيطرة على الموقف، وقام بعدة أعمال فى سبيل تحقيق ذلك، وفض الخصومة التى كانت قائمة بين المماليك وصالح بينهم، وساعده فى ذلك حب الشعب له لإخلاصه ووفائه وتفانيه فى خدمة المسلمين. باءت كل محاولات «طومان باى» بالفشل فى إعادة المماليك إلى قوتهم الأولى التى كانوا عليها فى عصور النهضة، فقد أنهكتهم الاضطرابات، وقضت

على وحدتهم الفتن، فانتهى الأمر بهزيمتهم على أيدى العثمانيين فى موقعة «الريدانية» الشهيرة فى ظاهر «القاهرة»، ودخل العثمانيون «مصر»، وحاول المصريون مساندة «طومان باى» فى هذه الظروف لحبهم الشديد له، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف العثمانيين على «مصر»، فخرج «طومان باى» إلى «مديرية البحيرة» فى محاولة منه لاستجماع قوته وجنوده، ولكن العثمانيين تمكنوا منه وقبضوا عليه، ثم شنقوه على «باب زويلة» سنة (923هـ)، بعدما بذل كل جهوده وأدى واجبه فى سبيل الدفاع عن دولته، إلا أن ظروف عصره لم تمكنه من تحقيق ما أراد، فسقطت بذلك دولة المماليك ونظامهم، ودخلت «مصر» مرحلة جديدة باتت فيها تحت حكم العثمانيين. النظم والحضارة فى عهد المماليك: النظام الحربى والبحرى: لاشك أن الانتصارات الرائعة التى أحرزها المماليك تعود إلى إعداد جيد للجيش وتنظيم دقيق له وللقائمين عليه، ولعل الفضل فى ذلك يعود إلى «الظاهر بيبرس» الذى أولى الجيش عنايته منذ ولى عرش «مصر»، فقد قام بنفسه بإعداده وتنظيمه وتسليحه، ليكون سنده فى الحروب ووقت الشدة، فاستكثر من شراء المماليك وعنى بتربيتهم تربية دينية وعسكرية، وعين لكل فئة منهم فقيهًا يعلمهم القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة، حتى إذا وصلوا إلى سن البلوغ أوكلهم إلى من يدربهم ويمرنهم على الأعمال الحربية، فإذا أتموا ذلك وأجادوه ألحقوا بجيش السلطان لتبدأ حياتهم الجهادية فى سبيل الله. فلما ولى السلطان «قلاوون» مقاليد الأمور فى سنة (679هـ)، زادت عنايته بشئون تدريب الجند المماليك، وأشرف على طعامهم بنفسه وكان يتذوقه قبل تقديمه إليهم، وكان لا يسمح لهم بمغادرة «قلعة الجبل» ليلا أو نهارًا، وظلوا على ذلك حتى ولى السلطان «خليل بن قلاوون» فى سنة (689هـ)، فسمح لهم بالخروج نهارًا فقط، ومنعهم من المبيت خارجها، ثم بنى لهم «الناصر محمد بن قلاوون» - فيما بعد - «الطباق» بساحة الإيوان بالقلعة وجعلها

مقرا لهم. تكوين الجيش: كان جيش المماليك يتكون -عادة- من المماليك السلطانية وجنود الحلقة، وكانت لكل فريق من هاتين الطائفتين مرتبة لا يتجاوزها إلى غيرها، فالمماليك السلطانية هم مماليك السلطان، وتنفق عليهم الخاصة السلطانية، لأنهم حرس السلطان الخاص، وكان لهم نظام دقيق فى التدرج القيادى رتبة بعد رتبة، فمنهم من أطلق عليه أمير خمسة، وأمير عشرة، وأمير أربعين، وكذلك أمير مائتين، وكانت لكل صاحب لقب من هذه الألقاب واجبات والتزامات معينة، فأمير خمسة يكون فى خدمته خمسة مماليك، وأمير عشرة تكون عدته عشرة مماليك، أما «أمير الأربعين» فكان يطلق عليه «أمير طبلخانة» لحقه فى دق الطبول على قصره كما يحدث للسلطان، ولم يكن لطبقة الأمراء هذه ضابط فى عدد أتباعها من المماليك، فقد يتفاوت عدد مَنْ يكون فى خدمة كل أمير منهم ما بين أربعين وثمانين مملوكًا، أما «أمير مائة» فكان فى خدمته «مائة» مملوك، ومقدم فى الوقت نفسه على ألف جندى فى الحروب، فيقال: «أمير مائة مقدم ألف». أما جنود الحلقة فكان لكل أربعين جنديا منهم رئيس لا حكم له عليهم إلا إذا خرجوا إلى القتال، فيقوم بترتيبهم فى أماكنهم، وليس له الحق فى أن يُبعد أحدهم من الخدمة إلا بإذن من السلطان. كانت هناك طائفة أخرى من المماليك تضاف إلى الطائفتين السابقتين، وهى طائفة مماليك الأمراء التى كان ينفق عليها أمراؤها، فقد كان مماليك هذه الفئة يحرسون أمراءهم ويساعدونهم على أعدائهم. ولم تكن مرتبات الجند ثابتة، وقد استبدل نظام المرتبات بإقطاعات كان السلطان يمنحها لهم ليتمتعوا بغلاتها وإيراداتها، فبات أمراؤهم - خاصة أمراء المماليك السلطانية - ذوى ثروة كبيرة ونفوذ عظيم، ذلك إذا وضعنا فى الاعتبار أن السلطان كان يمنحهم جزءًا من الغنائم، ورواتب أخرى من اللحم والتوابل والعليق والزيت. البحرية فى عهد المماليك: عندما آلت السلطة إلى سلاطين

المماليك عمل «الظاهر بيبرس» منذ سنة (658هـ) على إعداد قوة بحرية قوية يستعين بها على صد الأعداء المتربصين بالبلاد من جهة البحر، فاهتم بأمر الأسطول، ومنع الناس من التصرف فى الأخشاب التى تصلح لصناعة السفن، وأمر بإنشاء الشوائى (وهى السفن الحربية ذات الأبراج والقلاع العالية للدفاع والهجوم) لكى تحمى «الإسكندرية» و «دمياط»، وكان السلطان يذهب بنفسه إلى دار صناعة السفن بالجزيرة ويشرف على تجهيز هذه الشوائى حتى تمكن فى النهاية من إعداد أسطول مكون من أربعين قطعة حربية، سَيَّرها إلى «قبرص» فى سنة (669هـ)، إلا أن هذا الأسطول هلك، فقام «بيبرس» بإنشاء أسطول آخر مما يدلل على المركز المالى القوى الذى تمتعت به دولة المماليك. نسج الأشرف «خليل بن قلاوون» على منوال «الظاهر بيبرس» فى عنايته بالأسطول، فقد أنشأ أسطولا مكونًا من ستين مركبًا جُهِّزت بالآلات الحربية والرجال، وأقام احتفالا كبيرًا حضره الناس من كل مكان حين ذهب إلى استعراض هذا الأسطول فى دار صناعة السفن بجزيرة الروضة. عُنى السلطان «الناصر محمد» بالأسطول مثلما فعل «بيبرس» و «خليل» من قبله، فأصبح لمصر أسطول من أقوى أساطيل هذا العهد، فقد كان يجمع بين «الشوائى»، و «الحراريق» (سفن حربية أقل من الشوائى)، و «الطرادات» (سفن حربية سريعة الحركة صغيرة الحجم)، و «الأغربة» (سفن حربية تشبه رءوسها رءوس الفرسان والطيور)، و «البطش» (سفن تحمل المجانق)، و «القراقر» (سفن تستخدم فى تموين السفن)، وليس أدل على مبلغ اهتمام المماليك بالقوة البحرية مما ذكره «المقريزى» حين وصف الاحتفال بإنزال الشوائى إلى البحر للسفر إلى «طرابلس» بقوله: «وفى المحرم من سنة 705هـ تبحرت عمارة الشوائى، وجهزت بالمقاتلة والآلات مع الأمير «جمال الدين أقوش الفاوى العلائى» والى «البهن»، واجتمع الناس لمشاهدة لعبهم فى البحر، فركب «أقوش» فى

«الشيئى» الكبير، وانحدر تجاه المقياس، وكان قد نزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك، واجتمع من العالم ما لم يحصهم إلا الله -تعالى- وبلغ كراء المركب الذى يحمل عشرة آلاف نفس مائة درهم، وامتلأ البران من «بولاق» إلى دار الصناعة حتى لم يوجد موضع قدم خالٍ، ووقف العسكر على بربستان الخشب، وركب الأمراء الحراريق إلى «الروضة»، وبرزت الشوائى للعب كأنها فى الحرب؛ فلعب الأول والثانى والثالث، وأعجب الناس بذلك إعجابًا زائدًا لكثرة ما كان فيها من آلات الحرب، ثم تقدَّم الرابع وفيه «أقوش» فما هو إلا أن خرج من منية الصناعة بمصر، وتوسط النيل. وإذا بالريح حركة، فانقلبت، وأنقذ الناس الشيئى، وأصلحوه، وسافروا بالشوائى لطرابلس، وليس أدل على اهتمام المماليك بأمر الأساطيل من اشتراك الأهالى مع الحكومة فى عرض الجيوش الحربية والأساطيل، والعمل على تقويتها وبناء سفن كثيرة، وقد أطلق الشعب على رجال الأسطول لقب: «المجاهدون فى سبيل الله والغزاة فى أعداء الله» وكان الناس يتبركون بدعائهم تعظيمًا لهم». وهكذا كانت عناية المماليك بالجيش، وكذلك كان اهتمامهم بالأسطول، وبذلك وصلت الأمة الإسلامية إلى ماوصلت إليه من مكانة سامية وشأن عظيم على أيديهم. النظم الإدارية فى عهد المماليك: أهم الدواوين: تكون الجهاز الإدارى فى «مصر» والشام من عدة دواوين حكومية، يشرف كل منها على ناحية معينة من نواحى الإدارة العامة، وكانت أهم هذه الدواوين فى هذا العهد ما يلى: «ديوان الأحباس»، و «ديوان النظر»، و «ديوان الخاص»، و «ديوان الإنشاء». أما «ديوان الأحباس» فيشبه وزارة الأوقاف فى وقتنا الحالى، ويتولى صاحب هذا الديوان الإشراف على المساجد والربط، والزوايا، والمدارس، والأراضى، والعقارات المحبوسة عليها، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين. و «ديوان النظر» يشبه وزارة المالية حاليًا، وترجع إليه سائر الدواوين فى كل ما يتعلق

بالمسائل الخاصة بالمتحصل والمنصرف من أموال الدولة، وله فوق ذلك الإشراف على حساب الدولة، وأرزاق الموظفين الدائمين والمؤقتين، وكان هذا الديوان يتخذ من القلعة مقرا له. وفى سنة (727هـ) أنشأ السلطان «الناصر محمد» «الديوان الخاص» لإدارة الشئون المالية التى تتعلق بالسلطان، ويتولى الإشراف عليه «ناصر الخاص» الذى عُرف من قبل فى عهد الفاطميين والأيوبيين، ولكنه لم يبلغ من الأهمية القدر الذى بلغه فى عصر المماليك خاصة فى عهد «الناصر محمد». أما ديوان الإنشاء فكانت أهم اختصاصاته تنظيم العلاقات الخارجية للدولة، وهو أول ديوان وُضع فى الإسلام، وقد نُظِّم فى عهد المماليك بأسلوب يتناسب مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وكان مقره «قاعة الصاحب» بقلعة الجبل، حيث ترد المكاتبات إليه من جميع أنحاء الولايات والممالك التى بينها وبين بلاد المسلمين علاقات سياسية، كما كانت تحرر فيه الكتب التى كان يرسلها السلطان إلى الملوك والأمراء، وقد لُقب صاحب ديوان الإنشاء بألقاب عديدة فى أوائل عهد المماليك، فلقبوه تارة باسم: «صاحب الدست الشريف»، وأخرى باسم: «كاتب الدرج» وثالثة باسم: «كاتب الدست» وبقيت هذه تسميته إلى أن تولى «القاضى فتح الدين بن عبدالظاهر» هذا الديوان فى عهد السلطان «قلاوون» فتلقب بلقب «كاتب السر»؛ لأنه كان يكتم سر السلطان، وكانت وظيفته من أعظم الوظائف الديوانية وأجلِّها قدرًا، وكان له معاونون يساعدونه فى أداء ما عليه من التزامات وواجبات. كان من أبرزهم: «نائب كاتب السر»، ثم يليه فى المرتبة كُتَّاب الدست المتصلون بديوان الإنشاء، وكانوا يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل. كانت هناك دواوين أخرى - فى العهد المملوك - أقل شأنًا من تلك الدواوين السابق ذكرها، مثل «ديوان الأهراء» (وهى شئون الغلال السلطانية)، و «ديوان الطواحين»، ويتولى صاحبه الإشراف على طحن الغلال،

و «ديوان المرتجعات»، ويشرف صاحبه على الأمور الخاصة بتركات الأمراء، وكذلك كانت هناك دواوين أخرى ذكرها «القلقشندى» على أنها دواوين مستقلة، ولكنها لم تكن - فى حقيقة الأمر - سوى إدارات تتصل اتصالا مباشرًا بالقصر السلطانى، أو بأحد الدواوين الرئيسية السابقة، وذكر «القلقشندى» منها - مثلا - «ديوان الإصطبلات»، و «ديوان المواريث»، و «ديوان الخزانة» و «ديوان العمائر»، و «ديوان المستأجرات». سارت دواوين الحكومة فى عصر المماليك على نسق واحد من حيث التنظيم الإدارى، فكان على رأس كل ديوان موظف كبير هو «ناظر الديوان»، وكانت مهام عمله تشبه إلى حد كبير ما يقوم به الوزير حاليا، ويليه فى المرتبة «مستوفى الصحبة»، و «مستوفى الدولة» ومهمتهما الإشراف على موظفى الدواوين المختلفة، ويلى هؤلاء طبقة الموظفين والكتاب وما يليهم. البريد: كان البريد أحد أهم إدارات «ديوان الإنشاء»، إذ كان واسطة الاتصال بين دولة المماليك فى «مصر» ونياباتها فى الشام وغيرها من الأقاليم، ولم يقتصر المماليك على البريد العادى فى إرسال رسائلهم، بل عمدوا إلى استخدام الحمام الزاجل فى نقلها، وجعلوا القلعة مركزًا لأبراجه، كما أقاموا مراكز معينة فى جهات مختلفة لتكون مراكز للبريد البرى، وخصصوا لكل محطة منها عددًا من الحمام الزاجل، وجعلوا على رعاية شئونه عددًا من الموظفين المتخصصين فى ذلك، وكان فى كل محطة من هذه المحطات برج أو أكثر ليعيش فيه الحمام الذى سيقوم بنقل الرسائل إلى المحطة التالية، وقد عنى سلاطين المماليك عناية شديدة بما كانت تحمله هذه الحمائم من رسائل، لدرجة أن بعضهم أمر بإدخالها عليه حال وصولها، كما كان بعضهم يترك طعامه أو يستيقظ من نومه فى الحال عند وصولها. وهكذا كان تنظيم الدواوين فى عهد الدولة المملوكية غاية فى الدقة، ومظهرًا من مظاهر الرقى الحضارى الذى وصلت إليه هذه الدولة بما صنعته وحققته، ومثلا من أمثلة المتابعة

الدقيقة التى آل سلاطين هذه الدولة على أنفسهم أن يتخذوها فى مراقبة شئون الدولة؛ لتحقيق الاستقرار الداخلى، الذى ينعكس - بطبيعة الحال - على كل مناحى الحياة فى الدولة. كبار الموظفين الإداريين: - الأتابك: «الأتابك» هو القائد العام للجيوش، وكلمة «أتابك» لفظة تركية مركبة من «أطا»، (وتعنى: أب) و «بك» (وتعنى: السيد أو الأمير) فيكون «الأتابك» هو: السيد الأب، أو الأمير الأب، أى أنه أبو الأمراء أو كبيرهم، وقد أُطلق هذا اللقب فى عهد المماليك على مقدم العساكر، أو القائد؛ لأنه يعتبر أبًا للعساكر والأمراء جميعًا، وكثيرًا ما خلع الأتابكة أبناء السلاطين من على العرش، واستولوا عليه وتولوه بدلا منهم. - الوزير: تطور نظام الوزارة فى «مصر» فى عهد المماليك، ولم يتمتع وزراء هذا العصر بنفوذ مطلق؛ لاستقرار منصب «نائب السلطان» الذى استحدثه الأيوبيون وعمل به المماليك، وقد حرص «الظاهر بيبرس» على اختيار وزرائه من أرباب الأقلام والسيوف، فإذا كان الوزير من أرباب القلم أُطلق عليه اسم: «الصاحب» مضافًا إليه صفة الوزير فيصبح لقبه: «الصاحب الوزير» أو «وزير الصحبة»؛ وهو وزير متنقل يرافق السلطان فى أسفاره وحروبه، وتكون مهام وظيفته مقصورة على تسيير شئون الوزارة فى هذه الأثناء. أما إذا كان هذا الوزير من أرباب السيف اكتفى بتلقيبه بالوزير دون الصاحب، ويُعدُّ - بهذا - الوزير الأصلى الذى يحضر مجالس السلطان مع أمراء المائتين، وله حق التصرف فى جميع أمور المملكة. كان الوزير يتقاضى راتبًا شهريا قدره مائتان وخمسون دينارًا، عدا ما خصص له كل يوم من مقادير وفيرة من الغلال واللحوم والخبز وسائر ما يحتاج إليه، وقد ألغى السلطان «الناصر محمد» منصبى «الوزير» و «نائب السلطان» فى آنٍ واحد فى سنة (727هـ). - والى القاهرة: استلزمت شئون الإدارة تعيين موظف كبير يُعدُّ فى الواقع من أهم الموظفين الإداريين عرف باسم:

«والى القاهرة»، فهو الذى ينفذ الأحكام ويقيم الحدود، ويتعقب المفسدين، ومثيرى الفتن، ومدمنى الخمر، ويعاقب كلا منهم على حسب جريمته، كما كانت عليه مراقبة أبواب «القاهرة»، والطواف بأحياء التجارة والمال فيها، لذا أُطلِق عليه أحيانًا: «صاحب العسس» أو «والى الطواف»، واقتصر نفوذه على العاصمة وضواحيها. - ولاة الأقاليم: كانت فئة من الموظفين هى التى تشرف على كل عمل من أعمال الوجهين البحرى والقبلى بمصر، وكان على رأس هذه الفئة «والى الإقليم»، الذى يمثل الإدارة المحلية، وكانت مهمته تتركز فى العمل على استتباب الأمن والنظام، والمحافظة على أموال الناس وأرواحهم فى الإقليم الذى أوكلت إليه إدارته. - أمير جاندار: هى وظيفة إدارية تطلبتها ظروف هذا العصر، وكان على «أميرجاندار» أن يقوم بتنظيم إدخال الناس على السلطان وهو جالس بإيوانه بقلعة الجبل. - الحاجب: كان على «الحاجب» أن يقوم بما يقوم به «أميرجاندار» على أن يراعى مقامات الناس، وأهمية أعمالهم، وقد عظمت أهمية الحاجب فى العصر المملوكى. - الدوادار: هو الرجل الذى يتولى أمر تبليغ الرسائل إلى السلطان، كما يقوم بتقديم المنشورات إليه للتوقيع عليها. لقد كان نظام الإدارة فى عهد المماليك نظامًا دقيقًا قويا، تطلَّب اختيار موظفين من أصحاب المواهب الفريدة والخبرات المتميزة فى تخصصاتهم، فنجحت سياسة الدولة المملوكية فى تسيير شئون البلاد، وتيسير مصالح الناس وحاجاتهم إلى حد كبير. النظام القضائى: تعهد «الظاهر بيبرس» النظام القضائى بالإصلاح والتعديل، ورأى فى تقسيم مناصب القضاء بين قضاة المذاهب الأربعة ما يضمن العدالة بين الناس، والتيسير عليهم، فقد عين فى سنة (663هـ) أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وكتب لكل منهم تقليدًا، وأجاز لهم أن يولوا نوابًا عنهم فى أنحاء البلاد. امتد اختصاص قاضى القضاة، وقضاة الأقاليم، وزاد نفوذهم، وامتد

فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات الحقوق والحكم بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال التى ليس لها ولى معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى، وتفقد أحوال المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل السفه، ونظر -أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة ينظرون فى مصالح الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها وتثبيت فروعها، وقبض ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك كانوا يقبضون المال الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم بتسلم أموال المواريث المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء وحفظها حتى يحضر ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة ونوابهم على المدنيين، بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة عُرف كل منهم باسم: «قاضى العسكر»، واختصوا بشئون العسكر للفصل فى القضايا الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين المدنيين، وكانت جلسات القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية ويحضرها مَنْ شاء من الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه الجلسات، كما كانت دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم يكن هناك دور معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى الخصومات رتب القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم أحد على الآخر لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم قاعة الجلسة بعدد من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»، و «الأمناء»، و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب والنساء فى الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا شهريا، عدا ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى إدارتها، بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير والخبز واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك تنظيمًا دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة وطهارة الذمة وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم يقبلوا تدخل أحد - مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما كانوا يطلبون إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول أحد تهديد

كرامتهم، أو الاعتداء من قريب أو بعيد على استقلالهم، فقد كانوا لا يقبلون الرشوة ولا الهدية، لذا أصبحت لهم مكانتهم الكريمة ومقامهم المرموق فى الدولة، وفى نظر السلاطين والأمراء، وجميع طبقات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة للتدليل عليهم: «القاضى عبدالعزيز»، المعروف بعز الدين بن عبدالسلام (سلطان العلماء)، و «القاضى تقى الدين عبدالرحمن الشافعى» ابن بنت «الأعز»، و «القاضى تقى الدين محمد بن دقيق العيد»، وغيرهم، فقد كانوا أمثلة عظيمة وواضحة لما يجب أن يكون عليه القاضى العادل والشريف. الإفتاء: يلى القضاة فى الأهمية «مفتو دار العدل»، وقد كانوا أربعة يمثلون المذاهب الإسلامية الأربعة، ولم تكن فى سلطتهم الفصل فى الخصومات سواء أكانت بين المدنيين أم بين العسكريين أم بين العسكريين والمدنيين، بل كانت مهمتهم شرح وتبيين حكم الشرع فيما يُسألون عنه من المسائل الفقهية، كل حسب مذهبه. المحتسب: كانت مهمة المحتسب النظر فيما يتعلق بالجنايات والنظام العام، وكان عليه الفصل فيها على وجه السرعة، وقد عهد إليه بالإشراف على نظام الأسواق، وكان له نواب يطوفون فيها ويفتشون أماكنها، ويشرفون على السَّقَّائين للتأكد من نظافتهم، وتغطيتهم القرب، ولبسهم السراويل، كما كان على المحتسب ونوابه الحيلولة دون بروز الحوانيت (الدكاكين) حتى لا تعوق نظام المرور بالشوارع، وكذلك عليهم الإشراف على نظافة الشوارع والأزقة، والحكم بهدم المبانى المتداعية للسقوط وإزالة أنقاضها، وكذلك الكشف على صحة الموازين والمكاييل، التى كانت لها دار خاصة تُعرف باسم: «دار العيار»، فكان المحتسب يطلب جميع الباعة إلى هذه الدار فى أوقات معينة ومعهم موازينهم ومكاييلهم ليتأكد بنفسه من ضبط عيارها، فإن وجد بها خللا صادرها وألزم صاحبها بإصلاحها أو شراء غيرها. وقد ارتقى نظام الحسبة وشمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. صاحب المظالم: كان «الظاهر

بيبرس» أول من جلس للمظالم من سلاطين المماليك، وهو الذى أقام دار العدل فى سنة (661هـ)، وقد خصص يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع ليجلس فيهما للفصل فى القضايا المهمة، ويحيط به قضاة المذاهب الأربعة، وكبار الموظفين الإداريين والماليين، وكاتب السر. وظلت دار العدل مقرا لمحكمة المظالم - التى كانت تعقد جلساتها برئاسة السلطان - حتى جاء السلطان «قلاوون» وبنى الإيوان الخاص، واتخذه مقرا لهذه المحكمة فى سنة (679هـ)، ولم تكن محكمة المظالم تنظر فى قضايا الأفراد فحسب، بل كانت تنظر فى شكاوى الناس كافة، ويذكر «المقريزى» أن السلطان «بيبرس» عُرضَت عليه فى سنة (662هـ) قضية رجل من عِلْية القوم وذكر فيها أن «المعز أيبك» قد اغتصب منه بستانًا، وقدم ما يثبت ملكيته لهذا البستان، فأمر «بيبرس» برد البستان إليه. وقد قام «بيبرس» بخفض ثمن الغلال فى سنة (663هـ) بعد أن ارتفع ثمنها، ولذا تميز النظام القضائى فى عهد المماليك بالحيدة والنزاهة وتحقيق العدل بين الرعية. المنشآت الحضارية فى عهد المماليك: حفلت كتب التاريخ التى تناولت عهد المماليك بذكر الآثار التى خلَّفها هذا العصر، والتى مازال معظمها شاهد صدق على مدى عظمة هذه الدولة حتى الآن، فقد تقدمت فنون البناء والعمارة والزخرفة، وتوافرت الأموال اللازمة لها خلال هذا العهد المجيد من تاريخ العالم الإسلامى، فقد قام «الظاهر بيبرس» ببناء مسجده، المعروف باسمه بميدان الظاهر بالقاهرة فى عام (665هـ)، وجلب لبنائه الرخام والأخشاب وأدوات البناء من سائر البلاد، وزيَّنه بزخارف الجص، فأصبح مثالا للمساجد الكبيرة الضخمة التى شُيدت فى عهد دولة المماليك البحرية. كما قام «بيبرس» ببناء برج لقلعة الجبل، وشيد «قناطر السباع» على «الخليج المصرى»، وقد عُرفت هذه القناطر بهذا الاسم؛ لأن «بيبرس» نصب عليها سباعًا من الحجارة، كما أصلح منارتى «رشيد» و «الإسكندرية». أما

السلطان «قلاوون» فقد أنشأ القبة التى دُفِن تحتها، كما أنشأ مسجده ومدرسته، ومارستانه الذى عُرف بمستشفى «قلاوون»، ثم يأتى ابنه «السلطان الناصر محمد ابن قلاوون»، وكان شغوفًا بسياسة أبيه فى الإنشاء والبناء، فشيد «المدرسة الناصرية» (بحى النحاسين)، وعين بها مدرسين للمذاهب الأربعة، وألحق بها مكتبة حافلة بنوادر الكتب وأمهاتها، ولاتزال هذه المدرسة باقية بحالة جيدة حتى اليوم، وكذلك بنى «الناصر محمد» «القصر الأبلق» بقلعة الجبل، وسُمى بذلك لأنه بنى من الحجر الأبيض والحجر الأسود، وفى سنة (718هـ) شيد «الناصر» مسجده بالقلعة، ثم هدمه فى سنة (735هـ) ليعيد توسيعه وبناءه من جديد، وقام بتجديد بناء المارستان الكبير الذى أسسه والده «قلاوون»، وأنشأ «خانقاه» (بيت لفقراء الصوفية) فى «سرياقوس» من ضواحى «القاهرة» فى سنة (723هـ)، (أصبحت «سرياقوس» اليوم تابعة لمركز «الخانكة» بمحافظة «القليوبية»)، وقد شيد «الناصر» سبيلا ألحقه بجوار مدرسته وجامع أبيه «قلاوون»؛ لأنهما متجاوران. ولعل أعظم إنشاءات دولة المماليك البحرية ما قام به السلطان «حسن بن الناصر محمد بن قلاوون» حين أنشأ مسجده ومدرسته بالقرب من القلعة. منشآت دولة المماليك البرجية: ازدادت المنشآت فى عصر دولة المماليك البرجية، ولعل أفضل مثال على منشآت ذلك العهد ماقام به «الأشرف برسباى» للعمارة الإسلامية، فقد قام بتأسيس عدة مبانٍ كان أهمها مدرسته الأشرفية التى عند «سوق الوراقين» بالقاهرة، إذ رسم حدودها فى سنة (826هـ) وعين «الشيخ علاء الدين ابن الرومى الحنفى» أستاذًا لها، ثم أتم بناءها فى سنة (829هـ)، وكذلك قام «برسباى» بإنشاء مدرسة بجوار «خانقاه سرياقوس» فى سنة (841هـ)، وكانت هذه المدرسة مجمعًا دينيا يشمل: مدرسة، وكُتَّابًا، وسبيلا، وخانقاه للصوفية، وكان القاضى «محب الدين بن رسول الكرادى» الحنفى، المعروف بابن الأشقرت، أحد الذين تولوا أمر

المدرسة والخانقاه فى سنة (863هـ). كذلك أقام «برسباى» مسجدًا وتربة وزاوية بالصحراء، ولم يكن وحده هو الذى فعل ذلك، فقد كان أغلب سلاطين المماليك يحرصون على بناء مسجد ومدفن لكل منهم فى الصحراء بشرق «القاهرة»، ذلك إضافة إلى ما يقومون به من منشآت فى أرجاء البلاد، مثلما فعل «بيبرس» حين أقام «قنطرة المجذوب» بأسيوط، وجدد «الحرم الشريف» بمكة، و «الجامع الأزهر» بمصر. ويُعدُّ «قايتباى» أشهر سلاطين المماليك البرجية شغفًا بالبناء والعمران، إذ أنفق مائة ألف دينار على إعادة تشييد «مسجد المدينة المنورة» بخلاف ما أنفقه على تشييد وبناء مسجده، وبناء «قلعة الإسكندرية» المعروفة باسمه، وكذلك أقام مبانى جديدة بقلعة الجبل، وقام «السلطان الغورى» من بعده بتحصين «الإسكندرية» و «رشيد». ويعد عصر المماليك- بحق - أحد العصور الذهبية فى تاريخ العمارة الإسلامية، فقد كان الإقبال غظيماً على تشييد المساجد والمدارس والأضرحة، والاهتمام بالمهارات الفنية والزخرفية، والعمل على إتقان بناء المنارات والقباب وواجهات المنشآت والإيوانات والأعمدة وزخرفتها، وزخرفة المدارس والمساجد من الداخل والخارج، وقد كانت العناية بزخرفة وتجميل كل ذلك إحدى سمات هذا العصر. النهضة فى مجال العلوم والآداب: لاشك أن المؤسسات العلمية التى أنشأها المماليك نهضت بمستوى العلم وتقدمه فى عهدهم، وأبرزت نخبة من ألمع العلماء فى مختلف مجالات الثقافة والعلوم، فكان منهم الفقهاء: شيخ الحنابلة «أحمد بن تيمية»، ومن المؤرخين: «أبو الفدا» صاحب «التاريخ والسير»، و «المقريزى المصرى» صاحب «الخطط» و «السلوك»، و «ابن خلكان» صاحب «وفيات الأعيان»، كما كان من كُتَّاب السير الطبيب الشهير «ابن أبى أصيبعة»، الذى درس بدمشق و «القاهرة»، ثم وضع تراجم للأطباء فى مؤلفه: «عيون الأنباء»، وكذلك كان «ابن إياس» صاحب «بدائع الزهور»، و «القلقشندى» صاحب «صبح الأعشى»، ومن الشاميين نجد

المؤرخ «شمس الدين الدمشقى» صاحب «نخبة الدهر فى عجائب البر والبحر»، و «ابن فضل الله العمرى»، الذى شغل منصب «صاحب الخاتم» فى بلاط المماليك بالقاهرة، وهو صاحب كتاب: «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار»، ولقد عاش «عبدالرحمن الجبرتى» أشهر علماء التاريخ فى بلاط المماليك، ويعد «ابن خلدون» واضع علم الاجتماع ومؤسس فلسفة التاريخ، وهو صاحب كتاب: «العبر وديوان المبتدأ والخبر»، وقد وضع فى مقدمته لهذا الكتاب أسس كتابة التاريخ التى اشتهرت شهرة واسعة النطاق فى أنحاء العالم. وهكذا برزت -خلال عهد المماليك - جماعة من أفضل علماء المسلمين فى التاريخ الإسلامى، وشجعهم على ذلك اهتمام سلاطين المماليك بالعلم والعلماء. وإن نظرة واحدة فى حُجة أحد سلاطين هذه الدولة لتظهر لنا مدى ما وصل إليه هؤلاء من حب وتقدير للعلم والعلماء والمتعلمين، وقد حرص «الأشرف برسباى» فى حُجته على تعيين المشايخ لمدرسته، وقام بوقف الأراضى لكى يُنفق من إيرادها على التعليم، وكذلك على المتعلمين الذين أنفق عليهم بسخاء، فخرج منهم العلماء والفقهاء والأئمة فى مختلف المجالات والتخصصات والمذاهب، وأصبح هذا العمل مفخرة لهذا العصر، وسببًا من أهم أسباب تقدم المسلمين وتفوقهم فى مجالات العلوم والحضارة. - الحالة الاقتصادية فى عهد سلاطين المماليك: مما لاشك فيه أن الحالة الاقتصادية لأية أمة من الأمم تمثل العمود الفقرى لها، فإذا كان الاقتصاد قويا وأحسن استغلاله فى تيسير حاجات البلاد، وبناء نهضتها، وتشييد حضارتها؛ كان ذلك مدعاة إلى التقدم والازدهار فى جميع المجالات، ووقوف البلاد فى صفوف الأمم المتقدمة ذات السيادة العالمية. أما إذا كان اقتصاد أى بلد عكس ذلك، فإنه يكون مدعاة للظلم والقهر والسلب، وخذلان البلاد ووقوفها فى ذيل قائمة البلاد المتقدمة، منتظرة قراراتها فى تسيير أمورها وشئونها الخاصة، ولا

تتوافر لهذه الأمم الضعيفة القدرة على اتخاذ القرار فيما يخصها، وتصبح فريسة للتدخل الأجنبى، وطمع المستعمرين، ولقد كان المماليك من القوة الاقتصادية لدرجة أن دولتهم بلغت حدا من الثراء لم تؤثر عليه الحروب العديدة التى خاضوها، بالإضافة إلى الإنشاءات والإصلاحات التى قامت بها فى طول البلاد وعرضها؛ إذ تعددت مصادر الثروة التى زخرت بها خزائن المماليك، فبالإضافة إلى ضرائب الخراج، والتركات التى لا وارث لها كانت هناك مصادر أساسية وثابتة لزيادة موارد الدولة؛ إذ اهتم المماليك بالزراعة والصناعة والتجارة، وأقاموا مقاييس للنيل، وطهروا الترع، وأنشئوا الجسور ونظموا الرى وحسَّنوا وسائله، كما اعتنوا بصناعة المنسوجات، ونشطوا فى اكتشاف واستخراج المعادن، التى كان من أهمها: «الزمرد» و «الشب» و «النطرون»، فكان «الشب» يُستخرج من الوجه القبلى والواحات، ويُحمل إلى «قوص» أو إلى «أسيوط» و «أخميم» و «البهنسا»، ثم ينقل منها عن طريق النيل إلى «الإسكندرية» وفيها يباع للأوربيين، وخصصت الحكومة ثلث ثمنه لدفع رواتب الأمراء، ولتوفير بعض احتياجات الجيش الكثيرة؛ لكثرة حروبهم فى ذلك الوقت. وكانت التجارة - بحق - أعظم مصادر الثروة فى العهد المملوكى؛ إذ قاموا بتشجيعها، وعقدوا المحالفات والاتفاقات التجارية مع إمبراطور «القسطنطينية»، وملوك «إسبانيا»، وأمراء «نابلس»، و «جنوة»، و «البندقية» وسلاجقة «آسيا الصغرى»، وكاد المماليك أن يحتكروا تجارة «الهند» - خاصة التوابل - بالاتفاق مع أمراء الموانئ الإيطالية، فكان لذلك أكبر الأثر فى نمو ثروات البلاد وزيادتها، خاصة بعد أن بسط المماليك سلطانهم على «مكة» و «جدة»، وأصبحت «مكة» من أشهر الأسواق التجارية فى الشرق فانتعشت حالة البلاد الاقتصادية وازدهرت، ويدل على ذلك كثرة الإنشاءات المعمارية والتجهيزات الحربية فى ذلك الحين، إلا أن لحالة الركود - التى

كانت تصيب الاقتصاد أحيانًا نتيجة لظروف القلق وما يصاحبها من السلب والنهب - أثراً على خزينة الدولة، ومع ذلك لم يكن تأثيرها خطيرًا؛ لأن الدولة سرعان ما كانت تتدارك الأخطاء وتعالج العيوب، وتعمل على سد النقص فى اقتصادها، ولعل أخطر الأحداث الاقتصادية التى كان لها أكبر الأثر فى سقوط دولة المماليك هو تحول طرق التجارة بين «أوربا» و «الشرق» عن طريق «مصر» إلى طريق «رأس الرجاء الصالح» الذى اكتشفه «فاسكو دى جاما» البرتغالى سنة (1498م)، فأحدث هذا الاكتشاف انقلابًا خطيرًا فى عالم التجارة، وكارثة حقيقية على دولة المماليك التى كانت تعتمد بصورة كبيرة على التجارة التى تحولت من حوض «البحر الأبيض المتوسط» إلى «المحيط الأطلسى» ونضبت خزائن «مصر» من الأموال التى كانت تأتيها من تجار «البندقية» و «جنوة»، الذين كانوا ينقلون تجارتهم من «الشرق» إلى «أوربا» عن طريق «مصر» ويدفعون لها الضرائب عن دخول تجارتهم وخروجها منها، فكان لذلك أثره على كساد التجارة والزراعة، ولم تعد «مصر» تنتج للأسواق الخارجية كثيرًا، فقلت موارد البلاد، وتهددتها المجاعات، وانحط شأن «الإسكندرية»، وقل عدد الأجانب بها، وتأخرت الصناعات الحيوية، وتدهورت الحالة الفنية؛ لقلة الأموال اللازمة، فهيأ هذا الوضع الفرصة للسلب والنهب الذى قام به بعض أفراد المماليك، فدب الضعف فى أوصال الدولة، وبدأت تأخذ طريقها إلى الضعف والتلاشى؛ لأن موارد البلاد لم تعد كافية لسد احتياجاتها الضرورية، وزاد الأمر سوءًا فى نهاية عصر المماليك إذ كثرت الدسائس والمؤامرات، وحوادث السلب والنهب، وتعرضت «مصر» للمجاعة والاضطراب فى عهد «السلطان برقوق» و «السلطان شيخ المؤيد» و «السلطان قايتباى»، وزادت الاضطرابات فى أنحاء البلاد، ولا تكاد تستقر حتى تعود إليها الفوضى ثانية؛ بسبب الفتن التى زادت حدتها فى عهد المماليك البرجية على

وجه الخصوص، لدرجة أن «فايربك» أحد أمراء المماليك البرجية هو الذى ساعد العثمانيين - بخيانته - على الدخول إلى «مصر» والشام، وهذا دليل قاطع على مدى التدهور والضعف اللذين وصلت إليهما الدولة فى آخر أيامها.

*العثمانية (دولة)

*العثمانية (دولة) تنسب الدولة العثمانية إلى الأمير عثمان بن أرطغل ويتجاوز تاريخها ستة قرون، ويمتد عبر مساحة كبيرة من الأرض، شملت «العراق» و «الجزيرة العربية» و «مصر» و «الشام» وشمال إفريقيا و «الأناضول» وشرق أوربا. وقد مرَّ تاريخ الدولة العثمانية بمراحل عديدة، بدأت بمرحلة الإمارة، وهى فترة التأسيس والبناء، وتبدأ من إمارة «عثمان» الذى تنسب إليه الدولة العثمانية، وتنتهى بإمارة «مراد بن أورخان». وقد شهدت هذه الفترة المبكرة من تاريخ الدولة نشاطًا حربيا فى أوربا، ووَضْع التنظيمات الإدارية، وظهور فرقة الإنكشارية؛ وكانت أهم فرق جيش الإمارة. ثم انتقلت الدولة من مرحلة الإمارة إلى السلطنة على يد «بايزيد الأول» المشهور بالصاعقة، وامتدت هذه الفترة حتى عهد السلطان «سليم الأول» الذى فتح «مصر» و «الشام» سنة (923هـ= 1517م)، وسقطت بذلك الخلافة العباسية فى «القاهرة»، وانتقلت إلى العثمانيين. وفى هذه الفترة - أيضًا - فتح السلطان «محمد الفاتح» مدينة «القسطنطينية» عاصمة الدولة البيزنطية واتخذها عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم «إستانبول»، وكان لهذا الفتح دوىٌّ كبير، فسُرَّ به العالم الإسلامى سرورًا عظيمًا، وكتب «البابا» إلى جميع الحكام الأوربيين طالبًا منهم قيام اتفاق صليبى جديد. وبعد أن انتقلت الدولة العثمانية إلى مرحلة الخلافة على يد «سليم الأول» انطلقت نحو الدولة العالمية، فاتسعت رقعتها وقويت شوكتها، وبخاصة فى عهد «سليمان القانونى» الذى حكم نحو ست وأربعين سنة، بلغت الدولة خلالها أوج عظمتها قوةً واتساعًا وحضارة. ثم توقفت الدولة العثمانية فى عهدها الثانى عن الفتح والتوسُّع، وولَّت العصور التى كان فيها نفوذها يعبر القارات ويوجِّه سياسة العالم، وعندئذٍ نظر العثمانيون إلى أنفسهم، وأيقنوا أن هناك خللا يستوجب الإصلاح. وقد قامت عدة محاولات للإصلاح، سواء التى سلكت طريق الإحياء الإسلامى، أو التى أخذت

بالنموذج الغربى، وكانت حركة «التنظيمات» أشهر تلك المحاولات الإصلاحية، وكان لها آثارها البالغة فى شئون الحياة كافة فى الدولة العثمانية. وقد بذل السلطان «عبد الحميد الثانى» جهودًا مضنية من أجل الحفاظ على دولته التى أخذت طريقها نحو الانهيار، لكن ذلك لم يمنع من سقوطها الذى وقع سنة (1343هـ= 1924م) على يد «مصطفى كمال أتاتورك». بعض الجوانب الحضارية فى الدولة العثمانية: العناية باللغة العربية: منذ أن تولى الأمير «عثمان» مؤسس الدولة العثمانية الحكم سنة (680هـ= 1281م) وحكم (37) سنة أحاط نفسه بعلماء قبيلته ومشايخها الذين كانوا يعنون بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه، ومع تولى «أورخان» الحكم خرج التعليم من المسجد إلى المدرسة، حيث فتح أول مدرسة فى مدينة «إزميد» التى فتحها سنة (728هـ= 1327م)، وكان أول مدرس بها هو «داود القيصرى»، ودرست بها كثير من الكتب، فدرّس فى مادة التفسير كتابى «تفسير الكشاف» للزمخشرى، و «تفسير البيضاوى» لناصر الدين «عبد الله بن عمر البيضاوى»، وفى الحديث كتب الصحاح الستة، وهى: «صحيح البخارى»، و «صحيح مسلم»، و «سنن الترمذى»، و «سنن أبى داود»، و «سنن النسائى»، و «سنن ابن ماجه»، وكتاب «مصابيح السنة» للبغوى. ودرس فى مادة الفقه كتاب «الهداية» لشيخ الإسلام «برهان الدين على بن أبى بكر المرغنانى»، وكتاب «العناية فى شرح الوقاية» لعلاء الدين «على بن عمر الأسود»، وفى أصول الفقه كتاب «التلويح» للتفتازانى، و «منار الأنوار» للنسفى، و «المغنى» لجلال الدين عمر، و «مختصر ابن الحاجب». وتقرر فى العقائد كتاب «القاضى الإيجى»، وكتاب «النسفى» و «الطحاوى»، وفى علم الكلام كتاب «تجريد الكلام» للطوسى، و «طوالع الأنوار» للبيضاوى، و «المواقف» للإيجى، وفى علم البلاغة كتاب «مفتاح العلوم» للسكاكى، و «تلخيص المفتاح فى المعانى والبيان» للقزوينى، وفى المنطق كتاب

«الإيساغوجى»، و «مطالع الأنوار» لسراج الدين الأرموى، وفى الفلك كتاب «الملخص» لمحمود بن محسن الجغمينى. ومن الكتب المقررة فى النحو: «ألفية ابن مالك» و «العوامل» للشيخ «عبد القادر الجرجانى»، و «الكافية فى النحو» لابن الحاجب، وكتب «ابن هشام»: «شذور الذهب»، و «قطر الندى»، و «مغنى اللبيب»، ودرس فى الصرف كتاب «أساس التصريف» لشمس الدين الغنارى، و «الشافية» لابن الحاجب وغيرهما. وبرز كثير من علماء الدولة العثمانية فى مجال الثقافة الإسلامية المكتوبة باللغة العربية، مثل: «حاجى خليفة» صاحب كتاب «كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون»، وهو كتاب ببليوجرافى مهم، وله مكانته فى الدراسات العربية الإسلامية، جمع فيه أسماء (14500) كتابًا لتسعة آلاف وخمسمائة مؤلف، وتناول فيه نحو (300) فن أو علم، وقد حوى هذا الكتاب أمهات المصادر فى الفكر الإسلامى مما صنف باللغة العربية أو الفارسية أو التركية. ومن هؤلاء العلماء - أيضًا - «طاشكو برى زاده» وهو «عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى» صاحب كتاب «الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية»، تناول فيه تراجم أكثر من (500) عالم وشيخ من علماء الدولة العثمانية من عهد الأمير «عثمان» حتى السلطان سليمان القانونى، منهم: ابن كمال باشا «شمس الدين أحمد بن سليمان» الذى اشتهر بكثرة تآليفه ورسائله، وهو يشبه فى ذلك «السيوطى» و «ابن الجوزى» و «ابن حزم» ممن اشتهروا بكثرة مؤلفاتهم. يقول «اللكنوى» بأن لابن كمال باشا رسائل كثيرة فى فنون عديدة، لعلها تزيد على ثلاثمائة غير تصانيف له فى لغات إسلامية أخرى كالفارسية والتركية، وكان ذلك فى عهد السلطان «سليم الأول». وزخر عهد السلطان «محمد الفاتح» بالمصنفات العربية، وبخاصة أساتذته الذين قاموا بتعليمه وتثقيفه، مثل الشيخ «الكورانى»، والشيخ «خسرو»، كما ظهر فى عهد «سليمان القانونى» شيخ الإسلام

«أبو السعود أفندى» صاحب التفسير المعروف «إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم». وكانت اللغة العربية هى السائدة فى جميع المدارس والجامعات العثمانية، على حين استخدمت اللغة التركية فى الأعمال الحكومية فقط. وعنى السلاطين العثمانيون بالأدب والشعر، فكان السلطان «مراد الثانى» (805 - 855هـ= 1402 - 1451م) يعقد مجلسًا فى قصره، يدعو إليه الشعراء ليتسامروا ويقرضوا الشعر بين يديه، وكان يشجع حركة الترجمة من العربية إلى التركية، وجعل من قصره مكانًا للمترجمين، فأصبح كأنه أكاديمية علمية. ثم خلفه ابنه «محمد الفاتح» الذى وصفه المؤرخون بأنه راعٍ لنهضة أدبية، وشاعر مجيد، وكان يجيد عدة لغات، ويداوم على المطالعة وبخاصة الكتب العربية التى ملأت مكتبته، ويعنى بالأدب عامة والشعر خاصة، ويصاحب العلماء والشعراء ويصطفيهم، وقد استوزر منهم الكثير، مثل: «أحمد باشا» و «قاسم الجزرى باشا»، وعهد إلى الشاعر الأناضولى «شهدى» أن ينظم قصيدة تصور التاريخ العثمانى باللغة الفارسية على غرار «الشاهنامة» التى نظمها «الفردوسى». وكان «محمد الفاتح» إذا سمع بعالم متبحر فى فن من الفنون فى الهند أو فى السند استماله بالإكرام، وأمده بالمال، وأغراه بالمناصب، ومثال ذلك: أنه استقدم العالم الكبير «على قوشجى السمرقندى» وكانت له شهرته فى الفلك، كما كان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندى «خواجه جهان» والشاعر الفارسى «جامى». وبرع «الفاتح» نفسه فى نظم الشعر، حتى اتخذ لنفسه اسمًا شعريا يستخدمه فى أشعاره التى تعكس رقة إحساسه، ورهافة مشاعره، وتبرز تكوينه الدينى. وخلفه ابنه «بايزيد الثانى» وكان عالمًا فى العلوم العربية، وفى الفلك، ومهتما بالأدب ومكرمًا للشعراء والعلماء. وكان السلطان «سليم الأول» شغوفًا بالشعر والشعراء والعلم والعلماء، حتى إنه صحب معه فى حملته على «فارس» الشاعر «جعفر ُلبى»، واصطحب فى

حملته على «مصر» و «الشام» الشاعر «ابن كمال باشا». وقد ازدهر الأدب التركى منذ القرن الثامن الهجرى، وبلغ أوجه فى القرن الحادى عشر، وتأثر بالأدب الفارسى، كما ازدهر نوع من الشعر الشعبى الموزون فى أوساط سكان «الأناضول» و «الروملى»، وساهمت الترنيمات الصوفية لشاعرهم «يونس إمره» المتوفى سنة (721هـ= 1321م) فى تجسيد هذا الأدب الذى حافظ على وجوده واستمراريته فى المراكز الصوفية، ومن هذا الشكل الشعبى من الأدب التركى انطلق الأدب التركى الحديث متأثرًا به وبالأدب الغربى. التاريخ والجغرافيا: قام العثمانيون بدور جيد فى مجال التاريخ، وبدأت المحاولات الأولى لتدوين التاريخ العثمانى تدوينًا منظمًا فى عهد السلطان «بايزيد الأول» على يد المتصوف «أحمد عاشق باشا»، ثم اهتم الباب العالى منذ القرن العاشر الهجرى بكتابة التاريخ، فعين المؤرخين الرسميين أمثال «سعد الدين» المتوفى سنة (1007هـ= 1598م). وتعد الجغرافيا أحد العلوم التى أجاد فيها العثمانيون نسبيا، وأشهر الأعمال الجغرافية ما كتبه الرحالة البحرى أو أمير البحر «بيرى رئيس» من كتب تتضمن رحلاته فى «البحر المتوسط»، واكتشافات الإسبان والبرتغال فى «إفريقيا»، كما ألف كتابًا عن الملاحة أطلق عليه اسم «بحريت»، وفى سنة (919هـ= 1513م) رسم خريطة للمحيط الأطلسى والشواطئ الغربية من «أوربا» وأهداها للسلطان «سليم الأول» بالقاهرة، ورسم خريطة أخرى تمثل اكتشافات البرتغاليين فى «أمريكا الجنوبية» و «الوسطى» و «نيوزيلاندا»، كما أسهمت كتب «حاجى خليفة» و «أوليا ُلبى» الجغرافية إسهامًا كبيرًا فى هذا المجال. الطب: وفى مجال الطب كانت تلقى المحاضرات العلمية الطبية نظريا، ويجرى تطبيقها عمليا فى مدرسة الطب، وزاول الطلبة تدريباتهم فى المستشفيات، وكانت الكتب المقررة تشمل كتاب «ابن سينا» المشهور «القانون» وكتب «ابن عباس المقوس». وقام بالتدريس فى المدارس الطبية العثمانية عدد من

العلماء والأطباء الذين تلقوا تعليمهم فى البلاد العربية و «إيران» و «تركستان»، ومن أهم الأطباء فى ذلك العصر: «قطب الدين العجمى»، والطبيب «شكر الله الشروانى»، و «يعقوب الحكيم»، و «إلياس القرامانى». نظام القضاء: كان «القاضى عسكر» هو رئيس الهيئة القضائية، وهذا المنصب استحدثه السلطان «مراد الأول»، ثم أضاف إليه السلطان «محمد الفاتح»، والسلطان «سليم الأول» قاضيين آخرين، واحدًا لأوربا، والآخر لإفريقيا، ولم تكن سلطتهم تقتصر على الشئون العسكرية بل تعدتها إلى الشئون المدنية، فهم الذين يعينون القضاة ونوابهم، وكل الموظفين القضائيين الآخرين، ويشكلون محكمة الاستنئاف العليا. ويأتى العلماء الكبار بعد قضاة الجيش من حيث الترتيب، وهم يؤلفون قضاة العاصمة وعواصم الولايات، ثم يليهم العلماء الصغار الذين يزاولون القضاء فى المدن الثانوية، ويليهم قضاة الدرجة الثانية وما دونها. العلماء والفقهاء: كان مفتى «إستانبول» (شيخ الإسلام) هو الشخصية الثانية التى تخضع لها الهيئات القضائية الدينية. وخضع الموظفون الدينيون فى العاصمة لسلطة المفتى مباشرة، وكان ينوب عنه فى الولايات الكبرى قضاة العسكر. وكان ترتيب الموظفين الدينيين فى الجوامع الكبرى كما يلى: الخطيب - الإمام المقيم - المؤذن، ويقوم المرشحون لهذه المناصب بالتعلم فى المدارس الدينية الكثيرة التى شيدها السلاطين، وكان الطلاب فيها ينقسمون إلى ثلاث فئات: 1 - الصوفتا. 2 - المعيدون، حيث يحمل الطالب عند التخرج منها لقب «دانشمند» أو «عالم». 3 - فئة «المدرس». أما مشايخ الطرق الصوفية فقد تعلقت بهم قلوب كثير من الناس، وقد سادت هذه الطرق معظم أرجاء «آسيا الصغرى» كالنقشبندية والمولوية والبكتاشية، وكان لهم دور فى تهذيب العامة، وحضهم على التمسك بالفضيلة والأخلاق الإسلامية الحميدة. ومن أشهر الفقهاء العثمانيين: «أحمد بن إسماعيل الكورانى» المتوفى سنة

(893هـ= 1487م)، والمولى «خسرو» الذى دعى بأبى حنيفة زمانه من قبل السلطان «محمد الثانى»، وتوفى سنة (885هـ). ومن العارفين والمتصوفة الشيخ «محمد بن حمزة» الشهير بلقب «آق شمس الدين» و «عبد الرحمن جامى» الذى توفى سنة (898هـ= 1492م). ومن العلوم العقلية والنقلية، ظهر اسم: «شمس الدين الفتارى» الذى خلف مكتبة بها (10) آلاف مجلد. العمارة عند العثمانيين: بلغ فن العمارة عند العثمانيين درجة عالية وخلَّف العثمانيون العديد من الآثار العمرانية العظيمة أهمها: 1 - جامع آيا صوفيا: وهى الكنيسة السابقة التى حولها السلطان «محمد الثانى» إلى مسجد، يمثل الجامع الرئيسى فى العاصمة عقب فتح «القسطنطينية» مباشرة، وعُدِّلت لتلائم التقاليد الإسلامية، حيث غطيت الرسوم التى تمثل الفن البيزنطى، وشكل محراب وسط الجناح الجنوبى من الكنيسة، كما نصب المنبر على عمود الكنيسة الجنوبى الشرقى الكبير، وفى عهد السلطان «مراد الرابع» كتبت بعض الكلمات ذات الأحرف الكبيرة التى تحمل اسم الجلالة، واسم الرسول، والخلفاء الراشدين، وذلك على لوحات مستديرة شيدت على جدران المسجد، وهى بخط الخطاط «بيشكجى زاده مصطفى شلبى» الذى كتب حرف الألف وحده على سبيل المثال طوله عشرة أذرع، وكلها بخط متشابك بديع، وواصل باقى السلاطين إدخال تعديلاتهم وإصلاحاتهم بها. 2 - جامع السلطان محمد: الذى شيده المهندس اليونانى «خريستو دولوس» بأمر من السلطان «محمد الثانى»، ويقع وسط العاصمة «إستانبول». 3 - جامع السلطان أيوب: وكان السلاطين العثمانيون يتقلدون فيه مقاليد الحكم فى احتفال رسمى، وقد شيده السلطان «محمد الثانى» قرب ضريح الصحابى «أبى أيوب الأنصارى» رضى الله عنه. 4 - مسجد بايزيد: وشيده السلطان «بايزيد»، ويعد من أبرز الآثار العمرانية التى تمتاز بنفاسة المواد البنائية الزخرفية التى جرت على الطريقة الفارسية. 5 -

جامع السليمانية، ويعد من أجمل آثار الفن المعمارى العثمانى، وشيده السلطان «سليمان»، وصممه المهندس المعمارى «سنان باشا»، على أعلى قمة جبلية فى «الأستانة». إلى جانب العديد من الجوامع العظيمة التى تزيد على الخمسمائة جامع، بخلاف المدافن والتكايا (الزوايا). أما القصور فأهمها قصر «سراى طوب قابو» التى تمتاز بفخامتها وامتدادها الواسع، ومبانيها، وحدائقها، وساحاتها الواسعة، و «سراى دولمة بهجة» على «البسفور» وتمتاز ببهوها الكبير، وكانت مسكنًا للسلطان «محمد رشاد». وسراى «جراغان» وسراى «يلدز» وسراى «بكر بك» التى توفى بها السلطان «عبد الحميد الثانى» بعد خلعه. وأشهر المهندسين المعماريين فى الدولة العثمانية هو «سنان باشا»، الذى كان نصرانيا ثم أسلم وعمره (23) عامًا، واشترك فى الحملات العثمانية والفتوحات فى المشرق والمغرب، واطَّلع على كثير من الطرز والأعمال المعمارية التى جذبت انتباهه فى «تبريز» و «حلب» و «بغداد» ودول «أوربا». وعندما عاد إلى «إستانبول» تولى منصب كبير معمارى الخاصة السلطانية، وأصبح المسئول عن إقامة الأعمال المعمارية من قصور وجوامع ومدارس ومطاعم وحمامات وأضرحة، وبلغت أعماله المعمارية نحو (441) عملا موزعة فى مختلف أرجاء الدولة العثمانية، منها «جامع صقوللو محمد باشا»، و «جامع رستم باشا»، و «جامع شهر زاده»، و «جامع السليمانية»، و «جامع محمد باشا البوسنوى»، إلى جانب العديد من الأعمال فى البلدان العربية، وتشهد أعماله بالأصالة ويسودها المعرفة العميقة والتكنيك الهندسى، وفهمه الكبير للفن، ورقة ذوقه، وقد مكنه كل ذلك من إضافة أشكال جديدة للفن المعمارى. وتوفى «سنان باشا» سنة (966هـ= 1558م) وعمره يقارب المائة عام، بعدما عاصر خمسة من سلاطين العثمانيين. فن الرسم العثمانى: لم يظهر هذا الفن إلا فى عهد السلطان «محمد الفاتح» الذى دعا فنانين إيطاليين مشهورين إلى القصر السلطانى، وأوكل إليهم إنجاز

بعض اللوحات للسلطان، وليقوموا بتدريب بعض العثمانيين على هذا الفن، وكان من أشهرهم «ماستورى بافلى» و «كونستانزى دافيرارى»،وظهرت كثير من المواهب الوطنية مثل «سنان» تلميذ «ماستورى بافلى» و «حسام زاده». ومن فنانى ذلك العهد «أحمد شبلى زاده» و «بابا مصطفى» و «تاج الدين بن «حسين بالى» و «حسن شلبى». ويبدو فى هذه الأعمال أثر المدارس الإيرانية، ويبرز اسم «المطرقى» الذى رسم لوحات تمثل حملات الجيش العثمانى ومناظر القلاع والموانئ والمدن؛ مما كان له أثر فى تطور فن الرسم الزيتى العثمانى. وفى عهد «سليمان الأول» وصل فن المنمنمات العثمانى إلى أوجه، وقدم «كاتب الشيرازى» - الذى اتخذ اسمًا مستعارًا هو «عارفى» - وثائق الحوادث السياسية والاجتماعية التى جرت خلال حياة «سليمان الأول»، وكتب ورسم «عارفى» عملا من مآثر السلاطين العثمانيين حتى عهده هو «شاهنامة آل عثمان» فى خمسة مجلدات. ومن فنانى المنمنمات فى ذلك العصر: «على شلبى»، و «مولى قاسم»، و «محمد البورحى» و «أوستان عثمان»، و «لطفى عبدالله» و «رئيس حيدر». وفى عهد السلطان «مراد الثالث» وصل فن المنمنمات إلى أوجه، ومن أبرز الأعمال فى عصره «خورنامه» و «شاهنشاه نامه» المؤلفة من أشعار مكتوبة بالتركية والفارسية معًا، وتحكى توضيحاتها قصة فتوحات الجيش العثمانى الظاهر، والنشاطات الاجتماعية المتعددة لذلك العصر. ووجدت فى ذلك العصر مدرسة الفن الزيتى فى «بغداد» فى نهاية القرن (16م)، ولكن هذا الفن سرعان ما ضعف وتدهور فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.

