الموسوعة الفقهية - الدرر السنية

مجموعة من المؤلفين

العبادات

العبادات • 1 - الطهارة. • 2 - الصلاة. • 3 - الجنائز. • 4 - الزكاة. • 5 - الصيام. • 6 - الحج والعمرة.

1 - الطهارة

• * الطهارة:. • 1 - طهارة الظاهر:. • 2 - طهارة الباطن:. • * هيئة العبد عند مناجاة ربه:. • * عافية البدن والروح:. • * أقسام المياه:. • 1 - ماء طاهر:. • 2 - ماء نجس:. • * أحكام النجاسات:. • * الاستنجاء:. • * الاستجمار:. • * ما يقول ويفعل عند دخول الخلاء والخروج منه:. • * حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة:. • 3 - من سنن الفطرة. • * صفة التسوك:. • * حكم السواك:. • 3 - قص الشارب، وإعفاء اللحية وتوفيرها:. • 4 - حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظافر، وغسل البراجم:. • 5 - الطيب بالمسك أو غيره. . • 7 - تغيير الشيب بالحناء والكتم:. • 4 - الوضوء. • * فضل الوضوء:. • * أهمية النية:. • * معنى الإخلاص:. • * فروض الوضوء ستة:. • * من سنن الوضوء:. • * صفة الوضوء المجزئ:. • * صفة الوضوء الكامل:. • * صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم:. • * أفعال الإنسان نوعان:. • * صفة الدعاء بعد الفراغ من الوضوء:. • 5 - المسح على الخفين * مدة المسح على الخفين:. • * شروط المسح على الخفين:. • * صفة المسح على الخفين:. • * يبطل المسح على الخفين بما يلي:. • * صفة المسح على العمامة والخمار:. • * صفة المسح على الجبيرة:. • 6 - نواقض الوضوء * نواقض الوضوء:. • * ما يخرج من الإنسان نوعان:. • 7 - الغسل. • * موجبات الغسل:. • * صفة الغسل المجزئ:. • * صفة الغسل الكامل:. • * صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم:. • * يحرم على الجنب ما يلي:. • * من الأغسال المستحبة:. • * من سنن الغسل:. • 8 - التيمم. • * صفة التيمم:. • * يبطل التيمم بما يلي:. • * ماذا يفعل المتيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت:. • 9 - الحيض والنفاس. • * أصل دم الحيض:. • * حكم الدم الذي يخرج من الحامل:. • * علامة طهر الحائض:. • * حكم وطء الحائض:. • * الفرق بين الحيض والاستحاضة:. • * صفة غسل المستحاضة:. • * المستحاضة لها أربع حالات وهي:.

1 - الطهارة:

1 - الطهارة: هي النظافة والنزاهة عن الأقذار الحسية والمعنوية، وهي نوعان:

1 - طهارة الظاهر:

1 - طهارة الظاهر: وتكون بالوضوء أو الغسل بالماء، إلى جانب طهارة الثوب والبدن والبقعة من النجاسة.

2 - طهارة الباطن:

2 - طهارة الباطن: وتكون بخلوص القلب من الصفات السيئة كالشرك والكفر والكبر والعجب والحقد والحسد والنفاق والرياء ونحوها، وامتلاؤه بالصفات الحسنة كالتوحيد والإيمان، والصدق والإخلاص واليقين والتوكل ونحوها، ويُكمِّل ذلك بكثرة التوبة والاستغفار وذكر الله عز وجل.

* هيئة العبد عند مناجاة ربه:

* هيئة العبد عند مناجاة ربه: إذا طَهُر ظاهر الإنسان بالماء، وطَهُر باطنه بالتوحيد والإيمان، صفت روحه، وطابت نفسه، ونشط قلبه، وصار مهيئاً لمناجاة ربه في أحسن هيئة: بدن طاهر، وقلب طاهر، ولباس طاهر، في مكان طاهر، وهذا غاية الأدب، وأبلغ في التعظيم والإجلال لرب العالمين من القيام بالعبادة بضد ذلك، ومن هنا صار الطّهُور شطر الإيمان. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/222). 2 - عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان ... الحديث)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (223).

* عافية البدن والروح:

* عافية البدن والروح: خلق الله الإنسان من بدن وروح، والبدن تتراكم عليه الأوساخ من جهتين: من الداخل كالعرق، ومن الخارج كالغبار، ولعافيته لابد من الأغسال المتكررة، والروح تتأثر من جهتين: بما في القلب من الأمراض كالحسد والكبر، وبما يقترفه الإنسان من الذنوب الخارجية كالظلم والزنى، ولعافية الروح لابد من الإكثار من التوبة والاستغفار. * الطهارة من محاسن الإسلام، وتكون باستعمال الماء الطاهر على الصفة المشروعة في رفع الحدث وإزالة الخبث، وهي المقصودة في هذا الكتاب.

2 - أقسام المياه

2 - أقسام المياه: المياه قسمان:

1 - ماء طاهر:

1 - ماء طاهر: وهو الباقي على خلقته كماء المطر، وماء البحر، وماء النهر، وما نبع من الأرض بنفسه أو بآلة، عذباً أو مالحاً، حاراً أو بارداً، وهذا هو الماء الطهور الذي يجوز التطهر به.

2 - ماء نجس:

2 - ماء نجس: وهو ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة قليلاً كان الماء أو كثيراً، وحكمه: أنه لا يجوز التطهر به. * يطهر الماء النجس بزوال تغيره بنفسه، أو بنزحه، أو إضافة ما إليه حتى يزول التغير. * إذا شك المسلم في نجاسة ماء أو طهارته بنى على الأصل، وهو أن الأصل في الطاهرات الطهارة. * إذا اشتبه ماء طاهر بنجس ولم يجد غيرهما توضأ مما غلب على ظنه طهارته. * إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو محرمة ولم يجد غيرهما اجتهد وصلى فيما غلب على ظنه طهارته، وصلاته صحيحة إن شاء الله. * الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر تكون بالماء، فإن لم يوجد الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم. * الطهارة من الخبث على البدن أو الثوب أو البقعة تكون بالماء، أو غيره من السوائل أو الجامدات الطاهرة التي تزيل تلك العين الخبيثة بأي مزيل طاهر. * يباح استعمال كل إناء طاهر للوضوء وغيره ما لم يكن الإناء مغصوباً، أو كان من الذهب أو الفضة فيحرم اتخاذه أو استعماله، فإن توضأ أحد منها فوضوءه صحيح مع الإثم. * تباح آنية الكفار وثيابهم إن جهل حالها، لأن الأصل الطهارة، فإن علم نجاستها وجب غسلها بالماء. * يحرم على الرجال والنساء الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وجميع أنواع الاستعمال، إلا التحلي للنساء، والخاتم من الفضة للرجال، وما له ضرورة كسن وأنف. 1 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي يشرب في إناء الفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)).متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5426) واللفظ له، ومسلم برقم (2067). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5634) واللفظ له، ومسلم برقم (2065).

* أحكام النجاسات:

* أحكام النجاسات: النجاسات التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها ويغسل ما أصابه منها مرة أو أكثر حتى يزول الأثر: بول الآدمي ورجيعه، والدم المسفوح، ودم الحيض والنفاس، والودي، والمذي، والميتة ما عدا السمك والجراد، ولحم الخنزير، وبول وروث ما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار، ولعاب الكلب ويغسل سبعاً أولاهن بالتراب. 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر بقبرين يعذبان فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يارسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: ((لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طُهُور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)). متفق عليه (¬2). * يطهر النعل والخف المتنجس بالدلك بالأرض حتى يذهب أثر النجاسة. * يستحب تخمير الإناء، وإيكاء السقاء، وإطفاء النار عند النوم ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1361)، واللفظ له، ومسلم برقم (292). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (172) ومسلم برقم (279) واللفظ له.

* الاستنجاء:

* الاستنجاء: هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء.

* الاستجمار:

* الاستجمار: هو إزالة الخارج من السبيلين بحجر، أو ورق، أو نحوهما.

* ما يقول ويفعل عند دخول الخلاء والخروج منه:

* ما يقول ويفعل عند دخول الخلاء والخروج منه: 1 - يسن عند دخول الخلاء تقديم رجله اليسرى وقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)). متفق عليه (¬1). 2 - يسن عند الخروج من الخلاء تقديم رجله اليمنى وقول: ((غفرانك)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). * يسن عند دخول المسجد ولبس الثوب والنعل تقديم اليمنى، وعند الخروج من المسجد ونزع الثوب والنعل تقديم اليسرى. * يسن لمن أراد قضاء الحاجة في الفضاء أو الصحراء بعده عن العيون، واستتاره، وارتياده مكاناً رخواً لبوله؛ لئلا يتنجس. * السنة أن يبول الرجل قاعداً، ويجوز بوله قائماً إن أمن تلوثاً، وأمن من الناظر إليه. * يحرم الدخول بالمصحف إلى الحمام، ويكره كلامه فيه إلا لحاجة كأن يرشد ضالاً، أو يطلب ماء ونحوهما. * يكره دخول الحمام بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة، ويكره بوله في شق، ومس فرجه بيمينه، واستنجاؤه واستجماره بها، ورفع ثوبه قبل دنوه من الأرض في الفضاء، ويكره لمن يبول أو يتغوط أن يرد السلام، فإذا قضى حاجته تطهر ثم رد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (142)، ومسلم برقم (375). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (30)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (23). وأخرجه الترمذي برقم (7)، صحيح سنن الترمذي رقم (7).

* حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة:

* حكم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة: يحرم استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة، في الفضاء أو البنيان. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)) قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قِبَلَ القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى. متفق عليه (¬1). * يحرم البول والغائط في المسجد، والطريق، والظل النافع، وتحت شجرة مثمرة، والموارد، ونحو ذلك من الأماكن التي يرتادها الناس. * الاستجمار يكون بثلاثة أحجار منقية، فإن لم تنق زاد، ويسن قطعه على وتر، كثلاث أو خمس ونحوهما. * يحرم الاستجمار بعظم، وروث، وطعام، ومحترم. * يزال الخارج من السبيلين بالماء، أو بالأحجار، أو المناديل، أو الورق، والماء أفضل، لأنه أبلغ في التنظيف. * يجب غسل موضع النجاسة من الثوب بالماء، فإن خفي موضعها غسل الثوب كله. * ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية، وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (394) واللفظ له، ومسلم برقم (264).

3 - من سنن الفطرة

3 - من سنن الفطرة 1 - السواك: مطهرة للفم، مرضاة للرب.

* صفة التسوك:

* صفة التسوك: أن يمسك السواك بيده اليمنى أو اليسرى ويمره على لثته وأسنانه، ويبدأ من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر من الفم، وأحيانا يجعل السواك على طرف لسانه. * يكون التسوك بعود لين من أراك، أو زيتون، أو عرجون، أو نحوها.

* حكم السواك:

* حكم السواك: السواك مسنون كل وقت، ويتأكد السواك عند الوضوء، والصلاة، وقراءة القرآن، ودخول المنزل، وعند القيام من الليل، وعند تغير رائحة الفم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن أشق على أمتي- أو لولا أن أشق على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (887)، واللفظ له، ومسلم برقم (252).

2 - الختان

2 - الختان: وهو قطع الجلدة التي تغطي حشفة الذكر؛ لئلا يجتمع فيها الوسخ والبول. * حكمه: الختان واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء.

3 - قص الشارب، وإعفاء اللحية وتوفيرها:

3 - قص الشارب، وإعفاء اللحية وتوفيرها: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، وأحفوا الشوارب)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5892)، واللفظ له، ومسلم برقم (259).

4 - حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظافر، وغسل البراجم:

4 - حلق العانة، ونتف الإبط، وقص الأظافر، وغسل البراجم: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار وقص الشارب)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)) قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. أخرجه مسلم (¬2). 3 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة. أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5889)، واللفظ له، ومسلم برقم (257). (¬2) أخرجه مسلم برقم (261). (¬3) أخرجه مسلم برقم (258).

5 - الطيب بالمسك أو غيره.

5 - الطيب بالمسك أو غيره. 6 - إكرام شعر الرأس، ودهنه وتسريحه، ويكره القزع: وهو حلق بعض الرأس وترك بعضه، ما لم يتشبه بالكفار فيحرم.

7 - تغيير الشيب بالحناء والكتم:

7 - تغيير الشيب بالحناء والكتم: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2102).

4 - الوضوء

4 - الوضوء * الوضوء: هو استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة في الشرع.

* فضل الوضوء:

* فضل الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)) قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طُهوراً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطُّهور ما كتب لي أن أصلي. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1149)، واللفظ له، ومسلم برقم (2458).

* أهمية النية:

* أهمية النية: النية شرط لصحة العمل وقبوله وإجزائه، ومحلها القلب، وهي لازمة في كل عمل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). متفق عليه (¬1). * النية في الشرع: هي العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى، وهي قسمان: 1 - نية العمل: بأن ينوي الوضوء، أو الغسل، أو الصلاة مثلاً. 2 - نية المعمول له، وهو الله عز وجل، فينوي بالوضوء، أو الغسل، أو الصلاة، أو غيرها التقرب إلى الله وحده، وهي أهم من الأولى. * قبول الأعمال له شرطان: أن تكون خالصة لله تعالى، وأن يفعلها كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1)، واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

* معنى الإخلاص:

* معنى الإخلاص: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن بتصفية العمل لله عن ملاحظة المخلوقين، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره، وإذا أخلص العبد اجتباه ربه، فأحيا قلبه، وجذبه إليه، وحبب إليه الطاعات، وكره إليه المعاصي، بخلاف القلب الذي لم يخلص، فإن فيه طلباً وشوقاً وإرادةً، تارة إلى الرئاسة، وتارة إلى الدرهم والدينار.

* فروض الوضوء ستة:

* فروض الوضوء ستة: 1 - غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق. 2 - غسل اليدين مع المرفقين. 3 - مسح الرأس، ومنه الأذنان. 4 - غسل الرجلين إلى الكعبين. 5 - الترتيب بين الأعضاء السابقة. 6 - الموالاة بين غسل الأعضاء.

* من سنن الوضوء:

* من سنن الوضوء: السواك، غسل الكفين ثلاثاً، البدء بالمضمضة ثم الاستنشاق قبل غسل الوجه، وتخليل اللحية الكثيفة، والتيامن، والغسلة الثانية والثالثة، والدعاء بعد الوضوء، وصلاة ركعتين بعده. * السنة في الوضوء أن لا يجاوز المسلم في غسل أعضائه أكثر من ثلاث مرات، وأن يتوضأ بمد، ولا يسرف في الماء، ومن زاد فقد أساء وتعدى وظلم. * من قام من النوم وأراد الوضوء من الإناء فعليه أن يغسل كفيه ثلاثاً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (162)، ومسلم برقم (278)، واللفظ له.

* صفة الوضوء المجزئ:

* صفة الوضوء المجزئ: أن ينوي الوضوء، ثم يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه، ويغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرفقين، ويمسح رأسه مع الأذنين، ويغسل رجليه مع الكعبين مرة لكل عضو من أعضائه، يسبغ الوضوء، ويخلل بين الأصابع.

* صفة الوضوء الكامل:

* صفة الوضوء الكامل: أن ينوي، ثم يغسل كفيه ثلاثا، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحد، نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه، يفعل ذلك ثلاثاً بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يده اليمنى مع المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك. ثم يمسح رأسه بيديه مرة واحدة من مقدمه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل سبابتيه في باطن أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجله اليمنى مع الكعب ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم يدعو بما ورد كما سيأتي إن شاء الله.

* صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم:

* صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: عن حمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بإناء، فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غُفر له ما تقدم من ذنبه)). متفق عليه (¬1). * ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وكل هذا سنة، والأفضل للمسلم أن ينوع، فيأتي بهذا مرة، وبهذا مرة، إحياء للسنة. 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة. أخرجه البخاري (¬2). 2 - عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين. أخرجه البخاري (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (159)، واللفظ له، ومسلم برقم (226). (¬2) أخرجه البخاري برقم (157). (¬3) أخرجه البخاري برقم (158).

* أفعال الإنسان نوعان:

* أفعال الإنسان نوعان: 1 - أحدهما مشترك بين اليمنى واليسرى، فتقدم اليمنى إذا كانت من باب الكرامة كالوضوء والغسل واللباس والانتعال، ودخول المسجد والمنزل ونحو ذلك، وتقدم اليسرى في ضد ذلك كالخروج من المسجد، وخلع النعل، ودخول الخلاء. 2 - الثاني: ما يختص بأحدهما، إن كان من باب الكرامة كان باليمين كالأكل والشرب والمصافحة والأخذ والعطاء ونحو ذلك، وإن كان ضد ذلك كان باليسرى كالاستجمار، ومس الذكر، الامتخاط ونحو ذلك. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله وطهوره، وفي شأنه كله. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (168)، واللفظ له، ومسلم برقم (268).

* صفة الدعاء بعد الفراغ من الوضوء:

* صفة الدعاء بعد الفراغ من الوضوء: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رَقٍ، ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة)). أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني في الأوسط (¬2). * وللمسلم بعد فراغه من الوضوء أن ينضح فرجه بالماء، وأن يتنشف بخرقة أو منديل ونحوهما. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (234). (¬2) صحيح/ أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم (81). وأخرجه الطبراني في الأوسط برقم (1478) انظر السلسلة الصحيحة رقم (2333).

5 - المسح على الخفين

5 - المسح على الخفين * مدة المسح على الخفين: يجوز المسح على الخفين يوما وليلة للمقيم، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح من أول مسح بعد لبس. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (276).

* شروط المسح على الخفين:

* شروط المسح على الخفين: أن يكون الملبوس مباحاً، طاهراً، ملبوساً على طهارة، وأن يكون المسح في الحدث الأصغر، وفي المدة للمقيم أو المسافر.

* صفة المسح على الخفين:

* صفة المسح على الخفين: يدخل المسلم يديه بالماء، ثم يمسح بيده اليمنى ظاهر قدم الخف اليمنى من أصابعه إلى ساقه مرة واحدة دون أسفله وعقبه، واليسرى بيده اليسرى كذلك. * من مسح في السفر يوماً ثم دخل بلده أتم مسح مقيم يوماً وليلة، وإن سافر مقيم وقد مسح على خفيه يوماً أتم مسح مسافر ثلاثة أيام بلياليهن.

* يبطل المسح على الخفين بما يلي:

* يبطل المسح على الخفين بما يلي: 1 - إذا نزع الملبوس من القدم. 2 - إذا لزمه غسل كالجنابة. 3 - إذا تمت مدة المسح. أما الطهارة فلا تنتقض بعد انتهاء المدة إلا بأحد نواقض الوضوء.

* صفة المسح على العمامة والخمار:

* صفة المسح على العمامة والخمار: يجوز المسح على عمامة الرجل، وعلى خمار المرأة عند الحاجة بلا توقيت. ويكون المسح على أكثر العمامة أو الخمار، والأولى لبسهما على طهارة. عن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه. أخرجه البخاري (¬1). يجوز المسح على الخفين، والجوربين، والنعلين، والعمامة، وخمار المرأة في الحدث الأصغر، كالبول، والغائط، والنوم ونحوها، فإن أصابته جنابة في مدة المسح فلا يمسح، ويلزمه الغسل لكامل بدنه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (205).

* صفة المسح على الجبيرة:

* صفة المسح على الجبيرة: يجب المسح على الجبيرة واللفائف إلى حلها ولو طال الزمن، أو أصابته جنابة، أو لبسها على غير طهارة. * الجرح إن كان مكشوفاً فالواجب غسله بالماء، فإن تضرر مسح الجرح بالماء، فإن تعذر المسح بالماء، عدل إلى التيمم وإن كان الجرح مستورا مسحه بالماء، فإن تعذر عدل إلى التيمم. * لا تتوقت مدة المسح للمسافر الذي يشق عليه اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين ونحوه.

6 - نواقض الوضوء:

6 - نواقض الوضوء: 1 - الخارج من السبيلين كالبول، والغائط، والريح، والمني، والمذي، والدم ونحوها. 2 - زوال العقل بنوم مستغرق كثير، أو إغماء، أو مسكر. 3 - مس الفرج. 4 - كل ما أوجب غسلاً كالجنابة، والحيض، والنفاس. 5 - الردة عن الإسلام. 6 - أكل لحم الجزور. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ)) قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم فتوضأ من لحوم الإبل)). أخرجه مسلم (¬1). * من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين وهو الطهارة، ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين وهو الحدث فليتطهر. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه، أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)). أخرجه مسلم (¬2). * يستحب الوضوء لمن مس امرأة بشهوة ولم يخرج منه شيء، أو مس عورة صغير، أو قاء، أو حمل الميت، وعند كل حدث، ولكل صلاة، ما لم يكن محدثاً فيجب. * النوم اليسير من قائم وجالس ومضطجع لا ينقض الوضوء. * إذا قبل زوجته ولو بشهوة لم ينتقض وضوءه إلا أن يخرج منه شيء. يسن الوضوء عند النوم، ويسن للجنب إذا أراد أن ينام أو يعاود الجماع. * بول مايؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني الآدمي كله طاهر، وسؤر الهرة طاهر. * سباع البهائم، والجوارح من الطير، والحمار الأهلي، والبغل كلها طاهرة في الحياة، وسؤرها طاهر، ولا ينجس منها إلا الروث، والبول، والدم. يحرم على من أحدث: الصلاة، ومس المصحف حتى يتوضأ. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (360). (¬2) أخرجه مسلم برقم (362).

* ما يخرج من الإنسان نوعان:

* ما يخرج من الإنسان نوعان: 1 - طاهر: وهو الدمع والمخاط والبصاق والريق والعرق والمني. 2 - نجس: وهو الغائط والبول والودي والمذي والدم الخارج من السبيلين. * الدم الخارج من السبيلين ينقض الوضوء، أما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو السن أو الجرح أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء، قليلا كان الدم أو كثيرا، لكن يحسن غسله من باب النظافة والنزاهة.

7 - الغسل

7 - الغسل * الغسل: هو تعميم جميع البدن بالماء الطهور على وجه مخصوص، وهو من محاسن دين الإسلام، دين النظافة والنزاهة.

* موجبات الغسل:

* موجبات الغسل: 1 - خروج المني دفقاً بلذة من رجل، أو امرأة، استمناء، أو جماعاً، أو احتلاماً. 2 - تغييب حشفة الذكر في الفرج ولو لم يُنزل. 3 - إذا مات المسلم إلا شهيد المعركة في سبيل الله. 4 - إذا أسلم الكافر. 5 - الحيض. 6 - النفاس. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (291)، واللفظ له، ومسلم برقم (348).

* صفة الغسل المجزئ:

* صفة الغسل المجزئ: أن ينوي الغسل، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة.

* صفة الغسل الكامل:

* صفة الغسل الكامل: أن ينوي الغسل، ثم يغسل يديه ثلاثاً، ثم يغسل فرجه وما لوثه، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم يروي رأسه ثلاثاً، ويخلل شعره بيده، ثم يغسل بقية جسده مرة واحدة، ويتيامن، ويدلكه، ولا يسرف في الماء.

* صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم:

* صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثتني خالتي ميمونة رضي الله عنها قالت: أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك، فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده. متفق عليه (¬1). السنة أن يتوضأ المسلم وضوءه للصلاة قبل الغسل، فإن اغتسل ولم يتوضأ قبله، أو أتى بالوضوء قبل الغسل فإنه لا يشرع له الوضوء بعد الغسل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (276)، ومسلم برقم (317) واللفظ له.

* يحرم على الجنب ما يلي:

* يحرم على الجنب ما يلي: الصلاة، الطواف بالكعبة، مس المصحف، الجلوس بالمسجد، فإن توضأ فله الجلوس. * يجب غسل الجمعة على من به رائحة كريهة، ويستحب لغيره. السنة أن يغتسل الإنسان بعد الجماع، ويجوز أن ينام الإنسان وهو جنب، والأفضل أن لا ينام إلا بعد أن يغسل فرجه ويتوضأ، لقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ للصلاة. متفق عليه (¬1). * يجوز للرجل أن يغتسل من الجنابة مع زوجته من إناء واحد ولو رأى كل منهما عورة الآخر، لقول عائشة رضي الله عنها: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من جنابة. متفق عليه (¬2). * يستحب لمن جامع أهله ثم أراد أن يعود أو أراد أن يطوف على نسائه، أن يغتسل بين الجماعين، فإن لم يتيسر توضأ؛ فذلك أنشط للعود. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (288)، واللفظ له، ومسلم برقم (305). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (263)، واللفظ له، ومسلم برقم (321).

* من الأغسال المستحبة:

* من الأغسال المستحبة: غسل الإحرام بالحج أو العمرة، غسل من غسل الميت، إذا أفاق من جنون أو إغماء، غسل دخول مكة، الغسل لكل جماع، غسل من دفن المشرك. * يجب الاستتار من الناس عند الغسل، فإن اغتسل وحده في الخلوة جاز له التعري، ولكن التستر أفضل ولو كان وحده، فالله أحق أن يستحى منه من الناس. * يجزئ الغسل مرة لمن جامع مرتين أو أكثر، لزوجة أو أكثر، لما ثبت عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد. متفق عليه (¬1). * يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة، أو عن جنابة وجمعة ونحو ذلك. * غسل المرأه كالرجل، ولا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ويستحب ذلك في الغسل من الحيض أو النفاس. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (268)، ومسلم برقم (309)، واللفظ له.

* من سنن الغسل:

* من سنن الغسل: الوضوء قبله، وإزالة الأذى، وإفراغ الماء على الرأس ثلاثا، وعلى بقية الجسد ثلاثاً، والتيامن. * السنة أن يغتسل الجنب بالصاع إلى خمسة أمداد، فإن نقص أو دعت الحاجة إلى الزيادة على ما سبق كثلاثة آصع ونحوها جاز، ولا يجوز الإسراف في ماء الوضوء والغسل. عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل أو كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد. متفق عليه (¬1). * يكره الاغتسال في المراحيض؛ لأنها محل النجاسات، والغسل فيها يؤدي إلى الوسواس، ولا يبول في مكان ثم يغتسل فيه؛ لئلا يتنجس. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (201)، واللفظ له، ومسلم برقم (325).

8 - التيمم

8 - التيمم * التيمم: هو ضرب الصعيد الطيب باليدين بنية استباحة الصلاة وغيرها. * التيمم: من خصائص الأمة الإسلامية وهو بدل طهارة الماء. * يشرع التيمم للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر إذا تعذر استعمال الماء، إما لفقده، أو التضرر باستعماله، أو العجز عن استعماله. * قال الله تعالى: ( .. وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/6). * يجوز التيمم بكل ما على الأرض من طاهر من تراب أو رمل أو حجر أو طين رطب أو يابس.

* صفة التيمم:

* صفة التيمم: أن ينوي، ثم يضرب الأرض مرة بباطن يديه، ثم يمسح بهما وجهه، ثم كفيه، يمسح ظهر اليمنى بباطن اليسرى، ثم يمسح ظهر اليسرى بباطن اليمنى، وأحيانا يقدم مسح اليدين على الوجه. 1 - عن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنَّا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعّكت فصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما كان يكفيك هكذا))، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه. متفق عليه (¬1). 2 - عن عمار -في صفة التيمم- وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا)) فضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه. متفق عليه (¬2). * إذا نوى بتيممه أحداثاً متنوعة كما لو بال وتغوط واحتلم أجزأه التيمم عن الكل. * يباح للمتيمم ما يباح للمتوضئ من الصلاة، والطواف، ومس المصحف ونحو ذلك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (338)، واللفظ له، ومسلم برقم (368). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (347)، واللفظ له، ومسلم برقم (368).

* يبطل التيمم بما يلي:

* يبطل التيمم بما يلي: 1 - وجود الماء. 2 - زوال العذر من مرض أو حاجة ونحوهما. 3 - نواقض الوضوء السابقة. * من عدم الماء والتراب بكل حال أو لم يقدر على استعمالهما صلى على حسب حاله بلا وضوء، ولا تيمم ولا إعادة عليه. * يشرع التيمم للطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر، أما طهارة الخبث، سواء كانت على البدن أو الثوب فليس لها تيمم، فيزيلها، فإن لم يستطع إزالتها صلى بحسب حاله. * من جرح وخاف أن يضره الماء مسح عليه وغسل الباقي، فإن تضرر بالمسح تيمم له وغسل الباقي.

* ماذا يفعل المتيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت:

* ماذا يفعل المتيمم إذا صلى ثم وجد الماء في الوقت: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة، وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك))، وقال للذي توضأ وأعاد: ((لك الأجر مرتين)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (338)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (327). وأخرجه النسائي برقم (433)، صحيح سنن النسائي رقم (420).

9 - الحيض والنفاس

9 - الحيض والنفاس * الحيض: هو دم طبيعة وجِبِلَّة يرخيه الرحم فيخرج من فرج المرأة في أوقات معلومة، وغالبه ستة أو سبعة أيام.

* أصل دم الحيض:

* أصل دم الحيض: خلق الله دم الحيض لحكمة غذاء الولد في بطن أمه، لذلك قل أن تحيض الحامل، فإذا ولدت قلبه الله لبنا يدر من ثدييها، لذلك قل أن تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي لا مصرف له، فيستقر في الرحم ثم يخرج في كل شهر ستة أو سبعة أيام. * لا حد لأقل الحيض، ولا لأكثره، ولا لبدايته، ولا لنهايته، ولا حد لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لأكثره. * النفاس: هو الدم الخارج من قُبل المرأة عند الولادة، أو معها، أو قبلها. * غالب مدة النفاس أربعون يوماً، فإن طهرت قبله صلت وصامت بعد أن تغتسل، ولزوجها وطؤها، وإن زاد إلى ستين فهو نفاس، لكن إن استمر فهو دم فساد.

* حكم الدم الذي يخرج من الحامل:

* حكم الدم الذي يخرج من الحامل: الحامل إذا خرج منها دم كثير ولم يسقط الولد فهو دم فساد لا تترك الصلاة لأجله، لكن تتوضأ لكل صلاة، وإذا رأت دم الحيض المعتاد الذي يأتيها في وقته وشهره وحاله فهو حيض، تترك من أجله الصلاة والصوم وغير ذلك. * يحرم على الحائض والنفساء الطواف بالبيت الحرام حتى تطهر وتغتسل. * لا يجوز للحائض والنفساء مس المصحف إلا من وراء حائل من غلاف ونحوه. * المرأة متى كان الحيض معها موجودا فإنها لا تصلي سواء كان الحيض موافقا للعادة، أو زائداً عنها، أو ناقصا، فإذا طهرت اغتسلت وصلت، وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة. * يجوز للمرأة إن احتاجت تناول ما يقطع الحيض ما لم تتضرر، ويكون طهرا تصوم فيه وتصلي.

* علامة طهر الحائض:

* علامة طهر الحائض: أن ترى سائلا أبيضا يخرج إذا توقف الحيض، ومن لم تر هذا السائل فعلامة طهرها أن تدخل قطنة بيضاء في محل الحيض فإن خرجت ولم تتغير فهو علامة طهرها. * الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، وإن رأت ذلك قبل العادة أو بعدها فليس بحيض، فتصلي وتصوم، ولزوجها أن يباشرها، وإن تجاوزت الصفرة أو الكدرة العادة الغالبة للنساء فتغتسل وتصلي كالطاهرات. * المرأة إذا حاضت بعد دخول وقت الصلاة، أو طهرت قبل خروج وقت الصلاة وجب عليها أن تصلي تلك الصلاة ومثلها النفساء. * يجوز للرجل مباشرة زوجته وهي حائض من فوق الإزار، لما ثبت عن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّض. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (303)، ومسلم برقم (294)، واللفظ له.

* حكم وطء الحائض:

* حكم وطء الحائض: يحرم وطء الحائض في الفرج. قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة /222). * لا يجوز وطء الحائض حتى ينقطع دم حيضها وتتطهر- أي تغتسل-، ومن وطئها قبل الغسل فهو آثم. * إذا وطئ الرجل زوجته مختارا متعمدا عالما أنها حائض فهو آثم، وعليه التوبة والكفارة، والمرأة مثله، والكفارة: دينار إن وطئها في أول الحيض، ونصف دينار عند انقطاع الدم. (الدينار= 4.25 جراما من الذهب). عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يأتي امرأته وهي حائض: ((يتصدق بدينار أو بنصف دينار)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). * يحرم بالحيض الوطء في الفرج، والطلاق، والصلاة، والصوم، ومس المصحف، والطواف بالبيت، واللبث في المسجد. * المستحاضة: هي من استمر خروج الدم منها في غير أوانه. ¬

(¬1) صحيح، أخرجه أبو داود برقم (264)، صحيح سنن أبي داود رقم (237). وأخرجه النسائي برقم (289)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (278).

* الفرق بين الحيض والاستحاضة:

* الفرق بين الحيض والاستحاضة: 1 - الحيض: سيلان دم عرق في قعر الرحم يسمى العاذر، ولون هذا الدم أسود ثخين، غليظ، منتن كريه، لا يتجمد إذا ظهر. 2 - أما الاستحاضة: فهي سيلان دم عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل، ولون هذا الدم أحمر، رقيق، غير منتن، يتجمد إذا خرج؛ لأنه دم عرق عادي.

* صفة غسل المستحاضة:

* صفة غسل المستحاضة: المستحاضة تغتسل مرة واحدة عند إدبار الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وتحشو فرجها بخرقة أو نحوها.

* المستحاضة لها أربع حالات وهي:

* المستحاضة لها أربع حالات وهي: 1 - أن تكون مدة الحيض معروفة لها فتجلس تلك المدة، ثم تغتسل وتصلي. 2 - أن تكون مدة الحيض غير معلومة لها فتجلس ستة أو سبعة أيام، لأن ذلك غالب مدة الحيض، ثم تغتسل وتصلي. 3 - أن لا تكون لها عادة ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض الأسود من غيره، فإذا انقطع دم الحيض المميز اغتسلت وصلت. 4 - أن لا تكون لها عادة، ولا تستطيع أن تميز الدم فتجلس ستة أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي وتسمى المبتدأة. * إذا وضعت المرأة نطفة فهذا ليس بحيض ولا نفاس، وإن وضعت الجنين لأربعة أشهر فهذا نفاس، وإن وضعت علقة أو مضغة غير مخلقة فليس بنفاس ولو رأت الدم، وإن وضعت مضغة مخلقة بأن تم له ثلاثة أشهر تأكد أنه ولد، وأنه نفاس. * يجوز للمستحاضة أن تصلي، وتصوم، وتعتكف ونحو ذلك من العبادات. عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: ((لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيهما، ثم اغتسلي وصلي)). متفق عليه (¬1). * يجوز للرجل والمرأة قراءة القرآن ولو كان الرجل جنباً، أو المرأة حائضاً أو نفساء أو جنباً، والأفضل قراءته على طهارة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (325)، واللفظ له، ومسلم برقم (333).

2 - الصلاة

1 - معنى الصلاة وحكمها وفضلها * الصلوات الخمس آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة مهما كانت الأحوال، في حال الأمن والخوف، وفي حال الصحة والمرض، وفي حال الحضر والسفر، ولكل حالةٍ صلاة تناسبها في الهيئة والعدد. * الصلاة: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.

* حكمة مشروعية الصلاة:

* حكمة مشروعية الصلاة: الصلاة نور، فكما أن النور يستضاء به فكذلك الصلاة تهدي إلى الصواب، وتمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. * الصلاة صلة بين العبد وربه، وهي عماد الدين، يجد فيها المسلم لذة مناجاة ربه، فتطيب نفسه، وتقر عينه، ويطمئن قلبه، وينشرح صدره، وتُقضى حاجته، وبها يرتاح من هموم الدنيا وآلامها. * الصلاة لها ظاهر يتعلق بالبدن كالقيام والجلوس، والركوع والسجود، وسائر الأقوال والأعمال، ولها باطن يتعلق بالقلب، ويكون بتعظيم الله تعالى، وتكبيره، وخشيته، ومحبته، وطاعته، وحمده، وشكره، وذل العبد وخضوعه لربه، فالظاهر يتحقق بفعل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، والباطن يتحقق بالتوحيد والإيمان، والإخلاص، والخشوع. * الصلاة لها جسد وروح: فجسدها القيام والركوع والسجود والقراءة وروحها: تعظيم الله وخشيته، وحمده، وسؤاله، واستغفاره، والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وعلى عباد الله الصالحين. * أمر الله كل مسلم بعد إقراره بالشهادتين أن يقيد حياته بأربعة أشياء (الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج) وهذه أركان الإسلام، وفي كل منها تمرين لتنفيذ أوامر الله على نفس الإنسان، وماله، وشهوته، وطبيعته؛ ليقضي حياته حسب أمر الله ورسوله، وحسب ما يحب الله ورسوله، لا حسب هواه. * المسلم في الصلاة ينفذ أوامر الله على كل عضو من أعضائه ليتدرب على طاعة الله وتنفيذ أوامر الله في شؤون حياته كلها، في أخلاقه، ومعاملاته، وطعامه، ولباسه، وهكذا حتى يكون مطيعاً لربه داخل الصلاة وخارج الصلاة. * والصلاة زاجرة عن فعل المنكرات، وسبب لتكفير السيئات. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء)) قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (528)، ومسلم برقم (667)، واللفظ له.

* استقامة القلب:

* استقامة القلب: إذا استقام القلب استقامت الجوارح، وإنما يستقيم القلب بأمرين: 1 - تقديم ما يحبه الله تعالى على ما تحبه النفس. 2 - تعظيم الأمر والنهي وهو الشريعة، وذلك ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي وهو الله عز وجل، فالإنسان قد يفعل الأمر لنظر الخلق إليه، وطلب الجاه والمنزلة عندهم، وقد يتقي المناهي خشية سقوطه من أعينهم، أو خوفاً من العقوبات الدنيوية التي رتبها الله على المناهي كالحدود، فهذا ليس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي، ولا تعظيم الآمر الناهي.

* علامة تعظيم أوامر الله:

* علامة تعظيم أوامر الله: أن يراعي العبد أوقاتها وحدودها، ويأتي بأركانها وواجباتها وسننها، ويحرص على كمالها ويسارع إليها عند وجوبها فرحاً بها، ويحزن عند فواتها كمن فاتته صلاة الجماعة ونحوها، وأن يغضب لله إذا انتهكت محارمه، ويحزن عند معصيته، ويفرح بطاعته، ولا يسترسل مع الرخص، ولا يكون دأبه البحث عن علل الأحكام، فإن ظهرت له الحكمة حمله ذلك على مزيد الانقياد والعمل.

* أوامر الله عز وجل نوعان:

* أوامر الله عز وجل نوعان: أوامر محبوبة للنفس كالأمر بالأكل من الطيبات، ونكاح ما طاب من النساء إلى أربع، وصيد البر والبحر ونحو ذلك. أوامر مكروهة للنفس وهي نوعان: 1 - أوامر خفيفة كالأدعية والأذكار والآداب والنوافل والصلوات وتلاوة القرآن ونحوها. 2 - أوامر ثقيلة كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله. والإيمان يزيد بامتثال الأوامر الخفيفة والثقيلة معاً، فإذا زاد الإيمان صار المبغوض محبوباً، وصار الثقيل خفيفاً، وتحقق مراد الله من العبد بالدعوة والعبادة، وتحركت بذلك جوارحه. * ركب الله سبحانه في كل إنسان نفسين: نفساً أمّارة، ونفساً مطمئنة، وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على الأخرى، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى، مع هذه ملك ومع تلك شيطان، والحق كله مع الملك والمطمئنة، والباطل كله مع الشيطان والأمارة، والحرب سجال.

* حكم الصلاة:

* حكم الصلاة: تجب الصلوات الخمس في اليوم والليلة على كل مسلم مكلف، ذكراً كان أو أنثى، إلا حائضاً ونفساء حتى تطهرا، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء/103) 2 - قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة/238). 3 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)). متفق عليه (¬1). 4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ... )). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (8)، ومسلم برقم (16)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1395)، واللفظ له، ومسلم برقم (19).

* علامات البلوغ:

* علامات البلوغ: المسلم المكلف هو (البالغ العاقل)، وعلامات البلوغ: منها ما هو مشترك بين الرجل والمرأة: وهو بلوغ خمس عشرة سنة، ونبات شعر العانة، وإنزال المني. ومنها ما هو خاص بالرجال فقط: وهو نبات شعر اللحية والشارب. ومنها ما هو خاص بالنساء فقط: وهو الحمل والحيض، ويؤمر الصغير بالصلاة لسبع، ويضرب عليها لعشر.

* أهمية الصلاة:

* أهمية الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيء، قال: انظروا هل تجدون له من تطوع يُكمِّل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك)). أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح / أخرجه النسائي برقم (564) صحيح سنن النسائي رقم (452). وأخرجه ابن ماجه برقم (1425)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (824).

* عدد الصلوات المفروضة:

* عدد الصلوات المفروضة: فرض الله الصلاة ليلة الإسراء على رسوله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة قبل الهجرة بسنة، وفرضها الله سبحانه خمسين صلاة في اليوم والليلة على كل مسلم، وهذا يدل على أهميتها، وعلى محبة الله لها، ثم خففت فجعلها الله سبحانه خمساً في العمل وخمسين في الأجر فضلاً منه ورحمة. * الصلوات المفروضة في اليوم والليلة على كل مسلم ومسلمة خمس صلوات، وهي: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر.

* حكم من جحد وجوب الصلاة أو تركها:

* حكم من جحد وجوب الصلاة أو تركها: من جحد وجوب الصلاة كفر، وكذا تاركها تهاوناً وكسلاً، فإن كان جاهلاً يعلم، وإن كان عالماً بوجوبها وتركها يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل كافراً. 1 - قال الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة/11). 2 - عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل، وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)). أخرجه مسلم (¬1). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من بدَّل دينه فاقتلوه)). أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (82). (¬2) أخرجه البخاري برقم (3017).

* الآثار المترتبة على جاحد الصلاة أو تاركها:

* الآثار المترتبة على جاحد الصلاة أو تاركها: 1 - في الحياة: لا يحل له الزواج بمسلمة، وتسقط ولايته، ويسقط حقه في الحضانة، ولا يرث، ويحرم ما ذكاه من حيوان، ولا يحل له دخول مكة وحرمها؛ لأنه كافر. 2 - إذا مات لا يُغسَّل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، لأنه ليس منهم، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يورث، ويخلد في النار؛ لأنه كافر. * من ترك الصلاة تركاً مطلقاً بحيث لا يصلي أبداً فهو كافر مرتد عن دين الإسلام، ومن يصلي أحياناً ويتركها أحياناً فليس بكافر لكنه فاسق، ومرتكب إثماً عظيماً، وجان على نفسه جناية كبيرة، وعاص لله ورسوله.

* فضل انتظار الصلاة:

* فضل انتظار الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (176)، ومسلم برقم (649) في كتاب المساجد، واللفظ له.

* فضل المشي إلى الصلاة في المسجد على طهارة:

* فضل المشي إلى الصلاة في المسجد على طهارة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا يَنصِبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاةٌ على أثر صلاةٍ لا لغو بينهما كتاب في عليين)). أخرجه أبوداود (¬2). * الخشوع في الصلاة: يحصل الخشوع في الصلاة بأمور، منها: 1 - حضور القلب. 2 - الفهم والإدراك لما يقرأ أو يسمع. 3 - التعظيم، ويتولد من أمرين: معرفة جلال الله وعظمته، ومعرفة حقارة النفس، فيتولد منهما الانكسار لله، والخشوع له. 4 - الهيبة، وهي أسمى من التعظيم، وتتولد من المعرفة بقدرة الله، وعظمته، وتقصير العبد في حقه سبحانه. 5 - الرجاء، وهو أن يرجو بصلاته ثواب الله عز وجل. 6 - الحياء، ويتولد من معرفة نعم الله، وتقصيره في حق الله سبحانه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (666). (¬2) حسن / أخرجه أبو داود برقم (558)، صحيح سنن أبي داود رقم (522). وانظر صحيح الترغيب والترهيب رقم (315).

* صفة البكاء المشروع:

* صفة البكاء المشروع: بكاؤه صلى الله عليه وسلم لم يكن بشهيق ورفع صوت، بل كانت تدمع عيناه، ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم تارة من خشية الله، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة رحمة للميت، وتارة عند سماع القرآن حينما يسمع آيات الوعد والوعيد، وذكر الله وآلائه ونعمه، وأخبار الأنبياء ونحو ذلك. * المحافظة على فضيلة تتعلق بذات العبادة كالخشوع في الصلاة مثلاً أهم من فضيلة تتعلق بمكانها، فلا يصلي في مكان يذهب معه الخشوع كالزحام ونحوه.

2 - الأذان والإقامة

2 - الأذان والإقامة * الأذان: هو التعبد لله بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص. * شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة.

* حكمة مشروعية الأذان:

* حكمة مشروعية الأذان: 1 - الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة ومكانها ودعاء إلى الصلاة والجماعة التي فيها خير كثير. 2 - الأذان تنبيه للغافلين، وتذكير للناسين لأداء الصلاة التي هي من أجل النعم، والتي تقرب العبد إلى ربه وهذا هو الفلاح، والأذان دعوة للمسلم حتى لا تفوته هذه النعمة. * الإقامة: هي التعبد لله بالإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص. * حكم الأذان والإقامة: فرض كفاية على الرجال دون النساء حضراً وسفراً، والأذان والإقامة يكونان فقط للصلوات الخمس وصلاة الجمعة.

* مؤذنو النبي صلى الله عليه وسلم أربعة:

* مؤذنو النبي صلى الله عليه وسلم أربعة: بلال بن رباح وعمرو بن أم مكتوم في مسجده صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وسعد القرض في مسجد قباء، وأبو محذورة في المسجد الحرام بمكة. وأبو محذورة كان يرجِّع الأذان ويثنّي الإقامة، وبلال كان لا يُرجِّع الأذان ويفرد الإقامة.

* فضل الأذان:

* فضل الأذان: يسن للمؤذن أن يرفع صوته بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، والمؤذن يغفر له مدى صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)). متفق عليه (¬1). 2 - عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)). أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (615)، ومسلم برقم (437). (¬2) أخرجه مسلم برقم (387).

* صفات الأذان الواردة والثابتة في السنة:

* صفات الأذان الواردة والثابتة في السنة: 1 - الصفة الأولى: أذان بلال رضي الله عنه الذي كان يؤذن به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خمس عشرة جملة: 1 - الله أكبر 2 - الله أكبر 3 - الله أكبر 4 - الله أكبر 5 - أشهد أن لا إله إلا الله 6 - أشهد أن لا إله إلا الله 7 - أشهد أن محمداً رسول الله 8 - أشهد أن محمداً رسول الله 9 - حي على الصلاة 10 - حي على الصلاة 11 - حي على الفلاح 12 - حي على الفلاح 13 - الله أكبر 14 - الله أكبر 15 - لا إله إلا الله (¬1) 2 - الصفة الثانية: أذان أبي محذورة رضي الله عنه وهو تسع عشرة جملة، التكبير أربعاً في أوله مع الترجيع. * عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال: ((قل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله (مرتين، مرتين) قال: ثم ارجع فمدَّ من صوتك: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله)). أخرجه أبوداود والترمذي (¬2). 3 - الصفة الثالثة: مثل أذان أبي محذورة رضي الله عنه السابق إلا أن التكبير في أوله مرتان فقط، فيكون سبع عشرة جملة. أخرجه مسلم (¬3). 4 - الصفة الرابعة: أن يكون الأذان كله مثنى مثنى، وكلمة التوحيد في آخره مفردة، فيكون ثلاث عشرة جملة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. أخرجه أبوداود والنسائي (¬4). * السنة أن يؤذن بهذه الصفات كلها، بهذا مرة، وبهذا مرة، وهذا في مكان، وهذا في مكان، حفظاً للسنة، وإحياء لها بوجوهها المشروعة المتنوعة، ما لم تخش فتنة. * يزيد المؤذن في أذان الفجر بعد حي على الفلاح (الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم)، وذلك في جميع صفات الأذان السابقة. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (499)، صحيح سنن أبي داود رقم (469). وأخرجه ابن ماجه برقم (706)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (580). (¬2) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (503)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (475). وأخرجه الترمذي برقم (192)، صحيح سنن الترمذي رقم (162). (¬3) أخرجه مسلم برقم (379). (¬4) حسن / أخرجه أبو داود برقم (510)، صحيح سنن أبي داود رقم (482). وأخرجه النسائي برقم (628)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (610).

* شروط صحة الأذان:

* شروط صحة الأذان: أن يكون الأذان مرتباً، متوالياً، وأن يكون بعد دخول الوقت، وأن يكون المؤذن مسلماً، ذكراً، أميناً، عاقلاً، عدلاً بالغاً أو مميزاً، وأن يكون الأذان باللغة العربية على حسب ما جاء في السنة، والإقامة كذلك. * يسن ترتيل الأذان، ورفع الصوت به، وأن يلتفت يميناً عند قوله (حي على الصلاة) وشمالاً عند قوله (حي على الفلاح)، أو يقسم كل جملة من الجملتين على الجهتين. * يسن للمؤذن أن يكون صيتاً، عالماً بالوقت، مستقبل القبلة، متطهراً، قائماً، واضعاً أصبعيه في أذنيه حال الأذان، وأن يؤذن على مكان مرتفع. * لا يجزئ الأذان قبل دخول الوقت في جميع الصلوات الخمس، ويسن أن يؤذن قبل الفجر بقدر ما يتسحر الصائم، ليرجع القائم، ويستيقظ النائم، ويختم من يتهجد صلاته بالوتر، فإذا طلع الفجر أذن لصلاة الصبح.

* ما يقوله من سمع الأذان:

* ما يقوله من سمع الأذان: يسن لمن سمع المؤذن من الرجال أو النساء: 1 - أن يقول مثله لينال مثل أجره إلا في الحيعلتين، فيقول السامع: (لا حول ولا قوة إلا بالله). 2 - بعد انتهاء الأذان يسن أن يصلي المؤذن والسامع على النبي صلى الله عليه وسلم سراً. 3 - ويُسن أن يقول ما ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة)). أخرجه البخاري (¬1). 4 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه)). أخرجه مسلم (¬2). 5 - ثم يدعو لنفسه بما شاء. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (614). (¬2) أخرجه مسلم برقم (386).

* فضل متابعة المؤذن:

* فضل متابعة المؤذن: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)). أخرجه مسلم (¬1). * من جمع بين صلاتين، أو قضى فوائت أذَّن للأولى، ثم أقام لكل فريضة. * إذا أخّر صلاة الظهر لشدة حر، أو أخر العشاء إلى الوقت الأفضل، فالسنة أن ئؤذن عند إرادة فعل الصلاة. * إذا تَشَاحَّ مؤذنان فأكثر قُدِّم الأفضل صوتاً، ثم الأفضل في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قرعة، ويباح اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (384).

* فضل التأذين:

* فضل التأذين: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوّب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)). متفق عليه (¬1). * الأذان يوم الجمعة يكون حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة، وحين كثر الناس في عهد عثمان رضي الله عنه زاد قبله النداء الثالث، ووافقه الصحابة رضي الله عنهم على ذلك. * لا يأخذ الإمام على إمامة المصلين أجراً، ولا يأخذ المؤذن على أذانه أجراً، ويجوز له أخذ الجُعْل الذي يصرف من بيت المال لأئمة المساجد ومؤذنيها، إذا قام بوظيفته لله عز وجل. * من دخل المسجد والمؤذن يؤذن يستحب له أن يتابع المؤذن، ثم يدعو بعد الفراغ من الأذان، ولا يجلس حتى يصلي تحية المسجد ركعتين. * إذا أذن المؤذن فلا يجوز لأحد الخروج من المسجد إلا لعذر من مرض، وتجديد وضوء ونحوهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (608)، واللفظ له، ومسلم برقم (389).

* صفات الإقامة الواردة والثابتة في السنة:

* صفات الإقامة الواردة والثابتة في السنة: السنة أن تكون الإقامة مرتبة ومتوالية بإحدى الصفات الآتية: 1 - الصفة الأولى: إحدى عشرة جملة، وهي إقامة بلال رضي الله عنه التي كان يقيم بها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهي: (1 - الله أكبر، 2 - الله أكبر، 3 - أشهد أن لا إله إلا الله، 4 - أشهد أن محمداً رسول الله، 5 - حي على الصلاة، 6 - حي على الفلاح، 7 - قد قامت الصلاة، 8 - قد قامت الصلاة، 9 - الله أكبر، 10 - الله أكبر، 11 - لا إله إلا الله). أخرجه أبو داود (¬1). 2 - الصفة الثانية: سبع عشرة جملة، وهي إقامة أبي محذورة رضي الله عنه: (التكبير أربعاً، والتشهدان أربعاً، والحيعلتان أربعاً، وقد قامت الصلاة مرتين، والتكبير مرتين، ولا إله إلا الله مرة) أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - الصفة الثالثة: عشر جمل (الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله). أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). * يسن أن يقيم بهذا مرة، وبهذا مرة، حفظاً للسنة بوجوهها المتنوعة، وإحياء لها، ما لم تخش فتنة. * يستحب الدعاء والصلاة بين الأذان والإقامة. * يجوز استعمال مكبر الصوت في الأذان، والإقامة، والصلاة، والخطبة إذا دعت الحاجة إليه، فإن حصل به ضرر أو تشويش أزيل. * يسن أن يتولى الأذان والإقامة رجل واحد، والمؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة، فلا يقيم المؤذن إلا بإشارته أو رؤيته أو قيامه ونحو ذلك. * يسن إفراد كل جملة من جمل الأذان بنفس واحد، ويجيبه السامع كذلك، أما الإقامة، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر مشروع يقوله من سمع الإقامة. * يسن للمؤذن في البرد الشديد أو الليلة المطيرة ونحوهما أن يقول بعد الحيعلتين، أو بعد الأذان ما ثبت في السنة: (ألا صلوا في الرحال). أو يقول: (صلوا في بيوتكم). أو يقول: (ومن قعد فلا حرج). ¬

(¬1) حسن صحيح / أخرجه أبو داود برقم (499)، صحيح سنن أبي داود رقم (469). (¬2) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (502)، صحيح سنن أبي داود رقم (474). وأخرجه الترمذي برقم (192)، وقال: حسن صحيح، صحيح سنن الترمذي رقم (162). (¬3) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (510)، صحيح سنن أبي داود رقم (482). وأخرجه النسائي برقم (628)، صحيح سنن النسائي رقم (610).

* الأذان والإقامة في السفر:

* الأذان والإقامة في السفر: عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (630)، واللفظ له، ومسلم برقم (674).

* للصلوات بالنسبة لمشروعية الأذان والإقامة أربع حالات:

* للصلوات بالنسبة لمشروعية الأذان والإقامة أربع حالات: - صلاة لها أذان وإقامة: وهي الصلوات الخمس، والجمعة. - صلاة لها إقامة ولا أذان لها: وهي الصلاة المجموعة إلى ما قبلها، والصلوات المقضية. - صلاة لها نداء بألفاظ مخصوصة: وهي صلاة الكسوف والخسوف. - صلاة لا أذان لها ولا إقامة: وذلك مثل صلاة النفل، وصلاة الجنازة، والعيدين، والاستسقاء ونحوها.

3 - أوقات الصلوات الخمس

3 - أوقات الصلوات الخمس * فرض الله سبحانه على كل مسلم ومسلمة خمس صلوات في اليوم والليلة.

* أوقات الصلوات المفروضة خمسة، وهي:

* أوقات الصلوات المفروضة خمسة، وهي: 1 - وقت الظهر: ويبدأ من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء، وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر فيسن تأخيرها والإبراد بها، وهي أربع ركعات. 2 - وقت العصر: ويبدأ من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس، والضرورة إلى غروبها، ويسن تعجيلها، وهي أربع ركعات. 3 - وقت المغرب: ويبدأ من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ويسن تعجيلها، وهي ثلاث ركعات. 4 - وقت العشاء: ويبدأ من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، والضرورة إلى طلوع الفجر الثاني، وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن تيسر، وهي أربع ركعات. 5 - وقت الفجر: ويبدأ من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وتعجيلها أفضل، وهي ركعتان. عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة؟ فقال له: ((صل معنا هذين)). (يعني اليومين) فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر، والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمَرَه فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها، فأنعم أن يُبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها. ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟)). فقال الرجل: أنا يا رسول الله! قال: ((وقت صلاتكم بين ما رأيتم)). أخرجه مسلم (¬1). إذا اشتد الحر فالسنة أن تؤخر صلاة الظهر إلى قرب العصر، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)). متفق عليه (¬2). من كان يقيم في بلاد لا تغيب الشمس عنها صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها ستة أشهر وليلها ستة أشهر مثلاً، فعليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، ويقدرون أوقاتها على أقرب بلد إليهم تتميز فيه أوقات الصلوات المفروضة بعضها عن بعض. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (536)، واللفظ له، ومسلم برقم (616).

4 - شروط الصلاة:

4 - شروط الصلاة : 1 - أن يكون المسلم طاهراً من الحدث الأصغر والأكبر. 2 - طهارة البدن والثوب ومكان الصلاة من النجاسات. 3 - دخول وقت الصلاة. 4 - اتخاذ الزينة بثياب ساترة للعورة. 5 - استقبال القبلة. 6 - النية. بأن ينوي بقلبه الصلاة التي يصليها قبل تكبيرة الإحرام ولا يتلفظ بها بلسانه. * يسن للمسلم أن يصلي في ثوب جميل نظيف فالله أحق من تزيّن له، وموضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن أبيت فمن وراء الساق، ولا حق للكعبين في الإزار، ويحرم الإسبال في الثياب وغيرها داخل الصلاة وخارجها. * عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة في الصلاة، إلا وجهها، وكفيها، وقدميها، فإن كانت بحضرة رجال أجانب سترت جميع بدنها. * السنة أن يدخل في صلاة الفجر بغلس، وينصرف بغلس، وأحياناً ينصرف حين يسفر. * من كانوا في سفر ثم غلبتهم أعينهم فلم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، فالسنة أن يتحولوا من مكانهم، ثم يتوضؤون، ثم يؤذن أحدهم، ثم يصلون ركعتي الفجر، ثم يقيم، ثم يصلون الفجر.

* تغيير النية أثناء الصلاة:

* تغيير النية أثناء الصلاة: 1 - كل عمل لابد له من نية، ولا يجوز تغيير النية من معين لمعين كتغيير نية العصر إلى الظهر، ولا يجوز أيضاً من مطلق لمعين كمن يصلي نافلة ثم ينوي بها الفجر، وتجوز من معين لمطلق، كمن يصلي فريضة منفرداً ثم يحولها لنافلة لحضور جماعة مثلاً. 2 - يجوز للمصلي أن يغير نيته وهو في الصلاة من مأموم أو منفرد إلى إمام، أو من مأموم إلى منفرد، أو من نية فرض إلى نفل لا العكس. * يتجه المصلي ببدنه إلى معظّم بأمر الله وهو الكعبة، ويتجه بقلبه إلى الله. * يلبس المسلم من الملابس ما شاء، ولا يحرم عليه من اللباس إلا ما كان محرماً لعينه كالحرير للرجال، أو فيه صور ذوات الأرواح فيحرم على الذكور والإناث، أو كان محرماً لوصفه كصلاة الرجل في ثوب المرأة، أو ثوب فيه إسبال، أو كان محرماً لكسبه كالثوب المغصوب، أو المسروق ونحو ذلك. * الأرض كلها مسجد تصح الصلاة فيها إلا الحمام، والحش، والمغصوب، والمكان النجس، ومأوى الإبل، والمقبرة، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة، فتصح في المقبرة. * إذا أفاق مجنون، أو أسلم كافر، أو طهرت حائض بعد دخول الوقت لزمهم أن يصلوا صلاة ذلك الوقت. * الحائض إذا انقطع دمها في الوقت ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت اغتسلت وصلت ولو خرج الوقت، وكذا الجنب الذي استيقظ، فإن اغتسل طلعت الشمس، فالسنة أن يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس؟ لأن الوقت في حق النائم من حين يستيقظ. * يجب على المسلم أن يصلي إلى جهة القبلة، فإن خفيت عليه ولم يجد من يسأله عنها اجتهد وصلى إلى ما غلب على ظنه أنه قبلة، ولا إعادة عليه لو تبين أنه صلى لغير القبلة. * السنة أن يصلي المصلي على الأرض، ويجوز أن يصلي المصلي على الفراش، أو الحصير، أو الخمرة وهي حصير أو نسيجة خوص بمقدار الوجه. * من زال عقله بنوم أو سكر لزمه قضاء الفوائت، وكذا لو زال عقله بفعل مباح كالبنج والدواء فعليه القضاء، وإن زال عقله بغير اختياره كالإغماء فلا قضاء عليه.

* قضاء الصلوات:

* قضاء الصلوات: من الصلوات ما يقضى إذا فات وقته من حين زوال العذر كالصلوات الخمس، ومنها ما لا يقضى إذا فات كالجمعة، فيصلي بدلها ظهراً، ومنها ما لا يقضى إلا في وقته وهي صلاة العيد. * يجب فورا قضاء الفوائت مرتبة، ويسقط الترتيب بالنسيان، أو الجهل، أو خوف خروج وقت الحاضرة، أو خوف فوات الجمعة والجماعة. * من شرع في صلاة فرض ثم ذكر أنه لم يصل التي قبلها أتم ما دخل فيه ثم قضى الفائتة، فمن فاتته صلاة العصر مثلاً فدخل المسجد فوجد المغرب قد أقيمت صلى المغرب مع الإمام ثم يصلي العصر. * من نام عن صلاة أو نسيها صلاها إذا ذكرها لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)). متفق عليه (¬1). * السنة أن يصلي المسلم في نعليه أو خفيه إذا كانتا طاهرتين، ويصلي حافياً أحيانا. * إذا نزع المصلي خفيه أو نعليه فلا يضعهما عن يمينه، بل يضعهما بين رجليه أو عن يساره إذا لم يكن عن يساره أحد، والسنة عند لبس النعل أن يبدأ باليمنى، وعند خلع النعل أن يبدأ باليسرى، ولا يمشي في نعل واحدة. * العراة إن لم يجدوا ثياباً يصلون قياماً إن كانوا في ظلمة ولا يبصرهم أحد، ويتقدمهم إمامهم، فإن كان حولهم أحد أو في نور صلوا قعودا وإمامهم وسطهم، وإن كانوا رجالاً ونساء صلى كل نوع وحده. * تصح الصلاة بالطريق لضرورة، بأن ضاق المسجد بأهله إذا اتصلت الصفوف. * ترك المأمور لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان، فمن صلى بغير وضوء جاهلاً أو ناسياً فلا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وهكذا، أما فعل المحظور فيعذر فيه بالجهل والنسيان، فمن صلى وفي ثوبه نجاسة يجهلها أو علمها ثم نسيها فصلاته صحيحة. * السنة أن يصلي الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتتبع المساجد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (597)، ومسلم برقم (684)، واللفظ له.

* آداب دخول المسجد:

* آداب دخول المسجد: يسن للمسلم أن يخرج إلى المسجد بسكينة ووقار، ولا يشبك بين أصابعه؟ لأنه في صلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ثُوّب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة)). متفق عليه (¬1). 1 - يسن للمسلم إذا أتى المسجد أن يقدم رجله اليمنى في الدخول، قائلاً: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)). أخرجه أبو داود (¬2). ((باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)). 2 - وإذا خرج قدم رجله اليسرى قائلاً: ((باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك))، وزاد ابن ماجه: ((اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)). أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن السني (¬3). * إذا دخل المسلم المسجد سلم على من فيه، ثم صلى ركعتين تحية المسجد، ويستحب له أن يشتغل بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والنوافل حتى تقام الصلاة، ويجتهد أن يكون في الصف الأول، على يمين الإمام. * النوم في المسجد أحيانا للمحتاج كالغريب والفقير الذي لا سكن له جائز، وأما اتخاذ المسجد مبيتاً ومقيلاً فهو منهي عنه إلا لمعتكف ونحوه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (908)، ومسلم برقم (602)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (466)، صحيح سنن أبي داود رقم (441). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (465) صحيح سنن أبي داود رقم (440). وأخرجه ابن ماجه برقم (773)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (627). وأخرجه ابن السني برقم (88)، وأصله في مسلم برقم (713).

* حكم السلام على من يصلي:

* حكم السلام على من يصلي: يستحب لمن مر بمن يصلي أن يسلم عليه، ويرد المصلي السلام عليه بالإشارة بأصبعه أو يده أو رأسه لا بالكلام. عن صهيب رضي الله عنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد إلي إشارةً. أخرجه أبو داود والترمذى (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (925)، صحيح سنن أبي داود رقم (818). وأخرجه الترمذي برقم (367)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (301).

* حكم حجز مكان في المسجد:

* حكم حجز مكان في المسجد: السنة أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد، فإذا قدم المفروش من سجادة ونحوها وتأخر هو فقد خالف الشريعة من جهتين: من جهة تأخره وهو مأمور بالتقدم. ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد ومنعه غيره من السابقين أن يصلوا فيه، ومن فرش في المسجد وتأخر فلمن سبق إليه أن يرفع ذلك ويصلي في مكانه ولا إثم عليه.

5 - صفة الصلاة

5 - صفة الصلاة * فرض الله سبحانه على كل مسلم ومسلمة خمس صلوات في اليوم والليلة، وهي: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. * يتوضأ من أراد الصلاة، ثم يقف مستقبلاً القبلة، قريباً من السترة بينه وبين السترة قدر ثلاثة أذرع، وبين موضع سجوده والسترة قدر ممر شاة، ولا يدع شيئاً يمر بينه وبين السترة، ومن مر بين المصلي وسترته فهو آثم. قال أبو جهيم رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)). متفق عليه (¬1). * ينوي من أراد الصلاة بقلبه فعل الصلاة، ثم يكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: (الله أكبر)، ويرفع يديه تارة مع التكبير، وتارة بعد التكبير، وتارة قبله، ويرفعهما ممدودتي الأصابع، بطونهما إلى القبلة إلى حذو منكبيه، وأحياناً يرفعهما حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. يفعل هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. * ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ والساعد، ويجعلهما على صدره، وأحيانا يقبض باليمنى على اليسرى ويجعلهما على صدره، وينظر بخشوع إلى موضع سجوده. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (510)، ومسلم برقم (507).

* ثم يستفتح صلاته بما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها:

* ثم يستفتح صلاته بما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها: 1 - أن يقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)). متفق عليه (¬1). 2 - أو يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - أو يقول: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)). أخرجه مسلم (¬3). 4 - أو يقول: ((الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)). أخرجه مسلم (¬4). 5 - أو يقول: ((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)). أخرجه مسلم (¬5). يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياءً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. * ثم يقول سراً: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). أو يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه ونفثه)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬6). * ثم يقول سراً: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) متفق عليه (¬7). * ثم يقرأ الفاتحة ويقف على رأس كل آية، ولا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وتجب قراءة الفاتحة سراً في كل ركعة إلا فيما يجهر فيه الإمام من الصلوات والركعات فينصت لقراءة الإمام. * فإذا انتهى من قراءة الفاتحة قال: (آمين) إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، يمد بها صوته، ويجهر بها الإمام والمأموم معاً في الصلوات الجهرية. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه)). قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((آمين)). متفق عليه (¬8). * ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة، أو بعض ما تيسر من القرآن في كل من الركعتين الأوليين، يطيل أحياناً، ويقصر أحياناً لعارض سفر، أو سعال، أو مرض، أو بكاء صبي، يقرأ سورة كاملة في أغلب أحواله، وتارة يقسمها في ركعتين، وتارة يعيدها كلها في الركعة الثانية، وأحيانا يجمع في الركعة الواحدة بين سورتين أو أكثر، يرتل القرآن ترتيلاً، ويحسن صوته به. * يجهر بالقراءة في صلاة الصبح، وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ويُسر بها في صلاة الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والأخريين من العشاء، ويقف على رأس كل آية. ¬

(¬1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (744)، ومسلم برقم (598). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (775)، صحيح سنن أبي داود رقم (71). وأخرجه الترمذي برقم (243)، صحيح سنن الترمذي رقم (202). (¬3) أخرجه مسلم برقم (770). (¬4) أخرجه مسلم برقم (601). (¬5) أخرجه مسلم برقم (600). (¬6) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (775)، صحيح سنن أبي داود رقم (701). وأخرجه الترمذي برقم (242)، صحيح سنن الترمذي رقم (201). انظر الإرواء رقم (341). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (743)، ومسلم برقم (399). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (780)، ومسلم برقم (410).

* ومن السنة أن يقرأ في الصلوات الخمس ما يلي:

* ومن السنة أن يقرأ في الصلوات الخمس ما يلي: 1 - صلاة الفجر: يقرأ فيها بعد الفاتحة في الركعة الأولى بطوال المفصل (ق) ونحوها، وأحياناً يقرأ بأوساط وقصار المفصل كـ (إذا الشمس كورت ... ) و (إذا زلزلت ... ) ونحوهما، وأحيانا يقرأ بأطول من ذلك، يطول في الركعة الأولى، ويقصر في الثانية، يصليها يوم الجمعة بـ (ألم تنزيل ... ) السجدة في الركعة الأولى، وفي الثانية بسورة (الإنسان). 2 - صلاة الظهر: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة سورة في كل ركعة، يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية، وأحياناً يطيل القراءة، وأحياناً يقرأ من قصار السور، ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بعد الفاتحة أقصر من الأوليين، قدر خمس عشرة آية، وأحياناً يقتصر على الفاتحة في الأخيرتين، ويسمعهم الإمام الآية أحياناً. 3 - صلاة العصر: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة سورة في كل ركعة، يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية، ففي الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية في الركعتين، وفي الأوليين من العصر قدر خمس عشرة آية في الركعتين، ويجعل الركعتين الأخيرتين من العصر على النصف من الأوليين، ويقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ويسمعهم الإمام الآية أحياناً. 4 - صلاة المغرب: يقرأ فيها أحيانا بعد الفاتحة بقصار المفصل، وأحياناً بطوال المفصل وأوساطه، وأحياناً يقرأ في الركعتين بـ (الأعراف)، وتارة بـ (الأنفال) في الركعتين. 5 - صلاة العشاء: يقرأ في الركعتين الأوليين بعد الفاتحة من وسط المفصل، والمفصل من (ق إلى آخر القرآن)، وطوال المفصل من (ق إلى عم)، وأوساط المفصل من (عم إلى الضحى)، وقصار المفصل من (الضحى إلى الناس)، والمفصل أربعة أجزاء وشيء. * ثم إذا فرغ من القراءة سكت سكتة، ثم يرفع يديه حذو منكبيه، أو حذو أذنيه، ويقول: (الله أكبر) ويركع، ويضع كفيه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما، ويفرّج بين أصابعه، ويُجافي مرفقيه عن جنبيه، ويبسط ظهره، ويجعل رأسه حيال ظهره، ويطمئن في ركوعه، ويعظم فيه ربه.

* ثم يقول في ركوعه أنواعا من الأذكار والأدعية، ومنها:

* ثم يقول في ركوعه أنواعاً من الأذكار والأدعية، ومنها: 1 - ((سبحان ربي العظيم)) ثلاثاً أو أكثر. أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1). 2 - أو يقول: ((سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً)). أخرجه أبو داود والدارقطني (¬2). 3 - أو يقول: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)) ويكثر منه في ركوعه وسجوده. متفق عليه (¬3). 4 - أو يقول: ((سبّوح قدوس رب الملائكة والروح)). أخرجه مسلم (¬4). 5 - أو يقول: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي)). أخرجه مسلم (¬5). 6 - أو يقول: ((سبحان ذي الجبروت، والملكوت، والكبرياء، والعظمة)) يقوله في ركوعه وسجوده. أخرجه أبو داود والنسائي (¬6). يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة وعملاً بها بوجوهها المشروعة. * ثم يرفع رأسه من الركوع حتى يعتدل قائماً، ويقيم صلبه حتى يعود كل فقار مكانه، ويرفع يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه كما سبق، ثم يرسلهما أو يضعهما على صدره كما سبق، ويقول إن كان إماماً أو منفرداً ((سمع الله لمن حمده)). متفق عليه (¬7). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772)، وأخرجه ابن ماجه برقم (888)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (735). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (870). وأخرجه الدارقطني (1/ 341) وصححه الألباني في صفة الصلاة صـ (133). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (794)، ومسلم برقم (484). (¬4) أخرجه مسلم برقم (487). (¬5) أخرجه مسلم برقم (771). (¬6) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (873)، صحيح سنن أبي داود رقم (776). وأخرجه النسائي برقم (1049)، صحيح سنن النسائي رقم (1004). (¬7) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (732)، ومسلم برقم (411).

* فإذا اعتدل قائما قال: إماما، أو مأموما، أو منفردا:

* فإذا اعتدل قائماً قال: إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً: 1 - ((ربنا ولك الحمد)). متفق عليه (¬1). 2 - أو يقول: ((ربنا لك الحمد)). أخرجه البخاري (¬2). 3 - أو يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)). متفق عليه (¬3). 4 - أو يقول: ((اللهم ربنا ولك الحمد)). أخرجه البخاري (¬4). يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المتنوعة. * وتارة يزيد على ذلك ((حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)). أخرجه البخاري (¬5). * وتارة يزيد ((ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ)). أخرجه مسلم (¬6). * وتارة يضيف ((ملء السماوات، وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)). أخرجه مسلم (¬7). * وتارة يضيف ((ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)). أخرجه مسلم (¬8). * والسنة إطالة هذا القيام والاطمئنان فيه. * ثم يكبر ويهوي ساجداً قائلاً (الله أكبر)، ويسجد على سبعة أعضاء: الكفان، والركبتان، والقدمان، والجبهة، والأنف، ويضع يديه على الأرض قبل ركبتيه، ثم جبهته مع أنفه، ويعتمد على كفيه، ويبسطهما، ويضم أصابعهما، ويوجههما نحو القبلة، ويجعلهما حذو منكبيه، وأحياناً حذو أذنيه. ويمكّن أنفه وجبهته من الأرض، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويرفع مرفقيه وذراعيه عن الأرض. ويمكّن ركبتيه وأطراف قدميه من الأرض، ويجعل رؤوس أصابع يديه ورجليه نحو القبلة، وينصب رجليه، ويفرج بين قدميه، وكذا بين فخذيه، ويطمئن في سجوده، ويكثر من الدعاء، ولا يقرأ القرآن في الركوع أو السجود. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (732)، ومسلم برقم (411). (¬2) أخرجه البخاري برقم (789). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (796)، ومسلم برقم (409). (¬4) أخرجه البخاري برقم (795). (¬5) أخرجه البخاري برقم (799). (¬6) أخرجه مسلم برقم (476). (¬7) أخرجه مسلم برقم (478). (¬8) أخرجه مسلم برقم (477).

* ثم يقول في سجوده ما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها:

* ثم يقول في سجوده ما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها: 1 - ((سبحان ربي الأعلى)) ثلاثاً أو أكثر. أخرجه مسلم وابن ماجه (¬1). 2 - أو يقول: ((سبحان ربي الأعلى وبحمده (ثلاثاً))). أخرجه أبو داود والدارقطني (¬2). 3 - أو يقول: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)). متفق عليه (¬3). 4 - أو يقول: ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح)). أخرجه مسلم (¬4). 5 - أو يقول: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)). أخرجه مسلم (¬5). 6 - أو يقول: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره)). أخرجه مسلم (¬6). 7 - أو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)). أخرجه مسلم (¬7). 8 - أو يقول: ((سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت)). أخرجه مسلم (¬8). يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة، ويكثر من الدعاء بما ورد، ويطيل سجوده، ويطمئن فيه. * ثم يرفع رأسه من السجود قائلاً: (الله أكبر)، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى وأصابعها إلى القبلة، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة، واليسرى كذلك، ويبسط أصابع يديه على ركبتيه. وله أحياناً أن يقعي في هذا الجلوس، فينتصب على عقبيه، وصدور قدميه، ويطمئن في هذا الجلوس حتى يستوي قاعداً ويرجع كل عظم إلى موضعه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (772)، وأخرجه ابن ماجه برقم (888)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (725) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (870). (¬2) وأخرجه الدارقطني (1/ 341)، وصححه الألباني في صفة الصلاة صـ (133). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (794)، ومسلم برقم (484). (¬4) أخرجه مسلم برقم (487). (¬5) أخرجه مسلم برقم (771). (¬6) أخرجه مسلم برقم (483). (¬7) أخرجه مسلم برقم (486). (¬8) أخرجه مسلم برقم (485).

* ثم يقول في هذه الجلسة ما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها:

* ثم يقول في هذه الجلسة ما ورد من الأدعية والأذكار، ومنها: 1 - ((اللهم (وفي لفظ: رب) اغفر لي، وارحمني (واجبرني) (وارفعني) واهدني، وعافني، وارزقني)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 2 - ((رب اغفر لي، رب اغفر لي)). أخرجه ابن ماجه (¬2). * ثم يكبر ويسجد السجدة الثانية قائلاً: (الله أكبر)، ويصنع في هذه السجدة مثل ما صنع في الأولى كما سبق، ثم يرفع رأسه قائلاً (الله أكبر)، ثم يستوي قاعداً على رجله اليسرى معتدلاً حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وهذا الجلوس يسمى جلسة الاستراحة ولا ذكر فيها ولا دعاء. * ثم ينهض معتمداً على الأرض إلى الركعة الثانية، ويصنع في هذه الركعة مثل ما يصنع في الأولى إلا أنه يجعلها أقصر من الأولى، ولا يستفتح. * ثم يجلس للتشهد الأول بعد الفراغ من الركعة الثانية من الصلاة الثلاثية أو الرباعية مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، ويفعل بيديه وأصابعه كما سبق في الجلسة بين السجدتين، لكن يقبض أصابع كفه اليمنى كلها، ويشير بأصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة، ويرفعها، ويحركها يدعو بها، أو يرفعها بلا تحريك، ويرمي ببصره إليها حتى يُسلم، وإذا أشار بأصبعه وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وتارة يحلّق بهما حلقة، أما اليد اليسرى فيبسط كفه اليسرى على ركبته اليسرى. ¬

(¬1) حسن أخرجه أبو داود برقم (850)، صحيح سنن أبي داود رقم (756). وأخرجه ابن ماجه برقم (898)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (732). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (897)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (731).

* ثم يتشهد سرا بما ورد من الصيغ، ومنها:

* ثم يتشهد سراً بما ورد من الصيغ، ومنها: 1 - تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: ((التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)). متفق عليه (¬1). 2 - أو تشهد ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)). أخرجه مسلم (¬2). يتشهد بهذا مرة، وبهذا مرة، حفظاً للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (831)، ومسلم برقم (402). (¬2) أخرجه مسلم برقم (403).

* ثم يصلي سرا على النبي صلى الله عليه وسلم بما ورد من الصيغ، ومنها:

* ثم يصلي سراً على النبي صلى الله عليه وسلم بما ورد من الصيغ، ومنها: 1 - ((اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه (¬1). 2 - أو يقول: ((اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه (¬2). يقول هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة، وحفظاً لها بوجوهها المتنوعة. * ثم إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء قرأ التشهد الأول بعد الركعتين الأوليين، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، ثم نهض إلى الركعة الثالثة مكبراً قائلاً: (الله أكبر)، يقوم معتمداً على يديه، ويرفع يديه مع هذا التكبير إلى حذو منكبيه، أو أذنيه، ويضع يديه على صدره كما سبق، ثم يقرأ الفاتحة، ثم يركع ويسجد كما سبق ثم يجلس بعد إتمام الركعة الثالثة من المغرب للتشهد الأخير. * وإن كانت الصلاة رباعية، فإذا أراد القيام إلى الركعة الرابعة قال: (الله أكبر)، ثم يستوي قاعداً لجلسة الاستراحة على رجله اليسرى معتدلاً، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يقوم معتمداً على الأرض بيديه حتى يستوي قائماً. ويقرأ في كل من الركعتين الأخيرتين من الرباعية (الفاتحة) لكن يضيف إليهما مع الفاتحة بضع آيات في صلاة الظهر خاصة، وأحياناً يقتصر عليها. * ثم يجلس للتشهد الأخير بعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وبعد الثالثة من المغرب متوركاً بإحدى الصفات الآتية: 1 - أن ينصب الرجل اليمنى، ويفرش الرجل اليسرى، ويخرجها من تحت فخذه اليمنى وساقه، ويقعد على مقعدته على الأرض. أخرجه البخاري (¬3). 2 - أن يفضي بوركه اليسرى إلى الأرض، ويخرج قدميه من ناحية واحدة، ويجعل اليسرى تحت فخذه وساقه. أخرجه مسلم وأبو داود (¬4). يفعل هذا مرة، وهذا مرة، اتباعاً للسنة، وإحياء لها بوجوهها المتنوعة. * ثم يقرأ التشهد فيقول: (التحيات .. ) كما سبق، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في التشهد الأول. * ثم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)). أخرجه مسلم (¬5). أو يقول: ((اللهم إني أعود بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)). أخرجه البخاري (¬6). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370)، واللفظ له، ومسلم برقم (406). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6360)، ومسلم برقم (407)، واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري برقم (828). (¬4) أخرجه مسلم برقم (579)، وأخرجه أبو داود برقم (731)، صحيح سنن أبي داود رقم (671). (¬5) أخرجه مسلم برقم (588). (¬6) أخرجه البخاري برقم (2822).

* ثم يتخير مما ورد من الأدعية في الصلاة أعجبه إليه فيدعو به:

* ثم يتخير مما ورد من الأدعية في الصلاة أعجبه إليه فيدعو به: تارة بهذا، وتارة بهذا، ومن ذلك: 1 - ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))، متفق عليه (¬1). 2 - ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)). أخرجه مسلم (¬2). 3 - ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)). أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود (¬3). * ثم يسلم جهراً عن يمينه قائلاً: ((السلام عليكم ورحمه الله)) حتى يُرى بياض خده الأيمن، وعن يساره ((السلام عليكم ورحمة الله)) حتى يرى بياض خده الأيسر. أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه (¬4). * وأحياناً يزيد في التسليمة الأولى (وبركاته)، فيقول عن يمينه ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته))، وعن شماله ((السلام عليكم ورحمة الله)). أخرجه أبو داود (¬5). * وأحيانا إذا قال عن يمينه ((السلام عليكم ورحمة الله))، اقتصر على قوله عن يساره ((السلام عليكم))، أخرجه النسائي (¬6). * وإن كانت الصلاة ثنائية فرضاً كانت أو نفلاً جلس للتشهد بعد السجدة الثانية من الركعة الأخيرة: ((جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى)). أخرجه البخاري (¬7). * ثم يفعل كما سبق (يقرأ التشهد، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتعوذ، ثم يدعو، ثم يسلم). عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود، قريباً من السواء. متفق عليه (¬8). * وتفعل المرأة في الصلاة كما يفعل الرجل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). أخرجه البخاري (¬9). * ينصرف الإمام إلى المأمومين عن يمينه، وتارة عن شماله، وكل ذلك سنة. 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)). أخرجه مسلم (¬10). 2 - عن هلب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه جميعاً: على يمينه وعلى شماله. أخرجه أبو داود والترمذي (¬11). يفعل هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة، وعملاً بها بوجوهها المشروعة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834)، ومسلم برقم (2705). (¬2) أخرجه مسلم برقم (771). (¬3) صحيح/ أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (771)، صحيح الأدب المفرد رقم (533). وأخرجه أبو داود برقم (1522)، صحيح سنن أبي داود رقم (1347). (¬4) أخرجه مسلم برقم (582). وأخرجه أبو داود برقم (996)، صحيح سنن أبي داود رقم (878). وأخرجه ابن ماجه برقم (914)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (746). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (997)، صحيح سنن أبي داود رقم (879). (¬6) حسن صحيح/ أخرجه النسائي برقم (1321)، صحيح سنن النسائي رقم (1253). (¬7) أخرجه البخاري برقم (828). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (792)، واللفظ له، ومسلم برقم (471). (¬9) أخرجه البخاري برقم (631). (¬10) أخرجه مسلم برقم (592). (¬11) حسن صحيح / أخرجه أبو داود برقم (1041)، صحيح سنن أبي داود رقم (919). وأخرجه الترمذي برقم (301)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (246).

6 - أذكار أدبار الصلوات الخمس

6 - أذكار أدبار الصلوات الخمس إذا فرغ المصلي من صلاة الفريضة وسلَّم، يسن أن يقول ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد الصلاة، يجهر بها كل مصلٍ بمفرده، وهي: * ((أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)). أخرجه مسلم (¬1). * ثم يقول: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام)). أخرجه مسلم (¬2). * ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)). متفق عليه (¬3). * ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)). أخرجه مسلم (¬4). * ثم يقول ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سبح الله في دبر كل صلاة (33)، وحمد الله (33)، وكبَّر الله (33)، فتلك (99)، وقال تمام المائة لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)). أخرجه مسلم (¬5). * أو يقول: ((سبحان الله (25) مرة، والحمد لله (25) مرة، والله أكبر (25) مرة، ولا إله إلا الله (25) مرة)). أخرجه الترمذي والنسائي (¬6). * أو يقول ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((معقبات لا يخيب قائلهن (أو فاعلهن) دُبُر كل صلاة مكتوبة، ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة)). أخرجه مسلم (¬7). * أو يقول ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ... الصلوات الخمس يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون ومائة في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان .. )). أخرجه الترمذي والنسائي (¬8). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (591). (¬2) أخرجه مسلم برقم (592). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (844)، ومسلم برقم (593). (¬4) أخرجه مسلم برقم (594). (¬5) أخرجه مسلم برقم (597). (¬6) حسن صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3413)، وقال: حديث صحيح. وأخرجه النسائي برقم (1351)، صحيح سنن النسائي رقم (1280). (¬7) أخرجه مسلم برقم (596). (¬8) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (481)، صحيح سنن الترمذي رقم (399). وأخرجه النسائي برقم (1348)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (1277).

* السنة أن يعقد التسبيح بأصابع يديه:

* السنة أن يعقد التسبيح بأصابع يديه: عن يسيرة رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). * قراءة المعوذتين دبر كل صلاة: (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). * قراءة آية الكرسي دُبُر كل صلاة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)). أخرجه النسائي في الكبرى والطبراني (¬3). * آية الكرسي: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة/255). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1501)، صحيح سنن أبي داود رقم (1329). وأخرجه الترمذي برقم (3583)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (2835). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1523)، صحيح سنن أبي داود رقم (1348). وأخرجه الترمذي برقم (2903)، صحيح سنن الترمذي رقم (2324). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي في السنن الكبرى برقم (9928)، انظر السلسلة الصحيحة برقم (972). وأخرجه الطبراني في الكبير (8/ 114)، انظر صحيح الجامع رقم (6464).

* ما يقوله إذا صلى الصبح:

* ما يقوله إذا صلى الصبح: * عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلِّم: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً)). أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (27056). وأخرجه ابن ماجه برقم (925)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (753).

* فضل القعود للذكر بعد الصبح والعصر:

* فضل القعود للذكر بعد الصبح والعصر: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أُعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أُعتق أربعة)). أخرجه أبوداود (¬1). 2 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً. أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) حسن / أخرجه أبو داود برقم (3667)، صحيح سنن أبي داود رقم (3114). انظر السلسلة الصحيحة رقم (2916). (¬2) أخرجه مسلم برقم (670).

7 - أحكام الصلاة

7 - أحكام الصلاة * تجب قراءة الفاتحة على المصلي سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، فرضاً أو نفلاً، وتجب قراءتها في كل ركعة، ولا يستثنى من ذلك إلا المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً ولم يتمكن من قراءة الفاتحة، والمأموم فيما يجهر فيه الإمام من الصلوات والركعات. * من لا يعرف الفاتحة يقرأ في صلاته ما تيسر من القرآن، فإن كان لا يعرف شيئاً من القرآن، قال: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). * إذا فات المصلي أول الصلاة فما أدركه مع الإمام هو أول صلاته، وبعد السلام يُتم ما فاته. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (832)، صحيح سنن أبي داود رقم (742). وأخرجه النسائي برقم (924)، صحيح سنن النسائي رقم (885).

* كيف ينصرف من أحدث في الصلاة:

* كيف ينصرف من أحدث في الصلاة: إذا أحدث أثناء الصلاة، أو تذكر أنه على حدث انصرف بقلبه وبدنه ولا حاجة أن يسلِّم عن يمينه وعن شماله. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا صلى أحدكم فأحدث، فليمسك على أنفه، ثم لينصرف)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * السنة أن يقرأ المصلي سورة كاملة في كل ركعة وأن يقرأ السور على ترتيب المصحف، ويجوز له أن يقسم السورة على الركعتين، وأن يقرأ عدة سور في ركعة واحدة، وأن يكرِّر السورة الواحدة في ركعتين، وأن يقدِّم سورة على سورة، لكن لا يكثر من ذلك، بل يفعله أحياناً. * يجوز أن يقرأ المصلي في الفرض والنفل أوائل السور وأواخرها وأواسطها. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1114)، صحيح سنن أبي داود رقم (985). وأخرجه ابن ماجه برقم (1222)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1007).

* المصلي له سكتتان:

* المصلي له سكتتان: إحداهما: بعد تكبيرة الإحرام من أجل دعاء الاستفتاح. الثانية: عقب الفراغ من القراءة كلها قبل الركوع بقدر ما يتراد إليه نفسه. * أدعية الاستفتاح ثلاثة أنواع: أعلاها ما كان ثناء على الله كـ ((سبحانك اللهم ... ))، ويليه ما كان خبراً من العبد عن عبادة الله كـ ((وجهت وجهي ... ))، ثم ما كان دعاء من العبد كـ ((اللهم باعد ... )). * يحرم تأخير الصلاة المفروضة عن وقتها إلا لناوي الجمع، أو في شدة خوف، أو مرض ونحو ذلك، ويحرم على المصلي أثناء الصلاة أن يرفع بصره إلى السماء.

* ما يكره في الصلاة:

* ما يكره في الصلاة: يكره في الصلاة التفات المصلي إلا لحاجة كخوف ونحوه، ويكره تغميض عينيه، وتغطية وجهه، وإقعاؤه كإقعاء الكلب، وعبثه، وتخصره وهو أن يضع يده على خاصرته، والنظر إلى ما يلهي، وافتراش ذراعيه في السجود، وأن يكون حاقناً، أو حاقباً، أو محتبس الريح، أو يصلي وهو بحضرة طعام يشتهيه وهو قادر على تناوله، والسدل، واللثام على فمه وأنفه، وكف الشعر أو الثوب، والتثاؤب في الصلاة، والبصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها، ولا يجوز أن يتفل تجاه القبلة في الصلاة وخارجها. * الأفضل للحاقب والحاقن ومحتبس الريح أن يحدث ثم يتوضأ ويصلي، فإن عدم الماء أحدث وتيمم وصلى، وذلك أخشع له. * الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، والالتفات نوعان: حسي بالبدن، ومعنوي بالقلب، ولمعالجة المعنوي: يَتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولمعالجة الحسي: يتوجه مباشرة بكليته إلى القبلة.

* حكم اتخاذ السترة في الصلاة:

* حكم اتخاذ السترة في الصلاة: يُسن للإمام والمنفرد أن يصلي إلى سترة قائمة كجدار، أو عامود، أو صخرة، أو عصى، أو حربة ونحوها، رجلاً كان أو امرأة، في الحضر والسفر، وفي الفريضة والنافلة، أما المأموم: فسترة الإمام سترة لمن خلفه، أو الإمام سترة للمأموم. * يحرم المرور بين المصلي وسترته، وعلى المصلي رد المار في مكة أو غيرها، فإن غلبه فالإثم على المار وصلاته لا تنقص إن شاء الله. * صلاة الإمام والمنفرد تبطل بمرور المرأة، والحمار، والكلب الأسود إن لم تكن سترة، فإن مرَّ أحد هؤلاء أمام المأموم فلا تبطل صلاة المأموم ولا الإمام، ومن صلى إلى سترة فليدن منها؛ لئلا يمر الشيطان بينه وبينها.

* مواضع رفع اليدين في الصلاة:

* مواضع رفع اليدين في الصلاة: 1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة فرفع يديه حين يكبِّر حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال: ((سمع الله لمن حمده)) فعل مثله، وقال: ((ربنا ولك الحمد)). متفق عليه (¬1). 2 - عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل في الصلاة كبَّر، ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (738)، واللفظ له، ومسلم برقم (390). (¬2) أخرجه البخاري برقم (739).

* ما يباح للمصلي أثناء الصلاة:

* ما يباح للمصلي أثناء الصلاة: يباح للمصلي أثناء الصلاة إذا احتاج لف العمامة، أو الغترة، والالتحاف بالثوب، وكف المشلح، أو الغترة، والتقدم والتأخر، والصعود على المنبر والنزول، والبصق عن يساره لا عن يمينه ولا أمام وجهه في غير مسجد، وفي المسجد في ثوبه، ويباح له قتل حية وعقرب ونحوها، وحمل صغير ونحوه. * يباح في الصلاة السجود على ثياب المصلي أو عمامته أو غترته لعذر كشدة حر ونحوه. * إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح، وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق. * يستحب في الصلاة حمد الله عند العطاس، وإذا تجددت له نعمة وهو في الصلاة رفع يديه وحمد الله. * المنفرد إن جهر بالقراءة جهر بـ (آمين)، وإن أسر بالقراءة أسر بـ (آمين). * المنفرد رجلاً كان أو امرأةً مخيّر: إما أن لا يجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، وإما أن يجهر بها ما لم يؤذ أحداً كنائم ومريض ونحوهما أو تكون المرأة بحضرة أجانب.

8 - أركان الصلاة

8 - أركان الصلاة * أركان الصلاة التي لا تصح صلاة الفريضة إلا بها أربعة عشر ركناً، وهي: 1 - القيام مع القدرة. 2 - تكبيرة الإحرام. 3 - قراءة الفاتحة في كل ركعة. إلا فيما يجهر فيه الإمام. 4 - الركوع. 5 - الاعتدال منه. 6 - السجود على الأعضاء السبعة. 7 - الجلوس بين السجدتين. 8 - السجود الثاني. 9 - الجلوس للتشهد الأخير. 10 - التشهد الأخير. 11 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله. 12 - الطمأنينة في الكل. 13 - الترتيب بين الأركان. 14 - التسليم. * إذا ترك المصلي ركناً من هذه الأركان عمداً بطلت صلاته، وإن ترك تكبيرة الإحرام جهلاً أو سهواً لم تنعقد صلاته أصلاً. * ما تركه المصلي من هذه الأركان ناسياً أو جاهلاً فإنه يعود إليه ويأتي به وبما بعده ما لم يصل إلى مكانه من الركعة الثانية، فحينئذ تقوم الركعة الثانية مقام التي تركه منها، وتبطل الركعة السابقة، كمن نسي الركوع، ثم سجد، فيجب عليه أن يعود متى ذكر إلا إذا وصل إلى الركوع من الثانية، فتقوم الركعة الثانية مكان التي ترك، ويلزمه سجود السهو بعد السلام. * قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد ركن في كل ركعة، وتبطل الركعة بتركها، أما المأموم فيقرؤها سراً في كل ركعة إلا فيما يجهر فيه الإمام من الصلوات والركعات فينصت لقراءة الإمام إذا قرأ.

9 - واجبات الصلاة

9 - واجبات الصلاة 1 - جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام. 2 - تعظيم الرب حال الركوع. 3 - قول (سمع الله لمن حمده) للإمام والمنفرد. 4 - قول (ربنا ولك الحمد) للإمام والمأموم والمنفرد. 5 - الدعاء حال السجود. 6 - الدعاء بين السجدتين. 7 - الجلوس للتشهد الأول. 8 - قراءة التشهد الأول. * إذا ترك المصلي واجباً من هذه الواجبات عمداً بطلت صلاته، وإن تركه ناسياً بعد مفارقة محله وقبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به، ثم يكمل صلاته، ثم يسجد للسهو، ثم يسلم. وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط ولا يرجع إليه، ويسجد للسهو، ثم يسلم. * كل ما عدا الأركان والواجبات مما ذكر في صفة الصلاة آنفاً فهو سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وهي: سنن أقوال وأفعال. فسنن الأقوال: كدعاء الاستفتاح، والتعوذ، والبسملة، وقول آمين، وقراءة سورة بعد الفاتحة، ونحوها. ومن سنن الأفعال: رفع اليدين عند التكبير في المواضع السابقة، وضع اليمين على الشمال حال القيام، والافتراش، والتورك، ونحوها.

* مبطلات الصلاة:

* مبطلات الصلاة: تبطل الصلاة بما يلي: 1 - إذا ترك ركناً أو شرطاً عمداً أو سهواً، أو ترك واجباً عمداً. 2 - الحركة الكثيرة لغير ضرورة. 3 - كشف العورة عمداً. 4 - الكلام والضحك والأكل والشرب عمداً. * الدعاء بعد النافلة غير مشروع ولا أصل له، ومن أراد أن يدعو الله فليدع قبل السلام في فريضة أو نافلة، وإن دعا بعد الصلاة أحياناً لعارض فلا بأس. * كل ما ورد مقيداً (بدبر الصلاة): إن كان دعاءً فهو قبل السلام، وإن كان ذِكراً فهو بعد السلام.

* حكم الاستغفار بعد الفريضة:

* حكم الاستغفار بعد الفريضة: الاستغفار بعد كل صلاة مفروضة مشروع؛ لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن كثيراً من المصلين يُقصِّر ويُفرِّط في الصلاة، إما بالمشروعات الظاهرة كالقراءة، والركوع، والسجود ونحوها، وإما بالمشروعات الباطنة كالخشوع، وحضور القلب ونحوها. * يجوز الذكر بالقلب واللسان للمحدث، والجنب، والحائض والنفساء، وذلك كالتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، والدعاء، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. * الإسرار بالذكر والدعاء هو الأفضل مطلقاً إلا فيما ورد كأدبار الصلوات الخمس، والتلبية، أو لمصلحة كأن يسمع جاهلاً ونحو ذلك، فالأفضل الجهر. * إذا قام الإمام من الركعتين ولم يجلس للتشهد، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام. * من خرج يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فله مثل أجر من صلاها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (564)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (528). وأخرجه النسائي برقم (855)، صحيح سنن النسائي رقم (824).

* يسن التأمين في موضعين:

* يسن التأمين في موضعين: 1 - داخل الصلاة بعد قراءة الفاتحة من إمام، أو مأموم، أو منفرد، يجهر به الإمام والمأموم، ويؤمن المأموم مع الإمام، لا قبله، ولا بعده، ويشرع أيضاً في دعاء القنوت في وتر، أو نازلة ونحوهما. 2 - خارج الصلاة بعد قراءة الفاتحة من قارئ، ومستمع، وعلى الدعاء مطلقاً أو مقيداً كدعاء الخطيب في الجمعة، أو الاستسقاء، أو الكسوف ونحو ذلك.

10 - سجود السهو

10 - سجود السهو * سجود السهو: سجدتان في الفريضة أو النافلة، يؤتى بهما من جلوس، يسلم بعدهما ولا يتشهد.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: خلق الله الإنسان عرضة للنسيان، والشيطان حريص على إفساد صلاته بزيادة، أو نقص، أو شك، وقد شرع الله سجود السهو إرغاماً للشيطان، وجبراً للنقصان، وإرضاء للرحمن. * السهو في الصلاة وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مقتضى الطبيعة البشرية، ولهذا لما سها في صلاته قال: (( ... إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)). متفق عليه (¬1). * أسباب سجود السهو ثلاثة: الزيادة، النقص، الشك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (401)، واللفظ له، ومسلم برقم (572).

* سجود السهو له أربع حالات:

* سجود السهو له أربع حالات: 1 - إذا زاد المصلي فعلاً من جنس الصلاة سهواً كقيام، أو ركوع، أو سجود، كأن يركع مرتين، أو يقوم في محل القعود، أو يصلي الرباعية خمس ركعات مثلاً فيجب عليه سجود السهو للزيادة بعد السلام سواء ذكر ذلك قبل السلام أو بعده. 2 - إذا نقص المصلي ركناً من أركان الصلاة، فإن ذكره قبل أن يصل إلى محله من الركعة التي بعده وجب عليه الرجوع فيأتي به وبما بعده، وإن ذكره بعد أن وصل إلى محله فإنه لا يرجع وتبطل الركعة هذه، وإن ذكره بعد السلام أتى به وبما بعده فقط، ويسجد للسهو بعد السلام، وإن سلَّم عن نقص كمن صلى ثلاثاً من الرباعية ثم سلَّم ثم نُبِّه قام بدون تكبيرة بنية الصلاة، ثم أتى بالرابعة، ثم تشهد وسلِّم، ثم سجد للسهو. 3 - إذا نقص المصلي واجباً من واجبات الصلاة، مثل أن ينسى التشهد الأول، فحينئذ يسقط عنه التشهد، ويجب عليه سجود السهو قبل السلام. 4 - إذا شك المصلي في عدد الركعات هل صلى ثلاثاً، أم أربعاً، فيأخذ بالأقل ويتم ويسجد للسهو قبل السلام، فإن غلب على ظنه أحد الاحتمالين عمل به، وسجد بعد السلام. * إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة قرآن في ركوع، أو سجود، أو تشهد في قيام لم تبطل صلاته ولا يجب عليه سجود السهو بل يستحب. * إذا تخلف المأموم عن الإمام بركن أو أكثر لعذر فإنه يأتي به ويلحق إمامه. * يقال في سجود السهو ما يقال في سجود الصلاة من الذكر والدعاء. * إن سلم سهواً قبل تمام الصلاة وذكر قريباً أتمها وسلم، ثم سجد للسهو، وإن نسي سجود السهو ثم سلَّم وفعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره سجد للسهو ثم سلَّم. * إن لزمه سجودان قبل السلام وبعد السلام سجد قبل السلام. * المأموم يسجد تبعاً لإمامه، فإن كان المأموم مسبوقاً وسجد الإمام بعد السلام، فإن كان السهو فيما أدرك معه لزمه أن يسجد بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فلا يلزمه سجود السهو.

11 - صلاة الجماعة

11 - صلاة الجماعة * صلاة الجماعة مظهر عظيم من مظاهر الإسلام، يُشبه صفوف الملائكة في عبادتها، ومواكب الجيوش في قيادتها، وهي سبب للتواد بين الناس، وتعارفهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، وظهور عزتهم، وقوتهم، ووحدتهم. * شرع الله للمسلمين الاجتماع في أوقات معلومات، منها ما يكون في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما يكون في الأسبوع مرة كالجمعة، ومنها ما يكون في السنة مرتين كالعيدين في كل بلد، ومنها ما يكون في السنة مرة لعموم المسلمين كموقف عرفة، ومنها ما يكون عند تغير الأحوال كصلاة الاستسقاء والكسوف.

* حكمها:

* حكمها: تجب صلاة الجماعة على كل مسلم، مكلف، قادر من الرجال، للصلوات الخمس، حضراً وسفراً، في حال الأمن، وحال الخوف.

* فضل صلاة الجماعة في المسجد:

* فضل صلاة الجماعة في المسجد: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة)). وفي رواية: ((بخمس وعشرين درجة)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة)). أخرجه مسلم (¬2). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح)). متفق عليه (¬3). * الأفضل للمسلم أن يصلي الفرائض في مسجد الحي الذي هو فيه، ثم يليه الأكثر جماعة، ثم يليه الأبعد، إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى فإن الصلاة فيها أفضل مطلقاً. * تجوز صلاة الجماعة في مسجد قد صلى فيه الإمام بجماعته ذلك الوقت. * تُستحب صلاة أهل الثغر في مسجد واحد، فإن كانوا يخشون من العدو إذا اجتمعوا صلى كل إنسان في مكانه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (645) (646)، واللفظ له، ومسلم برقم (649) (650). (¬2) أخرجه مسلم برقم (666). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (662)، ومسلم برقم (669)، واللفظ له.

* حكم خروج النساء إلى المساجد:

* حكم خروج النساء إلى المساجد: يباح للنساء حضور صلاة الجماعة في المساجد منفردات عن الرجال مع الستر التام، وتسن لهن الجماعة منفردات عن الرجال سواء كانت إمامتهن منهن أو من الرجال. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن)). متفق عليه (¬1). * من دخل المسجد والناس ركوع فالسنة أن يركع حين يدخل ثم يَدُبَّ راكعاً حتى يدخل في الصف. * أقل الجماعة اثنان، وكلما كثرت الجماعة كان أزكى لصلاته، وأحبَّ إلى الله عز وجل. * من صلى الفريضة في رحله ثم دخل مسجد قوم وهم يصلون فالسنة أن يصلي معهم وتكون له نافلة، ومن صلاها مع الإمام في المسجد جماعة ثم دخل مسجداً آخر فوجدهم يصلون فكذلك. * إذا أُقيمت صلاة الفريضة فلا صلاة إلا المكتوبة، وإن أقيمت الصلاة وهو في نافلة أتمها خفيفة ودخل في الجماعة ليدرك تكبيرة الإحرام. * من تخلف عن صلاة الجماعة في المسجد، فإن كان معذوراً لمرض، أو خوف أو نحوهما فهذا يُكتب له أجر من صلى في جماعة، وإن تخلف لغير عذر وصلى وحده فصلاته صحيحة، لكنه يخسر أجراً عظيماً، ويأثم إثماً كبيراً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (865)، واللفظ له، ومسلم برقم (442).

* فضل الجماعة والتكبيرة الأولى:

* فضل الجماعة والتكبيرة الأولى: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)). أخرجه الترمذي (¬1). ¬

(¬1) حسن بطرقه/ أخرجه الترمذي برقم (241)، صحيح سنن الترمذي رقم (200). انظر السلسلة الصحيحة رقم (2652).

12 - أحكام الإمامة

12 - أحكام الإمامة * الإمامة فضلها عظيم، ولأهميتها تولاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، وخلفاؤه الراشدون من بعده رضي الله عنهم. والإمام عليه مسؤولية كبرى، وهو ضامن، وله أجر كبير إن أحسن، وله من الأجر مثل أجر من صلى معه.

* حكم متابعة الإمام:

* حكم متابعة الإمام: يجب على المأموم متابعة الإمام في صلاته كلها لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (722)، ومسلم برقم (417)، واللفظ له.

* الأحق بالإمامة:

* الأحق بالإمامة: الأقرأ وهو الأكثر حفظاً للقرآن العالم فقه صلاته، ثم الأعلم بالسنة، ثم أقدمهم هجرة، ثم أقدمهم إسلاماً، ثم الأكبر سناً، ثم قرعة، وهذا فيما إذا حضرت الصلاة وأرادوا أن يقدموا أحدهم، فإن كان للمسجد إمام وحضر فهو الأولى. عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلماً)). أخرجه مسلم (¬1). * ساكن البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة إلا من ذي سلطان. * يجب تقديم الأولى في الإمامة، وإن لم يوجد إلا فاسق كمن يحلق لحيته أو يشرب الدخان ونحوهما صحَّت الصلاة خلفه، والفاسق: من خرج عن طاعة الله تعالى بفعل كبيرة دون الكفر أو بالإصرار على صغيرة، ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة بحدث أو غيره إلا لمن لم يعلم، فتصح صلاة المأموم، وعلى الإمام الإعادة. * تحرم مسابقة الإمام في الصلاة، ومن سابقه عالماً ذاكراً بطلت صلاته، أما التخلف عنه، فإن تخلف عن الإمام لعذر كما لو سها أو غفل أو لم يسمع الإمام حتى سبقه فإنه يأتي بما تخلف به مباشرة ويتابع الإمام ولا حرج عليه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (673).

* للمأموم مع الإمام أربع حالات:

* للمأموم مع الإمام أربع حالات: 1 - المسابقة: وهي أن يسبق المأمومُ الإمامَ في التكبير، أو الركوع، أو السجود، أو السلام، أو غيرها، وهذا الفعل لا يجوز، ومن فعله فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل بطلت صلاته. 2 - الموافقة: وهي أن تتوافق حركة الإمام والمأموم في الانتقال من ركن إلى ركن كالتكبير، أو الركوع ونحوهما، وهذا خطأ ينقص الصلاة. 3 - المتابعة: وهي أن تحصل أفعال المأموم عقب أفعال الإمام، وهي الأمر المطلوب من المأموم، وبها يحصل الاقتداء الشرعي. 4 - المخالفة: وهي أن يتأخر المأموم عن إمامه حتى يدخل في ركن آخر، وهي لا تجوز؛ لما فيها من ترك الاقتداء. * من دخل المسجد وقد فاتته الصلاة مع الإمام الراتب فالواجب عليه وعلى من تخلف معه أن يصلوا جماعة، ولكن فضلها ليس كفضل الجماعة الأولى. * من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجماعة، ومن أدرك الركوع مع الإمام أدرك الركعة، فيكبر تكبيرة الإحرام قائماً ثم يكبر تكبيرة الركوع إن أمكنه، وإن لم يمكنه نواهما بتكبيرة واحدة. * من دخل فوجد الإمام قائماً، أو راكعاً، أو ساجداً، أو جالساً دخل معه، وله أجر ما أدرك، لكن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع، وتدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام ما لم يشرع في قراءة الفاتحة. * يسن للإمام التخفيف مع الإتمام، لأنه قد يكون في المأمومين الضعيف، والسقيم، والكبير، وذو الحاجة ونحوهم، وإذا صلى منفرداً أطال كيف شاء. * التخفيف المسنون في الصلاة هو الذي يصحبه إتمام الصلاة بأداء أركانها وواجباتها وسننها كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، وأمر به، لا إلى شهوة المأمومين، ولا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. * السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام، وإن كان واحداً فعن يمين الإمام، وإمامة النساء تقف وسط صفهن. * يصح أن يقف المأمومون عن يمين الإمام، أو عن جانبيه، ولا يصح قدامه ولا عن يساره فقط إلا لضرورة.

* صفة صف الرجال والنساء خلف الإمام:

* صفة صف الرجال والنساء خلف الإمام: يلي الإمام الرجال في الصف الأول الكبار والصغار، وتصف النساء جميعاً خلف الرجال، ويشرع في صفوف النساء ما يشرع في صفوف الرجال من إكمال الصف الأول فالأول، وسد الفرج، وتسوية الصفوف ... الخ. * إذا صلَّت النساء جماعة وحدهن فخير صفوفهن أولها وشرها آخرها كالرجال، ولا يجوز أن تصف النساء أمام الرجال أو يصف الرجال خلف النساء إلا لضرورة من زحام ونحوه، وإن وقفت المرأة في صف الرجال للضرورة من زحام ونحوه وصلّت لم تبطل صلاتها ولا صلاة من خلفها. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (440).

* كيفية تسوية الصفوف:

* كيفية تسوية الصفوف: 1 - السنة أن يقبل الأمام على المأمومين بوجهه، ويقول: ((أقيموا صفوفكم، وتراصُّوا)). أخرجه البخاري (¬1). 2 - أو يقول: ((سَوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)). متفق عليه (¬2). 3 - أو يقول: ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولِينُوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 4 - أو يقول: ((استووا، استووا، استووا)). أخرجه النسائي (¬4). * يجب تسوية الصفوف في الصلاة بالمناكب، والأكعب، وسد الخلل، وإتمام الصف الأول فالأول، و ((من سَدَّ فرجة بنى الله له بيتاً في الجنة، ورفعه بها درجة)). أخرجه المحاملي والطبراني في الأوسط (¬5). * يصح أذان الصبي المميز وإمامته في الفرض والنفل، وإن وُجد أولى منه وجب تقديمه. * كل من صحَّت صلاته صحَّت إمامته ولو كان عاجزاً عن القيام أو الركوع ونحوها، إلا المرأة فلا تؤمُّ الرجال لكن تؤمُّ مثلها من النساء. * يصح ائتمام مفترض بمتنفل، ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي العشاء أو المغرب بمن يصلي التراويح، فإذا سلَّم الإمام أكمل الصلاة. * يجوز اختلاف النية بين الإمام والمأموم في الصلاة، ولا يجوز الاختلاف في الأفعال، فيجوز أن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، فإذا سلَّم الإمام قام وجاء بركعة، ثم تشهَّد وسلَّم، وإذا صلى المغربَ خلف من يصلي العشاء، فهنا إذا قام الإمام إلى الرابعة، فإن شاء تشهد وسلم، أو جلس وانتظر ليسلم معه. * إذا أم الإمام صبيين أو أكثر وقد بلغا سبعاً جعلهما خلفه، فإن كان واحداً جعله عن يمينه. * المأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام في الجهرية يقرأ الفاتحة وغيرها ولا يسكت. * إذا أحدث الإمام أثناء الصلاة قطع صلاته واستخلف من يكمل بالمأمومين صلاتهم، فإن تقدم أحد المأمومين، أو قدموه فأكمل الصلاة بهم، أو أكملوا صلاتهم فرادى فصلاتهم صحيحة إن شاء الله. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (719). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (723)، واللفظ له، ومسلم برقم (433). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود رقم (666)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (620). وأخرجه النسائي برقم (819)، صحيح سنن النسائي رقم (789). (¬4) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (813)، صحيح سنن النسائي رقم (783). (¬5) صحيح/ أخرجه المحاملي في الأمالي (ق36/ 2). وأخرجه الطبراني في الأوسط برقم (5797)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1892).

* صفة قضاء المأموم ما فاته من الركعات:

* صفة قضاء المأموم ما فاته من الركعات: 1 - من أدرك مع الإمام ركعة من الظهر، أو العصر، أو العشاء وجب عليه بعد سلام الإمام قضاء الثلاث ركعات، فيأتي بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة ثم يجلس للتشهد الأول، ثم يأتي بركعتين يقرأ فيهما الفاتحة فقط، إلا الظهر فيقرأ مع الفاتحة سورة، وأحيانا يقتصر عليها، ثم يجلس للتشهد الأخير، ثم يسلم، وكل ما أدركه المسبوق مع الإمام فهو أول صلاته. 2 - من أدرك مع الإمام ركعة من المغرب قام بعد سلام الإمام وجاء بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة، ثم يجلس للتشهد الأول، ثم يقوم ويأتي بركعة يقرأ فيها الفاتحة، ثم يجلس للتشهد الأخير ويسلم كما سبق. 3 - من أدرك مع الإمام ركعة من الفجر أو الجمعة قام بعد سلام الإمام وجاء بركعة يقرأ فيها الفاتحة وسورة ثم يجلس للتشهد ويسلم كما سبق. 4 - إذا دخل أحد والإمام في التشهد الأخير، فالسنة أن يدخل معه، ويتم صلاته إذا سلم الإمام. * لا تصح صلاة الرجل الواحد خلف الصف إلا لعذر كمن لم يجد مكاناً في الصف، فيصلي خلف الصف، ولا يجذب أحداً ممن في الصف، وصلاة المرأة الواحدة خلف الصف صحيحة إذا كانت مع جماعة رجال، أما إذا كانت مع جماعة نساء فقط فحكمها حكم الرجل فيما سبق. * يجوز أن تصلَّى النوافل جماعة أحياناً في الليل أو النهار، في البيت أو غيره. * يُسن لمن رأى من يصلي الفريضة وحده أن يصلي معه. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: ((ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). * يستحب للمأموم أن لا يقوم قبل انصراف إمامه إلى المأمومين. * يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره أو لم ير من وراءه إذا سمع التكبير، وكذا خارج المسجد إن سمع التكبير واتصلت الصفوف. * السنة أن ينصرف الإمام إلى المأمومين بعد السلام، فإن صلى معه نساء لبث قليلاً لينصرفن، ويكره تطوعه بعد صلاة المكتوبة في موضعها فوراً. * يجوز إذا ضاق المكان أن يصلي الإمام ومعه، ووراءه، وفوقه، وأسفل منه مصلُّون. * المصافحة عقيب الصلاة المفروضة بدعة، وجهر الإمام والمأمومين بالدعاء جميعاً عقب صلاة الفريضة بدعة، وإنما المشروع ما ورد من الأذكار في الهيئة والعدد كما سبق. * يجوز للمأموم أن ينفرد عن الإمام إذا أطال الإمام إطالة خارجة عن السنة، أو أسرع الإمام في صلاته، أو طرأ على المأموم عذر، من احتباس بول، أو ريح، أو نحوهما، فيقطع صلاته، ويستأنف صلاته وحده. * يجهر الإمام في أداء التكبير، والتسميع، والتسليم، والتأمين في الصلاة، ويجتنب التمطيط في ذلك. * من يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو يذبح لغير الله عند القبور أو غيرها، أو يدعو أهل القبور، فلا تجوز الصلاة خلفه، لأنه كافر، وصلاته باطلة. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (574)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (537). وأخرجه الترمذي برقم (220)، صحيح سنن الترمذي رقم (182).

* أعذار ترك الجمعة والجماعة:

* أعذار ترك الجمعة والجماعة: يعذر بترك جمعة وجماعة: * مريض يشق عليه أن يصلي مع الجماعة، ومدافع أحد الأخبثين، ومن خشي فوات رفقة، ومن خاف ضرر نفسه أو ماله، أو رفيقه، أو تأذى بمطر، أو وحل، أو ريح شديدة، ومن بحضرة طعام محتاج إليه متمكن من تناوله، ولا يجعل ذلك عادة له، وكذا طبيب، وحارس، ورجال الأمن، والمطافئ، وغيرهم ممن يشتغل بمصالح المسلمين الضرورية إذا جاء وقت الصلاة وهم يؤدون عملهم صلوا في مكانهم، ولهم أن يصلوا بدل الجمعة ظهراً عند الحاجة. * كل ما ألهى عن الصلاة أو كان فيه إضاعة للوقت أو ضرر للبدن أو العقل فهو محرم كلعب الورق، وشرب الدخان، والشيشة، والمسكر، والمخدر، ونحو ذلك كالجلوس أمام شاشات التلفاز وغيره مما يعرض فيه الكفر والخنا والرذيلة. * إذا صلى الإمام بالجماعة بنجاسة يجهلها وانقضت الصلاة فصلاتهم جميعاً صحيحة. وإن علم بالنجاسة أثناء الصلاة، فإن أمكن إبعادها أو إزالتها فعل ذلك وأتم صلاته، وإن كان لا يمكنه انصرف واستخلف من يتم بالمأمومين صلاتهم. * من زار قوماً فلا يؤمهم، ولكن يؤمهم رجل منهم. * الصف الأول أفضل من الصف الثاني، ويمين الصف أفضل من يساره، فالله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول، وعلى ميامن الصفوف، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للصف الأول ثلاثاً، وللثاني واحدة.

* أهل الصف الأول:

* أهل الصف الأول: الأحق بالصف الأول والأقرب من الإمام هم أولو الأحلام والنهى أهل العلم والتقى، وهم قدوة الناس فليبادروا إلى ذلك. عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: ((استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)). أخرجه مسلم (¬1). * يسن للإمام إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا خففها خفف بقية الأركان. عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريباً من السواء. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (432). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (801)، ومسلم برقم (471) واللفظ له.

13 - صلاة أهل الأعذار

13 - صلاة أهل الأعذار * أهل الأعذار هم: المرضى، والمسافرون، والخائفون الذين لا يستطيعون أداء الصلاة على صفتها التي يؤديها غير المعذور، ومن رحمة الله أن يسَّر لهم ورفع عنهم الحرج، ولم يحرمهم كسب الأجر، فأمرهم أن يصلوا حسب استطاعتهم على ما جاءت به السنة، كما يلي:

1 - صلاة المريض

1 - صلاة المريض * صفة صلاة المريض: تلزم المريض الصلاة المفروضة قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً متربعاً، أو على هيئة جلوس التشهد، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن، فإن شقَّ عليه فعلى الأيسر، فإن لم يستطع صلى مستلقياً على ظهره ورجلاه إلى القبلة، ويومئ برأسه راكعاً وساجداً إلى صدره، ويخفض السجود أكثر من الركوع، ولا تسقط الصلاة مادام العقل موجوداً، فيصلي على حسب حاله كما ورد. 1 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: ((صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)). أخرجه البخاري (¬1). 2 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه وكان مبسوراً قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: ((إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد)). أخرجه البخاري (¬2). * يجب على المريض أن يتطهر للصلاة بالماء، فإن لم يستطع تيمم، فإن لم يستطع سقطت الطهارة، وصلى حسب حاله. * إذا صلى المريض قاعداً ثم قدر على القيام، أو صلى جالساً ثم قدر على السجود، أو صلى على جنب ثم قدر على القعود أثناءها، انتقل إلى ما قدر عليه لأنه الواجب في حقه. * يجوز للمريض أن يصلي مستلقياً مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب ثقة. * إن قدر المريض على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً، وبسجود قاعداً. * من لم يستطع السجود على الأرض يركع ويسجد وهو جالس، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه، ولا يرفع إلى جبهته شيئاً كالوسادة ونحوها. * المريض كغيره يلزمه استقبال القبلة في الصلاة، فإن لم يستطع صلى حسب حاله إلى أي جهة تسهل عليه، ولا تصح صلاة المريض إيماءً بطرفه، أو إشارة بأصبعه، بل يصلي كما ورد. * إن شق على المريض أو عجز أن يصلي كل صلاة في وقتها فله الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما. * المشقة في الصلاة هي: ما يزول بها الخشوع، والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة. * المريض الذي يستطيع الذهاب إلى المسجد تلزمه صلاة الجماعة فيصلي قائماً إن استطاع، وإلا صلى حسب قدرته مع الجماعة. * يكتب الله عز وجل للمريض والمسافر من الأعمال مثل ما كان يعمل المريض حال الصحة، والمسافر حال الإقامة، ويغفر للمريض ذنوبه. 1 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر، كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)). أخرجه البخاري (¬3). 2 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي، أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد ولا ذنب له)). أخرجه الحاكم والطبراني (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1117). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1115). (¬3) أخرجه البخاري برقم (2996) (¬4) حسن بشواهده / أخرجه الحاكم برقم (7941)، وصححه، والطبراني في الكبير (8/ 167). وانظر السلسلة الصحيحة رقم (1611).

2 - صلاة المسافر

2 - صلاة المسافر * السفر: هو مفارقة محل الإقامة. * من محاسن الإسلام جواز القصر والجمع في السفر، لأنه غالباً توجد فيه المشقة، والإسلام دين رحمة وتيسير. عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا) (النساء/ 101) فقد أمن الناس!، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (686).

* حكم القصر والجمع:

* حكم القصر والجمع: القصر في السفر سنة مؤكدة في حال الأمن أو الخوف، وهو قصر الصلاة الرباعية (الظهر والعصر والعشاء) إلى ركعتين، ولا يجوز إلا في السفر فقط، أما المغرب والفجر فلا تُقصران أبداً، وأما الجمع فيجوز في الحضر والسفر بشروطه. * إذا سافر المسلم ماشياً أو راكباً، براً أو بحراً أو جواً، سُنَّ له قصر الصلاة الرباعية ركعتين، وله أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما إذا احتاج إلى ذلك حتى ينتهي سفره. قالت عائشة رضي الله عنها: الصلاةُ أولُ ما فرضت ركعتين فأُقرَّت صلاة السفر وأُتمت صلاة الحضر. متفق عليه (¬1). * كل ما يسمى سفراً في العرف تعلقت به أحكام السفر، وهي: القصر، والجمع، والفطر، والمسح على الخفين. * يبدأ المسافر القصر والجمع إذا فارق عامر قريته، ولا حد للمسافة في السفر وإنما يرجع ذلك إلى العرف، فمتى سافر ولم ينو الإقامة المطلقة أو الاستيطان فهو مسافر تنطبق عليه أحكام السفر حتى يعود إلى بلده. * القصر في السفر هو السنة، ويقصر في كل ما يسمى سفراً، وإن أتم فصلاته صحيحة. * إذا صلى المسافر خلف مقيم أتم، وإن صلى مقيم خلف مسافر فالسنة أن يقصر المسافر، أما المقيم فعليه الإتمام بعد السلام. * السنة إذا صلى المسافر بالمقيمين في بلدهم أن يصلي بهم ركعتين، ثم يقول: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. * السنة ترك الرواتب في السفر ما عدا التهجد، والوتر، وسنة الفجر. أما النوافل المطلقة فهي مشروعة في السفر والحضر، وكذا ذوات الأسباب كسنة الوضوء، وسنة الطواف، وتحية المسجد، وصلاة الضحى ونحوها. * الأذكار بعد الصلوات الخمس سنة للرجال والنساء، حضراً وسفراً. * قائد الطائرة، أو السيارة، أو السفينة، أو القطار، ومن سفره مستمر طول الزمن يجوز له أن يأخذ برخص السفر كالقصر، والجمع، والفطر، والمسح. * يسن للمسافر إذا عاد إلى بلده أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين. * العبرة في القصر اعتبار المكان لا الزمان، فإذا نسي المسافر صلاة حضر ثم ذكرها في سفر قصرها، وإن ذكر صلاة سفر في حضر أتمها. * إذا حُبِسَ المسافر ولم ينو إقامة أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة مطلقة ولو طالت قصر أبداً. * إذا دخل وقت الصلاة ثم سافر فله أن يقصر ويجمع، وإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر ثم دخل بلده فإنه يتم ولا يجمع ولا يقصر. * إذا كان في الطائرة مثلاً ولم يجد مكاناً للصلاة صلى في مكانه قائماً مستقبلاً القبلة، ويومئ بالركوع حسب قدرته، ثم يجلس على الكرسي، ثم يومئ بالسجود حسب قدرته. * من سافر إلى مكة أو غيرها أتم خلف الإمام، فإن لم يدرك الصلاة معه فالسنة له القصر، ومن سافر ومرَّ بقرية وسمع الأذان أو الإقامة ولم يكن صلى، فإن شاء نزل وصلى مع الجماعة، وإن شاء واصل سيره. * من أراد أن يجمع بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء يؤذن ثم يقيم ويصلي الأولى، ثم يقيم ويصلي الثانية، يؤديها المصلون جماعة كلهم، فإن كان هناك برد أو ريح أو مطر صلوا في رحالهم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1090)، واللفظ له، ومسلم برقم (685).

* صفة الجمع في السفر:

* صفة الجمع في السفر: يُسن للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في وقت إحداهما مرتباً، أو في الوقت الذي بينهما، فإن كان نازلاً فعل الأرفق به، وإن كان سائراً فالسنة إذا غابت الشمس قبل أن يرتحل أن يجمع بين المغرب والعشاء تقديماً، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخَّر المغرب إلى العشاء وجمع بينهما تأخيراً. وإذا زالت الشمس قبل أن يركب جمع بين الظهر والعصر تقديماً، وإن ركب قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى العصر وجمع بينهما تأخيراً. 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء. أخرجه البخاري (¬1). 2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب. متفق عليه (¬2). * يسن في الحج لمن كان بعرفة أن يقصر ويجمع بين الظهر والعصر تقديماً، وفي مزدلفة يقصر ويجمع بين المغرب والعشاء تأخيراً كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. * يجب على المسافرين أن يصلوا جماعة إن تيسر، وإلا صلوا فرادى حسب الاستطاعة، فيصلي في الطائرة أو السفينة أو القطار ونحوها قائماً، فإن لم يستطع صلى قاعداً وأومأ بالركوع والسجود، ويصلي الفريضة مستقبل القبلة، ويسن له الأذان والإقامة وإن كان وحده. * يسن للمسافر التنفل على ظهر الراحلة، ويسن أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام إن تيسر، وإلا صلى حيثما توجهت به الراحلة. * يسن أن يخرج لسفره أول النهار، ويستحب أن يكون يوم الخميس إن تيسر، وأن لا يسافر وحده، فإن كانوا ثلاثة فأكثر أمَّروا أحدهم. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1107). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1112)، واللفظ له، ومسلم برقم (704).

* حكم الجمع في الحضر:

* حكم الجمع في الحضر: يجوز الجمع في الحضر بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء لمريض يلحقه بتركه مشقة، وفي الليلة المطيرة، أو الباردة، أو وحل، أو ريح شديدة باردة، وللمستحاضة، ومن به سلس بول، ومن خاف على نفسه، أو أهله، أو ماله، ونحو ذلك.

3 - صلاة الخوف

3 - صلاة الخوف * الإسلام دين سماحة ويسر، والصلوات المفروضة لأهميتها ومنفعتها لا تسقط بحال، فإذا كان المسلمون في ساحة الجهاد في سبيل الله وخافوا من عدوهم جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف بصور مختلفة، وهذه أشهرها:

* صفات صلاة الخوف:

* صفات صلاة الخوف: 1 - إذا كان العدو في جهة القبلة، فيصلُّون كما يلي: يكبِّر الإمام، ويصف المسلمون خلفه صفين، ويكبرون جميعاً، ويركعون جميعاً، ويرفعون جميعاً، ثم يسجد الصف الذي يلي الإمام مع الإمام، فإذا قاموا سجد الصف الثاني ثم قاموا، ثم يتقدم الصف الثاني، ويتأخر الصف الأول، ثم يصلي بهم الركعة الثانية كالأولى، ثم يسلم بهم جميعاً.

2 - إذا كان العدو في غير جهة القبلة، فيصلون كما يلي:

2 - إذا كان العدو في غير جهة القبلة، فيصلُّون كما يلي: 1 - يكبِّر الإمام، وتصفُّ معه طائفة، وتقف الطائفة الأخرى تجاه العدو، فيصلي بالتي معه ركعة ثم يثبت قائماً، ويتمُّون لأنفسهم، ثم ينصرفون، ويقفون تجاه العدو، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعة الباقية، ثم يجلس، ويتمون لأنفسهم وهو جالس، ثم يسلم بهم، وعليهم حمل سلاح خفيف أثناء صلاتهم، مع الحذر من عدوهم. 2 - أو يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعتين فتسلم قبله، ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين ثم يسلم بهم، فتكون له أربعاً، ولكل طائفة ركعتان. 3 - أو يصلي بالطائفة الأولى صلاة كاملة ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي بالأخرى كذلك ثم يسلم. 4 - أو تصلي كل طائفة ركعة واحدة فقط مع الإمام، فيصلي الإمام ركعتين، وكل طائفة ركعة من غير قضاء، وكل هذه الصفات ثابتة في السنة. 3 - إذا اشتد الخوف، وتواصل الطعن والضرب صلوا رجالاً وركباناً ركعة واحدة يومئون بالركوع والسجود للقبلة وغيرها، فإن لم يتمكنوا أخَّروا الصلاة حتى يقضي الله بينهم وبين عدوهم ثم صلَّوا. 1 - قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة/238 - 239). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. أخرجه مسلم (¬1). * إذا كانت صلاة المغرب فلا يدخلها القصر، وللإمام أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة، أو العكس. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (687).

14 - صلاة الجمعة

14 - صلاة الجمعة * شرع الله سبحانه للمسلمين اجتماعات متعددة من أجل توطيد أواصر الألفة والمحبة بينهما، اجتماعات حيٍّ: في الصلوات الخمس، واجتماعات بلد: في الجمعة والعيدين، واجتماعات أقطار: في الحج بمكة، فهذه اجتماعات المسلمين صغرى ومتوسطة وكبرى.

* فضل يوم الجمعة:

* فضل يوم الجمعة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (854).

* حكم صلاة الجمعة:

* حكم صلاة الجمعة: صلاة الجمعة ركعتان، وتجب على كل مسلم ذكر، بالغ، عاقل، حر، مقيم ببناء يشمله اسم واحد، ولا تجب الجمعة على المرأة، والمريض، والصبي، والمسافر، والمملوك، ومن حضرها منهم أجزأته، والمسافر إن كان نازلاً وسمع النداء لزمته الجمعة.

* وقت صلاة الجمعة:

* وقت صلاة الجمعة: وقت صلاة الجمعة الأفضل: بعد زوال الشمس إلى آخر وقت صلاة الظهر، وتجوز قبل الزوال. * الأولى أن يكون بين النداء الأول للجمعة والنداء الثاني فاصل زمني يتمكن فيه المسلم خاصة البعيد والنائم والغافل من الاستعداد للصلاة والأخذ بآدابها وسننها والسعي إليها. * يجب أداء صلاة الجمعة في وقتها، وأن يحضرها جماعة لا يقلُّون عن اثنين أو ثلاثة من أهل البلد، وأن يتقدمها خطبتان فيهما حمد الله تعالى، وذكره، وشكره، والحثّ على طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله عز وجل. * صلاة الجمعة تكفي عن صلاة الظهر، فلا يجوز لمن صلاها أن يصلي بعدها ظهراً، وتجب المحافظة على صلاة الجمعة، ومن ترك ثلاث جمع متهاوناً بها طبع الله على قلبه.

* فضل الاغتسال والتبكير للجمعة:

* فضل الاغتسال والتبكير للجمعة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غَسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). * يعرف المسلم الساعات الخمس بأن يقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام إلى خمسة أقسام، وبذلك يعرف مقدار كل ساعة. * وقت السعي المستحب إلى الجمعة يبدأ من طلوع الشمس، وكذا الغسل، أما وقت السعي الواجب إلى الجمعة فهو عند النداء الثاني إذا دخل الإمام. * لا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الأذان الثاني إلا لضرورة كخوف فوت رفقة، أو راحلة كسيارة أو سفينة أو طائرة. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/9). * من أدرك مع الإمام ركعة من الجمعة جاء بركعة أخرى وأتمها جمعة، وإن أدرك أقل من ركعة فينويها ظهراً ويصلي أربع ركعات. * السنة أن يبكر المأموم للجمعة والعيدين والاستسقاء، أما الإمام فيأتي في الجمعة والاستسقاء عند الخطبة، وفي العيدين يأتي عند وقت الصلاة. * السنة أن يخطب الإمام خطبة قصيرة حفظاً، وإن خطب بورقة أمسكها بيده اليمنى، وله أن يعتمد على العصا أو القوس أو جدار المنبر بيده اليسرى إن احتاج. * السنة أن تكون الخطبتان يوم الجمعة باللغة العربية لمن يحسنها، وإن ترجمت للحاضرين بلغتهم لكونهم لا يفهمون العربية فهو أولى، فإن لم يمكن خطب بلغتهم، أما الصلاة فلا تصح إلا بالعربية. * إذا مرَّ المسافر ببلد تقام فيه الجمعة وسمع النداء وأراد أن يستريح في هذا البلد لزمته صلاة الجمعة، وإن خطب بهم وصلى بهم الجمعة صحت صلاة الجميع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (881)، واللفظ له، ومسلم برقم (850). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (345)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (333). وأخرجه ابن ماجه برقم (1087)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (891).

* صفة الخطيب:

* صفة الخطيب: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبَّحَكم ومسَّاكم. أخرجه مسلم (¬1). * يسن أن يخطب الإمام على منبر له ثلاث درجات، فإذا دخل صعد المنبر، ثم واجه المصلين وسلم عليهم، ثم يجلس حتى يؤذن المؤذن، ثم يخطب الخطبة الأولى قائماً متوكئاً على قوس أو عصا إن احتاج، ثم يجلس، ثم يخطب الخطبة الثانية قائماً كذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (867).

* صفة الخطبة:

* صفة الخطبة: يستفتح أحياناً بخطبة الحاجة، وأحياناً بغيرها، ونص خطبة الحاجة: ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (آل عمران /102). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء/1). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب/ 70 - 71). ((أما بعد)). وأحياناً لا يذكر هذه الآيات، وينبغي أحياناً أن يقول بعد قوله: ((أما بعد)): ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)). أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (2118)، صحيح سنن أبي داود رقم (1860). وأخرجه النسائي برقم (1578)، صحيح سنن النسائي رقم (1487). وأخرجه ابن ماجه برقم (1892)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1535). وأصله في مسلم برقم (867) (868).

* موضوع الخطبة:

* موضوع الخطبة: خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه رضي الله عنهم تشتمل على بيان التوحيد والإيمان، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان، وذكر الله تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره، وذم الدنيا، وذكر الموت، والجنة، والنار، والحث على طاعة الله ورسوله، والزجر عن المعصية ونحو ذلك. فيذكر الخطيب من عظمة الله، وأسمائه، وصفاته، ونعمه ما يحببه إلى خلقه، ويأمر بطاعته، وشكره، وذكره، ما يحببهم إليه، فينصرفون وقد أحبوه وأحبهم، وامتلأت قلوبهم بالإيمان والخشية، وتحركت قلوبهم وجوارحهم لذكره وطاعته وعبادته. * يُسن للإمام أن يقصر الخطبة ويطيل الصلاة على ما ورد في السنة. عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً. أخرجه مسلم (¬1). * يستحب للخطيب أن يقرأ من القرآن في خطبته، وأن يخطب أحياناً بسورة (ق). * يستحب للمأمومين أن يستقبلوا الإمام بوجوههم إذا استوى على المنبر للخطبة، وذلك أحضر للقلب، وأشجع للخطيب، وأبعد عن النوم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (866).