*الأموية (دولة فى الأندلس

*الأموية (دولة فى الأندلس دولة أمويَّة نشأت فى (الأندلس (بعد سقوط خلافة بنى أمية (132هـ= 749م) فى (الشام (، بعد مصرع آخر خلفائها (مَرْوان بن محمد (فى (أبى صير (بصعيد مصر، واستيلاء العباسيين على الخلافة، وتولِّى (أبى العبّاس (، الملقب بالسفاح، خلافة المسلمين، والذى نقل عاصمة الدولة الإسلامية من (دمشق (إلى (الكوفة (، وجعل همَّه الأول القضاء على أسرة بنى (أمية (، وتعقُّبهم قتلا وتشريدًا فى أى مكان وقعت يداه، أو أيدى ولاته عليهم. وكل ذلك لم يؤدِّ إلى اختفاء بنى أمية من صفحات التاريخ، أو القضاء عليهم قضاءً مبرمًا؛ لأن كثيرًا منهم قد تمكَّن من الاختفاء والهرب من أيدى بنى العباس، وقد تمكَّن الأمير (عبد الرحمن بن معاوية (حفيد الخليفة الأموى (هشام بن عبدالملك بن مروان (من الاختفاء عن أعين العباسيين، والهرب متنقلا من (الشام (إلى (العراق (، ثم إلى (مصر (، فالمغرب، ومنها إلى (الأندلس (؛ حيث تمكَّن بمساعدة أنصاره، وموالى بنى أمية، والظروف السائدة فى هذه المنطقة، من الوصول إلى سُدَّة الحكم فى (قرطبة (، عاصمة (الأندلس (، وذلك سنة (138 هـ=755م)، معلنًا بذلك قيام إمارة أموية فى (الأندلس (، تحولت - بعد ذلك - إلى دوله قويَّة، تحكم (الأندلس (منذ ذلك التاريخ، إلى أن سقطت هذه الدولة سنة (422هـ=1031م).وتعاقب فى حكم (الدولة الأموية الأندلسية (عدد من الأمراء والخلفاء، نجمل تاريخهم فيما يلى:1 - الأمير (عبد الرحمن بن معاوية ((138 - 172هـ=755 - 788م).وُلِد (عبد الرحمن بن معاوية (بقرية تُعرَف بدير خنان، من أعمال (قنَّسْرين (، فى بلاد الشام، سنة (113هـ= 731م)، وتُوفِّى والده شابًّا، فكفل الأسرة الخليفة (هشام بن عبد الملك (، وحين سقطت الدولة الأموية، فرَّ (عبد الرحمن (بأهله إلى ناحية الفرات، حتى اكتشف مكانه جند العباسيين، وكادوا يُمسكون به، لولا أن ألقى بنفسه

فى نهر الفرات، وظل مختفيًا خلال عبوره أراضى بلاد الشام، و (مصر (إلى أن ظهر فى (إفريقية (، وحاول حاكم (إفريقية ((عبد الرحمن بن حبيب (الإمساك به، ولكن (عبد الرحمن (نجح فى الهرب والفرار إلى (المغرب الأقصى (؛ حيث أخواله من البربر. وقد أفاد (عبد الرحمن (من الصراعات القبلية القائمة بين العرب فى (الأندلس (، واستمال إليه الجند اليمنية، والعرب الناقمين على الوالى (يوسف الفهرى (، وعبر إلى بلاد الأندلس، وتجمع حوله الأنصار، وسار زاحفًا إلى مدينة قرطبة؛ حيث التقى مع قوات (يوسف الفهرى (فى معركة (المصارة (، سنة (138هـ=755م)، التى انتهت بانتصار (عبد الرحمن (ومن معه، وهروب كل من (الصميل بن حاتم (،و (يوسف الفهرى (، زعيمى الأندلس فى ذلك الوقت، ودخل (عبد الرحمن ((قرطبة (،وعُرِف منذ ذلك الحين بعبد الرحمن الداخل. حكم (عبد الرحمن ((الأندلس ((34) عامًا. واجه خلالها كثيرًا من المصاعب، كان أوَّلها: القضاء على الزعامات المحليَّة القديمة التى دخلت معه فى حروب كثيرة، انتهت جميعها لصالحه. ومن أخطر المشاكل التى واجهت (الداخل (: محاولات (العباسيين (-بقيادة الخليفة (أبى جعفر المنصور (-القضاء عليه، واسترداد (الأندلس (إلى حوزة الخلافة الإسلامية التى غدت (بغداد (عاصمتها فى ذلك الحين. وتمثلت أولى محاولات العباسيين للقضاء عليه فى الدعوة التى تزعمها (العلاء بن مغيث اليحصبى (، الذى دعا لأبى جعفر المنصور، وحقَّق نجاحًا كبيرًا، ولكن (عبد الرحمن (تمكن من هزيمته، وقتله، وإرسال رءوس كبار جنده ليُلقى بها فى طريق أبى جعفر المنصور وهو يؤدِّى فريضة الحج، وبعد ذلك لقَّبه (المنصور (بصقر قريش (.وتمثَّلت الثورة الخطيرة الثانية فى التحالف الذى جمع بين (سليمان الأعرابى (،والى (برشلونة (،و (العباسيين (، و (شارلمان (، ملك الفرنجة، فى محاولة لخلع (عبدالرحمن الداخل (، الذى نجح

فى الانفراد بأعدائه، والقضاء عليهم واحدًا تلو الأخر، أما (شارلمان (فقد تعرض جيشه للفشل أمام أسوار (سرقسطة (، ولإبادة مؤخرته عند عودته إلى (فرنسا (مارًّا بجبال البرنيه. ومن الأعمال المهمة لعبد الرحمن الداخل: بناؤه مسجد (قرطبة (الجامع، الذى غدا بعد ذلك أكبر وأشهر مسجد فى غربىِّ العالم الإسلامى، وكان ذلك فى عام (176هـ=792م)، بلإضافة إلى تجميل (قرطبة (، وبناء (الرصافة (. وهكذا تمكَّن (عبد الرحمن (من تأسيس إمارة قويَّة وراثيَّة، تدين بالولاء له ولأولاده من بعده.2 - (هشام الأول ((الرضا ((172 - 180 هـ = 788 - 796م).خَلَفَ الأمير (هشام بن عبد الرحمن الداخل (والده فى حكم إمارة مستقلة مستقرة،، ولم يواجه من المشاكل إلا ثورة أخويه (سليمان (،و (عبد الله (، اللذين رأيا أنَّهما أحقُّ من (هشام (بالإمارة، وتغلَّب عليهما (هشام (، وتفرَّغ - بعد ذلك - لمحاربة نصارى شمالىِّ الأندلس، الذين قوى ساعدهم؛ نتيجة فترة الفتنة والضعف التى أصابت (الأندلس (فى عصر الولاة، فأرسل حملة قوية بقيادة (عبيد الله بن عثمان (تمكنت من هزيمة (الجلالقة (، وأخرى بقيادة (يوسف بن بُخت (، حققت الكثير من الانتصارات. وفى سنة (176هـ=792م) تأهب لغزو الفرنجة، ووقف هجماتهم على (شمالى الأندلس (، فأرسل جيشًا كثيفًا بقيادة حاجبه (عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث (، لغزو مناطق خلف جبال البرتات، وتمكن من تحقيق عدد من الانتصارات. وعُرِف الأمير (هشام (بالتقوى، والورع، ومحبَّة الفقهاء، وحضور مجالس العلم، وأنشأ الكثير من المساجد، وعلى أيّامه بدأ المذهب المالكى فى الانتشار على أيدى عدد من العلماء، منهم: (زياد بن عبد الرحمن (،و (عيسى بن دينار (،و (يحيى بن يحيى الليثى (وكانت ( الأندلس (- قبل ذلك - على مذهب الأوزاعى، كما أنَّه جدَّد بناء القنطرة الرومانية على نهر الوادى الكبير، ولم يطل العمر بالأمير

(هشام (؛ حيث وافته منيته بعد أقل من ثمانية أعوام، وذلك فى عام (180هـ=796م).3 - (الحكم الأول ((الربضى) (180 - 206هـ= 796 - 821م).تولَّى (الحكم بن هشام (، بعد وفاة والده، وكان حازمًا محبا للسلطة والمظهر، شديدًا على أعدائه، حارب أعمامه وانتصر عليهم، ولم تكن علاقته بالفقهاء حسنة؛ مما دفعهم إلى عدم الرِّضا عنه، والإساءة إليه عند العامَّة، وتسببوا فى عدد من الثورات ضدَّه، أهمها: ثورة (الربض الغربى (، التى قضى عليها الحكم، حتى عرف بها، وسُمِّىَ بالربضى، نسبة إلى قسوته فى القضاء على ثورة هذا الربض الحزين. أرسل الحكم قواته لغزو ممالك النصارى فى شمالى الأندلس، وقام حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث بغزو مناطق ألبة والقلاع (قشتالة القديمة)، كما استولى على قلهرة، وأنْحن فى بلاد البشكنس، وعاد محمَّلا بالغنائم. واجه الحكم مجموعةكبيرة من الثورات الداخلية التى حاول الفرنجة استغلالها فى التدخل فى شئون الأندلس، ونجح فى التغلب عليها جميعًا وأجبر الفرنجة على عقد الصلح، وصَرْفِ النظر عن التدخُّل المباشر فى شئون الأندلس. وقد تمكن الحكم من توطيد الحكم لبنى أمية، وترك الأمور لأبنائه هادئة إلى حدٍّ كبير، كما يُذكر له بعض الجوانب الأدبية، والإبداعات الشعرية التى تكشف عن الجانب الآخر من شخصيته، وتُوفِّىَ الحكم سنة (206هـ = 821م) مخلِّفًا إمارة الأندلس لعبد الرحمن، أكبر أولاده.4 - عبد الرحمن بن الحكم (206 - 238هـ = 821 - 852م).ويُعرَف هذا الأمير بعبد الرحمن الأوسط، أو عبدالرحمن الثانى. وُلِد فى طُلَيْطِلة سنة (176هـ= 792م)، وقد عُنى والده (الحكم) بتربيته، فنمَّى لديه الأدب والحكمة؛ فكان ذا كفاءة عالية وخلال حميدة، وافر الخبرة بشئون الحرب والإدارة، واجهته فى مطلع ولايته بعض الفتن الصغيرة، التى أتاحت له فرصة إرسال الصوائف إلى ممالك الشمال، وكان جده عبد الله

البلنسى هو قائد حملته علىمنطقة الثغر الأعلى؛ حيث تمكَّن من هزيمة الفرنجة، واجتياح ولاية قطلونيه ( Cata Luna)، وذلك سنة (212هـ= 827م).وما لبثت حركات التمرد أن ظهرت فى الأندلس، فثار محمود بن عبد الجبار فى ماردة، وكلَّف الأمير عبد الرحمن جهودًا كبيرة، حتى تمكَّن من القضاء على ثورته، وإجباره على اللجوء إلى ملك أشتوريس (ألفونسو الثانى)،وطلب حمايته، لكنه قُتِل هناك بيد حماته النصارى، وثار (هاشم الضرَّاب) فى طليطلة، وكان شوكة كبيرة فى جنب عبد الرحمن الأوسط؛ وبالرغم من نجاح الأمير فى قتل هاشم سنة (216هـ= 831م)، فإن (طليطلة) ظلَّت معقلا للثائرين والمتمرِّدين، واضطر الأمير إلى حصارها، واقتحامها، وإيقاع العقاب بأهلها، وذلك سنة (222هـ= 837م).وبعد القضاء على تلك الثورات استأنف الأمير الجهاد فىشمالى الأندلس، وسيَّر الصوائف سنويا إلى هذه الجهات، ولكن لم تكن لهذه الغزوات نتائج كبرى، ولم يكن من ثمارها إلا منع النصارى من التوغُّل داخل بلاد المسلمين، وحملهم على التزام السكينة، وعدم إيقاع الأذى بالمسلمين. ويتميز عصر عبد الرحمن الأوسط بعدد من الأحداث الخطيرة، منها: - غارات النورمانديين: فقد تعرَّضت سواحل الأندلس لخطر شديد، لم تستعد له؛ حيث غزاها كثير من النورمانديين، الذين عرفتهم المصادر الإسلامية باسم (المجوس)، ولم يكونوا إلا جماعات من الفيكنج، القادمين من أقصى الشمال الغربى لأوربا، البارعين فى ركوب البحر، واستخدام السفن الخفيفة، وأمكنهم إيقاع الأذى الشديد بالشواطئ الغربية للأندلس، وذلك فى سنة (230هـ= 844م)، وتمكن المسلمون من التصدى لهم بصعوبة كبيرة.- وثورة المستعربين: وهم النصارى، المقيمون فى قرطبة، وكانوا يتمتعون بدرجة عالية جدا من تسامح المسلمين، حتى إنهم اندمجوا فى المجتمع القرطبى؛ يتحدثون لغته، ويرتدون ثيابه، لكن الدعايات المتعصبة من بعضهم تمكنت من إثارة نزعة

الكراهية ضد المسلمين، وحاول بعضهم إيذاء المسلمين، والجهر بسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتدخلت السلطة الأندلسية وأعدمت بعضهم، لكن الحركة تزايدت، وغذَّتها عوامل داخلية وخارجية، حتى انتهت بعد موت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (. وشهد عصر الأمير عبد الرحمن الأوسط عددًا من الشخصيات العلمية البارزة، من أهمِّها: (عبد الملك بن حبيب (، المعروف بعالم الأندلس، و (يحيى بن يحيى الليثى (، الذى لقَّبه الإمام (مالك بن أنس (بعاقل الأندلس، و (عبّاس ابن فرناس (، أوَّل من حاول الطيران، و (أبو الحسن على بن نافع (، الملقَّب بزرياب، وهو أشهر المغنِّين فى (الأندلس (.وعُنى (عبد الرحمن الأوسط (بالمنشآت العامَّة، فوسَّع فى مسجد قرطبة، وأنشأ مسجد إشبيلية، وبنى سورها، ووصلت (الأندلس (على أيَّامه إلى درجةٍ عالية من التقدُّم والازدهار، وأصبحت العاصمة (قرطبة (مدينة عامرة، لا ترقى إلى مكانتها أية مدينة أوربية أخرى، بل غدت تضارع العواصم الإسلامية الأخرى فى جمالها، وحسن تنسيقها، وعمران أسواقها. كما شهد عصر الأمير (عبد الرحمن الأوسط (نشاطًا دبلوماسيًّا رائعًا؛ فقد استقبل فى (قرطبة (سفراء (القسطنطينية (من قِبَل (القيصر تيوفوليس (، وذلك فى سنة (225هـ= 840م)،كما أوفد الأمير القرطبى سفيره (الحكم الغزال (إلىالعاصمة البيزنطية. وهناك سفارة أُخرى تشير إليها المصادر التاريخية، وهى قيام (الحكم الغزال (بردِّ الزيارة التى قام بها رسل ملك النورمانديين، وظل هناك حوالى (20) شهرًا، ثم عاد إلى (قرطبة (فى حدود سنة (232هـ= 846م). وبموت الأمير (عبد الرحمن الأوسط (تنتهى الفترة الزاهرة من عصر الإمارة، وتبدأ فترة جديدة. 5 - الأمير (محمد بن عبد الرحمن الأوسط (: (238 - 273هـ= 852 - 886م). تولَّى الأمير (محمد (العرش فى (قرطبة (وسط مؤامرات كانت تسعى لنقل الإمارة إلى أخيه الأمير (عبد الله (، وبعهده تبدأ (الأندلس (فترة من

الضعف والانحلال جعلت بعض المؤرِّخين يُطْلِقون عليها اسم عصر الطوائف الأول. وُلِد الأمير (محمد (سنة (207هـ= 822م) وكان له نشاط جمٌّ على أيام والده؛ مما رشَّحه للإمارة من بعده، ولقد واجهته مع بداية حكمه ثورة مدينة طُلَيْطِلة، التى اضطرته إلى أن يخرج بنفسه على رأس قواته لتأديب المدينة وإلزامها بالطاعة والسكون، ولكن (طليطلة (لم تهدأ ولم تخمد، وأضحت موئلا للثائرين والمتمردين، وساعد على ذلك وجود جالية كبيرة من النصارى المستعربين، والقساوسة المتعصبين، كما أن المدينة كانت تتلقى المساعدات والتحريض من الممالك المسيحية شمالى الأندلس، وكان لثوراتها صدى لدى المستعربين فى (قرطبة ( والمدن الإسلامية الأخرى، وبذل الأمير جهدًا كبيرًا فى إخماد هذه الثورات. كما حاول الأمير (محمد (أن يقارع ممالك النصارى الشمالية؛ فخرج بنفسه على رأس قواته، سنة (241هـ= 855م) إلى (ألبة (، و (القلاع (، وافتتح عددًا من الحصون، كما أرسل فى العام التالى حملة إلى أحواز برشلونة. ولقد عاود النورمانديون غزو بلاد الأندلس، والإغارة على شواطئها، وذلك فى سنة (245هـ= 859م)، ولم تتمكن الجيوش الإسلامية من التصدى لهم تمامًا؛ مما مكَّنهم من العبث بالشواطئ الغربية للأندلس، بل وصلوا إلى عدوة المغرب، ثم نزلوا بالشاطئ الجنوبى للأندلس. وقامت ثورة خطيرة ضد الأمير فى شمال الأندلس تزعَّمها (موسى بن موسى (، وأبناؤه من بعده، وشغلت هذه الثورة الأمير (محمدًا (سنوات طويلة. وقامت ثورة أخرى فى (ماردة (، و (بطليوس (، تزعَّمها (عبد الرحمن بن مَرْوان (، المعروف (بالجليقى (، استمرت سنوات طويلة، وأيدها (ألفونسو الثالث (، ملك ليون، وشغلت هذه الثورة الأمير سنوات طوالا، بل أحرزت عددًا من الانتصارات على قواته، وأسر فيها (هشام بن عبد العزيز (، وزير الأمير (محمد (. وخلال هذه الفترة العصيبة اندلعت ثورة أخرى فى جنوبى الأندلس تزعَّمها (عمر بن حفصون (، الذى

شغلت ثورته باقى عصر الإمارة كله، ولم يُقْضَ عليها إلا على عهد الأمير (عبد الرحمن الناصر (، أول خلفاء الأندلس. 6 - الأمير (المنذر بن محمد بن عبد الرحمن ((273 - 275هـ= 886 - 888م). وُلد الأمير (المنذر (فى (قرطبة (، سنة (229هـ= 843م)، وكان أثيرًا لدي والده من بين إخوته يختاره لجلائل الأمور، ويندبه لقيادة الجيش كلما ألمَّ بالإمارة خَطْبٌ. وقد أبلى المنذر بلاء حسنًا فى مقاتلة الثوار والخوارج، وحينما تولى العرش كانت الفتنة قد تفاقمت، وعمت الثورة أنحاء البلاد، فشمَّر عن ساعديه للقضاء عليها، وإعادة الأمن والنظام إلى الإمارة المضطربة، وحماية عرش الدولة من كيد الكائدين. سيَّر (المنذر (حملاته إلى (طليطلة (فى محاولة لإخضاعها، كما ركَّز جهوده فى القضاء على (عمر بن حفصون (، الذى استشرى أمره، وأصبح خطرًا حقيقيًّا على الإمارة الأندلسية، ولقد تمكن الأمير (المنذر (من ضرب حصار شديد على قلعة (ابن حفصون (، حتى كادت تسقط فى يده، وفىتلك اللحظات مات الأمير المنذر فجأة أمام أسوار القلعة وتجمع معظم الروايات التاريخية على موته مسمومًا. وكان الأمير (المنذر (ذا همَّة عظيمة، وجاء موته ضربة شديدة لقرطبة، التى اضطرت إلى رفع الحصار عن (ببشتر (وعودة الجيش إلى (قرطبة (، وازدياد الفتنة فى كل أنحاء الأندلس. 7 - الأمير (عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ((275 - 300هـ= 888 - 912م). ولد الأمير (عبد الله (فى (قرطبة (عام (229هـ= 843م)، وهو نفس عام ميلاد أخيه (المنذر (، وكان معه فى حصاره لببشتر، وتتهمه بعض الروايات التاريخية بتدبير مؤامرة قتل أخيه (المنذر (؛ لكى يصل إلى عرش الإمارة فى (الأندلس (. بويع بالإمارة بعد أخيه، ورفع الحصار عن (ببشتر (، وعاد بالجيش إلى (قرطبة، وبدأ حكمه الطويل فى ظروف سيئة جدًّا؛ فالخلاف يمزِّق (الأندلس (، وعرش بنى أمية على وشك الانهيار، وامتدت الثورة إلى الحواضر الأندلسية

الكبرى، حتى لم يعد لأمير الأندلس من سلطان إلا على مدينة قرطبة وحدها. واجه الأمير (عبد الله (هذه الخطوب جميعًا، وعمل على إخماد الفتن بما وسعه من جهد؛ فلم يهدأ ولم يتوانَ فى العمل، وظلَّ طيلة فترة إمارته يرسل الجيوش، ويجرِّد الحملات، ويخرج بنفسه تارة، ويرسل قواده أخرى، حتى أنهك الثائرين، وأنهك إمارته؛ مما أعطى الفرصة للممالك المسيحية فى التوسُّع على حساب الدولة الإسلامية. ومن أسوأ ما يُذكَر للأمير (عبد الله (غدره بولديه الأمير (محمد (أولا، ومن بعده الأمير (المطرف (، كما أنه قتل أخوين له، قتل أحدهما بالسيف والآخر بالسّمِّ. وبالرغم من كلِّ ما يقال عن الأمير (عبد الله (فإن الرواية التاريخية لا تحرمه من جانب مشرق، يتمثَّل فى محبته للعلم والعلماء، حتى كان مجلسه من أجلِّ ما عرفت (الأندلس (حتى عصره. 8 - الأمير (عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله (، المعروف بالناصر لدين الله (300 - 350هـ= 912 - 961م). ومما يُذكَر من حسنات الأمير (عبد الله (أنَّه أومأ بالإمارة -من بعده- إلى حفيده (عبد الرحمن بن محمد (، وربما كان ذلك تكفيرًا عما ارتكبه فى حق والده الأمير (محمد (، فلقد أثبت هذا الفتى الشابُّ أنه الجدير بالإمارة، والكفء لمواجهة ما كان يعترضها من عقبات. وُلِد (عبد الرحمن الناصر (، سنة (277هـ= 890م)، قبل مقتل والده بأيام، وكَفَله جدُّه الأمير (عبد الله (، وأحسن تربيته، وهيّأه لتولى الإمارة من بعده. نهض (عبد الرحمن الناصر (بالمهمة خير نهوض؛ فعمد إلى الثوار يستنزلهم بالقوة، أو بالمسالمة، حتى تمكَّن خلال سنوات قليلة من القضاء على جميع الثورات، وإعادة (الأندلس (إلى وحدتها؛ حيث بدأت البلاد معه فترة من أحسن فترات تاريخها. وجَّه (الناصر (جهوده وحملاته إلى مواجهة عنفوان الممالك المسيحية فى شمالى الأندلس وتبادل معها النَّصر والهزيمة لكنه أكَّد تفوُّقه عليها عسكريًّا وسياسيًّا، حتى صار

حَكَمًا يُرْجَع إليه فى المنازعات الداخلية فى هذه الممالك. اهتم الناصر بالعمران اهتمامًا كبيرًا، وأسس مدينة (الزهراء (، وأنشأ بعض القواعد الأندلسية، وغدت البلاد على أيامه أقوى قوة سياسية فى العالم الإسلامى، حتى هادنته ملوك شمالى الأندلس وملوك ألمانيا وإيطاليا وبيزنطة، وغَصَّ بلاطه بسفراء تلك الدول. ومن أبرز ما قام به (عبد الرحمن الناصر (، اتخاذه لقب (أمير المؤمنين (، سنة (317هـ= 929م)، محوِّلا الإمارة الأندلسية إلى خلافة يهابها الأعداء، ويعتز بها الأصدقاء، وفَرْض سيطرة بلاده على عدوة المغرب، وتقليل نفوذ الفاطميين هناك، حتى غدا رجل العالم الإسلامى بلا منازع. أما من الناحية العِلْمية، فقد غدت (قرطبة (موئِلا للعلم والعلماء يؤمُّها طلاب العلم من كل أنحاء الدنيا، ولا تبالغ المصادر فى اعتبار عصر الخلافة فى (الأندلس (هو العصر الذَّهبى للمسلمين فيها. حكم (عبد الرحمن الناصر (الأندلس خمسين عامًا، وترك البلاد من بعده مستقرة آمنة، وأوصى بالخلافة من بعده لولى عهده (الحكم المستنصر بالله (. 9 - الخليفة (الحكم المستنصر بالله ((350 - 366هـ= 961 - 976م). وُلد (الحكم بن عبد الرحمن (بمدينة (قرطبة (سنة (302هـ= 914م)، واعتنى والده بتربيته عناية فائقة، وقام بتدريبه على أعباء الحكم والقيادة، وأخذ له العهد بخلافته، وهو فى سِنٍّ مبكرة، وبويع له غداة وفاة (النَّاصر (، سنة (350هـ= 961م)، وكانت سنُّه -حينذاك- (48) سنة؛ ولذلك كان مكتمل الخبرة، جديرًا بالقيادة فى (الأندلس (. كان عهد (الحكم (عهد سلام واطمئنان، فقد ترك له والده الأمور موطَّدة، فصرف همَّه إلى العناية بالعلم والعلماء، وبلغ فى ذلك الغاية، وأربى على النهاية، كما اهتم بالكتب، حتى بلغ عددها فىمكتبته (400) ألف مجلَّد، وتذكر المصادر أنه أرسل ألف دينارذهبًا إلى (أبى الفرج الأصفهانى (فى (بغداد (؛ لكى يرسل نسخة من كتابه (الأغانى (إلى (قرطبة (قبل ظهوره

فى (بغداد (. واهتمَّ (الحكم (بالمسجد الجامع فى (قرطبة (، وقام بتجميله وتوسعته، ومازالت أعمال (الحكم (بالمسجد بارزة وعظيمة إلى يومنا هذا، كما استكمل بناء مدينة (الزهراء (، حتى غدت أعجوبة زمانها. ولقد كانت ميول (الحكم (العلمية سببًا فى تحرُّك ممالك الشمال الإسبانية ضد دولة الخلافة، معتقدين خطأً أنه ليس للخليفة العالم شأن بالحرب، لكن (الحكم (أثبت جدارته فى ميدان الحرب ولقَّن هذه الممالك دروسًا كبيرة أعادتها إلى الطاعة، والإذعان لهيبة الخلافة فى (الأندلس (. أما ما يُؤخَذ على (الحكم المستنصر (، فهو مبايعته لابنه (هشام (، وهو دون العاشرة؛ ليكون ولىَّ عهده من بعده، وأخذ له البيعة بذلك، ثم تُوفِّىَ (الحكم (سنة (366هـ= 976م). 10 - الخليفة (هشام الثانى ( (المؤيد بالله ((366هـ- 000= 976م- 000). تولَّى (هشام (الخلافة، وهو دون العاشرة؛ مما أعطى الفرصة للحاجب (محمد بن أبى عامر (ليسيطر على مقاليد الأمور فى (الأندلس (، ويتلقَّب بالمنصور، وقام الحاجب بالحجر -تقريبًا- على الخليفة الصغير، واستبدَّ بالأمور تمامًا، حتى أصبح عصره يُعرف -عند المؤرِّخين- بالدولة العامرية، إلى درجة أن (المنصور (قد ورَّث منصبه وسلطانه لولديه من بعده، وهما (عبد الملك المظفر (، و (عبد الرحمن شنجول (. 11 - الأمويون فى عصر الفتنة (399هـ= 422هـ - 1008م= 1031م).

ملحق: المذاهب والفرق والأديان

*النقشبندية إحدى الطرق الصوفية. تُنسب إلى مؤسسها بهاء الدين محمد شاه نقشبند، المتُوفَّى بدمشق سنة (791هـ). وفى تعريف الطريقة يقول النقشبندية: إنها دوام العبودية لله تعالى ظاهرًا وباطنًا بكمال الالتزام بالسنة، واجتناب البدع، والرخصة فى جميع الحركات والسكنات؛ سواء فى العبادات أو العادات أو المعاملات. وطرق الوصول إلى هذه الحالة من دوام العبودية لله تعالى فى النقشبندية، أربعة: أولها: صحبة الشيخ الكاملة، وثانيها: الارتباط به، وثالثها: الالتزام بما يتلقنه عنه، وآخرها: الذكر؛ بحيث يكون حاله هو حال الذاكر لله على الدوام. وقد ظهرت الطريقة وراجت فى أول الأمر بين المتحدثين باللغة الفارسية؛ ولذلك فقد كانت الكلمات الفارسية بها كثيرة قبل أن يهاجر الإمام الثالث خالد النقشبندى إلى دمشق مرسِلاً دعاته إلى البلاد العربية.

*أبو حنيفة (مذهب)

*أبو حنيفة (مذهب) مذهب فقهى سنى، ينسب إلى الإمام أبى حنيفة النعمان المُتوفَّى سنة (150هـ)، وهو أول المذاهب الأربعة المشهورة فى الفقه الإسلامى ظهورًا. وقد نشأ هذا المذهب فى العراق، ثم انتشر فى مصر والشام وبلاد ماوراء النهر، والهند، والصين. وكان هو المذهب السائد فى عصر العباسيين، كذلك أصبح المذهب الرسمى للخلافة العثمانية، كما قام العثمانيون سنة ( 1877م) بسن مجموعة من القوانين فى العقود والإجراءات المدنية طبقًا للمذهب الحنفى. ويقوم المذهب الحنفى على الكتاب والسنة والأثر الصحيح عن الصحابة، رضى الله عنهم. وقد كثرت المسائل الافتراضية فى فقه المذهب، ولم يُعرف لأبى حنيفة كتاب يشرح مذهبه ويجمع آراءه إلا أن تلامذته هم الذين تولوا كتابة فقهه وجمع آرائه، وأبرزهم: أبو يوسف صاحب كتاب الخراج، ومحمد بن الحسن الشيبانى. وأشهر كتب المذهب الحنفى الخراج، والمبسوط والجامع الصغير والجامع الكبير والآثار.

*الرفاعية

*الرفاعية إحدى الطرق الصوفية التى تنسب إلى مؤسسها أحمد الرفاعى المتُوفَّى بالعراق سنة (512هـ = 1118م). ويبدأ المُريد فى سلوك هذه الطريقة بأن يعطيه المرشد أول الأوراد الرفاعية، وهى الصلاة على النبى - صلى الله عليه وسلم -، بالعدد الذى يناسب استعداده، ويلحق به الاستغفار والتوبة بالعدد الذى يناسب استعداده أيضًا، فإذا طاب له الذكر يزيد له العدد، ويستحسن أن يقرأ مع أوراده حزب التحفة السنية الخاص بالرفاعية، وهو مكون من بعض آيات القرآن الكريم، ومجموعة من الأدعية فى نحو ثلاث صفحات. ومن قواعد الرفاعية: الخلوة سبعة أيام من كل سنة، تبدأ باليوم الثانى من عاشوراء. ولا يتقيد الرفاعية بزى مخصوص إلاّ العمامة السوداء. ومن مراسيمهم عدة النوبة، وهى عبارة عن الدفوف والطبول الأحمدية، يضربونها فى ليالى الجمع، ويجتمعون عليها لتنشيط المريدين، والترويح عن القلوب. ويشترط فى المرشد أن يكون كاملاً متشرعًا متدينًا عارفًا بأصول الطريقة وأركانها وآدابها وخلواتها وأذكارها وأورادها، ناصحًا لإخوانه، محبًّا لهم، لا يلتفت للشطحات والخرافات. ويشترط فى المُريد أن يكون صاحب أدب وخشوع وخضوع، عارفًا بمكانة شيخه، منقادًا له، حافظًا حرمته وحرمة أهله وأقاربه ومحبيه.

*المالكى (مذهب)

*المالكى (مذهب) أحد مذاهب الفقه الإسلامى الأربعة عند أهل السنة. ترجع نسبته إلى مالك بن أنس المُتوفَّى بالمدينة سنة (179هـ = 795م). ويستقى المذهب مبادئه من القرآن والسنة والإجماع، بالإضافة إلى القياس، وقد اعتبر الإمام مالك عمل أهل المدينة دليلاً شرعيًّا معترفًا به. وقد أخذ تلاميذ الإمام مالك على عاتقهم مهمة نشر المذهب فى ربوع العالم الإسلامى، فقد دخل المذهب الإسكندرية بمصر عن طريق عثمان بن عبد الحكم المُتوفَّى سنة (163هـ = 779م)، وفى العراق انتشر المذهب على يد عبد الرحمن الكعنبى المُتوفَّى سنة (221هـ = 835م)، وفى شمال إفريقيا دخل المذهب وانتشر على يد كل من أسد بن الفرات وسحنون، وفى الأندلس دخل المذهب فى نهاية القرن الثانى الهجرى، وحل محل مذهب الأوزاعى. وأهم مصادر المذهب المالكى: الموطَّأ للإمام مالك، وهو أقدم عمل فقهى عاش حتى يومنا هذا، ويعتبر دستورًا شرعيًّا مطابقًا لما جاءت به السُنَّة وأجمع عليه أهل المدينة، والمدونة الكبرى لسحنون، وهى عبارة عن مجموعة من آراء الإمام مالك، بالإضافة إلى تصحيحات وإجابات أرسلها ابن القاسم العتاقى تلميذ مالك إلى سحنون طبقًا لآراء مالك وآراء شيوخه ومعاصريه، وتعود أهميتها العلمية إلى أنها تصور العلاقة بين الدين والتجارة. ومازال المذهب المالكى معمولاً به فى كثير من الدول الإسلامية، وخاصة بلاد الشمال الإفريقى.

*المهاجرون

*المهاجرون هم أصحاب رسول الله، الذين هاجروا فى سبيل الله تعالى؛ فرارًا بدينهم من مكة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة. وقد صارت هذه الهجرة صفة تكريم لأصحابها، فقيل: فلان ممن هاجر الهجرتين (أى: إلى الحبشة، والمدينة)، وقد تميز أصحاب هذه الهجرة فى الفئ دون غيرهم. وهذا النوع من الهجرة انتهى بعد مكة؛ فقد قال (: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا. ولكن ليس معنى ذلك أن كل أنواع الهجرة قد انتهى أمرها، فما دام هناك أعداء يتربصون بالإسلام وأهله، فسيظل باب الهجرة مفتوحًا، وقد قال (: من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرًا من الأرض، استوجبت له الجنة. وكل هجرة لغرض دينى من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه المرء طاعة أو قناعة وزهدًا فى الدنيا، أو ابتغاء رزق طيب فهى فى سبيل الله، وإن أدركه الموت فأجره على الله.

*المزدكية

*المزدكية مذهب ضال يُنسب إلى مزدك بن نامدان، المولود فى نيسابور سنة (487 م)، الذى نادى بشيوعية النساء والأموال، وذلك لمنع الحروب والشقاء فى العالم. وكان مزدك فى أول أمره مانويًّا. ثم انشق عن المذهب المانوى وقال: إن الكون يرجع إلى ثلاثة أصول، هى: (الماء) و (النار) و (التراب)، امتزجت بنسب متساوية فكان الخير، وامتزجت بنسب متفاوتة فكان الشر. وكان يرى أن الإنسان ليكون ربانيًّا يجب أن يتمتع بأربع قوى، هى: (التمييز) و (الفهم) و (الحفظ) و (السرور)، لذا أمر أتباعه بالابتعاد عن البغضاء. وعندما علم ملك الفرس أنوشروان بفساد اعتقاد مزدك وأتباعه قتلهم سنة (523 م). وقد انتشر هذا المذهب فى إيران وأذربيجان وأرمينيا، واهتم المسلمون بتاريخ المزدكية لفساد معتقدهم وخطورة مذهبهم، وأفردوا لها بابًا فى الفقه، يمنع الزواج منهم أو أكل ذبائحهم، ويحظر قبول الجزية منهم لاستباحتهم المحرمات.

*الأرثوذكسية

*الأرثوذكسية إحدى الطوائف المسيحية الثلاث الكبرى، وهى تعنى: الرأى المستقيم، وفى القرن الخامس الميلادى أصبحت هناك كنيستان أرثوذكسيتان، هما: (الأرثوذكسية المصرية)، ويؤمن معتنقوها بطبيعة واحدة فى المسيح من طبيعتين، ويغلِّبون الطبيعة الإلهية فى المسيح على الطبيعة البشرية، ويتزعم هذا الاتجاه (كنيسة الإسكندرية). و (الأرثوذكسية اليونانية)، ويؤمن أهلها بطبيعتين للمسيح، هما: الإلهية والبشرية. وهاتان الطبيعتان مستقلتان غير منفصلتين. ويتزعم هذا الاتجاه كنائس روسيا ومعظم أوربا الشرقية. وفى القرن الحادى عشر الميلادى حدث انشقاق بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية حول طبيعة المسيح، أدى إلى اختلاف فى الطقوس بينهما، لذلك فأغلب مسيحيى الشرق أرثوذكس، والتنظيم الكهنوتى للأرثوذكس يأتى على قمته البطريرك ثم المطارنة والأساقفة والقساوسة، وللكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية دستور يتضمن جميع قوانينها ونظمها، يطلق عليه اسم دايدا سكاليا أى: تعاليم الرسل.

*الراوندية

*الراوندية هم جماعة من الروافض، أتباع عبد الله الراوندى، كانوا يرون أن عبد الله بن الحنفية أوصى إلى محمد بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بالإمامة، وأن الإمامة انتقلت من محمد إلى ابنه أبى جعفر المنصور. وقالوا: إن أبا جعفر المنصور هو الله، وهو العالم بكل شىء، ويعلم سرهم ونجواهم، ويحيى ويميت، وهو الذى يطعمهم ويسقيهم، واعتقدوا فى التناسخ. ولما بلغ المنصور قولهم أخذ جماعة منهم، فاعترفوا، فاستتابهم فلم يرجعوا، وقالوا: المنصور ربنا، فإذا شاء أحيانا، وإذا شاء قتلنا شهداء، وله أن يفعل ما يشاء بخلقه، ولا يُسأل عما يفعل. وخرجت جماعة منهم يطوفون بقصره، ويهتفون: أنت .. أنت .. ؛ أى: أنت الله، فكلف المنصور معن بن زائدة الشيبانى فخرج إليهم بعسكره وقتلهم، إلا أنه لم يستطع أن يقضى عليهم قضاءً تامًّا، إذ خرجوا بعد ذلك فى صورة ثورات مختلفة، مثل: ثورة المقنع الخراسانى وبابك الخرمى.

*الاتحاد والترقى

*الاتحاد والترقى الاتحاد والترقى أول حزب سياسى ظهر فى الدولة العثمانية عام (1308 هـ)، وكان فى الأصل جمعية سرية أنشأها بعض أعضاء جمعية تركيا الفتاة، وكانت أهدافهم المعلنة هي: إطلاق الحريات، وإقامة حياة نيابية، وإعلان الدستور، أمَّا الأهداف الخفية فهي: السعى للوصول إلى السلطة، وإسقاط الخلافة العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى، وتفتيت وحدته، والسيطرة عليه، وفتح الطريق أمام اليهود لإقامة دولة لهم فى فلسطين، ثم تمتد من النيل إلى الفرات. وكان معظم أعضاء هذه الجمعية منضمين إلى الجمعيات الماسونية، وكانوا خليطًا من أجناس وأديان وقوميَّات مختلفة، ولكن أغلبهم كانوا من الأتراك العثمانيين، وكان ضباط الجيش التركى هم أبرز العناصر فى جمعية الاتحاد والترقي. وقد أصبح هذا التنظيم السرى حزبًا علنيًّا فى سنة (1327 هـ) بعد نجاحه فى الإطاحة بالسلطان العثمانى عبد الحميد الثانى، وأصبح هذا الحزب هو صاحب السلطة الحقيقية فى الدولة العثمانية فى الفترة من سنة (1326 هـ) إلى سنة (1337هـ). وبعزل السلطان عبد الحميد لم تعد للخلافة سيطرة على الدولة الإسلامية، فقد جاء من بعده سلاطين مستضعفون، وقعوا تحت سيطرة جمعية الاتحاد والترقي التى يقف من ورائها اليهود وكانت هذه الجمعية موضع شبهات منذ وقت مبكر. وقد استغل اليهود هذه الجمعية، ووفروا لها كل الإمكانات المادية، وكانت لهم الحظوة والمكانة فى الوزارات التى شكلتها، وكانت هذه الجمعية تعمل - بتوجيه من العناصر اليهودية - على إزالة كثير من القيود التى تقف فى وجه استيطانهم فى فلسطين، وكانت سياسة الاتحاد والترقى بعد أن أمسك أعضاؤه بزمام السلطة فى تركيا عنصرية متطرفة، فنادوا بتفوق العنصر التركى، وبضرورة سيادته على العناصر الأخرى، وبخاصة العنصر العربى. وقد أدت سياستهم هذه - فى النهاية - إلى سقوط الخلافة العثمانية، وتمزيق العالم الإسلامى،

وضياع ثرواته، ووقوعه فى قبضة الاحتلال، واغتصاب فلسطين ، ثم إقامة دولة يهودية على أرضها.

*الأقباط

*الأقباط لقب اختص به المسيحيون المصريون، دون سائر المسيحيين فى العالم أجمع حتَّى صار علمًا عليهم، وهى كلمة ذات مدلول تاريخى بعيد، فكلمة قبطي مأخوذة من اللفظة الإغريقية أيغوبتي أو من اللفظة الرومانية أغيبتي، وتعنى المصرى، ولفظة الأقباط كانت تطلق على المصريين جميعًا، ولا تخص المسيحيين وحدهم، وقد كان إطلاق هذا اللفظ على المصريين سابقًا على دخول المسيحية مصر، فلما دخلت المسيحية إليها فى القرن الأول الميلادى دخل الأقباط فيها، ولما دخل الإسلام مصر فى القرن السابع الميلادى دخل فيه الأقباط كذلك. وطوال القرون الأولى للميلاد كان للأقباط المسيحيين أثر فى مجال الفكر والثقافة فى عالم المسيحية آنذاك، وفى ظل الإسلام شارك الأقباط المسيحيون المسلمين فى صنع حضارة راقية على أرض مصر، ونعموا معًا بالحرية والأمن. وفى عهد الفاطميين حظى المسيحيون بمكانة بارزة، فأصبحت لهم الوزارة والمشورة، وتزوَّج الخلفاء منهم. ولم يشعر الأقباط المسيحيون فى مصر بأى تغيير فى سياسة الدولة الإسلامية تجاههم خلال الغزو الصليبى لبلاد الشام ومصر. وبلغ من عمق الصلة والتآلف بين الأقباط المسيحيين والمسلمين آنذاك أن رجال الدين المسيحى كانوا يحتكمون - فى بعض خلافاتهم - إلى ملوك الأيوبيين، كما حدث فى عهد الملك الكامل، عندما سألوه حلَّ النزاع بينهم حول اختيار بطريرك الإسكندرية. ومما يلفت النظر أن الرهبان والراهبات فى أديرة مصر قد تمتعوا بالإعفاء التام من الضرائب، وجميع الالتزامات المالية، كما سمح لهم بتلقى الهدايا والنذور والصدقات التى تأتيهم من الخارج دون فرض أية ضريبة عليها.

*الوهابية

*الوهابية هى إحدى الحركات الإصلاحية الرائدة التى ظهرت إبان عهود التخلف والجمود الفكرى فى العالم الإسلامى. وتنسب الوهابية إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب. وهى تدعو إلى العودة بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها الصافية، وتنقية مفهوم التوحيد مما علق به من مظاهر الشرك. وقد دعت الحركة الوهابية إلى فتح باب الاجتهاد، بعد أن ظلَّ مغلقًا منذ سقوط بغداد فى أواسط القرن السابع الهجرى، كما أكدت ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة، باعتبارهما المصدر الأول للتشريع، وعدم قبول أى أمر فى العقيدة ما لم يستند إلى دليل واضح ومباشر منهما، واعتمدت منهج أهل السنة والجماعة فى فهم الدليل والبناء عليه، وطالبت المسلمين بالعودة إلى ما كان عليه السلف الصالح فى صدر الإسلام من نقاء العقيدة وسلامتها.

*الإباضية

*الإباضية إحدى الفرق الإسلامية التى ظهرت فى أواخر عصر دولة بنى أميَّة، أيام حكم مروان بن محمد الثانى آخر خلفاء الدولة الأموية. وتجمَّع لها أنصار من حَضْرَمَوْتَ من بلاد اليمن، فهاجموا مكة والمدينة، فأرسل إليهم الخليفة جيشًا؛ فهزمهم بعد قتالٍ شديد، ثم انتقلت هذه الفرقة إلى عمَان بقيادة الجُلُندِى بن مسعود، وظلت تمارس نشاطها هناك حتى قضى عليها العباسيون سنة (134 هـ)، ثم انتشرت الإباضية فى شمال إفريقيا فى أواسط البربر فى طرابلس وتونس، ثم انتشرت فى تاهرت بالجزائر، بزعامة الأسرة الرستمية، وظلت مسيطرة عليها نحو (13) عامًا، حتى قضى عليها الفاطميون سنة (296 هـ). ولا تزال الإباضية قائمة، حتى اليوم، فى كلًّ من الجزائر، وليبيا، وتونس، وتنزانيا، وعمان. وهم يعيشون على نظام ثابت وتقاليد عريقة، فلا يحتكمون إلى محاكم الدولة، وإنما يشكلون فى كلَّ بلدةٍ مجلسًا يسَمَّى مجلس العزابة. وعقيدة الإباضية تتفق مع أهل السنة فى الكثير من المسائل، ولا تختلف إلاَّ فى القليل منها، وهم يعتمدون على القرآن والسنة والرأى كمصادر للتشريع.

*الصفرية

*الصفرية فرقة من الخوارج تنسب إلى زياد بن الأصفر، ذاع صيتها فى خلافة يزيد ابن معاوية وولاية عبيد الله بن زياد على العراق، وقد خالف المنتسبون إليها الأزارقة والنجدات، والإباضية فى أمور كثيرة، منها: أنهم لم يكفروا القعدة عن القتال، إذا كانوا موافقين لهم فى الاعتقاد، ولم يسقطوا حدَ الرجم، ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم بأنهم سيخلدون فى النار. وقالوا: التقية جائزة فى القول دون العمل، وإن مرتكب الجرائم التى يقع عليها الحد كالزنا والسرقة والقذف لا يكون كافرًا، وإنما يُسمَّى زانيًا أو سارقًا أو قاذفًا. أما ما كان من الكبائر مما ليس فيه حد لعظم جرمه مثل: ترك الصلاة، والفرار من الزحف، فإن مرتكبه يعدُّ كافرًا.

*أهل الذمة

*أهل الذمة هو اصطلاح عرفه الفقه الإسلامى، ويطلق على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين يقيمون فى ديار الإسلام، ويتمتعون بالحرية والحماية والأمن مقابل دفعهم الجزية، وهذه الجزية لا تجب على الصبى ولا المرأة ولا المجنون، كما أنه لا يجوز تحصيل تلك الجزية قبل أوانها، كما أنها لا تجب إِلا مرَّة واحدة فى العام. وقد ترك الإسلام لأهل الذمة حرية تنظيم شؤونهم الداخلية بالكيفية التى تلائمهم، كما ساوى بين أهل الذمة الذين يدفعون الجزية وبين المسلمين الذين يدفعون الزكاة، فى الحقوق والواجبات، والحماية والأمان، علاوة على الانتفاع بالمرافق العامة للدولة الإسلامية. كما حرص الإسلام على إقامة علاقات مودة وتسامح مع أهل الذمة، مثل حضه على عيادة مرضاهم، وتبادل الأطعمة معهم، وحسن جوارهم، وإطلاق حريتهم فى ممارسة شعائر عقيدتهم.

*السنوسية

*السنوسية حركة إصلاحية إسلامية تنسب إلى مؤسسها محمد بن على السنوسي، وهى إحدى التيارات الإصلاحية التى نشطت فى أنحاء متعددة من العالم الإسلامى منذ منتصف القرن الثالث عشرالهجرى؛ للقضاء على البدع والخرافات التى شابت عقيدة بعض المسلمين، والعودة إلى أصول الإسلام الصحيحة. وتضمنت الدعوة السنوسية النهى عن حياة الترف، وعن المبالغة فى كنز الذهب، وعن الإسراف فى اقتناء الجواهر إلا من حلى النساء، كما حرَّمت التدخين، وشرب القهوة، وحثت على اتباع قواعد الدين فى أنقى صوره وأبسط مظاهره، كما أنزله الله - تعالى - على رسوله صلى الله عليه وسلم، والرجوع إلى نبع الإسلام الصافى، متمثلا فى القرآن الكريم والسنة النبوية. وكان للسنوسى الكبير دعاء يردده، على نحو الأدعية المعروفة بين الطوائف الصوفية، وليس فيه ما يناقض تعاليم أئمة الفقه الإسلامى، ولا يخرج عن إطار ما نزل به القرآن الكريم.

*السنة (مذهب)

*السنة (مذهب) السُّنَّة -عند الفقهاء- هى كل مايقابل الواجب من العبادات، وقد تطلق على مايقابل البدعة. ويُعَرفُ الأصوليون السنة بأنها: أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته، وصفاته. وتنقسم السنة عند الجمهور - من حيث عدد رواتها - إلى: سنة متواترة، وهى كل خبر بلغ رواته فى الكثرة مبلغًا يستحيل معه اتفاقهم على الكذب، وسنة الآحاد، وهى ما كان رواتها ثلاثة فأقل فى كل طبقة (جيل). كما تنقسم السنة - من حيث درجتها- إلى سنة صحيحة، وسنة حسنة، وسنة ضعيفة، وهناك ما وضع على الرسول صلى الله عليه وسلم وأطلق عليه الموضوعات. والسنة، هى المصدر الثانى فى التشريع الإسلامى بعد القرآن الكريم، ومن ثم فإنها تنقسم - من حيث العمل بها- إلى قسمين: 1 - سُنةّ أخذها هدى، وتركها ضلالة: مثل صلاة العيدين، والأذان، والإقامة، وصلاة الجماعة. 2 - سُنةّ أخذها حسن وتركها لابأس به: مثل طريقة قيام النبى - صلى الله عليه وسلم - وقعوده، وملبسه - صلى الله عليه وسلم -وغير ذلك. وهى بذلك بمعنى المندوب إذ هو: ما طَلَبَ الشارع فعله من غير إلزام، ولا ذم على تركه.

*الشيعة

*الشيعة هم شيعة على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وأهل بيته، وقد نادوا بأحقية على بالإمامة، واعتقدوا أن الإمامة لاتخرج عن أولاده، فالإمامة - فى نظرهم- ليست قضية مصلحية يناط اختيارها بجمهور المسلمين، بل هى قضية أصولية من صميم العقيدة؛ ولذا فالإمام هو محور عقيدة الشيعة. وقد ظهرت فكرة الشيعة - فى أول أمرها - اثر وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، فرأى جماعة من الصحابة أن أهل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم - هم أولى الناس بخلافته، فالدعوة فى نظر هؤلاء ميراث أدبى، وفى مقدمة أهل النبى - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه على؛ فهم يرون أن أحقيته فى الخلافة قائمة على التعيين لا الانتخاب، ويرون أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلىًّ من بعده، وبالتالى أوصى علىٌّ لمن بعده، وأن كلَّ إمام وصى، والوصى معصوم من الخطأ، فهو عندهم نائب صاحب الشريعة، له علم الظاهر والباطن، وله حق التشريع، ولايقف عند حدَّ التفسير والاجتهاد. وتنقسم الشيعة أقسامًا وفرقًا عديدة، ولكنهم جميعًا يتفقون على إمامة على، كرم الله وجهه، ومن بعده الحسن، والحسين، رضى الله عنهما، ولكنهم اختلفوا فى الإمامة بعد استشهاد الحسين. وتتضمن عقيدة الشيعة قضايا عديدة، منها: الوصى والوصاية والعصمة والغيبة الصغرى والكبرى ووظهورالإمام المنتظر الذى بملأ الأرض عدلا.

*التوابون

*التوابون حزب شيعى نهض للأخذ بثأر الحسين بن على وآله، رضى الله عنهم، بعد مقتله؛ نتيجة تخلى أهل الكوفة عنه؛ فعلى الرغم من أن خروجه إليهم كان بدعوة منهم فإنهم خذلوه وتركوه يلقى حتفه على يد عبيد الله بن زياد فى كربلاء، من بعد تعهدهم بنصرته ووعودهم الخادعة البراقة بالوقوف فى صَفّه. وعندما شعر أهل الكوفة بما ارتكبوه فى حق حفيد النبى - صلى الله عليه وسلم - ندموا على فعلتهم، ولاموا أنفسهم، وعزموا على الثأر لقتله والقصاص من قاتليه، وصاحوا عند قبر الحسين طالبين التوبة والمغفرة من الله، وسموا أنفسهم التوابين. وقد تزعم هذه الحركة سليمان بن صرد الخزاعى، وهو صحابى، وقضى حزب التوابين الفترة من سنة (61هـ) إلى سنة (64هـ) فى الاستعداد للقتال، وجمع السلاح، واستمالة الناس، ثم خرجوا لقتال الجيش الأموى القادم من الشام بقيادة عبيد الله بن زياد، والتقى الطرفان عند عين الوردة، وسرعان ماانتهت المعركة بعد مصرع سليمان بن صرد وكثير من أعوانه.

*الأنصار

*الأنصار لقب اشتهر به المسلمون من أهل المدينة من الأوس والخزرج الذين آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ونصروه، وآزروا دعوته. وقد كان لإيمان السبعة الأوائل من الأنصار الذين التقوا برسول الله (أول مَرة فى موسم الحج، أكبر الأثر فى انتشار الإسلام فى المدينة؛ مما هيأ للمؤمنين المضطهدين فى مكة أن يجدوا فى المدينة ملاذًا يلجئون إليه، ووجد فيها النبى - صلى الله عليه وسلم - ملجأ آمنًا يقيم فيه دولته، وينشر منه دعوته، ويمكن أصحابه من الحفاظ على عقيدتهم ضد الشرك والمشركين. وكان للأنصار فضل كبير فى نصرة الإسلام، وخاضوا عديدًا من الغزوات ضد المشركين أهمها غزوة بدر، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - شديد الحب للأنصار، يدعو لهم، ويوصى بهم خيرًا؛ لما بذلوه فى نصرة الدعوة، ومواساتهم إخوانهم المهاجرين.

*البوذية

*البوذية ديانة وضعية، تنسب إلى سدهارتاجوتاما الملقب ببوذا، وتعنى العَالِم، مؤسسها فى القرن السابع قبل الميلاد فى شبه القارة الهندية، وينتمى بوذا إلى قبيلة ساكيا التى كانت تقيم فيما يعرف اليوم بمملكة نيبال وكان أبوه حاكمًا لهذه المنطقة، فشب بوذا مترفًا، ولما بلغ السادسة والعشرين انصرف إلى حياة الزهد والتقشف، وهجر زوجته، وقضى أكثر من أربعين سنة، يُعَلمُ النَّاسَ، ويتجول حتى قامت البوذية. وكانت البوذية - فى بدايتها - متوجهة إلى العناية بالإنسان، وتخليصه من آلامه التى سببتها له الشهوات، كما أنها كانت تدعو إلى التصوف والخشونة، ونبذ الترف، وتنادى بالمحبة والمساواة إلا أنها تحولت إلى طقوس وثنية بعد موت مؤسسها، فانقسمت إلى مذهبين: مذهب هينايانا ومذهب مهايانا. وكان لاعتناق آسوكا - ملك الهند- البوذية وتحمسه لنشرها أثر كبير فى نشرها فى سيلان والصين وكثير من بلاد آسيا. وفى العصر الحديث انتشرت البوذية فى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوربية، ويقدر عدد البوذيين فى العالم حاليًّا بأكثر من ثلاثمائة مليون بوذى، يدينون بهذه الفلسلفة المادية الإلحادية.

*القرامطة

*القرامطة حركة باطنية هدَّامه، ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والإباحية، وهدم الأخلاق، والقضاء على الدولة الإسلامية، وأساس معتقدهم ترك العبادات واستباحة المحظورات، وإقامة مجتمع على الإباحية ومشاعية فى النساء والمال. وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذى نشرها فى الكوفة سنة (278هـ)، وقد دامت هذه الحركة قرابة قرن من الزمان، بدأت من جنوبى فارس، وانتقلت إلى الكوفة، وامتدت إلى الأحساء، والبحرين، والبصرة، واليمامة، وسيطرت على مساحة واسعة من جنوبى الجزيرة العربية واليمن وعمان وخراسان. وقد دخل أهل هذه الحركة مكة واستباحوها، وخلعوا باب البيت الحرام، واقتلعوا الحجر الأسود، وسرقوه ونقلوه إلى الأحساء، وظل الحجر هناك عشرين سنة حتى عام (339هـ). وقد اتجهت جيوشهم إلى مصر، وعسكرت فى منطقة عين شمس قرب القاهرة، ثم انحسر سلطان القرامطة، وزالت دولتهم، وسقط آخر معاقلهم فى الأحساء والبحرين.

*النصرانية

*النصرانية النصرانية هى الديانة المسيحية التى أنزلت على عيسى، عليه السلام، مكملة لرسالة موسى، عليه السلام، متممة لما جاء فى التوراة من تعاليم، وقد نزلت النصرانية على بنى إسرائيل داعية إلى التهذيب الوجدانى، والرقى النفسى والعاطفى، ولكنها سرعان مافقدت أصولها؛ مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيرًا عن صورتها السماوية الأولى، وامتزجت بمعتقدات وفلسفات وضعية. وتنتشر النصرانية اليوم فى معظم بقاع العالم، وقد ساعد على ذلك الاستعمار وحركات التنصير التى تدعمها مؤسسات عالمية ضخمة ذات إمكانات هائلة. ومن أهم المذاهب فى النصرانية: الكاثوليكية، وتنتشر بشكل كبير فى ايطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والدانمارك، والبروتستانتية، وتنتشر فى ألمانيا وإنجلترا، والأرثوذكسية الشرقية، وتنتشر فى روسيا والبلقان واليونان، ومقرها الأصلى فى القسطنطينية، ويتبعها عدد من الكنائس الشرقية المستقلة.

*الإمامية

*الإمامية إحدى فرق الشيعة، وهم الذين نادوا بإمامة اثنى عشر إمامًا من آل البيت يسمون الاثنى عشرية والموسوية. والأئمة عندهم: على والحسن والحسين وعلى زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم. وبعد وفاة جعفر، انقسم أتباعه فاستمرت الإسماعيلية أو السبعية على إمامة إسماعيل الابن الأكبر لجعفر وكان قد مات فى حياة أبيه، وأعلنت الموسوية الولاء لموسى الذى أوصى له والده بالإمامة، ثم من بعده على الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه على الهادى، ثم ابنه الحسن العسكرى، وهو الإمام الحادى عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثانى عشر. وقد مات محمد سنة (265هـ)، ولم يكن له ولد، فوقف تسلسل الأئمة، ويزعم الإمامية أنه دخل سردابًا فى سامراء فلم يمت، وأنه سيرجع مرة أخرى، وهو المهدى المنتظر. وهذه الطائفة منتشرة فى إيران والعراق وسوريا ولبنان، ومنهم جماعات متفرقة فى شتى أنحاء العالم.

*اليهودية

*اليهودية أقدم الرسالات السماوية الثلاث، وهى مجموعة من الشرائع والآثار والعقائد التى وردت فى العهد القديم وفىالتلمود الذى أعاد جمع ماجاء فى العهد القديم، وصلتها بالمسيحية واضحة فالمسيح - عليه السلام - كان من أصل يهودى. ولم تسلم اليهودية من الاضطراب والتأويل تبعًا لاضطراب اليهود أنفسهم، وقد دفعهم ذلك إلى التمسك بها، وتقوم اليهودية على توحيد الخالق، وتنزيهه عن الحوادث، وأنه تعالى قد جعل شعب إسرائيل من نسل إبراهيم، عليه السلام؛ ليكون شعب الله المختار، وأنه قد أنزل التوراة على موسى، عليه السلام؛ ليقود هذا الشعب على ضوء تعاليمها 0 واحتفظ اليهود - منذ القدم- بصفاء جنسهم، وتوارثوا تعاليمهم، ولكنهم لم يقوموا بعمل تبشيرى يذكرعلى الرغم من اعتقادهم بتميزهم، وأن العالم سيطهر على أيديهم. ومن أهم تعاليمهم: الختان للذكور، وتحريم كل ما يمس الخنزير من طعام أو شراب. وقد تعلق اليهود - منذ القدم كذلك- بأمل كبير هو أنهم سيعودون إلى أرض كنعان الموعودة. وقد انقسمت اليهودية - عبر العصور- إلى فرق عديدة (قديمًا وحديثًا)، منها: الأسينيون والصدوقيون والفريسيون، وأعظم انقسام حدث بينهم هو ذلك الذى حدث فى القرن الثامن عشر، بعد حركة الإصلاح الدينى التى قام بها موسى مندلسون فى ألمانيا، وهدف من ورائها إلى التحرر من بعض المحرمات القديمة، وإباحة الخنزير، وعدم تقديس السبت، والتخفف من كثير من الطقوس، واستعمال اللغة الدارجة فى المراسيم الدينية، بدلا من العبرية، وعدم الصلاة على الموتى. فأخذ بهذا كثير من يهود ألمانيا وأمريكا، وعارضه اليهود الأرثوذكس.

*الحشاشون

*الحشاشون إحدى طوائف الشيعة الإسماعيلية. اشتق اسمها من الحشيش، وهو عبارة عن عصارة مخدرة تستخرج من نبات القنب الهندى الذى كانوا يتعاطونه لإشاعة روح الاستسلام والانقياد لزعمائهم الذين يحرضونهم على القتل والاغتيال للتخلص من أعدائهم. ويرجع تأسيس هذه الطائفة إلى الحسن الصباح الذى أنشأها كرابطة سرية ذات أهداف سياسية، ثم استولى على قلعة ألموت عام (483هـ)، وتابع خلفاؤه هذه السياسة بالاستيلاء على عدَّة مواقع جبلية حصينة، تقع بين الشام وإيران، ودام سلطان هذه الجماعة نحو قرنين من الزمان. وقد حاول الخلفاء العباسيون القضاء على هذه الطائفة، وبدأت هذه الطائفة تحتضر باستيلاء هولاكو على قلعة ألموت عام (654هـ) حتى قضى السلطان الظاهر بيبرس على نفوذها تمامًا فى الشام عام (671هـ)، وبذلك انتهى أمرها كقوة سياسية لعبت دورًا مؤثرًا فى تاريخ المسلمين.

*الإسماعيلية

*الإسماعيلية فرقة باطنية تنسب إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، وتقوم على التشيع لآل البيت، وقد نشأت فى العراق، ثم انتقلت إلى فارس وخراسان وبلاد ماوراء النهر، مثل: الهند والتركستان، فخالطت مذهبَهم آراء من عقائد الفرس القديمة، والأفكار الهندية، واندس بينهم أصحاب الأهواء، فشطوا فى غلوهم، وعملوا على انحرافهم بما انتحلوا من أفكار ومعتقدات بعيدة عن الكتاب والسنَّة، وتسللت إليهم فلسفات وعقائد كثيرة أثرت فيهم، وأبعدتهم عن الإسلام الصحيح. وللإسماعيلية أفكارهم ومعتقداتهم الخاصة بهم، وهى تدور حول شخصية الإمام، وتجعله محور دعوتهم، فلابد - عندهم- من وجود إمام معصوم، منصوص عليه، من نسل محمد بن إسماعيل، على أن يكون الابن الأكبر، ويجعلون للإمام بعض صفات الله تعالى، ويخصونه بعلم الباطن، ويدفعون له خُمس مايكسبون، كما يؤمنون بالتقية والسرية، ويطبقونهما فى الفترات التى تشتد عليهم فيها الأحداث، ويعتقدون فى التناسخ، والإمام عندهم وارث الأنبياء جميعًا، ووارث لكلّ من سبقه من الأئمة.

*الخوارج

*الخوارج فرقة سياسية إسلامية، ظهرت فى أواخر عصر الخلفاء الراشدين، فى عهد على بن ابى طالب، فى موقعة صفين، وكان سبب خلافهم مع على - رضى الله عنه- أن بيعته كانت صحيحة من وجهة نظرهم، باتفاق مجموع الأمة، فما كان له أن يلجأ إلى التحكيم بينه وبين معاوية، ورأوا أنه كان عليه أن يقاتل معاوية قتال المؤمن بحقه، وعابوا عليه أنه احتكم إلى الرجال، ولم يحتكم إلى القرآن الكريم، وزعموا أنه أثار بذلك فتنة بين المسلمين. وقد انبثقت عن هذه الفرقة - على مر الزمن - عدة فرق، بلغت اثنتين وعشرين فرقة، منها: الأزارقة،، والنجدات وغيرهما. وكان الخوارج - لاسيما فى الفترة الأولى من نشأتهم - متفقين على مسائل، أهمها: أن الخلافة حق لكل مسلم مادام مؤهلا لها، وهم فى ذلك يخالفون الشيعة الذين يرون أن الخليفة لابد أن يكون من آل البيت، كما يخالفون بنى أمية الذين قصروا الخلافة على قريش، كما اتفقوا على خروجهم على السلطان الجائر، وعلى تكفير مرتكب الكبائر، إذ إن الاعتقاد بالله ونبيه دون العمل بتعاليم الإسلام لايختلف - فى رأيهم - عن الكفر.

*الصحابة

*الصحابة الصحابة جمع صحابى، وهو من لقى النبى - صلى الله عليه وسلم - مؤمنًا، ومات على الإسلام، ويطلق عليه أيضًا الصاحب. وللصحابة منزلة عظيمة عند المسلمين، ولهم مكانة عالية فى تقدير أهل السنة؛ فعن طريقهم وصلت أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى من جاء بعدهم، وقد بدأت العناية بجمع أسماء الصحابة ثم العناية بسيرهم نتيجة العناية بالسيرة النبوية، التى تشتمل على أخبار المغازى، كما تشمل أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، التى هى موضوع السنَّة؛ باعتبارها المصدر الثانى للتشريع، فالعناية بها مهدت للعناية برواة السيرة الذين هم صجابة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ثم تابعيهم، وتابعى تابعيهم. وقد وضعت مؤلفات موسوعية اشتملت على أسماء المحدثين وأنسابهم وتراجمهم، بدءًا من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعد كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد أقدم المصادر فى تراجم الصحابة وأهمها، وكذلك كتاب الاستيعاب فى معرفة الأصحاب لابن عبد البر، وكتاب أسد الغابة فى معرفة الصحابة لابن حجر العسقلانى، وغيرها من الكتب. ويقدر بعض المؤرخين عدد الذين دخلوا فى الإسلام، ورأوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى وفاته فى العام الحادى عشر من الهجرة - بنحو (144) ألف صحابى.

*العلمانية

*العلمانية العلمانية هى ترجمة لكلمة فرنسية تعنى لادينية، وهى نزعة أو اتجاه اعتنقه جماعة فى أوربا، فى مقابل ماكان سائدًا فيها فى العصور المظلمة، التى تسلط فيها رجال الدين وسيطروا على أنشطة الحياة فى كل الميادين؛ مما تسبب فى الجمود الفكرى والتخلف الحضارى، فى الوقت الذى حقق فيه المسلمون أعظم الإنجازات، وبلغوا من أسباب الرقى والمجد ما سادوا به العالم فى كلّ المجالات. وكان معتنقو هذا المذهب - فى أول الأمر- قد وقفوا من الدين موقف عدم المبالاة، وتركوا سلطانه ينحصر فى دائرة خاصة، واكتفوا بفصله عن الدولة. وفى القرن التاسع عشر كانت المواجهة العنيفة بين العلمانية والدين، بعد أن سيطرت الأفكار المادية على نفوس كثير ممن فُتنوا بالعلم التجريبى، إلى حدّ إنكار الألوهية، ورفض الأديان، ورد ماجاءت به من مبادئ، واتهموها بتهم كثيرة كردّ فعل للمعاناة التى عاشوها فى ظلّ سيطرة رجال الدين فى زمن التخلف الذى نسبوه إلى الدين.

*المورسكيون

*المورسكيون جمع مفرده: «المورسكى» وهى تصغير لكلمة «الموروه» والمقصود بها أفراد الشعب المسلم الذى ظل موجودًا بإسبانيا يخضع لحكم الملكين الكاثوليكيين بعد سقوط غرناطة فى أيديهما. وقد نظمت معاهدة التسليم حقوق وواجبات هؤلاء، لكن بنود هذه المعاهدة سقطت واحدًا وراء الآخر، وأريد لهم أن يكونوا نصارى شاءوا أم أبوا، وتم فى سبيل ذلك اللجوء إلى كل ألوان الأساليب وأشدها قسوة وعنفًا مع استخدام الأمانى أحيانًا. وقد أبت غالبية المسلمين أن تفرض عليهم عقيدة لم يؤمنوا بها فاصطدموا بالسلطات المسئولة دينية ومدنية، واستخدمت محاكم التفتيش معهم كل حيلها من اعتقال وتشريد ومصادرة وتحريق، كما جوبهت ثوراتهم على الظلم بكل قسوة وعنف، ولم يفت المسئولون استخدام وسائل التبشير والإغراء، وظل المسلمون على موقفهم وواصلوا ممارسة شعائرهم الإسلامية فى العلن حينًا وفى السر أحيانًا، وبلغ الضيق برجال الكنيسة ورجال الحكم مداه، وبعد مناقشات مستفيضة تقرر طرد المورسكيين من كل إسبانيا، وتم ذلك بالفعل فى الفترة من (1609 - 1614م)، حدث ذلك دون مراعاة لمشاعر هذه الشريحة من المجتمع الإسبانى، على الرغم مما كان لها من دور متميز فى خدمة الزراعة والاقتصاد بمختلف بلدان شبه الجزيرة.

*القادرية

*القادرية هى طريقة من الطرق الصوفية. تنسب إلى شيخها عبد القادر الجيلانى، المتوفَّى سنة (561 هـ). وللدخول فى هذه الطريقة على المريد أن يرتدى الخرقة من يدى شيخه، ويعلن أن إرادته أصبحت تبعًا لإرادة شيخه، ثم يدخل خلوة أربعين يومًا، يصوم النهار ويقوم الليل، وعليه أن يقلل من طعامه تديجيًّا طوال الأربعين يومًا، إلى أن يصل إلى الانقطاع التام عن الطعام طوال الأيام الثلاثة الأخيرة، وبعد ذلك يعود إلى وجباته المعهودة من قبل تدريجيًّا. ودخلت الطريقة القادرية مكة فى حياة عبد القادر الجيلانى، ودخلت آسيا الصغرى والقسطنطينية على يد إسماعيل رومى المتوفَّى سنة (1041 هـ)، ودخلت فاس سنة (1104 هـ)، ثم دخلت مصر، وانتشرت فيها، خاصة بين فئات صيادى الأسماك. وانتشرت الطريقة انتشارًا كبيرًا فى العصر الحديث، وربما كان ذلك بسبب ما فعله أتباعها من مقاومة الاحتلال الفرنسى فى شمال إفريقيا لعدة سنوات. وتجرى فى الهند الاحتفالات بذكرى عبد القادر الجيلانى يوم (11 من ربيع الثانى) من كل عام، وفى سالى تقدم الهدايا من الخراف والثيران لأحفاد عبد القادر الجيلانى، وفى مصر يخرج أتباع هذه الطريقة فى مواكبهم الدينية رافعين شبكات صيد مختلفة الألوان على أعمدة.

*النجدات

*النجدات إحدى فرق الخوارج، وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفى الذى اجتمع هو ونافع بن الأزرق بمكة مع الخوارج على ابن الزبير، ثم تفرقا عنه، واختلف نافع ونجدة، فصار نافع إلى البصرة، ونجدة إلى اليمامة، وعظم أمره؛ فاستولى على اليمامة والبحرين سنة (66 هـ). وقيل للنجدات: العاذرية؛ لأنهم عذروا بالجهالات فى أحكام الفروع؛ وذلك أنهم قالوا: الدين أمران؛ أحدهما: معرفة الله ورسله، عليهم السلام، وتحريم دماء المسلمين وأموالهم، وتحريم الغصب، والإقرار بما جاء من عند الله جملة، فهذا واجب، وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجة فى جميع الحلال، فمن استحلَّ شيئًا عن طريق الاجتهاد مما قد يكون محرمًا فهو معذور بجهالته. وقالوا: لاندرى لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم، فإن فعل فإنما يعذبهم فى غير النار بقدر ذنوبهم، ولا يخلدهم فى العذاب، ثم يدخلهم الجنة. وزعموا أن من كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو مشرك، ولم يكفروا من يرتكب كبيرة من الكبائر منهم، فى حين كفروا مَنْ يرتكبها من غيرهم. وافترقت النجدات إلى: عطوية وهم أتباع عطية بن الأسود الحنفى، وفديكية، وهم أتباع أبى فديك؛ فصاروا ثلاث فرق: النجدية، والعطوية والفديكية.

ملحق: الحضارة والنظم

*الخلافة هى نظام حكم إسلامى، بدأه المسلمون بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، يقوم على الشورى؛ لاختيار الخليفة أو الحاكم الذى له حق الولاية العامة على شئون المسلمين فى أمور الدين والدنيا. وقد أُطلق لقب الخليفة على كل من تولَّى هذا المنصب، كذلك أطلق عليه لقبى أمير المؤمنين والإمام. وكانت الخلافة فى عهد الخلفاء الراشدين تقوم على الشورى، ثم أصبحت تنحصر فى أهل بيت واحد؛ حيث كان الخليفة يأخذ البيعة لولى عهده، وكان ذلك فى عصور الأمويين والعباسيين والفاطميين. واستمرت الخلافة رمزًا لوحدة الأمة الإسلامية عدة قرون، ثم تعددت، فظهرت الخلافة الفاطمية سنة (297هـ) فى مصر والشام والحجاز، والخلافة الأموية فى الأندلس سنة (300هـ)، وازداد هذا التعدد بعد سقوط الخلافة العباسية سنة (656هـ). وظلت هكذا حتى سقوطها فى العصر الحديث على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة (1924م)، حين ألغى الخلافة العثمانية.

*دار صناعة السفن

*دار صناعة السفن دار الصناعة: مصطلح فى التاريخ الإسلامى، يُقصَد به ما يُعرَف اليوم بأحواض بناء السفن أو الترسانة. وبدأ إنشاء دور الصناعة الإسلامية منذ القرن الأول الهجرى؛ فبعد أن فتح المسلمون الشام ومصر وشمال إفريقيا، وصار الجهاد البحرى ضد البيزنطيين ضرورة لابد منها، اتخذ عثمان بن عفان - رضى الله عنه - سياسة بحرية دفاعية وهجومية فى آنٍ واحد، وتحتَّم على المسلمين أن ينشئوا الأساطيل فأقاموا دورًا لصناعة السفن. وأقدم دار أقامها المسلمون هى التى أمر بإنشائها الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان فى تونس، ثم تتابع بناء عدد من دور الصناعة فى بعض موانئ البحر الأبيض المتوسط. ولما اتصل الأوربيون بالعرب عن طريق الأندلس فى الغرب، والحروب الصليبية فى الشرق، تأثروا بمدنيتهم؛ فاقتبسوا منهم ذلك الاسم؛ فأطلق الإسبان على دار الصناعة: دار سانة وترسانة، وأطلق عليها الفرنسيون والإنجليز أرسينال كما اقتبس الأتراك ذلك الاسم، وأطلقوا على دار الصناعة ترسخانة.

*جامع القرويين

*جامع القرويين أشهر جوامع المغرب، لاسيما أنه استخدم كجامعة إسلامية مثل الأزهر، وقد أنشاته السيدة فاطمة القروية سنة (245هـ)؛ ليكون محرابًا للعلم، وظل كذلك لمدة (11) قرنًا، وهو بذلك أقدم جامعة إسلامية. وكان التعليم فيه حرًّا يختاره الطلاب والأساتذة حتى سنة (1789م)، عندما أصدر السلطان محمد الثالث مرسومًا بتحديد مواد الدراسة والكتب، وفى سنة (1931 م) صدر مرسوم آخر يقسم التعليم فى جامع القرويين إلى ثلاث مراحل. وقد أضيف إلى الجامع معهد للفتيات. ولم تقتصر الدراسة فى القرويين على العلوم الشرعية واللغوية، بل كان يدرس فيه الفلسفة والطب والهندسة. وبعد استقلال المغرب أصبح الجامع جامعة، بها ثلاث كليات. وقد كان للجامع مكتبة شهيرة تحوى نوادر المخطوطات، لكنها ضاعت، ولم يتبقَ منها إلا (1613) مخطوطًا. وكان عرض الجامع عند إنشائه (30) مترًا، ثم أدخلت عليه عدة توسعات خاصة سنة (538هـ) فى عهد المرابطين. ويقسم صحن جامع القرويين على نمط صحن السباع بقصر الحمراء بغرناطة.

*الجامعة الإسلامية

*الجامعة الإسلامية هى الدعوة التى نادى بها جمال الدين الأفغانى المتوفَّى سنة (1897م)، من خلال صحيفته العروة الوثقى التى صدرت سنة ( 1884م) وتبنى السلطان عبد الحميد المتوفى سنة (1918م) هذه الفكرة الرامية إلى وحدة المسلمين وتجمعهم حول الدولة العثمانية؛ لتخليص العالم الإسلامى من السيطرة السياسية والعسكرية الاستعمارية الأوربية، والنهوض بالمسلمين من جمودهم الفكرى والحضارى. وترتكز دعوة الأفغانى إلى الجامعة الإسلامية على دعامتين هما: الحج، والخلافة، وضرورة التمسك بهما كنظام دينى وسياسى؛ لذلك نشر الأفغانى دعوته من خلال الصحافة ورحلاته إلى البلاد الإسلامية، وتبنى السلطان العثمانى عبد الحميد الثانى هذه الفكرة من خلال دعم الخلافة وتقويتها وإنشاء خط حديد الحجاز. ولاقت هذه الدعوة تأييدًا كبيرًا فى مصر والشام والهند والشمال الإفريقى، ورغم ذلك عارضها البعض وبخاصة المسيحيون. وقد حققت الجامعة الإسلامية نجاحًا تمثل فى مساندة المسلمين للدولة العثمانية أثناء حربها ضد إيطاليا سنة (1911م)، ورغم هذا النجاح فقد تعثرت بسبب التخلف والجمود الفكرى فى ديار المسلمين، وقيام الحركة الطورانية التى تمجد العنصر التركى، بالإضافة إلى عزل السلطان عبد الحميد سنة (1908م).

*الجامعة العربية

*الجامعة العربية هى منظمة إقليمية أُنشئت فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتضم الدول العربية المستقلة الموقعة على ميثاق الجامعة، وتهدف إلى تحقيق التعاون الاختيارى بين الدول الأعضاء، واحترام سيادتها. ويقع ميثاق جامعة الدول العربية فى (20) مادة وثلاثة ملاحق، أحدها خاص بفلسطين. وبدأ تطبيق الميثاق فى (11 من مايو سنة 1945م). ويبلغ عدد الدول الأعضاء بالجامعة (22) عضوًا، والعضوية بها مقتصرة على الدول المستقلة. وتتمتع الجامعة العربية بكيان قانونى دولى؛ لذلك كان من سلطتها إبرام المعاهدات الدولية بين أحد أعضائها وأى دولة أخرى. وتتكون الجامعة من عدة أجهزة رئيسية، هى مجلس الجامعة الذى يُعد أعلى سلطة فى الجامعة، والأمانة العامة ومقرها القاهرة، ويرأسها الأمين العام، واللجان الدائمة التى تهدف إلى تحقيق الأهداف التى أنشئت من أجلها الجامعة، ويبلغ عدد هذه اللجان (12) لجنة، فى المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية. ولتحقيق التعاون بين أعضاء الجامعة قررت الدول السبع المؤسسة للجامعة توقيع اتفاقية الدفاع المشترك سنة (1950م)، وكذلك السوق العربية المشتركة سنة (1964م)، وقد شجعت الجامعة على إنشاء المنظمات المتخصصة فى المجالات المختلفة، مثل: منظمة العمل العربية واتحاد البريد العربى. وكان للجامعة دور بارز فى حل النزاعات العربية، مثل: النزاع السورى اللبنانى سنة (1949م). ورغم أهمية دور الجامعة العربية فى تحقيق التعاون العربى فإن هناك بعض المعوقات تؤثر فى عملها، أهمها: تباين الآراء والمواقف، واختلاف تبعات القرارات على الدول الأعضاء، وكذلك المعوقات الخاصة بالميثاق، ومحاولات الصهيونية العالمية عرقلة الوحدة العربية. وقد تعرضت الجامعة لأزمة كبيرة؛ بسبب نقل مقرها إلى تونس سنة (1978م) بعد اتفاقية كامب ديفيد، واستمر هذا الأمر حتى عادت مرة أخرى إلى مقرها فى القاهرة سنة (1990م)، كذلك أثر الغزو

العراقى للكويت فى الموقف العربى، وأدى إلى انقسام العرب.

*الجغرافيا

*الجغرافيا كلمة يونانية الأصل معربة تعنى وصف الأرض، وقد دخلت هذه الكلمة اللغة العربية إبان العصر العباسى. وكان العرب يعرِّفون الجغرافيا بأنها علم بأحوال الأرض؛ من حيث تقسيمها إلى الأقاليم والجبال والأنهار، وما يختلف حال السكان باختلافه. والجغرافيا بذلك تدرس الأرض بوصفها وطنًا للإنسان. ويتفق الجغرافيون على أن الجغرافيا هى علم المكان. وأقدم كتب الجغرافيا المعروفة لدينا كتاب الجغرافيا لبطليموس. والملاحظ أن علم الجغرافيا ارتبط بالإنسان منذ القدم؛ نظرًا إلى حاجة الإنسان إلى معرفة الأماكن والظواهر الجغرافية والفلكية المحيطة به، إلا أنه تطور على أيدى العرب؛ نظرًا لارتباط الجغرافيا ببعض المسائل الفقهية، مثل: تحديد القبلة والحج والصيام، كذلك عمليات الفتوح الإسلامية والتجارة والكسب وطلب العلم. وأشهر الجغرافيين المسلمين القزوينى والإصطخرى والمسعودى وياقوت الحموى وابن حوقل. وقد تطورت مسيرة الجغرافيا على أيدى الأوربيين؛ فتعمق التفسير والتحليل فيها. وتهتم الجغرافيا بالمكان والإنسان والظواهر الفلكية والمناخية، والزراعة والسكان والنواحى العسكرية والاستراتيجية.

*الحجابة

*الحجابة مصطلح تاريخى يعنى حراسة باب الخليفة أو الحاكم؛ لإبلاغ الخليفة بأخبار الرعية، وأخذ الإذن لهم بالدخول عليه. وقد نشأت الحجابة فى العصر الأموى لأسباب عديدة؛ منها حذر الخلفاء تجاه الاغتيال من قِبل معارضى الدولة، والحد من تدافع الناس على أبواب الخلفاء. وكان الحُجَّاب يُختارون من أخلص الناس للخلفاء. ومع تحول الخلافة للعباسيين، واتساع رقعة الدولة الإسلامية ونفوذها، زاد الخلفاء فى اتخاذ الحُجَّاب، كما اتخذ الأمراء الحجاب، فزاد نفوذهم، حتى أصبحت الحجابة لاتقل نفوذًا عن الوزارة، بل صار هؤلاء الحجاب فى بعض الأحيان موجِّهين السياسة العامة للدولة. وأصبحت الحجابة فى عصر الطوائف من مظاهر التشريف، كذلك صارت من أهم الرتب فى دولة المماليك.

*حصن بابليون

*حصن بابليون حصن رومانى قديم، توجد بقاياه الآن فى مصر القديمة بجوار كنيسة مارجرجس. واختلف فى تاريخ بناء هذا الحصن، فقيل: إن جماعة من أسرى بابل هم الذين بنوه، والبعض يَنسِب بناءه إلى عهد الإمبراطور الرومانى تراجان سنة (100م) إذ بناه للدفاع عن مصر، وكان هذا الحصن قبل الفتح الإسلامى مفتاح مصر العليا والسفلى، ونظرًا لمكانة الحصن وأهميته ظل يحمل الاسم نفسه منذ إنشائه حتى الآن؛ بفضل موقعه المنيع، وقوة حصونه، وسيطرته على مفترق الطرق؛ فقد كان يحيط بهذا الحصن سور يبلغ سمكه (18) قدمًا وارتفاعه فى بعض الأماكن (60) قدمًا. وهذا الحصن يقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وترتفع على أسواره أبراج محصنة، ويتصل من جهة الغرب بالنيل بواسطة باب حديدى؛ حيث ترسو السفن، وإلى الغرب من هذا الحصن تقع الروضة التى كانت محصنة هى الأخرى، وكان يحيط بالحصن خندق عليه قنطرة متحركة، لاتُفتح إلا من الداخل، وكان هذا الخندق يمتلئ بالماء عند الحاجة أو وقت الفيضان، وكان يقع على مقربة من حصن بابليون حصن آخر هو حصن أم دنين الذى كان يُعدُّ مركزًا حربيًّا مساعدًا لحصن بابليون. واستطاع عمرو بن العاص - رضى الله عنه - فتح هذا الحصن، بعد حصار دام سبعة أشهر فى سنة (21هـ). وكان فى هذا الحصن حامية بلغ عددها (25) ألف مقاتل، وكان عدد المسلمين (7) آلاف جندى، بالإضافة إلى (8) آلاف جندى آخرين أرسلهم الخليفة عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - للمساعدة على فتح مصر. وبعد الفتح تراجعت أهمية هذا الحصن؛ بسبب انحسار النيل عنه، وبناء الفسطاط، وارتفاع الأرض من حوله. وقد اهتمت به الحكومة المصرية، ورممته سنة (1902م).

*حصن كيفا

*حصن كيفا مدينة من مدن الجزر الفراتية تقع على الشاطئ الأيمن من نهر دجلة فى منتصف الطريق تقريبًا بين ديار بكر وجزيرة ابن عمر. وتوجد حاليًّا فى تركيا ضمن لواء ماردين، وسكانها خليط من الأتراك والأكراد والأرمن والسوريين. وقد دخلها الإسلام سنة (18هـ)، وتتابعت عليها الحكومات الإسلامية. ويشتهر هذا البلد بحصن كيفا الذى كان عاصمة بنى أرتق منذ سنة (495هـ) حتى سنة (629هـ)؛ إذ خضعت للأيوبيين الذين دامت سلطنتهم بها ( 218) عامًا حتى فتحها العثمانيون سنة (930هـ). وذكر هذه المدينة فى التاريخ قليل؛ نظرًا لضعفها وصغرها، وكذلك خوفًا من حكام المماليك فى مصر لأن حكام كيفا كان لهم الحق فى حكم مصر؛ باعتبارهم أحفاد الأيوبيين.

*الحمامات

*الحمَّامات الحمَّام مكان يغتسل فيه الناس. وقد عُرِفت الحمامات العامة منذ القدم عند بعض الشعوب ذات الحضارات القديمة، لاسيما الرومان، على أن شهرتها ارتبطت بالتاريخ الإسلامى؛ حيث كانت من الأبنية العامة التى انتشرت فى جميع المدن؛ وذلك نظرًا لأهميتها فى التطهر والنظافة، بالإضافة إلى تعاليم الإسلام التى تدعو إلى التطهر والتطيب، ومناخ منطقة الشرق الأوسط الحار. وكان يراعى فى بنائها أن تُصمم بحيث تتيح للمغتسِل أن ينتقل تدريجيًّا من الجو الحار إلى الجو البارد؛ حتى لايصاب بأذى. وكان الحمَّام يقسَّم إلى ثلاثة أقسام، حسب درجة حرارة المياه، ويسخن عن طريق إيقاد النار تحت أرضيته، ويشتمل على أنابيب الماء الساخن والبارد داخل الجدران. وخصصت حمامات للرجال، وأخرى للنساء، وقد تحددت أيام للسيدات، وقد احتوت القصور والمساكن الخاصة على حمامات أيضًا، ولكنها تختلف من حيث هيئتها وتصميمها عن الحمامات العامة. ولم تكن الحمامات فى المدن الإسلامية أقل أهمية من المساجد والمكتبات والخانات والأسواق، وقد أولى العلماء والأطباء المسلمون الحمَّام عناية كبيرة؛ فأورده بعضهم ضمن موارد مؤلفاتهم، كما فعل داود الأنطاكى وأبو حامد الغزالى وغيرهما. وقد انتشرت الحمامات وتعددت فى جميع الأمصار، وذكر هلال الصابئ المتُوفَّى سنة (448هـ) أن عدد الحمامات فى بغداد وصل فى زمانه إلى أكثر من (120) ألف حمَّام، وكان فى مصر زمن الفاطميين (1170) حمامًا حسب إحصاء على مبارك لها فى الخطط التوفيقية. وكان الحمَّام يتألف من عدة غرف، الأولى تستقبل الداخل، وفيها يخلع ملابسه، ويتعهد الحمامى بحفظها، ثم ينتقل منها إلى غرفة البخار، وهى مكسوة بألواح الرخام، وفيها ينتظر المستحم حتى يتصبب عرقًا، ثم ينتقل إلى غرفة الغطس، وتشتمل على مياه دافئة وباردة، وفيها يقوم المدلك بإزالة الأوساخ عن الجلد، مع تدليك أعضاء الجسم قبل الاغتسال ثم تجفيف الجسم واحتساء

بعض الأشربة.

*مدرسة دار الحديث الكاملية

*مدرسة دار الحديث الكاملية هى مدرسة أنشأها السلطان الكامل فى سنة (622هـ)، بشارع المعز لدين الله بحى الجمالية (بين القصرين سابقًا)، ووقفها على المشتغلين بالحديث النبوى، ومن بعدهم على فقهاء الشافعية، وظلت بين أعيان الفقهاء إلى أن كانت الحوادث والمحن منذ سنة (806هـ) فتلاشت لمَّا تلاشى غيرها، واستمرت دهرًا لايدرس بها حتى نسيت أو كادت تنسى دورسها، ولم يبقَ من المدرسة إلا الإيوان الشمالى الغربى المقابل لإيوان القبلة، وجزء من الضلع الجنوبى الغربى من الإيوان الجنوبى الغربى. والإيوان الشمالى الغربى يكاد يكون مربع التخطيط؛ إذ يبلغ عمقه (10.35) من المتر، وفتحته (9.56) من المتر، وفى نهاية الإيوان يوجد عقد فتحته تبلغ (5) أمتار، بداخله حنية عمقها (3.75) من المتر، والإيوان مغطى بقبو مدبب، والحنية سقفها مسطح، وترتفع جدرانها بارتفاع القبو. ويتوسط المدرسة صحن تبلغ مساحته (15.44 - 19.90) من المتر، تشغل جزءًا كبيرًا منه الآن ميضأة حسن الشعراوى كتخدا، ويشغل الجانب الشمالى من المدرسة حمام يُعرف باسم حمام السلطان إينال.

*دار الندوة

*دار الندوة هى دار أنشأها قصى بن كلاب بن مرة بمكة. كان يجتمع فيها سادات مكة وعظماؤها؛ للمشاورة فى أمور السلم والحرب، ففيها تتم عقود الزواج والمعاملات ولواءات الحرب وغيرها، ولم يكن يدخلها إلا ابن الأربعين سنة أو ما زاد، ولكن دخلها أبوجهل وهو ابن ثلاثين لجودة رأيه، وحكيم بن حزام للسبب نفسه وهو ابن خمسة عشر عامًا. ولم تكن دار الندوة برلمانًا أو مجلس شيوخ على النحو المفهوم من المصطلح السياسى المستخدم الآن، وإنما كانت دارًا للشورى والرأى، تتخذ رأيًا عند ظهور حاجة إلى ذلك، ولم تكن قراراتها ملزمة، بل قد يخالفها سيد ذو رأى ومكانة، وربما قام وجهاء القوم وسادة الأسر بدور أكثر فاعلية من دور دار الندوة فى فض الخصومات. وجاء الإسلام ودار الندوة فى يد حكيم بن حزام فباعها لمعاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم، فلامه معاوية، وقال: أبعت مكرمة آبائك وشرفهم! فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى، والله لقد اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر (الزق: وعاء من الجلد توضع فيه الأشربة)، وقد بعتها بمائة ألف درهم، وأشهدكم أن ثمنها فى سبيل الله تعالى.

*داعى الدعاة

*داعى الدعاة لقب شيعى فاطمى عُرف به رؤساء الدعوة الإسماعيلية الفاطمية؛ إذ كانت رياسة الدعوة تُسنَد إلى موظف كبير يُطلق عليه ذلك اللقب، وكان يلى قاضى القضاة فى الرتبة ويتزيَّا بزيه، وكان يساعد داعى الدعاة على نشر الدعوة الفاطمية اثنا عشر نقيبًا، وله نواب ينوبون عنه فى أرجاء البلاد؛ وبذلك كان يُعد حلقة الوصل بين الخليفة وأتباعه من الإسماعيلية. وأهم أعماله: رياسة الدعوة الإسماعيلية، وأخذ العهد على المريدين، إما مباشرة وإما بواسطة نوابه فى مصر وفى غيرها من البلاد التى ساد فيها المذهب الإسماعيلى، والإشراف على محاضرات مجالس الدعوة وتنقيحها، وعرضها على الخليفة لإقرارها وتذييلها بإمضائه، وجمع النجوى وهى ثلاثة دراهم وثلث الدرهم من الأتباع. ولخطورة منصب داعى الدعاة أسند إليه الفاطميون رياسة دار الحكمة. ومن أشهر من تولوا ذلك المنصب أسرة أبى حنيفة المغربى، والمؤيَّد فى الدين هبة الله الشيرازى.

*دفتردار

*دفتردار كلمة فارسية الأصل دخلت اللغة التركية، وتتكون من مقطعين: دفتر بمعنى سجل الحسابات ودار بمعنى صاحب أو حامل وعلى ذلك فالكلمة تعنى: المسئول عن الشئون المالية، واستخدمت فى العربية بمعنى مأمور المالية. وقد شاع استخدام كلمة دفتردار فى العصر العثمانى فى الولايات التى خضعت للعثمانيين، ثم أطلق لقب الدفتر دار على وزير المالية المركزى فى إستانبول.

*رواق التكرور

*رواق التكرور الرواق هو جناح من المسجد الجامع يخصَّص للدراسة، فيه إيوان له أعمدة يجلس بجانبها الشيوخ ومعهم الطلاب للدراسة. وكان رواق التكرور أحد الأروقة المخصصة لطلاب دولة مالى الإسلامية، الموجودين بمصر؛ للدراسة فى الأزهر الشريف. ويتكون الرواق من غرفة لإقامة الطلاب، وخزانة ودواليب لحفظ الملابس والكتب، ومكتبة موقوفة على طلاب الرواق. وللرواق شيخ يشرف على إدارته، وتقسيم الهبات المالية والعينية التى تصرف للطلاب كالمال والطعام.

*السكة

*السكَّة السكَّة هى العملة المضروبة من معادن الذهب والفضة والبرونز ( النقود المعدنية). واشتق اسم السكة من القالب الذى تُصب فيه، ثم يُنقش عليها بواسطة معدن صلب كالحديد. وصناعة السكة هى فن ضرب السكة وكانت تصنع فى دار السكة أو دار الضرب، ويشرف عليها القاضى لضمان شرعية النقود، ويساعده أربعة أشخاص يشرفون على الناحية الفنية فى الضرب، وهم: المقدم الذى يتولى حفظ أوزان الأعيرة، والنقَّاش الذى يحضر القوالب، والسبَّاك الذى يسبك السبيكة، والضرَّاب الذى يضرب بالختم على السبيكة. وظلت السكة الذهبية والفضية مستخدمة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وانتهى العمل بها؛ لأن قيمتها كانت تتغير؛ لما يحدث للسكة من تآكل وفقدان جزء من قيمتها؛ نتيجة لكثرة التداول؛ فلجأ الناس إلى الحد من تداولها بإيداعها البنوك مقابل صكوك ورقية تثبت أحقيتهم لها، وبمرور الوقت شاع استخدام النقود الورقية.

*سكة حديد الحجاز

*سكة حديد الحجاز خط حديدى، يصل بين بلاد الشام والأراضى المقدسة بالمملكة العربية السعودية. بدأت فكرة إنشائه سنة (1864م)، عندما اقترح زامبل الأمريكى فكرة ربط دمشق بساحل البحر الأحمر بخط حديدى، ثم فى سنة (1880م) اقترح وزير الأشغال العامة بالآستانة مد خط حديدى من الشام إلى الأراضى المقدسة لخدمة حجيج البيت الحرام، ولكن حالت بعض العقبات دون تنفيذ المشروع. وفى عهد السلطان عبد الحميد فكر فى إنشاء الخط لتحقيق هدفين؛ الأول دينى، وهو تيسير الحج أمام المسلمين، وتوفير الراحة والأمان والسرعة لهم. والآخر سياسى، وهو جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ضد الأطماع الأوربية. ورتب السلطان عبد الحميد للإنفاق على المشروع ثلاثة مصادر، هى: الموارد الرسمية للدولة المتمثلة فى الضرائب وغيرها، والتبرع من داخل الدولة العثمانية نفسها، والتبرعات الخارجية من أمراء الدول الإسلامية وملوكها. وبدأ العمل فى الخط سنة (1900م) وتم تقسيمه إلى عدة أقسام نفذت على عدة مراحل: القسم الأول: من دمشق إلى درعا، والثانى: من درعا إلى عمان والثالث: من عمان إلى معان والرابع: من معان إلى تبوك والخامس: من تبوك إلى العلا إلى المدينة المنورة. وأنشئ الخط بالفعل حتى وصل إلى المدينة المنورة، لم يتحرك خطوة واحدة بعدها، وكان من المفروض أن يصل إلى مكة ومنها إلى جدة، ومن معان إلى العقبة وطابا، ولكن توقف العمل به؛ لنشوب الحرب العالمية الأولى؛ وانسحاب تركيا من بلاد الشام، بل إن جيوش الحلفاء قسمت ما تم إنشاؤه من الخط الحديدى بينها، فأخذت بريطانيا قسم فلسطين، والحكومة العربية الفيصلية القسم السورى، وحكومة الحجاز الهاشمية القسم الحجازى، وكان هذا القسم قد دُمِّر حتى عمان. وفى سنة (1922م) قام الملك حسين بن على ملك الحجاز بمحاولة إصلاح الخط، ولكن سوء أحوال القضبان وضعف عدته وعدم وجود فنيين ماهرين لصيانة الخط، حالت دون

إتمام محاولة الإصلاح. وفى سنة (1928م) تقدم بعض مسلمى الشام والأردن إلى اللجنة الدائمة للانتداب الأوربى يطلبون إحالة الإشراف الكامل على الخط وتشغيله إلى لجنة إسلامية ولكن طلبهم رفض؛ فانعقد مؤتمر إسلامى فى بيت المقدس سنة (1931م) ولكنه لم يستطع إجبار اللجنة على الموافقة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت جامعة الدول العربية بدعوة كل الدول المعنية بالخط لدراسة أحواله والاتفاق على إعادة تسييره فقامت السعودية والأردن وسوريا بعقد اجتماع فى دمشق سنة (1947م) وانتهى بتشكيل لجنة لدراسة حالة الخط، ووضع التقارير حوله، وبداية العمل فى الخط من جديد، ولكن حرب فلسطين سنة (1948م) أوقفت العمل به مرة أخرى حتى سنة (1953م). وفى سنة (1966م) بدأت فكرة إصلاح الخط تظهر إلى الوجود مرة أخرى، وبعد عدة اجتماعات وتشكيل عدة لجان، صدر قرار من حكومات الأردن والسعودية وسوريا ببداية العمل فى المشروع مرة أخرى، ولكن حرب سنة (1967م) أوقفت المشروع، وكذلك أعيد التفكير فى المشروع سنة (1979م)، ولكن لم يتم العمل فيه حتى الآن (1418هـ = 1997م).