* صفة صلاة الجمعة:

* صفة صلاة الجمعة: صلاة الجمعة ركعتان، يسن أن يقرأ جهرا في الأولى بعد الفاتحة بـ (الجمعة) وفي الثانية بـ (المنافقون)، أو يقرأ في الأولى بـ (الجمعة)، وفي الثانية بـ (الغاشية)، أو يقرأ في الأولى بـ (الأعلى) وفي الثانية بـ (الغاشية)، وإن قرأ بغيرهما جاز، فإذا صلى الركعتين سلم.

* سنة الجمعة:

* سنة الجمعة: يسن أن يصلي بعد الجمعة في بيته ركعتين، ويصلي في بعض الأحيان أربعاً بسلامين، أما إذا صلى في المسجد فيصلي أربعاً بسلامين، ولا سنة للجمعة قبلها بل يصلي ما شاء. * الكلام أثناء الخطبة يُفسد الأجر ويلحق الإثم، فلا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا للإمام ومن يكلمه الإمام لمصلحة، وردّ السلام، وتشميت العاطس، ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها لمصلحة، ويحرم تخطي رقاب الناس يوم الجمعة والإمام يخطب، ويكره الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب. * إقامة الجمعة في البلد إذا تمت الشروط لا يشترط لها إذن الإمام، فتُقام أذن أو لم يأذن، أما تعدد الجمعة في أكثر من موضع بالبلد فلا يجوز إلا لحاجة وضرورة بعد إذن الإمام، وتقام في المدن والقرى لا في البادية. * من دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يتجوز فيهما، ومن نعس وهو في المسجد فالسنة أن يتحول من مجلسه ذلك إلى غيره. * غسل الجمعة سنة مؤكدة، ويجب على من به رائحة كريهة تتأذى منها الملائكة والناس أن يغتسل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)). متفق عليه (¬1). * يُسن بعد أن يغتسل يوم الجمعة أن يتنظف، ويتطيب، ويلبس أحسن ثيابه، ويخرج مبكراً إلى المسجد، ويدنو من الإمام، ويصلي ما كتب له، ويكثر من الدعاء، وقراءة القرآن. * الإمام يتولى الخطبة والصلاة، ويجوز أن يخطب رجل، ويصلي الجمعة آخر لعذر. * يُسن أن يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها، ومن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين. * يُسن أن يُكثر المسلم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويوم الجمعة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشراً)). أخرجه مسلم (¬2). * يُسن أن يقرأ الإمام في الركعة الأولى من فجر يوم الجمعة (الم تَنزِيلُ) السجدة، وفي الركعة الثانية (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ). * لا يشرع للإمام ولا للمأمومين رفع اليدين أثناء الدعاء في الخطبة إلا إذا استسقى الإمام فيرفع ويرفعون، أما التأمين على الدعاء فمشروع مع خفض الصوت. * يستحب للإمام أن يدعو في خطبته، والأولى جعل الدعاء للإسلام والمسلمين، وحفظهم، ونصرتهم، والتأليف بين قلوبهم ونحو ذلك، ويشير الإمام أثناء الدعاء بأصبعه السبابة ولا يرفع يديه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (858)، ومسلم برقم (846). (¬2) أخرجه مسلم برقم (408).

* ساعة الإجابة:

* ساعة الإجابة: ترجى في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة بعد العصر، ويستحب فيها الإكثار من الذكر والدعاء، فالدعاء في هذا الوقت حريٌّ بالإجابة، وهي ساعة خفيفة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه)). وأشار بيده يقللها. متفق عليه (¬1). * من فاتته صلاة الجمعة قضاها ظهراً أربع ركعات، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وإن كان غير معذور أثم، لتفريطه بصلاة الجمعة. عن أبي الجعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك ثلاث جُمَع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). * إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عن من صلى العيد، ويصلون ظهراً، إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه، وكذا من لم يصل العيد، وإن صلاها من صلى العيد أجزأته عن صلاة الظهر. * أفضل الصلوات عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (935)، واللفظ له، ومسلم برقم (852). (¬2) حسن صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1052)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (928). وأخرجه الترمذي برقم (500)، صحيح سنن الترمذي رقم (414).

15 - صلاة التطوع

15 - صلاة التطوع * من رحمة الله بعباده أنه شرع لكل فرض تطوعاً من جنسه، ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التطوع، ويكمل به الفرائض يوم القيامة، فالفرائض يعتريها النقص. والصلاة منها الواجب والتطوع، والصيام منه الواجب والتطوع، وهكذا الحج، والصدقة ونحوها، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله تعالى.

* صلاة التطوع أنواع:

* صلاة التطوع أنواع: 1 - منها ما يشرع له الجماعة كالتراويح والاستسقاء والكسوف والعيدين. 2 - ومنها ما لا يشرع له الجماعة كصلاة الاستخارة. 3 - ومنها ما هو تابع للفرائض كالسنن الرواتب. 4 - ومنها ما ليس بتابع كصلاة الضحى. 5 - ومنها ما هو مؤقت كصلاة التهجد. 6 - ومنها ما ليس بمؤقت كالنوافل المطلقة. 7 - ومنها ما هو مقيد بسبب كتحية المسجد وركعتي الوضوء. 8 - ومنها ما ليس مقيداً بسبب كالنوافل المطلقة. 9 - ومنها ما هو مؤكد كصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والوتر. 10 - ومنها ما ليس بمؤكد كالصلاة قبل صلاة المغرب ونحوها. وهذا من فضل الله على عباده، حيث شرع لهم ما يتقربون به إليه، ونوَّع لهم الطاعات ليرفع لهم بها الدرجات، ويحط عنهم السيئات، ويضاعف لهم الحسنات، فلله الحمد والشكر.

1 - السنن الراتبة

1 - السنن الراتبة * السنن الرواتب: هي التي تُصلى قبل الفريضة أو بعدها، وهي قسمان:

1 - رواتب مؤكدة، وهي اثنتا عشرة ركعة:

1 - رواتب مؤكدة، وهي اثنتا عشرة ركعة: 1 - أربع ركعات قبل صلاة الظهر. 2 - ركعتان بعد الظهر. 3 - ركعتان بعد المغرب. 4 - ركعتان بعد العشاء. 5 - ركعتان قبل الفجر. * عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بنُي له بيت في الجنة)). أخرجه مسلم (¬1). * وأحيانا يصليها عشر ركعات كما سبق إلا أنه يصلي قبل الظهر ركعتين. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين، وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين، وبعد الجمعة سجدتين، فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيته. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (728). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (937)، ومسلم برقم (729)، واللفظ له.

2 - رواتب غير مؤكدة يفعلها ولا يداوم عليها:

2 - رواتب غير مؤكدة يفعلها ولا يداوم عليها: ركعتان قبل صلاة العصر، والمغرب، والعشاء، وتسن المحافظة على أربع ركعات قبل العصر، وهي سبب لنيل رحمة الله تعالى. * التطوع المطلق مشروع بالليل والنهار، مثنى مثنى، وأفضله صلاة الليل.

* آكد السنن الرواتب:

* آكد السنن الرواتب: آكد السنن الرواتب ركعتا الفجر، ويسن تخفيفهما، وأن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بـ (سورة الكافرون) في الركعة الأولى، وفي الثانية بـ (سورة الإخلاص). أو في الأولى بـ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ .. ) (البقرة/ 136)، وفي الثانية بـ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا) (آل عمران/ 64)، وأحياناً (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ) (آل عمران/ 52). * كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على ركعتي الفجر، والوتر، والتهجد، حضراً وسفراً. * من فاته شيء من هذه السنن الرواتب لعذر سُنَّ له قضاؤه. * إذا توضأ المسلم ودخل المسجد بعد أذان الظهر مثلاً وصلى ركعتين ونوى بهما تحية المسجد، وسنة الوضوء، وراتبة الظهر أجزأه ذلك. * يسن الفصل بين الفرض وراتبته القبلية أو البعدية بانتقال أو كلام. * تُصلى هذه النوافل في المسجد أو في البيت، والأفضل صلاتها في البيت لقوله عليه الصلاة والسلام: (( ... فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)). متفق عليه (¬1). * يجوز في صلاة التطوع الجلوس مع القدرة على القيام، ومن صلى قائماً فهو أفضل، أما الفريضة فالقيام فيها ركن إلا لمن لم يقدر عليه فيصلي حسب حاله كما سبق. * من صلى النوافل قاعداً لغير عذر فله نصف أجر صلاة القائم، ومع العذر فأجره كالقائم، وصلاة المضطجع تطوعاً بعذر فأجره كالقائم، وبدون عذر فله نصف أجر صلاة القاعد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (731)، واللفظ له، ومسلم برقم (781).

2 - صلاة التهجد

2 - صلاة التهجد * قيام الليل: من النوافل المطلقة، وهو سنة مؤكدة، أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم به. 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (المزمل/1 - 4). 2 - قال الله تعالى: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الإسراء/79). 3 - وذكر الله سبحانه من صفات المتقين أنهم: (كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات/17 - 18).

* فضل قيام الليل:

* فضل قيام الليل: قيام الليل من أفضل الأعمال، وهو أفضل من تطوع النهار؛ لما في سرِّيته من الإخلاص لله تعالى، ولما فيه من المشقة بترك النوم، واللذة التي تحصل بمناجاة الله عز وجل، وجوف الليل أفضل. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) (المزمل/6). 2 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن، فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس .. )). أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). 3 - وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ فقال: ((أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل)). أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (3579)، صحيح سنن الترمذي رقم (2833). وأخرجه النسائي برقم (572)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (557). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1163).

* وفي الليل ساعة يجاب فيها الدعاء:

* وفي الليل ساعة يُجاب فيها الدعاء: 1 - عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟)). متفق عليه (¬2). * يسن للمسلم أن ينام على طهارة، و ((من بات طاهراً بات في شعاره مَلَك فلم يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلاناً فإنه بات طاهراً)). أخرجه ابن حبان (¬3). * ويسن أن ينام مبكراً بعد العشاء ليستيقظ لصلاة الليل نشيطاً، والسنة أن يقوم إذا سمع الصارخ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)). متفق عليه (¬4). * وينبغي أن يحرص المسلم على قيام الليل ولا يتركه؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً)). متفق عليه (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (757). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1145)، واللفظ له، ومسلم برقم (758). (¬3) حسن/ أخرجه ابن حبان برقم (1051)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (2539). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1142)، واللفظ له، ومسلم برقم (776). (¬5) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4837)، واللفظ له، ومسلم برقم (2820).

* صلاة التهجد:

* صلاة التهجد: إحدى عشرة ركعة مع الوتر، أو ثلاث عشرة ركعة مع الوتر.

* وقت صلاة التهجد:

* وقت صلاة التهجد: أفضل صلاة الليل ثلث الليل بعد نصفه، فتقسم الليل أنصافاً، ثم تقوم في الثلث الأول من النصف الثاني، ثم تنام آخر الليل. قال عليه الصلاة والسلام: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً، ويفطر يوماً)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1131)، واللفظ له، ومسلم برقم (1159).

* صفة صلاة التهجد:

* صفة صلاة التهجد: يُسن أن ينوي الإنسان قيام الليل عند النوم، فإن غلبته عيناه ولم يقم كُتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه، وإذا قام للتهجد مسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر آيات من آخر آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ .. )، ويستاك، ويتوضأ، ثم يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين)). أخرجه مسلم (¬1). * ثم يصلي مثنى مثنى، فيسلم من كل ركعتين لما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: ((مثنى مثنى، فإذا خِفْتَ الصبح فأوتر بواحدة)). متفق عليه (¬2). * وله أن يصلي أحياناً أربعاً بسلام واحد. * ويستحب أن يكون له ركعات معلومة، فإن نام عنها قضاها شفعاً، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر. أخرجه البخاري (¬3). * ويسن أن يكون تهجده في بيته، وأن يوقظ أهله، ويصلي بهم أحياناً، ويطيل سجوده بقدر قراءة خمسين آية، فإن غلبه نعاس رقد، ويستحب أن يطيل القيام والقراءة فيقرأ جزءاً من القرآن أو أكثر، يجهر بالقراءة أحياناً، ويُسِرُّ بها أحياناً، إذا مرَّ بآية رحمة سأل، وإذا مرَّ بآية عذاب استجار، وإذا مرَّ بآية فيها تنزيه لله تعالى سبَّح. * ثم يختم تهجده بالليل بالوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا)). متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (768). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1137)، واللفظ له، ومسلم برقم (749). (¬3) أخرجه البخاري برقم (1139). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (998)، ومسلم برقم (751).

3 - صلاة الوتر

3 - صلاة الوتر * الوتر سنة مؤكدة، حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الوتر حق على كل مسلم)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1422)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1260). وأخرجه النسائي برقم (1712)، صحيح سنن النسائي رقم (1615).

* وقت الوتر:

* وقت الوتر: من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، وآخر الليل لمن وثق بنفسه أفضل، لقول عائشة رضي الله عنها: من كلِّ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (996)، ومسلم برقم (745)، واللفظ له.

* صفة الوتر:

* صفة الوتر: يكون الوتر بركعة واحدة، أو بثلاث، أو بخمس، أو سبع، أو تسع إذا اتصلت هذه الركعات بسلام واحد. أخرجه مسلم والنسائي (¬1). * أقل الوتر ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، يصليها مثنى مثنى، ويوتر بواحدة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين، أو بسلام واحد، وتشهَّد واحد في آخرها، ويسن أن يقرأ في الأولى بـ ((الأعلى)) وفي الثانية بـ ((الكافرون)) وفي الثالثة بـ ((الإخلاص)). * وإن أوتر بخمس تشهَّد مرة واحدة في آخرها ثم سلم، وإن أوتر بسبع فكذلك، وإن تشهد بعد السادسة بلا سلام ثم قام وصلى السابعة فلا بأس. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر. متفق عليه (¬2). * وإن أوتر بتسع تشهد مرتين: مرة بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يقوم للتاسعة ويتشهد ويسلم، ولكن الأفضل أن يوتر بواحدة مستقلة، ثم يقول بعد السلام: (سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات، ويمد صوته في الثالثة. * يصلي المسلم الوتر بعد صلاة التهجد، فإن خاف أن لا يقوم أوتر قبل نومه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)). أخرجه مسلم (¬3). * من أوتر أول الليل، ثم قام آخره، صلى شفعاً بدون وتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا وتران في ليلة)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬4). * القنوت في الوتر يستحب أحياناً، من شاء فعله، ومن شاء تركه، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (746). وأخرجه النسائي برقم (1713)، صحيح سنن النسائي رقم (1613). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1178)، واللفظ له، ومسلم برقم (721). (¬3) أخرجه مسلم برقم (755). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1439)، صحيح سنن أبي داود رقم (1276). وأخرجه الترمذي برقم (470)، صحيح سنن الترمذي رقم (391).

* صفة دعاء القنوت في الوتر:

* صفة دعاء القنوت في الوتر: إذا صلى ثلاث ركعات مثلاً رفع يديه بعد القيام من الركعة الثالثة، أو قبل الركوع بعد انتهاء القراءة فيحمد الله عز وجل ويثني عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء مما ورد، ومنه: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). * ويستفتح أحياناً قنوته بما ثبت عن عمر رضي الله عنه وهو: ((اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين ملحق، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك الخير ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع من يكفرك)). أخرجه البيهقي (¬2). * وله أن يزيد من الأدعية مما ثبت ولا يطيل، ومنها: ((اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)). أخرجه مسلم (¬3). ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)). أخرجه مسلم (¬4). * ثم يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬5). * ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر قنوت الوتر، ولا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء في قنوت الوتر وغيره. * يكره القنوت في غير الوتر إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة أو مصيبة، فيُسن أن يقنت الإمام في الفرائض بعد الركعة الأخيرة، وأحياناً قبل أن يركع. * القنوت في النوازل يكون بالدعاء للمسلمين المستضعفين، أو الدعاء على الكفار الظالمين، أو بهما معاً. * أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، وما يشرع له الجماعة كالكسوف، والتراويح ونحوهما فيصليها في المسجد جماعة. * من كان في سفر فالسنة أن يصلي الوتر على راحلته مستقبلاً القبلة عند تكبيرة الإحرام إن تيسر، وإلا صلى حيثما توجهت به. * يسن لمن صلى الوتر أن يصلي بعده ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1425)، صحيح سنن أبي داود رقم (1263). وأخرجه الترمذي برقم (464)، صحيح سنن الترمذي رقم (385). (¬2) صحيح/ أخرجه البيهقي برقم (3144)، انظر إرواء الغليل رقم (428). (¬3) أخرجه مسلم برقم (2720). (¬4) أخرجه مسلم برقم (2722). (¬5) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1427)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1265). وأخرجه الترمذي برقم (3566)، صحيح سنن الترمذي رقم (2824).

* قضاء الوتر:

* قضاء الوتر: من نام عن صلاة الوتر أو نسيها صلاها إذا استيقظ أو ذكر، ويقضيها بين أذان الفجر والإقامة على صفتها، ويقضيها نهاراً شفعاً لا وتراً، فإن كان يوتر بإحدى عشرة ركعة ليلاً صلاها نهاراً اثنتي عشرة ركعة مثنى مثنى وهكذا. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (746).

4 - صلاة التراويح

4 - صلاة التراويح [تأتي في كتاب الصيام - الباب السابع]

5 - صلاة العيدين

5 - صلاة العيدين * الأعياد في الإسلام ثلاثة: 1 - عيد الفطر يوم ((1)) شوال من كل عام. 2 - عيد الأضحى يوم ((10)) من ذي الحجة من كل عام. 3 - عيد الأسبوع يوم الجمعة، وقد سبق الحديث عنه. * صلاة عيد الفطر بعد إتمام صيام شهر رمضان، وصلاة عيد الأضحى بعد فريضة الحج واختتام عشر ذي الحجة، وهما من محاسن الإسلام، يؤديهما المسلمون بعد أداء تلك العبادتين العظيمتين شكراً لله تبارك وتعالى. * حكم صلاة العيدين: سنة مؤكدة على كل مسلم ومسلمة.

* وقت صلاة العيدين:

* وقت صلاة العيدين: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، فإن لم يعلموا بالعيد إلا بعد الزوال صلوا من الغد في وقتها ولا يضحون إلا بعد صلاة عيد الأضحى.

* صفة الخروج لصلاة العيدين:

* صفة الخروج لصلاة العيدين: صلاة العيد تصلى في الصحراء، ويسن أن يتنظف الذاهب إليها، ويلبس أحسن ثيابه، إظهاراً للفرح والسرور بهذا اليوم، والنساء لا يتبرجن بزينة ولا يتطيبن، ويخرجن للصلاة مع الناس، والحيض من النساء يشهدن الخطبة ويعتزلن المصلى. * يسن أن يبكر إليها المأموم بعد الصبح ماشياً إن قدر، أما الإمام فيتأخر إلى وقت الصلاة، والسنة أن يذهب إليها من طريق ويعود من طريق آخر إظهاراً لهذه الشعيرة، واتباعاً للسنة. * يسن للمسلم أن يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر تمرات وتراً، وأن يمسك عن الأكل في عيد الأضحى حتى يأكل من أضحيته إن ضحى.

* مكان صلاة العيدين:

* مكان صلاة العيدين: صلاة العيد تكون في صحراء قريبة من البلد، فإذا وصل المصلى صلى ركعتين وجلس يذكر الله تعالى، ولا تصلى صلاة العيد في المساجد إلا لعذر من مطر ونحوه. * يجوز لمن دخل مصلى العيد أن يصلي تطوعاً قبل الصلاة وبعدها ما لم يكن وقت نهي فلا يشرع له إلا تحية المسجد، فإذا رجع المصلي إلى بيته يستحب له أن يصلي ركعتين.

* صفة صلاة العيدين:

* صفة صلاة العيدين: إذا حان وقت الصلاة تقدم الإمام وصلى بهم ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعاً أو تسعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمساً بعد القيام. ثم يسن أن يقرأ جهراً بعد الفاتحة بـ (الأعلى) في الأولى، وفي الثانية بعد الفاتحة بـ (الغاشية) أو يقرأ في الأولى بـ (ق) وفي الثانية بـ (اقتربت الساعة) يقرأ تارة بهذا، وتارة بهذا، إحياء للسنة. فإذا سلم خطب خطبة واحدة مستقبل الناس، فيها حمد الله تعالى، وشكره، والثناء عليه، ووجوب العمل بشرعه، ويحثهم على الصدقة، ويرغبهم في عيد الأضحى في الأضحية ويبين لهم أحكامها. * إذا وافق العيد يوم جمعة، فمن صلى العيد سقطت عنه الجمعة وصلى ظهراً، أما الإمام ومن لم يصل العيد فتلزمه صلاة الجمعة. * إذا نسي الإمام إحدى التكبيرات الزوائد وشرع في القراءة سقطت؛ لأنها سنة فات محلها، ويرفع المصلي يديه مع التكبير كما ورد في صلاة الفرض والنفل، ولا يرفع يديه مع التكبيرات الزوائد في الركعتين في العيدين والاستسقاء. * يسن للإمام وعظ النساء في خطبته، وتذكيرهن بما يجب عليهن، وترغيبهن في الصدقة. * من أدرك الإمام قبل سلامه من صلاة العيد أتمها على صفتها، ومن فاتته قضاها على صفتها. * إذا صلى الإمام صلاة العيد، فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يجلس ويسمع الخطبة وهو الأفضل فليجلس. * يسن التكبير أيام العيدين جهراً لعموم المسلمين في البيوت، والأسواق، والطرق، والمساجد، وغيرها، والنساء لا تجهر بالتكبير بحضرة الأجانب.

* أوقات التكبير:

* أوقات التكبير: 1 - يبدأ وقت التكبير في عيد الفطر من ليلة العيد حتى يصلي صلاة العيد. 2 - ويبدأ وقت التكبير في عيد الأضحى من دخول عشر ذي الحجة إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر.

* صفة التكبير:

* صفة التكبير: 1 - إما أن يكبر شفعاً، فيقول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)). 2 - أو يكبر وتراً فيقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)). 3 - أو يكبر وتراً في الأولى، وشفعاً في الثانية، فيقول: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)). يفعل هذا مرة، وهذا مرة، والأمر في ذلك واسع.

* حكم الأعياد المحدثة:

* حكم الأعياد المحدثة: أعياد الميلاد الفردية، وغيرها من المناسبات كأول يوم من السنة الهجرية، أو الميلادية، أو ليلة الإسراء، أو ليلة النصف من شهر شعبان، أو يوم المولد النبوي، أو عيد الأم، وغيرها مما انتشر في أوساط كثير من المسلمين، فكلها بدع محدثة مردودة، ومن فعلها، أو أقرها، أو دعا إليها، أو أنفق عليها فهو آثم وعليه وزرها، ووزر من عمل بها.

6 - صلاة الكسوف والخسوف

6 - صلاة الكسوف والخسوف * الخسوف: ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً. * الكسوف: انحجاب ضوء الشمس أو بعضه نهاراً.

* حكم صلاة الخسوف والكسوف:

* حكم صلاة الخسوف والكسوف: صلاة الخسوف والكسوف، سنة مؤكدة، على كل مسلم ومسلمة، في الحضر والسفر. * الخسوف والكسوف له أوقات مقدرة كما لطلوع الشمس والهلال وقت مقدر، وقد أجرى الله العادة أن وقت الكسوف يكون في نهاية الشهر ووقت خسوف القمر يكون وقت الإبدار في الليالي البيض. * إذا كسفت الشمس، أو خسف القمر فزع الناس إلى الصلاة في المساجد، أو البيوت، والمساجد أفضل، فالزلازل لها أسباب، والصواعق لها أسباب، والبراكين لها أسباب، والكسوف والخسوف لهما أسباب طبيعية يقدرها الله حتى تكون هذه المسببات، والحكمة: تخويف العباد، ليرجعوا إلى الله. * وقتها: من ابتداء الكسوف أو الخسوف إلى ذهابه.

* صفة صلاة الكسوف:

* صفة صلاة الكسوف: صلاة الكسوف والخسوف ليس لها أذان ولا إقامة، لكن ينادى لها ليلاً أو نهاراً بلفظ: (الصلاة جامعة) مرة أو أكثر. فيكبر الإمام ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة جهراً، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع قائلاً: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) ولا يسجد، ثم يقرأ الفاتحة ثم سورة أقصر من الأولى، ثم يركع أقل من الركوع الأول، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، الأولى أطول من الثانية، بينهما جلوس، ثم يقوم ويأتي بركعة ثانية على هيئة الأولى، لكنها أخف، ثم يتشهد ويسلم. * يسن أن يخطب الإمام بعدها خطبة يعظ فيها الناس، ويذكرهم بأمر هذا الحدث الجلل العظيم لترق قلوبهم، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء، والاستغفار. عن عائشة رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فأطال القيام جداً، ثم ركع فأطال الركوع جداً، ثم رفع رأسه فأطال القيام جداً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع جداً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد. ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه فقام، فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا، وادعوا الله وصلوا وتصدقوا، يا أمة محمد! إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد! والله! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت؟)). متفق عليه (¬1). * تدرك الركعة في صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول من كل ركعة، ولا تقضى صلاة الكسوف إن فاتت إذا انجلى الكسوف. * إذا انجلى الكسوف وهم في الصلاة أتموها خفيفة، وإن صلوا ولم ينجل الكسوف أكثروا من الدعاء والتكبير والصدقة حتى ينكشف ما بهم. * ظاهرة الكسوف تدفع النفس إلى إخلاص التوحيد لله، والإقبال على الطاعة، والبعد عن المعاصي والذنوب، والخوف من الله، والعودة إليه. 1 - قال الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) (الإسراء/59). 2 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منهما شيئاً فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم)). متفق عليه (¬2) ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1044)، ومسلم برقم (901)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1041)، ومسلم برقم (911)، واللفظ له.

7 - صلاة الاستسقاء

7 - صلاة الاستسقاء * الاستسقاء: هو الدعاء بطلب السقيا من الله تعالى على صفة مخصوصة. * حكم صلاة الاستسقاء: سنة مؤكدة، وتصلى في كل وقت، والأفضل أن تصلى بعد ارتفاع الشمس قيد رمح.

* حكمة مشروعية صلاة الاستسقاء:

* حكمة مشروعية صلاة الاستسقاء: إذا أجدبت الأرض، واحتبس المطر شرعت صلاة الاستسقاء، ويخرج لها المسلمون في الصحراء متبذلين، خاشعين، متذللين، متضرعين، متواضعين، رجالاً ونساءً وصبياناً، ويحدد لهم الإمام يوماً يخرجون فيه لصلاة الاستسقاء. * الاستسقاء يكون: إما بصلاة الاستسقاء جماعة، أو بالدعاء في خطبة الجمعة، أو بالدعاء عقب الصلوات وفي الخلوات من غير صلاة ولا خطبة.

* صفة صلاة الاستسقاء:

* صفة صلاة الاستسقاء: يتقدم الإمام ويصلي بالمسلمين ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة من القرآن جهراً، ثم يركع ويسجد، ثم يقوم فيكبر في الركعة الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة من القرآن جهراً، فإذا صلى الركعتين تشهد، ثم سلم.

* خطبة الاستسقاء:

* خطبة الاستسقاء: يخطب الإمام خطبة واحدة قبل الصلاة، يحمد الله تعالى ويكبره، ويستغفره، ويقول ما ثبت في السنة، ومنه: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم))، ثم يقول: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين). لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين)). أخرجه أبوداود (¬1). ((اللهم اسقنا غيثاً، مغيثاً، مريئاً، مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل)). أخرجه أبو داود (¬2). ((اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)). أخرجه مالك وأبو داود (¬3). ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)). أخرجه مسلم (¬4). ((اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا)). أخرجه البخاري (¬5). * وإذا كثر المطر وخيف الضرر سُن أن يقول: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية، ومنابت الشجر)). متفق عليه (¬6). * المطر حديث عهد بربه، والسنة إذا نزل المطر أن يحسر ثوبه ليصيب المطر بعض بدنه قائلاً: ((اللهم صيباً نافعاً)). أخرجه البخاري (¬7). * ويقول بعد نزول المطر: ((مُطِرنا بفضل الله ورحمته)). متفق عليه (¬8). * إذا استسقى الإمام فالسنة أن يرفع يديه ويرفع الناس أيديهم، ويؤمنون على دعاء الإمام أثناء الخطبة. * إذا فرغ الإمام من الخطبة استقبل القبلة يدعو، ثم يحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر، ويرفع الناس أيديهم يدعون، ثم يصلي بهم صلاة الاستسقاء ركعتين كما سبق. * السنة أن يخطب الإمام قبل صلاة الاستسقاء قائماً. 1 - عن عباد بن تميم عن عمه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي قال: فَحَوَّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة. متفق عليه (¬9). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل، ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم .. )) ... ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين. أخرجه أبو داود (¬10). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1173)، صحيح سنن أبي داود رقم (1040). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1169)، صحيح سنن أبي داود رقم (1036). (¬3) حسن/ أخرجه مالك في الموطأ برقم (449). وأخرجه أبو داود برقم (1176)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1043). (¬4) أخرجه مسلم برقم (897). (¬5) أخرجه البخاري برقم (1013). (¬6) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1013)، واللفظ له، ومسلم برقم (897). (¬7) أخرجه البخاري برقم (1032). (¬8) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1038)، ومسلم برقم (71). (¬9) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1025)، واللفظ له، ومسلم برقم (894). (¬10) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (1173)، صحيح سنن أبي داود رقم (1040).

* الاجتماع على العبادات والطاعات نوعان:

* الاجتماع على العبادات والطاعات نوعان: 1 - أحدهما: سنة راتبة إما واجب كالصلوات الخمس والجمعة، أو مسنون كالعيدين والتراويح والكسوف والاستسقاء، فهذا سنة راتبة ينبغي المحافظة والمداومة عليها. 2 - الثاني: ما ليس بسنة راتبة كالاجتماع لصلاة تطوع كقيام الليل، أو على قراءة قرآن، أو ذكر لله أو دعاء، فهذا يجوز فعله أحياناً ولا يتخذ عادة راتبة.

8 - صلاة الضحى

8 - صلاة الضحى * صلاة الضحى سنة، أقلها ركعتان ولا حد لأكثرها. * وقتها: بعد ارتفاع الشمس قيد رمح (متر) أي بعد (خمس عشرة دقيقة) تقريباً إلى قبيل الزوال، وأفضل وقتها إذا اشتد الحر حين ترمض الفصال.

* فضل صلاة الضحى:

* فضل صلاة الضحى: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. متفق عليه (45). 2 - عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1981)، واللفظ له، ومسلم برقم (721).

9 - صلاة الاستخارة

9 - صلاة الاستخارة 1 - الاستخارة: هي طلب الخيرة من الله تعالى في أمر من الأمور المشروعة المباحة، أو المندوبة إذا تعارضت. 2 - صلاة الاستخارة سنة، وهي ركعتان، ودعاء الاستخارة يكون قبل السلام أو بعده، والدعاء قبل السلام أفضل، ويجوز للمستخير أداء هذه العبادة أكثر من مرة في أوقات مختلفة. 3 - الاستخارة والاستشارة تكون لمن هم في أمر غير محرم ولا مكروه، وهما مستحبتان، فما ندم من استخار الخالق واستشار المخلوق كما قال سبحانه: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (آل عمران/ 159).

* صفة الاستخارة:

* صفة الاستخارة: عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: ((إذا هَمَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري- أو قال في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضِّني به، ويسمي حاجته)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (720).

سجود التلاوة

سجود التلاوة * حكمه: سنة في الصلاة وخارجها، ويسن سجود التلاوة للقارئ والمستمع.

* عدد السجدات في القرآن:

* عدد السجدات في القرآن: في القرآن خمس عشرة سجدة: في سورة الأعراف، والرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج سجدتان، والفرقان، والنمل، والسجدة، وص، وفصلت، والنجم، والانشقاق، والعلق. * آيات السجود في القرآن نوعان: أخبار وأوامر، فهي إما خبر من الله عن سجود مخلوقاته له عموماً وخصوصاً، فيُسن للتالي والمستمع أن يتشبه بهم، وإما آيات تأمر بالسجود لله سبحانه فيبادر لطاعة ربه عز وجل.

* صفة سجود التلاوة:

* صفة سجود التلاوة: سجود التلاوة سجدة واحدة، يكبِّر إذا سجد وإذا رفع في الصلاة، وإذا سجد خارج الصلاة سجد بلا تكبير ولا تشهد ولا تسليم.

* فضل سجود التلاوة:

* فضل سجود التلاوة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله،- وفي رواية- يا ويلي أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار)). أخرجه مسلم (¬1). * إذا سجد الإمام لزم المأموم متابعته، ولا يكره للإمام قراءة آية أو سورة فيها سجدة في صلاة سرية. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6382).

* ما يقول في سجود التلاوة:

* ما يقول في سجود التلاوة: 1 - يقول في سجود التلاوة ما يقول في سجود الصلاة كقوله: ((سبحان ربي الأعلى))، أو ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي))، ونحوهما كما سبق. 2 - ويقول: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره (وأحسن صورته) وشق سمعه وبصره (بحوله وقوَّته) وتبارك الله أحسن الخالقين)). أخرجه مسلم وأبو داود (¬1). 3 - ((اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود)). أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). * يسن السجود للتلاوة على طهارة، ويجوز للمحدث، والحائض، والنفساء، السجود للتلاوة إذا مر بآية سجدة أو استمع إليها. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (81). (¬2) أخرجه مسلم برقم (771)، وأخرجه أبو داود برقم (760)، صحيح سنن أبي داود رقم (688). وأخرجه أبو داود أيضا برقم (1414)، صحيح سنن أبي داود رقم (1255).

سجود الشكر * متى يشرع سجود الشكر:

سجود الشكر * متى يشرع سجود الشكر: 1 - يسن سجود الشكر عند تجدد النعم كمن بُشّر بهداية أحد، أو إسلامه، أو بنصر المسلمين، أو بشر بمولود ونحو ذلك. 2 - ويسن سجود الشكر عند اندفاع النقم كمن نجا من غرق، أو حرق، أو قتل، أو لصوص ونحو ذلك. * صفة سجود الشكر: سجدة واحدة بلا تكبير ولا تسليم، ومحله خارج الصلاة، ويسجد حسب حاله قائماً أو قاعداً، طاهراً أو محدثاً، والطهارة أفضل. عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يَسرُّه، أو يُسرُّ به خَرَّ ساجداً شكرا لله تبارك وتعالى. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه أبو داود برقم (2774)، صحيح سنن أبي داود رقم (2412). وأخرجه ابن ماجه برقم (1394)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1143).

أوقات النهي * أوقات النهي عن الصلاة خمسة، وهي:

أوقات النهي * أوقات النهي عن الصلاة خمسة، وهي: 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب. أخرجه مسلم (¬2). * تجوز صلاة النفل بعد العصر إذا كانت الشمس بيضاء نقية مرتفعة. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). * يجوز قضاء الفرائض في تلك الأوقات الخمسة، وركعتي الطواف، وما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الوضوء، وصلاة الكسوف ونحو ذلك. * يجوز للمعذور قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وسنة الظهر بعد صلاة العصر. * تجوز الصلاة في المسجد الحرام في كل وقت. عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)). أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (586)، ومسلم برقم (827)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (831). (¬3) صحيح/أخرجه أبو داود برقم (1274) وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1135). وأخرجه النسائي برقم (573)، صحيح سنن النسائي رقم (558). (¬4) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (868)، صحيح سنن الترمذي رقم (688). وأخرجه ابن ماجه برقم (1254)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1036).

3 - الجنائز

1 - الموت وأحكامه * الإنسان مهما طال أجله فلا بد أن يموت وينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والقبر أول منازل الآخرة. ومن حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات. 1 - قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة/8). 2 - قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (النساء/78).

* ما يجب على المريض:

* ما يجب على المريض: يجب على المريض أن يؤمن بقضاء الله، ويصبر على قدره، ويحسن الظن بربه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، ولا يتمنى الموت، وأن يؤدي حقوق الله تعالى، وحقوق الناس، وأن يكتب وصيته، ويوصي لأقاربه الذين لا يرثونه بالثلث فأقل وهو الأفضل، وأن يتداوى بمباح، ويسن أن يشكو حاله إلى ربه، ويطلب الشفاء منه.

* حكم تمني الموت:

* حكم تمني الموت: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنيَنَّ أحد منكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لا بد متمنياً للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)). متفق عليه (¬1). * يجب على المسلم أن يستعد للموت ويكثر من ذكره، والاستعداد للموت يكون بالتوبة من المعاصي، وإيثار الآخرة، والخروج من المظالم، والإقبال على الله بالطاعات، واجتناب المحرمات. وتسن عيادة المريض، وتذكيره التوبة والوصية، ويتداوى عند طبيب مسلم لا كافر، إلا إذا احتاج إليه وأمن مكره. * يسن لمن شهد من حضرته الوفاة أن يلقنه الشهادة، فيذكره بقول: ((لا إله إلا الله))، وأن يدعو له، ولا يقول في حضوره إلا خيراً. ولا بأس أن يحضر المسلم وفاة الكافر ليعرض عليه الإسلام، ويقول له: ((قل لا إله إلا الله)). ¬

(¬1) متفق عليه أخرجه البخاري برقم (6351)، واللفظ له، ومسلم برقم (2680).

* علامات حسن الخاتمة:

* علامات حسن الخاتمة: 1 - نطق الميت بالشهادة عند الموت. 2 - موت المؤمن بعرق الجبين. 3 - الاستشهاد أو الموت في سبيل الله. 4 - الموت مرابطاً في سبيل الله. 5 - الموت دفاعاً عن نفسه، أو ماله، أو أهله. 6 - الموت ليلة الجمعة، أو يومها، وذلك يقيه فتنة القبر. 7 - الموت بذات الجنب، أو بداء السل. 8 - الموت بالطاعون، أو بداء البطن، أو الغرق، أو الحرق، أو الهدم. 9 - موت المرأة في نفاسها بسبب الولادة ونحو ذلك.

* ذكر الموت:

* ذكر الموت: يجب على المسلم أن يتذكر دائماً الموت لا على أنه فراق للأهل والأحباب ولذات الدنيا فهذه نظرة قاصرة، بل على أن الموت فيه فراق للعمل والحرث للآخرة، وبهذا يستعد ويزيد في عمل الآخرة، والإقبال على الله تعالى، أما النظرة الأولى فتزيده حسرة وندماً، وإذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة. * ويجب على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى عند الموت، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز رجل)). أخرجه مسلم (¬1). * من علامات الموت: يعرف موت الإنسان بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه، وشخوص بصره، وبرودته، وانقطاع نفسه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2877).

* ما يفعل بالمسلم إذا مات:

* ما يُفعل بالمسلم إذا مات: 1 - إذا مات المسلم سُن تغميض عينيه، ويدعو عند تغميضه بقوله: ((اللهم اغفر لفلان، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين)). أخرجه مسلم (¬1). ثم يشد لحييه بعصابة، ويلين مفاصله برفق، ويرفعه من الأرض، ويخلع ثيابه، ويستره بثوب يستر جميع بدنه، ثم يغسله. 2 - وتسن المبادرة بقضاء دينه، وتنفيذ وصيته، وإسراع تجهيزه، والصلاة عليه، ودفنه في البلد الذي مات فيه، ويجوز لمن حضره ولغيرهم كشف وجه الميت، وتقبيله، والبكاء عليه. * يجب قضاء حقوق الله تعالى عن الميت إن كانت كالزكاة والنذر والكفارة، وحجة الإسلام، وتقدم على حقوق الورثة في التركة وعلى الديون، فالله أحق بالوفاء، ونفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. * يجوز للمرأه أن تحد على وفاة ولدها أو غيره ثلاثة أيام، وعلى زوجها أربعة أشهر وعشراً، والمرأة لآخر أزواجها يوم القيامة. * يحرم على أقارب الميت وغيرهم النياحة على الميت، وهي أمر زائد على البكاء، والميت يعذب في قبره بما نيح عليه، ويحرم عند المصيبة لطم الخدود، وشق الجيوب، وحلق ونشر الشعر. * يباح إعلام الناس بموته ليشهدوا جنازته والصلاة عليه، ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس الاستغفار له، ويحرم النعي: وهو الإعلام بوفاة الميت على وجه التفاخر والتباهي ونحوهما. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (920).

* ما يقوله ويفعله المصاب عند المصيبة:

* ما يقوله ويفعله المصاب عند المصيبة: يجب على أقارب الميت وغيرهم إذا علموا بموته الصبر، ويسن لهم الرضا بالقدر، والاحتساب، والاسترجاع. عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منْها)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الناس من مُسلمٍ يُتَوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)). أخرجه البخاري (¬2). * الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن المحرم كلطم الخد وشق الثوب ونحوهما. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (918). (¬2) أخرجه البخاري برقم (1248).

* حكم تشريح جثة الميت:

* حكم تشريح جثة الميت: يجوز تشريح جثة المسلم إن كان الغرض منه التحقق من دعوى جنائية، أو التحقق عن أمراض وبائية، لما في ذلك من المصالح التي تعود على الأمن والعدل، ووقاية الأمة من الأمراض الخطيرة المعدية، وإن كان التشريح لغرض التعلم والتعليم فالمسلم له كرامته حياً وميتاً، فيُكتفى بتشريح جثث غير المسلمين إلا عند الضرورة بشروطها.

2 - غسل الميت

2 - غسل الميت * السنة أن يغسل الميت أعرف الناس بسنة الغسل، وله أجر عظيم إذا ابتغى بذلك وجه الله وستر عليه، ولم يحدث بما رآه منه من مكروه.

* من يغسل الميت؟

* من يغسل الميت؟ الأولى بغسل الرجل عند المشاحة وصيُّه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم ذوو أرحامه، والأنثى وصيتها، ثم أمها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب وهكذا، ويجوز لكل من الزوجين غسل صاحبه، ويجزئ غسل الميت ذكراً كان أو أنثى مرة واحدة يعم جميع بدنه. * يحضر غسل الميت الغاسل ومن يعينه على الغسل، ويكره لغيرهم حضوره. * إذا اجتمع مسلمون وكفار وماتوا بحرق ونحوه ولم يمكن تمييزهم غسلوا، وكفنوا، وصُلي عليهم، ودفنوا بنية المسلمين منهم. * يجوز لرجل وامرأة غسل من له سبع سنين ذكراً كان أو أنثى، وإذا مات رجل بين نسوة أجانب، أو ماتت امرأة بين رجال أجانب، أو تعذر غسله، صُلي عليه ودفن بلا غسل. * شهيد المعركة في سبيل الله لا يُغسل وما سواه من الشهداء يغسل. * يحرم أن يغسل مسلم كافراً أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته أو يدفنه، بل يواريه بالتراب إذا عُدم من يواريه من أقاربه، ومثله المرتد.

* صفة الغسل المسنون للميت:

* صفة الغسل المسنون للميت: إذا أراد أحد غسل الميت وضعه على سرير الغسل، ثم ستر عورته، ثم جرده من ثيابه، ثم رفع رأسه إلى قرب جلوسه، ثم يعصر بطنه برفق ويكثر صب الماء، ثم يلف على يده خرقة أو قفازين وينجيه. ثم ينوي غسله، ويوضئه ندباً كوضوء الصلاة بعد أن يضع على يده خرقة أخرى، ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه، لكن يدخل أصبعيه مبلولتين في أنفه وفمه. ثم يغسله بالماء والسدر أو الصابون يبدأ برأسه ولحيته، ثم شقه الأيمن من عنقه إلى قدمه. ثم يقلبه على جنبه الأيسر، ويغسل شق ظهره الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك. ثم يغسله مرة ثانية وثالثة مثل الغسل الأول فإن لم ينق زاد حتى ينقي وتراً، ويجعل في الغسلة الأخيرة مع الماء كافوراً أو طيباً، وإن كان شاربه طويلاً، أو أظافره طويلة أخذ منها ثم يُنَشَّف بثوب. والمرأة يُجعل شعرها ثلاثة قرون، ويُسدل من ورائها. وإن خرج منه شيء بعد الغسل غسل المحل ووضأه، وحشى المحل بقطن.

3 - تكفين الميت

3 - تكفين الميت * يجب تكفين الميت من ماله، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته من الأصول والفروع. * صفة تكفين الميت: يسن أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض جديدة، تجمر بالبخور ثلاثاً، ثم تبسط بعضها فوق بعض، ويجعل الحنوط وهو أخلاط من الطيب فيما بين اللفائف، ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقياً على ظهره، ويجعل من الحنوط في قطن بين إليتيه، ويشد فوقه خرقة على هيئة سروال صغير يستر عورته، ويطيب ذلك مع سائر بدنه. ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الأيسر فوقها، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك، ويجعل الفاضل عند رأسه، أو عند رأسه ورجليه إن زاد، ثم يعقد عرضاً على اللفائف أحزمة لئلا تنتشر، وتُحَلُّ في القبر، والمرأة كالرجل فيما سبق، ويكفن الصبي في ثوب واحد، ويجوز في ثلاثة أثواب. عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثة أثواب يمانية بيض سَحولية من كُرسُفٍ ليس فيهن قميص ولا عمامة. متفق عليه (¬1). * يجوز تكفين الميت بثوب واحد يستر جميع بدنه. * شهيد المعركة في سبيل الله يُدفن في ثيابه التي استشهد فيها، ولا يغسل، ويستحب تكفينه بثوب أو أكثر فوق ثيابه. * المحرم إذا مات يُغسل بماء وسدر أو صابون، ولا يقرب طيباً، ولا يُلبس مخيطاً، ولا يغطى رأسه ولا وجهه إن كان رجلاً؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً على حالته، ولا يقضى عنه بقية النسك، ويكفن في ثوبيه الذي مات فيهما. * السقط إذا مات وله أربعة أشهر غُسِّل، وكُفِّن، وصُلِّي عليه. * من تعذر غسله لاحتراق أو تمزق ونحوهما، أو عُدم الماء كُفن وصُلي عليه، وتصح الصلاة على بعض أجزاء الميت كيد، ورجل ونحوهما إذا تعذر الحصول على بقية البدن. * إذا خرج من الميت بعد تكفينه نجاسة لم يُعد الغسل، لما فيه من الحرج والمشقة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1264)، واللفظ له، ومسلم برقم (941).

4 - صفة الصلاة على الميت

4 - صفة الصلاة على الميت * شهود الجنازة واتباعها فيه فوائد جمة أهمها: أداء حق الميت بالصلاة عليه، والشفاعة فيه والدعاء له، وأداء حق أهله، وجبر خاطرهم عند مصيبتهم في ميتهم، وتحصيل الأجر العظيم للمشيع، وحصول العظة والاعتبار بمشاهدة الجنائز والمقابر وغير ذلك. * صلاة الجنازة فرض كفاية، وهي زيادة في أجر المصلين وشفاعة في حق الميتين ويستحب كثرة المصلين عليها، وكلما كان المصلون أكثر فهو أفضل. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهما الله فيه)). أخرجه مسلم (¬1). * يتوضأ من أراد الصلاة على الميت ويستقبل القبلة ويجعل الجنازة بينه وبين القبلة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (948).

* صفة الصلاة على الميت:

* صفة الصلاة على الميت: السنة أن يقوم الإمام عند رأس الرجل الميت، وعند وسط المرأة، ويكبر أربعاً، وأحياناً يكبر خمساً، أو ستاً، أو سبعاً، أو تسعاً، خاصة على أهل العلم والفضل، والصلاح والتقوى، ومن لهم قدم صدق في الإسلام، يفعل هذا مرة، وهذا مرة، إحياء للسنة. * يكبر التكبيرة الأولى رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، وكذا في بقية التكبيرات، ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى على صدره ولا يستفتح، ثم يتعوذ، ويسمي، ويقرأ الفاتحة سراً، وأحيانا يقرأ معها سورة. * ثم يكبر الثانية ويقول: ((اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلِّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)). متفق عليه (¬1). * ثم يكبر الثالثة ويدعو بإخلاص بما ورد، ومنه: * ((اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحْيِه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). * ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسع مُدخَله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النار))). أخرجه مسلم (¬3). * ((اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِ من فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬4). * وإن كان الميت صغيراً زاد: ((اللهم اجعله لنا سلفاً، وفَرَطاً، وأجراً، وذُخراً)). أخرجه البيهقي (¬5). * ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً يدعو، ثم يسلم واحدة عن يمينه، وإن سلم ثانية عن يساره أحياناً فلا بأس. * من فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، وإن لم يقضه وسلم مع الإمام فصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى. * السنة أن يصلي على الميت جماعة، وأن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، وإذا اجتمعت جنائز فيُسن أن يلي الإمام الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، ويصلي عليهم صلاة واحدة، ويجوز أن يصلي على كل جنازة صلاة. * يكون الدعاء في صلاة الجنازة على حسب الميت، فالرجل كما سبق، ويؤنث الضمير مع الأنثى، ويجمع الضمير إذا تعددت الجنائز، وإن كن نساء قال: اللهم اغفر لهن وهكذا، وإن كان لا يعلم المقدم ذكراً أو أنثى، جاز أن يخاطب الميت أو الجنازة فيقول: اللهم اغفر له، أو اغفر لها. * شهداء المعركة في سبيل الله الإمام مخير فيهم، إن شاء صلى عليهم، وإن شاء ترك، والصلاة أفضل، ويدفنون في مصارعهم، وما سواهم من الشهداء كالغريق والحريق ونحوهم فهم شهداء في ثواب الآخرة لكن يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم. * تسن الصلاة على الميت المسلم، براً كان أو فاجراً، لكن تارك الصلاة لا يصلى عليه. * قاتل نفسه والغال من الغنيمة للإمام أو نائبه أن لا يصلي عليهما عقوبة لهما وزجراً لغيرهما، ويصلي عليهما المسلمون. * المسلم الذي أقيم عليه حد الرجم، أو القصاص، يُغَسَّل، ويُصلى عليه صلاة الجنازة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3370)، واللفظ له، ومسلم برقم (406). (¬2) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (3201)، صحيح سنن أبي داود رقم (2741). وأخرجه ابن ماجه برقم (1498)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1217). (¬3) أخرجه مسلم برقم (963). (¬4) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3202)، صحيح سنن أبي داود رقم (2742). وأخرجه ابن ماجه برقم (1499)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1218). (¬5) حسن / أخرجه البيهقي برقم (6794). انظر أحكام الجنائز للألباني صـ (161).

* فضل الصلاة على الجنازة واتباعها حتى تدفن:

* فضل الصلاة على الجنازة واتباعها حتى تدفن: السنة اتباع الجنازة إيماناً واحتساباً حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، واتباع الجنائز للرجال دون النساء، ولا تُصحب الجنازة بصوت، ولا نار، ولا قراءة، ولا ذكر. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجع بقيراط)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (47)، واللفظ له، ومسلم برقم (945).

* مكان الصلاة على الجنائز:

* مكان الصلاة على الجنائز: السنة أن يُصلَّى على الجنائز في مكان معد للصلاة على الجنائز وهو الأفضل، ويجوز أن يصلى عليها في المسجد أحياناً، ومن فاتته الصلاة عليها في أحدهما فالأفضل أن يصلي عليها بعد الدفن، ومن دفن ولم يصل عليه صلي عليه في قبره. * إذا مات الميت وأنت أهل للصلاة، ومخاطب بالصلاة عليه ولم تصل عليه فلك أن تصلي على قبره.

* حكم الصلاة على الغائب:

* حكم الصلاة على الغائب: تسن صلاة الجنازة على الغائب الذي لم يصل عليه. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات. متفق عليه (¬1). * السنة الإسراع بتجهيز الجنازة والصلاة عليها والذهاب بها إلى المقبرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تَكُ صالحة، فخير تقدمُونها إليه، وإن تَكُ سوى ذلك، فشرٌّ تضعونه عن رقابكم)). متفق عليه (¬2). * المرأة كالرجل إذا حضرت الجنازة في المصلى، أو المسجد فإنها تصلي عليها مع المسلمين، ولها من الأجر مثل ما للرجل في الصلاة والتعزية. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1327)، ومسلم برقم (951)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1315)، واللفظ له، ومسلم برقم (944).

* الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات ولا يصلى عليهم فيها:

* الأوقات التي لا يدفن فيها الأموات ولا يصلى عليهم فيها: عن عُقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتى تغرب)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (831).

5 - حمل الميت ودفنه

5 - حمل الميت ودفنه * يُسن أن يحمل الميت أربعة رجال، وأن يكون المشاة أمامها وخلفها، والركبان خلفها، فإن كانت المقبرة بعيدة، أو وجدت مشقة فلا بأس بحملها على الراحلة. * يدفن المسلم في مقابر المسلمين رجلاً كان أو امرأة، كبيراً أو صغيراً، ولا يجوز دفنه في مسجد ولا في مقابر المشركين ونحوها.

* صفة دفن الميت:

* صفة دفن الميت: يجب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه، فإذا بلغ أسفل القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً بقدر الميت يوضع فيه الميت يسمى (اللحد)، وهو أفضل من الشق، ويقول مدخله: ((باسم الله، وعلى سنة رسُول الله- وفي رواية- وعلى ملة رسول الله)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ويضعه في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ثم ينصب اللبن عليه نصباً، ويشرك بينها بالطين، ثم يدفن بالتراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مُسَنَّماً. * يحرم البناء على القبر وتجصيصه والوطء عليه، والصلاة عنده، واتخاذه مسجداً والسرج عليه، ونثر الورود عليه، والطواف به، والكتابة عليه، واتخاذه عيداً. * لا يجوز بناء مسجد على قبر، ولا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد بني قبل الدفن سُوِّيَ القبر، أو نُبِش إن كان جديداً ودُفِن في المقبرة، وإن بني المسجد على القبر فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، وكل مسجد بني على قبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل. * السنة أن يعمق القبر تعميقاً يمنع خروج الريح منه وحفر السباع له، وأن يكون في أسفله لحداً كما سبق وهو الأفضل، أو الشق: وهو أن يحفر في قاع القبر حفرة في الوسط، يوضع فيها الميت، ثم ينصب عليه اللبن، ثم يدفن. * السنة دفن الميت نهاراً، ويجوز الدفن ليلاً. * لا يجوز أن يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لضرورة ككثرة القتلى، وقلة من يدفنهم، ويقدم في اللحد الأفضل منهم، ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت. * يجوز نقل الميت من قبره إلى قبر آخر إن كان هناك مصلحة للميت كأن يغمر قبره الماء، أو قبر في مقابر الكفار ونحو ذلك، فالقبور دار الأموات ومنازلهم ومحل تزاورهم وهم قد سبقوا إليها فلا يحل نبشهم من قبورهم إلا لمصلحة الميت. * يتولى إنزال الميت في قبره الرجال دون النساء، وأولياء الميت أحق بإنزاله، ويُسن أن يدخل الميت في قبره من عند رجلي القبر، ثم يدخل رأسه سلاً في القبر، ويجوز إدخال الميت القبر من أي جهة، ويحرم كسر عظم الميت. * لا يجوز للنساء اتباع الجنائز؛ لما عندهن من الضعف والرقة والجزع وعدم تحمل المصائب فيخرج منهن أقوال وأفعال محرمة تنافي الصبر الواجب. * يسن لولي الميت أن يُعلم قبره بحجر ونحوه؛ ليدفن إليه من يموت من أهله، ويعرف بها قبر ميته. * من مات في البحر، وخُشي تغيره غُسِّل، وكُفِّن، وصُلي عليه، وأُرسب في الماء. * العضو المقطوع من المسلم الحي بأي سبب لا يجوز إحراقه، ولا يغسل ولا يصلى عليه، بل يلف في خرقة ويدفن في المقبرة. * يستحب للمسلم أن يقوم للجنازة إذا مرت به، ومن جلس فلا حرج عليه. * يُسن الجلوس إذا وضعت الجنازة وأثناء الدفن، وتذكير الحاضرين أحياناً بالموت وما بعده. * يُسن بعد دفن الميت أن يقف من حضر على القبر ويدعو له بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بالاستغفار له، ولا يلقنه؛ لأن التلقين عند الوفاة قبل الموت. * يشرع للمسلم أن يتولى مواراة قريبه المشرك كأبيه أو أمه ونحوهما، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يشرع لأقارب المشرك من المسلمين أن يتبعوا جنازته. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3213)، صحيح سنن أبي داود رقم (2752). وأخرجه الترمذي برقم (1046)، صحيح سنن الترمذي رقم (836).

6 - التعزية

6 - التعزية * تسن تعزية المصاب بالميت قبل الدفن أو بعده، فيقال لمصاب بميت مسلم: ((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)). متفق عليه (¬1). ويدعو للميت والمصاب بقوله: ((اللهم اغفر لأبي فلان، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)). أخرجه مسلم (¬2). * تسن تعزية أهل الميت ولا حد لها، ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الصبر والرضا في حدود الشرع، ويدعو للميت والمصاب. * تجوز التعزية في كل مكان: في المقبرة، والسوق، والمصلى، والمسجد، والبيت، ويجوز أن يجتمع أهل الميت في بيت أو مكان فيقصدهم من أراد التعزية، ويعزيهم ثم ينصرف. * لا يجوز لأهل الميت تخصيص لباس معين للتعزية كالأسود مثلاً؛ لما فيه من التسخط على قضاء الله وقدره. * تجوز تعزية الكفار من غير دعاء لميتهم إن كانوا ممن لا يظهر العداء للإسلام والمسلمين. * يسن أن يصنع لأهل الميت طعام ويبعث به إليهم، ويكره لأهل الميت صنع طعام للناس واجتماعهم عليه. * يجوز البكاء على الميت إن لم يكن معه ندب أو نياحة، ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، ورفع الصوت ونحوه، والميت يعذب- أي يتألم ويتكدر- في قبره إذا نيح عليه بوصية منه. 1 - عن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: ((لا تبكوا على أخي بعد اليوم))، ثم قال: ((ادعوا لي بني أخي)) فجيء بنا كأنّا أفرخٌ فقال: ((ادعوا لي الحلاق)) فأمره فحلق رؤوسنا. أخرجه أبو داود والنسائي (¬3). 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)). متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7377)، واللفظ له، ومسلم برقم (923). (¬2) أخرجه مسلم برقم (920). (¬3) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4192)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3532). وأخرجه النسائي برقم (5227)، صحيح سنن النسائي رقم (4823). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1292)، واللفظ له، ومسلم برقم (927).

7 - زيارة القبور

7 - زيارة القبور * تسن زيارة القبور للرجال؛ لأنها تذكر بالآخرة والموت، والزيارة تكون للاعتبار، والاتعاظ، والسلام عليهم، والدعاء لهم، لا لدعائهم، أو التبرك بهم، أو بتراب قبورهم، فذلك كله لا يجوز. * يحرم على جميع الأحياء دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، والطواف على قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم، والذبح عند القبور، واتخاذها مساجد وكل ذلك من الشرك الذي توعد الله صاحبه بالنار. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). قالت: فلولا ذاك أُبرِزَ قبرُه، غير أنه خشي أن يُتخذ مسجداً. متفق عليه (¬1). * ما يقال عند دخول المقبرة وزيارة القبور: 1 - ((السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون)). أخرجه مسلم (¬2). 2 - أو يقول: ((السلام عليكم دار قوم مُؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)). أخرجه مسلم (¬3). 3 - أو يقول: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)). أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1330)، ومسلم برقم (529) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (974). (¬3) أخرجه مسلم برقم (249). (¬4) أخرجه مسلم برقم (975).

* حكم زيارة النساء للقبور:

* حكم زيارة النساء للقبور: زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب، فلا تجوز زيارة النساء للقبور، لكن إذا مرت المرأة بالمقبرة بدون قصد الزيارة فيُسن أن تسلم على أهل القبور، وتدعو لهم بما ورد من غير أن تدخلها.

* أحوال من يزور القبور:

* أحوال من يزور القبور: 1 - أن يدعو الله للأموات، ويستغفر لهم، ويعتبر بحال الموتى وتذكر الآخرة فهذه زيارة شرعية. 2 - أن يدعو الله تعالى لنفسه أو لغيره عند القبور معتقداً أن الدعاء عند القبور أفضل من المساجد، فهذه بدعة منكرة. 3 - أن يدعو الله تعالى متوسلاً بجاه أو حق فلان كأن يقول: أسألك يا ربي بجاه فلان، فهذا محرم؛ لأنه وسيلة إلى الشرك. 4 - أن لا يدعو الله تعالى، بل يدعو أصحاب القبور كأن يقول: يا نبي الله، أو يا ولي الله، أو يا فلان أعطني كذا أو اشفني ونحو ذلك فهذا شرك أكبر. * الميت يعرف أحوال أهله وأصحابه في الدنيا، ويعرض عليه ذلك، ويسر بما كان حسناً، ويتألم بما كان قبيحاً، ويعرف الميت من يزوره، ويسمع كلامه وسلامه ودعاءه ويأنس به. * تجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام للعبرة فقط، ولا يدعو له ولا يستغفر له، بل يبشره بالنار. * المقابر محل العظة والاعتبار، فلا يجوز التعرض لها لا بتشجير ولا بتبليط ولا إنارة ولا بأي شيء من أنواع التجميل.

* ما يتبع الميت بعد موته:

* ما يتبع الميت بعد موته: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله)). متفق عليه (¬1). * فعل القُرب من مسلم لمسلم حي أو ميت لا يجوز إلا في حدود ما ورد في الشرع فعله مثل الدعاء له، والاستغفار له، والحج والعمرة عنه، والصدقة عنه، والصوم الواجب عمن مات وعليه صوم واجب كنذر، وأما استئجار قوم يقرؤون القرآن ويهدون ثوابه للميت فهي بدعة محدثة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6514)، واللفظ له، ومسلم برقم (296).

4 - الزكاة

1 - معنى الزكاة وحكمها وفضلها * شرع الله لعباده عبادات متنوعة، منها ما يتعلق بالبدن كالصلاة، ومنها ما يتعلق ببذل المال المحبوب إلى النفس كالزكاة، والصدقة، ومنها ما يتعلق بالبدن وبذل المال كالحج والجهاد، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن محبوباتها وما تشتهيه، كالصيام، ونوع الله العبادات ليختبر العباد، من يقدم طاعة ربه على هوى نفسه، وليقوم كل واحد بما يسهل عليه ويناسبه منها. * المال لا ينفع صاحبه إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط: أن يكون حلالاً، وأن لا يشغل صاحبه عن طاعة الله ورسوله، وأن يؤدي حق الله فيه. * الزكاة: هي النماء والزيادة، وهي حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت خاص. * فرضت الزكاة في مكة، أما تقدير نصابها، وبيان الأموال التي تزكى، وبيان مصارفها فكان في المدينة في السنة الثانية من الهجرة.

* حكم الزكاة:

* حكم الزكاة: الزكاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام. قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة/103).

* حكمة مشروعية الزكاة:

* حكمة مشروعية الزكاة: ليس الهدف من أخذ الزكاة جمع المال وإنفاقه على الفقراء والمحتاجين فحسب، بل الهدف الأول أن يعلو بالإنسان عن المال، ليكون سيداً له لا عبداً له، ومن هنا جاءت الزكاة لتزكي المعطي والآخذ وتطهرهما. * الزكاة وإن كانت في ظاهرها نقص من كمية المال لكن آثارها زيادة المال بركة، وزيادة المال كمية، وزيادة الإيمان في قلب صاحبها، وزيادة في خلقه الكريم، فهي بذل وعطاء، وبذل محبوب إلى النفس من أجل محبوب أعلى منه، وهو إرضاء ربه سبحانه، والفوز بجنته. * نظام المال في الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله وحده هو المالك الأصيل للمال، وله سبحانه وحده الحق في تنظيم قضية التملك، وإيجاب الحقوق في المال، وتحديدها وتقديرها، وبيان مصارفها، وطرق اكتسابها، وطرق إنفاقها. * الزكاة تكفر الخطايا، وهي سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار. * شرع الله الزكاة وحث على أدائها لما فيها من تطهير النفس من رذيلة الشح والبخل، وهي جسر قوي يربط بين الأغنياء والفقراء، فتصفو النفوس، وتطيب القلوب، وتنشرح الصدور، وينعم الجميع بالأمن والمحبة والأخوة. * والزكاة تزيد في حسنات مؤديها، وتقي المال من الآفات، وتثمره، وتنميه وتزيده، وتسد حاجة الفقراء والمساكين، وتمنع الجراثيم المالية كالسرقات، والنهب، والسطو.

* مقادير الزكاة:

* مقادير الزكاة: جعل الله قدر الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه: فأوجب في الركاز وهو ما وجد من دفن الجاهلية بلا تعب (الخمس) = 20%. 2 - وما فيه التعب من طرف واحد وهو ما سقي بلا مؤنة (نصف الخمس) أي العشر=10%. 3 - وما فيه التعب من طرفين (البذر والسقي) وهو ما سقي بمؤنة (ربع الخمس) أي نصف العشر= 5%. 4 - وفيما يكثر فيه التعب والتقلب طول العام، كالنقود، وعروض التجارة (ثمن الخمس) أي ربع العشر= 2.5%.

* فضل أداء الزكاة:

* فضل أداء الزكاة: قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/277). * تجب الزكاة في مال الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والمعتوه والمجنون إذا كان المال مستقراً، وبلغ نصاباً، وحال عليه الحول، وكان المالك مسلماً حراً. * الكافر لا تجب عليه الزكاة وكذا سائر العبادات، لكنه يحاسب عليها يوم القيامة، أما في الدنيا فلا يُلزم بها، ولا تُقبل منه حتى يسلم. * الخارج من الأرض، ونتاج السائمة، وربح التجارة تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب ولا يشترط لها تمام الحول، أما الركاز فتجب الزكاة في قليله وكثيره، ولا يشترط له نصاب ولا حول. * نتاج السائمة، وربح التجارة حولهما حول أصلهما إن كان نصاباً. * من كان له دين على مليء فيخرج زكاته إذا قبضه لما مضى، والأفضل أن يزكيه قبل قبضه، وإن كان الدَّين على معسر أو مماطل فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة.

* زكاة الوقف:

* زكاة الوقف: الأوقاف التي على جهات خيرية عامة كالمساجد، والمدارس، والربط ونحوها ليس فيها زكاة، وكل ما أُعد للإنفاق في وجوه البر العامة فهو كالوقف، لا زكاة فيه، وتجب الزكاة في الوقف على معين كأولاده مثلاً. * الزكاة واجبة مطلقاً ولو كان المزكِّي عليه دين ينقص النصاب إلا ديناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ثم يزكي ما بقي بعده، وبذلك تبرأ الذمة. * تجب الزكاة في عين المال، الحب من الحب، والشاة من الغنم، والنقود من النقود وهكذا، ولا يعدل عن ذلك إلا لحاجة ومصلحة. * لا يجوز لمن له مال على أحد لا يستطيع سداده أن يسقطه عنه بنية الزكاة. * ما أُعد من الأموال للقنية والاستعمال فلا زكاة فيه كدور السكنى، والثياب، وأثاث المنزل، والدواب، والسيارات ونحوها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)). متفق عليه (¬1). * إذا اجتمع عند الإنسان نقود تبلغ النصاب، وحال عليها الحول، ففيها الزكاة سواء أعدها للنافقة، أو الزواج، أو شراء عقار، أو لقضاء دين، أو غير ذلك. * إذا مات من عليه الزكاة ولم يخرجها أخرجها الوارث من التركة قبل الوصية وقسمة التركة. * إذا نقص النصاب في بعض الحول، أو باعه لا فراراً من الزكاة انقطع الحول، وإن أبدله بجنسه بنى على حوله. * إذا مات المسلم وعليه زكاة ودين وخلف مالاً لا يفي بهما قسم المال بينهما حسب النسبة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1463)، ومسلم برقم (982) واللفظ له.

* الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة، وهي:

* الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة، وهي: 1 - الأثمان: وهي الذهب والفضة، والأوراق المالية. 2 - السائمة من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم. 3 - الخارج من الأرض: كالحبوب، والثمار، والمعادن ونحوها. 4 - عروض التجارة: وهي كل ما أعد للتجارة.

2 - زكاة النقدين

2 - زكاة النقدين * يجب في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً فأكثر ربع العشر. * الدينار يزن من الذهب مثقالاً، والمثقال يزن بالميزان المعاصر (4.25) غرام. * عشرون ديناراً تساوي بالوزن (85) جراماً من الذهب، 20×4.25= 85 جراماً من الذهب. * يجب في الفضة إذا بلغت بالعدد (مائتي درهماً فأكثر) أو بالوزن (خمس أواق فأكثر) ربع العشر. * مائتي درهم تساوي بالوزن (595) جراماً، وهي قدر (56) ريالاً سعودياً فضياً، وقيمة ريال الفضة السعودي تساوي الآن سبعة ريالات سعودية ورقية، فيكون حاصل ضرب 56×7= 392 هو أقل نصاب العملة الورقية السعودية، وفيها ربع العشر (9.8) ريالات يعادل (2.5%) وهكذا.

* تصنيع الذهب والفضة له ثلاث حالات:

* تصنيع الذهب والفضة له ثلاث حالات: 1 - إن كان القصد من التصنيع التجارة ففيه زكاة عروض التجارة ربع العشر؛ لأنه صار سلعة تجارية فيقوم بنقد بلده ثم يزكى. 2 - وإن كان القصد من التصنيع اتخاذه تحفاً كالأواني من سكاكين وملاعق وأباريق ونحوها فهذا محرم، لكن تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً ربع العشر. 3 - وإن كان القصد من التصنيع الاستعمال المباح أو الإعارة ففيه ربع العشر إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول. * الأوراق المالية الحالية كالريال والدولار ونحوها حكمها حكم الذهب والفضة، فتقوّم على أساس القيمة، فإذا بلغت نصاب أحد النقدين وجبت فيها الزكاة، ومقدارها ربع العشر إذا حال عليها الحول.

* كيفية إخراج زكاة الأوراق المالية:

* كيفية إخراج زكاة الأوراق المالية: تُقوَّم بنصاب أحد النقدين، فإذا كان أقل نصاب الذهب (85) جراماً، وقيمة الجرام (40) ريالاً سعودياً مثلاً، فنضرب نصاب الذهب بقيمة الجرام (85 ×40= 3400) ريال هي أقل نصاب الأوراق المالية، وفيها ربع العشر، (85) ريالاً سعودياً، وهو يعادل (2.5%) وهكذا. * لإخراج مقدار زكاة الأوراق المالية يقسم المال على (40) فيخرج ربع العشر، وهو الواجب في زكاة النقدين وما يلحق بهما، فمثلاً: لو كان عنده ثمانون ألف ريال (80000÷40= 2000) ريال هي مقدار زكاة ذلك المبلغ، وهي ربع العشر وهكذا.

* حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال:

* حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال: يباح للنساء لبس ما جرت عادتهن بلبسه من غير إسراف ذهباً كان أو فضة، وعليهن زكاته كل عام إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول، ومن جهل الحكم يلزمه إخراج الزكاة من حين عَلِم، وما مضى من الأعوام قبل العلم فليس فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم بها. * الألماس واللؤلؤ والأحجار الثمينة ونحوها إذا كانت للبس لا زكاة فيها، أما إذا كانت للتجارة فتقوَّم قيمتها بنصاب أحد النقدين، فإن بلغت نصاباً وحال عليه الحول ففيها ربع العشر. * لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، وتضم قيمة العروض إلى كل منهما.

3 - زكاة بهيمة الأنعام

3 - زكاة بهيمة الأنعام * بهيمة الأنعام هي (الإبل، والبقر، والغنم).

* زكاة بهيمة الأنعام لها حالتان:

* زكاة بهيمة الأنعام لها حالتان: 1 - تجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم إذا كانت سائمة ترعى الحول أو أكثره في الصحاري والقفار المباحة. فإذا بلغت النصاب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة سواء كانت للدر، أو النسل، أو التسمين، ويخرج من كل جنس بحسبه. ولا يؤخذ في الزكاة خيار أموال الناس ولا شرارها، بل يؤخذ أوسطها. 2 - وإذا كانت الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو غيرها من الحيوانات والطيور يعلفها أو يطعمها صاحبها من بستانه، أو يشتري لها، أو يجمع لها ما تأكله فهذه إن كانت للتجارة وحال عليها الحول تُقوَّم قيمتها، فإن بلغت نصاباً ففيها ربع العشر، وإن لم تكن للتجارة كما لو اتخذها للدر والنسل وعلفها فلا زكاة فيها. * أقل نصاب الغنم (40) شاة، وأقل نصاب البقر (30) بقرة، وأقل نصاب الإبل (5) من الإبل.

1 - أنصبة الغنم

1 - أنصبة الغنم 40 - 120 شاة 121 - 200 شاتان 201 - 399 ثلاث شياه ثم في كل مائة: شاة، ففي (399) ثلاث شياه، وفي (400) أربع شياه، وفي (499) أربع شياه، وهكذا.

2 - أنصبة البقر

2 - أنصبة البقر 30 - 39 تبيع أو تبيعة، وهو ما له سنة 40 - 59 مسنة من البقر، وهي ما لها سنتان 60 - 69 تبيعان أو تبيعتان * ثم في كل (30): تبيع أو تبيعة، وفي كل (40): مسنة، ففي (50): مسنة، وفي (70): تبيع ومسنة وفي (100): تبيعان ومسنة، وفي (120): أربع تبيعات، أو ثلاث مسنات وهكذا.

3 - أنصبة الإبل

3 - أنصبة الإبل 5 - 9 شاة 10 - 14 شاتان 15 - 19 ثلاث شياه 20 - 24 أربع شياه 25 - 35 بنت مخاض من الإبل، وهي ما له سنة 36 - 45 بنت لبون، وهي ما له سنتان 46 - 60 حقة، وهي ما لها ثلاث سنين 61 - 75 جذعة، وهي ما لها أربع سنين 76 - 90 بنتا لبون 91 - 120 حقتان * فإذا زادت عن (120) فالواجب في كل (40): بنت لبون، وفي كل (50): حقة، ففي (121) ثلاث بنات لبون، وفي (130): حقة وبنتا لبون، وفي (150): ثلاث حقائق، وفي (160): أربع بنات لبون، وفي (180): حقتان وبنتا لبون، وفي (200): خمس بنات لبون، أو أربع حقائق وهكذا. * من وجبت عليه بنت لبون وعدمها فله أن يخرج بنت مخاض ويدفع جبراناً، والجبران: (شاتان أو عشرون درهما)، أو يدفع حقة ويأخذ الجبران، والجبران خاص في الإبل فقط. * يؤخذ في زكاة الغنم الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، أو الثنية من المعز، وهي ما لها سنة. * لا يؤخذ في الزكاة إلا الأنثى، ولا يجزئ الذكر إلا في زكاة البقر، وابن اللبون أو الحق أو الجذع مكان بنت مخاض من الإبل، أو إذا كان النصاب كله ذكوراً. * لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة في بهيمة الأنعام، فمن كان عنده أربعون شاة لا يجوز له أن يفرقها في مكانين فإذا جاء العامل لم يجد النصاب، أو يكون عنده أربعون شاة، وعند الآخر مثلها، وعند الثالث مثلها، يجمعونها حتى لا يؤخذ منهم إلا شاة، ولو فرَّقوها لوجب عليهم ثلاث شياه، فهذا كله من الحيلة التي لا تجوز. * لا يأخذ الساعي كرائم الأموال، فلا يأخذ الحامل ولا الفحل ولا التي تربي ولدها ولا السمينة المعدة للأكل، وإنما يأخذ من الوسط وهكذا في بقية الأصناف.

4 - زكاة الخارج من الأرض

4 - زكاة الخارج من الأرض * الخارج من الأرض: الحبوب، والثمار، والمعادن، والركاز ونحوها. * تجب الزكاة في الحبوب كلها، وفي كل ثمر يكال ويدخر كتمر وزبيب، ويشترط أن يكون مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، وبلوغ النصاب ومقداره (خمسة أوسق)، وهي ثلاثمائة صاع نبوي، أي ما يعادل (612) كيلو جراماً من البر تقريباً. * الصاع النبوي بالوزن يساوي (2.40) كيلو جراماً من البر تقريباً، فالإناء الذي يتسع لهذا يعادل الصاع النبوي، وهو ما يعادل أربعة أمداد متوسطة. * تضم ثمرة العام الواحد في تكميل النصاب إذا كانت جنساً واحدا كأنواع التمر مثلاً. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة، وليس فيما دون خمس أوسقٍ صدقة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1405)، واللفظ له، ومسلم برقم (979).

* الواجب في زكاة الحبوب والثمار

* الواجب في زكاة الحبوب والثمار 1 - العشر، فيما سقي بلا مؤنة كالذي يشرب من مياه الأمطار، أو العيون ونحوها. 2 - نصف العشر، فيما سقي بمؤنة كمياه الآبار التي تخرج بالآلات أو غيرها. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر)). متفق عليه (¬1). * وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار إذا اشتد الحب، وبدأ صلاح الثمرة، وصلاح الثمر: أن يحمر أو يصفر، فإذا باعه صاحبه بعد ذلك فزكاته عليه لا على المشتري. * إذا تلفت الحبوب والثمار بغير تعد ولا تفريط من المالك سقطت الزكاة الواجبة فيها. * لا زكاة في الخضروات والفواكه إلا إذا أعدت للتجارة، فيخرج من قيمتها ربع العشر إذا حال عليها الحول، وبلغت النصاب. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1483)، واللفظ له، ومسلم برقم (981).

* زكاة العسل:

* زكاة العسل: إذا جنى العسل من مُلكه، أو من موات من الأشجار والجبال ففيه العشر، ونصابه (160) رطلاً عراقياً، وهو ما يساوي (62) كيلو جراماً، وإن اتَّجر في العسل زكاهُ زكاة عروض التجارة: ربع العشر. * تجب الزكاة العشر أو نصف العشر على مستأجر الأرض أو البستان دون مالكها في جميع ما يخرج منها من مكيل ومدخر من الحبوب والثمار، أو غيرها، وعلى المؤجر زكاة ما أخذ من أجرتها من النقود إذا كان نصاباً، وحال عليه الحول من تاريخ عقد الإجارة. * كل ما يخرج من البحر كاللؤلؤ، والمرجان، والأسماك ونحو ذلك لا زكاة فيه، فإن كان للتجارة فيخرج من قيمته: ربع العشر، إذا بلغ نصاباً، وحال عليه الحول. * كل خارج من الأرض غير النبات من المعادن ونحوها فزكاته إذا بلغ نصاب أحد النقدين ربع عشر قيمته، أو ربع عشر عينه إن كان أثماناً كالنقدين.

* زكاة الركاز:

* زكاة الركاز: هو ما وجد من دفن الجاهلية، والواجب فيه الخمس، قل أو كثر، ولا يشترط له نصاب ولا حول كما تقدم، ويصرف مصرف الفيء، والباقي أربعة أخماس لواجده.

5 - زكاة عروض التجارة

5 - زكاة عروض التجارة * عروض التجارة: هي ما أعد لبيع وشراء لأجل الربح من عقار، وحيوان، وطعام، وشراب، وآلات ونحوها. * عروض التجارة إذا كانت للتجارة، وبلغت نصاباً، وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة، وتقوم عند الحول بالأحظ لأهل الزكاة ذهباً أو فضة، ويخرج ربع العشر من كامل القيمة، أو من العروض نفسها. * البيوت، والعقارات، والسيارات، والآلات ونحوها إذا كانت معدة للسكنى أو الاستعمال لا للتجارة فلا زكاة فيها، وإن كانت معدة للآجار فالزكاة على الأجرة من حين العقد إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول قبل أن ينفقها، وإن كانت معدة للتجارة وجبت الزكاة في قيمتها ربع العشر إذا بلغت نصاباً، وحال عليها الحول. * آلات المزارع والمصانع والمتاجر ونحوها لا زكاة في قيمتها؛ لأنها لم تعد للبيع، بل أعدت للاستعمال.

* إخراج زكاة الأسهم في الشركات:

* إخراج زكاة الأسهم في الشركات: 1 - الشركات الزراعية: إن كان استثمارها في الحبوب والثمار ونحوهما مما يكال ويُدَّخر ففيها زكاة الحبوب والثمار بشروطها، وإن كان في بهيمة الأنعام ففيها زكاة بهيمة الأنعام بشروطها، وإن كان لها مال سائل ففيه زكاة النقود ربع العشر بشروطها. 2 - الشركات الصناعية: مثل شركات الأدوية والكهرباء والإسمنت والحديد ونحوها فهذه تجب الزكاة في صافي أرباحها ربع العشر إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول قياساً على العقارات المعدة للكراء. 3 - الشركات التجارية: كالاستيراد والتصدير والبيع والشراء والمضاربات والتحويلات المالية ونحو ذلك مما يجوز التعامل به شرعاً، فهذه تجب فيها زكاة عروض التجارة في رأس المال وصافي الأرباح ربع العشر إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.

* زكاة الأسهم لها حالتان:

* زكاة الأسهم لها حالتان: 1 - إن كان صاحبها قصده الاستمرار في التملك وأخذ عائدها السنوي ففيها الزكاة كما سبق. 2 - وإن كان قصده المتاجرة فيها بيعاً وشراء يبيع هذا ويشتري هذا طلباً للربح فالزكاة واجبة في جميع ما يملك من أسهم، وزكاتها زكاة عروض التجارة ربع العشر، والمعتبر عند إخراج الزكاة قيمتها وقت وجوبها كالسندات.

* زكاة الأموال المحرمة: الأموال المحرمة قسمان:

* زكاة الأموال المحرمة: الأموال المحرمة قسمان: 1 - إن كان المال حراماً بأصله كالخمر والخنزير ونحوهما فهذا لا يجوز تملّكه، وليس مالاً زكوياً، فيجب إتلافه والتخلص منه. 2 - وإن كان المال حراماً بوصفه لا بذاته لكنه مأخوذ بغير حق ولا عقد كالمغصوب والمسروق، أو مقبوض بعقد فاسد كالربا والقمار فهذا النوع له حالتان: 1 - إن عَرف أهله رده عليهم، وهم يُخرجون زكاته بعد قبضه لعام واحد. 2 - وإن جهل أهله تصدق به عنهم، فإن ظهروا وأجازوا، وإلا ضمنه لهم، وإن أبقاه في يده فهو آثم، وعليه زكاته.

6 - زكاة الفطر * حكمة مشروعية زكاة الفطر:

6 - زكاة الفطر * حكمة مشروعية زكاة الفطر: شرع الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ليستغنوا بها عن السؤال يوم العيد، ويشتركوا مع الأغنياء في فرحة العيد. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) حسن / أخرجه أبو داود برقم (1609)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1420). وأخرجه ابن ماجه برقم (1827)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1480).

* حكم زكاة الفطر:

* حكم زكاة الفطر: زكاة الفطر واجبة على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى، حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً ملك صاعاً من طعام، فاضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقته من المسلمين، وتستحب إخراجها عن الجنين. * تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان على كل شخص بنفسه، وإذا أخرجها الأب عن أسرته أو غيرهم بإذنهم ورضاهم جاز، وهو مأجور.

* وقت إخراج زكاة الفطر:

* وقت إخراج زكاة الفطر: يبدأ الوقت من غروب الشمس ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد، والأفضل: إخراجها يوم العيد قبل صلاة العيد. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. ومن أداها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات ويأثم إلا إن كان معذوراً، وإن أخرها عن يوم العيد من غير عذر فهو آثم، وإن كان معذوراً قضاها ولا إثم عليه.

* مقدار زكاة الفطر:

* مقدار زكاة الفطر: يجوز إخراج زكاة الفطر من كل ما كان قوتاً لأهل البلد كالبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط، والأرز، والذرة وغيرهما، وأفضلها ما كان أنفع للفقير. ومقدارها عن كل شخص صاع يساوي بالوزن (2.40) كيلو جراماً، يعطيه فقراء البلد الذي وجبت عليه فيه، ولا يجوز إخراج القيمة بدل الطعام، والفقراء والمساكين أخص بها من غيرهم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1503)، واللفظ له، ومسلم برقم (984) (986).

7 - إخراج الزكاة * آداب إخراج الزكاة:

7 - إخراج الزكاة * آداب إخراج الزكاة: إخراجها وقت وجوبها، وأن يخرجها طيبة بها نفسه، وأن يتصدق من أطيب ماله وأجوده، وأحبه إليه، وأقربه من الحلال، وأن يرضي المُصَدِّق، وأن يستصغر عطيته ليسلم من العجب، وأن يخفيها ليسلم من الرياء، ويظهرها أحياناً إحياء لهذا الواجب، وترغيباً للأغنياء للاقتداء به، وأن لا يبطلها بالمن والأذى. * الأفضل أن يبتغي المزكي لصدقته الأتقى، والأقرب، والأحوج، ويطلب لصدقته من تزكو به الصدقة من الأقارب، والأتقياء، وطلبة العلم، والفقراء المتعففين، والأسر الكبيرة المحتاجة ونحوهم، وإخراج ما عنده من زكاة أو صدقة ونحوهما قبل حصول الموانع. قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/10). * يجب إخراج الزكاة على الفور إذا حل وقت وجوبها إلا لضرورة. * يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب، فيجوز تعجيل زكاة الماشية والنقدين وعروض التجارة إذا ملك النصاب. * يجوز إخراج الزكاة قبل سنة أو سنتين، وصرفها للفقراء على شكل رواتب شهرية إذا اقتضت المصلحة ذلك. * من ملك أموالاً متفاوتة في الزمن كالرواتب، وأجور العقارات، والإرث، أخرج زكاة كل مال بعد تمام حوله، وإن طابت نفسه وآثر جانب الفقراء وغيرهم جعل لإخراج زكاته شهراً واحداً من شهور السنة كرمضان فهذا أعظم لأجره. * من منع الزكاة جاحداً لوجوبها وهو عارف بالحكم كفر، وأُخذت منه، وقُتل إن لم يتب؛ لأنه مرتد، وإن منعها بخلاً لم يكفر، وأخذت منه، وعُزر بأخذ شطر ماله. * يجوز أن يُعطى الجماعة من الزكاة ما يلزم الواحد، وعكسه، والأفضل أن يفرق الزكاة بنفسه سراً وعلانية حسب المصلحة، والإسرار هو الأصل إلا لمصلحة. * يجوز للحاكم إذا كان عادلاً أميناً على مصالح المسلمين أن يأخذ الزكاة من الأغنياء ويصرفها في مصارفها الشرعية، ويجب عليه بعث السعاة لقبض زكاة الأموال الظاهرة كسائمة بهيمة الأنعام، والزروع، والثمار ونحوها؛ لأن من الناس من يجهل وجوب الزكاة، ومنهم من يتكاسل أو ينسى. * إذا طلب ولي الأمر الزكاة من الأغنياء وجب دفعها إليه، وتبرأ الذمة بذلك، ولهم أجرها، والإثم على من بدَّلها. * الزكاة بعد وجوبها أمانة في يد المزكي، فإذا تلفت: فإن تعدى أو فرّط ضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط لم يضمن. * الأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده، ويجوز نقلها إلى بلد آخر لمصلحة، أو قرابة، أو شدة حاجة، والأفضل أن يخرجها بنفسه، ويجوز أن يوكل من يخرجها عنه. * المال غير المقدور عليه لا زكاة فيه حتى يقبضه، فمن له مال لم يتمكن من قبضه بسبب غير عائدٍ إليه كنصيبه من عقار أو إرث فلا زكاة فيه حتى يقبضه. * زكاة المال تتعلق بالمال، فيخرجها في بلده، وزكاة الفطر تتعلق بالبدن فيخرجها المسلم حيثما وجد.

* عقوبة مانع الزكاة:

* عقوبة مانع الزكاة: يجب على من ملك نصاباً إخراج زكاته، وقد توعد الله عز وجل بالعذاب الأليم كل من منع إخراجها. 1 - قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة/34 - 35). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني بشدقيه-، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ... ). أخرجه البخاري (¬1) 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أُحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)). أخرجه مسلم (¬2). 4 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، أو: والذي لا إله غيره- أو كما حلف- ما من رجل تكون له إبل، أو بقر، أو غنم، لا يؤدي حقها، إلا أُتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (1403). (¬2) أخرجه مسلم برقم (987). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1460)، واللفظ له، ومسلم برقم (987).

8 - مصارف الزكاة * أهل الزكاة:

8 - مصارف الزكاة * أهل الزكاة: أهل الزكاة الذين يجوز صرفها لهم ثمانية وهم المذكورون في قول الله سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/60). * الله عز وجل بحكمته قد يعين المستحق وقدر ما يستحقه، كالفرائض وأهلها، وقد يعين ما يستحق دون من يستحقه كالكفارات، مثل كفارة الظهار، واليمين ونحوهما، وقد يعين المستحق دون قدر ما يستحقه كأهل الزكاة، وهم ثمانية: 1 - الفقراء: وهم الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون بعض الكفاية. 2 - المساكين: وهم الذين يجدون أكثر الكفاية، أو نصافها. 3 - العاملون عليها: وهم جباتها، وحفاظها، والقاسمون لها. 4 - المؤلفة قلوبهم: مسلمون أو كفار، وهم رؤساء قومهم، ممن يرجى إسلامه، أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلامه، أو إسلام نظيره، يعطون من الزكاة بقدر ما يتحقق به المقصود. 5 - في الرقاب: وهم الأرقاء والمكاتبون، الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم، فيعتقون ويعانون من الزكاة. 6 - الغارمون: وهم نوعان: 1 - غارم لإصلاح ذات البين، فيعطى بقدر ما غرم. 2 - غارم لنفسه، بأن تحمل ديوناً، ولم يكن عنده وفاء. 7 - في سبيل الله: وهم الغزاة المجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تعالى ونحوهم كالدعاة إلى الله. 8 - ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع به سفره وليس معه ما يوصله إلى بلده، فيعطى ما يسد حاجته في سفره ولو كان غنياً. * لا يجوز صرف الزكاة لغير هؤلاء الأصناف الثمانية، ويبدأ بمن حاجته أشد. * يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة، ويجوز دفعها إلى شخص واحد من أهل الزكاة في حدود حاجته، وإن كانت كثيرة فيستحب تفريقها على تلك الأصناف. * من راتبه الشهري ألفي ريال لكنه يحتاج إلى ثلاثة آلاف ريال شهرياً لتغطية نفقاته ونفقات من يعول فإنه يعطى من الزكاة بقدر حاجته. * إذا دفع الزكاة إلى من يظنه أهلاً مع الاجتهاد والتحري، فبان أنه غير أهل للزكاة فزكاته مجزئة. * ما وجب من الزكاة يصرف فوراً لأهل الزكاة، ولا يجوز تأخيره من أجل تنميته والتجارة فيه لصالح فرد، أو جمعية ونحوهما، وإن كان المال من غير الزكاة فلا مانع من التجارة فيه وصرفه في أبواب البر. * يجوز صرف الزكاة لمن أراد أن يؤدي فريضة الحج وليس عنده ما يكفيه، ويجوز صرفها لفك الأسير المسلم، وصرفها لمسلم أراد الزواج وهو فقير يريد إعفاف نفسه، ويجوز سداد دين الميت من الزكاة. * يجوز لمن له دين على فقير أن يعطي الفقير من زكاته إذا لم يكن عن تواطؤ بينهما بأن يعطيه ليسدد له، ولا يجوز إسقاط الدين واعتباره من الزكاة. * الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة. * إذا تفرغ قادر على التكسب لطلب العلم فإنه يُعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، ونفعه متعد. * يُسن دفع الزكاة إلى الفقراء الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات ونحوهم. * يجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الأولاد وإن سفلوا إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم ما لم يدفع بذلك واجباً عليه، وكذا لو تحملوا ديناً أو دية فيجوز أن يقضي عنهم ذلك، وهم أحق به. * لا يجوز للزوج دفع زكاته إلى زوجته إذا تحملت ديناً، أو كفارة، أما الزوجة فيجوز أن تدفع زكاتها لزوجها إن كان من أهل الزكاة. * لا يجوز دفع الزكاة لبني هاشم ومواليهم إكراماً لهم؛ لأنها أوساخ الناس. * لا يجوز أن تدفع الزكاة لكافر إلا إن كان مؤلفاً، ولا إلى عبد إلا إن كان مكاتباً. * لا يجوز أن تدفع الزكاة إلى غني إلا إذا كان من العاملين عليها، أو من المؤلفة قلوبهم، أو من المجاهدين في سبيل الله، أو ابن سبيل منقطع. * الغني: من يجد كفاف عيشه وعيش من يعولهم طول العام إما من مال موجود، أو تجارة، أو صنعة ونحو ذلك.

* ما يقوله من أخذ الزكاة:

* ما يقوله من أخذ الزكاة: يسن لمن أعطي الزكاة أن يدعو لمن أعطاه قائلاً: ((اللهم صل عليهم)). متفق عليه (¬1). أو يقول: ((اللهم صل على آل فلان)). متفق عليه (¬2). أو يقول ((اللهم بارك فيه وفي إبله)). أخرجه النسائي (¬3). * من يخرج الزكاة إذا كان يعلم أن فلاناً من أهل الزكاة وأنه يقبل الزكاة فيعطيه ولا يخبره أنها زكاة، وإن كان لا يدري عنه، أو كان لا يقبل الزكاة فهنا يخبره أنها زكاة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4166)، ومسلم برقم (1078). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1497)، ومسلم برقم (1078). (¬3) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (2458)، صحيح سنن النسائي رقم (2306).

9 - صدقة التطوع * حكمة مشروعية الصدقة:

9 - صدقة التطوع * حكمة مشروعية الصدقة: دعا الإسلام إلى البذل وحض عليه رحمة بالضعفاء، ومواساة للفقراء، إلى جانب ما فيه من كسب الأجر، ومضاعفته، والتخلق بأخلاق الأنبياء، من البذل والإحسان.

* حكم الصدقة:

* حكم الصدقة: الصدقة سنة مستحبة كل وقت، وتتأكد في زمان وأحوال: 1 - فالزمان: كرمضان، وعشر ذي الحجة. 2 - والحالات: أوقات الحاجة أفضل: دائمة كفصل الشتاء، أو طارئة كان تحدث مجاعة، أو جدب ونحو ذلك، وأفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح، والكاشح: من يضمر العداوة.

* فضل الصدقة:

* فضل الصدقة: 1 - قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/274). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل)). متفق عليه (¬1). * تسن صدقة التطوع بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. * أولى الناس بالصدقة أولاد المتصدق، وأهله، وأقاربه، وجيرانه، وخير صدقة تصدق بها المرء على نفسه وأهله، ويثبت أجر الصدقة وإن وقعت في يد غير أهلها. * خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وجهد المقل أفضل صدقة، وهو ما زاد عن كفايته وكفاية من يمونه. * يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إذا علمت رضاه، ولها نصف الأجر، ويحرم إذا علمت أنه لا يرضى، فإن أذن لها فلها مثل أجره. * الصدقة في حال الصحة أفضل منها في حال المرض، وفي حال الشدة أفضل منها في حال الرخاء إذا قصد بها وجه الله عز وجل. قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان/8 - 9). * النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الزكاة الواجبة ولا صدقة التطوع، وبنو هاشم لا تحل لهم الزكاة الواجبة، وتحل لهم صدقة التطوع. * تجوز صدقة التطوع على الكافر تأليفاً لقلبه، وسداً لجوعته، ويثاب عليها المسلم، وفي كل كبد رطبة أجر. * يسن إعطاء السائل وإن صغرت العطية، لقول أم بجيد رضي الله عنها: يا رسول الله، صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي، فما أجد له شيئاً أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً، فادفعيه إليه في يده)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410)، واللفظ له، ومسلم برقم (1014). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (1667)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1466). وأخرجه الترمذي برقم (665)، صحيح سنن الترمذي رقم (533).

* خطر وعقوبة السؤال من غير حاجة:

* خطر وعقوبة السؤال من غير حاجة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الناس أموالهم تكثّراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر)). أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1474)، ومسلم برقم (1040) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1041).

* من تحل له المسألة؟:

* من تحل له المسألة؟: تحرم المسألة إلا من سلطان، أو في أمر لا بد منه كأن يتحمل حمالة، أو تصيبه جائحة، أو أصابته فاقة وليس عنده ما يكفي لذلك، وما سوى ذلك فهو سحت. عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسائل كُدُوحٌ يَكدحُ بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بداً)). أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). * يسن الإكثار من الإنفاق في وجوه البر، وذلك سبب لحفظ ماله وكثرته فـ ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (20529). وأخرجه أبو داود برقم (1639)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1443). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1442)، ومسلم برقم (1010).

* إذا أسلم المشرك فله أجر صدقته قبل الإسلام:

* إذا أسلم المشرك فله أجر صدقته قبل الإسلام: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة، أو صلة رحم، فهل فيها من أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسلمت على ما سلف من خير)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1436)، واللفظ له، ومسلم برقم (123).

* آداب الصدقة: الصدقة عبادة من العبادات، ولها آداب وشروط أهمها:

* آداب الصدقة: الصدقة عبادة من العبادات، ولها آداب وشروط أهمها: 1 - أن تكون الصدقة خالصة لوجه الله عز وجل لا يعتريها ولا يشوبها رياء ولا سمعة. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). متفق عليه (¬1). 2 - أن تكون الصدقة من الكسب الحلال الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة/267). 3 - أن تكون الصدقة من جيد ماله، وأحبه إليه. قال الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران/92). 4 - أن لا يستكثر ما تصدق به، ويتجنب الزهو والإعجاب. قال الله تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر/6). 5 - أن يحذر مما يبطل الصدقة كالمن والأذى. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) (البقرة/264). 6 - الإسرار بالصدقة، وعدم الجهر بها إلا لمصلحة. قال الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/271). 7 - أن يعطي الصدقة مبتسماً بوجه بشوش ونفس طيبة. 8 - أن يسارع بصدقته في حال حياته، وأن يدفعها للأحوج، والقريب المحتاج أولى من غيره، وهي عليه صدقة وصلة. 1 - قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ) (المنافقون/10). 2 - قال الله تعالى: (وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال/75). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1)، واللفظ له، ومسلم برقم (1907).

5 - الصيام

5 - الصيام • الباب الأول: تعريف الصيام وأركانه وحكمه وفضائله وأقسامه وشروطه وآدابه. • الباب الثاني: شهر رمضان فضائله، خصائصه، حكم صومه، طرق إثبات دخوله وخروجه. • الباب الثالث: من يُباح لهم الفطر. • الباب الرابع: مفسدات الصيام وما يكره للصائم وما يباح له. • الباب الخامس: ما يُستحبُّ صومه وما يكره وما يحرم. • الباب السادس: أحكام عامة في القضاء. • الباب السابع: قيام رمضان (التراويح). • الباب الثامن: أحكام الاعتكاف.

الباب الأول: تعريف الصيام وأركانه وحكمه وفضائله وأقسامه وشروطه وآدابه

الباب الأول: تعريف الصيام وأركانه وحكمه وفضائله وأقسامه وشروطه وآدابه • الفصل الأول: تعريف الصيام وأركانه. • الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام. • الفصل الثالث: فضائل الصيام. • الفصل الرابع: أقسام الصيام. • الفصل الخامس: شروط وجوب الصوم، والنية في الصوم. • الفصل السادس: آداب الصيام.

الفصل الأول: تعريف الصيام وأركانه

الفصل الأول: تعريف الصيام وأركانه • تمهيد. • المبحث الأول: الركن الأول: الإمساك عن المفطِّرات. • المبحث الثاني: الركن الثاني: استيعاب زمن الإمساك.

تمهيد

تمهيد تعريف الصيام لغةً واصطلاحاً أصل الصيام في اللغة: الإمساك (¬1). وأما الصيام اصطلاحاً فهو: التعبُّدُ لله سبحانه وتعالى، بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطِّرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس (¬2). وتنقسم أركان الصيام إلى ركنين: 1 - الإمساك عن المفطِّرات. 2 - استيعاب زمن الإمساك. ¬

(¬1) قال الأزهري: (الصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء والترك له، وقيل للصائم صائم؛ لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح) ((تهذيب اللغة)) (مادة: صوم)، وانظر ((معجم مقاييس اللغة لابن فارس)). (¬2) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 298).

المبحث الأول: الركن الأول: الإمساك عن المفطرات

المبحث الأول: الركن الأول: الإمساك عن المفطِّرات يجب على الصائم أن يمتنع عن كل ما يبطل صومه من سائر المفطِّرات، كالأكل والشرب والجماع. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] فقوله سبحانه: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ أي: إذا طلع الفجر فأمسكوا عن المفطرات إِلَى الَّليْلِ وهو غروب الشمس (¬1). ثانياً: من السنة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالاً يؤذِّن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم))، وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يُقال له: أصبحت أصبحت. أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وجه الدلالة: أنَّ السماح بالأكل والشرب وسائر المفطِّرات للصائم، له غايةٌ ينتهي إليها وذلك بأذان الفجر- الذي هو علامة على دخول وقت الفجر الثاني- فمتى دخل هذا الوقت، وجب على الصائم أن يمتنع عن الأكل والشرب وعن جميع المفطِّرات. ثالثاً: الإجماع: لا خلاف بين أهل العلم في أن حقيقة الصيام لا تتحقق إلا بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (¬3)، وابن عبد البر (¬4)، وابن تيمية (¬5). ¬

(¬1) ((تيسير الكريم الرحمن للسعدي، بتصرف)) (1/ 87). (¬2) رواه البخاري (2656)، ومسلم (1092). (¬3) ((مراتب الإجماع)) (ص 39). (¬4) ((التمهيد)) (19/ 53). (¬5) قال ابن تيمية: (ثبت بالنص والإجماع منع الصائم من الأكل والشرب والجماع) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 246).

المبحث الثاني: الركن الثاني: استيعاب زمن الإمساك

المطلب الأول: بداية زمن الإمساك يبدأ زمن الإمساك عن المفطِّرات من دخول الفجر الثاني (¬1)، وذهب إلى هذا عامة أهل العلم (¬2). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] وقد فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَد بقوله: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: ((أنزلت وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ولم ينزل مِنَ الْفَجْرِ، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعدُ مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). والمراد هنا بالخيط الأبيض هو: المعترض في الأفق، لا الذي هو كذَنَب السرحان - الذي يكون عمودياً في السماء - فإنه الفجر الكاذب، الذي لا يُحلُّ شيئاً، ولا يُحرِّمه. والمراد بالخيط الأسود: سواد الليل. والتبيُّن: أن يمتاز أحدهما عن الآخر، وذلك لا يكون إلا عند دخول وقت الفجر (¬5). ثانياً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذِّن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). 2 - عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلا في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)) (¬7). ¬

(¬1) الفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب. وهناك فروق بينهما، وهي: 1 - الفجر الكاذب: يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكن طولاً، وأما الفجر الصادق: فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب. 2 - الفجر الصادق: لا ظلمة بعده بل يزداد فيه الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب: فإنه يحدث بعد ضيائه ظلمة؛ ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول. 3 - الفجر الصادق: متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب: فبينه وبين الأفق ظلمة. ((لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين)) (اللقاء الثاني والستون/ ص34). (¬2) قال ابن قدامة: (والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، روي معنى ذلك عن عمر، وابن عباس، وبه قال عطاء، وعوام أهل العلم) ((المغني)) (3/ 4). وقد حكاه بعضهم إجماعاً، واعتبروا خلاف هذا القول شذوذاً. قال ابن عبد البر: (والنهار الذي يجب صيامه: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، على هذا إجماع علماء المسلمين فلا وجه للكلام فيه) ((التمهيد)) (10/ 62). (¬3) رواه البخاري (1916)، ومسلم (1090). (¬4) رواه البخاري (1917)، ومسلم (1091). (¬5) ((فتح القدير للشوكاني)) (1/ 186). (¬6) رواه البخاري (1918)، ومسلم (1092). (¬7) رواه الحاكم (1/ 304)، والبيهقي (1/ 377) (1642). قال الحاكم: إسناده صحيح، وقال البيهقي: هكذا روي بهذا الإسناد موصولاً وروي مرسلاً وهو أصح، وصححه محمد جار الله في ((النوافح العطرة)) (218)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4278).

المطلب الثاني: نهاية زمن الإمساك

المطلب الثاني: نهاية زمن الإمساك الفرع الأول: متى ينتهي زمن الإمساك ينتهي وقت الإمساك بغروب الشمس. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] ففي هذا التصريح بأن للصوم غاية هي الليل، فعند إقبال الليل من المشرق، وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم، ويحلُّ له الأكل، والشرب وغيرهما (¬1). ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ثالثاً: الإجماع: أجمع أهل العلم على أن وقت صيام اليوم ينتهي بغروب شمسه، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (¬3)، وابن عبدالبر (¬4)، والنووي (¬5). الفرع الثاني: إذا أفطر الصائم ثم أقلعت الطائرة به، فرأى الشمس لم تغرب من أفطر بالبلد ثم أقلعت الطائرة به، أو أفطر في الطائرة قبل ارتفاعها، وذلك بعد انتهاء النهار، ثم رأى الشمس بعد ارتفاع الطائرة في الجو، فإنه يستمر مفطرا (¬6)، وبه أفتى عبدالرزاق عفيفي (¬7)، وابن باز (¬8)، وابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187] أي: إلى غروب الشمس. ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10). وجه الدلالة: أنَّ الشارع الحكيم قد علَّق الإمساك بتبين دخول وقت الفجر الثاني، وعلق الإفطار بغروب الشمس، فمتى رأى الصائم من مكانه الذي هو فيه أن الشمس قد غربت أفطر، وإلا فلا (¬11). الفرع الثالث: هل العبرة للصائم برؤية الشمس وهو في الطائرة أم بدخول وقت الإفطار في البلد القريب منها أو المحاذي لها من سافر بالطائرة وهو صائمٌ، ثم اطَّلع بواسطة الساعة أو غيرهاوالتلفزيون على أن وقت إفطار البلد الذي سافر منه أو البلد القريبة منه في سفره، قد دخل، لكنه يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة، فليس له أن يفطر إلا بعد غروبها. ¬

(¬1) ((فتح القدير للشوكاني، بتصرف)) (1/ 186). (¬2) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). (¬3) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬4) قال ابن عبد البر: (والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على هذا إجماع علماء المسلمين فلا وجه للكلام فيه) ((التمهيد)) (10/ 62). (¬5) قال النووي: (ينقضي الصوم ويتم بغروب الشمس بإجماع المسلمين) ((المجموع)) (6/ 310). (¬6) وذلك لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها. (¬7) قال عبد الرزاق عفيفي: (إذا غابت الشمس في الأرض فإن الصائم يفطر، فإذا ارتفعت الطائرة في الفضاء، فرأى الشمس لم تغرب استمر على فطره .. ) ((فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي)) (ص 168). (¬8) قال ابن باز: ( .. إذا أفطر بالبلد بعد انتهاء النهار في حقه فأقلعت الطائرة ثم رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (16/ 130). (¬9) قال ابن عثيمين: (مسألة: رجل غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس. نقول: لا يلزم أن يمسك؛ لأن النهار في حقه انتهى، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها .. ) ((الشرح الممتع)) (6/ 397)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 331 - 334). (¬10) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). (¬11) قال ابن باز: (لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (14/ 125).

وبه أفتى عبد الرزاق عفيفي (¬1)، وابن باز (¬2)، وابن عثيمين (¬3)، (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]. أي: إلى غروب الشمس. ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وجه الدلالة: أن الشارع الحكيم قد علَّق الإمساك بتبين دخول وقت الفجر الثاني، وعلق الإفطار بغروب الشمس، فمتى رأى الصائم من مكانه الذي هو فيه أن الشمس قد غربت أفطر، وإلا فلا (¬6). الفرع الرابع: وقت الفطر في البلاد التي يطول فيها النهار يجب على الصائم الإمساك من حين طلوع الفجر حتى تغرب الشمس في أي مكان كان من الأرض، سواء طال النهار أم قصر، أم تساويا، ما دام هو في أرض فيها ليل ونهار يتعاقبان خلال أربع وعشرين ساعة. لكن لو شقَّ الصوم في الأيام الطويلة مشقة غير محتملة ويخشى منها الضرر أو حدوث مرض، فإنه يجوز الفطر حينئذ، ويقضي في أيام أُخر يتمكن فيها من القضاء. وبهذا أفتى ابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8)، وغيرهما، وهو قرار المجمع الفقهي الإسلامي (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل [البقرة:187] ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) قال عبد الرزاق عفيفي: ( .. أما إذا ارتفعت الطائرة قبل الغروب فإنه يستمر صائماً حتى تغيب الشمس في الطائرة). ((فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي)) (ص 168). (¬2) قال ابن باز: (إذا أقلعت الطائرة من الرياض مثلاً قبل غروب الشمس إلى جهة المغرب فإنك لا تزال صائماً حتى تغرب الشمس وأنت في الجو أو تنزل في بلد قد غابت فيها الشمس) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 293 - 322)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (16/ 130). (¬3) قال ابن عثيمين: (الناس الذين على الجبال أو في السهول والعمارات الشاهقة، كل منهم له حكمه، فمن غابت عنه الشمس حل له الفطر، ومن لا فلا) ((الشرح الممتع)) (6/ 398) وانظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 331). (¬4) وقال الكاساني: (وحكي عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استفتي في أهل إسكندرية أن الشمس تغرب بها ومن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير. فقال: يحل لأهل البلد الفطر ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس؛ لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها، فيعتبر في أهل كل موضع مغربه) ((بدائع الصنائع)) (2/ 83). (¬5) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). (¬6) قال ابن باز: (لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواء كان على سطح الأرض أم كان على طائرة في الجو) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (14/ 125). (¬7) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 293 - 300). (¬8) قال ابن عثيمين: (من كان في بلد فيه ليل ونهار يتعاقبان في أربع وعشرين ساعة لزمه صيام النهار وإن طال، إلا أن يشق عليه مشقة غير محتملة يخشى منها الضرر، أو حدوث مرض فله الفطر وتأخير الصيام إلى زمن يقصر فيه النهار) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 308 - 309). (¬9) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي)) (1/ 46). قرار رقم: 46 (6/ 9) بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية.

1 - عن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذِّن بليلٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ففي هذه الآية الكريمة والحديثين الشريفين دليلٌ ظاهرٌ على وجوب الإمساك على الصائم من حين طلوع الفجر الثاني حتى غروب الشمس، فهو حكمٌ عام، سواء طال النهار أم قصر، أم تساويا، ما دام أنه في أرضٍ فيها ليلٌ ونهارٌ يتعاقبان خلال أربع وعشرين ساعة. الفرع الخامس: كيفية تحديد بداية الإمساك ونهايته في البلاد التي لا يتعاقب فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة من كان في بلدٍ لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة كبلد يكون نهارها مثلاً: يومين، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو أكثر من ذلك، فإنه يقدر للنهار قدره، ولليل قدره اعتماداً على أقرب بلدٍ منها بحيث يكون مجموع كلٍّ من الليل والنهار 24 ساعة (¬3). وبهذا أفتى ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5)، وغيرهما، وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي (¬6). الدليل: القياس: قياساً على التقدير الوارد في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، حيث قال: ((ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة ..... إلى أن قال: قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره)). أخرجه مسلم (¬7). وجه الدلالة: أنه لم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً تكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب خمس صلواتٍ في كل أربعٍ وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي. وكذلك الحال مع الصيام - على ما سبق بيانه - إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. وأما كون هذا التقدير مبنياً على أقرب بلدٍ منهم، يكون فيه ليلٌ ونهارٌ يتعاقبان في أربعٍ وعشرين ساعة؛ فلأن إلحاق البلد في جغرافيته بما هو أقرب إليه أولى من إلحاقه بالبعيد؛ لأنه أقرب شبهاً به من غيره. ¬

(¬1) رواه البخاري (1918)، ومسلم (1092). (¬2) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100). (¬3) وكيفية التقدير: أن تُحسب مدة الليل والنهار اعتمادا على أقرب بلد منهم، يكون فيه ليل ونهار يتعاقبان في أربع وعشرين ساعة. (¬4) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 293 - 300). (¬5) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 308 - 309). (¬6) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي)) (1/ 46)، قرار رقم: 46 (6/ 9) بشأن مواقيت الصلاة والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية. (¬7) رواه مسلم (2937).

الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام

الفصل الثاني: الحكمة من تشريع الصيام لما كانت مصالح الصوم مشهودةً بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة، شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده؛ رحمةً بهم؛ وإحسانا إليهم؛ وحميةً لهم وجُنَّةً (¬1). فالصيام له حِكَمٌ عظيمةٌ، وفوائدُ جليلةٌ، ومنها: 1 - أن الصوم وسيلةٌ لتحقيق تقوى الله عز وجل: فالصائم الذي امتنع عن الحلال في غير نهار رمضان، بإمكانه كذلك أن يمتنع عن الحرام. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] 2 - إشعار الصائم بنعمة الله تعالى عليه: فإنَّ إلف النعم يُفقد الإنسانَ الإحساسَ بقيمتها، فإذا ذاق ألم فقدها حال الصوم، ذكر نعمة الله عليه بوجودها وتيسيرها له حال الفطر، فشكر نعمة ربه وقام بحقه (¬2). 3 - تربية النفس على الإرادة، وقوة التحمل: فالصوم يهذب النفس، ويضبطها، حيث يحبس النفس عن الشهوات ويفطمها عن المألوفات، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3) (¬4). 4 - في الصوم قهرٌ للشيطان: فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء: الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب. والصوم يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فيُقهر بذلك، فعن صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم (¬5))). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). 5 - الصوم موجبٌ للرحمة والعطف على المساكين: فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، تذكَّرَ مَنْ هذا حالُهُ في جميع الأوقات، فتُسرِعُ إليه الرقة، والرحمة، والإحسان إلى المحتاجين (¬7). 6 - الصوم يطهِّر البدن من الأخلاط الرديئة ويكسبه صحةً وقوةً: كما شهد بذلك الأطباء المختصون، فعالجوا مرضاهم بالصيام (¬8). وهذه الفوائد وغيرها هي بعض ما يدركه عقل الإنسان المحدود من هذه العبادة العظيمة، وذلك حين تُؤدَّى على وجهها المشروع. ¬

(¬1) ((زاد المعاد لابن القيم)) (2/ 28). (¬2) ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (3/ 169). (¬3) رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400). (¬4) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 497). قال الكمال ابن الهمام: ( .. شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجباً شيئين أحدهما عن الآخر: سكون النفس الأمارة، وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج فإن به تضعف حركتها في محسوساتها؛ ولذا قيل إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلُّها)) ((فتح القدير)) (2/ 300). (¬5) قال ابن رجب: (الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان) ((لطائف المعارف)) (ص 291)، وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 9). (¬6) رواه البخاري (2039)، ومسلم (2175). (¬7) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 9). قال الكمال ابن الهمام: (ومنها كونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فتسارع إليه الرقة عليه والرحمة) ((فتح القدير)) (2/ 301). (¬8) ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (3/ 169). وقال ابن القيم: (وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات) ((زاد المعاد)) (2/ 29). وانظر تفصيل ذلك في: ((فقه الصوم وفضل رمضان لسيد العفاني)) (1/ 771 - 880).

الفصل الثالث: فضائل الصيام

الفصل الثالث: فضائل الصيام للصيام فضائلُ كثيرةٌ شهدت بها نصوص الوحيين، ومنها: 1 - أن الصوم لا مثل له: فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به، قال: عليك بالصيام فإنه لا مثل له (¬1))) (¬2). 2 - أن الله تبارك وتعالى أضافه إليه: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به .. )). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). فجعل الله سبحانه الصوم له، والمعنى أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنه أعظم العبادات إطلاقاً؛ فإنه سر بين الإنسان وربه؛ فالإنسان لا يُعلم هل هو صائمٌ أم مفطرٌ؛ إذ نيته باطنة؛ فلذلك كان أعظم إخلاصاً؛ فاختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال تعظيماً لقدره. 3 - تجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة: وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره سبحانه وتعالى. فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها. وعن معصية الله سبحانه؛ لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم. وعلى أقدار الله تعالى؛ لأن الصائم يصيبه ألمٌ بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامعٌ بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] (¬4). 4 - الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفِّعني فيه، فيشفعان)) (¬5). أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة. 5 - الصوم من الأعمال التي وعد الله تعالى فاعلها بالمغفرة والأجر العظيم: ¬

(¬1) قال المناوي: (إذ هو يقوي القلب والفطنة، ويزيد في الذكاء ومكارم الأخلاق، وإذا صام المرء اعتاد قلة الأكل والشرب، وانقمعت شهواته وانقلعت مواد الذنوب من أصلها، ودخل في الخير من كل وجه، وأحاطت به الحسنات من كل جهة) ((فيض القدير)) (4/ 435). وقال السندي: (فإنه لا مثل له في كسر الشهوة ودفع النفس الأمارة والشيطان، أو لا مثل له في كثرة الثواب .. ويحتمل أن المراد بالصوم كف النفس عما لا يليق وهو التقوى كلها، وقد قال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ((حاشية السندي على النسائي)) (4/ 474). (¬2) رواه أحمد (5/ 249) (22203)، والنسائي (4/ 165)، والبيهقي (4/ 301) (8743). وقال: له متابعة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)). (¬3) رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151). (¬4) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 458). (¬5) رواه أحمد (2/ 174) (6626)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (3/ 181)، والحاكم (1/ 740، رقم 2036) والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 346، رقم 1994). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 107): رجاله محتج بهم في الصحيح، وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح. وقال في (10/ 381): رواه أحمد، وإسناده حسن على ضعفٍ في ابن لهيعة وقد وُثِّق.

قال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35] 6 - الصيام كفارةٌ للذنوب والخطايا: ففي قصة عمر مع حذيفة رضي الله عنهما في الفتن التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفِّرها: الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي)). رواه البخاري (¬1)، وفي لفظ: ((والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)). رواه البخاري ومسلم (¬2). 7 - الصوم جُنةٌ وحِصنٌ من النار: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام جُنة)) (¬3). وقد ذكر بعض العلماء أن الصوم إنما كان جُنةً من النار؛ لأنه إمساكٌ عن الشهوات والنار محفوفةٌ بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة (¬4). 2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يوماً في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وقوله: ((سبعين خريفاً)): أي سبعين سنة (¬6). ورجح بعض أهل العلم أن المقصود بالصوم في سبيل الله: الصوم في الجهاد، ومنهم النووي (¬7)، وابن دقيق العيد (¬8)، وابن عثيمين (¬9). 8 - الصوم سببٌ لدخول الجنة: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان (¬10)، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد)). أخرجه البخاري ومسلم (¬11). وفي رواية للبخاري: ((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون)) (¬12). 9 - للصائم فرحتان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)). أخرجه البخاري ومسلم (¬13). ¬

(¬1) رواه البخاري (525). (¬2) رواه البخاري (3586)، ومسلم (144). (¬3) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151). (¬4) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 104). (¬5) رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153). (¬6) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 33)، ((شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)) (3/ 402). (¬7) قال النووي: (فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به، ولا يفوت به حقاً، ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه) ((شرح مسلم)) (8/ 33). (¬8) ((إحكام الأحكام)) (ص 290). (¬9) ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 402). (¬10) قال ابن حجر: (الريان بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري: اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين ... قال القرطبي: اكتفي بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، قلت: أو لكونه أشق على الصائم من الجوع) ((فتح الباري)) (4/ 111). (¬11) رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152). (¬12) رواه البخاري (3257). (¬13) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1151).

قيل معناه: فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقيل أن فرحه بفطره من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه (¬1). وقوله: وإذا لقي ربه فرح بصومه، أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه، على الاحتمالين (¬2). 10 - خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. والَّذي نَفْسُ محمد بيده لخلوفُ (¬3) فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك .. )). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). قال بعض أهل العلم في شرح ذلك: لأنها من آثار الصيام فكانت طيبة عند الله سبحانه ومحبوبة له, وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله (¬5). 11 - الصوم يزيل الأحقاد والضغائن: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَحَرَ الصدر)) (¬6). ووَحَرَ الصدر: أي غشه أو حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين أو العداوة أو أشد الغضب (¬7). 12 - جعل الله تعالى الصيام من الكفارات لعظم أجره: وذلك مثل: كفارة فدية الأذى، قال تعالى: فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ .. [البقرة: 196] وكفارة القتل الخطأ، قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ .. [النساء: 92] وكفارة اليمين، قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .. [المائدة: 89] ... إلى غير ذلك من الكفارات. ¬

(¬1) قال ابن حجر: (ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر، ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحاً وهو الطبيعي ومنهم من يكون مستحباً ... ) ((فتح الباري)) (4/ 118). (¬2) ((فتح الباري)) (4/ 118). (¬3) قال ابن عبدالبر: (وخلوف فم الصائم ما يعتريه في آخر النهار من التغير وأكثر ذلك في شدة الحر. ومعنى قوله: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ يريد أزكى عند الله وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك) ((التمهيد)) (19/ 57). (¬4) رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151). (¬5) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 200). (¬6) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد للهيثمي)) (3/ 199)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 134). وقال هو والهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وحسن إسناده ابن حجر في ((مختصر البزار)) (1/ 408). (¬7) ((فيض القدير للمناوي)) (4/ 278)، ((النهاية لابن الأثير)) (مادة: وحر).

الفصل الرابع: أقسام الصيام

الفصل الرابع: أقسام الصيام تمهيد: ينقسم الصوم باعتبار كونه مأموراً به، أو منهياً عنه شرعاً، إلى قسمين: صوم مأمور به شرعاً. صوم منهي عنه شرعاً. المبحث الأول: الصوم المأمور به شرعاً وهو قسمان: صوم واجب. صوم مستحب. المطلب الأول: الصوم الواجب وهو على نوعين: واجب بأصل الشرع - أي بغير سبب من المكلَّف-: وهو صوم شهر رمضان (¬1). واجب بسبب من المكلَّف: وهو صوم النذر، والكفارات، والقضاء. المطلب الثاني: الصوم المستحب (صوم التطوع) وهو قسمان: صوم التطوع المطلق: وهو ما جاء في النصوص غير مقيد بزمن معين (¬2). صوم التطوع المقيَّد: وهو ما جاء في النصوص مقيداً بزمن معين، كصوم الست من شوال، ويومي الاثنين والخميس، ويوم عرفة، ويومي تاسوعاء وعاشوراء. المبحث الثاني: الصوم المنهي عنه شرعاً وهو قسمان: صوم محرم: وذلك مثل صوم يومي العيدين، وصوم يوم الشك. صوم مكروه: وذلك مثل صوم الوصال (¬3)، وصوم يوم عرفة للحاج. ¬

(¬1) قال ابن عبد البر: (وأجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان) ((التمهيد)) (22/ 148). وقال النووي: (لا يجب صوم غير رمضان بأصل الشرع بالإجماع) ((المجموع)) (6/ 248). (¬2) فيستحب أداؤه في كل وقت، إلا الأوقات المنهي عنها. ((الفتاوى الهندية)) (1/ 113). (¬3) قال ابن قدامة: (وهو – أي الوصال - أن لا يفطر بين اليومين بأكلٍ ولا شربٍ وهو مكروهٌ في قول أكثر أهل العلم) ((المغني)) (3/ 55).

الفصل الخامس: شروط وجوب الصوم، والنية في الصوم

تمهيد يجب الصوم أداءً على من جمع ستة أوصاف، وهي: 1 - الإسلام. 2 - البلوغ. 3 - العقل. 4 - القدرة. 5 - الإقامة. 6 - عدم الحيض والنفاس.

المطلب الأول: الإسلام

المطلب الأول: الإسلام تمهيد يشترط لوجوب الصوم: الإسلام، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1). والإسلام ضده الكفر؛ فالكافر لا يُلزَم بالصوم ولا يصح منه. الأدلة: 1 - قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] وجه الدلالة: أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والصوم من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من كافر. 2 - قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر (¬2). الفرع الأول: إسلام الكافر الأصلي (غير المرتد) المسألة الأولى: إذا أسلم الكافر الأصلي، فهل عليه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره؟ إذا أسلم الكافر الأصلي (أي غير المرتد)، فلا يلزمه قضاء ما فاته من الصيام الواجب زمن كفره، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية (¬3). الأدلة: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (¬4) [الأنفال: 38] ثانيا: من السنة: 1 - عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط. قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم (¬5). 2 - وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات. المسألة الثانية: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فهل يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان؟ ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وانظر ((المحلى)) (6/ 160). (¬2) ((تفسير القرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 - 257). قال ابن كثير: (فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فُرِضَ أنهم مخلصون فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا *الفرقان: 23*، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 385). (¬3) قال ابن تيمية: (لا يقضي الكافر إذا أسلم، ما ترك حال الكفر باتفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 46). (¬4) قال النووي: (فإن أسلم لم يجب عليه القضاء؛ لقوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف؛ ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيراً عن الإسلام) ((المجموع)) (6/ 252). (¬5) رواه مسلم (121).

إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان فلا يلزمه قضاء الأيام الماضية من رمضان (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (¬2): الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والأصح عند الشافعية (¬5)، ومذهب الحنابلة (¬6)، (¬7). الدليل: قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38] المسألة الثالثة: إذا أسلم الكافر أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر إذا أسلم الكافر في أثناء شهر رمضان، فعليه أن يصوم ما بقي من الشهر، بغير خلاف (¬8). وذلك لأنه صار من أهل الوجوب، فيلزمه الصوم (¬9) المسألة الرابعة: إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم ¬

(¬1) وذلك لأنه لا يوجه إليه الأمر بالصيام حينها، فلم يكن من أهل وجوب الصيام، وعليه فلا يلزمه قضاؤه. (¬2) قال القرطبي: (وقد اختلف العلماء في الكافر يسلم في آخر يوم من رمضان، هل يجب عليه قضاء رمضان كله أو لا؟ وهل يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه؟ فقال الإمام مالك والجمهور: ليس عليه قضاء ما مضى، لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه) ((الجامع لأحكام القرآن للقرطبي)) (2/ 300). وقال المرداوي: (لو أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما سبق منه بلا خلاف عند الأئمة الأربعة) ((الإنصاف)) (3/ 282). (¬3) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 74)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 127 - 128). (¬4) ([86] ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 495) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 413). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 252). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 46)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 429). قال ابن قدامة: (وبهذا قال الشعبي وقتادة ومالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 46). (¬7) نقل ابن المنذر هذا القول عن: الشعبي وقتادة ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/ 137). (¬8) قال الشوكاني: (( ... الحديث الأول يدل على وجوب الصيام على من أسلم في رمضان، ولا أعلم فيه خلافا) ((نيل الأوطار)) (4/ 200). (¬9) قال الماوردي: (أما الكافر إذا أسلم في أيام من شهر رمضان، فعليه صيام ما بقي؛ لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) *البقرة: 185* ((الحاوي الكبير)) (3/ 462).

إذا أسلم الكافر أثناء يوم من رمضان، فإنه يلزمه إمساك بقية اليوم (¬1)، ولا يجب عليه قضاؤه (¬2)، (¬3)، وهو مذهب الحنفية (¬4)، واختاره ابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] وجه الدلالة: أن الكافر بإسلامه صار من أهل الشهادة للشهر، فوجب عليه الإمساك. ثانياً: من السنة: عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ((أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أنْ أذِّن في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضي الله عنهم بالإمساك نهاراً، ولم يأمرهم بالقضاء، وذلك لما أوجب الله عز وجل صوم يوم عاشوراء في أول الأمر. الفرع الثاني: إسلام الكافر المرتد المسألة الأولى: إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته إذا أسلم المرتد فليس عليه قضاء ما تركه من الصوم زمن ردته (¬7)، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والحنابلة (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38] فإن الآية تتناول كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتدًّا (¬11). ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين إسلامه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. (¬2) قال ابن قدامة: (وقال مالك وأبو ثور وابن المنذر لا قضاء عليه لأنه لم يدرك من زمن العبادة ما يمكنه التلبس بها فيه فأشبه ما لو أسلم بعد خروج اليوم، وقد روي ذلك عن أحمد) ((المغني)) (3/ 46). (¬3) وذلك لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب؛ ولأن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب، فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب عليه القضاء. (¬4) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 74)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 339). (¬5) قال ابن عثيمين: (يلزمه أن يمسك بقية اليوم الذي أسلم فيه؛ لأنه صار الآن من أهل الوجوب فلزمه، وهذا بخلاف ارتفاع المانع فإنه إذا ارتفع المانع، لم يلزم إمساك بقية اليوم، مثل أن تطهر المرأة من حيضها في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك بقية النهار، وكذلك لو برأ المريض المفطر من مرضه في أثناء النهار، فإنه لا يلزمه الإمساك؛ لأن هذا اليوم قد أبيح له فطره، مع كونه من أهل الالتزام أي مسلماً بخلاف الذي طرأ إسلامه في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك ولا يلزمه القضاء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 97). (¬6) رواه البخاري (2007)، ومسلم (1135). (¬7) وذلك لأن في إلزامه بقضاء ما ترك تنفيراً له من العودة إلى الإسلام. كما أنه لا يجب عليه شيء من العبادات لعدم خطاب الكفار بالشرائع فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه. (¬8) قال ابن نجيم: (ومنها أنه لا يجب عليه شيء من العبادات عندنا لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (5/ 137)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 121). (¬9) ((الكافي لابن عبد البر)) (2/ 1090). (¬10) قال المرداوي: (وإن كان مرتداً فالصحيح من المذهب أنه يقضي ما تركه قبل ردته ولا يقضي ما فاته زمن ردته) ((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 391). (¬11) قال ابن تيمية: (قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يتناول كل كافر) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 23).

1 - عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال عمرو: فقبضت يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط. قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟)). أخرجه مسلم (¬1). ثالثاً: فعل الصحابة رضي الله عنهم: فالصحابة رضي الله عنهم لم يأمروا من أسلم من المرتدين في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بقضاء ما تركوا من الصوم، وهم أعلم الناس بشريعة الله بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام. المسألة الثانية: إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فهل يلزمه قضاؤه إذا أسلم المرتد، وعليه صوم قبل ردته، فقد اختلف أهل العلم هل يلزمه قضاؤه أم لا؟ على قولين: القول الأول: يجب عليه القضاء (¬2)، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الدليل: قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ... [البقرة: 217] وجه الدلالة: أنه جعل الموت على الكفر شرطاً في حبوط العمل (¬6) القول الثاني: لا يجب عليه القضاء، وهو قول المالكية (¬7). الدليل: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم (¬8). وجه الدلالة: أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وهو بتوبته قد أسقط ما قبل الردة، فلا يطالبُ بقضائه. المسألة الثالثة: حكم من ارتد أثناء صومه من ارتد في أثناء الصوم، بطل صومه، وعليه القضاء إذا أسلم (¬9). الدليل: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬10)، والنووي (¬11). ¬

(¬1) رواه مسلم (121). (¬2) وذلك أن ترك العبادة معصية، والمعصية تبقى بعد الردة. (¬3) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (4/ 251). (¬4) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 443)، ((المجموع للنووي)) (3/ 5). (¬5) ((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 278)، ((الفروع لابن مفلح)) (1/ 401). (¬6) ((أضواء البيان للشنقيطي)) (3/ 462). (¬7) ((المدونة الكبرى)) (2/ 227)، ((حاشية العدوي)) (2/ 412). (¬8) رواه مسلم (121). (¬9) وذلك لأن المرتد كان من أهل الوجوب حين تعيَّن الإمساك، لذلك كان عليه القضاء إذا أسلم. كما أن الصوم عبادة من شرطها النية، فأبطلتها الردة. (¬10) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم، أنه يفسد صومه، وعليه قضاء ذلك اليوم، إذا عاد إلى الإسلام، سواء أسلم في أثناء اليوم، أو بعد انقضائه) ((المغني)) (3/ 24). (¬11) قال النووي: (لو حاضت في بعض النهار أو ارتد بطل صومهما بلا خلاف) ((المجموع)) (6/ 347).

المطلب الثاني: البلوغ

المطلب الثاني: البلوغ الفرع الأول: اشتراط البلوغ يشترط لوجوب الصوم: البلوغ (¬1). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عليٍّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬2). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬3)، والنووي (¬4). الفرع الثاني: أمرُ الصبي بالصوم إذا كان الصبي يطيق الصيام دون وقوع ضرر عليه، فعلى وليه أن يأمره بالصوم ليتمرَّن ويتعوَّد عليه. وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7)، وهو قولٌ عند المالكية (¬8)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬9). الدليل: عن الرُّبيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن)). أخرجه البخاري (¬10). وفي لفظ: (( ... ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم)). أخرجه مسلم (¬11). الفرع الثالث: حكم قضاء ما سبق إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان إذا بلغ الصبي أثناء شهر رمضان، فإنه يصوم بقية الشهر ولا يلزمه قضاء ما سبق، سواء كان قد صامه أم أفطره، وهو قول أكثر العلماء (¬12)؛ وذلك لأنه زمنٌ مضى في حال صباه فلم يلزمه قضاء الصوم فيه كما لو بلغ بعد انسلاخ رمضان (¬13). الفرع الرابع: حكم القضاء والإمساك إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر إذا بلغ الصبي أثناء نهار رمضان وهو مفطر، فإنه يمسك بقية يومه، ولا قضاء عليه، وهو مذهب الحنفية (¬14)، والشافعية (¬15)، وهي ورواية عن أحمد (¬16)، اختارها ابن تيمية (¬17). فيلزمه الإمساك؛ وذلك لأنه صار من أهل الوجوب حين بلوغه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. ولا يلزمه قضاؤه؛ لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب. كما أن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب القضاء. ¬

(¬1) وذلك لأن الصبي لضعف بنيته وقصور عقله واشتغاله باللهو واللعب يشق عليه تفهم الخطاب وأداء الصوم فأسقط الشرع عنه العبادات ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 87). (¬2) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬3) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). وانظر ((المحلى)) (6/ 160). (¬4) قال النووي: (لا يجب صوم رمضان على الصبي ولا يجب عليه قضاء ما فات قبل البلوغ بلا خلاف) ((المجموع)) (6/ 253). (¬5) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 339)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 373). (¬6) قال النووي: (قال المصنف والأصحاب: وإذا أطاق الصوم وجب على الولي أن يأمره به لسبع سنين بشرط أن يكون مميزا ويضربه على تركه لعشر لما ذكره المصنف، والصبية كالصبي في هذا كله بلا خلاف) ((المجموع)) (6/ 253). (¬7) على اختلاف بينهم في تحديد السن التي يؤمر فيها الصبي. ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 199)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 14). (¬8) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 533). (¬9) قال ابن قدامة: (وممن ذهب إلى أنه يؤمر بالصيام إذا أطاقه عطاء والحسن وابن سيرين والزهري وقتادة والشافعي) ((المغني)) (3/ 45). (¬10) رواه البخاري (1960). (¬11) رواه مسلم (1136). (¬12) قال ابن قدامة: (فأما ما مضى من الشهر قبل بلوغه، فلا قضاء عليه، وسواء كان قد صامه أو أفطره، هذا قول عامة أهل العلم، وقال الأوزاعي: يقضيه إن كان أفطره وهو مطيق لصيامه) ((المغني)) (3/ 46). (¬13) وذلك لأنه لا يوجَّه إليه الأمر بالصيام حين ذاك، فليس من أهل وجوب الصيام، وعليه فلا يلزمه قضاؤه. (¬14) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 373). (¬15) ((المجموع للنووي)) (6/ 256). (¬16) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 46)، ((الشرح الكبير لابن ققدامة)) (3/ 15)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 200). (¬17) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 200).