*سور مجرى العيون

*سور مجرى العيون أنشأه السلطان الغورى سنة (912هـ)، ومازالت آثاره باقية حتى الآن (1418هـ = 1997م) ويُعرف مجراه بشارع مجرى العيون. وهو يتجه شرقًا بجنوب مع بعض الانحناءات البسيطة حتى آثار طابية قديمة بالقرب من نهاية شارع الأشرف عند جبانة السيدة نفيسة بطول (2200) متر، ثم يتجه شمالاً بشرقٍ حتى باب السيدة عائشة. ومساحة رأس المجرى (62.85م2) على شكل سداسى، وداخله شكل سداسى آخر بوسطه عمود. ويحيط بالشكل السداسى الداخلى ستة عقود ترتكز على أكتاف، ويصعد إلى سطح المأخذ بمزلقان ليس به درج، ولعل ذلك عُمِل خصيصًا لصعود الدواب التى تدير السواقى، وبوسط السطح حوض تحيط به ست فتحات، وبأعلى المأخذ ساحة لست سواقٍ لرفع الماء، ويتبقى من عقود المجرى الآن (217) عقدًا، معظمها على شكل دائرى. وأيام الحملة الفرنسية سُدَّت أغلب الفتحات بين الأكتاف الحاملة للعقود، واستخدمها الفرنسيون سورًا يحتمون وراءه، ويحصرون به مدخل المدينة من الجنوب.

*جامع ابن طولون

*جامع ابن طولون شيَّده السلطان أحمد بن طولون حاكم مصر فى جنوب مدينة القطائع فوق جبل يشكر. وقد بدأ بناءه سنة (263هـ)، وانتهى منه سنة (265هـ). وجامع ابن طولون هو أكبر جوامع مصر الإسلامية؛ إذ تبلغ مساحته ستة أفدنة ونصف الفدان، وهو ثالث جامع أنشئ لإقامة صلاة الجمعة فى مصر وأقدم الجوامع المحتفظة بتفاصيلها المعمارية. والجامع على هيئة مستطيل يبلغ طوله (162) مترًا، ويضم صحنًا مكشوفًا فى وسطه، تحيط به أربعة أروقة كبيرة، كما يوجد به ستة محاريب وعدد أبوابه (21) بابًا، ويحيط بجدران المسجد من أعلى (129) شباكًا، وقبة المسجد توجد وسط الصحن، وهى ثالثة قبة تقام فى وسط المسجد وتبدو على المسجد آثار الثقافة المعمارية العراقية. وأروقة المسجد مقامة على دعائم مبنية من الطوب الأحمر، مقاس كل دعامة (2.5 × 1.3) متر. ويتميز المسجد بمنارته المشيَّدة من الحجر، وهى المئذنة الوحيدة فى مصر ذات السلم الخارجى، وقد أجريت للمسجد عمليات ترميم وتجديد على مر العصور، وكان من بينها عملية التجديد الشاملة فى عصر السلطان حسام الدين لاجين سنة (696هـ)، التى أنفق عليها من ماله الخاص (20) ألف دينار، ورتب فى المسجد الدروس المختلفة. وفى القرن الثالث عشر الميلادى اتخذ المغاربة المسجد مأوى لهم أثناء رحلتهم إلى الحج. وقد عُنيت لجنة حفظ الآثار العربية بالمسجد فى الفترة من سنة (1890م) حتى سنة (1918م) وأصلحت ما تهدم منه، وعملت على المحافظة على زخارفه، وإقامة الشعائر الدينية فيه.

*جامع عمرو بن العاص

*جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد شُيِّدَ فى مصر الإسلامية. أنشأه الصحابى الجليل عمرو بن العاص - رضى الله عنه - بعد فراغه من فتح الإسكندرية سنة (21هـ). ويُعرف جامع عمرو بتاج الجوامع والجامع العتيق، وكان فى أول أمره غاية فى البساطة وكانت مساحته لا تتعدى (50× 30) ذراعًا، وكان عند إنشائه بدون صحن، وقد ظل على مساحته هذه حتى سنة (53هـ)، حيث زاد والى مصر مسلمة بن مخلد الأنصارى مساحته، وأنشأ به (4) صوامع للمؤذنين وتم تزيينه، كما وسعه قرَّة بن شريك سنة (93هـ)، فهدمه وزاد مساحته وأقام به محرابًا، وتوالت عليه بعد ذلك الإصلاحات والتوسُّعات؛ فقام عبد الله بن طاهر والى مصر بتوسعته، وأصبحت مساحته (112.5 × 120.5) متر، وهى مساحته الحالية. ولم يكن جامع عمرو لأداء الفرائض به فقط، بل كان جامعة تعقد فيها حلقات العلم التى كان يلقيها كبار العلماء، وبذلك يكون جامع عمرو قد سبق الأزهر بعدة قرون فى هذا المضمار. وكانت الدروس تلقى فيه تطوعًا بدون أجر. كما كان مجلسًا للقضاء لفضِّ المنازعات الشرعية والمدنية، وكان به بيت المال فى بعض الفترات. ولم ينقطع التدريس عن جامع عمرو إلا فى القرن التاسع الهجرى، ويقال: إن عدد الصحابة الذين وقفوا فى قبلة مسجد عمرو بن العاص ثمانون صحابيًّا، منهم: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت. وتجرى حاليًّا (1997 م) فى المسجد عمليات ترميم؛ نظرًا إلى تهدم بعض جوانبه.

*الجامع الكبير

*الجامع الكبير هو أول مسجد أقيم بعد المسجد النبوى؛ حيث بُنِى فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - سنة (6هـ)، وبأمر منه وحدد - صلى الله عليه وسلم - مكانه فى حديقة الوالى الساسانى باذان. وكانت عمارة الجامع فى بدايته بسيطة، ونظرًا إلى مكانته وتاريخه، أولاه كثير من الخلفاء عنايتهم؛ فأمروا بعمارته وتجديده؛ إذ أمر الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بتحديث بنائه، كذلك تم تجديده فى العصرين العباسى والأيوبى؛ إذ أنشئت مئذنتا الجامع سنة (603هـ)، وفى عصر الإمام يحيى بن محمد سنة (1936م)، تم بناء مكتبة للجامع. والجامع على شكل مستطيل (68 × 65) مترًا، وله (12) مدخلاً، ومئذنتان متماثلتان تقريبًا.

*الحاكم بأمر الله (جامع)

*الحاكم بأمر الله (جامع) جامع تاريخى، بدأ الخليفة الفاطمى العزيز بالله إنشاءه سنة (380هـ)، ثم أتمه ابنه الحاكم بأمر الله سنة (403هـ) وكان يُعرف بجامع الخطبة، ويقال له الجامع الأنور، ويُعرف الآن بجامع الحاكم بأمر الله وكان يقع خارج باب الفتوح (أحد أبواب القاهرة). ولما وسع بدر الجمالى سور القاهرة صار الجامع داخلها. ومساحة الجامع نحو (13560) مترًا، وهو من أكبر مساجد القاهرة اتساعًا بعد مسجد ابن طولون، وهو عبارة عن صحن مكشوف تحيط به عدة أروقة، ويتكون إيوان القبلة من خمسة أروقة، ويقطع رواق القبلة مجاز مرتفع على شكل مجاز الجامع الأزهر. ولجامع الحاكم بأمر الله منارتان من أقدم المنارات فى مصر. ويقع المدخل الرئيسى للجامع فى منتصف الواجهة، ويبرز عن مستواها بنحو ستة أمتار. وقد تأثر الجامع بزلزال سنة (702هـ)، فرممه ركن الدين بيبرس الجاشنكيرى، وأوقف له الأوقاف، ورتب به دروسًا أربعة على مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه، ودرسًا لإقراء الحديث النبوى.

*صقوللو محمد باشا (جامع)

*صقوللو محمد باشا (جامع) جامع أنشأه الصدر الأعظم صوقللى محمد باشا فى باب العَزَب ( عزب قابى) بإستانبول سنة (1572م) وصممه المهندس العبقرى سنان كبير المهندسين العثمانيين، على غرار مسجد السليمية، وإن كان أصغر حجمًا. ومن عناصره غير المعتادة الأبراج الخارجية الثمانية التى تساير الدعائم الثمانى التى تدور مع القبة من الداخل، مع وجود الحنيات الركنية فيما بين المسافات المختلفة عن القبة، وهكذا فإن حركة الداخل المتسقة تظهر فى الخارج بالأسلوب نفسه. وبلاط المسجد يُعدُّ طفرة فنية وشكلاً فريدًا؛ وذلك لاستخدام سبعة ألوان متناسقة فى زخرفته. ولم يحظَ أسفل الجزء الخارجى من المسجد بالقدر اللازم من الاهتمام؛ لأن جلَّ العناية انصرف نحو الإبداع داخل المسجد؛ ولذا لم يكن هناك توازن بين أسفل الخارج والداخل بوجه عام.

*خانقاه

*خانقاه خانقاه أو خانكاه والجمع خوانق وخوانك كلمة فارسية بمعنى: بيت العبادة وقيل: الموضع الذى يأكل فيه الملك. والخانقاه اصطلاحًا: هى دار موقوفة لسكنى الصوفية والزهَّاد والعبَّاد، ويرتب لهم فيها الطعام والكساء وغيرهما من خيرات البساتين والأسواق والعمائر الموقوفة عليها. وقد ظهرت كلمة خانقاه فى المصادر العربية فى القرن الرابع الهجرى، وقام السلاجقة بإنشاء عدد من الخوانق فى بلاد الشام، ثم امتدت الخوانق إلى أفغانستان ومملكة الغزنويين والغوريين ثم إلى العراق ومصر، وكانت أول خانقاه تبنى فى مصر فى عهد الأيوبيين سنة (566هـ) على يد صلاح الدين الأيوبى ثم أنشأ خلفاؤه عددًا كبيرًا منها، ثم حذا حذوهم سلاطين دولة المماليك الجراكسة وأمراؤها. ولما ضعفت الدولة أهملت الخوانق ثم ظهرت فى العصر العثمانى وأطلق عليها اسم تكية والجمع تكايا، وقد انتشرت الخوانق فى بلدان العالم الإسلامى، خاصة فى دمشق وبغداد والقاهرة، وأشهر خوانق القاهرة خانقاه بيبرس الجاشنكيرى وخانقاه فرج بن برقوق وخانقاه الأشرف برسباى. وفى العصر المملوكى ازدهرت الخانقاه؛ إذ كانت عبارة عن معهد ثقافى تدرس فيه العلوم، وزودت بالحمامات والمطابخ والمدافن وأدوات المعيشة من الأمتعة والنفائس. وجرت العادة أن يعين لكل خانقاه شيخ أو أكثر وعدد من الصوفية. وقد اختلف عدد الصوفية فى كل خانقاه حسب اتساعها وريع أوقافها، ويتراوح غالبًا بين عشرة ومائة صوفى، وينبغى أن تتوافر فيهم شروط الصوفية، مثل المعرفة بالطريقة وآداب المتصوفة ونحو ذلك.

*دار الحكمة

*دار الحكمة دار الحكمة أو دار العلم: اسم المكتبة العامة التى أنشأها الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، وافتتحت رسميًّا فى (جمادى الآخرة سنة 395هـ). وقد أراد مؤسسها أن تكون شبيهة ببيت الحكمة الذى أنشأه الخليفة العباسى المأمون فى بغداد. ونقل الحاكم إلى هذه الدار كتبًا كثيرة، قيل: إنها بلغت (100) ألف مجلد فى مختلف العلوم والآداب وسمح بالاطلاع عليها لمن يريد، وأوقف عليها قسمًا من أملاكه، وعين لها الأساتذة فى كل فروع العلم، وعين بها خزَّانًا وخذَّامًا، ووفر بها ما يحتاج إليه الناس من أقلام وورق ومحابر، وجعل من قاعاتها مجالس لدراسة علوم القرآن والفقه واللغة والفلك والطب، وجعل للنساء بها مجالس خاصة بهن، وكان الهدف منها تعليم المذهب الشيعى ونشره. أغلقت دار الحكمة فى عام (513هـ)، ثم أعيد افتتاحها سنة (517هـ) فى موضع مغاير لموضعها الأول؛ لتستمر كمؤسسة إسماعيلية، حتى قضى عليها بوصول الأيوبيين إلى السلطة سنة (567هـ). وقد دُفن بها أحد كبار الدعوة الفاطمية، وهو داعى الدعاة المؤيَّد فى الدين هبة الله الشيرازى.

*الأسطول الإسلامى

*الأسطول الإسلامى الأسطول: كلمة تُطلق على مجموعة من السفن لها صفة محددة ومهمة محددة، مثل مجموعة السفن الحربية التى تملكها دولة معينة. وقد نِشأ الأسطول الإسلامى بعد عصر النبوة، عندما أدرك المسلمون ضرورة بناء أسطول لهم؛ إذ لم يجدوا فى معاركهم خلال سنوات الفتح (13 - 30هـ = 634 - 650م) عدوًّا لهم أقسى من البحر وما يأتيهم منه من أخطار، ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ الأسطول الإسلامى الناشئ فى ممارسة العمليات البحرية التى اشتملت على نوعين من العمليات: الأول: الإغارة البحرية، وغزو الجزر التابعة للبيزنطيين، مثل: قبرص، وكريت، وصقلية، ومالطة، وسردينيا. وقد بدأت هذه العمليات فى سنة (28هـ = 648م) بغزو جزيرة قبرص. الآخر: المعارك البحرية ضد الأسطول البيزنطى، مثل: معركة ذات الصوارى التى هزم فيها الأسطول الإسلامى الأسطول البيزنطى سنة (24هـ = 644م)، وكان من أهم نتائج هذه المعركة سيطرة الأسطول الإسلامى على البحر المتوسط. وكان للأسطول الحربى رجاله من ذوى الخبرة بشئون البحر والحروب البحرية، يتولى قيادتهم أمير البحر أو المقدم، وهو الذى يتولى رئاسة السفن الحربية، وإدارة المعركة. ويُراعَى فى اختياره أن يكون حازمًا حذرًا متحليًا باليقظة والدراية بأحكام الحروب، والمعرفة بأمور البحر وبطبيعة السواحل والجزر. وقد أنتجت دور الصناعة التى أنشأها المسلمون عدة أنواع من السفن الحربية، أشهرها: الشوانى وهى عبارة عن سفن حربية كبيرة تتميز بالطول وذات أبراج وقلاع تستعمل للدفاع والهجوم، والأغربة وهى مثل الشوانى، وسمِّيت بهذا الاسم؛ لأن رأسها يشبه رأس الغراب وتسير بالقلع والمجاديف، والحراقات وتختص بقذف العدو بالأسلحة النارية، والبطس وتختص بنقل الجنود المحاربين، والأسلحة والذخيرة والمؤن.

*أمير الأمراء

*أمير الأمراء لقب ظهر فى العصر العباسى الثانى، فى عهد الخليفة الراضى العباسى سنة (324هـ = 936م). وأول من تلقَّب به هو محمد بن رائق والى واسط والبصرة. وكان هذا المنصب عبارة عن نقل كل سلطات الخليفة إلى قائد تتوافر فيه صفات القيادة العسكرية ، ويجمع بجانبها الاختصاصات المدنية، فكان أمير الأمراء يتولى إمارة الجيش والمناصب المالية. وكان هذا المنصب مقصورًا على من يتولى قيادة الجيش، ولكن عندما ضعفت الدولة العباسية وضعف نفوذ الوزارة بها، لجأ الخليفة إلى أمير الأمراء لما يملك من قوة، وفوَّضه فى إدارة أمور الدولة كلها؛ مما أدى إلى القضاء على منصب الوزير وأضعفه، بعد أن قام باختصاصاته أمير الأمراء. وكان هذا من أسباب سوء الأحوال الاقتصادية والعسكرية فى الدولة. وأشهر من تلقب بهذا اللقب محمد بن رائق فى خلافة الراضى، وناصر الدولة فى عهد المتقى بالله العباسى. ولما ظهر بنو بويه واستبدوا بالسلطة فى الدولة العباسية، صار هذا اللقب يتوارث فيما بينهم ولم يُلغِه إلا عماد الدولة، كما استخدم هذا اللقب فى الدولة الفاطمية عندما منحه الحاكم بأمر الله لعلم الدولة ياروخ التركى وأمَّره على جميع الجيوش، ولم يرد اللقب بعد ذلك فى الدولة الفاطمية.

*أمير المؤمنين

*أمير المؤمنين لقب أُطلق على الخلفاء المسلمين منذ عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وهو ثانى ألقاب الخلفاء بعد لقب الخليفة؛ فعندما تُوفِّى أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، وتولَّى بعده عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، لَقَّبه الناس فى بداية خلافته بلقب خليفة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم استقر الأمر على تلقيبه بأمير المؤمنين؛ حتى يُتجنب ثقل توالى لقب خليفة فيقال لمن يخلفه: خليفة خليفة خليفة رسول الله، وهكذا. ويشير لفظ أمير فى هذا اللقب إلى الولاية العامة للخليفة، كما تدل إضافة لفظ المؤمنين إليه على شمول هذه الدولة لهم. وقد اقتصر استعمال لقب أمير المؤمنين منذ أن لُقب عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - به، حتى نهاية الخلافة على الدلالة على ما يتمتع به الخليفة من مراسيم سياسية وسلطة سياسية وإدارية، كما يرمز لقب أمير المؤمنين إلى القوة الحربية للمسلمين. وقد لقب بهذا اللقب بعد عمر بن الخطاب عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنهم، ثم خلفاء بنى أمية، وخلفاء بنى العباس فى بغداد والقاهرة، وسلاطين الموحدين فى المغرب العربى، والفاطميون فى مصر، ثم سلاطين آل عثمان بعد فتح مصر سنة (923هـ = 1517م)، واستمر هذا اللقب يُطلق عليهم إلى أن تحالف الغرب على إسقاط دولة الخلافة سنة (1343هـ = 1924م). وقد أُطلق لقب أمير المؤمنين مجازًا على عدد من أئمة العلماء، مثل: شعبة بن الحجاج، الذى لُقب بأمير المؤمنين فى رواية الحديث، وسفيان الثورى الذى لُقب بأمير المؤمنين فى الحديث.

*الإنكشارية

*الإنكشارية الإنكشارية: اسم أطلق على التشكيلات العسكرية فى الجيش العثمانى. وأصل الكلمة فى التركية: ينى تشرى، وتعنى: الجند الجدد. وقد اشتهرت آراء ثلاثة فى التاريخ عن نشأة هذه التشكيلات، الأول: يُرجعها إلى عهد أورخان سنة (724هـ = 1324م)، والثانى: يُرجعها إلى عهد مراد الأول سنة (761هـ = 1360م)، والثالث: يرجعها إلى القرن (9هـ = 15م).وكان تكوين أفراد الإنكشارية يمر بمرحلتين قبل ضمهم إلى الخدمة: المرحلة الأولى: يتم فيها تجميع الفتيان وإرسالهم لتعلم اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامى. المرحلة الثانية: يُجمعون فيها فى معسكر خاص يُسمى عجمى أوجاغى لمدة (7) سنوات، يُوزَّعون بعدها على القصور السلطانية بحسب الحرف التى تعلموها. وتتميز الإنكشارية بالطاعة والالتزام والروح العسكرية، والمحافظة على الشعائر الدينية، وعدم مغادرة المعسكرات أو الاشتغال بمهن أخرى. وكانت نهاية الإنكشارية بعد اعتراضهم على تعديلات السلطان سليم الثالث فى الجيش، فعزم على التخلص منهم، ونجح فى ذلك السلطان محمود الثانى؛ حيث دبر لهم مذبحة بحديقة قصر ضولمة باغجة سراى، وانتهى كيان الإنكشارية سنة (1241هـ = 1825م).

*الباب العالى

*الباب العالى هو السلطة التنفيذية فى الدولة العثمانية منذ عام (1255هـ = 1839م) إلى نهاية الدولة، وهو اسم مرادف للصدارة العظمى التى تغير اسمها فى عهد السلطان محمود الثانى إلى باش وكالت، أى: رئاسة الوزراء كما فى أوربا؛ ومن ثمَّ يعتبر الباب العالى هو الشكل الأوربى للإدارة فى الدولة العثمانية، أما الشكل الإسلامى فكان الديوان الهمايونى، وقد أُطلق على الباب العالى - أيضًا - اسم مجلس الوكلاء، أى: مجلس الوزراء، ويُسمى - أيضًا - المجلس الخاص. ويتشكل الباب العالى من شيخ الإسلام وناظر العدلية وقائد الجيش ورئيس شورى الدولة وناظر الداخلية وناظر الخارجية وناظر البحرية ومشير المدفعية وناظر المالية وناظر الأوقاف وناظر التجارة والأمور النافعة وناظر المعارف ومستشار الصدر الأعظم العالى.

*الباى

*الباى لقب تركى يعنى: السيد، أو الغنى، أو مالك الأرض والعقار. وقد استخدم الأتراك لقبى الباى وبك بمعنى السيد، ثم اقتصروا على استخدام لقب بك بهذا المعنى. وقد أُطلق لقب الباى على حكام تونس والجزائر منذ أواخر القرن (10هـ = 16م)، واستمر فى تونس حتى سنة (1377هـ = 1957م)؛ إذ قامت الجمهورية التونسية، وخلع محمد الأمين آخر البايات هناك. وكان لحامل اللقب سلطات واسعة؛ فهو سلطان البلاد، ورأس النظام الحاكم، وله إمارة القبائل، وحفظ الأمن وجباية الضرائب. واختص الباى، بأشياء كثيرة، منها: كسوة التشريفة التى يرتديها فى المحافل الرسمية، وحق منح النياشين والرتب العسكرية، بالإضافة إلى مخصصاته المالية وحرسه الشرفى. واقترنت تولية الباى العرش بإقامة حفلين؛ أحدهما: خاص، ويشترك فيه كبار رجال الدولة. والآخر: عام، ويشترك فيه جماهير الدولة. وأشهر من لقب بالباى: الباى عثمان، والباى رمضان بن حسين التركى ومراد باى والباى عثمان بن على مؤسس الدولة الحسينية بتونس وحمودة باشا باى ومحمد عبد المنصف باى. وكان ولى العهد يحمل لقب باى الأمحال، أى: العسكر، غير أن هذا اللقب ألغى عند مجىء الاستعمار الفرنسى.

*البيمارستان

*البيمارستان البيمارستان: كلمة فارسية الأصل، تعنى: المستشفى أو دار المرضى، وهى مركَّبة من كلمتين: بيمار، وتعنى: المريض، وستان وتعنى الدار، ثم اختصر اللفظ إلى مارستان، وأصبح الآن يطلق على مصحة الأمراض العقلية. وقد نشأت البيمارستانات فى مدينة جُنْدَيسابور بفارس قبل الإسلام بنحو ثلاثة قرون، على أيدى طائفة من الأطباء النسطوريين. والبيمارستان أحد المنشآت والعمائر الإسلامية، كالمساجد والمدارس، ولم تكن وظيفته تقتصر على مداواة المرضى وعلاجهم، بل كانت فى الوقت نفسه معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب. وأول مستشفى غير ثابت أقيم فى الإسلام هو ذلك الذى أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإقامته أثناء غزوة الخندق؛ فعن عائشة - رضى الله عنها - قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق؛ رماه رجل من قريش يقال له: حبَّان بن العَرِقة، رماه فى الأكحل، فضرب النبى - صلى الله عليه وسلم - خيمة فى المسجد ليعوده من قريب [ صحيح البخارى]. وأما أول مستشفى ثابت فى الإسلام فهو ما بناه الوليد بن عبد الملك سنة (88 هـ = 706 م). وكانت المستشفيات الثابتة فى أول عهدها بسيطة، ثم تطورت تطورًا كبيرًا فى عهد العباسيين، وكثر بناؤها فى مختلف البلاد الإسلامية. وكان اختيار موقع البيمارستان يتم بعد بحث وتفكير؛ لاختيار أفضل الأماكن الصحية وأكثرها جمالاً، فقد رُوِى أن الناصر صلاح الدين الأيوبى عندما أراد أن يبنى المستشفى الناصرى فى القاهرة، اختار لهذا الغرض أحد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء. وكانت البيمارستانات الكبرى تنقسم إلى قسمين منفصلين؛ أحدهما للذكور، والآخر للإناث. وفى كل قسم من هذين القسمين عدة قاعات فسيحة حسنة البناء لمختلف الأمراض. والبيمارستانات الكبيرة التى أنشئت فى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية، كانت على جانب كبير من التنظيم والرقى، ومن أشهرها: البيمارستان العضدى ببغداد، والبيمارستان

النورى الكبير بدمشق، والبيمارستان المنصورى الكبير بالقاهرة، وبيمارستان مراكش.

*جامع الأزهر

*جامع الأزهر أول جامع أنشئ فى مدينة القاهرة الفاطمية فعاصر تأسيسها كمقر للدولة الفاطمية. أتم إنشاءه القائد جوهر الصقلى سنة ( 361هـ). يقع فى الجنوب الشرقى للقاهرة عاصمة مصر. عرف عند نشأته باسم جامع القاهرة، ثم أطلق عليه اسم الأزهر؛ تيمنًا باسم السيدة فاطمة الزهراء بنت النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: لوجوده بجوار قصور مزهرة (وقت إنشائه). وكان الجامع يتألَّف من صحن، تَحُفُّه ثلاثة أروقة، أكبرها رواق القبلة، والرواقان الآخران على الجانبين، وبرواق القبلة مجاز قاطع، سقفه أعلى من سقف المسجد، ومسطح الجامع الأصلى كان يقترب من نصف مسطَّحه الحالى. كما أضيفت إليه أروقة ومدارس ومحاريب ومآذن؛ مما جعله أشبه بمعرض واسع للفن المعمارى الإسلامى فى مصر منذ بداية العصر الفاطمى حتى اليوم. وممن اعتنوا بالجامع الأزهر من الحكام والأمراء: الحاكم بأمر الله؛ فزوده بقناديل من فضة، وتنورين، وباب محفوظ الآن فى متحف الفن الإسلامى بالقاهرة، وغير ذلك، والآمر بأحكام الله؛ إذ أنشأ مقصورة عرفت باسم مقصورة فاطمة، ومحرابًا محفوظًا فى المتحف الإسلامى أيضًا، وأضاف الحافظ لدين الله رواقًا يحيط به من جوانبه الأربعة، وقبة. ولما كان الأزهر جامعًا فاطميًّا يعمل على نشر المذهب الشيعى؛ فقد أغلقه صلاح الدين الأيوبى، ولم يفتح إلا فى العصر المملوكى، فاهتم به الأمير عز الدين أيدمر الحلى، واحتفل بإقامة صلاة الجمعة فيه يوم (18 من ربيع الأول سنة 665هـ)، وتصدعت جدران الأزهر فى زلزال سنة (702هـ)؛ فقام سلار نائب السلطنة المملوكية بعمارته وترميمه، وتتابعت الإصلاحات والإضافات؛ فأنشأ علاء الدين طيبرس المدرسة الطيبرسية سنة (709هـ)، وجعلها زيادة فى الجامع الأزهر، وأنشأ علاء الدين أقبغا عبد الواحد المدرسة الآقبغاوية سنة (740هـ)، ثم أنشئت المدرسة الجوهرية التى تنسب إلى الأمير جوهر القنقبائى، وعمَّر الأزهر السلطان

قايتباى المحمودى سنة (873هـ)، وبنى قنصوه الغورى المئذنة الفريدة فى تصميمها ذى الرأسين، كما اهتم بالجامع العثمانيون، أمثال: محمد باشا الشريف وحسن باشا وعبد الرحمن كتخدا. وفى العصر الحديث اعتنى الخديو عباس حلمى الثانى بالجامع الأزهر؛ فجدد منشأته، وأضاف الرواق العباسى الذى نسب إليه، وهو أحدث الأروقة وأكبرها، وافتتح فى عهد الشيخ حسونة النواوى سنة (1897م). وفى سنة (1970 م) تم استبدال أرضية رخام بأرضية الصحن الحجرية. وبعد زلزال سنة ( 1992 م) بدأت هيئة الآثار المصرية فى إجراء ترميمات وإصلاحات لجدران الجامع الأزهر ومدارسه.

*جامع أيا صوفيا

*جامع أيا صُوفيا مسجد تاريخى بمدينة إستانبول فى تركيا. كان كنيسة أرثوذكسية تسمى هاجيا صوفيا ينسب بناؤها إلى الإمبراطور جستنيان فى القرن السادس الميلادى. ولما فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية سنة (857 هـ) أقام صلاة شكر فى الكنيسة التى تتميز بعمارتها القوطية ذات القباب المتعددة، ويبلغ ارتفاع القبة الوسطى (الكبرى) منها (63) مترًا، وقطرها (30) مترًا، ويبلغ عدد الأعمدة المرمرية التى تحمل البناء (117) عمودًا. ومنذ تحولت الكنيسة إلى مسجد تناولتها أيدى التعمير والتجديد والزخرفة منذ عصر محمد الفاتح الذى أقام أول مئذنة للمسجد على الجدار الشرقى بعد تقويته، وأقام فوق القبة هلالاً كبيرًا، بلغ قطره خمسين ذراعًا وطُلى بماء الذهب. وبنى سليم الثانى المئذنة الثانية. وشيَّد مراد الثالث المئذنتين الثالثة والرابعة، وأقام على القبة الوسطى هلالاً ذهبيًا، قطره خمسون مترًا، كما زين الحوائط بالآيات القرآنية. وشيَّد السلطان محمود الأول بجوار المسجد مدرسة ومكتبة، كما قام السلطان عبد المجيد بتجديد المسجد تجديدًا شاملاً، وضرب بهذه المناسبة ميدالية تذكارية تحمل صورة أيا صوفيا. وكان للمسجد أثر كبير فى تصميم المساجد العثمانية. وفى سنة (1934 م) منع مصطفى كمال أتاتورك الصلاة فيه، وحوَّله إلى متحف، وكان فتحه التام للصلاة فيه مرة أخرى سنة (1991 م).

*التيمارات

*التيمارات تيمارت: كلمة فارسية، معناها الأصلى كل ما يُعطَى للمريض أو للحيوان أو حتى للأرض والنباتات من مئونة أو عناية. وأطلق لفظ التيمارات على أراضى الدولة التى كانت تُعطَى للجنود والفرسان ليعيشوا منها. وفى عهد السلطان العثمانى مراد خان الأول قام الوزير ديمور طاش باشا بتنظيم فرق الخيالة العثمانية (السباهى)، وأقطع كل جندى منهم جزءًا من الأرض يزرعه أصحابه الأصليون - أيًّا كانوا - فى مقابل دفع جعل معين لصاحب الإقطاع. وكل إقطاع لا يتجاوز إيراده السنوى عشرين ألف غرش يسمى تيمارًا، وما زاد إيراده على ذلك يسمى زعامة، وذلك بشرط أن يسكن الجندى فى إقطاعه وقت السلم، ويستعد للحرب على نفقته عند الطلب. وكانت التيمارات والزعامات لا يرثها إلا الذكور، فإذا انقرض الذكور فى عقب صاحب الإقطاع ترجع إلى الحكومة.

*جامع الأقمر

*جامع الأقمر جامع أنشأه الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة (519هـ). يقع بالشارع الأعظم المعروف بشارع المعز لدين الله الفاطمى بالقاهرة، عن يمين المتجه إلى باب الفتوح (أحد أبواب القاهرة )، ولم تكن فيه خُطبة، ولكنه عرف بالجامع الأقمر. ويقتصر تصميمه على صحن مكشوف مربع، طول ضلعه (10) أمتار، تحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة، عقودها محمولة على أعمدة رخامية. وهذه العقود من النوع المحدب، ويحلى حافتها المشرفة على الصحن طرازٌ من الكتابة الكوفية القديمة. والأروقة الأربعة مسقوفة بقباب قليلة الغور ما عدا البائكة الأخيرة فى رواق القبلة، فيغطيها سقف حديث مستوٍ من الخشب، جدده الأمير بلبغا بن عبد الله السالمى. وتوجد بركة صغيرة فى صحن الجامع يصل إليها الماء من ساقية. ونُصب فى الجامع منبر، فكانت أول جمعة أقيمت فيه فى (14 من رمضان سنة 779هـ)، كما جدده سليمان أغا السلحدار سنة (1821م). وفى العصر الحديث جددت مصلحة الآثار المصرية واجهته، وقامت ببعض الإصلاحات فيه. والمسجد يحتوى بداخله على زخارف إسلامية منوعة تجعله تحفة فنية بديعة فى عمارة القاهرة. ويعتبر التوفيق بين اتجاه القبلة واتجاه الطريق من السمات المميزة لهذا الجامع، ثم شاعت هذه الظاهرة فى العصر المملوكى.

*التفسير (علم)

*التفسير (علم) التفسير علم من العلوم الإسلامية يُعنَى بتوضيح معانى آيات القرآن الكريم ومغازيها وإيحاءاتها ودلالاتها وأسباب نزول الآيات بلفظ دال على ذلك دلالة ظاهرة، إلى غير ذلك مما اهتم به المفسرون. وقد مرَّ علم التفسير بمرحلتين: الأولى (مرحلة ما قبل التدوين): وكانت فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، رضى الله عنهم، الذين كانوا يفهمون القرآن بسليقتهم العربية وبما يعايشونه من وقائع تحف بنزوله، والنبى - صلى الله عليه وسلم - بينهم يبين ما غمض، ويصحح ما التبس. وبعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، قام الصحابة بالدور نفسه تجاه من أسلموا. ولم يستوعب تفسير الصحابة القرآن كله؛ إذ كانوا يكتفون - غالبًا - بالمعانى الإجمالية. وفى عهد التابعين ازدادت المرويات عن أهل الكتاب كما هو واضح فى التفاسير المروية عنهم. والمرحلة الثانية: (مرحلة التدوين): وتبدأ من أواخر عهد الدولة الأموية حتى العصر الحاضر، فكان علم التفسير أولاً جزءًا من تدوين الحديث الشريف، يُفْرد له المحدِّثون بابًا فى مصنفاتهم، ثم استقل التفسير ووضعت فيه مصنفات خاصة به حسب ترتيب المصحف الشريف، كما هو الحال فى تفسير الطبرى المتوفَّى سنة (310هـ) وغيره. وقد ظهرت اتجاهات متعددة فى التفسير، من أشهرها: التفسير بالمأثور، أى: المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، رضى الله عنهم، والتابعين، والتفسير بالرأى، أى: بالعقل والاجتهاد، والخلاف بين ألفاظ هذا النوع لفظى، والتفسير الإشارى (الصوفى)، والمراد به تأويل آيات القرآن بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، وبما لا يتعارض مع الظاهر المستفاد من الآيات. والتفسير الفقهى، والمراد به تناول آيات الأحكام الشرعية العملية بالتفسير مع عرض مذاهب الفقهاء، والتفسير العلمى، والمراد به تفسير الآيات الكونية المذكورة فى القرآن، والتفسير الأدبى البيانى،

والمقصود به الدراسة الأدبية للنص القرآنى، والتفسير الأدبى الاجتماعى، ويُعنى ببيان ما يشير إليه القرآن من السنن الاجتماعية، والتفسير الموضوعى، ويهتم بتناول الموضوعات التى تشملها السورة الواحدة، أو جمع آيات تتحدث عن موضوع واحد وتفسيرها. وقد وُفِّق علماء كثيرون فى الكتابة فى جميع هذه الاتجاهات فى التفسير. وللمفسر شروط وللتفسير ضوابط، محل دراستها مباحث علوم القرآن الكريم.

*الترجمة

*الترجمة كلمة عربية، تطلق على نقل الكلام من لغة إلى أخرى، وهى من ضرورات العمران البشرى. وتتم الترجمة نتيجة الشعور بالحاجة إلى التعايش أو التفاهم أو الاستفادة من علوم الآخرين ومعارفهم، والاطلاع على حضارات الشعوب الأخرى وثقافاتهم؛ لذا فهى ترتبط بمدى ازدهار المجتمعات التى تتم فيها. وقد قامت ثلاث حركات للترجمة فى تاريخ الحضارة الإسلامية؛ (الأولى)، وهى الكبرى: بدأت فى أوج مجد الدولة الأموية. وأهم ما تمت ترجمته فى تلك الفترة هو ترجمة لغة الإدارة إلى اللغة العربية، وهو ما عرف باسم تعريب الدواوين، وبها أحكَم المسلمون إدارة البلاد المفتوحة دون وساطة. وبلغت هذه الحركة ذروتها فى عصر الخليفة العباسى المأمون؛ حيث جعلت الدولة الترجمة نظامًا رسميًّا، وضعت له الخطط والكفاءات؛ فتقاطر عليها المترجمون من الداخل والخارج؛ فنقلوا كل ما له قيمة فى اللغات السريانية واليونانية والفارسية والسِّنسكريتية والنبطية؛ وذلك انطلاقًا من إيمان المسلمين وحكامهم بأن العلم من أسس الفضائل، وأنه توأم الحكم الصالح. وبهذه الحركة تمَّ انتقال القوامة على العلوم والمعارف إلى الدولة الإسلامية بمؤسساتها وأفرادها، وعن طريقها أيضًا حافظ المسلمون على تراث الحضارات التى سبقتهم، وطوروا وسائله فى الاستدلال والبرهان، فى علوم الرياضيات والصيدلة والطبيعة والكيمياء والجغرافيا وعلوم اللغة وغيرها من العلوم التى شكلت المعارف والثقافات الإسلامية، التى نقلتها أوربا فى حركة ترجمة مشابهة، وبنت بها حضارتها التى كانت بدايتها عصر النهضة، والتى مثلت أساس حضارة أوربا الحديثة القوى. والحركة الثانية للترجمة فى مصر والشام خلال القرن التاسع عشر الميلادى، التى كان محمد على رائدها فى مصر، ونفذت الدولة خلالها خطة للترجمة عينت فيها العلوم والمعارف الضرورية لإنشاء مؤسساتها الحديثة وتطويرها، واختارت لها أصلح المترجمين. ثم جاءت

الحركة الثالثة للترجمة، وبدأت مع إنشاء الجامعات فى مصر والشام فى أوائل القرن العشرين، غير أن هذه الحركة لم تكن مؤثرة؛ لعدم وجود خطة لما ينبغى ترجمته، وتجاوز طوفان العلم كل ما لدى العرب من إمكانات قادرة على الترجمة. وللترجمة اللغوية بالنظر إلى طريقتها والمقام الذى تستخدم فيه أنواع، منها: الترجمة الحرفية والترجمة بالمعنى والترجمة الآلية عن طريق الحاسب الآلى.

*الأحباس

*الأحباس الأحباس فى اللغة هى: الأوقاف، وفى الاصطلاح الفقهى: حبس أصل المال، كالأرض والبئر والبستان، وصرف منافعه فى سبيل الله. ومع تطور الحياة فى الدولة الإسلامية وكثرة الأحباس (الأوقاف) التى كان يتبرع بها بعض الأغنياء وذوى السلطان من الأرض وغيرها، أنشأت الدولة ديوان الأحباس، وعينت عليه قاضيًا، يشرف على ما وقف لصالح المساجد والخوانق والمدارس. وفى عصر المماليك أصبح مصطلح الأحباس يُطلق على الأرض التى تحبس وقفًا على المساجد والخوانق والمدارس وغيرها من المؤسسات الخيرية.

*قلعة رومللى حصار

*قلعة رومللى حصار بناها السلطان العثمانى محمد الفاتح سنة (1452 م) فى الأناضول؛ للتحكم فى مضيق البسفور؛ تمهيدًا لفتح القسطنطينية. ورومللى حصار تعنى قلعة منطقة الروم. وقد نفذ هذه القلعة المعمارى مصطح الدين أغا ومعه سبعة آلاف عامل، واستغرق بناؤها أربعة أشهر فقط، وقد اختار السلطان الفاتح موقع هذه القلعة بعناية؛ فهى تقع فى مواجهة القلعة العثمانية أناضولى حصارى عند أضيق نقطة فى المضيق؛ حيث لايتعدى عرض المضيق (660) مترًا عند هذه النقطة. وترتفع هذه القلعة عن سطح البحر (82) مترًا، ومساحتها (30250) مترًا مربعًا على ثلاثة أبراج، وارتفاع كل منها (26.7) مترًا. وكان لبناء هذه القلعة دور فعال فى فتح القسطنطينية.

*مئذنة لاخيرالدا

*مئذنة لاخيرالدا هى مئذنة جامع إشبيلية الأعظم، الذى أسس بناءه الخليفة أبويعقوب سنة (567 هـ)، ثم أتمَّ ابنه المنصور بناء المئذنة سنة (584 هـ). ولم يبق من المسجد إلا المئذنة، التى يبلغ ارتفاعها ( 96) مترًا، وعدد طوابقها سبعة. ومن العجيب أن صعود هذه الطوابق يتم دون سلم، بل على ممر منحدر يدور مع الجدار الداخلى حتى أعلاه. ويوجد فى أعلى المئذنة ثلاث كرات ضخمة (تسمى تفاحات) مغطاة بسبيكة سميكة من الذهب، كانت تتألق للناظر من بعيد. وبعد سقوط إشبيلية وقع زلزال أسقط المئذنة، فاستعاض عنها الإسبان بدوارة تبين اتجاه الريح، ومن هنا سميت المنارة كلها لاخيرالدا أى: الدوارة.

*مدرسة السلطان برقوق

*مدرسة السلطان برقوق أنشأها الناصر فرج بن برقوق سنة (803 هـ)، السلطان السادس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، والثانى من الجراكسة وموضعها حاليًّا شارع المعز لدين الله، وهى التى ألقى فيها ابن خلدون دروسه فى فقه المالكية. وتشغل مدرسة السلطان برقوق قطعة أرض تكاد تكون مربعة الشكل؛ إذ تبلغ مساحتها ( 6800 م2).، وتكوِّن المدرسة وملحقاتها طرازًا فريدًا فى الحضارة الإسلامية، إذ جمعت بين طراز المدارس المكون من أربعة إيوانات متعامدة على بعضها البعض، يتوسطها صحن، وطراز المساجد المكونة من صفوف من البوائك، تحصر بينها عددًا من الأروقة، كما أنها تحتوى على ثمانى خَلْوَات للصوفية. وتشغل الواجهة الرئيسية للمدرسة الضلع الغربى لها، ويبلغ طولها نحو (86) مترًا، وتحتوى على مئذنتين متماثلتين تقعان على الواجهة الرئيسية، يبلغ ارتفاع كل منهما (30) مترًا، وتتكون من ثلاثة طوابق.

*مسجد إشبيلية الجامع

*مسجد إشبيلية الجامع قام بإنشائه الخليفة الموحدى يوسف بن عبد المؤمن، عندما رأى أن جامع عمر بن عدبَّس، الذى بناه عبد الرحمن الأوسط سنة (214 هـ) لم يعد يفى بحاجات أهل إشبيلية بعد أن زاد عددهم. عَهِد الخليفة إلى أكبر مهندسى عصره وهو أحمد بن باسه وضع تصميم المسجد، وكان يتفقد مراحل بنائه بنفسه فى أكثر الأيام ومعه شيوخ دولته، إلى أن تمَّ الانتهاء من بنائه فى شعبان سنة (571 هـ)، واستغرق بناؤه نحو أربعة أعوام. وتوجد الآن فى موضع المسجد كاتدرائية ضخمة، تبلغ مساحتها (8816 م2)، ولا يتبقى من المسجد إلا مئذنته.

*شيخ الإسلام

*شيخ الإسلام لقب إسلامى ظهر فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى بصفة غير رسمية، وكان يطلق على الفقهاء والمفتين، وشهد تطوره فى بلاد فارس، حيث أصبح لقبًا على سلطة قضائية. واكتسب لقب شيخ الإسلام أعظم شهرته بعد أن أصبح يطلق بالأخص على مفتى الآستانة، واكتسب أهمية لانظير لها فى البلاد الإسلامية الأخرى، حيث أُطلق على أعلى سلطة دينية فيها. ولم تكن وظيفة شيخ الإسلام مقصورة على إصدار الفتاوى التى يطلبها الناس، ولكن جرت العادة على مشاورته فى جميع المسائل السياسية ذات الأهمية، فكان للمفتين تأثير كبير فى الحياة العامة، وكان لشيخ الإسلام أو المفتى عدة شخصيات تساعده على أداء مهام منصبه الكثيرة، وكان له الحق فى أن يزكى لدى السلطان أشخاصًا يجب تعيينهم فى ست مراتب عليا فى الهيئة القضائية العليا، وكان هو مستشار السلطان فى المسائل الشرعية، بل كان هو الذى يبايع السلطان الجديد، فصاحب هذا المنصب هو الذى أفتى بخلع السلطان سليم الثالث والسلطان عبد العزيز والسلطان مراد الخامس، وهو الذى كان يعين قاضى القضاة فى الولايات. وكان آخر من تولى منصب شيخ الإسلام هو مصطفى صبرى، الذى لجأ إلى مصر وعاش بها، وتُوفِّى بالقاهرة سنة (1954 م) بعد إلغاء المنصب سنة (1922 م).

*علم القراءات

*علم القراءات هو علم يُبحث فيه عن وجوه أداء الألفاظ القرآنية. وقد تواتر من هذه القراءات سبع وزاد البعض ثلاثًا أخرى، وهى منسوبة إلى عدد من مشاهير القرَّاء، هم: نافع المدنى، المتوفَّى سنة (169 هـ). ابن كثير المكى، المتوفَّى سنة (120 هـ). أبو عمرو بن العلاء البصرى، المتوفَّى سنة (154 هـ). عبد الله بن عامر الشامى، المتوفَّى سنة (118 هـ). عاصم بن أبى النجود الكوفى، المتوفَّى سنة (127 هـ). حمزة بن حبيب الكوفى، المتوفَّى سنة (154 هـ). الكسائى الكوفى، المتوفَّى سنة (189 هـ). يعقوب الحضرمى، المتوفَّى سنة (205 هـ). أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدنى، المتوفَّى سنة (130 هـ). خلف بن هشام بن ثعلب، المتوفَّى سنة (229 هـ). ومن أشهر المؤلَّفات فى القراءات: كتاب التيسير لأبى عمر الدانى، المتوفَّى سنة (444 هـ). كتاب النشر للجزرى، المتوفَّى سنة (833 هـ). غاية المهرة فى الزيادة على العشرة للجزرى.

*قصر السباع

*قصر السباع أنشأه السلطان محمد الغنى بالله، الذى حكم من سنة (1354 م) إلى سنة (1391 م). وقصر السباع عبارة عن فناء مستطيل مكشوف، طوله (35) مترًا، وعرضه (20) مترًا، تحيط به من الجوانب الأربعة مشرفيات ذات عقود، تحملها (مائة وأربعة وعشرون) عمودًا من الرخام الأبيض، صغير الحجم، متناهية فى الجمال والرشاقة، وعليها أربع قباب مضلعة، تقع كل واحدة منها وسط ضلع من أضلاع المستطيل. وفى وسط الفناء نافورة الأسود الشهيرة، وهى عبارة عن نافورة مياه، يحمل حوضها المرمرى المستدير الضخم تماثيل اثنى عشر أسدًا على شكل دائرة، وقد نقش فوق دائرة هذا الحوض اثنا عشر بيتًا من قصيدة ابن زمرك الشهيرة فى وصف الحمراء، أمام كل أسد بيت منها.

*قلعة الجبل

*قلعة الجبل تقع على أحد المرتفعات المتصلة بجبل المقطم، أمر ببنائها السلطان صلاح الدين الأيوبى، وتولى هذه المهمة وزيره بهاء الدين قراقوش. وتتألف القلعة من مساحتين من الأرض مستقلتين: المساحة الشمالية تقترب من شكل المستطيل، ولها أبراج بارزة، ويفصلها عن المساحة الجنوبية جدار سميك ذو أبراج، وفى وسط الجدار باب القلعة الذى يعرف باسم الباب الجوانى. والجزء الشمالى من القلعة كان الحصن نفسه، أما الجزء الجنوبى فكان يضم الملحقات والقصور السلطانية وما يتبعها من إصطبلات، وغيرها. وقد ظلت قلعة الجبل تمثل مركز الحكم ومقر إقامة الحكام طوال الفترة الممتدة من أيام السلطان الكامل الأيوبى حتى عهد الخديو إسماعيل. وأضاف المماليك إلى القلعة إضافات كثيرة، وشيدوا بها عمائر جديدة من مساجد وقصور وأبراج وأحواش وقاعات، وغيرها. ولما كانت القلعة هى مركز الحكم فقد أدى هذا إلى تعرضها لأحداث ضخمة، سياسية وحربية واجتماعية، من أشهرها مذبحة القلعة، التى تمكن فيها محمدعلى من التخلص من زعماء المماليك بمصر.

*الكتابة

*الكتابة بُعث النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أمة أمية، لاتعرف القراءة والكتابة إلا قليلاً، وممن عرفها من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبى سفيان، وعثمان بن عفان، وسعيد بن العاص، والمغيرة بن شعبة، رضى الله عنهم. وكانوا يكتبون للرسول - صلى الله عليه وسلم - الوحى والكتب المرسلة إلى الملوك والأمراء. واتخذ أبو بكر فى خلافته عثمان بن عفان كاتبًا، واتخذ عمر زيد بن ثابت وغيره، واتخذ عثمان مروان بن الحكم، واتخذ على عبد الله بن أبى رافع. وبانتقال الخلافة إلى بنى أمية تعددت مصالح الدولة، وتبعًا لذلك تعدد الكُتَّاب وصاروا ذوى تخصصات مختلفة، فمنهم: (كاتب الرسائل): ويكتب إلى الملوك والعمال، وغيرهما. (كاتب الشرطة): ويكتب التقارير عما يقع من أحوال القواد والديات، وغيرها. (كاتب الجند): ويسجل أسماء الجند وأعطياتهم ونفقات أسلحتهم. (كاتب الخراج): ويدون حساب الخراج. (كاتب القاضى): ويكتب الشروط والأحكام. وبانتقال الخلافة إلى بنى العباس، واستقرارها فى بغداد أصبحت مهنة الكتابة ذات منزلة رفيعة، وأصبح ديوان الرسائل من الدواوين المهمة فى الدولة، وأصبح مركز صاحب هذا الديوان لايقل عن مركز الوزير، ولم يعد اتخاذ الكتَّاب مقصورًا على الخلفاء وحدهم، بل أصبح أمراء الأمراء وسلاطين بنى بويه وعمال الأقاليم يتخذون كتَّابًا يعاونونهم على الإدارة.

*الكعبة المشرفة

*الكعبة المشرفة ورد ذكرها فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركًا وهدى للعالمين}. وأول من بناها هو نبى الله إبراهيم، عليه السلام، قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. وتقع فى وسط المسجد الحرام فى مكة المكرمة. وأول من أعاد بناءها بعد إبراهيم، عليه السلام، هو قصى بن كلاب. وفى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - طغى عليها السيل، ووهنت جدرانها، فأعادت قريش بناءها، وشارك النبى - صلى الله عليه وسلم - فى نقل الحجارة. وقد أخذت الكعبة اسمها من شكلها، فهو عبارة عن مكعب منتظم تقريبًا، وفى زاويته الشرقية يستقر الحجر الأسود، والكعبة مغطاة بستارة مخملية سوداء موشاة بآيات من القرآن الكريم، ومبطنة من الداخل بالحرير الأحمر، ومكسوة من الخارج بالحرير الأسود. ويتوجه إليها المسلمون خمس مرات كل يوم لتأدية الصلاة، كما يقصدها ملايين المسلمين كل عام من جميع أنحاء العالم لتأدية فريضة الحج أو للاعتمار، فهى رمز لوحدة المسلمين فى جميع أنحاء العالم الإسلامى.

*المسجد الأقصى

*المسجد الأقصى ثانى مسجد بنى فى الأرض بعد المسجد الحرام، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يقع بالأرض المقدسة بفلسطين. ورد ذكره فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير (. كما ورد ذكره فى كثير من الأحاديث النبوية، منها مارواه البخارى فى صحيحه عن النبى - صلى الله عليه وسلم -: لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا. وقيل: إن الذى بنى المسجد الأقصى هو آدم، عليه السلام. ثم جدد بناءه إبراهيم، عليه السلام، وأول من جدده بعد بعثة النبى محمد (هو عمر بن الخطاب سنة (15 هـ). وقد مرَّ المسجد بالعديد من التجديدات والترميمات فى مختلف العصور. وظلَّ أسيرًا فى يد الصليبيين نيفًا وتسعين سنة، حتى استرده صلاح الدين الأيوبى سنة (583 هـ)، ولمَّا احتل اليهود أرض فلسطين سنة (1948م) قاموا باعتداءات متكررة عليه، منها قيامهم بإحراق المسجد فى أغسطس سنة (1969 م)، وبسلسلة من الحفريات تحته وحوله منذ سنة (1967 م) وحتى يومنا هذا.

*مسجد دمشق

*مسجد دمشق شيده الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك فوق كنيسة يوحنا المعمدان، التى كانت مبنية داخل معبد رومانى، وعوض النصارى عن تلك الكنيسة تعويضًا سخيًّا. واستغرق بناء المسجد أكثر من تسع سنوات، من سنة (86 هـ) حتى سنة (96 هـ)، وأُنفق عليه أربعمائة صندوق، فى كل صندوق أربعة عشر ألف دينار. ويتألف مسجد دمشق من صحن أوسط مكشوف، يشغل القسم الغربى منه قبة بيت المال، التى تقوم فوق ثمانية أعمدة جرانيتية. أمَّا القسم الشرقى فيشغله قبة الساعات التى أُنشئت فى عام (400 هـ)، وتحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة الجنوبى. وبالمسجد تسعة أبواب، وثلاث مآذن. وكانت جميع سقوف الأروقة وجدرانها وبطون العقود والدهاليز والأقسام العليا من رواق القبلة مكسوة إلى ارتفاع سبعة أمتار برسوم من الفسيفساء. إلا أن المسجد تعرض على مر الزمان لأضرار بالغة، فقد احترق خمس مرات، وأُعيد بناؤه، مما أفقده كثيرًا من عناصره المعمارية الأولى، وإن احتفظ بتخطيطه الأول.

*مسجد السلطان حسن

*مسجد السلطان حسن بدأ السلطان حسن عمارته سنة (757 هـ)، واستمر العمل فيه ثلاث سنوات دون انقطاع. والمسجد لايزال موجودًا بميدان محمد على تجاه باب العزب من قلعة الجبل. وهو أضخم مساجد مصر عمارة، وأعلاها بنيانًا، وأكثرها فخامة، وأحسنها شكلاً، وأجمعها لمحاسن العمارة، وأدلها على عِظَم الهمَّة، وغاية الكد الذى بذل فى إنشائه. ويبلغ طول المسجد (150) مترًا، وعرضه (68) مترًا، ومساحته (7906) أمتار مربعة، وارتفاعه عند بابه (37.70) سنتيمترًا، وعلى جوانب صحن الجامع أربعة إيوانات معدة لإقامة الشعائر الدينية. وفى كل زاوية من زواياه باب يوصل إلى إحدى المدارس الأربع التى شيدها منشئ الجامع ليدرِّس فى كل مدرسة منها مذهب من مذاهب الفقه الأربعة المشهورة. وإيوانه الشرقى من أكبر الإيوانات، سقفه معقود عقدًا ستينيًّا فوق نصف الدائرة، وهو أكبر عقد بنى على إيوان بمصر. والإيوانات الثلاثة الأخرى، سقف كل واحد منها على شكل نصف أسطوانة من الحجر، ومساحتها متقاربة، وفى وسط الإيوان الشرقى محراب جميل، وعن يمينه منبر من الرخام الأبيض، وبجانبى القبلة، التى تقع فى الوجهة الشرقية بابان يوصلان إلى القبة العظيمة، التى تبلغ مساحتها (751) مترًا مربعًا، وارتفاع جدرانها (30.20) سنتيمترًا، إلى مبدأ القبة التى تبلغ ذروتها (48) مترًا. وبالجانب القبلى الشرقى المنارتان العظيمتان، اللتان يبلغ ارتفاع كبراهما (81.60) سنتيمترًا. وبالجملة، فإن مسجد السلطان حسن من أروع الآثار الإسلامية، فجميع الزخارف وآثار الصناعة فى داخل المسجد وخارجه تسترعى النظر، وخاصة عند بوابة الدخول العامة والوجهة القبلية الشرقية التى تعلوها المنارتان والرفرف الكبير المركَّب من ستة مداميك مقرنصة، والعلو الشامخ فى سائر الوجهات مع ما فيها من النوافذ على ثمانى طبقات. وهو من أهم المساجد التى يحرص على زيارتها السائحون.

*مسجد السليمانية

*مسجد السليمانية شيده المهندس العثمانى سنان، أعظم المعماريين، فى الفترة من سنة (957 - 964 هـ)، وأروع ملامح المسجد القبة الرئيسية، التى يبلغ قطرها (26.50) سنتيمترًا، وارتفاعها (53) مترًا، وهى أطول قباب إستانبول ارتفاعًا بعد آياصوفيا، وترتكز القبة على أربع دعامات ضخمة، ولزيادة اتساعها من ناحية المدخل والقبلة أُضيف إليها نصف قبة من كل ناحية بارتفاع (40) مترًا، ثم وسعت هاتان المنطقتان بحنيات ركنية إضافية، أمَّا المساحتان الموجودتان إلى اليمين واليسار فقد غطيت كل منها بخمس قباب. ويوجد بالمسجد شمعدانات ضخمة بقياس قامة الرجل من النحاس الأصفر الأصلى، ومرصعة بالذهب الخالص، وكل واحد منها يزن (20) قنطارًا، وحول سقف القبة فى الداخل صفان من الرواق يقومان على عواميد ويضاءان بعدد كبير من المصابيح بلغ نحو (22) ألف مصباح، وفيه كذلك عدة آلاف من قطع الزينة معلقة بالسقف. وبلغ عدد الخدم المعينين لخدمة المسجد ثلاثة آلاف خادم.

*مسجد قرطبة الجامع

*مسجد قرطبة الجامع قام بإنشائه عبد الرحمن الداخل فى أواخر أيامه سنة (170 هـ)، فى الطرف الجنوبى لمدينة قرطبة، وجلب إليه الأعمدة الفخمة والرخام المنقوش بالذهب واللازورد، لكنه تُوفِّى قبل إتمامه، فأتمه ولده هشام، وزاد فيه من بعده ملوك بنى أمية، حتى غدا أعظم مساجد الأندلس. وبلغ ما أنفقه عليه عبد الرحمن الداخل وحده، مائة ألف دينار. ومازال المسجد قائمًا حتى اليوم بكامل أروقته ومحاريبه، لكنه تحول منذ القرن السادس عشر الميلادى إلى كنيسة قرطبة العظمى، وعلى الرغم من أن الهياكل قد أقيمت فى جميع عقوده الجانبية، وأقيم فى وسطه مصلَّى عظيم على شكل صليب، فإنه مازال يحمل بالإسبانية اسمه القديم المسجد الجامع. وقد أزيلت قبابه ومعظم زخارفه الإسلامية، لتحل مكانها الزخارف النصرانية، ولكن محاريبه الفخمة مازالت تحتفظ بنقوشها الإسلامية، وآياتها القرآنية. ويقع المسجد وسط شبكة من الدروب الأندلسية القديمة، على مقربة من القنطرة الرومانية العربية القائمة على نهر الوادى الكبير. ويبلغ طوله (185) مترًا، وعرضه (135) مترًا. وله عدة أبواب كبيرة فخمة، مازالت تحتفظ بكثير من نقوشها الإسلامية.

*المسجد النبوى

*المسجد النبوى هو مسجد يقع وسط المدينة المنورة، بناه النبى - صلى الله عليه وسلم - منذ أن قدم إلى المدينة، وألحق به مساكن لزوجاته، وجعل تخطيطه على هيئة فناء مربع متساوى الأضلاع تقريبًا، يبلغ طول ضلعه نحو (70) ذراعًا، وتحف به جدران أربعة، ارتفاع كل منها نحو (7) أذرع، ويتجه أحد جوانبه نحو المسجد الأقصى فى الشمال، والجانب المقابل نحو الكعبة المشرفة فى الجنوب. وجُعلت القبلة فى الجدار الشمالى من حجارة منضودة بعضها فوق بعض. وبعد نحو سبع سنوات من الهجرة سنة (7 هـ) ضاق المسجد بالمصلين، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بتوسعته، فأصبح طول كل ضلع بالمسجد (100) ذراع. ولم يكن المسجد يشتمل فى ذلك الوقت على مئذنة، إذ كان المؤذن ينادى للصلاة من فوق سطح أحد البيوت العالية المجاورة للمسجد. وصار تصميم المسجد النبوى بالمدينة نموذجًا للمساجد الجامعة، التى أسسها المسلمون فى المدن المفتوحة. وفى عهد الوليد بن عبد الملك أُعيد بناء المسجد النبوى إعادة شاملة، على يد عمر بن عبد العزيز، واليه على المدينة، سنة (91 هـ)، وعندما تولى المهدى العباسى الخلافة أمر بعمارة المسجد سنة (160 هـ)؛ فوسعه باتجاه الشمال بنحو (30) مترًا، وفتح بابين جديدين فى الجدار الشمالى. وفى عصر المماليك تم تزويد الحجرة النبوية بقبة، وفى عهد السلطان عبد المجيد، تمت إعادة بناء المسجد وزخرفته وفق الطراز العثمانى، وفى العصر الحديث قامت المملكة العربية السعودية بتوسعة المسجد وعمارته.

*المفتى

*المفتى هو من يقوم ببيان حكم الله تعالى، بمقتضى الأدلة الشرعية، على جهة العموم والشمول. ومن حيث المكانة العلمية قد يكون المفتى مجتهدًا، أو يفتى على مذهب إمامه المجتهد، كمن يفتى على مذهب أبى حنيفة أو مالك أو الشافعى أو أحمد بن حنبل. وفى الحالة الأولى تتوافر فى المفتى شروط الاجتهاد، وهى: المعرفة بكتاب الله وسنة نبيه (فهمًا واستنباطًا، أى معرفة الأحكام الواردة فيهما، والقدرة على استنباطها واستنباط أمثالها مما يجدُّ من الأمور ويراد معرفته، عملاً بما دلَّ عليه الكتاب والسُنَّة، من مصادر أخرى مثل الإجماع والقياس. أى أن هذه الحالة تقتضى من المفتى المجتهد معرفة واسعة بأدوات الاستنباط وطرائقه. أما فى حالة الفتوى على مذهب الإمام المجتهد، فينبغى أن يكون المفتى مطَّلعًا على مآخذ المجتهد المطلق الذى يقلده، وأن تكون لديه القدرة على التفريع عن قواعد إمامه وأقواله. والإفتاء فرض عين على المفتى، إذا لم يوجد غيره ممن يقدر على الإفتاء، وإن لم يُطلب منه الإفتاء، وفرض كفاية إذا وُجد غيره ممن يقدر عليه. والأصل أن المفتى لاينال أجرًا على إفتائه، سواء كان بأن يطلب هو الأجر أو يطلب منه غيره أخذه.

*مقبرة تيمورلنك

*مقبرة تيمورلنك أمر ببنائها تيمورلنك، وتعكس تصميماتها ونقوشها كل سمات عهده من القوة، والجبروت، والترف، والجمال. وفى سنة (806 هـ) مات حفيد تيمورلنك، الذى كان يؤهله لتولى الحكم بعده، فدفن بالمقبرة، ثم توفِّى تيمورلنك بعد عامين، فدفن إلى جواره. وكان تيمورلنك قد أوصى قبل وفاته بأن يدفن عند قدمى أستاذه ومعلمه مير سيد بركة، فجئ بجثمانه من بلده اندخوى فى أفغانستان، ودفن فى الضريح، ووُضِع بحيث يكون قبر تيمورلنك بمحاذاة قدميه. وأضيفت إلى المقبرة بلاطة من صخرة اليشم الأخضر الداكن، فريدة فى حجمها، استجلبها أولوغ بك بعد عشرين عامًا من موت تيمورلنك، وعلى البلاطة كتبت باللغة العربية سيرة تيمورلنك ونسله.

*مقياس النيل بالروضة

*مقياس النيل بالروضة بنى بأمر الخليفة العباسى المتوكل على الله سنة (247 هـ)، على يد المهندس أحمد بن محمد الحاسب. وهو عبارة عن بئر مساحتها نحو (6) أمتار مربعة و (20) سنتيمترًا، ويتكون مقياس النيل من ثلاث طبقات: (الطبقة الأولى) ذات تخطيط مربع، وطول ضلعها أطول من طول ضلع (الطبقة الوسطى)، التى تأخذ تخطيطًا مربعًا أيضًا بحيث يكون ضلعها أطول من قطر (الطبقة السفلى). وبفضل هذا التصميم استطاعت الجدران أن تتحمل الضغط الأفقى للأرض الذى يزداد كلما ازداد العمق. واستخدم فى كسوة الجدران ملاط استطاع أن يقاوم تأثير الماء، وكان ماء النيل ينساب إلى البئر عن طريق ثلاث فتحات بعضها فوق بعض، تصب ماءها فى البئر من خلال ثلاث فتحات فى الجانب الشرقى. وصممت واجهات الفتحات على هيئة دخلات غائرة فى الجدران تتوجها رمانية مقلوبة، وتعتبر هذه العقود المدببة أقدم أمثلة معروفة لهذا الطراز من العقود فى مصر الإسلامية. ويوجد حول جدران البئر من الداخل درج دائرى يصل إلى القاع، وتحيط بأعلاه من الداخل كتابة كوفيَّة تمثل أقدم كتابة أثرية مؤرخة فى مصر. ويقوم فى وسط البئر عمود من الرخام مثمن، مقسم إلى تسعة عشر قسمًا، طول كل قسم منها ذراع واحدة، وكل ذراع مقسمة إلى أصابع. وتم إصلاح المقياس فى عهد أحمد بن طولون، الذى وضع اسمه عليه، وأبقى على التاريخ الأصلى.

*المكتبة الأموية بالأندلس

*المكتبة الأموية بالأندلس من عظمى مكتبات العصور الوسطى. أنشأها الحكم بن عبد الرحمن الناصر، الذى تولى الأندلس فى الفترة من سنة (350 هـ) حتى سنة (366 هـ)، وكان يشغف بجمع نفائس الكتب من مختلف الآفاق، فكان يبعث إلى أكابر العلماء المسلمين فى كل قطر بالصلات الجزيلة، للحصول على النسخ الأولى من مؤلفاتهم، كما أهدى إليه كثير من علماء عصره مؤلفاتهم، وكانت له طائفة من مهرة الوراقين بأنحاء البلاد، ولاسيما فى بغداد والقاهرة ودمشق، ينقبون له عن الكتب، ويحصلون منها على النفيس والنادر، كما كانت له فى بلاطه طائفة أخرى من البارعين فى نسخ الكتب، وتحقيقها، وتجليدها، وتصنيفها. ولمَّا ضاقت أبهاء القصر باستيعاب العدد العظيم من الكتب الواردة إليها باستمرار، أنشأ الحكم على مقربة من القصر صرحًا عظيمًا خاصًّا بالمكتبة، تفنن المهندسون فى ترتيبه وتنسيقه، وإنارة أبهائه. وقد اختُلِف فى تقدير محتويات المكتبة، فقدرها بعض المؤرخين بأربعمائة ألف مجلد، وقدرها البعض الآخر بستمائة ألف مجلد.

*مكتبة بغداد

*مكتبة بغداد مؤسسة علمية ثقافية ظهرت إبان العصر العباسى الأول، واجتمع فيها العلماء والباحثون للبحث والدرس، ولجأ إليها طلاب العلم والمعرفة، ودُرِّسَت بها علوم الطب والفلسفة والحكمة وغيرها، وكان لذلك كله أثر واضح فى تطور الثقافة العربية، وازدهار الحركة العلمية فى ذلك الوقت. ويُنسب إنشاء مكتبة بغداد إلى الخليفة العباسى هارون الرشيد المتوفَّى سنة (193 هـ)، وبلغ نشاطها ذروته فى عهد الخليفة المأمون، المتوفِّى سنة (218 هـ). وكان تصميمها من الداخل عبارة عن غرف عديدة، تمتد بينها أروقة كثيرة، بينها أروقة طويلة، وخصصت للكتب غرفة مزودة بأرفف تُصفُّ عليها الكتب، وللمحاضرات والمناظرات قاعة معدة، وأخرى للاستراحة، وقُسِّمَ باقى الغرف إلى أقسام، تبعًا للعاملين فيها، فهناك غرف للمترجمين، وغرف للناسخين، وغرف للمجلدين والوراقين، وغرف للخازنين والمناولين، بالإضافة إلى غرف خاصة للتدريس، وأخرى لسكن طلاب العلم. وقد قل الاهتمام بالمكتبة بعد وفاة المأمون، وانتقال مركز الخلافة إلى سامَرَّاء على يد الخليفة المعتصم بالله، المتوفَّى سنة (227 هـ)، ثم حظيت ببعض العناية فى عهد الخليفة المتوكل على الله، المتوفَّى سنة (247 هـ). وظلت المكتبة قائمة حتى دهم المغول بغداد سنة (656 هـ)، وهدموا مافيها من منشآت، وكانت المكتبة فيما تهدم، وأحرقت كتبها، وطُمست معالمها، بعد أن ظلت ما يزيد على أربعة قرون ونصف القرن جامعة إسلامية ومنارة للعلم والعلماء.

*الوزارة

*الوزارة المعنى الأصلى للوزارة هو المعاونة والمؤازرة، واستحدث منصب الوزارة عند المسلمين لأول مرة فى العصر العباسى الأول، وأول من لقب بلقب الوزارة هو أبى العباس السفاح، الذى كان لقبه وزير آل محمد. ويعد منصب الوزير تطورًا لمنصب الكاتب فى العهد الأموى. وقد وصلت الوزارة إلى حد بعيد من القوة والاستقرار فى عصر هارون الرشيد، الذى استوزر يحيى بن خالد البرمكى، وفوضه تفويضًا مطلقًا فى السلطة، ونما نظام الوزارة فى عصر المأمون، الذى أطلق يد وزيره الفضل بن سهل فى الإدارة بمرسوم خطى خاص. وفى نهاية القرن التاسع الميلادى ضعف مركز الوزراء؛ لتسلط الترك وانتقال السلطة إلى قبضة جنودهم، ثم انتعش نظام الوزارة بانتعاش سلطة الخلفاء بعد ذلك. وكادت الوزارة تكون وراثية فى بعض الأسر، مثل آل الجراح، وآل وهب، وآل الفرات. وتنقسم الوزارة إلى نوعين من حيث السلطة: (وزارة التفويض)، و (وزارة التنفيذ). وسميت الوزارة فى ظل الدولة العثمانية: (الصدارة العظمى)، وسمى الوزير: (الصدر الأعظم)، وأول من تولى (الصدارة العظمى) فى الدولة العثمانية هو علاء الدين على سنة (728 هـ) فى عهد سلطانها الثانى أرخان غازى بن عثمان، وآخر سلاطينها أحمد توفيق سنة (1919 م) فى عهد السلطان محمد السادس وحيد الدين بن عبد المجيد.

*تاج محل

*تاج محل تاج محل: ضريح شيَّده الإمبراطور المغولى شاه جهان ليكون مدفنًا لزوجته ممتاز محل فى مدينة أكرا بالهند، وقد بدأ البناء فى هذا الضريح سنة (1041 هـ)، واكتمل بعد سبعة عشر عامًا، وقيل: بعد اثنين وعشرين عامًا. ويقع الضريح على الضفة اليسرى من نهر جمنا، وتتقدمه حديقة فخمة بها حوض ماء، تنعكس عليه صورة المبنى نفسه، ويتقدم الحديقة بناء - عبارة عن خان - يستخدم حاليًّا كبوابة ضخمة، ويوجد وراء الضريح - على بعدٍ - مسجد. والضريح مرصع بالمرمر، ناصع البياض، فى حين بُنِى المبنيان اللذان يقعان خلفه وأمامه من الحجر الأحمر، وقد أدى ذلك إلى إبراز الضريح بمرمره الأبيض. وقد شُيِّد الضريح فى وسط مصطبة مربعة، وهو بناء مشطوف الأركان، وفى كل شطف عقدان، أحدهما فوق الآخر، ويتوسط الواجهة المدخل، وفى كل من جانبى المدخل عقدان يتماشيان مع عقدى الأركان، وتفصل بين العقود جميعًا أعمدة رشيقة مندمجة ترتفع إلى مافوق الضريح. ويعلو البناء قبة بصلية ضخمة فوق رقبة طويلة. أما فى الداخل فيوجد قبران من المرمر، هما: قبر شاه جهان، وقبر زوجته ممتاز محل، يحيط بهما حجاب رشيق من الرخام، يصل ارتفاعه إلى (2.25) سنتيمترًا، وسطح البناء من الداخل مبنى على هيئة قبة نصف كروية هى القبة الداخلية التى تعلوها القبة الخارجية البصلية. وقد جمع ضريح تاج محل بين فخامة المظهر والدقة المعمارية، وجمال العناصر الزخرفية، ويعد الضريح قمة عمارة الأضرحة.

*ديوان البريد:

*ديوان البريد: أصل هذا الديوان فى الواقع كان موجودًا منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فقد بعث كثيرًا من الرسائل إلى الملوك والأمراء المعاصرين له، يدعوهم إلى الإسلام، وحمل هذه الرسائل سفراء ومبعوثون من قِبله، لكن «معاوية بن أبى سفيان» أنشأ لهذا النوع من العمل ديوانًا خاصا، وهو الجديد فى ذلك الأمر، وجعل له موظفين معينين، يقومون على العمل به، وقام «ديوان البريد» بمهمتين: - الأولى: نقل الرسائل من دار الخلافة وإليها، وكان بعضها رسائل داخلية، وهى المتبادلة بين الخليفة وولاة الأقاليم وكبار الموظفين، وبعضها الآخر رسائل خارجية وهى التى يتبادلها الخليفة مع ملوك الدول الأجنبية وزعمائها. - والأخرى: مراقبة أعمال الولاة وكبار الموظفين، ومتابعة سلوكهم وأسلوبهم فى إدارة ولاياتهم، وموافاة الخلافة بتقارير منتظمة؛ حتى يكون الخليفة على علم تام بكل ما يجرى فى كل الولايات. وكانت تلك المهمة جليلة الشأن، تُطْلع الخليفة على أى خلل أو قصور فى الإدارة، فيسارع إلى تدارك ذلك، ولذا اهتم الأمويون بديوان البريد اهتمامًا عظيمًا لأثره البالغ فى حسن سير الإدارة ومراقبة الموظفين.

*ديوان الخاتم

*ديوان الخاتم وهو يختص بحفظ نسخة من المراسلات التى كانت تدور بين الخليفة وولاته وكبار موظفيه فى الداخل، أو بينه وبين غيره من الحكام الأجانب، بعد ختمها بخاتم خاص، وهو بذلك أشبه ما يكون بإدارة الأرشيف فى النظم الإدارية الحديثة، وكانت النسخة المرسَلة تُطوَى وتغلق بالشمع، حتى لا يمكن فتحها والاطلاع على محتوياتها إلا عند الضرورة، وقد أنشأ هذا الديوان «معاوية بن أبى سفيان»؛ لمنع التزوير والتلاعب فى مراسلات الدولة. وكان ختم الرسائل بخاتم خاص معروفًا فى الدولة الإسلامية منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، فعندما عزم النبى - صلى الله عليه وسلم - على إرسال رسائله إلى الملوك والأمراء المعاصرين له، لدعوتهم إلى الإسلام، قال له بعض أصحابه: إن الأعاجم - يقصدون «كسرى» و «قيصر» - لا يقبلون رسالة إلا إذا كانت مختومة؛ فاتخذ خاتمًا من فضة لختم رسائله، نقش عليه: محمد رسول الله، واتخذ له حاملا خاصًا، سُمى «حامل خاتم النبى»، وكان اسمه «معيقب بن أبى فاطمة الدوسى»، وظل الخلفاء الراشدون يستخدمونه فى ختم رسائلهم حتى سقط من يد «عثمان بن عفان» - رضى الله عنه - فى بئر «أريس»، فاتخذ خاتمًا آخر صنع على مثاله، لكن «معاوية بن أبى سفيان» طوَّر تلك البدايات طبقًا لمقتضيات العصر، واتساع رقعة الدولة، وكثرة المراسلات المتبادلة.

*ديوان الرسائل:

*ديوان الرسائل: ووظيفته صياغة الكتب والرسائل والعهود التى كانت تصدر عن دار الخلافة، سواء إلى الولاة والعمال فى الداخل، أو إلى الدول الأجنبية، كما يتلقى الرسائل الآتية من تلك الجهات أيضًا، وعرضها على الخليفة. وكان كُتاب ذلك الديوان يختارون بعناية، من بين المشهورين بالبلاغة والفصاحة، والمعروفين بالتبحر فى اللغة العربية وآدابها وعلوم الشريعة الإسلامية، والمتصفين بالمروءة والأخلاق الحميدة، كما يراعى أن يكونوا من أرفع الناس حسبًا ونسبًا. وقد حفل العصر الأموى بأفذاذ الكتَّاب، كان أشهرهم على الإطلاق «عبدالحميد بن يحيى»، كاتب الخليفة «مروان بن محمد»، آخر خلفاء «بنى أمية»، وصاحب الرسالة المشهورة التى وجهها إلى الكُتَّاب ناصحًا ومعلمًا، وهى آية من آيات الفصاحة والبلاغة، وضمّنَها الشروط التى يجب أن توجد فى من يقوم بتلك المهمة الجليلة بين يدى الخلفاء والأمراء. واختص «ديوان الرسائل» - إلى ما سبق - بقيامه بالعلاقات الخارجية مع الدول الأجنبية، وإشرافه على الوفود التى كانت تأتى من الخارج، لعقد معاهدة أو تبادل منافع، وتعهدهم فى بيوت الضيافة المعدة لذلك، وتعيين المرافقين لهم - حسب أهميتهم - طوال مدة إقامتهم، وإطلاعهم على المعالم والأماكن التى تستحق الزيارة، كما كان يشرف على الوفود التى كانت ترسلها الدولة الأموية إلى الخارج، وإعدادها الإعداد الكافى، وهذا يعنى أن «ديوان الرسائل» كان يقوم بما يشبه وظيفة وزارة الخارجية فى الحكومات المعاصرة.

*ديوان العمال

*ديوان العمال ويختص بتسجيل أسماء الموظفين المدنيين فى الدولة، وترتيب أعمالهم ووظائفهم، وتحديد رواتبهم، وقد سبقت الإشارة إلى أن سجلات ذلك الديوان فى «البصرة» وحدها فى ولاية «عبيدالله بن زياد» (55 - 64هـ)، كانت تحوى مائة وأربعين ألف موظف مدنى.

*الحسبة

*الحسبة الحسبة نظام إسلامى يقوم بالإشراف على المرافق العامة، ومنع أى انحراف، وعقاب المذنبين، وهى وظيفة دينية شبه قضائية، عرفها التاريخ الإسلامى من بدايته. تقوم على فكرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، امتثالا لقوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}. [آل عمران: من 104]. والأصل فى هذا النظام الإسلامى هو قيام الناس جميعًا بهذا الواجب الذى هو من فروض الكفاية، لكن الدولة الإسلامية لم تدع ذلك الأمر للأفراد؛ خوفًا من حدوث فتن ومشاحنات، وإنما نظَّمته، وجعلته وظيفة خاصة لها مسئول، يعاونه عدد كبير من الناس. ولا يعنى تنظيم الدولة لوظيفة «الحسبة» منع الأفراد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل من واجبهم القيام بهذا، بشرط أن يكون القائم به عالمًا فقيهًا، وألا يؤدى أمره بالمعروف إلى منكر، ونهيه عن المنكر إلى منكر أشد، وأن يكون عمله عن طريق النصيحة. ولما لم يكن من طبيعة الناس كلهم الاستجابة إلى النصح بالتى هى أحسن، فقد نشأت وظيفة «المحتسب»، واشترط فى شاغلها أن يكون من أهل الهيبة، ليضرب بقوة على أيدى العابثين بأمن المجتمع فى غذائه وصناعته وتجارته، وعلى من لا يراعى أصول الشريعة ومبادئها فى سلوكه، ويضايق الناس بأقواله وأفعاله. ولم يقتصر عمل «المحتسب» على ضبط سلوك العامة، ومراقبة أعمالهم، وإنما شمل كبار موظفى الدولة، لحملهم على أداء عملهم على أفضل ما يكون، ومنعهم من الفساد والتعدى على الناس وقبول الرشوة، وغير ذلك. وبدأ نظام «الحسبة» مع بداية الدولة الإسلامية، مثل غيره من النظم التى سبق الحديث عن بعضها، فقد ثبت فى الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أول من باشر عمل «المحتسب» بنفسه، مما يدل على أهميته، فروى «أبو هريرة» - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل يبيع القمح فى سوق

«المدينة» وأمامه صبرة - كومة كبيرة - فأدخل فيها يده الشريفة، فأصابت بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟». فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس؟ من غشَّ فليس منَّا». [صحيح مسلم]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعين من الصحابة من يقوم بهذا العمل ويراقب الأسواق لمنع الغش فى كل شىء، فكلَّف «عمر بن الخطاب» بمراقبة سوق «المدينة المنورة»، وعين «سعيد بن العاص» لمراقبة سوق «مكة» بعد فتحها. واستمر الخلفاء الراشدون يباشرون عمل «المحتسب» بأنفسهم أحيانًا، وينيبون غيرهم للقيام به فى أحيان أخرى. ولما اتسعت الدولة الإسلامية فى عصر «بنى أمية»، عجز الخلفاء عن القيام بعمل «المحتسب» بأنفسهم؛ لانشغالهم بمهام كثيرة سياسية وإدارية وعسكرية، وخصصوا لهذا العمل من يقوم به، وأصبح نظام «الحسبة» ووظيفة «المحتسب» من أهم النظم الإسلامية التى تعمل على سلامة المجتمع، وتنقيته من كل المفاسد. وقد امتد عمل «المحتسب» إلى كل مجالات الحياة تقريبًا، وقد لخَّص «ابن خلدون» فى مقدمته اختصاصات «المحتسب» فقال: «ويبحث - المحتسب - عن المنكرات، ويعزِّر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة فى المدينة، مثل المنع من المضايقة فى الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار فى الحمل - لئلا تغرق السفينة بمن فيها - والحكم على أهل المبانى المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقَّع من ضررها على السابلة - أى: المارة فى الطريق - والضرب على أيدى المعلمين فى المكاتب وغيرها فى الإبلاغ - أى المبالغة - فى ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك، ويرفع إليه، وليس له الحكم فى الدعاوى مطلقًا، بل فيما يتعلق بالغش والتدليس فى المعايش وغيرها، وفى المكاييل

والموازين، وله أيضًا حمل المماطلين على الإنصاف، وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بيِّنة، ولا إنفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزَّه القاضى عنها لعمومها، وسهولة أغراضها، فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء». وإذا نظرنا إلى عمل «المحتسب» الذى هدفه هو راحة الناس فى ضوء النظم الحكومية المعاصرة نجده موزعًا بين العديد من الوزارات والهيئات، مثل وزارة التموين، والصحة، والصناعة، والتعليم، والزراعة، والداخلية، والنيابة العامة، ومصلحة الدمغة، والموازين، والمرافق بمختلف أنواعها.

*الشرطة

*الشرطة يُعدُّ جهاز «الشرطة» من أقدم الأجهزة فى الدولة الإسلامية، فقد عُرف منذ عهد النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان له «صاحب شرطة» - أى رئيس لها - فعن «أنس بن مالك» أنه قال: «كان قيس بن سعد بن عبادة من النبى - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير». [صحيح البخارى]. ومن الذين عُرفوا بالقيام بوظيفة الشرطى فى «المدينة» فى عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «سعد بن أبى وقاص» و «بديل بن ورقاء»، و «أوس بن ثابت بن عرابة»، و «رافع بن خديج». واستمر الخلفاء الراشدون فى الاستعانة ببعض الصحابة للقيام بعمل الشرطى؛ استتبابًا للأمن، وحفظًا للنظام، وتعقبًا للجناة والمفسدين فى الأرض، وتنفيذًا للأحكام والحدود التى يحكم بها القضاة. وقد ازدادت أهمية جهاز «الشرطة» فى الدولة الأموية، نظرًا إلى الظروف التى كانت تحيط بها، وكثرة الخارجين عليها والثائرين ضدها، فتوسعت فى استخدام «الشرطة»، حتى أصبح جهازًا من أكبر أجهزة الدولة، قادرًا على حفظ الأمن وتطهير البلاد من عناصر الفساد والعبث بالنظام العام للمجتمع. وحرص الأمويون على اختيار رجال شرطتهم من أهل الشرف والبأس الشديد، والعفة والمروءة والحزم، وأعطوا «صاحب الشرطة» الحرية التامة فى اختيار معاونيه، ليؤدوا مهمتهم على الوجه الأكمل، فيروى عن «الحجَّاج بن يوسف الثقفى» والى «العراق» والمشرق الإسلامى أنه قال: «دلونى على رجل للشرطة»، فقيل له: «أى الرجال تريد؟» قال: «أريده دائم العبوس - أى جاداً فى ملامحه- طويل الجلوس، سميق الأمانة، أعجف الخيانة -أى لا يخون-» فقيل له: «عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمى»، فأرسل إليه يستعمله على «الشرطة»، فقال: «لست أقبلها إلا أن تكفينى عيالك وولدك وحاشيتك»، فقال «الحجاج»: «يا غلام نادِ فى الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة». ويعلّق «الشعبى» راوى هذا الخبر بقوله: «فو الله ما رأيت

صاحب شرطة قط مثله، كان لا يحبس إلا فى دين - أى: من أجل مخالفة لتعاليم الدين - وكان إذا أُتى برجل قد نقَّب على قوم وضع منقبته فى بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أُتى بنبَّاش حفر له قبرًا فدفنه فيه، وإذا أُتى برجل قاتل بحديدة أو شهر سلاحًا قطع يده، وإذا أتى برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه .. فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد - لخوف الناس منه لشدته وهيبته - فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة». وبعد هذا الحديث الموجز عن النظم والإدارة فى العصر الأموى يمكن القول: إن إدارة الأمويين للدولة الإسلامية كانت إدارة حسنة بصفة عامة، تقوم على أسس ثابتة، تبغى الصالح العام، وإشاعة الأمن والاستقرار فى الدولة المترامية الأطراف، وإن شاب ذلك بعض القصور والأخطاء، وحسب الأمويين أنهم لم يكفُّوا عن تطوير أجهزة الدولة ودواوينها التى كانت موجودة قبلهم، واستحدثوا غيرها حين دعت الضرورة إلى ذلك، وأنهم بذلوا جهدًا فى التدقيق فى اختيار الولاة والعمال والموظفين، وأحسنوا مراقبتهم ومتابعتهم، ونجحوا فى ذلك إلى حد كبير.

*علم الحديث

*علم الحديث الحديث فى اللغة: مطلق الكلام، وفى الاصطلاح: هو كلام النبى - صلى الله عليه وسلم -، الذى هو المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم. وقد حرص الصحابة على حفظ كل ما يسمعونه من النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يسألونه ليبين لهم ما غمض عليهم فهمه من القرآن، وهذا من وظائفه لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون}. [النحل: من 44]. وقد أمرهم الله تعالى باتِّباع النبى فى كل ما يقول أو يفعل، لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. [الحشر: من 7]. وحذَّرهم من مخالفته - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}. [النور: من 63]. وسار المسلمون على نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتلقفوا كل ما يتلفظ به، يحفظونه عن ظهر قلب ويعملون به، وكان الحديث هو أول العلوم التى اشتغلوا بها، لكنهم لم يدونوه فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ويروى أنه هو نفسه نهاهم عن ذلك، لئلا يختلط بالقرآن، فقال: «لا تكتبوا عنّى، فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه» [صحيح مسلم]، بالإضافة إلى أن الصحابة أنفسهم كانوا يتحرجون من الإكثار من رواية الحديث، تهيبًا وخوفًا من الخطأ والنسيان. - تدوين الحديث: ظلت أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتناقلها العلماء مشافهة جيلا بعد جيل، حتى نهاية القرن الأول الهجرى، وإن دوَّن بعض الناس أحاديث رسول الله كعبد الله بن عمرو الذى أذن له النبى بكتابة الحديث فى حياته، وما رواه البخارى من أن «أبا شاه اليمنى»، التمس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب شيئًا من خطبته عام الفتح، فقال: «اكتبوا لأبى شاه»، ثم أمر الخليفة «عمر بن عبد العزيز» بتدوين الحديث خوفًا من ضياعه بموت العلماء الذين يحفظونه، فكتب إلى «أبى بكر بن حزم» والى

«المدينة» وغيره من ولاة الأقاليم، وطلب منهم جمع أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - وتدوينها، ومن ثم بدأ المسلمون يقبلون على ذلك، وبمضى الزمن تضاعفت جهود العلماء فى هذا الميدان، ومن أشهر الرجال الذين اشتغلوا بجمع الحديث وروايته وتدوينه فى العصر الأموى: «محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى» المتوفى سنة (124هـ)، و «ابن جريج المكى» المتوفى سنة (150هـ)، و «ابن إسحاق» المتوفى سنة (151هـ)، و «معمر بن راشد اليمنى» المتوفى سنة (153هـ)، و «سفيان الثورى» المتوفى سنة (161هـ)، و «مالك بن أنس» المتوفى سنة (179هـ)، غير أن هؤلاء كلهم عدا «ابن شهاب الزهرى» عاشوا صدر حياتهم فى العصر الأموى وآخرها فى العصر العباسى. لكن الخطوات الحاسمة فى تدوين الحديث، ووضع المنهج العلمى الدقيق لتوثيقه، وقبول روايته، وتصنيفه إلى صحيح وحسن وضعيف، ووضع علومه، وقواعد الجرح والتعديل - أى نقد رجال السند - كل ذلك جاء فى القرن (3 هـ = 9 م)، بظهور أئمة الحديث كالبخارى و «مسلم»، و «الترمذى»، و «النسائى»، و «أبى داود» وغيرهم، وذلك فى العصر العباسى.

*علم الفقه

*علم الفقه وهو من أجل العلوم الإسلامية، فهو يعرِّف المسلم كيف يعبد ربه، بما افترضه عليه من صيام وصلاة وزكاة وحج، وينظم معاملات المسلمين ويقننها فى البيع والشراء والتجارة والزراعة وسائر شئون حياتهم. ويعد الفقهاء من أكثر علماء الإسلام أثرًا فى حياة المسلمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين». [مسند الإمام أحمد]. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة ويفقههم فى أمور دينهم، ثم تولَّى بعده الصحابة تلك المهمة، وبخاصة بعد أن اتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، ثم اتسع نطاق علم الفقه نتيجة لزيادة المشكلات والقضايا التى تحتاج إلى فتاوى وحلول، وأصبح له علماء متخصصون، لهم قدرة على استنباط الأحكام الفقهية من الكتاب والسنة، وعلى الاجتهاد لإيجاد أحكام للقضايا التى لم يرد لها نص فى كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لأن النصوص متناهية، فى حين أن المشكلات والقضايا غير متناهية ومتجددة، ولابد لها من حلول، فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، ومعنى الصلاحية أن يكون لها حل للمشكلات وإجابة عن كل الأسئلة، ومن ثم اجتهد الفقهاء فى هذا الميدان، واختلفت اجتهاداتهم طبقًا لفهمهم الكتاب والسنة؛ ونتيجة لذلك ظهرت المذاهب الفقهية المعروفة، وتراكم تراث فقهى هائل، أخذ يتزايد بمرور الزمان. وفى العصر الأموى ظهر إمامان جليلان من أئمة الفقه الكبار، هما «أبو حنيفة النعمان» و «مالك بن أنس». أمَّا أولهما فقد وُلد فى «الكوفة» سنة (80هـ) فى خلافة «عبد الملك بن مروان»، وتوفى سنة (150هـ) فى خلافة «أبى جعفر المنصور العباسى»، أى أنه عاش أغلب حياته فى العصر الأموى. وهو من أصل فارسى، تلقى الفقه على كثير من كبار العلماء، منهم «أبو جعفر الصادق»، و «إبراهيم النخعى»، و «عامر بن شراحبيل الشعبى»، و «الأعمش»، و «قتادة»، وغيرهم، واشتهر باجتهاده،

وقوة حجته، وحسن منطقه، ودقته فى استنباط الأحكام، وهو صاحب المذهب الحنفى المعروف، الذى ألَّف فيه ونشره بين الناس تلاميذه العظام، ومن أبرزهم «أبو يوسف» المتوفى سنة (182هـ) قاضى القضاة فى عهد الخليفة «هارون الرشيد»، و «محمد بن الحسن الشيبانى» المتوفى سنة (189هـ). و «زفر بن هذيل» المتوفى سنة (158هـ)، وقد انتشر المذهب الحنفى فى «مصر» و «العراق» وأواسط آسيا وغيرها. وأماَّ الآخر فقد وُلد فى «المدينة المنورة» سنة (93هـ) فى عهد «الوليد بن عبدالملك»، وتوفى سنة (179هـ) فى عهد «هارون الرشيد»، أى أنه عاش نحو نصف عمره فى العصر الأموى، وأكثر من نصفه الآخر فى العصر العباسى. نشأ «مالك بن أنس» وتفقَّه وروى الحديث فى «المدينة» وترك كتابًا عظيمًا هو «الموطأ»، الذى يجمع بين الفقه والحديث، والإمام «مالك» صاحب المذهب المالكى المعروف الذى انتشر فى «مصر» و «المغرب العربى». وقد عاصر هذين الإمامين الجليلين عدد آخر لا يقل عنهما علمًا وفقهًا، مثل: «الأوزاعى» إمام أهل الشام المتوفى سنة (157هـ)، و «الليث بن سعد» إمام أهل «مصر»، المتوفى سنة (175هـ)، غير أن مذهب هذين الإمامين الجليلين اندثر بعدهما؛ لأنهما لم يجدا تلاميذ يواصلون نشر مذهبيهما.

*القضاء

*القضاء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتولَّى القضاء بنفسه فى «المدينة»، ثم أذن لبعض أصحابه بالقضاء بين الناس، لما انتشر أمر الدعوة الإسلامية فى شبه الجزيرة العربية، وكثرت القضايا والخصومات، وكانوا يقضون على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية، والاجتهاد فيما لم يرد فيه نص من كتاب الله أو سنة رسوله، ومن الصحابة الذين كانوا يتولون القضاء فى حياة النبى - صلى الله عليه وسلم - «عمر بن الخطاب» و «على بن أبى طالب»،و «معاذ بن جبل»، و «عبدالله بن مسعود»، وغيرهم. ولما بويع «أبو بكر الصديق» بالخلافة، وانشغل بمحاربة المرتدين وتسيير الجيوش لفتح «العراق» و «الشام»، وكثرت عليه أعباء الدولة؛ خصَّ «عمر بن الخطاب» بالقضاء فى «المدينة». وفى عهد «عمر بن الخطاب» اتسعت الدولة اتساعًا كبيرًا، فعيَّن قضاة من قبله على الولايات، فعيَّن «كعب بن سور» على قضاء «البصرة»، و «شريحا» على قضاء «الكوفة»، ومن أشهر من تولوا القضاء فى عهد «عمر» «أبو موسى الأشعرى»، الذى كتب له «عمر» رسالة مشهورة، بين له فيها أهم الأسس والمبادئ التى ينبغى للقاضى أن يسير عليها، واستمر «عثمان» و «على بن أبى طالب» فى تعيين القضاة من قبلهم على الولايات. وسار الأمويون على سنة الراشدين فى تعيين القضاة على الأقاليم، وحرصوا على أن يكون قضاتهم من أهل الاجتهاد والورع والتقى، ولم يتدخلوا فى عملهم، وخضعوا لأحكامهم مثل غيرهم من عامة الناس. وقد اتسعت دائرة عمل القضاة فى العصر الأموى، نظرًا إلى اتساع مساحة الدولة، وكثرة المشاكل والمنازعات بين الناس، مما أدَّى إلى اتساع دائرة الفقه الإسلامى، لأن كثيرًا من أحكام القضاة فى تلك الفترة أصبحت قواعد فقهية عند تدوين الفقه بعد ذلك، وكان بعض القضاة يسجل أحكامه فى القضايا التى يفصل فيها، وأول من فعل ذلك قاضى «مصر» «سليم التجيبى» فى عهد «معاوية بن أبى سفيان». ومن أشهر القضاة فى العصر الأموى

«أبو إدريس الخولانى»، و «عبدالرحمن بن حجيرة»، و «أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى»، و «عبدالرحمن بن أذينة»، و «هشام بن هبيرة»، و «عامر بن شراحبيل الشعبى»، و «عبدالله بن عامر بن يزيد اليحصبى»، وكثيرون غيرهم. وقد استُحدث نظام قضاة المظالم فى العصر الأموى، وهو نوع من أنواع القضاء المستعجل، الذى يتطلب البتّ السريع فى القضايا التى لا تحتمل الانتظار، ويبدو أن الذى أدَّى إلى استحداث هذا النوع من القضاء هو حدوث خصومات بين أطراف غير متكافئة، كأن يكون أحد طرفى الخصومة أميرًا أو واليًا أو من عِلْية القوم، الأمر الذى يتطلب حزمًا وشدة، لردع الخصم المتعالى. ولم يُعمَل بهذا النوع من القضاء فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا فى عصر الخلفاء الراشدين، لأن الناس كانوا فى الغالب لا يتعالى أحدهم على خصمه، على حين تغيَّر الحال بعض التغيُّر فى العصر الأموى، ولم يعد الوازع الدينى كما كان فى العهد النبوى وعصر الراشدين، ولم يعد القضاء العادى كافيًا للفصل فى جميع المنازعات، لمجاهرة بعض الناس بالظلم والتعالى على الخصوم، فدعت الضرورة إلى إنشاء هذا النوع المسمى بقضاء المظالم، وكان له ديوان يعرف بديوان المظالم، وكانت سلطته أعلى من سلطة القاضى. ونظرًا إلى أهمية هذا القضاء وما يتطلبه من الحزم والهيبة، فقد كان بعض خلفاء «بنى أمية» يتولونه بأنفسهم، وأول من جلس منهم لقضاء المظالم هو «عبدالملك بن مروان». وكما كان قاضى المظالم يقضى بين الأفراد عامة، فإنه كان يقضى بين الأفراد وكبار المسئولين، الذين يحيدون عن طريق العدل والإنصاف من الولاة وعمال الخراج. وقد حظى القضاة فى العصر العباسى بالتبجيل والاحترام، وكان تعيينهم وعزلهم يتم بأمر الخليفة، وأول من فعل ذلك الخليفة «المنصور»، فقد عين قضاة البلاد بأمره سنة (136هـ= 753م). وقد استقرت المذاهب الفقهية فى عهد «الدولة العباسية»، وتحددت مهام

القضاة وكيفية الإجراء القضائى، وتوحد القانون وأصبحت جلسات القاضى علنية فى المسجد وخصوصًا فى عهد «المأمون». كما اهتم خلفاء العباسيين بالتثبت من الأحكام، فعيَّنوا جماعة من المُزَكِّين، وظيفتهم تتبع أحوال الشهود، فإذا طعن الخصم فى شهادة أحد الشهود سُئل عنه المزكى، كما اهتموا بأحوال القضاة المادية حتى يعيشوا فى يسر ورخاء. وقد تطور القضاء بصورة ملحوظة فى العصر العباسى، وظهر منصب «قاضى القضاة»، وكان يقيم فى عاصمة الدولة، ويقوم بتعيين القضاة فى الأقاليم والبلاد المختلفة، وأول من لقب «قاضى القضاة» «أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم»، صاحب كتاب «الخراج»، فى عهد «الرشيد». أما فى عصر المماليك فى مصر والشام فقد تعهد «الظاهر بيبرس» النظام القضائى بالإصلاح والتعديل، ورأى فى تقسيم مناصب القضاء بين قضاة المذاهب الأربعة ما يضمن العدالة بين الناس، والتيسير عليهم، فقد عين فى سنة (663هـ) أربعة قضاة يمثلون المذاهب الأربعة، وكتب لكل منهم تقليدًا، وأجاز لهم أن يولوا نوابًا عنهم فى أنحاء البلاد. امتد اختصاص قاضى القضاة، وقضاة الأقاليم، وزاد نفوذهم، وامتد فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات الحقوق والحكم بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال التى ليس لها ولى معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى، وتفقد أحوال المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل السفه، ونظر -أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة ينظرون فى مصالح الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها وتثبيت فروعها، وقبض ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك كانوا يقبضون المال الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم بتسلم أموال المواريث المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء وحفظها حتى يحضر ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة ونوابهم على المدنيين، بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة عُرف كل منهم باسم: «قاضى العسكر»، واختصوا بشئون

العسكر للفصل فى القضايا الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين المدنيين، وكانت جلسات القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية ويحضرها مَنْ شاء من الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه الجلسات، كما كانت دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم يكن هناك دور معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى الخصومات رتب القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم أحد على الآخر لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم قاعة الجلسة بعدد من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»، و «الأمناء»، و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب والنساء فى الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا شهريا، عدا ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى إدارتها، بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير والخبز واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك تنظيمًا دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة وطهارة الذمة وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم يقبلوا تدخل أحد - مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما كانوا يطلبون إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول أحد تهديد كرامتهم، أو الاعتداء من قريب أو بعيد على استقلالهم، فقد كانوا لا يقبلون الرشوة ولا الهدية، لذا أصبحت لهم مكانتهم الكريمة ومقامهم المرموق فى الدولة، وفى نظر السلاطين والأمراء، وجميع طبقات الشعب، ولعل أبرز الأمثلة للتدليل عليهم: «القاضى عبدالعزيز»، المعروف بعز الدين بن عبدالسلام (سلطان العلماء)، و «القاضى تقى الدين عبدالرحمن الشافعى» ابن بنت «الأعز»، و «القاضى تقى الدين محمد بن دقيق العيد»، وغيرهم، فقد كانوا أمثلة عظيمة وواضحة لما يجب أن يكون عليه القاضى العادل والشريف.

*الأتابك

*الأتابك «الأتابك» هو القائد العام للجيوش، وكلمة «أتابك» لفظة تركية مركبة من «أتا»، (وتعنى: أب) و «بك» (وتعنى: السيد أو الأمير) فيكون «الأتابك» هو: السيد الأب، أو الأمير الأب، أى أنه أبو الأمراء أو كبيرهم، وقد أُطلق هذا اللقب فى عهد المماليك على مقدم العساكر، أو القائد؛ لأنه يعتبر أبًا للعساكر والأمراء جميعًا، وكثيرًا ما خلع الأتابكة أبناء السلاطين من على العرش، واستولوا عليه وتولوه بدلا منهم.

*ديوان الإنشاء

*ديوان الإنشاء كانت أهم اختصاصاته تنظيم العلاقات الخارجية للدولة، وهو أول ديوان وُضع فى الإسلام، وقد نُظِّم فى عهد المماليك بأسلوب يتناسب مع مقتضيات العصر ومتطلباته، وكان مقره «قاعة الصاحب» بقلعة الجبل، حيث ترد المكاتبات إليه من جميع أنحاء الولايات والممالك التى بينها وبين بلاد المسلمين علاقات سياسية، كما كانت تحرر فيه الكتب التى كان يرسلها السلطان إلى الملوك والأمراء، وقد لُقب صاحب ديوان الإنشاء بألقاب عديدة فى أوائل عهد المماليك، فلقبوه تارة باسم: «صاحب الدست الشريف»، وأخرى باسم: «كاتب الدرج» وثالثة باسم: «كاتب الدست» وبقيت هذه تسميته إلى أن تولى «القاضى فتح الدين بن عبدالظاهر» هذا الديوان فى عهد السلطان «قلاوون» فتلقب بلقب «كاتب السر»؛ لأنه كان يكتم سر السلطان، وكانت وظيفته من أعظم الوظائف الديوانية وأجلِّها قدرًا، وكان له معاونون يساعدونه فى أداء ما عليه من التزامات وواجبات. كان من أبرزهم: «نائب كاتب السر»، ثم يليه فى المرتبة كُتَّاب الدست المتصلون بديوان الإنشاء، وكانوا يجلسون مع كاتب السر بمجلس السلطان بدار العدل.