المطلب الثالث: العقل

المطلب الثالث: العقل تمهيد يشترط لوجوب الصوم: العقل، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1). الدليل: عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬2). الفرع الأول: زوال العقل بالجنون المسألة الأولى: حكم الصوم على المجنون لا يجب الصوم على المجنون، ولا يصح منه. الأدلة: أولا: من السنة: عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬3). ثانيا: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك النووي (¬4)، وابن تيمية (¬5). المسألة الثانية: من كان جنونه مُطْبِقاً إذا كان الجنون مُطْبِقاً، وذلك بأن يستمر إلى أن يستغرق كل شهر رمضان، فإن الصوم يسقط عنه؛ ولا قضاء عليه وهذا مذهب جمهور أهل العلم: الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، واختاره ابن حزم (¬9)، وابن عبد البر (¬10). وذلك لأن صاحب الجنون المطبق ليس أهلاً للوجوب؛ وذلك لفقدان شرط من شروطه وهو العقل؛ فلذا يرتفع عنه التكليف؛ ولا يُطالَب بالقضاء. المسألة الثالثة: حكم صوم المجنون إذا أفاق في نهار رمضان ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، وانظر ((المحلى)) (6/ 160)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬2) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬3) رواه أحمد (24738) وأبو داود (4400) والترمذي (1423)، والنسائي (6/ 488). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423). (¬4) قال النووي: (المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع) ((المجموع)) (6/ 251). (¬5) قال ابن تيمية: (اتفق العلماء على أن المجنون والصغير الذي ليس بمميز، ليس عليه عبادة بدنية كالصلاة والصيام .. ) ((منهاج السنة النبوية)) (6/ 49). وقال أيضاً: (وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات) ((مجموع الفتاوى)) (11/ 191). (¬6) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 159)، ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 433). (¬7) ((المجموع للنووي)) (6/ 251). (¬8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 208). (¬9) قال ابن حزم: (وأما من بلغ مجنوناً مطبقاً فهذا لم يكن قط مخاطباً ولا لزمته الشرائع ولا الأحكام ولم يزل مرفوعاً عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلاً بخلاف قول مالك فإذا عقل فحينئذ ابتدأ الخطاب بلزومه إياه لا قبل ذلك) ((المحلى)) (6/ 227 - 228). (¬10) قال ابن عبد البر: (والذي أقول به أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يحتلم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صيام على واحد منهما إذا كان في رمضان في تلك الحال حتى يفيق المجنون ويحتلم الصبي وعلى هذا أكثر الرواة) ((الكافي)) (1/ 331). وقال أيضاً: (وذلك أنهم أجمعوا على أن المجنون المطبق لا شيء عليه بخروج الوقت من صلاة ولا صيام إذا أفاق من جنونه وإطباقه) ((التمهيد)) (3/ 291).

إن أفاق المجنون أثناء نهار رمضان، فعليه أن يمسك بقية اليوم، ولا قضاء عليه، وهو قول الحنفية (¬1)، ورواية عن أحمد (¬2)، واختارها ابن تيمية (¬3). فيلزمه الإمساك؛ لأنه صار من أهل الوجوب حين إفاقته؛ فيمسك تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. ولا يلزمه قضاؤه؛ لانعدام أهلية العبادة في أول النهار؛ حيث لم يكن من أهل الوجوب. كما أن الصوم لا يتجزأ، فإذا لم يجب البعض لم يجب الباقي، فما دام أنه في أول النهار ليس أهلاً للوجوب فليس أهلاً للوجوب في آخره، فلا يجب عليه القضاء. المسألة الرابعة: حكم قضاء ما سبق من أيام رمضان زمن الجنون إن أفاق المجنون فليس عليه قضاء ما سبق من أيام رمضان، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). وذلك لانعدام أهلية الوجوب، حيث لم يكن مُخاطَباً بوجوب الصوم عليه حال جنونه. المسألة الخامسة: حكم قضاء من كان صائماً فأصابه الجنون من كان صائماً فأصابه الجنون، فلا قضاء عليه، وهو قول الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وهو اختيار ابن حزم (¬9). وذلك لأنه قد أدى ما عليه وهو صحيح مكلف، ثم رفع عنه التكليف بالجنون فلا يطالب بقضاء ما لم يكن مكلفاً به. المسألة السادسة: صوم من كان يُجنُّ أحياناً ويُفيق أحياناً من كان يُجَنُّ أحياناً ويُفيق أحياناً، فعليه أن يصوم في حال إفاقته، ولا يلزمه حال جنونه (¬10) وذلك لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ففي الأوقات التي يكون فيها عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً لا صوم عليه. الفرع الثاني: العَتَه أولا: تعريف العته - العَتَه لغةً: نقصان العقل من غير جنون أو دهش (¬11). - العته اصطلاحاً: آفة ناشئة عن الذات توجب خللاً في العقل، فيصير صاحبه مختلط العقل، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء، وبعضه كلام المجانين (¬12). ثانيا: حكم صوم المعتوه: المعتوه الذي أصيب بعقله على وجهٍ لم يبلغ حد الجنون، لا صوم عليه، وليس عليه قضاء، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك (¬13) (¬14). الدليل: ¬

(¬1) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 46). (¬3) قال ابن تيمية: (وطرد هذا أن الهلال إذا ثبت في أثناء يوم قبل الأكل أو بعده أتموا وأمسكوا ولا قضاء عليهم، كما لو بلغ صبي أو أفاق مجنون على أصح الأقوال الثلاثة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 109). (¬4) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 81). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 251). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 46). قال ابن قدامة: (وبهذا قال أبو ثور والشافعي في الجديد) ((المغني)) (3/ 46). (¬7) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 82). (¬8) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 47). (¬9) قال ابن حزم: (من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جُنَّ; أو أغمي عليه فقد صح صومه) ((المحلى)) (6/ 227). (¬10) قال ابن عثيمين: (فإن كان يُجَنُّ أحياناً ويُفيق أحياناً لزمه الصيام في حال إفاقته دون حال جنونه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 228)، ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 324). (¬11) ((المصباح المنير)) (مادة: ع ت هـ). (¬12) ((التعريفات للجرجاني)) (ص 190). (¬13) قال ابن عبد البر: ( .. وهذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه والقلم عنه مرفوع) ((التمهيد)) (23/ 120). (¬14) فالعته عندهم يسلب التكليف من صاحبه؛ وذلك لأنه نوع من الجنون، فينطبق على المعتوه ما ينطبق على المجنون من أحكام. انظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (29/ 276).

عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه أو قال المجنون حتى يعقل)) (¬1). الفرع الثالث: الخرف أولا: تعريف الخرف: الخرف لغةً واصطلاحاً: فساد العقل من الكبر (¬2) ثانيا: حكم صوم المخرف: ليس على المخرِّف صومٌ ولا قضاء، وهو اختيار ابن باز (¬3)، وابن عثيمين (¬4). الدليل: عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه أو قال المجنون حتى يعقل)) (¬5). وجه الدلالة: أن المخرِّف لما اختل وزال شعوره، صار من جنس المجانين، والمعتوهين، ولا تمييز لديه بسبب الهرم؛ ولذا فلا شيء عليه. الفرع الرابع: زوال العقل بالإغماء المسألة الأولى: حكم من نوى الصوم ثم أصيب بإغماء في رمضان من نوى الصوم ثم أصيب بإغماء في رمضان، فلا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يستوعب الإغماءُ جميع النهار، أي يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس، فهذا لا يصح صومه (¬6)، وعليه قضاء هذا اليوم (¬7)، وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). الدليل على وجوب القضاء عليه: عموم قول الله تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]. الحال الثانية: أن يفيق جزءاً من النهار، ولو للحظة، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه، وهو مذهب الشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). وذلك لأن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية، وما دام أنه قد أفاق جزءاً من النهار، فقد وجد منه النية والإمساك عن المفطرات؛ ولذا فصومه صحيح. المسألة الثانية: حكم من زال عقله وفقد وعيه بسبب التخدير بالبنج ¬

(¬1) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬2) ((الصحاح للجوهري)) (مادة: خرف)، ((معجم لغة الفقهاء)) (مادة: خرف). (¬3) ((موقع ابن باز الإلكتروني)). (¬4) قال ابن عثيمين: (فالمهذري أي: المخرف لا يجب عليه صوم، ولا إطعام بدله؛ لفقد الأهلية وهي العقل) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 323)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 77). (¬5) رواه أحمد (24738) وأبو داود (4400) والترمذي (1423)، والنسائي (6/ 488). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1423). (¬6) وذلك لأن الصوم إمساكٌ عن المفطرات مع النية، والمغمى عليه فقد شرط الصيام وهو النية. (¬7) قال ابن قدامة: (ومتى فسد الصوم به – أي بالإغماء - فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه) ((المغني)) (3/ 11). وقال ابن عثيمين: (فإذا أغمي عليه بحادث، أو مرض – بعد أن تسحَّر - جميع النهار، فلا يصح صومه؛ لأنه ليس بعاقل، ولكن يلزمه القضاء؛ لأنه مكلف، وهذا قول جمهور العلماء ((الشرح الممتع)) (6/ 352 - 353). (¬8) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 723)، ((حاشية العدوي)) (1/ 575). (¬9) ((المجموع للنووي)) (6/ 255). (¬10) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207). (¬11) ((المجموع للنووي)) (3/ 346 - 347). (¬12) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 12).

من زال عقله وفقد وعيه بسبب التخدير بالبنج، فحكمه حكم الإغماء على ما سبق بيانه (¬1). (انظر: زوال العقل بالإغماء). الفرع الخامس: النوم النائم الذي نوى الصيام صومه صحيح، ولا قضاء عليه، ولو نام جميع النهار. وستأتي المسألة في الباب الرابع آخر المطلب الخامس من الفصل الأول. الفرع السادس: فقد الذاكرة من أصيب بفقدان الذاكرة، فلا يجب عليه الصوم (¬2). الدليل: قياساً على الصبي الذي لا يميز، لحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬3). ¬

(¬1) قال النووي: (قال أصحابنا ومن زال عقله بمرض أو بشرب دواء شربه لحاجة أو بعذر آخر لزمه قضاء الصوم دون الصلاة كالمغمى عليه ولا يأثم بترك الصوم في زمن زوال عقله. وأما من زال عقله بمحرم كخمر أو غيره مما سبق بيانه ... فيلزمه القضاء ويكون آثماً بالترك، والله أعلم) ((المجموع للنووي)) (6/ 255). وانظر ((لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين)) (اللقاء الثالث/ ص 34). (¬2) سئلت اللجنة الدائمة عن والد مصاب بفقدان الذاكرة، وقد أفطر شهر رمضان. فأجابت اللجنة الدائمة – برئاسة ابن باز -: ( .. ليس على والدكم صلاة ولا صيام؛ لأنه فاقد للعقل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق))، ووالدكم فاقد للعقل كواحد من هؤلاء) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (5/ 16). قال ابن عثيمين: (ومثله أيضاً الكبير الذي بلغ فقدان الذاكرة، كما قال هذا السائل، فإنه لا يجب عليه صوم ولا صلاة ولا طهارة؛ لأن فاقد الذاكرة هو بمنزلة الصبي الذي لم يميز، فتسقط عنه التكاليف فلا يلزم بطهارة، ولا يلزم بصلاة، ولا يلزم أيضاً بصيام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 85). (¬3) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).

المطلب الرابع: الإقامة

المطلب الرابع: الإقامة يشترط لوجوب الصوم: الإقامة، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1) ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وانظر: ((المحلى)) (6/ 160).

المطلب الخامس: الطهارة من الحيض والنفاس

المطلب الخامس: الطهارة من الحيض والنفاس تمهيد يشترط لوجوب الصوم على المرأة طهارتها من دم الحيض والنفاس. الدليل: الإجماع: فقد أجمع العلماء على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن حزم (¬1)، والنووي (¬2)، والشوكاني (¬3). الفرع الأول: حكم صوم الحائض والنفساء يحرم الصوم، فرضه ونفله، على الحائض والنفساء، ولا يصح صومهما، وعليهما القضاء. الدليل: الإجماع: أجمع العلماء على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن رشد (¬4)، والنووي (¬5)، وابن تيمية (¬6). الفرع الثاني: حكم إمساك بقية اليوم إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء نهار رمضان إذا طهرت الحائض أو النفساء أثناء نهار رمضان، فهل يلزمهما الإمساك، اختلف أهل العلم على قولين: القول الأول: لا يلزمهما إمساك بقية اليوم، وهو قول المالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، ورواية عن أحمد (¬9)، وهو اختيار ابن عثيمين (¬10). وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك. ولأنه لا فائدة من هذا الإمساك، وذلك لوجوب القضاء عليهما. كما أن حرمة الزمن قد زالت بفطرهما الواجب أول النهار. القول الثاني: يلزمهما الإمساك، وهو قول الحنفية (¬11)، والحنابلة (¬12)، وهو اختيار ابن باز (¬13). وذلك لأن الحائض والنفساء صارا من أهل الوجوب حين طهارتهما؛ فيمسكان تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. الفرع الثالث: حكم صوم الحائض أو النفساء إذا طهرتا قبل الفجر إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل الفجر، وجب عليهما الصوم، وإن لم يغتسلا إلا بعد الفجر، وهذا قول عامة أهل العلم (¬14). الدليل: قياساً على الجنب، فالجنب له أن يصوم وإن تأخر اغتساله إلى دخول الفجر، فكذلك الحائض والنفساء. ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان وقد بلغه وجوب صيامه وهو مسلم وليس امرأة حائضاً .. ) ((مراتب الإجماع)) (ص 39)، ((المحلى)) (6/ 160). (¬2) قال النووي: (هذا الحكم متفق عليه أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال) ((شرح مسلم)) (4/ 26). (¬3) قال الشوكاني: (والحديث يدل على عدم وجوب الصوم والصلاة على الحائض حال حيضها وهو إجماع) ((نيل الأوطار)) (2/ 280). (¬4) ((بداية المجتهد)) (1/ 56). (¬5) قال النووي: (فأجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء، وعلى أنه لا يصح صومها) ((المجموع)) (2/ 354)، ((شرح مسلم)) (4/ 26)، وانظر ((المجموع)) (6/ 257). (¬6) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 220، 267)، (26/ 176). (¬7) ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 340). (¬8) ((المجموع للنووي)) (6/ 257). (¬9) ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 62). (¬10) قال ابن عثيمين: (لو أن الحائض طهرت في أثناء اليوم من رمضان فإنه لا يلزمها على القول الراجح أن تمسك؛ لأن هذه المرأة يباح لها الفطر أول النهار إباحة مطلقة، فاليوم في حقها ليس يوما محترما، ولا تستفيد من إلزامها بالإمساك إلا التعب) ((الشرح الممتع)) (4/ 381). (¬11) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 340). (¬12) ((لإنصاف للمرداوي)) (3/ 200 - 201). (¬13) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 193). (¬14) قال النووي: (واذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما ووجب عليهما إتمامه سواء تركت الغسل عمدا أو سهوا بعذر أم بغيره، كالجنب، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا نعلم صح عنه أم لا) ((شرح مسلم)) (7/ 222 - 223). انظر ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (10/ 327)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 190 - 191)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 105 - 106).

فعن سليمان بن يسار ((أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن الرجل يصبح جنباً أيصوم؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم)). أخرجه مسلم (¬1). الفرع الرابع: حكم تناول المرأة حبوب منع الحيض من أجل أن تصوم الشهر كاملاً دون انقطاع إذا ثبت أن لحبوب منع الحمل أو الحيض أضراراً على المرأة، فإن عليها اجتناب تناولها سواء كان ذلك في رمضان من أجل أن تصوم الشهر كاملاً مع الناس، أو في غيره من الأوقات، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة (¬2)، وقطاع الإفتاء بالكويت (¬3)، وأفتى به ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5). ¬

(¬1) رواه مسلم (1109). (¬2) قالت اللجنة الدائمة: ((لا يظهر لنا مانعٌ من ذلك إذا كان الغرض من استعمالها ما ذكر، وأنه لا يترتب على استعمالها أضرارٌ صحية، والله أعلم) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (5/ 401). (¬3) قال قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية بالكويت: (إن الأصل في هذه المسألة أنه يُرجَع فيها إلى رأي الأطباء المختصين فإن قرروا أن في استعمال هذه الحبوب ضرراً في الحال أو المستقبل مُنِعَت المرأة من استعمالها وإلا فلا بأس باستعمالها، فإن استعملتها وامتنع نزول الدم فهي في طهرٍ، وتجري عليها أحكام الطهر من وجوب أداء الصوم والصلاة وغير ذلك من أحكام الطاهرات) ((قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية بالكويت)) (5/ 44). (¬4) قال ابن باز: ((لا حرج في ذلك؛ لما فيه من المصلحة للمرأة في صومها مع الناس وعدم القضاء، مع مراعاة عدم الضرر منها؛ لأن بعض النساء تضرهن الحبوب)) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 201). وقال أيضا: (لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحمل تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وُجِدَ غير الحبوب شيءٌ يمنع من الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذورٌ شرعاً أو مضرة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 61). (¬5) قال ابن عثيمين: (الذي أرى أن المرأة لا تستعمل هذه الحبوب لا في رمضان ولا في غيره، لأنه ثبت عندي من تقرير الأطباء أنها مضرة جداً على المرأة على الرحم والأعصاب والدم، وكل شيءٍ مضرٌّ فإنه منهيٌّ عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 259) وقال أيضا: (أقول لهذه المرأة ولأمثالها من النساء اللاتي يأتيهن الحيض في رمضان: إنه وإن فاتها ما يفوتها من الصلاة والقراءة فإنما ذلك بقضاء الله وقدره، وعليها أن تصبر، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رضي الله عنها حينما حاضت: إن هذا شيء كتبه على بنات آدم. فنقول لهذه المرأة: إن الحيض الذي أصابها شيءٌ كتبه الله على بنات آدم فلتصبر، ولا تعرض نفسها للخطر، وقد ثبت عندنا أن حبوب منع الحيض لها تأثيرٌ على الصحة وعلى الرحم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 268).

المطلب السادس: القدرة على الصوم

المطلب السادس: القدرة على الصوم تمهيد يشترط لوجوب الصوم: القدرة والاستطاعة عليه. الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا (¬1) [البقرة: 286]. 2 - قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]. ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬2)، وابن تيمية (¬3). الفرع الأول: أقسام العجز عن الصوم وحكم كل نوع ضد القدرة: العجز، والعجز عن الصيام ينقسم إلى قسمين: 1 - عجز طارئ. 2 - عجز دائم. 1 - العجز الطارئ أو العارض: وهو الذي يرجى زواله، كالعجز عن الصوم لمرض يُرجَى برؤه، فهذا لا يلزمه الصوم أداء، ولكن عليه القضاء، بعد زوال عجزه. الدليل: قول الله تعالى: وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] 2 - العجز المستمر أو الدائم: وهو الذي لا يرجى زواله، مثل الكبير الذي لا يستطيع الصوم، والمريض الذي لا يرجى برؤه، فهذا عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا (¬4). الأدلة: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكيناً)). أخرجه البخاري (¬5). ثانيا: الإجماع: 1 - الإجماع على جواز الفطر للشيخ الكبير: حكى ذلك ابن المنذر (¬6)، وابن حزم (¬7). 2 - الإجماع على جواز الفطر للمريض الذي لا يرجى برؤه: وقد حكى ذلك ابن قدامة (¬8). الفرع الثاني: صوم أصحاب المهن الشاقة ¬

(¬1) قال الجصاص: (فيه نصٌّ على أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يقدر عليه ولا يطيقه ... ومما يتعلق بذلك من الأحكام: سقوط الفرض عن المكلفين فيما لا تتسع له قواهم؛ لأن الوسع هو دون الطاقة ... نحو الشيخ الكبير الذي يشق عليه الصوم ويؤديه إلى ضرر يلحقه في جسمه وإن لم يخش الموت بفعله، فليس عليه صومه؛ لأن الله لم يكلفه إلا ما يتسع لفعله ولا يبلغ به حال الموت، وكذلك المريض الذي يخشى ضرر الصوم .. ) ((أحكام القرآن)) (2/ 277). (¬2) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح .. ) ((مراتب الإجماع)) (ص39). (¬3) قال ابن تيمية: (واتفقوا على أن العبادات لا تجب إلا على مستطيع) ((مجموع الفتاوى)) (8/ 479). (¬4) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 324)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 114 - 115). (¬5) رواه البخاري (4505). (¬6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن للشيخ الكبير والعجوز العاجزين عن الصوم أن يفطرا) ((الإجماع)) (ص50). (¬7) قال ابن حزم: (أجمعوا أن من كان شيخاً كبيراً لا يطيق الصوم أنه يفطر في رمضان ولا إثم عليه) ((مراتب الإجماع)) (ص 40)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬8) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة) ((المغني)) (3/ 41).

أصحاب المهن الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، لكن من كان يعمل بأحد المهن الشاقة وكان يضره ترك عمله، وخشي على نفسه التلف أثناء النهار، أو لحوق مشقة عظيمة فإنه يُفطر على قدر حاجته بما يدفع المشقة فقط، ثم يمسك بقية يومه إلى الغروب ويفطر مع الناس، وعليه القضاء (¬1). الدليل: عموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] الفرع الثالث: حكم قضاء العاجز إذا زال مرضه أثناء النهار إذا زال مرض العاجز أثناء النهار، فعليه القضاء، واختلف أهل العلم في إمساكه بقية اليوم على قولين: القول الأول: لا يلزمه إمساك بقية اليوم، وهو قول المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، ورواية عند الحنابلة (¬4)، وهو اختيار ابن عثيمين (¬5). وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك. ولأنه لا فائدة من هذا الإمساك، وذلك لوجوب القضاء عليه. كما أن حرمة الزمن قد زالت بفطره أول النهار. القول الثاني: يلزمه الإمساك، وهو قول الحنفية (¬6)، والحنابلة (¬7)، ووجه عند الشافعية (¬8)، وهو قول طائفة من السلف (¬9). وذلك لأن المريض صار من أهل الوجوب حين زوال مرضه؛ فيمسك تشبُّهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. ¬

(¬1) جاء في الفتاوى الهندية: (المحترف المحتاج إلى نفقته علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن يمرض، كذا في القُنْية) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 208)، وانظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 420). قال البهوتي: (وقال أبو بكر الآجري: مَن صنعته شاقة فإن خاف - بالصوم- تلفا أفطر وقضى - إن ضره ترك الصنعة- فإن لم يضره تركها أثم - بالفطر ويتركها -، وإلا - أي: وإن لم ينتف التضرر بتركها- فلا - إثم عليه بالفطر للعذر) ((كشاف القناع)) (2/ 310). وانظر ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 395). وقالت اللجنة الدائمة: (لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان لمجرد كونه عاملا، لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ويفطر مع الناس ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/ 233). وقالت أيضا: ( ... يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته، فالعمل كثير وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة ولن يعدم المسلم وجها من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله .. وعلى تقدير أنه لم يجد عملا دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لايتمكن معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة .. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/ 235 - 236). وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: (أما بالنسبة لأصحاب الحرف فمفاد نصوص الفقهاء أنه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان، أو خشي تلف المال إن لم يعالجه، أو سرقة الزرع إن لم يبادر لحصاده، فله أن يعمل مع الصوم ولو أداه العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد، وليس عليه ترك العمل ليقدر على إتمام الصوم، وإذا أفطر فعليه القضاء فقط) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 176). (¬2) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 551). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 262). (¬4) ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 15). (¬5) ((الشرح الممتع)) (6/ 335 - 336). (¬6) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363). (¬7) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 34)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 309). (¬8) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 372). (¬9) قال ابن قدامة: (وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والعنبري) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 34).

المبحث الثاني: النية في الصوم

المبحث الثاني: النية في الصوم • المطلب الأول: حكم النية في الصوم. • المطلب الثاني: وقت النية في الصوم. • المطلب الثالث: الجزم في نية الصوم. • المطلب الرابع: استمرار النية.

المطلب الأول: حكم النية في الصوم

المطلب الأول: حكم النية في الصوم النية شرط في صحة الصوم كسائر العبادات (¬1)، وذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم (¬2). وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬3). الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ¬

(¬1) وذلك لأن الصوم عبادة محضة، فافتقر إلى النية كالصلاة وغيرها. كما أن الإمساك قد يُراد لغير العبادة، كأن يكون للعادة أو لمرض أو لعدم اشتهاء الطعام أو الشراب أو الجماع، أو بغرض الرياضة وتخفيف الوزن، فلا بد من تعيين النية لوقوع هذه العبادة. (¬2) قال النووي: (لا يصح صوم إلا بنية سواء الصوم الواجب من رمضان وغيره، والتطوع، وبه قال العلماء كافة إلا عطاء ومجاهد وزفر) ((المجموع)) (6/ 300). وقال الجصاص: (النية شرط في صحة الصوم) ((أحكام القرآن)) (4/ 174). وقال ابن العربي: ( .. النية التي تلزم كل عبادة، وتتعين في كل طاعة، وكلُّ عمل خلافها لم يكن به اعتدادٌ; فهي شرطٌ لا ركن). ((أحكام القرآن)) (2/ 54). وقال الشوكاني: ( .. أن ظاهر الأدلة يقتضى أن النية شرط في جميع ما تقدم من العبادات لدلالة أدلتها على أن عدمها يؤثر في العدم وهذا هو معنى الشرط عند أهل الأصول). ((السيل الجرار)) (1/ 311). وقال ابن عثيمين: (من شرط صحة الصوم: النية) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 137). وانظر: ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 304)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 152 - 153) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 336) ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 22). (¬3) قال ابن قدامة: (لا يصح صوم إلا بنية إجماعاً فرضاً كان أو تطوعاً) ((المغني)) (3/ 7). (¬4) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المطلب الثاني: وقت النية في الصوم

المطلب الثاني: وقت النية في الصوم الفرع الأول: وقت النية في صوم الفرض المسألة الأولى: حكم تبييت النية يجب تبييت النية من الليل قبل طلوع الفجر (¬1)، وهو قول جمهور أهل العلم: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) (¬5). 2 - وفي رواية عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)) (¬6). المسألة الثانية: حكم تجديد النية في كل يوم من رمضان هل يشترط تجديد النية في كل يوم من رمضان، اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: يشترط تجديد النية لكل يوم من رمضان، وهو قول الجمهور: الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، (¬10)، وهو قول ابن المنذر (¬11)، واختيار ابن حزم (¬12)، وابن باز (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: عموم حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) (¬14). ¬

(¬1) وذلك لأن صوم اليوم كاملاً لا يتحقق إلا بهذا، فمن نوى بعد الفجر لا يقال أنه صام يوماً؛ فلذلك يجب لصوم اليوم الواجب أن ينويه قبل طلوع الفجر. (¬2) قال ابن عبد البر: (ولا يجوز صوم شهر رمضان إلا بأن يبيت له الصوم ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر بنية) ((الكافي)) (1/ 335). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 299). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 208). (¬5) رواه أبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (4/ 196) واللفظ له، والدارمي (2/ 12)، والبيهقي (4/ 202) (8161). قال أبو داود: وقفه على حفصة معمر والزبيدي ويونس الأيلي كلهم عن الزهري، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وروي عن ابن عمر قوله وهو أصح، وصحح إسناده ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 162)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 193)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)). (¬6) رواه النسائي (4/ 197)، والبيهقي (4/ 202) (8163). وصحح إسناده ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 162)، وقال عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (384): رواه الجماعة فأوقفوه على حفصة والذي أسنده ثقة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)). (¬7) ((شرح مختصر الطحاوي للجصاص)) (2/ 403)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 66). (¬8) ((المجموع للنووي)) (6/ 302). (¬9) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 209)، ((المغني لابن قدامة)) (3/ 8). (¬10) قال النووي: (وبه قال أبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وابن المنذر والجمهور) ((المجموع)) (6/ 302). (¬11) قال ابن المنذر: (لا يجزيه حتى ينوي في كل ليلة أنه صائم من الغد) ((الإشراف)) (3/ 115). (¬12) قال ابن حزم: (ولا يجزئ صيام أصلا رمضان كان أو غيره إلا بنية مجددة في كل ليلة لصوم اليوم المقبل) ((المحلى)) (6/ 160). (¬13) قالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (لا بد من تبييت نية صيام رمضان ليلاً كل ليلة) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (10/ 246)، وانظر ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية وآراؤه في قضايا معاصرة لخالد بن مفلح آل حامد)) (2/ 904). (¬14) رواه أبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (4/ 196) واللفظ له، والدارمي (2/ 12)، والبيهقي (4/ 202) (8161). قال أبو داود: وقفه على حفصة معمر والزبيدي ويونس الأيلي كلهم عن الزهري، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وروي عن ابن عمر قوله وهو أصح، وصحح إسناده ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 162)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 193)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)).

وفي رواية عن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له)) (¬1). ثانياً: القياس: وذلك أن شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة ولا بد لكل صلاة من نية فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية. القول الثاني: أَنَّ ما يشترط فيه التتابع تكفي النية في أوله، فإذا انقطع التتابع لعذر يبيحه، ثم عاد إلى الصوم فإنَّ عليه أن يجدد النية، وهو مذهب المالكية (¬2)، وقول زفر من الحنفية (¬3)، واختاره ابن عثيمين (¬4). وذلك لأن الصوم المتتابع كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق، ولذا تكفي النية الواحدة. كما أنَّ النية إذا لم تقع في كل ليلة حقيقة، فهي واقعة حكماً؛ لأن الأصل عدم قطع النية. الفرع الثاني: وقت النية في صوم النفل المسألة الأولى: حكم تبييت النية من الليل في صيام التطوع لا يشترط في صيام التطوع تبييت النية من الليل عند جمهور أهل العلم من الحنفية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). ويجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر (¬8)، وهذا مذهب الحنابلة (¬9)، وقولٌ عند الشافعية (¬10)، وقول طائفة من السلف (¬11) واختاره ابن تيمية (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: 1 - عموم حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم (¬14). 2 - ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائمٌ يومي هذا)) (¬15). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله تعالى عنهم (¬16). المسألة الثانية: من أنشأ نية الصوم أثناء النهار فهل يكتب له ثواب صيام يوم كامل؟ من أنشأ نية الصوم أثناء النهار، فإنه يكتب له ثواب ما صامه من حين نوى الصيام، وهذا مذهب الحنابلة (¬17)، وهو اختيار ابن تيمية (¬18)، وابن باز (¬19)، وابن عثيمين (¬20). الدليل: عموم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) أخرجه البخاري ومسلم (¬21). وجه الدلالة: أن الإمساك كان في أول النهار بغير نية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فكيف يثاب على إمساك لم يقصده ولم ينوه؟ وإنما يثاب فيما ابتغى به وجه الله تعالى. ¬

(¬1) رواه النسائي (4/ 197)، والبيهقي (4/ 202) (8163). وصحح إسناده ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 162)، وقال عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (384): رواه الجماعة فأوقفوه على حفصة والذي أسنده ثقة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)). (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 521). (¬3) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 56). (¬4) ((الشرح الممتع)) (6/ 356). (¬5) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 313). (¬6) ((المجموع للنووي)) (6/ 302). (¬7) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 10)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211). (¬8) وذلك أنه لما كان الليل محلاً للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم جميعه، ثم كان النهار محلاً للنية في صوم التطوع، وجب أن يستوي حكم جميعه. وكذلك فإن النية وجدت في جزءٍ من النهار، فأشبه ما لو وُجِدَت قبل الزوال بلحظة. (¬9) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 10)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211). (¬10) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 406)، ((المجموع للنووي)) (6/ 292). (¬11) قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري وإبراهيم والحسن بن صالح) ((الاستذكار)) (10/ 35). (¬12) قال ابن تيمية: (والأظهر صحته - أي الصوم بنية التطوع بعد الزوال - كما نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 120). (¬13) ((الشرح الممتع)) (6/ 358 - 359)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 185 - 186). (¬14) رواه مسلم (1154). (¬15) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1924)، ووصله البيهقي (4/ 204) (8173). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/ 144 - 145). (¬16) رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (1924)، ووصلها البيهقي (4/ 204) (8171) (8172) (8173) (8174)، وعبدالرزاق (4/ 273) (7778)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 56). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/ 145 - 147). (¬17) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211). (¬18) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (1/ 193 - 194). (¬19) قال ابن باز: ( ... يجوز له أن يصوم من أثناء النهار، إذا كان لم يتعاط شيئا من المفطرات بعد طلوع الفجر، ويكتب له أجر الصائم من حين نيته) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 288). (¬20) ((الشرح الممتع)) (6/ 360)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 185 - 186). (¬21) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المطلب الثالث: الجزم في نية الصوم

المطلب الثالث: الجزم في نية الصوم الفرع الأول: حكم صوم المتردد في نية الصوم الواجب من تردد في نية الصوم الواجب، هل يصوم غدا أو لا يصوم، واستمر هذا التردد إلى الغد، ثم صامه، فصومه غير صحيح، وعليه قضاء هذا اليوم، وهذا قول جمهور أهل العلم من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول بعض الحنفية (¬4)، واختاره ابن عثيمين (¬5). ومثل ذلك ما لو قال: إن شاء الله متردداً، لا يدري هل يصوم أو لا يصوم. وذلك لأن هذا مخالف لشرط من شروط صحة الصوم وهو النية، التي هي عقد القلب على فعل الشيء، والتردد ينافي ذلك، ومتى اختل هذا الشرط فسد الصوم، ووجب القضاء. الفرع الثاني: حكم من علق الصوم، فقال مثلاً: إن كان غداً رمضان فهو فرضي، أو سأصوم الفرض إذا نوى الإنسان أنه إن كان غداً رمضان فهو فرضي، أو سأصوم الفرض، فتبين أنه رمضان فصومه صحيح، وهو رواية عن أحمد (¬6)، وإليه ذهب ابن تيمية (¬7)، وابن عثيمين (¬8). وذلك لأن هذا الرجل علق الصوم؛ لأنه لا يعلم أن غداً من رمضان، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر، لا على التردد في النية، وهل يصوم أو لا يصوم، فهو هاهنا قد علق الصوم على ثبوت الشهر، فلو لم يثبت الشهر لم يصم. ¬

(¬1) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 520). (¬2) قال النووي: (لو عقب النية بقوله: إن شاء الله، بقلبه أو بلسانه، فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى لم يضره، وإن قصد تعليقه والشك لم يصح صومه، هذا هو المذهب وبه قطع المحققون) ((المجموع للنووي)) (6/ 298)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 425). (¬3) قال الحجاوي: (ومن قال أنا صائم غداً إن شاء الله: فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد، فسدت نيته وإلا لم تفسد إذا قصده أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره) ((الإقناع للحجاوي)) (1/ 309). (¬4) قال الزيلعي: (وفي جوامع الفقه قال نويت أن أصوم غداً إن شاء الله تعالى صحت نيته؛ لأن النية عمل القلب دون اللسان فلا يعمل فيه الاستثناء، وفي الذخيرة ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه لا رواية لهذه المسألة وفيها قياس واستحسان، القياس: أن لا يصير صائما كالطلاق والعتاق والبيع، وفي الاستحسان: يصير صائماً؛ لأنه لا يراد الإبطال بل هو للاستعانة وطلبا للتوفيق) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 316). (¬5) قال ابن عثيمين: (النية لا بد فيها من الجزم، لو بات على هذه النية بأن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً، فإن صومه لا يصح إن كان فرضاً، إلا أن يستيقظ قبل الفجر وينويه) ((الشرح الممتع)) (6/ 358). وقال أيضاً: (إذا قال أنا صائم غداً إن شاء الله ننظر هل مراده الاستعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده، إن قال: نعم، فصيامه صحيح؛ لأن هذا ليس تعليقاً، ولكنه استعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده؛ لأن التعليق بالمشيئة سبب لتحقيق المراد) ((الشرح الممتع)) (6/ 357). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 10). (¬7) قال المرداوي: (واختار هذه الرواية -أي: يجزيه إن نوى: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نفل- الشيخ تقي الدين) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 209). (¬8) ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (6/ 361 - 363)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 186).

المطلب الرابع: استمرار النية

المطلب الرابع: استمرار النية الفرع الأول: حكم صوم من نوى في يوم من رمضان قطْعَ صومه من نوى في يوم من رمضان قطْعَ صومه، فإن صومه ينقطع، ولا يصح منه، وعليه القضاء وإمساك بقية اليوم إن كان ممن لا يباح لهم الفطر، فإن كان ممن يباح لهم الفطر كالمريض والمسافر، فعليه القضاء فقط، وهو قول المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختيار ابن عثيمين (¬3). الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). فهذا الرجل لما نوى قطعه انقطع. الفرع الثاني: حكم صوم من تردد في قطع نية الصوم من تردد في قطع نية الصوم، فإن صومه لا يبطل ما دام لم يجزم بقطعها، وهو مذهب الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، وهو قول في مذهب الحنابلة (¬7)،اختاره ابن عثيمين (¬8). وذلك لأن الأصل بقاء النية حتى يعزم على قطعها وإزالتها. ¬

(¬1) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 434). (¬2) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 316). (¬3) ((الشرح الممتع)) (2/ 298)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 183، 187 - 188). (¬4) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). (¬5) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 92). (¬6) ((المجموع للنووي)) (6/ 297). (¬7) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211). (¬8) ((الشرح الممتع)) (2/ 298)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 187 - 188).

الفصل السادس: آداب الصيام

المطلب الأول: تعجيل الفطر تمهيد يسن للصائم تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس (¬1). الأدلة: 1 - عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)) (¬3). 3 - وقد نقل الاتفاق على استحباب تعجيل الفطر: ابن دقيق العيد (¬4). الفرع الأول: حكم الفطر بغلبة الظن يجوز الفطر بغلبة الظن، وهو قول جمهور أهل العلم (¬5). الدليل: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (¬6). وجه الدلالة: أنَّ الصحابة أفطروا بناءً على اجتهادٍ منهم حيث غلب على ظنهم أن الشمس قد غربت وكانوا في يوم غيمٍ مع أنها في نفس الأمر لم تغرب ولم يُنكر عليهم ما فعلوه من العمل بالظن الغالب. وغلبة الظن إنما تكون عند وجود علامات ودلائل تدل على غروب الشمس بحيث يغلب على ظن الصائم دخول وقت الإفطار. الفرع الثاني: حكم قضاء الصائم الذي أفطر في صومٍ واجبٍ، ظانًّا أن الشمس قد غربت إذا أفطر الصائم في صومٍ واجب، ظاناً أن الشمس قد غربت، ثم تبين له أنها لم تغرب، فإن عامة أهل العلم على أنه يلزمه الإمساك (¬7). واختلفوا في قضائه على قولين: ¬

(¬1) قال ابن عبد البر: (من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس) ((التمهيد)) (21/ 97). (¬2) رواه البخاري (1957)، ومسلم (1098). (¬3) رواه أبو داود (2353)، وأحمد (2/ 450) (9809)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 253) (3313)، وابن خزيمة (3/ 275)، وابن حبان (8/ 273) (3503)، والحاكم (1/ 596). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 359)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)). (¬4) قال ابن دقيق العيد: (تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب: مستحب باتفاق) ((إحكام الأحكام)) (1/ 281). (¬5) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 405)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 702)، ((المجموع للنووي)) (6/ 307)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 220). (¬6) رواه البخاري (1959). (¬7) قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازم له كالمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب .. يلزمهم الإمساك لا نعلم بينهم فيه اختلافاً) ((المغني)) (3/ 33). وقال ابن عثيمين: (من أفطر قبل أن تغرب الشمس إذا تبين أن الشمس لم تغرب، وجب عليه الإمساك) ((الشرح الممتع)) (6/ 389 - 396).

القول الأول: يلزمه القضاء، وهو قول أكثر أهل العلم (¬1). الدليل: عموم قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [البقرة: 187] وجه الدلالة: أن الصائم مأمورٌ بإتمام صومه إلى الليل، والصائم في هذه المسألة قد أكل في النهار. القول الثاني: لا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف (¬2)، واختاره ابن تيمية (¬3)، وابن القيم (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] وجه الدلالة: أن هذا من الخطأ الذي قد عفا الله عنه؛ ولا قضاء على من أفطر مخطئاً (¬5). ثانياً: من السنة: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (¬6). وجه الدلالة: أنه لم يُنقَل أن الصحابة أُمِرُوا بالقضاء، ولو كان واجباً لنُقِل. الفرع الثالث: حكم الفطر مع الشك في غروب الشمس لا يجوز الفطر مع الشك في غروب الشمس، فمن أكل شاكًّا في غروب الشمس ولم يتبين له بعد ذلك هل غربت أم لا، أو تبين أنها لم تغرب، فإنه يأثم، ويجب عليه القضاء في الحالتين، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187] وجه الدلالة: أنه لا بد أن يتم الصائم صومه إلى الليل، أي: إلى غروب الشمس. ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8). فلا بد أن تغرب الشمس، والأصل بقاء النهار حتى يُتيَقَّن، أو يغلب على الظن غروب الشمس، فمن أكل وهو شاكٌّ فقد تجاوز حده، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه. ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (قال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث فيمن أكل وظنه ليلاً ثم تبين له أنه نهار أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب فعليه القضاء) ((التمهيد)) (21/ 98). قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازم له كالمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب .. يلزمهم الإمساك لا نعلم بينهم فيه اختلافا إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر إباحة فطر بقية يومه قياساً على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية وهو قول شاذ لم يعرج عليه أهل العلم) ((المغني)) (3/ 33)، وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (6/ 255). قال ابن قدامة: (مسألة: قال - أي الخرقي -: وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب فعليه القضاء. هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم) ((المغني)) (3/ 35). قال النووي: (ولو أكل ظانًّا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظانًّا أن الفجر لم يطلع فبان طالعاً صار مفطراً هذا هو الصحيح الذى نص عليه الشافعي وقطع به المصنف والجمهور) ((المجموع)) (6/ 306). وقال القرطبي: (فإن ظن أن الشمس قد غربت لغيم أو غيره فأفطر ثم ظهرت الشمس فعليه القضاء في قول أكثر العلماء) ((تفسير القرطبي)) (2/ 328). وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 290). (¬2) قال ابن عبدالبر: (وقال مجاهد وجابر بن زيد: لا قضاء عليه في شيء من ذلك كله وبه قال داود) ((التمهيد)) (21/ 98). ونقل ابن المنذر أن ممن قال بعدم القضاء الحسن البصري وإسحاق، وأنه رواية عن عمر. ((الإشراف)) (3/ 120). (¬3) ((مجموع الفتاوى)) (20/ 572 - 573). (¬4) ((تهذيب سنن أبي داود)) (6/ 212). (¬5) قال ابن القيم: ( .. لأن الجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، ولو أكل ناسياً لصومه لم يجب عليه قضاؤه، والشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي، فإن كل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه، وأخطأ في فعله، وقد استويا في أكثر الأحكام، وفي رفع الآثام، فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟ وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل والمخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة) ((تهذيب سنن أبي داود)) (6/ 212). (¬6) رواه البخاري (1959). (¬7) ((الهداية للميرغيناني)) (1/ 130)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 106)، ((التمهيد لابن عبد البر)) (21/ 97)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 526)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 423)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 158)، ((المغني لابن قدامة)) (3/ 35)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 310)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 291)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 291). (¬8) رواه البخاري (1954)، ومسلم (1100).

المطلب الثاني: ما يفطر عليه الصائم

المطلب الثاني: ما يفطر عليه الصائم الفرع الأول: ما يستحب أن يفطر عليه الصائم يستحب الإفطار على رطب، فإن لم يوجد فتمر، فإن لم يوجد فماء، وهو قول عامة أهل العلم (¬1). الدليل: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات، حسا حسوات (¬2) من ماء)) (¬3). الفرع الثاني: من لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماء من لم يجد رطباً ولا تمراً ولا ماء، فليفطر على ما تيسر من مأكول أو مشروب (¬4). الفرع الثالث: من لم يجد شيئا يفطر عليه من مأكول أو مشروب من لم يجد شيئا يفطر عليه من مأكول أو مشروب، فإنه ينوي الفطر بقلبه (¬5) ولا يمص إصبعه، أو يجمع ريقه ويبلعه كما يفعل البعض (¬6). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 343). ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 703)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 515) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 434). ((كتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية)) (1/ 510) ((زاد المعاد لابن القيم)) (2/ 51) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 155). ((نيل الأوطار للشوكاني)) (4/ 221) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 261). (¬2) قال الشوكاني: (قوله: حسا حسوات، أي: شرب شربات والحسوة المرة الواحدة) ((نيل الأوطار)) (4/ 221). (¬3) رواه أحمد (3/ 164) (12698)، وأبو داود (2356)، والترمذي (696) واللفظ له، والحاكم (1/ 597)، والبيهقي (4/ 239) (8389). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وصحح إسناده الدارقطني في ((السنن)) (2/ 401)، وعبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (385) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح. (¬4) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 261). (¬5) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 261)، ((الشرح الممتع)) (6/ 437). (¬6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 261).

المطلب الثالث: ما يقال عند الإفطار

المطلب الثالث: ما يقال عند الإفطار عن ابن عمر أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ((ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر (¬1) إن شاء الله)) (¬2). ¬

(¬1) قال الطيبي: (قوله: (ثبت الأجر) بعد قوله (ذهب الظمأ) استبشار منه؛ لأنه من فاز ببغيته ونال مطلوبه بعد التعب والنصب وأراد اللذة بما أدركه ذكر له تلك المشقة ومن ثم حمد أهل الجنة في الجنة) ((فيض القدير للمناوي)) (5/ 136). وقال القاري: ((وابتلت العروق) أي: بزوال اليبوسة الحاصلة بالعطش ... وقال: (ثبت الأجر) أي زال التعب وحصل الثواب) ((مرقاة المفاتيح)) (4/ 474). (¬2) رواه أبو داود (2357)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 255)، والحاكم (1/ 584)، والبيهقي (4/ 239) (8391). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الدارقطني في ((السنن)) (2/ 185): إسناده حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وحسن إسناده ابن قدامة المقدسي في ((المغني)) (3/ 108)، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 339)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

المبحث الثاني: السحور

المطلب الأول: تعريف السحور لغة واصطلاحاً أولاً: تعريف السحور لغةً: السَّحُور بالفتح: طعامُ السَّحَرِ وشرابُه، وبالضم: أكل هذا الطعام. فهو بالفتح اسم ما يُتَسَحَّر به، وبالضم المصدر والفعل نفسه (¬1). ثانياً: تعريف السحور اصطلاحاً: السَّحور هو: كلُّ طعام أو شراب يتغذَّى به آخر الليل من أراد الصيام (¬2). ¬

(¬1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: سحر). قال الأَزهري: (السَّحُور: ما يُتَسَحَّرُ به وقت السَّحَر من طعام أو لبن أو سويق، وضع اسماً لما يؤكل ذلك الوقت، وقد تسحر الرجل ذلك الطعام أي أكله) ((تهذيب اللغة)) (مادة: سحر). وقال ابن الأَثير: ( .. وهو بالفتح - أي السَّحُور -: اسم ما يُتَسحَّرُ به من الطعام والشراب، وبالضم - أي السُّحُور -: المصدر والفعل نفسه) ((النهاية)) (مادة: سحر). (¬2) ((الصيام في الإسلام لسعيد بن علي القحطاني)) (ص 247).

المطلب الثاني: حكم السحور

المطلب الثاني: حكم السحور السحور سنةٌ في حق من يريد الصيام. الأدلة: أولاً من السنة: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة القولية والفعلية. 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسحروا فإن في السَّحور بركة (¬1))). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 2 - وعن أنس رضي الله عنه أن زيد بن بن ثابت رضي الله عنه حدثه: ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قاموا إلى الصلاة ... (¬3))). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ثانياً: الإجماع: وممن نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬5)، وابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7). ¬

(¬1) قال البخاري في صحيحه: (باب بركة السحور من غير إيجاب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يُذكَرِ السَّحور). ((صحيح البخاري)) قبل حديث (1922)، وانظر ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 139). (¬2) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). (¬3) قال الجصاص: (فندب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى السحور، وليس يمتنع أن يكون مراد الله بقوله وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ في بعض ما انتظمه: أكْلة السحور، فيكون مندوباً إليها بالآية. فإن قيل: قد تضمنت الآية لا محالة الرخصة في إباحة الأكل وهو ما كان منه في أول الليل لا على وجه السحور، فكيف يجوز أن ينتظم لفظ واحد ندباً وإباحة؟ قيل له: لم يثبت ذلك بظاهر الآية، وإنما استدللنا عليه بظاهر السنة، فأما ظاهر اللفظ فهو إطلاق إباحة على ما بينا) ((أحكام القرآن)) (1/ 289). (¬4) رواه البخاري (575)، ومسلم (1097). (¬5) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن السحور مندوب إليه) ((الإجماع)) (ص 49). (¬6) قال ابن قدامة: (ولا نعلم فيه بين العلماء خلافاً) ((المغني)) (3/ 54). (¬7) قال النووي: (وأجمع العلماء على استحبابه - أي: السحور- وأنه ليس بواجب) ((شرح مسلم)) (7/ 206).

المطلب الثالث: فضائل السحور

المطلب الثالث: فضائل السحور السحور بركة (¬1) الدليل: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تسحروا فإن في السَّحور بركة)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة، منها: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام (¬3). ¬

(¬1) قال ابن دقيق العيد: (البركة محتملة لأن تضاف إلى كل واحد من: الفعل - أي الأكل - والمتسحَّر به - أي الطعام - معاً) ((إحكام الأحكام)) (1/ 269). (¬2) رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095). (¬3) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 140). قال النووي: (وسبب البركة فيه: تقويته الصائم على الصوم وتنشيطه له وفرحه به وتهوينه عليه، وذلك سبب لكثرة الصوم) ((المجموع)) (6/ 360). وقال ابن دقيق العيد: (وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية لقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إجحاف به) ((إحكام الأحكام)) (1/ 269). وقال ابن عثيمين: (بركة السحور المراد بها البركة الشرعية، والبركة البدنية، أما البركة الشرعية فمنها امتثال أمر الرسول والاقتداء به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما البركة البدنية فمنها تغذية البدن وقوته على الصوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 362) وقال أيضاً: (ومن بركته أنه معونة على العبادة فإنه يعين الإنسان على الصيام فإذا تسحر كفاه هذا السحور إلى غروب الشمس مع أنه في أيام الإفطار يأكل في أول النهار وفي وسط النهار وفي آخر النهار ويشرب كثيراً فينزل الله البركة في السحور، يكفيه من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس) ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 336).

المطلب الرابع: الحكمة من السحور

المطلب الرابع: الحكمة من السحور من حكم السحور ومقاصده: 1 - أنه معونة على العبادة، فإنه يعين الإنسان على الصيام. 2 - وفيه مخالفة أهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون. الدليل: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السَّحَر)) أخرجه مسلم (¬1). معناه: الفارقُ والمميزُ بين صيامنا وصيامهم: السحور؛ فإنهم لا يتسحرون، ونحن يستحب لنا السحور. وأَكلة السَّحَر هي: السحور (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم (1096). (¬2) ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 207).

المطلب الخامس: وقت السحور واستحباب تأخيره

المطلب الخامس: وقت السحور واستحباب تأخيره الفرع الأول: وقت السحور وقت السحور يكون في آخر الليل (¬1). الفرع الثاني: تأخير السحور المسألة الأولى: حكم تأخير السحور يستحب تأخير السحور إلى قرب طلوع الفجر، ما لم يخش طلوعه، فإن خشي طلوعه فليبادر إلى التسحر (¬2). وقد اتفق الفقهاء على أن تأخير السحور من السنة (¬3). الدليل: عن أنس رضي الله عنه أن زيد بن ثابت رضي الله عنه حدَّثه ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قلت - أي أنس -: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين آية (¬4))). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ففي الحديث: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير السحور إلى قبيل الفجر (¬6). المسألة الثانية: حكم قضاء من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له دخول وقت الفجر من تسحر معتقداً أنه ليل، فتبين له أن الفجر قد دخل وقته، فقد اختلف أهل العلم هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين: القول الأول: صومه صحيح، ولا قضاء عليه، وهو قول طائفة من السلف (¬7): واختاره ابن تيمية (¬8)، وابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] وجه الدلالة: ¬

(¬1) قال ابن حجر: (السحر هو آخر الليل ... السُّحور هو الغذاء في ذلك الوقت، وبالفتح - أي السَّحور-: ما يؤكل في ذلك الوقت) ((فتح الباري)) (1/ 130). وقال الليث: (السَّحَرُ: آخِرُ الليل) ((تهذيب اللغة)) (مادة: سحر). قال ابن عثيمين: (السحر لغةً: ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السحر لآخر الليل؛ لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور؛ لما يؤكل في آخر الليل؛ لأنه يكون خفيًّا) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (9/ 489). وانظر ((فقه الدليل لعبد الله الفوزان)) (3/ 199)، و ((معرفة أوقات العبادات لخالد المشيقح)) (2/ 137). (¬2) ((الشرح الممتع)) (6/ 434). قال ابن عثيمين: (وينبغي للمرء أن يكون مستعداً للإمساك قبل الفجر خلاف ما يفعله بعض الناس إذا قرب الفجر جدًّا قدم سحوره زاعماً أن هذا هو أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتأخير السحور، ولكن ليس هذا بصحيح، فإن تأخير السحور إنما ينبغي إلى وقت يتمكن الإنسان فيه من التسحر قبل طلوع الفجر، والله أعلم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 295). (¬3) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 105)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (21/ 97)، ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 307)، ((المجموع للنووي)) (3/ 378 - 379)، ((مغني المحتاج للشربيني)) (1/ 435)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 331)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 234). (¬4) قال ابن حجر: (في قوله: قدر خمسين آية؛ أي: متوسطة، لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة) ((فتح الباري)) (1/ 367). (¬5) رواه البخاري (1921)، ومسلم (1097). (¬6) ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 208). (¬7) قال ابن قدامة: (وحكي عن عروة, ومجاهد والحسن, وإسحاق: لا قضاء عليهم) ((المغني)) (3/ 35). (¬8) قال ابن تيمية: (وإن شك: هل طلع الفجر؟ أو لم يطلع؟ فله أن يأكل ويشرب حتى يتبين الطلوع. ولو علم بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ففي وجوب القضاء نزاع. والأظهر أنه لا قضاء عليه وهو الثابت عن عمر وقال به طائفة من السلف والخلف). ((مجموع الفتاوى)) (25/ 216). (¬9) ((الشرح الممتع)) (6/ 394 - 395، 398)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (19/ 292 - 294).

أنَّ الأصل بقاء الليل حتى يتبين دخول الفجر, وضد التبين: الشك والظن، ومن القواعد الفقهية المقررة أن اليقين لا يزول بالشك، فما دمنا لم نتبين الفجر، فلنا أن نأكل ونشرب. 1 - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] وجه الدلالة: أن من أكل أو شرب جاهلاً بدخول وقت الفجر فهو مخطئ، والخطأ معفوٌّ عنه. ثانياً: من السنة: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما حيث قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (¬1). ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، وإذا كان هذا في آخر النهار فأوله من باب أولى؛ لأن أوله مأذون له بالأكل والشرب فيه حتى يتبين له الفجر (¬2). القول الثاني: عليه القضاء، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6). الدليل: قول الله سبحانه وتعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] وتبيُّنُ طلوع الفجر قد حصل في هذه الحالة، فلزمه القضاء (¬7). المسألة الثالثة: حكم تناول السحور أثناء الأذان - إن كان المؤذن ثقة لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر، وجب الإمساك بمجرد سماع أذانه. - وإن كان المؤذن يؤذِّن قبل طلوع الفجر لم يجب الإمساك وجاز الأكل والشرب حتى يتبين الفجر، كما لو عرف أن المؤذن يتعمد تقديم الأذان قبل الوقت، أو كأن يكون في برية ويمكنه مشاهدة الفجر، فإنه لا يلزمه الإمساك إذا لم يطلع الفجر، ولو سمع الأذان. - وإن كان لا يعلم حال المؤذن، هل أذَّن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإنه يمسك أيضاً فإن الأصل أن المؤذن لا يؤذِّن إلا إذا دخل الوقت، وهذا أضبط في الفتوى وعليه عمل الناس. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] وجه الدلالة: ¬

(¬1) رواه البخاري (1959). (¬2) ((الشرح الممتع)) (6/ 333 - 394). (¬3) ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 129)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 322). (¬4) ((المدونة الكبرى)) (1/ 266)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 704). (¬5) قال النووي: (ولو أكل ظانًّا غروب الشمس فبانت طالعة أو ظانًّا أن الفجر لم يطلع فبان طالعاً صار مفطراً هذا هو الصحيح الذى نص عليه الشافعي، وقطع به المصنف والجمهور) ((المجموع للنووي)) (6/ 313). (¬6) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 310) قال أبو داود: قلت لأحمد: (إذا تسحر وهو يرى أن عليه ليلاً وقد أصبح؟ قال: يقضي) ((مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني)) (ص 93). (¬7) قال البابرتي الحنفي: (أما فساد صومه فلانتفاء ركنه بغلط يمكن الاحتراز عنه في الجملة بخلاف النسيان. وأما إمساك البقية فلقضاء حق الوقت بالقدر الممكن .. ، آنفا أو لنفي التهمة، فإنه إذا أكل ولا عذر به اتهمه الناس بالفسق، والتحرز عن مواضع التهم واجب. وأما القضاء فلأنه حق مضمون بالمثل شرعا فإذا فوته قضاه كالمريض والمسافر. وأما عدم الكفارة فلأن الجناية قاصرة لعدم القصد) ((العناية شرح الهداية للبابرتي)) (2/ 372)، ((الهداية للمرغناني)) (1/ 129).

أن الله سبحانه وتعالى قد علَّق الحكم بتبين طلوع الفجر، أي تيقن دخول وقته. ثانياً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). فعلق صلى الله عليه وسلم أذان ابن أم مكتوم رضي الله عنه بدخول وقت الفجر الثاني، فالعبرةُ بذلك، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فمتى دخل وقت الفجر وجب الإمساك، وإن لم يُؤذَّن للصلاة، ومتى لم يدخل وقت الفجر لم يجب الإمساك وإن أُذِّن للصلاة. أدلة الإمساك عملاً بالأحوط كما في بعض الحالات السابقة: 1 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان ... )) أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 2 - عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك)) (¬3) المسألة الرابعة: من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام اتفق أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة على أن من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام أن يلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه (¬4)؛ وذلك لأنه ابتلع طعاماً باختياره مع أنه يمكنه لفظه فأفطر بذلك. واستثنى بعض أهل العلم (¬5) من سمع الأذان وفي يده إناء، أن يتناول منه، واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)) (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري (623)، ومسلم (1092). (¬2) رواه البخاري (2051)، ومسلم (1599). (¬3) رواه أحمد (1/ 200) (1723)، والترمذي (2518)، والنسائي (8/ 327)، والطبراني (3/ 75) (2709)، والحاكم (2/ 15)، والبيهقي (5/ 335) (11134). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه النووي في ((المجموع)) (1/ 181)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)). (¬4) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 91)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 533)، ((المجموع للنووي)) (6/ 319)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 307)، ((المحلى لابن حزم)) (6/ 229). وقال ابن القيم: (وذهب الجمهور إلى امتناع السحور بطلوع الفجر وهو قول الأئمة الأربعة وعامة فقهاء الأمصار وروى معناه عن عمر وابن عباس) ((تهذيب سنن أبي داود)) (6/ 209). (¬5) قال الألباني: (فيه دليلٌ على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق) ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)) (1/ 417). وقال ابن عثيمين: ( .. وأما تحريم الطعام فلقول الله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ*البقرة:187* .... فمتى تبين وجب الإمساك، لكن يرخص للإنسان الذي يكون الإناء في يده أن يكمل نهمته منه، أو اللقمة في يده أن يكملها، وأما أن يستأنف بعد تبين الصبح فلا يجوز) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (1/ 446). (¬6) رواه أحمد (10637)، وأبو داود (2350)، والدارقطني (2182)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8275). وقد اختلف أهل العلم في الحكم عليه، فسكت عنه أبو داود، وضعف أبو حاتم الرازي في ((العلل)) (2/ 59) رفعه وصححه موقوفاً عن أبي هريرة، وجود إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - الصيام)) (1/ 526)، وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2350): حسن صحيح.

المطلب السادس: ما يحصل به السحور

المطلب السادس: ما يحصل به السحور الفرع الأول: ما يحصل به السحور يحصل السحور بكل مطعوم أو مشروب (¬1) ولو كان قليلاً (¬2). الدليل: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السحور أكله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء .. )) (¬3). الفرع الثاني: ما يسن التسحر به يسن التسحر بالتمر. الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نِعْمَ سحور المؤمن التمر)) (¬4). ¬

(¬1) قال ابن قدامة: (وكل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة السحور؛ لقوله عليه السلام: ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء) ((المغني)) (3/ 55). وقال البهوتي: ((وتحصل فضيلته) أي: السحور (بشرب) لحديث: ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء. (و) يحصل (كمالها) أي: فضيلة السحور (بأكل) للخبر، وأن يكون من تمر لحديث: نعم سحور المؤمن التمر) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 489). قال ابن تيمية: (والأشبه: أنه إن قدر على الأكل فهو السنة) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (1/ 521). (¬2) قال ابن حجر: (يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب) ((فتح الباري)) (4/ 140). قال الحجاوي: ( .. تحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب وإن قل) (الإقناع للحجاوي)) (1/ 315)، قال البهوتي: (لحديث أبي سعيد: ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء) ((كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي)) (2/ 331 - 332). (¬3) رواه أحمد (3/ 12) (11101). وقوى إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 150) وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 228) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3683). (¬4) رواه أبو داود (2345)، وابن حبان (8/ 253) (3475)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/ 236) (8375). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (13/ 136)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

المبحث الثالث: اجتناب الصائم للمحرمات

المبحث الثالث: اجتناب الصائم للمحرمات إن ثمرة الصيام الأساسية هي أن يكون حافزاً للصائم على تقوى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] أي: من أجل أن تتقوا الله عز وجل وتجتنبوا محارمه. ولا يريد الله سبحانه من عباده أن يضيق عليهم بترك الأكل والشرب والجماع ولكن يريد أن يمتثلوا أمره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه (¬1))). أخرجه البخاري (¬2). فالصيام مدرسة عظيمة، فيها يكتسب الصائمون فضائل جليلة، ويتخلَّصون من خصال ذميمة، يتعودون على ترك المحرمات، ويقلعون عن مقارفة السيئات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث (¬3)، ولا يصخب (¬4) فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل (¬6) فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7). فيجب على الصائم خاصة، الحذر من المعاصي واجتنابها، فهي تجرح الصوم، وتُنقِصُ الأجر (¬8)، وذلك مثل الغيبة، والنميمة، والكذب، والغش، والسخرية من الآخرين، وسماع الأغاني، والمعازف، والنظر إلى المحرمات، وغير ذلك من أنواع المعاصي والمنكرات. ¬

(¬1) قال ابن حجر: (والمراد بقول الزور: الكذب، والجهل: السفه، والعمل به: أي بمقتضاه) ((فتح الباري)) (4/ 117)، وقيل: الجهل هو الظلم. ((الحلل الإبريزية)) (2/ 121). قال ابن عثيمين: (قول الزور: كل قول محرَّم، والعمل بالزور: كل فعل محرَّم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 27). (¬2) رواه البخاري (1903). (¬3) قال ابن حجر: (والمراد بالرفث هنا: ... الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقاً ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها) ((فتح الباري)) (4/ 104). (¬4) (الصخب: الخصام والصياح) ((فتح الباري)) (4/ 118). (¬5) رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151). (¬6) قال النووي: (الجهل قريب من الرفث وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل) ((شرح مسلم)) (8/ 28). وقال ابن حجر: (قوله: ولا يجهل، أي لا يفعل شيئاً من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه) ((فتح الباري)) (4/ 104). وقال ابن عثيمين: (ولا يجهل: يعني: لا يعتدي على أحد، وليس المراد: لا يجهل، يعني: يتعلم، ولكنه الجهل من الجهالة لا من الجهل ... ) ((شرح صحيح مسلم)) (4/ 119). (¬7) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151) واللفظ له. (¬8) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 320) قال النووي: (وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث ... بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الرديء لا أن الصوم يبطل به) ((المجموع)) (6/ 356) وقال النووي أيضا: (واعلم أن نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصًّا به بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد والله أعلم) ((شرح مسلم)) (8/ 28 - 29). وقال القرطبي: (لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 104).

المبحث الرابع: اشتغال الصائم بالطاعات

المبحث الرابع: اشتغال الصائم بالطاعات دلت الأدلة الشرعية على أن الحسنات تُضاعَف أضعافاً كثيرةً في الزمان الفاضل، كرمضان وغيره (¬1). فحريٌّ بالصائم الذي امتنع عن المباحات من المفطرات، وابتعد عن جميع المحرمات، أن يكون ديدنه الاشتغال بالطاعات، على كثرة أنواعها، وتنوع أصنافها، كقراءة القرآن الكريم، وكثرة الذكر، والدعاء، والإحسان إلى الآخرين، والتعاون على البر والتقوى، ومن ذلك تفطير الصائمين. فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً (¬2))) (¬3). فينبغي للإنسان أن يحرص على تفطير الصائمين بقدر المستطاع، لاسيما إذا كان الصائم فقيراً محتاجاً، أو عاجزاً. ¬

(¬1) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 134). قال ابن تيمية: (وتضاعف السيئة والحسنة بمكان أو زمان فاضل) ((الاختيارات الفقهية)) (1/ 463). (¬2) قال النووي: (يستحب أن يدعو الصائم ويفطره في وقت الفطر وهذا لا خلاف في استحبابه للحديث) ((المجموع)) (6/ 363). * قال ابن باز: (الحديث عام يعم الغني والفقير، والفرض والنفل، وفضل الله واسع سبحانه وتعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/ 207). * قال ابن عثيمين: (وظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره) ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 359). قال ابن تيمية: (والمراد بتفطيره أن يشبعه) ((الاختيارات الفقهية)) (1/ 460). قال النووي: (قال المتولي فإن لم يقدر على عشائه، فطَّرهُ على تمرة أو شربة ماء أو لبن) ((المجموع)) (6/ 363). (¬3) رواه الترمذي (807)، وأحمد (4/ 114) (17074)، والدارمي (2/ 14) (1702)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 256) (3331)، والطبراني (5/ 256) (5279). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (403) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (1/ 346) - كما اشترط على نفسه في المقدمة - والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

المبحث الخامس: ما يقوله الصائم إن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله

المبحث الخامس: ما يقوله الصائم إن سابَّه أحد أو شاتمه أو قاتله ينبغي للصائم إن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله أن يقول جهراً (¬1): إني صائم. الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم (¬3))). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ¬

(¬1) انظر ((المجموع)) (6/ 356). قال ابن تيمية: (والصحيح أنه يقول بلسانه كما دل عليه الحديث، فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان وأما ما في النفس فمقيد) ((منهاج السنة النبوية)) (5/ 197). وقال ابن القيم: (ونهى الصائِم عن الرَّفَث، والصَّخَب والسِّباب وجوابِ السِّباب، فأمره أن يقول لمن سابَّه: إنِّي صائم، فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر) ((زاد المعاد)) (2/ 52). وقال ابن عثيمين: (الصحيح أنه يقولها جهراً في صوم النافلة والفريضة؛ وذلك لأن فيه فائدتين: الفائدة الأولى: بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائماً لا لعجزه عن المقابلة بالمثل. الفائدة الثانية: تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحداً، وربما يكون هذا الشاتم صائماً كما لو كان ذلك في رمضان، وكلاهما في الحضر سواء حتى يكون قوله هذا متضمناً لنهيه عن الشتم، وتوبيخه عليه) ((الشرح الممتع)) (6/ 432)، وانظر ((شرح صحيح مسلم لابن عثيمين)) (4/ 119). (¬2) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151) واللفظ له. (¬3) قال الصنعاني: (فلا تشتم مبتدئاً ولا مجاوباً) ((سبل السلام)) (2/ 157). (¬4) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151) واللفظ له.

المبحث السادس: ما يفعله الصائم إذا دعي إلى طعام

المبحث السادس: ما يفعله الصائم إذا دعي إلى طعام ينبغي للصائم إذا دعي إلى طعام أن يقول: إني صائم، سواء كان صوم فرض أو نفل. فإن كان يشق على صاحب الطعام صومُه، استُحِبَّ له الفطر وإلا فلا، هذا إذا كان صوم تطوع، فإن كان صوماً واجباً حرُمَ الفطر (¬1). الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم)). أخرجه مسلم (¬2). 2 - عن أنس رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، قال: أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها (¬3))). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور ولا يلزمه الأكل (¬5). ومن أهل العلم من فرَّق بين الفرض والنفل في مسألة الحضور، فإن كان صومه فرضا فليس عليه أن يحضر؛ لأن الداعي سيعذره، وإن كان نفلا فيُنظر إن كان الداعي ممن له حق عليه لقرابة أو صداقة ويخشى إن اعتذر أن يكون في قلبه شيء، فالأفضل أن يحضر ولا يعتذر (¬6). - ومن حضر وهو صائم، ولم يفطر، فليدعُ لصاحب الطعام (¬7). الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل (¬8)، وإن كان مفطرا فليطعم)). أخرجه مسلم (¬9). وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليدعُ)) (¬10). ¬

(¬1) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 236)، وانظر ((شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)) (2/ 480). (¬2) رواه مسلم (1150). (¬3) قال ابن باز: (الضيف إذا كان صائما فهو مخير إن شاء أفطر وإن شاء صام، وقد صام هنا صلى الله عليه وسلم، وإن كان صائما فليصل، وفي لفظ: فليدعُ) ((الحلل البازية)) (2/ 157). (¬4) رواه البخاري (1982)، ومسلم (2481). (¬5) قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم فيما إذا دعي وهو صائم فليقل إني صائم، محمولٌ على أنه يقول له اعتذارا له وإعلاما بحاله وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة ولكن إذا حضر لا يلزمه الأكل) ((شرح مسلم)) (8/ 28). (¬6) قال ابن عثيمين: (ثم إذا حضر فالذكي يعرف كيف يتخلص، فإذا جلس على طعام فليستخدم نفسه لإخوانه مثلا، فيقطع لهذا اللحم، ويحضر لهذا صحن المرق، وهذا يواسيه بالأسمار ... ) ((شرح صحيح مسلم)) (4/ 118). (¬7) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 32)، ((شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)) (2/ 480). (¬8) قوله: (فليصل): أي فليدعُ. ((فتح الباري لابن حجر)) (9/ 247)، ((الشرح الممتع)) (12/ 336). (¬9) رواه مسلم (1431). (¬10) رواه أبو داود (3737). وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

الباب الثاني: شهر رمضان فضائله، خصائصه، حكم صومه، طرق إثبات دخوله وخروجه

الباب الثاني: شهر رمضان فضائله، خصائصه، حكم صومه، طرق إثبات دخوله وخروجه • الفصل الأول: فضائل شهر رمضان. • الفصل الثاني: خصائص شهر رمضان وليلة القدر. • الفصل الثالث: حكم صوم شهر رمضان، وحكم تاركه. • الفصل الرابع: إثبات دخول شهر رمضان وخروجه.

الفصل الأول: فضائل شهر رمضان

الفصل الأول: فضائل شهر رمضان 1 - تُكفَّر به الخطايا: الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان (¬1) إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)). أخرجه مسلم (¬2). 2 - تُغفَر فيه الذنوب: الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( .. ورغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفرَ له .. )) (¬4). 3 - صيام رمضان من أسباب دخول الجنة: الدليل: عن جابر رضي الله عنه ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أأدخل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم)). أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) قال ابن فارس: ( .. الرمض: حر الحجارة من شدة حر الشمس. وأرض رمضة: حارة الحجارة. وذكر قومٌ أن رمضان اشتقاقه من شدة الحر؛ لأنهم لما نقلوا اسم الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة، فوافق رمضان أيام رمض الحر) ((معجم مقاييس اللغة)) (مادة: رمض). (¬2) رواه مسلم (233). (¬3) رواه البخاري (38)، ومسلم (760). (¬4) رواه أحمد (2/ 254) (7444)، والترمذي (3545)، وابن حبان (3/ 189) (908)، وروى الحاكم (1/ 734) أوله. قال الترمذي: حسن غريب، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1/ 416) كما قال ذلك في المقدمة، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد (13/ 189)، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح. (¬5) رواه مسلم (15).

الفصل الثاني: خصائص شهر رمضان وليلة القدر

المبحث الأول: خصائص شهر رمضان 1. فيه أُنزل القرآن: الدليل: قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185] وكان هذا في ليلة القدر من رمضان، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1] وقال سبحانه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ [الدخان: 3] 2. فيه أُنزلت الكتب الإلهية الأخرى: الدليل: عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزلت صحف إبراهيم أول ليلةٍ من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربعٍ وعشرين خلت من رمضان)) (¬1). 3. فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين: الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 4. العمرة فيه تعدل حجة: الدليل: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأةٍ من الأنصار: ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح وترك لنا ناضحاً ننضح عليه. قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). وفي روايةٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج؟ قالت: أبو فلان - تعني زوجها - كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا. قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). - وهذا الفضل ليس مختصًّا بهذه المرأة وحدها، بل هو عامٌّ لجميع المسلمين (¬5)، (¬6). - وكان السلف رحمهم الله يسمون العمرة في رمضان: الحج الأصغر (¬7)؛ لأن المعتمر في رمضان إن عاد إلى بلده فقد أتى بسفرٍ كاملٍ للعمرة ذهاباً وإياباً في شهر رمضان، فاجتمع له حرمة شهر رمضان وحرمة العمرة، وصار ما في ذلك من شرف الزمان والمكان، يناسب أن يُعدَلَ بما في الحج من شرف الزمان - وهو أشهر الحج - وشرف المكان (¬8). - كما أن هذه العمرة لا تغني عن حجة الإسلام الواجبة، بإجماع أهل العلم (¬9)، فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون مجزئاً عنه، فهو يعادله في الثواب لا في الإجزاء عنه (¬10). ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 107) (17025)، والطبراني (22/ 75) (185)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/ 414) (2248). وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1575): إسناده حسن ورجاله ثقات. (¬2) رواه البخاري (3277)، ومسلم (1079) واللفظ له. (¬3) رواه البخاري (1782)، ومسلم (1256). (¬4) رواه البخاري (1863)، ومسلم (1256). (¬5) قال ابن حجر: (والظاهر حمله على العموم كما تقدم) ((فتح الباري)) (3/ 605). وقال ابن عثيمين: (والصحيح أنها عامة خلافاً لمن قال: إن هذا الحديث ورد في المرأة التي تخلفت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فقال لها: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي))، فإن بعض العلماء قال: إن هذا خاصٌّ بهذه المرأة يريد أن يطيب قلبها، ولكن الصواب أنها عامة) ((الشرح الممتع)) (7/ 378). (¬6) قال ابن باز: (أفضل زمانٍ تؤدى فيه العمرة: شهر رمضان) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 431). (¬7) ((فتح القدير)) (3/ 137). (¬8) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 293). (¬9) قال ابن بطال: (فيه دليلٌ على أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوعاً لإجماع الأمة على أن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة) ((فتح الباري لابن حجر)) (3/ 604). وقال النووي: (وفي الرواية الأخرى تقضي حجة، أي تقوم مقامها في الثواب لا أنها تعدلها في كل شيء فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة). وقال ابن تيمية: (المشبه ليس كالمشبه به من جميع الوجوه لا سيما في هذه القصة باتفاق المسلمين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 293). وقال ابن حجر: (فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض؛ للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض، ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن) ((فتح الباري)) (3/ 604)، وانظر ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 500)، ((شرح مسلم)) (9/ 2)، ((الفروع وتصحيح الفروع)) (5/ 321)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 70 - 71). (¬10) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 71).

المبحث الثاني: ليلة القدر

المبحث الثاني: ليلة القدر أ- تعريف ليلة القدر، وإثبات وجودها · تعريف ليلة القدر ليلة القدر مركبة من كلمتين: الأولى: ليلة وهي لغة: ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ويقابلها النهار. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي لها عن المعنى اللغوي. والثانية: القدر، ومعناه لغة: الشرف والوقار، ومن معانيه أيضاً: الحكم والقضاء والتضييق. واختلف العلماء في المراد به على عدة أقوال منها: - التعظيم والتشريف، ومنه قوله تعالى: وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] والمعنى: أنها ليلة ذات قدر وشرف؛ لنزول القرآن فيها، وغير ذلك، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر وشرف. - التضييق ومنه قوله تعالى: وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7]. ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة. - القدْر بمعنى القدَر - بفتح الدال - بمعنى الحكم والفصل والقضاء، قال العلماء: سميت ليلة القدر بذلك لما تكتب فيها الملائكة من الأرزاق والآجال وغير ذلك مما سيقع في هذه السنة بأمرٍ من الله سبحانه لهم بذلك، ويدل عليه قول الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (¬1) [الدخان: 3 - 5]. · هل ليلة القدر موجودة أم رفعت؟ ليلة القدر موجودةٌ لم ترفع، بل هي باقية إلى يوم القيامة، وهذا مذهب عامة أهل العلم (¬2). الأدلة: الأحاديث الكثيرة التي تحث المسلم على طلبها والاجتهاد في إدراكها، ومنها: - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ب- فضل ليلة القدر وقيامها · فضل ليلة القدر - أنزل فيها القرآن: قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1]. - يقدر الله فيها كل ما هو كائنٌ في السنة: قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: 4، 5]. وهو تقديرٌ ثانٍ، إذ إن الله قدر كل شيء قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة. ففي تلك الليلة يقدر الله مقادير الخلائق على مدار العام، ويكتب فيها الأحياء والأموات والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، وكل ما أراده الله سبحانه وتعالى في السنة المقبلة، يُكتَبُ في ليلة القدر هذه. (¬5) - أنها ليلة مباركة: قال تعالى إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3]. - العبادة فيها تفضل العبادة في ألف شهر: قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3]. ¬

(¬1) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (35/ 360) بتصرف. (¬2) قال النووي: (قال القاضي: وشذ قوم فقالوا: رفعت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم حين تلاحا الرجلان: (فرفعت). وهذا غلط من هؤلاء الشاذين؛ لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في السبع والتسع) هكذا هو في أول صحيح البخاري، وفيه تصريحٌ بأن المراد برفعها: رفع بيان علم عينها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها) ((شرح مسلم)) (8/ 58). (¬3) رواه البخاري (2014)، ومسلم (760). (¬4) رواه البخاري (2017)، ومسلم (1169). (¬5) انظر: ((تفسير الطبري)) (16/ 480)، و ((تفسير ابن كثير)) (4/ 469).

فالعبادة فيها أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وألف شهر أي: ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريباً. - ينزل فيها جبريل والملائكة بالخير والبركة: قال تعالى: تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4]. فتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة. - ليلة القدر سلامٌ: قال تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5] فهي ليلةٌ خاليةٌ من الشر والأذى، وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب، فهي سلامٌ كلها. · فضل قيامها عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ج- ما يشرع في ليلة القدر · القيام: يشرع في هذه الليلة الشريفة قيام ليلها بالصلاة. الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2) · الاعتكاف: يشرع في ليلة القدر الاعتكاف، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر التماساً لليلة القدر. الدليل: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3) · الدعاء: يشرع الدعاء فيها والتقرب به إلى الله تبارك وتعالى. الدليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)) (¬4). · العمل الصالح: قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3] قال كثير من المفسرين: أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ففي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر (¬5). د- وقت ليلة القدر وعلامتها وقت ليلة القدر ¬

(¬1) رواه البخاري (2014)، ومسلم (760). (¬2) رواه البخاري (2014)، ومسلم (760). (¬3) رواه البخاري (2027)، واللفظ له، ومسلم (1167). (¬4) رواه أحمد (6/ 171) (25423)، والترمذي (3513)، وابن ماجة (3119)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 407) (7712)، والحاكم (1/ 712)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3/ 338) (3700)، قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال النووي في ((الأذكار)) (247): إسناده صحيح. (¬5) ((تفسير القرطبي)) (20/ 131).

ثبتت الأحاديث أنها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4) والصنعاني (¬5)، وابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)). أخرجه البخاري (¬9). - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أنَّ رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10). - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها)). أخرجه البخاري ومسلم (¬11) هل ليلة القدر تتنقل أم هي ثابتة؟ ¬

(¬1) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 85)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 740). (¬2) قال النووي: (مذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنها في العشر الأواخر من رمضان وفي أوتارها أرجى) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 389)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 60)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 344). (¬4) قال ابن تيمية: (ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي في العشر الأواخر من رمضان. وتكون في الوتر منها) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 284). (¬5) قال الصنعاني: (وجمع بين الروايات بأن العشر للاحتياط منها وكذلك السبع والتسع لأن ذلك هو المظنة وهو أقصى ما يظن فيه الإدراك) ((سبل السلام)) (2/ 176). (¬6) قال ابن باز: (والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها، وأوتارها أحرى، وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير، أدرك ليلة القدر بلا شك وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيماناً واحتساباً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 399). (¬7) قال ابن عثيمين: (وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان .. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع .. وهي في السبع الأواخر أقرب .. ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 346 - 347). (¬8) رواه البخاري (2017)، ومسلم (1169). (¬9) رواه البخاري (2021). (¬10) رواه البخاري (2015)، ومسلم (1165). (¬11) رواه البخاري (6991)، ومسلم (1165).

لا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهو قول أبي حنيفة (¬1)، ومالك (¬2)، وأحمد (¬3)، واختاره ابن عبدالبر (¬4)، والنووي (¬5) وابن حجر (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). فتكون في عامٍ ليلة سبع وعشرين مثلاً، وفي عامٍ آخر ليلة خمس وعشرين تبعاً لمشيئة الله تعالى وحكمته. الدليل: - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة، ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين. فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طيناً وماءً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9). - عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، وأُراني صبحَها أسجد في ماء وطين، قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله، فانصرف، وإنّ أثر الماء والطين على جبهته وأنفه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10). سبب إخفاء ليلة القدر عن العباد - أخفى سبحانه علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء؛ فيزدادوا قربة من الله وثواباً. - أخفاها اختباراً لهم أيضاً ليتبين بذلك من كان جادًّا في طلبها حريصاً عليها ممن كان كسلان متهاوناً، فإن من حرص على شيء جدَّ في طلبه، وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه والظفر به. علامة ليلة القدر أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام. الدليل: عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (( ... أخبرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها)). أخرجه مسلم (¬11) وفي لفظ آخر لمسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: ((وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها)). أخرجه مسلم (¬12). ¬

(¬1) ((القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 389)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 347). (¬2) قال ابن جزي: (أنها ليست معينة ولا معروفة بل منتقلة، قال ابن رشد: وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وابن حنبل وهو أصح الأقوال، وعلى ذلك فانتقالها في العشر الوسط من رمضان، وفي العشر الأواخر، والغالب أن تكون من الوسط ليلة سبعة عشر وتسعة ومن الأواخر في الأوتار منها) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 85)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 740). (¬3) قال المرداوي: (وقال غيره تنتقل في العشر الأخيرة وحكاه ابن عبد البر عن الإمام أحمد، قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 355). (¬4) قال ابن عبدالبر: (وفيه دليل على انتقالها والله أعلم وأنها ليست في ليلة واحدة معينة في كل شهر رمضان فربما كانت ليلة إحدى وعشرين وربما كانت ليلة خمس وعشرين وربما كانت ليلة سبع وعشرين وربما كانت ليلة تسع وعشرين) ((التمهيد)) (2/ 204). (¬5) قال النووي رحمه الله: (وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها) ((المجموع)) (6/ 450). (¬6) قال ابن حجر: (وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب) ((فتح الباري)) (4/ 266). (¬7) قال ابن باز: (والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 399). (¬8) قال ابن عثيمين: (والصحيح أنها تتنقل فتكون عاما ليلة إحدى وعشرين، وعاما ليلة تسع وعشرين، وعاما ليلة خمس وعشرين، وعاما ليلة أربع وعشرين، وهكذا؛ لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول، لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيرا ويفتر فيما سواها من الليالي) ((الشرح الممتع)) (6/ 492). (¬9) رواه البخاري (2108)، واللفظ له، ومسلم (1167). (¬10) رواه مسلم (1168). (¬11) رواه مسلم (762). (¬12) رواه مسلم (762).

الفصل الثالث: حكم صوم شهر رمضان، وحكم تاركه

الفصل الثالث: حكم صوم شهر رمضان، وحكم تاركه • المبحث الأول: حكم صوم شهر رمضان. • المبحث الثاني: حكم ترك صوم شهر رمضان.

المبحث الأول: حكم صوم شهر رمضان

المبحث الأول: حكم صوم شهر رمضان يجب صوم شهر رمضان وهو فريضة، وركنٌ من أركان الإسلام. الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] 2 - قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ثانياً: من السنة: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ثالثاً: الإجماع: أجمع أهل العلم على فرضية صوم شهر رمضان، وأنه من مباني الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، وممن نقل الإجماع على فرضيته: ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3)، وابن تيمية (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري (8)، ومسلم (16). (¬2) قال ابن قدامة: (وأجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان) ((المغني)) (3/ 3). (¬3) قال النووي: (وهذا الحكم الذي ذكره - أي الشيرازي صاحب المهذب - وهو كون صوم رمضان ركناً وفرضاً، مجمعٌ عليه ودلائل الكتاب والسنة والإجماع متظاهرةٌ عليه) ((المجموع شرح المهذب)) (6/ 252). (¬4) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 116). وقال ابن المنذر: (وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على وجوب صيام شهر رمضان) ((الإشراف) (3/ 107).

المبحث الثاني: حكم ترك صوم شهر رمضان

المطلب الأول: حكم من ترك صوم شهر رمضان جاحداً لفرضيته من ترك صوم شهر رمضان جاحداً لفرضيته فهو كافرٌ بإجماع أهل العلم إلا أن يكون قريب العهد بالإسلام، أو نشأ بباديةٍ بعيدة من المسلمين، بحيث يعقل أن يخفى عليه وجوبها (¬1). ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) (2/ 75)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (2/ 1092)، ((مواهب الجليل)) (3/ 276)، ((المجموع شرح المهذب)) (3/ 14)، ((مغني المحتاج)) (1/ 420)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 333).

المطلب الثاني: حكم من ترك صوم شهر رمضان متعمدا كسلا وتهاونا

المطلب الثاني: حكم من ترك صوم شهر رمضان متعمداً كسلاً وتهاوناً من ترك صوم شهر رمضان متعمداً كسلاً وتهاوناً ولو يوماً واحداً منه، بحيث إنه لم ينو صومه من الأصل، فقد أتى كبيرةً من كبائر الذنوب، وتجب عليه التوبة، وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم (¬1)، واختلفوا هل عليه القضاء أم لا؟ على قولين: القول الأول: عليه القضاء (¬2)، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك (¬3)، وبه أفتى ابن باز (¬4). القول الثاني: لا يلزمه القضاء، وهو مذهب الظاهرية (¬5)، واختاره ابن تيمية (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قول الله تعالى: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: 229] وجه الدلالة: أنَّ ترْكَ صوم رمضان من تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يُقبل منه. ثانياً: من السنة: عموم حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) فالقاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين لا تقبل من صاحبها، إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر، وعليه فمن ترك صوم رمضان لا يقبل منه لو صامه قضاء. ثالثاً: القياس: فكما لو أنه قدم هذه العبادة على وقتها - أي فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً. ¬

(¬1) ((الكافي لابن عبد البر)) (2/ 1092)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 276)، ((المجموع للنووي)) (3/ 14)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 420)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 75)، ((الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي)) (1/ 195)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 332). ونقل المناوي عن الذهبي قوله: (وعند المؤمنين مقرَّرٌ أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا عرض أنه شر من المكاس والزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال) ((فيض القدير)) (4/ 410 - 411). (¬2) وذلك لأن ذمته مازالت مشغولةً بأداء الصوم المفروض عليه. (¬3) قال ابن عبد البر: (وأجمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم رمضان عامداً وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشراً وبطراً تعمد ذلك ثم تاب عنه، أن عليه قضاءه) ((الاستذكار)) (1/ 77). (¬4) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/ 331، 332، 333 - 334). (¬5) قال ابن رجب: (ومذهب الظاهرية أو أكثرهم: أنه لا قضاء على المتعمد، وحكي عن عبد الرحمن صاحب الشافعي بالعراق، وعن ابن بنت الشافعي، وهو قول أبي بكر الحميدي في الصوم والصلاة إذا تركهما عمداً، أنه لا يجزئه قضاؤهما، ذكره في عقيدته في آخر مسنده، ووقع مثله في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين، منهم: الجوزجاني وأبو محمد البربهاري وابن بطة) ((فتح الباري لابن رجب)) (3/ 355)، وانظر ((الاختيارات الفقهية لابن تيمية)) (ص 404). (¬6) قال ابن تيمية: (وتارك الصلاة عمداً لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يُكثر مِن التطوع، وكذا الصوم، وهو قول طائفة من السلف، كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وداود وأتباعه وليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص 404). (¬7) قال ابن عثيمين: (أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر فالراجح أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً؛ إذ أنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 89 - 90). (¬8) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له.

الفصل الرابع: إثبات دخول شهر رمضان وخروجه

الفصل الرابع: إثبات دخول شهر رمضان وخروجه • المبحث الأول: طرق إثبات دخول شهر رمضان. • المبحث الثاني: طرق إثبات خروج شهر رمضان.

المبحث الأول: طرق إثبات دخول شهر رمضان

المبحث الأول: طرق إثبات دخول شهر رمضان • المطلب الأول: رؤية الهلال. • المطلب الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً. • المطلب الثالث: الحساب الفلكي.

المطلب الأول: رؤية الهلال

المطلب الأول: رؤية الهلال الفرع الأول: طلب رؤية الهلال يشرع ترائي الهلال في اليوم التاسع والعشرين ليلة الثلاثين (¬1)، ومن أهل العلم من يعبر باستحباب ذلك (¬2) ومنهم من يعبر بأنه فرض كفاية (¬3). الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4) 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان)) (¬5). 3 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام)) (¬6). 4 - وقد حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته على رؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه (¬7): 1 - فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)) (¬8). 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته وليس أحدٌ يزعم أنه رآه غيري - قال - فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه - قال - يقول عمر: سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي)). أخرجه مسلم (¬9). الفرع الثاني: العدد المعتبر في الرؤية ¬

(¬1) وذلك احتياطاً للصوم وحذراً من الاختلاف. (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 4)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 300). (¬3) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 313)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 284). (¬4) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081). (¬5) رواه الترمذي (687)، والحاكم (1/ 587)، والبيهقي (4/ 206). قال الترمذي: لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية والصحيح لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال البيهقي: ثابت، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 153)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 407)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 317) كما قال في المقدمة، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). (¬6) رواه أحمد (6/ 149) (25202)، وأبو داود (2325)، والحاكم (1/ 585). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الدارقطني في ((السنن)) (2/ 354): إسناده حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال ابن الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (2/ 289): رواته ثقات محتج بهم في الصحيح، وقال ابن الملقن في ((الإعلام)) (5/ 182): إسناده على شرط الصحيح، وقال ابن حجر في ((الدراية)) (1/ 276): على شرط مسلم. (¬7) قال ابن عثيمين: (ترائي الهلال: هلال رمضان، أو هلال شوال، أمرٌ معهودٌ في عهد الصحابة رضي الله عنهم ... ولا شك أن هدي الصحابة رضي الله عنهم أكمل الهدي وأتمه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 37). (¬8) رواه أبو داود (2342)، وابن حبان (8/ 231) (3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/ 165) (3877)، والبيهقي (4/ 212) (8235). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 236)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (380) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/ 342). (¬9) رواه مسلم (2873).

يكفي في ثبوت دخول رمضان شهادة عدلٍ واحد، وهو مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وطائفةٍ من السلف (¬3)، وهو اختيار ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصامه، وأمر الناس بصيامه)) (¬6). ثانياً: القياس قياساً على الأذان، فالناس يفطرون بأذان الواحد، ويمسكون بأذان الواحد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7). الفرع الثالث: اشتراط قوة البصر مع العدالة يُشترَطُ في الرائي مع عدالته، قوةُ بصره (¬8). الأدلة: 1 - عموم قوله تعالى حكايةً عن إحدى ابنتي صاحب مدين: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص: 26] 2 - عموم قوله تعالى: قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ [النمل: 39] وجه الدلالة من الآيتين: أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل، ومن ذلك الشهادة، إذ لابد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة، ولابد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به. الفرع الرابع: من رأى هلال رمضان وحده ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته المسألة الأولى: حكم من رأى الهلال وحده من رأى هلال رمضان وحده، ولم يشهد برؤيته، أو شهد ولم تقبل شهادته، فقد اختلف فيه أهل العلم هل يصوم وحده أم لا؟ على قولين: ¬

(¬1) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 411)، ((المجموع للنووي)) (6/ 277). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 47)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 416). (¬3) قال ابن قدامة: (وهو قول عمر, وعلي, وابن عمر, وابن المبارك) ((المغني)) (3/ 47). (¬4) قال ابن باز: (والهلال يثبت بشاهدٍ واحدٍ في دخول رمضان، شاهدٍ عدلٍ، عند جمهور أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 61). (¬5) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 312). (¬6) رواه أبو داود (2342)، وابن حبان (8/ 231) (3447)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/ 165) (3877)، والبيهقي (4/ 212) (8235). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 236)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (380) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام بأحاديث الأحكام)) (1/ 342). (¬7) رواه البخاري (622)، ومسلم (1092) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه البخاري (623)، ومسلم (1092) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (¬8) قال ابن عثيمين: (ويشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر، بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته وإن كان عدلاً؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل، فإننا نعلم أنه متوهم) ((الشرح الممتع)) (6/ 315)، وانظر ((شرح صحيح مسلم لابن عثيمين)) (4/ 26).

القول الأول: يصوم مع الناس (¬1)، إذا صاموا، ولا يبني على رؤيته، وهذا قولٌ لبعض السلف (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3)، واختيار ابن تيمية (¬4)، وابن باز (¬5). الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬6). وجه الدلالة: أن المعتبر في الصيام أو الإفطار هو الذي يثبت عند الناس، والشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته، لا يكون هذا صوماً له، كما لم يكن للناس. القول الثاني: يصوم بناءً على رؤيته (¬7)، وهو قول أكثر أهل العلم (¬8) واتفقت عليه المذاهب الفقهية: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)، والظاهرية (¬13)، وهو اختيار ابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولا: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185]. ثانيا: من السنة: عموم حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم (¬15). وجه الدلالة: أنه قد أمر بالصيام عند رؤية الهلال، ومن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك. المسألة الثانية: من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكان ناءٍ ليس فيه أحد من رأى هلال رمضان وحده وهو في مكانٍ ناءٍ ليس فيه أحد، فإنه يصوم، ويبني على رؤيته، ولا يرد عليه الخلاف السابق، ونص عليه ابن تيمية (¬16)، وابن باز (¬17)، وابن عثيمين (¬18). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185] ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) وذلك لأن الهلال هو ما هل واشتهر بين الناس، لا ما رئي. (¬2) نقل ابن المنذر هذا القول عن عطاء, وإسحاق ((الإشراف)) (3/ 114). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 47). (¬4) قال ابن تيمية: (والثالث - أي من الأقوال -: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 114). (¬5) قال ابن باز: (وإذا رأى الهلال شخص واحد ولم تقبل شهادته لم يصم وحده ولم يفطر وحده في أصح قولي العلماء، بل عليه أن يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 64). (¬6) رواه الترمذي (697) واللفظ له، والدارقطني (2/ 366). قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 159)، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 283): إسناده حسن، وصححه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 280). (¬7) وذلك لأنه إذا لزمه الصوم لرؤية غيره وهي رؤية مظنونة، فلَأَن يلزمه من رؤيته هو، وهي متيقَّنة، أولى وأحرى. (¬8) قال ابن عبد البر: (لم يختلف العلماء فيمن رأى هلال رمضان وحده، فلم تقبل شهادته أنه يصوم؛ لأنه متعبد بنفسه لا بغيره، وعلى هذا أكثر العلماء، لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا يُشتغَلُ به) ((التمهيد)) (14/ 355). (¬9) ((الهداية للميرغيناني)) (1/ 120)، ((حاشية ابن عابدين))، (2/ 388). (¬10) ((التمهيد)) (14/ 355)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 387). (¬11) ((المجموع للنووي)) (6/ 280). (¬12) ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 421)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 277). (¬13) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 235). (¬14) قال ابن عثيمين: ( .. ولكن إذا كان في البلد، وشهد به عند المحكمة، ورُدَّتْ شهادته، فإنه في هذه الحال يصوم سرًّا؛ لئلا يعلن مخالفة الناس) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 74 - 75). (¬15) رواه مسلم (1081). (¬16) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 117 - 118). (¬17) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 73). (¬18) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 74 - 75).

عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الهلال فصوموا .. )). أخرجه مسلم (¬1) فمن رآه لوحده داخلٌ في عموم الأمر بذلك. الفرع الخامس: اتفاق المطالع واختلافها إذا رأى أهل بلدٍ الهلال، فقد اختلف أهل العلم هل يلزم الناس بالصوم بناءً على رؤية هذا البلد، أم أن لكل بلدٍ رؤية مستقلة؟ على أقوال، منها: القول الأول: يجب الصوم على الجميع مطلقاً، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو اختيار ابن تيمية (¬5)، وابن باز (¬6)، والألباني (¬7)، وصدر على وَفقه قرار المجمع الفقهي (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185] وجه الدلالة: أن الخطاب يشمل جميع الأمة، فإذا ثبت دخول الشهر في بلد، وجب على الجميع صومه. ثانياً: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9). وجه الدلالة: أن الحديث قد أوجب الصوم بمطلق الرؤية لجميع المسلمين، دون تحديد ذلك بمكانٍ معين. القول الثاني: لا يجب الصوم على الجميع مع اختلاف المطالع، وإنما يجب على من رآه أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال، وهذا قول الشافعية (¬10)، وهو قول طائفةٍ من السلف (¬11)، واختاره الصنعاني (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185] وجه الدلالة: أن الذين لا يوافقون في المطالع من شاهده، لا يُقال إنهم شاهدوه حقيقة ولا حكماً، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده. ثانياً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)). أخرجه البخاري ومسلم (¬14). وجه الدلالة: ¬

(¬1) رواه مسلم (1081). (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 83)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 313). (¬3) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 490)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 381). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 5)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 193). (¬5) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 104). (¬6) قال ابن باز: (أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوماً وإفطاراً وتضحية متى ثبتت رؤيته ثبوتاً شرعيًّا في أي بلد ما؛ لعموم الأحاديث كما تقدم، وهو قول جمع كثير من أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 78 - 79). (¬7) قال الألباني: (فهو الحق الذي لا يصح سواه ولا يعارضه حديث ابن عباس .... ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلدٍ أو إقليمٍ، من غير تحديد مسافةٍ أصلاً) ((تمام المنة للألباني)) (ص 398). (¬8) ((مجلة المجمع الفقهي)) (3 - 2/ 1085). (¬9) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081). (¬10) ((المجموع للنووي)) (6/ 273)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 422). (¬11) نقل ابن المنذر هذا القول عن عكرمة, وإسحاق, والقاسم, وسالم. ((الإِشراف)) (3/ 112). (¬12) قال الصنعاني: (في < h6> المسألة أقوالٌ ليس على أحدها دليلٌ ناهضٌ، والأقرب لزوم أهل بلدٍ الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها) ((سبل السلام)) (2/ 151). (¬13) قال ابن عثيمين: (وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة) ((الشرح الممتع)) (6/ 310). (¬14) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).

أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع، لا يقال إنه رآه لا حقيقةً ولا حكماً. 2 - عن كريب ((أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: أولا تكتفي - شك يحيى بن يحيى، أحد رواة الحديث، في نكتفي أو تكتفي - برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)). أخرجه مسلم (¬1). ثالثاً: القياس: فهناك اختلافٌ في التوقيت اليومي بين المسلمين بالنص والإجماع، فإذا طلع الفجر في المشرق، فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا، ولو غابت الشمس في المشرق، فليس لأهل المغرب الفطر. فكما أن المسلمين مختلفون في الإفطار والإمساك اليومي، فلا بد أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري. الفرع السادس: الرؤية عبر الوسائل الحديثة المسألة الأولى: حكم الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال لا يجوز الاعتماد على الأقمار الصناعية في رؤية الهلال؛ وذلك لأن الأقمار الصناعية تكون مرتفعةً عن الأرض التي هي محل ترائي الهلال (¬2). المسألة الثانية: حكم استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال يجوز استعمال المراصد الفلكية لرؤية الهلال كالدربيل وهو المنظار المقرِّب، ولكنه ليس بواجب (¬3)، فلو رأى الهلال عبرها من يُوثَقُ به فإنه يُعمل بهذه الرؤية، وهو اختيار ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5)، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء (¬6)، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي (¬7). الدليل: عموم ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)). أخرجه مسلم (¬8) وجه الدلالة: أن هذه الرؤية تحصل باستعمال المراصد الفلكية. الفرع السابع: من اشتبهت عليه الأشهر المسألة الأولى: ما يلزم الأسير ونحوه من الاجتهاد والحالات المترتبة على اجتهاده ¬

(¬1) رواه مسلم (1087). (¬2) انظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 62). (¬3) وذلك لأن الظاهر من السنة: الاعتماد على الرؤية المعتادة لا على غيرها. (¬4) قال ابن باز: (أما الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها، بل تكفي رؤية العين، ولكن من طالع الهلال بها وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلمٌ عدل، فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 69). (¬5) قال ابن عثيمين: (ولا بأس أن نتوصل إلى رؤية الهلال بالمنظار، أو المراصد)) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 62). وقال ابن عثيمين أيضاً: (وقد كان الناس قديماً يستعملون ذلك لما كانوا يصعدون المنائر في ليلة الثلاثين من شعبان، أو ليلة الثلاثين من رمضان فيتراءونه بواسطة هذا المنظار) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 36). (¬6) انظر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم 108 بتاريخ 12/ 11/1403 بشأن إنشاء مراصد يُستعان بها عند رؤية الهلال. (¬7) من قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية التي عقدت في جدة عام (1985م) ودورته الثالثة التي عقدت في عمّان عام (1986م) ((موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي)). (¬8) رواه مسلم (1081).

من عمي عليه خبر الهلال والشهور، كالسجين والأسير بدار الحرب وغيرهما، فإنه يجتهد ويتحرى الهلال (¬1)، ويصوم شهراً، وهذا قول عامة الفقهاء (¬2)، فهو مذهب الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4). والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) (¬7)، وقد حكى الماوردي إجماع السلف على ذلك (¬8). - فإن صام مجتهداً بما غلب على ظنه، فله أربع حالات: 1 - أن يتبين له أن صومه وافق شهر رمضان، فصومه صحيح، ولا إعادة عليه؛ قياساً على من اجتهد في القبلة، وصلى وبان له صواب الاجتهاد، فإنه يجزئه، فكذلك الحال في الصوم إذا أدى هذه العبادة باجتهاد، فوجب إذا بان له صواب اجتهاده، أن يجزيه. 2 - أن يستمر الإشكال عليه، فلا يعلم هل وافق الشهر أو تقدمه أو تأخره، فيجزئه ولا إعادة عليه؛ وذلك لأن الظاهر من الاجتهاد صحة الأداء، ما لم يتيقن الخطأ، وقد أدى ما عليه. 3 - أن يتيبن له أن صومه كان قبل رمضان، فعليه الإعادة، وهو قول أكثر الفقهاء (¬9)؛ وذلك لأنه تعين له يقين الخطأ، فوجب أن يلزمه القضاء، كما لو بان له أداء الصلاة قبل الوقت، فإنه تلزمه الإعادة. 4 - أن يتبين له أنه صام بعد نهاية شهر رمضان، فهذا يجزئه، ولا إعادة عليه (¬10) إلا فيما لا يصح صيامه كالعيدين (¬11)، فإن عليه أن يعيد الأيام التي لا يصح صيامها، وهو قول عامة الفقهاء (¬12)؛ وذلك لأن القضاء قد استقر في ذمته بفوات الشهر، ثم وافق صومه زمان القضاء. المسألة الثانية: حكم صوم الأسير ونحوه من غير اجتهاد إن صام الأسير ونحوه من غير اجتهاد، فلا يصح صومه، وعليه الإعادة، حتى وإن تبين له أن صومه وافق رمضان (¬13)، وهو قول الشافعية (¬14)؛ وذلك لأنه شرع في العبادة شاكًّا من غير مستند شرعي، فتعدى حدود الله تعالى، وفعل ما لم يُؤذَن له فيه. ¬

(¬1) وذلك لأنه مأمورٌ بصوم رمضان، وطريق الوصول إليه في هذه الحالة غير ممكنٍ إلا بالتحري والاجتهاد. قال ابن قدامة: (من كان محبوساً أو مطموراً, أو في بعض النواحي النائية عن الأمصار لا يمكنه تعرف الأشهر بالخبر, فاشتبهت عليه الأشهر, فإنه يتحرى ويجتهد, فإذا غلب على ظنه عن أمارةٍ تقوم في نفسه دخول شهر رمضان، صامه) ((المغني)) (3/ 50). وقال النووي: (الأسير ونحوه إذا اشتبهت عليه شهور يتحرى ويصوم بما يظهر بالعلامة أنه رمضان) ((المجموع)) (6/ 287). (¬2) قال ابن قدامة: ( ... فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 50). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289). (¬3) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 233)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 312). (¬4) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 417)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245). (¬5) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 288). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 50)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 427). (¬7) قال ابن تيمية: ( .. فإنه يجتهد ويتحرى في معرفة عين الشهر ودخوله، كما يتحرى في معرفة وقت الصلاة، وجهة القبلة، وغير ذلك عند الاشتباه؛ لأنه لا يمكنه أداء العبادة إلا بالتحري والاجتهاد، فجاز له ذلك كما يجوز في الصلاة) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (1/ 159) (¬8) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289) (¬9) قال ابن قدامة: (الحال الثالث: وافق قبل الشهر فلا يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني)) (3/ 50). قال النووي: (أن يصادف صومه ما قبل رمضان فينظر إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته (وإن) لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان فطريقان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما (أحدهما) القطع بوجوب القضاء (وأصحهما) وأشهرهما فيه قولان (أصحهما) وجوب القضاء (والثاني) لا قضاء) ((المجموع)) (6/ 286). انظر ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 459)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245). (¬10) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 50)، ((المجموع للنووي)) (6/ 289)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 245). (¬11) قال ابن قدامة: (فإن دخل في صيامه يوم عيد لم يعتد به, وإن وافق أيام التشريق, فهل يعتد بها؟ على روايتين: بناء على صحة صومها على الفرض) ((المغني)) (3/ 51). وقال أيضاً: (أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه, محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة) ((المغني)) (3/ 51). (¬12) قال ابن قدامة: (الثاني: أن ينكشف له أنه وافق الشهر أو ما بعده, فإنه يجزئه في قول عامة الفقهاء) ((المغني)) (3/ 50). (¬13) ((المجموع للنووي)) (6/ 288)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 162). (¬14) قال النووي: (فإن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئه بلا خلاف) ((المجموع للنووي)) (6/ 284).

المطلب الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوما

المطلب الثاني: إكمال شعبان ثلاثين يوماً الفرع الأول: إذا لم تثبت الرؤية في التاسع والعشرين إذا لم تثبت رؤية هلال رمضان في التاسع والعشرين من شعبان، فإننا نكمل شعبان ثلاثين يوماً، سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة، وهو قول عامة أهل العلم (¬1). الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2) الفرع الثاني: حكم صوم يوم الثلاثين من شعبان احتياطاً لرمضان ¬

(¬1) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 250)، ((الاستذكار لابن عبد البر)) (3/ 276، 278)، ((المجموع للنووي)) (6/ 269)، ((المغني لابن قدامة)) (3/ 6). قال ابن عبد البر: (والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان واليقين في ذلك رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً) ((الاستذكار)) (3/ 276) وقال أيضا: (وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ومن قال منهم بقوله) ((الاستذكار)) (3/ 278). (¬2) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).

لا يجوز لأحدٍ صوم يوم الثلاثين من شعبان (¬1)، احتياطاً لرمضان، إلا إن وافق صوماً كان يصومه (¬2)، وهو مذهب المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، ورواية عن أحمد (¬5)، وهو قول الجصاص (¬6)، وابن حزم (¬7)، وابن عبد البر (¬8)، وابن باز (¬9)، وابن عثيمين (¬10)، (¬11). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..... [البقرة: 185] وهذا لم يشهد الشهر وصامه، فهو متعدٍّ لحدود الله عز وجل. ثانياً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬12). 2 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسعٌ وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬13). وجه الدلالة: أن هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً، حرم صوم يوم الشك. 3 - عن عمار رضي الله عنه أنه قال: ((من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)). أخرجه البخاري معلقاً (¬14). ¬

(¬1) وهو المسمى بيوم الشك، على خلاف بين أهل العلم في تحديد معنى يوم الشك. (¬2) وذلك لأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك. (¬3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 348)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (2/ 39). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 399)، إلا أن يوم الشك له معنى عندهم، حيث قال النووي: (قال أصحابنا يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا وقع في ألسنة الناس إنه رؤي ولم يقل عدل إنه رآه أو قاله وقلنا لا تقبل شهادة الواحد أو قاله عدد من النساء أو الصبيان أو العبيد أو الفساق وهذا الحد لا خلاف فيه عند أصحابنا قالوا فأما إذا لم يتحدث برؤيته أحد فليس بيوم شك سواء كانت السماء مصحية أو أطبق الغيم هذا هو المذهب) ((المجموع للنووي)) (6/ 401). (¬5) قال ابن قدامة: (وعن أحمد رواية ثالثة لا يجب صومه ولا يجزئه عن رمضان إن صامه وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ومن تبعهم .. ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك) ((المغني)) (3/ 6). (¬6) قال الجصاص: ( .. الشاك غير شاهد للشهر إذ هو غير عالم به فغير جائز له أن يصومه عن رمضان) ((أحكام القرآن)) (1/ 255). (¬7) قال ابن حزم: (ولا يجوز صوم يوم الشك الذي من آخر شعبان, ولا صيام اليوم الذي قبل يوم الشك المذكور إلا من صادف يوماً كان يصومه فيصومهما حينئذ للوجه الذي كان يصومهما له لا لأنه يوم شك، ولا خوفاً من أن يكون من رمضان) ((المحلى)) (7/ 23). (¬8) قال ابن عبد البر: (لا يجوز لأحد صوم يوم الشك خوفا من أن يكون من رمضان) ((الكافي)) (1/ 348) (¬9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 408) ويوم الشك عنده هو يوم الثلاثين من شعبان مطلقاً سواء كان الجو صحواً أو غيماً. (¬10) قال ابن عثيمين: ( .. والصحيح أن صومه محرم إذا قصد به الاحتياط لرمضان) ((الشرح الممتع)) (6/ 479) ويوم الشك عنده هو يوم الثلاثين من شعبان إن كان في السماء ما يمنع من رؤية الهلال. (¬11) نقل النووي عن الخطيب البغدادي أن ممن قال بمنع صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وابن عمر وابن عباس وأنس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة وتابعهم من التابعين سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأبو وائل وعبد الله ابن عكيم الجهني وعكرمة والشعبي والحسن وابن سيرين والمسيب بن رافع وعمر بن عبد العزيز ومسلم بن يسار وأبو السوار العدوي وقتادة والضحاك بن قيس وإبراهيم النخعي وتابعهم من الخالفين والفقهاء المجتهدين ابن جريج والأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق بن راهويه ((المجموع)) (6/ -420 - 421). (¬12) رواه البخاري (1914)، ومسلم (1082). (¬13) رواه البخاري (1907)، ومسلم (1080). (¬14) رواه البخاري معلقاً قبل حديث (1906)، ورواه موصولا أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه (1342)، والدارمي (2/ 5) (1682)، وابن حبان (8/ 351) (3585)، والحاكم (1/ 585)، وانظر: ((تغليق التعليق)) (3/ 139).

المطلب الثالث: الحساب الفلكي

المطلب الثالث: الحساب الفلكي لا يجوز العمل بالحساب الفلكي، ولا الاعتماد عليه في إثبات دخول رمضان (¬1). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2) 2 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3) أوجه الدلالة: 1 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلَّقاً على الرؤية وحدها؛ فهي الأمر الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس، فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنا أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، أخرجه البخاري ومسلم (¬4). 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا كان هناك غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء الفلك، وقد جرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولو كان قولهم هو الأصل وحده، أو أصلاً آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك، فلما لم يُنقَل ذلك، بل نُقِلَ ما يخالفه، دل على أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة. 3 - الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصرية لا علمية. 4 - كما أن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم. ثانياً: الإجماع: أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع الجصاص (¬5)، وابن رشد (¬6)، والقرطبي (¬7) وابن تيمية (¬8). (¬9) ¬

(¬1) تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس من العامة والخاصة في الصحاري والبنيان، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة؛ لأن أغلب الأمة لا يعرف الحساب، ودعوى زوال وصف الأمية بعلم النجوم عن الأمة غير مسلَّم. (¬2) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081). (¬3) رواه البخاري (1906)، ومسلم (1080). (¬4) رواه البخاري (1913)، ومسلم (1080). (¬5) قال الجصاص: (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارجٌ عن حكم الشريعة وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه لدلالة الكتاب ونص السنة وإجماع الفقهاء بخلافه) ((أحكام القرآن)) (1/ 250). (¬6) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 283 - 284). (¬7) قال القرطبي: (وهذا لا نعلم أحداً قال به – أي: الأخذ بالحساب وتقدير المنازل- إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين، والإجماع حجة عليهم) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 293). (¬8) قال ابن تيمية: (نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 132). وقال أيضاً: (ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غُمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصًّا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 132 - 133). (¬9) قال ابن باز: (ومن خالف في ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من قبله وقوله مردود؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مع إجماع السلف) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 109).

المبحث الثاني: طرق إثبات خروج شهر رمضان

المبحث الثاني: طرق إثبات خروج شهر رمضان • المطلب الأول: رؤية هلال شوال. • المطلب الثاني: إكمال رمضان ثلاثين يوماً.

المطلب الأول: رؤية هلال شوال

المطلب الأول: رؤية هلال شوال الفرع الأول: العدد المعتبر في الرؤية لا بد من إخبار شاهدين عدلين برؤية هلال شوال، وهو قول أكثر العلماء (¬1). الأدلة: 1 - عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ((أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) (¬2). المراد بقوله: ((وأفطروا)): أي خروج شهر الصوم، ودخول شوال. ومفهوم الحديث: عدم قبول شهادة الواحد على رؤية هلال شوال. 2 - ما رواه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهل الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا، وأن يغدوا إلى مصلاهم)) (¬3). الفرع الثاني: حكم من رأى هلال شوال وحده من رأى هلال شوال لوحده فإنه لا يفطر حتى يفطر الناس (¬4)، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬5)، والمالكية والحنابلة، (¬6)، وهو اختيار ابن تيمية (¬7)، وابن باز (¬8)، وابن عثيمين (¬9). الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (¬10). فإذا لم يفطر الناس وجب أن لا يفطر. ¬

(¬1) قال ابن عبد البر: (أما الشهادة على رؤية الهلال فأجمع العلماء على أنه لا تقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان) ((التمهيد)) (14/ 354). قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أنه لا يقبل في هلال شوال إلا شهادة اثنين عدلين في قول الفقهاء جميعهم، إلا أبا ثور، فإنه قال: يقبل قول واحد) ((المغني)) (3/ 48). قال النووي: (وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل) ((شرح النووي)) (7/ 190). وانظر ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (25/ 186). وقال ابن باز: (لا بد من شاهدين عدلين في جميع الشهور ما عدا دخول رمضان، فيكفي لإثبات دخوله شخص واحد عدل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 61،62،64). وقال ابن عثيمين: (وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا) ((الشرح الممتع)) (6/ 320). (¬2) رواه النسائي (4/ 132). وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/ 189): إسناده لا بأس به على اختلاف فيه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي))، وصححه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (15/ 123))، وقال في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 147): إسناده حسن. (¬3) رواه أبوداود (2339)، والدارقطني (2/ 374)، والبيهقي في ((السنن الصغرى)) (2/ 91)، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الدارقطني: (إسناده حسن ثابت)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 380) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/ 113)، وفي ((نيل الأوطار)) (4/ 188): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود) (2339). (¬4) وذلك لأن اتفاق الخلق الكثير على عدم رؤيته يدل على خطأ هذا الرائي. (¬5) ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 351)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 198). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 49)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 196 - 197). (¬7) قال ابن تيمية: (فالمنفرد برؤية هلال شوال لا يفطر علانية باتفاق العلماء، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر كمرض وسفر وهل يفطر سرا على قولين للعلماء أصحهما لا يفطر سرًّا) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 204). (¬8) قال ابن باز: ( .. يفطر مع الناس، ولا يعمل بشهادة نفسه في أصح أقوال أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 63). (¬9) قال ابن عثيمين: (وأما في مسألة الفطر فإنه لا يفطر تبعاً للجماعة، وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر بل صم) ((الشرح الممتع)) (6/ 320). (¬10) رواه الترمذي (697) واللفظ له، وابن ماجه (1355)، والدارقطني (2/ 366). قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 159)، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 283): إسناده حسن، وصححه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 280).

المطلب الثاني: إكمال رمضان ثلاثين يوما

المطلب الثاني: إكمال رمضان ثلاثين يوماً إذا لم يَرَ هلال شوال شاهدان عدلان، وجب إكمال شهر رمضان ثلاثين يوماً، وقد حكى ابن تيمية اتفاق الأئمة على ذلك (¬1). الدليل: عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له (¬2))). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). والمراد بقوله: ((فاقدروا له)) أي: أكملوا العدة، كما فُسِّر في روايةٍ أخرى. وهذا النص يعم شعبان ويعم رمضان. ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (لو شكوا ليلةَ الثلاثين من رمضان؛ هل طلع الهلال أم لم يطلع؟ فإنهم يصومون ذلك اليوم المشكوك فيه باتفاق الأئمة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 204). (¬2) ((فتح الباري)) (1/ 170)، (4/ 120). (¬3) رواه البخاري (1906) واللفظ له، ورواه مسلم (1080).

الباب الثالث: من يباح لهم الفطر

الباب الثالث: من يُباح لهم الفطر • الفصل الأول: المريض. • الفصل الثاني: المسافر. • الفصل الثالث: الكبير والعجوز. • الفصل الرابع: الحامل والمرضع. • الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر.

الفصل الأول: المريض

الفصل الأول: المريض • المبحث الأول: تعريف المرض. • المبحث الثاني: حكم فطر المريض. • المبحث الثالث: حد المرض الذي يبيح الفطر. • المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى برؤه. • المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى برؤه. • المبحث السادس: أحكام متفرقة.

المبحث الأول: تعريف المرض

المبحث الأول: تعريف المرض المرض: نقيض الصحة، وهو السُّقم، وذلك بخروج البدن عن حدِّ الاعتدال والاعتياد (¬1). ¬

(¬1) ((الصحاح للجوهري)) (مادة: م ر ض)، ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: م ر ض)، ((المصباح المنير)) (مادة: م ر ض)، ((الجامع لأحكام القرآن للقرطبي)) (5/ 216).

المبحث الثاني: حكم فطر المريض

المبحث الثاني: حكم فطر المريض يباح للمريض الفطر في رمضان، وذلك في الجملة. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أخَرَ [البقرة:184]. ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1)، وابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3). ¬

(¬1) قال ابن حزم: (وَاتَّفَقُوا على أن من آذاه المَرَض وضعف عَن الصَّوم فله أن يفطر) ((مراتب الإجماع)) (ص40). (¬2) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة). ((المغني)) (3/ 41). (¬3) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 369).

المبحث الثالث: حد المرض الذي يبيح الفطر

المطلب الأول: المرض اليسير من مرض مرضاً لا يؤثر فيه الصوم ولا يتأذى به، مثل الزكام أو الصداع اليسيرين، أو وجع الضرس، وما أشبه ذلك، فلا يحل له أن يفطر، ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)؛ وذلك لأن المريض إذا لم يتأذَّ بالصوم كان كالصحيح فيلزمه الصيام؛ ولأن المرض لما كان منه ما يضر ومنه ما لا يضر، اُعتُبِرَت حكمته وهي ما يُخاف منه الضرر. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 97)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 366). (¬2) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718). (¬3) قال النووي: (وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا) ((المجموع)) (6/ 258). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 437)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 310).

المطلب الثاني: المرض الذي يضر الصائم ويخاف معه الهلاك

المطلب الثاني: المرض الذي يضر الصائم ويَخاف معه الهلاك إذا كان المرض يضر بالصائم، وخشي الهلاك بسببه، فالفطر عليه واجب، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وجزم به جماعةٌ من الحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] وجه الدلالة: أنَّ النهي هنا يشمل ما فيه إزهاقٌ للنفس، وما فيه ضرر؛ بدليل احتجاج عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على تركه الاغتسال في شدة البرد لمَّا أجنب؛ وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم له. 2 - قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] ¬

(¬1) قال ابن نجيم: ( .. إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب) ((البحر الرائق)) (2/ 303). (¬2) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 257)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 437). (¬4) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 310).

المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يرجى برؤه

المبحث الرابع: قضاء المريض الذي يُرجى برؤه إذا أفطر من كان به مرضٌ يُرجى بُرْؤُهُ ثم شُفي، وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]. ففي قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء عليه إذا شُفي. ثانياً: الإجماع: نقل الإجماعَ على ذلك ابن قدامة (¬1)، وابن حزم (¬2). ¬

(¬1) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 34). (¬2) قال ابن حزم: (واتَّفقوا أن من أفطر في سفرٍ أَو مرضٍ فعليه قضاء أيَّام عدد ما أفطر ما لم يأْت عليه رمضان آخر). ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)).

المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يرجى برؤه

المبحث الخامس: حكم المريض الذي لا يُرجى برؤه إذا أفطر من كان به مرضٌ لا يُرجى بُرْؤُهُ، كأن يكون مرضه مزمناً، فإنه يُطعِمُ عن كل يومٍ مسكيناً، وهو قول جمهور أهل العلم (¬1)؛ وذلك إلحاقًا له بالشيخ الكبير والمرأة العجوز؛ لأنه في معناهما. ¬

(¬1) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).

المبحث السادس: أحكام متفرقة

المبحث السادس: أحكام متفرقة • المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه. • المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار.

المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه

المطلب الأول: حكم صوم المريض إذا تحامل على نفسه إذا تحامل المريض على نفسه فصام فإنه يُجزئهُ (¬1)، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬2). ¬

(¬1) وذلك لأن الصوم عزيمةٌ أبيح تركها رخصةً، فإذا تحمله أجزأه؛ وذلك لصدوره من أهله في محله. (¬2) قال ابن حزم: (وَاتَّفَقُوا على أَن المَرِيض إذا تحامل على نَفسه فصَام أَنه يُجزئهُ) ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وخالف الظاهرية ومنهم ابن حزم الذي حكى الإجماع، وخلافهم لا يُعتد به لأنه مسبوق بالإجماع القديم.

المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائما ثم برأ في النهار

المطلب الثاني: إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار إذا أصبح المريض صائماً ثم برأ في النهار، فإنه لا يفطر ويلزمه الإتمام، وهذا مذهب جمهور أهل العلم (¬1)؛ وذلك لانتفاء ما يبيح له الفطر. ¬

(¬1) قال الجصاص: (من علم بالشهر بعد ما أصبح أو كان مريضاً فبرأ ولم يأكل ولم يشرب أو مسافر قدم فعليهم صومه إذ هم شاهدون للشهر) ((أحكام القرآن)) (1/ 248). وانظر ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 351)، ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 366)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 369)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 437).

الفصل الثاني: المسافر

المبحث الأول: حكم فطر المسافر يباح الفطر للمسافر، وذلك في الجملة. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]. ثانياً: من السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلٍ كانت لي أخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم، فقال: اُدْنُ أُخبِرُك عن ذلك، إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة)) (¬1). ثالثاً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3)، وابن عبد البر (¬4). ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)، وابن ماجه (1361)، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح. (¬2) قال ابن قدامة: (للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره, بدلالة الكتاب والسنة والإجماع) ((المغني)) (3/ 12). (¬3) قال النووي: (فالمرض والسفر مبيحان بالنص والإجماع) ((روضة الطالبين)) (2/ 369). (¬4) قال ابن عبد البر: (وأجمع الفقهاء أن المسافر بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر) ((التمهيد)) (9/ 67).

المبحث الثاني: حكم صوم المسافر

المبحث الثاني: حكم صوم المسافر • المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم. • المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ. • المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه.

المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم

المطلب الأول: حكم صوم المسافر الذي لا يشق عليه الصوم إذا لم يشق الصوم على المسافر، واستوى عنده الصوم والفطر، فاختلف أهل العلم في أيِّهما أفضل: الصوم أو الفطر، على قولين: القول الأول: الصوم أفضل له (¬1)، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184] ثانياً: من السنة: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان في يومٍ شديدِ الحر، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعبد الله بن رواحة)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وجه الدلالة: فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث صام هذا اليوم وهو مسافر (¬6)، وفعلُهُ عليه الصلاة والسلام هو الأفضل (¬7). القول الثاني: الفطر أفضل، وهو مذهب الحنابلة (¬8)، وطائفةٍ من السلف (¬9)، وهو قول ابن تيمية (¬10)، وابن باز (¬11). الدليل: عموم ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬12) ¬

(¬1) وذلك لأن الصوم أسرع في إبراء الذمة؛ لأن القضاء يتأخر. كما أن الصوم أسهل على المكلف غالباً؛ لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعد ذلك، كما هو مجرَّبٌ ومعروف. ولأن الصوم عزيمةٌ والفطر رخصةٌ، ولا شك أن العزيمة أفضل. (¬2) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 304). (¬3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 337)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 718). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 261)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 370). (¬5) رواه البخاري (1945)، ومسلم (1122). (¬6) كان هذا في السفر، كما أشار إليه ابن حجر، وقال: (وفي الحديث دليلٌ على أن لا كراهية في الصوم في السفر لمن قوي عليه ولم يصبه منه مشقةٌ شديدة) ((فتح الباري)) (4/ 182) (¬7) قال شهاب الدين الشلبي: ( .. فعُلِمَ أن الصوم أفضل؛ لأنه اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 333). (¬8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 204)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 311). (¬9) قال ابن عبد البر: (وروي عن ابن عمر وابن عباس الرخصة أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كل هؤلاء يقولون أن الفطر أفضل؛ لقول الله عز وجل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) *البقرة:185* ((التمهيد)) (2/ 171). (¬10) قال ابن تيمية: (والصحيح أن الفطر أفضل إلا لمصلحةٍ راجحة) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 336). (¬11) قال ابن باز: (الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقاً، ومن صام فلا حرج عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 237). وقال أيضا: (المسافر مخيرٌ بين الصوم والفطر، وظاهر الأدلة الشرعية أن الفطر أفضل ولا سيما إذا شق عليه الصوم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 236). وقال: (والفطر في السفر سنةٌ كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولكن إذا علم المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد، ويكلفه في المستقبل، ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظةً لهذا المعنى فذلك خير) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 235 - 236). (¬12) رواه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115).

المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقة

المطلب الثاني: حكم صوم المسافر الذي يلحقه بالصوم مشقةٌ إذا شقَّ الصوم على المسافر، بحيث يكون الفطر أرفق به، فالفطر في حقه أفضل؛ وذلك لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عزَّ وجل. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 333). (¬2) ((الفواكه الدواني)) (2/ 719). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 261). (¬4) وذلك وفقاً لاستحبابهم الفطر لمن خاف إصابته بمرضٍ لأجل عطشٍ أو غيره. انظر ((المغني لابن قدامة)). (3/ 43)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 311).

المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه

المطلب الثالث: حكم صوم المسافر الذي يخاف الهلاك بصومه إذا خاف المسافر الهلاك بصومه، فإنه يجب عليه الفطر. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). الدليل: عموم قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء: 29] ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 95–96)، قال الطحطاوي: (ما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب) ((حاشية الطحطاوي)) (ص452). (¬2) وذلك تبعاً لحكمهم العام على مثل هذه الأحوال، قال الدردير: ((ووجب) الفطر لمريض وصحيح (إن خاف) على نفسه بصومه (هلاكاً أو شديد أذى) كتعطيل منفعة من سمع أو بصر أو غيرهما لوجوب حفظ النفس) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 535). (¬3) وذلك تبعاً لحكمهم العام على مثل هذه الأحوال، قال النووي: (قال أصحابنا وغيرهم من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر وإن كان صحيحاً مقيماً؛ لقوله تعالى وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ... وقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ويلزمه القضاء كالمريض والله أعلم) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).

المبحث الثالث: المسافة التي يباح فيها الإفطار

المبحث الثالث: المسافة التي يباح فيها الإفطار يجوز الفطر للمسافر إذا بلغ سفره مسافة القصر (¬1)، وهو قول جمهور أهل العلم من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)؛ وذلك لأن مسافة القصر المذكورة تعتبر سفراً عرفاً، بخلاف ما دونها. ¬

(¬1) تقدر مسافة القصر بمسيرة يومين قاصدين للإبل، وهي مسافة ستة عشر فرسخًا، ومقدارها بالكيلو، واحد وثمانون كيلو وثلاثمائة وسبعة عشر متراً بالتقريب لا بالتحديد. (¬2) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (2/ 234). (¬3) ((المجموع للنووي)) (4/ 261). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 233) (3/ 204).

المبحث الرابع: متى يفطر المسافر

المبحث الرابع: متى يفطر المسافر لا يباح للمسافر الفطر حتى يجاوز البيوت وراء ظهره ويخرج من بين بنيانها، وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، ورجحه ابن المنذر (¬5)، بل حكى ابنُ المنذر الإجماع في ذلك عن كل من يحفظه من أهل العلم (¬6)، كما حكى ابن عبد البر إجماع الفقهاء على ذلك (¬7). الدليل: قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]. وجه الدلالة: أن المسافر الذي لم يجاوز البيوت شاهد، ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين؛ ولذلك لا يقصر الصلاة. ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 209). (¬2) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (2/ 234)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 144). (¬3) ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 263). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 20). (¬5) ((الإشراف)) (3/ 144). (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (2/ 50). (¬7) قال ابن عبد البر: (ولا خلاف بينهم - أي الفقهاء - في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج) ((التمهيد)) (22/ 49).

المبحث الخامس: إقامة المسافر التي يفطر فيها

المبحث الخامس: إقامة المسافر التي يفطر فيها إذا أقام المسافر في مكانٍ فوق أربعة أيام فلا يُباح له الفطر، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الدليل: عن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً)). أخرجه مسلم (¬4). وجه الدلالة: أن المهاجرين حرمت عليهم الإقامة بمكة قبل فتحها، فلما صارت دار إسلام، تحرَّج المسلمون من الإقامة فيها؛ ليكونوا على هجرتهم، وكانوا لا يدخلونها إلا لقضاء نسك، فلما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة فيها ثلاثة أيام، دل ذلك على أنها في حكم السفر، وما زاد على الثلاث فهو في حكم الإقامة. ¬

(¬1) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 337)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 512). (¬2) ((المجموع للنووي)) (4/ 361). (¬3) ((الفروع لابن مفلح)) (3/ 101)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 513). (¬4) رواه مسلم (1352).

المبحث السادس: حكم صوم من سفره شبه دائم

المبحث السادس: حكم صوم من سفره شِبْه دائم يباح الفطر لمن كان سفره شِبْه دائم كسائقي الطائرات والقطارات والشاحنات ونحوهم إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، وهذا اختيار ابن تيمية (¬1) وابن عثيمين (¬2). الدليل: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] وجه الدلالة: أنَّ الله عز وجل أطلق إباحة الترخص بالسفر ولم يقيده بشيء. ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكري دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم، وكذلك الملاح الذي له مكانٌ في البر يسكنه، فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافراً فهذا لا يقصر ولا يفطر. وأهل البادية: كأعراب العرب والأكراد والترك وغيرهم الذين يشتون في مكانٍ ويصيفون في مكانٍ إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتى إلى المصيف ومن المصيف إلى المشتى، فإنهم يقصرون. وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم لم يفطروا ولم يقصروا، وإن كانوا يتتبعون المراعي، والله أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 213). (¬2) قال ابن عثيمين: (يجوز له أن يفطر في هذه الحال ولو كان دائماً يسافر في هذه السيارة؛ لأنه مادام له مكانٌ يأوي إليه وأهلٌ يأوي إليهم، فهو إذا فارق هذا المكان وأولئك الأهل فهو مسافر، وعلى هذا فيجوز له أن يفعل ما يفعله المسافرون، فإن الله تعالى قد أطلق في الآية فقال: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ولم يقيده بشيء، فما أطلقه الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه يجب العمل بمطلقه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 141).

المبحث السابع: أحكام متفرقة

المبحث السابع: أحكام متفرقة المطلب الأول: قضاء المسافر الأيام التي أفطرها إذا أفطر المسافر وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1). الدليل: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] في قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وجوب القضاء عليه إذا أفطر. المطلب الثاني: حكم فطر المسافر إذا دخل عليه شهرُ رمضان في سفره إذا دخل على المسافر شهرُ رمضان وهو في سفره فله الفطر، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬2). المطلب الثالث: إذا سافر أثناء الشهر ليلاً إذا سافر أثناء الشهر ليلاً، فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها (¬3)، في قول عامة أهل العلم (¬4). الدليل: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّام أُخَرَ [البقرة:184] المطلب الرابع: حكم فطر المسافر إذا سافر أثناء نهار رمضان إذا سافر أثناء نهار رمضان فله أن يفطر، وهو مذهب الشافعية (¬5) والحنابلة (¬6)، وهو قول طائفة من السلف (¬7)، واختاره ابن المنذر (¬8) وابن حجر (¬9)، وابن عثيمين (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: وَمَن كَانَ مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185] وجه الدلالة: 1 - أن من كان مريضاً أو على سفر فأفطر، فعدةٌ من أيام أخر، وهذا قد صار على سفر فيصدق عليه أنه ممن رخص له بالفطر فيفطر. 2 - كما أن السفر أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما، فكما يبيح المرض الفطر أثناء النهار، فكذلك السفر. ثانياً: من السنة: عن عبيد بن جبر قال: ((كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال: اقترب. قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال جعفر - أحد رواة هذا الحديث -: فأكل)) (¬11). المطلب الخامس: حكم إمساك بقية اليوم إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطرًا ¬

(¬1) قال ابن حزم: (واتفقوا أن من أفطر في سفرٍ أو مرضٍ فعليه قضاء أيَّام عدد ما أفطر ما لم يأتِ عليه رمضان آخر) ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬2) قال ابن قدامة: (فلا نعلم بين أهل العلم خلافًا في إباحة الفطر له - أي من دخل عليه شهر رمضان في السفر-) ((المغني)) (3/ 12). (¬3) وذلك لأنه مسافر فأبيح له الفطر كما لو سافر قبل الشهر، والآية تناولت الأمر بالصوم لمن شهد الشهر كله، وهذا لم يشهده كله. (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 12). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 261). (¬6) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 205). (¬7) قال ابن قدامة: (وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13) (¬8) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 13). (¬9) قال ابن حجر: (للمرء أن يفطر ولو نوى الصيام من الليل وأصبح صائماً فله أن يفطر في أثناء النهار وهو قول الجمهور وقطع به أكثر الشافعية) ((فتح الباري)) (4/ 181). (¬10) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن له أن يفطر إذا سافر في أثناء اليوم) ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (6/ 346). (¬11) رواه أحمد (6/ 398) (27275)، وأبو داود (2412)، والبيهقي (4/ 246) (8437). والحديث سكت عنه أبو داود، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (6/ 245)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/ 229): رجال إسناده ثقات، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

إذا قدم المسافر أثناء النهار مفطراً، فقد اختلف أهل العلم هل عليه إمساك بقية اليوم أم لا؟ على قولين: القول الأول: لا يجب عليه إمساك بقية النهار، وهو قول المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، وذلك لأنه أبيح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار كما لو دام العذر. ولكن لا يُعلِن أكله ولا شربه لخفاء سبب الفطر كيلا يُساء به الظن أو يُقتدَى به (¬3). وذلك لأنه لا دليل على وجوب الإمساك. كما أنه لا يستفيد من هذا الإمساك شيئاً لوجوب القضاء عليه. ولأن حرمة الزمن قد زالت بفطره المباح له أول النهار ظاهراً وباطناً. القول الثاني: يلزمه الإمساك، وهو قول الحنفية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وطائفة من السلف (¬6)، وهو اختيار ابن باز (¬7). وذلك لأن المسافر صار من أهل الوجوب حين قدومه؛ فيمسك تشبهاً بالصائمين وقضاءً لحق الوقت. المطلب السادس: حكم فطر المسافر إذا كان سفره بوسائل النقل المريحة يباح الإفطار للمسافر ولو كان سفره بوسائل النقل المريحة، سواء وجد مشقة أو لم يجدها، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن تيمية (¬8)؛ وذلك لأن علة الفطر هي وجود السفر دون التقيد بشيء آخر. ¬

(¬1) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 43). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 262). (¬3) قال الشافعي: (ولو توقى ذلك لئلا يراه أحد فيظن أنه أفطر في رمضان من غير علة كان أحب إلي) ((الأم للشافعي)) (2/ 111)، وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 236). (¬4) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363). (¬5) ((لإنصاف للمرداوي)) (3/ 200 - 201). (¬6) قال ابن قدامة: (وهو قول أبي حنيفة, والثوري, والأوزاعي, والحسن بن صالح, والعنبري) ((المغني)) (3/ 33 - 34). (¬7) قال ابن باز: (المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده فإن عليه الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال حكم السفر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 193). (¬8) قال ابن تيمية: (ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة سواء كان قادراً على الصيام أو عاجزاً وسواء شق عليه الصوم أو لم يشق بحيث لو كان مسافراً في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر)) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 210) وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 235).