*التنظيمات

*التنظيمات التنظيمات» كلمة عربية دخلت اللغة التركية، وتعنى فى الاصطلاح السياسى: حركة التنظيم والإصلاح على المنهج الأوربى الغربى، وفى الاصطلاح التاريخى: حركة الإصلاح التى حدثت فى الدولة العثمانية فى القرن (13هـ= 19م) مهتدية بالمؤسسات والتنظميات الأوربية، وعرفت بهذا الاسم لأنها تميزت بتنظيم شئون الدولة وفق أسس جديدة فى جميع المجالات. ويمكن تعريف حركة التنظيمات العثمانية بأنها حركة ثقافية وإصلاحية حدثت فى الدولة العثمانية فى النصف الأول من القرن (19م)، ومهدت لإقامة حكم دستورى على النمط الغربى فى البلاد، وللتقارب بين العالمين الإسلامى والمسيحى، وشملت مناحى الحياة كافة فى الديار العثمانية على حساب الحضارة الإسلامية، وانتقلت سلطة السلاطين إلى الصدر الأعظم والوزراء، وتراجعت مشيخة الإسلام إلى درجة أقل من حيث الاعتبار والنفوذ، ثم شل عملها. وكان الحكم العثمانى قبل صدور التنظيمات يستند إلى ثلاث دعامات رئيسية هى: 1 - السلطنة. 2 - الخلافة. 3 - مشيخة الإسلام. فكان الوزراء يأتمرون بأوامر السلطان، ويساعد «ديوان الوزراء» السلطان فى إدارة أمور الدولة، وتقوم مشيخة الإسلام بتقديم الشورى للسلطان. بدأ عهد التنظيمات بصدور فرمان من السلطان «محمود الثانى» باسم «فرمان التنظيمات الخيرية» فى (26 من شعبان سنة 1255هـ= 4 من نوفمبر سنة 1839م)، وانتهى عندما تولَّى السلطان «عبد الحميد الثانى» الخلافة سنة (1293هـ= 1876م)، وهى السنة التى أعلنت فيها الدولة العثمانية ما عُرف باسم «المشروطية الأولى»، أى إعلان دستور فى البلاد لأول مرة على النمط الغربى. وقد أكدت التنظيمات ضرورة إيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا الدولة على حياتهم وشرفهم وأملاكهم، ووجوب علانية المحاكمات ومطابقتها للوائح، وإلغاء إجراءات مصادرة الأملاك، وضرورة إيجاد نظام ثابت للضرائب يحل محل «الالتزام»، وتوفير نظام

ثابت للجندية بحيث لا تستمر مدى الحياة، وإنما تحدد مدتها بفترة تتراوح بين أربع وخمس سنوات. وأدى صدور هذه التنظيمات إلى حدوث تغيرات كثيرة شملت معظم مجالات الحياة، فأنشئت المحاكم المختلطة التى تقبل الشهادة من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وتَبُتُّ فى القضايا المختلفة التى يكون الأجانب أطرافًا فيها، وكان يعمل بتلك المحاكم قضاة أتراك وأوربيون، كما صدر قانون تجارى على نمط القانون التجارى الفرنسى، وأنشئت مجالس لمعاونة مجالس الولايات، يُمثَّل فيها الأهالى. وظلت القوانين الشرعية تطبق فى المحاكم التقليدية، وكذلك فى المحاكم الحديثة التى تطبق القوانين الجديدة المتصلة بالمسائل التجارية والجنائية، المأخوذة عن القوانين الغربية، وبخاصة القانون الفرنسى، وبقيت القوانين الشرعية المتصلة بالأحوال الشخصية كالطلاق والزواج بدون تعديل. وقامت لجان يرأسها من يميلون إلى الأخذ والاقتباس عن الغرب بوضع الخطط الشاملة التى تستهدف إقامة نظام تعليمى يشمل جميع مراحل التعليم المختلفة، فصدر فى سنة (1386هـ= 1869م) قانون التعليم، الذى قسَّم المدارس إلى مدارس عمومية وخصوصية، وجعل التعليم العام فى المدارس الأولية إجباريا ومجانيا لمدة أربع سنوات، ودون تفرقة بين الذكور والإناث، وتمييز بين المسلمين وغيرهم. أما التعليم الخاص فقد تناولته المادة (129) من قانون سنة (1286هـ= 1869م)، واشترطت حصول مدرسى المدارس الخاصة على مؤهلات تقرها وزارة المعارف العثمانية، وأن تقر تعيينهم السلطات التعليمية سواء أكانت محلية أم مركزية. وأنشئت مدارس خاصة للبنات والفقراء، كما أنشئت فى سنة (1276هـ= 1859م) مدرسة جديدة لتعريب الإداريين، وتدريب المعلمين الذين كانوا يدرسون الشئون العامة والأولية. وقد انفصلت مدارس الحكومة رسميا عن إشراف العلماء، ووضعت تحت إشراف وزارة المعارف ذات الصبغة العلمانية منذ

سنة (1283هـ= 1866م)، مما أدَّى إلى ازدياد الهوة بين التعليم الدينى والتعليم العلمانى، وتعميق الازدواج الثقافى. وكان للمطبعة أثر كبير فى هذا التحول منذ سنة (1251هـ= 1835م)، فقد ازداد عدد الكتب المطبوعة، وازداد عدد الصحف والدوريات، ولعب المسرح دوره فى نشر الأفكار الجديدة، وبخاصة بعد أن كثرت دور المسارح، ونشطت حركة ترجمة الكتب الغربية بما فى ذلك المسرحيات، وقد أدَّى ذلك كله إلى ظهور مسرحيات عثمانية، ساعدت على انتشار الأفكار الجديدة، بما تهيأ لها من لغة سهلة وجذابة، لقيت تجاوبًا من العامة، وأوجدت اتجاهًا مطلقًا إلى مقاومة السلطة المطلقة عن طريق إعلان الدستور وإيجاد حكومة مسئولة أمام برلمان منتخب وفق النمط الديمقراطى الذى عرفه الغرب وبخاصة فى «بريطانيا».

*الديوان الهمايونى

*الديوان الهمايونى اسم أطلق على الديوان الذى يجتمع برئاسة السلطان، لينظر فى أمور الدولة ذات الأهمية الأولى، وهو امتداد حضارى لهذه المؤسسة منذ عهد السلاجقة ثم الإيلخانيين والدول التركية الأخرى، ومثله فى ذلك مثل الديوان العالى عند السلاجقة والديوان الكبير عند الإيلخانيين والديوان السلطانى عند المماليك. كانت مهمة الديوان الهمايونى دراسة أمور الدولة السياسية والإدارية والعسكرية والعرفية والشرعية والعدلية والمالية، كما كانت مهمته النظر فى الشكاوى والقضايا، واتخاذ القرار بشأنها، وكان الديوان مفتوحًا لكل من يتمتع بحماية الدولة العثمانية مهما يكن دينه أو ملته، ومهما يكن عرقه أو مكان موطنه فى الدولة، ومهما تكن مهنته أو الطبقة الاجتماعية التى ينتمى إليها، كما كان الديوان مفتوحًا لكل رجل أو امرأة يتعرض للظلم، أو لمن صدر حكم من القضاة المحليين ضده ويرى خطأ هذا الحكم، أو لمن يشكو الولاة أو الجنود أو الضباط، أو لمن وقع عليه ظلم القائمين على الأوقاف. وكانت الشئون الإدارية والعرفية فى الديوان من اختصاص «الوزير الأعظم»، أما الشئون الخاصة بالأراضى فكانت من اختصاص «النشانجى» (التوقيعى)، أما الشئون الشرعية والقانونية فكانت من اختصاص «قاضيى عسكر»، أما الشئون المالية فكانت من نصيب «الدفتردار»، وكانت القرارات التى يتخذها والأمور التى ينظرها تسجل بدفاتر تسمى «مهمة دفترى» و «رءوس دفترى» و «نامه» و «عهد نامه» ثم تُمهر بخاتم السلطان الذى يكون عادة فى عهدة الوزير الأعظم، ثم تودع فى «الدفترخانة». ويتشكل الديوان الهمايونى من أعضاء دائمين (الأعضاء الطبيعيين)، وأعضاء مؤقتين. الأعضاء الدائمون: هم السلطان والصدر الأعظم أو الوزير الأعظم وقاضيا العسكر والنشانجى (وهو التوقيعى أو الطغرائى) والدفتردار. الأعضاء المؤقتون: هم أمير أمراء الروملى (إذا كان موجودًا فى العاصمة)، وأغا الإنكشارية، وقائد الأسطول (إذا

كان حائزًا على رتبة الوزير فيكون عضوًا دائمًا)، وشيخ الإسلام (إذا دعى للحضور). هذا بالإضافة إلى المساعد (الكادر) وأهمهم رئيس الكُتاب والتذكرجى وجاووش باشى والكُتاب. ويستطيع السلطان استخدام سلطاته أو إحالتها إلى الوزير الأعظم. سلطات الديوان الهمايونى: 1 - السياسية: يتمتع «الديوان الهمايونى» بأعلى سلطة فى الدولة بعد السلطان، ومهمته المحافظة على نظام الحكم وضمان ملائمة جميع أجهزة الدولة لهذه السلطة، ومنع القيام ضدها، وهوصاحب المسئولية فى اتخاذ ما يراه كفيلا للقيام بمهمته، خاصة أن هذا الديوان يمثل قوى رأس الدولة كلها. وتنقسم سلطة الديوان الهمايونى السياسية إلى قسمين: داخلية وخارجية: أ - السياسة الداخلية: السلطة السياسية الداخلية التى يمارسها الديوان الهمايونى هى حماية الشريعة الإسلامية، وإعلاء الإسلام، وسحق كل حركة تقوم ضده، واستقبال من أسلم حديثًا، وإقرار رواتب لهم من الدولة، كل حسب وضعه الاجتماعى، وتقديم هدايا مناسبة لهم وحمايتهم من تدخل سفراء الدول التابعين لها، وعدم تسليمهم لهم عند مطالبة هؤلاء السفراء بتسليم المهتدين حديثًا إلى الإسلام لهم، فى حالة ما إذا كان هذا المسلم حديثًا من مواطنى دولة أخرى، أما إذا كان من مواطنى الدولة العثمانية فالديوان يستقبلهم ويوزع عليهم هدايا ويربطهم برواتب منتظمة من الدولة، كما كان يتخذ تدابير شديدة ضد من يرتد عن دينه من المسلمين. ب - السياسة الخارجية: كانت السياسة الخارجية العثمانية التى ينفذها الديوان الهمايونى تتلخص فى الآتي: نشر الإسلام بكل ما تستطيعه الدولة من إمكانات وبتعبير آخر: «تحويل دار الحرب إلى دار إسلام»، وكان هذا أحد أهم الأهداف السياسية الخارجية العثمانية التى يتولى تنفيذها الديوان الهمايونى. وقد نجحت هذه السياسة الخارجية نتيجة توسيع حدود الدولة العثمانية، وهذا يعنى نشرها للإسلام، ولم تتوقف حروب الفتح إلا منذ

أواخر القرن السادس عشر الميلادى، ومنذ ذلك الحين جعل الديوان الهمايونى هدفه فى السياسة الخارجية حماية الأراضى المفتوحة والدفاع عنها. ومع تداخلات الدول الأوربية فى السياسة الخارجية العثمانية وإرسال هذه الدول سفراء مؤقتين ثم سفراء دائمين لها فى إستانبول أصبح السفراء يقدمون رسائلهم إلى الديوان الهمايونى، ويحصلون على أجوبتها فى مراسم رسمية يوضحها «قوجى بك» فى رسالته المشهورة، وكان للسفراء الأجانب أن يقدموا شكاوى للديوان الهمايونى إذا حدث إخلال بالاتفاقات المعقودة بين بلادهم وبين الدولة العثمانية التى تسمى فى «عهد نامه»، وكان الديوان يحقق فيها ويعدل. وكان لهذا الديوان حق تعيين العثمانيين فى المناصب الدبلوماسية، وكانوا غالبًا من البيروقراطيين العاملين فيه. أما أهم سلطات الديوان الهمايونى فكان إعلان الحرب، وكان المعتاد أن يحيل السلطان قرار الحرب إلى الديوان الهمايونى لدراسته واتخاذ اللازم لتنفيذه، وكان هذا القرار أحيانًا يُتخذ فى الديوان الهمايونى. 2 - الإدارية: كان التفتيش على جميع الأعمال الإدارية فى البلاد من سلطات الديوان الهمايونى وهو فى ذلك - بعد السلطان - السلطة الأولى فى البلاد وعليه محاكمة الموظفين إذا لزم الأمر. وإن كان توجيه المناصب إلى حدّ معين من اختصاص الجهات الإدارية الأخرى، مثل: تعيين القضاة الذى هو من اختصاص قاضى العسكر؛ فإن التعيين فى بعض المناصب مثل منصب «صوبا شى» المدن الكبرى من اختصاص الديوان الهمايونى. وإذا صدر قرار بتعيين شخص فى منصب وتظلَّم من هذا التعيين أو النقل فمن حقه مراجعة الديوان الهمايونى، وللديوان فى هذه الحالة الأمر بإجراء التحقيقات وعمل اللازم. ومن السلطات الإدارية لهذا الديوان أيضًا حماية أهل الذمة فى البلاد من تعديات الإداريين وإعادة الحق إليهم ومعاقبة المسئولين عن ذلك. وكانت خيوط المركزية الإدارية فى الدولة تتجمع فى هذا الديوان، مثال ذلك:

أن الديوان طلب من أجهزة الدولة المسئولة عمل قوائم بكل الموجودين داخل حدود الدولة العثمانية وتسليمها إلى الديوان الهمايونى وتجديدها كل ثلاثين عامًا، وأن على المسئولين عن هذا تسجيل الوفيات والمواليد خلال هذه الأعوام الثلاثين، وهو ما يعرف اليوم بالإحصاء العام. 3 - المالية والاقتصادية: والديوان الهمايونى هو سلطة الفصل العليا فى الأمور الاقتصادية والمالية على أعلى مستوياتها فى الدولة، فالوزير الأعظم والدفتردار عضوا الديوان الطبيعيان، وهما صاحبا السلطة الأولى فى الدولة - بعد السلطان - فى التصرف فى الأمور المالية، ومن مهام الديوان الطبيعية الضرائب والاقتصاد والمال. أما عن الضرائب: فمهمة الديوان تحرير موارد البلاد المفتوحة بدقة وعناية فائقتين، والإشراف المباشر سنويا على الضرائب التى من حق الخزينة العامة، وتسلم دفاتر الضرائب التى تُحصَّل سنويا من جميع أرجاء البلاد، ويكتب منها نسختان: نسخة فى مركز الولاية، ونسخة أخرى ترسل إلى «إستانبول» لتسلَّم إلى الديوان الهمايونى. والقوانين التى تسن لجمع الضرائب تعد فى الديوان الهمايونى ويقوم بإعدادها التوقيعى (النشانجى) ومجموعة مساعديه، وينظر الديوان فى مدى مطابقة هذه الضرائب للعدالة الضريبية بناءً على مدى مطابقتها للشرع الإسلامى. ويتساوى فى هذا جميع أنواع الضرائب، ومن أهمها ضرائب الجمارك التى يتابعها الديوان بدقته المعهودة، حتى إنه يتدخل فورًا إذا قدمت له شكوى تخص تحصيل هذه الضرائب بغير وجه حق إلى أبسط أنواع الضرائب وأخفها. وعلى الديوان الهمايونى ضمان عدم تحصيل الضرائب من الذين لا تحصل منهم مثل: رجال الدين الذميين، ومجازاة المرتشين - إذا وجدوا - فى عمليات جمع الضرائب، والعمل على عدم إهدار المال العام واتخاذ التدابير الصارمة فى هذا السبيل، واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية البائع والمستهلك على حد سواء، ومراقبة

أعمال قطع الأشجار وأعمال المحافظة على الخضرة. ومن مهام الديوان الهمايونى أيضًا اتخاذ التدابير الضرورية لتطور اقتصاد البلاد، والعمل على عدم سيطرة تجار معينين على تجارة البلاد واحتكارهم لها، وعدم تخزين البضائع والمواد الضرورية فى الوقت المناسب ثم بيعها بعد ذلك بأسعار باهظة، والقضاء على التهريب وحصر ثروة السلطان إذا توفى وغير ذلك.

*الصدر الأعظم:

*الصدر الأعظم: وتتلخص سلطاته فى أنه وكيل السلطان وحامل خاتمه، وكان يعين فى أوائل الحكم العثمانى من طبقة العلماء، ومنذ عهد «مراد الأول» (791 - 794 هـ = 1389 - 1392م) كثر عدد الوزراء، ولذلك سمى أولهم الوزير الأعظم، وكانت له رئاسة الديوان الهمايونى نيابة عن السلطان فى حالة عدم وجوده، وسلطة تعيين العلماء ومن على شاكلتهم وعزلهم وترقيتهم، وله فى أوقات الحرب سلطة السلطان فى كثير من الأمور. ولابد أن يشترك مع السلطان فى الحرب، فإذا ترك السلطان الحرب لسبب أو لآخر يتولى الوزير الأعظم قيادة الجيش نيابة عن السلطان، وفى أثناء ذلك يحمل لقب «السردار الأكرم»، ويترك فى حالة الحرب فى مكانه موظفًا فى البلاد يسمى «قائمقام الصدارة» أو «قائمقام الركاب الهمايونى» يرأس الديوان الهمايونى فى العاصمة بدلا من الوزير الأعظم بمقتضى بنود القانون.

*قاضيا العسكر:

*قاضيا العسكر: وموقعهما فى البروتوكول خلف الوزير الأعظم مباشرة، وهما اثنان: قاضى عسكر الأناضول وقاضى عسكر الروملى (البلقان)، وكانا يستمعان إلى الشكاوى، ويجلسان على يسار الوزير الأعظم فى الوقت الذى يكون فيه بقية الوزراء على يمينه، وكان عليهما حل المسائل الشرعية، ويمثلان العلماء؛ إذ إن شيخ الإسلام لم يكن عضوًا بالديوان الهمايونى. وأهم عمل لهما فى الديوان الاستماع إلى القضايا المعروضة.

*قصر الحمراء:

*قصر الحمراء: يعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية بما حواه من بدائع الصنع والفن، وقد كانت الحمراء قلعة متواضعة فى القرن الرابع الهجرى، وعندما تولى «باديس بن حبوس» زعيم البربر غرناطة اتخذها قاعدة لملكه، وأنشأ سورًا ضخمًا حول التل الذى تقع عليه، وبنى فى داخله قصبة جعلها مركزًا لحكمه، وقد تطورت مع الزمن وأصبحت حصن غرناطة المنيع. ولما دخل «محمد بن الأحمر» غرناطة عام (635هـ = 1238م)، أخذ يبحث عن مكان مناسب تتوافر له القوة والمناعة، فاستقر به المطاف عند موقع الحمراء فى الشمال الشرقى من غرناطة، وفى هذا المكان المرتفع وضع أساس حصنه الجديد «قصبة الحمراء»، ولكى يوفر له الماء أمر بعمل سد على نهر «حدرة» شمالى التل، شيدت عليه القلعة، ومنه تؤخذ المياه وترفع إلى الحصن بواسطة السواقى، وقد باشر السلطان العمل بنفسه واشترك فيه وكافأ المجتهدين، واتخذ ابن الأحمر من هذا القصر مركزًا لملكه وأنشأ فيه عددًا من الأبراج المنيعة، وأقام سورًا ضخمًا يمتد حتى مستوى الهضبة، وفى عهد «محمد الفقيه» استكمل الحصن والقصر الملكى، ولما تولى «محمد الثالث» قام ببناء المسجد الجامع بالقصر. وكان عهد السلطان «يوسف الأول» وولده «محمد الخامس» هو العصر الذهبى لعمليات الإنشاء والتشييد فى قصر الحمراء ففى عهد الأول أقيم السور الذى يحيط بالحمراء بأبراجه وبوابته العظمى المعروفة بباب الشريعة أو العدل وغير ذلك من الأبراج والقصور والحمامات، وقام الثانى بإصلاح ما بدأه أبوه وإتمامه، ثم قام بتشييد مجموعة قصر السباع، وقاعة الملوك أو العدل وغيرها. وقد يسأل سائل، من أين جاء اسم الحمراء؟ قيل إن هذا اسم قلعة الحمراء القديمة التى فوقها بنى ابن الأحمر قصره، وقيل: إن هذا الاسم مرجعه احمرار أبراج قصر غرناطة الشاهقة، أو إن ذلك يرجع إلى لون الآجر الذى بنيت به الأسوار الخارجية، أو إلى لون التربة التى بنيت عليها والتى

اكتسبت لونها الأحمر من كثرة أكسيد الحديد بها ولهذا سميت بتل السبيكة. وأيا ما كان الأمر فليست هناك صلة بين اسم الحمراء وبنى الأحمر الذين لقبوا بهذا بسبب احمرار شعر جدهم، ولم يلبث أن ارتبط كلاهما بالآخر.

*قصر جنة العريف

*قصر جنة العريف شيد فى أواخر القرن الثالث عشر الميلادى، ثم جدده السلطان أبو الوليد، ويقع بالقرب من قصر الحمراء ويطل عليه، وهو فى شمال شرقى الهضبة وتظهر من ورائه جبال الثلج، ويدخل الإنسان إلى هذا القصر من مدخل متواضع يؤدى إلى ساحة فسيحة على جانبها رواقان طويلان ضيقان، وفى وسط الساحة بركة ماء غرست حولها الرياحين والزهور الفائقة الجمال حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب فى الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل وقد اتخذه ملوك غرناطة متنزهًا للراحة والاستجمام.

*قاضى الجماعة

*قاضى الجماعة كان قاضى الجماعة أعظم رتبة ومنزلة من بقية القضاة، وهو يوازى قاضى القضاة بالمشرق، وكان مقصورًا على قاضى «مراكش» وقاضى «قرطبة» ويتم تعيينه من الخليفة مباشرة.

*سنن الترمذى

*سنن الترمذى هو كتاب من كتب الحديث الستة، ألفه الإمام محمد بن عيسى بن سورة المشهور بالترمذى. وُلد بقرية ترمذ سنة (200هـ)، وتُوفِّى بها سنة (279هـ). وكان آية فى الحفظ والذكاء وعَمِىَ فى آخر عمره. ويُعتبر الكتاب أيسر تناولاً لطالب العلم من الصحيحين، وقد رتَّبه الإمام الترمذى على الأبواب مقتديًا بالبخارى ومسلم وأبى داود، فجمع بين طرقهم وأضاف إليها بيان مذاهب الصحابة، والتابعين، وفقهاء الأمصار. وبيَّن الترمذى أمر كل حديث، من حيث كونه صحيحًا، أو حسنًا، أوضعيفًا، أو منكرًا، وبيَّن وجه الضعف، وذكر أنه مستفيض، أو غريب، أو معلل، وبين علته. وكذلك سَمَّى من الرواة من يحتاج إلى التسمية، وكنَّى من يحتاج إلى التكنية. والكتاب خلو من الأحاديث الموضوعة. وشروح سنن الترمذى كثيرة، منها: عارضة الأحوذى فى شرح الترمذى لابن العربى، المُتوفَّى سنة (543هـ)، وقوت المغتذى فى شرح الترمذى للسيوطى، المُتوفَّى سنة (911هـ)، وتحفة الأحوذى لشرح جامع الترمذى للمباركفورى، وشرح ثلث الكتب فى 10 مجلدات ابن سيد الناس المُتوفَّى سنة (734هـ) وأتمَّه الحافظ العراقى، المُتوفَّى سنة (806هـ).

*تاريخ بغداد

*تاريخ بغداد هو كتاب ألفه أحمد بن على بن ثابت بن أحمد بن مهدى الذى وُلِد بإحدى قرى العراق سنة (392هـ = 1001م)، وتُوفِّى ببغداد سنة (463هـ = 1020م). ويدور الكتاب حول ذكر مَنْ دخل بغداد من العلماء بعد تأسيسها حتى سنة (463هـ)، من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وعدد تراجمه (7831)، رتبهم المؤلف على حروف المعجم، وبدأ بذكر من اسمه محمد، كما ذكر المؤلف ما عرفه من كُناهم، وألقابهم، وأنسابهم، ومشهور مآثرهم، ومستحسن أخبارهم، وتواريخ وفياتهم، كما تكلم عن الرواة جرحًا وتعديلاً، وختمه بذكر شهيرات النساء والإماء. وقد طُبِعَ الكتاب فى بيروت، بدار الكتب العلمية.

*المائة الأوائل

*المائة الأوائل هو كتاب ألفه مايكل هارت الأمريكى الجنسية، وهو أحد علماء الفيزياء التطبيقية، وعضو الجمعية الفلكية وفروعها فى علوم الكواكب. ويقع فى نحو (570) صفحة من القطع الكبير، ويحتوى على مقدمة ودراسة للمائة المختارين. وتم فيه تناول كل شخص من المائة بكتابة نبذة موجزة عن حياته وخلفية عصره عند الضرورة، ثم عرض سريع لمنجزاته التى قدمها، وتقديره من قِبَل معاصريه أو التاريخ، مع بيان الأسباب التى جعلت المؤلف يضع الشخصية المدروسة فى مكانها بالكتاب. وبعد عرض الشخصيات المائة وضع المؤلف قائمة بأسماء مَنْ فاتهم دخول القائمة، وهم مرشحون للدخول فيها، ثم وضع خاتمة تتضمن تعليقاته. وقد جعل المؤلف النبى محمدًا (على رأس المائة. وقد ترجم الكتاب إلى العربية أكثر من مرَّة.

*إيساغوجى

*إيساغوجى كتاب فى علم المنطق. ألفه أثير الدين المفضل بن عمر الأبهرى. أحد علماء المنطق، وله اهتمام بالحكمة والطبيعيات والفلك. تُوفِّى سنة (663هـ). وإيساغوجى لفظ يونانى معرب، وهو من مصطلحات علم المنطق التى استحدثت فى المصنفات المعربة عن اليونانية، ويُقصَد به الكليات الخمس، وهى: الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام. والكتاب مشتمل على ما يجب استحضاره من المنطق، وسُمِّى إيساغوجى مجازًا؛ من باب إطلاق اسم الجزء وإرادة الكل. وشرح الكتاب عديد من العلماء، منهم: حسام الدين حسن الكاتى المُتوفَّى سنة (760هـ)، وشمس الدين محمد بن حمزة الفنادى المُتوفَّى سنة (843هـ)، وشهاب الدين أحمد بن محمد الشهير بالأبدى، وغيرهم. وللكتاب عديد من الطبعات، منها: طبعة المطبعة الجمالية بالقاهرة سنة (1329هـ = 1911م)، وطبعة الآستانة: على الحجر سنة (1268هـ = 1852م).

*الخراج

*الخراج كتاب ألفه القاضى أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبى حنيفة، وأحد تلامذته النجباء. وُلِد أبو يوسف ببغداد سنة ( 113هـ) فى أسرة عريقة الأصل، وحفظ القرآن منذ صغره، وتولى منصب قاضى القضاة فى عهد الخليفة الرشيد، وتُوفِّى ببغداد سنة (182هـ)، وله عدد من المؤلفات، من أشهرها كتاب الخراج. يضم الكتاب خمسة عشر بابًا، يتناول فيها موضوعات شتى من الفقه والتاريخ والحديث والفتوحات ... إلخ. وسبب تأليف الكتاب أن الخليفة هارون الرشيد طلب من أبى يوسف عمل كتاب جامع يعمل به فى جباية الخراج والعشور والصدقات وغير ذلك. والكتاب يبدأ برسالة إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد تتضمن الدعاء للخليفة، ثم الحديث عن أهمية الكتاب وبعض النصائح المقتسبة من الكتاب والسنة للخليفة، ثم يتحدث فى الباب الثانى عن الغنائم وحكمها من القرآن والسُنَّة وآراء الفقهاء، ويتناول فى الباب الثالث الفىء والخراج، ثم يتحدث فى الرابع عن أرض العراق المعروفة بأرض السواد، جاعلاً عنوانه ما عمل به فى السواد، وفى الخامس يتناول الشام وأرض الجزيرة وفتوح المسلمين بها. وفى السادس يتناول ما فرضه عمر لأصحاب رسول الله، رضى الله عنهم، متناولاً سُنَّة النبى - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك، ثم سنة أبى بكر ثم عمر، ويأتى الباب السابع بعنوان ما ينبغى أن يعمل فى السواد، وفى الثامن يتناول الحديث عن القطائع والصوافى، والباب التاسع يضم عدة فصول صغيرة، يتحدث فيها عن أراضى الحجاز واليمن وباقى الأراضى العربية وفتوحات النبى لها، ويتحدث فى العاشر عن الصدقات، ويضم الباب الحادى عشر فصولاً متنوعة، وفى الثانى عشر يتناول الحديث عن نصارى بنى تغلب وسائر أهل الذمة وما يُعاملون به، والباب الثالث عشر فى العشور، والرابع عشر فى الكنائس والبيع والصلبان، والخامس عشر يضم عدة موضوعات ختم بها كتابه، مثل: مصدر المرتبات التى يدفعها الخليفة لقضاته، وعماله، وقتال أهل

الشرك، وكيفية دعوتهم ... إلخ. ويُظهر الكتاب مدى سعة اطلاع أبى يوسف وعمق ثقافته وخبرته بشئون الدولة، وهو يتناول فقه الخراج بصورة تاريخية تصور تطبيق الأحكام الفقهية فى الدولة الإسلامية، وفى كل موضوع يعرض أبو يوسف لأحكام الدين من خلال القرآن الكريم وسُنة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ثم سياسة الخلفاء، ثم يختم برأيه هو فى الموضوع.

*الحاوى

*الحاوى كتاب فى الطب ألفه أبو زكريا الرازى، أشهر أطباء المسلمين فى العصور الوسطى، المتوفَّى سنة (311هـ). ويعتبر كتاب الحاوى أضخم موسوعة طبية عربية، استغرق إعدادها (15) عامًا. وقد جمع الرازى فى كتابه الحاوى كلَّ ما وجده فى كتب المتقدمين من أنواع الأمراض وصنوف الأدوية وقواعد حفظ الصحة. وذكر الرازى المصادر التى استند إليها فى كتابه، لذلك فالحاوى يعتبر مادة نادرة عن الكتب التى أخذ عنها الرازى ولم تصل إلينا. وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية سنة (1279م)، وصار أحد تسعة كتب لتدريس الطب فى باريس حتى سنة (1395م)، وطبع فى البندقية سنة (1542م) خمس مرات، وطبع فى حيدرآباد فى (23) جزءًا فى الفترة من (1955 - 1963م). وتوجد عدَّة نسخ خطية من هذا الكتاب فى عددٍ من مكتبات العالم، إلا أن النسخة الخطية المكتملة فى مكتبة الاسكوريال.

*تاريخ اليعقوبى

*تاريخ اليعقوبى هو كتاب فى التاريخ ألفه أحمد بن إسحاق بن جعفر بن واضح المعروف باليعقوبى. أحد المؤرخين والرحالة العرب وصاحب كتاب البلدان، أقدم كتاب عربى فى الجغرافيا التاريخية، وتُوفِّى اليعقوبى سنة (292هـ). وتاريخ اليعقوبى تاريخ موجز منظم يتناول تاريخ العالم منذ بداية الخلق حتى سنة (259هـ)، ويتناول تاريخ الأنبياء والفرس والجاهلية والأمم القديمة من رومان وفراعنة وبربر، وهو بذلك يعتبر أول كتاب عربى فى التاريخ العام رغم احتوائه على بعض الأساطير. وكان اليعقوبى فى تاريخه يذكر التقاويم الفارسية والرومية وبعض التفاصيل الفلكية. وقد اعتمد اليعقوبى فى تاريخه على مصادر متعددة، مثل الكتاب المقدس وبعض المصادر الفارسية واليونانية، ومنهجه فى العرض إهمال الأسانيد باستثناء بعض المصادر الشفوية، وأورد اليعقوبى فى كتابه الرسائل والخطب السياسية كوثائق سياسية، وأكثر من التبرير لأفعال العباسيين. ويُعدُّ كتاب تاريخ اليعقوبى مكملاً لتاريخ الطبرى. وقد نُشر تاريخ اليعقوبى أول مرة فى ليدن سنة (1860م)، وطُبع فى بيروت سنة (1960م) فى مجلدين.

*تلخيص المفتاح

*تلخيص المفتاح كتاب للإمام جلال الدين بن محمد بن عبد الرحمن القزوينى، المُتوفَّى سنة (738هـ = 1338م)، وهو تلخيص لكتاب مفتاح العلوم للسكاكى فى علم البلاغة. حيث قام القزوينى بتلخيص الجزء الثالث من كتاب السكاكى المتصل بعلم البلاغة. وتناول القزوينى فى هذا الكتاب (علم المعانى) و (علم البيان) و (علم البديع). ووُضِعَتْ على تلخيص المفتاح عدة شروح وتلخيصات وحواشٍ، مثل: تلخيص التلخيص لشهاب الدين أحمد بن محمد، المُتوفَّى سنة (788هـ)، كذلك شرح التفتازانى وحاشية الجرجانى، كما وضعت للتلخيص منظومات شعرية مثل ما نظمه زين الدين أبو العز طاهر بن حسن، المُتوفَّى سنة (808هـ)، حيث بلغت منظومته (2500) بيت. وطُبِع كتاب تلخيص المفتاح بمدينة كلكتا سنة (1231هـ = 1815م)، وتُرجم إلى التركية.

*تهافت الفلاسفة

*تهافت الفلاسفة كتاب لأبى حامد الغزالى محمد بن محمد، الفقيه الشافعى، والمتكلم الأشعرى، الذى وُلِد فى طوس سنة (450هـ = 1058م)، وكان له أثر كبير فى الحياة العلمية فى عصره وما تلاه من عصور، وتُوفِّى فى خراسان سنة (505هـ = 1111م). وكتاب تهافت الفلاسفة فى نقض مذاهب الفلاسفة وبيان ما فى آرائهم من تهافت. وكان سبب تأليف الغزالى لهذا الكتاب؛ ما لاحظه فى الجو الفكرى السائد فى زمنه من حالة الإعجاب والانبهار بالفلسفة ورجالها؛ مما أدى إلى الخروج عن العقيدة الثابتة بالكتاب والسنة. ويشتمل الكتاب على أربع مقدمات وعشرين مسألة ومقدمة، فيذكر الغزالى فى المقدمة الأولى اختلاف الفلاسفة وكثرة نزاعاتهم وتباعد طرقهم. وفى المقدمة الثانية ذكر أقسام الخلاف بين الفلاسفة وغيرهم. وفى المقدمة الثالثة ذكر منهجه فى نقد مذاهب الفلاسفة. وفى المقدمة الرابعة أظهر حيل الفلاسفة الذين خلطوا يقين المعقولات بظنونها. ثم عرض لمسائله العشرين؛ كاشفًا تناقضات الفلاسفة فى بعض القضايا المهمة، مثل: أزلية العالم وقدمه وأبديته وخلوده. وينهى أبو حامد الغزالى الكتاب بخاتمة يذكر فيها حكمه على الفلاسفة؛ وقد انتهى فيها إلى تكفير من يقول منهم بالمقولات الثلاث الآتية: 1 - قدم العالم. 2 - أن الله - تعالى - لا يعلم بالجزئيات. 3 - عدم بعث الأجساد وحشرها. ولتهافت الفلاسفة أهمية كبيرة فى تاريخ الفكر الإسلامى، ومكانة عالية فى مسيرة الفلسفة الإسلامية؛ ولهذا فقد انكبَّ عليه كثير من العلماء؛ معلقين، وشارحين، وناقدين. وقد طُبع الكتاب عدة طبعات، منها: طبعة القاهرة سنة (1302هـ = 1884 م)، وطبعة حجر فى بومباى بالهند سنة (1304 هـ = 1887 م)، وطبعة المطبعة الخيرية بمصر سنة (1319هـ = 1901م)، ثم طبعة دار المعارف بمصر سنة (1374هـ = 1955م).

*جامع البيان فى تفسير القرآن

*جامع البيان فى تفسير القرآن كتاب من أشهر كتب التفسير، ألفه أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى، المولود بآمل عاصمة طبرستان سنة (224هـ)، والمُتوفَّى ببغداد سنة (310هـ). واشتهر الكتاب بتفسير الطبرى ويقع فى ثلاثين جزءًا من القطع الكبير. وهو من كتب التفسير التى لها الصدارة، سواء من الناحية الزمانية أو من ناحية الفن والصناعة؛ فهو أقدم كتاب فى التفسير وصل إلينا، علاوة على ما يمتاز به الكتاب من طريقة بديعة سلكها مؤلفه حتى أخرجه للناس كتابًا له قيمته ومكانته. ويتمثل منهج ابن جرير فى تفسيره فى أنه إذا أراد أن يفسر آية من القرآن الكريم قال: القول فى تفسير قوله تعالى كذا وكذا، ثم يفسر الآية ويستشهد على ماقاله بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من التفسير المأثور عنهم فى هذه الآية. وإذا كان فى الآية قولان أو أكثر فإنه يعرض لكل ما قيل فيها، ويستشهد على كل قول بما يرويه فى ذلك عن الصحابه أو التابعين، ثم إنه لا يقتصر على مجرد الرواية، بل يتعرض للجانب الإعرابى إن دعت الحال إلى ذلك، كما أنه يستنبط الأحكام التى يمكن أن تُؤخذ من الآية، مع توجيه الأدلة وترجيح ما يختار، ثم يذكر ما ورد فيها من أسباب النزول.

*تاريخ الأمم والملوك

*تاريخ الأمم والملوك كتاب فى التاريخ ألفه محمد بن جرير الطبرى الذى وُلِد سنة ( 224هـ = 838م) فى مدينة آمل عاصمة طبرستان التى ينسب إليها ، وقد رحل فى طلب العلم، فتعلم الحديث والتفسير والتاريخ، ودرس فى هذه العلوم كلها وله فيها تآليف عديدة. وتُوفِّى فى بغداد سنة (310هـ = 922م). ويقع الكتاب فى أحد عشر جزءًا قسمت إلى أربعة أقسام كالآتى: القسم الأول: خطبة الكتاب، التى ذكر فيها حكمة الخالق فى خلقه، وأشار إلى موضوع كتابه وهو الحديث عن أخبار السابقين منذ بدء الخلق من الرسل والملوك والخلفاء، وسيرة النبى - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وتابعيهم ومن بعدهم. القسم الثانى: وفيه تمهيد فى الزمان وبداية الخلق، وتحدث فيه عن فكرة الزمان ومقداره وتعدد الأقوال فيه، واختلاف اليهود والنصارى حول المسيح عليه السلام، وحدوث الزمان، وبدء الخلق، وسبب خلق الزمن ليلاً ونهارًا. القسم الثالث: التاريخ البشرى حتى الهجرة. وفيه يذكر خروج آدم - عليه السلام - من الجنة، وما كان فى عصره من أحداث، وعدد أبنائه، وعداوة بعضهم لبعض، وما نسبه الفرس إليه من أعمال، وأنبياء الله بعد آدم - عليه السلام -، ويختم القول عنه بوفاته ودفنه، ثم يتحدث عن أبنائه من بعده، ونوح، عليه السلام. ويذكر تاريخ الفرس وملوكهم، ومن عاصرهم من العرب واليونان والروم والهند والصين، وأقوام عاد وهود وصالح وثمود. أما القسم الرابع: فيذكر فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتى سنة (302هـ = 914م)، وفيه يذكر الأحداث سنة بعد سنة. ويتميز الكتاب بالأمانة العلمية والإحاطة بكثير من الروايات ورواتها؛ ولذلك فهو يعتبر مرجعًا أساسيًّا لمن يتحدث عن التاريخ الفارسى القديم والتاريخ الإسلامى، وتاريخ الكثير من الأمم السابقة. وقد تَرجَمَ تاريخ الأمم والملوك المستشرق نولدكه إلى اللغة الألمانية، خاصة الجزء الخاص بتاريخ فارس

الساسانية، وتُرجِمَ إلى الفارسية والفرنسية واللاتينية والتركية، وطُبع الكتاب عدة مرات فى مصر وبيروت.

*المجمل

*المجمل معجم لغوى، ألفه أحمد بن فارس، ورتبه ألفبائيًّا حسب الحرف الأول للكلمة، مع الأصل الثانى والثالث، موردًا الحرف مع مايليه إلى أن يصل إلى حرف الياء، ثم يعود إلى ماتبقى من الحروف، مبتدئًا بالألف إلى الحرف الذى عقد له الباب، وهو متأثر بكتاب العين فى تقسيمه الحرف الواحد إلى مضعف الثنائى والثلاثى وما زاد على الثلاثة. ويتميز معجم المجمل بتعريفاته المختصرة وشواهده الكثيرة، التى يعتمد فيها على الخليل بن أحمد، وابن دريد، والكسائى، والفرَّاء، وأبى عبيدة، وأبى زيد، وأبى عبيد القاسم بن سلام، وأبى عمرو الشيبانى. وقد طُبع الجزء الأول من الكتاب بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد بالقاهرة سنة (1947م).

*سر صناعة الإعراب

*سر صناعة الإعراب كتاب ألفه أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى، الذى ألف تصانيف كثيرة فى النحو واللغة والأدب، منها: شرح ديوان المتنبى والخصائص، وغيرهما، وتُوفِّى ببغداد سنة (392هـ = 1002م). واشتمل كتاب سر صناعة الإعراب على جميع أحكام حروف المعجم، وأحوال كل حرف منها، الواقعة فى كلام العرب، وأتبع ابن جنى كلاً منها مما رواه عن علماء اللغة، وذكر الفرق بين الحروف والحركات، ومكان الحركة من الحرف وغير ذلك، وأفرد لكل حرف من هذه الحروف بابًا مستقلاً به.

*مفتاح العلوم

*مفتاح العلوم كتاب ألفه أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر محمد بن على السكاكى، المتُوفَّى سنة (626هـ)، وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، على النحو التالى: القسم الأول: فى علم الصرف، ويقع فى ثلاثة فصول: الفصل الأول: فى بيان حقيقة علم الصرف والتنبيه إلى ما يُحتاج إليه فى تحقيقها. الفصل الثانى: فى كيفية الوصول إليه. الفصل الثالث: فى بيان كون علم الصرف كافيًا لما علق به من الغرض. القسم الثانى: فى علم النحو، وفيه فصلان: الفصل الأول: فى تعريف علم النحو. الفصل الثانى: فى ضبط ما يفتقر إليه فى ذلك. القسم الثالث: فى علمى المعانى والبيان، ويضم فصلين: الفصل الأول: فى ضبط معاقد علم المعانى والكلام فيه. الفصل الثانى: فى علم البيان. وأكمل الحديث عن المعانى فى فصلين: الأول: من تكملة علم المعانى فى الحد وما يتصل به. والثانى: من تكملة علم المعانى فى الاستدلال. وختم السكاكى الكتاب بالحديث عن علمى العروض والقافية.

*فتوح البلدان

*فتوح البلدان كتاب ألفه أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى. أحد مؤرخى القرن الثالث الهجرى. وُلِد البلاذرى أواخر القرن الثانى الهجرى، ونشأ ببغداد وصار من رجال البلاط العباسى فى عهد الخليفة المتوكل، ثم الخليفة المعتز الذى جعله مربيًا لابنه عبد الله. وكان البلاذرى أحد المترجمين البارعين فى الترجمة من الفارسية إلى العربية، وتُوفِّى سنة (279هـ) وترك عددًا من المؤلفات، أشهرها فتوح البلدان. وهو سجل شامل للفتوحات الإسلامية منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى آخرها، فصَّل فيه البلاذرى فتوح كل بلد وكل ما يتعلق به، نقلاً عن أهل البلد أنفسهم أو كتبهم. ويرى بعض الباحثين أنه اختصره عن كتاب أطول منه كان قد أخذ فى تأليفه وسماه كتاب البلدان الكبير، ولم يتمه فاكتفى بهذا المختصر. وهو أجمع كتب الفتوح وأصحها. وبالرغم من أن البلاذرى استعان بروايات الواقدى؛ فإنه أضاف إليها بعض الروايات التى يحوم حولها الشك لأنها كانت شفهية فى الأصل فوقع فيها فى بعض الأخطاء، وقد يورد للخبر الواحد أكثر من رواية، ولكن الاختلاف بينها ليس كبيرًا. وأهمية الكتاب تظهر فيما أورده من معلومات ثقافية واقتصادية وإدارية، وعلاوة على الفتوح فقد ضمنه البلاذرى أبحاثًا عمرانيَّة وسياسيَّة، يندر وجودها فى كتب التاريخ، كأحكام الخراج أو العطاء وأمرالخاتم والنقود والخط والنحو ومثل ذلك. وقد استطاع البلاذرى أن يصفى المادة التى جمعها ثم ينسقها. وطُبع الكتاب فى ليدن سنة (1870 م) بعناية المستشرق دى غويه، ثم نشر بمصر سنة (1901 م).

*الخطط المقريزية

*الخطط المقريزية كتاب ألفه تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزى، الذى وُلد سنة (760 هـ = 1358 م) بمصر، ونشأ بها، والمُتوفَّى سنة (845 هـ = 1441 م). وقد بدأ المقريزى كتابه بمقدمة، ذكر فيها سبب تأليفه الكتاب ومنهجه فى تأليفه، فذكر أنه لم يلتزم الترتيب والتهذيب فى معلوماته التى خص بها ديار مصر وآثارها الباقية من الأمم السابقة والقرون الخالية، وما بقى بفسطاط مصر من المعاهد، وما بالقاهرة من الآثار والقصور المزهرة، والمبانى البديعة، والتعريف بحال من كان مَنْ الأعيان. ويقع الكتاب فى مجلدين كبيرين يشتملان على سبعة أجزاء، كالآتى: الأول: به أخبار مصر وأحوال نيلها والخراج والجبال بها. الثانى: يشتمل على المدن وأجناس الناس بها. الثالث: يشتمل على أخبار فسطاط مصر وملوكها. الرابع: به أخبار القاهرة وأهلها، وما بها من الآثار. الخامس: يشتمل على ما أدركه من القاهرة وظواهرها من الأحوال. السادس: يشتمل على ذكر قلعة الجبل ومَنْ ملكها من الملوك. السابع: يذكر فيه الأسباب التى أدت إلى خراب إقليم مصر. وقد اتبع المؤلف فى كتابه الخطط المقريزية طريقة النقل من الكتب المصنفة فى العلوم والرواية عن الشيوخ الكبار، وما شاهده عيانًا بنفسه فى مصر.

*الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة

*الذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة هو كتاب فى الأدب الأندلسى ألفه أبو الحسن على بن بسام الشنترينى، المُتوفَّى فى قرطبة سنة (542 هـ = 1148 م). وكتاب الذخيرة من الكتب التى تناولت التعريف بالأدب والأدباء الأندلسيين. ونهج ابن بسام فى هذا الكتاب نهج الثعالبى فى كتابه يتيمة الدهر، وقسمه إلى أربعة أقسام، ثلاثة منها مناطق متفرقة فى الأندلس: قرطبة وإشبيلية وبلنسية، وخصص الفصل الرابع للوافدين، حيث كان ابن بسام فى كتابه هذا محبًا للأندلس. وقد رتب ابن بسام كتابه حسب مكانة المترجم له، وأورد فهرسًا لمحتوى الكتاب وأقسامه الأربعة، وقصر مؤلفه على أهل زمانه من منتصف القرن الحادى عشر الميلادى إلى منتصف القرن الثانى عشر، وكان ابن بسام يهتم بذكر التفاصيل عن الشخصيات التى يترجم لها، وكان يستعين بالسجع فى كتابته. وقد نال هذا الكتاب شهرة واسعة، فقد اختصره ابن مماتى، المُتوفَّى سنة (542 هـ = 1147 م) فى كتاب بعنوان لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة، وقد بدأ ابن بسام بتحرير الكتاب فى قرطبة سنة (394 هـ)، حتى نهاية سنة (503 هـ). وظهر القسم الأول منه فى الفترة من (1939 - 1942 م) فى مجلدين بعناية لجنة من المحققين، وترجم إلى الإسبانية، ونشر فى مدريد سنة (1942 ونشر هذا الكتاب وطبع بتحقيق إحسان عباس سنة ( 1975 م) فى ثمانية أجزاء.

*رسائل الجاحظ

*رسائل الجاحظ مجموعة رسائل ألفها أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى، الملقب بالجاحظ. وُلد بالبصرة سنة (163 هـ = 780 م)، وتُوفِّى بها سنة (255 هـ = 869 م). ونُشر من تلك الرسائل بمصر ثلاث مجموعات كبيرة، هى: المجموعة الأولى: نشرت بعناية محمد ساسى أفندى المغربى، بالقاهرة، مطبعة التقدم، سنة (1324 هـ = 1906 م)، وتشتمل على (11) رسالة، هى: 1 - الحاسد والمحسود. 2 - رسالة إلى الفتح بن خاقان فى مناقب الترك وعامة جند الخلافة. 3 - فخر السودان على البيضان. 4 - كتاب التربيع والتدوير. 5 - فى تفضيل النطق على الصمت. 6 - فى مدح التجار وذم عمل السلطان. 7 - فى العشق والنساء. 8 - فى الوكلاء. 9 - فى استنجاز الوعد. 10 - فى بيان مذاهب الشيعة. 11 - فى طبقات المغنيين. المجموعة الثانية: نشرت بعناية حسن السندوبى، بالقاهرة، المطبعة الرحمانية، سنة (1352 هـ = 1933 م)، وتشتمل على (19) رسالة، هى: 1 - خلاصة كتاب العثمانية. 2 - خلاصة نقض كتاب العثمانية لأبى جعفر الإسكافى. 3 - فضل هاشم على عبد شمس. 4 - حجج النبوة. 5 - من كتاب الحجاب. 6 - التربيع والتدوير. 7 - استحقاق الإمامة. 8 - رسالة فى صناعات القواد. 9 - فى النساء. 10 - فى الشارب والمشروب. 11 - فى مدح النبيذ. 12 - فى بنى أمية. 13 - فى العباسية. 14 - رسالة إلى أبى الفرج الكاتب فى المودة والخلطة. 15 - رسالة فى ذم الزمان. 16 - رسالة إلى محمد بن عبد الملك الزيات. 17 - رسالة إلى أحمد بن أبى داود. 18 - رسالة إلى إبراهيم بن المدبر. 19 - رسالة فى المعاتبة. المجموعة الثالثة: نشرت بتحقيق عبد السلام محمد هارون، بالقاهرة - مكتبة الخانجى، مطبعة السنة المحمدية، سنة (1384 هـ = 1964 م)، طبعة مصر، الفجالة، دار الجيل للطباعة. وتشتمل على (9) رسائل، هى: 1 - مناقب الترك. 2 - رسالة المعاش والمعاد. 3 - كتم السر وحفظ اللسان. 4 - فخر

السودان على البيضان. 5 - رسالة فى الجد والهزل. 6 - فى نفى التشبيه. 7 - فى كتاب الفُتيا. 8 - رسالة إلى أبى الفرج بن نجاح الكاتب. 9 - فى صناعات القواد.

*سقط الزند

*سقط الزند كتاب ألفه أبو العلاء المعرى وهو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخى المعرى. شاعر فيلسوف، وُلد بمعرة النعمان بالعراق سنة (363 هـ)، ونشأ فى بيت علم، وتلقى علوم عصره، ولم يمنعه فقدان بصره - وهو فى الرابعة من عمره - عن مواصلة التعلم والنبوغ. وتُوفِّى سنة (449 هـ)، وله العديد من المؤلفات، من أشهرها: رسالة الغفران، واللزوميات، وسقط الزند، وهو ديوان يتكون من جزأين، يضاف إليهما جزء خاص بالدروع، أطلق عليه المعرى اسم الدرعيات، ويبلغ عددها - ما بين قصيدة طويلة ومقطوعة صغيرة - إحدى وثلاثين قصيدة. ويبلغ مجموع قصائد جزأى الديوان (74) قصيدة ومقطوعة، يضاف إليها سبع قصائد قصيرة أوردها جامع الديوان بعد الدرعيات، معظمها فى الغزل. ولسقط الزند أهمية كبرى فى تصوير نفس الشاعر وحياته وأحداثها وتطور فلسفته فى الحياة التى مارسها، والموت الذى واجهه فى أقرب المقربين إليه وفى الأصدقاء والمعارف البعيدين، ففيه الشوق والحنين والفخر والمدح والتهنئة والغزل والرثاء والوصف والرحلات، وفيه خلاصة آمال الشاعر وآلامه وأفراحه وأحزانه، وما استقى من كل ذلك من العبر والآراء. والديوان سجل شعر المعرى منذ بدأ يقول الشعر فى الحادية عشرة من عمره، ففيه قصائد قالها فى شبابه، كقصيدته فى رثاء أبيه، وقصائد قالها فى سن النضج، كقصائده فى بغداد ورثائه لأمه، وقصائد قالها فى كهولته، كرثاء أبى حمزة الفقيه الحنفى، الذى يصفه المعرى بأنه رفيق الصبا.

*السلوك لمعرفة دول الملوك

*السلوك لمعرفة دول الملوك كتاب ألفه أحمد بن على بن عبد القادر المقريزى، البعلبكى الأصل، القاهرى المولد والنشأة والممات، المُتوفَّى سنة (845 هـ = 1441 م)، وكتاب السلوك أحد مؤلفات ثلاثة للمقريزى، أتمَّ به تاريخ مصر الإسلامية منذ الفتح الإسلامى حتى وفاة المؤلف. والمؤلفات الثلاثة هى: عقد جواهر الأسقاط، ويبدأ من الفتح حتى نهاية الدولة الإخشيدية، واتعاظ الحنفا فى تاريخ الفاطميين فى مصر، ثم كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، ويشمل تاريخ الدولة الأيوبية ثم دولتى المماليك (التركية والجركسية). وكتاب السلوك مرتب حسب السنين، فيبدأ بعام (577 هـ) وينتهى بعام (844 هـ). وقد عُنىَ المؤلف بالأحداث فَحَوَاهَا، غير أنه لم يعتنِ بالتراجم والوفيات؛ لأنه أفرد لها كتاب المقفى الذى لم يُتمه. ولكتاب السلوك مختصر لمحمد بن عيسى الهندى، ووَضَعَ ابن تغرى بردى ذيلاً له، بدأه من حيث انتهى المقريزى، سماه حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور. كما ينسب للعينى ذيل آخر لهذا الكتاب، وللسخاوى ذيل بعنوان التبر المسبوك. والكتاب حققه محمد مصطفى زيادة، وسعيد عبد الفتاح عاشور. وتم طبعه سنة (1973 م)، فى دار الكتب المصرية.

*سنن أبى داود

*سنن أبى داود هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألفه الإمام أبو داود سليمان الأشعث بن إسحاق الأزدى السجستانى. وُلِد سنة (202 هـ)، وتُوفِّى بالبصرة سنة (273 هـ). تبلغ مصنفاته سبعة عشر كتابًا. والكتاب مرتب حسب الأبواب. وتبلغ عدد أحاديثه (4800) حديث، اختارها أبو داود من (500) ألف حديث، وفيها الكثير من المراسيل، وليس فيها شىء من الآثار. والكتاب غنى فى متون الحديث؛ حيث يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، كما يُعنَى بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد. ولا يذكر أبو داود فى الباب أحاديث كثيرة، ولا يعيد الحديث فى الباب إلا لزيادة فيه. ويشير أبو داود إلى الحديث الذى فيه وَهَنٌ شديد ويبينه، وإذا لم يذكر فى الحديث شيئًا من توهينه، وتضعيفه، فحكمه عنده: صالح. وقد قام كثير من العلماء بشرح سنن أبى داد، ومن أشهره: الخطابى فى كتابه معالم السنن، وأبادى فى كتابه عون المعبود، وهو مطبوع فى أربعة مجلدات، وخليل أحمد فى كتابه بذل المجهود فى حل سنن أبى داود.

*سنن ابن ماجة

*سنن ابن ماجة هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألفه الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجة القزوينى. وُلِد فى قزوين بخراسان سنة (20 هـ)، وتُوفِّى سنة (273 هـ). والكتاب من أحسن المراجع تبويبًا وترتيبًا، وهو سادس الكتب عند أكثر أهل العلم. يشتمل على (32) كتابًا، و (1500) باب. وجملة ما فيه من الأحاديث (4000) حديث. ويوجد فيه زوائد كثيرة عمَّا ورد فى الكتب الخمسة. وطُبع الكتاب فى مصر والهند طبعات عدة، أحسنها طبعة محمد فؤاد عبد الباقى، فى جزئين. وشرح الكتاب عديد من العلماء، منهم: كمال الدين محمد بن موسى الدَّميرى المتوفَّى سنة (808 هـ)، فى خمسة مجلدات، وجلال الدين السيوطى المتوفَّى سنة (911 هـ)، وسُمِّى شرحه: مصباح الزجاجة، وشرح ابن الملقن زوائده على الكتب الخمسة فى ثمانية مجلدات، وسماه: ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجة.

*سنن النسائى

*سنن النَّسائى هو كتاب من كتب الحديث الستة. ألَّفه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب الخراسانى النَّسائى. وُلِد بقرية نَسَاء بخراسان سنة ( 215 هـ)، وتُوفِّى سنة (303 هـ) بالرملة بفلسطين. وضع الإمام النسائى كتابًا كبيرًا فى السنن، عُرِف بالسنن الكبرى، وانتخب منه كتاب المجتبى، الذى اشتهر بسنن النسائى، وهو أقل الكتب الست احتواءً على الأحاديث الضعيفة بعد الصحيحين؛ ولذلك تأتى مرتبته بعد الصحيحين من حيث عدد الأحاديث الصحيحية المذكورة فى الكتب الستة، ويرجع ذلك إلى أن النسائى كان أشد انتقادًا للرجال، وشروطه كانت أشد من شروط أصحاب الكتب الثلاثة. وقد جمع الإمام النسائى فى سننه بين الفقه والإسناد؛ فقد رتب الأحاديث حسب الأبواب، ووضع لها عناوين تبلغ أحيانًا منزلة عالية من الدقة، وجمع أسانيد الحديث الواحد فى موطن واحد، وكذلك جمع بين الرواية والدراية، وأحسن بيان العلل، ولا يكاد يخرج لمن غلب عليه الوهم، ولا لِمَنْ كان فاحش الخطأ. وقام بشرح سنن النسائى كل من: السيوطى المتوفَّى سنة (911 هـ)، وشرحه موجز، نشر فى دلهى ومصر، والسندى المتوفَّى سنة (1138 هـ) وشرحه موجز أيضًا، إلا أنه أكبر من شرح السيوطى، كما شرح ابن الملقن زوائده على الصحيحين، وأبى داود والترمذى فى مجلد.

*سياسة نامه

*سياسة نامه كتاب ألَّفه أبو على الحسن بن على بن إسحاق الطوسى، الملقب بنظام الملك. وُلِد فى طوس سنة (408 هـ)، وقُتِل فى رمضان سنة (485 هـ). وقد ألَّف نظام الملك الكتاب تلبية لرغبة السلطان ملكشاه. وتميزت مادة الكتاب بغزارتها؛ فقد تنوعت ما بين موعظةٍ ومثلٍ وتفسيرٍ للقرآن وأخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقصص الأنبياء وسير الملوك العادلين ونوادرهم. وطريقة المؤلف فى الكتاب تناول ناحية من النواحى الإدارية التى يلاحظ عليها الخلل أو النقص، وتبيين سبل علاجها، ثم ذكر ما يؤيد به ما ذهب إليه فى سبل العلاج مما حفظه أو رآه أو سمعه. وهو فى ذلك لا يتقيد بالثقافة العربية أو الفارسية، بل قد يتعداهما إلى ثقافات أخرى مما كانت شائعة فى عصره. ويستمد أسلوب المؤلف جماله من بساطته وخلوه من المحسنات البديعية المتكلفة. وقد قام بترجمة الكتاب السيد محمد العزاوى، ونشرته دار الرائد العربى.

*الشقائق النعمانية

*الشقائق النعمانية كتاب ألَّفه أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده، المتوفَّى سنة (968 هـ). وله أيضًا كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة فى موضوعات العلوم. وقد بدأ المؤلف كتابه بمقدمة ذكر فيها سبب تأليفه، بعد أن التمس منه بعض أرباب الفضل والكمال أن يجمع مناقب علماء الروم. ويبين المؤلف فى هذا الكتاب من بلغ منهم إلى المناصب الجليلة، وإن كانوا متفاوتين فى العلم والفضيلة، ومن لم يبلغ إلى تلك المناصب مع ما لهم من الاستحقاق لتلك المراتب، ومع ذلك فلعل ما ترك أكثر مما ذكر، وجعل الرسالة على ترتيب سلاطين آل عثمان لعدم وقوفه على تاريخ وفيات هؤلاء الأعيان، ولهذا سمى الرسالة: الشقائق النعمانية فى علماء الدولة العثمانية. وقسم الكتاب إلى عشر طبقات، بدأت بعلماء دولة السلطان عثمان، وانتهت بعلماء دولة السلطان سليمان خان، ثم ذيل الكتاب بكتاب العقد المنظوم فى ذكر أفاضل الروم. وقد طُبع الكتاب فى بيروت سنة (1395 هـ = 1975 م).

*صبح الأعشى فى صناعة الإنشا

*صبح الأعشى فى صناعة الإنشا كتاب ألفه القاضى شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندى. وُلِد فى قلقشند، إحدى قرى القليوبية بمصر، ودرس بالقاهرة والإسكندرية على أكابر شيوخهما، وتخصص فى الأدب والفقه الشافعى، وبرع فى علوم اللغة والبلاغة والإنشاء، وتولى عددًا من المناصب الإدارية، أشهرها العمل فى ديوان الإنشاء فى عصر السلطان المملوكى الظاهر برقوق. وكتاب صبح الأعشى من الكتب الموسوعية التى ظهرت فى مصر المملوكية فى القرنين السابع والثامن الهجريين. ويهدف القلقشندى فيه إلى تدوين بعض المعارف والمعلومات اللازمة لكاتب الإنشاء فى عصره؛ حتى يقوم بمهمته الديوانية. وساعده فى كتابته عمله فى ديوان الإنشاء واطلاعه على كثير من الوثائق وأمهات الكتب والمصنفات. وينقسم الكتاب إلى عشر مقالات تسبقها مقدمة، وتلحق بها خاتمة، يقع كل ذلك فى (14) مجلدًا. وفى المقدمة يتناول القلقشندى الحديث عن مسائل أولية وتعريفات تمهيدية، مثل: فضل العلم وشرف الكتابة وتطور الإنشاء خلال العصور وتاريخ ديوان الإنشاء فى الإسلام. وفى المقالة الأولى: يتحدث عن مجموع المعارف التى يحتاج إليها الكاتب فى ديوان الإنشاء، وهى معارف لغوية وأدبية وتاريخية، وما يحتاج إليه من أنواع الأقلام والورق وغيرها، ثم الحديث عن الخط العربى وتاريخه. وتناول فى المقالة الثانية: المسالك والممالك (جغرافيا)، وذكر فيها الأرض والخلافة والخلفاء والديار المصرية والشامية. وتناول فى المقالة الثالثة: أمورًا تشترك فيها أنواع المكاتبات والولايات وغيرها، مثل: ذكر الأسماء والألقاب، وبيان قطع الورق، وما يناسبها من الأقلام. أما المقالة الرابعة: فهى أهم مقالات الكتاب، ويذكر فيها فهرسًا مطولاً لألقاب الملوك وأرباب السيوف والعلماء والكتاب والقضاة، مرتبة على حروف المعجم، ويشرح أساليب الكتابة، ومصطلحات المكاتبات بين ملوك الشرق والغرب، وبين النبى - صلى الله عليه وسلم - وملوك الفرس

والروم. وتناول فى المقالة الخامسة: مسألة الولايات وطبقاتها من الخلافة والسلطنة، ثم الألقاب والبيعات والعهود. وفى المقالة السادسة: تحدث عن الوصايا الدينية والمسامحات وتصاريح الخدمة السلطانية. وفى المقالة السابعة: تناول الإقطاعات؛ من حيث نشأتها وأحكامها وأنواعها. وفى المقالة الثامنة: تناول الأيمان. وفى المقالة التاسعة: تحدث عن عهود الأمان والهدن وعقود الصلْح. أما المقالة العاشرة: فضمت فنونًا من الكتابة تداولها الكتاب. ثم جاءت الخاتمة وذكر فيها أمورًا تتعلق بديوان الإنشاء وأمور البريد وتاريخه فى مصر والشام. فالكتاب إذن يتناول علومًا شتى، ويسير فيه القلقشندى على منوال أدباء عصره؛ من حيث الأساليب المسجوعة والعبارات المنمقة الحافلة بالمحسنات البديعية، وأهم ما فى الكتاب هو أمانة القلقشندى؛ حيث ينسب كل ما ينقله إلى صاحبه، ولا يدَّعى فيها شيئًا لنفسه. وقد طُبع الكتاب لأول مرة سنة (1910 م) بالمطبعة الأميرية بالقاهرة، ثم طُبع للمرة الثانية سنة (1963 م) بالمؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والنشر، ثم أعيد طبعه أكثر من مرة.

*الفهرست لابن النديم

*الفهرست لابن النديم كتاب ألفه أبو الفرج محمد بن أبى يعقوب إسحاق الوراق النديم. وُلِد ببغداد نحو سنة (325 هـ)، وكان أبوه وراقًا فتعلم مهنة أبيه، كما تعلم الكثير من علوم عصره، ومات سنة (377 هـ)، وله عديد من المؤلفات أشهرها كتاب الفهرست. ألفه ابن النديم سنة ( 377 هـ)، وقد تعرض فيه للعلوم المعروفة فى عصره وما كتب حولها. ويُعد الكتاب من أقدم كتب التراجم وأفضلها؛ إذ لخص فيه ابن النديم التراث الفكرى الإسلامى؛ حيث جمع فيه أسماء الكتب التى عرفها حتى أواخر القرن الرابع الهجرى، واعتمد فيه على صلته بالوراقة، وصلته بطبقة المثقفين فى عصره، كما يُعد الكتاب أول عمل بيليوجرافى أُلف بالعربية، وهو مصدر أصيل لدراسة الثقافة العربية منذ نشأتها حتى أواخر القرن الرابع الهجرى. ويضم الكتاب عشرة مقالات، ثم فرع كل مقالة إلى عدة فنون، يختلف عددها: المقالة الأولى: فى وصف لغات الأمم وخطوطها وأشكال كتاباتها، والذين صنفوا حول كتب الشرائع؛ من قرآن وإنجيل وتوراة وما يتصل بها من قراءات وتدوين. المقالة الثانية: فى النحويين واللغويين ومصنفاتهم. المقالة الثالثة: فى الأدباء والكتاب وأصحاب السير والولاة والملوك والندماء والمغنيين وكتبهم. المقالة الرابعة: فى الشعر والشعراء وطبقاتهم من الجاهليين والإسلاميين والمحدثين. المقالة الخامسة: فى علماء الكلام وشيوخ الفرق الدينية. المقالة السادسة: فى الفقه والفقهاء والمحدثين وأئمة المذاهب. المقالة السابعة: فى الفلاسفة والمنطقيين وأهل الحساب والفلكيين والموسيقيين والأطباء. المقالة الثامنة: فى الأسمار والخرافات والسحر والشعوذة. المقالة التاسعة: فى المذاهب والاعتقادات. المقالة العاشرة: فى الكيميائيين والصنعويين. وقد نُشرت الطبعة الأولى من الكتاب فى أوربا فى مدينة ليبزج سنة (871 م) بعناية المستشرق فلوجل، ثم طُبع الثانية بمصر، طبعته مطبعة الرحمانية

سنة (1930 م)، ثم الطبعة الثالثة بطهران (1971 م)، ثم طُبع عدة طبعات بعد ذلك.

*السيرة النبوية لابن هشام

*السيرة النبوية لابن هشام كتاب فى التاريخ. ألفه عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميرى الذى نشأ بالبصرة، وتلقى علومه بها، وبرع فى الأدب واللغة حتى أنه كان يوصف بالنحوى. وكانت وفاته بمصر سنة (215 هـ). وقد قام عبد الملك بن هشام بجمع كتابه من كتاب المغازى والسير لمحمد بن إسحاق، ولخصه، وجمع فيه أخبار العرب قبل الإسلام، وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسبه، ثم أخبار بعض فضلاء العرب فى الجاهلية. وقد ذكر سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ مولده، ونشأته، وبعثته، ورسالته، وهجرة الصحابة إلى الحبشة، ثم هجرتهم إلى المدينة، وما وقع له (من أحداث فى المدينة من حروب مع المشركين واليهود. وذكر أخبار زوجاته (، ومرضه، ووفاته، وخلاف المسلمين حول من يخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ثقيفة بنى ساعدة، وخلافة أبى بكر الصديق، رضى الله عنه. ولأهمية هذا الكتاب قام بعض العلماء بشرحه وتفسيره، كالسهيلى المتوفَّى سنة (581 هـ)، وأبى ذر الجشنى المتوفَّى سنة (604 هـ) وغيرهما. وقد طُبع الكتاب عدة مرات، منها: طبعة جوتنجن بألمانيا سنة (1860 م). وطبعة بولاق بمصر فى (3) أجزاء سنة (1878 م). وطبعة المطبعة الخيرية بمصر فى (3) مجلدات سنة (1813 م). وطبعة ليبزج سنة (1900 م). وطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة (1936 م)، وسنة (1955 م).

*الشافية لابن الحاجب

*الشافية لابن الحاجب هو كتاب فى الصرف. ألفه أحد أعلام مصر فى اللغة والنحو، وهو ابن الحاجب عثمان بن عمر بن أبى بكر المتوفَّى سنة (646 هـ). وقد اشتهرت الشافية، وتقرر تدريسها فى بعض المعاهد العلمية. وقد شرح الشافية ابن الحاجب، كما شرحها النحوى الشهير ابن هشام المتوفَّى سنة (762 هـ) فى كتاب سماه عمدة الطالب فى تحقيق تصريف ابن الحاجب. وقد طبعت الشافية لأول مرة فى كلكتا بالهند سنة (1850 م)، ثم توالت طبعاتها فى إستانبول والقاهرة.

*الشاهنامه

*الشاهنامه ملحمة شعرية فارسية. نظمها الشاعر الفارسى الفردوسى، أكبر شعراء القرن الخامس الهجرى. وهى تصور التاريخ الفارسى القديم، وتعطى صورة تاريخية للعصر الساسانى الذى سبق الفتح الإسلامى. وكان سنُّ الفردوسى عند نظمها يقارب الأربعين. ويبلغ عدد أبيات الشاهنامه نحو (60) ألف بيت، وهى أكبر ملحمة صاغها شاعر واحد. وتتناول قصص أربع أسرات فارسية وتاريخها. وصور فيها الفردوسى وقائع البطولات والانتصارات وأعياد الفرس. كما تتضمن بعض الكلمات العربية لا تتجاوز (430) كلمة. وقد ترجمها إلى اللغة العربية البندارى فى القرن السابع الهجرى، وعبد الرحمن عزام فى القرن العشرين الميلادى. وتأثر بالشاهنامه عديد من الأدباء العرب والأوربيين.

*الشعر والشعراء لابن قتيبة

*الشعر والشعراء لابن قتيبة هو كتاب فى تاريخ الأدب. ألفه ابن قتيبه الدينورى المتوفَّى سنة (276 هـ). وهذا الكتاب يُعد من أقدم الكتب الأدبية التى تضمنت تراجم للشعراء ومشاهيرهم؛ سواء الجاهليون أو الإسلاميون، كما تضمنت مختارات من أشعارهم من غير تتبعٍ زمنى لهم، وإن كان قد بدأ بالجاهليين. وقد بلغ عدد تراجم الشعراء فى هذا الكتاب (206) شعراء، وقدم لكتابه بمقدمة نقدية، والتزم فيه منهجًا يسير عليه فى تعريف الشعراء. ولم تتفق المصادر الأدبية التى تحدثت عن الكتاب على عنوانه بالتحديد؛ حيث يطلق عليه الشعر والشعراء، وديوان الشعر والشعراء. وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق المستشرق الألمانى نولدكه، مع ترجمة ألمانية للجزء الأول سنة (1864 م)، كما أنه نشر جزءًا منه مع ترجمة هولندية سنة (1875 م)، ثم نُشر فى هولندا سنة (1902 هـ)، كذلك نشر فى فرنسا مع ترجمة فرنسية سنة (1947 م)، وقد طُبع فى مصر سنة (1904 م)، كما طُبع فى إستانبول.

*الشفاء

*الشفاء كتاب ألفه أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا المولود سنة ( 370 هـ)، والمتوفَّى سنة (428 هـ). وكتاب الشفاء موسوعة كبرى فى الفلسفة. قسِّم إلى أربعة أقسام كبرى، هى: المنطق ، والطبيعيات، والرياضيات، والإلهيات، وكل قسم منها يُسمى جملة، وتحت كل جملة فن، وتحت كل فن عدة مقالات، وتحت كل مقالة عدة فصول. الجملة الأولى فى المنطق، وتشتمل على تسعة فنون، هى: المدخل، والمقولات، والعبارة، والقياس، والبرهان، والجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر. الجملة الثانية فى الطبيعيات، وتشتمل على ثمانية فنون، هى: السماع الطبيعى، والسماء والعالم، والكون والفساد، والأفعال والانفعالات، والمعادن والآثار العلوية، والنفس، والنبات، والحيوان. الجملة الثالثة فى العلم الرياضى، وفيها أربعة فنون، هى: الهندسة والحساب والموسيقى وعلم الهيئة. الجملة الرابعة فى الإلهيات. وقد طُبع من الكتاب الجزء الخاص بكل من الطبيعيات والإلهيات، بطهران سنة (1885 م). وبمناسبة الذكرى الألفية على مولد الشيخ الرئيس ابن سينا، شُكِّلت لجنة بالقاهرة لطبع الشفاء محققًا على مخطوطاته الموجودة تحقيقًا علميًّا، وبدأت بالمنطق، وطُبِع منه حتى الآن (1418 هـ = 1997 م): المدخل، والمقولات، والقياس، والبرهان، والجدل، والسفسطة، والخطابة، ولم يبقَ إلا العبارة والشعر.

*صحيح البخارى

*صحيح البخارى أصح الكتب المجموعة فى السنة النبوية التى هى ثانى مصادر التشريع الإسلامى. ألفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة البخارى الجُعفِى المولود ببخارَى سنة (194 هـ)، والملقب بأمير المؤمنين فى الحديث. تُوفِّى سنة (256 هـ).والاسم الكامل للكتاب هو: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه. وقد بذل البخارى جهدًا فائقًا فى اختيار أحاديثه. التى بلغ عددها (7275) حديثًا، بالأحاديث المكررة، وبإسقاط المكرر (4000) حديث. واشترط البخارى فيه ألا يُورد إلا حديثًا صحيحًا، وشرط الصحيح عنده أن يكون إسناده متصلاً، وأن يكون راويه مسلمًا صدوقًا غير مدلس ولا مختلط، متصفًا بصفات العدالة، ضابطًا متحفظًا، سليم الذهن، قليل الوهم، سليم الاعتقاد. وقد طُبع الكتاب مستقلاًّ عدة مرات، كما طُبع مع شروحه، ومنها: إسناد السارى للقسطلانى، وفتح البارى لابن حجر العسقلانى.

*صحيح مسلم

*صحيح مسلم هو ثانى الكتب الستة بعد صحيح البخارى من حيث صحة أحاديثه. ألفه أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى. وُلِد بمدينة نيسابور سنة (206 هـ)، وتُوفِّى بها سنة (261 هـ). ويبتدئ الكتاب بمقدمة واسعة فى علم أصول الحديث، استغرقت (144) صفحة، تعرض فيها لسبب تأليفه الكتاب، وبين مراتب الحديث، وفداحة الكذب فيه، والنهى عن رواية الضعفاء، وتحدث عن الإسناد. وتبلغ عدد أحاديث الكتاب (12) ألف حديث بالمكرر، وبدون المكرر (4) آلاف، وكلها صحاح، ليس فيها ضعيف ولا حسن. وقد اختارها الإمام مسلم من (300) ألف حديث. والطريقة التى اتبعها الإمام مسلم فى ترتيب الأحاديث هى جمع طرق كل حديث فى موضع واحد، وترتيب الأسانيد بحسب قوتها. واقتصر الكتاب على الأحاديث المرفوعة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - دون الموقوفة على الصحابة إلا نادرًا، فقد يذكرها تبعًا لا قصدًا.

*العقد الفريد

*العقد الفريد هو كتاب ألفه أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه، المولود فى قرطبة سنة (246 هـ)، والمتوفَّى بها سنة (328 هـ). وتعكس مادة الكتاب ثراء التراث العربى الإسلامى، ولاسيما الأدبى. ويقع الكتاب فى مقدمة و (25) كتابًا، كل منها فى موضوع خاص، وتلك الكتب يمكن أن تقسم إلى ست مجموعات: الأولى خاصة بالملوك، والثانية خاصة بفن الأدب الخالص وتعليمه، والثالثة خاصة بالتاريخ، والرابعة خاصة بالشعر، والخامسة خاصة بالطبائع، والسادسة خاصة باللطائف حسية ومعنوية. ويتمثل منهج ابن عبد ربه فى الاختيار ثم التصنيف، ثم جمع كل صنف على حدة. وكان لكتاب العقد الفريد الأثر الكبير فى الحفاظ على التراث الأدبى العربى؛ فقد اقتبس منه كثير من كتب المختارات، كما اعتمد عليه كثير من كتب العلماء المعنيين بالدراسة الأدبية والتاريخية والعلمية عامة.

*فتوح مصر وأخبارها

*فتوح مصر وأخبارها كتاب ألفه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم. وُلِد بالفسطاط سنة (187 هـ)، وتُوفِّى فى مطلع سنة (257 هـ). والكتاب مقسم إلى سبعة أجزاء: الأول: فى فضائل مصر وتاريخها قبل الإسلام، وفيه الكثير من الأساطير، والثانى: يتناول الفتح الإسلامى، والثالث: يشرح الخطط ونزول العرب بمصر، والنظام الضريبى، والرابع: فى إدارة مصر بعد الفتح حتى وفاة عمرو بن العاص، والخامس: فى فتح إفريقيا وإسبانيا حتى سنة (127 هـ)، والسادس: فى تاريخ قضاة مصر حتى سنة (246 هـ)، أمَّا السابع: فهو أكبر الأجزاء، وقد خصصه ابن عبد الحكم لمختارات من الحديث والروايات المنسوبة إلى الصحابة الذين دخلوا مصر، وعددهم (52) صحابيًا. وقد اهتم بهذا الكتاب المؤرخون القدامى؛ فأخذوا جميعًا عنه، كما اهتم به المؤرخون المحدثون، فأصدر المستشرقون أجزاء منه منذ أواخر القرن الماضى حتى صدوره كاملاً سنة (1920 م). وقد طُبع الكتاب فى ليدن، وطبع فى مصر سنة (1961 م). وقد وضع هذا الكتاب أسس المدرسة المصرية فى التاريخ، كما وضع لها عددًا من الملامح، من بينها: قبول الأخبارالخرافية عن تاريخ مصر القديم، والاهتمام بخطط مصر، والاهتمام بقضاة مصر حتى أفرد بعض المؤلفين فيما بعد لهذين الموضوعين كتبًا خاصة.

*القانون

*القانون كتاب ألفه أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا، المولود سنة ( 370 هـ)، والمتوفَّى سنة (428 هـ). ويعتبر الكتاب أهم المؤلفات العربية فى علم الطب، وقد اعتبره الباحثون المنهج الوحيد لدراسة الطب طوال عصرى القرون الوسطى والنهضة. وهو ينقسم إلى أقسام وفروع وفق تصنيف علمى دقيق، كما اتسم بالموسوعية، كما أنه منظم على الأصول الحديثة فى الطب؛ ففيه - ولأول مرة فى تاريخ الطب - تقسيم الفصول إلى رأسية وصدرية وباطنية وعصبية ونسائية وتناسلية ... إلخ. وطريقة ابن سينا فى الكتاب هى أنه يبدأ بتحديد المرض، ثم يذكر أسبابه ونشأته، ثم يتحدث عن عوارضه، وأخيرًا يبين طريقة مداواته والوقاية منه. وخصص ابن سينا جزءًا من الكتاب لنقد بعض الآراء الهندية والفارسية فى الطب. وقد تُرجم الكتاب إلى اللاتينية والإنجليزية، وطبع أكثر من ثلاثين مرة.

*قطر الندى

*قطر الندى هو كتاب موجز فى النحو. ألفه ابن هشام أحد كبار علماء اللغة فى مصر والمتوفَّى سنة (762 هـ). والكتاب عبارة عن تلخيص للنحو، قام ابن هشام بشرحه فى كتاب سماه: شرح قطر الندى وبل الصدى؛ حيث ضم ابن هشام أبواب النحو المتشابهة بعضها إلى بعض؛ فجعل قسمًا للمرفوع وآخر للمنصوب ... إلخ. وإذا تعرض ابن هشام لمسألة خلافية بسط فيها آراء النحاة مع الإيجاز، وربما فضَّل رأيًا على آخر، أو قوى مَذْهبًا على آخر. وفى هذا الكتاب حاول ابن هشام أن يكون معلمًا قبل أن يكون مؤلفًا؛ لذا يذكر القاعدة ويأتى بمثال للتدليل عليها؛ حيث إن كتاب شرح قطر الندى قد وُضع للمبتدئين.

*الكامل فى التاريخ

*الكامل فى التاريخ هو كتاب فى التاريخ. ألفه المؤرخ عز الدين بن الأثير المتوفَّى سنة (630 هـ). وهو كتاب يتناول التاريخ منذ بدء الخليقة حتى سنة (628 هـ). ويقع فى (12) مجلدًا. وسبب تأليف هذا الكتاب السلبيات التى وجدها ابن الأثير فى كتب التاريخ السابقة؛ حيث إن هذه الكتب إما أن تكون بين مطول ممل أو مختصر مخل، كما أن المؤرخين السابقين إما أن يكونوا قد أرخوا لمكان معين أو لفترة معينة، كذلك الافتقار إلى كتاب يجمع بين تاريخ المشرق والمغرب. وتاريخ ابن الأثير تاريخ حولى يتناول الأحداث والأخبار بحسب تواريخها، أما الأحداث المهمة فيعطيها عناوينها ضمن السنة، وكان لا يخرج بالأحداث من سنة إلى أخرى إلا عند الحاجة، وقد أقام ابن الأثير فى كتابه الكامل توازنًا بين أخبار المشرق والمغرب؛ مما أعطى الكتاب الطابع العام فى التأريخ. وقد حرص ابن الأثير على تعليل بعض الأحداث التاريخية، واعتمد على (32) مصدرًا فى هذا الكتاب الذى يعتبر مصدرًا مهمًّا فى الفترة التى عاصرها ابن الأثير، خاصة فيما يتعلق بالحروب الصليبية. وقد طُبع هذا الكتاب عدة طبعات.

*الكشاف

*الكشاف هو كتاب فى التفسير. ألفه جار الله محمود بن عمر المعروف بالزمخشرى. أحد أعلام المعتزلة واللغويين المتوفَّى سنة (538 هـ). وعنوان الكتاب كاملاً: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل. ويحاول الزمخشرى فى هذا الكتاب إيضاح جمال النظم القرآنى وبلاغته وجمال البيان فى أسلوبه، لكن الزمخشرى حاول - أيضًا - تأصيل المذهب الاعتزالى ومبادئه من خلال تأويل بعض الآيات. ويعتبر الكشاف التفسير الوحيد الذى وصل إلينا من تفاسير المعتزلة كاملاً متناولاً للقرآن كله. وقد وُضعت بعض الحواشى على الكشاف مثل حاشية العلامة شرف الدين الحسن بن محمد الطيبى المتوفَّى سنة (743 هـ). ولكتاب الكشاف عدة طبعات.

*كتاب كليلة ودمنة

*كتاب كليلة ودمنة هو كتاب فى الأخلاق والحكمة والسياسة. ألفه الفيلسوف الهندى بيدبا، منذ نيف وعشرين قرنًا، لأحد ملوك الهند الطغاة؛ محاولاً إصلاحه وتوجيه النصح إليه على ألسنة الطير والحيوانات. وقام الفرس بترجمة الكتاب إلى الفارسية، وصبغوه بصبغة فارسية، ثم ترجمه إلى العربية الأديب عبد الله بن المقفع المتوفَّى سنة (142 هـ). وصارت ترجمة ابن المقفع هى الأساس للترجمات اللاحقة؛ حيث فُقدت النسخة الأصلية. والكتاب يتكون من مقدمة و (14) بابًا، ويعتبر أول كتاب فى الأدب الرمزى والقصصى على ألسنة الحيوانات؛ لذلك تأثر كثير من أدباء الشرق والغرب بهذا الكتاب وقاموا بوضع كتب على شاكلته مثل: سهل بن هارون فى كتابه ثعلة وعفرة، والأديب الفرنسى لافونتين. وطُبِع هذا الكتاب فى باريس سنة (1816 م)، وطبعته وزارة المعارف المصرية وقررته على طلبة الثانوية وطبع مصورًا سنة (1927 م). وتُرجم إلى عديد من اللغات، مثل: اللاتينية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية.

*لزوم ما لايلزم لأبى العلاء المعرى

*لزوم ما لايلزم لأبى العلاء المعرى هو ديوان شعرى. نظمه الشاعر أبو العلاء المعرى المتوفَّى سنة (449 هـ). وهذا الديوان مرتب على حروف المعجم. ويحتوى على نحو (11) ألف بيت، وهو شعر يظهر فى مبناه التكلف؛ سواء فى غرابة اللفظ أو كثرة الجناس أو التزام ما لا يلزم فى القافية؛ حيث ألزم أبو العلاء نفسه فى القافية بأكثر من حرف وحركة، كما أنه رتب الديوان على حروف المعجم، وذكر كل حرف بوجوهه الأربعة؛ الضم والفتح والكسر والسكون. ويعتبر هذا الديوان أهم كتب المعرى؛ حيث احتوى على جميع آرائه الفلسفية والاجتماعية؛ إذ أن دراسة اللزوميات مهمة فى فهم تطور آراء أبى العلاء. ويقع هذا الديوان فى مجلدين، وطُبِع فى الهند سنة (1885 م)، وفى مصر سنة (1891 م).

*المدونة

*المدونة كتاب فى الفقه المالكى جُمِع فيه أقوال الإمام مالك المروية عنه والمخرجة على أصول مذهبه، وبعض آراء أصحابه. وتعتبر المدونة الأصل الثانى للفقه المالكى بعد الموطأ، كما أنها أدق كتب الفروع فى الفقه المالكى وأصحها. وقد بدأ تأليف هذه المدونَة أسد بن الفرات؛ حيث دونها بالتلقى عن الفقيه المصرى عبد الرحمن بن القاسم، إلا أن الفقيه المغربى سحنون بن سعيد راجعها على ابن القاسم وغيَّر بعضها، حتى صارت الرواية المعتبرة هى رواية ابن سحنون. وقد شُرِحت المدونة ولخصت وعلق عليها الكثير، مثل: محمد بن أبى زيد القيروانى، كما أن قاضى قرطبة محمد أبو الوليد بن رشد كتب لها مقدمة جيدة. وكتاب المدونة مطبوع، ويُعد من الكتب المهمة فى التنظير للأصول والفروع.

*الطبقات الكبرى لابن سعد

*الطبقات الكبرى لابن سعد كتاب ألفه محمد بن سعد بن منيع. وُلِد بالبصرة سنة (168 هـ)، وتُوفِّى فى بغداد سنة (230 هـ). ولم يذكر المؤلف فى كتابه سبب تأليفه للكتاب، ولم يتحدث عن منهجه فى التأليف، وقد صدر الكتاب فى (8) مجلدات على النحو التالى: المجلد الأول: عن السيرة النبوية الشريفة. المجلد الثانى: عن المغازى والسرايا وأسمائها وتواريخها. المجلد الثالث: ويقع فى قسمين؛ أحدهما فيه طبقات البدريين من المهاجرين، والآخر فيه طبقات البدريين من الأنصار. المجلد الرابع: ويتكون من قسمين؛ أحدهما: الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار، والآخر: الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة. المجلد الخامس: ذكر فيه الطبقة الأولى من أهل المدينة من التابعين، ثم ذكر الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين، وهم على قسمين؛ أحدهما: من كانوا من الأنصار، والآخر: من كانوا من الموالى، ثم ذكر الطبقة الثالثة من أهل المدينة من التابعين، ثم سقطت الطبقتان الرابعة والخامسة، وتحدث عن الطبقتين السادسة والسابعة، لكنه لم يحددهما باسم معين، ثم ذكر من نزل بمكة من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان من أهل مكة، وروى عن عمر بن الخطاب وغيره، وقسمهم إلى خمس طبقات، ثم ذكر من نزل الطائف من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان منهم بها من الفقهاء والمحدثين، ثم ذكر من نزل باليمن من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بها منهم من المحدثين، وقسمهم إلى أربع طبقات، ثم ذكر من نزل باليمامة من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بها منهم من الفقهاء والمحدثين، ثم ذكر من كان بالبحرين من الصحابة، رضى الله عنهم. المجلد السادس: فيه طبقات الكوفيين ممن كان من الصحابة، رضى الله عنهم، ومن كان بالكوفة من التابعين وغيرهم من أهل الفقه والعلم، وقسم التابعين إلى تسع طبقات. المجلد السابع: ذكر فيه من نزل البصرة من الصحابة، رضى الله

عنهم، ومن كان بها من التابعين وأهل العلم والفقه، وذكر منهم ثمانى طبقات، كما ذكر من كان بواسط من الفقهاء والمحدثين، ومن كان بالمدائن من الصحابة، رضى الله عنهم، والفقهاء والمحدثين، ثم من كان ببغداد من الفقهاء والمحدثين، ومن كان بهمذان من الفقهاء، ومن كان بالأنبار من المحدثين، ثم من نزل بالشام من الصحابة، رضى الله عنهم، فى ثمانى طبقات، ومن نزل بالجزيرة من الصحابة، رضى الله عنهم، والفقهاء والمحدثين والتابعين، ومن كان بالعواصم والثغور، ثم ذكر من نزل بمصر من الصحابة، رضى الله عنهم، فى ست طبقات، ثم من كان بأيلة وإفريقية والأندلس. المجلد الثامن: فيه النساء المسلمات والمهاجرات من قريش، والأنصاريات والمبايعات، وأزواج رسول الله (، والمسلمات المبايعات، وغرائب نساء العرب المسلمات المهاجرات المبايعات، ونساء الأنصار المسلمات المبايعات، والنساء اللاتى لم يروين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويؤخذ على ابن سعد فى كتابه: 1 - ترجم لبعض الشخصيات دون إشارة إليها بوضوح. 2 - ذكر بعض الأسماء دون أن يترجم لها.

*مروج الذهب للمسعودى

*مروج الذهب للمسعودى كتاب فى التاريخ. ألفه على بن الحسين بن على. الذى يرجع نسبه إلى عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه. وُلد ونشأ وتعلم فى بغداد، ثم رحل فى طلب العلم، فطاف أكثر بلاد الأرض، فجمع كثيرًا من المعلومات التاريخية والجغرافية؛ مما جعله متفوقًا على كثير من العلماء فى مجاله، وكانت وفاته سنة (346 هـ). وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر دراسة تاريخية جغرافية، جمع فيه المسعودى التاريخ وأخبار العالم، وما مضى من الزمان من أخبار الملوك والأنبياء والأمم ومساكنها. ويتكون الكتاب من أربعة أجزاء على النحو التالى: الجزء الأول: يتحدث فيه عن دافعه إلى تأليف الكتاب، والمصادر التى اعتمد عليها، ثم يتحدث عن كتابيه أخبار الزمان والأوسط فى الأخبار على التاريخ، ويشير إلى كتب من سبقه من المؤلفين، وينقدها مبرزًا ما فيها من مميزات وعيوب، ثم يتحدث عن بدء الخلق، وعن آدم، عليه السلام، وحواء وأولادهما، وعن نوح، عليه السلام، وأبنائه والأنبياء من بعده، وعن ذى القرنين، وأصحاب الكهف ، ومسيحيى نجران باليمن، وأبرز الشخصيات السابقة إلى الإسلام. كما تحدث فى هذا الجزء عن الأرض والبحار والأقاليم، وترتيب الأفلاك، ومساحة الأرض، والأنهار، وبلاد الصين وملوكها، وصقلية وملوكها، وإفريقية قبل الإسلام، والحبشة والسودان، ووصف كثيرًا من حيواناتها، وطبرستان وجيدان، وبلاد فارس وملوكها، واليونان والرومان، وتاريخ مصر قبل الفتح الإسلامى لها. الجزء الثانى: ويتحدث فيه عن الجغرافيا والرحلات؛ فيتحدث عن السودان وأهله وأجناسه وملوكه وحيواناته، ومصر والفرنجة، وبلاد العرب قبل الإسلام، ومكة المكرمة، وإبراهيم الخليل، عليه السلام، وإسماعيل، عليه السلام، والقبائل العربية. ويقدم دراسة جغرافية لبلاد الشام ومصر واليمن والحجاز والمغرب والعراق وخراسان وفارس وخوزستان والهند والصين وبلاد الروم، كما يتحدث عن الأديان

وأنواعها المتعددة، وعن ظهور الإسلام، وعن السيرة النبوية الشريفة، وهجرة الصحابة، رضى الله عنهم، والجهاد، والغزوات، ووفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعن الخلفاء الراشدين. الجزء الثالث: يتحدث فيه عن خلافة الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وعن قيام الدولة الأموية، والدولة العباسية حتى عصر الأمين. الجزء الرابع: يبدأ بعصر المأمون حتى عصر المطيع لله، وبداية ازدياد نفوذ بنى بويه فى السلطة من دونه. ولأهمية الكتاب تُرجم إلى اللغة الفرنسية، وطُبع فى باريس فى (9) مجلدات سنة (1872 م)، كما تُرجم إلى الإنجليزية فى لندن سنة (1841 م)، كما طُبع بالعديد من البلاد العربية أكثر من مرة.

*الآثار الباقية عن القرون الخالية

*الآثار الباقية عن القرون الخالية هو كتاب فى علم التاريخ لأبى ريحان البيرونى المتوفى سنة (440 هـ) الذى وُلد فى السند، وقضى قرابة (40) سنة فى الهند، وكان للبيرونى اهتمامات بالنجوم والفلك والرياضيات والتاريخ والجغرافيا. ويتناول هذا الكتاب دراسة للتواريخ عند الأمم المختلفة من يهود وعرب وهنود وروم، وتواريخ الملوك الأقدمين وأهم أعياد هذه الأمم. وقد وضع البيرونى هذا الكتاب فى جرجان خلال الفترة من (388 هـ) حتى (403 هـ) وأهداه إلى أميرها شمس الدين أبى المعالى قابوس. وقد نشره المستشرق الألمانى سخاو عام (1878 م)، ووُضعت له ترجمة إنجليزية طُبعت فى لندن سنة (1879 م)، وللكتاب ترجمة روسية طبعت فى طشقند سنة (1957 م).

*الإحاطة فى أخبار غرناطة

*الإحاطة فى أخبار غرناطة كتاب ألفه لسان الدين بن الخطيب المتوفى سنة (776هـ)، وكان وزيرًا لأبى الحجاج يوسف بن إسماعيل ولابنه من بعده فى دولة بنى نصر بن الأحمر بالأندلس. ويُعد كتاب الإحاطة من أهم مؤلفات لسان الدين؛ حيث يعد موسوعة شاملة لكل ما يتعلق بمدينة غرناطة منذ أن فتحها المسلمون، وأخبار من كان فيها قبلهم حتى عصره، مع ترجمة وافية لكل ملك من ملوكها وترجمة للعديد من أعلامها فى مختلف العصور. ولم يلتزم لسان الدين بالترتيب التاريخى للأحداث فى كتابه، وإنما التزم الترتيب الألفبائى لأصحاب التراجم، وقد استعان لسان الدين بالعديد من المراجع فى كتابه مثل: البيان المغرب لابن عذارى المراكشى، وتاريخ مالقة لابن عساكر. واستمر ابن الخطيب فى تأليف هذا الكتاب من سنة (761 هـ) حتى (769 هـ). وسبب تأليف هذا الكتاب يرجع إلى أن ابن الخطيب اطلع على كتاب وصف الأندلس لابن جزى، فأُعجب به ووضع كتاب الإحاطة على غراره. وقد طُبع هذا الكتاب بتحقيق محمد عبد الله عنان.

*أحسن التقاسيم

*أحسن التقاسيم يُعد هذا الكتاب من أهم كتب الجغرافيا عند المسلمين، ألفه شمس الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر البناء المقدسى المؤرخ، الرحالة الجغرافى المتوفى سنة (380 هـ). ويشتمل هذا الكتاب على ذكر الأقاليم الإسلامية ووصفها وصفًا دقيقًا، لذلك فإن هذا الكتاب يُعد موسوعة جغرافية وتاريخية وحضارية. وقد جمع المقدسى مادة هذا الكتاب فى أثناء رحلاته فى البلاد الإسلامية؛ حيث كان تاجرًا على دراية بأحوال الناس والأقاليم. وكان منهجه فى هذا الكتاب هو تحرى الدقة وما اتفق عليه العلماء، أما مااختلفوا فيه فقد استبعده. وقد تحدث المقدسى عن الديار الإسلامية فحسب، ولم يذكر أقاليم غير المسلمين. والكتاب طُبع فى مجلد واحد بمدينة ليدن سنة (1909 م).

*إحصاء العلوم

*إحصاء العلوم هو كتاب لأبى نصر الفارابى المتوفى سنة (239 هـ)، أحد فلاسفة الإسلام الكبار بالإضافة إلى اهتماماته الطبية والفلكية والرياضية. ويُعد إحصاء العلوم أول موسوعة عامة صدرت باللغة العربية للتعريف بموضوع فروع العلوم وأغراضها من عقلية وطبيعية وإنسانية. وللكتاب اسم آخر هو مراتب العلوم. وقد قسم الفارابى هذا الكتاب إلى خمسة فصول هى: (1) علم اللسان وفروعه من اللغة والنحو والصرف ... إلخ. (2) المنطق، وأوضح فيه حاجة دارس العلوم والدراسات العلمية إلى المنطق. (3) علم التعاليم (أى الرياضيات) مثل العدد والهندسة والفلك. (4) العلم الإلهى والعلم الطبيعى. (5) العلم المدنى، مثل: الأخلاق والسياسة والفقه وعلم الكلام. وهذا الكتاب يعد اختصارًا دقيقًا للعلوم المتعارف عليها فى عصر الفارابى حيث يعطى القارئ فكرة عامة وواضحة عن موضوع كل علم ومنفعته النظرية والعملية. إلا أن هذا الكتاب لم يحتو على علمى الطب والكيمياء. وتُرجِم إلى اللاتينية فى العصور الوسطى، كما ترجم إلى العبرية.

*الأحكام السلطانية

*الأحكام السلطانية هو اسم لكتابين فى أصول الإدارة الحكومية الإسلامية، أحدهما للماوردى، والآخر للفراء. ويُعد هذان الكتابان أول دراسة علمية منهجية فى هذا الموضوع. الأول: الأحكام السلطانية والولايات الدينية. وهو كتاب ألفه أبو الحسن على بن حبيب الماوردى أحد فقهاء الدولة العباسية، المتوفى سنة (450 هـ). قسم الماوردى كتابه إلى عشرين بابًا تحدث فيها عن الإمامة وشروطها، والوزارة وأنواعها، والإمارة وأقسامها، وأدب الحرب، وكذلك القضاء، والولاية، والأموال، والدواوين ... إلخ. وقد حرص الماوردى فى كتابه على دراسة جميع جوانب الحكم فى الدولة الإسلامية، وتحديد الحقوق والواجبات، وكان ملتزمًا فيه بأصول المذهب الشافعى. واعتمد ابن خلدون على هذا الكتاب فى مقدمته _ وطُبِع عدة طبعات. الآخر: الأحكام السلطانية: كتاب ألفه محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء الفقيه، المحدث المفسر الحنبلى المتوفى سنة (458 هـ). ويتعرض هذا الكتاب لموضوع الإمامة ومايتصل بها من أمور، دون التعرض للأمور الخلافية، كذلك تحدث عن ولاية القضاء وشروطها وكان أبو يعلى الفراء يلتزم بأصول المذهب الحنبلى فى كتابه هذا. ويلاحظ أن كتابى الماوردى والفراء خرجا فى قرنٍ واحد هو القرن الخامس الهجرى؛ حيث كان الاثنان متعاصرين.

*إحياء علوم الدين

*إحياء علوم الدين كتاب ألفه حجة الإسلام أبو حامد الغزالى المتوفى سنة (505 هـ) ، أحد أئمة علم الكلام والفقه والتصوف فى القرن الخامس الهجرى. ويشتمل هذا الكتاب على بحوث فى التوحيد والفقه والحديث والتصوف والاجتماع وعلم النفس والتربية. وقسم الغزالى كتابه أربعة أقسام، هى: العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات. واستعان بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة والصالحين. ولاقى هذا الكتاب منذ تأليفه إعجاب العلماء، حتى قال الحافظ العراقى: إنه من أجلِّ كتب الإسلام فى معرفة الحلال والحرام. ورغم هذا الإعجاب فقد وُجِّهتْ له بعض الانتقادات منها: احتواؤه على ألفاظ ومصطلحات غامضة، استشهاده بالكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. ولأهمية الكتاب فقد اختصره بعض العلماء، كما خرَّج بعض العلماء أحاديثه. أما أعظم الأعمال التى خُدِم بها هذا الكتاب فهو كتاب إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للسيد محمد بن محمد الحسينى الزبيدى صاحب قاموس تاج العروس، ويقع هذا الشرح فى (10) مجلدات. وقد تأثر جمهور المسلمين بهذا الكتاب على مختلف المستويات العلمية والأخلاقية.

*الأخبار الطوال

*الأخبار الطوال كتاب ألفه أحمد بن داود بن ونند المعروف بأبى حنيفة الدينورى ، أحد أعلام الثقافة العربية فى القرن الثالث الهجرى، المتوفى سنة (282 هـ). ويتناول هذا الكتاب التاريخ من عهد آدم - عليه السلام - مارًّا بتاريخ الأنبياء والأمم السابقة بإيجاز، ثم يتناول بإسهاب تاريخ الفرس الساسانيين وعرب الجاهلية، والفتوح الإسلامية للعراق، وتاريخ الدولة الأموية، والدور الذى لعبته خراسان فى قيام الدولة العباسية. ويعرض تاريخ الخلفاء ابتداءً من عبد الملك بن مروان حتى المعتصم العباسى المتوفى سنة (227 هـ). والأخبار الطوال يُعد من أهم المصادر التاريخية عن الحياة الاجتماعية والسياسية والحربية لدى الفرس. ويتميز هذا الكتاب بأسلوب أدبى رفيع فى عرض المادة التاريخية، إلا أنه يحوى - إلى جانب الروايات القوية - الروايات الضعيفة والأساطير. وللكتاب مخطوطات عديدة، وطبع عدة طبعات فى ليدن سنة (1888 م)، ومصر (1960 م)، وغيرها.

*أدب الكاتب

*أدب الكاتب هو كتاب لأبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى. أحد علماء القرن الثالث الهجرى فى اللغة والأدب والفقه والتاريخ. وقد تُوفِّى ابن قتيبة الدينورى ببغداد سنة (276 هـ = 889 م). وهذا الكتاب يقدم قدرًا وافيًا من الثقافة اللغوية الضرورية لكتَّاب الدواوين فى زمانه خاصة، والكتَّاب والأدباء عامة، وبالتالى فهو أول كتاب عربى منظم فى ذلك الموضوع. والكتاب مكوَّن من مقدمة وأربعة أقسام، ويتكون كل قسم منها من عدة أبواب، وهذه الأقسام هى: (1) كتاب المعرفة: ويتألف من (63) بابًا. (2) كتاب تقويم اليد: ويتضمن (47) بابًا. (3) كتاب تقويم اللسان: ويتضمن (35) بابًا. (4) كتاب الأبنية: ويتكون من شقين؛ الأول أبنية الأفعال (45) بابا، والآخر: أبنية الأسماء ومعانيها (53) بابًا. ومما دفع ابن قتيبة إلى تأليف هذا الكتاب ضعف ثقافة كتَّاب الدواوين. وقد تبوأ هذا الكتاب منزلة عظيمة لدى كثير من العلماء مثل ابن خلدون، وشرحه آخرون مثل الجواليقى، وسمى شرحه بشرح أدب الكاتب. وطُبع أدب الكاتب عدة طبعات حيث نشر فى ليدن سنة (1900 م)، وحققه ونشره بمصر سنة (1963 م) محمد محيى الدين عبد الحميد.

*إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

*إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم هو أحد مؤلفات أبى السعود محمد بن محمد بن مصطفى العماوى أحد فقهاء الأحناف فى الدولة العثمانية، وُلد بالقسطنطينية سنة (898 هـ). وتُوفِّى بها سنة (982 هـ)، وهذا التفسير هو المعروف بتفسير أبى السعود، وكان أبو السعود مشغولاً بالتدريس والقضاء والفتوى وكان يستغل وقت فراغه فى تأليف هذا الكتاب. وهذا التفسير يتناول أسرار البلاغة القرآنية وسر إعجاز القرآن؛ حيث يهتم هذا التفسير ببناء العبارة وجمال صياغتها. كذلك يهتم بإبداء وجوه المناسبات بين الآيات ويتعرض لذكر القراءات، ويقل من سرد الإسرائيليات، إلا أنه يروى فى تفسيره بعض الروايات عمن اشتهر بالكذب. ونقل أبو السعود فى هذا الكتاب المسائل الفقهية وتناول ما تحتمله الآيات من وجوه الإعراب؛ لذلك كانت لهذا الكتاب شهرة فى أوساط العلماء، إلا أنه لم يظفر بالشروح والتعليقات الكافية. وطُبع هذا التفسير مرات عديدة، وهو يقع فى خمسة أجزاء.

*أسد الغابة فى معرفة الصحابة

*أُسد الغابة فى معرفة الصحابة كتاب ألفه عز الدين أبوالحسن على بن أبى الكرم محمد بن محمد المعروف بابن الأثير الجزرى. وُلد سنة (505 هـ) بالموصل، وتُوفِّى بها سنة (630 هـ). ويتناول هذا الكتاب تراجم أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم -. وسبب تأليف هذا الكتاب هو اقتراح أحد أعيان المحدِّثين على ابن الأثير بتصنيف كتاب يكون فصلاً فيما اختلفت فيه الكتب حول حياة الصحابة. وقد استفاد ابن الأثير من الكتب التى سبقته فى هذا الخصوص. والتزم فى تأليف هذا الكتاب بالترتيب الألفبائى لأسماء الصحابة: حيث يقدم الاسم على الكنية ويشرح المفردات التى يرى فيها غموضًا ويضبط الأسماء المتشابهة فى الخط. وقد اشتمل الكتاب على (7554) ترجمة، كما أنه حدد مفهوم الصحابى. وقد طُبع هذا الكتاب عدة طبعات، منها طبعة دار الشعب بالقاهرة سنة (1971م)، وطبعة دار الجبل ببيروت.