الفصل الثالث: الكبير والعجوز

المبحث الأول: حكم صوم الرجل الكبير والمرأة العجوز يباح الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يطيقان الصوم. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا أو يطعما كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا)) (¬1). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬2)، وابن حزم (¬3)، وابن عبد البر (¬4). ¬

(¬1) رواه الطبري في تفسيره (3/ 425)، والبيهقي (4/ 230) (8333) موقوفاً. قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 18): إسناده صحيح على شرط الشيخين. (¬2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للشيخ الكبير، والعجوز العاجزين عن الصوم أن يفطرا). ((الإجماع)) (ص50). (¬3) ((مراتب الإجماع لابن حزم)) (ص40). (¬4) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 213).

المبحث الثاني: ما يلزم الكبير والعجوز إذا أفطرا

المبحث الثاني: ما يلزم الكبير والعجوز إذا أفطرا إذا أفطر الرجل الكبير والمرأة العجوز فعليهما أن يطعما عن كل يومٍ مسكيناً (¬1)، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، واستحبه المالكية (¬5). الدليل: قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا، أو يطعما كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينا)) (¬6). ¬

(¬1) وذلك لأن الأداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء. (¬2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 356). (¬3) ((الأم للشافعي)) (2/ 113)، ((المجموع للنووي)) (6/ 258). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 38). (¬5) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 414)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 712). (¬6) رواه الطبري في تفسيره (3/ 425)، والبيهقي (4/ 230) (8333) موقوفاً. قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 18): إسناده صحيح على شرط الشيخين.

الفصل الرابع: الحامل والمرضع

الفصل الرابع: الحامل والمرضع • المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع. • المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا.

المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع

المبحث الأول: حكم صوم الحامل والمرضع يباح للحامل والمرضع الفطر في رمضان، سواء خافتا على نفسيهما أو على ولديهما، وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام)) (¬5). أي وضع عنهما لزوم الصيام في أيام الحمل والرضاعة. ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 245)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92). (¬2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 278)، ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 223). (¬3) ((الأم للشافعي)) (2/ 113)، ((المجموع للنووي)) (6/ 267). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 37)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 446). (¬5) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)، وابن ماجه (1361) واللفظ له، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.

المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا

المبحث الثاني: ما يلزم الحامل والمرضع إذا أفطرتا إذا أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على نفسيهما أو على ولديهما، فعليهما القضاء فقط (¬1). - فإذا كان الفطر خوفاً على نفسيهما، فهو بالإجماع، وقد حكاه ابن قدامة (¬2)، والنووي (¬3). - وأما إذا كان خوفاً على ولديهما فهو مذهب الحنفية (¬4)، ووافقهم المالكية في الحامل (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام)) (¬6). وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحامل والمرضع بالمسافر، وجعلهما معاً في معنى واحد، فصار حكمهما كحكمه، وليس على المسافر إلا القضاء لا يعدوه إلى غيره. ثانياً: القياس: قياساً على المريض الخائف على نفسه (¬7). ¬

(¬1) وذلك لأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها، والحرج عذرٌ في الفطر كالمريض والمسافر، وعليها القضاء ولا كفارة عليها؛ لأنها ليست بجانيةٍ في الفطر ولا فدية عليها. (¬2) قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافاً) ((المغني)) (3/ 37). (¬3) ((المجموع)) (6/ 267). (¬4) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 92) و ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 308). (¬5) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (3/ 366). (¬6) رواه أحمد (4/ 347) (19069)، والترمذي (715) وحسنه، والنسائي (4/ 180)، وابن ماجه (1361) واللفظ له، والبيهقي (3/ 154) (5695). وجوّد إسناده ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/ 293)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح. (¬7) وذلك لأنه يلحقها الحرج في نفسها أو ولدها والحرج عذر في الفطر كالمريض والمسافر وعليها القضاء ولا كفارة عليها؛ لأنها ليست بجانية في الفطر ولا فدية عليها.

الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر

الفصل الخامس: أسباب أخرى مبيحة للفطر • المبحث الأول: المهن الشاقة. • المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش. • المبحث الثالث: الإكراه. • المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله.

المبحث الأول: المهن الشاقة

المبحث الأول: المهن الشاقة أصحاب المهن الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، لكن من كان يعمل بأحد المهن الشاقة وكان يضره ترك عمله، وخشي على نفسه التلف أثناء النهار، أو لحوق مشقة عظيمة فإنه يُفطر على قدر حاجته بما يدفع المشقة فقط، ثم يمسك يقية يومه إلى الغروب ويفطر مع الناس، وعليه القضاء (¬1). ¬

(¬1) جاء في الفتاوى الهندية: (المحترف المحتاج إلى نفقته علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن يمرض، كذا في القُنْية) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 208)، وانظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 420). قال البهوتي: (وقال أبو بكر الآجري: مَن صنعته شاقة فإن خاف - بالصوم- تلفا أفطر وقضى - إن ضره ترك الصنعة- فإن لم يضره تركها أثم - بالفطر ويتركها -، وإلا - أي: وإن لم ينتف التضرر بتركها- فلا - إثم عليه بالفطر للعذر) ((كشاف القناع)) (2/ 310). وانظر ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 395). وقالت اللجنة الدائمة: (لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان لمجرد كونه عاملا، لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ويفطر مع الناس ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/ 233). وقالت أيضا: ( ... يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله شهر رمضان ولو بدون مرتب فإن لم يتيسر ذلك بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين ولا يؤثر جانب دنياه على جانب آخرته، فالعمل كثير وطرق كسب المال ليست قاصرة على مثل ذلك النوع من الأعمال الشاقة ولن يعدم المسلم وجها من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة بإذن الله .. وعلى تقدير أنه لم يجد عملا دون ما ذكر مما فيه حرج وخشي أن تأخذه قوانين جائرة وتفرض عليه ما لايتمكن معه من إقامة شعائر دينه أو بعض فرائضه فليفر بدينه من تلك الأرض إلى أرض يتيسر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه ويتعاون فيه مع المسلمين على البر والتقوى فأرض الله واسعة .. فإذا لم يتيسر له شيء من ذلك كله واضطر إلى مثل ما ذكر في السؤال من العمل الشاق صام حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج ثم يمسك وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام) ((فتاوى اللجنة الدائمة-المجموعة الأولى)) (10/ 235 - 236). وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: (أما بالنسبة لأصحاب الحرف فمفاد نصوص الفقهاء أنه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان، أو خشي تلف المال إن لم يعالجه، أو سرقة الزرع إن لم يبادر لحصاده، فله أن يعمل مع الصوم ولو أداه العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد، وليس عليه ترك العمل ليقدر على إتمام الصوم، وإذا أفطر فعليه القضاء فقط) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 176).

المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش

المبحث الثاني: إرهاق الجوع والعطش من أرهقه جوع أو عطش شديد يخاف منه الهلاك فإنه يجب عليه الفطر، وعليه القضاء، ونص على ذلك المالكية (¬1) والشافعية (¬2). الأدلة: أولا: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29] 2 - قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] ثانيا: القياس: قياساً على المريض. ¬

(¬1) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 535). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 258).

المبحث الثالث: الإكراه

المبحث الثالث: الإكراه • مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار.

مطلب: حكم المستكره على الإفطار

مطلب: حكم المستكرَه على الإفطار الفرع الأول: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بغير فعلٍ منه من أُكرِهَ على الإفطار بغير فعلٍ منه بأن صُبَّ في حلقه ماء مثلاً، فلا يفطر بذلك (¬1)، وهذا مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الدليل: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:106] فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى. ثانيا: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكْرِهُوا عليه)) (¬4). الفرع الثاني: إذا أكره الصائم على الفطر فأفطر بنفسه إذا أُكره (¬5) الصائم على الفطر فأفطر فلا إثم عليه، وصومه صحيح، وهو قول الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). الدليل: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:106] فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى. ثانيا: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬8). ¬

(¬1) وذلك لأنه لا فعل له فلا يفطر، فصار كالمحتلم. (¬2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 905). (¬3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 320). (¬4) رواه الطبراني (11/ 133) (11274)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في ((أطراف ابن طاهر)) (3/ 220) (3479)، والحاكم (2/ 216)، والبيهقي (10/ 60، رقم 19798). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 99) - كما أشار إلى ذلك في المقدمة - وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 309): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وقال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (6248): صحيح بمجموع طرقه. (¬5) قال ابن حجر في بيان تعريف الإكراه وشروطه: (هو الزام الغير بما لا يريده وشروط الإكراه أربعة الأول أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار الثاني أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك الثالث أن يكون ماهدده به فوريا فلو قال ان لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لايخلف الرابع أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حتى ينزل) ((فتح الباري)) (12/ 311). (¬6) ((المجموع للنووي)) (6/ 325). (¬7) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215). (¬8) رواه الطبراني (11/ 133) (11274)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في ((أطراف ابن طاهر)) (3/ 220) (3479)، والحاكم (2/ 216)، والبيهقي (10/ 60، رقم 19798). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 99) - كما أشار إلى ذلك في المقدمة - وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 420): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وقال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (6248): صحيح بمجموع طرقه.

المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله

المبحث الرابع: الجهاد في سبيل الله يباح الفطر للمجاهد في سبيل الله، وهو قول الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3)، وبه أفتى ابنُ تيمية العساكرَ الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق، ونصره ابن القيم (¬4). الدليل: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال فنزلنا منزلاً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مُصبِّحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزمة، فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر)) أخرجه مسلم (¬5). (¬6). ¬

(¬1) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 421). (¬2) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 151). (¬3) ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 438)، قال البهوتي: (<ومن قاتل عدواً أو أحاط العدو ببلده والصوم يضعفه> عن القتال <ساغ له الفطر بدون سفر نصاً> لدعاء الحاجة إليه) ((كشاف القناع)) (2/ 310 - 311). (¬4) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (2/ 53). (¬5) رواه مسلم (1120). (¬6) وفي الحديث دليلٌ على أن الفطر لمن كان قريباً من العدو أولى؛ لمظنة ملاقاة العدو ووصولهم إليه ولهذا كان الإفطار أولى ولم يتحتم. وأما إذا كان لقاء العدو متحققاً فالإفطار عزيمة؛ لأن الصائم يضعف عن منازلة الأعداء وقتالهم.

الباب الرابع: مفسدات الصيام وما يكره للصائم وما يباح له

تمهيد لا يُحكم بفساد صوم من ارتكب شيئاً من المفطرات إلا بشروطٍ ثلاثة: الأول: أن يكون عالماً بالحكم الشرعي، وعالماً بالوقت، فإن كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح (¬1). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (¬2) 2 - قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:5] ثانياً: من السنة: 1 - عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه ((أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187] جعل تحت وسادته عقالين أبيض وأسود، وجعل ينظر إليهما، فلما تبين له الأبيض من الأسود، أمسك، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره بما صنع، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3) ولم يأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقضاء؛ لأنه كان غير عالمٍ بالحكم، حيث فهم الآية على غير المراد بها. 2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((أفطرنا في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم غيم، ثم طلعت الشمس)). أخرجه البخاري (¬4) ولم يُنقَل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بالقضاء. الثاني: أن يكون ذاكرا، والذكر ضده النسيان، فمن تناول شيئاً من المفطرات ناسياً فصيامه صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم (¬5)، لكن متى تَذكَّر، أو ذُكِّر وجب عليه الإمساك. الأدلة: أولا: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286] ¬

(¬1) قال النووي: (إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع جاهلاً بتحريمه فإن كان قريب عهد بإسلامٍ أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ بحيث يخفى عليه كون هذا مفطرا لم يفطر؛ لأنه لا يأثم فأشبه الناسي الذي ثبت فيه النص. وإن كان مخالطا للمسلمين بحيث لا يخفى عليه تحريمه أفطر؛ لأنه مقصر) ((المجموع)) (6/ 335). وانظر ((الموسوعة الكويتية)) (28/ 44). (¬2) رواه مسلم (126). (¬3) رواه البخاري (1916)، ومسلم (1090). (¬4) رواه البخاري (1959). (¬5) قال النووي: (مذهبنا أنه لا يفطر بشيء من المنافيات ناسياً للصوم، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر وغيرهم. وقال عطاء والأوزاعي والليث: يجب قضاؤه في الجماع ناسياً دون الأكل. وقال ربيعة ومالك: يفسد صوم الناسي في جميع ذلك وعليه القضاء دون الكفارة. وقال أحمد: يجب بالجماع ناسيا القضاء والكفارة ولا شيء في الأكل) ((المجموع)) (6/ 335).

2 - قوله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] والنسيان ليس من كسب القلب (¬1). ثانيا: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). الثالث: أن يكون قاصداً مختاراً، فمن حصل له شيء من المفطرات بلا قصد، فصومه صحيحٌ ولا إثم عليه، وضد الاختيار الإكراه، فمن أكره على شيءٍ من المفطرات فلا إثم عليه، وصيامه صحيح (¬3). الأدلة: أولا: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:5] 2– قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل:106] فاللهُ عز وجل رفع حكم الكفر عمن أُكْرِهَ عليه، فما دونه من باب أولى. ثانيا من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ قال: ((وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬4). وهو حديثٌ تشهد له النصوص. ¬

(¬1) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 157). (¬2) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155). (¬3) قال النووي: (إذا فعل به غيره المفطر بأن أوجر الطعام قهرا أو أسعط الماء وغيره أو طعن بغير رضاه بحيث وصلت الطعنة جوفه أو ربطت المرأة وجومعت أو جومعت نائمة فلا فطر في كل ذلك ... وكذا لو استدخلت ذكره نائما، أفطرت هي دونه) ((المجموع)) (6/ 335). وانظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 57). (¬4) رواه ابن ماجه (1677)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8/ 161) (8273). والحديث صححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (2/ 679) – كما اشترط على نفسه في المقدمة- وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (25/ 276): ثابت على شرط الشيخين، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 90): رجاله على شرط الصحيحين، وله شاهد من القرآن، ومن طرق أخر، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). والحديث روي بألفاظ مختلفة مثل: ((رفع عن أمتي))، و ((تجاوز الله عن أمتي))، و ((إن الله تجوز عن أمتي)). وروي من طرق كثيرة عن ابن عمر، وثوبان، وعقبة بن عامر، وأبي ذر، وأبي هريرة رضي الله عنهم جميعاً.

المبحث الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء

المبحث الأول: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء • المطلب الأول: تناول الطعام والشراب. • المطلب الثاني: خروج المني. • المطلب الثالث: الاستقاء. • المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس. • المطلب الخامس: الجنون والإغماء. • المطلب السادس: الردة. • المطلب السابع: نية الإفطار. • المطلب الثامن: الحجامة. • المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية.

المطلب الأول: تناول الطعام والشراب

المطلب الأول: تناول الطعام والشراب الفرع الأول: تناول الطعام والشراب عمداً المسألة الأولى: حكم تناول الطعام والشراب للصائم من أكل أو شرب مما يتغذى به متعمداً، وهو ذاكرٌ لصومه فإن صومه يبطل. الأدلة: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ [البقرة:187] فأباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل، وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذا الوقت. ثانيا: من السنة: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ثالثا الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن حزم (¬2)، وابن قدامة (¬3). المسألة الثانية: ما يترتب على الإفطار عمدا بطعام أو شراب 1 - القضاء يلزم من أفطر متعمدا بتناول الطعام أو الشراب، القضاء، وعلى هذا عامة أهل العلم، أما الكفارة فلا تجب عليه في أرجح قولي أهل العلم، وهو مذهب الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، ورجحه ابن المنذر (¬6)، والنووي (¬7). الأدلة: أما القضاء فقياساً على المريض والمسافر الذين أوجب الله عليهما القضاء مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى. وأما عدم وجوب الكفارة فدليله: 1 - عدم ورود نص من الكتاب أو السنة يوجب ذلك، والأصل براءة الذمة. 2 - عدم صحة القياس على الجماع في نهار رمضان، فقد ورد النص في الجماع وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ. 2 - الإمساك ¬

(¬1) رواه البخاري (1894) واللفظ له، ومسلم (1151). (¬2) ((مراتب الإجماع لابن حزم)) (ص 39)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬3) قال ابن قدامة: (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به) ((المغني)) (3/ 14). (¬4) ((الأم للشافعي)) (2/ 96)، ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128). (¬5) ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128)، ((المغني)) (3/ 22). (¬6) قال ابن المنذر: (واختلفوا فيما يجب على من أكل أو شرب في نهار رمضان عامدا فقال سعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والشافعي وأحمد: عليه القضاء وليس عليه الكفارة ..... .قال أبو بكر - أي ابن المنذر-: بالقول الأول أقول). ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 128) (¬7) ((المجموع)) (6/ 320).

يلزم من أفطر بالأكل والشرب متعمداً الإمساك بقية يومه، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم (¬1)؛ واجتمعت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6)؛ وذلك لأنه أفطر بدون عذر فلزمه إمساك بقية النهار، وفطرُهُ عمداً لم يُسقِط عنه ما وجب عليه من إتمام الإمساك. الفرع الثاني: تناول الطعام والشراب نسيانا من أكل أو شرب ناسياً، فلا شيء عليه ويتم صومه، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). الأدلة: أولا: من الكتاب: ¬

(¬1) قال ابن قدامة: (وكل من أفطر والصوم لازمٌ له، كالمفطر بغير عذر، والمفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي لنية الصوم، ونحوهم، يلزمهم الإمساك، لا نعلم بينهم فيه اختلافا. إلا أنه يخرج على قول عطاء في المعذور في الفطر، إباحة فطر بقية يومه، قياساً على قوله فيما إذا قامت البينة بالرؤية. وهو قولٌ شاذ، لم يعرِّج عليه أهل العلم) ((المغني)) (3/ 33). وقال النووي: (إذا أفطر الصائم في نهار رمضان بغير الجماع من غير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً بالتحريم، بأن أكل أو شرب أو استعط أو باشر فيما دون الفرج فأنزل، أو استمنى فأنزل، أثم ووجب عليه القضاء وإمساك بقية النهار) ((المجموع)) (6/ 339). وقال ابن القيم: (الصائم إذا أفطر عمداً لم يسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك ولا يقال له قد بطل صومك فإن شئت أن تأكل فكل، بل يجب عليه المضي فيه وقضاؤه؛ لأن الصائم له حدٌّ محدود وهو غروب الشمس) ((إعلام الموقعين)) (2/ 53). وقال ابن عثيمين: (هذه المفطرات إذا فعلها الإنسان وقد تمت الشروط الثلاثة، كما لو أكل عالماً، ذاكراً، مختاراً، ترتب عليه: أولا: الإثم إذا كان الصوم واجباً. ثانيا: فساد الصوم. ثالثا: وجوب الإمساك إن كان في رمضان. رابعا: القضاء، هذا إذا كان صومه واجبا) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (20/ 150). (¬2) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 363)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 408). (¬3) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 525)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 339). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 33)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 309). (¬6) قال ابن حزم: (من تعمد الفطر عاصياً فهو مفترض عليه بلا خلاف, صوم ذلك اليوم, ومحرمٌ عليه فيه كل ما يحرم على الصائم ولم يأت نصٌّ ولا إجماعٌ بإباحة الفطر له إذا عصى بتعمد الفطر, فهو باقٍ على ما كان حرامًا عليه, وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد فطرًا, ولا صوم له مع ذلك. وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا, وعن الحسن, وعطاء: أن له أن يفطر) ((المحلى)) (6/ 243). (¬7) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 61) , ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 327). (¬8) ((الأم للشافعي)) (7/ 70)، ((المجموع للنووي)) (6/ 335). قال النووي: (وبه قال الحسن البصري ومجاهد وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر) ((المجموع)) (6/ 335) (¬9) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215). قال ابن القيم: (قاعدة الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه كما دل عليه قوله تعالى: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال: (قد فعلت) وإذا ثبت أنه غير آثم فلم يفعل في صومه محرما فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس؛ فإن العبادة إنما تبطل بفعل محظور أو ترك مأمور) ((إعلام الموقعين)) (2/ 54).

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( ... فأنزل الله تعالى لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال - أي الله سبحانه وتعالى -: قد فعلت)). أخرجه مسلم (¬1) ثانيا: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّمَ قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2) الفرع الثالث: حكم من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم من ابتلع ما بين أسنانه وهو صائم وكان يسيراً لا يمكن لفظه مما يجري مع الريق فصومه صحيح؛ وذلك لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬3). أما إن كان يمكنه لفظه فابتلعه فإنه يفطر، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم (¬4)؛ وذلك لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأفطر به، كما لو ابتدأ الأكل. الفرع الرابع: حكم ابتلاع الصائم ما لا يؤكل في العادة إذا ابتلع الصائم ما لا يُؤكَلُ في العادة كدرهمٍ أو حصاةٍ أو حشيشٍ أو حديدٍ أو خيطٍ أو غير ذلك أفطر (¬5)، وقد ذهب إلى ذلك جماهير العلماء من السلف والخلف (¬6). الدليل: 1 - أنه في حكم الأكل؛ فإنه يقال: أكل حصاة، فيكون حكمه حكم الأكل. 2 - قول ابن عباس رضي الله عنهما: الفطر مما دخل وليس مما خرج (¬7). الفرع الخامس: حكم شرب الدخان أثناء الصوم شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، وهذا باتفاق الفقهاء (¬8)؛ وذلك لأن الدخان له جرمٌ ينفذ إلى الجوف، فهو جسمٌ يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء؛ ولأنه يسمَّى شرباً عرفاً وصاحبه يتعمد إدخاله في جوفه من منفذ الأكل والشرب فيكون مفطرا. ¬

(¬1) رواه مسلم (126). (¬2) رواه البخاري (1933)، ومسلم (1155)، قال النووي: (فيه دلالةٌ لمذهب الأكثرين أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا لا يفطر) ((شرح صحيح مسلم للنووي)) (8/ 35). (¬3) ((الإشراف)) (3/ 134). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 19)، ((المجموع للنووي)) (6/ 323). (¬5) وذلك لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف؛ ولذا يقال فلانٌ يأكل الطين. (¬6) قال ابن قدامة: (وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به) ((المغني)) (3/ 14، 15). وقال النووي: (إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة أو حشيشا أو نارا أو حديدا أو خيطا أو غير ذلك أفطر بلا خلاف عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف) ((المجموع للنووي)) (6/ 326). (¬7) رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (9411)، وأورده البخاري في صحيحه (باب الحجامة والقيء للصائم) معلقاً بصيغة الجزم بلفظ: (الصوم مما دخل)، ووصله البيهقي في السنن الكبرى (579). وقال البيهقي في ((الخلافيات)) (2/ 357): ثابت، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 317): إسناده حسن أو صحيح، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 79): إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. (¬8) انظر ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (10/ 111). قال ابن عابدين: (قوله (إنه لو أدخل حلقه الدخان) أي بأي صورةٍ كان الإدخال حتى لو تبخر بخوراً فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكرا لصومه أفطر؛ لإمكان التحرز عنه وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك؛ لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخانٍ وصل إلى جوفه بفعله إمداد وبه علم حكم شرب الدخان ونظمه الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية بقوله ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر). ((حاشية رد المحتار)) (2/ 395). وقال الدردير: ((و) بترك إيصال (بخور) بفتح الباء أي الدخان المتصاعد من حرق نحو العود، ومثله بخار القدر فمتى وصل للحلق أوجب القضاء، ومنه الدخان الذي يشرب أي يمص بالقصب ونحوه فإنه يصل للحلق بل للجوف) ((الشرح الكبير)) (1/ 525). وقال البهوتي: (وإن دخل حلقه ذبابٌ أو غبار طريقٍ أو غبار دقيقٍ أو دخانٍ من غير قصدٍ لم يفطر لعدم القصد كالنائم، وعُلِمَ منه أن من ابتلع الدخان قصداً فسد صومه) ((كشاف القناع)) (2/ 320 - 321). وقال ابن عثيمين: ( .. وبهذا تبين أن شرب الدخان يفطر الصائم مع ما فيه من الإثم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 203).

المطلب الثاني: خروج المني

المطلب الثاني: خروج المني الفرع الأول: الاستمناء في نهار رمضان أولاً: تعريف الاستمناء الاستمناء لغة: مصدر استمنى، أي: طلب خروج المني (¬1). الاستمناء اصطلاحاً: إخراج المني؛ استدعاءً لشهوةٍ بغير جماع، سواء أخرجه بيده، أو بيد زوجته (¬2). ثانياً: حكم من استمنى فى نهار رمضان من استمنى فقد فسد صومه، وعليه القضاء، وهذا قول عامة الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: 1 - من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). واستدعاءُ المني شهوةٌ بلا شك. 2 - من القياس: فقد جاءت السنة بفطر الصائم بالاستقاء إذا قاء، وهو يضعف البدن، فخروج الطعام يضعف البدن؛ لأن المعدة تبقى خالية فيجوع الإنسان ويعطش سريعاً. وخروج المني يحصل به ذلك فيفتر البدن بلا شك؛ ولهذا أمر بالاغتسال ليعود النشاط إلى البدن، فيكون هذا قياساً على من استقاء عمداً. - ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، والاستمناء ليس مثله. الفرع الثاني: حكم من باشر أو قبل أو لمس فأنزل من أنزل المني بمباشرة دون الفرج أو بتقبيل أو لمس، فإنه يفطر بذلك، وعليه القضاء فقط. الدليل: الإجماع: فقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬7)، والماوردي (¬8). ولا كفارة عليه كما هو مذهب الحنفية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)؛ وذلك لأن النص إنما ورد في الجماع فقط، وما سواه ليس في معناه؛ لأن الجماع أغلظ. الفرع الثالث: حكم من كرر النظر حتى أنزل من كرَّر النظر حتى أنزل، فقد ذهب الحنابلة، وبعض أهل العلم (¬12)، إلى أنه يفطر ولا كفارة عليه (¬13) وذلك لأن النظرة الواحدة لا تفسد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لك الأولى وليست لك الآخرة)) (¬14). والإنسان لا يستطيع اجتناب هذا، بخلاف تكرار النظر؛ فإن فيه استدعاء المني، فيكون حكمه حكم الاستمناء. ولا كفارة فيه؛ لأن النص إنما ورد في الجماع، وتكرار النظر ليس مثله. ¬

(¬1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: م ن ي)، ((المصباح المنير للفيومي)) (مادة: م ن ي). (¬2) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 430)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (4/ 97). (¬3) ((بدائع الصنائع)) (2/ 94)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح - (1/ 437) (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 322). (¬5) ((المغني)) (3/ 21) (¬6) رواه البخاري (7492) واللفظ له، ومسلم (1151). (¬7) قال ابن قدامة: (إذا قبل فأمنى أو أمذى، ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال .. الحال الثاني: أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه؛ لما ذكرناه من إيماء الخبرين؛ ولأنه إنزال بمباشرة، فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج) ((المغني)) (3/ 20) (¬8) قال الماوردي: (أما إن وطئ دون الفرج أو قبل أو باشر فلم ينزل فهو على صومه لا قضاء عليه، ولا كفارة وإن أنزل فقد أفطر، ولزمه القضاء إجماعا) ((الحاوي الكبير)) (3/ 945) (¬9) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 93) (¬10) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 945) (¬11) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 225) (¬12) نقل ابن قدامة هذا القول عن: أحمد، وعطاء، والحسن البصريِّ، ومالك، والحسن بن صالح. ((المغني)) (3/ 21). (¬13) وذلك لأنه إنزال بفعل يتلذذ به ويمكن التحرز منه. (¬14) رواه أحمد (5/ 351) (23024)، وأبو داود (2149)، والترمذي (2777)، والحاكم (2/ 212). من حديث بريدة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 252)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

الفرع الرابع: حكم من أنزل بتفكير مجرد عن العمل من أنزل بتفكيرٍ مجردٍ عن العمل فلا يفطر، سواء كان تفكيراً مستداماً أو غير مستدام (¬1)، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). والفكر من حديث النفس. الفرع اخامس: حكم من نام فاحتلم في نهار رمضان من نام فاحتلم في نهار رمضان فصومه صحيح (¬6). الدليل: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر (¬7)، والنووي (¬8)، وابن تيمية (¬9). الفرع السادس: حكم خروج المذي من الصائم خروج المذي من الصائم لا ينقض صومه، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية (¬10)، والشافعية (¬11)، وهي إحدى الروايتين عن أحمد (¬12)، واختاره ابن المنذر (¬13) والصنعاني (¬14)؛ وابن عثيمين (¬15)، وذلك لأنه خارجٌ لا يوجب الغسل فأشبه البول، وقياسه على المني لا يصح لمخالفته في الأحكام فهو قياسٌ مع الفارق، ولأن الشهوة لا تنكسر به مثل المني؛ وأيضا لعدم ورود النص على كونه مفطرا، والأصل صحة الصوم؛ وكذلك لأن الشرع أباح التقبيل والمباشرة لمن يملك نفسه، والتي يكون حاصلها المذي. ¬

(¬1) وذلك لأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر؛ لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال؛ وأيضا لأنه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الاحتلام. (¬2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 66). (¬3) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 361). قال الماوردي: (أما إن فكر بقلبه فأنزل، فلا قضاء عليه ولا كفارة إجماعا؛ لأن الفكر من حديث النفس، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: إن اللَّه تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها) ((الحاوي الكبير)) (3/ 440). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 21)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 218). وقال ابن تيمية: (لو غلبَه الفكرُ حتى أنزل لم يَفسُد صومُه باتفاق الأئمة) ((جامع المسائل)) (4/ 352). (¬5) رواه البخاري (6664) واللفظ له، ومسلم (127). (¬6) وذلك لأنه مغلوبٌ ولا اختيار له، أشبه من طارت ذبابة فوقعت في حلقه دون اختياره. (¬7) ((التمهيد لابن عبد البر)) (17/ 425). (¬8) ((المجموع للنووي)) (6/ 322). (¬9) قال ابن تيمية: (ومن احتلم بغير اختياره كالنائم لم يفطر باتفاق الناس) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 224). (¬10) انظر ((المبسوط للشيباني)) (2/ 238)، ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 123). (¬11) ((المجموع للنووي)) (6/ 333). (¬12) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 214). (¬13) قال ابن المنذر: (اختلفوا في الصائم يلمس فيمذي فقالت طائفة لا شيء عليه من قضاء ولا غيره ...... قال أبو بكر –أي ابن المنذر -: لا شيء عليه) ((الإشراف)) (3/ 123). (¬14) ((سبل السلام)) (2/ 158). (¬15) ((الشرح الممتع)) (6/ 378).

المطلب الثالث: الاستقاء

المطلب الثالث: الاستقاء ذهب أكثر أهل العلم إلى أن من استقاء متعمدا، فقد أفطر (¬1)، ويلزمه القضاء ولا كفارة عليه (¬2)، وأجمعوا على أنَّ من غلبه القيء فلا شيء عليه (¬3). واستشهدوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) (¬4). ¬

(¬1) حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، وحكى ابن قدامة الخلاف فيه، انظر: ((الإجماع لابن المنذر)) (ص49)، و ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23). (¬2) قال ابن عبدالبر: (على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء) ((الاستذكار)) (3/ 347) وانظر: ((الأم للشافعي)) (2/ 97)، و ((المدونة)) (1/ 271)، و ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 129)، و ((المغني لابن قدامة)) (3/ 23)، و ((المجموع للنووي)) (6/ 328) و ((سبل السلام للصنعاني)) (2/ 161). (¬3) قال ابن المنذر: (وهذا قول كل من نحفظ عنه، وروينا عن الحسن أنه قال: عليه القضاء) ((الإشراف)) (ص49) وقال الخطابي: (لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أنَّ من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه) ((معالم السنن للخطابي)) (2/ 96). (¬4) رواه أحمد (2/ 498) (10468)، وأبو داود (2380)، الترمذي (720)، وابن ماجه (1368) واللفظ له، والدارمي (2/ 24) (1729)، وابن حبان (8/ 284) (3518)، والحاكم (1/ 589). وقد اختلف أهل العلم في الحكم عليه، فأنكره أحمد وقال: (ليس من ذا شيء) ((السنن للبيهقي)) (4/ 219)، وقال البخاري في ((العلل الكبير)) (ص: 115): ما أراه محفوظا، وقال الترمذي: لا يصح إسناده، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (5/ 540): اضطرب فيه عباد بن كثير، وقال ابن تيمية في ((حقيقة الصيام)) (ص13): لم يثبت عند طائفة من أهل العلم, بل قالوا: هو من قول أبي هريرة، وحسنه ابن قدامة في ((الكافي)) (1/ 353)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 659)، وصححه ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (265/ 15)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2380).

المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس

المطلب الرابع: خروج دم الحيض والنفاس الفرع الأول: حكم صوم من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان من حاضت أو نفست أثناء نهار رمضان، فقد فسد صومها، ويلزمها قضاؤه (¬1). الأدلة: أولا: من السنة: 1 - عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 2 - قول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت: ((ما بال الحائضِ تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟ قالت: كان يُصيبُنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنؤمر بقضاء الصَّوم، ولا نؤمر بقضاء الصَّلاة)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). ثانيا: الإجماع: أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقله ابن حزم (¬4)، والنووي (¬5)، وابن تيمية (¬6). الفرع الثاني: حكم إمساك بقية اليوم لمن فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس من فسد صومها بخروج دم الحيض أو النفاس فإنه لا يلزمها إمساك باقي اليوم، ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، ورجحه ابن المنذر (¬10)؛ وذلك لأنها ليست بأهل للصوم، والتشبُّهُ بأهل العبادة لا يصح من غير الأهل؛ ولأن الحيض لو كان موجودا في أول النهار لم تؤمر بالصيام. ¬

(¬1) قال ابن عثيمين: (فإن قيل: ما الحكمة أنها تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قلنا: الحكمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم ... واستنبط العلماء رحمهم الله لذلك حكمة، فقالوا: إن الصوم لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة، والصلاة تتكرر كثيراً، فإيجاب الصوم عليها أسهل؛ ولأنها لو لم تقض ما حصل لها صوم. وأما الصلاة فتتكرر عليها كثيراً، فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقا؛ ولأنها لن تعدم الصلاة لتكررها، فإذا لم تحصل لها أول الشهر حصلت لها آخره) ((الشرح الممتع)) (1/ 476). (¬2) رواه البخاري (304) واللفظ له، ومسلم (80). (¬3) رواه البخاري (321)، ومسلم (335) واللفظ له. (¬4) ((مراتب الإجماع)) (ص 40). ((المجموع)) (2/ 355)، وقال النووي: (قولها (فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذا الحكم متفق عليه أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال وأجمعوا على أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم) ((شرح مسلم)) (4/ 26). (¬5) ((المجموع)) (2/ 355)، وقال النووي: (قولها (فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذا الحكم متفق عليه أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال وأجمعوا على أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة وأجمعوا على أنه يجب عليهما قضاء الصوم) ((شرح مسلم)) (4/ 26). (¬6) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 244). (¬7) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 232). (¬8) ((المدونة الكبرى)) (1/ 276). (¬9) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 371). (¬10) ((الإشراف)) (3/ 141).

المطلب الخامس: الجنون والإغماء

المطلب الخامس: الجنون والإغماء الفرع الأول: حكم صوم من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس من نوى الصيام بالليل ثم أصيب بالجنون ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه يبطل (¬1)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة ... ))، وذكر منهم: ((المجنون حتى يفيق)) (¬5) الفرع الثاني: حكم القضاء على المجنون لا يلزم المجنون القضاء (¬6) عند الشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، واختاره ابن حزم (¬9)، والألباني (¬10). الدليل: أن المجنون رفع عنه التكليف؛ لحديث ((رفع القلم عن ثلاثة)) وذكر منهم ((المجنون حتى يفيق)) (¬11). وما لم يُكلَّف به لا يجب عليه أداؤه ولا قضاؤه. الفرع الثالث: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فإن صومه لا يصح (¬12)، ويلزمه القضاء (¬13)، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم: المالكية (¬14)، والشافعية (¬15)، والحنابلة (¬16). الدليل: قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] والإغماء مرض. الفرع الرابع: حكم من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار من نوى الصيام بالليل ثم أغمي عليه ثم أفاق في النهار ولو جزءاً منه، فإن صومه صحيح، وهو المذهب عند الشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18)، وقولٌ للمالكية (¬19)؛ وذلك لأنه قصد الإمساك في جزءٍ من النهار فصح صومه كما لو نام بقية يومه. الفرع الخامس: حكم من نام جميع النهار من نام جميع النهار، فصومه صحيحٌ عند عامة أهل العلم (¬20)؛ وذلك لأنه عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية؛ ولأنه إذا نُبِّه انتبه، فهو كذاهلٍ وساهٍ. ¬

(¬1) وذلك لأن من شروط وجوب العبادة وصحتها العقل، والمجنون لا عقل له. (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 522). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 251). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207). (¬5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬6) وذلك لأنه صومٌ فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب قضاؤه، كما لو فات في حال الصغر. (¬7) قال النووي: (فإن أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته في حال الجنون) ((المجموع)) (6/ 251). (¬8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 208). (¬9) ((المحلى)) (6/ 226). (¬10) قال الألباني: (ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر، وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في ((المجموع)) وهو مذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام) ((الثمر المستطاب)) (1/ 54). (¬11) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (ص: 225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬12) وذلك لأن الصوم عبارةٌ عن الإمساك مع النية ولم يوجد الإمساك المضاف إليه النية كما دل عليه قوله في الحديث القدسي (يترك طعامه وشرابه من أجلي) فلم تعتبر النية منفردة عنه. (¬13) وذلك لأن المغمى عليه لم يزل عنه التكليف؛ لأن مدة الإغماء لا تتطاول غالبا فلم يسقط عنه القضاء. (¬14) ((المدونة)) (1/ 276)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 340)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 522)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 522). (¬15) ((المجموع للنووي)) (6/ 255)، ((الحاوي الكبيرللمرداوي)) (3/ 441). (¬16) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 11)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 314). (¬17) ((الحاوي الكبير للمرداوي)) (3/ 441) ((روضة الطالبين للنووي)) 2/ 366. (¬18) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 207)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 21) (¬19) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 340)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 723). (¬20) قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً، وخالف في ذلك الإصطخري الشافعي) ((الشرح الكبير)) (3/ 22)، وانظر ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 435)، و ((المجموع للنووي)) (6/ 345).

المطلب السادس: الردة

المطلب السادس: الردة الفرع الأول: حكم صوم من ارتد عن الإسلام من ارتد عن الإسلام فسد صومه (¬1)،وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (¬2) الدليل: قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]. الفرع الثاني: حكم قضاء من ارتد أثناء صيامه يلزم من ارتد أثناء صيامه أن يقضي هذا اليوم، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (¬3)؛ وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج؛ ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة. الفرع الثالث: حكم قضاء ما تركه المرتد من صيامٍ في زمن ردته من ارتد لا يلزمه قضاء ما تركه زمن الردة من صيام (¬4)، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قول الله سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] تناولت الآية كل كافر سواء كان أصليًّا أم مرتداً (¬8) ثانياً: من السنة: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله)). أخرجه مسلم (¬9) ¬

(¬1) وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج؛ كما أن الصيام عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة. (¬2) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئاً أو غير مستهزئ قال الله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24). (¬3) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد إلى الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ قال الله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطلتها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24). (¬4) وذلك لأن في إلزامه بقضاء ما ترك تنفيرا له من العودة إلى الإسلام. (¬5) ((الدر المختار)) (4/ 251 - 252)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 121). (¬6) ((الكافي لابن عبد البر)) (2/ 1090)، ((حاشية الدسوقي)) (4/ 307)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 361). (¬7) ((الفروع لابن مفلح)) (1/ 401)، ((الإنصاف للمرداوي)) (1/ 278)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 223). قال ابن تيمية: (المرتد إذا أسلم لا يقضي ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 22) (¬8) قال ابن تيمية: (قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يتناول كل كافر) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 23). (¬9) رواه مسلم (121).

المطلب السابع: نية الإفطار

المطلب السابع: نية الإفطار من نوى الإفطار في نهار رمضان، فقد أفطر، وإن لم يتناول شيئا من المفطرات (¬1)، وذهب إلى ذلك المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قولٌ عند الشافعية (¬4)، واختاره ابن حزم (¬5). الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). فما دام ناوياً للصيام فهو صائم، وإذا نوى الإفطار أفطر، فالصوم عبارةٌ عن نية، فإذا نوى قطعها انقطعت، كالصلاة إذا نوى قطعها فإنها تنقطع. ¬

(¬1) وذلك لأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة حقيقة وحكماً، ولكن لما شق اعتبار النية حقيقة وحكماً اعتبر بقاء حكمها وهو ألا ينوي قطعها، فإذا نواه زالت النية حقيقة وحكماً؛ لأن نية الإفطار ضد نية الصوم. (¬2) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 434). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 24) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 210)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 316). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 297). (¬5) قال ابن حزم: (ومن نوى وهو صائم، إبطال صومه بطل, إذا تعمد ذلك ذاكرا لأنه في صوم وإن لم يأكل، ولا شرب، ولا وطئ) ((المحلى)) (6/ 175). (¬6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المطلب الثامن: الحجامة

المطلب الثامن: الحجامة الفرع الأول: حكم الحجامة للصائم من احتجم وهو صائم، فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها: القول الأول: أن صومه لا يفسد، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). الأدلة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4) 2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئِل: ((هل كنتم تكرهون الحجامة؟ فقال: لا، إلا من أجل الضعف)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5) والأحوط أن تؤجَّل الحجامة إلى الليل خروجاً من خلاف جماعة من أهل العلم (¬6). القول الثاني: أنها تفسد صومه (¬7)، وهو من مفردات مذهب الحنابلة (¬8)، وبه قال ابن تيمية (¬9)، وابن باز (¬10)، وابن عثيمين (¬11). الدليل: ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 107)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 330). (¬2) ((المدونة)) (1/ 270)، التاج والإكليل للمواق (2/ 441). قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري ... وقال أبو ثور: أحبُّ إلي أن لا يحتجم أحدٌ صائماً، فإن فعل لم يفطر، وهو باقٍ على صومه) ((الاستذكار لابن عبدالبر)) (10/ 129). (¬3) ((الأم للشافعي)) (2/ 106)، ((المجموع للنووي)) (6/ 349). (¬4) رواه البخاري (1938) واللفظ له، ومسلم (1202). (¬5) رواه البخاري (1940). (¬6) قال ابن تيمية: (وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان منهم من لا يحتجم إلا بالليل) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 252). قال ابن قدامة: (وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلاً في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس بن مالك ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة والحسين بن علي وعروة وسعيد بن جبير) ((الشرح الكبير)) (3/ 40). (¬7) وذلك لأنه يحصل بالحجامة ضعفٌ شديد، يحتاج معه الصائم إلى تغذية. وقال ابن تيمية: (وأما من تدبر أصول الشرع ومقاصده فإنه رأى الشارع لما أمر بالصوم أمر فيه بالاعتدال حتى كره الوصال، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود، وكان من العدل أن لا يخرج من الإنسان ما هو قيام قوته، فالقيء يخرج الغذاء والاستمناء يخرج المني والحيض يخرج الدم وبهذه الأمور قوام البدن لكن فرق بين ما يمكن الاحتراز منه وما لا يمكن، فالاحتلام لا يمكن الاحتراز منه وكذلك من ذرعه القيء وكذا دم الاستحاضة فإنه ليس له وقت معين، بخلاف دم الحيض فإن له وقتا معينا فالمحتجم أخرج دمه وكذلك المفتصد بخلاف من خرج دمه بغير اختياره كالمجروح فإن هذا لا يمكن الاحتراز منه فكانت الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض، وكان خروج دم الجرح من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء، فقد تناسبت الشريعة وتشابهت ولم تخرج عن القياس) ((مجموع الفتاوى)) (20/ 528). (¬8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 214)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 40). (¬9) قال ابن تيمية: (والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم. وأهلُ الحديث الفقهاءُ فيه العاملون به أخصُّ الناس باتباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 252). (¬10) قال ابن باز: (لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة، وفيها خلافٌ بين العلماء لكن الصحيح أنه يفطر بذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 271). (¬11) قال ابن عثيمين: (إذا احتجم الصائم وظهر منه الدم فإنه يفطر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 145).

عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) (¬1) الفرع الثاني: حكم الفصد وأخذ الدم للتحليل وغيره الفصد وأخذ الدم للتحليل أو للتبرع، اختلف فيه أهل العلم على قولين: القول الأول: لا يفسد الصوم؛ بناءً على ما ذهب إليه الجمهور من عدم الفطر بالحجامة وإن كان الأولى تأخير ذلك إلى الليل، وهو اختيار ابن باز (¬2). القول الثاني: يفسد الصوم، وهو أحد الوجهين في مذهب الحنابلة (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، واختار ابن عثيمين فساد الصوم بالفصد والتبرع قياساً على الحجامة، وعدم فساده بتحليل الدم (¬5). الدليل: القياس: قياساً على الحجامة. ¬

(¬1) أخرجه أحمد (4/ 122) , وأبو داود (2/ 308) , والنسائي في ((الكبرى)) (3/ 318) , وابن ماجه (2/ 585). الحديث صححه البخاري في ((العلل الكبير)) (121)، فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان كلاهما عندي صحيح، وصححه علي بن المديني وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد، كما في)) تنقيح التحقيق للذهبي)) (2/ 319)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 350) وصححه ابن القيم في ((تهذيب السنن (((6/ 495)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (2369). (¬2) قال ابن باز: (لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 271). وقال أيضا: (لا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك، ولا يفسد الصوم بذلك، أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار؛ لأنه في الغالب يكون كثيرا، فيشبه الحجامة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 273). (¬3) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 215). (¬4) قال ابن تيمية: (وقد بينا أن الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاءة وبالاستمناء، وإذا كان كذلك فبأي وجهٍ أراد إخراج الدم أفطر، كما أنه بأي وجه أخرج القيء أفطر سواء جذب القيء بإدخال يده أو بشم ما يقيئه أو وضع يده تحت بطنه واستخرج القيء، فتلك طرق لإخراج القيء، وهذه طرق لإخراج الدم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 257). (¬5) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن ما كان بمعناها – أي الحجامة - يأخذ حكمها) (الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (6/ 351). وقال أيضا: (وفي معنى إخراج الدم بالحجامة إخراجه بالفصد ونحوه مما يُؤَثِّر على البدن كتأثير الحجامة, وعلى هذا فلا يجوز للصائم صوما واجبا أن يتبرع بإخراج دمه الكثير الذي يؤثر على البدن تأثير الحجامة إلا أن يوجد مضطر له لا تندفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه فيجوز للضرورة ويفطر ذلك اليوم ويقضي، وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال أو الباسور أو قلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم أو غرز الإبرة ونحوها فلا يفطر لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 285). وانظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 285)، و (19/ 251).

المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية

المطلب التاسع: حكم الحقنة الشرجية من احتقن وهو صائم فلا يفسد صومه، وقد ذهب إلى ذلك أهل الظاهر (¬1)، وهو قول طائفةٍ من المالكية (¬2)، والقاضي حسين من الشافعية (¬3)، وبه قال الحسن بن صالح (¬4)، واختاره ابن تيمية (¬5)، وابن عثيمين (¬6). وذلك للآتي: - أن الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن. - ولأن الصيام أحد أركان الإسلام، ويحتاج إلى معرفته المسلمون، فلو كانت هذه الأمور من المفطرات لذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، ونقل إلينا. - كما أن الأصل صحة الصيام حتى يقوم دليل على فساده. ولو أخر الحقن إلى الليل لكان أفضل؛ خروجاً من الخلاف، فقد ذهب الجمهور إلى أنه يفطر بذلك (¬7). المطلب التاسع: القطرة في الأنف استعمال القطرة في الأنف في نهار رمضان أو السعوط (¬8) يفسد الصوم، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12) الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (¬13). فالحديث يدل على أنه لا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته، فالأنف منفذ إلى الحلق ثم المعدة كما هو معلوم بدلالة السنة، والواقع، والطب الحديث. كما أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيراَ لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير. ¬

(¬1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 505)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 346). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 313). (¬4) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 456)، ((المجموع للنووي)) (6/ 313، 320). (¬5) ((مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (25/ 245). (¬6) قال ابن عثيمين: (الحقن الشرجية التي يحقن بها المرضى في الدبر ضد الإمساك اختلف فيها أهل العلم، فذهب بعضهم إلى أنها مفطرة، بناء على أن كل ما يصل إلى الجوف فهو مفطر، وقال بعضهم: إنها ليست مفطرة وممن قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلل ذلك بأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إن هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مفطراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مفطراً) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 204). (¬7) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 16)، ((المجموع للنووي)) (6/ 320). (¬8) دواء يوضع في الأنف. ((المصباح المنير)) (مادة: س ع ط). (¬9) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 402). (¬10) ((المدونة)) (1/ 269)، ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 345). (¬11) ((المجموع للنووي)) (6/ 321). (¬12) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 212)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 318). (¬13) رواه أبو داود (142)، والترمذي (788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (333)، والحاكم (4/ 123). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (116) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.

المبحث الثاني: ما يفسد الصيام ويوجب القضاء والكفارة

مطلب: الجماع الفرع الأول: حكم صوم من جامع متعمداً في نهار رمضان من جامع متعمداً في نهار رمضان فسد صومه. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187] وجه الدلالة: أن الشارع علق حل الرفث إلى النساء وهو الجماع إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر وهو وقت بداية الصيام، ثم يجب إتمام الصيام والإمساك عن ذلك إلى الليل فإذا وجد الجماع قبل الليل فإن الصيام حينئذ لم يتم فيكون باطلا. ثانيا: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فقال: هلكت يا رسول الله قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق: المكتل - قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1) ثالثا: الإجماع: انعقد الإجماع على حرمة الجماع في نهار رمضان وعلى كونه مفطرا، وممن نقل ذلك ابن المنذر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، وابن تيمية (¬4). الفرع الثاني: ما يترتب على الجماع في نهار رمضان يترتب على الجماع في نهار رمضان الأمور التالية: أولا: الكفارة تجب الكفارة على المجامع في قول عامة أهل العلم (¬5)، فيعتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً. الدليل: ¬

(¬1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له. (¬2) قال ابن المنذر: (لم يختلف أهل العلم أن الله عز وجل حرم على الصائم في نهار الصوم الرفث، وهو الجماع) ((الإشراف)) (3/ 120). (¬3) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً, في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل, أو دون الفرج فأنزل, أنه يفسد صومه إذا كان عامدا) ((المغني)) (3/ 25). (¬4) قال ابن تيمية: (ومعلومٌ أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 244). (¬5) قال ابن تيمية: (أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع). ((مجموع الفتاوى)) (25/ 249). وقال الكاساني: (ولا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بِالجماعِ) ((بدائع الصنائع)) (2/ 98). وقال النووي: (من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به بسبب الصوم لزمته الكفارة وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا ما حكاه العبدرى وغيره من أصحابنا عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا لا كفارة عليه كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة) ((المجموع)) (6/ 344). ونحوه في ((المغني لابن قدامة)) (3/ 25).

حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمواقع أهله في رمضان: هل تجد ما تعتق؟ قال: لا. قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1) والكفارة المذكورة على الترتيب في قول جمهور أهل العلم من الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه. ثانيا: القضاء ويلزم المجامع في نهار رمضان أيضا مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع (¬6)، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم (¬7) من الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9) والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). الفرع الثالث: ما يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعة يلزم المرأة إذا جومعت في نهار رمضان طائعةً، القضاء، والكفارة، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬12)، والمالكية (¬13)، والشافعية (¬14) - إلا أن الشافعية أوجبوا القضاء دون الكفارة -، والحنابلة (¬15). - أما القضاء فلأنه فاتها الصيام بلا عذر فوجب عليها القضاء. - وأما الكفارة فقياساً على الرجل؛ لأن الأحكام الشرعية تستوي فيها المرأة مع الرجل، ما لم يدل دليل عل خلافه، والمرأة هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل. - ولأن الكفارات لا يُتشارك فيها، فكل منهما حصل منه ما ينافي الصيام من الجماع، فكان على كل منهما كفارة. الفرع الرابع: حكم من جامع ناسياً ¬

(¬1) رواه البخاري (6711)، ومسلم (1111). (¬2) ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 125)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 328). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 345)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 442). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 54)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 228). (¬5) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 197). (¬6) وذلك لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة، ولأنه إذا وجب على المفطر بعذر- كالمرض أو السفر وغيرهما- القضاء، فلأن يجب على المجامع من باب أولى؛ لأنه غير معذور. (¬7) ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد)) (1/ 275). (¬8) قال السرخسي: (وإن جامعها متعمدا فعليه أن يتم صوم ذلكَ اليوم بالإمساك تشبها بِالصائمِين، وعليه قضاء ذلكَ اليوم والكفارة أما وجوب القضاء فقول جمهور العلماء) ((المبسوط)) (3/ 66). وقال الكمال ابن الهمام: (فعليه القضاء استدراكا للمصلحة الفائتة والكفارة) ((فتح القدير)) (2/ 336). (¬9) ((المدونة الكبرى)) (1/ 284، 285)، ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342). (¬10) قال النووي: (يجب على المكفر مع الكفارة قضاء اليوم الذي جامع فيه هذا هو المشهور من مذهبنا) ((المجموع)) (6/ 344). (¬11) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 325). (¬12) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 98)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 327). (¬13) ((المدونة)) (1/ 268، 285) و ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 433). (¬14) ((المجموع للنووي)) (6/ 331). (¬15) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 27)، ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 57)، ((كشاف القناع للبهوتي) (2/ 325).

من جامع ناسياً، فصومه صحيح ولا يلزمه شيء، ذهب إلى ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وهو قول طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، وابن القيم (¬5)، والصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7). الأدلة: أولا: من السنة: 1 - ما ورد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ((من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)). (¬8) وجه الدلالة: أن الفطر هنا أعم من أن يكون بأكل أو شرب فيشمل الجماع. 2 - الأحاديث الواردة في الكفارة في الجماع في بعضها ((هلكت))، وفي بعضها ((احترقت احترقت))، وهذا لا يكون إلا في عامد، فإن الناسي لا إثم عليه بالإجماع. ثانيا: القياس القياس على الأكل والشرب ناسياً، فالحديث صح أن أكل الناسي لا يفطر والجماع في معناه، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر لكونهما أغلب وقوعا، ولعدم الاستغناء عنهما غالبا. الفرع الخامس: حكم من تكرر منه الجماع في يوم واحد من تكرر منه الجماع في يوم واحد يكفيه كفارة واحدة إذا لم يكفر، بلا خلافٍ بين أهل العلم (¬9)؛ وذلك لأنه أبطل صيام يوم واحد ولم يكفر فتتداخل الكفارات لأن الموجب لها واحد. - أما إذا تكرر منه الجماع في يوم واحد وكفر عن الأول فلا تلزمه كفارة ثانية، عند الجمهور: أبي حنيفة (¬10)، ومالك (¬11)، والشافعي (¬12)؛ وذلك لأنه لم يصادف صوما منعقدا، فلم يوجب شيئا، بخلاف المرة الأولى، فالجماع الثاني ورد على صوم غير صحيح، فهو لا يسمى صائما. الفرع السادس: حكم من تكرر منه الجماع في يومين فأكثر ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 61)، (فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338). (¬2) ((الأم للشافعي)) (2/ 109)، ((المجموع للنووي)) (6/ 324)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 374). (¬3) نقل ابن المنذر هذا القول عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (3/ 109). (¬4) قال ابن تيمية (والمجامع الناسي فيه ثلاثة أقوال فى مذهب أحمد وغيره، ويذكر ثلاث روايات عنه: أحدهما: لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين والثانية: عليه القضاء بلا كفارة وهو قول مالك, والثالثة: عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد, والأول أظهر) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 226). (¬5) قال ابن القيم: (وطرده أيضا أن من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيا لم يبطل صيامه ولا إحرامه) ((إعلام الموقعين)) (2/ 54). (¬6) قال الصنعاني: ( .... الحديث دليلٌ على أن من أكل أو شرب أو جامع ناسيا لصومه فإنه لا يفطره ذلك لدلالة قوله فليتم صومه على أنه صائم حقيقة). ((سبل السلام)) (2/ 160). (¬7) قال الشوكاني: (واعلم أن من فعل شيئاً من المفطرات كالجماع ناسياً فله حكم من أكل أو شرب ناسياً ولا فرق بين مفطر ومفطر) ((السيل الجرار)) (1/ 285). (¬8) رواه الحاكم (1/ 595)، والبيهقي (4/ 229) (8330). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 324): إسناده صحيح أو حسن، وقال ابن الملقن في ((شرح صحيح البخاري)) (13/ 220): له متابعة، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 87). (¬9) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة) ((التمهيد)) (7/ 181). قال ابن قدامة: (فإن كان في يوم واحد [يعني الجماع ثانيا قبل التكفير عن الأول] فكفارة واحدة تجزئه بغير خلاف بين أهل العلم) ((المغني)) (3/ 32). (¬10) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 69)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 101). (¬11) ((المدونة)) (1/ 285)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 519). (¬12) ((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((المجموع للنووي)) (6/ 336، 337).

إن تكرر منه الجماع في يومين فأكثر فتلزمه كفارة لكل يوم جامع فيه سواء كفر عن الجماع الأول أم لا، ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قولٌ لجمعٍ من السلف (¬4)؛ وذلك لأن صوم كل يوم عبادة منفردة، فإذا وجبت الكفارة بإفساده، لم تتداخل كفاراتها. الفرع السابع: حكم صوم من وطئ في الدبر من وطئ في الدبر أفطر وعليه القضاء والكفارة وإليه ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬5)، واالمالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8)، لأنه وطء؛ فأفسد صوم رمضان وأوجب الكفارة؛ ولأنه يوجب الحد كالجماع , فكذلك يفسد الصوم ويوجب الكفارة؛ ولأنه محل مشتهى, فتجب فيه الكفارة كالوطء في القبل. الفرع الثامن: حكم من جامع في قضاء رمضان عامداً من جامع في قضاء رمضان عامداً فلا كفارة عليه، وقد ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (¬9)؛ وذلك لانعدام حرمة الشهر؛ ولأن النص بوجوب الكفارة ورد فيمن جامع في نهار رمضان فلا يتعداه. ¬

(¬1) ((المدونة)) (1/ 285)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (7/ 181). (¬2) ((الأم للشافعي)) (2/ 108)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 444). (¬3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 326). (¬4) نقل ابن المنذر هذا القول عن: مالك, والليث بن سعد, والشافعي, وأبي ثور, وعطاء, ومكحول ((الإشراف)) (2/ 124). (¬5) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 73)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 338). (¬6) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 342)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 343). (¬7) ((الأم للشافعي)) (2/ 101)، ((المجموع للنووي)) (6/ 341). (¬8) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 221)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 323). (¬9) ((الإشراف لابن المنذر)) (3/ 124). قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده) ((التمهيد)) (7/ 181). قال النووي: (لو جامع في صوم غير رمضان من قضاء أو نذر أو غيرهما فلا كفارة كما سبق، وبه قال الجمهور) ((المجموع)) (6/ 345).

المبحث الثالث: بعض المسائل المعاصرة وما يفسد الصوم منها وما لا يفسده

المبحث الثالث: بعض المسائل المعاصرة وما يفسد الصوم منها وما لا يفسده • المطلب الأول: الغسيل الكلوي. • المطلب الثاني: بخَّاخ الربو. • المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان. • المطلب الرابع: غاز الأكسجين. • المطلب الخامس: الإبر العلاجية. • المطلب السادس: التحاميل (اللبوس). • المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة. • المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك.

المطلب الأول: الغسيل الكلوي

المطلب الأول: الغسيل الكلوي من أجري له غسيل كلوي بأي وسيلة كانت فإنه يفطر بذلك، وهذا قول ابن باز (¬1)، واللجنة الدائمة (¬2)؛ وذلك لأن غسيل الكلى مهما كانت صورته فإنه لا يخلو من دخول المفطر، فهو يزود الجسم بالدم النقي, وقد يزود بمادة غذائية أخرى, فاجتمع مفطران تزويد الجسم بالدم النقي، وتزويده بالمواد المغذية. ¬

(¬1) سُئِلَ ابن باز: ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم، هل يلزمه القضاء أم لا؟ فأجاب: (يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 274 - 275). (¬2) وذلك بتوقيع كل من ابن باز، وعبد الرزاق عفيفي، وعبد الله بن غديان ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (10/ 189).

المطلب الثاني: بخاخ الربو

المطلب الثاني: بخَّاخ الربو استعمال بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وقد رجح ذلك ابن باز (¬1)، وابن عثيمين (¬2)، وغيرهما، وذهب إليه أكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (سنة 1997م) (¬3) وذلك للآتي: - أن الرذاذ الذي ينفثه بخاخ الربو عبارة عن هواء، حدوده الرئتان ومهمته توسيع شرايينها وشعبها الهوائية التي تضيق بالربو وهذا الرذاذ الأصل أنه لا يصل إلى المعدة، فليس أكلاً ولا شرباً ولا هو في معناهما. - ولأنه لو دخل شيء من بخاخ الربو إلى المريء ومن ثم إلى المعدة فهو قليل جداً، فالعبوة الصغيرة تشتمل على 10 مليلتر من الدواء السائل وهذه الكمية وضعت لمائتي بخة فالبخة الواحدة تستغرق نصف عشر مليلتر وهذا شيء يسير جدًّا. - ولأنه لما أبيح للصائم المضمضة والاستنشاق مع بقاء شيء من أثر الماء يدخل المعدة مع بلع الريق فكذلك لا يضر الداخل إلى المعدة من بخاخ الربو قياساً على المتبقي من المضمضة. - وبالقياس على استعمال السواك، فقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري معلقاً، ووصله عبد الرزاق عن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي))، فإذا كان قد عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته. - كما أن دخول شيءٍ إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيًّا، بل مشكوك فيه، أي قد يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصيام وهو اليقين، فلا يزول بالشك. ¬

(¬1) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 265). (¬2) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 209، 210). (¬3) ثبت كامل لأعمال ندوة رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة المنعقدة في الدار البيضاء (ص 639) ((من مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية)).

المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان

المطلب الثالث: الأقراص التي توضع تحت اللسان الفرع الأول: التعريف بالأقراص التي توضع تحت اللسان هي أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهي تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزماته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص. الفرع الثاني: حكم الأقراص التي توضع تحت اللسان تناول هذه الأقراص لا يفسد الصوم بشرط ألا يبتلع شيئاً مما يتحلل منها، وهذا ما ذهب إليه ابن باز (¬1)، وقرره مجمع الفقه الإسلامي بالإجماع (¬2). وذلك للآتي: - أنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما. - ولأنه لا يدخل منها شيء إلى الجوف إنما تقوم الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان بامتصاص المادة الدوائية، وقد أجمع أهل العلم على عدم الفطر بما نفذ من المسام (¬3)، ولا فرق بين أن تكون المسام خارج الفم أو داخله. - كما أن الأصل صحة الصيام ولا يحكم بفساده إلا بيقين. ¬

(¬1) سُئل ابن باز عن استعمال الحبة تحت اللسان لأمراض القلب حيث إن المريض يستطيع أن يصوم بنصيحة الطبيب ولكن ربما قبل الافطار بدقائق يحصل له آلام في القلب فيأخذ الحبة تحت اللسان لتريحه من الألم. فأجاب: (الحبة تحت اللسان تفطر لأنه يذهب طعمها للحلق عمدا (((الفتاوى الشرعية على المشكل من المسائل الطبية) (ص 54 - 55). (¬2) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)). (¬3) ((الذخيرة)) للقرافي (2/ 505).

المطلب الرابع: غاز الأكسجين

المطلب الرابع: غاز الأكسجين استعمال غاز الأكسجين في التنفس لا يفسد الصيام، وذهب إلى ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة (¬1)؛ وذلك لأنه مجرد غاز يدخل إلى الجهاز التنفسي ولا يقول أحد إن تنفس الهواء أو استنشاقه يفسد الصوم. ولأنه لا يحتوي على أي مواد مغذية أو غيرها ولا ينال المعدة من سيولته شيء. ¬

(¬1) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... 9.غاز الأكسجين) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).

المطلب الخامس: الإبر العلاجية

المطلب الخامس: الإبر العلاجية الفرع الأول: الإبرة العلاجية غير المغذية استعمال الحقنة غير المغذية لا يفسد الصوم سواء كانت الحقنة في العضل أو الوريد أو تحت الجلد، وقد ذهب إلى ذلك ابن باز (¬1)، وابن عثيمين (¬2)، وغيرهما، وهو من قرارات المجمع الفقهي (¬3)، وفتاوى اللجنة الدائمة (¬4)، وفتاوى قطاع الإفتاء بالكويت (¬5). وذلك للآتي: - أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده. - ولأن هذه الإبرة ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، وعلى هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل والشرب. الفرع الثاني: الإبرة الوريدية المغذية استعمال الحقن الوريدية المغذية يفسد الصيام، وهو قول ابن باز (¬6) وابن عثيمين (¬7)، وهو من قرارات المجمع الفقهي (¬8)، وفتاوى اللجنة الدائمة (¬9)؛ وذلك لأن الإبر المغذية في معنى الأكل والشرب، فإن المتناول لها يستغني بها عن الأكل والشرب. ¬

(¬1) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 258). (¬2) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 213). (¬3) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)). (¬4) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى)) (10/ 252). (¬5) ((مجموعة الفتاوى الشرعية الصادرة عن قطاع الإفتاء والبحوث بالكويت)) (1/ 244، 245). (¬6) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 258). (¬7) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (19/ 191). (¬8) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)). (¬9) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (10/ 252).

المطلب السادس: التحاميل (اللبوس)

المطلب السادس: التحاميل (اللبوس) استعمال التحاميل (اللبوس) في نهار رمضان لا يفسد الصوم، وهو مقتضى مذهب أهل الظاهر (¬1)، وجماعة من المالكية (¬2)، وإليه ذهب ابن عثيمين (¬3)، وأكثر المجتمعين في الندوة الفقهية الطبية التاسعة التابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت (¬4). وذلك للآتي: - أنها ليست أكلاً، ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حرم علينا الأكل والشرب ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب. - ولأن التحاميل تحتوي على مادة دوائية، وليس فيها سوائل نافذة إلى الجوف، وقدرة الأمعاء على امتصاصها ضعيفة جدا. ¬

(¬1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203). (¬2) ((الذخيرة)) (2/ 505)، ((مواهب الجليل)) (3/ 346). (¬3) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 205). (¬4) ثبت كامل لأعمال ندوة رؤية إسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة المنعقدة في الدار البيضاء 1/ 639.

المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة

المطلب السابع: إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة إذا أدخل الصائم في إحليله مائعاً أو دهناً فإنه لا يفطر، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3) ولا يفطر كذلك إدخال القثطرة، أو المنظار، أو إدخال دواء، أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (¬4) وذلك للآتي: - أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ فقد ظهر من خلال علم التشريح عدم وجود علاقة مطلقاً بين مسالك البول والجهاز الهضمي، وأن الجسم لا يمكن أن يتغذى مطلقاً بما يدخل إلى مسالك البول. - كما أن الأصل صحة الصيام. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، جاء في ((الفتاوى الهندية)) مانصه: (وإذا أقطر في إحليله لا يفسد صومه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى كذا في المحيط سواء أقطر فيه الماء أو الدهن وهذا الاختلاف فيما إذا وصل المثانة وأما إذا لم يصل بأن كان في قصبة الذكر بعد لا يفطر بالإجماع كذا في التبيين، وفي الإقطار في أقبال النساء يفسد بلا خلاف) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 204). (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 533). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 19)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 217). (¬4) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... ما يدخل الإحليل أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).

المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك

المطلب الثامن: التقطير في فرج المرأة والتحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة وغير ذلك التقطير في فرج المرأة غير مفسد للصيام، وكذلك التحاميل المهبلية وضخ صبغة الأشعة, وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (¬1) فقد أثبت الطب الحديث أنه لا منفذ بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين الجهاز الهضمي. ¬

(¬1) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... 3. ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).

الفصل الثاني: ما يكره للصائم وما يباح له

الفصل الثاني: ما يكره للصائم وما يباح له • المبحث الأول: ما يكره للصائم. • المبحث الثاني: ما يباح للصائم.

المبحث الأول: ما يكره للصائم

المبحث الأول: ما يكره للصائم • المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق. • المطلب الثاني: الوصال. • المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة. • المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك.

المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق

المطلب الأول: المبالغة في المضمضة والاستنشاق تكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم (¬1) (¬2)، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬3). الدليل: عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: ((قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)) (¬4). ¬

(¬1) قال ابن عثيمين: (المبالغة في المضمضة: أن تحرك الماء بقوة وتجعله يصل كل الفم، والمبالغة في الاستنشاق: أن يجذبه بنفس قوي) ((الشرح الممتع)) (1/ 171). (¬2) وذلك لأنها قد تؤدي إلى ابتلاع الماء ونزوله من الأنف إلى المعدة. قال ابن قدامة: (معنى المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا، وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا) ((المغني)) (1/ 74). (¬3) قال ابن قدامة: (معنى المبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا، وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا) ((المغني)) (1/ 74). (¬4) رواه أحمد (4/ 32) (16427)، وأبو داود (2366)، والترمذي (788)، والنسائي (1/ 66)، وابن ماجه (333)، وابن حبان (3/ 368) (1087)، والحاكم (1/ 248). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: له شاهد، وصححه ابن قدامة في ((المغني)) (4/ 356)، والنووي في ((شرح صحيح مسلم)) (3/ 105) وابن القطان قي ((الوهم والإيهام)) (5/ 592) وابن حجر في ((الإصابة)) (3/ 329) وغيرهم.

المطلب الثاني: الوصال

المطلب الثاني: الوصال يكره الوصال (¬1) في الصوم عند أكثر أهل العلم (¬2)، وهو مذهب الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة (¬5)، ووجه عند الشافعية (¬6)،. الدليل: عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تواصلوا فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني)). أخرجه البخاري (¬7) فالنهي في الحديث محمولٌ على الكراهة؛ لأن النهي وقع رفقاً ورحمة وشفقة على الأمة كيلا يشق عليهم، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) الوصال هو أن يواصل الصائم بين يومين فلا يأكل بينهما شيئاً. (¬2) قال ابن قدامة: (وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 55). وقال القرطبي: (وعلى كراهية الوصال جمهور العلماء) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 329). (¬3) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 350). (¬4) ((الشرح الكبير للدردير)) (2/ 213). (¬5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 247). (¬6) اختلف الشافعية في كراهة الوصال هل هي كراهة تحريم أم كراهة تنزيه؟ قال النووي: (أما حكم الوصال فهو مكروه بلا خلاف عندنا، وهل هي كراهة تحريم أم تنزيه فيه وجهان اللذان ذكرهما المصنف وهما مشهوران ودليلهما في الكتاب أصحهما عند أصحابنا وهو ظاهر نص الشافعي كراهة تحريم) ((المجموع)) (6/ 374)، وانظر: ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 471). (¬7) رواه البخاري (1963).

المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة

المطلب الثالث: ذوق الطعام بغير حاجة يكره ذوق الطعام بغير حاجة (¬1)، وهذا مذهب جمهور أهل العلم: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). وذلك لأنه ربما ينزل شيء من هذا الطعام إلى جوفه من غير أن يشعر به، فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعريض لفساد الصوم، وأيضاً ربما يكون مشتهياً للطعام كثيراً، فيتذوقه لأجل أن يتلذذ به، وربما يمتصه بقوة، ثم ينزل إلى جوفه (¬6). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (وذوق الطعام يكره لغير حاجة؛ لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266 - 267). (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 106). (¬3) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 369). (¬5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 231). (¬6) قال ابن عثيمين أيضا: (لا يبطل الصوم ذوق الطعام إذا لم يبتلعه، ولكن لا تفعله إلا إذا دعت الحاجة إليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 357).

المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك

المطلب الرابع: القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك تكره القبلة والملامسة وما شابههما لمن تتحرك شهوته عند ذلك، ويخشى على نفسه من الوقوع في الحرام، سواء بالجماع في نهار رمضان، أو بالإنزال (¬1)، وهو مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) (¬6). الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخص له. وأتاه آخر فسأله، فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب)) (¬7). فالشاب أكثر عرضةً من الشيخ لأن يفسد صومه، بسبب قوة شهوته. 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم (¬8). قولها: ((أملككم لإربه)) يعني: أملك لنفسه ولشهوته. ¬

(¬1) قال ابن باز: (تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 315). (¬2) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 324). (¬3) ((المدونة الكبرى)) (1/ 268)، ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 346). (¬4) على اختلاف بينهم، هل هي كراهة تحريم أم تنزيه ((المجموع للنووي)) (6/ 370). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 20). (¬6) قال ابن عبدالبر: (وممن كره القبلة للصائم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير) ((التمهيد)) (5/ 110). (¬7) رواه أبو داود (2387)، والبيهقي (4/ 231) (8339). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 354): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 327) كما قال في المقدمة، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح. (¬8) رواه مسلم (1106).

المبحث الثاني: ما يباح للصائم

المطلب الأول: تأخير الجنب والحائض إذا طهرت الاغتسال إلى طلوع الفجر الفرع الأول: تأخير الجنب الاغتسال إلى طلوع الفجر يباح للجنب أن يؤخر الاغتسال من الجنابة إلى طلوع الفجر. الأدلة: أولا: من السنة: عن عائشة وأم سلمة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ثانيا: الإجماع: انعقد الإجماع على ذلك وممن نقله الماوردي (¬2)، وابن العربي (¬3)، وابن قدامة (¬4)، وابن حجر (¬5) الفرع الثاني: تأخير الحائض الاغتسال إلى طلوع الفجر يباح للحائض إذا طهرت أن تؤخر الاغتسال من الحيض إلى طلوع الفجر (¬6)، وهذا قول عامة أهل العلم (¬7). الدليل: القياس: قياساً على الجنب إذا أخر اغتساله إلى طلوع الفجر. ¬

(¬1) رواه البخاري (1925، 1926)، ومسلم (1109). (¬2) قال الماوردي: (أما من يصبح جنباً من احتلام، حكم صيامه فهو على صومه إجماعاً، وكذلك لو احتلم نهارا حكم صيامه كان على صومه باتفاق العلماء، فأما من أصبح جنباً من جماع كان في الليل حكم صيامه، فعند جماعة الفقهاء أنه على صومه يغتسل ويجزئه) ((الحاوي الكبير)) (3/ 414). (¬3) قال ابن العربي: (إذا جوزنا له الوطء قبل الفجر ففي ذلك دليل على جواز طلوع الفجر عليه، وهو جنب; وذلك جائز إجماعاً; وقد كان وقع فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلام، ثم استقر الأمر على أنه من أصبح جنباً فإن صومه صحيح) ((أحكام القرآن)) (1/ 134). (¬4) قال ابن قدامة: (أن الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح ثم يغتسل ويتم صومه في قول عامة أهل العلم منهم علي وابن مسعود وزيد وأبو الدرداء وأبو ذر وابن عمر وابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال مالك والشافعي في أهل الحجاز وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق والأوزاعي في أهل الشام والليث في أهل مصر وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث وداد في أهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لا صوم له ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه، قال سعيد بن المسيب: رجع أبو هريرة عن فتياه. وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله قالا: يتم صومه ويقضي. وعن النخعي في رواية يقضي في الفرض دون التطوع. وعن عروة وطاوس إن علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر وإن لم يعلم فهو صائم) ((المغني)) (3/ 78). (¬5) قال ابن حجر: (فقد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يحرم عليه بل يتم صومه إجماعاً، فكذلك إذا احتلم ليلاً بل هو من باب الأولى) ((فتح الباري)) (4/ 148). (¬6) وذلك لأنه حدثٌ يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة و ..... من طهرت من الحيض ليست حائضاً، وإنما عليها حدث موجب للغسل فهي كالجنب، فإن الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض. (¬7) قال ابن قدامة: (الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل كالحكم في الجنب سواء ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر لأنه إن وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم ويشترط أن تنوي الصوم أيضاً من الليل بعد انقطاعه لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، وقال الأوزاعي والحسن بن حي وعبد الملك ابن الماجشون والعنبري: تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط لأن حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة) ((المغني)) (3/ 36).

المطلب الثاني: المضمضة والاستنشاق

المطلب الثاني: المضمضة والاستنشاق يباح للصائم المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة (¬1)، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على ذلك (¬2). ¬

(¬1) وذلك لأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه، كالأنف والعين. (¬2) قال ابن تيمية: (أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم، لكن قال للقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فنهاه عن المبالغة؛ لا عن الاستنشاق) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266).

المطلب الثالث: اغتسال الصائم وتبرده بالماء

المطلب الثالث: اغتسال الصائم وتبرده بالماء لا بأس أن يغتسل الصائمُ أو يصب الماءَ على رأسه من الحر أو العطش، وذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: ((نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). 2 - عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر)) (¬6). ¬

(¬1) ((الهداية شرح البداية للميرغيناني)) (1/ 123). (¬2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 271) ((والتاج والإكليل)) (2/ 426). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 461)، ((المجموع للنووي)) (6/ 361). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 36). (¬5) رواه البخاري (1931، 1932)، ومسلم (1109). (¬6) رواه أحمد (4/ 63) (16653)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 420) (1032) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 196) (3029). قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (22/ 47): صحيح، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/ 210): رجال إسناده رجال الصحيح، وصححه ابن عثيمين في ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (20/ 294).

المطلب الرابع: ذوق الطعام عند الحاجة

المطلب الرابع: ذوق الطعام عند الحاجة يباح للصائم ذوق الطعام عند الحاجة أو المصلحة كمعرفة استواء الطعام أو مقدار ملوحته أو عند شرائه لاختباره بشرط أن يمجه بعد ذلك أو يغسل فمه، أو يدلك لسانه (¬1)، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). الدليل: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا بأس أن يتطعم القدر، أو الشيء)) (¬5). ¬

(¬1) وذلك لعدم الفطر صورة ومعنى. ولأنه لم يدخل إلى حلقه شيء فأشبه المضمضة، قال ابن تيمية: (وذوق الطعام يكره لغير حاجة؛ لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266 - 267). (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 106). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 369). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 231)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 329). (¬5) أورده البخاري في صحيحه (باب اغتسال الصائم)، معلقا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة في ((مصنفه)). (9370) بلفظ: (لا بأس أن يتطاعم الصائم من القدر)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 354) وحسن إسناده الألباني في: ((إرواء الغليل)) (4/ 86).

المطلب الخامس: القبلة والمباشرة لمن ملك نفسه

المطلب الخامس: القبلة والمباشرة لمن ملك نفسه يباح للصائم القبلة والمباشرة فيما دون الفرج بشرط أن يملك نفسه، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3)، واختيار ابن عبدالبر (¬4)، والصنعاني (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه)). أخرجه مسلم (¬7). 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: ((هششت يوما فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيم؟)) (¬8). ¬

(¬1) ((الهداية للميرغيناني)) (1/ 123). (¬2) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 362). (¬3) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 330). (¬4) قال ابن عبدالبر: (أن القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره شابا كان أو شيخا) ((التمهيد)) (5/ 109). وقال أيضاً: (وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال، وأقل ذلك المذي، ولم يختلفوا في أن من قبل وسلم من قليل ذلك وكثيره فلا شيء عليه، وممن قال بإباحة القبلة للصائم: عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وعائشة، وبه قال: عطاء، والشعبي، والحسن، وهو قول أحمد، وإسحاق، وداود) ((التمهيد)) (5/ 112). (¬5) قال الصنعاني: (وقد ظهر مما عرفت أن الإباحة أقوى الأقوال) ((سبل السلام)) (2/ 158). (¬6) قال ابن عثيمين: (وهو الذي إذا قبَّل تحركت شهوته لكن يأمن على نفسه، فالصحيح أن القبلة لا تُكْرَهُ له وأنه لا بأس بها) ((الشرح الممتع)) (6/ 427). (¬7) رواه مسلم (1106). (¬8) رواه أحمد (1/ 21) (138)، وأبو داود (2385)، والدارمي (2/ 22) (1724)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 198) (3048)، وابن حبان (8/ 313) (3544)، والحاكم (1/ 596). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 89)، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (387) - كما أشار في المقدمة-: صحيح الإسناد، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 321): إسناده صحيح على شرط مسلم.

المطلب السادس: التطيب وشم الروائح

المطلب السادس: التطيب وشم الروائح يباح للصائم التطيب وشم الروائح إذا لم تكن بخوراً أو دخاناً له جرم (¬1)، وهو قول الحنفية (¬2)، واختيار ابن تيمية (¬3)، وابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5)؛ وذلك لأنه ليس هناك دليل بمنعه يعتمد عليه. ¬

(¬1) قال ابن باز: (لا يستنشق العود، أما أنواع الطيب غير البخور فلا بأس بها، لكن العود نفسه لا يستنشقه؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن العود يفطر الصائم إذا استنشقه؛ لأنه يذهب إلى المخ والدماغ، وله سريان قوي، أما شمه من غير قصد فلا يفطره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 266). وقال ابن عثيمين: (شم الصائم للطيب لا بأس به، سواء كان دهناً أو بخوراً، لكن إذا كان بخوراً لا يستنشق دخانه، لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسم يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 223). (¬2) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 417). (¬3) قال ابن تيمية: (لما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 242). (¬4) قال ابن باز: (لا يستنشق العود، أما أنواع الطيب غير البخور فلا بأس بها، لكن العود نفسه لا يستنشقه؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن العود يفطر الصائم إذا استنشقه؛ لأنه يذهب إلى المخ والدماغ، وله سريان قوي، أما شمه من غير قصد فلا يفطره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 266). (¬5) قال ابن عثيمين: (شم الصائم للطيب لا بأس به، سواء كان دهناً أو بخوراً، لكن إذا كان بخوراً لا يستنشق دخانه، لأن الدخان له جرم ينفذ إلى الجوف، فهو جسم يدخل إلى الجوف، فيكون مفطراً كالماء وشبهه، وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (19/ 223).

المطلب السابع: استعمال السواك ومعجون الأسنان ونحوهما

المطلب السابع: استعمال السواك ومعجون الأسنان ونحوهما الفرع الأول: حكم استعمال الصائم للسواك يباح للصائم استعمال السواك في أي وقت، سواء كان قبل الزوال أو بعد الزوال، وذهب إلى ذلك الحنفية (¬1)، وجمعٌ من أهل العلم (¬2)، وهو اختيار ابن تيمية (¬3)، وابن القيم (¬4)، والشوكاني (¬5)، وابن باز (¬6)، والألباني (¬7)، وابن عثيمين (¬8) الدليل: عموم الأحاديث الواردة في استحباب السواك، ولم يخص فيها الصائم من غيره. الفرع الثاني: حكم استعمال الصائم معجونَ الأسنان يجوز أن يستعمل الصائم معجون الأسنان، لكن ينبغي الحذر من نفاذه إلى الحلق؛ وهو قول ابن باز (¬9)، وابن عثيمين (¬10)، وذهب إلى هذا مجمع الفقه الإسلامي (¬11). ¬

(¬1) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 302). (¬2) قال ابن عبدالبر: (اختلف الفقهاء في السواك للصائم فرخص فيه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وابن علية وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير ورويت الرخصة فيه عن عمر وابن عباس وليس عن واحد منهم فرق بين أول النهار وآخره ولا بين السواك الرطب واليابس) ((التمهيد)) (19/ 58). (¬3) قال ابن تيمية: (وأما السواك فجائز بلا نزاع، لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد. ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 266). (¬4) قال ابن القيم: (ويُستَحب للمفطر والصائم فى كل وقت؛ لعموم الأحاديث فيه؛ ولحاجة الصائم إليه؛ ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ، ومرضاتُه مطلوبة في الصوم أشدَّ من طلبِها في الفِطر؛ ولأنه مَطْهَرَةٌ للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله) ((زاد المعاد)) (4/ 323). (¬5) قال الشوكاني: (فالحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره وهو مذهب جمهور الأئمة) ((نيل الأوطار)) (1/ 108). (¬6) قال ابن باز: (يشرع استعمال السواك للصائم في أول النهار وآخره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 261). (¬7) قال الألباني - في تعليقه على حديث ((كان يستاك آخر النهار وهو صائم)) - قال: باطل ..... ويغني عن هذا الحديث في مشروعية السواك للصائم في أي وقت شاء أول النهار أو آخره، عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (1/ 578). (¬8) قال ابن عثيمين: (وأما التسوك فهو سنة للصائم كغيره في أول النهار وآخره) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 228). (¬9) قال ابن باز: (تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260). (¬10) قال ابن عثيمين: (استعمال المعجون للصائم لا بأس به إذا لم ينزل إلى معدته، ولكن الأولى عدم استعماله، لأن له نفوذاً قويًّا قد ينفذ إلى المعدة والإنسان لا يشعر به، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقيط بن صبرة: بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً، فالأولى ألا يستعمل الصائم المعجون، والأمر واسع، فإذا أخره حتى أفطر فيكون قد توقى ما يُخشى أن يكون به فساد الصوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 354). (¬11) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/ 10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات: .... حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد العاشر)، وراجع ((موقع المجمع الإلكتروني)).

المطلب الثامن: الاكتحال

المطلب الثامن: الاكتحال يباح للصائم الاكتحال، وهو قول الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وهو اختيار ابن تيمية (¬3)، والشوكاني (¬4)، وابن عثيمين (¬5)، والألباني (¬6). وذلك لأن العين ليست منفذاً للجوف، ولو لطَّخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا اكتحل في عينه، فالعين ليست منفذاً. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 331). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 348). (¬3) قال ابن تيمية: (وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 233 - 234). (¬4) قال الشوكاني - بعد أن نقل أن الجمهور على جواز الاكتحال للصائم -: (والظاهر ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن البراءة الأصلية لا تنتقل عنها إلا بدليل وليس في الباب ما يصلح للنقل) ((نيل الأوطار)) (4/ 205 - 206). (¬5) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206). (¬6) قال الألباني: (ومنه يتبين أن الصواب أن الكحل لا يفطر الصائم، فهو بالنسبة إليه كالسواك يجوز أن يتعاطاه في أي وقت شاء) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (3/ 80).

المطلب التاسع: استعمال قطرة العين

المطلب التاسع: استعمال قطرة العين يباح للصائم استعمال قطرة العين، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وهو اختيار ابن عثيمين (¬3)، وابن باز (¬4). وذلك للآتي: - أن جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جداً، وإذا ثبت ذلك فإنه يعفى عنه، فهو أقل من القدر المعفو عنه مما يبقى من المضمضة. - ولأن هذه القطرة تُمْتَصُّ جميعها أثناء مرورها في القناة الدمعية ولا تصل إلى البلعوم، وعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فيشعر المريض بطعمها، كما قرر ذلك بعض الأطباء. - كما أن القطرة في العين لم ينص على كونها من المفطرات وليست بمعنى المنصوص عليه، ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذاً فكذلك إذا قطر في عينه، فالعين ليست منفذاً للأكل والشرب. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 63)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 93). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 348) (6/ 320). (¬3) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206). (¬4) قال ابن باز: (وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260 - 261).

المطلب العاشر: استعمال قطرة الأذن

المطلب العاشر: استعمال قطرة الأذن يباح للصائم استعمال قطرة الأذن، واختاره ابن حزم (¬1)، وابن عثيمين (¬2)، وابن باز (¬3)؛ لأن الأذن ليست منفذاً للطعام والشراب. ¬

(¬1) ((المحلى لابن حزم)) (6/ 203). (¬2) قال ابن عثيمين: (وأما قطرة العين ومثلها أيضاً الاكتحال وكذلك القطرة في الأذن فإنها لا تفطر الصائم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 206). (¬3) قال ابن باز: (وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 260 - 261).

الباب الخامس: ما يستحب صومه وما يكره وما يحرم

الباب الخامس: ما يُستحبُّ صومه وما يكره وما يحرم • الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم التطوع). • الفصل الثاني: ما يكره صومه. • الفصل الثالث: ما يحرم صومه.

الفصل الأول: ما يستحب صومه (صوم التطوع)

الفصل الأول: ما يُستحبُّ صومه (صوم التطوع) • المبحث الأول: تعريف التطوع. • المبحث الثاني: فضل صوم التطوع. • المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع. • المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع.

المبحث الأول: تعريف التطوع

المبحث الأول: تعريف التطوع التطوع لغةً: التبرع. (¬1) التطوع اصطلاحاً: التقرُّبُ إلى الله تعالى بما ليس بفرضٍ من العبادات. (¬2) ¬

(¬1) ((أنيس الفقهاء للقونوي)) (ص 33). (¬2) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 445).

المبحث الثاني: فضل صوم التطوع

المبحث الثاني: فضل صوم التطوع 1. عن سهل رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). 2. عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152) واللفظ له. (¬2) رواه مسلم (1153).

المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع

المبحث الثالث: أحكام النية في صوم التطوع • المطلب الأول: وقت النية. • المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع. • المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع.

المطلب الأول: وقت النية

المطلب الأول: وقت النية لا يشترط تبييت النية في صوم التطوع، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم (¬4). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الصيام في نهار اليوم، ولم يبيِّت النية من الليل. 2 - ما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومنهم أبو الدرداء، فعن أم الدرداء قالت: ((كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائمٌ يومي هذا)) (¬5). وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله تعالى عنهم (¬6). ¬

(¬1) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 237)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 79). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 292). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 29)، ((الفروع لابن مفلح)) (4/ 457). (¬4) رواه مسلم (1154). (¬5) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1924)، ووصله البيهقي (4/ 204) (8173). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/ 144 - 145). (¬6) رواها عنهم البخاري بصيغة التعليق قبل حديث (1924)، ووصلها البيهقي (4/ 204) (8171) (8172) (8173) (8174)، وعبدالرزاق (4/ 273) (7778)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 56). وانظر: ((تغليق التعليق لابن حجر)) (3/ 145 - 147).

المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع

المطلب الثاني: آخر وقت نية التطوع يجوز أن ينوي أثناء النهار، سواء قبل الزوال أو بعده، إذا لم يتناول شيئاً من المفطرات بعد الفجر (¬1)، وهذا مذهب الحنابلة (¬2)، وقولٌ عند الشافعية (¬3)، وقول طائفة من السلف (¬4) واختاره ابن تيمية (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم (¬7). 2 - عن الرُّبَيِّع بنت مُعوِّذ قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم)) ... الحديث (¬8). 3 - أنه قول معاذ وابن مسعود وحذيفة، ولم يُنقَل عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم ما يخالفه صراحة (¬9). ¬

(¬1) وذلك أنه لما كان الليل محلاً للنية في صوم الفريضة، واستوى حكم جميعه، ثم كان النهار محلاً للنية في صوم التطوع، وجب أن يستوي حكم جميعه. وكذلك فإن النية وجدت في جزءٍ من النهار، فأشبه ما لو وُجِدَت قبل الزوال بلحظة. (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 10)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 211). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 406)، ((المجموع للنووي)) (6/ 292). (¬4) قال ابن عبدالبر: (وهو قول الثوري وإبراهيم والحسن بن صالح) ((الاستذكار)) (10/ 35). (¬5) قال ابن تيمية: (والأظهر صحته - أي الصوم بنية التطوع بعد الزوال - كما نقل عن الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 120). (¬6) ((الشرح الممتع)) (6/ 358 - 359)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 185 - 186). (¬7) رواه مسلم (1154). (¬8) رواه البخاري (1960) واللفظ له، ورواه مسلم (1136). (¬9) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 317).

المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع

المطلب الثالث: تعيين النية في صوم التطوع لا يُشترَط في نية صوم التطوع تعيين يومٍ معين، فيصح صوم التطوع بمطلق النية، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم)). أخرجه مسلم (¬5). ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 83)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 119). (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 336). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 295). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 26)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 293). (¬5) رواه مسلم (1154).

المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع

المبحث الرابع: أنواع صوم التطوع • المطلب الأول: صوم التطوع المطلق. • المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد.

المطلب الأول: صوم التطوع المطلق

المطلب الأول: صوم التطوع المطلق يستحب صوم التطوع المطلق، ما عدا الأيام التي ثبت تحريم صيامها. الدليل: عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ¬

(¬1) رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153) واللفظ له.

المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد

المطلب الثاني: صوم التطوع المقيد الفرع الأول: صوم ستة أيامٍ من شوال يسن صوم ستة أيامٍ من شوال بعد صوم رمضان، وهو قول الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2) وداود (¬3)، وإليه صار عامة متأخري الحنفية (¬4)، (¬5). الأدلة: 1. عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر)). أخرجه مسلم (¬6). 2. عن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام سنة)) (¬7). الفرع الثاني: الأيام الثمانية الأول من ذي الحجة يستحب صوم الأيام الثمانية الأول من شهر ذي الحجة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، والظاهرية (¬12)، وقد صرح المالكية (¬13)، والشافعية (¬14) بأنه يسن صوم هذه الأيام الثمانية للحاج أيضًا. الأدلة: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬15). وجه الدلالة: اندراج الصوم في العمل الصالح الذي يُستحَبُّ في هذه الأيام. الفرع الثالث: صوم يوم عرفة لغير الحاج يستحب لغير الحاج صوم يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬16)، والمالكية (¬17)، والشافعية (¬18)، والحنابلة (¬19)، والظاهرية (¬20). الدليل: عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده (¬21))). أخرجه مسلم (¬22). ¬

(¬1) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 475)، ((المجموع للنووي)) (6/ 379). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 112)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337). (¬3) انظر ((المجموع للنووي)) (6/ 379). (¬4) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 332)، ((الفتاوى الهندية)) (2/ 257). (¬5) قال ابن قدامة: (وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحبٌّ عند كثيرٍ من أهل العلم، روي ذلك عن كعب الأحبار, والشعبي, وميمون بن مهران) ((المغني)) (3/ 56). (¬6) رواه مسلم (1164). (¬7) رواه أحمد (5/ 280) (22465)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 162) (2860)، والدارمي (2/ 34) (1755)، والبيهقي (4/ 293) (8216). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3851). (¬8) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 201). (¬9) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 515،516). (¬10) ((المجموع للنووي)) (6/ 386). (¬11) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338). (¬12) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 19). (¬13) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312). (¬14) ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 446). (¬15) رواه البخاري (969) بلفظ: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه)). قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)). ورواه أحمد (1/ 346) (3228)، وأبو داود (2438)، والترمذي (757)، وابن ماجه (1414)، وابن حبان (2/ 30) (324). (¬16) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 350). (¬17) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 91). (¬18) ((المجموع للنووي)) (6/ 380)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 446). (¬19) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 57)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 88). (¬20) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 17). (¬21) قال النووي: (قالوا: والمراد بها الصغائر) ((شرح مسلم)) (8/ 51). (¬22) رواه مسلم (1162).

الفرع الرابع: صوم شهر الله المحرم يستحب صوم شهر الله المحرم، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن أبى هريرة رضي الله عنه يرفعه، قال: ((سئل - أي النبيُّ صلى الله عليه وسلم - أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل. وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم)). أخرجه مسلم (¬5). الفرع الخامس: صوم يوم عاشوراء وصيام يومٍ قبله يستحب صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويستحب معه صيام يومٍ قبله، وهو اليوم التاسع من شهر الله المحرم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). الأدلة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10). 2 - عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). أخرجه مسلم (¬11). 3 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)). أخرجه مسلم (¬12). الفرع السادس: صوم أكثر شهر شعبان يسن صوم أكثر شهر شعبان، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية (¬13)، والمالكية (¬14)، والشافعية (¬15)، وطائفة من الحنابلة (¬16). الأدلة: 1. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان)). أخرجه البخاري ومسلم (¬17). ¬

(¬1) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 201). (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 319)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 516). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 386)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 345)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338). (¬5) رواه مسلم (1163). (¬6) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص246)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 375). (¬7) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 317)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 405 - 406). (¬8) ((المجموع للنووي)) (6/ 383)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 446). (¬9) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 344)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 338). (¬10) رواه البخاري (2004)، ومسلم (1130) واللفظ له. (¬11) رواه مسلم (1162). (¬12) رواه مسلم (1134). (¬13) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 115)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 350). (¬14) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 320)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 241 - 242). (¬15) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 478)، ((المجموع للنووي)) (6/ 386). (¬16) ((الفروع لابن مفلح)) (3/ 88)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 347). (¬17) رواه البخاري (1969)، ومسلم (782) بعد (1156).

2. عن أبي سلمة قال: ((سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائماً من شهرٍ قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً (¬1))). أخرجه مسلم (¬2). الفرع السابع: صوم الاثنين والخميس يستحب صوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا بإجماع المذاهب الفقهية: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، والظاهرية (¬7). الأدلة: 1. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إن أعمال العباد تُعرض يوم الاثنين والخميس، وأحب أن يُعرَضَ عملي وأنا صائم)) (¬8). 2. عن أبي قتادة رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل علي)). أخرجه مسلم (¬9). الفرع الثامن: صوم ثلاثة أيام من كل شهر يستحب صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وعلى هذا عامة أهل العلم (¬10)، واتفقت عليه كلمة المذاهب الفقهية: الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14)، والظاهرية (¬15). الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬16) 2 - عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام؟ قالت: نعم. فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)). أخرجه مسلم (¬17) 3 - عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، صيام الدهر وإفطاره)) (¬18) ¬

(¬1) قال النووي: (وقول عائشة رضي الله عنها: كان يصوم شعبان كله، كان يصومه إلا قليلاً. الثاني تفسير للأول وبيان أن قولها كله أي غالبه). ((شرح مسلم)) (8/ 37). (¬2) رواه مسلم (1156). (¬3) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 376). (¬4) ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 350)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 318). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 386)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 446). (¬6) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 84)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337). (¬7) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 17). (¬8) رواه أحمد (5/ 200) (21792)، وأبو داود (2436). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)). (¬9) رواه مسلم (1162). (¬10) قال ابن قدامة: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب لا نعلم فيه خلافاً) ((الشرح الكبير)) (3/ 94). (¬11) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 303)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص 425). (¬12) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 414)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517). (¬13) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447). (¬14) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 59)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337). (¬15) ((المحلى)) (7/ 17). (¬16) رواه البخاري (1178)، ومسلم (721). (¬17) رواه مسلم (1160). (¬18) رواه أحمد (3/ 436) (15632)، والدارمي (2/ 31) (1747) بلفظ: ((صيام البيض)) بدلاً من ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر))، وابن حبان (8/ 413) (3653)، والطبراني (19/ 26) (53) بنحوه، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 134). وقال: إسناده صحيح، وقال الهيثمي (3/ 199): رجال أحمد رجال الصحيح، وصححه العيني في ((عمدة القاري)) (11/ 137)، وصحح إسناده السفاريني في ((شرح ثلاثيات المسند)) (1/ 611).

الفرع التاسع: استحباب صيام أيام البِيض استحب جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وجماعةٌ من المالكية (¬4) أن يكون صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر في الأيام البِيض (¬5). واستشهدوا بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أوصاه بصيام أيام البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر (¬6). وروي عن موسى الهذلي قال: ((سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال: كان عمر يصومهن)) (¬7). الفرع العاشر: صوم يوم وإفطار يوم يستحب صيام يومٍ وإفطار يومٍ، وهو أفضل صيام التطوع، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أن التطوع بصيام يومٍ وإفطار يومٍ حسن على ألا يُصام يومُ الشك ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان ولا يوم الجمعة ولا أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر، ولا يومي العيدين (¬8). الأدلة: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9). وجه الدلالة: الحديث يدل على أن صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى اللَّه تعالى من غيره، وإن كان أكثر منه وما كان أحب إلى اللَّه جل جلاله، فهو أفضل، والاشتغال به أولى. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (11/ 417)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79). (¬2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 475)، ((المجموع للنووي)) (6/ 385). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 59)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 337). (¬4) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 129)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 414)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 517). (¬5) وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي؛ وسميت هذه الأيام بذلك لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها لآخرها لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها. انظر ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447) و ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 93). ويصح أن تقول (أيام البيض) أو (الأيام البيض) انظر: ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 226). (¬6) اختلف أهل العلم في تصحيح الأحاديث الواردة في صيام أيام البِيض وتحديدها بالثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وبوب الإمام البخاري في صحيحه، فقال في كتاب الصوم: باب صيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، ثم أورد فيه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية (10/ 404): (الأفضل لمن أراد صيام ثلاثة أيام من الشهر أن يصوم أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة غيرها فلا بأس ... لأنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة وأبا الدرداء بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يحدد أيام البيض). (¬7) أخرجه الحارث في مسنده كما في ((المطالب العالية)) (6/ 208) , و ((بغية الباحث للهيثمي)) (1/ 219) , وابن جرير كما في ((تهذيب الآثار)) (2/ 856)، والحديث قال عنه النيسابوري كما في ((شرح ابن ماجه لمغلطاي)) (1/ 647): هذا حديث تام حسن، وقال ابن حجر في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/ 107): رجاله ثقات. (¬8) ((مراتب الإجماع)) (ص 40 - 41)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). (¬9) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159).

2 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). الفرع الحادي عشر: صوم يوم وإفطار يومين يستحب صوم يومٍ وإفطار يومين. الأدلة: 1 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). 2 - عن أبي قتادة قال: ((قال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذاك صوم داود، قال: فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طُوِّقتُ ذلك)). أخرجه مسلم (¬3). الفرع الثاني عشر: صوم يومٍ أو يومين أو ثلاثةٍ أو أربعةٍ من كل الشهر يستحب صوم يومٍ من كل شهرٍ أو يومين أو ثلاثة أو أربعة. الدليل: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن الصوم فقال: صم يوما من كل شهر ولك أجر ما بقي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك فقال: صم يومين من كل شهر ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي))، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب الصيام، صوم داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما)). أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159). (¬2) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159). (¬3) رواه مسلم (1162). (¬4) رواه مسلم (1159).

الفصل الثاني: ما يكره صومه

الفصل الثاني: ما يكره صومه • المبحث الأول: صوم الدهر. • المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج. • المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم. • المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم. • المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم.

المبحث الأول: صوم الدهر

المبحث الأول: صوم الدهر المطلب الأول: تعريف الدهر لغةً: الدهر لغة: هو الزمان، ويُجمع على دهور، ويقال للدهر أبد. (¬1) المطلب الثاني: تعريف صوم الدهر اصطلاحاً: صوم الدهر: هو سرد الصوم في جميع الأيام. المطلب الثالث: حكم صوم الدهر يكره صوم الدهر (¬2)، وهو مذهب الحنفية (¬3)، وقولٌ عند المالكية (¬4)، وقولٌ عند الشافعية (¬5) وقولٌ لبعض الحنابلة (¬6)، وهو اختيار الشوكاني (¬7). الأدلة: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، فقلت: نعم، قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8). ¬

(¬1) ((أنيس الفقهاء للقونوي)) (ص 18). (¬2) وذلك لأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات وعن الكسب الذي لا بد منه؛ ولأنه يصير العبادة عادةً وطبعاً، ومبنى العبادة على مخالفة العادة. (¬3) ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 350)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79). (¬4) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 78)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 532). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 389)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 210). (¬6) قال ابن قدامة: (والذي يقوى عندي, أن صوم الدهر مكروه, وإن لم يصم هذه الأيام - أي يومي العيدين وأيام التشريق - فإن صامها قد فعل محرما, وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة, والضعف, وشبه التبتل المنهي عنه) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 53)، وانظر ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 242). (¬7) قال الشوكاني: (ويكره صوم الدهر) ((الدراري المضية)) (2/ 178). (¬8) رواه البخاري (1979)، ومسلم (1159).

المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج

المبحث الثاني: صوم يوم عرفة للحاج لا يستحب صوم يوم عرفة للحاج (¬1)، وهو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنهما ((أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقفٌ على بعيره بعرفة، فشرب)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وجه الدلالة: أن شربه صلى الله عليه وسلم اللبن أمام الناس في الموقف، دليلٌ على استحباب فطر هذا اليوم للحاج؛ وليتقوى على أداء مناسك الحج. 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم)) (¬6). ¬

(¬1) وذلك لأن الصوم في هذا اليوم يضعف الحاج عن الوقوف والدعاء؛ وقيل لأنهم أضياف الله وزواره. (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 312)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 91). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 380)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 446). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 88)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 340). (¬5) رواه البخاري (1658)، ومسلم (1123). (¬6) رواه أحمد (2/ 73) (5420)، والترمذي (751)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 155) (2827)، وابن حبان (8/ 369) (3604). قال الترمذي: حسن، وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند عمر)) (1/ 355)، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (3/ 522)، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): إسناده صحيح.

المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم

المبحث الثالث: إفراد يوم الجمعة بالصوم يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق ذلك صومًا، مثل من يصوم يومًا ويفطر يومًا فيوافق صومه يوم الجمعة، وذهب إلى ذلك الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وبعض الحنفية (¬3)، (¬4)، واختاره ابن القيم (¬5)، والشوكاني (¬6)، والشنقيطي (¬7) الأدلة: 1 - عن محمد بن عباد قال: ((سألت جابرًا رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9) 3 - عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري)). أخرجه البخاري (¬10) 4 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تختصوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيامٍ من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم)). أخرجه مسلم (¬11) ¬

(¬1) ((المجموع للنووي)) (6/ 436)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 52)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 103). (¬3) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص426). (¬4) نقل ابن المنذر هذا القول عن أبي هريرة, والزهري, وإسحاق ((الإشراف)) (3/ 153). (¬5) ((إعلام الموقعين)) (3/ 174). (¬6) ((الدراري المضية)) (2/ 178). (¬7) ((أضواء البيان)) (7/ 365). (¬8) رواه البخاري (1984)، ومسلم (1143). (¬9) رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144). (¬10) رواه البخاري (1986). (¬11) رواه مسلم (1144).

المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم

المبحث الرابع: إفراد يوم السبت بالصوم إفراد يوم السبت بالصوم تطوعاً من غير أن يكون عادةً، ولا مقروناً بيومٍ قبله أو بعده، اختلف فيه أهل العلم على أقوال، منها: القول الأول: يكره إفراد يوم السبت بالصوم (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الدليل: عن عبد الله بن بُسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْتُرِضَ عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنبٍ، أو لحاء شجرةٍ فليمصه)) (¬6). القول الثاني: يجوز صوم يوم السبت مطلقاً سواء كان مفرداً أم مقروناً بغيره، وقد نصر هذا القول ابن تيمية (¬7)، واختاره ابن حجر (¬8). الدليل: بقاء إباحة التطوع على أصلها، إذ لم يصح في النهي عن إفراد يوم السبت بالصوم حديثٌ يعتمد عليه (¬9). ¬

(¬1) وذلك لأن في إفراده بالصوم تعظيماً له فيحصل التشبه باليهود. (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 79)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص 436). (¬3) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 78). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 439)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 105)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 347). (¬6) رواه أحمد (4/ 189) (17726)، وابن ماجه (1413)، والدارمي (2/ 32) (1749)، وابن حبان (8/ 379) (3615). (¬7) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 378)، وانظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 71 – 79). (¬8) قال ابن حجر: (الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيِّداً بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة، كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معاً وفرادى امتثالاً لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب) ((فتح الباري)) (10/ 362). (¬9) حديث النهي عن صيام يوم السبت وإن أخذ به عامة فقهاء المذاهب الأربعة، إلا أنه قد أنكره كثيرٌ من الحفاظ المتقدمين سنداً ومتناً، كمالك والأوزاعي وأحمد وأبي حاتم والترمذي، وحكم أبو داود عليه بالنسخ، ونصر ابن تيمية ضعفه وأنه شاذٌّ أو منسوخ.

المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم

المبحث الخامس: تخصيص شهر رجب بالصوم يكره تخصيص شهر رجب بالصوم (¬1)، وقد نص على ذلك فقهاء المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو اختيار الشوكاني (¬4). الدليل: عن خرشة بن الحر قال: ((رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان ويقول: كلوا فإنما هو شهرٌ كان يعظمه أهل الجاهلية)) (¬5). كما أنه لم تثبت فضيلة تخصيصه بالصيام، ولا صيام أيامٍ منه، بل صيامه كباقي الشهور، فمن كان له عادة بصيامٍ فهو على عادته، ومن لم يكن له عادة فلا وجه لتخصيص صومه، ولا صوم أوله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصوم. ¬

(¬1) وذلك لأن فيه إحياءً لشعار الجاهلية بتعظيمه. (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 324)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 516). (¬3) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 98)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 340). (¬4) قال الشوكاني: (لم يرد في رجب على الخصوص سنةٌ صحيحةٌ ولا حسنةٌ ولا ضعيفةٌ ضعفاً خفيفاً، بل جميع ما روي فيه على الخصوص إما موضوعٌ مكذوبٌ أو ضعيفٌ شديد الضعف، وغاية ما يصلح للتمسك به في استحباب صومه ما ورد في حديث الرجل الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((صم أشهر الحرم)). ورجب من الأشهر الحرم بلا خلاف، وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ولكنه لا يدل على شهر رجب على الخصوص) ((السيل الجرار)) (ص 297). (¬5) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7/ 327) (7636)، وابن أبي شيبة (3/ 102). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 194): فيه الحسن بن جبلة ولم أجد من ذكره وبقية رجاله ثقات، وصحح إسناده الألباني في ((النصيحة)) (211).

الفصل الثالث: ما يحرم صومه

المبحث الأول: صوم يومي العيدين يحرم صوم يومي العيدين: الفطر والأضحى. الأدلة: أولا: من السنة: 1 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: ((شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). 2 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). ثانيا: الإجماع: نقل الإجماع على تحريم صوم يومي العيدين ابن حزم (¬3)، والنووي (¬4)، وابن قدامة (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري (1990)، ومسلم (1137). (¬2) رواه البخاري (1991)، ومسلم (827). (¬3) ((مراتب الإجماع)) (ص40). (¬4) ((المجموع)) (6/ 440). (¬5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن صوم يومي العيدين منهي عنه محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة) ((المغني)) (3/ 51).

المبحث الثاني: أيام التشريق

المبحث الثاني: أيام التشريق المطلب الأول: المراد بأيام التشريق أيام التشريق هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة. المطلب الثاني: حكم صوم أيام التشريق: يحرم صوم أيام التشريق (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6)، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على ذلك (¬7). واستثنى المالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، والشافعي في القديم (¬10): الحاج الذي لم يجد دم متعة أو قران؛ فإنه يجوز له صومها (¬11). الأدلة: 1 - عن أبى المليح عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب)). أخرجه مسلم (¬12). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي)). أخرجه البخاري (¬13). ¬

(¬1) قال ابن قدامة: (ولا يحل صيامها – أي: أيام التشريق - تطوعاً في قول أكثر أهل العلم) ((المغني)) (3/ 51). (¬2) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 313)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 277). (¬3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 346)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/ 127). (¬4) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 433). (¬5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 109)، ((المغني لابن قدامة)) (3/ 51) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 248). (¬6) ((المحلى لابن حزم)) (7/ 28). (¬7) قال ابن عبدالبر: (وأما صيام أيام التشريق فلا خلاف بين فقهاء الأمصار فيما علمت أنه لا يجوز لأحد صومها تطوعاً) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/ 127). (¬8) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 346)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (12/ 127). (¬9) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 51) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 248). (¬10) ((المجموع للنووي)) (6/ 441، 445). (¬11) قال النووي: (وقال ابن عمر وعائشة والأوزاعي ومالك واحمد وإسحق في رواية عنه يجوز للمتمتع صومها) ((المجموع للنووي)) (6/ 445). (¬12) رواه مسلم (1141). (¬13) رواه البخاري (1998).

المبحث الثالث: صوم يوم الشك

المبحث الثالث: صوم يوم الشك • المطلب الأول: تعريف يوم الشك. • المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك.

المطلب الأول: تعريف يوم الشك

المطلب الأول: تعريف يوم الشك يوم الشك: هو اليوم الثلاثون من شعبان، إذا لم تثبت فيه الرؤية ثبوتاً شرعيًّا (¬1). ¬

(¬1) انظر ((المجموع للنووي)) (6/ 420) و ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (45/ 314).

المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك

المطلب الثاني: حكم صوم يوم الشك لا يجوز صوم يوم الشك خوفاً أن يكون من رمضان أو احتياطاً، وذهب إلى التحريم المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، واختاره ابن المنذر (¬3)، وابن حزم (¬4)، والصنعاني (¬5). الأدلة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)). أخرجه مسلم (¬6). 2 - عن صلة بن زفر: ((قال كنا عند عمار بن ياسر فأتى بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم فقال: إني صائم فقال عمار: من صام اليوم الذي يشك به الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)) (¬7). 3 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8). وجه الدلالة: قوله: ((أكملوا العدة ثلاثين)) أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً، حرم صوم يوم الشك. ¬

(¬1) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 348)، ((التمهيد لابن عبدالبر)) (2/ 39)، ((مواهب الجليل)) (2/ 394). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 399)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 447). (¬3) قال ابن المنذر: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتعجل شهر رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فيأتي ذلك على صومه) ((الإشراف)) (3/ 111). (¬4) قال ابن حزم: (ولا يجوز صوم يوم الشك الذي من آخر شعبان, ولا صيام اليوم الذي قبل يوم الشك المذكور إلا من صادف يوماً كان يصومه فيصومهما حينئذ للوجه الذي كان يصومهما له لا لأنه يوم شك، ولا خوفاً من أن يكون من رمضان) ((المحلى)) (7/ 23). (¬5) قال الصنعاني: (يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليلة بغيم ساتر أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان، والحديث وما في معناه يدل على تحريم صومه، وإليه ذهب الشافعي واختلف الصحابة في ذلك منهم من قال بجواز صومه، ومنهم من منع منه وعده عصيانا لأبي القاسم، والأدلة مع المحرمين) ((سبل السلام)) (2/ 151). (¬6) رواه مسلم (1082). (¬7) رواه البخاري معلقاً قبل حديث (1906)، ورواه موصولاً أبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه (1342)، والدارمي (2/ 5) (1682)، وابن حبان (8/ 351) (3585)، والحاكم (1/ 585)، وانظر: ((تغليق التعليق)) (3/ 139). (¬8) رواه البخاري (1907)، ومسلم (1080).

المبحث الرابع: صوم المرأة نفلا بدون إذن زوجها

المبحث الرابع: صوم المرأة نفلاً بدون إذن زوجها المطلب الأول: حكم صوم المرأة نفلاً بدون إذن زوجها لا يجوز للمرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضرٌ إلا بإذنه، وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). وخص المالكية الحرمة بما إذا كان الزوج محتاجاً إلى امرأته (¬5). وخصَّ الشافعية الحرمة بما يتكرر صومه (¬6)، أما ما لا يتكرر صومه كعرفة وعاشوراء وستة من شوال فلها صومها بغير إذنه، إلا إن منعها. الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7). المطلب الثاني: حكم تفطير الزوج لامرأته التي صامت نفلاً بغير إذنه إذا صامت الزوجة تطوعاً بغير إذن زوجها، فله أن يفطرها، وهو قول الحنفية (¬8)، والشافعية (¬9)، والمالكية، إلا أن المالكية خصُّوا جواز تفطيرها بالجماع فقط (¬10)، أما بالأكل والشرب فليس له ذلك؛ لأن احتياجه إليها والموجب إلى تفطيرها إنما هو من جهة الوطء، وهو قول الحنابلة (¬11)؛ وذلك لأن حقه واجبٌ، وهو مقدَّمٌ على التطوع. ¬

(¬1) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 376). (¬2) قال مالك في المرأة تصوم من غير أن تستأذن زوجها، قال: (ذلك يختلف من الرجال من يحتاج إلى أهله، وتعلم المرأة أن ذلك شأنه فلا أحب لها أن تصوم إلا أن تستأذنه، ومنهن من تعلم أنه لا حاجة له فيها فلا بأس بأن تصوم) ((المدونة الكبرى)) (1/ 279)، وانظر ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 265). (¬3) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). ولو صامت المرأة بغير إذن زوجها صح مع الإثم عند الشافعية، قال النووي: (لو صامت بغير إذن زوجها صح باتفاق أصحابنا وإن كان الصوم حراماً؛ لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة) ((المجموع شرح المهذب)) (6/ 392). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 208). (¬5) انظر ((المدونة الكبرى)) (1/ 279) و ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 265). (¬6) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 212). (¬7) رواه البخاري (5195)، ومسلم (1026). (¬8) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 332). (¬9) ((نهاية المحتاج للرملي)) (5/ 348). (¬10) ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 265). (¬11) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 135).

الباب السادس: أحكام عامة في القضاء

الباب السادس: أحكام عامة في القضاء • الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء. • الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت. • الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه إتمامه. • الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر.

الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء

الفصل الأول: التتابع والتراخي في القضاء • المبحث الأول: التتابع في القضاء. • المبحث الثاني: التراخي في القضاء.

المبحث الأول: التتابع في القضاء

المبحث الأول: التتابع في القضاء لا يجب التتابع في قضاء رمضان (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وعليه أكثر أهل العلم (¬6). الدليل: عموم قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]. وجه الدلالة: أن الله تعالى أطلق القضاء ولم يقيده. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا بأس أن يفرق)). أخرجه البخاري معلقاً (¬7). ¬

(¬1) وذلك لأنه صومٌ لا يتعلق بزمانٍ بعينه، فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق. (¬2) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 307)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص425). (¬3) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 147) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523). (¬4) ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 371)، ((نهاية المحتاج للرملي)) (3/ 187). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 43)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 61). (¬6) قال ابن قدامة: (وهو قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن محيريز وأبي قلابة ومجاهد وأهل المدينة والحسن وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق) ((المغني)) (3/ 43). (¬7) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1950)، ووصله ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (3/ 186 - 187).

المبحث الثاني: التراخي في القضاء

المطلب الأول: حكم تأخير قضاء رمضان إلى ما قبل دخول رمضان آخر يجوز قضاء الصوم على التراخي في أي وقتٍ من السَّنَة، بشرط أن لا يأتي رمضان آخر، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة (¬1): الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الدليل: عن أبي سلمة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). لكن المسارعة إلى القضاء أولى؛ لقوله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [آل عمران:133]؛ وقوله سبحانه: أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:61]. ¬

(¬1) قال ابن حجر: (ظاهر صنيع البخاري يقتضي جواز التراخي والتفريق لما أودعه في الترجمة من الآثار كعادته، وهو قول الجمهور) ((فتح الباري)) (4/ 189). (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 104)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 355). (¬3) ((أحكام القرآن لابن العربي)) (1/ 147). (¬4) قال النووي: (إذا لزمه قضاء رمضان أو بعضه، فإن كان فواته بعذر كحيض ونفاس ومرض وإغماء وسفر ومن نسي النية أو أكل معتقدا أنه ليل فبان نهاراً أو المرضع والحامل فقضاؤه على التراخي بلا خلاف ما لم يبلغ به رمضان المستقبل) ((المجموع للنووي)) (6/ 365). (¬5) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 334). (¬6) رواه البخاري (1950)، ومسلم (1146).

المطلب الثاني: تأخير قضاء رمضان بغير عذر حتى دخول رمضان آخر

المطلب الثاني: تأخير قضاء رمضان بغير عذرٍ حتى دخول رمضان آخر من أخَّر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين: القول الأول: يلزمه القضاء مع الفدية، وهي إطعام مسكينٍ عن كل يوم، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن باز (¬4). وذلك لِمَا أفتى به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنه قال في رجل مرض في رمضان، ثم صح فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال: يصوم الذي أدركه ويطعم عن الأول لكل يوم مدًّا من حنطة لكل مسكين فإذا فرغ من هذا صام الذي فرط فيه)) (¬5). كما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا: (أطعم عن كل يوم مسكيناً)). ولم يُرْوَ عن غيرهم من الصحابة خلافه (¬6). القول الثاني: لا يلزمه إلا القضاء فقط، وهذا مذهب الحنفية (¬7)، وهو اختيار ابن حزم (¬8)، والشوكاني (¬9)، وابن عثيمين (¬10)، (¬11). الدليل: عموم قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:184] فالله سبحانه وتعالى قد قال: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وعمومه يشمل ما قضاه قبل رمضان الثاني أو بعده، ولم يذكر الله تعالى الإطعام؛ ولذا فلا يجب عليه إلا القضاء فقط. ¬

(¬1) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (7/ 162)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص 84). (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 364). (¬3) قال ابن قدامة: (وبهذا قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق) ((المغني)) (3/ 40)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 333). (¬4) قال ابن باز: (ومن أخرت القضاء إلى ما بعد رمضان آخر لغير عذر شرعي، فعليها التوبة إلى الله من ذلك مع القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 182). (¬5) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 421) وقال: إسناده صحيح موقوف. (¬6) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 40). (¬7) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 104) و ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 307). (¬8) قال ابن حزم: (ومن كانت عليه أيامٌ من رمضان فأخر قضاءها عمداً, أو لعذر, أو لنسيانٍ حتى جاء رمضان آخر، فإنه يصوم رمضان الذي ورد عليه كما أمره الله تعالى، فإذا أفطر في أول شوال قضى الأيام التي كانت عليه، ولا مزيد, ولا إطعام عليه في ذلك، وكذلك لو أخرها عدة سنين، ولا فرق إلا أنه قد أساء في تأخيرها عمداً سواء أخرها إلى رمضان أو مقدار ما كان يمكنه قضاؤها من الأيام) ((المحلى)) (6/ 260). (¬9) قال الشوكاني: (وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم شيء ... وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها، ولا دليل هاهنا، فالظاهر عدم الوجوب) ((نيل الأوطار)) (4/ 235). (¬10) قال ابن عثيمين: (إذا ترك الإنسان قضاء رمضان إلى رمضان الثاني بلا عذرٍ فهو آثمٌ، وعليه أن يقضي ما فاته ولا إطعام عليه على القول الصحيح) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 385). (¬11) نقل ابن المنذر هذا القول عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي. ((الإشراف)) (3/ 147, 148).

المطلب الثالث: حكم صيام التطوع قبل قضاء صيام الفرض

المطلب الثالث: حكم صيام التطوع قبل قضاء صيام الفرض يجوز أن يصوم المرء تطوعاً قبل قضاء ما عليه إن كان الوقت متسعاً، وهذا قول الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو روايةٌ عن أحمد (¬4)، وهو اختيار ابن باز (¬5)؛ وابن عثيمين (¬6)، وعبر بعض هؤلاء بالجواز مع الكراهة؛ وذلك لأنَّ وقت القضاء موسَّعٌ وليس مضيقًا. ¬

(¬1) قال ابن عابدين: (ولو كان الوجوب على الفور لكره؛ لأنه يكون تأخيراً للواجب عن وقته الضيق) ((حاشية رد المحتار لابن عابدين)) (2/ 423). (¬2) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 518). (¬3) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 445). (¬4) قال ابن قدامة: (وروي عن أحمد أنه يجوز له التطوع لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع) ((المغني)) (3/ 40 - 41). (¬5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (10/ 399). (¬6) قال ابن عثيمين: (الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء) ((الشرح الممتع)) (6/ 466).

الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت

الفصل الثاني: قضاء الصيام عن الميت • المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر. • المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر.

المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر

المبحث الأول: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لعذر من كان عليه صومٌ واجبٌ، ولم يتمكَّن من القضاء لعذرٍ حتى مات، فلا شيء عليه، ولا يجب الإطعام عنه، وهذا قول أكثر أهل العلم (¬1)؛ وذلك لأنه حقٌّ لله تعالى، وجب بالشرع، وقد مات من وجب عليه قبل إمكان فعله، فسقط إلى غير بدلٍ كالحج. ¬

(¬1) قال النووي: (فرع: في مذاهب العلماء فيمن مات وعليه صوم فاته بمرض أو سفر أو غيرهما من الأعذار ولم يتمكن من قضائه حتى مات: ذكرنا أن مذهبنا أنه لا شيء عليه ولا يصام عنه ولا يطعم عنه بلا خلاف عندنا وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور، قال العبدري: وهو قول العلماء كافة إلا طاوساً وقتادة فقالا: يجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين لأنه عاجز فأشبه الشيخ الهرم) ((المجموع)) (6/ 372).

المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر

المبحث الثاني: قضاء الصيام عن الميت الذي أخره لغير عذر من مات وعليه صومٌ واجبٌ سواء كان عن نذرٍ أو كفارةٍ أو عن صوم رمضان، وقد تمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات، فلوليه أن يصوم عنه، فإن لم يفعل أطعم عنه لكل يوم مسكيناً، وهذا قول الشافعي في القديم (¬1)، واختاره النووي (¬2)، وابن باز (¬3)، وابن عثيمين (¬4). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وهذا خبر بمعنى الأمر، لكنه ليس للوجوب (¬6). و (صيام) هنا نكرة غير مقيدة بصيام معين. والولي الذي يقضي عنه الصوم هو الوارث؛ لقوله تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75]. 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنه كان على أمها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى)). أخرجه مسلم (¬7). ¬

(¬1) ((المجموع للنووي)) (6/ 369)، قال الشربيني: (وفي القديم يصوم عنه وليه أي يجوز له الصوم عنه بل يندب له ويجوز له الإطعام) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 439). (¬2) قال النووي: (الصواب الجزم بجواز صوم الولي سواء صوم رمضان والنذر وغيره من الصوم الواجب) ((المجموع للنووي)) (6/ 370). (¬3) قال ابن باز: (يشرع لأوليائهما- وهم الأقرباء- القضاء عنهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) متفق على صحته، فإن لم يتيسر من يصوم عنهما، أطعم عنهما من تركتهما عن كل يوم مسكين نصف صاع، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقدير ومن لم يكن له تركة يمكن الإطعام منها فلا شيء عليه؛ لقول الله عز وجل: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، وقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 367 - 368). وقال ابن باز أيضا: ( ... فهذا الحديث والذي قبله وما جاء في معناهما، كلها تدل أن الصوم يقضى عن الميت، سواء كان نذرا أو صوم رمضان أو صوم كفارة في أصح أقوال أهل العلم، وإن لم يتيسر القضاء أطعم عن كل يوم مسكين، هذا كله إذا كان الذي عليه الصيام قصر في القضاء وتساهل، أما إذا كان معذوراً بمرض أو نحوه من الأعذار الشرعية، فلا إطعام ولا صيام على الورثة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 372). (¬4) قال ابن عثيمين: (يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا: أطعم عن كل يوم مسكيناً قياساً على صوم الفريضة). ((الشرح الممتع)) (6/ 450). وقال أيضاً: (إذا كان رجل قد أفطر في رمضان لسفر أو لمرض ثم عافاه الله من المرض ولم يصم القضاء الذي عليه ثم مات، فإن وليه يصوم عنه، سواء كان ابنه، أو أباه، أو أمه، أو ابنته، المهم أن يكون من الورثة، وإن تبرع أحد غير الورثة فلا حرج أيضاً، وإن لم يقم أحد بالصيام عنه فإنه يطعم من تركته لكل يوم مسكيناً) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (19/ 395). وقال ابن عثيمين أيضاً: (القول الراجح أن من مات وعليه صيام فرض بأصل الشرع فإن وليه يقضيه عنه .... إلى أن قال: ... وأن العموم في حديث عائشة: ((من مات وعليه صوم)) شاملٌ لكل صور الواجب) ((الشرح الممتع)) (6/ 450 - 451). (¬5) رواه البخاري (1952)، ومسلم (1147). (¬6) قال ابن عثيمين: (فلو قال قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: صام عنه وليه. أمر فما الذي صرفه عن الوجوب؟ فالجواب: صرفه عن الوجوب قوله تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *الأنعام: 164* ولو قلنا: بوجوب قضاء الصوم عن الميت لزم من عدم قضائه أن تحمل وازرةٌ وزر أخرى، وهذا خلاف ما جاء به القرآن) ((الشرح الممتع)) (6/ 450). (¬7) رواه مسلم (1148).

الفصل الثالث: من شرع في صوم هل يلزمه إتمامه

الفصل الثالث: من شرع في صومٍ هل يلزمه إتمامه • المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل يلزمه إتمامه. • المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده.

المبحث الأول: من شرع في صوم واجب هل يلزمه إتمامه

المبحث الأول: من شرع في صومٍ واجبٍ هل يلزمه إتمامه إذا شرع الإنسان في صومٍ واجبٍ كقضاءٍ أو كفارة يمين، وما أشبه ذلك من الصيام الواجب، فإنه يلزمه إتمامه ولا يجوز له أن يقطعه إلا لعذرٍ شرعي، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 94)، ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 338). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 523)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 537). (¬3) ((المجموع للنووي)) (2/ 316)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 448). (¬4) ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (3/ 34) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 343).

المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده

المبحث الثاني: من شرع في صوم تطوعٍ هل يلزمه إتمامه، وحكم قضائه إن أفسده • المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه. • المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده.

المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه

المطلب الأول: من شرع في صوم تطوع هل يلزمه إتمامه من شرع في صوم تطوعٍ فيُستحَبُّ إتمامه ولا يلزمه، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وهو قول طائفةٍ من السلف (¬3). الأدلة: 1 - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائم، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً. فأكل)). أخرجه مسلم (¬4). 2 - عن أبي جحيفة قال: ((آخى النبي صلي الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له في الدنيا حاجة. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم. قال ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، قال: نم. فنام. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلي الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: صدق سلمان)). أخرجه البخاري (¬5). 3 - عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر)) (¬6). ¬

(¬1) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب البقاء فيهما، وأن الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤهما، وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق) ((المجموع للنووي)) (6/ 421)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 448). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 44)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 342). (¬3) نقل النووي وابن قدامة هذا القول عن ابن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود وابن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم، وكذا عن سفيان الثوري وإسحاق. ((المغني)) (3/ 44) ((المجموع للنووي)) (6/ 493). (¬4) رواه مسلم (1154). (¬5) رواه البخاري (1968). (¬6) رواه أحمد (6/ 341) (26937)، والترمذي (732) بلفظ: ((أمين نفسه)) بدلاً من ((أمير نفسه))، والطيالسي (3/ 180)، والحاكم (1/ 604)، والبيهقي (4/ 276) (8607). قال أحمد في ((شرح ثلاثيات المسند)) (2/ 35): صحيح، وقال النووي في ((المجموع)) (6/ 395): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((تحريج مشكاة المصابيح)) (2/ 350) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه العجلوني في ((كشف الخفاء)) (2/ 26)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده

المطلب الثاني: حكم قضاء صوم التطوع إن أفسده إذا أفسد الإنسان صومه النفل، فلا يجب عليه القضاء، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)؛ وهو قول طائفةٍ من السلف (¬3)، وذلك لأن القضاء يتبع المقضي عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، لكن يندب له القضاء، سواء أفسد صوم التطوع بعذرٍ أم بغير عذر. ¬

(¬1) ((المجموع للنووي)) (6/ 394)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 448). (¬2) قال ابن قدامة: (من دخل في صيام تطوع استحب له إتمامه ولم يجب فإن خرج منه فلا قضاء عليه) ((المغني)) (3/ 44)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 343). (¬3) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب البقاء فيهما – أي في صوم تطوع أو صلاة تطوع - وأنَّ الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤهما، وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق) ((المجموع للنووي)) (6/ 394).

الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر

الفصل الرابع: الإفطار في الصوم الواجب بغير عذر من أفطر بغير الجماع في صومٍ واجبٍ بغير عذرٍ عامداً مختاراً عالماً بالتحريم بأن أكل أو شرب مثلاً، فقد وجب عليه القضاء فقط، ولا كفارة عليه (¬1)، وهذا مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن المنذر (¬4)، وهو قول طائفةٍ من السلف (¬5). الدليل: قوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] وجه الدلالة: أنه قد وجب القضاء على المريض والمسافر مع أنهما أفطرا بسبب العذر المبيح للإفطار، فَلَأن يجب على غير ذي العذر أولى. أما عدم إيجاب الكفارة عليه فلأنه لم يثبت شيءٌ في إيجابها على غير المجامع في نهار رمضان. ¬

(¬1) وذلك لأن الأصل عدم الكفارة أو الفدية إلا بدليل، ولا دليل، والنص قد ورد بالكفارة في الجماع، ولا يصح قياس المفطِّرات الأخرى على الجماع؛ لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمسُّ وآكَد. (¬2) ((المجموع للنووي)) (6/ 328 - 329). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 22). (¬4) ((الإشراف)) (3/ 127). (¬5) قال ابن المنذر: (واختلفوا فيما يجب على من أكل أو شرب في نهار شهر رمضان عامداً, فقال سعيد بن جبير, والنخعي, وابن سيرين, وحماد بن أبي سليمان, والشافعي, وأحمد: عليه القضاء، وليس عليه الكفارة) ((الإشراف)) (3/ 127).

الباب السابع: قيام رمضان (التراويح)

الباب السابع: قيام رمضان (التراويح) • الفصل الأول: تعريف التراويح لغة واصطلاحاً. • الفصل الثاني: مشروعية صلاة التراويح وحكمها وفضلها. • الفصل الثالث: صفة صلاة التراويح.

الفصل الأول: تعريف التراويح لغة واصطلاحا

الفصل الأول: تعريف التراويح لغة واصطلاحاً أولا: تعريف التراويح لغة: التراويح لغةً: جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، وروَّحت بالقوم ترويحاً: صليت بهم التراويح. وسُمِّيت بذلك لأن الناس كانوا يطيلون القيام فيها والركوع والسجود، فإذا صلوا أربعاً استراحوا، ثم استأنفوا الصلاة أربعاً، ثم استراحوا، ثم صلوا ثلاثاً (¬1) ثانياً: تعريف التراويح اصطلاحاً: التراويح اصطلاحاً: هي قيام شهر رمضان (¬2) ¬

(¬1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: روح)، ((المصباح المنير للفيومي)) (1/ 244)، ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (4/ 10). قال الكمال بن الهمام: (التراويح جمع ترويحة، أي: ترويحة للنفس أي: استراحة؛ سميت نفس الأربع بها لاستلزامها شرعاً ترويحة أي استراحة) ((فتح القدير)) (1/ 466 - 467). (¬2) قال ابن قدامة: (وقيام شهر رمضان عشرون ركعة يعني: صلاة التراويح) ((المغني)) (1/ 455). وقال النووي: (والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح) ((شرح مسلم)) (6/ 39). وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/ 318)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 209).