*العبر وديوان المبتدأ والخبر

*العبر وديوان المبتدأ والخبر كتاب فى التاريخ ألَّفه عبد الرحمن بن خلدون المتوفَّى سنة (808 هـ = 1405 م). وعنوان هذا الكتاب كاملاً هو: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاهدهم من ذوى السلطان الأكبر. وقد اشتهر ابن خلدون بين العلماء والمفكرين بهذا الكتاب، بل بجزء واحد منه هو المقدمة، وتُسمى مقدمة ابن خلدون. والكتاب مقسَّم إلى ثلاثة كتب فى سبعة مجلدات: الكتاب الأول: ويقع فى مجلد واحد، ويشغل المقدمة، وقبل المقدمة ظهرت بحوث تدرس ظواهر الاجتماع، وترجع هذه البحوث إلى ثلاث طوائف: 1 - بحوث تاريخية يقتصر أصحابها على وصف الظواهر الاجتماعية دون أن يحاولوا استخلاص شىء من هذا الوصف فيما يتعلق بطبيعة هذه الظواهر وقوانينها. 2 - دراسات إرشادية تدعو إلى المبادئ التى تقررها نظم المجتمع ومعتقداته وتقاليده. 3 - دراسات يوجه أصحابها كل عنايتهم إلى ماينبغى أن تكون عليه الظواهر الاجتماعية، حسب المبادئ التى يرتضيها كل منهم، فهى دراسات إصلاحية. 4 - المقدمة: أتى فيها ابن خلدون بمباحث مستحدثة مما أطلق عليه أهل هذا الزمان اسم العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصاد السياسى والاجتماعى وفلسفة التاريخ. أما الكتابان الآخران فيقعان فى ستة مجلدات، درس الكتاب الأول منهما أخبار العرب وأجيالهم منذ بدء الخليقة إلى القرن الثامن الهجرى. ويضم هذا الكتاب أربعة مجلدات من الثانى إلى الخامس. أما الكتاب الآخر: فهو خاص بتاريخ البربر. ويتميز تاريخ ابن خلدون عن غيره بما يتضمنه من المقدمات الفلسفية فى صدر أكثر الفصول عند الانتقال من دولة إلى أخرى، ويُعدُّ الكتاب أوسع تاريخ للعرب والبربر ودُوَلِهم. وقد طُبع كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر كاملاً فى القاهرة سنة (1867 م)، وقد نشر المقدمة المستشرق كايمارتر بباريس.

*الكتاب

*الكتاب كتاب فى النحو والصرف، ألَّفه إمام النحاة سيبويه عمرو بن عثمان ابن قنبر المتوفَّى سنة (180 هـ = 796 م). وأوَّل ما يُلاحظ على الكتاب أن سيبويه لم يضع له اسمًا، وربما أعجلته وفاته عن تسميته، وظل اسم الكتاب خاصًّا به دلالة على روعة تأليفه وإحكامه، كما لم يضع له مقدمة يبين فيها منهجه، ولا خاتمة ينتهى بها. والكتاب هو أول كتاب جامع فى قواعد النحو والصرف ولم يُؤلف قبله ولابعده مثله، فقد نسَّق سيبويه أبوابه وأحكمها إحكامًا دقيقًا. ويقع الكتاب فى جزأين كبيرين مقسمين إلى ثلاثة اقسام، هى: النحو، والصرف، والأصوات. وقد بدأ سيبويه بدراسة النحو ومباحثه ولم يترك فى هذه المباحث جانبًا إلا استقصاه، واستغرق ذلك الجزء الأول وبداية الثانى، ثم ثنَّى بالصرف، ويمتد إلى مايقرب من نهاية الجزء الثانى، ثم ختم الجزء الثانى بدراسة الإدغام وما يحدث من التغييرات الصوتية نتيجة شيوعه على الألسنة العربية. وقد امتدح كثير من العلماء كتاب سيبويه فيقول أبو عثمان المازنى: من أراد أن يعمل كتاباً فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى. ويقول المبرد: لم يُعمل كتاب فى علم من العلوم مثل كتاب سيبويه. وطُبع الكتاب فى المطبعة الأميرية ببولاق سنة (1316 هـ = 1898 م) وهى الطبعة المشهورة، وله طبعات أخرى فى أوربا وبيروت، وسائر المشرق. منها الطبعة التى حققها الأستاذ عبد السلام هارون.

*الكافية

*الكافية كتاب فى النحو، ألفه العالم اللغوى ابن الحاجب - وهو عثمان بن عمر بن أبى بكر بن يونس - سنة (646 هـ = 1249 م). وقد أوضح ابن الحاجب فى مقدمته السبب فى تأليف كتاب الكافية، وهو أنه أراد أن يُيسر دراسة النحو لطلابه فعمد إلى كتاب المفصل للزمخشرى، فاختصر منه هذه المقدمة وسماها الكافية. واسمها يدل على غرضها، فهى تغنى الناشئ أو المتعلم وتكفيه عن كتب النحو المعقدة. وقد اتبع ابن الحاجب فى ترتيب أبواب الكتاب منهج الزمخشرى فى المفصل، فقسم الكافية إلى أربعة أقسام، الأول: أسماء، والثانى: أفعال، والثالث: حروف، والأخير: مشترك من أحوالها. وقد عمد ابن الحاجب فى الكافية إلى التلخيص والإيجاز، فالدارس لايجد صعوبة فى فهمها، والوقوف على الغرض من عبارتها. وقد تسابق العلماء إلى شرح الكافية فظهرت لها شروح كثيرة باللغة العربية، وكذلك باللغتين الفارسية والتركية. وأجلَّ هذه الشروح شرح رضى الدين محمد بن الحسن الإستراباذى، والشروح الثلاثة للسيد ركن الدين شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهانى.

*عيون الأخبار

*عيون الأخبار كتاب فى الأدب ألفه، ابن قتيبة أحد أعلام الأدب فى القرن (3هـ = 9م)، وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينورى المتوفَّى سنة (276هـ = 889 م). وكتاب عيون الأخبار جامع لشتى العلوم. وينقسم إلى عشرة كتب صغيرة، لكل منها عنوانه وموضوعه وما يتصل به من فنون الأدب. وهذه الكتب هى: 1 - السلطان وأدب الحكم. 2 - الحرب: ويتناول آداب الحرب ومكايدها. 3 - السؤدد والسيادة والكمال والشرف. 4 - الطبائع والأخلاق المذمومة. 5 - العلم والبيان: ويتناول العلم والكتب والحديث مع نماذج من خطب العلم والبيان. 6 - الزهد: ويتناول الدعاء والمناجاة والبكاء ومقامات الزُّهاد. 7 - الإخوان: ويتناول الحث على اتخاذ الإخوان وحسن اختيارهم. 8 - الحوائج: وما يتصل بها من اصطناع المعروف والقناعة والاستعفاف. 9 - الطعام: ويتناول صنوف الأطعمة وأخبار العرب فى مآكلهم ومشاربهم. 10 - النساء: ويتناول ما يُختار من أخلاقهن وما يُكره، وما يتصل بحياة المرأة. وسبب تأليف ابن قتيبة كتاب عيون الأخبار - كما أوضح فى المقدمة - هو إفادة المتأدب المتخصص والمتأدب من خاصة الناس والمتأدب من عامتهم. ويُعدُّ الكتاب مزيجًا بين الثقافة العربية والثقافة الأجنبية، ويشابه بذلك صاحبه الجاحظ الذى أتى بأخبار أعجمية فى كتابه البيان والتبيين. وقد طبع الكتب الأربعة الأولى من هذا الكتاب المستشرق الألمانى بروكلمان سنة (1899 م)، وطُبع الكتاب الأول فى مصر سنة (1325 هـ = 1907 م)، ثم طُبع الكتاب كاملاً تحت إشراف دار الكتب المصرية فى أربعة أجزاء مابين سنتى (1924 م، و 1930 م).

*تفسير البيضاوى

*تفسير البيضاوى كتاب ألَّفه عبد الله بن عمر بن محمد بن على الشيرازى البيضاوى، وهو قاضٍ، مفسر، ولد فى المدينة البيضاء، وتُوفِّى فى تبريز سنة (685 هـ = 1286م). والتفسير بعنوان: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وهو متوسط الحجم، جمع فيه صاحبه بين التفسير والتأويل وفق مقتضى قواعد اللغة العربية، وأورد فيه الأدلة على أصول أهل السنة، ولخص فيه مؤلفه من تفسير الكشاف للزمخشرى مايتعلق بالإعراب والمعانى والبيان، ومن تفسير الإمام الرازى مفاتيح الغيب ما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن جامع التفاسير للراغب الأصفهانى مايتعلق بالاشتقاق، وغوامض الحقائق، ولطائف الإشارات. وضمَّ إلى ذلك بعض الآثار الواردة عن التابعين، وضمنه طرائف واستنباطات من إعمال فكره، وعرض القراءات والصناعات النحوية، ولآيات الأحكام والمسائل الفقهية. وللكتاب مايزيد على أربعين حاشية، أشهرها: حاشية قاضى زاده، وحاشية الشهاب الخفاجى، وحاشية القونوى. وقد طُبع الكتاب طبعات عديدة، ومنها: - طبعة القسطنطينية - المطبعة العثمانية - (1270 هـ = 1853 م). -و طبعة القاهرة - مطبعة كردستان العلمية - (1326 هـ = 1908 م).

*البيان المغرب

*البيان المُغرب كتاب ألفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عِذَارِى المراكشى، أحد المؤرخين المعروفين فى القرن (7 هـ = 13 م). وتُوفِّى نحو سنة (695 هـ = 1296 م). ويتناول الكتاب - فى إيجاز - تاريخ بلاد المغرب والأندلس من الفتح الإسلامى حتى انقضاء دولة الموحِّدين. ويتألف من مقدمة وثلاثة أجزاء: أمَّا المقدمة فهى موجزة، وتشتمل على بيان سبب تأليفه، وموضوعه والمنهج الذى اتبع فيه، والأجزاء التى يضمها. ويعرض فى الجزء الأول أخبار إفريقيَّة منذ الفتح الإسلامى الأول فى خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضى الله عنه. ويتناول فى الجزء الثانى أخبار جزيرة الأندلس، ومَن وليها من الأمراء الأمويين منذ الفتح الإسلامى، ثم قيام دولة الأمويين فى الأندلس، وعصر ملوك الطوائف، ودخول المرابطين الأندلس سنة (478 هـ = 1085 م). وفى الجزء الثالث اختصر أخبار الدولة المرابطية اللمتونية، ثم أخبار دولة الموحدين. وينتهى الكتاب عند أحداث سنة (667 هـ = 1268 م). وطريقة ابن عِذَارى فى معالجة الأحداث التاريخية هى الطريقة الحوليَّة حيث يؤرخ للأحداث على السنين. وقد طُبع الكتاب فى أربعة أجزاء، حقق الأجزاء الثلاثة الأُول منها كل من: ج. س. كولان، وليفى بروفنسال، وقام بتحقيق الجزء الرابع إحسان عباس.

*البيان والتبيين

*البيان والتبيين كتاب ألَّفه أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى المعروف بالجاحظ. وُلِد فى البصرة سنة (163 هـ = 779 م)، وترك العديد من المصنفات التى تبلغ نحو (170) مؤلَّفًا. وتُوفَّى سنة (255 هـ = 869 م). يتناول الجاحظ فى كتابه هذا مباحث البلاغة والفصاحة، ويستنبط أصولهما كما عرفها البيانيون السابقون، ومارسها عمليًّا أرباب الفصاحة والكلام. وقد بدأ كتابه بالحديث عن العِىِّ والاستعاذة منه، وعن مزايا الفصاحة وعيوب التشدق والتقعر والغرابة، وعن اختلاف لغة العرب فى استعمال الألفاظ، ثم تحدث عن الخطابة وعيوب اللسان، وسَمْتِ الخطيب وهيئته وأثر ذلك فى التأثير والإقناع، وعرض لأشهر الخطب ومن اشتهر من الخطباء بسلامة النطق أو بعيب فيه، كما تحدث عن الشعر واختلاف طبائع الشعراء، وتناول تفرد القرآن الكريم فى أسلوبه، وكيف خالف جميع الكلام الموزون والمنثور، كما أشار إلى موضوعات أخرى متنوعة، منها: أصوات الكلام وموسيقاه، والسجع والازدواج، والرجز، والإيجاز والإطناب، والصمت والعىُّ، والاقتباس، والترادف، والتنافر، والاستعارة، والتشبيه، والزهد، والتنسُّك، ونوادر الحمقى والمجانين، والحكم والرسائل والأمثال. وتحدث عن جزالة الألفاظ، وجمال العبارات، وبلاغة التراكيب، وحسن الصياغة. وأسلوب الجاحظ فى الكتاب اتسم بالاستطراد والتنويع. وقد تطرق من موضوع إلى آخر، ومن فكرة إلى أخرى. وقد أدى هذا إلى نوع من الخلط والاضطراب. وقد طُبع الكتاب عدة طبعات منها طبعة حققها عبد السلام هارون فى أربعة أجزاء. ونُشر بالقاهرة سنة (1367 هـ = 1948 م).

*بدائع الزهور

*بدائع الزهور كتاب ألفه أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس المصرى الحنفى، المعروف بابن إياس المصرى، أحد مؤرخى مصر الكبار. وُلِد فى القاهرة سنة (852 هـ = 1448 م)، وتُوفِّى بها سنة (930 هـ = 1524 م). ويعرض الكتاب لتاريخ مصر منذ أقدم العصور، حتى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى، ويعدُّ الكتاب مرجعًا عظيم الفائدة لمن يبحث فى تاريخ مصر فى عصر المماليك وبداية العصر العثمانى، من النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية. ولغة الكتاب سهلة بسيطة يشيع فيها كثير من الألفاظ العاميَّة، والمصطلحات الأجنبية، وبخاصة التركيَّة. والمنهج المتبع فيه هو منهج الحوليَّات. وقد طُبع الكتاب سنة (1312 هـ = 1894 م) فى مطبعة بولاق الأميرية، ثم عُنَيت جمعية المستشرقين الألمان بإخراج طبعة جديدة له حققها محمد مصطفى.

*البخلاء

*البخلاء كتاب ألفه أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى، المعروف بالجاحظ، أحد أئمة البيان والأدب فى تاريخ العربية. ويُعالج الكتاب أخبار البخلاء وأحاديثهم ونوادرهم، واحتجاجهم لمذاهبهم فى البخل. وكان الدافع إلى تأليفه هو الرد على الشعوبيين المتعصبين لغير العرب الرامين العرب بالبخل. وقد استهل الجاحظ كتابه بلمحة عن نفسية البخلاء، وأتبعها برسالة سهل بن هارون فى البخل، ثم شرع فى موضوع كتابه؛ فبدأ بأخبار بخل أهل خراسان عامة، وأهل مرو منهم خاصة، وتناول بخل أهل البصرة، واستعرض نماذج منهم، ثم ذكر رسالتين، إحداهما من أبى العاص بن عبد الوهاب الثقفى فى ذم البخل ومدح الكرم، والأخرى جواب ابن التوأم على رسالة الثقفى فى إظهار مفاسد البذل والجود. واتسم أسلوب الجاحظ فى كتابه بقدرته الفائقة على تحليل نفسية البخلاء، وبروح السخرية والدعابة. وقد طُبع الكتاب أكثر من مرة منها طبعة حققها طه الحاجرى سنة (1367 هـ = 1948 م).

*الأغانى

*الأغانى كتاب ألفه أبو الفرج على بن محمد بن أحمد بن الهيثم، المعروف بأبى الفرج الأصفهانى، أحد أعلام الأدب العربى فى القرن (4 هـ). وُلِد بأصفهان سنة (284 هـ = 897 م) لأب ينتهى نسبه إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، ثم انتقل إلى بغداد حيث تلقى العلم عن كبار علمائها. ومن مصنفاته: القيان ومقاتل الطالبيين والإماء الشواعر، وتوفَّى سنة (357 هـ = 967 م). والموضوع الرئيسى لكتاب الأغانى هو: الأغانى فى بعض مجالس الخلفاء، وقد جمعها أبو الفرج، ونسب كل شعر إلى قائله، وذكر صاحب لحنه، واسم من غناه، ثم ترجم للشاعر، وعرض نماذج من شعره. وقد بلغ عدد الذين ترجم لهم من الشعراء أربعمائة وستة وعشرين شاعرًا من العصور: الجاهلى وصدر الإسلام والأموى والعباسى، دون التزام ترتيب زمنى. والمنهج الذى اتبعه أبو الفرج هو الابتداء بذكر الصوت الذى اختاره، والشعر المتعلق به، ثم الاستطراد إلى ذكر أشعار أخرى قيلت فى المعنى نفسه، ثم التحدث عن المناسبة التى قيلت فيها، وقد يتعرض أبو الفرج لذكرالأنساب وأخبار القبائل، وما قد يكون من فتن طائفية أو مذهبية، وما يشاكل هذا من أخبار وسير وأشعار ورسائل وخطب وقصص. واهتم بالسند وعدَّه الأساس فى ذكر أية رواية أدبية، وارتضى لنفسه بعض المعايير التى تعينه على تحقيق نسبة النص إلى صاحبه. ويعُّد كتاب الأغانى المرجع الأساسى لتاريخ الغناء والمغنين فى القرون الثلاثة الأولى. ولكن يُؤخذ على أبى الفرج أنه ركز فى كتابه على تصوير الحياة اللاهية العابثة فى المجتمع البغدادى فى عصره، وأغفل الجانب الجادَّ الإيجابى، وأنه جعل الهدف من كتابه الإمتاع لا التأريخ.

*ألف ليلة وليلة

*ألف ليلة وليلة هى حكايات يحمل بعضها أصولاً فارسيَّة، وتظهر فى بعضها عناصر هندية ويونانية، لكنها اتسمت بطابع عربى، حيث ترجمت أصولها، واعتورها كثير من التعديل حتى خرجت فى صورتها الحالية. ويرجِّح العلماء أنها عمل جماعى وليست عملاً فرديًّا. ويعتمد منهج ألف ليلة وليلة فى ربط الحكايات بعضها ببعض على مايسمَّى بقصة الإطار. ويشيع فى القصص ذكر علاء الدين والقنديل المسحور وعلى بابا والسندباد البحرى ... إلخ. وفيها بعض العناصر التاريخية الحقيقية المأخوذة من واقع البيئة العربية. وكان الكتاب فى مراحله الأولى موضع ازدراء، فوصف بأنه من الغث البارد، وحين تبلور فى صورته النهائية احتفى الغرب به، حتى احتل مكانة عالية فى الأدب العالمى. وكان أنطوان جالان أول من عُنِى بالكتاب، حيث قام بترجمته سنة (1116 هـ = 1704 م) وخرجت طبعته فى (12) مجلدًا. واستقبلت أوربا الكتاب باهتمام بالغ، وتلقاه الجمهور بشغف، ثم شاعت محاكاته تأليفًا وترجمة، وكانت أول طبعة عربية له سنة (1230 هـ = 1814 م) وهى طبعة كلكتا، ثم طُبع بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة (1251 هـ = 1835 م)، كما طبع ببيروت سنة (1299 هـ = 1881م)، توالت بعد ذلك طبعات الكتاب.

*ألفية بن مالك

*ألفية بن مالك هى منظومة من بحر الرجز فى علمى النحو والصرف، وتقع فى نحو ألف بيت، وتُسمَّى أيضًا بالخلاصة. نظمها أبو عبد الله جمال الدين محمد بن مالك، أحد أئمة علوم النحو والصرف والقراءات. وُلِد فى جيَّان بالأندلس سنة (600 هـ = 1203 م)، ثم رحل إلى المشرق سنة (630 هـ = 1232 م) ولقى ابن الحاجب وأخذ عنه، واستقر مقامه بحلب، وتتلمذ فيها لابن يعيش، وتصدَّر بها مدة للإقراء، ثم تركها إلى دمشق وتُوفِّى بها سنة (672 هـ = 1273 م). وتتناول الألفية قواعد النحو والصرف ومسائلهما من خلال النظم، بقصد تقريب مسائل العِلْمِيِن وتيسيرها. وقد بدأ ابن مالك ألفيته بتعريف الكلام ومايتألف منه، ثم المعرب والمبنى من الكلام، ثم تتابعت أبواب النحو، وبعد ذلك تناول أبواب الصرف. ومنهج ابن مالك فى الألفية هو المنهج الانتقائى الذى يقوم على المزج بين آراء النحاة، والترجيح بينها، فلم يقيد نفسه بمذهب معين من مذاهب النحو ومدارسه. وألفية ابن مالك هى أشهر الألفيات على اختلاف منازعها وفنونها، وقد أولاها العلماء اهتمامًا كبيرًا فقام بعضهم بشرحها، أو اختصارها، أو نثرها، أو إعراب أبياتها، أو عمل حواشٍ لها، أو التعليق عليها. وقد زاد عدد شرَّاحها على الأربعين شارحًا.

*الإمامة والسياسة

*الإمامة والسياسة هو كتاب منسوب إلى الفقيه أبى محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى، أحد أئمة علوم القرآن والحديث واللغة والأدب والأخبار، وغيرها. ويقع الكتاب فى جزأين يحتويهما مجلد متوسط الحجم، ولايدل عنوانه على محتواه؛ إذ إنه كتاب تاريخى يعتمد على السرد المسلسل للأحداث السياسية فى تاريخ المسلمين، ويذكر أخبار الأئمة والقادة منذ وفاة النبى (حتى تولَّى المأمون الخلافة فى الدولة العباسية سنة (195 هـ = 810م). وهو بهذا لا يختلف كثيرًا عن معظم كتب التاريخ التى تعرض أحداث التاريخ الإسلامى فى هذه الفترة وما بعدها. غير أن هذه الكتب أكثر دقة وتنظيمًا منه، لاعتمادها على السرد الحوْلى للأ حداث. وأهم مايتسم به الكتاب من حيث المنهج أنه لايعتمد على الرواية الموثقة، وأنه يذكر بالتفصيل معظم الوقائع والأحداث التى تتصل بالسياسة ولو من بعيد، معتمدًا على أسلوب القصِّ والرواية. والمعروف أن نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة ليست ثابتة، فكل الذين كتبوا عنه يكادون يُجمعون على أنه ليس له، وأوَّل من بدأ هذا ابن العربى فى كتابه العواصم من القواصم.

*الأموال

*الأموال هو كتاب ألفَّه أبو عبيد القاسم بن سلام الأزدى، أحد أئمة اللغة والقراءات والشعر والفقه. وُلِد سنة (157 هـ = 774 م) وعاش حياة حافلة بالتعلم والتعليم. من مصنفاته: غريب الحديث، وفضائل القرآن والأمثال السائرة. وتُوفِّى أبو عبيد سنة (224 هـ = 839 م). ويعدُّ كتاب الأموال من أقدم ما كتب بهذا المستوى من الشمول فى موارد الدولة المالية فى تلك الحقبة. وهو يقع فى مجلد واحد، ويحوى نحو الألفين من الأخبار؛ مابين أحاديث عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال للصحابة - رضوان الله عليهم - وقصص فى أيام الخلفاء الراشدين والأمويين مما يتعلَّق بالأموال فى الدولة الإسلامية، إذ يشمل أخبارًا عن الزكاة والجزية والفىء والغنائم، كما يشمل أحكام الإقطاع، وإحياء الموات وغيرها من الأحكام وعددًا من الأحاديث، مستدلاًّ بها أبوعبيد فى مناقشته لفقه هذه الأخبار، وما اختاره العلماء من الآراء فى تأويلها وتوضيحها. وينقسم كتاب الأموال إلى أجزاء أربعة: الأول يبدأ بباب حق الإمام على الرعية، وحق الرعية على الإمام وينتهى بباب الحكم فى رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبى. والثانى يبدأ بباب الحكم فى رقاب أهل العنوة من الأسارى والسبى ايضًا، وينتهى بباب الفرض للنساء والمماليك من الفىء. أما الجزء الثالث فيستهله أبو عبيد بباب إجراء الطعام على الناس من الفىء، وينهيه بباب الصدقة فى الحلى من الذهب والفضة وما فيها من الاختلاف. وأمَّا الجزء الأخير فيبدأ بباب صدقة مال اليتيم ومافيه من السنة وينتهى بباب إعطاء أهل الذمة من الصدقة. وقد نُشر كتاب الأموال أكثر من مرة، آخرها بتحقيق د. محمد عمارة، نشر دار الشروق بالقاهرة سنة (1409 هـ = 1989 م).

*أنساب الأشراف

*أنساب الأشراف هو كتاب ألَّفه أحمد بن يحيى بن جابر البلاذُرِىّ الجغرافى النسابة، وأحد كبار المؤرخين فى القرن (3 هـ = 9 م)، وكان من رجال البلاط العباسى منذ عهد الخليفة المتوكل حتى عهد المعتز ومن مصنفات البلاذرى: فتوح البلدان، والبلدان الكبير، وعهد أردشير. وتُوفِّى سنة (279 هـ = 892 م). ويتناول الكتاب تاريخ أشراف العرب فى الجاهلية والإسلام حتى عصر المؤلف، ويقع فى اثنى عشر مجلدًا، لا يزال معظمها مخطوطًا. وقد بدأ البلاذُرِىّ كتابه بذكر نسب نوح- عليه السلام - ثم تكلم عن العرب ونزل إلى عدنان، وظل ينزل إلى أجداد النبى - صلى الله عليه وسلم - واحدًا بعد واحد، حتى وصل إلى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد استغرقت سيرته ما يزيد على مائتى صفحة، ثم تكلم عن اجتماع السقيفة، وبدأ يصعد فى نسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى، فتناول أبناء الجد الأول عبد المطلب واحدًا واحدًا، فبنيهم وبنى أبنائهم ومن نزل، ثم أبناء الجد الثانى هاشم بن عبد المطلب، ثم عبد شمس بن مناف، وظل متتبعًا عمود النسب حتى وصل إلى ثقيف وترجم لبعض رجالها. وقد انتهج المؤلف فى كتابه أسلوب ذكر الخبر برواياته المختلفة مع الالتزام بذكر الأسانيد. ويُعدُّ الكتاب كتاب تاريخ بالنظر إلى عمود الأنساب لا التسلسل التاريخى، إذ جعل مؤلفه لكل موضوع عنوانًا فرعيًّا خاصًّا به، كأنه وحدة مستقلة بذاتها، ومن ثمَّ فالكتاب ليس مؤلفًا تاريخيًّا متصل الحلقات، يسوق الأحداث وفق تتابعها الزمنى، وإنما يتتبع تسلسل الحكام. إنه مجموعة روايات فى إطار الأنساب، توسعت حتى احتوت على الأخبار والأشعار والتراجم.

*تاريخ السودان

*تاريخ السودان هو كتاب ألَّفه المؤرخ السودانى عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن عامر السعدى التمبكتى. ويُعرف هذا الكتاب باسم تاريخ السودان، أو تذكرة النسيان فى أخبار ملوك السودان. وهذا الكتاب يتضمن تاريخ غرب إفريقيا ونشأة الممالك والإمارات الإسلامية حتى منتصف القرن السابع عشر الميلادى مع تراجم أعلام ذلك العصر. وقد نُشر هذا الكتاب فى باريس سنة (1901 م) وترجم إلى الفرنسية.

*الخصائص

*الخصائص كتاب فى فقه اللغة العربية ألًّفه العالم اللغوى أبو الفتح عثمان بن جنِّى المتوفَّى سنة (392 هـ = 1002 م). والكتاب يبحث فى خصائص اللغة العربية من حيث أصولها واشتقاقاتها ومميزاتها، وإن اشتمل على مباحث تتصل باللغة بصفة عامة مثل البحث فى الفرق بين الكلام والقول، والبحث فى أصل اللغة، أإلهام هى أم اصطلاح. وقد أوضح ابن جنِّى فى مقدمته سبب تأليفه الخصائص وهو البحث فى مشكلات اللغة الكلية، أى فى فلسفتها، وليس البحث فى مشكلات اللغة الجزئية. وكتاب الخصائص يمتاز بموضوعاته اللغوية العميقة، وأسلوبه المنطقى فى الجدل، وثقة صاحبه فى الرواية والحفظ. والكتاب يقع فى ثلاثة أجزاء، وقد طُبع الجزء الأول منه فى القاهرة سنة (1331 هـ = 1913 م) ثم طبع كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد على النجار من سنة (1952 م - 1955 م) فى ثلاثة أجزاء. ويوجد من الكتاب عدة نسخ فى مكتبات العالم، وقد قام باختصاره ابن الحاج الأندلسى أحمد بن محمد الإشبيلى.

*شذور الذهب

*شذور الذهب كتاب فى النحو ألًّفه ابن هشام، عبد الله بن يوسف بن عبد الله المصرى، النحوىَّ، المتوفىَّ سنة (761 هـ = 1360 م). وقد أوضح ابن هشام فى مقدمته منهجه الذى يسير عليه فى كتابه، وهو منهج جديد فى الدراسات النحوية، فقد اهتم ابن هشام بتضييق دائرة أقسام النحو حتى لا يضل الناشئة فى شِعابها المختلفة. ودعم ابن هشام مسائل النحو بالآيات القرآنية التى لم يكتف بإيرادها بل حاول أن يبين ما فى هذه الآيات من وجوه الإعراب والتفسير. وقد شغل هذا الكتاب أذهان الشرَّاح فتنافسوا فى شرحه، ومن هذه الشروح: نثر الزهور على شرح الشذور للسيوطى، وبلوغ الأرب بشرح شذور الذهب لزكريا الأنصارى. وطُبع هذا الكتاب أول مرة بإستانبول سنة (1253 هـ = 1837 م).

*مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار

*مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار هو كتاب ألَّفه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله العمرى الذى ينتسب إلى أسرة سورية، تنحدر من سلالة الخليفة الثانى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وُلِد بدمشق سنة (700هـ)، وثوفِّى سنة (748هـ). ويعتبر الكتاب موسوعة ضخمة، تشتمل على أكثر من عشرين مجلدًا، ويتناول موضوعات شتى، منها: وصف الأرض، وسكانها، وحيوانها وأقطارها، ومساكنها، وما فيها من أنهار وجبال وجزر وبحار وبحيرات ومبانٍ، بالإضافة إلى استطرادات تاريخية وأدبية، وقد اعتمد المؤلف فى ذلك على ما رآه بالمشاهدة، أو سمعه من الثقات، أو نقله عن الكتب، وهو لا ينقل إلا الموثوق به فيما لا بد منه، كتقسيم الأقاليم وما فيها من أقوال القدماء، واختلاف آراء الحكماء، وأخبار الملل والدول، وذكر مشاهير الأعلام. وقد اقتصر المؤلف فى كتابه على ممالك الإسلام، وابتدأ بالممالك الموجودة بالمشرق، وانتهى بالممالك الموجودة بالمغرب. وقد قسم الكتاب إلى قسمين كبيرين؛ القسم الأول: فى ذكر الأرض، وما اشتملت عليه برًّا وبحرًا، والقسم الآخر: فى سكان الأرض من طوائف الأمم.

*المسالك والممالك

*المسالك والممالك هو كتاب ألَّفه الإصطخرى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسى ، أحد الجغرافيين المسلمين، المتوفَّى سنة (346هـ). والمسالك والممالك كتاب فى الجغرافيا الإقليمية لبلدان العالم الإسلامى فى أيامه؛ حيث درس الإصطخرى هذه البلدان بالتفصيل؛ باعتبارها مركز العالم. وقد قسم الإصطخرى العالم الإسلامى إلى أقاليم ومناطق واسعة، وأورد لكل إقليم إسلامى خريطة، رغم أن الخرائط تختلف فى جودتها ودرجة شمولها من إقليم لآخر، وكان الإصطخرى يورد عن كل قطر معلومات تتعلق بالحدود والمدن والمسافات وطرق المواصلات والمحاصيل الزراعية والأجناس. وقد اعتمد فى تأليفه لهذا الكتاب على رحلاته المتعددة للأقاليم الإسلامية، وكتب بعض السابقين مثل البلخى فى كتاب صور الأقاليم. وقد نشر هذا الكتاب مختصرًا سنة (1830م)، ونشره المستشرق دى خويه سنة (1870م)، وترجم إلى الألمانية سنة (1845م)، كذلك ترجم إلى الفارسية والتركية، وطبعته وزارة الثقافة المصرية سنة (1961م).

*مصحف عثمان

*مصحف عثمان تمَّ جمعه فى عهد عثمان بن عفان، رضى الله عنه، سنة (30هـ)، فى صحف كانت توضع بين دفتين. اعتُمد فيه على المصحف الذى جمعه زيد بن ثابت فى حياة أبى بكر الصديق، رضى الله عنهما. والذى دفع عثمان بن عفان إلى ذلك ما رآه من اختلاف المسلمين فى القراءة، ومن تخطئة بعضهم لبعض. وأمر عثمان بنسخ أربع نسخ من مصحف أبى بكر الصديق، وبضبطها بلهجة قريش؛ لأنها هى التى نزل بها القرآن الكريم. ثم أرسل إلى كل مِصر بمصحف، وأمر الناس أن ينسخوا مصاحفهم منها، وأن يحرقوا كل ما خلفها.

*المعارف

*المعارف كتاب ألَّفه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتبية الدينورى الفارسىُّ الأصل، من أعلام الأدب، ومن المصنفين المكثرين. وُلِدَ فى بغداد سنة (213هـ)، وتُوفِّى بها سنة (276هـ). ويشتمل كتاب المعارف على أبواب كثيرة، تُجمَع فى عشرة كتب، هى: كتاب السلطان، وكتاب الحرب، وكتاب السؤدد، وكتاب الطبائع والأخلاق، وكتاب العلم، وكتاب الزهد، وكتاب الإخوان، وكتاب الحوائج، وكتاب الطعام، وكتاب النساء. وطبع الجزء الأول من هذا الكتاب بمصر سنة (1907م)، كما طبع كارل بروكلمان أربعة أجزاء منه؛ الأول: كتاب السلطان، وطبع فى برلين سنة (1900م)، والثانى: كتاب الحرب، وطبع فى سترا سبورج سنة (1903م)، والثالث: كتاب السؤدد، وطبع فى سترا سبورج سنة (1906م)، والرابع: كتاب الطبائع، وطبع فى ستراسبورج سنة ( 1908م).

*معانى القرآن

*معانى القرآن كتاب ألَّفه أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمى، المعروف بالفراء. إمام أهل الكوفة، ومؤسس مدرستها فى اللغة والتفسير وما يتفرع عنهما من مسائل العلم وموضوعاته. وُلِد فى الكوفة سنة (144 هـ)، وتُوفِّى وهو فى طريقه إلى مكة سنة (207هـ). وقد قام الفراء بتأليف معانى القرآن؛ تلبية لرغبة صاحبه عمر بن بكير. ويُعدُّ معانى القرآن موسوعة علمية لغوية، تناول فيها الفراء معانى سور القرآن الكريم حسب ترتيبها فى المصحف الشريف، وتناول من كل سورة ما رآه مثيرًا للقضايا الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، ويحتاج إلى التفسير والتوضيح. وتتميز لغة الكتاب بالسلاسة والدقة والوضوح.

*معجم البلدان

*معجم البلدان معجم البلدان كتاب فى الجغرافيا العامة. ألَّفه شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموى المتوفَّى سنة (627هـ). ويعتبر معجم البلدان من أهم مصادر المعلومات عن أوضاع البلدان والأماكن، بدءًا من الأندلس غربًا إلى بلاد ما وراء النهر شرقًا، بالحال الذى كانت عليه هذه الديار فى القرن السابع الهجرى من جغرافيا طبيعية وبشرية وعمران واقتصاد. واتبع ياقوت فى عرضه للأماكن الترتيب الألفبائى، وقام بضبط المكان وذكر اشتقاقاته، ثم عرض التفاصيل الجغرافية عن ذلك المكان. وقد وضع ياقوت فى هذا المعجم خلاصة خبرته ورحلاته واطلاعه الواسع. وقد اختصر هذا الكتاب عدد من العلماء، منهم: صفى الدين عبد المؤمن البغدادى فى كتاب مراصد الاطلاع، والسيوطى فى كتاب مختصر معجم البلدان.

*مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب

*مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب هو كتاب فى النحو. ألَّفه اللغوى المصرى ابن هشام أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف المتوفَّى سنة (761هـ). وقد ألَّف ابن هشام هذا الكتاب لتذليل النحو وتقريبه إلى الأفهام؛ حيث جمع فيه شوارد النحو، ورتبها وَفق قواعد غير مسبوقة؛ حيث جدد وابتكر وأحاط بالموضوعات النحوية إحاطة شاملة، وأكثر فى هذا الكتاب من ذكر الشواهد القرآنية والنبوية والشعرية. وقد انتشر هذا الكتاب فى المشرق والمغرب وذاع صيته حتى إن ابن خلدون أشاد به. وشغل هذا الكتاب النحاة عدة قرون وألَّفوا عليه شروحًا مثل شرح الشيخ أبى بكر الدمامينى، واختصره البعض مثل الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم البيجورى المتوفَّى سنة (863هـ). وطبع هذا الكتاب مرارًا فى القاهرة وطهران ومعظم العواصم العربية.

*مقامات بديع الزمان

*مقامات بديع الزمان كتاب ألَّفه أبو الفضل أحمد بن الحسينى بن يحيى بن سعيد الهمذانى، المُولود بهمذان سنة (358هـ) والمتُوفِّى بهراة سنة ( 398هـ). ومقامات بديع الزمان عددها إحدى وخمسون مقامة، وهى حكايات قصيرة تقوم على الحوار بين بطل المقامات أبى الفتح الإسكندرى وراوى الأقاصيص عيسى بن هشام. وفى أثناء المقامات يتنقل بديع الزمان بأبى الفتح فى بلدان مختلفة، ويعرض كل بلد بكل ما فيه من مساجد وحمامات ومارستانات وحوانيت ومطاعم وحانات وموائد وما يتصل بها من الأوانى فى بيوت الأغنياء والفقراء. وكل مقامة تنتهى بعبرة أو موعظة أو نكتة. والمراد بها فى الأكثر التفنن لإنشاء وتضمينه الأمثال والحِكَم. طبعت المقامات فى الآستانة سنة (1881م)، ثم فى بيروت مشروحة شرحًا مختصرًا للشيخ محمد عبده سنة (1886م)، ثم فى القاهرة بشرح: محمد محيى الدين عبد الحميد سنة ( 1923م).

*مقامات الحريرى

*مقامات الحريرى كتاب ألَّفه أبو محمد القاسم بن على الحريرى. وُلِد فى مَشان قرب البصرة سنة (446هـ) وتُوفِّى سنة (516هـ). وعدد مقامات الحريرى خمسون مقامة، اقتفى فيها الحريرى آثار بديع الزمان الهمذانى. وتدور موضوعاتها حول الاحتيال بطرق شتى. وتتخذ المقامة تارة شكلاً أدبيًّا وفكاهيًّا، كما فى المقامة القطيعية والمقامة الواسطية، وتارة أخرى شكلاً مجونيًّا، كما فى المقامة الرجبية. وراوى المقامات هو الحارث بن همام، رجل رحالة، عزيز النفس، بعيد عن مسالك اللصوصية. وبطلها هو أبو زيد السروجى، من أهل الكدية الذين احترفوا التسول. وقد حفلت المقامات بالكنايات والأحاجى النحوية والمسائل الفقهية والغريب من الألفاظ. واستحدث الحريرى فيها فنونًا من أساليب العبث اللغوى، فاستخدم ما لا يستحيل بالانعكاس. وعبارة مقامات الحريرى بليغة وقصيرة، وتتقطع تقطيعًا موسيقيًّا. وقد عُنى العلماء بمقامات الحريرى عناية كبيرة؛ فشُرحت شروحًا كثيرة، أهمها: شرح المطرزى وشرح العكبرى وشرح الشريشى، وترجمت مقامات الحريرى إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والتركية والفارسية وغيرها.

*المواقف

*المواقف كتاب فى علم الكلام. ألَّفه عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الإيجى الشيرازى، المولود بإيج من نواحى شيراز سنة ( 680هـ)، والمتُوفَّى مسجونًا بقلعة دريميان سنة (756هـ). والكتاب مقسم إلى مواقف، وكل موقف عبارة عن مقدمة ومراصد، وكل مرصد تحته مقاصد. وعدد المواقف ستة؛ الأول: فى المقدمات، والثانى: فى الأمور العامة، والثالث: فى الأعراض، والرابع: فى الجواهر، والخامس: فى الإلهيات، والسادس: فى السمعيات. وللكتاب شروح عديدة، منها: شرح السيد الشريف على بن محمد الجرجانى، وشرح شمس الدين محمد بن يوسف الكرمانى، وشرح سيف الدين الأبهرى. ولهذه الشروح حواشٍ عديدة، فمن حواشى شرح السيد الشريف الجرجانى: حاشية للمولى حسن جلبى بن محمد شاه الفنارى، وحاشية للمولى أحمد بن سليمان بن كمال، وحاشية للقاضى شمس الدين محمد بن أحمد البساطى. وقد طبع كتاب المواقف بالقاهرة.

*الموطأ

*الموطأ هو كتاب فى الحديث الشريف، للإمام مالك بن أنس، صاحب مذهب الفقه المالكى، المُولود سنة (90هـ) فى المدينة المنورة، التى تلقى تعليمه بها، حتى أصبح من أعلام علمى الحديث والفقه الإسلامى، وانتشر مذهبه فى بلاد المغرب ومصر، فكان أحد مذاهب الفقه الأربعة المشهورة، وكانت وفاته، رضى الله عنه، سنة (179هـ). ويُعَدُّ الموطأ من أهم ما كُتب فى الحديث النبوى الشريف، وأقوال الصحابة والتابعين، وتابعى التابعين وفتاويهم، خاصة فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية وتنظيمها حتى منتصف القرن الثانى الهجرى. وقد قام الإمام مالك بجمع العلم الدينى النقلى من علوم الحديث والتفسير والفقه والكلام والتصوف واللغة، ورتب الكتاب على أبواب الفقه، والكتاب يقع فى جزأين؛ الجزء الأول يتناول الكتب الآتية: كتاب وقوت الصلاة، وكتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب السهو، وكتاب الجمعة، وكتاب صلاة الليل، وكتاب صلاة الجماعة، وكتاب قصر الصلاة فى السفر، وكتاب العيدين، وكتاب صلاة الخوف، وكتاب صلاة الكسوف، وكتاب صلاة الاستسقاء، وكتاب القبلة، وكتاب القرآن، وكتاب الزكاة، وكتاب الصيام، وكتاب الاعتكاف، وكتاب الحج، وكتاب الجنائز. والجزء الآخر يتكون من: كتاب الجهاد، وكتاب النذور والأيمان، وكتاب الضحايا، وكتاب الذبائح، وكتاب الصيد، وكتاب العقيقة، وكتاب الفرائض، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الرضاع، وكتاب البيوع، وكتاب القراض، وكتاب المساقاة، وكتاب الشفعة، وكتاب الأقضية، وكتاب الوصية، وكتاب العتق والولاء، وكتاب المكاتب، وكتاب المدبر، وكتاب الحدود، وكتاب الأشربة، وكتاب العقول، وكتاب القسامة، وكتاب الجامع، وكتاب القدر، وكتاب حسن الخلق، وكتاب اللباس، وكتاب صفة النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكتاب العين، وكتاب الشِّعر، وكتاب الرؤيا، وكتاب السلام، وكتاب الاستئذان، وكتاب البيعة، وكتاب الكلام، وكتاب

جهنم، وكتاب الصدقة، وكتاب العلم، وكتاب دعوة المظلوم، وكتاب أسماء النبى - صلى الله عليه وسلم -.

*نفح الطيب

*نفح الطيب كتاب ألَّفه شهاب الدين أحمد بن محمد المقَّرى، الذى وُلِد فى مقَّرة بالجزائر قبل سنة (1000هـ). تولى خطابة مسجد القرويين والإفتاء بالجزائر حتى سنة (1027هـ)، ورحل إلى مصر، ومكة وبيت المقدس ودمشق، وتُوفِّى سنة (1041هـ). وقد قسم المقرى الكتاب قسمين: القسم الأول: يضم ثمانية أبواب: الأول: فى وصف جزيرة الأندلس ومحاسنها ومآثرها وبلدانها. والثانى: فى فتح الأندلس وتاريخها فى عهد الولاة قبل بنى أمية. والثالث: فى وصف مكانة الإسلام، وجهاد أهله ضد الكفار. والرابع: ذكر فيه قرطبة وجامعها الأموى ووصف متنزهاتها ومصانعها. والخامس: فى التعريف بمن رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق. والسادس: ذكر فيه بعض الوافدين على الأندلس من أهل المشرق. والسابع: تحدث فيه عما امتاز به أهل الأندلس من الذكاء وطلبهم للعلم. والثامن: ذكر فيه غلبة الكفار على أهل الإسلام، وما قيل فى ذلك من شعر. القسم الآخر: وفيه يُعرف بلسان الدين بن الخطيب. وقد قسمه إلى ثمانية أبواب، وهى: الأول: فى ذكر أولية لسان الدين بن الخطيب وأسلافه. والثانى: فى نشأته وترقيه ووزارته ونجاحه، وما واجهه من محن ومكائد. والثالث: فى ذكر شيوخه. والرابع: فى مخاطبة الملوك وثناء أهل عصره عليه. والخامس: فى ذكر جملة من أشعاره وأزجاله وموشحاته. والسادس: عبارة عن مصنفاته فى ألَّفنون ومؤلفاته المتعددة. والسابع: فى ذكر تلامذته الذين ورثوا العلم عنه. والثامن: فى ذكر أولاده. ولم يقتصر الكتاب على ذلك، بل حشد فيه المقرى كثيرًا من المعلومات التاريخية والاجتماعية والأدبية التى نقلها عن كتب مختلفة أكثرها مفقود؛ مما يجعل للكتاب أهمية كبيرة. وقد طبع الكتاب بمصر فى مطبعة بولاق سنة (1862م) فى أربعة أجزاء، كما طبع بمطبعة السعادة بمصر أكثر من مرة، فى عشرة أجزاء، بتحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد.

*نقائض جرير والفرزدق

*نقائض جرير والفرزدق ديوان شعر. جمعه أبو عبيدة معمر بن المثنى، من أئمة العلم باللغة والأدب. وُلِد فى البصرة، وتُوفِّى بها سنة (188هـ). والديوان يتضمن ما وقع بين جرير والفرزدق من نقائض فى الهجاء وغيره من فنون الشعر. وقد طُبع الديوان فى ليدن بتحقيق المستشرق بيفان سنة (1331هـ = 1912م) فى ثلاثة مجلدات، تضمن الثالث منها الفهارس.

*نيل الابتهاج بتطريز الديباج

*نيل الابتهاج بتطريز الديباج هو كتاب فى تراجم علماء المغرب، خاصة فى القرن السادس عشر الميلادى. ألَّفه أبو العباس أحمد بابا بن أحمد التمبكتى المتوفَّى سنة (1036هـ)، وهو أحد فقهاء مدينة تمبكتو، وله اشتغال بالنحو والحديث والتصوف. وقد سمى كتاب نيل الابتهاج بأسماء مختلفة. ويقع فى عدد صفحات مختلف باختلاف النسخ المخطوطة التى تتراوح كل نسخة منها ما بين (90) و (286) ورقة. وقد وضع كتاب نيل الابتهاج؛ ليكون ذيلاً على كتاب الديباج المذهب فى معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المتوفَّى سنة (799هـ). وقد اعتمد أحمد بابا التمبكتى على المصادر المكتوبة والشفهية، وكان ثقة فيما يرويه عن معاصريه. وطُبع نيل الابتهاج عدة طبعات فى فاس والقاهرة. وللكتاب عدة اختصارات وذيول، مثل: اليواقيت الثمينة فى أعيان مذهب عالم المدينة لمحمد بشير بن ظافر المتوفَّى سنة (1909م)، كذلك اختصر نيل الابتهاج محمد بن الطيب القادرى الحسنى فى كتاب الإكليل والتاج.

*وصف إفريقيا

*وصف إفريقيا هو كتاب من تأليف الجغرافى الحسن بن محمد الوزان الزياتى، المولود سنة (894هـ)، والمتُوفِّى نحو سنة (958هـ). وقد وُلِد فى غرناطة، ووقع فى الأسر سنة (926هـ)؛ حيث أسره الإيطاليون ونقلوه إلى روما، وقام البابا ليون العاشر بتنصيره، وأطلق الإيطاليون عليه اسم يوحنا الأسد، إلا أنه اشتهر باسم ليون الإفريقى. وعاش فى روما؛ حيث ألَّف كتابه وصف إفريقيا بالإيطالية سنة (1526 م)، وتناول فيه كل ما يخص الأقطار العربية الإفريقية، كذلك البلاد الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى. وتميز هذا الوصف بدقة شديدة حتى صار هذا الكتاب عمدة المراجع فيما يخص تلك البلاد طيلة قرنين من الزمان فى أوربا. وتميز الوزان فى كتابه بالروح النقدية، وظهر أثر تلاقح الثقافات وتنوعها فى هذا الكتاب. ونشر كتاب وصف إفريقيا فى البندقية سنة (1550م)، وترجم إلى الفرنسية سنة (1555م)، وإلى اللاتينية سنة (1556م)، وإلى الإنجليزية سنة (1600م)، وإلى الهولندية سنة (1665م)، وإلى الألمانية سنة (1805م)، ونشر عدة مرات بهذه اللغات.

*وفيات الأعيان

*وفيات الأعيان كتاب لأحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن خلِّكان، الذى وُلِد بإربل سنة (608هـ)، وتلقى تعليمه بها، ثم رحل إلى الموصل وحلب ومصر ودمشق. وتُوفِّى بدمشق سنة (681هـ). وقد ألَّف ابن خلكان كتاب وفيات الأعيان عندما كان بالقاهرة سنة (654م). وقد جمع فيه تراجم جماعة من الفضلاء من الملوك والأمراء والوزراء والشعراء والكتَّاب والعلماء والمؤلفين والأطباء والفلاسفة، وكل من فيه ذكاء من الرجال والنساء من المسلمين. وعلى الرغم من هذا فلم يترجم ابن خلكان لكثير من الصحابة أو الخلفاء مكتفيًا بالمؤلفات التى ترجمت لهم أو ذكرتهم. ورتب الكتاب وفق الترتيب الألفبائى، ومع مراعاة الاسمين الأول والثانى فقط، ولم يراعِ اسم الأب إذا اتفقت أسماء المترجم لهم، وكذلك لم يهتم بالكنى والألقاب، واعتبر اسم العَلَم هو الأساس، ولم يهتم بوظائف من يترجم لهم فى الترتيب ولا بترتيب الأيام والسنين. وذكر اسم الشخص واسم أبيه وجده، ونسبه ومولِده إن وجد، وتاريخ وفاته وما إذا كان هناك اختلاف فيه، والمعالم البارزة فى حياة من ترجم لهم وثقافاتهم وأساتذتهم وتلاميذهم وأخلاقهم، وأحداث حياتهم، وأوصافهم الخلقية والخلقية، ونماذج من أعمالهم ومؤلفاتهم، وكذلك ترجم لعدد قليل من النساء. واعتمد ابن خلكان على ما جمعه من أشخاص وثق بصدقهم كالأئمة المتقنين هذا الفن، ولم يكن يتساهل فى النقل عمن لا يثق بهم، بل كان يتحرى ويدقق فيه. وكذلك كان يذكر أسماء الكتب التى يعتمد عليها فى ترجمته، وأسماء مؤلفيها، ويصحح ما وقعوا فيه من أخطاء. وترجع قيمة وفيات الأعيان إلى أنه يُعدُّ مرجعًا أساسيًّا لدارسى العلوم والآداب والتاريخ واللغة والاجتماع؛ ولهذا فقد كان هذا الكتاب أساسًا للعديد من الكتب التى نقلت أو ذيلت عليه أو اختصرته.

*يتيمة الدهر

*يتيمة الدهر كتاب لأبى منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبى، المولود بنيسابور سنة (350هـ)، وإليها نسب، واشتهر فى الأدب واللغة والتاريخ، وصنف كتبًا كثيرة فى كل مجال منها. وكتاب يتيمة الدهر من أكثر كتب الثعالبى شهرة وتداولاً. وقد قام الثعالبى فى هذا الكتاب بالترجمة لكثير من الشعراء المعاصرين له والسابقين عليه بقليل، وكان يجمع فى ترجمته كل جماعة من الشعراء حسب بلدهم أو إقليم أو البلاط الذى جمعهم. وقسم الثعالبى الكتاب إلى أربعة أقسام، على النحو التالى: (القسم الأول): فى محاسن أشعار آل حمدان وشعرائهم، وغيرهم من أهل الشام ومصر والموصل والمغرب. (القسم الثانى): فى محاسن أشعار أهل العراق، وإنشاء الدولة الديلمية من طبقات الأفاضل، وما يتعلق بها من أخبارهم، ونوادرهم. (القسم الثالث): فى محاسن أشعار أهل الجبل وفارس وجرجان وطبرستان وأصفهان، من وزراء الدولة الديلمية وكتَّابها وفضلائها وشعرائها. (القسم الرابع): فى محاسن أهل خراسان وبلاد ماوراء النهر فى عهد الدولة السامانية. ومما يؤخذ على الكتاب أن الثعالبى لم يعنَ بجمع أخبار من تعرض له من الشعراء من حيث نشأتهم ومواليدهم ووفياتهم وأحداث أيامهم، وكذلك يغلب عليه فى الكتاب التعصب الشديد لبنى جنسه، وظهر ذلك بصورة واضحة عندما أفرد بابًا كاملاً للحديث عن فضل شعراء الشام على شعراء سائر البلدان.

§1/1