الفصل الثاني: مشروعية صلاة التراويح وحكمها وفضلها

الفصل الثاني: مشروعية صلاة التراويح وحكمها وفضلها • المبحث الأول: مشروعية صلاة التراويح. • المبحث الثاني: حكم صلاة التراويح. • المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد. • المبحث الرابع: حكم صلاة التراويح في المسجد للنساء. • المبحث الخامس: فضل صلاة التراويح.

المبحث الأول: مشروعية صلاة التراويح

المبحث الأول: مشروعية صلاة التراويح أجمعت الأمة على مشروعية صلاة التراويح، ولم ينكرها أحد من أهل العلم (¬1)، وظاهر المنقول أنها شرعت في آخر سني الهجرة. الدليل: عن عائشة رضي الله تعالى عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2). فهذا يُشعِر أنَّ صلاة التراويح لم تُشرَع إلا في آخر سنيِّ الهجرة؛ لأنه لم يرد أنه صلاها مرة ثانية ولا وقع عنها سؤال. ¬

(¬1) قال السرخسي: (والأمة أجمعت على شرعيتها وجوازها ولم ينكرها أحد من أهل العلم إلا الروافض لا بارك الله فيهم) ((المبسوط)) (2/ 131). (¬2) رواه البخاري (924)، ومسلم (761).

المبحث الثاني: حكم صلاة التراويح

المبحث الثاني: حكم صلاة التراويح صلاة التراويح سنة مؤكدة. الأدلة: 1 - قال أبو هريرة رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). 2 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرَض عليكم. قال: وذلك في رمضان)). أخرجه البخاري ومسلم (¬2) 3 - وحكى الإجماع على سنيتها النووي (¬3)، والصنعاني (¬4) (¬5) ¬

(¬1) رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له. (¬2) رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له. (¬3) قال النووي: (فصلاة التراويح سنة بإجماع العلماء) ((المجموع)) (4/ 37). (¬4) ((سبل السلام)) (2/ 11). (¬5) قال شيخي زاده: (التراويح ... سنة مؤكدة للرجال والنساء جميعاً بإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة، منكرها مبتدع ضال مردود الشهادة) ((مجمع الأنهر)) (1/ 202).

المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد

المبحث الثالث: حكم صلاة التراويح في المسجد السنة في التراويح أن تُؤدَّى جماعةً في المساجد (¬1)، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)). قال: وذلك في رمضان. أخرجه البخاري ومسلم (¬6) وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة التراويح بالجماعة، ولم يمنعه من الاستمرار بالجماعة إلا تخوفه أن تُفرَض على الأمة، ومعنى ذلك أن فعلها جماعة سنة. 2 - عن عبدالرحمن بن عبدٍ القارئ قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر رضي الله عنه: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم إلى أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. فقال عمر: نعم البدعة (¬7) هذه، والتي ينامون عنها أفضل. يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله)). أخرجه البخاري (¬8) ¬

(¬1) وذلك لأن صلاة التراويح من الشعائر الظاهرة فأشبهت صلاة العيد. (¬2) ((المبسوط للسرخسي)) (2/ 132)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 288). قال الكاساني: (ثم اختلف المشايخ في كيفية سنة الجماعة والمسجد، أنها سنة عين أم سنة كفاية؟ قال بعضهم أنها سنةٌ على سبيل الكفاية إذا قام بها بعض أهل المسجد في المسجد بجماعة سقط عن الباقين، ولو ترك أهل المسجد كلهم إقامتها في المسجد بجماعة فقد أساءوا وأثموا. ومن صلاها في بيته وحده أو بجماعة لا يكون له ثواب سنة التراويح لتركه ثواب سنة الجماعة والمسجد). (¬3) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 728)، ((حاشية العدوي)) (1/ 580). والمالكية وإن نصوا على أنه يسن فعلها في المسجد إلا أن فعلها في البيت عندهم أفضل لمن قويت نيته ونشط لذلك ولم تعطل المساجد. (¬4) ((المجموع للنووي)) (4/ 7)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 226). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 456)، ((الفروع لابن مفلح)) (2/ 373). (¬6) رواه البخاري (1129)، ومسلم (761) واللفظ له. (¬7) قال ابن عبدالبر: (وأما قول عمر: نعمت البدعة، في لسان العرب: اختراعُ ما لم يكن وابتداؤُهُ، فما كان من ذلك في الدين خلافا للسنة التي مضى عليها العمل فتلك بدعةٌ لا خير فيها وواجبٌ ذمٌّها، والنهي عنها، والأمر باجتنابها، وهجران مبتدعها، إذا تبين له سوء مذهبه. وما كان من بدعةٍ لا تخالف أصل الشريعة والسنة فتلك نعمت البدعة - كما قال عمر - لأن أصل ما فعله سنة) ((الاستذكار)) (5/ 153). (¬8) رواه البخاري (2010).

المبحث الرابع: حكم صلاة التراويح في المسجد للنساء

المبحث الرابع: حكم صلاة التراويح في المسجد للنساء الأفضل للمرأة أن تصلي قيام رمضان في بيتها (¬1)، إلا إذا خشيت التفريط في القيام أو ضياعه، أو كانت صلاتها في المسجد أخشع لها وأنشط، فصلاتها في المسجد حينئذٍ أفضل (¬2)، ¬

(¬1) (([1171] قال في ((مجمع الأنهر)): (ولا يحضرن الجماعات في كل الصلاة نهاريةً أو ليليةً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((صلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في صحن دارها، وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في مسجدها، وبيوتهن خير لهن))؛ ولأنه لا تُؤمَن الفتنة من خروجهن إلا العجوز في الفجر والمغرب والعشاء وكذا العيدين) ((مجمع الأنهر لشيخي زاده)) (1/ 164) وجاء في ((مواهب الجليل للرعيني)): ( .. وخرَّج أبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)) , وهذا يقتضي أن خروجهن إليها جائزٌ وتركه أحب على ما قاله مالك في المختصر) ((مواهب الجليل للرعيني)) (2/ 451) وقال النووي: (جماعة النساء في البيوت أفضل من حضورهن المساجد .... قال أصحابنا وصلاتها فيما كان من بيتها أستر، أفضل لها) ((المجموع)) (4/ 198) وقال ابن مفلح: (وبيت المرأة خيرٌ لها، وأطلقه الأصحاب رحمهم الله) ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/ 452) وقال الجصاص: (فلما كانت صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، كان اعتكافها كذلك) ((أحكام القرآن للجصاص)) (1/ 303) وقال ابن حجر: (وجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل، تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة) ((فتح الباري)) (2/ 349) وقال الشنقيطي: (اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد، ولو كان المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبه تعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) خاصٌّ بالرجال، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خيرٌ لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (5/ 547) وقالت اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز: (صلاة المرأة في بيتها خيرٌ لها من صلاتها في المسجد، سواء كانت فريضةً أم نافلةً، تراويح أم غيرها) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (7/ 201). (¬2) (([1172] قال ابن عثيمين: (صلاتها في البيت أفضل، لكن إذا كانت صلاتها في المسجد أنشط لها وأخشع لها وتخشى إن صلت في البيت أن تضيع صلاتها، فقد يكون المسجد هنا أفضل؛ لأن هذه المزية تتعلق بنفس العبادة والبيت يتعلق بمكان العبادة، والمزية التي تكون في العبادة أولى بالمراعاة من المزية التي تكون في مكانها، ولكن يجب على المرأة إذا خرجت أن تخرج متسترةً غير متبرجةٍ ولا متطيبةٍ) ((اللقاء الشهري)) (اللقاء الثامن) (ص 76) ..

بشرط التزام الحجاب الشرعي، وترك الزينة والتطيُّب إلى غير ذلك من الضوابط الشرعية لخروجها (¬1). الأدلة: 1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خيرٌ لهن)) (¬2). 2 - عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: ((صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِبَ له قيام ليلة، قال: فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح - أي السحور - ثم لم يقم بقية الشهر)) (¬3) ففي قول أبي ذرٍ رضي الله عنه ((جمع أهله ونساءه))، دلالةٌ على مشروعية صلاة النساء للتراويح جماعةً في المسجد. ¬

(¬1) (([1173] قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهرٌ في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذةً من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبةً ولا متزينةً ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثيابٍ فاخرةٍ ولا مختلطةٍ بالرجال ولا شابةٍ، ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها، وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمولٌ على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوجٍ أو سيدٍ ووجدت الشروط المذكورة، فإن لم يكن لها زوجٌ ولا سيدٌ حرم المنع إذا وجدت الشروط) ((شرح مسلم)) (4/ 161 - 162) وقال ابن باز: (أما النساء فالأفضل لهن الصلاة في البيوت، وإن صلين مع الرجال في المساجد فلا بأس بشرط التحجب وعدم الطيب والتبرج والبعد عن أسباب الفتنة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 25) وقال ابن عثيمين: (ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجاتٍ بزينةٍ ولا متطيباتٍ) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 211) (¬2) رواه أحمد (7/ 232)، وأبو داود (567)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5565). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 180): لا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما، وقال النووي في ((الخلاصة)) (2/ 678): إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه ابن دقيق العيد كما في ((الاقتراح)) (91)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (7/ 234)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (567). (¬3) رواه أحمد (5/ 159) (21457)، وأبو داود (1375)، والنسائي (3/ 83)، والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/ 349)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 67) كما قاله في المقدمة، وصححه الألباني في ((سنن أبي داود)).

المبحث الخامس: فضل صلاة التراويح

المبحث الخامس: فضل صلاة التراويح أولاً: صلاة التراويح سببٌ لغفران الذنوب. الدليل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1) ثانياً: من صلى التراويح مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلةٍ كاملة. الدليل: عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف، حُسِبَ له قيام ليلة (¬2))) (¬3) ¬

(¬1) رواه البخاري (2009)، ومسلم (759) واللفظ له. (¬2) فائدتان: الفائدة الأولى: قال ابن عثيمين: (هل الإمامان في مسجدٍ واحدٍ يعتبر كلُّ واحدٍ منهم مستقلاً، أو أن كل واحدٍ منهما نائبٌ عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني، أن كل واحدٍ منهما نائبٌ عن الثاني مكملٌ له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمامٍ واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني؛ لأننا نعلم أن الثانية مكملةٌ لصلاة الأول) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 207). الفائدة الثانية: سُئِلَ ابن عثيمين: إذا كان الرجل في رمضان يصلي أول الليل في مسجد وآخر الليل في مسجد هل يكون الأجر مثله؟ فأجاب بقوله: (قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف - يعني: في قيام رمضان - كتب له قيام ليلة. فإذا صلى مع الإمام الأول ثم صلى مع الثاني لم يصدُق عليه أنه صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه جعل قيامه بين رجلين، فيقال له: إما أن تقوم مع هذا من أول الليل إلى آخره، وإما أن يفوتك الأجر) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم 176). (¬3) رواه أحمد (5/ 159) (21457)، وأبو داود (1375)، والنسائي (3/ 83)، والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/ 349)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (2/ 67) كما قاله في المقدمة، وصححه الألباني في ((سنن أبي داود)).

الفصل الثالث: صفة صلاة التراويح

الفصل الثالث: صفة صلاة التراويح • المبحث الأول: عدد ركعات صلاة التراويح. • المبحث الثاني: القراءة في صلاة التراويح. • المبحث الثالث: الدعاء في صلاة التراويح.

المبحث الأول: عدد ركعات صلاة التراويح

المبحث الأول: عدد ركعات صلاة التراويح الأفضل أن تكون إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة مع تطويلها (¬1). وذهب جمهور الفقهاء إلى أن عدد ركعاتها عشرون ركعة، ومنهم من زاد على ذلك إلى ست وثلاثين ركعة، والأمر في ذلك واسع وكله جائز (¬2)، ¬

(¬1) قال ابن عبد البر: (وأكثر الآثار على أن صلاته كانت بالوتر إحدى عشرة ركعة وقد روي ثلاث عشرة ركعة، فمنهم من قال فيها ركعتا الفجر، ومنهم من قال إنها زيادة حفظها من تقبل زيادته بما نقل منه، اولا يضرها تقصير من قصَّر، عنها وكيف كان الأمر فلا خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حدٌّ محدودٌ، وأنها نافلةٌ وفعل خيرٍ وعمل برٍّ، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر) ((التمهيد)) (21/ 69 - 70) وقال ابن تيمية: (ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان ويوتر بثلاث. فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر. واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة؛ بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، واضطرب قومٌ في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره .. ) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (23/ 112 - 114). وقال الصنعاني: (والحديث دليلٌ على فضيلة قيام رمضان، والذي يظهر أنه يحصل بصلاة الوتر إحدى عشرة ركعة كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل في رمضان وغيره كما سلف في حديث عائشة) ((سبل السلام)) (2/ 173) وقالت اللجنة الدائمة: (وأفضل الصلاة في الليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 59) وقال ابن باز: (وأصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام الإيتار بثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة, والأفضل إحدى عشرة، فإن أوتر بثلاث عشرة فهو أيضاً سنةٌّ وحسن، وهذا العدد أرفق بالناس وأعون للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قراءته، وفي ترتيل القراءة وتدبرها، وعدم العجلة في كل شيء، وإن أوتر بثلاثٍ وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة رضي الله عنهم في بعض الليالي من رمضان فلا بأس؛ فالأمر واسع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/ 322) وقال ابن عثيمين: (الصحيح في هذه المسألة: أن السنة في التراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة، يصلي عشراً شفعاً، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة. والوتر كما قال ابن القيم: هو الواحدة ليس الركعات التي قبله، فالتي قبله من صلاة الليل، والوتر هو الواحدة، وإن أوتر بثلاثٍ بعد العشر وجعلها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس؛ لأن هذا أيضا صح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة، فهذه هي السنة، ومع ذلك لو أن أحداً من الناس صلى بثلاثٍ وعشرين، أو بأكثر من ذلك فإنه لا يُنكَرُ عليه) ((الشرح الممتع)) (4/ 51) (¬2) قال ابن عبد البر: (وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيء مقدر في صلاة الليل وأنها نافلةٌ، فمن شاء أطال فيها القيام وقلت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود) ((الاستذكار)) (2/ 102) وقال ابن تيمية: (كان النبي صلى الله عليه وسلم قيامه بالليل هو وتره يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة لكن كان يصليها طوالا .. فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة يوتر بعدها ويخفف فيها القيام فكان تضعيف العدد عوضاً عن طول القيام. وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ويوتر بعدها بثلاث) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 120) وقال العراقي: ( ... فيه مشروعية الصلاة بالليل وقد اتفق العلماء على أنه ليس له حدٌّ محصور) ((طرح التثريب)) (3/ 43)

وهو اختيار ابن تيمية (¬1)، والصنعاني (¬2)، والشوكاني (¬3)، والشنقيطي (¬4)، وابن باز (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: 1 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ((أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن (¬7)، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة. يعني: بالليل)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9) 3 - عن ابن عمر ((أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10) ¬

(¬1) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (23/ 112 - 114). (¬2) قال الصنعاني: (واعلم أن من أثبت صلاة التراويح وجعلها سنة في قيام رمضان استدل بهذا الحديث على ذلك، وليس فيه دليلٌ على كيفية ما يفعلونه ولا كميته، فإنهم يصلونها جماعة عشرين يتروحون بين كل ركعتين) ((سبل السلام)) (2/ 10). (¬3) قال الشوكاني: (والحاصل أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشابهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصرُ الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة) ((نيل الأوطار)) (5/ 108). (¬4) قال الشنقيطي: (وقد خيّر صلى الله عليه وسلم بين هذه الأزمنة من الليل فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه فلا يمكن التعبد بعدد لا يصح دونه ولا يجوز تعديه) ((أضواء البيان)) (8/ 357). (¬5) قال ابن باز: (ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على التوسعة في صلاة الليل وعدم تحديد ركعات معينة، وأن السنة أن يصلي المؤمن وهكذا المؤمنة مثنى مثنى، يسلم من كل اثنتين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/ 320). (¬6) قال ابن عثيمين: (لا ينبغي لنا أن نغلو أو نفرط، فبعض الناس يغلو من حيث التزام السنة في العدد، فيقول: لا تجوز الزيادة على العدد الذي جاءت به السنة، وينكر أشد النكير على من زاد على ذلك، ويقول: إنه آثم عاصي. وهذا لا شك أنه خطأ، وكيف يكون آثماً عاصياً وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال: ((مثنى مثنى)) ولم يحدد بعدد، ومن المعلوم أن الذي سأله عن صلاة الليل لا يعلم العدد؛ لأن من لا يعلم الكيفية فجهله بالعدد من باب أولى، وهو ليس ممن خدم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقول: إنه يعلم ما يحدث داخل بيته، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بين له كيفية الصلاة دون أن يحدد له بعدد؛ علم أن الأمر في هذا واسع، وأن للإنسان أن يصلي مئة ركعة ويوتر بواحدة) ((الشرح الممتع)) (4/ 53). (¬7) معناه: هن في نهايةٍ من كمال الحسن والطول مستغنياتٍ بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف. (¬8) رواه البخاري (2013)، ومسلم (837). (¬9) رواه البخاري (1138)، ومسلم (764). (¬10) رواه البخاري (990)، ومسلم (7494).

المبحث الثاني: القراءة في صلاة التراويح

المبحث الثاني: القراءة في صلاة التراويح قراءة القرآن في صلاة التراويح مستحبةٌ باتفاق أئمة المسلمين (¬1) دون تحديدٍ لمقدار القراءة فيها، فالأمر فيه واسع؛ وذلك لأنه لم يرد ما يدل على تحديده (¬2) واستحب بعض أهل العلم للأئمة أن يُسمِعُوا المأمومين جميع القرآن في قيام رمضان إذا لم يشق على الناس (¬3) ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءةُ القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله؛ فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن وفيه كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 122 - 123). (¬2) قال الشوكاني: (وأما مقدار القراءة في كل ركعة فلم يرد به دليل) ((نيل الأوطار)) (5/ 53). وقال ابن باز: (الأمر في هذا واسع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/ 330). (¬3) قال الكاساني: (السنة أن يختم القرآن مرةً في التراويح وذلك فيما قاله أبو حنيفة وما أمر به عمر فهو من باب الفضيلة وهو أن يختم القرآن مرتين أو ثلاثا وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمام على حسب حال القوم من الرغبة والكسل فيقرأ قدر ما لا يوجب تنفير القوم عن الجماعة؛ لأن تكثير الجماعة أفضل من تطويل القراءة) ((بدائع الصنائع)) (1/ 289)، وانظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 46). وقال الدردير: (< و> ندب للإمام <الختم> لجميع القرآن <فيها> أي في التراويح في الشهر كله ليُسمِعَهم جميعه) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 315)، وانظر ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 728). وقال البهوتي: (<ويستحب أن لا ينقص عن ختمةٍ في التراويح> ليسمع الناس جميع القرآن <ولا> يستحب <أن يزيد> الإمام على ختمةٍ؛ كراهية المشقة على من خلفه) ((كشاف القناع)) (1/ 427)، وانظر ((الإنصاف للمرادوي)) (2/ 131). وانظر ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 162). وقال ابن باز: (ويمكن أن يفهم من ذلك – أي من مدارسة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مع جبريل في رمضان - أن قراءة القرآن كاملةً من الإمام على الجماعة في رمضان نوعٌ من هذه المدارسة؛ لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن؛ ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجباً لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 325 - 326).

المبحث الثالث: الدعاء في صلاة التراويح

المطلب الأول: دعاء القنوت الفرع الأول: تعريف القنوت لغة واصطلاحاً أولا: القنوت لغة: يطلق القنوت لغة على عدة معان منها: - الطاعة: ومن ذلك قوله تعالى: لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ [البقرة:116] - الصلاة: ومن ذلك قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] - طول القيام: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) (¬1). أي: طول القيام. ثانيا: القنوت اصطلاحاً: هو الدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوصٍ من القيام (¬2). الفرع الثاني: حكم القنوت والمداومة عليه المسألة الأولى: حكم القنوت في الوتر يسن القنوت في الوتر في جميع السنة، وهو مذهب الحنفية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وقول طائفة من السلف (¬5) وهو اختيار ابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الدليل: أن الأحاديث الواردة في الوتر مطلقة غير مقيدة، ومثلها حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: ((علمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت ... )) الحديث (¬8)، (¬9). وهو مطلق، ليس فيه تقييد بزمن معين، فيبقى على إطلاقه. المسألة الثانية: حكم المداومة على دعاء القنوت في كل ليلة ¬

(¬1) رواه مسلم (756). (¬2) ((فتح الباري لابن حجر)) (2/ 490). (¬3) ((المبسوطللسرخسي)) (1/ 300)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 273) (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (1/ 447). (¬5) [1200] قال ابن قدامة: (وهذا قول ابن مسعود, وإبراهيم, وإسحاق, وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن الحسن) ((المغني لابن قدامة)) (1/ 447 - 448) (¬6) [1201] قال ابن باز: (القنوت سنة في الوتر، وإذا تركه في بعض الأحيان فلا بأس) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 32) (¬7) قال ابن عثيمين: (علم – أي النبي صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي رضي الله عنه دعاء يدعو به في قنوت الوتر، فيدل على أنه سنة، لكن ليس من فعله؛ بل من قوله) ((الشرح الممتع)) (4/ 19). وقال أيضا: (القنوت في الوتر سنة، لكن الاستمرار عليه دائماً ليس من السنة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 176). (¬8) رواه أبو داود في ((سننه)) (1425)، والترمذي في ((سننه)) (464)، ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/ 39). الحديث سكت عنه أبوداود في ((سننه)) (1425) [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وقال الترمذي في ((سننه)) (464)،: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (113) [يلزمهما إخراجه] أي البخاري ومسلم، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (2/ 285): روي من طرق ثابتة وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 455): إسناده صحيح وقال: وجاء في رواية ضعيفة زيادة: (ولا يعز من عاديت) وفي رواية بإسناد صحيح أو حسن قال: (تباركت وتعاليت، وصلى الله على النبي)، وقال ابن حجر العسقلاني في ((نتائج الأفكار)) (2/ 147): حسن صحيح، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/ 140): (حديث قد صححه جماعة من الحفاظ ولا مقال فيه بما يوجب قدحا)، وصححه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/ 328)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (464). (¬9) (([1204] قال الصنعاني: (والحديث دليل على مشروعية القنوت في صلاة الوتر وهو مجمع عليه في النصف الأخير من رمضان) ((سبل السلام)) (1/ 187).

يستحب ترك المداومة على القنوت في كل ليلة، فيستحب أن يقنت أحيانا ويترك القنوت أحيانا، وهو قول الإمام أحمد (¬1)، واختيار ابن عثيمين (¬2)، والألباني (¬3). وذلك لأن الأحاديث الواردة في إيتاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي كثيرة -؛ أكثرها لا يتعرض لذكر القنوت مطلقاً (¬4). ومقتضى الجمع بينها وبين حديث أُبَيّ في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم وما في معناه أن يقال: إنه كان يقنت أحياناً، ويدع أحياناً، فلو كان يقنت دائماً؛ لما خفي ذلك على أكثر الصحابة الذين رووا إيتاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. الفرع الثالث: محل القنوت ¬

(¬1) قال المرداوي: (استحب الإمام أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم) ((الإنصاف)) (2/ 37) ولكن قال عبد الله بن الإمام أحمد: (سألت أبي عن القنوت في السنة كلها أفضل أو النصف من شهر رمضان؟ قال: لا بأس أن يقنت كل ليلة، ولا بأس إن قنت السنة كلها، وان قنت النصف من شهر رمضان فلا بأس) ((مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله)) (1/ 96) (¬2) قال ابن عثيمين: (وهذا هو الأحسن؛ أن لا تداوم على قنوت الوتر) ((الشرح الممتع)) (4/ 19) وقال أيضا: (وأما القنوت في الوتر فليس بواجب، والذي ينبغي للإنسان أن لا يداوم عليه؛ بل يقنت أحياناً، ويترك أحياناً) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 161) وقال أيضا: (ويجوز أيضاً أن يترك القنوت في الوتر، بل ذلك أولى من أجل أن يبين للناس أن القنوت ليس بواجب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 166) (¬3) ((أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني)) (3/ 970) وجاء في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للإفتاء بالسعودية: (القنوت مشروع في الوتر ولا سيما في شهر رمضان، فإن استمر فلا مانع، وإن تركه أحيانا فلا مانع، فالكل خير، ولا ينكر على من استمر ولا على من تركه أحيانا) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (58/ 88) (¬4) قال ابن القيم: (قال الخلاَّل: أخبرني محمد بن يحيى الكحال، أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر؟ فقال: ليس يُروى فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء) ((زاد المعاد)) (1/ 334 - 335) وقال ابن عبد البر: (لا يصح عن النبي عليه السلام في القنوت في الوتر حديث مسند، وأما عن الصحابة فروي ذلك عن جماعة) ((الاستذكار)) (2/ 77) وقال ابن القيم: (وقالوا – أي جمهور العلماء -: لم يكن هذا من فِعله الراتب، بل ولا يثبُت عنه أنه فعله. وغاية ما رُوي عنه في هذا القنوت، أنه علمه للحسن بن علي) ((زاد المعاد)) (1/ 283)

القنوت يكون في الركعة الأخيرة، ويجوز قبل الركوع، وبعد الركوع، وهو مروي عن أحمد بن حنبل (¬1) ووجه عند الشافعية (¬2) واختاره ابن تيمية (¬3) وابن حجر (¬4)، وابن باز (¬5) وابن عثيمين (¬6) والألباني (¬7). الأدلة: 1 - عن علقمة ((أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع)) (¬8). فالأثر صريحٌ في كون القنوت قبل الركوع ب- عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري؛ أنه قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد؛ لكان أمثل. ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون- يريد: آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً)) (¬9). وجه الدلالة: في قوله: ((ثم يكبر ويهوي ساجداً))؛ ففيه أن دعاء القنوت في الوتر كان بعد الركوع، فلو كان الدعاء بعد القراءة لكبر للركوع لا للسجود. الفرع الرابع: رفع اليدين أثناء القنوت ¬

(¬1) ((المغني لابن قدامة)) (1/ 448) وحكاه ابن المنذر في ((الإشراف)) (2/ 272) عن أنس وأيوب السختياني. (¬2) ((المجموع للنووي)) (4/ 15) (¬3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما القنوت فالناس فيه طرفان ووسط: منهم من لا يرى القنوت إلا قبل الركوع، ومنهم من لا يراه إلا بعده، وأما فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره فيجوِّزون كلا الأمرين لمجيء السنة الصحيحة بهما، وإن اختاروا القنوت بعده؛ لأنه أكثر وأقيس). ((مجموع الفتاوى)) (23/ 100). (¬4) قال ابن حجر: (ومجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح) ((فتح الباري)) (2/ 491). (¬5) قال ابن باز: (يقنت في الركعة الأخيرة بعد الركوع، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم القنوت بعد الركوع في النوازل، وجاء القنوت قبل الركوع، جاء هذا وهذا؛ فالأمر واسع، لكن الأكثر والأصح، والأفضل بعد الركوع؛ لأنه الأغلب في الأحاديث). نقلا من كتاب ((صلاة التطوع لسعيد بن وهف القحطاني)). (¬6) قال ابن عثيمين: (موضعُ القُنُوتِ مِن السُّننِ المتنوِّعةِ؛ التي يَفعلُها أحياناً هكذا، وأحياناً هكذا) ((الشرح الممتع)) (4/ 20). (¬7) ((قيام رمضان للألباني)) (ص21). (¬8) رواه ابن أبي شيبة (2/ 302). (¬9) رواه ابن خزيمة (1100) وأصله في صحيح البخاري، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر ((التلخيص الحبير)) (2/ 515)، وقال الألباني في تخريجه لصحيح ابن خزيمة: إسناده صحيح.

يستحب رفع اليدين في القنوت، وهو مذهب الحنابلة (¬1)، والصحيح عند الشافعية (¬2) (¬3)، واختاره ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5)، والألباني (¬6). الأدلة: - عن أنس رضي الله عنه - في قصة القرَّاء الذين قُتِلوا - قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم - يعني على الذين قتلوهم)) (¬7). والقنوت في الوتر من جنس القنوت في النوازل. - عن أبي رافع ((أنه صلى خلف عمر رضي الله عنه فقنت بعد الركوع ورفع يديه وجهر بالدعاء)) (¬8) (¬9). الفرع الخامس: مسح الوجه باليدين بعد القنوت ¬

(¬1) ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 418). (¬2) ((المجموع للنووي)) (3/ 500) وقال: (يستحب (أي رفع اليدين) وهذا هو الصحيح عند الأصحاب وفى الدليل). (¬3) وقد نقله ابن المنذر عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعزاه أيضا إلى أحمد وإسحاق وأصحاب الرأي. ((الإشراف)) (2/ 273) وينظر ((السنن الكبرى للبيهقي)) (2/ 211). (¬4) قال ابن باز: (يشرع رفع اليدين في قنوت الوتر؛ لأنه من جنس القنوت في النوازل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه حين دعائه في قنوت النوازل. خرجه البيهقي رحمه الله بإسناد صحيح) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 51). (¬5) قال ابن عثيمين: (من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل (1)، وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رفع اليدين في قنوت الوتر (2)، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم. فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، فكلما قنت فارفع يديك) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (14/ 136). (¬6) ((أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) (957). (¬7) رواه أحمد (3/ 137)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/ 51) (3606)، والبيهقي (2/ 211). قال النووي في ((المجموع)) (3/ 508): إسناده صحيح أو حسن. وقال ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (1/ 307): إسناده جيد. وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/ 240): إسناده جيد، وعزاه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/ 120) لأحمد بن منيع وقال: ورواته ثقات، وقال الألباني في ((أصل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)) (957): إسناده صحيح. (¬8) رواه البيهقي (2/ 212) وقال: (صحيح). وينظر ((رفع اليدين للبخاري)) وقال الألباني في (أصل صفة صلاة النبي) (3/ 958): (وقد ثبت ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب). يعني رفع اليدين. (¬9) فائدة في كيفية رفع اليدين وصفته: قال ابن عثيمين: (قال العلماء: يرفع يديه إلى صدرهِ، ولا يرفَعُها كثيراً؛ لأنَّ هذا الدُّعاءَ ليس دُعاءَ ابتهالٍ يُبالِغُ فيه الإنسانُ بالرَّفْعِ، بل دُعاءُ رَغْبَةٍ، ويبسُطُ يديْهِ وبطونَهما إلى السَّماءِ. هكذا قال أصحابُنَا رحمهم الله. وظاهر كلام أهل العلم: أنه يضمُّ اليدين بعضهما إلى بعض، كحالِ المُستجدي الذي يطلب مِن غيره أن يُعطيه شيئاً، وأمَّا التَّفْريجُ والمباعدةُ بينهما فلا أعلمُ له أصلاً؛ لا في السُّنَّةِ، ولا في كلامِ العُلماءِ) ((الشرح الممتع)) (4/ 18) وينظر ((تصحيح الدعاء لبكر أبو زيد)) (ص 115).

ولا يمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو قول مالك (¬1)، ورواية عن أحمد (¬2)، ووجه عند الشافعية (¬3)، وهو اختيار البيهقي (¬4)، والعز بن عبد السلام (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8)؛ وذلك لأنه لم يصح فيه دليلٌ تقوم به حجة، والأصل في العبادات التوقيف. الفرع السادس: ألفاظ القنوت وحكم القنوت بغير الوارد المسألة الأولى: ألفاظ قنوت الوتر ¬

(¬1) وسئل مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء فأنكر ذلك وقال: ما علمت. ((مختصر كتاب الوتر للمروزي)) اختصار المقريزي (ص152). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (1/ 449) ((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 123). (¬3) ((المجموع للنووي)) (3/ 501) وقال: (وهذا هو الصحيح (يعني ترك المسح)، صححه البيهقى والرافعي وآخرون من المحققين). (¬4) قال البيهقي (وأما في الصلاة (يعني مسح الوجه باليدين) فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت, ولا قياس, فالأولى أن لا يفعله, ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحها بالوجه في الصلاة) ((السنن الكبرى)) (2/ 212) (¬5) قال العز: (لا يمسح وجهه إلا جاهل) نقلا عن ((فيض القدير للمناوي)) (1/ 473). (¬6) قال ابن تيمية: (وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 519). (¬7) قال ابن باز: (المسح للوجه لم يرد فيه أحاديث صحيحة وإنما ورد فيه أحاديث لا تخلو من ضعف؛ فلهذا الأرجح والأصح أنه لا يمسح وجهه بيديه. وذكر بعض أهل العلم أنه لا بأس بذلك؛ لأن فيه أحاديث يشد بعضها بعضا وإن كانت ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضا فتكون من قبيل الحسن لغيره كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام في الباب الأخير. فالمقصود أن المسح ليس فيه أحاديث صحيحة، فلم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الاستسقاء ولا في غيرها من المواقف التي رفع يديه، كموقفه عند الصفا والمروة وفي عرفات وفي مزدلفة وعند الجمار لم يذكروا أنه مسح وجهه بيديه لما دعا، فدل ذلك على أن الأفضل ترك ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (26/ 138). (¬8) قال ابن عثيمين: (الأقرب: أنه ليس بسُنَّة (أي مسح الوجه)؛ لأنَّ الأحاديثَ الواردة في هذا ضعيفة، ولا يمكن أنْ نُثبتَ سُنَّة بحديث ضعيف، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن فيه أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما تثبت أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعو ويرفع يديه ولا يمسحُ بهما وجهه، ومثل هذه السُّنَّة التي تَرِدُ كثيراً؛ وتتوافر الدَّواعي على نَقْلِها إذا لم تكن معلومةً في مثل هذه المؤلَّفات المعتبرة كالصحيحين وغيرهما، فإن ذلك يَدلُّ على أنها لا أصل لها. وعلى هذا؛ فالأفضل أنْ لا يمسح) ((الشرح الممتع)) (4/ 40).

- عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) (¬1). المسألة الثانية: حكم القنوت بغير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) رواه أبو داود في ((سننه)) (1425)، والترمذي في ((سننه)) (464)، ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/ 39). الحديث سكت عنه أبوداود في ((سننه)) (1425) [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] وقال الترمذي في ((سننه)) (464): حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (113) [يلزمهما إخراجه] أي البخاري ومسلم، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (2/ 285): روي من طرق ثابتة وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 455): إسناده صحيح وقال: وجاء في رواية ضعيفة زيادة: (ولا يعز من عاديت) وفي رواية بإسناد صحيح أو حسن قال: (تباركت وتعاليت، وصلى الله على النبي)، وقال ابن حجر العسقلاني في ((نتائج الأفكار)) (2/ 147): حسن صحيح، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (1/ 140): (حديث قد صححه جماعة من الحفاظ ولا مقال فيه بما يوجب قدحا)، وصححه أحمد شاكر في ((شرح سنن الترمذي)) (2/ 328)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (464).

يجوز أن يدعو المصلي في قنوت الوتر بما شاء، سواء دعا معه بالوارد المأثور أو لا، وهو ما ذهب إليه أكثر الفقهاء، ونص عليه فقهاء الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه أفتت اللجنة الدائمة (¬4)، وابن عثيمين (¬5)؛ ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 273)، وانظر ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (1/ 430)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/ 468) (¬2) ((المجموع للنووي)) (3/ 497) وقال النووي: (قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: قول من قال يتعين شاذ مردود مخالف لجمهور الاصحاب بل مخالف لجماهير العلماء فقد حكي القاضى عياض اتفاقهم علي أنه لا يتعين في القنوت دعاء الا ما روى عن بعض أهل الحديث أنه يتعين قنوت مصحف ابى بن كعب رضى الله عنه " اللهم إنا تستعينك ونستغفرك إلي آخره .. ). (¬3) قال البهوتي: (قال في الشرح ويقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو معنى ما نقله أبو الحرث يدعو بما شاء واقتصر جماعة على دعاء اللهم اهدنا وظاهره إنه يستحب وإن لم يتعين واختاره أحمد) ((كشاف القناع)) (1/ 420) وقال البهوتي أيضا بعد أن ذكر دعاء الحسن: (وله أن يزيد ما شاء مما يجوز به الدعاء في الصلاة) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 240) (¬4) قالت اللجنة الدائمة: (دعاء القنوت في الوتر مستحب لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت)) رواه أهل السنن، ولو ترك المسلم هذا الدعاء أحيانا وفعله أحيانا فلا حرج في ذلك سواء كان في رمضان أو في غيره)) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 70 - 71) قالت اللجنة الدائمة: (وإذا زاد الداعي غيره من جوامع الدعاء لا سيما من الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز ذلك؛ لأنه من جنس دعاء القنوت وهو محل للدعاء، وبهذا قال جماعة من أهل العلم) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 72) (¬5) سئل ابن عثيمين: عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. فأجاب بقوله: (الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد. بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج، ولهذا ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم يلعنون الكفرة في قنوتهم مع أن هذا لم يرد فيما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذ لا يبقى في < h6> المسألة إشكال، على أن لفظ الحديث: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر، وهذا قد يقال إن ظاهره أن هناك دعاء آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول: "دعاء أدعو به في قنوت الوتر". وعلى كل فإن الجواب أن الزيادة على ذلك لا بأس بها وعلى الإنسان أن يدعو بدعاء مناسب من جوامع الدعاء مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 137) قال ابن عثيمين: (قال الحسن للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر. ولم يقل علمني دعاء قنوت الوتر .. وهذا يدل على أن قنوت الوتر أوسع من هذا الدعاء؛ لأن (في) للظرفية، والظرف أوسع من المظروف، وهذا يدل أن الدعاء في قنوت الوتر أوسع من هذا، فلا بأس أن يزيد الإنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر، وإن كان وحده فليدع بما شاء، ولكن الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 138)

وذلك لأنه ورد عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت (¬1). الفرع السابع: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت يسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من دعاء القنوت، وهو الصحيح من مذهب الشافعية (¬2)، والمذهب عند الحنابلة (¬3)، وقولٌ عند الحنفية (¬4). الأدلة: أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر, ومن ذلك: - أثر أُبي بن كعب كما في حديث عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: ((وكان يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم ...... )) (¬5) - أثر: معاذ الأنصاري رضي الله عنه ((أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت)) (¬6). ¬

(¬1) (وليس في القنوت دعاء مؤقت كذا في التبيين والأولى أن يقرأ اللهم إنا نستعينك، ويقرأ بعده: اللهم اهدنا فيمن هديت) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 111) قال الكاساني: (أما دعاء القنوت فليس في القنوت دعاء موقت كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة ... وقال بعض مشايخنا المراد من قوله ليس في القنوت دعاء موقت ما سوى قوله اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على هذا في القنوت فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما في قنوته اللهم اهدنا فيمن هديت إلى آخره) ((بدائع الصنائع)) (1/ 273) قال النووي: (السنة في لفظ القنوت اللهم اهدني فيمن هديت وعافنى فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما اعطيت وقني شر ما قضيت فانك تقضى ولا يقضي عليك وإنه لا يذل من واليت تبارك ربنا وتعاليت) ((المجموع)) (3/ 495) قال شمس الدين ابن قدامة: (ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فروى الحسن بن علي قل: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) ((الشرح الكبير)) (1/ 721) وقيل لأحمد بن حنبل: تختار من القنوت شيئا؟ قال: (كل ما جاء به الحديث لا بأس به) ((مسائل الإمام أحمد لأبي داود)) (ص71) (¬2) ((المجموع للنووي)) (3/ 499). (¬3) ((الإنصاف للمرداوي)) (2/ 122). (¬4) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (1/ 274) ((فتح القدير لابن الهمام)) (1/ 438). (¬5) رواه ابن خزيمة (1100) وقال الألباني: إسناده صحيح. (¬6) رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في ((فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)) (107) وقال الألباني معلقاً عليه: (إسناده موقوف صحيح). ومعاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري القاري، قال ابن أبي حاتم في ترجمته في ((الجرح والتعديل)) (8/ 246): هو الذي أقامه عمر رضي الله عنه يصلى بهم في شهر رمضان صلاة التراويح.

المطلب الثاني: الدعاء عند ختم القرآن الكريم

المطلب الثاني: الدعاء عند ختم القرآن الكريم لا يشرع للإمام الدعاء في الصلاة بعد ختم القرآن، وإليه ذهب الإمام مالك (¬1)، واختاره ابن عثيمين (¬2) وبكر أبو زيد (¬3). وذلك لأن العبادات مبناها على الشرع والإتباع وليس لأحدٍ أن يعبد الله تعالى إلا بما شرعه سبحانه، أو سنَّه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ودون ذلك ابتداعٌ في الدين، وليس في هذه المسألة شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته رضي الله تعالى عنهم. كما أن ذلك من العبادات الجهرية التي لو وقعت لنقل وقوعها واشتهر أمرها في كتب الرواية والأثر. ¬

(¬1) سُئِلَ الإمام مالك عن الدعاء عند خاتمة القرآن، فقال: (لا أرى أن يدعو ولا نعلمه من عمل الناس) ((البيان والتحصيل لأبي الوليد القرطبي)) (1/ 362). وقال مالك: (ليس ختم القرآن في رمضان بسنة للقيام) ((المدونة الكبرى)) (1/ 288). (¬2) قال الشيخ ابن عثيمين: (إن دعاء ختم القرآن في الصلاة لا شك أنه غير مشروع؛ لأنه وإن ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو، فهذا خارج الصلاة، وفرق بين ما يكون خارج الصلاة وداخلها، فلهذا يمكن أن نقول: إن الدعاء عند ختم القرآن في الصلاة لا أصل له، ولا ينبغي فعله حتى يقوم دليل من الشرع على أن هذا مشروع في الصلاة). ((الشرح الممتع)) (4/ 42). وقال أيضاً: (لا أعلم أن للختمة عند انتهاء القرآن أصلاً من السنة، وغاية ما ورد في ذلك ما ذكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله فدعا، أما أن تكون في الصلاة فلا أعلم في ذلك سنة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 212). فائدة: حول متابعة الإمام في الختمة: قال ابن عثيمين: (وحتى المتابعة بالختمة لا بأس بها أيضا ... وما دام أن الأمر ليس إليك، ولكن إمامك يفعلها؛ فلا مانع من فعلها) ((الشرح الممتع)) (4/ 63 - 64) وقال أيضا: (بعض إخواننا الذين يرون أنهم متبعون للسلف والسنة يخرجون من المسجد الحرام لئلا يتابعوا الإمام على دعاء الختمة، وبعضهم لئلا يتابع الإمام على ثلاثٍ وعشرين ركعة، وكأن ثلاثاً وعشرين ركعة من الفسوق والمعصية العظيمة التي يخالف عليها الإمام، ويخرج من المسجد الحرام من أجلها، وبعضهم يجلس بين المصلين يتحدث إلى أخيه، وربما يجهر بالحديث من أجل أن يشوش ـ والله أعلم ـ على هذه الصلاة البدعية على زعمه!!! على كلٍّ أقول: إن هذا من قلة الفقه في الدين، وقلة اتباع السلف والبعد عن منهجهم، فالسلف يكرهون الخلاف، فإنهم وإن اختلفت الأقوال فقلوبهم متفقة، وما أمروا بالاتفاق فيه فعلوه ولو كانوا لا يرونه وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم، وهذه المخالفات التي تقع من قلة الفقه بيننا) ((الشرح الممتع)) (4/ 360 - 361) (¬3) ينظر الرسالة التي أفردها في هذا الموضوع ((جزء في مرويات دعاء ختم القرآن)).

المطلب الثالث: مخالفات في دعاء القنوت

المطلب الثالث: مخالفات في دعاء القنوت 1 - المبالغة في رفع الإمام صوته في الدعاء، حتى يصل أحياناً إلى حد الصياح والصراخ (¬1). 2 - المبالغة في رفع الصوت بالبكاء (¬2). 3 - الإطالة المفرطة في الدعاء. (¬3). 4 - الاعتداء في الدعاء وتكلف السجع فيه (¬4). 5 - مواظبة بعض الأئمة على دعاءٍ معينٍ في كل قنوت (¬5). ¬

(¬1) قال الحسن رحمه الله تعالى: (ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: ادعوا ربكم تضرعًا وخفية، وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضِي فعله فقال: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا .. ) ((تفسير الطبري)) (12/ 485). وقال ابن جرير رحمه الله تعالى في قوله عز وجل إنه لا يحب المعتدين: (فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دعائه ومسألته ربَّه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدَّ لهم في دعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور) ((تفسير الطبري)) (12/ 486). (¬2) قال ابن جريج رحمه الله تعالى: (إن من الدعاء اعتداءً يُكره رفعُ الصوتِ والنداءُ والصياحُ بالدعاء، ويُؤمر بالتضرُّع والاستكانة) ((تفسير الطبري)) (12/ 487). (¬3) قال النووي: (فرع: قال البغوي: يكره إطالة القنوت) ((المجموع)) (3/ 499). وقال ابن باز: (والسنة أن لا يطول وأن يقتصر على جوامع الدعاء في القنوت) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/ 357). وقال ابن عثيمين: (الإطالة التي تشق على الناس منهيٌّ عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أطال الصلاة في قومه غضب صلى الله عليه وسلم غضباً لم يغضب في موعظةٍ مثله قط، وقال لمعاذ ابن جبل: (أفتانٌ أنت يا معاذ؟). فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، ولا شك في أن الإطالة شاقةٌ على الناس وترهقهم، ولا سيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (14/ 80). (¬4) قال ابن عباس رضي الله عنهما لعكرمة: (فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب). رواه البخاري (6337). قال ابن تيمية: ( ... ومثل أن يقصد السَّجع في الدعاء، ويتشهَّق ويتشدَّق، وأمثال ذلك. فهذه الأَدعية ونحوها منهيٌّ عنها) ((الفتاوى الكبرى)) (2/ 415). وقال أيضاً (وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس به فإن أصل الدعاء من القلب واللسان تابع للقلب، ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 489). قالت اللجنة الدائمة: (المشروع للداعي اجتناب السجع في الدعاء وعدم التكلف فيه، وأن يكون حال دعائه خاشعاً متذللاً مظهراً الحاجة والافتقار إلى الله سبحانه، فهذا أدعى للإجابة وأقرب لسماع الدعاء) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (6/ 76). (¬5) قال ابن عثيمين: ( ... الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (14/ 82).

الباب الثامن: أحكام الاعتكاف

الباب الثامن: أحكام الاعتكاف • الفصل الأول: تعريف الاعتكاف. • الفصل الثاني: حكم الاعتكاف وغايته. • الفصل الثالث: شروط صحة الاعتكاف. • الفصل الرابع: ما يفسد الاعتكاف وما لا يفسده. • الفصل الخامس: نذر الاعتكاف. • الفصل السادس: قضاء الاعتكاف. • الفصل السابع: ما يندب للمعتكف فعله.

الفصل الأول: تعريف الاعتكاف

الفصل الأول: تعريف الاعتكاف • الاعتكاف لغةً:. • الاعتكاف اصطلاحاً:.

الاعتكاف لغة:

الاعتكاف لغةً: عكف على الشيء أي أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، ويقال لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه، عاكفٌ ومعتكف. والاعتكاف والعكوف: الإقامة على الشيء بالمكان ولزومهما، والاحتباس عليه (¬1) ¬

(¬1) ((لسان العرب لابن منظور)) (مادة: عكف)، وانظر ((المصباح المنير للفيومي)) (مادة: عكف).

الاعتكاف اصطلاحا:

الاعتكاف اصطلاحاً: هو الإقامة في المسجد بنية التقرُّب إلى الله عز وجل، ليلاً كان أو نهاراً (¬1) ¬

(¬1) قال ابن حزم: (هو الإقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عز وجل ساعةً فما فوقها ليلاً أو نهارا) ((المحلى)) (5/ 179). وقال ابن قدامة: (وهو في الشرع: الإقامة في المسجد على صفةٍ نذكرها، وهو قربةٌ وطاعة) ((المغني)) (3/ 62). وقال ابن دقيق: (وفي الشرع: لزوم المسجد على وجهٍ مخصوص) ((إحكام الأحكام)) (1/ 292). وقال ابن تيمية: (وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله، ولو قيل: لعبادة الله فيه، كان أحسن) ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (2/ 707 - 708). وقال ابن باز: (والمقصود من ذلك هو التفرغ للعبادة والخلوة بالله لذلك، وهذه هي الخلوة الشرعية) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 438). وقال ابن عثيمين: (الاعتكاف هو لزوم الإنسان مسجداً لطاعة الله سبحانه وتعالى؛ لينفرد به عن الناس؛ ويشتغل بطاعة الله؛ ويتفرغ لذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 155).

الفصل الثاني: حكم الاعتكاف وغايته

المطلب الأول: حكم الاعتكاف للرجال الاعتكاف سنةٌ للرجال. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير .. ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف، فليعتكف. فاعتكف الناس معه)). أخرجه مسلم (¬1) وجه الدلالة: أن اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم يدل على السنية، وتعليقه الاعتكاف على من أحب ذلك يدل على عدم الوجوب (¬2). ثانياً: الإجماع: أجمع العلماء على أن الاعتكاف سنةٌ وليس بواجب، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬3)، وابن عبدالبر (¬4)، والنووي (¬5) ¬

(¬1) رواه مسلم (1167). (¬2) قال ابن قدامة: (ومما يدل على أنه سنةٌ, فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه, تقرباً إلى الله تعالى, وطلباً لثوابه, واعتكاف أزواجه معه وبعده, ويدل على أنه غير واجبٍ أن أصحابه لم يعتكفوا , ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به إلا من أراده) ((المغني)) (3/ 62). (¬3) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يوجبه المرء على نفسه، فيجب عليه) ((الإجماع)) (ص50). (¬4) قال ابن عبدالبر: (وأجمع علماء المسلمين على أن الاعتكاف ليس بواجبٍ وأن فاعله محمودٌ عليه مأجورٌ فيه) ((التمهيد)) (23/ 52). (¬5) قال النووي: ( .. فالاعتكاف سنةٌ بالإجماع ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع) ((المجموع)) (6/ 475). وقال أيضاً: (وقد أجمع المسلمون على استحبابه، وأنه ليس بواجب) ((شرح صحيح مسلم)) (8/ 67). وقال ابن قدامة: (ولا نعلم بين العلماء خلافاً في أنه مسنون) ((المغني)) (3/ 62). وقال القرطبي: (وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب، وهو قربةٌ من القرب، ونافلةٌ من النوافل، عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 333). وقال ابن حجر: (وليس بواجبٍ إجماعاً) ((فتح الباري)) (4/ 271).

المطلب الثاني: حكم اعتكاف النساء

المطلب الثاني: حكم اعتكاف النساء الاعتكاف سنةٌ للنساء كالرجال، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (¬1): الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، (¬6) الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم .. )). أخرجه البخاري (¬7) 2 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) 3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب .. )). أخرجه البخاري ومسلم (¬9) ¬

(¬1) قال الجصاص: (للمرأة الاعتكاف باتفاق الفقهاء) ((أحكام القرآن)) (1/ 303). (¬2) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 110)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113). - إلا أن اعتكافها في مسجد بيتها عندهم أفضل من اعتكافها في مسجد الجماعة - (¬3) ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص84)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 541). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 475،480)، ((مغني المحتاج للخطيب الشربيني)) (1/ 451). (¬5) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 62،67)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 351). (¬6) قد تُمنَع المرأة من الاعتكاف في المسجد إذا لم يكن فيه مكان تستتر فيه، أوخوف الفتنة عليها من الفسقة، فالمنع هاهنا إنما هو لنظر الشارع إلى صيانة المرأة، لا إلى أصل حكم الاعتكاف. انظر ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 110). وقال ابن عثيمين: (<قوله: إلاالمرأة ففي كل مسجد> أي: فيصح اعتكافها ويسن في كل مسجد، فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة، فإن كان في اعتكافها فتنة فإنها لا تُمكَّن من هذا؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام، فالمسجد الحرام ليس فيه مكانٌ خاصٌّ للنساء، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة) ((الشرح الممتع)) (6/ 509 - 510). (¬7) رواه البخاري (309). (¬8) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172). (¬9) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).

المبحث الثاني: غاية الاعتكاف

المبحث الثاني: غاية الاعتكاف للاعتكاف غاياتٌ منها: أولاً: عكوف القلب على طاعة الله تعالى. ثانياً: جمع القلب عليه ووقف النفس له. ثالثاً: الخلوة به. رابعاً: الانقطاع عن الاشتغال بالخلق وتفريغ القلب من أمور الدنيا، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرِّبُ منه، فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم (¬1). ¬

(¬1) ((زاد المعاد لابن القيم)) (2/ 87)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 348).

الفصل الثالث: شروط صحة الاعتكاف

المبحث الأول: الإسلام يشترط لصحة الاعتكاف: الإسلام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة: 54] فكما أنه لا تقبل من الكافر النفقة، فكذلك لا تقبل منه العبادات البدنية. 2 - قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر (¬5). ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والكافر ليس من أهل النية. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 322). (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 541)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 267). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 454). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347). (¬5) ((تفسيرالقرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 - 257). قال ابن كثير: (فعمل الرهبان ومن شابههم – وإن فُرِضَ أنهم مخلصون فيه لله- فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمدٍ صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافةً، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا *الفرقان: 23* وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 385). (¬6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المبحث الثاني: العقل

المبحث الثاني: العقل يشترط لصحة الاعتكاف: العقل، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬5) 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية، والمجنون ليس من أهل النية. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 322). (¬2) ((حاشية العدوي)) (1/ 584)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 267). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 454). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347). (¬5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403). (¬6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المبحث الثالث: التمييز

المبحث الثالث: التمييز يشترط لصحة الاعتكاف: التمييز، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5). فلا تؤدى العبادة إلا بالنية، وغير المميز ليس من أهل النية. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 322). (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 395)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 732). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 476)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 454). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347). (¬5) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المبحث الرابع: النية

المبحث الرابع: النية يشترط لصحة الاعتكاف: النية، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن رشد (¬1)، وابن جزي (¬2) فلا يصح الاعتكاف ولزوم المسجد بدون نية. الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). ¬

(¬1) قال ابن رشد: (وأما شروطه فثلاثةٌ: النية ... ، أما النية فلا أعلم فيها اختلافاً) ((بداية المجتهد)) (1/ 315). (¬2) قال ابن جزي: (وأما شروطه فثلاثةٌ: النية اتفاقاً) ((القوانين الفقهية)) (ص85). (¬3) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907).

المبحث الخامس: إذن الزوج لزوجته

المبحث الخامس: إذن الزوج لزوجته يشترط لاعتكاف الزوجة أن يأذن لها زوجها (¬1)، وهو قول الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) الدليل: عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) ¬

(¬1) وذلك لأن استمتاعها ملكٌ للزوج، فلا يجوز إبطاله عليه بغير إذنه. (¬2) ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 394)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108). (¬3) ((حاشية الدسوقي)) (1/ 546)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 457). (¬4) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 503)، ((المجموع للنووي)) (6/ 477). قال النووي: (للرجل منع زوجته من الاعتكاف بغير إذنه، وبه قال العلماء كافة) ((شرح صحيح مسلم)) (8/ 70). (¬5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 134)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 349). (¬6) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).

المبحث السادس: مسجد الجماعة

المطلب الأول: اعتبار المسجد يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] وجه الدلالة: أنَّ تخصيص المسجد بالذكر يقتضي أنَّ ما عداه بخلافه، ولمَّا لم يكن المعتكِف في غير المسجد منهياً عن المباشرة عُلِمَ أنه ليس باعتكاف. ثانياً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عليَّ رأسَه وهو في المسجد فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ، إذا كان معتكفاً)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ثالثا: الإجماع: أجمع العلماء على أن الاعتكاف مكانه المسجد، وإلا لا يسمى اعتكافاً شرعياً، وقد حكى هذا الإجماع ابن عبد البر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، والقرطبي (¬4)، وابن تيمية (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297). (¬2) قال ابن عبد البر: (وأجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد) ((الاستذكار)) (3/ 385). (¬3) قال ابن قدامة: (ولا يصح الاعتكاف في غير مسجدٍ إذا كان المعتكف رجلاً، لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً) ((المغني)) (3/ 65). (¬4) قال القرطبي: (أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 333). (¬5) قال ابن تيمية: (لا يكون الاعتكاف إلا في المساجد باتفاق العلماء) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (27/ 252).

المطلب الثاني: حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة

المطلب الثاني: حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، (وهي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو قول أكثر أهل العلم من السلف والخلف (¬5) الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وليس للمساجد الثلاثة فقط. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113)، ((فتح القدير للكمال بن الهمام)) (2/ 394). (¬2) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 313)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص84). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 483)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 450). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 66)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 137). (¬5) قال ابن المنذر: (والاعتكاف جائزٌ في جميع المساجد على ظاهر الآية) ((الإشراف)) (3/ 160). يعني قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد *البقرة: 187* قال ابن حزم: (والاعتكاف جائزٌ في كل مسجدٍ جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع) ((المحلى)) (5/ 193). وقال الشوكاني: (ويجوز الاعتكاف في كل مسجد) ((نيل الأوطار)) (4/ 269). وقال ابن باز: (يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 444). وقال ابن عثيمين: (يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 160).

المطلب الثالث: ضابط المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف

المطلب الثالث: ضابط المسجد الذي يصح فيه الاعتكاف إن كان يتخلل الاعتكاف صلاة جماعةٍ، فيشترط لصحته أن يكون في مسجد جماعة، وهو قول الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختاره ابن باز (¬3)، وابن عثيمين (¬4). وذلك لأن الجماعة واجبةٌ، واعتكاف الرجل في مسجٍد لا تقام فيه الجماعة إن كان يتخلل اعتكافه جماعة يفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة. وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه، وذلك منافٍ للاعتكاف إذ هو لزوم المعتكَف والإقامة على طاعة الله تعالى فيه. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 112)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 65)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 137). (¬3) قال ابن باز: (يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 444). (¬4) قال ابن عثيمين: (لا يصح الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة) ((الشرح الممتع)) (6/ 509).

المطلب الرابع: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة

المطلب الرابع: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة الفرع الأول: الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة يجوز الاعتكاف في غير مسجد الجمعة إن كان لا يتخلل الاعتكاف جمعة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو قول طائفةٍ من السلف (¬5)، والخلف (¬6) الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج إلى دليل. الفرع الثاني: الاعتكاف في غير الجامع إن كان يتخلل اعتكافه يوم جمعة من وجبت عليه الجمعة، وكانت تتخلَّل اعتكافه، فإنه لا يشترط لصحة استمرار الاعتكاف أن يكون اعتكافه في الجامع – وعليه أن يخرج لحضور الجمعة ثم يرجع إلى المسجد الذي يعتكف فيه - ولكنَّ الأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع، وهو قول الحنفية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وقولٌ لبعض السلف (¬9)، وهو اختيار ابن العربي المالكي (¬10)، وابن باز (¬11)، وابن عثيمين (¬12). الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] فلفظ المساجد عامٌّ لجميع المساجد، وتخصيصه ببعض المساجد دون بعضٍ يحتاج إلى دليل. وأما خروجه إلى الجمعة فهو ضرورةٌ من الضرورات، لا يبطل بها الاعتكاف. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 113)، قال ابن الهمام: (والحاصل أن الاعتكاف في غير الجامع جائزٌ في الجملة بالاتفاق أو إلزامها بالدليل فإذا صح فبعد ذلك الضرورة مطلقة للخروج مع بقاء الاعتكاف وهي هنا متحققةٌ نظراً إلى الأمر بالجمعة) ((فتح القدير)) (2/ 395). (¬2) لكن عند المالكية أنه إذا نوى مدة يتعين عليه إتيان الجمعة في أثنائها فيتعين الجامع ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 455). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 485)، ((المجموع للنووي)) (6/ 483). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 66)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 258). (¬5) قال ابن عبد البر: (وقال آخرون الاعتكاف في كل مسجدٍ جائزٌ، روي هذا القول عن سعيد بن جبير وأبي قلابة وإبراهيم النخعي وهمام بن الحارث وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي الأحوص والشعبي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري، وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد، وهو أحد قولي مالك وبه يقول ابن علية وداود والطبري) ((التمهيد)) (8/ 326). (¬6) قال الجصاص: (وكما لا تُمنع صلاة الجمعة في سائر المساجد كذلك لا يمتنع الاعتكاف فيها فكيف صار الاعتكاف مخصوصاً بمساجد الجمعات دون مساجد الجماعات؟!!) ((أحكام القرآن)) (1/ 302). وقال ابن حزم: (والاعتكاف جائزٌ في كل مسجدٍ جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع) ((المحلى)) (5/ 193). وقال ابن باز: (ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). وقال ابن عثيمين: (وهو في كل مسجدٍ، سواء كان في مسجدٍ تقام فيه الجمعة، أو في مسجدٍ لا تقام فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجدٍ تقام فيه، حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 155). (¬7) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 108)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 114). (¬8) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 140)، ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (1/ 501). (¬9) قال البغوي: (أما الخروج للجمعة، فواجبٌ عليه، لا يجوز له تركه. واختلفوا في بطلان اعتكافه، فذهب قومٌ إلى أنه لا يبطل به اعتكافه، وهو قول الثوري، وابن المبارك، وأصحاب الرأي، كما لو خرج لقضاء الحاجة) ((شرح السنة)) (6/ 401). (¬10) قال ابن العربي: (إذا اعتكف في مسجدٍ لا جمعة فيه للجمعة، فمن علمائنا من قال: يبطل اعتكافه، ولا نقول به; بل يشرف الاعتكاف ويعظم. ولو خرج من الاعتكاف من مسجدٍ إلى مسجد لجاز له; لأنه يخرج لحاجة الإنسان إجماعاً، فأي فرقٍ بين أن يرجع إلى ذلك المسجد أو إلى سواه؟) ((أحكام القرآن)) (1/ 180). (¬11) وقال ابن باز: (ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). (¬12) وقال ابن عثيمين: (وهو في كل مسجدٍ، سواء كان في مسجدٍ تقام فيه الجمعة، أو في مسجدٍ لا تقام فيه، ولكن الأفضل أن يكون في مسجدٍ تقام فيه، حتى لا يضطر إلى الخروج لصلاة الجمعة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 155).

المطلب الخامس: هل المنارة والرحبة والسطح وغيرها تعد من المسجد؟

المطلب الخامس: هل المنارة والرحبة والسطح وغيرها تعد من المسجد؟ الفرع الأول: صعود المعتكف إلى منارة المسجد يصح صعود المعتكف إلى منارة المسجد إن كانت في المسجد أو بابها فيه، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3) وذلك لأن المنارة إن كانت في المسجد أو بابها فيه، فهي من جملة المسجد فتأخذ أحكامه. الفرع الثاني: خروج المعتكف إلى الرحبة يصح خروج المعتكف إلى الرحبة إن كانت متصلة بالمسجد (¬4)، وهو قول الشافعية (¬5)، وبعض المالكية (¬6)، وروايةٌ عن أحمد (¬7)، وهو اختيار ابن حزم (¬8)، وابن تيمية (¬9)، وابن القيم (¬10). وذلك لأن الرحبة إن كانت في المسجد فهي من جملته فتأخذ أحكامه. الفرع الثالث: صعود المعتكف إلى سطح المسجد أو الاعتكاف فيه ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 287)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116). (¬2) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((المجموع للنووي)) (6/ 505 - 506). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 140)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 259). فائدة: قال ابن عثيمين: (إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف، فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة. وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها بابٌ على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء؛ لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه. وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيطٍ بها بل لها سورٌ مستقلٌّ فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد؛ ولهذا لم تكن بيوت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مسجده، مع أن لها أبواباً على المسجد؛ لأنها منفصلةٌ عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/ 351 - 352). (¬4) قال ابن حجر: (الرحبة بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة هي بناء يكون أمام باب المسجد غير منفصل عنه، هذه رحبة المسجد، ووقع فيها الاختلاف، والراجح أن لها حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وكل ما يشترط له المسجد، فإن كانت الرحبة منفصلة فليس لها حكم المسجد) ((فتح الباري)) (13/ 155). (¬5) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (4/ 303)، (6/ 500) (¬6) ((المدونة الكبرى)) (1/ 300)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 536)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 542). (¬7) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 139)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 365)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 358، 259). (¬8) قال ابن حزم: (ولا يجوز الاعتكاف في رحبة المسجد إلا أن تكون منه) ((المحلى)) (5/ 193). (¬9) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 304). (¬10) ((إعلام الموقعين)) (3/ 31).

يصح الاعتكاف في سطح المسجد أو صعود المعتكف إليه، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، بل حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك (¬4). وذلك لأن السطح من جملة المسجد فيأخذ أحكامه. المطلب السادس: اعتكاف المرأة في مسجد بيتها لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها (¬5)، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187] والمراد بالمساجد: المواضع التي بنيت للصلاة فيها. وموضع صلاة المرأة في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يبن للصلاة فيه، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية. ثانياً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضةٌ ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم ... )). أخرجه البخاري (¬9) وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن امرأته أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضةٌ، إذ لا تفعل ذلك إلا بأمره، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لما أمرها بالمسجد، ولأمرها بالبيت؛ فإنه أسهل وأيسر وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة، وعن مشقة حمل الطست ونقله، وهو صلى الله عليه وسلم لم يُخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعُلِمَ أن الجلوس في غير المسجد ليس باعتكاف. 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬10) وجه الدلالة: أنه لو كان اعتكافهن رضي الله عنهن في غير المسجد العام ممكناً؛ لاستغنين بذلك عن ضرب الأخبية في المسجد كما استغنين بالصلاة في بيوتهن عن الجماعة في المسجد، ولَأَمرهن النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (3/ 39). (¬2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (6/ 480). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (6/ 259). (¬4) قال ابن قدامة: ( .. وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفاً) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 71)، لكن خلاف المالكية ثابت في المسألة انظر: ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 733)، ((حاشية العدوي)) (1/ 585). (¬5) وذلك لأن الاعتكاف قربةٌ يشترط لها المسجد في حق الرجل، فيشترط في حق المرأة، كالطواف. ولأنه ليس بمسجد حقيقةً ولا حكماً ولا يسمى في الشرع مسجداً؛ ولهذا لا يعتبر وقفاً، فلو بيع البيت بما فيه هذا المصلى، فالبيع صحيح، ولو دخل أحدٌ البيت، ولو لبثت المرأة فيه وهي حائضٌ فلا بأس، ولو بقي فيه الإنسان بلا وضوءٍ وهو جنبٌ فلا بأس، ولو دخله وجلس فيه ولم يصل ركعتين فلا بأس، كما يجوز فيه البيع والشراء. (¬6) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 535)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 396). (¬7) ((المجموع للنووي)) (6/ 480)، ((مغني المحتاج)) (1/ 451). (¬8) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 67)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 352). وقد ذهب إلى هذا ابن تيمية. انظر ((كتاب الصيام من شرح العمدة)) (2/ 737 - 745). (¬9) رواه البخاري (309). (¬10) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).

المبحث السابع: الطهارة مما يوجب غسلا

المبحث السابع: الطهارة مما يوجب غسلاً لا يصح الاعتكاف ابتداءً إلا بطهارة المعتكف مما يوجب الغسل كجنابةٍ أو حيضٍ أو نفاس (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] ثانياً: من السنة: 1 - عن أم عطية قالت: ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرِجَ في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلَّى المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إنَّ حيضتك ليست في يدك)). أخرجه مسلم (¬7) ¬

(¬1) وذلك لأن هذه الأمور لا يباح معها اللبث في المسجد والذي هو ركن من أركان الاعتكاف. (¬2) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 322). (¬3) ((الذخيرة للقرافي)) (1/ 293، 375)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص31). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 519)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 454). (¬5) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 136)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (1/ 148، 198). قال ابن قدامة: (أما خروجها من المسجد– أي المرأة المعتكفة إذا حاضت – فلا خلاف فيه؛ لأن الحيض حدثٌ يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة وآكد منه) ((المغني)) (3/ 79) وقال ابن تيمية: (الاعتكاف يستحب له طهارة الحدث ولا يجب، فلو قعد المعتكف وهو محدثٌ في المسجد لم يحرم، بخلاف ما إذا كان جنباً أو حائضاً، فإن هذا يمنعه منه الجمهور، كمنعهم الجنب والحائض من اللبث في المسجد لا لأن ذلك يبطل الاعتكاف) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 275) وقال ابن عثيمين: ( .. إذ يلزم منه أن المعتكف لا يصح اعتكافه إلا بطهارةٍ، ولم يشترط أحدٌ ذلك، إلا إن كان جنباً فيجب عليه أن يتطهر ثم يعتكف؛ لأن الجنابة تنافي المكث في المسجد) ((الشرح الممتع)) (1/ 331) (¬6) رواه البخاري (324)، ومسلم (890) واللفظ له. (¬7) رواه مسلم (298).

المبحث الثامن: زمان الاعتكاف وأقله

المطلب الأول: زمان الاعتكاف يجوز الاعتكاف في رمضان وفي غيره، وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على هذا (¬1)، إلا أنه يُستحَبُّ في العشر الأواخر من رمضان، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) وفيه استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً)). أخرجه البخاري (¬7) وفيه جواز الاعتكاف في العشر وفي غير العشر. 3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) وفيه أن الاعتكاف يكون في رمضان وفي غيره. ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (الاعتكاف في غير رمضان جائزٌ كما هو في رمضان، وهذا ما لا خلاف فيه) ((التمهيد)) (11/ 199). قال الجصاص: (تحديد مدة الاعتكاف لا يصح إلا بتوقيفٍ أو اتفاقٍ، وهما معدومان، فالموجب لتحديده متحكمٌ قائلٌ بغير دلالةٍ، فإن قيل تحديد العشرة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وروي أنه اعتكف العشر الأواخر من شوال في بعض السنين، ولم يرو أنه اعتكف أقل من ذلك، قيل له: لم يختلف الفقهاء إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للاعتكاف ليس على الوجوب وأنه غير موجبٍ على أحدٍ اعتكافاً، فإذا لم يكن فعله للاعتكاف على الوجوب فتحديد العشرة أولى أن لا يثبت بفعله، ومع ذلك فإنه لم ينف عن غيره فنحن نقول: أن اعتكاف العشرة جائزٌ ونفي ما دونها يحتاج إلى دليلٍ، وقد أطلق الله تعالى ذكر الاعتكاف فقال: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ *البقرة: 187* ولم يحده بوقتٍ ولم يقدره بمدةٍ فهو على إطلاقه، وغير جائزٍ تخصيصه بغير دلالةٍ والله أعلم) ((أحكام القرآن)) (1/ 304 - 305). وقال ابن حزم: (الاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عددٍ ولا وقتاً من وقتٍ، ومدعي ذلك مخطئٌ لأنه قائلٌ بلا برهان) ((المحلى)) (5/ 179). وقال الشوكاني: (صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه اعتكف في غير رمضان) ((السيل الجرار)) (ص 292). وقال أيضا: (شرع في كل وقتٍ في المساجد وهو في رمضان آكد، سيَّما في العشر) ((الدراري المضية)) (2/ 182). وقال ابن باز: (وهو مشروعٌ في رمضان وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 438). وقال ابن عثيمين: (لو اعتكف الإنسان في غير رمضان لكان هذا جائزاً .. لكن لا يُؤمر الإنسان ولا يُطلب منه أن يعتكف في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 160). (¬2) ((تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/ 348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 442). (¬3) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 352)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 542،550). (¬4) ((المجموع للنووي)) (6/ 475)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). قال الشربيني: (وهو مستحبٌّ كل وقتٍ في رمضان وغيره بالإجماع ولإطلاق الأدلة). (¬5) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 132)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 348). (¬6) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172). (¬7) رواه البخاري (2044). (¬8) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).

المطلب الثاني: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومتى ينتهي؟

المطلب الثاني: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ومتى ينتهي؟ الفرع الأول: متى يبدأ من أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟ اختلف أهل العلم متى يبدأ الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، على قولين: القول الأول: يبدأ قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، (¬5) الأدلة: 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7). وجه الدلالة: أن العشر بغير هاء، عدد الليالي, فإنها عدد المؤنث, كما قال الله تعالى: وَليالٍ عَشْر. وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين. ¬

(¬1) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 329)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 452). (¬2) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 353)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 542). (¬3) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 488) إلا أنهم نصوا على هذا الحكم في اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 80)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 158). (¬5) قال ابن دقيق العيد: (الجمهور على أنه إذا أراد اعتكاف العشر دخل معتكفه قبل غروب الشمس) ((إحكام الأحكام)) (ص293). وقال ابن حزم: (ومن نذر اعتكاف ليلةٍ أو ليالٍ مسماة أو أراد ذلك تطوعاً فإنه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس) ((المحلى)) (5/ 198). وقال ابن حجر: ( .. وهو محمولٌ على أنه أراد اعتكاف الليالي دون الأيام، وسبيل من أراد ذلك أن يدخل قبيل غروب الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر، فإن أراد اعتكاف الأيام خاصة فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضاً) ((فتح الباري)) (4/ 283). وقال ابن عثيمين: (يدخل المعتكف عند غروب الشمس ليلة العشرين من رمضان، فإن العشر الأواخر تبتدئ بغروب الشمس ليلة العشرين من رمضان) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 179). (¬6) رواه البخاري (2027) واللفظ له، ومسلم (1167). (¬7) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).

القول الثاني: يبدأ الاعتكاف من بعد صلاة فجر اليوم الواحد والعشرين، وهي رواية عن أحمد (¬1)، وقول الأوزاعي وابن المنذر (¬2)، واختيار ابن القيم (¬3)، والصنعاني (¬4)، وابن باز (¬5) الدليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) الفرع الثاني: متى ينتهي الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من رمضان؟ ينتهي وقت الاعتكاف في أيام العشر الأواخر من بعد غروب شمس آخر يومٍ من رمضان، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، (¬11) ¬

(¬1) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 80)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 362). (¬2) قال ابن المنذر: (وقال الأوزاعي بظاهر الحديث يصلي الصبح في المسجد ثم يقوم إلى معتكفه. قال ابن المنذر: وكذلك أقول) ((الإشراف)) (3/ 161). (¬3) قال ابن القيم: (وكان إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر ثم دخله) ((زاد المعاد)) (2/ 89). (¬4) قال الصنعاني: ( .. فيه دليلٌ على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الفجر وهو ظاهرٌ في ذلك وقد خالف فيه من قال إنه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر إذا كان معتكفاً نهاراً، وقبل غروب الشمس إذا كان معتكفا ليلاً، وأول الحديث بأنه كان يطلع الفجر وهو صلى الله عليه وسلم في المسجد ومن بعد صلاته الفجر يخلو بنفسه في المحل الذي أعده لاعتكافه، قلت: ولا يخفى بعده فإنها كانت عادته صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج من منزله إلا عند الإقامة) ((سبل السلام)) (2/ 174). (¬5) قال ابن باز: (ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). (¬6) رواه البخاري (2033)، ومسلم (1173). (¬7) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 329)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 452). (¬8) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 353)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 542). (¬9) ((الأم للشافعي)) (2/ 115)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 488). (¬10) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 82)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 159). (¬11) قال ابن حجر: (إن أراد اعتكاف الأيام خاصةً فيدخل مع طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، فإن أراد اعتكاف الأيام والليالي معاً فيدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد غروب الشمس أيضا) ((فتح الباري)) (4/ 283). وقال ابن عثيمين: (يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 170)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 443).

المطلب الثالث: أقل مدة للاعتكاف

المطلب الثالث: أقل مدةٍ للاعتكاف اختلف أهل العلم في أقل مدةٍ تصلح للاعتكاف، على أقوال، منها: القول الأول: أقلُّ زمانٍ للاعتكاف لحظةٌ (¬1) وهو ما ذهب إليه الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو قولٌ للحنابلة (¬4)، واختاره ابن حزم (¬5)، والشوكاني (¬6) وابن باز (¬7). الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187] فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه، فهي اعتكاف، سواء قلت المدة أو كثرت حيث لم يخص الشارع عدداً أو وقتاً. القول الثاني: أقل الاعتكاف يومٌ وليلة، وهو مذهب المالكية (¬8)، (¬9) وذلك لأن المالكية يشترطون الصوم مع الاعتكاف، والصوم لا يكون إلا في يومٍ كامل، فكذلك الاعتكاف لا يكون إلا في يوم كاملٍ. ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (ولا حد عند أبي حنيفة، والشافعي، وأكثر الفقهاء في أقل مدته) ((الاستذكار)) (10/ 314). (¬2) وهذا في غير الاعتكاف المنذور؛ لأن الحنفية يشترطون فيه الصوم. ((الدر المختار للحصكفي)) (2/ 488)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 323). قال الحصكفي: (<وأقله نفلا ساعة>من ليلٍ أو نهارٍ عند محمد، وهو ظاهر الرواية عن الإمام لبناء النفل على المسامحة، وبه يفتي، والساعة في عرف الفقهاء جزءٌ من الزمان لا جزءٌ من أربعةٍ وعشرين كما يقوله المنجمون). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 480)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 453). قال النووي: (الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يشترط لبثٌ في المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 143)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 254)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 347). (¬5) قال ابن حزم: (فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف ... مما قلّ من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسّنّة عدداً من عدد، ولا وقتاً من وقت) ((المحلى)) (5/ 179). (¬6) قال الشوكاني: (لم يأتنا عن الشارع في تقدير مدة الاعتكاف شيءٌ يصلح للتمسك به، واللبثُ في المسجد والبقاء فيه يصدق على اليوم وبعضه، بل وعلى الساعة إذا صحب ذلك نية الاعتكاف) ((السيل الجرار)) (ص293). (¬7) قال ابن باز: (والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرةً أو قليلةً؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيومٍ ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 441). (¬8) ((الكافي لابن عبد البر)) (1/ 352)، ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 550). (¬9) قال ابن عثيمين: (من اعتكف اعتكافاً مؤقتاً كساعةٍ، أو ساعتين، ومن قال: كلما دخلت المسجد فانو الاعتكاف، فمثل هذا ينكر عليه؛ لأن هذا لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ((الشرح الممتع)) (6/ 506).

المطلب الرابع: أطول مدة للاعتكاف

المطلب الرابع: أطول مدةٍ للاعتكاف لا حد لأكثر زمان الاعتكاف ما لم يتضمن أية محذوراتٍ شرعية، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، (¬5)، بل حكى الإجماع على ذلك ابن الملقن (¬6)، وابن حجر (¬7). الدليل: عموم قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187] فلم يحده الله سبحانه وتعالى بوقتٍ، ولم يقدره بمدةٍ، فهو على إطلاقه، وغيرُ جائزٍ تخصيصُهُ بغير دلالة. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115). (¬2) ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 314). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 480). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 385). (¬5) قال الجصاص: (تحديد مدة الاعتكاف لا يصح إلا بتوقيفٍ أو اتفاقٍ وهما معدومان فالموجب لتحديده متحكمٌ قائلٌ بغير دلالة) ((أحكام القرآن)) (1/ 304). وقال ابن حزم: (فكل إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف ... مما قلّ من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسّنّة عدداً من عدد، ولا وقتاً من وقت) ((المحلى)) (5/ 179). وقال ابن باز: (والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرةً أو قليلةً؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيومٍ ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 441). (¬6) قال ابن الملقن: (أجمع العلماء على أن لا حدَّ لأكثره) ((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) (5/ 430). (¬7) قال ابن حجر: (واتفقوا على أنه لا حدَّ لأكثره) ((فتح الباري)) (4/ 272).

المبحث التاسع: اشتراط الصوم للاعتكاف

المبحث التاسع: اشتراط الصوم للاعتكاف يصح الاعتكاف من غير صومٍ (¬1)، وهو قول الشافعية (¬2)، والمشهور عند الحنابلة (¬3)، وقول طائفةٍ من السلف (¬4)، وهو ما ذهب إليه ابن حزم (¬5)، والنووي (¬6)، وابن دقيق العيد (¬7)، وابن حجر (¬8)، وابن باز (¬9)، وابن عثيمين (¬10) الأدلة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬11) وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لعمر رضي الله عنه بالاعتكاف ليلاً، ومعلومٌ أن الليل لا صوم فيه (¬12)، فلو كان الصوم شرطاً في صحة الاعتكاف، لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه. 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل معتكفه. وإنه أمر بخبائه فضرب. أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبر تردن؟ فأمر بخبائه فقوِّض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬13) ففيه دليلٌ على جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأن أول شوال هو يوم الفطر وصومه حرام (¬14) كما أن إيجاب الصوم حكمٌ لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نصٌّ ولا إجماع (¬15) ¬

(¬1) وذلك لأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط للواحدة وجود الأخرى. (¬2) ((الأم للشافعي)) (2/ 118)، ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 486). قال الماوردي: (فأما الصوم فغير واجبٍ فيه بل إن اعتكف مفطراً جاز). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 64)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 145). قال ابن قدامة: (المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صومٍ). (¬4) قال ابن عبدالبر: (وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وابن علية الاعتكاف جائزٌ بغير صومٍ، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبدالعزيز) ((التمهيد)) (11/ 200)، وانظر ((المغني لابن قدامة)) (3/ 64). (¬5) قال ابن حزم: (من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلا يخلو صومه من أن يكون لرمضان خالصا وكذلك هو فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوي به الاعتكاف فقد بطل أن يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح أنه جائز بلا صوم وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه .. وأيضا فإن الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار ولا صوم بالليل فصح أن الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم) ((المحلى)) (5/ 186). (¬6) قال النووي: (ويجوز بغير صوم) ((المجموع)) (6/ 485). (¬7) قال ابن دقيق العيد: (الصوم ليس بشرطٍ) ((إحكام الأحكام)) (ص295). (¬8) ((فتح الباري)) (4/ 274). (¬9) قال ابن باز: (ولا يشترط أن يكون معه صومٌ على الصحيح فلو اعتكف الرجل أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 441). وقال أيضاً: (ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). (¬10) قال ابن عثيمين: (القول الثاني: أنه لا يشترط له الصوم .. وهذا القول هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (6/ 507). (¬11) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656). (¬12) ((التمهيد لابن عبدالبر)) (11/ 200). (¬13) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173) واللفظ له. (¬14) ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 276). (¬15) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 65).

الفصل الرابع: ما يفسد الاعتكاف وما لا يفسده

مطلب: أقسام الخروج من المسجد الفرع الأول: الخروج ببعض البدن الخروج ببعض البدن من المسجد لا بأس به للمعتكف ولا يفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، (¬5) الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ... يخرج رأسه من المسجد - وهو معتكف - فأغسله وأنا حائض)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكفٌ في المسجد وهي في حجرتها، يناولها رأسه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7) الفرع الثاني: الخروج بجميع البدن بغير عذر الخروج بجميع البدن من المسجد بغير عذرٍ يفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، (¬12)، بل حكى ابن حزم الإجماع على ذلك (¬13) الدليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ، إذا كان معتكفا)). أخرجه البخاري ومسلم (¬14). الفرع الثالث: الخروج بجميع البدن بعذر ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 287)، ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 117). (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 549)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 543). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 500)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (4/ 332). (¬4) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 141)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 360). (¬5) قال ابن حزم: (وله إخراج رأسه من المسجد للترجيل) ((المحلى)) (5/ 187). وقال ابن دقيق العيد: (أن المعتكف إذا أخرج رأسه من المسجد لم يفسد اعتكافه، وقد يقاس عليه غيره من الأعضاء إذا لم يخرج جميع بدنه من المسجد) ((إحكام الأحكام)) (ص89). وقال ابن القيم: (وكان إذا اعتكف، دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان، وكان يخرج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة، فترجله، وتغسله وهو في المسجد وهى حائض) ((زاد المعاد)) (2/ 89). وقال الصنعاني: (في الحديث دليلٌ على ... أن خروج بعض بدنه لا يضر) ((سبل السلام)) (2/ 174). وقال ابن عثيمين: (وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 341). (¬6) رواه البخاري (2031) واللفظ له، ومسلم (297). (¬7) رواه البخاري (2046) واللفظ له، ومسلم (297). (¬8) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 109)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115). (¬9) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 543)، ((حاشية الدسوقي)) (1/ 543). (¬10) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 486)، ((المجموع للنووي)) (6/ 500). (¬11) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 69)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 179). (¬12) قال الصنعاني: (في الحديث دليلٌ على أنه لا يخرج المعتكف من المسجد بكل بدنه) ((سبل السلام)) (2/ 174). وقال الشوكاني: (<قوله: ولا يخرج لحاجةٍ إلا لما لا بد منه> فيه دليلٌ على المنع من الخروج لكل حاجةٍ من غير فرقٍ بين ما كان مباحاً أو قربة أو غيرهما إلا الذي لا بد منه كالخروج لقضاء الحاجة وما في حكمها) ((نيل الأوطار)) (4/ 267). (¬13) قال ابن حزم: (واتفقوا على أن من خرج من معتكفه في المسجد لغير حاجةٍ ولا ضرورةٍ ولا برٍ أمر به أو ندب إليه، فإن اعتكافه قد بطل) ((مراتب الإجماع)) (ص41)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)). والخلاف في المسألة منقولٌ عن أبي يوسف ومحمد ما لم يكن الخروج أكثر من نصف يوم. ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 109)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 115). (¬14) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297).

الخروج لأمرٍ لا بد منه حساً أو شرعاً جائزٌ، كقضاء الحاجة والوضوء من الحدث وغير ذلك (¬1). الدليل: الإجماع: فقد أجمع أهل العلم على ذلك، وممن نقل الإجماع ابن المنذر (¬2)، والماوردي (¬3)، وابن قدامة (¬4)، والنووي (¬5) ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (إن المعتكف يخرج من المسجد لما لا بد منه: كقضاء الحاجة والأكل والشرب) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 216). وقال الشوكاني: (<قوله: إلا لحاجة الإنسان> فسرها الزهري بالبول والغائط وقد وقع الإجماع على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ويلحق بالبول والغائط القيء والفصد والحجامة لمن احتاج إلى ذلك) ((نيل الأوطار)) (4/ 266). وقال ابن عثيمين: (الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعاً أو شرعاً كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابةٍ أو غيرها والأكل والشرب، فهذا جائزٌ إذا لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله في المسجد فلا، مثل أن يكون في المسجد حمامٌ يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذٍ لعدم الحاجة إليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 342) (¬2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للمعتكف أن يخرج عن معتكفه للغائط والبول) ((الإجماع)) (ص50) (¬3) قال النووي: ( .. وقد نقل ابن المنذر والماوردي وغيرهما إجماع المسلمين على هذا) ((المجموع)) (6/ 490). (¬4) قال ابن قدامة: (ولا خلاف في أن له الخروج لما لا بد له منه) ((المغني)) (3/ 68). (¬5) قال النووي: ( .. وهي البول والغائط وهذا لا خلاف فيه) ((المجموع)) (6/ 490).

المبحث الثاني: الجماع وإنزال المني والاحتلام

المبحث الثاني: الجماع وإنزال المني والاحتلام المطلب الأول: الجماع وإنزال المني الجماع وإنزال المني عمداً يحرم على المعتكف ويفسد عليه الاعتكاف (¬1). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187] ثانياً: الإجماع: أجمع العلماء على أن الجماع من مفسدات الاعتكاف، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬2)، والجصاص (¬3)، وابن حزم (¬4)، وابن عبدالبر (¬5)، والقرطبي (¬6)، والنووي (¬7) المطلب الثاني: الاحتلام المعتكف إذا احتلم لا يفسد اعتكافه، وعليه أن يغتسل ويتم اعتكافه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، (¬12) الدليل: عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬13) ¬

(¬1) ((الاستذكار)) (10/ 317). (¬2) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المعتكف ممنوعٌ من المباشرة) ((الإجماع)) (ص50). وقال أيضاً: (وأجمعوا على أن من جامع امرأته، وهو معتكفٌ عامداً لذلك في فرجها أنه مفسٌد لاعتكافه) ((الإجماع)) (ص50). (¬3) قال الجصاص: (أنه معلومٌ أن حظر الجماع على المعتكف غير متعلقٍ بكونه في المسجد؛ لأنه لا خلاف بين أهل العلم أنه ليس له أن يجامع امرأته في بيته في حال الاعتكاف) ((أحكام القرآن)) (1/ 309 - 310). (¬4) قال ابن حزم: (واتفقوا أن الوطء يفسد الاعتكاف) ((مراتب الإجماع)) (ص41). (¬5) قال ابن عبدالبر: (ولا أعلم خلافاً في المعتكف يطأ أهله عامداً أنه قد أفسد اعتكافه) ((الاستذكار)) (10/ 317). (¬6) قال القرطبي: (وأجمع أهل العلم على أن من جامع امرأته وهو معتكفٌ عامداً لذلك في فرجها أنه مفسدٌ لاعتكافه) ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 332). (¬7) قال النووي: (إن جامع المعتكف ذاكراً للاعتكاف عالماً بتحريمه، بطل اعتكافه بإجماع المسلمين سواء كان جماعه في المسجد أو عند خروجه لقضاء الحاجة ونحوه من الأعذار التي يجوز لها الخروج) ((المجموع)) (6/ 524). (¬8) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 396). (¬9) ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 732)، ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/ 270). (¬10) ((المجموع للنووي)) (6/ 500)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 455). (¬11) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 164)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 356،368). (¬12) قال ابن حزم: (وكذلك يخرج لحاجة الإنسان من البول والغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام) ((المحلى)) (5/ 188). وقال ابن عثيمين: (الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعاً أو شرعاً كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (20/ 342). (¬13) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).

المبحث الثالث: طروء الحيض والنفاس

المبحث الثالث: طروء الحيض والنفاس طروء الحيض أو النفاس على المعتكفة يحرِّم عليها اللبث في المسجد، فينقطع بذلك اعتكافها مؤقتاً، ولا يبطله، فإذا طهرت فإنها ترجع إلى المسجد الذي كانت تعتكف فيه وتبني على ما مضى من اعتكافها، وهذا قول جمهور العلماء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، (¬4)، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على تحريم مكثها في المسجد (¬5) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43] وجه الدلالة: أنه إذا وجب على الجنب ألا يقرب المسجد حتى يغتسل، فالحائض والنفساء أولى منه بذلك؛ لأن الحيض والنفاس لا يمكن رفعهما، فهما أولى بالمنع. ثانياً: من السنة: 1 - عن أم عطية قالت ((أمرنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: فقلت إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك)). أخرجه مسلم (¬7) ¬

(¬1) قال ابن عبد البر: (والمرض والحيض إذا طرأ على المعتكف بنى على اعتكافه ساعة يصح المريض وتطهر الحائض ويرجع كل واحد منهما إلى مسجده ساعتئذٍ في ليلٍ أو نهار) ((الكافي)) (1/ 354)، وانظر ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 45)، و ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص31، 85). (¬2) قال النووي: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزمها الخروج من المسجد وإذا خرجت سكنت في بيتها كما كانت قبل الاعتكاف حتى ينقطع حيضها ثم تعود إلى اعتكافها) ((المجموع للنووي)) (6/ 520)، وقال أيضا: (قال الشافعي في البويطي إذا حاضت المعتكفة خرجت فإذا طهرت رجعت وبنت هكذا نص عليه ونقله عن نصه في البويطي القاضى أبو الطيب وغيره. وقال أصحابنا إذا حاضت في اعتكافها لزمها الخروج من المسجد فإذا خرجت وطهرت فإن كان اعتكافها تطوعاً وأرادت البناء عليه بنت. وإن كان نذرا غير متتابع بنت. وإن كان متتابعاً فإن كان مدة لا يمكن حفظها من الحيض غالباً بأن كان أكثر من خمسة عشر يوماٍ لم يبطل التتابع بل تبني عليه بلا خلاف. وإن كانت مدة يمكن حفظها من الحيض كخمسة عشر فما دونها فطريقان: أحدهما: ينقطع وبهذا جزم المصنف وطائفة .. والأصح الانقطاع) ((المجموع للنووي)) (6/ 519)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 454، 455). (¬3) قال المرداوي: (تخرج المرأة للحيض والنفاس إلى بيتها إن لم يكن للمسجد رحبة، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبةٌ يمكن ضرب خبائها فيها بلا ضرر فعلت ذلك فإذا طهرت رجعت إلى المسجد) ((الإنصاف للمرادوي)) (3/ 265)، وانظر ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 357 - 358). (¬4) قال ابن تيمية: (الاعتكاف يستحب له طهارة الحدث ولا يجب، فلو قعد المعتكف وهو محدثٌ في المسجد لم يحرم بخلاف ما إذا كان جنباً أو حائضاً فإن هذا يمنعه منه الجمهور كمنعهم الجنب والحائض من اللبث في المسجد لا لأن ذلك يبطل الاعتكاف) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 275). (¬5) قال ابن قدامة: (أما خروجها من المسجد فلا خلاف فيه لأن الحيض حدثٌ يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة وآكد منه) ((المغني)) (3/ 79). (¬6) رواه البخاري (324)، ومسلم (890) واللفظ له. (¬7) رواه مسلم (298).

المبحث الرابع: طروء الإغماء والجنون

المبحث الرابع: طروء الإغماء والجنون طروء الإغماء والجنون يقطع الاعتكاف فإن أفاق بنى على اعتكافه (¬1)، وهذا قول جمهور العلماء من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). الدليل: عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬5) ¬

(¬1) وذلك لأنه مغلوبٌ على زوال عقله بأمرٍ هو فيه معذور، فصار كمن غلب على الخروج، وكذلك المغمى عليه. (¬2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 291)، ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 544). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 495)، ((المجموع للنووي)) (6/ 517 - 518). (¬4) ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 133)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 351). (¬5) رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 323) (7343)، وابن حبان (1/ 356) (143)، والحاكم (1/ 389). وحسنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/ 206)، والنووي في ((المجموع)) (6/ 253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403).

المبحث الخامس: المعاصي

المبحث الخامس: المعاصي المعاصي تجرح معنى الاعتكاف الذي يدور رحاه على الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى في بيتٍ من بيوته، لكن إن وقعت من المعتكف المعصية فإنها لا تفسد اعتكافه حتى لو كانت هذه المعصية من جنس الكبائر كالغيبة والنميمة ونحوهما، وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3) وذلك لأن النهي عن المعاصي ومنها الكبائر لا يعود إلى ذات المنهي عنه، فلم يخص الشارعُ النهيَّ عن المعصية في حال الاعتكاف، وإنما أتى النهي عنها مطلقاً، فهو بالتالي أمر خارج عن ذات الاعتكاف فلا يكون مبطلاً له. ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 116)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 117). (¬2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 494)، ((المجموع للنووي)) (6/ 534). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 75)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 147).

المبحث السادس: الردة

المبحث السادس: الردة الردة تفسد الاعتكاف، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة: 54] ومن باب أولى عدم قبول العبادات البدنية. 2 - قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل برٍّ عند أنفسهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطلناه بالكفر (¬5). 3 - قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] ثانياً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) فالعبادة لا تؤدى إلا بالنية والكافر ليس من أهل النية (¬7) ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 115)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 544)، ((القوانين الفقهية لابن جزي)) (ص85). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 494)، ((المجموع للنووي)) (6/ 518). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 145). (¬5) ((تفسير القرطبي)) (13/ 21 - 22)، وانظر ((تفسير الطبري)) (19/ 256 - 257). قال ابن كثير: (فعمل الرهبان ومن شابههم - وإن فُرِضَ أنهم مخلصون فيه لله - فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا *الفرقان: 23*، وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا *النور: 39*) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 385). (¬6) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907). (¬7) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 108).

الفصل الخامس: نذر الاعتكاف

المبحث الأول: حكم نذر الاعتكاف من نذر الاعتكاف فإنه يلزمه الوفاء به، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬5) وفي ذلك لزوم الوفاء بالنذر. 2 - عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري (¬6). ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 279)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 109). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 545)، ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 458). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 491)، ((روضة الطالبين للنووي)) (2/ 394). (¬4) ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 128)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 348). (¬5) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656). (¬6) رواه البخاري (6700).

المبحث الثاني: نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة

المبحث الثاني: نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة من نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة (¬1)، فعليه الوفاء بنذره، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4)، (¬5) الأدلة: 1 – عموم ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)). أخرجه البخاري (¬6) فالوفاء بنذر الطاعة واجبٌ. 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7) 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8). ¬

(¬1) وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى. (¬2) ((التاج والإكليل للمواق)) (2/ 461)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 405). (¬3) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 491)، ((المجموع للنووي)) (6/ 481 - 482). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 82)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 151). قال ابن مفلح: (من نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لم يجزئه في غيرها). (¬5) قال ابن تيمية: (ولو نذر صلاةً أو صياماً أو قراءةً أو اعتكافاً في مكانٍ بعينه فإن كان للتعيين مزيةٌ في الشرع: كالصلاة والاعتكاف في المساجد الثلاثة لزم الوفاء به) ((مجموع الفتاوى)) (31/ 50 - 51). وقال ابن باز: (إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 445). وقال ابن عثيمين: (لو نذر رجلٌ أن يعتكف في أي مسجدٍ من المساجد، في أي بلدٍ فإنه لا يلزمه أن يعتكف فيه، إلا المساجد الثلاثة) ((الشرح الممتع)) (6/ 512). (¬6) رواه البخاري (6700). (¬7) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656). (¬8) رواه البخاري (1189)، ومسلم (1397).

المبحث الثالث: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه

المبحث الثالث: حكم من نذر الاعتكاف قبل إسلامه من نذر الاعتكاف قبل أن يسلم فيجب الوفاء به بعد إسلامه، وهذا قول أهل الظاهر (¬1)، وهي رواية عن أحمد (¬2)، واختاره ابن بطال (¬3)، والبغوي (¬4)، والصنعاني (¬5)، والشوكاني (¬6)، والشنقيطي (¬7)، وابن عثيمين (¬8) الدليل: عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام. قال: فأوف بنذرك)). أخرجه البخاري ومسلم (¬9) ¬

(¬1) ((المحلى لابن حزم)) (5/ 183)، قال ابن حجر: (وبه جزم الطبري والمغيرة بن عبد الرحمن من المالكية والبخاري وداود وأتباعه) ((فتح الباري)) (11/ 582). (¬2) ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (3/ 472). (¬3) قال ابن حجر: (<قال ابن بطال: من نذر أو حلف قبل أن يسلم على شيءٍ يجب الوفاء به لو كان مسلماً فإنه إذا أسلم يجب عليه على ظاهر قصة عمر>) ((فتح الباري)) (11/ 582). (¬4) قال البغوي: (في هذا الحديث دليلٌ على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإسلام، صح نذره، ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام) ((شرح السنة)) (6/ 402). (¬5) قال الصنعاني: (دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به إذا أسلم) ((سبل السلام)) (4/ 115). (¬6) قال الشوكاني: (والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره) ((نيل الأوطار)) (4/ 92). (¬7) قال الشنقيطي: (اشتراط الإسلام في النذر فيه نظر؛ لأن ما نذره الكافر من فعل الطاعات قد ينعقد نذره له بدليل أنه يفعله إذا أسلم بعد ذلك، ولو كان لغواً غير منعقد، لما كان له أثرٌ بعد الإسلام .. فقوله صلى الله عليه وسلم لعمر في هذا الحديث الصحيح: أوف بنذرك. مع أنه نذره في الجاهلية، صريحٌ في ذلك كما ترى) ((أضواء البيان)) (5/ 248). (¬8) قال ابن عثيمين: (لو كان الناذر كافراً فإن نذره ينعقد، فإن وفى به في حال كفره برئت ذمته، وإن لم يف به لزمه أن يوفي به بعد إسلامه؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام في الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك. والأمر هنا للوجوب، وإيجاب الوفاء عليه لنذره فرعٌ عن صحته؛ لأنه لو كان غير صحيحٍ ما وجب الوفاء به) ((الشرح الممتع)) (15/ 209). (¬9) رواه البخاري (2032)، ومسلم (1656).

المبحث الرابع: من نذر يوما هل يدخل فيه الليل؟

المبحث الرابع: من نذر يوماً هل يدخل فيه الليل؟ اليوم في النذر يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فلا يدخل فيه الليل، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، (¬4) وذلك لأن مطلق اليوم يقع على هذا الزمان. ولا يلزمه اعتكاف الليل؛ لأنه لا يتخلل زمان الاعتكاف (¬5). ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 113)، ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 110). (¬2) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 501)، ((المجموع للنووي)) (6/ 493). (¬3) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 81)، ((شرح منتهى الإرادات للبهوتي)) (1/ 503). (¬4) قال ابن حزم: (ومن نذر اعتكاف يومٍ أو أيامٍ مسماةٍ أو أراد ذلك تطوعاً فإنه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس سواء كان ذلك في رمضان أو غيره) ((المحلى)) (5/ 198). وقال ابن عثيمين: (من نذر أن يصوم معتكفاً لزمه أن يعتكف من قبل الفجر إلى الغروب؛ لأنه نذر أن يصوم معتكفاً؛ فلا بد أن يستغرق الاعتكاف كل اليوم) ((الشرح الممتع)) (6/ 507). (¬5) ((الحاوي الكبير للماوردي)) (3/ 501).

الفصل السادس: قضاء الاعتكاف

المبحث الأول: قضاء الاعتكاف المستحب المعتكف تطوعاً إذا أبطل اعتكافه بعد الشروع فيه، فإنه يستحب له القضاء ولا يلزمه، وهو مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وقولٌ للحنفية (¬3) الدليل: عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهن بالقضاء، وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم له لم يكن واجباً عليه, وإنما فعله تطوعاً; لأنه كان إذا عمل عملا أثبته (¬5). ¬

(¬1) ((المجموع للنووي)) (6/ 490). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة)) (3/ 142). (¬3) ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 326)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 444). (¬4) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173). (¬5) ((المغني)) (3/ 60).

المبحث الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب

المطلب الأول: قضاء الاعتكاف المنذور إذا فات أو فسد من نذر اعتكاف يومٍ أو عدة أيامٍ معينةٍ ففاتته أو بطل اعتكافه فيها بأحد مفسداته، فعليه قضاء اليوم أو الأيام التي فاتته، أو بطل اعتكافه فيها، وهذا قول الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). وذلك لأن الوفاء بالنذر واجب، فإذا فسد اعتكافه المنذور فإن النذر لا يزال باقياً، فهو دينٌ في ذمته، وعليه قضاؤه. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 118)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 402 - 403). (¬2) ((الشرح الكبير للدردير)) (1/ 551). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 493)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 456). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 73)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 336).

المطلب الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت

المطلب الثاني: قضاء الاعتكاف الواجب عن الميت من مات وقد نذر قبل موته الاعتكاف فلم يعتكف، فقد اختلف أهل العلم هل يستحب لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه أو لا، على قولين: القول الأول: لا يستحب لوليه أن يقضيه عنه، ويطعم عنه إن أوصى، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). الأدلة: 1 - عموم قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [النجم:39] 2 - عموم قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء:15] القول الثاني: يستحب لوليه أن يقضي هذا الاعتكاف عنه، وهو المذهب عند الحنابلة (¬4)، وقولٌ للشافعي (¬5)، وذهب إليه ابن عثيمين (¬6) الأدلة: أولاً: من السنة: عموم الأحاديث التالية: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر. فقال: اقضه عنها)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7) 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دينٌ، أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يُقضَى)). أخرجه البخاري ومسلم (¬8) فقوله صلى الله عليه وسلم: ((فدين الله أحق أن يقضى)) يشمل نذر الاعتكاف؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ثانياً: القياس: فقضاء الاعتكاف عن الميت قياساً على الصوم؛ لأن كلاًّ منهما كفٌّ ومنع (¬9). ¬

(¬1) ((حاشية ابن عابدين)) (8/ 471). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 547). (¬3) ((المجموع للنووي)) (3/ 372). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (10/ 86)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 336). (¬5) ((المجموع للنووي)) (6/ 372)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 439). (¬6) قال ابن عثيمين: (رجلٌ نذر أن يعتكف ثلاثة أيام من أول شهر جمادى الآخرة، ولم يعتكف ومات، فيعتكف عنه وليه؛ لأن هذا الاعتكاف صار ديناً عليه، وإذا كان ديناً فإنه يقضى، كما يقضى دين الآدمي. وقوله: <اعتكاف نذر> قد يفهم منه أن هناك اعتكافاً واجباً بأصل الشرع وليس كذلك؛ لأن الاعتكاف لا يكون واجباً إلا بالنذر) ((الشرح الممتع)) (6/ 454). (¬7) رواه البخاري (2761)، ومسلم (1638). (¬8) رواه البخاري (1953)، ومسلم (1148) واللفظ له. (¬9) ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 439).

الفصل السابع: ما يندب للمعتكف فعله

المطلب الأول: أفضل الاعتكاف زمناً أفضل الاعتكاف زمناً هو في رمضان، وآكده في العشر الأواخر منه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، (¬5) الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6) 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة، فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء، فبني لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آلبر أردن بهذا؟! ما أنا بمعتكف. فرجع، فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7) ¬

(¬1) ((المبسوط للسرخسي)) (3/ 207)، ((فتح القدير للكمال ابن الهمام)) (2/ 389) (¬2) ((الكافي لابن عبدالبر)) (1/ 352)، ((بداية المجتهد لابن رشد)) (1/ 312) (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 475)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 449). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 254)، ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 348). (¬5) قال ابن دقيق العيد: (واستحبابه في رمضان بخصوصه وفي العشر الأواخر بخصوصها) ((إحكام الأحكام)). (1/ 293) وقال ابن تيمية: (وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد فهو عبادةٌ يُشرع التأسي به فيه، فإذا خصص زماناً أو مكاناً بعبادةٍ كان تخصيصه بتلك العبادة سنةٌ، كتخصيصه العشر الأواخر بالاعتكاف فيها) ((مجموع الفتاوى)) (10/ 409). وقال ابن القيم: (ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم، شرع الاعتكاف في أفضل أيام الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان) ((زاد المعاد)) (2/ 87). وقال الشوكاني: (قوله: <العشر الأواخر من رمضان> فيه دليلٌ على استحباب مداومة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لتخصيصه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذلك الوقت بالمداومة على اعتكافه) ((نيل الأوطار)) (4/ 264). وقال ابن باز: (ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 442). (¬6) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172). (¬7) رواه البخاري (2045)، ومسلم (1173).

المطلب الثاني: أفضل الاعتكاف مكانا

المطلب الثاني: أفضل الاعتكاف مكاناً أفضل الاعتكاف مكاناً هو المسجد الحرام ثم يليه المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى، ثم المسجد الجامع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، (¬5) وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة قد خصها الله تعالى بمزيدٍ من التشريف على غيرها، فهي أعظم مساجد الله عزَّ وجلَّ، وأفضل مساجد الله سبحانه (¬6). ولأن كل ما عظُم من المساجد وكثُر أهله فهو أفضل. ولأن الاعتكاف قد يتخلله يوم جمعةٍ، فإن لم يكن اعتكافه في مسجد جمعةٍ اضطر إلى الخروج لأدائها. ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 282)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 324). (¬2) ((التاج والإكليل للمواق)) (3/ 344)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (2/ 935). (¬3) ((الأم للشافعي)) (2/ 118)، ((المجموع للنووي)) (6/ 479). (¬4) ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 259)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 151). (¬5) قال ابن عثيمين: (لا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل من غيره) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)). (¬6) قال ابن تيمية: (والمسجد الحرام أفضل المساجد ويليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويليه المسجد الأقصى) ((مجموع الفتاوى)) (27/ 7).

المبحث الثاني: الاشتغال بالقرب والطاعات

المطلب الأول: اشتغال المعتكف بالعبادات المختصة به يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب والعبادات المختصة به كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة في غير وقت النهي، وما أشبه ذلك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)؛ وذلك لأن الاعتكاف إنما شُرِعَ للتفرغ لعبادة الله عز وجل، وجمع القلب بكلِّيَّتِهِ على الله سبحانه وتعالى. وكره بعض المالكية والحنابلة للمعتكف الاشتغال بتدريس العلم والمناظرة وكتابة الحديث ومجالسة العلماء ونحو ذلك من العبادات التي لا يختص نفعها به (¬5). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 352). (¬2) ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 407 - 408). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 528). (¬4) ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 362). (¬5) انظر ((حاشية الدسوقي)) (1/ 548)، ((مواهب الجليل للحطاب)) (3/ 407 - 408)، و ((كشاف القناع للبهوتي)) (2/ 363). قال ابن عثيمين: (قوله: < ويستحب اشتغاله بالقرب > أي: يستحب للمعتكف أن يشتغل بالقرب، جمع قربة، ومراده العبادات الخاصة، كقراءة القرآن، والذكر، والصلاة في غير وقت النهي، وما أشبه ذلك، وهو أفضل من أن يذهب إلى حلقات العلم، اللهم إلا أن تكون هذه الحلقات نادرة، لا تحصل له في غير هذا الوقت، فربما نقول: طلب العلم في هذه الحال، أفضل من الاشتغال بالعبادات الخاصة، فاحضرها لأن هذا لا يشغل عن مقصود الاعتكاف) ((الشرح الممتع)) (6/ 529).

المطلب الثاني: حكم الصمت عن الكلام مطلقا

المطلب الثاني: حكم الصمت عن الكلام مطلقاً يحرم الصمت على المعتكف إن فعله قربةً وتديناً، ونص على ذلك فقهاء الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وقد حكى ابن تيمية الإجماع على بدعيَّة ذلك (¬3). الأدلة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)). أخرجه البخاري (¬4) وجه الدلالة: أمرُهُ صلى الله عليه وسلم للرجل أن يتكلم مع أنه نذر الصمت، فتركُ الصمت لمن لم ينذره من باب أولى. 2 - عن قيس بن أبي حازم قال: ((دخل أبو بكر على امرأةٍ من أحمس يقال لها: زينب. فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت ... )). أخرجه البخاري (¬5) ¬

(¬1) ((المبسوط للشيباني)) (2/ 277)، ((الهداية للمرغيناني)) (1/ 133). (¬2) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 76)، ((الفروع لابن مفلح)) (5/ 188). قال ابن قدامة: (وليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه). (¬3) قال ابن تيمية: (وأما الصمت عن الكلام مطلقاً في الصوم أو الاعتكاف أو غيرهما فبدعةٌ مكروهةٌ باتفاق أهل العلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 292). وقال ابن تيمية أيضا: ( .. فمن فعلها – يعني بذلك بعض الأعمال كالصمت - على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضالٌّ جاهلٌّ مخالفٌ لأمر الله ورسوله، ومعلومٌ أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافاً ونحو ذلك إنما يفعله تديناً ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرامٌ؛ فإنه يعتقد ما ليس بقربةٍ قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله، وهذا حرامٌ، لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذوراً بجهله إذا لم تقم عليه الحجة، فإذا بلغه العلم فعليه التوبة، وجماع الأمر في الكلام قوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت. فقول الخير وهو الواجب أو المستحب خيرٌ من السكوت عنه، وما ليس بواجبٍ ولا مستحبٍ فالسكوت عنه خيرٌ من قوله) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 293). (¬4) رواه البخاري (6704). (¬5) رواه البخاري (3834).

المطلب الثالث: هل للمعتكف أن يعقد النكاح سواء كان له أو لغيره؟

المطلب الثالث: هل للمعتكف أن يعقد النكاح سواء كان له أو لغيره؟ يجوز للمعتكف عقد النكاح في المسجد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4)، بل حكى النووي الإجماع على هذا (¬5). وذلك لأن النكاح طاعةٌ، وحضوره قربةٌ، كما أنَّ مدته لا تتطاول، فلا يحصل التشاغل به عن الاعتكاف؛ ولذا لم يُكره فيه. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع للكاساني)) (2/ 116)، ((البحر الرائق لابن نجيم)) (2/ 326). (¬2) ((الذخيرة للقرافي)) (2/ 540)، ((الفواكه الدواني للنفراوي)) (1/ 45). (¬3) ((المجموع للنووي)) (6/ 528)، ((مغني المحتاج للشربيني الخطيب)) (1/ 452). (¬4) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 77)، ((الإنصاف للمرداوي)) (3/ 384). (¬5) قال النووي: (يجوز أن يتزوج وأن يزوج .. ولا أعلم فيه خلافاً) ((المجموع)) (6/ 528).

6 - الحج والعمرة

6 - الحج والعمرة الباب الأول: حكم الحج وفضله وحِكَمه الفصل الأول: تعريف الحج وفضله المبحث الأول: تعريف الحج لغةً واصطلاحاً الحج لغةً: الحج لغة: هو القصد (¬1). الحج اصطلاحاً: هو قصد المشاعر المقدسة لإقامة المناسك تعبداً لله عز وجل (¬2). المبحث الثاني: من فضائل الحج 1 - الحج من أفضل الأعمال عند الله تعالى: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌ مبرور)). أخرجه البخاري ومسلم (¬3). 2 - الحج من أسباب مغفرة الذنوب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)). أخرجه البخاري ومسلم (¬4). 3 - الحج المبرور (¬5) جزاؤه الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). أخرجه البخاري ومسلم (¬6). 4 - الحج يهدم ما كان قبله: عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)) أخرجه مسلم (¬7). 5 - ينفي الفقر والذنوب: عن عبدالله بن مسعود قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)). ¬

(¬1) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حجج)، قال ابن فارس: (اُختُصَّ بهذا الاسم: القصدُ إلى البيت الحرام للنُّسك) ((معجم مقاييس اللغة) (مادة: حج)، وقال القونوي: (وقد غلب على قصد الكعبة للنسك المعروف اصطلاحاً) ((أنيس الفقهاء)) (ص: 48). (¬2) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 215)، وبعضهم عرفه بقوله: (عبارة عن قصد مخصوص إلى مكان مخصوص في زمان مخصوص) ((أنيس الفقهاء)) (ص: 48)، لكنَّ الأولى في تعريف العبادات التذكير بكونها عبادة، كما نبه عليه ابن عثيمين بقوله في تعريف الحج: (وفي الشرع: التعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لو أخذنا بظاهره لشمل من قصد مكة للتجارة مثلاً، ولكن الأولى أن نذكر في كل تعريفٍ للعبادة: التعبد لله عز وجل، فالصلاة لا نقول إنها: أفعالٌ وأقوالٌ معلومةٌ فقط، بل نقول: هي التعبد لله بأقوال وأفعال معلومة، وكذلك الزكاة، وكذلك الصيام، وقول بعض الفقهاء في تعريفه: قصد مكة لعملٍ مخصوص، لا شك أنه قاصر؛ لأن الحج أخص مما قالوا) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 5 - 6). (¬3) رواه البخاري (26)، ومسلم (83) واللفظ له. (¬4) رواه البخاري (1521) واللفظ له، ومسلم (1350). (¬5) قال الحافظ ابن حجر: (الحج المبرور قيل: المقبول. وقيل: الذي لم يخالطه إثم. وقيل: الخالص) ((مقدمة فتح الباري)) (1/ 85). (¬6) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349). (¬7) رواه مسلم (121).

الفصل الثاني: من حكم مشروعية الحج

الفصل الثاني: من حِكَم مشروعية الحج 1 - تحقيق توحيد الله تعالى: - قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (¬1) [الحج: 26 - 27]. - عن جابر رضي الله عنه، أنه قال في بيان حجته عليه الصلاة والسلام: ((فأهلَّ بالتوحيد (¬2): لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (¬3))) أخرجه مسلم (¬4). 2 - إظهار الافتقار إلى الله سبحانه: فالحاج يبتعد عن الترفه والتزين، ويلبس ثياب الإحرام متجرداً عن الدنيا وزينتها، فيُظهر عجزه، ومسكنته، ويكون في أثناء المناسك، ضارعا لربه عز وجل، مفتقرا إليه، ذليلا بين يديه، منقادا بطواعية لأوامره، مجتنبا لنواهيه سبحانه، سواء علم حكمتها أم لم يعلم (¬5). 3 - تحقيق التقوى لله تعالى: ¬

(¬1) قال ابن كثير: (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي *الحج: 26* أي: ابْنه على اسمي وحدي، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ *الحج: 26* قال مجاهد وقتادة: من الشرك، لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ *الحج: 26* أي: اجعله خالصاً لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 413). (¬2) قال النووي: (وفيه إشارةٌ إلى مخالفة ما كانت الجاهلية تقوله في تلبيتها من لفظ الشرك) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 174). (¬3) قال ابن باز: (كله -أي الحج- دعوة إلى توحيده، والاستقامة على دينه، والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعثه الله به من الحق والهدى في الحج وغيره، فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر، يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 186). (¬4) رواه مسلم (1218). (¬5) قال السعدي: (والمقصود من الحج، الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مقارفة السيئات؛ فإنه بذلك يكون مبرورا، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/ 92). وقال ابن عثيمين: (وهو في الحقيقة -أعني رمي الجمرات- غاية التعبد والتذلل لله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان لا يعرف حكمةً من رمي هذه الجمرات في هذه الأمكنة، إلا لأنها مجرد تعبدٍ لله سبحانه وتعالى، وانقيادُ الإنسان لطاعة الله، وهو لا يعرف الحكمة، أبلغ في التذلل والتعبد؛ لأن العبادات منها ما حكمته معلومةٌ لنا وظاهرة، فالإنسان ينقاد لها تعبداً لله تعالى وطاعةً له ثم اتباعاً لما يعلم فيها من هذه المصالح، ومنها ما لا يعرف حكمته، ولكن كون الله يأمر بها ويتعبد بها عباده، فيمتثلون، فهذا غاية التذلل والخضوع لله) ((فتاوى نور على الدرب)).

قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (¬1) [البقرة: 197]. ومما تتحقق به التقوى في الحج، الإبتعاد عن محظورات الإحرام. 4 - إقامة ذكر الله عز وجل: قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة: 198 – 200]. 5 - تهذيب النفس البشرية، بتطهيرها من فعل السيئات، ومبادرتها إلى القيام بالطاعات: قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬2) [البقرة: 197]. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)) (¬3). 6 - في الحج تذكير بالآخرة، ووقوف العباد بين يدي الله تعالى يوم القيامة: فالمشاعر تجمع الناس من مختلف الأجناس في زيٍ واحد، مكشوفي الرؤوس، يلبون دعوة الخالق عز وجل، وهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يديه سبحانه يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ حفاةً عراةً غرلاً خائفين وجلين مشفقين؛ وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل (¬4). 7 - تربية الأمة على معاني الوحدة الصحيحة: ففي الحج تختفي الفوارق بين الناس من الغنى والفقر والجنس واللون وغير ذلك، وتتوحد وجهتهم نحو خالقٍ واحد، وبلباسٍ واحد، يؤدون نفس الأعمال في زمنٍ واحد ومكانٍ واحد، بالإضافة إلى ما يكون بين الحجيج من مظاهر التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر (¬5). 8 - أن أداء فريضة الحج فيه شكرٌ لنعمة المال وسلامة البدن: ففي الحج شكر هاتين النعمتين العظيمتين، حيث يجهد الإنسان نفسه، وينفق ماله في التقرب إلى الله تبارك وتعالى (¬6). إلى غير ذلك من الحكم والفوائد والمنافع (¬7). ¬

(¬1) قال ابن جرير: (وتزودوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم ومناسككم، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود لأنفسكم ومسألتكم الناس ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها، ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجكم وفعل ما أمركم به، فإنه خير التزود، فمنه تزودوا) ((جامع البيان)) (4/ 161). (¬2) قال السعدي: (قوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ *البقرة: 197* أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصاً الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصاً عند النساء بحضرتهن، والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام، والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة؛ لكونها تثير الشر؛ وتوقع العداوة ... واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر، ولهذا قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ *البقرة: 197* أتى بـ (من) للتنصيص على العموم، فكل خيرٍ وقربةٍ وعبادة، داخلٌ في ذلك، أي: فإن الله به عليم، وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير، وخصوصاً في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة، فإنه ينبغي تدارك ما أمكن تداركه فيها، من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وطوافٍ، وإحسانٍ قوليٍّ وفعلي) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/ 91 - 92). (¬3) رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350). (¬4) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 246 - 247). (¬5) قال ابن عثيمين ضمن ذكره لبعض فوائد الحج: (5 - ما يكون فيه من اجتماع المسلمين من جميع الأقطار وتبادل المودة والمحبة والتعارف بينهم، وما يتصل بذلك من المواعظ والتوجيه والإرشاد إلى الخير والحث على ذلك. 6 - ظهور المسلمين بهذا المظهر الموحد في الزمان والمكان والعمل والهيئة، فكلهم يقفون في المشاعر بزمنٍ واحد، وعملهم واحد، وهيئتهم واحدة، إزار ورداء، وخضوع، وذلك بين يدي الله عز وجل) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 241). (¬6) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 26 - 27). (¬7) انظر: ((مجموع ورسائل العثيمين)) (24/ 239 - 241).

الفصل الثالث: حكم الحج وهل هو على الفور أم التراخي

الفصل الثالث: حكم الحج وهل هو على الفور أم التراخي المبحث الأول حكم الحج: الحج ركنٌ من أركان الإسلام، وفرضٌ من فروضه. الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (¬1) [آل عمران: 97]. ثانياً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)) (¬2). ثالثاً: الإجماع: فقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬3)، وابن حزم (¬4)، والكاساني (¬5). المبحث الثاني: هل الحج واجبٌ على الفور أو على التراخي؟ الحج واجبٌ على الفور عند تحقق شروطه، ويأثم المرء بتأخيره، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (¬6)، وهو أصح الروايتين عن أبي حنيفة (¬7)، ومنقول عن مالك (¬8) وهو قول أحمد (¬9)، واختيار الشوكاني (¬10)، والشنقيطي (¬11)، وابن باز (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: من الكتاب 1 - قوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196] والأمر على الفور (¬14). 2 - قوله تعالى: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]. وجه الدلالة: أنَّ الله سبحانه قد أمر بالاستباق إلى الخيرات، والتأخير خلاف ما أمر الله تعالى به. ثانياً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) (¬15) والأصل في الأمر أن يكون على الفور، ولهذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية حين أمرهم بالإحلال وتباطؤوا (¬16). ثالثاً: أنَّ الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يطرأ عليه العجز عن القيام بأوامر الله، ولو أخَّر الحج عن السنة الأولى فقد يمتد به العمر، وقد يموت فيفوت الفرض، وتفويت الفرض حرام (¬17). ¬

(¬1) قال ابن كثير: (هذه آية وُجُوب الحج عند الجمهور، وقيل: بل هي قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ *البقرة:196* والأول أظهر) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 81). (¬2) رواه البخاري (8)، ومسلم (16) واللفظ له. (¬3) قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن على المرء في عمره حجةٌ واحدة، حجة الإسلام إلا أن ينذر نذراً، فيجب عليه الوفاء به) ((الإجماع)) (ص: 51). (¬4) قال ابن حزم: (اتفقوا أن الحر المسلم العاقل البالغ الصحيح الجسم واليدين والبصر والرجلين الذي يجد زاداً وراحلةً وشيئاً يتخلف لأهله مدة مضيه، وليس في طريقه بحرٌ ولا خوفٌ ولا منعه أبواه أو أحدهما فإن الحج عليه فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص:41). (¬5) قال الكاساني: (وأما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على فرضيته) ((بدائع الصنائع)) (2/ 118). (¬6) قال ابن تيمية: (والحج واجبٌ على الفور عند أكثر العلماء) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 381). وينظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 455)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 3)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 287). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 333)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 295). (¬8) في ((حاشية الدسوقي)) (2/ 3) نقلا عن ((التوضيح)): (القول بالفورية نقله العراقيون عن مالك والقول بالتراخي إنما أخذ من مسائل وليس الأخذ منها بقوي). وينظر ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 24)، ((المجموع)) للنووي 7/ 103، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 174). (¬9) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 287)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 377). (¬10) قال الشوكاني: (وقد دل على الفور عند الاستطاعة الأحاديث الواردة في الوعيد لمن وجد زادا وراحلة ولم يحج وإن كان فيها مقال فمجموع طرقها منتهض) ((السيل الجرار)) (1/ 304). (¬11) قال الشنقيطي: (أظهر القولين عندي، وأليقهما بعظمة خالق السموات والأرض، هو أن وجوب أوامره جل وعلا كالحج، على الفور لا على التراخي) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 342). (¬12) قال ابن باز: (الحج واجبٌ على المكلف على الفور مع القدرة إذا استطاع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 358 - 359). (¬13) قال ابن عثيمين: ( ... والتأخير خلاف ما أمر الله به، وهذا هو الصواب، أنه واجبٌ على الفور) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 13). وقال أيضا: (الصحيح من أقوال أهل العلم أن الحج واجب على الفور، وأن الإنسان إذا صار مستطيعاً وجب عليه أن يبادر بالحج؛ لأن أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن يبادر بها الإنسان؛ إذ لا يدري ماذا يعرض له، ربما يموت، ربما يفتقر، ربما يمرض، فالواجب على كل إنسان استطاع الحج أن يبادر به إذا كان فرضه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 171). (¬14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 175). (¬15) رواه مسلم (1337). (¬16) الحديث رواه البخاري (2731). (¬17) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 13)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 25).

الباب الثاني: شروط الحج

تمهيد: تنقسم شروط الحج إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء (الإسلام، العقل) القسم الثاني: شروط وجوب، وإجزاء فقط (البلوغ، الحرية) القسم الثالث: شرط وجوب فقط (الاستطاعة)

الفصل الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء

الفصل الأول: شروط وجوب، وصحة، وإجزاء المبحث الأول: الإسلام المطلب الأول: حكم حج الكافر لا يصح الحج من الكافر، ولا يجب عليه (¬1)، ولا يجزئ عنه إن وقع منه (¬2). الأدلة: أولاً: من الكتاب 1 - قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة: 54]. وجه الدلالة: أنه إذا كانت النفقات لا تقبل منهم لكفرهم مع أن نفعها متعدٍّ، فالعبادات الخاصة أولى ألَّا تقبل منهم، والحج من العبادات الخاصة، فلا يُقبَل من كافر. 2 - وقال تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ [الأنفال 38]. ثانياً: من السنة: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟)) أخرجه مسلم (¬3). وجه الدلالة: أن الحديث صحيح صريح في قطع النظر عما قبل الاسلام (¬4). ثالثاً: الإجماع: أجمع أهل العلم على أن الحج إنما يتعلق فرضه بالمسلم، نقله ابن حزم (¬5)، وابن قدامة (¬6)، والشربيني (¬7). المطلب الثاني: من حج الفريضة، ثم ارتد ثم تاب وأسلم فهل يجب عليه الحج من جديد؟ ¬

(¬1) القول بوجوب الحج على الكافر أو عدم وجوبه مبني على الخلاف الأصولي في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة. قال القرافي: (والإسلام يجري على الخلاف بخطاب الكفار بالفروع، وهو المشهور، فلا يكون شرطا في الوجوب). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 179). وقال ابن قدامة: (أما الكافر فغير مخاطب بفروع الدين خطابا يلزمه أداء، ولا يوجب قضاء). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214). وقال ابن عثيمين: (إذا قلنا: إنها غير واجبة على الكافر، فلا يعني ذلك أنه لا يعاقب عليها، ولكنه لا يؤمر بها حال كفره، ولا بقضائها بعد إسلامه، فعندنا ثلاثة أشياء: الأول: الأمر بأدائها. الثاني: الأمر بالقضاء. الثالث: الإثم. فالأمر بالأداء لا نوجهه إلى الكافر، والأمر بالقضاء إذا أسلم كذلك لا نوجهه إليه، والإثم ثابت يعاقب على تركها، وعلى سائر فروع الإسلام). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 8). (¬2) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 461). (¬3) رواه مسلم (121). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 18). (¬5) قال ابن حزم: (اتفقوا أن الحر المسلم العاقل البالغ الصحيح ... الحج عليه فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص: 41). (¬6) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬7) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462).

لا تجب عليه حجة الإسلام مجددا بعد التوبة عن الردة، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2) وقول ابن حزم (¬3) واختاره ابن عثيمين (¬4) وبه أفتت اللجنة الدائمة (¬5). الأدلة: أولا من الكتاب: قال الله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217]. وجه الدلالة: أن الآية دلت على أن إحباط الردة للعمل مشروط بالموت كافرا (¬6). ثانياً: من السنة: قول النبي لحكيم بن حزام: ((أسلمت على ما أسلفت عليه من خير)) أخرجه مسلم (¬7). وجه الدلالة: ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 9)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3). (¬2) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 275)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 378). (¬3) قال ابن حزم: (أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك. ولو حج مشرك أو اعتمر, أو صلى, أو صام, أو زكى, لم يجزه شيء من ذلك، عن الواجب, وأيضا فإن قوله تعالى فيها: وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *الزمر: 65* بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة; لانه لا خلاف بين أحد من الآمة لا هم، ولا نحن في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين, بل من المربحين المفلحين الفائزين. فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد, وهذا هو من الخاسرين بلا شك, لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته, وقال تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ *البقرة: 217* فصح نص قولنا: من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر. ووجدنا الله تعالى يقول: أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى. وقال تعالى فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *الزلزلة: 7*. وهذا عموم لا يجوز تخصيصه. فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما، ولا يضيعان له). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 277). (¬4) قال ابن عثيمين: (من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال لقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ *الزمر: 65* ولقوله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *الأنعام: 88* لكن هذا مقيد بما إذا مات على الكفر لقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*. فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا والمناقب والفضائل). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 68). (¬5) في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: (من كان مسلما ثم ارتد بارتكابه ما يخرجه من ملة الإسلام ثم تاب وعاد إلى الإسلام أجزأته حجته تلك عن حجة الإسلام؛ لكونه أدى الحج وهو مسلم، وقد دل القرآن على أن عمل المرتد قبل ردته إنما يحبط بموته على الكفر؛ لقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *البقرة: 217*). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) برئاسة ابن باز (11/ 27). (¬6) ((الذخيرة)) للقرافي (1/ 217)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 3). (¬7) رواه مسلم (123).

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت له ثواب ما قدم من أعمال صالحة حال كفره، بعد أن أسلم، فمن باب أولى ثبوت الأعمال التي قدمها المرء حال إسلامه قبل ارتداده إذا عاد إلى الإسلام (¬1). المبحث الثاني: العقل العقل شرطٌ في وجوب الحج وإجزائه، فلا يجب على المجنون، ولا تجزئ عن حجة الإسلام إن وقعت منه. أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬2). ثانياً: الإجماع: أجمع أهل العلم على عدم وجوب الحج على المجنون، نقل ذلك ابنُ قدامة (¬3)، والنوويُّ (¬4)، والمرداوي (¬5)، وأجمعوا كذلك على أنه لو حج فإنه لا يجزئه عن حجة الفريضة، نقل ذلك ابن المنذر (¬6). ثالثاً: أن المجنون ليس من أهل العبادات، فلا يتعلق التكليف به كالصبي (¬7). رابعاً: أن الحج لابد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك في المجنون (¬8). مسألة: هل العقل شرط صحة؟ اختلف أهلُ العلم في صحة حج المجنون على قولين: القول الأول: يصح الحج من المجنون بإحرام وليه عنه، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬9)، والمالكية في المشهور (¬10)، والشافعية (¬11). دليل ذلك: القياس على صحة حج الصبي الذى لا يميز في العبادات (¬12). القول الثاني: لا يصح الحج من المجنون ولو أحرم عنه وليه وهو مذهب الحنابلة (¬13)، وقول للحنفية (¬14)، وقول للمالكية (¬15)، ووجه للشافعية (¬16)، واختاره ابن عثيمين (¬17). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ينظر: ((المجموع)) للنووي (3/ 4). (¬2) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355) (142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673). (¬3) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬4) قال النووي: (أجمعت الامة على أنه لا يجب الحج على المجنون). ((المجموع)) للنووي (7/ 20). (¬5) قال المرداوي: (لا يجب الحج على المجنون إجماعاً). ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 276). (¬6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حُج به ثم صح، أو حُج بالصبي ثم بلغ، أن ذلك لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 255). (¬9) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459). (¬10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 517). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 298). (¬12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203). (¬13) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 378). (¬14) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459). (¬15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 426). (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 20). (¬17) قال ابن عثيمين: (أما المجنون فلا يلزمه الحج ولا يصح منه، ولو كان له أكثر من عشرين سنة؛ لأنه غير عاقل، والحج عمل بدني يحتاج إلى القصد). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 9)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 255).

عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬1). وجه الدلالة: أن المراد برفع القلم عدم تكليفهم، فدل ذلك على أن المجنون ليس من أهل التكليف، وعلى عدم صحة العبادة منه (¬2). ثانياً: أن العقل مناط التكليف، وبه تحصل أهلية العبادة، والمجنون ليس أهلا لذلك، فلا معنى ولا فائدة في نسكه، أشبه العجماوات (¬3). ثالثاً: أن الحج عبادة من شرطها النية، وهي لا تصح من المجنون (¬4). رابعاً: الإجماع على أن المجنون لو أحرم بنفسه لم ينعقد إحرامه؛ وقد حكى المرداوي الإجماع على ذلك، فكذلك إذا أحرم عنه غيره (¬5). ¬

(¬1) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355) (142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673). (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 202). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 20)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 203). (¬4) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 26). (¬5) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 276).

الفصل الثاني: شروط وجوب وإجزاء

الفصل الثاني: شروط وجوب وإجزاء المبحث الأول: الحرية المطلب الأول: الحرية شرط وجوب الحرية شرط في وجوب الحج فلا يجب على العبد، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). وحكى الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬5)، والنووي (¬6)، والشربيني (¬7)، والشنقيطي (¬8) (¬9) الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام)) (¬10). وجه الدلالة: أن الحج لو كان واجبا على العبد في حال كونه مملوكا لأجزأه ذلك عن حجة الإسلام، وقد دل الحديث أنه لا يجزئه، وأنه إذا أعتق بعد ذلك لزمته حجة الإسلام (¬11). ثانياً: أن الحج عبادة تطول مدتها، وتتعلق بقطع مسافة، والعبد مستغرق في خدمة سيده، ومنافعه مستحقة له، فلو وجب الحج عليه لضاعت حقوق سيده المتعلقة به، فلم يجب عليه كالجهاد (¬12). ثالثاً: أن الاستطاعة شرط في الحج، وهي لا تتحقق إلا بملك الزاد والراحلة، والعبد لا يتملك شيئا (¬13). المطلب الثاني: الحرية شرط إجزاء الحرية شرط في الإجزاء عن حج الفريضة، فإذا حج العبد لم يجزئه عن حج الفريضة، ولزمه إذا أعتق، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬14)، والمالكية (¬15)، والشافعية (¬16)، والحنابلة (¬17). أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 179)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 43) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379). (¬5) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬6) قال النووي: (أجمعت الامة على أن العبد لا يلزمه الحج). ((المجموع)) للنووي (7/ 43). (¬7) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462). (¬8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 304). (¬9) خالف في ذلك بعض أهل الظاهر، فقالوا بوجوب الحج على العبد كالحر، وقد ناقش ابن حزم صحة الإجماعات المحكية في المسألة. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 43رقم 812)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص 86). (¬10) رواه بنحوه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 140) (2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134).قال ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (7/ 44): (رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس وأسنده آخر، وقال البيهقي: (مرفوع، وروي موقوفاً وهو الصواب)، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 208): (رجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (986) .. (¬11) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 305). (¬12) ((المجموع)) للنووي (7/ 43)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬13) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 28). (¬14) ((بدائع الصنائع)) (2/ 120)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 477). (¬15) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 413)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 443). (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 56) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462، 463). (¬17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379).

عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((من حج، ثم عتق فعليه حجة أخرى، ومن حج وهو صغير ثم بلغ فعليه حجة أخرى)) (¬1). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬2)، وابن عبدالبر (¬3). ثالثاً: أن الرقيق فعل ذلك قبل وجوبه عليه، فلم يجزئه إذا صار من أهله، كالصغير (¬4). المبحث الثاني: البلوغ المطلب الأول: حكم حج الصبي البلوغ ليس شرطاً لصحة الحج، فيصح من الصبي، فإن كان مميزا (¬5) أحرم بنفسه، وإن لم يكن مميزا أحرم عنه وليُّه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وبعض الحنفية (¬9)، وجماهير العلماء من السلف والخلف (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء، فقال: من القوم؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر))، وفي رواية: ((فأخذت بعضد صبي فأخرجته من محفتها)) رواه مسلم (¬11). وجه الدلالة: أن الصبي الذي يحمل بعضده، ويخرج من المحفة لا تمييز له (¬12). 2 - عن السائب ابن زيد رضي الله عنه قال: ((حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين)) رواه البخاري (¬13). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 823)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 140) (2731)، والبيهقي (5/ 179) (10134). قال ابن حزم في ((المحلى)) لابن حزم (7/ 44): (رواته ثقات). وقفه أحدهما على ابن عباس وأسنده آخر، وجوَّد إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 57)، وصححه الألباني في ((إرواء الغليل)) (986). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم إلا من شذ منهم ممن لا يعتد بخلافه خلافا أن الصبي إذا حج ثم بلغ والعبد إذا حج ثم عتق أن عليهما بعد ذلك حجة الاسلام إن استطاعا). ((المجموع)) للنووي (7/ 62). (¬3) قال برهان الدين ابن ملفح: (هذا قول عامة العلماء إلا شذوذًا بل حكاه ابن عبدالبر إجماعا). ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 27)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379). (¬4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 379). (¬5) الصبى المميز: (هو الذى يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ومقاصد الكلام ونحو ذلك ولا يضبط بسن مخصوص بل يختلف باختلاف الافهام، وقيل: هو الذي عقل الصلاة والصيام). ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي (7/ 29). (¬6) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 411)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 297). (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 206)، ((المجموع)) للنووي (7/ 22). واشترط الشافعية إذن وليه. (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 241)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 213). واشترط الحنابلة إذن وليه. (¬9) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 5). (¬10) قال ابن عبدالبر في الحج بالصبيان الصغار: (وقد اختلف العلماء في ذلك فأجازوه مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز من أصحابهما وغيرهم، وأجازه الثوري وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين، وأجازه الأوزاعي والليث بن سعد فيمن سلك سبيلهما من أهل الشام ومصر. وكل من ذكرناه يستحب الحج بالصبيان ويأمر به ويستحسنه وعلى ذلك جمهور العلماء من كل قرن، وقالت طائفة لا يحج بالصبيان وهو قول لا يشتغل به ولا يعرج عليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 103)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 40،42). (¬11) رواه مسلم (1336). (¬12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 207). (¬13) رواه البخاري (1858).

نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬1)، والقاضي عياض (¬2). ثالثاً: أنه يصح من الولي عقد النكاح عنه والبيع والشراء بماله، فيصح إحرامه عنه إذا كان غير مميز (¬3). المطلب الثاني: البلوغ شرطُ وجوبٍ وشرط إجزاءٍ البلوغ شرط وجوبٍ وشرط إجزاء، فلا يجب الحج على الصبي، فإن حج لم يجزئه عن حجة الإسلام، وتجب عليه حجة أخرى إذا بلغ (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)) (¬5). وجه الدلالة: أن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم)) دليل واضح على أن حج الصبي تطوع، ولم يؤد به فرضا؛ لأنه محال أن يؤدي فرضا من لم يجب عليه الفرض (¬6). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على عدم وجوب الحج إلا بالبلوغ: ابن المنذر (¬7)، وابن جُزي (¬8)، والشربيني (¬9)، ونقل الإجماع على عدم إجزاء الحج إلا بالبلوغ: الترمذي (¬10) وابن المنذر (¬11)، وابن عبدالبر (¬12)، والقاضي عياض (¬13). ثالثاً: أن من لم يبلغ ليس مكلفاً فلا يتعلق به التكليف (¬14). المطلب الثالث: ما يفعله الصبيُّ بنفسه وما يفعله عنه وليه ما يفعله الصبيُّ من أعمال الحج على قسمين: القسم الأول: ما يقدر عليه الصبي بنفسه، كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى، فإنه يلزمه فعله، ولا تجوز فيه النيابة، ومعنى لزوم فعله أنه لا يصح أن يفعل عنه؛ لعدم الحاجة إليه لا بمعنى أنه يأثم بتركه؛ لأنه غير مكلف. القسم الثاني: ما لا يقدر عليه؛ فإنه يفعله عنه وليه (¬15). الأدلة: أولاً: الآثار عن الصحابة: عن أبي بكر رضي الله عنه: ((أنه طاف بابن الزبير في خرقة)) (¬16). وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمي عنه)). ثانياً: الإجماع: نقله ابن المنذر (¬17). ¬

(¬1) يقول ابن عبدالبر في حديث المرأة التي حجت بصبي: (في هذا الحديث من الفقه الحج بالصبيان، وأجازه جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر وخالفهم في ذلك أهل البدع فلم يرو الحج بهم وقولهم مهجور عند العلماء لأن النبي عليه الصلاة والسلام حج بأغيلمة بني عبدالمطلب). وقال أيضاً: (حج السلف بصبيانهم) ((الاستذكار)) (4/ 398)، ((المجموع)) للنووي (7/ 42). (¬2) قال القاضي عياض: (أجمعوا على أنه يحج به إلا طائفة من أهل البدع منعوا ذلك، وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة). ((المجموع)) للنووي (7/ 42). (¬3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 380). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 21). (¬5) رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (1673)، وأحمد (6/ 100) (24738) واللفظ له، والدارمي (2/ 225) (2296)، وابن حبان (1/ 355) (142)، والحاكم (2/ 67)، والبيهقي (6/ 84) (11786). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (8/ 279)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 392)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وصحح إسناده عبدالحق في ((الأحكام الصغرى)) (767)، وصحح الحديث الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1673). (¬6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 108). (¬7) قال ابن المنذر: (أجمعوا على سقوط فرض الحج عن الصبي). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60)، ((المجموع)) للنووي (7/ 40). (¬8) قال ابن جزي: (أما شروط وجوبه فهي البلوغ والعقل اتفاقاً). ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 86). (¬9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 462). (¬10) قال الترمذي: (وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام). ((سنن الترمذي)) (3/ 265). (¬11) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المجنون إذا حج ثم افاق أو الصبى ثم بلغ أنه لا يجزئهما عن حجة الإسلام). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 60)، ((المجموع)) للنووي (7/ 40). (¬12) قال ابن عبدالبر في ذلك: (على هذا جماعه الفقهاء بالأمصار وأئمة الأثر). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (1/ 107): (¬13) قال القاضي عياض: (أجمعوا على أن الصبي إذا حج ثم بلغ لا يجزئه عن حجة الاسلام إلا فرقة شذت لا يلتفت إليها). ((المجموع)) للنووي (7/ 42). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬15) قال ابن قدامة: (إن كل ما أمكنه فعله بنفسه، لزمه فعله، ولا ينوب غيره عنه فيه، كالوقوف والمبيت بمزدلفة، ونحوهما، وما عجز عنه عمله الولي عنه). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 466)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 435)، ((المجموع)) للنووي (7/ 21)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 381). (¬16) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (5/ 70)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 825). (¬17) قال ابن المنذر: (أما الصبي الذي لا يقدر على الرمي فكل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عنه). ((الإشراف)) (3/ 328)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242).

الفصل الثالث: الاستطاعة

المبحث الأول: تعريف الاستطاعة لغة: هي الطاقة والقدرة على الشَّيء (¬1). واصطلاحا: المستطيع هو القادر في ماله وبدنه، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس واختلاف عوائدهم، وضابطه: أن يمكنه الركوب، ويجد زادا وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء الواجبات، والنفقات، والحاجات الأصلية (¬2). ¬

(¬1) ((المصباح المنير)) الفيومي (ط وع)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) ابن الأثير (ط وع). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 417)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 87).

المبحث الثاني: حكم الاستطاعة

المبحث الثاني: حكم الاستطاعة المطلب الأول: اشتراط الاستطاعة في وجوب الحج الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج. الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97] (¬1). وجه الدلالة: أن الله تعالى خص المستطيع بالإيجاب عليه، فيختص بالوجوب، وغير المستطيع لا يجب عليه (¬2). 2 - قال الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286]. ثانياً: الإجماع: أجمع العلماء على أن الاستطاعة شرطٌ في وجوب الحج، نقله ابن حزم (¬3)، وابن قدامة (¬4)، والقرطبي (¬5)، والنووي (¬6). ثالثاً: انتفاء تكليف ما لا يطاق شرعاً وعقلاً (¬7). المطلب الثاني: هل الاستطاعة شرط إجزاءٍ في الحج؟ الاستطاعة ليست شرط إجزاء في الحج، فإذا تجشم غير المستطيع المشقة، فحج بغير زاد وراحلة، فإن حجه يقع صحيحاً مجزئاً عن حج الفريضة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). ويدل لذلك ما يلي: 1 - أن خلقاً من الصحابة رضي الله عنهم حجوا ولا شيء لهم، ولم يؤمر أحدٌ منهم بالإعادة (¬12). 2 - أن الاستطاعة إنما شُرِطت للوصول إلى الحج، فإذا وَصَلَ وفَعَلَ أجزأه (¬13). 3 - أن سقوط الوجوب عن غير المستطيع إنما كان لدفع الحرج، فإذا تحمله وقع عن حجة الإسلام، كما لو تكلف القيام في الصلاة والصيام مَنْ يسقط عنه، وكما لو تكلف المريض حضور الجمعة، أو الغني خطر الطريق وحج، فإنه يجزئ عنهم جميعاً (¬14). المطلب الثالث: إذن الوالدين في حج الفريضة ¬

(¬1) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214) قال ابن مفلح: (ولأن الخطاب إنما هو للمستطيع لأن (من) بدل من (الناس) فتقديره ولله على المستطيع). ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33). (¬3) قال ابن حزم رحمه الله: (اتفقوا أن الحر المسلم, العاقل, البالغ, الصحيح الجسم, واليدين, والبصر, والرجلين, الذي يجد زاداً وراحلة وشيئاً يتخلف لأهله مدة مضيه وليس في طريقه بحر ولا خوف ولا منعه أبواه أو أحدهما فإن الحج عليه فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 41). (¬4) قال ابن قدامة: (أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة). وقال أيضاً: (جملة ذلك أن الحج إنما يجب بخمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، لا نعلم في هذا كله اختلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213). (¬5) قال القرطبي: (الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعاً)، ((تفسير القرطبي)) (4/ 150). (¬6) قال النووي: (الاستطاعة شرط لوجوب الحج بإجماع المسلمين). ((المجموع)) للنووي (7/ 63). (¬7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386). (¬8) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 335)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 459). (¬9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 447، 448)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 5). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 20). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214). (¬12) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33). (¬13) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 33). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 214)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (8/ 391).

ليس للوالدين منع الولد المكلف من الحج الواجب، ولا تحليله من إحرامه، وليس للولد طاعتهما في تركه، وإن كان يستحب له استئذانهما، نص على هذا فقهاء الحنفية (¬1) , والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو أحد القولين للمالكية (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 15]. ثانياً: من السنة: 1 - عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا طاعة في معصية الله, إنما الطاعة في المعروف)) رواه البخاري، ومسلم (¬5) 2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) رواه البخاري، ومسلم (¬6). وجه الدلالة: أن فيه تقديم الصلاة على ميقاتها على بر الوالدين، فدل على أن فرائض الأعيان التي هي من حقوق الله عز وجل تقدم على فروض الأعيان التي هي من حقوق العباد، فيقدم حج الفريضة على بر الوالدين (¬7). ثالثاً: القياس على الصلاة المكتوبة بجامع الفرضية في كل منهما، فكما أن الوالدين لا يستطيعان أن يمنعا الولد من الصلاة المكتوبة فكذلك حج الفريضة. رابعاً: أن طاعة الوالدين إنما تلزم في غير المعصية (¬8). المطلب الرابع: إذن الوالدين في حج النافلة للأبوين منع ولديهما من الحج التطوع، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). وذلك للآتي: أولاً: أنه يلزم طاعة الوالدين في غير معصية, ولو كانا فاسقين لعموم الأوامر ببرهما والإحسان إليهما (¬13). ثانياً: أن للوالدين منعه من الجهاد، وهو من فروض الكفايات، فالتطوع أولى (¬14). المطلب الخامس: إذن صاحب العمل ¬

(¬1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456)، ((الفتاوى الهندية)) 1/ 220 واشترطوا عدم حاجة أحد الوالدين إلى خدمة الولد. (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 349)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386). (¬4) نص المالكية أن للأبوين منع الولد من تعجيل الفرض. ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94). (¬5) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840). (¬6) رواه البخاري (2782)، ومسلم (85). (¬7) ((فتح الباري)) لابن رجب (3/ 46، 47). (¬8) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386). (¬9) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 456). (¬10) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 357)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 183)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 94). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 348)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 537). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 284). (¬13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 386). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459).

من أراد حج الفريضة وكان بينه وبين غيره عقد يُلزمه بالعمل في أيام الحج أو بعضها، فإنه يستأذن منه, فإن أذن له وإلا وجب عليه الوفاء بالعقد، وهذه فتوى ابن باز (¬1) , وابن عثيمين (¬2)، واللجنة الدائمة (¬3). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]. 2 - قوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]. ثانياً: من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم)) وجه الدلالة: أن العقد الذي جرى بين الموظف وموظِّفِه عهد يجب الوفاء بشروطه حسبما يقتضي العقد (¬4). ¬

(¬1) قال ابن باز جواباً على سؤال: (إذا كنت عاملاً ولم يأذنوا لك فلا تحرم أما إذا سمحوا لك بالإحرام فلا بأس أما إذا كنت عاملاً عند أحد تشتغل عنده فليس لك الحج بغير إذنهم؛ لأنك مربوط بعملهم مستأجر, فعليك أن تكمل ما بينك وبينهم, فالمسلمون على شروطهم ... أما كونك تحج وهم ما أذنوا لك فهذا يعتبر معصية، وإن كنت حججت صح الحج، لكنك عصيت ربك في هذا؛ لأنك ضيعت بعض حقهم) ((فتاوى ابن باز)) (17/ 122 - 123). (¬2) قال ابن عثيمين جواباً على سؤال: (لا يجوز الحج إلا بإذن مرجعك, فإن الإنسان الموظف ملتزم بأداء وظيفته حسبما يوجه إليه ... فالعقد الذي جرى بين الموظف وموظفه عهد يجب الوفاء به حسبما يقتضي العقد. أما أن يتغيب الموظف ويؤدي الفريضة وهو مطالب بالعمل ليس عنده إجازة، فإن هذا محرم) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، وانظر: (21/ 61). (¬3) قالت اللجنة الدائمة في جوابها على أحد السائلين: (إذا كان الواقع ما ذكر فلا يجوز لك أن تسافر عن المكان الذي وكل إليك العمل فيه لحج أو عمرة أو غيرهما إلا بإذن مرجعك، وأنت والحال ما ذكرت معذور في تأخير ذلك حتى تجد الفرصة) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 117). (¬4) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (21/ 60)، ((فتاوى ابن باز)) (17/ 122 - 123).

المبحث الثالث: أقسام الاستطاعة

المبحث الثالث: أقسام الاستطاعة أقسام الاستطاعة في الحج والعمرة أربعة: القسم الأول: أن يكون قادراً ببدنه وماله: فهذا يلزمه الحج والعمرة بنفسه بإجماع أهل العلم (¬1). القسم الثاني: أن يكون عاجزاً بماله وبدنه: فهذا يسقط عنه الحج والعمرة بإجماع أهل العلم (¬2). القسم الثالث: أن يكون قادراً ببدنه عاجزاً بماله: فلا يلزمه الحج والعمرة بلا خلاف (¬3) , إلا إذا كان لا يتوقف أداؤهما على المال، مثل أن يكون من أهل مكة لا يشق عليه الخروج إلى المشاعر (¬4). القسم الرابع:.أن يكون قادراً بماله عاجزاً ببدنه عجزاً لا يرجى زواله: فيجب عليه الحج والعمرة بالإنابة، وهذا مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). ¬

(¬1) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 41)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 213)، ((المجموع)) للنووي (7/ 63). (¬2) المراجع السابقة. (¬3) قال ابن قدامة: (إن لم يجد مالا يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف, لأن الصحيح لو لم يجد ما يحج به لم يجب عليه فالمريض أولى). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬4) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 31).

المبحث الرابع: شروط الاستطاعة

المبحث الرابع: شروط الاستطاعة المطلب الأول: شروط الاستطاعة العامة للرجال والنساء الشرط الأول: الاستطاعة البدنية: وتشمل صحة البدن، والقدرة على السير والركوب. الشرط الثاني: الاستطاعة المالية: وتشمل الزاد والراحلة، والنفقة فاضلاً عن دَينه, ونفقته, وحاجاته الأصلية. الشرط الثالث: الاستطاعة الأمنية: والمراد بها أمن الطريق. المطلب الثاني: شروط الاستطاعة الخاصة بالنساء الشرط الأول: المحرم. الشرط الثاني: عدم العدة.

المبحث الخامس: الاستطاعة البدنية

المبحث الخامس: الاستطاعة البدنية المطلب الأول: من لا يستطيع أن يثبت على الآلة أو الراحلة من لا يستطيع أن يثبت على الآلة، أو ليس له قوة أن يستمسك على الراحلة فهذا لا يجب عليه أن يؤدي بنفسه فريضة الحج باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. وجه الدلالة: أن من لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أو يستمسك بها فهو غير مستطيع, فلا يجب عليه الحج، لأنه إنما وجب على من استطاع إليه سبيلاً. ثانياً: من السنة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) رواه البخاري ومسلم (¬6)، وفي رواية لمسلم: ((قالت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير، عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال صلى الله عليه وسلم: فحجي عنه)) رواه مسلم (¬7). ثالثاً: الإجماع: نقل القرطبي الإجماع على عدم وجوب الحج على من لم يستطع أن يثبت على الراحلة (¬8). المطلب الثاني: صحة البدن؛ هل هي شرط لأصل الوجوب، أو شرط للأداء بالنفس؟ ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 121)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 3). (¬2) قال ابن عبدالبر: (اتفق مالك وأبو حنيفة أن المعضوب الذي لا يتمسك على الراحلة ليس عليه الحج). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 128)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 356). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 112)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 11). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 177). (¬5) قال ابن عثيمين: (وفي وقتنا الحاضر وقت الطائرات، والسيارات، فالذي لا يمكنه الركوب نادر جداً، ولكن مع ذلك فبعض الناس تصيبه مشقة ظاهرة في ركوب السيارة، والطائرة، والباخرة، فربما يغمى عليه، أو يتعب تعباً عظيماً، أو يصاب بغثيان وقيء، فهذا لا يجب عليه الحج، وإن كان صحيح البدن قوياً). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 24). (¬6) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334). (¬7) رواه مسلم (1335). (¬8) قال القرطبي: (من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة ولا يثبت عليها بمنزلة من قطعت أعضاؤه، إذ لا يقدر على شي. وقد اختلف العلماء في حكمهما بعد إجماعهم أنه لا يلزمهما المسير إلى الحج، لأن الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعاً، والمريض والمعضوب لا استطاعة لهما). ((تفسير القرطبي)) (4/ 150).

صحة البدن ليست شرطاً للوجوب، بل هي شرط للزوم الأداء بالنفس، فمن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه فإنه يجب عليه الحج، بإرسال من ينوب عنه، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وهو قول للحنفية (¬3)، واختاره ابن حزم (¬4)، وابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. وجه الدلالة: أن الاستطاعة هي الزاد والراحلة، فمن وجد الزاد والراحلة فقد وجب الحج في حقه، فإن كان عاجزاً عن الحج ببدنه لزمه أن يقيم غيره مقامه. ثانياً: من السنة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة على وصف الحج على أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب (¬7). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 31). (¬3) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416). (¬4) قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا, ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له, وكان ذلك داخلا في نص الآية). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 56). (¬5) قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ((أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: نعم))، وذلك في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 15). (¬6) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57). (¬7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11).

المبحث السادس: الاستطاعة المالية

المبحث السادس: الاستطاعة المالية المطلب الأول: اشتراط الزاد والراحلة: يشترط في وجوب الحج القدرة على نفقة الزاد والراحلة (¬1)، فاضلاً عن دَينه، ونفقته، وحوائجه الأصلية (¬2)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وهو قول سحنون, وابن حبيب من المالكية (¬6)، وبه قال أكثر الفقهاء (¬7) (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97] .. وجه الدلالة: أن الله عز وجل لما قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً علمنا أنها استطاعة غير القوة بالجسم; إذ لو كان تعالى أراد قوة الجسم لما احتاج إلى ذكرها; لأننا قد علمنا أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها (¬9). 2 - قال الله تعالى: إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ [النحل: 7]. وجه الدلالة: أن الآية تفيد أن الرحلة لا تبلغ إلا بشق الأنفس بالضرورة، ولا يكلفنا الله تعالى ذلك لقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] (¬10)، فتعين اشتراط الزاد والراحلة لتحقيق الاستطاعة في الحج. 3 - قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى البقرة: 197 [.] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة، سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)). ثانياً: أنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال في استطاعة السبيل إلى الحج: ((زاد وراحلة)). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في ذلك أيضاً: ((زاد, وبعير)). 3 - عن أنس رضي الله عنه: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((زاد, وراحلة)). 4 - عن ابن عمر قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: ((ملء بطنه, وراحلة يركبها)) (¬11). المطلب الثاني: ¬

(¬1) المقصود بالراحلة: آلة الركوب، والأصل فيها المركب من الإبل ذكرا ً كان أو أنثى. ((المصباح المنير)) (مادة: ر ح ل). (¬2) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25). (¬3) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 409). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 75). ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (3/ 242، 243). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 215). (¬6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 448). (¬7) قال الصنعاني: (قد ذهب إلى هذا التفسير أكثر الأمة فالزاد شرط مطلقاً والراحلة لمن داره على مسافة). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180). وهو قول الضحاك بن مزاحم, والحسن البصري, ومجاهد, وسعيد بن جبير, ومحمد بن علي بن الحسين, وأيوب السختياني وأحد قولي عطاء. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54). (¬8) قال الصنعاني: (حديث الباب يدل أنه أريد بالزاد الحقيقة وهو وإن ضعفت طرقه فكثرتها تشد ضعفه). ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180). (¬9) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 180). (¬10) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54). (¬11) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 54).

اشتراط الراحلة خاص بالبعيد عن مكة الذي بينه وبينها مسافة قصر، أما القريب الذي يمكنه المشي، فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه، إلا مع عجز، كشيخ كبير لا يمكنه المشي، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). وذلك لما يلي: - أنها مسافة قريبة، يمكنه المشي إليها، فلزمه، كالسعي إلى الجمعة (¬4). - أنه لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء مشياً على الأقدام فلم تشترط الراحلة (¬5). المطلب الثالث: الحاجات الأصلية التي يشترط أن تفضل عن الزاد والراحلة: الحاجة الأول: نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه. الحاجة الثانية: ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، ومما لا بد لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك. الحاجة الثالثة: قضاء الدين الذي عليه، لأن الدين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصلية، فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كزكاة في ذمته أو كفارات ونحوها (¬6). المطلب الرابع: من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما من وجب عليه الحج وأراد أن يتزوج وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما، فعلى حالين: الحال الأولى: أن يكون في حالة توقان نفسه والخوف من الزنا، فهذا يكون الزواج في حقه مقدماً على الحج. ¬

(¬1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418)، ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 89)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 216)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 34). (¬4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 216). (¬5) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 418). (¬6) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 417، 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 464)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 25).

الحال الثانية: أن يكون في حال اعتدال الشهوة، فإنه يقدم الحج على الزواج، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، وابن باز (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أدلة وجوب تقديم النكاح في حال توقان الشهوة: أولاً: اتفاق العلماء على ذلك: نقله شيخي زادة (¬7)، وابن كمال باشا (¬8) , وحكاه المجد إجماعاً (¬9). ثانياً: أن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً (¬10). ثالثاً: أن في التزويج تحصين النفس الواجب، ولا غنى به عنه، كنفقته، والاشتغال بالحج يفوته (¬11). رابعاً: أن في تركه النكاح ترك أمرين: ترك الفرض، وهو النكاح الواجب، والوقوع في المحرم، وهو الزنا (¬12). دليل تقديم الحج على النكاح في حال اعتدال الشهوة: أن الحج واجب على الفور على من استطاع إليه سبيلاً، فيقدم على المسنون؛ لأنه لا تعارض بين واجب ومسنون (¬13). § فرع: ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة لرسم الهدية للأقارب والأصحاب، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك. (¬14) ¬

(¬1) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 465)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 790). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389). (¬4) قال ابن تيمية: (إن احتاج الإنسان إلى النكاح وخشي العنت بتركه قدمه على الحج الواجب وإن لم يخف قدم الحج، ونص الإمام أحمد عليه في رواية صالح وغيره واختاره أبو بكر وإن كانت العبادات فرض كفاية كالعلم والجهاد قدمت على النكاح إن لم يخش العنت). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 528). (¬5) قال ابن باز: (إذا بلغ الحلم وهو يستطيع الحج والعمرة وجب عليه أداؤهما؛ لعموم الأدلة ومنها قوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ولكن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعاً، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعاً فإنه يبدأ بالزواج حتى يعف نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) متفق على صحته). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360). (¬6) قال ابن عثيمين: (يقدم النكاح إذا كان يخشى المشقة في تأخيره، مثل أن يكون شاباً شديد الشهوة، ويخشى على نفسه المشقة فيما لو تأخر زواجه، فهنا نقدم النكاح على الحج، أما إذا كان عادياً ولا يشق عليه الصبر فإنه يقدم الحج، هذا إذا كان حج فريضة، أما إذا كان حج تطوع فإنه يقدم النكاح بكل حال، ما دام عنده شهوة وإن كان لا يشق عليه تأجيله، وذلك لأن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة، كما صرح بذلك أهل العلم). وقال أيضاَ: (إذا كان الإنسان محتاجًا إلى الزواج ويشق عليه تركه فإنه يقدم على الحج، لأن النكاح في هذه الحال يكون من الضروريات، وقد قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، والإنسان الذي يكون محتاجاً إلى الزواج، ويشق عليه تركه، وليس عنده من النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج، ليس مستطيعاً إلى البيت سبيلا، فيكون الحج غير واجب عليه، فيقدم النكاح على الحج، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده، أنه لا يكلفهم من العبادة ما يشق عليهم، حتى وإن كان من أركان الإسلام كالحج). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 71، 72). (¬7) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383). (¬8) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 462). (¬9) لكن نوزع في ادعاء الإجماع. قاله المرداوي في ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 286). (¬10) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 359،360). (¬11) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 383)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 217). (¬12) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زادة (1/ 384). (¬13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 389). (¬14) ((حاشية ابن عابدين)) 2/ 461)) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 33).

المبحث السابع: اشتراط أمن الطرق لتحقيق الاستطاعة

المبحث السابع: اشتراط أمن الطرق لتحقيق الاستطاعة المطلب الأول: المراد بأمن الطريق المقصود بأمن الطريق أن يكون الغالب في طريقه السلامة آمناً على نفسه وماله من وقت خروج الناس للحج، إلى رجوعه إلى بلده؛ لأن الاستطاعة لا تثبت دونه (¬1). المطلب الثاني: هل أمن الطريق شرط أداء بالنفس أو شرط صحة؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: أنه شرط وجوب, فمن استوفى شروط الحج وخاف الطريق فإنه لا يجب عليه الحج، ولا يتعلق في ذمته، وهذا مذهب المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو رواية عن أبي حنيفة (¬4)، وأحمد (¬5). دليل ذلك: أن الوصول إلى البيت بدونه لا يتصور إلا بمشقة عظيمة فصار من جملة الاستطاعة (¬6). القول الثاني: أنه شرط أداء بالنفس، فمن استوفى شروط الحج وخاف الطريق فإن الحج يتعلق في ذمته ويسقط عنه الأداء، وهذا مذهب الحنفية في الأصح (¬7)، والحنابلة. (¬8) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. وجه الدلالة: أن من استطاع الحج فإنه يجب عليه، فإن كان الطريق مخوفاً فإن ذلك يسقط عنه الأداء حالاً، مع تعلق وجوب الحج في ذمته لاستيفائه شروط وجوبه. ثانياً: أن إمكان الأداء ليس شرطاً في وجوب العبادة بدليل ما لو زال المانع ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه (¬9). ثالثاً: أنه مع خوف الطريق يتعذر الأداء دون تعذر القضاء، كالمرض المرجو برؤه، أما عدم الزاد والراحلة فإنه يتعذر معه الجميع (¬10). ¬

(¬1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 418)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 465)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 34). (¬2) ((التاج والإكليل)) للعبدري (2/ 491)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 450). (¬3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 465، 466)، ((المجموع)) للنووي (7/ 82). (¬4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي, و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 463). (¬5) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 240)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 292). (¬6) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4). (¬7) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 418)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 463). (¬8) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 240)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 38). (¬9) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 38). (¬10) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 38).

المبحث الثامن: اشتراط المحرم

المبحث الثامن: اشتراط المحرم المطلب الأول: من هو المحرم؟ مَحْرَم المرأة هو زوجها أو من يحرم عليها بالتأبيد بسبب قرابة، أو رضاع، أو صهرية، ويكون مسلماً بالغاً عاقلاً ثقة مأموناً؛ فإن المقصود من المحرم حماية المرأة وصيانتها والقيام بشأنها (¬1). المطلب الثاني: اشتراط المحرم في حج الفريضة: يشترط لوجوب أداء الفريضة للمرأة رفقة المحرم، وهذا مذهب الحنفية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5)، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. وجه الدلالة: أن وجود المحرم داخل في الاستطاعة التي اشترطها الله عز وجل لوجوب الحج؛ فإن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول وحدها عادة، فتحتاج إلى من يركبها وينزلها من المحارم أو الزوج، فعند عدمهم لا تكون مستطيعة (¬7). ثانياً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو محرم)) رواه مسلم (¬8). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك)) رواه البخاري، ومسلم (¬9). ثالثاً: أن المرأة يخاف عليها من السفر وحدها الفتنة (¬10). المطلب الثالث: اشتراط إذن الزوج في حج النفل ليس للمرأة الإحرام نفلاً إلا بإذن زوج. الأدلة: أولاً: الإجماع: ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 339)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 467)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 518). ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 493). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 41). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 179، 221)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 37)، (¬2) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 100). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 385). (¬4) قال ابن باز: (لا يجب عليها الحج ولا العمرة إلا عند وجود المحرم ولا يجوز لها السفر إلا بذلك، وهو شرط للوجوب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 379). (¬5) قال ابن عثيمين: (من القدرة: أن تجد المرأة محرماً لها، فإن لم تجد محرماً، فإن الحج لا يجب عليها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 16). (¬6) في فتاوى اللجنة الدائمة: (المرأة التي لا محرم لها لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم بالنسبة لها من السبيل، واستطاعة السبيل شرط في وجوب الحج، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا *البقرة: 97* ولا يجوز لها أن تسافر للحج أو غيره إلا ومعها زوج أو محرم لها). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 90). (¬7) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 37). (¬8) رواه مسلم (1338). (¬9) رواه البخاري (5233)، ومسلم (1341). (¬10) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 5).

أجمع أهل العلم على اشتراط إذن الزوج في جواز إحرام المرأة في النفل، نقله ابن المنذر (¬1)، وابن قدامة (¬2). ثانياً: أنه تطوع يفوت حق زوجها، فكان لزوجها منعها منه، كالاعتكاف (¬3). ثالثاً: أن طاعة الزوج فرض عليها فيما لا معصية لله تعالى فيه, وليس في ترك الحج التطوع معصية (¬4). المطلب الرابع: إذا وجدت المرأة محرماً في الفرض فهل يشترط إذن زوجها؟ ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض إذا استكملت شروط الحج، ووجدت محرماً، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وقولٌ للشافعية (¬8)، وهو قول أكثر أهل العلم (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)) رواه البخاري، ومسلم (¬10) ثانياً: أن حق الزوج لا يقدم على فرائض العين، كالصلاة المفروضة، وصوم رمضان، فليس للزوج منع زوجته منه، لأنه فرض عين عليها. ثالثاً: أن حق الزوج مستمر على الدوام، فلو ملك منعها في هذا العام لملكه في كل عام، فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام (¬11). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51). (¬2) قال ابن قدامة: (له منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به، بغير خلاف). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 458). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 459)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 383). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 52). (¬5) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 101) (¬6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 205)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 97). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 457، 458)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 283). (¬8) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 179)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 468). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 457). (¬10) رواه البخاري (7257)، ومسلم (1840). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 458)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 42).

المبحث التاسع: الشرط الثاني الخاص بالمرأة عدم العدة

المبحث التاسع: الشرط الثاني الخاص بالمرأة عدم العدة يشترط لوجوب الحج على المرأة ألا تكون المرأة معتدة في مدة إمكان السير للحج، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وقال به طائفة من السلف (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة: 234]. وجه الدلالة: أن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها أن تخرج من بيتها وتسافر للحج، حتى تقضي العدة، لأنها في هذه الحال غير مستطيعة، لأنه يجب عليها أن تتربص في البيت (¬6). 2 - قوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [الطلاق: 1]. وجه الدلالة: أن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج من بيوتهن (¬7). ثانياً: عن سعيد بن المسيب: ((أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء، يمنعهن الحج)). ثالثاً: أن العدة في المنزل تفوت، ولا بدل لها، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام، فلا يفوت بالتأخير، فلا تلزم بأدائه وهي في العدة (¬8). ¬

(¬1) عمَّم الحنفية هذا الشرط لكل معتدة: سواء كانت عدتها من طلاق بائن أو رجعي، أو وفاة، أو فسخ نكاح. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 4)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 219). (¬2) لا فرق عند المالكية: بين عدة الوفاة أو الطلاق. ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (1/ 545، 2/ 486)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/ 163). (¬3) لا فرق عند الشافعية: بين عدة الوفاة أو الطلاق. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/ 263)، ((روضة الطالبين)) للنووي (8/ 417). (¬4) خص الحنابلة العدة المانعة من وجوب الحج على المرأة بعدة الوفاة دون عدة الطلاق. ((المغني)) لابن قدامة (8/ 167، 168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 385). (¬5) روي ذلك عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب، والقاسم، وأبو عبيد والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (8/ 167). (¬6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 214). (¬7) قال القرطبي: والرجعية والمبتوتة في هذا سواء. ((تفسير القرطبي)) (18/ 154). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (8/ 168)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 385).

الباب الثالث: مواقيت الحج

تمهيد: تعريف المواقيت المواقيت في اللغة: جمع ميقات، وهو الوقت المضروب للفعل والموضع، ثم استعير للمكان، ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام يقال: هذا ميقات أهل الشام: للموضع الذي يحرمون منه (¬1). المواقيت في الاصطلاح: زمان النسك وموضع الإحرام له (¬2). ¬

(¬1) ((أنيس الفقهاء)) للقونوي (ص: 16)، وقال الحافظ: المواقيت جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدد للفعل من الزمان أو المكان. ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 3). (¬2) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 471)، ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 345).

الفصل الأول: مواقيت الحج الزمانية

الفصل الأول: مواقيت الحج الزمانية المبحث الأول: أشهر الحج اختلف أهل العلم في تحديد مواقيت الحج الزمانية على أقوال، أشهرها: القول الأول: أن وقت الإحرام بالحج: شوال وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وبه قال طائفة من السلف (¬3)، واختاره الطبري (¬4)، وابن تيمية (¬5)، وابن باز (¬6)، واللجنة الدائمة (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر)) (¬8). وجه الدلالة: أنه نص أن يوم النحر يوم الحج الأكبر، ولا يجوز أن يكون يوم الحج الأكبر ليس من أشهره (¬9). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) رواه البخاري، ومسلم (¬10). وجه الدلالة: أن ذلك كان امتثالاً لقوله تعالى: وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ... [التوبة: 3]، وإذا كان يوم النحر هو يوم الحج الأكبر، فتعين أن يكون من أشهر الحج. ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)). 2 - عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة)) (¬11). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((هن: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، جعلهن الله سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر)) (¬12). ثالثاً: أن يوم النحر فيه ركن الحج، وهو طواف الزيارة، وفيه كثير من أفعال الحج الواجبة، منها: رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، والطواف، والسعي، والرجوع إلى منى، ومستبعد أن يوضع لأداء ركن العبادة وواجباتها وقت ليس وقتها، ولا هو منه (¬13). ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 55) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 159). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 275)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305). (¬3) منهم: ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم عطاء في إحدى الروايتين عنه، ومجاهد، والحسن، والشعبي، والنخعي، وقتادة، والثوري. ((تفسير الطبري)) (4/ 115)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 275). (¬4) قال الطبري: (الصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال: إن معنى ذلك: الحج شهران وعشر من الثالث; لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الحج، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث، وإذا لم يكن معنياً به جميعه، صح قول من قال: وعشر ذي الحجة). ((تفسير الطبري)) (4/ 120). (¬5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 101). (¬6) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 48). (¬7) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 164). (¬8) رواه البخاري (1742). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 56). (¬10) رواه البخاري (369)، ومسلم (1347). (¬11) أخرجه الطبري في ((تفسيره ((. (¬12) رواه الطبري في ((تفسيره)) (4/ 115). (¬13) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 325).

القول الثاني: أن وقت الحج شوال وذو القعدة وشهر ذي الحجة إلى آخره، وهذا مذهب المالكية (¬1)، ونُقِلَ عن الشافعي في القديم (¬2)، وبه قال طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن حزم (¬4)، والوزير ابن هبيرة (¬5)، والشوكاني (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن الآية عبرت بالجمع (أشهر)، وأقل الجمع ثلاث، فلا بد من دخول ذي الحجة بكماله (¬8). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: عن ابن جريج، قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، كان يسمي شوالاً، وذا القعدة، وذا الحجة (¬9)، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه (¬10). ثالثاً: أن من أيام الحج اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر، يفعل فيها من أعمال الحج: الرمي، والمبيت، فكيف نخرجها من أشهر الحج وهي أوقات لأعمال الحج؟! (¬11). رابعاً: أن طواف الإفاضة من فرائض الحج، ويجوز أن يكون في ذي الحجة كله بلا خلاف منهم; فصح أنها ثلاثة أشهر (¬12). المبحث الثاني: الإحرام قبل أشهر الحج اختلف أهل العلم في حكم الإحرام بالحج قبل أشهره على أقوال منها: القول الأول: يصح الإحرام بالحج وينعقد قبل أشهر الحج، لكن مع الكراهة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬13)، والمالكية (¬14)، والحنابلة (¬15). واختيار ابن باز (¬16) الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن معنى الآية: الحج (حج) أشهر معلومات، فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام به فيما عداها، وإن كان ذاك صحيحاً. ¬

(¬1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 357) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 22). (¬2) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 420) (¬3) منهم: ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وعطاء في الرواية الأخرى عنه، وطاوس، وعروة بن الزبير، والربيع بن أنس. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 264). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821). (¬5) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305) (¬6) قال الشوكاني: (الحق ما ذهب إليه الأولون إن كانت الأشهر المذكورة في قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ *البقرة: 197* مختصة بالثلاثة المذكورة بنص أو إجماع فإن لم يكن كذلك، فالأشهر جمع شهر، وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة، والثلاثة هي المتيقنة، فيجب الوقوف عندها). ((تفسير فتح القدير)) (1/ 408، 409). (¬7) قال ابن عثيمين: (الصواب ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله من أن أشهر الحج ثلاثة، كما هو ظاهر القرآن، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 380)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 55، 56). (¬8) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 325). (¬9) ((تفسير الطبري)) (4/ 117). (¬10) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 55، 56). (¬12) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 69 رقم 821). (¬13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 343)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 531). (¬14) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 204)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 24). (¬15) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 405). (¬16) قال ابن باز: (له أن يحرم قبل أشهر الحج، ولكن له أن يفسخ إلى عمرة ... ويكون للكراهة). ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد آل حامد (2/ 946)

2 - قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقر: 196]. وجه الدلالة: أنه متى أحرم انعقد إحرامه؛ لأنه مأمور بالإتمام (¬1). 3 - قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة: 189]. وجه الدلالة: أن الألف واللام في الأهلة للعموم، فيقتضي أن سائر الأهلة ميقات للحج (¬2). ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج)) (¬3). ثالثاً: أن التوقيت ضربان: توقيت مكان وزمان، وقد ثبت أنه لو تقدم إحرامه على ميقات المكان صح، فكذا لو تقدم على ميقات الزمان (¬4). رابعاً: أن الإحرام بالحج يصح في زمان لا يمكن إيقاع الأفعال فيه، وهو شوال، فعلم أنه لا يختص بزمان (¬5). القول الثاني: أنه لا ينعقد إحرامه بالحج قبل أشهره، وينعقد عمرة، وهذا مذهب الشافعية (¬6)، وقولٌ للمالكية (¬7)، ورواية عن أحمد (¬8)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬9)، واختاره ابن عثيمين (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن ظاهر الآية أن ميقات الحج في أشهره، فيجب انحصار الحج فيه، فلا يصح قبله، ولو كان يجوز الإحرام للحج في سائر شهور السنة لم يكن للآية فائدة (¬11). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن أبي الزبير قال: ((سئل جابر: أهل بالحج في غير أشهر الحج، قال: لا)) (¬12). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لا يحرم بالحج إلا في أشهره، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج)) (¬13). ثالثاً: أن الإحرام نسك من مناسك الحج، فكان مؤقتاً، كالوقوف بعرفة والطواف. رابعاً: أنه ميقات للعبادة فلا يصح قبله، كما لا تصح الصلاة قبل ميقاتها (¬14). خامساً: أن من التزم عبادة في وقت نظيرتها انقلبت إلى النظير مثل أن يصوم نذراً في أيام رمضان، أو يصلي الفرض قبل وقته، فإنه ينقلب تطوعاً (¬15). ¬

(¬1) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 325). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 25). (¬3) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1560)، ووصله ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 777)، وابن خزيمة (4/ 162) (2596)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 233)، والطبراني (11/ 388) (12112)، والحاكم (1/ 616)، والبيهقي (4/ 343) (8980). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 145)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 308) .. (¬4) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 204)، ((المجموع)) للنووي (7/ 144). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 144). (¬6) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 28)، ((المجموع)) للنووي (7/ 144). (¬7) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 25). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305). (¬9) من هؤلاء: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والأوزاعي وأبو ثور. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 66)، ((المجموع)) للنووي (7/ 144). (¬10) قال ابن عثيمين: (الصحيح أنه لا يجوز أن يحرم قبل الميقات الزماني، وأنه لو أحرم بالحج قبل دخول شهر شوال صار الإحرام عمرة لا حجا؛ لأن الله قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ *البقرة: 197*، وهذا أحرم قبل دخول أشهر الحج، فيكون إحرامه عمرة، كما لو صلى الظهر قبل الزوال، فينعقد نفلاً). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 57). (¬11) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 25). (¬12) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 778)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 234)، والبيهقي (4/ 343) (8979). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 145) .. (¬13) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1560)، ووصله ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 777)، وابن خزيمة (4/ 162) (2596)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 233)، والطبراني (11/ 388) (12112)، والحاكم (1/ 616)، والبيهقي (4/ 343) (8980). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 145)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 308). (¬14) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 325)، ((المجموع)) للنووي (7/ 145). (¬15) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 325).

الفصل الثاني: المواقيت المكانية

تمهيد أصناف الناس باعتبار موضع الإحرام ثلاثة: الصنف الأول: الآفاقي: من كان خارج المواقيت. الصنف الثاني: الميقاتي: من كان بين المواقيت والحرم. الصنف الثالث: المكي: أهل مكة أو أهل الحرم.

المبحث الأول: ميقات الآفاقي

المبحث الأول: ميقات الآفاقي المطلب الأول: مواقيت الآفاقي أولاً: تعريف الآفاقي: هو من كان منزله خارج منطقة المواقيت (¬1). ثانياً: مواقيت الآفاقي: تتنوع مواقيت الآفاق باعتبار جهتها من الحرم، فلكل جهة ميقات معيَّن، ويرجع كلام أهل العلم في المواقيت إلى ستة مواقيت: الميقات الأول: ذو الحُليفة: ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من غير أهلها، وهو موضع معروف في أول طريق المدينة إلى مكة، بينه وبين المدينة نحو ستة أميال (13 كيلو متر تقريبا)، وبينه وبين مكة عشرة مراحل (¬2)، نحو مائتي ميل تقريباً (408 كيلو متر تقريبا)، فهو أبعد المواقيت من مكة (¬3)، وتسمى الآن (آبار علي) (¬4)، ومنها أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع (¬5). الميقات الثاني: الجُحْفة: ميقات أهل الشام، ومن جاء من قبلها من مصر، والمغرب، ومن وراءهم من أهل الأندلس ويقال لها مَهْيَعة، وهي قرية كبيرة على نحو خمس مراحل من مكة (186 كيلو متر تقريبا)، وعلى نحو ثمان مراحل من المدينة، سميت جحفة؛ لأن السيل جحفها في الزمن الماضي، وحَمَلَ أهلها (¬6)، وهي التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينقل إليها حمى المدينة، وكانت يومئذ دار اليهود، ولم يكن بها مسلم، ويقال إنه لا يدخلها أحد إلا حم، وقد اندثرت، ولا يكاد يعرفها أحد، ويحرم الحجاج الآن من (رابغ)، وهي تقع قبل الجحفة بيسير إلى جهة البحر، فالمحرم من (رابغ) محرم قبل الميقات، وقيل إن الإحرام منها أحوط لعدم التيقن بمكان الجحفة (¬7). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 196)، ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 389)، وينظر ((المغرب)) للمطرزي (أف ق). (¬2) المراحل: جمع مرحلة، وهي المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 223). (¬3) يقول شيخي زاده: (فهو أبعد المواقيت إما لعظم أجور أهل المدينة، وإما للرفق بسائر الآفاق فإن المدينة أقرب إلى مكة من غيرها، وللشاميين وأهل مصر وغيرهما من أرض العرب). ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 391). (¬4) قال ابن جماعة: بها البئر التي يسمونها العوام بئر علي، ينسبونها إلى علي رضي الله عنه، ويزعمون أنه قاتل الجن بها، ونسبتها إليه رضي الله عنه غير معروفة عند أهل العلم، ولا يرمى بها حجر ولا غيره كما يفعله بعض الجهلة. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 41) وينظر ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 99). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 195). (¬6) الظاهر أن السيل جحفها مرتين: الأولى: عندما نزلها بنو عبيد، وهم إخوة عاد حين أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة، ثم جحفها في سنة ثمانين من الهجرة، ومعنى أجحفهم أي استأصلهم. ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 391)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 342)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208)، ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (4/ 1485)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 142).

الميقات الثالث: قَرْن المنازل (¬1) (السيل الكبير): ميقات أهل نجد (¬2)، و (قرن) جبل مطل على عرفات، ويقال له قرن المبارك، بينه وبين مكة مرحلتان، نحو أربعين ميلاً (78 كيلو متر تقريباً)، وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وتسمى الآن (السيل) (¬3). الميقات الرابع: يلملم: ميقات أهل اليمن وتهامة، والهند، ويلملم جبل من جبال تهامة، جنوب مكة، وتقع على مرحلتين من مكة (¬4) (120كيلو متر تقريباً). الميقات الخامس: ذات عِرق: ميقات أهل العراق، وسائر أهل المشرق، وهي قرية على مرحلتين من مكة، بينهما اثنان وأربعون ميلاً، (100 كيلو متر تقريبا) وقد خربت (¬5). أدلة تحديد هذه المواقيت الخمسة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن؛ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (¬6). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبدالله - يعني ابن عمر - وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم)) (¬7). 3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ وهو في معرسه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل: إنك ببطحاء مباركة، قال موسى: وقد أناخ بنا سالم بالمناخ من المسجد الذي كان عبدالله ينيخ به، يتحرى معرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبين القبلة، وسطاً من ذلك)) (¬8). 4 - عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (¬9). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) قرن المنازل: ويقال: قرن الثعالب، وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. لسان العرب (مادة: قرن)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 43). (¬2) النَّجْد: ما ارتفع من الأرض وحده ما بين العذيب إلى ذات عرق, وإلى اليمامة, وإلى جبلي طيء, وإلى جدة وإلى اليمن. لسان العرب (مادة: نجد)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42). (¬3) ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 392)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195). (¬4) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 42). (¬5) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 43)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195). (¬6) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬7) رواه البخاري (133)، ومسلم (1182). (¬8) رواه البخاري (2336)، ومسلم (1346). (¬9) رواه البخاري (1534).

حكى الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬1)، وابن حزم (¬2)، وابن عبدالبر (¬3)، وابن رشد (¬4)، وابن قدامة (¬5)، والنووي (¬6). الميقات السادس: العقيق: العقيق: واد وراء ذات عرق مما يلي المشرق، عن يسار الذاهب من ناحية العراق إلى مكة، ويشرف عليها جبل عرق (¬7). اختلف أهل العلم في الإحرام منه على قولين: ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت به الخبر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المواقيت) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 196). (¬2) قال ابن حزم: (أَجْمعُوا أَن ذَا الحليفة لأهل الْمَدِينَة، والجحفة لأهل الْمغرب، وَقرن لأهل نجد، ويلملم لاهل الْيمن، وَالْمَسْجِد الْحَرَام لأهل مَكَّة مَوَاقِيت الاحرام لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة حاشا الْعمرَة لأهل مَكَّة) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42). (¬3) قال ابن عبدالبر: (أجمع أهل العلم بالعراق والحجاز على القول بهذه الأحاديث واستعمالها لا يخالفون شيئاً منها، وأنها مواقيت لأهلها في الإحرام بالحج منها، ولكل من أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجاً أو عمرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37). وقال أيضاً: (أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 197)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207). (¬4) قال ابن رشد: (إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الإحرام، أما لأهل المدينة فذو الحليفة، وأما لأهل الشام فالجحفة، ولأهل نجد قرن، وأهل اليمن يلملم لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324). (¬5) قال شمس الدين ابن قدامة: (المواقيت المنصوص عليها الخمسة التي ذكرها الخرقي رحمه الله وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها وهي: ذو الحليفة, والجحفة, وقرن, ويلملم. واتفق أئمة النقل على صحة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207). (¬6) قال النووي: (إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الإحرام أما لأهل المدينة فذو الحليفة، وأما لأهل الشام فالجحفة، ولأهل نجد قرن، وأهل اليمن يلملم لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره) وقال في حديث ذات عرق: (قد اتفق على العمل به الصحابة ومن بعدهم). حكى بعض الأئمة المتقدمين خلافاً في ميقات ذات عرق، فقد نقله الإمام ابن عبدالبر عن أبي الشعثاء جابر بن زيد وطائفة معه، ونقله الطحاوي عن قوم مبهمين. ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (2/ 117)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((المجموع)) للنووي (7/ 193، 195). (¬7) يقال لكل مسيل ماء شقه السيل فأنهره ووسعه عقيق، وفي بلاد العرب أربعة أعقة، وهى أودية عادية، منها: عقيق بدفق ماؤه في غور تهامة وهو المراد هنا. ((معجم البلدان)) لياقوت (4/ 138)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 68)، ((المجموع)) للنووي (7/ 195، 196).

القول الأول: الاقتصار على استحباب الإحرام من ذات عرق، وهو يقع بعد العقيق، وهذا مذهب الجمهور (¬1)، ومنهم الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - نصوص أحاديث المواقيت، وليس في شيء منها العقيق. 2 - إجماع الناس على أنهم إذا جاوزوا العقيق إلى ذات عرق أنه لا دم عليهم، ولو كان ميقاتاً لوجب الدم بتركه (¬5). 3 - إجماع الناس على ما فعله عمر رضي الله عنه من توقيت ذات عرق، وهو بعد العقيق (¬6). القول الثاني: استحباب الإحرام من العقيق لأهل المشرق، وهذا مذهب الشافعية (¬7)، وبعض الحنفية (¬8)، وبه قال بعض السلف (¬9)، واستحسنه ابن المنذر, وابن عبدالبر (¬10). الأدلة: أولاً: عن أنس رضي الله عنه: ((أنه كان يحرم من العقيق)) (¬11). ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: ( ... إلا أنهم اختلفوا في ميقات أهل العراق وفي من وقته لهم. فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم ميقات أهل العراق من ناحية المشرق كلها ذات عرق وهو قول سائر العلماء) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37). وقال شمس الدين ابن قدامة: (وذات عرق ميقات أهل المشرق في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207). وقال ابن رشد: (واختلفوا في ميقات أهل العراق فقال جمهور فقهاء الأمصار: ميقاتهم من ذات عرق) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، وانظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 207). (¬2) ((البناية شرح الهداية)) للعيني (4/ 158)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 475). (¬3) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45). (¬4) قال ابن مفلح: (ليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق). ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 300)، وينظر ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401). (¬5) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45). (¬6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 45). (¬7) قال الشافعي: (لو أهلوا من العقيق كان أحب إلي). ((الأم)) للشافعي (2/ 150). والإحرام عند الشافعية من العقيق مستحب ولا يجب؛ لأن ذات عرق أثبت في الرواية من العقيق، مع ما اقترن بها من العمل الجاري في السلف ومن بعدهم من أهل كل عصر، ثم ما جاء من الكلام في صحة رواية العقيق. وينظر ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 69)، ((المجموع)) للنووي (7/ 197)، و ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 473). (¬8) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 475). (¬9) عن سعيد بن جبير: (أنه رأى رجلاً يريد أن يحرم من ذات عرق، فأخذ بيده حتى خرج من البيوت، وقطع به الوادي، وأتى به المقابر، وقال: هذه ذات عرق الأولى، فأحرم منها يا ابن أخي). ((الأم)) للشافعي (2/ 152)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 37)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324) (¬10) قال شمس الدين ابن قدامة: (وقد روي عن أنس رضي الله عنه أنه كان يحرم من العقيق واستحسنه الشافعي, وابن المنذر, وابن عبدالبر ... ) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207)، قال ابن المنذر: (والإحرام من ذات عرق يجزي، وهو من العقيق أحوط). وانظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 177)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143). (¬11) رواه مسدد في ((المسند)) كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/ 177)، وكما في ((المطالب العالية)) (6/ 323) لابن حجر. قال البوصيري: رواته ثقات، ورواه ابن حزم في ((المحلى)) (5/ 59)

ثانياً: أن الإحرام من العقيق فيه من الاحتياط، والسلامة من الالتباس بذات عرق؛ لأن ذات عرق قرية خربت، وحول بناؤها إلى جهة مكة، فالاحتياط الإحرام قبل موضع بنائها، فينبغي على من أتى من جهة العراق أن يتحرى ويطلب آثار القرية العتيقة، ويحرم حين ينتهي إليها، ومن علاماتها المقابر القديمة، فإذا انتهى إليها أحرم (¬1). المطلب الثاني: الإحرام من الميقات لمن مرَّ منه قاصداً النسك: يجب الإحرام من الميقات لمن مر منه قاصداً أحد النسكين: الحج أو العمرة. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن؛ ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (¬2). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبدالله - يعني ابن عمر - وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن من يلملم)) (¬3). وجه الدلالة من هذين الحديثين: أنه صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت، فقال: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة)) (¬4)، وفائدة التأقيت المنع من تأخير الإحرام عنها، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين (¬5). 3 - عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، والأصل في دلالة الأمر الوجوب، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم تجاوزوها بغير إحرام (¬7). ثانياً: من الإجماع: نقل الإجماع على ذلك النووي (¬8)، والزيلعي (¬9). المطلب الثالث: من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا: ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 194، 198)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 207). (¬2) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬3) رواه البخاري (133)، ومسلم (1182). (¬4) جزء من حديث رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. (¬5) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 136)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 402). (¬6) رواه البخاري (1534). (¬7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 402). (¬8) قال النووي: (قال الشافعي: والأصحاب إذا انتهى الآفاقي إلى الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أو القران حرم عليه مجاوزته غير محرم بالإجماع، فإن جاوزه فهو مسيء) ((المجموع)) للنووي (7/ 206)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 82). (¬9) قال الزيلعي: (وجب الإحرام من الميقات عند إرادة النسك إجماعاً) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 7).

من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا اجتهد وأحرم إذا حاذى ميقاتاً من المواقيت. وذلك باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي (¬5). الدليل: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أهل العراق وقالوا: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً، وإنها جور عن طريقنا- يعني فيها ميول وبعد عن طريقنا- فقال رضي الله عنه: ((انظروا إلى حذوها من طريقكم)) (¬6). مسألة: من سلك طريقاً ليس فيه ميقات معين، برًّا أو بحراً أو جوًّا، فاشتبه عليه ما يحاذي المواقيت ولم يجد من يرشده إلى المحاذاة وجب عليه أن يحتاط ويحرم قبل ذلك بوقت يغلب على ظنه أنه أحرم فيه قبل المحاذاة؛ وليس له أن يؤخر الإحرام، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي (¬7)، وبه أفتى ابن باز (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات (¬9). ثانياً: أن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحرى والاحتياط خوفًا من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب (¬10). المطلب الرابع: هل جدة ميقات؟ ¬

(¬1) ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 426)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 342). (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 380)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 46). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 199)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 473). (¬4) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 302)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 49)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 24)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 274). (¬5) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي (العدد الثالث: الجزء 3/ 1649): قراررقم (7) د 3/ 07/86 في دورة انعقاد مؤتمرة الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ/11 - 16 أكتوبر 1986م. (¬6) رواه البخاري (1531). (¬7) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1611) في جلسته المنعقدة في 10/ 4/1402هـ. الموافق 4/ 2/1982م. (¬8) قال ابن باز: (وإذا اشتبه عليه ذلك لزمه أن يحرم في الموضع الذي يتيقن أنه محاذيها أو قبلها حتى لا يجاوزها بغير إحرام، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح وإنما الخلاف في كراهته وعدمها، ومن أحرم قبلها احتياطا خوفا من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 24). (¬9) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1612) (¬10) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (العدد الثالث: 3/ 1612)

جدة ليست ميقاتاً، ولا يجوز لأحد أن يتجاوز ميقاته ويحرم من جدة، إلا أن لا يحاذي ميقاتاً قبلها فإنه يحرم منها، كمن قدم إليها عن طريق البحر من الجزء المحاذي لها من السودان؛ لأنه لا يصادف ميقاتاً قبلها، وهذا اختيار ابن باز (¬1)، وابن عثيمين (¬2)، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة (¬3)، وقرار هيئة كبار العلماء (¬4)، والمجمع الفقهي الإسلامي (¬5). الأدلة: أولا من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها)) (¬6). وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرَّ على هذه المواقيت حتى لو كان من غير أهلها، ولم يذكر جدة من بينها، وعليه فلا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مر عليه. 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا فقال: انظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق)) (¬7). وجه الدلالة: أن الإحرام يكون في الميقات أو حذوه، وجدة ليست ميقاتاً وليست محاذية لأحد المواقيت. ثانيا: أنه بالرغم من أن جدة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يتخذها ميقاتاً مع أهمية موقعها وقربه، ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم. فرع: ¬

(¬1) للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رسالة في الموضوع بعنوان: بيان خطأ من جعل جدة ميقاتاً لحجاج الجو والبحر. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 23)، وانظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 328). (¬2) قال ابن عثيمين: (إذا كان قدم من السودان إلى جدة يريد العمرة لكنه أتى جدة مارا بها مرورا فإن الواجب عليه أن يحرم من الميقات ... ولكن في بعض الجهات السودانية إذا اتجهوا إلى الحجاز لا يحاذون المواقيت إلا بعد نزولهم في جدة بمعنى أنهم يدخلون إلى جدة قبل محاذاة المواقيت مثل أهل سواكن فهؤلاء يحرمون من جدة كما قال ذلك أهل العلم، لكن الذي يأتي من جنوب السودان، أو من شمال السودان هؤلاء يمرون بالميقات قبل أن يصلوا إلى جدة فيلزمهم الإحرام من الميقات الذي مروا به ما داموا يريدون العمرة أو الحج). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 282). (¬3) وجاء فيها: (أما جدة فهي ميقات لأهل جدة وللمقيمين بها إذا أراد حجاً أو عمرة، وأما جعل جدة ميقاتاً بدلا من يلملم فلا أصل له، فمن مر على يلملم وترك الإحرام منه وأحرم من جدة وجب عليه دم، كمن جاوز سائر المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة؛ لأن ميقاته يلملم؛ ولأن المسافة بين مكة إلى يلملم أبعد من المسافة التي بين جدة ومكة). ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 126). (¬4) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 328). (¬5) ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي للرابطة)) قرار رقم: 18 (2/ 5) حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها. (¬6) رواه البخاري (1526) ومسلم (1181). (¬7) رواه البخاري (1531).

من لم يحمل معه ملابس الإحرام في الطائرة، فليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل، وعليه كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزاراً وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفارة، وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، وهذا قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي (¬1). المطلب الخامس: حكم تجاوز الميقات للمحرم بدون إحرام الفرع الأول: من تجاوز الميقات بغير إحرام ولم يرجع للإحرام من الميقات: من كان مريداً لنسك الحج أو العمرة، وتجاوز الميقات بغير إحرام، فإنه يجب العود إليه، والإحرام منه، فإن لم يرجع أَثِم (¬2) ووجب عليه الدم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على ذلك (¬7). الأدلة: دليل وجوب الرجوع: أنه نسك واجب أمكنه فعله، فلزمه الإتيان به كسائر الواجبات (¬8). دليل وجوب الدم عليه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئاً من نسكه فليهرق دماً)) (¬9). مسألة: ¬

(¬1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (32/ 332). (¬2) قال النووي: (أجمع العلماء على أن هذه المواقيت مشروعة ثم قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور هي واجبة لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 82). وقال ابن حجر: (اختلف فيمن جاوز الميقات مريداً للنسك فلم يحرم فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم. فأما لزوم الدم فبدليلٍ غير هذا وأما الإثم فلترك الواجب) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 387). (¬3) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 153)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 7). (¬4) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 208). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 206). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (وإن أحرم من دون الميقات، فعليه دم) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 220 - 221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 404). (¬7) قال ابن عبدالبر: (كلهم يقول إنه إن لم يرجع وتمادى فعليه دم) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 149). (¬8) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 149)، ((المجموع)) للنووي (7/ 205)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 220). (¬9) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً .. ) ولفظ مالك: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) قال أيوب: (لا أدري قال ترك أو نسي).

من تجاوز الميقات بدون إحرام ليدخل مكة لعدم حمله التصريح فحجه صحيح لكنه يأثم بارتدائه المخيط، وتجب عليه الفدية، وبه قال ابن عثيمين (¬1) (¬2). الفرع الثاني: من تجاوز الميقات بغير إحرام ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه من تجاوز الميقات بغير إحرام ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه، فلا دم عليه (¬3). الأدلة: أولا: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك الكاساني (¬4) وشمس الدين ابن قدامة (¬5). ثانياً: لأنه أحرم من الميقات الذي أُمر بالإحرام منه، فلم يلزمه شيء؛ لأنه أتى بالواجب عليه، كما لو لم يجاوزه ابتداء (¬6). ثالثاً: لأنه لم يترك الإحرام من الميقات ولم يهتكه، فلم يجب عليه شيء (¬7). الفرع الثالث: من أحرم بعد الميقات، ثم رجع إلى الميقات ¬

(¬1) قال ابن عثيمين: (وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية- يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يلبس المحرم القميص) وهذا لبس، وبعض الناس يفعل أيضاً شيئاً آخر يؤخر الإحرام عن الميقات حتى يتجاوز التفتيش، وهذا أيضاً عاص للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإهلال من المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة، فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 450). (¬2) فائدة: قال النووي في من يتعمد ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: (وربما ارتكب بعض العامة شيئاً من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، وإذا خالف أثم ووجبت الفدية وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم. وجهالة هذا الفاعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئاً مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبروراً) ((الإيضاح في مناسك الحج)) للنووي (ص: 211). (¬3) قال ابن قدامة: ( ... وجملته أن من جاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا أمكنه لأنه واجب أمكنه فعله فلزمه كسائر الواجبات، وسواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شيء عليه لا نعلم في ذلك خلافاً، وبه قال جابر بن زيد, والحسن, وسعيد بن جبير, والثوري, والشافعي ... ) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221). (¬4) قال الكاساني: (ولو جاوز ميقاتاً من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام ثم عاد قبل أن يحرم وأحرم من الميقات وجاوزه محرماً لا يجب عليه دم بالإجماع) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165). (¬5) قال شمس الدين ابن قدامة: (إن رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه، لا نعلم في ذلك خلافا). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 115) (¬6) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 404). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 165)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221).

من أحرم بعد الميقات، ثم رجع إلى الميقات؛ فإنه لا يسقط عنه الدم، وهذا مذهب المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وبه قال زفر من الحنفية (¬3)، وهو قول ابن المبارك (¬4) , واختيار الشنقيطي (¬5) , وابن باز (¬6) , وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئاً من نسكه فليهرق دماً)) (¬8). ثانياً: أن الدم استقر عليه بترك واجب الإحرام من الميقات، ولا يزول هذا برجوعه، أما إذا رجع قبل إحرامه منه فإنه لم يترك الإحرام منه، ولم يهتكه (¬9). الفرع الرابع: إذا جاوز الميقات غير مريد نسكاً ثم أراده إذا جاوز الميقات غير مريد نسكاً، ثم أراده فإنه يحرم من موضعه، وهو مذهب المالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، وبه قال ابن حجر (¬12)، والشوكاني (¬13)، واختاره ابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324). (¬2) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221). (¬3) ((مجمع الأنهر)) لشيخ زاده (1/ 448). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 208). (¬5) قال الشنقيطي: (وأظهر أقوال أهل العلم عندي: أنه إن جاوز الميقات ثم رجع إلى الميقات، وهو لم يحرم، أنه لا شيء عليه ; لأنه لم يبتدئ إحرامه إلا من الميقات، وأنه إن جاوز الميقات غير محرم، وأحرم في حال مجاوزته الميقات، ثم رجع إلى الميقات محرماً أن عليه دماً لإحرامه بعد الميقات، ولو رجع إلى الميقات فإن ذلك لا يرفع حكم إحرامه مجاوزاً للميقات) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 160) (¬6) قال ابن باز فيمن نسي الإحرام من الميقات: (يرجع ويحرم من الميقات إذا لم يكن قد أحرم بعد، أما إذا كان قد أحرم بعد الميقات فعليه دم ولا يرجع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 40). (¬7) قال ابن عثيمين: (لا يحل للإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الإحرام بالحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات بلا إحرام، فإن فعل قلنا له: ارجع وأحرم من الميقات، فإن أحرم من غير الميقات لزمه عند العلماء دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء في مكة). ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (21/ 369). (¬8) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً .. ) ولفظ مالك: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) قال أيوب: (لا أدري قال ترك أو نسي). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 221). (¬10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 59). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 203 - 204). (¬12) قال ابن حجر: (ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله فمن حيث أنشأ) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386). (¬13) قال الشوكاني: (ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 296). (¬14) قال ابن عثيمين: (أما الداخل لمكة للعمل وكان أدى الحج والعمرة ولكنه أراد الإحرام فيما بعد فإنه يحرم من مكة إن كان يريد الحج، وإن كان يريد العمرة فإنه لابد أن يخرج إلى الحل ويحرم من الحل، إما التنعيم، أو الجعرانة، أو الحديبية على طريق جدة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 377).

عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (¬1)، وهذا أنشأ النية من دون المواقيت، فميقاته من حيث أنشأ. ثانياً: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه أحرم من الفُرْع)) (¬2)، والفُرْع بلاد بين ذي الحليفة وبين مكة، فتكون دون ميقات المدني، وابن عمر رضي الله عنهما مدني، وتأويله أنه خرج من المدينة إلى الفرع لحاجة، ولم يقصد مكة، ثم أراد النسك فكان ميقاته مكانه (¬3). ثالثاً: أن من وصل إلى مكان على وجه مشروع، صار حكمه حكم أهله (¬4). الفرع الخامس: المرور من الميقات لحاجة غير النسك: مسألة: حكم الإحرام لمن جاوز الميقات إلى الحل لحاجة غير النسك من جاوز الميقات لا يريد نسكاً، ولا يريد دخول الحرم فلا يجب عليه الإحرام. الأدلة: أولاً: من السنة: قوله عليه الصلاة والسلام: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجاً أو عمرة)). وجه الدلالة: أنَّ مفهوم الحديث يدل على أنَّ من لم يرد الحج والعمرة، يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام. ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬5). مسألة: حكم الإحرام لمن جاوز الميقات إلى مكة لحاجة غير النسك ¬

(¬1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬2) رواه مالك في ((الموطأ)) رواية محمد بن الحسن الشيباني (382) , (1188)، والبيهقي (5/ 29) (9189) بلفظ: (أن عبدالله بن عمر أهل من الفرع)، قال النووي في ((المجموع)) (7/ 204): إسناده صحيح. (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 204). (¬4) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 581)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 403). (¬5) قال ابن قدامة: (فأما المجاوز للميقات، ممن لا يريد النسك، فعلى قسمين: أحدهما: لا يريد دخول الحرم، بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شيء عليه في ترك الإحرام) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 253).

من جاوز الميقات – ممن لا يجب عليه النسك - بقصد دخول مكة لحاجة لا تتكرر، فإنه يستحب له الإحرام ولا يجب وهو مذهب الشافعية (¬1)، والظاهرية (¬2)، وهو رواية عن أحمد (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4)، وهو ظاهر تبويب البخاري (¬5)، واختاره النووي (¬6)،وابن القيم (¬7) , وابن مفلح (¬8)، والزركشي (¬9)، والصنعاني (¬10)، والشنقيطي (¬11)، وابن باز (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) وهوما نصَّ عليه الشافعي في عامة كتبه وذهب إليه جمهور الشافعية ((المجموع)) للنووي (7/ 11)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 484). (¬2) ([387] قال ابن حزم: (ودخول مكة بلا إحرام جائز; لإن النبي عليه السلام إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجاً, أو عمرة, ولم يجعلها لمن لم يرد حجاً، ولا عمرة, فلم يأمر الله تعالى قط, ولا رسوله عليه السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه). ((المحلى)) لابن حزم (7/ 266)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 59). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 254). (¬4) قال ابن حجر: (وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 59)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 16). (¬5) قال البخاري: (باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام). انظر: ((فتح الباري لابن حجر)) (4/ 59). (¬6) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 83). (¬7) قال ابن القيم: (وهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلوم في المجاهد، ومريد النسك، وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، أو أجمعت عليه الأمة) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (3/ 429) (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302). (¬9) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 302). (¬10) قال الصنعاني: (في قوله: (ممن أراد الحج أو العمرة) ما يدل أنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد دخول مكة لأحد النسكين فلو لم يرد ذلك جاز له دخولها من غير إحرام وقد دخل ابن عمر بغير إحرام ولأنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة ومن قال: إنه لا يجوز مجاوزة الميقات إلا بالإحرام إلا لمن استثني من أهل الحاجات كالحطابين فإن له في ذلك آثاراً عن السلف ولا تقوم بها حجة). ((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 612): (¬11) قال الشنقيطي: (أظهر القولين عندي دليلاً: أن من أراد دخول مكة حرسها الله لغرض غير الحج والعمرة أنه لا يجب عليه الإحرام، ولو أحرم كان خيراً له ; لأن أدلة هذا القول أقوى وأظهر فحديث ابن عباس المتفق عليه: خص فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحرام بمن أراد النسك. وظاهره أن من لم يرد نسكاً فلا إحرام عليه. وقد رأيت الروايات الصحيحة بدخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح غير محرم، ودخول ابن عمر غير محرم والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 495): (¬12) قال ابن باز: (وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)) فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 44). (¬13) قال ابن عثيمين: (وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام، أي أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة فليس عليه شيء ولا يلزمه الإحرام من الميقات) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 287 - 288).

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (¬1). وجه الدلالة: أنَّ مفهوم الحديث يدل على أنَّ من لم يرد الحج والعمرة، يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، ولو وجب بمجرد الدخول لما علقه على الإرادة (¬2). 2 - عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير احرام)) رواه مسلم (¬3)، وعن أنس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه مغفر)) رواه مسلم (¬4). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح حلالاً غير محرم، وكذا أصحابه، فدل على عدم لزوم الإحرام لمن دخل مكة (¬5). ثانياً: أن الله تعالى لم يأمر قط, ولا رسوله عليه الصلاة السلام بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام، فهو إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه (¬6). ثالثاً: أنه قد ثبت بالاتفاق أن الحج والعمرة عند من أوجبها إنما تجب مرة واحدة، فلو أوجبنا على كل من دخل مكة أو الحرم أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة (¬7). رابعاً: أنه تحية لبقعة فلم تجب كتحية المسجد (¬8). مسألة المرور بميقاتين: لا يجوز لمريد النسك أن يتجاوز أول ميقات يمر عليه إلى ميقات آخر، سواء كان أقرب إلى مكة أو أبعد، مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة، أو أن يترك أهل الشام الإحرام من الجحفة إلى ذي الحليفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬9) والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وهو قول طائفة من السلف (¬12)، واختاره النووي (¬13)، وابن حجر (¬14)، والصنعاني (¬15)،وابن عثيمين احتياطاً (¬16). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬2) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485). (¬3) رواه مسلم (3375). (¬4) رواه مسلم (3374) (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 10، 11)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 253). (¬6) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 266). (¬7) ((سبل السلام)) (1/ 612). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 16). (¬9) استثنى المالكية من ذلك صورة واحدة، وهي إذا ما كان يمر بميقاته الأصلي مرة أخرى، كمصري يمر بذي الحليفة، فإنه إذا ذهب إلى مكة سيرجع ماراً بميقاته الأصلي: الجحفة، أو يحاذيه. ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 36)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 303). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208 - 209)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 208 - 209)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401). (¬12) منهم: الثوري والليث بن سعد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 147). (¬13) وقد حكى النووي ((الإجماع)) على ذلك، وأنه لا خلاف في المسألة، فتعقبه ابن حجر بوقوع الخلاف، وحمل قوله على أنه يحتمل أنه أراد أنه لا خلاف في المذهب الشافعي. ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 83)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386). (¬14) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 386). (¬15) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 186). (¬16) قال ابن عثيمين: (والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، فوقت هذا لمن أتى عليه، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصلي في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك بأنه أحوط وأبرأ للذمة) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 48).

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المواقيت: ((هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن كان يريد حجا أو عمرة)) رواه البخاري، ومسلم (¬1). وجه الدلالة: أن الحديث يدل بعمومه على أن من مر بميقات فهو ميقاته، فالشامي مثلاً إذا أتى ذا الحليفة فهو ميقاته، يجب عليه أن يحرم منه. ولا يجوز له أن يجاوزه غير محرم. ثانياً: أن هذه المواقيت محيطة بالبيت كإحاطة جوانب الحرم، فكل من مرّ بجانب من جوانبه لزمه تعظيم حرمته، وإن كان بعض جوانبه أبعد من بعض (¬2). المطلب السادس: حكم التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية: التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية جائز بالإجماع، فيما نقله ابن المنذر (¬3)، والمرغيناني (¬4)، والنووي (¬5)، لكنه يكره، وهو مذهب المالكية (¬6)، والحنابلة (¬7)، واختاره ابن باز (¬8) وابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من الميقات، وهذا مجمع عليه، ولا يفعل إلا الأفضل، وقد حج مرة، واعتمر مراراً، وقد ترك النبي صلى الله عليه سلم الإحرام من مسجده الذي الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وأحرم من الميقات، فلا يبقى بعد هذا شك في أن الإحرام من الميقات أفضل (¬10). ثانياً: أنه لو كان الأفضل الإحرام من قبل الميقات لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم، ولما تواطؤوا على ترك الأفضل، واختيار الأدنى، وهم أهل التقوى والفضل، وأفضل الخلق، ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات ما لهم (¬11). ثالثاً: إنكار عمر وعثمان رضي الله عنهما الإحرام قبل المواقيت: ¬

(¬1) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬2) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 186). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51). (¬4) قال برهان الدين المرغيناني: (يجوز التقديم عليها بالاتفاق) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 136). (¬5) قال النووي: (أجمع من يعتد به من السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم على أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه، وحكى العبدري وغيره عن داود أنه قال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، وأنه لو أحرم مما قبله لم يصح إحرامه، ويلزمه أن يرجع، ويحرم من الميقات، وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله) ((المجموع)) للنووي (7/ 200). (¬6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 366). (¬7) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 304). (¬8) قال ابن باز: (الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط خوفاً من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 48). (¬9) قال ابن عثيمين: (حكم الإحرام قبل المواقيت مكروه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتها، وكون بعض الناس يحرم قبل أن يصلها فيه شيء من التقدم على حدود الله تعالى، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيام: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم، أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها فإن إحرامه ينعقد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 380). (¬10) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 145)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 324)، ((المجموع)) للنووي (7/ 201)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 222)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314).

1. عن الحسن ((أن عمران بن الحصين أحرم من البصرة فلما قدم على عمر وقد كان بلغه ذلك أغلظ له وقال: يتحدث الناس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من مصر من الأمصار)) (¬1). 2. ((أحرم عبدالله بن عامر من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع، وكرهه له)) (¬2). خامساً: أنه تغرير بالإحرام وتعرض لفعل محظوراته، وفيه مشقة على النفس، فكره كالوصال في الصوم، قال عطاء: انظروا هذه المواقيت التي وقتت لكم، فخذوا برخصة الله فيها، فإنه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه، فيكون أعظم لوزره، فإن الذنب في الإحرام أعظم من ذلك (¬3). سادساً: القياس على كراهة الإحرام قبل أشهر الحج. المطلب السابع: الحيض والنفاس لا يمنع من إحرام المرأة من الميقات المرأة التي تريد الحج أو العمرة لا يجوز لها مجاوزة الميقات، بلا إحرام، حتى لو كانت حائضاً فإنها تحرم وهي حائض، وينعقد إحرامها ويصح. الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (( ... فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي واستثفري (¬4) بثوب وأحرمي)) (¬5). وجه الدلالة: أنه أمر النفساء بالاغتسال والإحرام، ولا فرق في ذلك بينها وبين الحائض، فالنفاس أقوى من الحيض لامتداده وكثرة دمه، ففي الحيض أولى (¬6). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬7)، والنووي (¬8)، وابن رجب (¬9). ¬

(¬1) رواه الطبراني (18/ 107) (14914)، والبيهقي (5/ 31) (9198). قال ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 300): (منقطع، اللهم إلا أن يكون الحسن سمعه من عمران بن حصين)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 219): (رجاله رجال الصحيح إلا أن الحسن لم يسمع من عمر)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 159): (موقوف بسند الصحيح، وله شاهد). (¬2) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314). (¬3) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 143)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 314). (¬4) الاستثفار: معناه أنها تشد على فرجها خرقة وتربطها. ينظر مقدمة ((فتح الباري)) لابن حجر (ص: 93)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 350). (¬5) الحديث رواه مسلم (1218). (¬6) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 430). (¬7) قال ابن عبدالبر: (وهو صحيح مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه كلهم يأمر النفساء بالاغتسال على ما في هذا الحديث وتهل بحجها وعمرتها وهي كذلك وحكمها حكم الحائض تقضي المناسك كلها وتشهدها غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 315). (¬8) قال النووي: (فيه صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 172)، وقال المباركفوري: (مثلها الحائض، وأولى منهما الجنب؛ لأنهما شاركتاه في شمول اسم الحدث، وزادتا عليه بسيلان الدم، وهو مجمع عليه) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 4). (¬9) قال ابن رجب: (هذا قول جماعة أهل العلم، لا يعلم بينهم اختلاف فيه: أن الحائض يجوز أن تحرم بالحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الطاهر، سوى الطواف بالبيت، ولكن؛ منهم من كره لها أن تبتدئ الإحرام من غير حاجة إليه، فكره الضحاك وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري: أن تحرم في حال دمها قبل الميقات؛ لأنه لا حاجة لها إلى ذَلكَ، فإذا وصلت إلى الميقات، ولم تطهر فإحرامها حينئذ ضرورة، وكره عطاء لمن كانت بمكة وهي حائض: أن تخرج إلى الميقات، فتهل بعمرة، وقال: لا تخرج حتّى تطهر، وهو محمول على المقيمة بمكة، التي يمكنها تأخير الإحرام إلى حال طهرها) ((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 490).

المبحث الثاني: ميقات الميقاتي

المبحث الثاني: ميقات الميقاتي المطلب الأول: تعريف الميقاتي هو من كان يسكن بين المواقيت والحرم كأهل جدة، وقديد، وعسفان، ومر الظهران، وبحرة، وأم السَّلَم (¬1). المطلب الثاني: موضع إحرام الميقاتي من كان ساكناً أو نازلاً بين المواقيت والحرم فإن ميقاته موضعه، فإن جاوزه أثم ووجب عليه الدم، فإن عاد إليه سقط الدم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة))، وفي رواية: ((فمن كان دونهن فمن أهله)) (¬5) (¬6). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 579). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 46) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 23). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 196)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 474). (¬4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 401)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 302). (¬5) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬6) قال النووي رحمه الله: (هذا صريح في أن من كان مسكنه بين مكة والميقات فميقاته مسكنه إلى الميقات, ولا يجوز له مجاوزة مسكنه بغير إحرام, هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مجاهداً فقال ميقاته مكة بنفسها) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 83، 84) وقال الشنقيطي: (اعلم أن من كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات، فميقاته من موضع سكناه ... وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 487). لكن خالف الحنفية لقولهم أن له أن يحرم من جميع الحل ما لم يدخل إلى مكة، أما الجمهور فيوجبون أن يحرم من موضعه أو من مسجده أو من قريته، فإن أحرم بعد ذلك لزمه دم. ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 111).

المبحث الثالث: ميقات المكي (الحرمي) للعمرة

المبحث الثالث: ميقات المكي (الحرمي) للعمرة المطلب الأول: تعريف المكي المكي هو: من كان داخل الحرم عند إرادة الإحرام، سواء كان من أهلها أو عابر سبيل (¬1). المطلب الثاني: ميقات المكي للحج من كان منزله في مكة أو الحرم، فإنه يحرم من منزله سواء كان مستوطنا أو نازلاً. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) (¬2). وجه الدلالة: أن نص الحديث يقتضي أن أهل مكة يحرمون منها (¬3). 2 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا، أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح)) رواه مسلم (¬4). وجه الدلالة: أن الصحابة رضي الله عنهم الذين حلوا من إحرامهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم أحرموا من الأبطح، وهو موضع بمكة (¬5). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬6)، وابن حزم (¬7)، والقرطبي (¬8)، والنووي (¬9). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344)، ((المجموع)) للنووي (7/ 205). (¬2) رواه البخاري (1524)، ومسلم (1181). (¬3) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 299). (¬4) رواه مسلم (1214). (¬5) كل مسيل فيه دقاق الحصا فهو أبطح، وهو قريب من منى، وهو متصل بالمحصب، وهو خيف بني كنانة، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 162)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 74)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 79)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 48، 49). (¬6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت به الخبر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المواقيت) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 196). (¬7) قال ابن حزم: (أَجْمعُوا أَن ذَا الحليفة لأهل الْمَدِينَة، والجحفة لأهل الْمغرب، وَقرن لأهل نجد، ويلملم لاهل الْيمن، وَالْمَسْجِد الْحَرَام لأهل مَكَّة مَوَاقِيت الإحرام لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة حاشا الْعمرَة لأهل مَكَّة) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42). (¬8) قال القرطبي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أجمع أهل العلم على القول بظاهر هذا الحديث واستعماله، لا يخالفون شيئاً منه) ((تفسير القرطبي)) (2/ 367). (¬9) قال النووي: (أجمع العلماء على هذا كله, فمن كان في مكة من أهلها أو وارداً إليها وأراد الإحرام بالحج فميقاته نفس مكة ولا يجوز له ترك مكة والإحرام بالحج من خارجها) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 84).

الباب الرابع: الإحرام

الفصل الأول: تعريف الإحرام، وحكمه، والحكمة منه المبحث الأول: تعريف الإحرام لغةً واصطلاحاً الإحرام لغةً: هو الدخول في الحرمة، يقال: أحرم الرجل إذا دخل في حرمة عهد أو ميثاق؛ فيمتنع عليه ما كان حلالاً له (¬1). الإحرام اصطلاحاً: هو نية الدخول في النسك (¬2)، وهذا قول جمهور الفقهاء، من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). المبحث الثاني: حِكَم تشريع الإحرام من حكم مشروعية الإحرام: 1 - استشعار تعظيم الله عز وجل 2 - تلبية أمره بأداء النسك الذي يريده المحرم 3 - استشعار إرادة تحقيق العبودية 4 - الامتثال لله تبارك وتعالى (¬6). المبحث الثالث: حُكم الإحرام الإحرام من فرائض النسك، حجًّا كان أو عمرة. الأدلة: أولاً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنية)). أخرجه البخاري ومسلم (¬7). وجه الدلالة: أنَّه لا يصح العمل ولا ويثبت إلا بوقوع النية، والإحرام هو نية الدخول في النسك؛ فلا يصح وقوع النسك إلا بنية وهي الإحرام. ثانياً: الإجماع: فقد نقل الإجماع على ذلك، ابن حزم (¬8). ¬

(¬1) انظر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (مادة: ح ر م)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ح ر م)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حرم). (¬2) قال الفيومي: (أحرم الشخص: نوى الدخول في حج أو عمرة، ومعناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالاً له، وهذا كما يقال أنجد إذا أتى نجداً وأتهم إذا أتى تهامة) ((المصباح المنير)) (مادة: ح ر م)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 52)، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 58). (¬3) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 3). (¬4) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265). (¬5) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 305). (¬6) قال ابن حجر: (قال العلماء: والحكمة في منع المحرم من اللباس والطيب البعد عن الترفه والاتصاف بصفة الخاشع وليتذكر بالتجرد القدوم على ربه فيكون أقرب إلى مراقبته وامتناعه من ارتكاب المحظورات) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 404) وقال الشربيني: (قال بعض العلماء والحكمة في تحريم لبس المخيط وغيره مما منع منه المحرم أن يخرج الإنسان عن عادته فيكون ذلك مذكراً له ما هو فيه من عبادة ربه فيشتغل بها) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 519). وانظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 129 - 130). (¬7) رواه البخاري (6953)، ومسلم (1907). (¬8) قال ابن حزم: (واتفقوا أن الإحرام للحج فرض) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42)، ولم يتعقبه ابن تيمية في ((نقد مراتب الإجماع))، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا بعد ذلك في كونه ركناً أو شرطاً، فالجمهور على أنه ركن خلافاً للحنفية أنه شرط، وعند الجميع لا يصح الحج بدونه.

الفصل الثاني: سنن الإحرام

المبحث الأول: الاغتسال المطلب الأول: حكم الاغتسال للمحرم يُسنُّ الاغتسال للإحرام، وهو باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). وحكى فيه النووي الإجماع (¬5). الأدلة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)) أخرجه مسلم (¬6). وجه الدلالة: أنه إذا كانت الحائض أو النفساء لا تنتفع من غسلها في استباحة العبادة كالصلاة، ومع ذلك أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال؛ فاغتسال المحرم الطاهر من باب أولى، وكان للسنية، وليس للوجوب؛ لأن الأصل هو براءة الذمة، حتى يثبت الوجوب بأمرٍ لا مدفع فيه (¬7). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة)) (¬8). المطلب الثاني: حكم اغتسال الحائض والنفساء ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 143)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344). (¬2) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 322)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 38). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 348). (¬5) قال النووي: (اتفق العلماء على أنه يستحب الغسل عند إرادة الاحرام بحجٍّ أو عمرةٍ أو بهما، سواء كان إحرامه من الميقات الشرعي أو غيره) ((المجموع)) للنووي (7/ 212). وقال أيضاً: (وهو مجمعٌ على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن: وأهل الظاهر هو واجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 133). لكن قال ابن قدامة: (وعلى كل حال فمن أراد الإحرام استُحِبَّ له أن يغتسل قبله في قول أكثر أهل العلم، منهم طاوس, والنخعي, ومالك, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 119). وقال ابن رشد: (واتفق جمهور العلماء على أن الغسل للإهلال سنة، وأنه من أفعال المحرم) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 336). (¬6) رواه مسلم (1218). (¬7) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 5)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 337). (¬8) رواه البزار والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (3/ 220)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 74)، والدارقطني (2/ 220) (22)، والحاكم 1/ 615، والبيهقي (5/ 33) (9212). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين)، وقال الهيثمي: (رجاله ثقات)، وصححه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 350)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (1/ 179)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (719).

يُسنُّ للحائض والنفساء الغسل للإحرام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (¬1): الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (( ... فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة. فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي)) أخرجه مسلم (¬6). وجه الدلالة: أن قوله: ((اغتسلي))، أمرٌ لها بأن تغتسل مع أنها نفساء لا تستبيح باغتسالها هذا الصلاة، ولا غيرها مما تُشترَط له الطهارة. ثانياً: أنه غسلٌ يُراد به النسك؛ فاستوى فيه الحائض والطاهرة (¬7). المطلب الثالث: استحباب تلبيد الرأس يستحب للمحرمُ بعد غسل الإحرام أن يلبد (¬8) رأسه، وذلك لمن يطول مكثه في أعمال الحج (¬9)، وهذا مذهب الشافعية (¬10)، وقول للحنفية (¬11)، وقول للمالكية (¬12)، واختاره المباركفوري (¬13). وحكى النووي فيه الإجماع (¬14). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (جمهور العلماء يستحبونه ولا يوجبونه، وما أعلم أحداً من المتقدمين أوجبه إلا الحسن البصري فإنه قال في الحائض والنفساء إذا لم تغتسل عند الإهلال: اغتسلت إذا ذكرت. وبه قال أهل الظاهر قالوا: الغسل واجب عند الإهلال على كل من أراد أن يهل وعلى كل من أراد الحج طاهراً كان أو غير طاهر) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 5). وقال النووي: (وفيه صحة إحرام النفساء والحائض، واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مجمعٌ على الأمر به، لكن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور أنه مستحب، وقال الحسن وأهل الظاهر هو واجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 133). (¬2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 143)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 344). (¬3) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 322)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 38). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 212)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478). (¬5) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 348). (¬6) رواه مسلم (1218). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 211). (¬8) التلبيد: ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمي وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض بما يسكنه ويمنعه من الانتفاش والتمعط. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/ 385)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 89، 90)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). والخَطْمِيُّ: ضرب من النبات يُغْسَلُ به الرأس. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 186). (¬9) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 79). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 479). (¬11) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 26)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 5). (¬12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 143) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 548، 549). (¬13) قال المباركفوري: (حمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على عذر يحتاج إلى دليل، والأصل عدم العذر وأما حمل التلبيد على المعنى اللغوي ففيه: أن شراح الحديث، وأهل اللغة، وأصحاب غريب الحديث: كالخطابي، والحافظ، والعيني، والمجد، والجوهري، والجزري، والزمخشري وغيرهم قد اتفقوا على ما ذكرنا من العلماء من معنى التلبيد، ولزوق بعض الصوف أو الشعر ببعضه لا يحصل إلا بما يصلح للإلزاق والإلصاق كالصمغ أو الخطمي أو العسل وما يشبه ذلك) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (8/ 441). (¬14) قال النووي: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لبدت رأسي وقلدت هديي)) فيه استحباب التلبيد وتقليد الهدي، وهما سنتان بالاتفاق). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 212).

1. عن ابن عمر قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا)) رواه البخاري، ومسلم (¬1) فيه استحباب تلبيد الرأس قبل الإحرام (¬2). 2. وعن حفصة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع قالت: فقلت: ما يمنعك أن تحل؟ فقال: إنى لبدت رأسي، وقلدت هديى، فلا أحل حتى انحر هديى)) رواه البخاري، ومسلم (¬3). فيه دليل على استحباب تلبيد شعر الرأس عند الإحرام (¬4). 3. عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذى خر من بعيره ميتاً: ((اغسلوه بماء سدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا)) (¬5). فيه استحباب التلبيد، وتقليد الهدى ثانياً: أن ذلك أرفق به، لكونه يسكن شعره، ويجمعه، فلا يتولد فيه القمل، ولا يقع فيه الدبيب، ولا يتخلله الغبار، ولا يتشعث، ولا ينتفش في مدة الاحرام (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري (1540)، ومسلم (1184). (¬2) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 89، 90). (¬3) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229) (¬4) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 321). (¬5) رواه البخاري ومسلم هكذا (ملبداً) وأكثر الطرق (ملبياً) ولا مخالفة وكلاهما صحيح. ((المجموع)) للنووي (7/ 221). (¬6) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 79)، ((المجموع)) للنووي (7/ 220).

المبحث الثاني: الإحرام في إزار ورداء

المبحث الثاني: الإحرام في إزار ورداء يستحب الإحرام في إزار ورداء (¬1). الدليل: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك النووي (¬2)، وابن تيمية (¬3). مسألة: إذا لم يجد المحرم إزاراً أو لم يجد نعلاً إن لم يجد المحرم إزاراً، لبس السراويل، وإن لم يجد نعلين، لبس الخفين. الأدلة: أولاً: من السنة: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات، يقول: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)). 2. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلاً سأللأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما يلبس المحرم؟ فقال: لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرنس، ولا ثوباً مسه الزعفران، ولا ورس، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين)). 3. عن جابر رضي الله عنهما قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) رواه مسلم. ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬4)، وابن قدامة (¬5). ¬

(¬1) قال الزيلعي: (لأنه ممنوع من لبس المخيط، ولا بد من ستر العورة ودفع الحر والبرد). ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9). (¬2) قال النووي: (السنة أن يحرم في إزار ورداء ونعلين، هذا مجمعٌ على استحبابه كما سبق في كلام ابن المنذر) ((المجموع)) (7/ 217). يعني به قول ابن المنذر الآتي: (وكان الثوري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي ومن تبعهم يقولون: يلبس الذي يريد الإحرام إزاراً ورداء) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 184). (¬3) قال ابن تيمية: (والسنة أن يحرم في إزار ورداء، سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 109). (¬4) قال ابن المنذر: (لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد النعلين) ((الإشراف)) (3/ 222). (¬5) قال ابن قدامة: (لا نعلم خلافا بين أهل العلم، في أن للمحرم أن يلبس السراويل، إذا لم يجد الإزار، والخفين إذا لم يجد نعلين) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 281).

المبحث الثالث: التطيب

المبحث الثالث: التطيب المطلب الأول: حكم الطيب قبل الإحرام التطيب في البدن لا في الثياب، مسنونٌ قبل الدخول في الإحرام؛ استعداداً له، ولو بقي جرمه بعد الإحرام، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬5). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني أنظر إلى وبيص الطيب (¬6) في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم)) (¬7). 3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنا نضمِّخ (¬8) وجوهنا بالمسك المطيَّب قبل أن نحرم، ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا)) (¬9). ثانياً: أن الطيب معنىً يراد للاستدامة فلم يمنع الإحرام من استدامته كالنكاح (¬10). ثالثاً: أن المقصود من استنانه حصول الارتفاق به حالة المنع منه كالسحور للصوم (¬11). المطلب الثاني: التطيب في ثوب الإحرام يمنع المحرم من تطييب ثوبه قبل الإحرام وبعده، وهو مذهب الحنفية (¬12)، والمالكية (¬13)، وقول للشافعية (¬14)، وقولٌ للحنابلة اختاره الآجري (¬15)، وصححه ابن عثيمين (¬16). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم: ((لا يلبس ثوباً مسه ورس ولا زعفران)). ثانياً: أن الطيب يبقى في الثوب ولا يستهلك بخلاف البَدَن، فلا يقاس عليه (¬17). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 479). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 218)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 479). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 406). (¬4) قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء من السلف, والخلف, والمحدثين, والفقهاء منهم سعد بن أبي وقاص, وابن عباس, وابن الزبير, ومعاوية, وعائشة, وأم حبيبة, وأبو حنيفة, والثوري, وأبو يوسف, وأحمد, وإسحاق, وأبو ثور, وابن المنذر, وداود وغيرهم) ((المجموع)) للنووي (7/ 221 - 222)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 258). (¬5) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189). (¬6) وبيص الطيب: أي بَرِيقَه. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: وبص). (¬7) رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190). (¬8) التضمخ: التلطخ بالطيب وغيره والإِكثار منه حتى كأنما يقطر. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضمخ). (¬9) رواه أحمد (24502)، وأبو داود (1830)، والبيهقي (5/ 48) (9318). حسنه النووي في ((المجموع)) (7/ 214)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/ 181): (رجال إسناده ثقات) وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (2/ 307): (ثابت)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1622). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 222). (¬11) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345). (¬12) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 394). (¬13) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 226)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 220). (¬14) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 71)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 270). (¬15) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 325)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 407). (¬16) قال ابن عثيمين: (أما تطييب الثوب، أي: ثوب الإحرام فإنه يكره، لا يطيب، لا بالبخور ولا بالدهن، وإذا طيبه، فقال بعض العلماء: إنه يجوز أن يلبسه إذا طيبه قبل أن يعقد الإحرام لكن يكره. وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس))، فنهى أن نلبس الثوب المطيب، وهذا هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 65). (¬17) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 172)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 65).

المبحث الرابع: الإحرام عقب صلاة

المبحث الرابع: الإحرام عقب صلاة اختلف أهل العلم فيها على قولين: القول الأول: تُسن صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وقد حكى النووي الإجماع على ذلك (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (¬6). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ركعتين ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬7). القول الثاني: ليس للإحرام صلاة تخصه، فإن كان في وقت فريضة استحب أن يحرم عقيب الصلاة المكتوبة، وهو روايةٌ عن أحمد (¬8)،واختيار ابن تيمية (¬9)، والألباني (¬10) وابن عثيمين وزاد: أو عقب صلاة مشروعة من عادته أنه يصليها (¬11). الدليل: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة خاصة بالإحرام، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما أحرم عقب الفريضة (¬12). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 482). (¬2) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 795)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 88). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 80)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 480). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 407 - 408). (¬5) قال النووي: (يستحب أن يصلي ركعتين عند إرادة الاحرام، وهذه الصلاة مجمعٌ على استحبابها) ((المجموع)) للنووي (7/ 221) قال ابن رشد: (واستحب الجميع أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها نافلة أو فريضة من ميقاته إذا كانت صلاة لا يتنفل بعدها) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 338). (¬6) رواه البخاري (1534). (¬7) رواه البخاري (1554)، ومسلم (1187). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307). (¬9) قال ابن تيمية: (يستحب أن يحرم عقيب صلاة: إما فرض وإما تطوع إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه، وإلا فليس للإحرام صلاةٌ تخصه، وهذا أرجح) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 108 - 109). قال المرداوي: (واختار الشيخ تقي الدين أنه يستحب أن يحرم عقيب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307). (¬10) قال الألباني: (وليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن أدركته الصلاة قبل إحرامه فصلى ثم أحرم عقب صلاته كان له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بعد صلاة الظهر) ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (ص15). (¬11) قال ابن عثيمين: (وقال بعض أهل العلم: إنه ليس للإحرام صلاة خاصة، وإنما يحرم الإنسان بمجرد أن ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة، مثل: أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها، أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها، وهذا هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعله -يعني: من عادته أن يصلي صلاة الضحى ومن عادته أن يصلي إذا توضأ- أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة في الإحرام) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء: 177). (¬12) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 101) , ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 69).

المبحث الخامس: التلبية

المبحث الخامس: التلبية المطلب الأول: تعريف التلبية التلبية لغةً: إجابة المنادي، وتطلق على الإقامة على الطاعة (¬1) (¬2). التلبية اصطلاحاً (¬3): هي قول المحرم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (¬4). المطلب الثاني: حكم التلبية التلبية سنةٌ في الإحرام، وهذا مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وقول ابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. لا يزيد على هؤلاء الكلمات. وإن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد الحليفة، أهلَّ بهؤلاء الكلمات)) أخرجه مسلم (¬9). ¬

(¬1) قال ابن فارس: (اللام والباء أصلٌ يدل على لزومٍ وثبات، وعلى خلوصٍ وجودة). ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: لب)، وانظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: لبب). (¬2) قال ابن القيم: (في معنى التلبية ثمانية أقوال: أحدهما: إجابة لك بعد إجابة ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة. الثاني: أنه انقياد من قولهم: لببت الرجل. إذا قبضت على تلابيبه ومنه: لببته بردائه. والمعنى انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كما يفعل بمن لبب بردائه وقبض على تلابيبه. الثالث: أنه من لب بالمكان إذا قام به ولزمه والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها اختاره صاحب الصحاح. الرابع: أنه من قولهم: داري تلب دارك. أي تواجهها وتقابلها أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك حكاه في الصحاح عن الخليل. الخامس: معناه حبًّا لك بعد حب من قولهم: امرأة لبة. إذا كانت محبة لولدها. السادس: أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه ومنه لب الطعام ولب الرجل عقله وقلبه ومعناه أخلصت لي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي. السابع: أنه من قولهم: فلان رخي اللبب. وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه أنا منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها متوجه إليك بلبب رخي يوجد المحب إلى محبوبه لا بكره ولا تكلف. الثامن: أنه من الإلباب وهو الاقتراب، أي: اقتراباً إليك بعد اقتراب كما يتقرب المحب من محبوبه) ((حاشية ابن القيم على السنن)) (5/ 175). (¬3) للاطلاع على معنى كلمات التلبية بالتفصيل، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103 - 110). (¬4) رواه مسلم (1184)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. (¬5) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 88). (¬6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). (¬7) قال ابن باز: (وتشرع له التلبية في أثناء الطريق، فلو لم يلب فلا شيء عليه؛ لأن التلبية سنة مؤكدة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 76). (¬8) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن التلبية ليست بواجبة، وليست بركن، وإنما هي سنة، فإذا لم يلبِّ الإنسان في حجه أو في عمرته، فإن نسكه تام، بمعنى أنه صحيح، وإن كان لا شك أنه ناقصٌ بفوات هذه السنة؛ ولكنه لا يقال: إنه ليس بصحيح) ((جلسات رمضانية)) (الدرس العاشر). (¬9) رواه مسلم (1184).

2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال بجمع: ((سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ههنا يقول: لبيك اللهم لبيك ... )). أخرجه مسلم (¬1). (¬2). وجه الدلالة من الحديثين: أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد الاستحباب (¬3). ثانيا: لأن التلبية ذكر فلم تجب في الحج والعمرة كسائر الأذكار فيهما (¬4). المطلب الثالث: رفع الصوت بالتلبية يُسنُّ للرجل أن يرفع صوته بالتلبية (¬5). حكى النووي الإجماع على ذلك (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن السائب بن خلاد الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال أو قال بالتلبية يريد أحدهما)) (¬7). 2 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصرخ بالحج صراخاً)) أخرجه مسلم (¬8). المطلب الرابع: كيفية تلبية المرأة ¬

(¬1) رواه مسلم (1383). (¬2) قال البهوتي: (والتلبية سنة لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بها وهي ذكرٌ فيه فلم تجب كسائر الأذكار) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال الشيرازي: (لأنها عبادةٌ لا يجب النطق في آخرها؛ فلم يجب النطق في أولها كالصوم) ((المهذب)) للشيرازي (1/ 205). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة ((3/ 270) (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 270)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 419). قال النووي: (اتفق العلماء علي استحباب التلبية) ((المجموع)) للنووي (7/ 245). قال ابن عبدالبر: (والذكر والدعاء في ذلك الموضع وغيره من سائر مواقف الحج مندوب إليه مستحب لما فيه من الفضل ورجاء الإجابة وليس بفرض عند الجميع) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 91). (¬5) قال ابن باز: ( ... ولهذا شرع الله رفع الصوت بالتلبية؛ ليعرفوا هذا المعنى؛ وليحققوه؛ وليتعهدوه في قلوبهم وألسنتهم ... فالسنة رفع الصوت بهذه التلبية، حتى يعلمها القاصي والداني، ويتعلمها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وحتى يستشعر معناها ويتحقق معناها، وأن معناها إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه إلههم الحق، خالقهم ورازقهم ومعبودهم جل وعلا في الحج وغيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 205). (¬6) قال النووي: (قوله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً ... فيه استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهو متفقٌ عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً بحيث لا يؤذي نفسه ... ورفع الرجل مندوبٌ عند العلماء كافة) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 232). ذهب الظاهرية إلى الوجوب ومال إليه الشنقيطي (¬7) رواه أبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (5/ 162)، وابن ماجه (2381)، وأحمد (4/ 55) (16605)، وابن حبان (9/ 111) (3802)، والحاكم (1/ 619)، والبيهقي (5/ 41) (9275). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك))، والنووي في ((المجموع)) (7/ 225)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1814). (¬8) رواه مسلم (1247).

المرأة لا ترفع صوتها، وإنما تلبي سرًّا بالقدر الذي تُسمِع به نفسها. ذهب إلى ذلك جماهير أهل العلم (¬1) وحكاه ابن عبدالبر إجماعا (¬2). وذلك لما يُخشى من رفع صوتها من الفتنة (¬3). المطلب الخامس: وقت التلبية الفرع الأول: ابتداء وقت التلبية يستحب أن يبتدئ المحرم بالتلبية، إذا ركب دابته وابتدأ السير وهو مذهب المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وروايةٌ عند الحنابلة (¬6)، وهو اختيار الشنقيطي (¬7)، وابن باز (¬8)، وابن عثيمين (¬9). الأدلة: من السنة: 1 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واستوت به أهلَّ)) (¬10). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حين تستوي به قائمة)) (¬11). 2 - عن سالم بن عبدالله أنه سمع أباه يقول: ((ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره)) (¬12). 4 - عن نافع قال: ((كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادَّهن بدهنٍ، ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحليفة، فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل)) (¬13). ¬

(¬1) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 196). قال ابن المنذر: (وقال ابن عمر: المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية وبه قال عطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي). وقال سليمان بن يسار: (السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 194). (¬2) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث وخُصَّت بذلك) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 242)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 57). وحكاه عنه ابن رشد، فقال: (وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر هو أن تسمع نفسها بالقول) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 337). (¬3) قال النووي: (والمرأة ليس لها الرفع لأنه يُخاف الفتنة بصوتها) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 90 - 91)، وانظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 112 - 113). (¬4) ((حاشية العدوي)) (1/ 522)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 106). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 81)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 481). (¬6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 320)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 387). (¬7) قال الشنقيطي: (أظهر أقوال أهل العلم فيه: أنه أول الوقت الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير، لصحة الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 4). (¬8) قال ابن باز: (والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 41). (¬9) قال ابن عثيمين: (الأقرب أنه يلبي إذا ركب السيارة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 99). (¬10) رواه البخاري (1546)، ومسلم (690). (¬11) رواه البخاري (1514)، ومسلم (1187). (¬12) رواه مسلم (1186). (¬13) رواه البخاري (1554)، ومسلم (1187).

5 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (¬1))) (¬2). (¬3). قال النووي: هذه أحاديث صحيحة قاطعة بترجح الإحرام عند ابتداء السير (¬4). الفرع الثاني: انتهاء وقت التلبية في الحج: تنتهي التلبية في الحج عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر، ولا فرق في ذلك بين المفرد، والقارن، والمتمتع (¬5)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وبه قال طائفة من السلف (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة)) (¬10). وجه الدلالة: أن الحديث نص في انتهاء التلبية عند رمي جمرة العقبة، وقد جاء من رواية الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وقد كان رديفه يومئذ، وهو أعلم بحاله من غيره (¬11). 2 - عن عبدالله بن سخبرة , قال: ((لبى عبدالله وهو متوجه إلى عرفات، فقال أناس: من هذا الأعرابي، فالتفت إلي عبدالله، فقال: أضل الناس أم نسوا؟ والله ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو بتكبير)) (¬12). ثانياً: أن التلبية للإحرام، فإذا رمى فقد شرع في التحلل، فلا معنى للتلبية (¬13). ¬

(¬1) قال النووي: (قوله في هذا الباب عن ابن عمر قال: ((فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته))، وقال في الحديث السابق: ((ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي الحديث الذي قبله: ((كان اذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل))، وفي رواية: ((حين قام به بعيره))، وفي رواية: ((يهل حين تستوي به راحلته قائمة))، هذه الروايات كلها متفقة في المعنى، وانبعاثها هو استواؤها قائمةً، وفيها دليلٌ لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 93 - 94)، ((المجموع)) للنووي (7/ 216). (¬2) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187). (¬3) قال ابن عثيمين: (نحن جربنا فائدة كونه لا يلبي إلا إذا ركب؛ لأنه أحياناً يتذكر الإنسان شيئاً كطيب أو شبهه، فإذا قلنا: أحرم بعد الصلاة لم يتمكن من استعمال الطيب بعد الإحرام، لكن إذا قلنا: لا تلب ولا تحرم إلا بعد الركوب حصل في ذلك فسحة، إلا إذا صح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه يبدأ بالتلبية عقب الصلاة) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 103). وقال أيضاً: (لكن الأحسن والأرفق بالناس ألا يلبي حتى يستوي على ناقته؛ لأنه قد يحتاج إلى شيء؛ فقد يكون نسي أن يتطيب مثلاً، وقد يتأخر في الميقات بعد أن يصلي الركعتين، ركعتي الوضوء، أو الصلاة المفروضة مثلاً، فالأرفق به أن تكون تلبيته إذا استوى على ناقته، وإن لبى قبل ذلك فلا حرج) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 509). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 216). (¬5) لكن المتمتع يقطع تلبيته للعمرة عند شروعه في الطواف، ثم يلبي إذا أحرم للحج، فلا يزال يلبي حتى يشرع في رمي جمرة العقبة. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371). (¬6) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 546)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 371). (¬7) ((المجموع)) للنووي (8/ 154)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 395). (¬9) منهم: ابن مسعود وابن عباس ميمونة رضي الله عنهم، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والنخعي، والثوري. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383). (¬10) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281). (¬11) قال الطحاوي: (قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة , بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة) ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (2/ 224)، وانظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 383). (¬12) أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 225). (¬13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 191)، ((المجموع)) للنووي (8/ 154).

الفصل الثالث: أنواع النسك في الحج

المبحث الأول: أحكام الأنساك الثلاثة المطلب الأول: أنواع الأنساك الثلاثة النوع الأول: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج مفرداً. النوع الثاني: القران: وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد. النوع الثالث: التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه (¬1). المطلب الثاني: جواز الأنساك الثلاثة يجوز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة: الإفراد، أو القران، أوالتمتع، وكلها شريعة صحيحة، وسنة ثابتة (¬2). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة، فليهل)) (¬3) قالت عائشة رضي الله عنها: ((فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة)) (¬4)، وفي رواية: ((منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع)) (¬5) وجه الدلالة: أنها ذكرت إحرام الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه الأنساك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد (¬6). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) سيأتي الكلام عنها مفصلا، وينظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208). (¬2) ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346). (¬3) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211). (¬4) رواه مسلم (1211). (¬5) رواه مسلم (1211). (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232).

نقل الإجماع على جواز الأنساك الثلاثة: الماوردي (¬1)، وابن عبدالبر (¬2)، والبغوي (¬3)، وابن هبيرة (¬4)، وابنُ قدامة (¬5)، والقرطبي (¬6)، والنوويُّ (¬7)، وابن باز (¬8)، وأثبت آخرون الخلاف في المسألة (¬9). ¬

(¬1) قال الماوردي: (لا اختلاف بين الفقهاء في جواز الإفراد، والتمتع، والقران، وإنما اختلفوا في الأفضل) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44). (¬2) قال ابن عبدالبر: (في حديث ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة من الفقه: أن التمتع جائز، وأن الإفراد جائز، وأن القران جائز، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 205). (¬3) قال البغوي: (اتفقت الأمة في الحج والعمرة على جواز الإفراد، والتمتع، والقران) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74). (¬4) قال ابن هبيرة: (أجمعوا على أنه يصح الحج بكل نسك من أنساك ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران، لكل مكلف على الإطلاق) ((اختلاف الأئمة العلماء)) (1/ 270)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210). (¬5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232). (¬6) قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء في أن التمتع جائز على ما يأتي تفصيله، وأن الإفراد جائز، وأن القرآن جائز، لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي كلا ولم ينكره في حجته على أحد من أصحابه، بل أجازه لهم ورضيه منهم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإنما اختلف العلماء فيما كان به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محرما في حجته وفي الأفضل من ذلك، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك) ((تفسير القرطبي)) (2/ 387). (¬7) قال النووي: (مذهبنا جواز الثلاثة، وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا ما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضى الله عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع، وعنه جوابان: أحدهما: أنهما نهيا عنه تنزيهاً، وحملا للناس على ما هو الأفضل عندهما، وهو الإفراد، لا أنهما يعتقدان بطلان التمتع، هذا مع علمهما بقول الله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*. والثاني: أنهما كانا ينهيان عن التمتع الذى فعلته الصحابة في حجة الوداع، وهو فسخ الحج إلى العمرة؛ لأن ذلك كان خاصًّا لهم، وهذا التأويل ضعيف، وإن كان مشهوراً، وسياق الأحاديث الصحيحة يقتضي خلافه) ((المجموع)) للنووي (7/ 151). (¬8) قال ابن باز: (قد أجمع العلماء على صحة الإحرام بأي واحد من الأنساك الثلاثة، فمن أحرم بأي واحد منها صح إحرامه، والقول بأن الإفراد والقران قد نسخاً قول باطل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 129، 130). (¬9) يقول د. عبدالسلام السحيمي: (هذا الذي ذكره جماعة من أهل العلم، وهو الإجماع على جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، ليس محل إجماع ولا اتفاق على الصحيح)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثبت عن ابن عباس وطائفة من السلف أن التمتع واجب، وأن كل من طاف بالبيت وسعى ولم يكن معه هدي، فإنه يحل من إحرامه، سواء قصد التحلل أم لم يقصده، وليس عند هؤلاء لأحد أن يحج إلا متمتعاً. وهذا مذهب ابن حزم وغيره من أهل الظاهر). إذا فيكون في المسألة قولان: الأول: جواز الإحرام بأي نسك من الأنساك الثلاثة، وهو قول أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو قول الأئمة الأربعة. والقول الثاني: أن من لم يسق الهدي فليس بمخير بين الأنساك الثلاثة، بل يتعين عليه أن يحج متمتعاً، وهو قول ابن عباس وأصحابه وأهل الظاهر، ومال إليه ابن القيم .. ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 210 - 212)، وانظر: ((الفروع)) للمرداوي (5/ 330).

المطلب الثالث: نسك النبي صلى الله عليه وسلم: النسك الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم هو القران، وهذا مذهب أبي حنيفة (¬1)، وأحمد في المنصوص عنه (¬2)، وهو قول أئمة الحديث، كإسحاق بن راهويه، وابن المنذر (¬3)، واختاره ابن حزم (¬4)، والنووي (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وابن القيم (¬7)، وابن حجر (¬8)، والكمال ابن الهمام (¬9)، والشوكاني (¬10)، والشنقيطي (¬11) ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 41)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 519). (¬2) قال أحمد: (لا أشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، والتمتع أحب إلي؛ لأنه آخر الأمرين). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 34). (¬3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429). (¬4) قال ابن حزم: (صح في سائر الأخبار من رواية البراء, وعائشة, وحفصة أمي المؤمنين, وأنس, وغيرهم أنه عليه السلام كان قارناً) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 165)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 429). (¬5) قال النووي: (الصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارناً) ((المجموع)) للنووي (7/ 159)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 428). (¬6) قال ابن تيمية: (أما حج النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان قارنا، قرن بين الحج والعمرة وساق الهدي، ولم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا حين قدم، لكنه طاف طواف الإفاضة مع هذين الطوافين). وهذا الذي ذكرناه هو الصواب المحقق عند أهل المعرفة بالأحاديث الذين جمعوا طرقها، وعرفوا مقصدها، وقد جمع أبو محمد بن حزم في حجة الوداع كتابا جيداً في هذا الباب. ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 80) (¬7) قال ابن القيم: (وإنما قلنا: إنه أحرم قارنا، لبضعة وعشرين حديثا صحيحة صريحة في ذلك). وقال أيضاً: (من تأمل ألفاظ الصحابة، وجمع الأحاديث بعضها إلى بعض، واعتبر بعضها ببعض، وفهم لغة الصحابة، أسفر له صبح الصواب، وانقشعت عنه ظلمة الاختلاف) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 107، 121، 129). (¬8) قال ابن حجر: (الذي تجتمع به الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً). وقال أيضاً: (روى القران عنه جماعة من الصحابة لم يختلف عليهم فيه ... وأيضاً فإن من روي عنه القران لا يحتمل حديثه التأويل إلا بتعسف). وقال أيضا: (فإن رواية القران جاءت عن بضعة عشر صحابياً بأسانيد جياد بخلاف روايتي الإفراد والتمتع، وهذا يقتضي رفع الشك عن ذلك والمصير إلى أنه كان قارناً). وقال أيضاً: (الذي يظهر لي أن من أنكر القران من الصحابة نفى أن يكون أهل بهما في أول الحال، ولا ينفي أن يكون أهل بالحج مفرداً ثم أدخل عليه العمرة فيجتمع القولان) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 427 - 430). (¬9) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 522). (¬10) قال الشوكاني: (اعلم ن حجة صلى الله عليه وسلم وإن اختلفت الأحاديث في بيان نوعه فقد تواتر أنه حج قرانا وبلغت الاحاديث في ذلك زيادة على عشرين حديثا من طريق سبعة شعر صحابيا) ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 346). (¬11) قال الشنقيطي: (لا شك عند من جمع بين العلم والإنصاف، أن أحاديث القران أرجح من جهات متعددة، منها كثرة من رواها من الصحابة ..... ومنها: أن من روي عنهم الإفراد، روي عنهم القران أيضاً، ويكفي في أرجحية أحاديث القران أن الذين قالوا بأفضلية الإفراد معترفون بأن من رووا القران صادقون في ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا باتفاق الطائفتين، إلا أن بعضهم يقولون: إنه لم يكن قارناً في أول الأمر، وإنما صار قارناً في آخره، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن أحاديث القران أرجح من خمسة عشر وجهاً، فلينظره من أراد الوقوف عليها) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 372).

وابن باز (¬1) وابن عثيمين (¬2). الأدلة: الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)) (¬3) وجه الدلالة: أنه أمر أن يهل بعمرة في حج، وهذا إهلال القران، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً (¬4). الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج)) (¬5) وجه الدلالة: أن المراد بالتمتع هنا القران، فالصحابة كانوا يطلقون التمتع ويريدون به القران، ويدل له هنا أن ابن عمر رضي الله عنهما بيَّن إثر هذا الكلام صفة عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه عليه السلام بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فذكر صفة القران. الدليل الثالث: فعل ابن عمر رضي الله عنهما وأنه قَرَن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافا واحدا، ثم قال: ((هكذا فَعَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬6) الدليل الرابع: عن حفصة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أحل من الحج)) (¬7). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّها على كونه معتمراً، وأخبرها أنه ساق الهدي، وأنه لن يحل من عمرته حتى يحل من الحج يوم النحر، وهذه صفة القران. الدليل الخامس: عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ((يلبي بالحج والعمرة جميعاً)) قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر، فقال: ((لبى بالحج وحده))، فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لبيك عمرة وحجاً)) (¬8). المطلب الرابع: أفضل الأنساك ¬

(¬1) ((فتاوى نور على الدرب)) (17/ 359). (¬2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 76). (¬3) رواه البخاري (1534). (¬4) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 392). (¬5) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). (¬6) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230). (¬7) رواه البخاري (1697)، ومسلم (1229). (¬8) رواه البخاري (4353، 4354)، ومسلم (1232) واللفظ له ..

التمتع أفضل الأنساك الثلاثة لمن لم يسق الهدي، وهو مذهب الحنابلة (¬1)، وأحد قولي الشافعي (¬2)، وبه قال طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن حزم (¬4)، وابن قدامة (¬5)، والشوكاني (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى دون سائر الأنساك (¬9). ثانياً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا)) (¬10). ¬

(¬1) قال سلمة بن شبيب لأحمد: (يا أبا عبدالله، قويت قلوب الرافضة لما أفتيت أهل خراسان بالمتعة -أي متعة الحج- فقال: يا سلمة، كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدافع عنك، والآن فقد تبين لي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعها لقولك؟) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 232)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 260). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 44)، ((المجموع)) للنووي (7/ 150). (¬3) منهم: ابن عباس وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وسالم، والقاسم، وعكرمه، يشار هاهنا أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يقتصر على اختياره، بل ذهب إلى وجوبه وتَعيُّنه لمن لم يسق الهدي، وتبعه على ذلك: ابن القيم، والألباني. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 101)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 260)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99، 103 رقم 833). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 262). (¬6) قال الشوكاني: (وفي الجملة لم يوجد شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث - حديث ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)) - قال: فالتمسك به متعين، ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من المرجحات، فإنها في مقابله ضائعة) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 311). وقال في ((السيل الجرار)) (ص: 346): (فمن جعل وجه التفضيل لأحد أنواع الحج هو أنه صلى الله عليه وسلم حج بنوع كذا، وأن الله سبحانه لا يختار لرسوله إلا ما كان فاضلاً على غيره فقد كان حجه صلى الله عليه وسلم قراناً، فيكون القرآن أفضل أنواع الحج، ولكنه قد ثبت من حديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى وجعلها عمرة))، فدل على أن التمتع أفضل من القران). (¬7) قال ابن باز: (التمتع أفضل في أصح أقوال العلماء في حق من لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فالقران له أفضل؛ تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130). (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 264). (¬9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 261). (¬10) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216).

2 - عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلوا)) (¬1). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي)) (¬2). وجه الدلالة من هذه النصوص من وجهين: الوجه الأول: أنه قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر أصحابه في حجة الوداع لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينقلهم من الفاضل إلى المفضول، بل إنما يأمرهم بما هو أفضل لهم. الوجه الثاني: أنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلولا أن التمتع هو الأفضل لما تأسف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تمنى أنه لم يسق الهدي حتى يحل مع الناس متمتعاً (¬3). 4 - عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: ((أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال: رجل برأيه ما شاء)) (¬4). 5 - عن أبي نضرة، قال: ((كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبدالله، فقال: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فـ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196]، كما أمركم الله)) (¬5). ثالثاً: أن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج، مع كمالها وكمال أفعالها على وجه اليسر والسهولة، مع زيادة لنسك هو الدم، فكان ذلك هو الأولى (¬6). رابعاً: أنه أسهل على المكلف غالباً لما فيه من التحلل بين العمرة والحج (¬7). المطلب الخامس: تعيين أحد الأنساك يستحب أن يُعيِّن ما يحرم به من الأنساك عند أول إهلاله، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (¬8)، والشافعية في الأصح (¬9)، والحنابلة (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني الليلة آت من ربي عز وجل، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)) (¬11). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُعيِّن نسكه. 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أصحابه بالاحرام بنسك معين فقال: ((من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل)) (¬12). ثانياً: أن التعيين هو الأصل في العبادات (¬13). ¬

(¬1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218). (¬2) رواه البخاري (1572). (¬3) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 259). (¬4) رواه البخاري (4518)، ومسلم (1226). (¬5) رواه مسلم (1217). (¬6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 262). (¬7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 77). (¬8) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63). (¬9) نص عليه الشافعي. ((المجموع)) للنووي (7/ 227)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230، 232)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 328). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 230). (¬11) رواه البخاري (1534). (¬12) رواه البخاري (1786)، ومسلم (1211). (¬13) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 221).

ثالثاً: أن بتعيين النسك يعرف المحرم ما يدخل عليه، وهو أقرب إلى الإخلاص (¬1). المطلب السادس: الإحرام المبهم إذا أحرم ولم يعيِّن نسكه فإنه ينعقد إحرامه، ويصرفه إلى ما شاء من أنواع النسك قبل شروعه في أفعال النسك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (¬6). 2 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (¬7). ثانياً: أنه صح الإهلال مبهما لتأكد الإحرام، وكونه لا يخرج منه بمحظوراته (¬8). ثالثاً: أن هذا مثل ابتداء الإحرم بالنية مطلقاً، ثم تعيينه باللفظ بأي أنواع النسك شاء (¬9). المطلب السابع: من لبى بغير ما نوى من لبى بغير ما نوى، كأن ينوي القران، ويجري على لسانه الإفراد، ونحو ذلك فإنه يكون مُحْرِماً بما نوى، لا بما جرى على لسانه (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬11). ثانياً: الإجماع: نقله ابن المنذر (¬12). ثالثاً: أن الواجب النية، وعليها الاعتماد، واللفظ لا عبرة به، فلم يؤثر، كما لا يؤثر اختلاف النية فيما يعتبر له اللفظ دون النية (¬13). المطلب الثامن: نسيان ما أحرم به مَنْ أحرم بشيء معين، ثم نسي ما أحرم به فإنه يلزمه حج وعمرة، ويعمل عمل القارن، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬14)، والمالكية (¬15)، والشافعية (¬16). الأدلة: ¬

(¬1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 346) ا. (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 63)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 26). (¬4) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533). (¬6) رواه البخاري (4352). (¬7) رواه مسلم (1221). (¬8) ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 267)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533). (¬10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 61)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478): ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 55). (¬11) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية). (¬12) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه [إذا] أراد أن يهلّ بحج فأهل بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبى بحج: أن اللازم ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 51)، وينظر ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265). (¬13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 220). (¬14) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 438)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 223). (¬15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 65)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27). (¬16) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 267).

أولاً: أنه تلبس بالإحرام يقيناً فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه (¬1). ثانياً: أنه أحوط لاشتماله على النسكين، فيتحقق بالإتيان بالنسكين الخروج عما شرع فيه، فتبرأ ذمته (¬2). المطلب التاسع: الإحرام بما أحرم به فلان: من نوى الإحرام بما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله، فإن كان لا يعلم ما أحرم به فإنه يقع مطلقاً ويصرفه إلى ما يشاء، نص على هذا جمهور الفقهاء من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: 1) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسعايته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بم أهللت يا علي؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت)) (¬6). 2) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟، فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟، قال قلت: لبيك، بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل)) (¬7). ¬

(¬1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478). (¬2) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 27)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 478). (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 68). (¬4) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 477)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 265). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 268)، ((دقائق أولي النهي لشرح المنتهى)) للبهوتي (1/ 533). (¬6) رواه البخاري (4352). (¬7) رواه مسلم (1221).

المبحث الثاني: الإفراد في الحج

المبحث الثاني: الإفراد في الحج الإفراد بالحج أن يحرم بالحج مفرداً، فيقول: «لبيك اللهم حجاً»، ثم يمضي في عمل حجه حتى يتمه، فليس عليه إلا طواف واحد، وهو طواف الإفاضة (¬1)، وليس عليه إلا سعي واحد، وهو سعي الحج، ولا يحل إلا يوم النحر، وليس عليه دم، وإن كان يستحب له ذلك (¬2). ¬

(¬1) أما طواف القدوم فلا يجب عليه عند جمهور الفقهاء، وأما طواف الوداع فإنما يجب عند الجمهور على غير الحائض إذا صدر من مكة بعد فراغه من النسك، وكل ذلك سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى في في صفة الحج. (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 382)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/ 286)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 209)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 88).

المبحث الثالث: القران في الحج

المبحث الثالث: القران في الحج المطلب الأول: تعريف القران أن يحرم بالعمرة والحج معاً في نسك واحد، فيقول: لبيك اللهم عمرة في حجة (¬1). المطلب الثاني: إطلاق التمتع على القران يطلق التمتع على القران في عرف السلف، قرر ذلك ابن عبدالبر (¬2)، والنووي (¬3)، وابن تيمية (¬4)، وابن حجر (¬5)، والكمال ابن الهمام (¬6)، والشنقيطي (¬7)، وغيرهم (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب: ¬

(¬1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208). (¬2) قال ابن عبدالبر: (إنما جعل القران من باب التمتع لأن القارن متمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة وإلى الحج أخرى وتمتع بجمعهما لم يحرم لكل واحدة من ميقاته وضم إلى الحج فدخل تحت قول الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وهذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354). (¬3) قال النووي: (كذلك يتأول قول من قال: كان متمتعاً أي تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج؛ لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 137). (¬4) قال ابن تيمية: (الذين قالوا تمتع -أي الرسول صلى الله عليه وسلم- لم تزل قلوبهم على غير القران، فإن القران كان عندهم داخلاً في مسمى التمتع بالعمرة إلى الحج، ولهذا وجب عند الأئمة على القارن الهدي؛ لقوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، وذلك أن مقصود حقيقة التمتع أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، فيترفه بسقوط أحد السفرين، قد أحل من عمرته، ثم أحرم بالحج، أو أحرم بالحج مع العمرة، أو أدخل الحج على العمرة، فأتى بالعمرة والحج جميعا في أشهر الحج من غير سفر بينهما، فيترفه بسقوط أحد السفرين، فهذا كله داخل في مسمى التمتع) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 209). (¬5) قال ابن حجر: (حديث بن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وصف فعل القران حيث قال: ((بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج))، وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعاً لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعاً) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495). (¬6) قال الكمال ابن الهمام: (التمتع بلغة القرآن أعم من القران كما ذكره غير واحد، وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث، وهو مدعانا، وأن يراد به الفرد المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، فعلينا أن ننظر أولاً في أنه أعم في عرف الصحابة أو لا، وثانياً في ترجيح أي الفردين بالدليل، والأول يبين في ضمن الترجيح وثم دلالات أخر على الترجيح مجردة عن بيان عمومه عرفاً) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 520، 521). (¬7) قال الشنقيطي: (اعلم أن الأحاديث الواردة بأنه كان مفرداً، والواردة بأنه كان قارناً، والواردة بأنه كان متمتعاً لا يمكن الجمع البتة بينها، إلا الواردة منها بالتمتع والواردة بالقران، فالجمع بينهما واضح; لأن الصحابة كانوا يطلقون اسم التمتع على القران، كما هو معروف عنهم، ولا يمكن النزاع فيه، مع أن أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمتع قد يطلق عليه أنه تمتع ; لأن أمره بالشيء كفعله إياه) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 371). (¬8) ((تفسير القرطبي)) (2/ 388)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 169)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 423)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208).

قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن القارن متمتع بجمع النسكين في نسك واحد، ومتمتع بسقوط أحد السفرين عنه، فلم يحرم لكل نسك من ميقاته، فيدخل بذلك في عموم الآية في مسمى التمتع (¬1). ثانياً: أن إطلاق الصحابة رضي الله عنهم التمتع على نسك النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان نسكه القران (¬2): 1. عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (¬3). 2. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)) (¬4). 3. عن سعيد بن المسيب قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (¬5). ثالثاَ: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إنما جعل القران لأهل الآفاق وتلا: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]، فمن كان من حاضري المسجد الحرام وتمتع أو قرن لم يكن عليه دم قران ولا تمتع ومن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وقرن أو تمتع فعليه دم)). وجه الدلالة: أنه أدرج القران في مسمى التمتع في الآية، وذلك بلزوم الدم إن كان من أهل الآفاق، وعدم لزومه إن كان من حاضري المسجد الحرام (¬6). رابعاً: أن كلا النسكين فيه تمتع لغة ; لأن التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، وكل من القارن والمتمتع، انتفع بإسقاط أحد السفرين وانتفع القارن باندراج أعمال العمرة في الحج (¬7). المطلب الثالث: صور القران: للقران ثلاث صور: الصورة الأولى: صورة القران الأصلية: أن يحرم بالعمرة والحج معا، فيجمع بينهما في إحرامه، فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو لبيك حجا وعمرة (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: 1. أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل -عليه السلام- وقال: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو قال: عمرة وحجة)) (¬9). 2. عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ((فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بحج وعمرة)) (¬10). ثانياً: هذه الصورة هي نسك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين الفقهاء في صحتها، وإنما اختلفوا في المفاضلة بينها وبين غيرها من أنواع النسك، وقد نقل الإجماع على جوازها ابن عبدالبر (¬11)، والمباركفوري (¬12). الصورة الثانية: إدخال الحج على العمرة: ¬

(¬1) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 81). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 521). (¬3) رواه مسلم (1226). (¬4) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). (¬5) رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223). (¬6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 355)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127). (¬7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 127). (¬8) الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول: (لبيك عمرة وحجاً)؛ لأن تلبية النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ولأنها سابقة على الحج. ((المجموع)) للنووي (7/ 171). (¬9) رواه البخاري (1534). (¬10) رواه البخاري (4408)، ومسلم (1211) (¬11) قال ابن عبدالبر في معرض تقريره وصف القران بالتمتع: (هذا وجه من التمتع لا خلاف بين العلماء في جوازه) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 354). (¬12) قال المباركفوري: (الإهلال بالحج والعمرة معًا، وهذا متفق على جوازه) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 74).

أن يحرم بالعمرة، ثم يُدخِل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، وهذا جائز مطلقاً، وقد يضطر إلى ذلك بسبب عدم قدرته على إتمام نسك العمرة قبل دخول الحج، أو من أتاها الحيض قبل أن تطوف. الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة قالت: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟. قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نفست؟. قلت: نعم. قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) (¬1). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جوَّز لعائشة رضي الله عنها إدخال الحج على العمرة. ثانياً: عن نافع: ((أن ابن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك. فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة. ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجاً مع عمرتي. وأهدى هدياً اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك، فلم ينحر، ولم يحل من شيء حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬2). رابعاً: الإجماع: ¬

(¬1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211). (¬2) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230)

نقل الإجماع على جواز إدخال الحج على العمرة: ابن المنذر (¬1)، وابن عبدالبر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، وابن أخيه ابن أبي عمر (¬4)، والقرطبي (¬5)، والرملي (¬6)، ووصف ابن عبدالبر والنووي القول بعدم الصحة أنه شذوذ (¬7). مسألة: يشترط في إدخال الحج على العمرة أن يكون قبل الطواف، وهو مذهب الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وهو قول أشهب من المالكية (¬10)، وبه قال أبو ثور (¬11)، واختاره ابن عبدالبر (¬12). دليل ذلك: ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمع كلُّ من نحفظ عنه من أهل العلم، أن لمن أهل بعمرة أن يدخل عليها الحج، ما لم يفتتح الطواف بالبيت) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 422). (¬2) قال ابن عبدالبر: (في هذا الباب أيضاً من الفقه ... إدخال الحج على العمرة، وهو شيء لا خلاف فيه بين العلماء ما لم يطف المعتمر بالبيت أو يأخذ في الطواف) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 229). وقال أيضاً: (العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك، ويكون قارنا بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معا) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216). (¬3) قال ابن قدامة: (إدخال الحج على العمرة جائز بالإجماع من غير خشية الفوات، فمع خشية الفوات أولى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 421). (¬4) قال شمس الدين ابن قدامة: (إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز وكان قارنا بغير خلاف، وقد فعل ذلك ابن عمر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239). (¬5) قال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن لمن أهل بعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت، ويكون قارناً بذلك، يلزمه ما يلزم القارن الذي أنشأ الحج والعمرة معاً) ((تفسير القرطبي)) (2/ 398). (¬6) قال الرملي: (وإن أحرم بعمرة صحيحة في أشهر الحج ثم أحرم بحج قبل الشروع في الطواف كان قارناً إجماعاً) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323). (¬7) قال ابن عبدالبر: (قول أبي ثور لا يدخل إحراما على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة ينفي دخول الحج على العمرة وهذا شذوذ وفعل ابن عمر في إدخاله الحج على العمرة ومعه على ذلك جمهور العلماء خير من قول أبي ثور الذي لا أصل له إلا القياس الفاسد في هذا الموضع والله المستعان) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 219). وقال النووي: (اتفق جمهور العلماء علي جواز إدخال الحج علي العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه، وقال: لا يدخل إحرام علي إحرام، كما لا يدخل صلاة على صلاة) ((المجموع)) للنووي (7/ 162)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323). (¬9) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 59)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310). (¬10) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 217). (¬11) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289). (¬12) قال ابن عبدالبر: (العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك ويكون قارناً بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معاً، وقالت طائفة من أصحاب مالك: إن له أن يدخل الحج على العمرة وإن كان قد طاف ما لم يركع ركعتي الطواف، وقال بعضهم: ذلك له بعد الطواف ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة، وهذا كله شذوذ عند أهل العلم، وقال أشهب: من طاف لعمرته ولو شوطاً واحداً لم يكن له إدخال الحج عليها وهذا هو الصواب إن شاء الله) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 216، 217).

أنه إذا طاف فيكون حينئذ قد اشتغل بمعظم أعمال العمرة، وشرع في سبب التحلل، ففات بذلك إدخال الحج على العمرة (¬1). الصورة الثالثة: إدخال العمرة على الحج اختلف أهل العلم في حكم إدخال العمرة على الحج، وذلك بأن يحرم بالحج مفرداً، ثم يدخل عليها العمرة ليكون قارناً، وذلك على قولين: القول الأول: لا يصح إدخال العمرة على الحج، فإن فعل لم يلزمه، ويتمادى على حجه مفرداً، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬2)، والشافعية في الأصح (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال طائفة من السلف (¬5)، وابن المنذر (¬6)، واختاره المباركفوري (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة)). وجه الدلالة: أن أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة إنما كان بغرض إعلامهم بجواز العمرة في أشهر الحج لإبطال ما كانوا عليه في الجاهلية من عدم الجواز، فلو كان يجوز إدخال العمرة على الحج لأمرهم بذلك، ولما احتاج أن يأمرهم بفسخ الحج (¬8). ثانياً: أن أفعال العمرة من الطواف والسعي والحلق استحقت بالإحرام بالحج، فلم يبق في إدخال الإحرام بها فائدة بخلاف العكس من إدخال الحج على العمرة، فإنه يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت (¬9). رابعاً: أن التداخل على خلاف الأصل، ولا يصار إليه إلا بدليل، لاسيما أن فيه إدخال الأصغر على الأكبر، وهو لا يصح (¬10). خامساً: أن العمرة أضعف من الحج، فلم يجز أن تزاحم ما هو أقوى منها بالدخول عليها، وجاز للحج مزاحمتها لأنه أقوى منها (¬11). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 172)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 100). (¬2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 173)، ((نهاية المحتاج)) (3/ 323). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 310). (¬5) روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال مالك وأبو ثور، وإسحاق. ((الإشراف)) (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423). (¬6) ((الإشراف)) لابن عبدالبر (3/ 300)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423). (¬7) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459). (¬8) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (23/ 365). (¬9) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459). (¬10) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240). (¬11) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38).

القول الثاني: يجوز إدخال العمرة على الحج، ويكون قارناً، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، وهو قول الشافعي القديم (¬2)، واللخمي من المالكية (¬3)، وبه قال عطاء، والأوزاعي (¬4)، وقواه ابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها: ((أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، ثم جاءه جبريل عليه السلام، وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة)) (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ أن يُدخل العمرة على الحج، وهذا يدل على جواز إدخال العمرة على الحج (¬7). ثانياً: عن سراقة بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) (¬8). ثالثاً: أنه يستفيد بذلك أن يأتي بنسكين بدل نسك واحد (¬9). رابعاً: قياساً على إدخال الحج على العمرة؛ لأنه أحد النسكين. المطلب الرابع: أعمال القارن الفرع الأول: أعمال القارن ¬

(¬1) يصح عند الحنفية إدخال العمرة على الحج، ويكون قارنا بذلك، لكنه أخطأ السنة، فالسنة هي الإحرام بهما معا، أو إدخال الحج على العمرة. ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 120)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 120). (¬2) قال الشافعي ببغداد: (إذا بدأ فأهل بالحج فقد قال بعض أصحابنا: لا يدخل العمرة عليه، والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 324)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 38)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230). (¬3) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 289). (¬4) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 218)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 274). (¬5) قال ابن عثيمين: (هذا القول دليله قوي) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87). (¬6) رواه البخاري (1534). (¬7) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 460). (¬8) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 87).

عمل القارن والمفرد واحد، فالقارن يكفيه إحرام واحد، وطواف واحد، وسعي واحد، ولا يحل إلا يوم النحر، ويقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال أكثر السلف (¬4)، واختاره ابن عبدالبر (¬5)، وابن حجر (¬6)، والشنقيطي (¬7)،والمباركفوري (¬8) وابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا)) (¬10). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)) (¬11). وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح على اكتفاء القارن بطواف واحد لحجه وعمرته (¬12). 3 - عن عائشة رضي الله عنها: أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها، وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) (¬13). وجه الدلالة: أن هذا الحديث الصحيح صريح في أن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد (¬14). ¬

(¬1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 385)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 273). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 171). ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323). (¬3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 344)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 60). (¬4) منهم: ابن عمر رضي الله عنهما، وجابر بن عبدالله، وعائشة، وعطاء، وطاووس، والحسن، ومجاهد، والماجشون, وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر وداود. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 230)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 391)، ((المجموع)) للنووي (8/ 61)، ((حاشية ابن القيم)) (5/ 347). (¬5) قال ابن عبدالبر: (في قول عائشة في حديث مالك وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا دليل على أن الحاج يجزيه في حجه إن كان مفردا أو قارنا طواف واحد ويقضي بذلك فرضه). وقال أيضاً: (أجمعوا أن القارن يحل بحلق واحد، فكذلك الطواف أيضا قياسا) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 234، 15/ 229). (¬6) قال ابن حجر: (حديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت: وأما الذين جمعوا إلخ فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان). وقال أيضاً: (الحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد). ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 494، 495). (¬7) قال الشنقيطي: (أما الجمهور المفرقون بين القارن والمتمتع القائلون بأن القارن يكفيه لحجه وعمرته طواف زيارة واحد، وهو طواف الإفاضة، وسعي واحد، فاحتجوا بأحاديث صحيحة ليس مع مخالفيهم ما يقاومها). وقال: (الأحاديث الدالة على أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كفعل المفرد كثيرة، وفيما ذكرنا هنا من الأحاديث الصحيحة كفاية لمن يريد الحق) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378، 375). (¬8) قال المباركفوري: (قد ثبت بما ذكرنا من الأحاديث والآثار الفرق بين القران والتمتع، وأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لعمرته وحجته كفعل المفرد) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 68). (¬9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 195). (¬10) رواه البخاري (1645). (¬11) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211). (¬12) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378). (¬13) رواه مسلم (1211). (¬14) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 375).

4 - عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((دخلت العمرة في الحج، مرتين)) (¬1). وجه الدلالة: أن تصريحه صلى الله عليه وسلم بدخولها فيه يدل على دخول أعمالها في أعماله حالة القران (¬2). ثانياً: الآثار: 1 - عن سلمة بن كهيل قال: ((حلف طاوس: ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافاً واحداً)) (¬3). 2 - عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له: إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم)) (¬4) وجه الدلالة: أن في هذه الرواية التصريح من ابن عمر باكتفاء القارن بطواف واحد، وهو الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل (¬5). 3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد))، وفي لفظ: ((من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما)) (¬6). الفرع الثاني: وجوب الهدي على القارن: يجب الهدي على القارن، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وبه قال أكثر الفقهاء (¬11). الأدلة: أولاً: أن القارن داخل في مسمى التمتع في عرف الصحابة رضي الله عنهم، ويدل على ذلك ما يلي: - عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: ((تمتع نبي الله وتمتعنا معه)) (¬12). وجه الدلالة: أنه وصف نسكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالتمتع مع كونه صلى الله عليه وسلم كان قارناً. - عن سعيد بن المسيب، قال: ((اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً)) (¬13). ثالثا: أن الهدي إذا كان واجباً على المتمتع؛ لأنه تمتع بسقوط سفره الثاني من بلده، فلأن يجب على القارن أولى؛ لأنه جمع بين النسكين في إحرام واحد، وقد اندرجت جميع أفعال العمرة في أفعال الحج (¬14) .. رابعاً: أن إيجاب الهدي على القارن هو إجماع من يعتد به من أهل العلم، نقله الشنقيطي (¬15)، ووصف ابن حجر قول ابن حزم بعدم الوجوب بالشذوذ (¬16). ¬

(¬1) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218). (¬2) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 378)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 67). (¬3) قال ابن حجر: (هذا إسناد صحيح) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 495). (¬4) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230). (¬5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 376)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 65). (¬6) قال ابن مفلح في ((الفروع)): (إسناده جيد) , رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. (¬7) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165) ((بدائع الصنائع)) (2/ 174). (¬8) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 384)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 84). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 311). (¬11) منهم: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190). (¬12) رواه مسلم (1226). (¬13) رواه البخاري (1569)، ومسلم (1223). (¬14) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 93)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246). (¬15) قال الشنقيطي: (أجمع من يعتد به من أهل العلم أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وهذا مذهب عامة العلماء، منهم الأئمة الأربعة، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر، إلا من شذ شذوذاً لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له وجه من النظر) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (باختصار 5/ 128). (¬16) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7).

المبحث الرابع: التمتع في الحج

المبحث الرابع: التمتع في الحج المطلب الأول: تعريف التمتع التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه (¬1). المطلب الثاني: سبب تسمية النسك بالتمتع السبب الأول: أن المتمتع يتمتع بإسقاط أحد السفرين عنه، فشأن كل واحد من النسكين أن يحرم به من الميقات، وأن يرحل إليه من قطره، فإذا تمتع بالنسكين في سفرة واحدة، فإنه يكون قد سقط أحدهما، فجعل الشرعُ الدمَ جابراً لما فاته، ولذلك وجب الدم أيضاً على القارن، وكل يوصف بالتمتع في عرف الصحابة لهذا المعنى، ولذلك أيضاً لم يجب الدم على المكي متمتعاً كان أو قارناً؛ لأنه ليس من شأنه الميقات ولا السفر. السبب الثاني: أن المتمتع يتمتع بين العمرة والحج بالنساء والطيب، وبكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت الحج، وهذا يدل عليه الغاية في قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]، فإن ذلك يدل على أن ثمة تمتعا بين العمرة والحج، ويدل عليه أيضاً لفظ التمتع فإنه في اللغة بمعنى التلذذ والانتفاع بالشيء. السبب الثالث: أن التمتع سُمِّي بذلك لانتفاعه بالتقرب إلى الله تعالى بالعبادتين. السبب الرابع: أن التمتع سمي بذلك لتمتعه بالحياة حتى أدرك إحرام الحجة. والسببان الأولان: هما المشهوران عند أهل العلم (¬2). المطلب الثالث: صور التمتع التمتع له صورتان: الصورة الأصلية: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يحرم بالحج بعد فراغه من العمرة، وهذه الصورة صحيحة بالإجماع، ونقله ابن المنذر (¬3)، وابن عبدالبر (¬4)، والقرطبي (¬5). الصورة الطارئة: فسخ الحج إلى عمرة ¬

(¬1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208). (¬2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 344)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 293)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 459)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 208). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها وحج من عامه أنه متمتع) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 56). (¬4) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 342، 344). (¬5) ((تفسير القرطبي)) (2/ 390،391).

أن يحرم بالحج، ثم قبل طوافه، يفسخ حجه إلى عمرة، فإذا فرغ من العمرة وحل منها، أحرم بالحج، وهذه الصورة تصح عند الحنابلة (¬1)، والظاهرية (¬2)، وبه قال طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، وابن القيم (¬5)، والشنقيطي (¬6)، وابن باز (¬7)، ابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفى الأثر، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل قال: الحل كله)) (¬9). - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((اجعلوها عمرة، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي)) (¬10). عن جابر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا، بل لأبد أبد)) (¬11). وجه الدلالة: ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 359). (¬2) فسح الحج إلى عمرة واجب عند الظاهرية لمن لم يسق الهدي. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99 رقم 833)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 333). (¬3) منهم ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري ومجاهد. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 358)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 333)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 49)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 222). (¬4) قال ابن تيمية: (كثير مما تنازعوا فيه قد جاءت السنة فيه بالأمرين مثل الحج، قيل: لا يجوز فسخ الحج إلى العمرة؛ بل قيل: ولا تجوز المتعة, وقيل بل ذلك واجب والصحيح أن كليهما جائز فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة في حجة الوداع بالفسخ وقد كان خيرهم بين الثلاثة وقد حج الخلفاء بعده ولم يفسخوا) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 336)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 222). (¬5) مذهب ابن القيم هو وجوب فسخ الحج إلى عمرة كمذهب ابن عباس وابن حزم، وفي ذلك يقول: (نحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحجج لرأينا فرضاً علينا فسخه إلى عمرة، تفادياً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لأمره، فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده، ولا صح حرف واحد يعارضه، ولا خص به أصحابه دون من بعدهم، بل أجرى الله سبحانه على لسان سراقة أن يسأله هل ذلك مختص بهم؟ فأجاب بأن ذلك كائن لأبد الأبد. فما ندري ما نقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 182)، وانظر: ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 224). (¬6) قال الشنقيطي: (الذي يظهر لنا صوابه في حديث ((بل للأبد))، وحديث الخصوصية بذلك الركب، هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية كما لا يخفى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 360). (¬7) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130). (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 96). (¬9) رواه البخاري (1564)، ومسلم (1240). (¬10) رواه مسلم (1211). (¬11) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218).

أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن هذه العمرة التي وقع السؤال عنها، وكانت عمرة فسخ، هي لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن (¬1). ثانياً: أن فسخ الحج إلى عمرة ليتمتع بها، هو من باب الانتقال من الأدنى من الأعلى، وهو جائز، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يصلي ركعتين في بيت المقدس أن يصليها في الحرم، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، ((أن رجلا، قام يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة، أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذن)). مسألة: لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز فسخ الحج إلى عمرة مفردة لا يأتي بعدها بالحج (¬2). المطلب الرابع: شروط المتمتع الفرع الأول: ما يشترط للتمتع الشرط الأول: الإحرام بالعمرة في أشهر الحج يشترط للتمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج. الأدلة: أولاً: الإجماع: نقله ابن حزم (¬3)، وابن عبدالبر (¬4)، وابن قدامة (¬5)، وابن أخيه ابن أبي عمر (¬6). ثانياً: أن شهور الحج أحق بالحج من العمرة؛ لأن العمرة جائزة في السنة كلها والحج إنما موضعه شهور معلومة، فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج ولم يأت في ذلك العام بحج فقد جعلها في موضع كان الحج أولى به (¬7). ثالثاً: أنه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحج، فلم تحصل صورة التمتع، فهو كالمفرد (¬8). الشرط الثاني: أن يحج من عامه أن يحرم بالحج في عامه، فإن اعتمر في أشهر الحج فلم يحج ذلك العام، بل حج في العام القابل فليس بمتمتع. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن هذا يقتضي الموالاة بين العمرة والحج (¬9). ثانياً: عن سعيد ابن المسيب قال: ((كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا)) (¬10). ثالثاً: الإجماع: ¬

(¬1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 218). (¬2) قال ابن تيمية: (فأما الفسخ بعمرة مجردة فلا يجوزه أحد من العلماء) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 280) وقال قال ابن القيم: (فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة، لم يجز بلا نزاع) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 219). وتنظر ((مجلة البحوث الإسلامية)) (59/ 215). (¬3) قال ابن حزم: (اتفقوا على أن من اعتمر عمرته كلها مما بين استهلال المحرم إلى أن يتمها قبل يوم الفطر ولم ينو بها التمتع ثم خرج إلى منزله أو إلى الميقات وهو من غير أهل مكة ثم حج من عامه أنه ليس متمتعاً) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 49). (¬4) قال ابن عبدالبر: (روى عن طاوس في التمتع قولان هما أشد شذوذاً مما ذكرنا عن الحسن أحدهما أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج من عامه أنه متمتع، وهذا لم يقل به أحد من العلماء فيما علمت غيره ولا ذهب إليه أحد من فقهاء الأمصار) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 347). (¬5) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن من اعتمر في غير أشهر الحج عمرة، وحل منها قبل أشهر الحج، أنه لا يكون متمتعا، إلا قولين شاذين) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 413). (¬6) قال ابن أبي عمر: (أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241). (¬7) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 347). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 174). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241). (¬10) رواه ابن أبي شيبة (3/ 526) قال النووي في ((المجموع)) (7/ 174): (أثر حسن)، وحسن إسناده ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/ 361).

نقله ابن حزم (¬1)، وابن قدامة، ووصف القول بسواه أنه شذوذ (¬2). رابعاً: أن الدم إنما يجب لترك الإحرام بالحج من الميقات، وهذا لم يترك الإحرام بالحج من الميقات، فإنه إن أقام بمكة صارت مكة ميقاته، وإن رجع إلى بلده وعاد فقد أحرم من الميقات (¬3). خامساً: أنهم إذا أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع، فهذا أولى؛ لأن التباعد بينهما أكثر (¬4). الشرط الثالث: عدم السفر يشترط للتمتع أن لا يسافر بين العمرة والحج، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وبه قال طائفة من السلف (¬9)،وهو قول عامة أهل العلم (¬10). الأدلة: أولاً: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتفقوا ان من اعتمر في أشهر الحج ثم لم يحج من عامه ذلك إلى أن حج عاما كاملا أنه ليس متمتعا). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 49). (¬2) قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً إلا قولا شاذاً عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 174). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241). (¬5) ضابطه عند الحنفية: ألا يرجع إلى بلده. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 48)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 15). (¬6) ضابطه عند المالكية: ألا يرجع إلى بلده أو أبعد منه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 82)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 29)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 346)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 130). (¬7) ضابطه عند الشافعية ورواية عن أحمد: ألا يرجع إلى ميقاته. ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 327)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313). (¬8) ضابطه عند الحنابلة: أن يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر في مثله الصلاة. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 413)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 312). (¬9) في مصنف ابن أبي شيبة: عَنْ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ قَالُوا: (إن خرج في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع). (¬10) قال ابن عبدالبر: (فإن اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ومنزله ثم حج من عامه ذلك فليس بمتمتع ولا هدي عليه ولا صيام عند جماعة العلماء أيضاً إلا الحسن البصري فإنه قال: عليه هدي حج أو لم يحج. قال: لأنه كان يقال عمرة في أشهر الحج متعة .... والذي عليه جماعة الفقهاء وعامة العلماء ما ذكرت لك قبل هذا ... وعلى هذا الناس) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 345، 346). وقال الشنقيطي: (الحاصل: أن الأئمة الأربعة متفقون على أن السفر بعد العمرة، والإحرام بالحج من منتهى ذلك السفر مسقط لدم التمتع، إلا أنهم مختلفون في قدر المسافة، فمنهم من يقول: لا بد أن يرجع بعد العمرة في أشهر الحج إلى المحل الذي جاء منه، ثم ينشئ سفراً للحج ويحرم من الميقات، وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع إلى بلده أو يسافر مسافة مساوية لمسافة بلده، وبعضهم يكفي عنده سفر مسافة القصر، وبعضهم يقول: يكفيه أن يرجع لإحرام الحج إلى ميقاته) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 123).

أنه لا فرق بين حاضري المسجد الحرام في عدم وجوب الدم عليهم، وبين الآفاقيين في وجوب الدم عليهم، إلا أن الآفاقيين ترفهوا بإسقاط أحد السفرين عنهم، وإذا كان الأمر كذلك فإذا سافروا بين الحج والعمرة فلا يكونون قد ترفهوا بترك أحد السفرين، فزال عنهم اسم التمتع وسببه (¬1). ثانياً: عن عمر رضي الله عنهما قال: ((إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ورجع فليس بمتمتع))، وعن ابن عمر نحو ذلك (¬2). الشرط الرابع: أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج: أن يفرغ من العمرة بالطواف والسعي والتقصير، قبل إحرامه بالحج، فإن أدخل الحج على العمرة قبل حله منها، فإنه يصير قارناً (¬3). الأدلة: أولاً: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة، قالت: ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال: هذه عمرة مكان عمرتك)) (¬4). وجه الدلالة: أن عائشة رضي الله عنها لم تتمكن من الفراغ من العمرة قبل الحج بسبب حيضها، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعُدَّ عمرتها في حجها، لتكون بذلك قارنة، فدل ذلك على أن شرط التمتع الفراغ من العمرة قبل الدخول في الحج. ثانياً: أن صورة التمتع لا تتحقق إلا بالحل بين العمرة والحج، فإذا أدخل أعمال الحج قبل الفراغ من العمرة كان ذلك قراناً بإجماع أهل العلم (¬5). الشرط الخامس: نية المتمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها. اختلف أهل العلم في اشتراط نية المتمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها على قولين: ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 124). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414). (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 84)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 87)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 126)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (14/ 10). (¬4) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211) (¬5) ينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 229، 15/ 219)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 422)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 392)، ((المجموع)) للنووي (7/ 162)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 239)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 323).

القول الأول: لا تشترط نية التمتع، وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في الأصح (¬3)، واختاره ابن قدامة (¬4)، والشنقيطي (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: عموم الآية، فإنه لم يشترط فيها نية التمتع، وتخصيصه بها هو تخصيص للقرآن بغير دليل (¬6). ثانياً: أنه لا يحتاج إلى النية؛ لأن الدم يتعلق بترك الإحرام بالحج من الميقات، وذلك يوجد من غير نية (¬7). القول الثاني: يشترط نية التمتع (¬8)، وهذا مذهب الحنابلة (¬9)، ووجهٌ للشافعية (¬10)، واختاره ابن عثيمين (¬11). دليل ذلك: أنه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما، فافتقر إلى نية الجمع كالجمع بين الصلاتين (¬12). الفرع الثاني: ما لا يشترط للتمتع المسألة الأولى: لا يشترط كون الحج والعمرة عن شخص واحد لا يشترط كون الحج والعمرة عن شخص واحد (¬13)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬14)، والمالكية (¬15)، والشافعية (¬16)، والحنابلة (¬17). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: ¬

(¬1) لم يذكره الحنفية ضمن شروط التمتع، فدل على عدم اعتباره عندهم. ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 4)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 238). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 293) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 558، 559). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 178)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210). (¬4) قال شمس الدين ابن قدامة: (ذكر القاضي شرطاً سادساً لوجوب الدم، وهو أن ينوي في ابتداء العمرة وفي أثنائها أنه متمتع وظاهر النص يدل على أن هذا غير مشترط فانه لم يذكره، وكذلك ((الإجماع)) الذي ذكرناه مخالف لهذا القول لانه قد حصل له الترفه بترك أحد السفرين فلزمه الدم) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 244)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313). (¬5) قال الشنقيطي: (الظاهر سقوط هذا الشرط، وأنه متى حج بعد أن اعتمر في أشهر الحج من تلك السنة فعليه الهدي، لظاهر عموم الآية الكريمة، فتخصيصه بالنية تخصيص للقرآن، بل دليل يجب الرجوع إليه: ويؤيده أنهم يقولون: إن سبب وجوب الدم: أنه ترفه بإسقاط سفر الحج، وتلك العلة موجودة في هذه الصورة، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬6) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬8) محل نية التمتع عندهم: هو وقت الإحرام بالعمرة، وقال بعضهم: له نية التمتع، ما لم يفرغ من أعمال العمرة كالخلاف في وقت نية الجمع بين الصلاتين فقال بعضهم: ينوي عند ابتداء الأولى منهما، وقال بعضهم: له نيته ما لم يفرغ من الصلاة الأولى. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬9) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 62). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 83). (¬12) ((المجموع)) للنووي (7/ 174)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬13) فيصح أن يكون حجه عن شخص، وعمرته لآخر. (¬14) لم يذكره الحنفية ضمن شروط التمتع. ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 535)، وينظر: ((أضواء البيان بالقرآن)) (5/ 126). (¬15) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 30)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 126). (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 177)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 210). (¬17) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 62)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 313).

أنه عموم، وليس فيه اشتراط كون النسكين عن شخص واحد ثانياً: أن مؤدِّي النسكين شخص واحد (¬1). المسألة الثانية: لا يشترط للتمتع ألا يكون من حاضري المسجد الحرام لحاضري المسجد الحرام التمتع والقرآن، مثلهم مثل الآفاقي، لكن يسقط عنهم الدم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، واختاره الشنقيطي (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن الآية أثبتت التمتع لحاضري المسجد الحرام، وإنما نفت وجوب الدم عليهم (¬7). ثانياً: أن حقيقة التمتع والقران موجودة في حاضري المسجد الحرام، كالآفاقين، ولا فرق، وإنما يقع الخلاف بينهم في وجوب الدم على الآفاقين دون حاضري المسجد الحرام، بسبب ما حصل للآفاقيين من الترفه بسقوط أحد السفرين عنهم (¬8). ثالثاً: أن ما كان من النسك قربة وطاعة في حق غير حاضري المسجد الحرام كان قربة وطاعة في حق حاضري المسجد الحرام، كالإفراد (¬9). المسألة الثانية: من هم حاضرو المسجد الحرام؟ اختلف الفقهاء في حاضري المسجد الحرام الذين لا يجب عليهم دم التمتع والقران إلى أقوال منها: القول الأول: حاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحرم ومن كان من الحرم دون مسافة القصر، وهو مذهب الشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، واختاره الطبري (¬12). الأدلة: أولاً: لأن الشارع حد الحاضر بدون مسافة القصر، بنفي أحكام المسافرين عنه، فالاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك؛ لوجود لفظ الحضور في الآية (¬13). ¬

(¬1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 125). (¬2) لكن كره المالكية القران للمكي، قال مالك في الموازية: أكره القران للمكي، فإن فعل فلا هدي. ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 382)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 291). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 169، 171) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 61). (¬5) قال الشنقيطي: (أقرب أقوال أهل العلم عندي للصواب في هذه المسألة: أن أهل مكة لهم أن يتمتعوا، ويقرنوا وليس عليهم هدي; لأن قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ... الآية *البقرة: 196* عام بلفظه في جميع الناس من أهل مكة، وغيرهم، ولا يجوز تخصيص هذا العموم، إلا بمخصص يجب الرجوع إليه، وتخصيصه بقوله: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ *البقرة: 196*، لا يجب الرجوع إليه; لاحتمال رجوع الإشارة إلى الهدي والصوم، لا إلى التمتع. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 491). (¬6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 71). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 169). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 171). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 174). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 46). (¬11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 412) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414). (¬12) قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصحة عندنا قول من قال: إن حاضري المسجد الحرام من هو حوله ممن بينه وبينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصلوات) ((جامع البيان)) للطبري (3/ 112). (¬13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 415).

ثانياً: أن حاضر الشيء من دنا منه، ومن دون مسافة القصر قريب في حكم الحاضر؛ بدليل أنه إذا قصده لا يترخص رخص السفر، فيكون من حاضريه (¬1). القول الثاني: هم أهل الحرم، وهو قول طائفة من السلف (¬2) وقدمه صاحب الفروع (¬3) واستظهره ابن حجر (¬4)، وأفتت به اللجنة الدائمة (¬5) واختاره ابن عثيمين (¬6). الدليل من أقوال الصحابة: قال ابن عباس حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196] هم: أهل الحرم (¬7). المطلب الخامس: أعمال المتمتع الفرع الأول: طواف المتمتع وسعيه يجب على المتمتع طوافان وسعيان، فيبدأ أولاً بعمرة تامة: فيطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، ويأتي بطواف للحج وسعي له، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وبه قال طائفة من السلف (¬12). وحكى ابن رشد الإجماع على أن المتمتع عليه طوافان: طواف لعمرته، وطواف لحجه (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا)) (¬14). وجه الدلالة: أنه يدل على الفرق بين القارن والمتمتع، وأن القارن يفعل كفعل المفرد والمتمتع يطوف لعمرته ويطوف لحجه (¬15). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سئل عن متعة الحج فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي)). ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414). (¬2) منهم ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وطاووس، ينظر ((تفسير الطبري)) (3/ 110، 111)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414). (¬3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 349). (¬4) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 434). (¬5) ونص الفتوى: (اختلف أهل العلم في المعنى بـ: حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ *البقرة: 196* والراجح أنهم أهل الحرم) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 390). (¬6) قال ابن عثيمين: (الأقرب ... أن حاضري المسجد الحرام هم أهل الحرم؛ وأما من كان من غير أهل الحرم فليسوا من حاضريه؛ بل هم من محل آخر؛ وهذا هو الذي ينضبط (تفسير سورة البقرة 2/ 395) وفي موضع آخر قال: (وأقرب الأقوال أن نقول: إن حاضري المسجد الحرام هم أهل مكة، أو أهل الحرم، أي: من كان من أهل مكة ولو كان في الحل، أو من كان في الحرم ولو كان خارج مكة). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 89). (¬7) ((تفسير الطبري)) (3/ 110، 111). (¬8) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 6)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 6). (¬9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 351)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344). (¬10) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 324). (¬11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 506). (¬12) منهم: الثوري، وأبو ثور. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (8/ 351). (¬13) قال ابن رشد: (أجمعوا أن من تمتع بالعمرة إلى الحج أن عليه طوافين طوافا للعمرة لحله منها وطوافا للحج يوم النحر على ما في حديث عائشة المشهور) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 344). (¬14) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211). (¬15) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 69).

وفيه أن طواف المتمتع وسعيه مرتان: مرة لعمرته، ومرة لحجه (¬1). الفرع الثاني: الهدي يجب على المتمتع دم نسك إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]. ثانياً: من السنة: عن ابن رضي الله عنهما قال: ((تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس، من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة, وليقصر, ثم ليهل بالحج ويهدي, فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)). ثالثاً: عن أبي حمزة قال: ((سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي: فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شرك في دم)). رابعاً: الإجماع: يجب الدم على المتمتع بالإجماع: نقله ابن المنذر (¬2)، وابن رشد (¬3)، والقرطبي (¬4)، وابن قدامة (¬5) وابن مفلح (¬6). والشوكاني (¬7). خامساً: أن حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة، ولا يحصل له الترفه بترك أحد السفرين، فهو أحرم من ميقاته، فأشبه المفرد (¬8). ¬

(¬1) ((حاشية ابن القيم)) (5/ 347)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 69). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها فحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي ان وجد والا فالصيام) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 241). (¬3) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 376) (¬4) ((تفسير القرطبي)) (2/ 390،391). (¬5) قال ابن قدامة: (لا خلاف بين أهل العلم، في أن دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 414)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 242). (¬6) قال ابن مفلح: (يلزم المتمتع دم بالإجماع) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 347). (¬7) قال الشوكاني: وقع الإجماع على وجوب الهدى على المتمتع. ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 337). (¬8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين لابن قدامة (3/ 242).

المبحث الخامس الاشتراط في الحج والعمرة

المبحث الخامس الاشتراط في الحج والعمرة المطلب الأول حكم الاشتراط في الحج والعمرة يصح الاشتراط في الحج والعمرة، وهذا مذهب الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2)، والظاهرية (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4)، واختاره البيهقي (¬5)، وابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7)، وابن تيمية (¬8)، وابن القيم (¬9)، وابن باز (¬10)، وابن عثيمين (¬11). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) وعندهم جائز، قال الشافعي: (لو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا مما أستخير الله تعالى فيه) ((الأم)) للشافعي (2/ 172). قال البيهقي: (قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم) ((السنن الكبرى)) للبيهقي (5/ 221)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 310). (¬2) وعندهم مستحب مطلقاً، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265). (¬3) وعندهم واجب، قال ابن حزم: (ونحب له في كل ما ذكرنا أن يشترط فيقول عند إهلاله: (اللهم إن محلي حيث تحبسني) , فإن قال ذلك فأصابه أمر ما يعوقه، عن تمام ما خرج له من حج أو عمرة أحل، ولا شيء عليه; لا هدي، ولا قضاء إلا إن كان لم يحج قط، ولا اعتمر فعليه أن يحج حجة الإسلام وعمرته) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99رقم 833). وقال أيضاً: (هذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع أحداً الخروج عنها) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 113). وقال أيضاً: (وهو قول ... أبي سليمان) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 114). (¬4) وممن روي عنه أنه رأى الاشتراط عند الإحرام: عمر، وعثمان, وعلي، وابن مسعود، وابن مسعود، وعائشة، وعمار بن ياسر، وذهب إليه عبيدة السلماني، وعلقمة، والأسود، وشريح، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي, وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وعكرمة. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 114)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265، 266). (¬5) قال البيهقي: (عندي أن ابن عمر لو بلغه حديث ضباعة في الاشتراط لم ينكره كما لم ينكره أبوه وحاصله أن السنة مقدمة عليه) ((المجموع)) للنووي (8/ 309). (¬6) قال ابن قدامة: (ولا قول لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يعارض بقول ابن عمر، ولو لم يكن فيه حديث لكان قول الخليفتين الراشدين مع من قد ذكرنا قوله من فقهاء الصحابة، أولى من قول ابن عمر، وغير هذا اللفظ، مما يؤدي معناه، يقوم مقامه؛ لأن المقصود المعنى، والعبارة إنما تعتبر لتأدية المعنى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 266). (¬7) قال النووي: (أجاب إمام الحرمين عن الحديث: بأنه محمول على أن المراد محلي حيث حبستني بالموت معناه حيث أدركتني الوفاة أقطع إحرامي، وهذا تأويل باطل ظاهر الفساد، وعجب من جلالة إمام الحرمين؛ كيف قال هذا؟ وكيف يصح حكمه على أمرها باشتراط كون الموت قاطع الاحرام؟) ((المجموع)) للنووي (8/ 310). (¬8) قال ابن تيمية: (يستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً وإلا فلا جمعاً بين الأخبار) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 382)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105). (¬9) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت اليه وقت الاحرام فقال حجى واشترطى على ربك فقولى ان حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الامة اليه ويفيد شيئين جواز التحلل وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426). (¬10) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 128). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (¬1). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن سويد بن غَفَلة، قال: ((قال لي عمر ابن الخطاب: يا أبا أمية حج واشترط فإن لك ما اشترطت ولله عليك ما اشترطت)) (¬2). 2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت ولك عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة)) (¬3). 3 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ((هل تستثني إذا حججت؟ فقال: ماذا أقول قالت: قل: اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة)) (¬4). ثالثاً: أنه لو نذر صوم يوم أو أيام بشرط أن يخرج منه بعذر صح الشرط وجاز الخروج منه بذلك العذر بلا خلاف، فكذا الاشتراط في النسك (¬5). رابعا: أن للشرط تأثيراً في العبادات بدليل قوله: إن شفى الله مريضي صمت شهراً ونحوه (¬6). المطلب الثاني: متى يشرع الاشتراط؟ ¬

(¬1) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) (¬2) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح ((المجموع)) (8/ 309). (¬3) رواه البيهقي بإسناد حسن. صحيح ((المجموع)) (8/ 309). (¬4) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 318). (¬6) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 529).

يشرع الاشتراط إذا خاف المانع من إتمام النسك، وهذا اختيار ابن تيمية (¬1)، وابن القيم (¬2)، وابن باز (¬3)، وابن عثيمين (¬4). الأدلة: أولاً: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (¬5). وجه الدلالة: أنه إنما أشار إليها بالاشتراط لما رآها شاكية تخاف المانع من إتمام النسك (¬6). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (يستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفاً وإلا فلا جمعاً بين الأخبار) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 382). وقال أيضاً: (إن اشترط على ربه خوفاً من العارض فقال: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني كان حسناً. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب أن تشترط على ربها لما كانت شاكية فخاف أن يصدها المرض عن البيت ولم يكن يأمر بذلك كل من حج) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105). (¬2) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت اليه وقت الاحرام فقال حجى واشترطى على ربك فقولى ان حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الامة اليه ويفيد شيئين جواز التحلل وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426). (¬3) قال ابن باز: (إن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه): (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 49). (¬4) قال ابن عثيمين: (سنة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك، غير سنة لمن لم يخف، وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي تجتمع به الأدلة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعمره كلها، حتى في الحديبية أحرم، ولم يقل: إن حبسني حابس، وحبس، وكذلك في عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وحجة الوداع، ولم ينقل عنه أنه قال: وإن حبسني حابس، ولا أمر به أصحابه أمراً مطلقاً، بل أمر به من جاءت تستفتي؛ لأنها مريضة تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك، فمن خاف من مانع يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: اشترط استرشاداً بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لم يخف قلنا له: السنة ألا تشترط) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 72). وقال أيضاً: (إذا اشترط شخص بدون احتمال المانع على القول بأنه لا يسن الاشتراط إلا إذا كان يخشى المانع، فهل ينفعه هذا الاشتراط؟ فالجواب: على قولين: القول الأول: ينفعه؛ لأن هذا وإن ورد على سبب، فالعبرة بعمومه. القول الثاني: لا ينفعه؛ لأنه اشتراط غير مشروع، وغير المشروع غير متبوع فلا ينفع، وهذا عندي أقرب؛ لأننا إذا قلنا: بأنه لا يستحب الاشتراط فإنه لا يكون مشروعاً، وغير المشروع غير متبوع، ولا يترتب عليه شيء، وإذا قلنا: إنه يترتب عليه حكم وهو غير مشروع، صار في هذا نوع من المضادة للأحكام الشرعية) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75). (¬5) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) (¬6) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 72).

ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعمره كلها، حتى في الحديبية أحرم، ولم يقل: إن حبسني حابس، وكذلك في عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وحجة الوداع، ولم ينقل عنه أنه قال: وإن حبسني حابس، ولا أمر به أصحابه أمراً مطلقاً، بل أمر به من جاءت تستفتي؛ لأنها مريضة تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك (¬1). المطلب الثالث صيغة الاشتراط: أن يهل بالنسك الذي يريده من عمرة أو حجة مفرداً أو قارناً، أو متمتعاً، ثم يقول: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، نص على هذا فقهاء الحنابلة (¬2)، أو يقول: اللهم محلي حيث حبستني، نص على هذا فقهاء الشافعية (¬3)، وورد عن السلف صيغ أخرى (¬4). لذا لا يلزم الاشتراط بصيغة معينة (¬5). دليل ذلك: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) أخرجه البخاري ومسلم (¬6). فرع: إن قال إن مرضت ونحوه فأنا حلال. فمتى وجد الشرط حل بوجوده، أما إن قال فلي أن أحل، أو محلي حيث حبستني فهو مخير بين البقاء على إحرامه وبين التحلل، لأنه شرط صحيح فكان على ما شرط، وهذا مذهب الشافعية في الأصح (¬7)، والحنابلة (¬8)، وقرره ابن عثيمين (¬9). فرع: ¬

(¬1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 105). (¬2) ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 401). (¬3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364). (¬4) منها ما يلي: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل اللهم الحج أردت ولك عمدت فان تيسر والا فعمرة)) قال النووي في ((المجموع)): رواه البيهقي باسناد حسن. عن ميسرة: ((أن علي بن أبي طالب كان إذا أراد الحج قال: اللهم حجة إن تيسرت, أو عمرة إن أراد العمرة وإلا فلا حرج)). (¬5) قال ابن قدامة: (وغير هذا اللفظ، مما يؤدي معناه، يقوم مقامه؛ لأن المقصود المعنى، والعبارة إنما تعتبر لتأدية المعنى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 266). وقال ابن عثيمين: (لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة، لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (22/ 26). (¬6) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) (¬7) ((المجموع)) للنووي (8/ 315). (¬8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (3/ 529)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 401). (¬9) قال ابن عثيمين: (إذا قال: فمحلي حيث حبستني، حل بمجرد وجود المانع؛ لأنه علق الحل على شرط فوجد الشرط، فإذا وجد الشرط وجد المشروط، وأما إذا قال: إن حبسني حابس فلي أن أحل، فإنه إذا وجد المانع فهو بالخيار إن شاء أحل، وإن شاء استمر) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 74).

فائدة الاشتراط: أنه إذا حبس عن النسك بعذر فإنه يحل منه وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختاره ابن حزم (¬3)، وابن القيم (¬4)، وابن عثيمين (¬5). فرع: إن شرط قلب حجه عمرة بالمرض أو نحوه جاز، وتجزئه عن عمرة الإسلام، نص على هذا فقهاء الشافعية (¬6). الأدلة: أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة ((هل تستثني إذا حججت فقال ماذا أقول قالت قل: اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة)) (¬7). 2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((حج واشترط وقل: اللهم الحج أردت ولك عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة)) (¬8). ثانياً: أنه كما لو شرط التحلل به بل أولى (¬9). فرع: لا يصح أن يقال: لي أن أحل متى شئت، نص على هذا فقهاء الشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11) (¬12). ودليل ذلك ما يلي: - أنه ينافي مقتضى الإحرام (¬13). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (8/ 311)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364). (¬2) قال المرداوي: (الاشتراط يفيد شيئين). أحدهما: إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو نحوه جاز له التحلل. الثاني: لا شيء عليه بالتحلل. ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 307)، وينظر: ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 401). (¬3) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 99رقم 833). (¬4) قال ابن القيم: (قد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت إليه وقت الاحرام فقال: ((حجي واشترطي على ربك فقولي: إن حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك)) فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه ويفيد شيئين: جواز التحلل, وسقوط الهدى) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/ 426). (¬5) قال ابن عثيمين: (أما فائدة الاشتراط فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنع من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، يعنى تحلل وليس عليه فدية ولا قضاء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 28). وقال أيضاً: (فائدته أنه إذا وجد المانع حل من إحرامه مجاناً، ومعنى قولنا: «مجاناً» أي بلا هدي؛ لأن من أحصر عن إتمام النسك فإنه يلزمه هدي؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*، فإذا كان قد اشترط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: حل بلا شيء، مجاناً، ولو لم يشترط لم يحل إلا إذا أحصر بعدو على رأي كثير من العلماء، فإن حصر بمرض، أو حادث، أو ذهاب نفقة، أو ما أشبه ذلك فإنه يبقى محرما ولا يحل، لكن إن فاته الوقوف فله أن يتحلل بعمرة، ثم يحج من العام القادم) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 73). (¬6) ((المجموع)) للنووي (8/ 312)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 364). (¬7) رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم (¬8) رواه البيهقي بإسناد حسن. صحيح ((المجموع)) (8/ 309). (¬9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 364). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 317). (¬11) قال ابن قدامة: (جملة ذلك أن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء؛ كمال أفعاله، أو التحلل عند الحصر، أو بالعذر إذا شرط، وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به. فإن نوى التحلل لم يحل، ولا يفسد الإحرام برفضه؛ لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام باقياً في حقه، تلزمه أحكامه، ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه الحصر، أو بالعذر إذا شرط، وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به. فإن نوى التحلل لم يحل، ولا يفسد الإحرام برفضه؛ لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد، فلا يخرج منها برفضها، بخلاف سائر العبادات، ويكون الإحرام باقياً في حقه، تلزمه أحكامه، ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 332، 333). (¬12) قال ابن عثيمين: (لو أن رجلاً دخل في الإحرام، وقال: لبيك اللهم عمرة،، فإنه لا يصح منه لأنه ينافي مقتضى الإحرام، ومقتضى الإحرام وجوب المضي، وأنك غير مخير، فلست أنت الذي ترتب أحكام الشرع، المرتب لأحكام الشرع هو الله ـ عز وجل ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75). (¬13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 75).

الباب الخامس: محظورات الإحرام وما يجب فيها وفي ترك الواجب من الفدية

الفصل الأول: تعريف المحظورات، والفدية، وأنواعهما المبحث الأول: معنى محظورات الإحرام والفدية المطلب الأول: معنى محظورات الإحرام المحظورات: جمع محظور، وهو الممنوع (¬1)، وهو من مرادفات الحرام (¬2). ومحظورات الإحرام: هي الممنوعات التي يجب على المحرم اجتنابها؛ بسبب إحرامه ودخوله في النسك (¬3). المطلب الثاني: معنى الفدية الفدية: أصل الفدية لغةً أن يُجعل شيءٌ مكان شيءٍ حمىً له، ومنه فدية الأسير، واستنقاذه بمال (¬4). والفدية اصطلاحاً: هي ما يجب لفعل محظورٍ أو ترك واجب، وسميت فدية؛ لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196] (¬5). المبحث الثاني: عدد محظورات الإحرام · عدد المحظورات: محظورات الإحرام التي تعم الرجال والنساء سبعة: 1 - حلق الشعر. 2 - تقليم الأظافر. 3 - الطيب. 4 - الصيد. 5 - عقد النكاح. 6 - الجماع. 7 - مباشرة النساء. المحظورات التي تختص بالرجال اثنتان: 1 - لبس المخيط. 2 - تغطية الرأس. المحظورات التي تختص بالنساء اثنتان: 1 - النقاب. 2 - لبس القفازين (¬6). المبحث الثالث: أقسام محظورات الإحرام باعتبار الفدية تنقسم محظورات الإحرام باعتبار الفدية إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ما فديته فدية أذى (فدية الأذى هي الدم أو الإطعام أو الصيام) القسم الثاني: ما فديته الجزاء بمثله: وهو الصيد القسم الثالث: ما لا فدية فيه: وهو عقد النكاح القسم الرابع: ما فديته مغلَّظة: وهو الجماع ¬

(¬1) ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: حظر). (¬2) ((الحدود الأنيقة)) لزكريا الأنصاري (ص: 76). (¬3) ينظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 114). (¬4) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: ف د ي)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ف د ي)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 167). (¬5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 167). (¬6) لبس القفازين محرمٌ على الرجل أيضاً، لكنه محرمٌ ضمن "لبس المخيط"، أما المرأة فلا يحرم عليها من لبس المخيط إلا "النقاب" و"القفازين".

الفصل الثاني: محظورات الإحرام التي تجب فيها فدية أذى

المبحث الأول: أنواع محظورات الترفه، وما يجب فيها المطلب الأول: أنواع محظورات الترفه تشمل محظورات الترفه خمسة محظورات المحظور الأول: حلق الشعر المحظور الثاني: تقليم الأظافر المحظور الثالث: الطيب المحظور الرابع: تغطية الرأس المحظور الخامس: لبس المخيط المطلب الثاني: ما يجب على من ارتكب شيئاً من محظورات الترفه مَن حلق أو قلَّم أظفاره أو غطى رأسه أو تطيب أو لبس مخيطاً لعذر، فإنه يجب عليه في كل ذلك فدية الأذى، فيُخيَّر بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين- لكل مسكينٍ نصف صاع - أو ذبح شاة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال أكثر الفقهاء (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (¬6) [البقرة:196]. ثانياً: من السنة: عن عبدالله بن معقل، قال: جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه، فسألته عن الفدية، فقال: ((نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - تجد شاة؟ فقلت: لا، فقال: فصم ثلاثة أيامٍ، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)) (¬7). المطلب الثالث: توزيع الصدقة على مساكين الحرم يشترط أن توزَّع الصدقة على مساكين الحرم، وهو مذهب الشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، واختاره الشنقيطي (¬10)، وابن باز (¬11)، وابن عثيمين (¬12). الدليل: ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 56). (¬2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 227) ((المجموع)) للنووي (7/ 368). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360). (¬5) قال ابن عبدالبر: (لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين، وأن الصيام ثلاثة أيام، وأن النسك شاة، على ما في حديث كعب بن عجرة) ((الاستذكار)) (4/ 385). وقال ابن حزم: (روينا عن ابن عباس, وعلقمة, ومجاهد, وإبراهيم النخعي, وقتادة, وطاووس, وعطاء, كلهم قال في فدية الأذى: صيام ثلاثة أيام, أو نسك شاة, أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع) ((المحلى)) (7/ 212)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 40). (¬6) قال الشنقيطي: (هذه النصوص الصحيحة الصريحة مبينة غاية البيان آية الفدية، موضحةً أن الصيام المذكور في الآية ثلاثة أيام، وأن الصدقة فيها ثلاثة آصع بين ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع، وأن النسك فيها ما تيسر، شاة فما فوقها، وأن ذلك على سبيل التخيير بين الثلاثة، كما هو نص الآية، والأحاديث المذكورة، وهذا لا ينبغي العدول عنه; لدلالة القرآن والسنة الصحيحة عليه) ((أضواء البيان)) (5/ 40). (¬7) رواه البخاري (1816)، ومسلم (1201) (¬8) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156). (¬9) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452،46). (¬10) قال الشنقيطي: (التحقيق أن الهدي والإطعام يختص بهما فقراءُ الحرم المكي) ((أضواء البيان)) (5/ 173). (¬11) قال ابن باز: (يوزَّع الهدي على الفقراء والمساكين المقيمين في الحرم من أهل مكة وغيرهم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 156). (¬12) قال ابن عثيمين: (وأما الهدي فهو: ما يهدى إلى الحرم، من الإبل والبقر والغنم، بمعنى أن يبعث الإنسان بشيءٍ من الإبل، أو البقر، أو الغنم تذبح في مكة، وتوزع على فقراء الحرم، أو يبعث بدراهم ويوكل من يشتري بها هديًا من إبلٍ أو بقرٍ أو غنم، ويذبح في مكة ويوزع على الفقراء) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (25/ 9).

قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنَّ في حكم الهدي ما كان بدلاً عنه من الإطعام، فيجب أن يكون كذلك بالغ الكعبة (¬1). المطلب الرابع: موضع الصيام وصفته يجوز الصيام في أي موضعٍ مفرَّقاً أو متتابعاً (¬2). الأدلة: أولًا: من الكتاب: قوله تعالى: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95] وجه الدلالة: أنه أطلق الصيام، ولم يقيده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (¬3). ثانياً: الإجماع: نقل النووي الإجماع على جواز تفريق الصيام (¬4)، وحكى الشنقيطي الإجماع على أنه يصام في أي مكان (¬5). ثالثاً: أن الصيام لا يتعدى نفعه لأحد؛ لذا لا يقتصر على مكانٍ بعينه. المطلب الخامس: ارتكاب محظورات فدية الأذى عمداً لا فرق في التخيير في فدية الأذى بين من ارتكب المحظور بعذر، أو كان عمداً، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، واختاره الشنقيطي (¬9)؛ وذلك لأن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق رأسه لأذىً به وهو معذور، فكان ذلك تنبيهاً على وجوبها على غير المعذور (¬10). المطلب السادس: فعل المحظورات نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً مَن فَعَلَ شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، سواء كان صيداً أو جماعاً أو غيرهما، وسواء كان فيه إتلاف أو لم يكن، وهو مذهب الظاهرية (¬11)، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما (¬12)، وهو قول إسحاق وابن المنذر وطائفةٍ من السلف (¬13)، واختاره ابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]، فقال الله: ((قد فعلت)). 2 - قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5]. ¬

(¬1) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 460)، وذكر ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: (الهدي والإطعام بمكة) ((الإشراف)) (3/ 232). (¬2) ذكر ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: (الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء) ((الإشراف)) (3/ 232). (¬3) ينظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 438). (¬4) قال النووي: (الصوم الواجب يجوز متفرقاً ومتتابعاً، نص عليه الشافعي، ونقله عنه ابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافاً) وانظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452). (¬5) قال الشنقيطي: (ولا خلاف بين أهل العلم أن صيام الفدية له أن يصومه حيث شاء) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (2/ 277). (¬6) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389). (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 227). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 360). (¬9) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 42). (¬10) ينظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 42). (¬11) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 189، 214، 255 رقم 855، 876، 895). (¬12) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93). (¬13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 215)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 263). (¬14) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن جميعها تسقط، وأن المعذور بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ لا يترتب على فعله شيءٌ إطلاقا، لا في الجماع، ولا في الصيد، ولا في التقليم، ولا في لبس المخيط، ولا في أي شيء) ((الشرح الممتع)) (7/ 198 - 200).

3 - قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106] وجه الدلالة: أن الكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى. 4 - قوله تعالى في قتل الصيد: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أن قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحكم، فوجب أن يكون معتبراً؛ لأن الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام إذا تبين مناسبتها لها صارت علةً موجبة، يوجد الحكم بوجودها، وينتفي بانتفائها، وإلا لم يكن للوصف فائدة. ثانياً: من السنة: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: ((أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي بالرجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك، قلت لعطاء: أراد الإنقاء، حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم)) رواه البخاري (¬1). وجه الدلالة: أنه لم يأمر الرجل الذي لبس الجبة وتضمخ بالطيب بالكفارة؛ وذلك بسبب جهله بالحكم، واكتفى بأمره أن ينزع الجبة، وأن يغسل عنه أثر الطيب. 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬2). ثالثاً: من الآثار: عن قبيصة بن جابر الأسدي: ((أنه سمع عمر بن الخطاب, ومعه عبدالرحمن بن عوف, وعمر يسأل رجلا قتل ظبياً وهو محرم فقال له عمر: عمداً قتلته أم خطأ؟ فقال له الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله, فقال له عمر: ما أراك إلا أشركت بين العمد والخطأ; اعمد إلى شاةٍ فاذبحها، فتصدق بلحمها وأسق (¬3) إهابها)) (¬4). وجه الدلالة: أنه لو كان العمد والخطأ في ذلك سواء عند عمر؛ لما سأله أعمداً قتلته أم خطأ، وكان ذلك فضولاً من السؤال لا معنى له (¬5). رابعاً: أن الكفارة إنما تجب إذا وقعت الجناية بارتكاب المحظور؛ لفداء النفس من المخالفة وللتكفير عن الذنب، ومع الجهل أو النسيان أو الإكراه لا جناية؛ لأنهم لم يتعمدوا المخالفة فلا معنى للكفارة (¬6). خامساً: القياس على الأكل أو الشرب ناسياً في نهار رمضان، فإنه لا يفسد الصوم ولا قضاء فيه. سادساً: أن ما سوى هذا القول ظاهر الفساد والتناقض، فما يرخص به أحدهم في حال، يمنعه الآخر (¬7). المطلب السابع: تكرار المحظور تكرار المحظور له ثلاث أحوال: ¬

(¬1) رواه البخاري (1536). (¬2) رواه ابن ماجه (2045) بلفظ: (وضع) بدلاً من (تجاوز لي)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 356). قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (39)، وقال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (232): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/ 281)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 461): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045). (¬3) أي: أعط جلدها من يتخذه سقاء. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: سقا). (¬4) رواه الطبري في ((تفسيره)) (10/ 24)، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 733). (¬5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 214). (¬6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 198 - 200). (¬7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 256).

الحال الأولى: إذا كرر محظوراً من جنسٍ واحد، كلبس قميص، ولبس سراويل، ولم يفد فإنه يفدي مرةً واحدة، وهو مذهب الحنابلة (¬1)، وبه قال محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية (¬2)، وهو قول الشافعي في القديم (¬3)، واختاره ابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن الله تعالى أوجب لحلق الرأس فديةً واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعةٍ أو دفعات، ثم إن الحلق لا يكون إلا شيئاً بعد شيء، فهو ارتكاب محظوراتٍ متتاليةٍ من جنسٍ واحد، ومع ذلك لم يوجب فيه إلا فدية واحدة (¬6). ثانياً: أن ما تداخل متتابعاً، كحلق شعرات، تداخل متفرقاً، كالأحداث والحدود (¬7). أدلة أنه إن كفر عن الأول ثم ارتكب المحظور أنه يلزمه فديةٌ أخرى: 1 - أنه بالمحظور الثاني صادف إحراماً؛ فوجبت فيه الفدية، كما وجبت على المحظور الأول، وقياساً على الحدود والأيمان (¬8). 2 - أنه لما كفر للأول فقد التحق المحظور الأول بالعدم؛ فيعتبر الثاني محظوراً آخر مبتدأ، كما إذا جامع في يومين من شهر رمضان (¬9). الحال الثانية: أن يكون المحظور من أجناسٍ مختلفة، كطيبٍ ولبس مخيطٍ، فإنه يفدي لكل محظور، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعةربعةأربعة: الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والشافعية (¬12)، والحنابلة (¬13). الأدلة: أولاً: أنها محظوراتٌ مختلفة الأجناس، فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة (¬14). ثانياً: أن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفارة الأولى، أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر، ثم حلف وحنث (¬15). ¬

(¬1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 32) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 545) (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 382). (¬4) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 167). (¬5) قال ابن عثيمين: (إذا كرر الإنسان المحظور من جنسٍ واحد، ففعله أكثر من مرة ولم يفد، فإنه يفدي مرةً واحدة، لكن بشرط ألا يؤخر الفدية؛ لئلا تتكرر عليه، بحيث يفعل المحظور مرةً أخرى، فيعاقب بنقيض قصده، لئلا يتحيل على إسقاط الواجب، مثاله: أن يقلم مرتين، أو يلبس مخيطاً مرتين، أو يحلق مرتين، أو يباشر مرتين أو أكثر، وهو من جنسٍ واحد، فإن عليه فدية واحدة إذا لم يفد؛ قياساً على ما إذا تعددت أحداثٌ من جنسٍ واحد فيكفيه وضوءٌ واحد) ((الشرح الممتع)) (7/ 190). (¬6) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 536)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 556). (¬7) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116). (¬8) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116). (¬9) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 189). (¬10) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 194) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 244). (¬11) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 408)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 168). (¬12) يستثنى حالة واحدة فقط، وهي ما إذا لبس ثوباً مطيَّباً، ففيه وجهان عندهم، الصحيح المنصوص أن فيه فدية واحدة. ((المجموع)) للنووي (7/ 382)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 172). (¬13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116). (¬14) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 117)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 557). (¬15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 458).

الحال الثالثة: أن يكون المحظور صيداً، فإن الفدية تتعدد بتعدد الصيد (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أن الآية تدل على أن من قتل صيداً لزمه مثله, ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك (¬6). ثانياً: أنه لو قتل أكثر معًا تعدَّد الجزاء, فمتفرقاً أولى؛ لأن حال التفريق ليس أنقص كسائر المحظورات (¬7). ثالثاً: أنها كفارة قتل, كقتل الآدمي, أو بدل متلف, كبدل مال الآدمي؛ فتتعدد (¬8). ¬

(¬1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 116). (¬2) الواجب عند الحنفية في جزاء الصيد هو القيمة؛ ولذا فإنَّ تعدُّد الكفارة يظهر أثره عندهم على القيمة، ففي الصيدين قيمتهما، وهكذا. ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 69)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 81). (¬3) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 408)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 394). (¬4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 170)، ((المجموع)) للنووي (7/ 382). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 342)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 117). (¬6) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537). (¬7) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537). (¬8) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 537).

المبحث الثاني: حلق الشعر

المبحث الثاني: حلق الشعر المطلب الأول: حلق شعر الرأس حلق شعر الرأس من محظورات الإحرام. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]. ثانياً: من السنة: عن عبدالله بن معقل، قال: ((جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه، فسألته عن الفدية، فقال: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، حُمِلتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى - أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى - تجد شاة؟ فقلت: لا، فقال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)) رواه البخاري ومسلم (¬1). وجه الدلالة: أنه رتب فدية الأذى على حلق الرأس مع كونه للعذر، فدل على أنه من محظورات الإحرام. ثالثا من الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬2) , والنووي (¬3). المطلب الثاني: حلق شعر غير الرأس اختلف أهل العلم في كون حلق شعر غير الرأس من محظورات الإحرام على قولين: القول الأول: أنه محظور، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، وحكى ابن عبدالبر فيه الإجماع (¬8). الأدلة: أولاً: أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((أنه قال في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 29]: (التفث: الرمي، والذبح، والحلق والتقصير، والأخذ من الشارب، والأظفار، واللحية)) (¬9). ثانياً: القياس على شعر الرأس: قياس شعر الجسد على شعر الرأس؛ بجامع أن الكل يحصل بحلقه الترفه، والتنظف، وهو ينافي الإحرام لكون المحرم أشعث أغبر (¬10). القول الثاني: أنه لا يحظر حلق غير شعر الرأس، وهذا مذهب أهل الظاهر (¬11)، وقوَّاه ابن عثيمين (¬12). الأدلة: ¬

(¬1) رواه البخاري (1816)، ومسلم (1201). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من حلق رأسه، وجزه، وإتلافه بجزه، أو نورة، وغير ذلك) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). (¬3) قال النووي: (أجمع المسلمون علي تحريم حلق شعر الرأس، وسواء في تحريمه الرجل والمرأة) ((المجموع)) للنووي (7/ 247). (¬4) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 162). (¬5) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389). (¬6) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 135). (¬7) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 421). (¬8) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمحرم أخذ شيءٍ من شعر رأسه وجسده لضرورة ما دام محرما). ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160). (¬9) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 85). (¬10) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/ 247)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 421)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 46) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116). (¬11) قال ابن حزم: (جائزٌ للمحرم ... قص أظفاره وشاربه, ونتف إبطه, والتنور, ولا حرج في شيءٍ من ذلك, ولا شيء عليه فيه; لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآنٌ ولا سنة). وقال أيضاً: (إنما نهينا عن حلق الرأس في الإحرام والقفا ليس رأسا، ولا هو من الرأس) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 208، 246،257)، وانظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/ 248)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116). (¬12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116).

أولاً: أن النص جاء بتحريم حلق الرأس فقط، ولا يصح قياس غيره عليه؛ لأن حلق الرأس يتعلق به نسك وهو الحلق أو التقصير، فإن المحرم إذا حلق رأسه فإنه يُسقِط به نسكاً مشروعاً، وغيره لا يساويه في ذلك (¬1). ثانياً: أن الأصل الإباحة والحل. ثالثاً: أن المحرم ليس ممنوعاً من الترفه في الأكل، فله أن يأكل من الطيبات ما شاء، ولا من الترفه في اللباس، فله أن يلبس من الثياب التي تجوز في الإحرام ما يشاء، ولا من الترفه بإزالة الأوساخ فله أن يغتسل ويزيل الأوساخ (¬2). المطلب الثالث: ما يجب من الفدية في حلق شعر الرأس يجب في حلق شعر الرأس فدية الأذى: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين. الأدلة أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]. ثانياً: من السنة: عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (¬3). ثالث الإجماع: نقله ابن المنذر (¬4)، وابن عبدالبر (¬5). المطلب الرابع: متى تجب الفدية في حلق الشعر؟ تجب الفدية في حلق الشعر إذا حلق ما يحصل به إماطة الأذى (¬6)، وهو مذهب المالكية (¬7)، واختاره ابن حزم (¬8)، وابن عبدالبر (¬9)، وابن عثيمين (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أنَّ حلق شعر الرأس من أذىً به، لا يكون إلا بمقدار ما يماط به الأذى (¬11). ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116). (¬2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 116). (¬3) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201) (¬4) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على وجوب الفدية على من حلق وهو محرمٌ لغير علة) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 263). (¬5) قال ابن عبدالبر: (لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين، وأن الصيام ثلاثة أيام، وأن النسك شاة على ما في حديث كعب بن عجرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 385). (¬6) ضابطه: أن يحصل بحلقه الترفه، وزوال الأذى، كأن يقص أكثره، أو يقصره، ولا يدخل فيه حلق بعض الشعرات مما لا يعد حلقاً أو تقصيرا، وضابطه عند ابن حزم أن يحلق ما يسمى به حالقاً. ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 164)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 208،211). (¬7) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 308، 309). (¬8) قال ابن حزم: (لو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقاً بعض رأسه فلا شيء عليه, لا إثم، ولا كفارة بأي وجهٍ قطعه, أو نزعه) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 208،211). (¬9) قال ابن عبدالبر: (قول مالك أصوب؛ لأن الحدود في الشريعة لا تصح إلا بتوقيفٍ ممن يجب التسليم له) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160). (¬10) قال ابن عثيمين: (أقرب الأقوال إلى ظاهر القرآن هو ... إذا حلق ما به إماطة الأذى، أي: يكون ظاهراً على كل الرأس، وهو مذهب مالك، أي: إذا حلق حلقاً يكاد يكون كاملاً يسلم به الرأس من الأذى؛ لأنه هو الذي يماط به الأذى) ((الشرح الممتع)) (7/ 118،119). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 264)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 119).

1 - عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي، فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟. قلت: نعم. قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (¬1). وجه الدلالة: أن الكفارة إنما تجب في حلق الرأس في مثل ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة، وهو حلق ما يماط به الأذى (¬2). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرمٌ في رأسه)) (¬3). وجه الدلالة: أن الحجامة في الرأس من ضرورتها أن يُحلَق الشعر من مكان المحاجم، ولا يمكن سوى ذلك، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتدى؛ لأن الشعر الذي يزال من أجل المحاجم لا يماط به الأذى، فهو قليلٌ بالنسبة لبقية الشعر (¬4). الفرع الأول: إذا أخذ شعراتٍ من رأسه فإنه يحرم عليه؛ لأن المحرم نُهِيَ عن حلق شعر رأسه، وهو يشمل القليل والكثير، والقاعدة أن امتثال الأمر لا يتم إلا بفعل جميعه، وامتثال النهي لا يتم إلا بترك جميعه، لكن الفدية لا تجب إلا بحلق ما يحصل به الترفه وزوال الأذى (¬5). الفرع الثاني: إذا خرج في عينيه شعر، أو استرسل شعر حاجبيه على عينيه فغطاهما، فله إزالته، وكذلك إن قطع جلدة عليها شعر لم يكن عليه فدية؛ لأنه زال تبعاً لغيره والتابع لا يضمن كما لو قلع أشعار عيني إنسان فإنه لا يضمن أهدابهما (¬6). المطلب الخامس: غسل رأس المحرم وتخليله ¬

(¬1) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201). (¬2) قال ابن عبدالبر: (الكفارة ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160). (¬3) رواه البخاري (5701)، ومسلم (1202). (¬4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 119). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 264)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 120). (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267، 268).

لا بأس أن يغسل المحرم رأسه، ويخلله ويحكه برفق (¬1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5)، وقول للمالكية (¬6)، وهو قول جماعة من السلف (¬7) , وبه قال ابن المنذر (¬8)، واختاره النووي (¬9)، وابن عثيمين (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن حنين: ((أن عبدالله بن العباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال عبدالله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني عبدالله بن العباس إلى أبي أيوبٍ الأنصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبدالله بن حنين، أرسلني إليك عبدالله بن العباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسانٍ يصب عليه: اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل)) (¬11). 2 - عن عائشة رضي الله عنها ((أنها حاضت ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة، فقالت: يا رسول الله، هذه ليلة عرفة وإنما كنت تمتعت بعمرة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انقضي رأسك، وامتشطي، وأمسكي عن عمرتك)) (¬12). وجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تنقض رأسها، وتمتشط وهي محرمة (¬13). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول: أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئا)) (¬14). - أنه قول ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم، كما تقدم ذكر ذلك عنهم في القصة التي جرت بينهم في الأبواء. ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء في أن للمحرم أن يحك جسده وأن يحك رأسه حكًّا رقيقاً لئلا يقتل قملة أو يقطع شعرة) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 160). (¬2) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 9). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 248)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 522). (¬4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 423). (¬5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 246،247 رقم 891). (¬6) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 387). (¬7) ذكر ابن حزم عن سالم بن عبدالله بن عمر قال: ((رأى عمر بن الخطاب بعض بنيه، أحسبه قال عاصم بن عمر وعبدالرحمن بن زيد بن الخطاب, وهو جالسٌ على ضفة البحر, وهما يتماقلان وهم محرمون: يغيب هذا رأس هذا ويغيب هذا رأس هذا: فلم يعب عليهما)) ((المحلى)) (7/ 246). وذكر أيضا عن ابن عباس قال: ((كنت أطاول عمر بن الخطاب النفس ونحن محرمان في الحياض))، وفي رواية: ((لقد رأيتني أماقل [المماقلة: التغطيس في الماء] عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمان)) ((المحلى)) (7/ 247). وعن أبي مجلز قال: ((رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم، ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله)) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 835)، والبيهقي (5/ 64) (9407). قال ابن المنذر: (رخص في حك المحرم رأسه: جابر، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، وكان ابن عمر يحك: بأنامله، ورخص فيه الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وقالا: بقول ابن عمر، وقال الثوري: ارفق برأسك إذا حككته، وكذلك قال أصحاب الرأي) ((الإشراف)) (3/ 265)، وينظر ((المحلى)) لابن حزم (7/ 247)، ((المجموع)) للنووي (7/ 248). (¬8) قال ابن المنذر: (هو مباح). ((الإشراف)) (3/ 265) وينظر ((المجموع)) للنووي (7/ 248). (¬9) قال النووي: (حك المحرم رأسه فلا أعلم خلافاً في إباحته بل هو جائز، وبه قال ابن المنذر ولم يذكر فيه خلافاً لكن قالوا برفق لئلا ينتف شعر) ((المجموع)) للنووي (باختصار 7/ 248). (¬10) قال ابن عثيمين: (لا يحرم على المحرم أن يحك رأسه، إلا إن حكه ليتساقط الشعر فهو حرام، لكن من حكه بدافع الحكة ثم سقط شيءٌ بغير قصد، فإنه لا يضره، وقيل: لعائشة رضي الله عنها: ((إن قوما يقولون بعدم حك الرأس؟ قالت: لو لم أستطع أن أحكه بيدي لحككته برجلي))، وهذا منها رضي الله عنها من المبالغة في الحل، ورأيت كثيراً من الحجاج إذا أراد أن يحك رأسه، نقر بأصبعه على رأسه خوفاً من أن يتساقط شعره، وهذا من التنطع) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 122). (¬11) رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205). (¬12) رواه البخاري (316)، ومسلم (1211). (¬13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 247). (¬14) روى أوله البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولاً الدارقطني في ((السنن)) (2/ 232)، والبيهقي (5/ 62) (9392). صحح إسناده العيني في ((عمدة القاري)) (9/ 220)، والألباني في ((حجة النبي)) (28).

المبحث الثالث: تقليم الأظافر

المبحث الثالث: تقليم الأظافر المطلب الأول: حكم إزالة الأظفار للمحرم لأهل العلم في قص المحرم ظفره قولان: القول الأول: أن المحرم ممنوعٌ من إزالة أظفاره، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وحكى فيه الإجماع ابن المنذر (¬5)، وابن قدامة (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29] جاء عن بعض السلف في تفسيرها أنها تدل على منع المحرم من أخذ أظفاره (¬7). ثالثاً: من آثار الصحابة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال في تفسير آية الحج: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: ((التفث: الرمي، والذبح، والحلق والتقصير، والأخذ من الشارب، والأظفار، واللحية)) (¬8). رابعا: أنه إزالة جزءٍ ينمو من بدنه، يقضي به تفثه، ويترفه بإزالته، أشبه الشعر (¬9). ¬

(¬1) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 163)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 12). (¬2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 388)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 312) .. (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 247،248). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262). (¬5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من أخذ أظفاره) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). وقال الشنقيطي: (لم يعتبر ابن المنذر في حكايته الإجماع قول داود الظاهري: إن المحرم له أن يقص أظفاره، ولا شيء عليه لعدم النص، وفي اعتبار داود في الإجماع خلاف معروف، والأظهر عند الأصوليين اعتباره في الإجماع والله تعالى أعلم) ((أضواء البيان)) (5/ 47). (¬6) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من قلم أظفاره إلا من عذر) ((المغني)) (3/ 150). (¬7) عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال ((التفث: الرمي، والذبح، والحلق والتقصير، والأخذ من الشارب، والأظفار، واللحية)). قال الشنقيطي: (على التفسير المذكور، فالآية تدل على أن الأظفار كالشعر بالنسبة إلى المحرم، ولا سيما أنها معطوفة بـ «ثم» على نحر الهدايا، فدل على أن الحلق وقص الأظافر ونحو ذلك ينبغي أن يكون بعد النحر، ويؤيد التفسير المذكور كلام أهل اللغة) ((أضواء البيان)) للشنقيطي باختصار (5/ 48)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 15). (¬8) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 85) (¬9) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 163)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262).

القول الثاني: أنه يجوز للمحرم أن يقص شعره وأظفاره، وهذا مذهب الظاهرية (¬1)، وجعله ابن مفلح احتمالا (¬2)، وذلك للآتي: 1 - أنه لم يأت نص من كتاب ولا سنة في منعهما. 2 - أنه دون الشعر في الترفه, فيمتنع الإلحاق (¬3). 3 - أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من الفطرة قص الأظفار، والفطرة سنة لا يجوز تعديها, ولم يخص عليه السلام مُحْرماً من غيره: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64] (¬4). المطلب الثاني: ما تحصل به إزالة الأظافر: إزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره أو قطعه، وكل ذلك حرامٌ موجبٌ للفدية (¬5). المطلب الثالث: ما يجب من الفدية في تقليم الأظفار: يجب في تقليم الأظافر فدية الأذى، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وبه قال أكثر أهل العلم (¬10)؛ وذلك لأنه أزال ما مُنِعَ إزالته لأجل الترفه، فوجبت عليه الفدية كحلق الشعر، وعدم النص لا يمنع قياسه على المنصوص، كشعر البدن مع شعر الرأس (¬11). المطلب الرابع: قص ما انكسر من الظفر إن انكسر ظفره فله قص ما انكسر منه، ولا شيء عليه. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]. وانكسار الظفر يغلب في الأسفار، وهذا يوجب الرخصة فيه (¬12). ¬

(¬1) قال ابن حزم: (جائزٌ للمحرم دخول الحمام, والتدلك, وغسل رأسه بالطين, والخطمي, والاكتحال, والتسويك, والنظر في المرآة, وشم الريحان, وغسل ثيابه, وقص أظفاره وشاربه, ونتف إبطه, والتنور, ولا حرج في شيءٍ من ذلك, ولا شيء عليه فيه; لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآنٌ ولا سنة) ((المحلى)) (7/ 246). وقال النووي: (قال داود: يجوز للمحرم قلم أظفاره كلها ولا فدية عليه، هكذا نقل العبدري عنه، وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على تحريم قلم الظفر في الإحرام فلعلهم لم يعتدوا بداود وفي الاعتداد به في الإجماع خلاف) ((المجموع)) (7/ 248). (¬2) قال ابن مفلح: (حكم الأظفار كالشعر; لأن المنع منه للترفه, ذكره ابن المنذر إجماعاً وسبق قول داود في تخصيصه بالرأس خاصة, ويتوجه هنا احتمال; لأنه إن سلم الترفه به فهو دون الشعر, فيمتنع الإلحاق, ولا نص يصار إليه) ((الفروع)) (5/ 409). وقال ابن عثيمين: (تقليم الأظافر لم يرد فيه نص، لا قرآني ولا نبوي، لكنهم قاسوه على حلق الشعر بجامع الترفه، وإذا كان داود ينازع في حلق بقية الشعر الذي بالجسم في إلحاقها بالرأس، فهنا من باب أولى، ولهذا ذكر في الفروع أنه يتوجه احتمال ألا يكون من المحظورات، بناءً على القول بأن بقية الشعر ليس من المحظورات، لكن نقل بعض العلماء الإجماع على أنه من المحظورات، فإن صح هذا الإجماع، فلا عذر في مخالفته، بل ليتبع، وإن لم يصح فإنه يبحث في تقليم الأظافر كما بحثنا في حلق بقية الشعر) ((الشرح الممتع)) (7/ 117). (¬3) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 409). (¬4) ((المحلى)) لابو حزم (7/ 247). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 247، 248)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 135). (¬6) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 12). (¬7) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 389). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 247، 248). (¬9)) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262) (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 265). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 265). (¬12) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 313).

ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((المسلم ينزع ضرسه، وإن انكسر ظفره طرحه، أميطوا عنكم الأذى؛ فإن الله تعالى لا يصنع بأذاكم شيئا)) (¬1). وجه الدلالة: أنه قول صحابي، ولا يُعرف له مخالفٌ من الصحابة رضي الله عنهم (¬2). ثالثاً: الإجماع: نقله ابن المنذر (¬3) وابن قدامة (¬4). رابعاً: أن بقاءه يؤلمه، أشبه الشعر النابت في عينه (¬5). خامساً: أنه إزالةٌ لأذاه، فلم يكن عليه فدية، كقتل الصيد الصائل (¬6). سادساً: أنه بعد الكسر لا ينمو، فهو كحطب شجر الحرم (¬7). ¬

(¬1) روى أوله البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1840)، ورواه موصولاً الدارقطني في ((السنن)) (2/ 232)، والبيهقي (5/ 62) (9392). صحح إسناده العيني في ((عمدة القاري)) (9/ 220)، والألباني في ((حجة النبي)) (28). (¬2) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 248). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر) ((الإجماع)) لابن المنذر ص (52)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262). (¬4) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من قلم أظفاره، إلا من عذر) ((المغني)) (3/ 150). وذكر ابن عبدالبر أثر محمد بن عبدالله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفرٍ له انكسر وهو محرم فقال سعيد: اقطعه. قال ابن عبدالبر: (هذا أيضاً لا بأس به عند العلماء) ((الاستذكار)) (4/ 137). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 267،268). (¬6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 143)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 262). (¬7) قال الشنقيطي: (لا ينبغي أن يختلف في أن الظفر إذا انكسر جاز أخذه، ولا شيء فيه; لأنه بعد الكسر لا ينمو فهو كحطب شجر الحرم) ((أضواء البيان)) (5/ 46).

المبحث الرابع: الطيب

المبحث الرابع: الطيب المطلب الأول: حكم الطيب للمحرم الطيب من محظورات الإحرام في البدن والثوب. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يجتنبه المحرم: ((ولا يلبس ثوباً مسه زعفران ولا وَرْس (¬1))) (¬2). وجه الدلالة: أنه نهى المحرم عن الزعفران، والزعفران طيب. 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) (¬3). وجه الدلالة: أنه لما منع الميت من الطيب لإحرامه؛ فالحي أولى (¬4). 3 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجِعرانة (¬5)، ومعه نفرٌ من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجلٍ أحرم بعمرة، وهو مُتَضمِّخ (¬6) بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأُتِي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك)) (¬7) قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم. ثانيا الإجماع: نقل ابن المنذر (¬8)، وابن حزم (¬9)، وابن عبدالبر (¬10)، وابن قدامة (¬11)، والنووي (¬12). المطلب الثاني: الحكمة من تحريم الطيب على المحرم 1 - أن ذلك يبعد المحرِم عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها، ويجتمع همه لمقاصد الآخرة، أما الطيب فإنه قد ينسيه ما هو فيه من العبادة؛ لما فيه من الترفه؛ بما يخالف مقصود الحج من التجرد من ذلك؛ فلذلك نهي عنه. 2 - أن الطيب من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سد الذريعة؛ فإن الطيب يعطي الإنسان نشوة؛ وربما يحرك شهوته؛ ويلهب غريزته؛ ويحصل بذلك فتنة له؛ والله تعالى يقول: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197] (¬13). المطلب الثالث: الفدية في الطيب ¬

(¬1) الوَرْس: نباتٌ يكون باليمن، صبغة ما بين الصفرة والحمرة، ورائحته طيبة. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19). (¬2) رواه البخاري (366)، ومسلم (1177). (¬3) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206). (¬4) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 275). (¬5) الجِعرانة: موضعٌ قريبٌ من مكة، وهي في الحل، وميقات للإحرام، وهي بتسكين العين والتخفيف، وقد تكسر العين، وتشدد الراء. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: جعر). (¬6) التضمخ: التلطخ بالطيب وغيره، والإِكثار منه حتى كأنما يقطر. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضمخ). (¬7) رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180). (¬8) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب) ((الإجماع)) (ص: 52). (¬9) قال ابن حزم: (اتفقوا أنه يجتنب استعمال الطيب والزعفران والورس والثياب المورسة والمزعفرة) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 42). (¬10) قال ابن عبدالبر: (الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 19). (¬11) قال شمس الدين ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوعٌ من الطيب) ((الشرح الكبير)) (3/ 279). (¬12) قال النووي: (يحرم على الرجل والمرأة استعمال الطيب، وهذا مجمعٌ عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 75)، ((المجموع)) للنووي (7/ 270). (¬13) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 74)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (3/ 170)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 138).

إذا تطيب المحرم عمداً فعليه الفدية، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)؛ وذلك قياساً على الفدية في حلق الرأس؛ بجامع أنه ترفه باستعمال محظور. المطلب الرابع: هل يشترط في الفدية تطييب العضو كاملاً؟ لا يشترط في لزوم الفدية بالطيب أن يطيب العضو كاملاً، وهو مذهب الجمهور من المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). الأدلة: أولاً: عموم الأدلة في الفدية، ولا فرق فيها بين القليل والكثير. ثانياً: أنه معنًى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر بمجرد الفعل كالوطء. ثالثاً: أن تقدير ما تجب به الفدية وما لا تجب به لا يكون إلا بتوقيفٍ من الشارع، ولا يوجد في الباب ما يدل على شيءٍ من ذلك، فوجب الوقوف على العمومات التي توجب الفدية على من ارتكب المحظور قليلاً كان أو كثيرا. رابعاً: أن التطيب عادةً لا يكون لعضوٍ كامل (¬8). المطلب الرابع: حكم استعمال البخور حكم البخور هو حكم استعمال الطيب، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). وذلك للآتي: أولاً: عمومات الأدلة، والبخور من جملة أنواع الطيب الذي حظر استعماله على المحرم. ثانياً: أن المقصود هو الاستمتاع برائحة الطيب، وهذا حاصلٌ بالبخور. ثالثاً: أنه يصدق على من تبخَّر أنه تطيَّب. المطلب الخامس: حكم استدامة الطيب الذي كان قبل الإحرام لا حرج في استعمال الطيب الذي يبقى أثره بعد الإحرام، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14)، وبه قال بعض السلف (¬15). الدليل: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كأني أنظر إلى وَبِيص الطيب في مَفرِق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أيام وهو محرِم)) (¬16). وقالت رضي الله عنها: ((كنتُ أطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬17). المطلب السادس: تطييب الحاج ثوب الإحرام قبل إحرامه ¬

(¬1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 544). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311). (¬3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 532). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 332). (¬5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311). (¬6) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 520). (¬7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 429). (¬8) ينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 311)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 344). (¬9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 220). (¬10) قال النووي: (ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخَّر أو يجعله في بدنه أو ثوبه، وسواء كان الثوب مما ينفض الطيب أم لم يكن، قال العبدري وبه قال أكثر العلماء) ((المجموع)) (7/ 281). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 280)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 429). (¬12) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 430 - 432). (¬13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 177)، ((المجموع)) للنووي (7/ 222). (¬14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 226 - 227)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 406). (¬15) قال ابن قدامة: (يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد، هذا قول ابن عباس، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأم حبيبة، ومعاوية) (المغني)) (3/ 258). (¬16) رواه البخاري (1538)، ومسلم (1190). (¬17) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1192).

يُمنَع الحاج من تطييب ثوب الإحرام قبل إحرامه، وهو مذهب الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، واختيار ابن باز (¬3) ابن عثيمين (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس)) (¬5). ثانياً: أنَّ الطيب من محظورات الإحرام، ويصدق على من استدام الثوب بعد الإحرام، أنه ارتكب المحظور حال إحرامه. ثالثاً: أنَّ الرخصة إنما جاءت في البدن؛ فلا يتجاوز صورتها. رابعاً: أن الطيب في الثوب لا يستهلك كما هو في البدن؛ فلا يصح القياس. ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 345)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 481)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 222). (¬2) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 388) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 227)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 217). (¬3) قال ابن باز: (لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس)). فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها)) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 125 - 126). (¬4) قال ابن عثيمين: (وقال بعض العلماء: لا يجوز لبسه إذا طيبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس، فنهى أن نلبس الثوب المطيَّب، وهذا هو الصحيح) ((الشرح الممتع)) (7/ 65). (¬5) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).

المبحث الخامس: تغطية الرأس للذكر

المبحث الخامس: تغطية الرأس للذكر المطلب الأول: حكم تغطية الرأس للذكر تغطية الرأس للذكر من محظورات الإحرام، مثل: الطاقية، والغترة، والعمامة، وما أشبه ذلك. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلاً وقصه بعيرُه ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) (¬1). وجه الدلالة: أنه علَّل منع تخمير رأسه ببقائه على إحرامه، فعلم أن المحرم ممنوعٌ منه؛ فإن المحرِم الحي أولى من المحرِم الميت (¬2). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف ... )) (¬3). وجه الدلالة: أن ذكر العمامة بعد ذكر البرانس دليلٌ على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بمعتاد اللباس، ولا بنادره (¬4). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابنُ المنذر (¬5)، وابن عبدالبر (¬6)، وابن رشد (¬7)، وابن القيم (¬8). المطلب الثاني: أقسام ستر الرأس ستر الرأس على أقسام: ¬

(¬1) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206). (¬2) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 268)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 275). (¬3) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177). (¬4) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240). (¬5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من تخمير رأسه) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 53)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 268). (¬6) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه، وأنه ليس له أن يغطي رأسه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس البرانس والعمائم) ((الاستذكار)) (4/ 14، 4/ 16). (¬7) قال ابن رشد: (اختلفوا في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم على أنه لا يخمر رأسه) ((بداية المجتهد)) (1/ 327). (¬8) قال ابن القيم: (المحرم ممنوع من تغطية رأسه، والمراتب فيه ثلاث: ممنوع منه بالاتفاق، وجائز بالاتفاق، ومختلف فيه، فالأول كل متصل ملامس يراد لستر الرأس كالعمامة والقبعة والطاقية والخوذة وغيرها) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 225).

الأول: أن يغطيه بما يحمله على رأسه ولا يقصد به التغطية، فهذا جائز، باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) , وهو اختيار ابن حزم (¬5)،وابن حجر (¬6)، وابن باز (¬7) وابن عثيمين (¬8)؛ وذلك لأنه لا يقصد به الستر؛ ولا يستر بمثله عادةً. الثاني: أن يستره بملاصق بما يلبس عادةً على الرأس، مثل الشماغ والعمامة والطاقية، والخوذة فهذا حرام. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ((أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس)) (¬9) وجه الدلالة: أن ذكر العمامة بعد ذكر البرانس دليل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بمعتاد اللباس، ولا بنادره (¬10). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قصة الرجل الذي وقصته دابته: ((لا تخمِّروا رأسه)) (¬11). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (¬12)،والنووي (¬13)، وابن القيم (¬14). الثالث: أن يستظل بمنفصل عنه، غير تابع كالاستظلال بخيمة، أو شجرة، فهذا جائز. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 185) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 12) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 231). (¬2) استثنى المالكية ما لو حمله لغيره فإن فيه الفدية سواء حمله بأجر أو بغير أجر. قال القرافي: (للرجل أن يحمل على رأسه ما لا بد له منه كالخرج والجراب فإنه حمله لغيره بأجر أو بغير أجر فعليه الفدية) ((الذخيرة)) (3/ 308)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 697). (¬3) ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 518) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 125). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 270). (¬5) قال ابن حزم: (وللمحرم أن ... يحمل ما شاء من الحمولة على رأسه, ... ولا شيء عليه في كل شيء من ذلك) ((المحلى)) (7/ 258). (¬6) قال ابن حجر: (قال الخطابي ذكر العمامة والبرنس معا ليدل على أنه لا يجوز تغطية الرأس لا بالمعتاد ولا بالنادر، قال ومن النادر المكتل يحمله على رأسه، قلت إن أراد أنه يجعله على رأسه كلابس القبع صح ما قال، وإلا فمجرد وضعه على رأسه على هيئة الحامل لحاجته لا يضر على مذهبه، ومما لا يضر أيضا الانغماس في الماء فإنه لا يسمى لابسا وكذا ستر الرأس باليد) ((فتح الباري)) (3/ 402). (¬7) قال ابن باز: (حمل بعض المتاع على الرأس لا يعد من التغطية الممنوعة إذا لم يفعل ذلك حيلة، وإنما التغطية المحرمة هي: ما يغطى بها الرأس عادة كالعمامة والقلنسوة، ونحو ذلك مما يغطى به الرأس، وكالرداء والبشت ونحو ذلك، أما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل ذلك المحرم حيلة؛ لأن الله سبحانه قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم، والله ولي التوفيق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 115). (¬8) قال ابن عثيمين: (أن يغطيه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل العفش ونحوه، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد به الستر، ولا يستر بمثله غالبا) ((الشرح الممتع)) (7/ 124). (¬9) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177). (¬10) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240). (¬11) رواه البخاري (1850)، ومسلم (1206). (¬12) قال ابن حزم: (وأجمعوا أن الرجل المحرم يحتنب لبس العمائم والقلانس ... ) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). (¬13) قال النووي: (أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمعٌ على تحريمه) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 128). (¬14) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 243).

الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر رضي الله عنه أنه قال في حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأمر بقبة من شعر، فضربت له بنمرة، فأتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها ... )) (¬1). 2 - عن أم الحصين: ((أن بلالا أو أسامة كان رافعا ثوبا يستر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحر)) (¬2). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬3)، وابن قدامة (¬4)، والنووي (¬5)، وابن القيم (¬6). ¬

(¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مسلم (1298). (¬3) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط، وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا) ((التمهيد)) (15/ 111). (¬4) قال ابن قدامة: (ولا بأس أن يستظل بالسقف والحائط والشجرة والخباء، وإن نزل تحت شجرة، فلا بأس أن يطرح عليها ثوبا يستظل به، عند جميع أهل العلم) ((المغني)) (3/ 287). (¬5) قال النووي: (وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز) ((المجموع)) (7/ 267). (¬6) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 243).

الرابع: أن يُظلِّل رأسه بتابع له منفصل كالشمسية والسيارة، ومحمل البعير، وما أشبهه، فهذا يجوز، وهو مذهب الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4)، واختاره ابن المنذر (¬5) وابن القيم (¬6) , والشوكاني (¬7) والشنقيطي (¬8) وابن باز (¬9) وابن عثيمين (¬10).والألباني (¬11). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخِذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة)) (¬12). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 349)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 13). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 267). (¬3) زاد المعاد (2/ 244). (¬4) قال ابن عبدالبر: (وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يستظل وهو محرم وأنه أجاز ذلك للمحرم، وبه قال عطاء بن أبي رباح والأسود بن يزيد وهو قول ربيعة والثوري وابن عيينة والشافعي وأصحابه) ((التمهيد)) (15/ 111). (¬5) قال ابن المنذر: (واختلفوا في المحرم يستظل في المحمل، وما كان في معناه كالهودج، والعمارية، والكبيسة ونحو ذلك على البعير، فرخص فيه ربيعة، والثوري، والشافعي، وروى ذلك عن عثمان، وعطاء، وأصحاب الرأي. وكان سفيان بن عيينة يقول: لا يستظل البتة، وكره ذلك ابن عمر، ومالك، وعبدالرحمن بن مهدي، وقال أحمد، ومالك، لا يجوز، فإن فعل فعليه الفدية، وعن أحمد رواية أخرى: أنه لا فدية عليه. قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لما روت أم الحصين ... ) ((الإشراف)) (3/ 222). (¬6) قال ابن القيم: (وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة، وإن كانت بعده في أيام منى، فلا حجة فيها، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت، والله أعلم) ((زاد المعاد)) (2/ 257). (¬7) قال الشوكاني: (قوله: " يظله من الشمس " فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور) ((نيل الأوطار)) (5/ 8). (¬8) قال الشنقيطي: (واعلم أن الاستظلال بالثوب على العصا عندهم إذا فعله وهو سائر لا خلاف في منعه، ولزوم الفدية فيه، وإن فعله وهو نازل ففيه خلاف عندهم أشرنا له قريبا، والحق: الجواز مطلقا للحديث المذكور) ((أضواء البيان)) (5/ 54). (¬9) قال ابن باز: (وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 57). (¬10) قال ابن عثيمين: (ما ليس بملاصق لا يعد تغطية، مثل الشمسية فيمسكها الإنسان، وهو محرم ليستظل بها عن الشمس أو يتقي بها المطر، فإن هذا لا بأس به، ولا فدية فيه، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصحيح أن غير الملاصق جائز، وليس فيه فدية) ((الشرح الممتع)) (7/ 123 - 124). (¬11) قال الألباني: (الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، ونحوه الاستظلال بالمحمل قديما وبالمظلة (الشمسية)، والسيارة ولو من داخلها حديثا وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه، بل النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة والاستظلال بالمحمل وما في معناه، وهو رواية عن الإمام أحمد كما في منار السبيل (1/ 246)، فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة تنطع في الدين لم يأذن به رب العالمين) ((مناسك الحج والعمرة)) (ص: 9). (¬12) رواه مسلم (1279).

2 - عن أم الحصين: ((أن بلالاً أو أسامة كان رافعا ثوبا يستر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحر)) (¬1). ثانياً: القياس: أن ذلك لا يقصد به الاستدامة، فلم يكن به بأس، كالاستظلال بالحائط (¬2). ثالثاً: استصحاب الأصل: فما يحلُّ للحلال يحلُّ للمحرم، إلا ما قام على تحريمه دليل (¬3). المطلب الثاني: الفدية في تغطية الرأس تجب في تغطية الرأس الفدية بذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7). الدليل على ذلك: القياس على الفدية في حلق الرأس، بجامع أنه استمتاع محض، وترفه باستعمال محظور (¬8). المطلب الثالث: مقدار تغطية الرأس الذي تجب فيه الفدية لا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). الأدلة: أولاً: عموم الأدلة في الفدية، ولا فرق فيها بين القليل والكثير. ثانياً: أنه معنًى حصل به الاستمتاع بالمحظور، فاعتبر بمجرد الفعل كالوطء. ثالثاً: أن تقدير ما تجب به الفدية وما لا تجب به لا يكون إلا بتوقيف من الشارع، ولا يوجد في الباب شيء، فوجب الوقوف على العمومات التي توجب الفدية على من ارتكب المحظور قليلا كان أو كثيرا. رابعاً: أن الانتفاع بتغطية الرأس يحصل في البعض، فتجب الفدية بذلك. خامساً: القياس على عدم اشتراط حلق جميع شعر الرأس لوجوب الفدية (¬12). المطلب الرابع: حكم تغطية الوجه للمحرم تغطية الوجه للمحرم مباح، وهو مذهب الشافعية (¬13) والحنابلة (¬14)، وبه قال جماعة من السلف (¬15) , وابن حزم (¬16)، واختاره ابن عثيمين (¬17). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا)) (¬18). وجه الدلالة: ¬

(¬1) رواه مسلم (1298). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 287). (¬4) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 485) (¬5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307). (¬6) ((المجموع)) للنووي (7/ 252). (¬7) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 424). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 249). (¬9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 253). (¬11) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 326)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 424). (¬12) ينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 307،311)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 344). (¬13) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 240)، ((المجموع)) للنووي (7/ 250، 268). (¬14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 271)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 244). (¬15) قال ابن القيم: (وبإباحته قال ستة من الصحابة: عثمان، وعبدالرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وجابر رضي الله عنهم) ((زاد المعاد)) (2/ 244). وينظر ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 225)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 328). (¬16) قال ابن حزم: (لا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك ولا كراهة في ذلك) ((المحلى)) (7/ 91 رقم 828). (¬17) قال ابن عثيمين: (القول الراجح جواز تغطيته وجهه؛ لأن لفظة: (ولا وجهه) في قصة الذي مات مختلف في صحتها، وفيها نوع اضطراب، ولذلك أعرض الفقهاء عنها، وقالوا: إن تغطية المحرم وجهه لا بأس به، ويحتاجه المحرم كثيراً، فقد ينام مثلاً ويضع على وجهه منديلاً أو نحوه عن الذباب، أو عن العرق، أو ما أشبه ذلك) ((الشرح الممتع)) (7/ 165). (¬18) رواه البخاري (1266)، ومسلم (1206).

أن النص خص الرأس بالنهي عن التغطية، فمفهومه يقتضي جواز تغطية غيره، أما ما جاء من تغطية الوجه فهو شاذ ضعيف (¬1). ثانيا: أقوال الصحابة: 1 - عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه: ((أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم)) (¬2). 2 - عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت عثمان بالعَرْج (¬3) وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أُرْجُوان (¬4))) (¬5). ولا يعرف لهؤلاء الصحابة مخالف منهم (¬6). ثالثا: أن الأصل هو الإباحة (¬7). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 250)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 244). (¬2) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/ 241)، والبيهقي (5/ 54) (8870). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 268). (¬3) العَرْج: قرية جامعة من عمل الفرع قريبة من الأبواء على نحو ثمانية وسبعين ميلا من المدينة. ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 15)، ((أحكام القرآن)) (4/ 56). (¬4) الأُرْجُوان: الشديد الحُمْرة. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: بهرم). (¬5) رواه مالك (3/ 514) (1290)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 241)، والبيهقي (5/ 191) (9705). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 268)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 941). (¬6) قال شمس الدين ابن قدامة: (لا نعرف لهم مخالفا في عصرهم فكان إجماعا) ((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 271). (¬7) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 244).

المبحث السادس: لبس المخيط

المبحث السادس: لبس المخيط تمهيد: تعريف المخيط المخيط: هو المفصَّل على قدر البدن أو العضو، بحيث يحيط به، ويستمسك عليه بنفسه، سواء كان بخياطة أو غيرها، مثل: القميص، والسراويل، ونحو ذلك (¬1). المطلب الأول: حكم لبس المخيط للذَّكَر لبس المخيط للذكر من محظورات الإحرام. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: ((بينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو مُتَضَمِّخ بطيب، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، ثم سُرِّي عنه، فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل، فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك)) (¬2). وجه الدلالة: أنه لما عَلِمَ أنه محرم أمره بأن ينزع عنه الجبة، فدل على أن لبس الجبة ونحوها من المخيط المحظور على المحرم. 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (¬3). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خمسة أنواع من اللباس تشمل جميع ما يحرم، وقد أوتي جوامع الكَلِم، وذلك أن اللباس إما أن يصنَع للبدن فقط فهو القميص، وما في معناه، أو للرأس فقط وهو العمامة وما في معناه، أو لهما وهو البُرْنُس وما في معناه، أو للفخذين والساق وهو السراويل وما في معناه، أو للرِّجلين وهو الخف ونحوه (¬4). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬5)، وابن حزم (¬6)، وابن عبدالبر (¬7)، وابن رشد (¬8). المسألة الأولى: من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه لعدم حمله التصريح ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 489)، ((المجموع)) للنووي (7/ 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 67). (¬2) رواه البخاري (1536)، ومسلم (1180) (¬3) رواه البخاري (5803)، ومسلم (1177) (¬4) ينظر ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 127، 130، 131). (¬5) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من لبس القمص، والعمائم، والسراويلات، والخفاف، والبرانس، وأجمعوا على أن للمرأة المحرمة: لبس القميص، والدّروع، والسراويل، والخمر، والخفاف) ((الإجماع)) (ص: 53)، ((المجموع)) للنووي (7/ 254). (¬6) قال ابن حزم: (أجمعوا أَن الرجل المحرم يجتنب لباس العمائم والقلانس والجباب والقمص والمخيط والسراويل التي لا تسمى ثيابًا إن وجد إزارا) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). (¬7) قال ابن عبدالبر: (لا يجوز لباس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم) ((الاستذكار)) (4/ 14)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 272). (¬8) قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر) انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327).

من أحرم بالمخيط أو لبسه بعد إحرامه ليدخل به مكة لعدم حمله التصريح فحجه صحيح لكنه يأثم بارتدائه المخيط، وتجب عليه الفدية، وبه قال ابن عثيمين (¬1) (¬2). المسألة الثانية: لبس المرأة المخيط لغير الوجه والكفين يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس المخيط لغير الوجه والكفين. الدليل:: نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬3) وابن عبدالبر (¬4) وابن رشد (¬5). المسألة الثالثة: لبس الخفاف للمحرم الذكر لبس الخف (¬6) حرام على الرجل المحرِم، سواء كان الخف صحيحا أو مخرَّقاً، إلا لمن لم يجد النعلين. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر: ((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ من الكعبين)) (¬7). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) (¬8). 3 - عن جابر رضي الله عنهما قال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) (¬9). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) قال ابن عثيمين: ( ... فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، كيف تحرم وتعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيما نهاك عنه من لبس القميص؟! وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرط والجنود فليس خداعا لله عز وجل إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ *آل عمران: 5* ثم ما الذي أوجب لك هذا الشيء؟ أليس حجك سنة وعمرتك سنة؟ وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية؟! ... ) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 448). وقال: (وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية - يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يلبس المحرم القميص) وهذا لبس، ... فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 450). (¬2) فائدة: قال النووي في من يتعمد ارتكاب محظور من محظورات الإحرام: (وربما ارتكب بعض العامة شيئاً من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، وإذا خالف أثم ووجبت الفدية، وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم، وجهالة هذا الفاعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئاً مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبروراً) (الإيضاح في مناسك الحج)) (ص: 211). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف) ((الإشراف)) (3/ 220). (¬4) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن المراد بهذا، الذكور دون النساء، وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف) ((الاستذكار)) (4/ 14)، وينظر ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 272). (¬5) قال ابن رشد: (اتفق العلماء على أنه لا يلبس المحرم قميصا ولا شيئا مما ذكر في هذا الحديث ولا ما كان في معناه من مخيط الثياب وأن هذا مخصوص بالرجال أعني تحريم لبس المخيط وأنه لا بأس للمرأة بلبس القميص والدرع والسراويل والخفاف والخمر). انظر: ((بداية المجتهد)) (1/ 326، 327). (¬6) الخف: ما يُلبس على الرِّجل من جلد، أو نحوه. (¬7) رواه البخاري (134)، ومسلم (1177). (¬8) رواه البخاري (1841). (¬9) رواه مسلم (1179).

نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬1)، والنووي (¬2). المسألة الرابعة: هل يجب قطع الخفين لمن لم يجد نعلين؟ من لم يجد نعلين فلبس خفين، لا يجب عليه قطعهما، وهو مذهب الحنابلة (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4)، واختاره ابن تيمية (¬5)، وابن القيم (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل)) (¬9). 2 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) (¬10). وجه الدلالة من الحديثين: أنه أطلق لبس الخفين، ولم يقيِّده بقطعهما. المطلب الثاني: لبس المحرم للخاتم يجوز للمحرم لبس الخاتم بلا خلاف بين أهل العلم (¬11). المطلب الثالث: لبس المحرم للساعة أو النظارة أو سماعة الأذن أو تركيبة الأسنان يجوز للمحرم لبس الساعة، أو النظارة، أو سماعة الأذن، أو تركيبة الأسنان (¬12)؛ وذلك لأنها كلها ليست في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبسه من أنواع الألبسة (¬13). المطلب الرابع: لبس الهِمْيان (وعاء النفقة). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من لبس القميص والعمامة والسراويل والخفاف والبرانس) ((الإجماع)) (ص: 107). (¬2) قال النووي: ( ... وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيءٍ من هذه المذكورات) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 73). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 329)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426). (¬4) قال ابن قدامة: (ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال عطاء، وعكرمة، وسعيد بن سالم القداح) ((المغني)) (3/ 281). (¬5) قال ابن تيمية: ( ... فله أن يلبس الخف ولا يقطعه وكذلك إذا لم يجد إزارا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه، هذا أصح قولي العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 110). (¬6) ((تهذيب سنن أبي داود)) لابن القيم (5/ 278 - 279). (¬7) قال ابن باز: (وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع ... ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 53). (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 130 - 131). (¬9) رواه البخاري (1841). (¬10) رواه مسلم (1179). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132). (¬12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132). (¬13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132).

يجوز للمحرم لبس الهِمْيان (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، والظاهرية (¬6)، وبه قال أكثر العلماء (¬7). الأدلة: أولاً: أنه ورد عن طائفة من الصحابة، كعائشة، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، حتى حُكي في ذلك إجماعهم (¬8). ثانياً: أن الهميان ليس في معنى ما جاء النهي عنه من الألبسة للمحرم في النصوص، فيبقى على أصل الإباحة. ثالثاً: أن شد الهميان في الوسط هو ضرورة حفظ النفقة، ومما تدعو الحاجة إليه؛ فجاز كعقد الإزار (¬9). مسألة: عقد الرداء يجوز عقد الرداء عند الحاجة، وهو قول طائفةٍ من الشافعية (¬10)، واختاره الجويني والغزالي (¬11) وابن حزم (¬12) وابن تيمية (¬13)، وابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من السنة: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (¬15). وجه الدلالة: ¬

(¬1) قال ابن حجر: (أي تكة اللباس، ويطلق على ما يوضع فيه النفقة في الوسط) ((مقدمة ((أحكام القرآن)) (ص: 202). (¬2) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 139). (¬3) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 470). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255). (¬5) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 427)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 427). (¬6) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22) (¬7) قال ابن عبدالبر: (أجاز ذلك جماعة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم، وعن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق مثل ذلك). وقال أيضاً: (قد قال إسحاق بن راهويه: ليس للمحرم أن يعقد يعني المنطقة ولكن له أن يدخل السيور بعضها في بعض. وقول إسحاق لا يعد خلافا على الجميع، وليس له أيضا حظ من النظر، ولا له أصل؛ لأن النهي عن لباس المخيط، وليس هذا منه، فارتفع أن يكون له حكمه) ((التمهيد)) (15/ 118)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22). وقال النووي: (إنه قول العلماء كافة إلا ابن عمر ومولاه) ((المجموع)) للنووي (7/ 254، 255). (¬8) عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول في المِنْطقة [كل ما يشد به الوسط]: (أحرز عليك نفقتك) ذكره ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (11/ 42)، وذكر ابن قدامة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أوثقوا عليكم نفقاتكم) وعن مجاهد: (سئل ابن عمر عن المحرم يشد الهميان عليه؟ فقال: لا بأس به إذا كانت فيه نفقته يستوثق من نفقته) ((المغني)) (3/ 140)، وقال إبراهيم النخعي: (كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم، ولا يرخصون في عقد غيره) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 277). وقال ابن علية: (قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والمئزر على مئزره وبالمنطقة كذلك) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 22). (¬9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 306)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 277). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 255،256). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 255،256). (¬12) قال ابن حزم: (وللمحرم أن يشد المنطقة على إزاره إن شاء أو على جلده ويحتزم بما شاء, ويحمل خرجه على رأسه, ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء) ((المحلى)) (7/ 258). (¬13) قال ابن تيمية: (يجوز عقد الرداء في الإحرام ولا فدية عليه فيه) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 466). (¬14) قال ابن عثيمين: (لو أن الرجل عقد الرداء على صدره فليس حراما) ((الشرح الممتع)) (7/ 132). وقال أيضاً: (ويجوز لبس السبتة، وساعة اليد، ونظارة العين، وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393). (¬15) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177).

أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه المحرم (¬1). ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في معنى المنصوص على منعه. ثالثاً: أنَّ الرداء وإن عُقِد، لا يخرج عن كونه رداء (¬2). مسألة: عقد الإزار للمحرم يجوز عقد الإزار للمحرم إذا لم يثبت ويستمسك إلا بذلك، وهو مذهب الشافعية (¬3) والحنابلة (¬4)، واختاره ابن حزم (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: ((لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف)) (¬9). وجه الدلالة: أن إجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس، دليلٌ على أن كل ما عدا هذه المذكورات مما يلبسه المحرم (¬10). ثانياً: أنه لم يرد في ذلك منعٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو في معنى المنصوص على منعه. ثالثاً: من آثار الصحابة: قال طاوس: رأيت ابن عمر يطوف بالبيت، وعليه عمامة قد شدَّها على وسطه، فأدخلها هكذا. رابعاً: أنَّ فيه مصلحة له، وهو أن يثبت عليه (¬11). خامساً: أنه يُحتاج إليه لستر العورة فيباح، كاللباس للمرأة (¬12). فرع: حكم تشبيك الرداء بمشبك يجوز للمحرم تشبيك ردائه بمشبك ونحوه؛ لأنه لا يعد لبساً (¬13) المطلب الخامس: ستر المحرمة وجهها الفرع الأول: ستر المحرمة وجهها بالنقاب أولا: تعريف النقاب النقاب هو: لباس الوجه؛ وهو أن تستر المرأة وجهها، وتفتح لعينيها بقدر ما تنظر منه (¬14). ثانيا حكم النقاب للمحرمة: ¬

(¬1) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393). وقال ابن تيمية: (النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيما يحرم على المحرم، وما ينهى عنه، لفظا عاما يتناول عقد الرداء، بل سئل صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم من الثياب فقال: لا يلبس القميص، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا الخفاف، إلا من لم يجد نعلين) ((الفتاوى الكبرى)) (1/ 333). (¬2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 132). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 249،255). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 331). (¬5) قال ابن حزم: (ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء) ((المحلى)) (7/ 258). (¬6) قال ابن تيمية: (وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 111). (¬7) قال ابن باز: (ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه؛ لعدم الدليل المقتضي للمنع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 54). (¬8) قال ابن عثيمين: (((الشرح الممتع)) (7/ 130،131). (¬9) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1177). (¬10) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/ 333)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 392 - 393). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 249،255)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/ 201). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 284). (¬13) قال ابن عثيمين: (لو شبَّك رداءه بمشبك فإنه لا يعد لبسا، بل هو رداء مشبك، لكن بعض الناس توسعوا في هذه المسألة، وصار الرجل يشبك رداءه من رقبته إلى عانته، فيبقى كأنه قميص ليس له أكمام، وهذا لا ينبغي) ((الشرح الممتع)) (7/ 130،131). (¬14) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: نقب)، ((الشرح الممتع)) (7/ 134).

النقاب من محظورات الإحرام على المرأة، وهو مذهب الجمهور من المالكية (¬1) والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (¬5). ثانياً: أنه قولٌ ثابتٌ عن طائفةٍ من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم (¬6). الفرع الثاني: ستر المحرمة وجهها بغير النقاب اختلف أهل العلم في تغطية المحرمة وجهها بغير النقاب على قولين: القول الأول: لا يجوز تغطية المحرمة وجهها إلا لحاجة، كمرور الأجانب، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وهو قول طائفة من السلف (¬11)، واختاره ابن دقيق العيد (¬12)، والشنقيطي (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: 1. عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ولا تتنقب المحرمة)) (¬14). 2. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك في حجة الوداع)) (¬15). وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها (¬16). ثانيا: الإجماع: ¬

(¬1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 15)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141). (¬2) ((المجموع)) للنووي (3/ 167). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 134). (¬4) قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين، وقال الأسود، وعلقمة: لا تنتقب المرأة، وقال الحكم، وحماد: لا تلبس البرقع، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وكان مالك يكره القفازين، والنقاب، وقال الثوري: لا تتبرقع، ولا تلتثم) ((الإشراف)) (3/ 220). قال ابن عبدالبر: (وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار) (4/ 15). (¬5) رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177) (¬6) قال ابن المنذر: (كراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ولا نعلم أحدا خالف فيه) ((الإشراف)) (3/ 220)، وينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323). (¬7) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 152)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 214). (¬8) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 141)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 825). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 250،261). (¬10) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 527). (¬11) قال ابن قدامة: (روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن) ((المغني)) (3/ 154). (¬12) ((إحكام الأحكام)) (ص: 301). (¬13) ((أضواء البيان)) (5/ 52). (¬14) رواه البخاري (1838) (¬15) رواه البخاري (1855)، ومسلم (1334). (¬16) قال ابن عبدالبر: (فيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها، وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء) ((التمهيد)) (9/ 124)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 164).

نقل الإجماع على أنه يحرم على المرأة أن تغطي وجهها إلا لحاجة، ابن عبدالبر (¬1)، وابن قدامة (¬2)، وابن رشد (¬3). ثالثاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه)) (¬4). رابعاً: القياس: فالوجه من المرأة يجب كشفه، كالرأس من الرَّجُل (¬5). ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها، وأن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجل إليها) ((الاستذكار)) (4/ 164)، ((التمهيد)) (9/ 124، 15/ 104). (¬2) قال ابن قدامة: (المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافا، إلا ما روي عن أسماء، أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 301)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 323). (¬3) قال ابن رشد: (أجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها ... وأن لها أن تسدل ثوبها على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستر به عن نظر الرجال إليها) ((بداية المجتهد)) (1/ 327). (¬4) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 294) (260)، والبيهقي (5/ 47) (9314). قال الكمال ابن الهمام في ((فتح القدير)) (2/ 527): (لا شك في ثبوته موقوفاً)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 323): (إسناده صحيح)، وروى ابن حزم عن محمد بن المنكدر قال: (رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها وهي محرمة، فقال لها: اكشفي وجهك؛ فإنما حرمة المرأة في وجهها) ((المحلى)) (7/ 91). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 250).

القول الثاني: يجوز للمحرمة تغطية وجهها، وهو قولٌ في مذهب الحنابلة (¬1)، واختاره ابن حزم (¬2)، وابن تيمية (¬3)، وابن القيم (¬4)، والصنعاني (¬5)، والشوكاني (¬6)،وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم 1 - عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (¬9). قال ابن القيم: نساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة (¬10). ¬

(¬1) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 120). (¬2) قال ابن حزم: (لا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها) ((المحلى)) (7/ 91 رقم 828). (¬3) قال ابن تيمية: (وجه المرأة فيه قولان في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: إنه كرأس الرجل فلا يغطى، وقيل: إنه كيديه فلا تغطى بالنقاب والبرقع ونحو ذلك مما صنع على قدره، وهذا هو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه إلا عن القفازين والنقاب، وكن النساء يدنين على وجوههن ما يسترها من الرجال من غير وضع ما يجافيها عن الوجه فعلم أن وجهها كيدي الرجل ويديها؛ وذلك أن المرأة كلها عورة كما تقدم فلها أن تغطي وجهها ويديها لكن بغير اللباس المصنوع بقدر العضو كما أن الرجل لا يلبس السراويل ويلبس الإزار) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 120) وينظر: (26/ 112). (¬4) قال ابن القيم: (النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين))، يعني في الإحرام فسوَّى بين يديها ووجهها في النهي عما صنع على قدر العضو ولم يمنعها من تغطية وجهها ولا أمرها بكشفه البتة ونساؤه صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بهذه المسألة وقد كن يسدلن على وجوههن إذا حاذاهن الركبان فإذا جاوزوهن كشفن وجوههن) ((إعلام الموقعين)) (1/ 222). (¬5) قال الصنعاني: (المرأة المحرمة تستر وجهها بغير ما ذكر، كالخمار والثوب، ومن قال: إن وجهها كرأس الرجل المحرم لا يغطى بشيء فلا دليل معه) ((سبل السلام)) (2/ 191)، وينظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 233). (¬6) قال الشوكاني: (ليس في المنع من تغطية وجه المرأة ما يتمسك به، والأصل الجواز حتى يرد الدليل الدال على المنع) ((السيل الجرار)) (ص: 316). (¬7) قال ابن باز: (معنى ((لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)) أي لا تلبس ما فصل وقطع وخيط لأجل الوجه كالنقاب ولأجل اليدين كالقفازين, لا أن المراد أنها لا تغطي وجهها وكفيها كما توهمه البعض فإنه يجب سترهما لكن بغير النقاب والقفازين، هذا ما فسره به الفقهاء والعلماء ومنهم العلامة الصنعاني رحمه الله تعالى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 232). (¬8) قال ابن عثيمين: (لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما حرم عليها النقاب فقط؛ لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وبين تغطية الوجه فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها، لقلنا: هذا لا بأس به، ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب، فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم) ((الشرح الممتع)) (7/ 134) وينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 185). (¬9) رواه البيهقي (5/ 47) (9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212)، وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي الله عنها قالت: () تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين ولا تنقب)). (¬10) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 265).

2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (¬1). 3 - عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق)) (¬2). ثانياً: أنه لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرَّم على المحرمة تغطية وجهها، وإنما هذا قول بعض السلف (¬3). ثالثاً: القياس: فكما يجوز تغطية الكف من غير لبس القفازين، فيجوز كذلك تغطية الوجه من غير لبس النقاب، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وهما كبدن الرجل، يجوز تغطيته، ولا يجوز لبس شيء مفصلٍ عليه. رابعاً: أن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق كالعورة (¬4). خامساً: أن النهي إنما جاء عن النقاب فقط، والنقاب أخص من تغطية الوجه، والنهي عن الأخص لا يقتضي النهي عن الأعم؛ وإنما جاء النهي عن النقاب لأنه لبس مفصلٌ على العضو، صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن، وقد اتفق الأئمة على أن للمحرم أن يستر يديه ورجليه مع أنه نهي عن لبس القميص والخف (¬5). الفرع الثالث: هل يشترط في تغطية المحرمة وجهها ألا يمس الوجه؟ ¬

(¬1) رواه ابن خزيمة (4/ 203) (2690)، والحاكم (1/ 624). صححه على شرط الشيخين الحاكم في ((المستدرك)) (1/ 624)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212) (¬2) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474) (1176)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح. (¬3) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 185). (¬4) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324). (¬5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 113).

لا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك، فيجوز أن تستر وجهها للحاجة كالستر عن أعين الناس، بثوب تسدله من فوق رأسها، وهذا مذهب المالكية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختاره ابن قدامة (¬3)، وابن تيمية (¬4). الأدلة: أولاً: من أقوال الصحابة 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) (¬5). 2 - عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ((كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمشط قبل ذلك في الإحرام)) (¬6). 3 - عن فاطمة بنت المنذر قالت: ((كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .. )) (¬7). وجه الدلالة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة رضي الله عنهن كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة (¬8). ثانياً: أن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبيَّن، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه (¬9). المطلب السادس: لبس القفازين للمحرمة تمهيد: تعريف القفازين ¬

(¬1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 14)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 388)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 345). (¬2) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 356) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447). (¬3) قال ابن قدامة: (ذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيا عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها، ثم زال أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي، ثم عاد بسرعة، لا تبطل الصلاة، وإن لم ترفعه مع القدرة؛ افتدت؛ لأنها استدامت الستر، ولم أر هذا الشرط عن أحمد، ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل، كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها). ((المغني)) (3/ 154، 301، 302)، وينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 529). (¬4) قال ابن تيمية: (لو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضا، ولا تكلف المرأة أن تجافي سترتها عن الوجه لا بعود ولا بيد ولا غير ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه، وأزواجه صلى الله عليه وسلم كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إحرام المرأة في وجهها)) وإنما هذا قول بعض السلف لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب أو تلبس القفازين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 112). (¬5) رواه البيهقي (5/ 47) (9316)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212). وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 719) عن عائشة رضي الله عنها قالت: () تلبس المحرمة ما شاءت من الثياب إلا البرقع والقفازين ولا تنقب)). (¬6) رواه ابن خزيمة (4/ 203) (2690)، والحاكم (1/ 624)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212): (صحيح على شرط الشيخين). (¬7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 474) (1176). قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 212): إسناده صحيح. (¬8) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 112). (¬9) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 324).

القفَّازان: شيء يعمل لليدين يغطي الأصابع مع الكف (¬1). الفرع الأول: حكم لبس القفازين للمحرمة يحرم على المحرمة لبس القفَّازين، وهو مذهب الجمهور من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال طائفة من السلف (¬5). الدليل: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) (¬6). الفرع الثاني: حكم لبس القفازين للرجل يحرم على الرجل لبس القفازين الدليل: نقل الإجماع على ذلك النووي (¬7)، وابن قدامة (¬8)، والشنقيطي (¬9). المطلب السابع: الفدية في لبس المخيط يجب في لبس المحرم المخيط، فدية الأذى: ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والشافعية (¬12)، والحنابلة (¬13). الدليل: على ذلك: القياس على الفدية في حلق الرأس، بجامع أنه استمتاع محض، وترفه باستعمال محظور. المطلب الثامن: متى تجب الفدية بلبس المخيط؟ تجب الفدية بمجرد اللبس ولو لم يستمر زمنا، وهو مذهب الشافعية (¬14)، والحنابلة (¬15)؛ وذلك لأنه استمتاع يحصل بمجرد الفعل، كالوطء في الفرج (¬16). ¬

(¬1) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: قفز). (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 16)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 269). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 357). (¬5) قال ابن المنذر: (قال ابن عمر، وعطاء، ونافع، والنخعي: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ... وكان مالك يكره القفازين، والنقاب) ((الإشراف)) (3/ 220). (¬6) رواه البخاري (1838)، ومسلم (1177) (¬7) قال النووي: (يحرم على الرجل لبس القفازين بلا خلاف) ((المجموع)) للنووي (7/ 257)، ((روضة الطالبين)) (3/ 127). (¬8) قال ابن قدامة: (ألحق بها أهل العلم ما في معناها مثل الجبة والدراعة والثياب وأشباه ذلك فليس للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره ولا ستر عضو من أعضائه بما عمل على قدره كالقميص للبدن والسراويل لبعض البدن والقفازين لليدين والخفين للرجلين ونحو ذلك، وليس في هذا كله اختلاف) ((المغني)) (3/ 137، 138). (¬9) قال الشنقيطي: (أما لبس الرجل القفازين فلم يخالف في منعه أحد) ((منسك الشنقيطي)) (2/ 297). (¬10) ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/ 547). (¬11) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 304)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 93). (¬12) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 125). (¬13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426). (¬14) ((المجموع)) للنووي (7/ 259)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 519). (¬15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426). (¬16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 426).

الفصل الثالث: ما لا فدية فيه (عقد النكاح)

المبحث الأول: حكم عقد النكاح للمحرم يحرم عقد النكاح على المحرم، ولا يصح، سواء كان المحرم الولي، أو الزوج، أو الزوجة، ولا فدية فيه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، وهو قول طوائف من السلف (¬5). الأدلة: أ- أدلة تحريم النكاح وعدم صحته أولاً: من السنة: عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لايَنكِح المحرِم، ولا يُنكِح، ولا يخطُب)) (¬6). وجه الدلالة: أنه منهيٌّ عنه لهذا الحديث الصحيح، والنهي يقتضي الفساد (¬7). ثانياً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن أبي غطفان بن طريف المري ((أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم، فرد عمر بن الخطاب نكاحه)) (¬8). 2 - عن قتيبة بن وهب: ((أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير، فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان، فأنكر ذلك عليه أبان، وقال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) (¬9). وروي ذلك: عن علي وابن عمر رضي الله عنهم، وليس يعرف لهما من الصحابة مخالف (¬10). ثالثاً: إجماع أهل المدينة عن سعيد بن المسيب: ((أن رجلاً تزوج وهو محرم، فأجمع أهل المدينة على أن يفرَّق بينهما)) (¬11). رابعاً: أن الإحرام معنىً يمنع من الوطء ودواعيه، فوجب أن يمنع من النكاح، كالطيب (¬12). خامساً: أنه عقد يمنع الإحرام من مقصوده وهو الوطء، فمنع أصله، كشراء الصيد (¬13). ب- أدلة عدم وجوب الفدية فيه أولاً: عدم الدليل على وجوب الفدية، والأصل براءة الذمة (¬14). ثانياً: أنه وسيلة لم يترتب عليها الانتفاع بالمقصد المحرم، والذي يجبر إنما هو المقاصد (¬15). ثالثاً: أنه فَسَدَ لأجل الإحرام، فلم يجب به فدية، كشراء الصيد (¬16). ¬

(¬1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 118)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 331)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 301، 344). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 123)، ((المجموع)) للنووي (7/ 283، 288). (¬3) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 311، 314)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 151، 155). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 197رقم 869)، ((المجموع)) للنووي (7/ 287). (¬5) قال ابن عبدالبر: (قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي لا ينكح المحرم ولا ينكح فإن فعل فالنكاح باطل، وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسالم بن عبدالله وسليمان بن يسار وبه قال أحمد بن حنبل) ((الاستذكار)) (4/ 118)، وقال النووي: (مذهبنا أنه لا يصح تزوج المحرم ولا تزويجه وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وسليمان بن بشار والزهري) ((المجموع)) (7/ 287)، وينظر: ((أضواء البيان)) (5/ 17). (¬6) رواه مسلم (1409) (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 284،288). (¬8) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (5/ 66) (9429). وصحح إسناده ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 404) (¬9) رواه مسلم (1409). (¬10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 124)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 25). (¬11) أخرجه البيهقي (5/ 66). (¬12) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 124)، ((المجموع)) للنووي (7/ 283،289)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 312). (¬13) ((المجموع)) للنووي (7/ 289). (¬14) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 155). (¬15) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 301، 344). (¬16) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314).

المبحث الثاني: الخطبة للمحرم

المبحث الثاني: الخطبة للمحرم لأهل العلم في خطبة المحرم قولان: القول الأول: تكره الخطبة للمحرم، والمحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب للمحلين، وهو مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختيار ابن قدامة (¬3). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (¬4). ثانياً: أقوال الصحابة: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((لا ينكح المحرم، ولا يخطب على نفسه ولا على غيره)) (¬5). ثالثاً: أن النكاح لا يجوز للمحرم، فكرهت الخطبة له (¬6). رابعاً: أنه تسبب إلى الحرام، فأشبه الإشارة إلى الصيد (¬7). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 283، 284). (¬2) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314). (¬3) ((المغني)) (3/ 158) (¬4) رواه مسلم (1409) (¬5) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (7/ 213) (14601). وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 199)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 228). (¬6) ((المجموع)) للنووي (7/ 283). (¬7) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 314).

القول الثاني: أنه تحرم خطبة المحرم وهو مذهب المالكية (¬1)، واختيار ابن حزم (¬2) وابن تيمية (¬3) والصنعاني (¬4)، والشنقيطي (¬5)، وابن باز (¬6) وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (¬8). فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم يفصل وموجب النهي التحريم وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر (¬9) ثانياً: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((لا ينكح المحرم، ولا يخطب على نفسه ولا على غيره)) (¬10). ¬

(¬1) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 147) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (3/ 1000) ((حاشية العدوي)) (2/ 97). (¬2) قال ابن حزم: (ولا يحل لرجل، ولا لامرأة، أن يتزوج أو تتزوج، ولا أن يزوج الرجل غيره من وليته، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر) ((المحلى)) (5/ 211). (¬3) قال ابن تيمية: (قال ابن عقيل في موضع لا يحل له أن يخطب ولا يشهد وهذا قياس المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجميع نهيا واحدا ولم يفصل وموجب النهي التحريم وليس لنا ما يعارض ذلك من أثر ولا نظر بل روي ما يؤكد ذلك فعن نافع أن عبدالله بن عمر قال: لا يصلح للمحرم أن يخطب ولا ينكح ولا يخطب على غيره ولا ينكح غيره رواه حرب) ((شرح العمدة)) (3/ 216). (¬4) قال الصنعاني: (الحديث دليل على تحريم العقد على المحرم لنفسه ولغيره وتحريم الخطبة كذلك) ((سبل السلام)) (1/ 621). (¬5) قال الشنقيطي: (الأظهر عندي: أن المحرم لا يجوز له أن يخطب امرأة، وكذلك المحرمة، لا يجوز للرجل خطبتها لما تقدم من حديث عثمان، عند مسلم: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) فالظاهر أن حرمة الخطبة كحرمة النكاح؛ لأن الصيغة فيهما متحدة، فالحكم بحرمة أحدهما دون الآخر، يحتاج إلى دليل خاص، ولا دليل عليه، والظاهر من الحديث حرمة النكاح وحرمة وسيلته التي هي الخطبة كما تحرم خطبة المعتدة، وبه تعلم أن ما ذكره كثيرٌ من أهل العلم من أن الخطبة لا تحرم في الإحرام، وإنما تكره أنه خلاف الظاهر من النص ولا دليل عليه) ((أضواء البيان)) (5/ 28). (¬6) قال ابن باز: (ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) رواه مسلم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 58) (¬7) قال ابن عثيمين: (لا يجوز لإنسان محرم أن يخطب امرأة ولا يجوز أن تخطب المرأة المحرمة فإن فعل وخطب امرأة وهو محرم، فليس له حق في هذه الخطبة، يعني فيجوز لإنسان آخر أن يخطب هذه المرأة، لأن خطبة هذا الرجل المحرم فاسدة غير مشروعة فلا حق له، مع أن الخطبة على خطبة أخيه في الأصل حرام، لكن لما كانت الخطبة خطبة المحرم خطبة فاسدة صار لا حق له في ذلك، وجاز لغيره أن يخطب هذه المرأة، يعني خطبة المحرم لها خطبة منهي عنها لا أثر لها ولا يترتب عليها أحكام الخطبة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)). وقال أيضا: ((الخطبة الصحيح أنها حرام؛ لأن النهي فيها واحد مع العقد، وعموم الحديث: ((ولا يخطب))، أنه لا يخطب تعريضاً ولا تصريحاً) (22/ 165) وينظر: ((الشرح الممتع)) (7/ 120). (¬8) رواه مسلم (1409). (¬9) ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 216). (¬10) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 506)، والبيهقي (7/ 213) (14601). وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 199)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 228).

ثالثاً: أن الخطبة مقدمة النكاح وسبب إليه كما أن العقد سبب للوط، والشرع قد منع من ذلك كله حسما للمادة. رابعاً: أن الخطبة كلام في النكاح وذكر له وربما طال فيه الكلام وحصل بها أنواع من ذكر النساء والمحرِم ممنوع من ذلك كله. خامساً: أن الخطبة توجب تعلق القلب بالمخطوبة واستثقال الإحرام والتعجل إلى انقضائه لتحصيل مقصود الخطبة كما يقتضي العقد تعلق القلب بالمنكوحة (¬1). مسألة: الشهادة على عقد النكاح لا تأثير للإحرام على الشهادة على عقد النكاح، وقد نصَّ على ذلك فقهاء الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وإليه ذهب الشنقيطي (¬4)، وابن عثيمين (¬5). الدليل: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب)) (¬6) وجه الدلالة: أن الشاهد لا يدخل في ذلك، فإن عقد النكاح بالإيجاب والقبول والشاهد لا صنع له في ذلك (¬7). ¬

(¬1) ((شرح العمدة)) (3/ 216). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 284). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 308)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 350). إلا أن الحنابلة يرون كراهة شهادة المحرم. (¬4) قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي: أن للشاهد المحرم أن يشهد على عقد نكاح) ((أضواء البيان)) (5/ 27). (¬5) قال ابن عثيمين: (أما الشاهدان فلا تأثير لإحرامهما، لكن يكره أن يحضرا عقده إذا كانا محرمين) ((الشرح الممتع)) (7/ 151). (¬6) رواه مسلم (1409). (¬7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 27).

الفصل الرابع: ما تجب فيه فدية مغلظة (الجماع ومقدماته)

المبحث الأول: الجماع في النسك المطلب الأول: حكم الجماع للمحرم في النسك الوطء في الفرج حرامٌ على المحرم، ومفسدٌ لنسكه. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن الرَّفَث: هو الجماع عند أكثر العلماء، (¬1)، ولم يختلف العلماء في قول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة: 187] أنه الجماع، فكذلك هاهنا (¬2). ثانياً: أقوال الصحابة رضي الله عنهم 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في رجل وقع على امرأته وهو محرم: ((اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هدياً)) (¬3). 2 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((أن رجلا أتى عبدالله بن عمرو، فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبدالله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك واسأله، قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: لا، بل تخرج مع الناس، وتصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلا فحج، وأهد، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال: اذهب إلى ابن عباس فاسأله، قال شعيب: فذهبت معه، فسأله، فقال له مثل ما قال ابن عمر، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا)) (¬4). وجه الدلالة من هذه الآثار: أنه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم (¬5). ثالثاً: الإجماع: ¬

(¬1) روي ذلك عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، ومجاهد، والحسن، والنخعي، والزهري، وقتادة، قال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة؛ وذلك لقوله تعالى: (فلا رفث) البقرة 197، والرفث في هذا الموضع الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن) ((الاستذكار)) (4/ 257)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55). وقال شمس الدين ابن قدامة: (في الجملة كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه إلا أنه في الجماع أظهر لما ذكرنا من تفسير الأئمة، ولأنه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع، وهو قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ *البقرة: 187*) ((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 328، 329). (¬2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55). (¬3) رواه البيهقي (5/ 167) (10064). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 386). (¬4) رواه الدارقطني في ((السنن)) (3/ 50) (209)، والبيهقي (5/ 167) (10065). وصحح إسناده البيهقي، والنووي في ((المجموع)) (7/ 387)، والشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 417). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 308)، ((المجموع)) للنووي (7/ 414).

نقل الإجماع على تحريم الوطء حال الإحرام: ابن عبدالبر (¬1)، وابن رشد (¬2)، والنووي (¬3)،ونقل الإجماع على فساد النسك بالوطء: ابن المنذر (¬4)، وابن حزم (¬5)،والشربيني (¬6)، وابن مفلح (¬7) والشنقيطي (¬8). المطلب الثاني: متى يَفسد الحج بالجماع؟ لا يخلو الجماع في الحج من ثلاث أحوال: الحال الأولى: من جامع قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه بالإجماع، نقله ابن المنذر (¬9)، وابن حزم (¬10)، وابن عبدالبر (¬11)، وابن رشد (¬12)، والزيلعي (¬13)، والشربيني (¬14)، والشنقيطي (¬15). الحال الثانية: من جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فسد حجه عند جمهور الفقهاء من المالكية في المشهور (¬16)، والشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18)، واختاره ابن باز (¬19). الأدلة: أولاً: آثار الصحابة ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة) ((الاستذكار)) (4/ 257)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55). وقال شمس الدين ابن قدامة: (في الجملة كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه إلا أنه في الجماع أظهر لما ذكرنا من تفسير الأئمة، ولأنه قد جاء في موضع آخر وأريد به الجماع، وهو قوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ *البقرة: 187*) ((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 328، 329). (¬2) قال ابن رشد: (أجمع المسلمون على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم) ((بداية المجتهد)) (1/ 329). (¬3) قال النووي: (أجمعت الأمة على تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان الإحرام صحيحا أم فاسدا، وتجب به الكفارة والقضاء) ((المجموع)) للنووي (7/ 290، 414). (¬4) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). (¬5) قال ابن حزم: (اتفقوا أن جماع النساء في فروجهن ذاكراً لحجه يفسخ الإحرام ويفسد الحج) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). (¬6) ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 522). (¬7) قال ابن مفلح: (الوطء في قبل يفسد به النسك في الجملة إجماعا) ((الفروع)) (5/ 443). (¬8) قال الشنقيطي: (لا خلاف بينهم أنه لا يفسد الحج من محظورات الإحرام، إلا الجماع خاصة) ((أضواء البيان)) (5/ 29) (¬9) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفة أن عليه حج قابل والهدي) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). (¬10) قال ابن حزم: (اتفقوا أن جماع النساء في فروجهن ذاكرا لحجه يفسخ الإحرام ويفسد الحج ما لم يقدم المعتمر مكة ولم يأت وقت الوقوف بعرفة للحاج) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42). (¬11) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن من وطىء قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه) ((الاستذكار)) (4/ 258). (¬12) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه) ((بداية المجتهد)) (1/ 370). (¬13) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 57). (¬14) ((مغني المحتاج)) لخطيب الشربيني (1/ 522). (¬15) قال الشنقيطي: ((لا خلاف بين أهل العلم: أن المحرم إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفات: أن حجه يفسد بذلك) ((أضواء البيان)) (5/ 28). (¬16) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 68). (¬17) ((المجموع)) للنووي (7/ 384)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 340). (¬18) قال أحمد: (لا أعلم أحدا قال: إن حجه تام) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 350). (¬19) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132).

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ((أن رجلا أتى عبدالله بن عمرو، فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار إلى عبدالله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك واسأله، قال شعيب: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك، فقال الرجل: أفأقعد؟ قال: لا، بل تخرج مع الناس، وتصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابلا فحج، وأهد، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال: اذهب إلى ابن عباس فاسأله، قال شعيب: فذهبت معه، فسأله، فقال له مثل ما قال ابن عمر، فرجع إلى عبدالله بن عمرو، فأخبره، ثم قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا)) (¬1). وجه الدلالة: أنه قول هؤلاء الصحابة، ولم يفرقوا بين ما قبل الوقوف وبعده، ويدل عليه أنهم لم يستفصلوا السائل (¬2). ثانياً: القياس على فساد النسك بالجماع قبل الوقوف بعرفة، والجامع أن كلا منهما وطءٌ صادف إحراما تاما قبل التحلل (¬3). الحال الثالثة: من جامع بعد التحلل الأول فلا يفسد نسكه باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (¬4): الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وبه قال طائفة من السلف (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عروة بن مضرس الطائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجُّه وقضى تفثه)) (¬10). وجه الدلالة: أنه إذا تم حجه يوم النحر فلا وجه لإبطاله بعد ذلك. ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أصاب من أهله قبل أن يطوف بالبيت يوم النحر فقال: ((ينحران جزوراً بينهما، وليس عليهما الحج من قابل)) (¬11). وجه الدلالة: أنه قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يعرف له مخالف من الصحابة (¬12). ثالثاً: أن إحرامه بعد تحلله الأول غير تام، وإنما عليه بقيةٌ من إحرام، هو حرمة الوطء، وهذا لا يجوز أن يفسِد ما مضى من عبادته (¬13). ¬

(¬1) رواه الدارقطني في ((السنن)) (3/ 50) (209)، والبيهقي (5/ 167) (10065). وصحح إسناده البيهقي، والنووي في ((المجموع)) (7/ 387)، والشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 417). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309، 423). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 58). (¬4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 29). (¬5) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 58)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 18). (¬6) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 167)، ((الشرح الكبير)) للدردير وحاشية الدسوقي (2/ 68). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 393)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 340). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 353). (¬9) قال ابن قدامة: (الوطء بعد الجمرة لا يفسد الحج، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، وعطاء، والشعبي، وربيعة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425). (¬10) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬11) رواه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 272)، والبيهقي (5/ 171) (10083). قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1044): صحيح موقوف. (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425). (¬13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 423).

رابعاً: أن الحج عبادة لها تحللان، فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها، كوجود المفسد بعد التسليمة الأولى في الصلاة لا يفسدها (¬1). المطلب الثالث: ما يترتب على الجماع في النسك يترتب على الجماع في الحج خمسة أشياء: أولاً: الإثم. ثانياً: فساد النسك. وهذان الأمران سبق بحثهما. ثالثاً: وجوب المضي في فاسده، وعلى ذلك أكثر العلماء (¬2). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أنه أمر بإتمام الحج والعمرة، وأطلق، ولم يُفرِّق بين صحيحها وفاسدها (¬3). ثانياً: أفتى بذلك جمع من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف (¬4). رابعاً: وجوب القضاء الأدلة: أولاً: أفتى بذلك جمعٌ من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف (¬5). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على وجوب القضاء ابن المنذر (¬6)، والنووي (¬7)، والشربيني (¬8). ثالثاً: أن النسك يلزم بالشروع فيه فصار فرضا بخلاف باقي العبادات (¬9). خامساً: الفدية ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 425). (¬2) قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب ويلزم من أفسد حجا أو عمرة أن يمضي في فاسدهما وهو أن يتم ما كان يعمله لولا الإفساد ونقل أصحابنا اتفاق العلماء على هذا وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهري فإنه قال يخرج منه بالإفساد) ((المجموع)) (7/ 388)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 17)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 351). (¬3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 37). (¬4) قال ابن عثيمين: (لا شك أن الصحابة رضي الله عنهم أعمق منا علما، وأسد منا رأيا، فهم إلى الصواب أقرب منا فنأخذ بأقوالهم) ((الشرح الممتع)) (7/ 159، 160)، وانظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523). (¬5) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 159،160). (¬6) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفة أن عليه حج قابل) ((الإجماع)) (ص: 52). (¬7) قال النووي: (يجب [على] مفسد الحج أو العمرة القضاء بلا خلاف سواء كان الحج أو العمرة فرضا أو نفلا) ((المجموع)) (7/ 389). (¬8) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523). (¬9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 523).

تجب الفدية على من أفسد النسك بالجماع، وقد اتفق أهل العلم على ذلك (¬1)، والواجب في ذلك في الحج بدنة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال طوائف من السلف (¬5)، واختاره ابن باز (¬6). الأدلة: أولاً: 1 - عن عكرمة: ((أن رجلا قال لابن عباس: أصبت أهلي، فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما، وحيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتي ترميا الجمرة وأهد ناقة ولتهد ناقة))، وعنه أيضاً: ((إذا جامع فعلى كل واحد منهما بدنة)) (¬7). 2 - وروي عن عمر نحوه (¬8). ثانياً: أنه وطءٌ صادف إحراما تاما، فأوجب البدنة (¬9). ثالثاً: أن ما يفسد الحج، الجناية به أعظم، فكفارته يجب أن تكون أغلظ (¬10). مسألة: يفسد نسك المرأة بالجماع مطلقا (¬11)، فإن كانت مطاوعة فعليها بدنة كالرجل، فإن كانت مكرهة فإنه لا يجب عليها هدي، وهذا مذهب المالكية (¬12)، والحنابلة (¬13)، وبه قال طائفة من السلف (¬14). أدلة وجوب البدنة على المرأة إذا كانت مطاوعة أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن عكرمة مولى ابن عباس: ((أن رجلا وامرأته من قريش لقيا ابن عباس بطريق المدينة, فقال: أصبت أهلي, فقال ابن عباس: أما حجكما هذا فقد بطل فحجا عاما قابلا, ثم أهلا من حيث أهللتما حتى إذا بلغتما حيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة وأهد ناقة, ولتهد ناقة)) (¬15). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من جامع عامدًا في حجه قبل وقوفه بعرفه أن عليه حج قابل والهدي) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 52). وقال النووي: (أجمعت الأمة علي تحريم الجماع في الإحرام، سواء كان الإحرام صحيحا أم فاسدا، وتجب به الكفارة والقضاء). ((المجموع)) (7/ 290، 414). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 340)، ((حاشية العدوي)) (1/ 551). (¬3) ((المجموع)) للنووي (7/ 416)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 522). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 368). (¬5) قال ابن قدامة: (يجب على المجامع بدنة، روي ذلك عن ابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309، 424). قال النووي: (مذهبنا أنه يلزم من أفسد حجه بدنة، وبه قال ابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد ومالك والثوري وأبو ثور وإسحق) ((المجموع)) للنووي (7/ 416). وقال الشنقيطي: (وهو قول جماعات من الصحابة وغيرهم منهم ابن عباس، وطاوس، ومجاهد، والثوري، وأبو ثور، وإسحاق، وغيرهم) ((أضواء البيان)) (5/ 35، 36). (¬6) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132). (¬7) رواه البيهقي (5/ 168) (10067). وصححه الذهبي في ((المهذب)) (4/ 1922). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 424). (¬11) قال ابن قدامة: (أما فساد الحج، فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة، لا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 309). (¬12) لكن يجب على من أكرهها أن يهدي عنها. ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 399)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 169). (¬13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 550). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309)، وانظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 36)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 132). (¬15) رواه البيهقي (5/ 168) (10067). وصححه الذهبي في ((المهذب)) (4/ 1922).

2 - عن يزيد بن يزيد بن جابر قال: سألت مجاهدا، عن المحرم يواقع امرأته، فقال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب، فقال: ((يقضيان حجهما والله أعلم بحجهما، ثم يرجعان حلالا كل واحد منهما لصاحبه، فإذا كان من قابل حجا وأهديا وتفرقا من المكان الذي أصابهما)) (¬1) وجه الدلالة: أنه أمر الرجل والمرأة أن يهديا جميعا، فقال: ((وأهديا)). ثانياً: أنها أحد المتجامعين من غير إكراه، فلزمتها بدنة كالرجل (¬2). ثالثاً: أن الأصل استواء الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل (¬3). ب- أدلة سقوط الهدي عنها إذا كانت مكرهة أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ [النحل: 106]. وجه الدلالة: أن الكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى. ثانياً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬4). ثالثاً: أنه جماعٌ يوجب الكفارة، فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة، كما في الصيام (¬5). ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 537)، والبيهقي (5/ 167) (10063). قال البيهقي في ((السنن الصغير)) (2/ 158) (هذه المراسيل عن عمر يتأكد بعضها ببعض)، وقال الذهبي في ((تنقيح التحقيق)) (2/ 30): (منقطع). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309) (¬3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 403). (¬4) رواه ابن ماجه (2045) بلفظ: (وضع) بدلاً من (تجاوز لي)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 356)، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (39)، وقال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (232): (إسناده جيد)، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/ 281)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 461): (لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 309).

المبحث الثاني: مقدمات الجماع

المبحث الثاني: مقدمات الجماع المطلب الأول: حكم مباشرة النساء في النسك تحرم مباشرة النساء في النسك (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وحُكي فيه الإجماع (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]. والرفث فسره غير واحد من السلف وبعض أهل العلم بالجماع ومقدماته (¬7) ثانياً: أنه إذا حَرُم عليه عقد النكاح فلأن تحرم المباشرة وهي أدعى إلى الوطء أولى (¬8). المطلب الثاني: هل يفسد النسك بالمباشرة؟ مباشرة النساء من غير وطء لا تفسد النسك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12). وذلك للآتي: أولا: أن فساد النسك تعلق بالجماع، ودواعي الجماع ليست مثل الجماع، فلا تلحق به (¬13). ثانيا: أنه استمتاع محض فلم يفسد الحج، كالطيب (¬14). المطلب الثالث: فدية من باشر فلم ينزل من باشر ولم ينزل فعليه دم أو بدله من الإطعام أو الصيام، وهذا مذهب الشافعية (¬15)، والحنابلة (¬16)، وقال به طائفة من السلف (¬17) وهو اختيار ابن عثيمين (¬18). الأدلة: أولاً: من الآثار: ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 162). (¬2) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16). (¬3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 396). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292). (¬5) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 449). (¬6) قال الشنقيطي: (اعلم أنهم متفقون على مقدمات الجماع كالقبلة، والمفاخذة، واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم، ولكنهم اختلفوا فيما يلزمه لو فعل شيئا من ذلك) ((أضواء البيان)) (5/ 30). (¬7) قال ابن نجيم: (الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث، فكان منهيا عنه بسبب الإحرام، وبالإقدام عليه يصير مرتكبا محظورَ إحرامه) ((البحر الرائق)) (3/ 16). وقال الشنقيطي: (الأظهر في معنى الرفث في الآية أنه شامل لأمرين: أحدهما: مباشرة النساء بالجماع ومقدماته. والثاني: الكلام بذلك كأن يقول المحرم لامرأته: إن أحللنا من إحرامنا فعلنا كذا وكذا، ومن إطلاق الرفث على مباشرة المرأة كجماعها قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ *البقرة: 187 فالمراد بالرفث في الآية: المباشرة بالجماع ومقدماته) ((أضواء البيان)) (5/ 13). وقال شمس الدين ابن قدامة: (كل ما فسر به الرفث ينبغي للمحرم أن يجتنبه) ((الشرح الكبير على المقنع)) (3/ 328، 329). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447). (¬9) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16). (¬10) ((الشرح الكبير)) للدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 68). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 291). (¬12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447). (¬13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16). (¬14) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 447). (¬15) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292). (¬16) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340). (¬17) ذكر شمس الدين ابن قدامة أن من باشر ولم ينزل فعليه شاة في الصحيح وذكره عن سعيد بن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ((الشرح الكبير)) (3/ 340). (¬18) قال ابن عثيمين: (فإن باشر ولم ينزل بل أمذى، أو كان له شهوة، ولكن لم يمذ، ولم ينزل فليس عليه بدنة، بل عليه فدية أذى ... فالصحيح أن المباشرة لا تجب فيها البدنة، بل فيها ما في بقية المحظورات) ((الشرح الممتع)) (7/ 162).

1 - عن علي رضى الله عنه أنه قال: ((من قبل امرأة وهو محرم فليهرق دما)) (¬1). 2 - عن عبدالرحمن بن الحارث: ((أن عمر بن عبيد الله قَبَّل عائشة بنت طلحة محرما، فسأل، فأجمع له على أن يهريق دما)) (¬2). وجه الدلالة: أن الظاهر أنه لم يكن أنزل؛ لأنه لم يُذكر (¬3). ثانيا: أنه استمتاع محض، عري عن الإنزال، فوجبت فيه الفدية، كالطيب (¬4). ثالثا: أنه فعل محرم في الإحرام، فوجبت فيه الكفارة، كالجماع (¬5). المطلب الرابع: حكم من باشر فأنزل مَنْ باشر فأنزل لم يفسد نسكه، وحُكيِ الإجماع على عدم الفساد (¬6)، وعليه فدية الأذى: دم أو بدله من الإطعام أو الصيام، وهو مذهب الحنفية (¬7)، والشافعية (¬8)، ورواية عن أحمد (¬9)، وقال به طائفة من السلف (¬10)، واختاره ابن عثيمين (¬11). الأدلة: أولاً: أدلة عدم فساد النسك 1 - أنه إنزال بغير وطء فلم يفسد به الحج، كالنظر. 2 - أنه لا نص على فساد النسك به، ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه؛ لأن الوطء في الفرج يجب بنوعه الحد، واللذة فيه فوق اللذة بالمباشرة، ولا يفترق فيه الحال بين الإنزال وعدمه، ويتعلق به اثنا عشر حكما (¬12). أدلة وجوب فدية الأذى (الدم أو الإطعام أو الصيام) على من باشر فأنزل أولاً: الآثار: 1 - عن علي رضى الله عنه أنه قال: ((من قبل امرأة وهو محرم فليهرق دما)) (¬13). 2 - عن عبدالرحمن بن الحارث: ((أن عمر بن عبيد الله قَبَّل عائشة بنت طلحة محرما، فسأل، فأجمع له على أن يهريق دما)) (¬14). وجه الدلالة: أن الفدية إذا وجبت على من باشر ولم ينزل، فأولى أن تجب على من باشر فأنزل. ثانياً: أنه استمتاع لا يفسد النسك، فكانت كفارته فدية الأذى، كالطيب (¬15). ثالثاً: أنه فعل محرم في الإحرام، فوجبت فيه الكفارة، كالجماع (¬16). ¬

(¬1) رواه البيهقي (5/ 168) (9571) .. (¬2) رواه الأثرم كما في ((المغني)) لموفق الدين ابن قدامة (3/ 162). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 340). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 291). (¬6) قال النووي: (لا يفسد نسكه بالمباشرة بشهوة بلا خلاف سواء أنزل أم لا) ((المجموع)) (7/ 291، 292). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 16). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 291، 292). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 60). (¬10) قال به سعيد بن المسيب، وعطاء، وابن سيرين، والزهري، وقتادة، وأبو ثور، وابن المنذر. ينظر ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 322). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 163). (¬12) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 60). (¬13) رواه البيهقى (5/ 168) (9571). (¬14) رواه الأثرم كما في ((المغني)) لموفق الدين ابن قدامة (3/ 162). (¬15) ((المجموع)) للنووي (7/ 410). (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 291).

الفصل الخامس: ما يجب على من ترك واجبا من واجبات النسك

المبحث الأول: تدارك الواجبات متى ما أمكن ترك الواجبات لا يسقط بالنسيان والجهل والإكراه متى أمكن تداركه (¬1). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) (¬2). وجه الدلالة: أنه لم يسقط عنه الصلاة مع النسيان مع خروج وقتها؛ لأنه يمكن تداركه بالقضاء. 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل المسيء صلاته: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) (¬3). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقط الصلاة الحاضرة بالجهل، وإنما أمره بالإعادة مع أنه جاهل. ثانياً: أنه ترك مأمورا، والمأمورات أمور إيجابية، يمكن تداركها بفعلها، بخلاف المنهيات فإنها مضت، ولا يمكن تداركها، لكن إذا كان في أثناء المنهي فيجب التدارك بقطعه (¬4). ثالثاً: أن تارك المأمور جاهلا أو ناسيا غير مؤاخذ بالترك، لكن عدم فعله إياه يقتضي إلزامه به متى زال العذر إبراء لذمته (¬5). ¬

(¬1) ((الشرح الممتع)) (7/ 202، 203). وقال ابن دقيق العيد: (وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((شاتك شاة لحم)) ... دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خلاف مقتضى الأمر لم يعذر فيها بالجهل وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات فعذروا في المنهيات بالنسيان والجهل كما جاء في حديث معاوية بن الحكم حين تكلم في الصلاة وفرق بينهما بأن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها امتحانا للمكلف بالانكفاف عنها؛ وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي فعذر بالجهل فيه) ((إحكام الأحكام)) (2/ 545). (¬2) رواه مسلم (684). (¬3) رواه البخاري (757)، ومسلم (397). (¬4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 202، 203). (¬5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 202، 203).

المبحث الثاني: فدية ترك الواجب

المبحث الثاني: فدية ترك الواجب يجب بترك الواجب دم، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن الدم وجب على المتمتع لتركه واجب الإحرام للحج من الميقات، وفي حكمه كل من ترك واجبا. ثانياً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه فليهرق دما)) (¬5). وجه الدلالة: أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (¬6). الفصل السادس: ما يحرم على المحرم، وما يباح له المبحث الأول: التجارة والصناعة للمحرم للمحرم أن يتجر ويصنع في الحج (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198] (¬8). وجه الدلالة: أنها نزلت في التجارة في الحج، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]. في مواسم الحج) (¬9). 1 - قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِر ... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 27 - 28]. وجه الدلالة: ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 302). (¬3) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 530). (¬4) ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 339). (¬5) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه)، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً). (¬6) قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) (4/ 473)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 152)، و ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 367). (¬7) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/ 13)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (10/ 88)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1742). (¬8) قال الجصاص: (قوله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198* فهذا في شأن الحاج لأن أول الخطاب فيهم وسائر ظواهر الآي المبيحة لذلك دالة على مثل ما دلت عليه هذه الآية نحو قوله وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ *المزمل: 20*) ((أحكام القرآن)) (1/ 386). (¬9) أخرجه البخاري في باب لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ *البقرة: 198*.

أنه لم يخصص شيئاً من المنافع دون غيرها فهو عام في جميعها من منافع الدنيا والآخرة (¬1). 2 - قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275]. وجه الدلالة: أنه لم يخصص منه حال الحج، فيبقى البيع على أصل الإباحة (¬2). ثانياً: عن أبى أمامة التيمي قال: ((كنت رجلا أكري في هذا الوجه وإن ناسا يقولون ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس يحرم ويلبي ويطوف بالبيت ويفضى من عرفات ويرمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجا، جاء رجل الي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [البقرة: 198]، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليه هذه الآية، وقال: لك حج)) (¬3). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على جواز ذلك ابن قدامة (¬4)، والنووي (¬5)، والشنقيطي (¬6)، والجصاص، ووصف القول بسواه بالشذوذ (¬7). مسألة: استحب أهل العلم أن تكون يده فارغة من التجارة ليكون قلبه مشغولا بما هو بصدده، متعريا عن شوائب الدنيا وتعلق القلب بها، إلا أن ذلك لا يقدح في صحة حجه ولا يأثم به، ولا يخرج المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه، ونقل النووي الإجماع على ذلك (¬8). المبحث الثاني: ما يجب على المحرم توقيه يجب على المحرم أن يتوقى ما يلي: أولاً: الفحش من القول والفعل (¬9)، وذلك منهي عنه في الإحرام وغير الإحرام إلا أن الحظر في الإحرام أشد لحرمة العبادة. ثانياً: الفسوق: وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام (¬10). ثالثاً: الجدال في الحج: وهو المخاصمة في الباطل، لاسيما مع الرفقاء والخدم، أو الجدل فيما لا فائدة فيه؛ لأن ذلك يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله، أما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به (¬11) ¬

(¬1) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386). (¬2) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 386). (¬3) رواه أبو داود (1733)، والحاكم (1/ 618)، والبيهقي (6/ 121) (11995). والحديث صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 77)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (741). (¬4) قال ابن قدامة: (أما التجارة والصناعة فلا نعلم في إباحتهما اختلافا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 313). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 76). (¬6) قال الشنقيطي: (لا خلاف بين العلماء في أن المراد بالفضل المذكور في الآية ربح التجارة) ((أضواء البيان)) (1/ 89). (¬7) قال الجصاص: (وعلى هذا أمر الناس من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في مواسم منى ومكة في أيام الحج). وقال أيضاً: (روي نحو ذلك عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وقتادة ولا نعلم أحدا روي عنه خلاف ذلك إلا شيئا رواه سفيان الثوري عن عبدالكريم عن سعيد بن جبير قال سأله رجل أعرابي فقال إني أكري إبلي وأنا أريد الحج أفيجزيني؟ قال لا ولا كرامة، وهذا قول شاذ خلاف ما عليه الجمهور وخلاف ظاهر الكتاب) ((أحكام القرآن)) (1/ 386). (¬8) ((المجموع)) للنووي (7/ 76)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 501). (¬9) ((تفسير الطبري)) (4/ 125). (¬10) ((تفسير الطبري)) (4/ 135). (¬11) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 43)، ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 292)، ((المحلى)) لابن حزم (7/ 186، 195)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (19/ 55)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 7)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 439)، ((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 348)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 56، 57، 17/ 144 - 147).

الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن هذا نهي بصيغة النفي، وهو آكد ما يكون من النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (¬1). 2 - قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25] (¬2). ثانياً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)) (¬3) 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) (¬4). وجه الدلالة: أن من جملة ما فُسِّر به الحج المبرور: أنه الحج الذي لم يخالطه شيء من المأثم (¬5). ¬

(¬1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 438)، ((أحكام القرآن)) (2/ 347)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 13). (¬2) (وفي هذه الآية الكريمة، وجوب احترام الحرم، وشدة تعظيمه، والتحذير من إرادة المعاصي فيه وفعلها) ((تيسير الكريم الرحمن)) لعبدالرحمن السعدي (ص: 536). (¬3) رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350). (¬4) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349). (¬5) قال القرطبي: (قال الفقهاء: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله تعالى فيه أثناء أدائه، وقال الفراء: هو الذي لم يعص الله سبحانه بعده، ذكر القولين ابن العربي رحمه الله، قلت: الحج المبرور هو الذي لم يعص الله سبحانه فيه لا بعده، قال الحسن: الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. وقيل غير هذا). وقال أيضاً: (الأقوال في تفسير الحج المبرور متقاربة المعنى وحاصلها أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل) ((تفسير القرطبي)) (2/ 408). وقال النووي: (الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة وقيل هو المقبول ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان ولا يعاود المعاصي وقيل هو الذي لا رياء فيه وقيل الذي لا يعقبه معصية وهما داخلان فيما قبلهما ومعنى ليس له جزاء إلا الجنة أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 119). وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 104)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (22/ 39)، ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 6)، ((أحكام القرآن)) لابن حجر (1/ 87)، ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (5/ 1741)، ((مرعاة المفاتيح)) لأبي الحسن المباركفوري (8/ 390)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (71/ 74، 75).

الباب السادس: الطواف

الفصل الأول تعريف الطواف ومشروعيته وفضائله المبحث الأول: تعريف الطواف الطواف لغةً: دوران الشيء على الشيء (¬1). الطواف اصطلاحاً: هو التعبد لله عز وجل، بالدوران حول الكعبة على صفةٍ مخصوصة (¬2). المبحث الثاني: مشروعية الطواف الطواف بالبيت عبادة مشروعة الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]. 2 - قوله تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26]. وجه الدلالة: أن هاتين الآيتين تدلان على مشروعية الطواف بالبيت, وأنه من العبادات التي يتعبدالله بها منذ القدم. 3 - قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: في هذه الآية أمر واضح وصريح من الله لعباده القاصدين بيته أن يطوفوا بالبيت الحرام, وفي هذا دليلٌ على مشروعية الطواف. ثانياً: من السنة: 1 - حديث جابر الطويل في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ... )) الحديث. أخرجه مسلم (¬3). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم سجد سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة)) أخرجه البخاري ومسلم (¬4). 3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف)) أخرجه البخاري ومسلم (¬5). المبحث الثالث: فضائل الطواف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه، كان كعتق رقبة، لا يضع قدما، ولا يرفع أخرى، إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكَتَبَ له بها حسنة)) (¬6). المبحث الرابع: من حكم مشروعية الطواف الطواف كغيره من العبادات تنضوي تحته حكمة عامة عظيمة هي طاعة الله تبارك وتعالى فيما أمر به في كتابه أو أمر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, إلا أن للطواف حكمة خاصة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها حيث قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (¬7) , فعلم من هذا الحديث أن الحكمة التي من أجلها شرع الطواف هي ذكر الله تبارك وتعالى, والتقرب إليه بهذه العبادة العظيمة. ¬

(¬1) انظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: طوف) , ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: طوف). (¬2) انظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 39)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (25/ 11). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) رواه البخاري (1616)، ومسلم (1621). (¬5) رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235). (¬6) رواه الترمذي (959)، وأبو يعلى (10/ 250) (5687)، وابن خزيمة في صحيحه (4/ 227) وابن حبان في صحيحه (9/ 10) (3697)، والطبراني (12/ 391) (13478)، والحاكم (1/ 664). قال الترمذي: (حسن)، وقال الحاكم: (صحيح على ما بينته من حال عطاء بن السائب ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6380) (¬7) رواه أبو داود (1888)، والترمذي (902)، وأحمد (6/ 64) (24396)، وابن خزيمة (4/ 222) (2738)، والحاكم (1/ 630). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 56): (إسناده كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً)، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)) (902).

الفصل الثاني: أنواع الطواف

الفصل الثاني: أنواع الطواف المبحث الأول: طواف القدوم المطلب الأول: أسماء طواف القدوم يسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية، وطواف اللقاء (¬1). المطلب الثاني: حكم طواف القدوم طواف القدوم سنة للقارن والمفرد القادمين من خارج مكة (¬2)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وقد تعين أن المقصود بهذا الطواف طواف الإفاضة بالإجماع، فلا يكون غيره كذلك. (¬6) ثانياً: من السنة: 1 - عن محمد بن عبدالرحمن بن نوفل القرشي، أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: ((أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة)). ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك ثم حج عثمان رضي الله عنه، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم معاوية، وعبدالله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه، ولا أحد ممن مضى، ما كانوا يبدءون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان، لا تبتدئان بشيء أول من البيت، تطوفان به، ثم إنهما لا تحلان)) (¬7). 2 - حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً)) (¬8). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وكان طوافه أول ما قدم للقدوم. ثالثاً: أن الله سبحانه لم يأمر بذلك الطواف ولا رسوله، ولا اتفق الجميع على وجوبه، وإنما اتفقوا على أنه من شعائر الحج ونسكه، وهذا اليقين، فلا يخرج عنه إلا ببرهان (¬9). رابعاً: سقوط هذا الطواف عن الحائض، وعن المراهق الذي لم يدرك إلا الوقوف بعرفة، فلو كان واجبا لوجب قضاؤه وتداركه، أو جبره بدم. خامساً: القياس على تحية المسجد، فإنها ليست واجبة، ولاعلى من تركها شيء، فكذلك طواف القدوم فإنه تحية البيت (¬10). المطلب الثالث: وقت طواف القدوم ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 19)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 277)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 142). (¬2) أما أهل مكة فلا طواف قدوم لهم؛ وذلك لانعدام القدوم في حقهم، وأما المتمتع فإنه يباشر أعمال عمرته من الطواف والسعي. ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 457، 458)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360)، ((المجموع)) للنووي (8/ 12)، ((قواعد ابن رجب)) (ص: 25). (¬3) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 19)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 457). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 12)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 484). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 469)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 477). (¬6) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 458). (¬7) رواه البخاري (1641) ومسلم (3060) واللفظ للبخاري. (¬8) رواه مسلم (1218). (¬9) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أن هذا الطواف من سنن الحج وشعائره ونسكه) ((التمهيد)) (17/ 271، 272). (¬10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 457)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 190، 50/ 221).

يبدأ وقت طواف القدوم حين دخول مكة، وينتهي بالوقوف بعرفة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وهو قول للحنابلة (¬4)، واختاره ابن قدامة (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وصححه ابن رجب (¬7). الأدلة: أدلة أن طواف القدوم يكون عند أول القدوم إلى مكة أولاً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((إن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أنه توضأ ثم طاف)) (¬8). 2 - عن جابر رضي الله عنهما، في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا)) (¬9). ثانياً: أنه تحية البيت العتيق، والتحية إنما تكون في أول شيء. أدلة أن وقت طواف القدوم ينتهي بالوقوف بعرفة أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله قالت: ((فطاف الذين أهلوا بالعمرة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا آخر، بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا)) (¬10). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طافوا بعد يوم عرفة طواف الإفاضة، ومنهم من كان متمتعا لم يطف إلا طواف عمرته، ومنهم من لم يدرك الحج إلا يوم عرفة، فعلم أن طواف القدوم إنما يشرع لمن أتى البيت قبل الوقوف بعرفة (¬11). ثانياً: أن المحرم بعد الوقوف بعرفة مطالب بطواف الفرض، وهو طواف الزيارة. ثالثاً: أن طواف الإفاضة يغني عن طواف القدوم لمن لم يقدم البيت إلا بعد يوم عرفة، كالصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد (¬12). رابعاً: أن طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب، لشرع في حق المعتمر طواف للقدوم مع طواف العمرة؛ لأنه أول قدومه إلى البيت، فهو به أولى من المتمتع، الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به (¬13). خامساً: أن طواف القدوم شُرِعَ في ابتداء الحج على وجه يترتب عليه سائر الأفعال فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سنة (¬14). المطلب الرابع: متى يسقط طواف القدوم؟ يسقط طواف القدوم عن أربعة أصناف: أ – الحائض: وفي حكمها النفساء، وذلك إذا استمر دمهما إلى يوم عرفة (¬15). دليل ذلك: ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 508). (¬2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 115). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 134)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 292). (¬4) ((المبدع)) برهان الدين ابن مفلح (3/ 173)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 32). (¬5) قال ابن قدامة مستدركاً على الإمام أحمد قوله بمشروعية طواف القدوم للمتمتع بعد يوم عرفة: (لا أعلم أحدا وافق أبا عبدالله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي، بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد؛ ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولا عن أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع؛ ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أحدا) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 392، 393). (¬6) قال ابن تيمية: (لا يستحب للمتمتع أن يطوف طواف القدوم بعد رجوعه من عرفة قبل الإفاضة، وهذا هو الصواب) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33). (¬7) قال ابن رجب: (وهو الأصح) ((قواعد ابن رجب)) (ص: 25). (¬8) رواه البخاري (1641)، ومسلم (3060) واللفظ للبخاري. (¬9) رواه مسلم (1218). (¬10) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 392، 393). (¬12) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 393). (¬13) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 393). (¬14) ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 37). (¬15) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 115).

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، حتى جئنا سرف فطمثت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: والله، لوددت أني لم أكن خرجت العام، قال: ما لك؟ لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري .. قالت: فلما كان يوم النحر طهرت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضت)) (¬1). وجه الدلالة: أن عائشة رضي الله عنها لم تطف للقدوم، وذلك أنها حاضت قبل القدوم إلى مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت، فلم تطهر إلا يوم النحر، فطافت للإفاضة. ب- المكي: وفي حُكمهالآفاقي إذا أحرم من مكة (¬2). دليل ذلك: أن طواف القدوم شرع للقدوم، والقدوم في حق المكي غير موجود. ج - المعتمر والمتمتع دليل ذلك: أن طواف القدوم يندرج في طواف العمرة، كالصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد. د - من قصد عرفة رأسا للوقوف يسقط عنه طواف القدوم (¬3) دليل ذلك: أن محل طواف القدوم المسنون قبل وقوف عرفة، وقد فات. ¬

(¬1) رواه مسلم (1211). (¬2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360). (¬3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 360).

الفصل الثالث: صفة الطواف وشروطه

المبحث الأول: صفة الطواف صفة الطواف بالبيت هي أن يبتدئ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود، فيستقبله، ويستلمه، ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة، فيحاذي بجميع بدنه جميع الحجر، ثم يبتدئ طوافه جاعلا يساره إلى جهة البيت، ثم يمشي طائفا بالبيت، ثم يمر وراء الحِجْر، ويدور بالبيت، فيمر على الركن اليماني، ثم ينتهي إلى ركن الحجر الأسود، وهو المحل الذي بدأ منه طوافه، فتتم له بهذا طوافة واحدة، ثم يفعل كذلك، حتى يتمم سبعا (¬1). ¬

(¬1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 388) - بتصرف.

المبحث الثاني: شروط الطواف

المبحث الثاني: شروط الطواف المطلب الأول: النية يشترط نية أصل الطواف، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (¬1): الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: 1. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬5). 2. عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله أحل لكم فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)) (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الطواف صلاة، والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقا (¬7). ثانياً: الطواف عبادة مقصودة؛ ولهذا يتنفل به، فلا بد من اشتراط النية فيه (¬8). مسألة: هل يشترط تعيين نية الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة؟ ¬

(¬1) خالف في هذه المسألة الشافعية إذا كان الطواف في نسك الحج أو العمرة، فالأصح عندهم صحة الطواف في النسك بلا نية بشرط ألا يصرف الطواف إلى غيره كطلب غريم. ((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 211). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 523). (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 119). (¬4) ((الفروع)) لابن مفلح (6/ 37)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 573). (¬5) رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) (¬6) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143) (3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي, وابن الصلاح, والمنذري, والنووي انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954) (¬7) حديث تسمية الطواف صلاة ولفظه: ((الطواف صلاة فأقلوا فيه الكلام)) رواه الطبراني (11/ 40) (10976)، والبيهقي (5/ 85) (9075)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي: (صحيح)، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (5347)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3956). (¬8) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 65).

لا يشترط تعيين نوع الطواف إذا كان في نسك من حج أو عمرة, فلو طاف ناسيا أو ساهياً عن نوع الطواف أجزأه عن الطواف المشروع في وقته، ما دام أنه قد نوى النسك الذي هو فيه: العمرة أو الحج، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2)، والشافعية في الأصح (¬3) , واختاره الشنقيطي (¬4) ,وابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع بعدما دخلوا معه وطافوا وسعوا أن يفسخوا حجهم ويجعلوه عمرة، وكان منهم القارن والمفرد، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طواف القدوم، وليس بفرض، وقد أمرهم أن يجعلوه طواف عمرة، وهو فرض (¬6). 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلن لأصحابه، أو يأمرهم بإعلام الطائفين بأن هذا طواف للقدوم، وذلك طواف للإفاضة، بل كان يؤدي المناسك ويقول: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬7)، ولا شك أن كثيرا ممن حج معه صلى الله عليه وسلم لم يكن مستحضرا أن الطواف بعد الوقوف بعرفة، هو طواف الزيارة، وهو الطواف الركن، وإنما كانوا يتابعون النبي صلى الله عليه وسلم في مناسكه (¬8). ثانياً: أنَّ نية النسك تشمل أعمال المناسك كلها بما فيها الطواف بأنواعه، فلا يحتاج إلى نية، كما أن الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولا يحتاج إلى النية في ركوع ولا غيره (¬9). ثالثاً: أن أركان الحج والعمرة لا تحتاج إلى تعيين النية، كالوقوف بعرفة، والإحرام، والسعي، والطواف ركن في النسك بالإجماع، فلا يفتقر إلى تعيين النية (¬10). ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 128)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 523). (¬2) استثنى المالكية طواف القدوم، فيجب فيه عدم نية النفلية، وذلك لأنه واجب عندهم. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 36). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 16). (¬4) قال الشنقيطي: (أظهر أقوال العلماء، وأصحها إن شاء الله أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه; لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم) ((أضواء البيان)) (4/ 414). (¬5) قال ابن عثيمين: (قال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى، وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة, فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك) ((الشرح الممتع)) (7/ 251). وقال أيضاً: (الطواف، والسعي، والرمي، وما أشبهها كلها تعتبر أجزاء من عبادة واحدة، وأن النية في أولها كافية عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها) ((الشرح الممتع)) (7/ 338). (¬6) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (. (¬7) رواه مسلم (1297) (¬8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (. (¬9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 219 (. (¬10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 124)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 219).

رابعاً: أن نية الطواف في وقته يقع بها عن المشروع في ذلك الوقت دون الحاجة إلى تعيين النية، فإن خصوص ذلك الوقت إنما يستحق خصوص ذلك الطواف بسبب أنه في إحرام عبادة اقتضت وقوعه في ذلك الوقت فلا يشرع غيره (¬1). خامساً: أن القول باشتراط تعيين النية فيه حرج كبير؛ إذ إن أكثر الحجاج على جهل كبير بمناسك الحج ومعرفة الواجب فيه (¬2). المطلب الثاني: ستر العورة ستر العورة شرطٌ لا يصح الطواف بدونه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وحكي الإجماع على وجوبه (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]. وجه الدلالة أن سبب نزول الآية أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، وكانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فنزلت هذه الآية، وقد ثبت هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعلى ذلك جماهير علماء التفسير، وصورة سبب النزول قطعية الدخول عند أكثر الأصوليين (¬7). ثانياً: من السنة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط، يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) أخرجه البخاري ومسلم (¬8). وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن علة المنع من الطواف كونه عريانا، وهو دليل على اشتراط ستر العورة للطواف (¬9). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطواف بالبيت صلاة)) (¬10) وجه الدلالة أن قوله: ((الطواف صلاة)) يدل على أنه يشترط في الطواف ما يشترط في الصلاة، إلا ما أخرجه دليل خاص كالمشي فيه، والانحراف عن القبلة، والكلام، ونحو ذلك، ولماكان من شروط الصلاة المجمع عليها عند أهل العلم ستر العورة كان شرطاً أيضاً لصحة الطواف (¬11). المطلب الثالث: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف الفرع الأول: طواف الحائض لغير عذر يحرم طواف الحائض لغير عذر. الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 495)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 217 (. (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 221 (. (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 95)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31) (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 16)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 402)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16). (¬6) أجمع أهل العلم على وجوب ستر العورة في الطواف، وإنما وقع الخلاف بينهم في كونه شرطا، فالجمهور على اشتراطه خلافاً للحنفية. قال ابن تيمية: (فما ثبت بالنص من إيجاب الطهارة والستارة في الطواف متفقٌ عليه) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (8/ 14). (¬7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401). (¬8) رواه البخاري (4657)، ومسلم (1347)، واللفظ له. (¬9) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 401). (¬10) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143) (3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي، وابن الصلاح, والمنذري, والنووي. انظر: ((التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954). (¬11) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 400).

1 - عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري))، وفي رواية: ((حتى تغتسلي)) (¬1). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة رضي الله عنها أن تطوف بالبيت وهي حائض، والنهي في العبادات يقتضي الفساد وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته (¬2). 2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال: فلتنفر معكم)) (¬3). وجه الدلالة: أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على اشتراط الطهارة (¬4). ثانياً: الإجماع: أجمع العلماء على تحريم طواف الحائض، نقله النووي (¬5)، وأقره الصنعاني (¬6)، وعامتهم على عدم صحته (¬7). الفرع الثاني: طواف الحائض عند الضرورة إذا اضطرت المرأة الحائض إلى طواف الإفاضة، كأن تكون مع رفقة لا ينتظرونها، كان ذلك جائزا، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، فتجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد، وهذا اختيار ابن تيمية (¬8)، وابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. ثانياً: من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬10). وجه الدلالة: أن الحائض إذا اضطرت إلى الطواف لا تستطيع إلا هذا. ثالثاً: أن الصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها من الطهارة أو ستر العورة أو استقبال القبلة فإنه يصلي على حسب حاله، فالطواف أولى بذلك؛ فإن أصول الشريعة مبنية على أن ما عجز عنه العبد من شروط العبادات يسقط عنه، وكما لو عجز الطائف أن يطوف بنفسه راكبا وراجلا فإنه يحمل ويطاف به (¬11). الفرع الثالث: اشتراط الطهارة من الحدث في الطواف أجمع أهل العلم على مشروعية الطهارة في الطواف (¬12)، ثم اختلفوا في لزومها على ثلاثة أقوال: ¬

(¬1) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211). (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208). (¬3) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211). (¬4) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208). (¬5) قال النووي: (الطواف لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك والشافعي وأحمد: هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط وبه قال داود، فمن شرط الطهارة قال العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة ومن لم يشترطها قال العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147). (¬6) ((سبل السلام)) للصنعاني (1/ 105)، (¬7) ((المحلى)) لابن حزم (5/ 189)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 147)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/ 57)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/ 166)، ((أحكام القرآن)) (1/ 204)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 80، 434). (¬8) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/ 332، 7/ 262). (¬10) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337). (¬11) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 243، 245). (¬12) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 342).

القول الأول: أنَّ الطهارة من الحدث شرط في صحة الطواف، وهذا قول جمهور الفقهاء (¬1) من المالكية (¬2) , والشافعية (¬3) , والحنابلة (¬4) , وهو اختيار ابن باز (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ وطاف بالبيت)) (¬6). وجه الدلالة: أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان لبيان نصٍّ من كتاب الله، فهو على اللزوم والتحتم، فدل ذلك على اشتراط الطهارة للطواف؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بينه بفعله وقال: خذوا عني مناسككم، ولم يرد دليل يخالف ذلك؛ فثبت أن الطهارة للطواف شرط (¬7). 2 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها حين حاضت وهي محرمة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري)) وفي رواية ((حتى تغتسلي)) (¬8). وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لعائشة رضي الله عنها أن تفعل وهي حائض كل ما يفعله الحاج غير الطواف، فإنه جعله مقيدا باغتسالها وطهارتها من الحيض، فدل على اشتراط الطهارة للطواف، وفي معنى الحائض: الجنب والمحدث (¬9). 3 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن صفية حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لحابستنا، فقالوا: يا رسول الله، قد زارت يوم النحر، قال: فلتنفر معكم)) (¬10). وجه الدلالة: أن هذا الحديث يدل على أن الحائض تنتظر حتى تطهر ثم تطوف، وهذا يدل على اشتراط الطهارة (¬11). ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((الطواف بالبيت صلاة ... )) (¬12). وجه الدلالة: أنه شبه الطواف بالصلاة, فدل ذلك على أن للطواف جميع أحكام الصلاة إلا ما دل الدليل على استثنائه كالمشي والكلام وغيره, ومن ذلك الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) (¬13). ¬

(¬1) قال النووي: (حكاه الماوردي عن جمهور العلماء، وحكاه ابن المنذر في طهارة الحدث عن عامة العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/ 17). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 94) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 313) , ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 278). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 403). (¬5) قال الشيخ ابن باز: (يشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 60). (¬6) رواه البخاري (1641)، ومسلم (1235). (¬7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 207). (¬8) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211). (¬9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208). (¬10) رواه البخاري (1733)، ومسلم (1211). (¬11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 208). (¬12) رواه: الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143) (3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): (إسناده صحيح)، ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي, وابن الصلاح, والمنذري, والنووي انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954). (¬13) رواه مسلم (224)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

القول الثاني: أن الطهارة واجبة في الطواف، فيعيد متى ما كان في مكة، فإن عاد إلى بلده جبره بدم، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، ورواية عن أحمد (¬2). الدليل: قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: أن الأمر بالطواف مطلق لم يقيده الشارع بشرط الطهارة، وهذا نص قطعي يجب العمل به، وما ورد في السنة فإنه يدل على الوجوب فقط لا على الشرطية (¬3). القول الثالث: أن الطهارة سنة في الطواف، وهذا قول عند الحنفية (¬4)، ورواية عن أحمد (¬5)، واختاره ابن حزم (¬6)، وابن تيمية (¬7)، وابن القيم (¬8)، وابن عثيمين (¬9). وذلك للآتي: أولاً: أنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الطائفين بالوضوء، ولا باجتناب النجاسة، لا في عمره ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبينه للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع (¬10). ثانياً: قياسا على أركان الحج وواجباته فإنه لا يشترط لهما الطهارة، فكذلك الطواف لا يشترط له الطهارة (¬11). المطلب الرابع: ابتداء الطواف من الحجر الأسود ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 50)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 95)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 469). (¬2) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398) , ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164). (¬3) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35). (¬4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35). (¬5) ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398) , ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 214)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/ 164). (¬6) قال ابن حزم: (الطواف بالبيت على غير طهارة جائز، وللنفساء، ولا يحرم إلا على الحائض فقط؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين - إذ حاضت - من الطواف بالبيت) ((المحلى)) لابن حزم (5/ 189). (¬7) قال ابن تيمية: (ثم تدبرت وتبين لي أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف ولا تجب فيه بلا ريب ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 199)، ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97). (¬8) ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97). (¬9) قال ابن عثيمين: (الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانا يضطر الإنسان، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهورا بينا، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح مناف لقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ *البقرة: 185*) ((الشرح الممتع)) (7/ 101)، (7/ 262). (¬10) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 176)، ((تهذيب السنن)) لابن القيم (1/ 97). (¬11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (44/ 211).

ابتداء الطواف من الحجر الأسود شرط لصحة الطواف، فلا يعتد بالشوط الذي بدأه بعد الحجر الأسود، وهو مذهب الشافعية (¬1) , والحنابلة (¬2) , ورواية عند الحنفية (¬3)، وقول عند المالكية (¬4). الأدلة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة، إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف: يخب ثلاثة أطواف من السبع)) أخرجه البخاري ومسلم (¬5). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا)) أخرجه مسلم (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ابتداء الطواف من الحجر الأسود, ومواظبته دليل على فرضية الابتداء به؛ لأنها بيان لإجمال القرآن في قوله تعالى: ((وليطوفوا بالبيت العتيق))، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬7). المطلب الخامس: أن يجعل البيت عن يساره يشترط أن يجعل البيت عن يساره، وهو قول الجمهور (¬8) من المالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). دليل ذلك: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا)) أخرجه مسلم (¬12)، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬13). المطلب السادس: دخول الحِجْر (¬14) ضمن الطواف الطواف من وراء الحطيم فرض، من تركه لم يعتد بطوافه، حتى لو مشى على جداره لم يجزئه، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬15) , والشافعية (¬16) , والحنابلة (¬17). الأدلة: ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (8/ 32)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 485 - 486). (¬2) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16). (¬3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 81)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 332)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 225). (¬4) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90). (¬5) رواه البخاري (1603)، ومسلم (1261). (¬6) رواه مسلم (1262). (¬7) رواه مسلم (1297). (¬8) قال النووي: (الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن يجعل البيت عن يساره ويطوف على يمينه تلقاء وجهه فإن عكسه لم يصح وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود وجمهور العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/ 60). (¬9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 97)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 60)، ((مغني المحتاج)) للخطيب للشربيني (1/ 485). (¬11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 383). (¬12) رواه مسلم (1218). (¬13) رواه مسلم (1297). (¬14) الحِجْر: هو الموضع المحاط بجدار مقوس تحت ميزاب الكعبة، في الجهة الشمالية من الكعبة، ويسمى الحطيم أيضا، والحجر هو جزء من البيت، تركته قريش لضيق النفقة، وأحاطته بالجدار، وقيل: الذي منها ستةأذرع أو سبعة أذرع. (¬15) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 31) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 240). (¬16) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((مغني المحتاج)) للشربيني الخطيب (1/ 486). (¬17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 189)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485).

1 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم وعنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم)). أخرجه البخاري ومسلم (¬1). 2 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال بكفر -؛ لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله؛ ولجعلت بابها بالأرض؛ ولأدخلت فيها من الحِجر)) أخرجه مسلم (¬2). وجه الدلالة من الحديثين: أن الحِجْر جزء من الكعبة؛ فيجب أن يكون الطواف من ورائه، فإن لم يطف من ورائه لم يتحقق الطواف حول الكعبة. 3 - مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الطواف من وراء الحجر، وفعله بيان للقرآن الكريم، فيلتحق به؛ فيكون فرضا. المطلب السابع: أن يقع الطواف في المكان الخاص وهو داخل المسجد الحرام يشترط أن يكون مكان الطواف حول الكعبة المشرفة داخل المسجد الحرام، قريبا من البيت أو بعيدا عنه، وهذا شرط متفق عليه بين المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬3) , والمالكية (¬4) , والشافعية (¬5) , والحنابلة (¬6)، وحكى النووي الإجماع على عدم صحة الطواف خارج المسجد الحرام (¬7) الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: أن الله عز وجل، أمر بالطواف بالبيت، فمن طاف خارج البيت لم يكن طائفا به. ثانياً: من السنة: فعله صلى الله عليه وسلم, فقد طاف عليه الصلاة والسلام داخل المسجد الحرام، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬8). ثالثاً: أنه إذا طاف خارج المسجد لم يكن طائفا بالبيت، وإنما طاف حول المسجد (¬9). المطلب الثامن: الطواف بالبيت سبعاً يشترط أن يطوف بالبيت سبعاً ولا يجزئ أقل منها، وهو قول الجمهور من المالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)، وبه قال عطاء وإسحاق (¬13)، واختاره ابن المنذر (¬14)، والكمال ابن الهمام من الحنفية (¬15). الأدلة: ¬

(¬1) رواه البخاري (1583)، ومسلم (1333). (¬2) رواه مسلم (1333). (¬3) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 353). (¬4) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 315) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 241) , ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 141). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 283). (¬6) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485). (¬7) قال النووي: (أجمعوا على أنه لو طاف خارج المسجد لم يصح) ((المجموع)) للنووي (8/ 39). (¬8) رواه مسلم (1297). (¬9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (53/ 223). (¬10) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 90)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 30). (¬11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 82)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 486). (¬12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 386). (¬13) ((المجموع)) للنووي (8/ 22). (¬14) ((المجموع)) للنووي (8/ 22). (¬15) قال الكمال ابن الهمام: (الذي ندين به أن لا يجزي أقل من السبع، ولا يُجبَر بعضه بشيء) ((فتح القدير)) (3/ 56)، حاشية ابن عابدين (2/ 552).

1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعا)) (¬1)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2). 2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثا، ومشى أربعا)) (¬3). فرع: الشك في عدد الأشواط لو شكَّ في أثناء الطواف في عدد الأشواط التي طافها فإنه يبني على اليقين، وهو الأقل، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬4)، والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6)، واستثنى المالكية من ذلك المستنكح (¬7)، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك (¬8)، واختاره ابن باز (¬9)، وابن عثيمين (¬10). دليل ذلك من السنة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان)) رواه مسلم. وجه الدلالة: أنه أمر باطراح الشك والبناء على اليقين، وهو الأقل، وفي حكم الصلاة: الطواف (¬11). المطلب التاسع: الموالاة بين الأشواط تجب الموالاة بين الأشواط، وهذا مذهب المالكية (¬12)، والحنابلة (¬13)، واختاره ابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين أشواط طوافه، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬15). ثانياً: أن الطواف كالصلاة؛ فيُشترط له الموالاة كسائر الصلوات، أو أنه عبادةٌ متعلقة بالبيت؛ فاشتُرِطت لها الموالاة كالصلاة (¬16). فرع: ماذا يفعل إذا أقيمت صلاة الفريضة في أثناء الطواف؟ ¬

(¬1) رواه البخاري (1645). (¬2) رواه مسلم (1297). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 30)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 666). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 21). (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 398). (¬7) المراد بالمستنكح (بفتح الكاف أو كسرها) في مصطلح المالكية: هو من يأتيه الشك في كل يوم ولو مرة، فإنه يطرح الشك، ويلهى عنه، ولهم قول آخر أنه يبني على أول خاطره. ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/ 368)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 33) (¬8) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من شك في طوافه بنى على اليقين) ((الإشراف)) (3/ 280)، ((الإجماع)) (ص: 55). (¬9) قال ابن باز: (إن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 60). (¬10) قال ابن عثيمين: (إن كان الشك في أثناء الطواف، مثل أن يشك هل الشوط الذي هو فيه الثالث أو الرابع مثلاً، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بالراجح عنده، وإن لم يترجح عنده شيء عمل باليقين وهو الأقل) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 401). (¬11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (23/ 93). (¬12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105)، ((كفاية الطالب)) لأبي الحسن المالكي (1/ 666). (¬13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 399)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 483). (¬14) قال ابن عثيمين بعد أن ذكر الخلاف في المسألة: (لكن الذي ينبغي أن نعلم أن العبادة الواحدة تجب الموالاة بين أجزائها؛ لتكون عبادةً واحدة إلا ما دل الدليل على جواز التفريق) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277). (¬15) رواه مسلم (1297). (¬16) انظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198).

إذا أقيمت صلاة الفريضة، فإنه يقطع الطواف بنية الرجوع إليه بعد الصلاة، فإذا قُضيت الصلاة يبدأ من حيث وقف، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وبه قال أكثر أهل العلم (¬4)، واختاره ابن حزم (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: دليل قطع الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (¬7). وجه الدلالة: أن الطواف صلاة، فيدخل في عموم الخبر، بوجوب المبادرة إلى الصلاة، وقطع طوافه (¬8). دليل البناء على ما سبق: أن ما سبق بني على أساسٍ صحيحٍ وبمقتضى إذنٍ شرعي؛ فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليلٍ شرعي (¬9). المطلب العاشر: المشي للقادر عليه إذا كان قادرا على المشي، فيجب عليه أن يطوف ماشياً، وهذا مذهب الحنفية (¬10)، والحنابلة (¬11)، واختاره ابن عثيمين (¬12)، وأوجبه المالكية في الطواف الواجب فقط (¬13). الأدلة: 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتابٍ مسطور)) أخرجه البخاري ومسلم (¬14). وجه الدلالة: أن الترخيص لها بالطواف راكبة بسبب العذر، يدل أن العزيمة بخلاف ذلك، وأن الأصل أن يطوف ماشياً. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 47). (¬4) قال ابن المنذر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعة ثم قطع عليه بالصلاة المكتوبة، أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري فقال: يستأنف) ((الإجماع)) (1/ 55). وقال البغوي: (قال عطاء فيمن يطوف فتقام الصلاة، أو يدفع عن مكانه إذا سلم: يرجع إلى حيث قطع عليه فيبني. ويذكر نحوه عن ابن عمر وعبدالرحمن ابن أبي بكر) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 127). وقال ابن قدامة: (هو قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر، وسالم، وعطاء، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197). (¬5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 202). (¬6) قال ابن عثيمين: (القول الراجح في مثل أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة ... ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحجر، فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه، أو يبدأ الطواف من جديد؟ اختلف العلماء في هذا، فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد، والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 277). (¬7) رواه مسلم (710). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((كشاف القناع)) (2/ 483). (¬9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 296 - 297). (¬10) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 199)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 395). (¬12) قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية، فيه خلاف بين العلماء منهم من يقول: لا يجزي إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 101). (¬13) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 40). (¬14) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276).

2 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (¬1). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما طاف راكباً إلا لعذر، وهو أن يراه الناس ليتأسوا به (¬2). فرع: إذا كان عاجزاً عن المشي، وطاف محمولاً، فلا فداء ولا إثم عليه. الأدلة: أولاً من السنة: 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت، يقرأ بالطور وكتاب مسطور)) أخرجه البخاري ومسلم (¬3). وجه الدلالة: أنه رخص لها الطواف راكبة للعذر. 2 - عن جابر رضي الله عنه قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته، يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) أخرجه مسلم (¬4). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً للعذر، وهو أن يراه الناس ليتأسوا به (¬5). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬6)، وابن تيمية (¬7). ¬

(¬1) رواه مسلم (1273). (¬2) قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم) ((التمهيد)) (13/ 100). وقال أيضاً: ( ... ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95). (¬3) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276). (¬4) رواه مسلم (1273). (¬5) قال ابن عبدالبر: (وكلهم - أي أهل العلم- يكره الطواف راكباً للصحيح الذي لا عذر له، وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً في حجته إن صح ذلك عنه، كان لعذرٍ والله أعلم) ((التمهيد)) (13/ 100). وقال أيضاً: ( ... ومما يدل على كراهة الطواف راكباً من غير عذر أني لا أعلم خلافاً بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحدٍ أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلةٍ راكبا، ولو كان طوافه راكباً لغير عذرٍ لكان ذلك مستحبًّا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم) ((التمهيد)) (2/ 95). (¬6) قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول إن من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً، أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي سعيه بين الصفا والمروة) ((التمهيد)) (13/ 99). (¬7) قال ابن تيمية: (يجوز الطواف راكباً ومحمولاً للعذر، بالنص واتفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 188).

الفصل الرابع: سنن الطواف

الفصل الرابع: سنن الطواف المبحث الأول: الاضطباع المطلب الأول: تعريف الاضطباع الاضطباع لغةً: مشتق من الضَبْع, بمعنى: العضد؛ سمي بذلك لإبداء أحد الضبعين (¬1). الاضطباع اصطلاحاً: أن يتوشَّح بردائه ويخرجه من تحت إبطه الأيمن، ويلقيه على منكبه الأيسر، ويغطيه، ويبدي منكبه الأيمن (¬2). المطلب الثاني: حكم الاضطباع الاضطباع سنةٌ من سنن الطواف، وهو للرجال دون النساء, وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفية (¬3) , والشافعية (¬4) , والحنابلة (¬5). الأدلة: 1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً)) (¬6). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، قد قذفوها على عواتقهم اليسرى)) (¬7). 3 - عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ((فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬8). المطلب الثالث: متى يُسن الاضطباع؟ ¬

(¬1) انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: ضبع) , ((الصحاح)) للجوهري (مادة: ضبع). (¬2) انظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 9) , ((المجموع)) للنووي (8/ 19) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 275). (¬3) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (1/ 479). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 328). (¬5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16). (¬6) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2409)، وأحمد (4/ 222) (17981)، والدارمي (2/ 65) (1843)، والبيهقي (5/ 79) (9520). قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 110): صالحٌ للاحتجاج، وحسنه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/ 731) والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1883)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1220): صحيحٌ على شرط الشيخين. (¬7) رواه أبو داود (1884). والحديث صححه النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وصحح إسناده ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (2/ 173) وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 332): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1884)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (696). (¬8) رواه أبو داود (1887)، وابن ماجه (2952). والحديث صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 204)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1887)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (746). وأصله في صحيح البخاري (1605) بلفظ: «فما لنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله»، ثم قال: «شيءٌ صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه».

الاضطباع مشروعٌ في طواف القدوم, وطواف العمرة فقط، وهو مذهب الحنابلة (¬1) , وقولٌ عند الشافعية (¬2) , واختاره ابن باز (¬3) , وابن عثيمين (¬4). الأدلة: 1 - عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً)) (¬5). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، قد قذفوها على عواتقهم اليسرى)) (¬6). الدلالة: تدل هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما اضطبع في طوافه أول مقدمه، ولم يُروَ عنه الاضطباع في غير ذلك. المبحث الثاني: الرمل المطلب الأول: تعريف الرمل لغةً: الهرولة, يقال: رمل: إذا أسرع في المشي، وهزَّ منكبيه (¬7). اصطلاحاً: هو الإسراع في المشي، مع تقارب الخطى وتحريك المنكبين, وهو دون الوثوب والعدو، ويسمى أيضاً الخبب (¬8). المطلب الثاني: حكم الرمل ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 477). (¬2) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 20) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 329). (¬3) قال ابن باز: (لا يشرع الرمل والاضطباع في غير هذا الطواف، ولا في السعي، ولا للنساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الرمل والاضطباع إلا في طوافه الأول الذي أتى به حين قدم مكة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 61) , وقال: (الاضطباع إنما هو في طواف القدوم، وأما في غير طواف القدوم فيجعله على عاتقيه جميعاً) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/ 342). (¬4) قال ابن عثيمين: (الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة، كطواف العمرة، أو طواف القدوم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 310). وقال أيضاً: (طواف الوداع لا اضطباع فيه؛ لأن الإنسان ليس بمحرم، فالإنسان يطوف طواف الوداع وعليه ثيابه المعتادة، ليس عليه إزار ورداء، وحتى لو فرض أنه ليس لديه ثياب معتادة كالقميص وأن عليه رداءً وإزاراً فإنه لا يضطبع؛ لأن الاضطباع إنما هو في الطواف أول ما يقدم الإنسان إلى مكة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 310). (¬5) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2409)، وأحمد (4/ 222) (17981)، والدارمي (2/ 65) (1843)، والبيهقي (5/ 79) (9520). قال الترمذي: حسنٌ صحيح، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 110): صالحٌ للاحتجاج، وحسنه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/ 731)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1883)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1220): صحيحٌ على شرط الشيخين. (¬6) رواه أبو داود (1884). والحديث صححه النووي في ((المجموع)) (8/ 19)، وصحح إسناده ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (2/ 173)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 332): إسناده على شرط مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1884)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (696). (¬7) انظر ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: رمل) , ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: رمل). (¬8) انظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 150) , ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 402) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 326) , ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 86).

الرمل سنةٌ للمحرم، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , والشافعية (¬3) , والحنابلة (¬4). الأدلة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول يخب ثلاثة أطواف ويمشي أربعة وأنه كان يسعى بطن المسيل، إذا طاف بين الصفا والمروة)) أخرجه البخاري ومسلم (¬5). 2 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً)) أخرجه مسلم (¬6). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا، قومٌ قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا)) أخرجه البخاري ومسلم (¬7). 4 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف)) أخرجه مسلم (¬8). 5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر)) أخرجه مسلم (¬9). المطلب الثالث: الرمل في الأشواط الثلاثة الرمل يكون في الثلاثة الأشواط الأُوَل من الطواف. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، يخب ثلاثة أطواف، ويمشي أربعة، وأنه كان يسعى بطن المسيل، إذا طاف بين الصفا والمروة) أخرجه البخاري ومسلم (¬10). 2 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً)) أخرجه مسلم (¬11). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬12)، وابن قدامة (¬13) , والنووي (¬14). المطلب الرابع: الرمل خاصٌ بطواف القدوم وبطواف المعتمر فقط الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - حديث جابر الطويل في حجة الوداع قال: ((فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً)) أخرجه مسلم (¬15). وجه الدلالة: أن هذا الرمل كان في طواف القدوم. ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 17) , ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 454) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 147). (¬2) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 366) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 326) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 41). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 14) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 286) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 329). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 386) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 480). (¬5) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261). (¬6) رواه مسلم (1218). (¬7) رواه البخاري (1602)، ومسلم (1266) واللفظ له. (¬8) رواه مسلم (1263). (¬9) رواه مسلم (1262). (¬10) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261). (¬11) رواه مسلم (1218). (¬12) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً أن الرمل - وهو الحركة والزيادة في المشي - لا يكون إلا في ثلاثة أطواف من السبعة، في طواف دخول مكة، خاصةً للقادم الحاج أو المعتمر) ((الاستذكار)) (4/ 190). (¬13) قال ابن قدامة: ((معنى الرمل: إسراع المشي، مع مقاربة الخطو من غير وثب، وهو سنةٌ في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً)) المغني (3/ 184). (¬14) قال النووي: (وأما قوله ثلاثة وأربعة، فمجمعٌ عليه، وهو أن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأول من السبع) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 8). (¬15) رواه مسلم (1218).

2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غدا، قومٌ قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا)) أخرجه البخاري ومسلم (¬1). وجه الدلالة: أن هذا الرمل كان في طواف العمرة. الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬2)، وابن قدامة (¬3). المبحث الثالث: استلام الحجر الأسود وتقبيله المطلب الأول: استلام الحجر الأسود وتقبيله يسن استلام الحجر الأسود وتقبيله، في ابتداء الطواف، وفي كل شوط، وبعد ركعتي الطواف. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: ((أمَا والله، إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: فما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله؟ ثم قال: شيءٌ صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه)) أخرجه البخاري ومسلم (¬4)، وفي رواية: ((أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: «إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)) (¬5). 2 - عن سويد بن غفلة، قال: ((رأيت عمر قبَّل الحجر والتزمه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا)) (¬6). 3 - عن الزبير بن عربي، قال: ((سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال: قلت: أرأيت إن زحمت؟ أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله)) (¬7). 4 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً)) أخرجه مسلم (¬8). ثانيا: الإجماع: ¬

(¬1) رواه البخاري (1602)، ومسلم (1266) واللفظ له. (¬2) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً أن الرمل - وهو الحركة والزيادة في المشي - لا يكون إلا في ثلاثة أطوافٍ من السبعة في طواف دخول مكة، خاصةً للقادم الحاج أو المعتمر) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 190). (¬3) قال ابن قدامة: ((معنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من غير وثب، وهو سنةٌ في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم، ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافاً)) المغني (3/ 184). (¬4) رواه البخاري (1605)، ومسلم (1270). (¬5) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270). (¬6) رواه مسلم (1271). (¬7) رواه البخاري (1611)، ومسلم (1268). (¬8) رواه مسلم (1218).

نقل الإجماع على سنية استلام الحجر الأسود في الطواف: ابن حزم (¬1)، وابن عبدالبر (¬2)، وابن رشد (¬3) والنووي (¬4). المطلب الثاني: استلام الحجر عند الزحام إذا وجد الطائف زحاماً فيجتنب الإيذاء، ويكتفي بالإشارة إلى الحجر الأسود بيده؛ وذلك لأن الزحام يؤذيه؛ ويؤذي غيره؛ وربما يحصل به الضرر؛ ويذهب الخشوع، ويخرج بالطواف عما شُرِع من أجله من التعبد لله؛ وربما حصل به لغوٌ وجدال ومقاتلة (¬5). المطلب الثالث: كيفية الإشارة إلى الحجر الأسود إذا لم يستلم الحجر الأسود ويقبله، فله أن يستلمه ويقبل يده، وله أن يستلمه بشيءٍ يكون معه، ويقبله، وله أن يشير إليه بيده من غير تقبيل. الأدلة: 1 - عن نافع، قال: ((رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله)) (¬6). 2 - عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: ((رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجنٍ معه ويقبِّل المحجن)) (¬7). 3 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه؛ فإن الناس غشوه)) (¬8). المبحث الرابع: استلام الركن اليماني يُستحبُّ استلام الركن اليماني، وهو الركن الواقع قبل ركن الحجر الأسود, ولا يقبله، ولا يقبل ما استلم به. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((ما تركت استلام هذين الركنين: اليماني والحجر، مُذْ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدةٍ ولا رخاء)) أخرجه البخاري ومسلم (¬9). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت، إلا الركنين اليمانيين)) أخرجه البخاري ومسلم (¬10). 3 - عن سالم عن أبيه أنه قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود، والذي يليه، من نحو دور الجمحيين)) أخرجه مسلم (¬11). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) قال ابن حزم: (واتفقوا على استلام الحجر الأسود) ((مراتب الإجماع)) (ص: 44). (¬2) قال ابن عبدالبر: (وهذا المعنى في الفقه كله جائزٌ عند أهل العلم، لا نكير فيه، فجائزٌ عندهم أن يستلم الركن اليماني، والركن الأسود، لا يختلفون في شيءٍ من ذلك, وإنما الذي فرقوا بينهما فيه، التقبيل لا غير, فرأوا تقبيل الركن الأسود والحجر, ولم يروا تقبيل اليماني, وأما استلامهما جميعاً فأمرٌ مجتمعٌ عليه, وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين) ((الإجماع)) (ص: 164). (¬3) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من سنة الطواف استلام الركنين، الأسود واليماني، للرجال دون النساء) ((بداية المجتهد)) (1/ 341). (¬4) قال النووي: (أجمع المسلمون على استحباب استلام الحجر الأسود، ويستحب عندنا مع ذلك تقبيله) ((المجموع)) (8/ 57). (¬5) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 287). (¬6) رواه مسلم (1268). (¬7) رواه مسلم (1275). (¬8) رواه مسلم (1273). (¬9) رواه البخاري (1606)، ومسلم (1268). (¬10) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1267). (¬11) رواه مسلم (1267).

نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬1)، وابن رشد (¬2). مطلب: استلام غير الركنين اليمانيين: لا يسن استلام غير الركنين اليمانيين الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين)) (¬3). 2 - عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت، فقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم. وعنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو؟ قال: نعم)) أخرجه البخاري ومسلم (¬4). ثانياً: أن الركن الذي فيه الحجر الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه على قواعد إبراهيم عليه السلام، والركن اليماني فيه فضيلة واحدة: وهي كونه على قواعد أبينا إبراهيم عليه السلام، وأما الشاميان فليس لهما شيء من الفضيلتين؛ ولذا لم يشرع استلامهما. المبحث الخامس: الذكر والدعاء في الطواف ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (هذا المعنى في الفقه كله جائزٌ عند أهل العلم، لا نكير فيه، فجائزٌ عندهم أن يستلم الركن اليماني والركن الأسود لا يختلفون في شيءٍ من ذلك, وإنما الذي فرقوا بينهما فيه، التقبيل لا غير, فرأوا تقبيل الركن الأسود والحجر, ولم يروا تقبيل اليماني, وأما استلامهما جميعاً فأمرٌ مجتمعٌ عليه, وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين) ((الإجماع)) (ص: 164). (¬2) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن من سنة الطواف، استلام الركنين، الأسود واليماني، للرجال دون النساء) ((بداية المجتهد)) (1/ 341). (¬3) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1187). (¬4) رواه البخاري (1583)، ومسلم (1333).

يستحب للطائف أن يكثر من الذكر والدعاء في طوافه, وله أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة؛ إذ لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرٌ أو دعاءٌ خاصٌّ بالطواف (¬1)، إلا ما بين الركنين اليمانيين فإنه يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) (¬2). (¬3). المبحث السادس: قراءة القرآن في الطواف لأهل العلم في قراءة القرآن في الطواف قولان: القول الأول: استحبابه مع تفضيل الذكر المأثور عليه، وهو مذهب الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، وإحدى الروايتين عن أحمد (¬6)، وروي عن طائفةٍ من السلف (¬7)، واختاره ابن المنذر (¬8). وذلك للآتي: أولاً: أن الطواف صلاة، ولا تكره القراءة في الصلاة (¬9). ثانياً: أن الموضع موضع ذكر، والقرآن أفضل الذكر (¬10). ثالثاً: أن قراءة القرآن مندوبٌ إليها في جميع الأحوال إلا في حال الجنابة والحيض (¬11). ¬

(¬1) ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((إنما جعل الله الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله تعالى)) رواه موقوفاً: عبدالرزاق (5/ 49) , وابن أبي شيبة (3/ 399) , والدارمي (2/ 1174). (¬2) عن عبدالله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) رواه ابن أبي شيبة (3/ 443)، وأبو داود (1892)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 403، رقم 3934)، والحاكم (2/ 304)، والبيهقي (5/ 84) (9557)، والحديث قال عنه الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1892). (¬3) قال ابن تيمية: (ويستحب له في الطواف، أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع، وإن قرأ القرآن سرًّا فلا بأس، وليس فيه ذكرٌ محدودٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثيرٌ من الناس من دعاءٍ معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 122). وقال ابن باز: (يشرع الدعاء والذكر في الطواف والسعي بما يسر الله من الأذكار الشرعية والدعوات الطيبة، التي لا محذور فيها، وليس في ذلك شيءٌ محدود) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 223). (¬4) لكن قيدوه بالسر، وذلك بقراءته في نفسه، وعدم رفع الصوت حتى لا يتأذى به غيره لما يشغله ذلك عن الدعاء. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 43)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130). (¬5) لكن الدعاء المأثور عندهم أفضل من قراءة القرآن في الطواف، وقراءة القرآن أفضل من الدعاء غير المأثور. ((المجموع)) للنووي (8/ 44). (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 392). (¬7) منهم: عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك وأبو ثور. ((المجموع)) للنووي (8/ 59)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 482)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 292). (¬8) قال ابن المنذر: (أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن) ((فتح الباري)) (3/ 482). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 392). (¬10) قال ابن المبارك: (ليس شيء أفضل من القرآن) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 392). (¬11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 130).

القول الثاني: كراهته، وهو مذهب المالكية (¬1)، وقولٌ للحنفية (¬2)، وهو روايةٌ عن أحمد (¬3)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬4). وذلك للآتي: أولاً: أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، والمشروع في الطواف مجرد ذكر الله تعالى، ولم يثبت عنه في الطواف قراءة قرآن، بل الذكر، وهو المتوارث من السلف والمجمَع عليه، فكان أولى (¬5). ثانياً: أن ما ما ورد من الذكر مختصًّا بمكانٍ أو زمانٍ أو حال، فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بالتلاوة (¬6). المبحث السابع: الدنو من البيت يستحب للطائف أن يدنو من البيت, وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬7) , والمالكية (¬8) , والشافعية (¬9) , والحنابلة (¬10). وذلك للآتي: أولاً: لشرف البيت، وأنه هو المقصود. ثانياً: أنه أيسر في الاستلام والتقبيل. المبحث الثامن: صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف المطلب الأول: حكم صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف صلاة ركعتين خلف المقام بعد الطواف، سنةٌ مؤكدة, وهو مذهب الشافعية في الأصح (¬11)، والحنابلة (¬12) , واختاره ابن حزم (¬13)، وابن باز (¬14) , وابن عثيمين (¬15). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125]. ثانياً: من السنة: 1 - حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت ... الحديث)) (¬16). 2 - عن عبدالله بن أبي أوفى قال: ((اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين)) (¬17). ¬

(¬1) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 804). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 452)، ((الفتاوى الهندية)) (5/ 415). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 391). (¬4) منهم: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وروي عن عطاء في إحدى الروايتين عنه أن قراءة القرآن في الطواف أمرٌ محدث. ((المجموع)) للنووي (8/ 59)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 391)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 293). (¬5) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 452)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/ 59). (¬6) يقول ابن تيمية: قد يكون المفضول في وقت أفضل من الفاضل ... وكذلك الذكر والدعاء في الطواف وعرفة ونحوهما أفضل من قراءة القرآن. ((مجموع الفتاوى)) (11/ 399). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 355). (¬8) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 315) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 804). (¬9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 333) ((المجموع)) للنووي (8/ 38). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 390) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 62) , ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 175). (¬12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 15) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 574). (¬13) قال ابن حزم: (فإذا تم الطواف المذكور أتيا إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - فصليا هنالك ركعتين وليستا فرضاً) ((المحلى)) (5/ 83). (¬14) سُئِلَ ابن باز: هل ركعتا الطواف خلف المقام تلزم لكل طواف؟ وما حكم من نسيها؟ فقال: (لا تلزم خلف المقام، تجزئ الركعتان في كل مكانٍ من الحرم، ومن نسيها فلا حرج عليه؛ لأنها سنةٌ وليست واجبة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 228). (¬15) قال ابن عثيمين: (والركعتان خلف المقام سنة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/ 57). (¬16) رواه مسلم (1218). (¬17) رواه البخاري (1600).

3 - حديث الأعرابي الذي جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وما يجب عليه، وفيه: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) فقال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) ... الحديث (¬1). وجه الدلالة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صرَّح بأنه لا يجب شيءٌ من الصلاة، إلا الصلوات الخمس المكتوبات. 4 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن؛ كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة)) (¬2). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر أن الصلوات التي فرضها الله على عباده، هي الصلوات الخمس فقط, وفي هذا دليلٌ على أن ركعتي الطواف غير واجبة. 5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من طاف بالبيت، وصلى ركعتين كان كعتق رقبة)) (¬3). وجه الدلالة: كون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج الحديث مخرج الفضل، وجعل لركعتي الطواف أجراً محدوداً؛ فإنه دليلٌ على أنها ليست بواجبة؛ إذ إن الواجب غير محدَّد الأجر والثواب. المطلب الثاني: مكان أدائهما أداء ركعتي الطواف يكون خلف المقام إن تيسر له ذلك. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125]. ثانياً: من السنة: 1 - حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: ((حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت ... الحديث)) (¬4). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين) (¬5). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك، النووي (¬6)، وابن تيمية (¬7). المطلب الثالث: إذا لم يتيسر للطائف أداؤها خلف المقام بسبب الزحام أو غيره ¬

(¬1) رواه البخاري (46)، ومسلم (11). من حديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه. (¬2) رواه أبو داود (1420)، والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه (1158)، وأحمد (5/ 315) (22745)، ومالك (2/ 169)، والدارمي (1/ 446) (1577)، وابن حبان (6/ 174) (2417)، والبيهقي (2/ 8) (2316). قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (23/ 288): صحيحٌ ثابت، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/ 447)، وصححه النووي في ((المجموع)) (4/ 20)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 389)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)). (¬3) رواه ابن ماجه (2411)، والبيهقي (5/ 110) (9699). وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 67)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). (¬4) رواه مسلم (1218). (¬5) رواه البخاري (1645). (¬6) قال النووي: (هذا دليلٌ لما أجمع عليه العلماء، أنه ينبغي لكل طائفٍ إذا فرغ من طوافه، أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 175). (¬7) قال ابن تيمية: (وأجمع العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم، طاف بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 193).

إذا لم يتيسر للطائف أداؤها خلف المقام بسبب الزحام أو غيره، فإنه يصليها في أي مكانٍ تيسر في المسجد (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2) , والمالكية (¬3) , والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5) (¬6). المبحث التاسع: استلام الحجر بعد الانتهاء من الطواف يسن لمن انتهى من طوافه وصلى ركعتي الطواف أن يعود إلى الحجر فيستلمه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬7) , والمالكية (¬8) , والشافعية (¬9) , والحنابلة (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: حديث جابر الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((ثم رجع إلى الركن فاستلمه)). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬11) وابن عبدالبر (¬12). مسألة: الكلام في الطواف: يكره الكلام في الطواف لغير حاجة، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬13)، والمالكية (¬14)، والحنابلة (¬15). الأدلة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق فيه إلا بخير)) (¬16). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة، بإنسانٍ ربط يده إلى إنسان بسير، أو بخيط، أو بشيءٍ غير ذلك، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: قده بيده)) (¬17). وجه الدلالة: أنه لولا كراهة الكلام لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يشير إليه بيده. ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الطائف يجزئه أن يصلي الركعتين حيث شاء، وانفرد مالك، فقال: لا يجزئه أن يصليهما في الحِجْر) الإجماع (ص: 56). (¬2) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 18) , ((الفتاوى الهندية)) (1/ 226) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 148). (¬3) واستثنوا من ذلك الحِجْر. انظر: ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 367). (¬4) ((الأم)) للشافعي (2/ 242) , ((المجموع)) للنووي (8/ 49) , (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 400) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 484). (¬6) قال ابن باز: (فإذا فرغ من الطواف، صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك، وإن لم يتيسر ذلك لزحامٍ ونحوه صلاهما، في أي موضعٍ من المسجد) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 62). قال ابن عثيمين: (فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد أنه لابد أن تكون ركعتا الطواف خلف المقام وقريباً منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء، فالركعتان تجزئان في كل مكانٍ من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويحصل بذلك على السنة من غير إيذاءٍ للطائفين ولا لغيرهم) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 413). (¬7) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 19) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 148). (¬8) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 367) , ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 670). (¬9) ((المجموع)) للنووي (8/ 67) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 291). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 191)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 15). (¬11) قال ابن قدامة: (وإذا فرغ من الركوع، وأراد الخروج إلى الصفا، استحب أن يعود فيستلم الحجر، نص عليه أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ذكره جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر يفعله، وبه قال النخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 191). (¬12) قال ابن عبدالبر: (وأما استلام الركن فسنةٌ مسنونةٌ عند ابتداء الطواف، وعند الخروج بعد الطواف، والرجوع إلى الصفا، لا يختلف أهل العلم في ذلك قديماً وحديثاً والحمد لله) ((التمهيد)) (24/ 416). (¬13) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 83)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 131). (¬14) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 369). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 187). (¬16) رواه الترمذي (960)، والدارمي (2/ 66) (1847)، وابن حبان (9/ 143) (3836)، وابن الجارود ((المنتقى)) (1/ 120)، والطبراني (11/ 34) (10955)، والحاكم (2/ 293)، والبيهقي (5/ 85) (9074). قال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال ابن حجر في ((التلخيص)) (1/ 196): إسناده صحيح، ورجح وقفه الترمذي, والنسائي, والبيهقي، وابن الصلاح, والمنذري, والنووي، انظر (التلخيص الحبير)) (1/ 359)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3954). (¬17) رواه البخاري (1620).

الباب السابع: السعي بين الصفا والمروة

الفصل الأول: تعريف السعي بين الصفا والمروة 1 - (السعي) لغةً: المشي، والعدو من غير شد (¬1). 2 - (الصفا) لغةً: جمع صفاة، وهي الحجر الصلد الضخم الذي لا ينبت شيئا؛ وقيل: هي الصخرة الملساء (¬2). واصطلاحاً: مكانٌ مرتفع من جبل أبي قبيس، ومنه ابتداء السعي، ويقع في طرف المسعى الجنوبي (¬3). 3 - (المروة) لغةً: حجارةٌ بيض برَّاقة، والجمع مرو (¬4). واصطلاحاً: جبلٌ بمكة، وإليه انتهاء السعي، وهو في أصل جبل قعيقعان، ويقع في طرف المسعى الشمالي (¬5). فالسعي اصطلاحاً: هو قطع المسافة الكائنة بين الصفا والمروة، سبع مرات في نسك حجٍّ أو عمرة (¬6). ¬

(¬1) ((لسان العرب)) (مادة: س ع ا)، ((تاج العروس)) للزَّبيدي (مادة: س ع ا)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (22/ 259 - 261)، وَ ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (1/ 334). (¬2) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: ص ف و)، ((تاج العروس)) للزَّبيدي (مادة: ص ف و). (¬3) ينظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي (باب الصاد والفاء وما يليهما) (3/ 411)، و ((مفيد الأنام)) لابن جاسر (ص: 590). (¬4) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: م ر و)، و ((تاج العروس)) للزبيدي (مادة: م ر و)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: م ر و). (¬5) ينظر: ((معجم البلدان)) لياقوت (المروة) (5/ 116). (¬6) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (25/ 11) وزادت (بعد طواف) ووقع خلاف في اشتراط ذلك وسيأتي.

الفصل الثاني: مشروعية السعي وأصله وحكمته

الفصل الثاني: مشروعية السعي وأصله وحكمته المبحث الأول: مشروعية السعي السعي بين الصفا والمروة مشروع في الحج والعمرة الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]. ثانياً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنة)) (¬1). 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة)) (¬2). المبحث الثاني: أصل السعي أصل مشروعية السعي هو سعي هاجر عليها السلام، عندما تركها إبراهيم مع ابنهما إسماعيل عليهما السلام بمكة، ونفد ما معها من طعام وشراب، وبدأت تشعر هي وابنها بالعطش؛ فسعت بين الصفا والمروة سبع مرات طلباً للماء، يقول ابن عباس: وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط (¬3) - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم ((فذلك سعي الناس بينهما)) (¬4) رواه البخاري (¬5). المبحث الثالث: حكمة السعي (¬6) ¬

(¬1) رواه مسلم (1277). (¬2) رواه مسلم (1233). (¬3) يتلبط: أي يتقلب في الأرض ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 177). (¬4) قال ابن بطال: (فبيَّن فى هذا الحديث أن سبب كونها سبعة أطواف، وسبب السعي فيها؛ فعل أم إسماعيل عليهم السلام ذلك) ((شرح صحيح البخاري)) (4/ 327). وقال ابن كثير: (أصل ذلك مأخوذٌ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها وزادها، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحدٌ من الناس، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله، عز وجل، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 472). وقال أبو الحسن المباركفوري: (فجعل ذلك نسكاً إظهاراً لشرفهما وتفخيماً لأمرهما). ((مرعاة المفاتيح)) (9/ 92). (¬5) صحيح البخاري (3364). (¬6) قال النووي: (من العبادات التي لا يُفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارةٌ مختصرةٌ تعرف بها الحكمة في جميع العبادات، والله أعلم). ((المجموع)) (8/ 243). وتعقبه الشنقيطي قائلاً: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى، غير صحيحٍ فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دلَّت بعض النصوص على أنها معقولة). ((أضواء البيان)) (4/ 480).

1 - شُرِعَ السعي؛ تخليداً لذكرى إبراهيم وزوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهم السلام؛ وتشريفًا لهم (¬1). 2 - استشعار العبد بأن حاجته وفقره إلى خالقه ورازقه كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكر أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه (¬2). ¬

(¬1) قال ابن دقيق العيد: (في ذلك من الحكمة: تذكُّر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طي تذكرها مصالح دينية إذ يتبين في أثناء كثيرٍ منها ما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، والمبادرة إليه، وبذل الأنفس في ذلك، وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيراً من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها إنها تعبد، ليست كما قيل، ألا ترى أنا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها: حصل لنا من ذلك تعظيمٌ الأولين وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله فكان هذا التذكر باعثاً لنا على مثل ذلك ومقرراً في أنفسنا تعظيم الأولين وذلك معنىً معقول. مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: قصة هاجر مع ابنها وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة والآية في إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، أي في التذكر لتلك الحال، وكذلك رمي الجمار إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده، حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدين) ((إحكام الأحكام)) (ص: 316). (¬2) قال ابن كثير: (فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل؛ ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر عليها السلام) ((تفسير ابن كثير)) 1/ 472. وقال الشنقيطي: (قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فذلك سعي الناس بينهما))، فيه الإشارة الكافية إلى حكمة السعي بين الصفا والمروة; لأن هاجر سعت بينهما السعي المذكور، وهي في أشد حاجةٍ، وأعظم فاقةٍ إلى ربها؛ لأن ثمرة كبدها، وهو ولدها إسماعيل تنظره يتلوى من العطش في بلدٍ لا ماء فيه، ولا أنيس، وهي أيضاً في جوعٍ، وعطشٍ في غاية الاضطرار إلى خالقها جل وعلا، وهي من شدة الكرب تصعد على هذا الجبل، فإذا لم تر شيئاً جرت إلى الثاني، فصعدت عليه لترى أحدا، فأمر الناس بالسعي بين الصفا والمروة ليشعروا بأن حاجتهم وفقرهم إلى خالقهم ورازقهم كحاجة وفقر تلك المرأة في ذلك الوقت الضيق، والكرب العظيم إلى خالقها ورازقها، وليتذكروا أن من كان يطيع الله كإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يضيعه، ولا يخيب دعاءه وهذه حكمةٌ بالغةٌ ظاهرةٌ دلَّ عليها حديثٌ صحيح). ((أضواء البيان)) (4/ 481).

الفصل الثالث: حكم السعي والتطوع به

الفصل الثالث: حكم السعي والتطوع به المبحث الأول: حكم السعي السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج والعمرة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما، وطائفة من السلف (¬4). الأدلة: أولاً من الكتاب: قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]. وجه الدلالة: أن تصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله، يدل على أن السعي بينهما أمرٌ حتمٌ لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تكون شعيرةً، ثم لا تكون لازمةً في النسك؛ فإن شعائر الله عظيمة، لا يجوز التهاون بها، وقد قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ الآية [المائدة: 2]، وقال: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ الآية (¬5) [الحج: 32]. ثانياً: من السنة: 1 - أن طواف النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، بيانٌ لنصٍّ مجملٍ في كتاب الله، وهو قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [158]، وقد قرأها عليه الصلاة والسلام لما صعد إلى الصفا، وقال: ((نبدأ بما بدأ الله به)) (¬6) وقد تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان لبيان نصٍّ مجملٍ من كتاب الله؛ فإن ذلك الفعل يكون لازما (¬7). ¬

(¬1) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 34). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 63، 77)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 513). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 43)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 521). (¬4) منهم: جابر رضي الله عنهما، ووعروة وإسحاق وأبو ثور وداود. قال النووي: (مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ من أركان الحج لا يصح إلا به ولا يُجبَر بدمٍ ولا غيره) ((شرح صحيح مسلم)) (9/ 20). ينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 291)، و ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 222) و ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 154)، و ((المجموع)) (8/ 77). (¬5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417). (¬6) رواه مسلم (1218) بلفظ: ((أبدأ بما بدأ الله به))، وأبو داود (1905)، والترمذي (862)، والنسائي (5/ 239)، وأحمد (3/ 388) (15209)، ومالك (3/ 544) (1377)، وابن حبان (9/ 250)، (3943)، والبيهقي (1/ 85) (405). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (3/ 233): (صحيحٌ ثابتٌ من حديث جعفر)، وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 414)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (862). (¬7) قال ابن عبدالبر: (قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج ومشاعره، فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة، فصار بياناً للآية) ((الاستذكار)) (4/ 223)، وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 119)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 653)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 417).

2 - عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬1)، وقد طاف بين الصفا والمروة سبعاً، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك (¬2). 3 - عن حبيبة بنت أبي تجراة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)) (¬3). 4 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قدمتٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخٌ بالبطحاء، فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم، فقال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فقد أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة)) (¬4). فهذا أمرٌ صريحٌ دل على الوجوب، ولم يأت صارفٌ له (¬5). 5 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة، عن حجك وعمرتك)) (¬6). وجه الدلالة: أنه يُفهم من الحديث أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها إجزاءٌ عن حجها وعمرتها (¬7). ثالثاً: من أقوال الصحابة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما أتم الله حج امرئٍ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة)) (¬8). 2 - عن عروة قال: قلت لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أرى على أحدٍ لم يطف بين الصفا والمروة، شيئاً، وما أبالي أن لا أطوف بينهما، قالت: بئس ما قلت، يا ابن أختي! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاف المسلمون؛ فكانت سنة، وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية، التي بالمشَلَّل (¬9)، لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]. ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)) (¬10). وفي رواية: سألت عائشة، وساق الحديث بنحوه، وقال في الحديث: ((فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: يا رسول الله! إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة؛ فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158]، قالت عائشة: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما؛ فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بهما)) (¬11). رابعا: أنه نسكٌ في الحج والعمرة فكان ركناً فيهما كالطواف بالبيت (¬12). المبحث الثاني: التطوع بالسعي بين الصفا والمروة لا يشرع التطوع بالسعي بين الصفا والمروة لغير الحاج والمعتمر. الدليل: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن حجر (¬13)، والشنقيطي (¬14). ¬

(¬1) رواه مسلم (1297). (¬2) قال ابن عبدالبر: (ما لم يجمعوا عليه أنه سنةٌ وتطوع، فهو واجبٌ بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه) ((الاستذكار)) (4/ 223). وقال ابن كثير: (القول الأول أرجح (أي ركنية السعي)، لأنه عليه السلام طاف بينهما، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)). فكل ما فعله في حَجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم). ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471). (¬3) رواه أحمد (6/ 421) (27408)، وابن خزيمة (4/ 232) (2764)، والحاكم (4/ 79)، والبيهقي (5/ 98) (9635). من حديث بنت أبي تجرأة رضي الله عنها. قال الشافعي كما في ((الاستذكار)) (3/ 519): إسناده ومعناه جيد، وقال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (2/ 101): صحيح الإسناد والمتن، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 78)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/ 582): [فيه] عبدالله بن المؤمل فيه ضعف [وله طريق إذا انضم إليها قوي]، وصححه الألباني في ((صحيح ابن خزيمة)) (2764). (¬4) رواه البخاري (1795)، ومسلم (1221). (¬5) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 308). (¬6) رواه مسلم (1211). (¬7) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 311). (¬8) رواه البخاري (1790)، ومسلم (1277). (¬9) المشَلّل: موضع بقديد من ناحية البحر، وهو الجبل الذي يهبط إليها منه. ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 188). (¬10) رواه مسلم (1277). (¬11) رواه مسلم (1277). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194). (¬13) قال ابن حجر: ( ... إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع) ((فتح الباري)) (3/ 499). (¬14) قال الشنقيطي: ( ... إجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 430).

الفصل الرابع: الموالاة بين السعي والطواف

الفصل الرابع: الموالاة بين السعي والطواف لا تجب الموالاة بين الطواف والسعي وإن كانت مستحبة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬4). وذلك للآتي: أولاً: أن السعي عبادةٌ مستقلة، فإذا فُصِل بينها وبين غيرها بشيءٍ فلا يضر (¬5). ثانياً: أن الموالاة إذا لم تجب في نفس السعي، ففيما بينه وبين الطواف أولى (¬6). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 357)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 500). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 73)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90)، واشترط الشافعية ألا يتخلل بينهما الوقوف بعرفة، فإن تخلل الوقوف بينهما؛ فإنه يتعين حينئذٍ السعي بعد طواف الإفاضة. (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 488). (¬4) قال ابن المنذر: (قال أحمد: لا بأس أن يؤخر السعي كي يستريح، أو إلى العشي، وكان عطاء والحسن لا يريان بأساً لمن طاف بالبيت أول النهار أن يؤخر الصفا والمروة إلى العشي وفعله القاسم وسعيد بن جبير) ((الإشراف)) (3/ 292)، وينظر ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194). (¬5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 343). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352).

الفصل الخامس: شروط السعي

الفصل الخامس: شروط السعي الشرط الأول: استيعاب ما بين الصفا والمروة يشترط في صحة كل شوطٍ من أشواط السعي، قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة (¬1)، فإن لم يقطعها كلها لم يصح، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬6) (¬7). ثانياً: أن المسافة للسعي محددةٌ من قبل الشرع، والنقص عن الحد مبطل (¬8). الشرط الثاني: الترتيب بأن يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة يشترط أن يبدأ سعيه بالصفا، وينتهي بالمروة، حتى يختم سعيه بالمروة، فإن بدأ بالمروة، ألغى هذا الشوط، وهذا باتفاق المذهبة الأربعة: الحنفية (¬9) والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12) (¬13). الأدلة: ¬

(¬1) قال النووي: (لو كان راكباً اشترط أن يسير دابته، حتى تضع حافرها على الجبل أو إليه حتى لا يبقى من المسافة شيء، ويجب على الماشي أن يلصق في الابتداء والانتهاء رجله بالجبل، بحيث لا يبقى بينهما فرجة فيلزمه أن يلصق العقب بأصل ما يذهب منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه، هذا كله إذا لم يصعد على الصفا وعلى المروة، فإن صعد فهو الأكمل وقد زاد خيرا، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه في الأحاديث الصحيحة السابقة، وهكذا عملت الصحابة فمن بعدهم، وليس هذا الصعود شرطاً واجباً، بل هو سنة متأكدة) ((المجموع)) (8/ 69)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 404). (¬2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 133). (¬3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 368)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 69)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 493). (¬5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 237). (¬6) رواه مسلم (1297). (¬7) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397). (¬8) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 321). (¬9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 134). (¬10) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 368). (¬11) قال الشافعي: (ولم أعلم مخالفاً أنه إن بدأ بالمروة قبل الصفا، ألغى طوافاً حتى يكون بدؤه بالصفا) ((الأم)) (1/ 45)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 64) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90). (¬12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/ 238). (¬13) قال ابن المنذر: (وهذا قول الحسن، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الرأي ... وعن عطاء روايتان) ((الإشراف)) (3/ 290).

1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فبدأ بالصفا، فرقي عليه ... ثم نزل إلى المروة)) (¬1)، وقد قال ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2) (¬3). 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((أبدأ بما بدأ الله به)) (¬4)، وقد بدأ الله عز وجل بالصفا فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ (¬5) [البقرة: 158]. الشرط الثالث: أن يكون سبعة أشواط ¬

(¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مسلم (1297). (¬3) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397). (¬4) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. (¬5) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: () قال الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ الآية *البقرة: 158*، فبدأ بالصفا، وقال: اتبعوا القرآن فما بدأ الله به فابدءوا به)) ذكره ابن المنذر في)) الإشراف (((3/ 290) وهو في ابن أبي شيبة (3/ 790) بلفظ: ((خذ ذلك من قبل القرآن فإنه أجدر أن يحفظ قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ *البقرة: 158* فالصفا قبل المروة)).

يشترط في صحة السعي بين الصفا والمروة، أن يكون سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط، وهذا قول الجمهور (¬1): المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر رضي الله عنهما عن رجلٍ طاف بالبيت في عمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، فطاف بين الصفا والمروة سبعاً لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21])) (¬6). فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬7) (¬8). ¬

(¬1) عامة أهل العلم على أن عدد أشواط السعي سبعة أشواط: يحسب من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط، ووافق الحنفيةُ الجمهور في كون قدر السعي سبعة أشواط، وخالفوا في كون ذلك شرطاً، فالشرط عندهم أن يأتي بأكثر السعي، وهو أربعة شواط، والباقي واجبٌ يجبر تاركه بفدية. قال الكاساني: (وأما قدره فسبعة أشواط لإجماع الأمة) ((بدائع الصنائع)) (2/ 134). وقال ابن عابدين في باب الجنايات في الحج: (لو ترك ثلاثة منه أو أقل فعليه لكل شوطٍ منه صدقة إلا أن يبلغ دماً فيُخيَّر بين الدم وتنقيص الصدقة) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 556،557). (¬2) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118). (¬3) قال النووي: (إكمال سبع مرات يحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة، والرجوع من المروة إلى الصفا مرة ثانية، والعود إلى المروة ثالثة، والعود إلى الصفا رابعة، وإلى المروة خامسة، وإلى الصفا سادسة، ومنه إلى المروة سابعة، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به جماهير الأصحاب المتقدمين والمتأخرين وجماهير العلماء، وعليه عمل الناس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) للنووي (8/ 71)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/ 230). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 485). (¬5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 95رقم 830). (¬6) رواه البخاري (395)، ومسلم (1234). (¬7) رواه مسلم (1297) (¬8) قال الجصاص: (فرض الحج مجملٌ في كتاب الله ... وهو مجملٌ مفتقرٌ إلى البيان، فمهما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بيانٌ للمراد بالجملة، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب ... ومن جهةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خذوا عني مناسككم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجاب الاقتداء به في سائر أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/ 119) قال ابن كثير: (قال: ((لتأخذوا مناسككم)) فكل ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل) ((تفسير ابن كثير)) (1/ 471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوب أو غيره بالبيان، فإذا بين أمراً واجباً كالصلاة والحج وقطع السارق بالفعل، فهذا الفعل واجبٌ إجماعاً؛ لوقوعه بياناً لواجب إلا ما أخرجه دليلٌ خاص) ((أضواء البيان)) (4/ 397).

ثانياً: أن عدد أشواط السعي محددةٌ من قبل الشرع، والنقص عن الحد مبطل، كما أن النقص عن عدد كل صلاةٍ عمداً مبطلٌ لها (¬1). ثالثاً: أن عليه عمل الناس، كما نقل ذلك النووي (¬2). الشرط الرابع: أن يكون بعد الطواف اختلف أهل العلم في اشتراط تقدم الطواف على السعي على قولين: القول الأول: يشترط في صحة السعي أن يقع بعد الطواف، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم، سعى ثلاثة أطواف، ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة)) (¬7). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدِّم الطواف على السعي بدلالة كلمة (ثم) وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬8)، وفعلُهُ في المناسك يفيد الوجوب. 2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((حاضت عائشة رضي الله عنها، فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجةٍ وعمرة، وأنطلق بحج! فأمر عبدالرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج)) (¬9)، وفي روايةٍ عن عائشة رضي الله عنها: ((فقدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة)) (¬10). وجه الدلالة: أنه لولا اشتراط تقدم الطواف على السعي؛ لفعلت في السعي مثل ما فعلت في غيره من المناسك؛ فإنه يجوز لها السعي من غير طهارة (¬11). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك السرخسي (¬12)، والماوردي (¬13)، وأقره النووي (¬14). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم المنبئ عن الله عز وجل أن فرض صلاة الظهر أربع ركعات، كذلك هو المنبئ عن الله أن فرض الطواف سبع، ولا يجزئ أقل منه؛ لأن الله عز وجل قال: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ الآية، وقال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الآية فبين النبي صلى الله عليه وسلم عدد ذلك كله) ((الإشراف)) (3/ 280). (¬2) قال النووي: (وعليه عمل الناس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) للنووي (8/ 71). (¬3) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 46)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 61). (¬4) زاد المالكية أن السعي لا بد أن يكون بعد طوافٍ واجب، وإنما صحَّ بعد طواف القدوم عندهم لقولهم بوجوبه. ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 252)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 118). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 157)، ((المجموع)) للنووي (8/ 72) .. (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 639). (¬7) رواه البخاري (1616). (¬8) رواه مسلم (1297) (¬9) رواه البخاري (1651). (¬10) رواه البخاري (1556)، ومسلم (1211). (¬11) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 328)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 355). (¬12) قال السرخسي: ((إنما عرف قربة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الطواف، وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا) ((المبسوط)) (4/ 46). (¬13) قال الماوردي: (فإذا ثبت وجوب السعي فمن شرط صحته أي السعي أن يتقدمه الطواف، وهو إجماعٌ ليس يُعرَف فيه خلافٌ بين الفقهاء) ((الحاوي الكبير)) (4/ 157). (¬14) قال النووي: (شذَّ إمام الحرمين فقال في كتاب الأساليب: قال بعض أئمتنا لو قدم السعي على الطواف اعتد بالسعي. وهذا النقل غلطٌ ظاهر، مردودٌ بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدمناه عن نقل الماوردي) ((المجموع)) (8/ 72).

ثالثاً: أن السعي تابعٌ للطواف ومتممٌ له، وتابعُ الشيء لا يتقدم عليه (¬1). القول الثاني: لا يشترط لصحة السعي أن يسبقه طواف، وهذا مذهب الظاهرية (¬2)، وروايةٌ عن أحمد (¬3)، وبه قال بعض السلف (¬4)، واختاره ابن باز (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر، فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال: اذبح، ولا حرج، ثم جاءه رجل آخر، فقال: يا رسول الله، لم أشعر؛ فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: ارم، ولا حرج، قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل، ولا حرج)) (¬7). وجه الدلالة: عموم قوله: ((ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل، ولا حرج)) (¬8)، فيندرج فيه تقديم السعي على الطواف (¬9). ثانياً: عن أسامة بن شَريك رضي الله عنه قال: ((خرجتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فكان الناسُ يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف، أو قدمتُ شيئا، أو أخرتُ شيئا، فكان يقول: لا حرج، لا حرج، إلا على رجلٍ اقترض (¬10) عِرْضَ رجلٍ مسلم وهو ظالمٌ له، فذلك الذي حَرَجَ وهلك)) (¬11). ثالثاً: عن عائشة رضي الله عنها: ((أنها حاضت، وهي في طريقها إلى الحج، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) (¬12). وجه الدلالة: أنه نهاها عن الطواف بالبيت، وأمرها بأن تقضي المناسك كلها، ويدخل في هذا العموم، السعي بين الصفا والمروة (¬13). الشرط الخامس: الموالاة بين أشواط السعي اختلف أهل العلم في اشتراط الموالاة بين أشواط السعي على قولين ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 46)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 194). (¬2) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 183 رقم 845). (¬3) عن أحمد رواية ثالثة: أنه يجزيه إن كان ناسياً أو جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التقديم والتأخير في حال الجهل والنسيان، قال: (لا حرج) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 273). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 181)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 352)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 505). (¬5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 140، 17/ 339). (¬6) قال ابن عثيمين: (الإخلال بالترتيب في العمرة يخل بها تماماً؛ لأن العمرة ليس فيها إلا طواف، وسعي، وحلقٌ أو تقصير، والإخلال بالترتيب في الحج لا يؤثر فيه شيئاً؛ لأن الحج تفعل فيه خمسة أنساك في يومٍ واحد، فلا يصح قياس العمرة على الحج في هذا الباب، ويذكر عن عطاء بن أبي رباح عالم مكة رحمه الله أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة، وقال به بعض العلماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر) ((الشرح الممتع)) (7/ 273،337). (¬7) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306). (¬8) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306). (¬9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 339). (¬10) اقترض: نال منه، وقطعه بالغيبة، وهو افتعالٌ من القرض: القطع. ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 41). (¬11) رواه البخاري (1721)، ومسلم (1307). (¬12) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211). (¬13) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 505).

القول الأول: لا تشترط الموالاة بين أشواط السعي، وهو مذهب الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، وروايةٌ عن أحمد (¬3)، واختاره ابن قدامة (¬4)، وابن باز (¬5). وذلك للآتي: أولاً: أن مسمى السعي يحصل بالسعي بين الصفا والمروة سبع مرات، سواء كانت الأشواط متواليةً أو متفرقة. ثانياً: أنه نسكٌ لا يتعلق بالبيت فلم تُشترَط له الموالاة، كالرمي والحلق (¬6). القول الثاني: تُشترَط الموالاة بين أشواطه، وهو مذهب المالكية (¬7) والحنابلة (¬8)، واختاره ابن عثيمين (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سعى سعياً متوالياً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬10). ثانياً: أن السعي عبادةٌ واحدة، فاشتُرِط فيه الموالاة كالصلاة والطواف (¬11). مسألة: لو أقيمت الصلاة أثناء السعي، قطع السعي وصلى، ثم أتمَّ الأشواط الباقية، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14)، وعليه أكثر أهل العلم (¬15). الأدلة: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) (¬16) والطواف صلاة؛ فيدخل تحت عموم الخبر. إذا ثبت ذلك في الطواف بالبيت مع تأكده؛ ففي السعي بين الصفا والمروة من باب أولى (¬17). ثانياً: أن ما سبق بني على أساسٍ صحيح، وبمقتضى إذنٍ شرعي، فلا يمكن أن يكون باطلاً إلا بدليلٍ شرعي (¬18). ثالثاً: أنه فرضٌ يخاف فوته، فأشبه خروج المعتكف لصلاة الجمعة (¬19). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 16)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 73،74). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 90). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198). (¬4) قال ابن قدامة: (فأما السعي بين الصفا والمروة فظاهر كلام أحمد أن الموالاة غير مشترطةٍ فيه .. وقال القاضي: تشترط الموالاة فيه .. وحكاه أبو الخطاب روايةً عن أحمد والأول أصح) ((المغني)) (3/ 198). (¬5) قال ابن باز: (الموالاة بين أشواط السعي لا تُشترَط على الراجح) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 232). (¬6) ذُكِرَ أن سودة بنت عبدالله بن عمر امرأة عروة بن الزبير، سعت بين الصفا والمروة، فقضت طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة. رواه الأثرم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 198). (¬7) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 105،166)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 807). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 18)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 275)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (22/ 293). وقال: (لو فرض أن الإنسان اشتد عليه الزحام فخرج ليتنفس، أو احتاج إلى بولٍ أو غائطٍ فخرج يقضي حاجته ثم رجع، فهنا نقول: لا حرج؛ لعموم قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ *الحج: 78*؛ ولأنه رويت آثارٌ عن السلف في هذا؛ ولأن الموالاة هنا فاتت للضرورة وهو حين ذهابه قلبه معلقٌ بالسعي، ففي هذه الحال لو قيل بسقوط الموالاة لكان له وجه) ((الشرح الممتع)) (7/ 276). (¬10) رواه مسلم (1297). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 276). (¬12) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 227). (¬13) ((المجموع)) (8/ 79). (¬14) ((المغني لابن قدامة)) (3/ 197)، وقال إنه قول ابن عمر رضي الله عنهما، ولا يُعرف له مخالف، وينظر ((شرح منتهى الإرادات)) (2/ 234). (¬15) قال ابن المنذر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعةٍ، ثم قطع عليه بالصلاة المكتوبة أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري، فقال: يستأنف) ((الإجماع)) (ص: 55) وينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 282). وقال النووي: (لو أقيمت الصلاة المكتوبة وهو في أثناء السعي، قطعه وصلاها ثم بنى عليه، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء منهم ابن عمر وابنه سالم وعطاء وأبو حنيفة وأبو ثور). ((المجموع)) (8/ 79) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 497). (¬16) رواه مسلم (710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197). (¬18) ينظر ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 296). (¬19) ينظر ((شرح العمدة)) لابن تيمية (3/ 592).

الفصل السادس: ما لا يشترط في السعي

الفصل السادس: ما لا يشترط في السعي المبحث الأول: النية لا تشترط النية في السعي عند جمهور أهل العلم من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). وذلك للآتي: أولاً: أنَّ السعي يعتبر جزءاً من عدة أجزاء من عبادةٍ واحدة، والنية في أولها كافيةٌ عن النية في بقية أجزائها؛ لأن الحج عبادةٌ مركبةٌ من هذه الأجزاء، فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع، كما لو نوى الصلاة من أولها فلا يحتاج في كل ركوعٍ وسجودٍ من الصلاة إلى نيةٍ تخصه (¬4). ثانياً: القياس على الوقوف بعرفة، فإنه لو وقف بها ناسياً أجزأه بالإجماع (¬5). المبحث الثاني: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر لا تشترط الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر في السعي بين الصفا والمروة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9)، وهو قول أكثر أهل العلم (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها وقد حاضت: ((افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت)) (¬11). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت خاصة، فدل على أن السعي لا تشترط له الطهارة (¬12). 2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عائشة رضي الله عنها حاضت فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت)) (¬13). ثانياً: أن السعي عبادةٌ لا تتعلق بالبيت؛ فأشبهت الوقوف بعرفة (¬14). المبحث الثالث: ستر العورة: لا يُشترط ستر العورة لصحة السعي، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬15)، والمالكية (¬16)، والشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18)؛ وذلك لأنه إذا لم تُشترط الطهارة للسعي مع كونها آكد؛ فغيرها أولى (¬19). ¬

(¬1) ((المسلك المتقسط)) للقاري (ص: 93)، وقال بعد أن ذكر اشتراط الحنابلة للنية في السعي خلافاً للثلاثة: (ولعلهم أدرجوا نيته في ضمن التزام الإحرام بجميع أفعال المحرم به، فلو مشى من الصفا إلى المروة هارباً أو بائعاً أو متنزهاً أو لم يدر أنه سعى، جاز سعيه، وهذه توسعةٌ عظيمة، كعدم شرط نية الوقوف بعرفة ورمي الجمرات والحلق). (¬2) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284) وقال الشنقيطي: (وعلى هذا أكثر أهل العلم). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 17). (¬4) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284). ((الشرح الممتع لابن عثيمين)) (7/ 338). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 17) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 284). (¬6) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 135)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/ 167). (¬7) ((المدونة)) لسحنون (1/ 427) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 253) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 117). (¬8) ((الأم)) للشافعي (2/ 231)، ((المجموع)) للنووي (8/ 79). (¬9) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 17) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487). (¬10) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه إن سعى بين الصفا والمروة على غير طهرٍ أن ذلك يجزئه، وانفرد الحسن، فقال: إن ذكر قبل أن يحل، فليعد الطواف) ((الإجماع)) (ص: 56). وقال النووي: (مذهبنا ومذهب الجمهور أن السعي يصح من المحدث والجنب والحائض) ((المجموع)) (8/ 79). وقال ابن قدامة: (أكثر أهل العلم يرون أن لا يشترط الطهارة للسعي بين الصفا والمروة، وممن قال ذلك عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 197). بل نقل ابن عبدالبر الإجماع على ذلك فقال: (إجماع العلماء في السعي بين الصفا والمروة أنه جائزٌ على غير طهارة) ((الاستذكار)) (4/ 178). (¬11) رواه البخاري (305)، ومسلم (1211). (¬12) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 316). (¬13) رواه البخاري (1651). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197). (¬15) ((المسلك المتقسط)) للقاري (ص: 92). (¬16) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 165)، ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 315). (¬17) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 377)، ((المجموع)) للنووي (8/ 74)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91). (¬18) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 17)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 487). (¬19) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 197).

الفصل السابع: سنن السعي

الفصل السابع: سنن السعي المبحث الأول: الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر عليهما وبينهما يشرع إذا دنا من الصفا أن يقرأ قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ (¬1) [البقرة: 158]، ويقول: ((أبدأ بما بدأ الله به)) (¬2)، ويقتصر في قوله هذا على الصفا في المرة الأولى فقط، ويرتقي على الصفا حتى يرى الكعبة (¬3) ويستقبلها، ويكبر ثلاثاً (¬4): الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد (¬5)، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده (¬6)، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعو بما تيسر، رافعاً يديه، ويكرر ذلك (ثلاث مرات) (¬7)، ويقول ويفعل على المروة كما قال، وفعل على الصفا في الأشواط السبعة، ما عدا قراءة الآية، وقوله (نبدأ بما بدأ الله به) (¬8). ويكثر من الدعاء والذكر في سعيه، ومن ذلك: رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم (¬9). الأدلة: ¬

(¬1) قال ابن عثيمين: (يحتمل أنه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) قرأ الآية كلها؛ وكان السلف يعبرون ببعض الآية عن جميعها، ويحتمل أنه لم يقرأ إلا هذا فقط الذي هو محل الشاهد، وهو كون الصفا والمروة من شعائر الله، وكون الصفا هو الذي يبدأ به، وهذا هو المتعين؛ وذلك لأن الأصل أن الصحابة رضي الله عنهم ينقلون كل ما سمعوا وإذا لم يقل: حتى ختم الآية، أو حتى أتم الآية، فإنه يقتصر على ما نقل فقط) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 466). (¬2) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. (¬3) ويصعب الآن رؤية الكعبة فيكتفي باستقبال القبلة، يُنظَر ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (ص: 225). (¬4) وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((ويحمده)). (¬5) وفي زيادةٍ عند النسائي وابن ماجه ((يحيي ويميت)). (¬6) وفي زيادةٍ عند ابن ماجه ((لا شريك له)). (¬7) قال النووي: (يُسَنُّ أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور ويدعو ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، هذا هو المشهور عند أصحابنا، وقال جماعةٌ من أصحابنا يكرر الذكر ثلاثاً والدعاء مرتين فقط والصواب الأول) ((شرح مسلم للنووي)) (8/ 177). (¬8) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. (¬9) قال الألباني: (وإن دعا في السعي بقوله: رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم، فلا بأس لثبوته عن جمعٍ من السلف، وذكر منهم ابن مسعود وابن عمر والمسيب بن رافع الكاهلي وعروة بن الزبير) ((مناسك الحج والعمرة)) (ص: 27).

1 - عن جابر رضي الله عنه أنه قال في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به. فبدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد الله، وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبَّت قدماه (¬1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (¬2)، مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا)) (¬3) (¬4). 2 - عن مسروق أن ابن مسعود لما هبط إلى الوادي سعى فقال: ((اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم)) (¬5). وكذلك جاء عن ابن عمر أنه كان يقوله (¬6)، وكان ابن عمر يدعو فيقول: ((اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم)) (¬7). المبحث الثاني: السعي الشديد بين العلامتين الخضراوين يسن المشي بين الصفا والمروة إلا ما كان بين العلامتين الخضراوين (¬8)، فإنه يسن للرجال السعي الشديد بينهما (¬9)، وذلك في الأشواط السبعة (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - ((عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان صلى الله عليه وسلم يسعى بطن المسيل (¬11) إذا طاف بين الصفا والمروة)) (¬12). ¬

(¬1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب). (¬2) ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10). (¬3) قال النووي: (قوله (ففعل على المروة مثل ما فعل على الصفا) فيه أنه يسن عليها من الذكر والدعاء والرقي مثل ما يسن على الصفا وهذا متفقٌ عليه) ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 178). (¬4) رواه مسلم (1218). (¬5) رواه البيهقي (5/ 95) (9620). قال البيهقي: (أصح الروايات عن ابن مسعود). وقال ابن حجر: (موقوف صحيح الإسناد). ((الفتوحات الربانية)) (4/ 401)، وقال الألباني: (صح موقوفاً) ((حجة النبي)) (ص: 120). (¬6) رواه البيهقي (5/ 95) (9621). (¬7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 545) (1379)، والبيهقي (5/ 94) (9614). قال الضياء المقدسي في ((السنن والأحكام)) (4/ 182): إسناده جيد، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 68): إسناده على شرط الشيخين، وصحح إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - المناسك)) (2/ 457). (¬8) وهما عبارة عن إنارة خضراء على جانبي المسعى يُعبر عنها في كتب الفقه بالميلين الأخضرين. (¬9) قال ابن تيمية: (وإن لم يسع في بطن الوادي (يعني بين العلامتين الخضراوين) بل مشى على هيئته جميع ما بين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء ولا شيء عليه) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 128). (¬10) قال ابن المنذر: (أجمعوا ألا رَمل على النساء حول البيت، ولا في السعي بين الصفا والمروة) ((الإجماع)) (ص: 55). وقال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن ليس على النساء رملٌ في طوافهن بالبيت ولا هرولةٌ في سعيهن بين الصفا والمروة) ((التمهيد)) (2/ 78). وقال النووي: (أما المرأة ففيها وجهان (الصحيح) المشهور وبه قطع الجمهور، أنها لا تسعي في موضع السعي بل تمشي جميع المسافة سواء كانت نهاراً أو ليلاً في الخلوة؛ لأنها عورة وأمرها مبني علي الستر ولهذا لا ترمل في الطواف ... ) ((المجموع)) (8/ 75). (¬11) مسيل مياه الأمطار من الجبل. ((مقدمة فتح الباري)) لابن حجر (1/ 133)، والمراد: المكان الذي بين العلامتين الخضراوين. (¬12) رواه البخاري (1617)، ومسلم (1261).

2 - عن جابر رضي الله عنه قال: (( ... حتى إذا انصبت قدماه (¬1) في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا (¬2) مشى)) (¬3). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على استحبابه ابن عبدالبر (¬4) والنووي (¬5). المبحث الثالث: المشي بين الصفا والمروة للقادر عليه المشي بين الصفا والمروة أفضل من الركوب إلا لمن كان له عذر. الدليل: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك النووي (¬6) وابن قدامة (¬7) مسألة: من سعى بين الصفا والمروة راكبا فله حالان: الحال الأولى: أن يكون لعذر، فهذا جائز. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه فإن الناس غشوه)) (¬8). 2 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) (¬9). ثانيا: الإجماع: نقل الإجماع على جواز ذلك ابن عبدالبر (¬10) وابن قدامة (¬11) وابن القيم (¬12). الحال الثانية: من سعى بين الصفا راكباً بدون عذر فلأهل العلم فيه قولان: ¬

(¬1) انحدرت في المسعى. ((النهاية)) لابن الأثير (مادة: ص ب ب). (¬2) ارتفعت قدماه عن بطن الوادي وخرجتا منه إلى طرفه الأعلى. ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (9/ 10). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) قال ابن عبدالبر: (ولا خلاف في السعي في المسيل وهو الوادي بين الصفا والمروة، إلا أن من السلف من كان يسعى المسافة كلها بين الصفا والمروة منهم الزبير بن العوام وابنه عبدالله بن الزبير) ((الاستذكار)) (4/ 201). (¬5) قال النووي: (قوله (وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة) هذا مجمعٌ على استحبابه، وهو أنه إذا سعى بين الصفا والمروة استحب أن يكون سعيه شديداً في بطن المسيل) ((شرح مسلم)) (9/ 7). (¬6) قال النووي: (أجمعوا على أن الركوب في السعى بين الصفا والمروة ... المشي أفضل منه إلا لعذر) ((شرح مسلم)) (9/ 11). (¬7) قال ابن قدامة: (ولا خلاف أن الطواف راجلاً أفضل) ((المغني)) (1/ 199). (¬8) رواه مسلم (1273). (¬9) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276). (¬10) قال ابن عبدالبر: (هذا ما لا خلاف فيه بين أهل العلم، كلهم يقول: إن من كان له عذرٌ أو اشتكى مرضاً أنه جائزٌ له الركوب في طوافه بالبيت، وفي سعيه بين الصفا والمروة، واختلفوا في جواز الطواف راكباً لمن لم يكن له عذرٌ أو مرض) ((التمهيد)) (13/ 99). (¬11) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر) ((المغني)) (3/ 199). (¬12) قال ابن القيم: (والطواف والسعي إذا عجز عنه ماشياً، فَعَلَه راكبا اتفاقاً) ((أعلام الموقعين)) (3/ 18).

القول الأول: يجوز السعي راكباً، ولا شيء عليه، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، وهو قول طائفةٍ من السلف (¬2)، واختاره ابن حزم (¬3)، وابن قدامة (¬4)، والشنقيطي (¬5)، وابن باز (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - ((أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وسعى راكباً)) (¬7)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا ما يسوغ فعله (¬8). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد هذا محمد. حتى خرج العواتق من البيوت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل)) (¬9). ثانياً: أن الله تعالى أمر بالسعي مطلقاً، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل. القول الثاني: لا يجوز السعي راكباً من غير عذر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والحنابلة (¬12)، وبه قال الليث ابن سعد وأبو ثور (¬13)، وابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: أن السعي بين الصفا والمروة فرض، فالقياس أن يجب المشي فيه إلا لعذر (¬15). ثانياً: أنه لا دليل على جواز السعي راكباً، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما كان لعذرٍ فلا يلحق به من لا عذر له. ¬

(¬1) قال النووي: (اتفقوا على أن السعي راكباً ليس بمكروه، لكنه خلاف الأفضل؛ لأن سبب الكراهة هناك عند من أثبتها خوف تنجس المسجد بالدابة وصيانته من امتهانه بها، هذا المعنى منتفٍ في السعي، وهذا معنى قول صاحب الحاوي الركوب في السعي أخف من الركوب في الطواف) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 91)، ((المجموع)) (8/ 75،77)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/ 190). (¬2) قال ابن المنذر: (كان أنس بن مالك يطوف بينهما على حمار، وقد روينا عن عطاء، ومجاهد أنهما سعيا على دابتين، وقال الشافعي: يجزيه إن فعل ذلك) ((الإشراف)) (3/ 294). وانظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 77). (¬3) قال ابن حزم: (والطواف والسعي راكباً جائز، وكذلك رمي الجمرة لعذرٍ ولغير عذر) ((المحلى)) (7/ 180). (¬4) قال ابن قدامة: (فأما السعي راكباً فيجزئه لعذرٍ ولغير عذر) ((المغني)) (3/ 199). (¬5) قال الشنقيطي: (اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم دليلاً أنه لو سعى راكباً أو طاف راكباً أجزأه ذلك) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 321). (¬6) قال ابن باز: (وإن سعى راكباً فلا حرج، ولا سيَّما عند الحاجة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 429). (¬7) الحديث رواه مسلم (1264)، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. (¬8) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/ 322). (¬9) رواه مسلم (1264). (¬10) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 78) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 134)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم. (¬11) ((المدونة)) لسحنون (1/ 428)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 253)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 151)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي وإلا فعليه دم. (¬12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 481) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 573)، وعندهم أنه يلزمه إعادة السعي. (¬13) قال ابن عبدالبر: (وقال الليث بن سعد: الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء، لا يجزئ واحدٌ منهما راكباً، إلا أن يكون له عذر، وكذلك قال أبو ثور: من سعى بين الصفا والمروة راكباً لم يجزه، وعليه أن يعيد، ثم قال: قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضاً) ((التمهيد)) (2/ 96). (¬14) قال ابن عثيمين: (طواف الإنسان محمولاً أو الطواف بالعربية وكذلك السعي بالعربية فيه خلافٌ بين العلماء منهم من يقول: لا يجزئ إلا لعذر، ومنهم من يقول يجوز للحاجة كتعليم الناس، والذي يظهر لي أنه لا يجوز إلا لعذرٍ كالمريض، أو رجل تعبان أيضاً ورجل يعلم الناس يطاف به محمولاً يعلم الناس كيفية الطواف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين طاف على بعيره ليراه الناس ليتأسوا به، وأما بدون عذرٍ فلا يجوز) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 100). (¬15) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 96).

الفصل الثامن: أنواع السعي في الحج

الفصل الثامن: أنواع السعي في الحج المبحث الأول: سعي المفرد والقارن على المفرد والقارن سعي واحد للنسك، يقع بعد طواف القدوم، ولهما تأخيره إلى بعد طواف الإفاضة (¬1) المبحث الثاني: سعي المتمتع على المتمتع سعيان: سعي لعمرته، وسعي لحجته بعد طواف الإفاضة: يبدأ أولاً بعمرة تامة في أشهر الحج: فيطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، وبعد الوقوف بعرفة يأتي بطواف للحج وسعي له (¬2). مسألة: بعد انتهاء المتمتع من الطواف والسعي فإنه يحلق أو يقصر، والتقصير أفضل إن كان قريبا من زمن الحج، ثم يحل بذلك له التحلل كله حتى جماع النساء، أما المفرد والقارن فيبقيان على إحرامهما بعد سعي الحج، ولا يتحللون إلا يوم النحر: وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: 3 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) (¬7). 4 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه سُئِلَ عن متعة الحج فقال: أهلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلَّد الهدي، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلَّد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك، جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة وقد تم حجنا وعلينا الهدي)) (¬8). 5 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفردا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي، لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام، حتى يبلغ الهدي محله)) (¬9). 6 - عن نافع: ((أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له: إن الناس كائنٌ بينهم قتال، وإنا نخاف إن يصدوك، فقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] إذًا أصنع كما صنع رسول الله عليه وسلم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجًا مع عمرتي، وأهدى هديًا اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحل من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق، ولم يقصر، حتى كان يوم النحر، فنحر، وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬10). ثانياً: أن سعي المتمتع هو سعيٌ لعمرته، فتعلق الحلق والتحلل بالانتهاء منها، أما سعي المفرد والقارن فإنما هو سعي الحج، وهو لا يتحلل به، وإنما يتحلَّل بأعمال يوم النحر، فلا معنى للحلق أو التحلُّل بعد هذا السعي (¬11). ¬

(¬1) انظر: أعمال القارن. (¬2) انظر: أعمال المتمتع. (¬3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 149)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 43). (¬4) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 370)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 819). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 65،66)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 46). (¬6) قال ابن قدامة: (المتمتع الذي أحرم بالعمرة من الميقات، فإذا فرغ من أفعالها، وهي الطواف والسعي، قصر أو حلق، وقد حلَّ به من عمرته، إن لم يكن معه هدي؛ لما روى ابن عمر، قال: ((تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قال للناس: من كان معه هديٌ، فإنه لا يحل من شيءٍ حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالبيت، وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل)) متفقٌ عليه، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 353)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 488). (¬7) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). (¬8) رواه البخاري (1572). (¬9) رواه البخاري (1568)، ومسلم (1216). (¬10) رواه البخاري (1640)، ومسلم (1230). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 353)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 43).

الباب الثامن: يوم التروية

تمهيد: التعريف بيوم التروية يوم التروية (بفتح التاء المثناة) هو اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وسمي بذلك لأنهم كانوا يتروون يتزودون بحمل الماء معهم من مكة إلى عرفات، ويسقون، ويستقون (¬1)، وقيل غير ذلك (¬2). ويسمى أيضاً يوم النقلة؛ لأن الناس ينقلون فيه من مكة إلى منى (¬3). ¬

(¬1) ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (مادة: روي)، ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (مادة: روي)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: روي)، وانظر ((المجموع)) للنووي (8/ 81). (¬2) قال ابن حجر: (وقيل في تسميته التروية أقوال أخرى شاذة، منها: أن آدم رأى فيه حواء واجتمع بها، ومنها أن إبراهيم رأى في ليلته أنه يذبح ابنه، فأصبح متفكراً يتروى، ومنها: أن جبريل عليه السلام أرى فيه إبراهيم مناسك الحج، ومنها: أن الإمام يعلم الناس فيه مناسك الحج، ووجه شذوذها أنه لو كان من الأول لكان يوم الرؤية، أو الثاني لكان يوم التروي بتشديد الواو، أو من الثالث لكان من الرؤيا، أو من الرابع لكان من الرواية)) ((فتح الباري)) (3/ 507). (¬3) انظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 81).

الفصل الأول: الإحرام في يوم التروية لمن كان حلالا

الفصل الأول: الإحرام في يوم التروية لمن كان حلالاً يُستحَبُّ لمن كان بمكة متمتعاً واجداً الهدي أو كان من أهل مكة، أن يُحرم يوم التروية ويهل بالحج، ويفعل كما فعل عند الإحرام من الميقات؛ من الاغتسال والتطيب ولبس الإزار وغير ذلك، وهو قول الجمهور من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وابن حزم من الظاهرية (¬4)، وهو قول طائفة من السلف (¬5). الأدلة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج)) (¬6) 2 - وعنه رضي الله عنه قال: ((أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيءٌ بلغه من السماء أم شيءٌ من قبل الناس؟ فقال: أيها الناس أحلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم، قال فأحللنا حتى وطئنا النساء، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج)) (¬7). 3 - ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما ((أنه إذا كان بمكة يحرم بالحج يوم التروية، فقال له عبيد بن جريح في ذلك، فقال: إني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته)) (¬8). ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 24) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 361). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 81) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 92). (¬3) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 386) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 421). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 117). (¬5) قال النووي: (وثبت ذلك في الصحيحين عن ابن عمر من فعله، وبه قال بعض المالكية وآخرون، منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق وابن المنذر وآخرون) ((المجموع)) (7/ 181). (¬6) رواه مسلم (1218). (¬7) رواه مسلم (1216). (¬8) رواه البخاري (166)، ومسلم (1187).

الفصل الثاني: الذهاب إلى منى

الفصل الثاني: الذهاب إلى منى المبحث الأول: حكم الذهاب إلى منى في يوم التروية يسن للحاج أن يخرج من مكة إلى منى يوم التروية بعد طلوع الشمس، فيصلي خمس صلوات وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم التاسع. الأدلة: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه قال: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهلوا بالحج، وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة)) (¬1) ثانيا: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، والنووي (¬4)، وابن رشد (¬5). المبحث الثاني: السنة أن يصلوا كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع حكى ابن رشد الإجماع على ذلك (¬6). الدليل: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً)) (¬7). المبحث الثالث: هل يقصر أهل مكة بمنى؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: يقصر أهل مكة بمنى، وهذا مذهب المالكية (¬8)، وهو اختيار ابن تيمية (¬9)، وابن باز (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) رواه مسلم (1218) (¬2) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 308) (¬3) قال ابن قدامة: (قال: (ومضى إلى منى، فصلى بها الظهر إن أمكنه؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى بمنى خمس صلوات) وجملة ذلك، أن المستحب أن يخرج محرماً من مكة يوم التروية، فيصلي الظهر بمنى، ثم يقيم حتى يصلي بها الصلوات الخمس، ويبيت بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما جاء في حديث جابر، وهذا قول سفيان، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً، وليس ذلك واجباً في قولهم جميعاً) ((المغني)) (3/ 365). (¬4) قال النووي: (إذا خرجوا يوم التروية إلى منى، فالسنة أن يصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، كما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة وهذا لا خلاف فيه) ((المجموع)) (8/ 84). (¬5) قال ابن رشد (واتفقوا على أن الإمام يصلي بالناس بمنى يوم التروية، الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة) ((بداية المجتهد)) (1/ 346) (¬6) قال ابن رشد (واتفقوا على أن الإمام يصلي بالناس بمنى يوم التروية، الظهر والعصر والمغرب والعشاء بها مقصورة إلا أنهم أجمعوا على أن هذا الفعل ليس شرطاً في صحة الحج لمن ضاق عليه الوقت) ((بداية المجتهد)) (1/ 346) (¬7) رواه مسلم (694) (¬8) قال مالك: (يصلي أهل مكة ومنى بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا، يقصرون بالصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم، وأمير الحاج أيضاً كذلك إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى، قال وعلى ذلك الأمر عندنا) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13)، وينظر: التمهيد (10/ 13، 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170، 171)، ((حاشية العدوي)) (1/ 539). (¬9) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 47)، وانظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/ 481). (¬10) قال ابن باز: (ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، والسنة أن يصلوا كل صلاةٍ في وقتها قصراً بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 67). وقال أيضاً: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا آفاقيين أو من أهل مكة وما حولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 255).

1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا)) (¬1). 2 - عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات، فقيل: ذلك لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فاسترجع، ثم قال: ((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان)) (¬2). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم (¬3). القول الثاني: يتم أهل مكة بمنى، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، واختاره ابن عثيمين احتياطاً (¬7). الأدلة: أولاً: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً)) (¬8). وجه الدلالة: أن من أوجه تفسير سبب إتمام عثمان رضي الله عنه بمنى أنه تأهل بمكة، فلم يكن مسافراً، فصلى صلاة المقيم، فدل على أن أهل مكة يتمون بمنى ولا يقصرون (¬9). ثانياً: أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر، وإنما يقصر من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة (¬10). ¬

(¬1) رواه مسلم (694) (¬2) رواه البخاري (1657)، ومسلم (695) (¬3) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 68)، (17/ 299). (¬4) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 44). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 88)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 496). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 509). (¬7) قال ابن عثيمين: (لكن بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر محل تردد في أنها سفر لأهل مكة؛ لأن البيوت اتصلت بها، فصارت كأنها حي من أحياء مكة، أما مزدلفة وعرفة فهي خارج مكة فهي إلى الآن لم تصلها منازل، فالأحوط لأهل مكة في منى أن يتموا الصلاة، لاسيما وأن المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن أهل مكة ليسوا مسافرين حتى في عرفة، لكن القول الراجح أنهم مسافرون؛ لأنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في منى وفي عرفة ويقصرون، وإنما بالنسبة لمنى في الوقت الحاضر أنا أتردد في أنها تعتبر سفراً بالنسبة لأهل مكة، لأنها كما قلت أصبحت وكأنها حي من أحيائها) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 242، 293)، وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 63). ((الشرح الممتع)) (7/ 285). (¬8) رواه مسلم (694) (¬9) ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 195)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/ 570). (¬10) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61).

الفصل الثالث: حكم المبيت بمنى ليلة عرفة

الفصل الثالث: حكم المبيت بمنى ليلة عرفة يسن أن يبيت الحاج بمنى ليلة عرفة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولا: من السنة: عن جابر رضي الله عنه قال: ((ثم مكث طويلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة)) (¬5) ثانيا: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك النووي (¬6)، وابن عبدالبر (¬7). ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 24)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 503)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 361). (¬2) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 43)، ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 371). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 84). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 423)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491). قال ابن تيمية: (والسنة أن يبيت الحاج بمنى، فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 129) (¬5) رواه مسلم (1218) (¬6) قال النووي: (والسنة أن يبيتوا بمنى ليلة التاسع، وهذا المبيت سنةٌ ليس بركنٍ ولا واجب، فلو تركه فلا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلة وهذا الذي ذكرناه من كونه سنة لا خلاف فيه) ((المجموع)) (8/ 84). (¬7) قال ابن عبدالبر: (أما صلاته يوم التروية بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سنةٌ معمولٌ بها عند الجميع مستحبةٌ ولا شيء عندهم على تاركها إذا شهد عرفة في وقتها) ((الاستذكار)) (4/ 323).

الباب التاسع: يوم عرفة

الفصل الأول: التعريف بيوم عرفة والفرق بينه وبين عرفات وسبب التسمية به المبحث الأول: تعريف يوم عرفة: يوم عرفة: هو التاسع من ذي الحجة. وعرفة أو عرفات: موقف الحاج ذلك اليوم، وهي على نحو (20 كيلو متر تقريبا) (¬1). المبحث الثاني: الفرق بين عرفة وعرفات: قال النيسابوري: عرفات جمع عرفة. وقال الطبرسي: عرفات: اسمٌ للبقعة المعروفة التي يجب الوقوف بها، ويوم عرفة يوم الوقوف بها (¬2). المبحث الثالث: سبب تسمية عرفات: قيل: سميت بذلك لأن آدم عليه السلام عرف حواء فيها. وقيل: لأن جبريل عليه السلام عرَّف إبراهيم عليه السلام فيها المناسك. وقيل: لتعارف الناس فيها (¬3). وقيل: هي مأخوذة من العَرْف وهو الطيب؛ لأنها مقدسة (¬4). ¬

(¬1) انظر ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي، (مادة: عرف)، ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: عرف)، ((المجموع)) للنووي (8/ 105 - 111)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492) , ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (30/ 61). (¬2) ((معجم الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 354)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف). (¬3) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف)، ((تحرير ألفاظ التنبيه)) للنووي (ص: 354) (¬4) ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (مادة: عرف)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 415).

الفصل الثاني: فضل يوم عرفة

الفصل الثاني: فضل يوم عرفة المبحث الأول: فضل يوم عرفة للحاج أولا: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) (¬1). ثانيا: عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً من اليهود قال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3] قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة (¬2). المبحث الثاني: فضل يوم عرفة لغير الحاج: أولا: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)) (¬3). ثانيا: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) (¬4). وجه الدلالة: أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من هذه الأيام العشر فيشمله ذلك الفضل. ¬

(¬1) رواه مسلم (1348). (¬2) رواه البخاري (45)،ومسلم (3017). (¬3) رواه مسلم (1162). (¬4) رواه البخاري (969)

الفصل الثالث: حكم الوقوف بعرفة

الفصل الثالث: حكم الوقوف بعرفة المبحث الأول: حكم الوقوف بعرفة الوقوف بعرفة ركنٌ من أركان الحج، ولا يصح الحج إلا به، ومن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج. الأدلة: أولا: من القرآن قال الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 198]. وجه الدلالة: أن قوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ يدل على أن الوقوف بعرفة لا بد منه، وأنه أمرٌ مسلَّم وأن الوقوف بالمزدلفة إنما يكون بعد الوقوف بعرفة (¬1). ثانيا: من السنة: 1 - عن عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الحج عرفة)) (¬2). 2 - عن عروة بن مضرس الطائي قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفثه)) (¬3). ثالثا: الإجماع: نقل الإجماع على ركنيته: ابن عبدالبر (¬4)، وابن المنذر (¬5)، وابن قدامة (¬6). المبحث الثاني: ما المراد بالوقوف؟ المراد بالوقوف بعرفة: المكث فيها، لا الوقوف على القدمين (¬7) الدليل: أولا: من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة راكبًا، ومعلومٌ أن الراكب على البعير جالسٌ عليها وليس واقفاً عليها (¬8). ثانيا: أن الوقوف قد يراد به السكون لا القيام (¬9). ¬

(¬1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 382). (¬2) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (¬3) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬4) قال ابن عبدالبر: (أما الوقوف بعرفة فأجمع العلماء في كل عصرٍ وبكل مصر فيما علمت أنه فرضٌ لا ينوب عنه شيء، وأنه من فاته الوقوف بعرفة في وقته الذي لا بد منه فلا حج له) ((الإجماع)) لابن عبدالبر (168) (¬5) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (57). (¬6) قال ابن قدامة: (والوقوف لا يتم الحج إلا به إجماعاً) ((المغني)) (3/ 368). (¬7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 292). (¬8) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 278). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 292).

الفصل الرابع: شروط الوقوف بعرفة

الفصل الرابع: شروط الوقوف بعرفة المبحث الأول: أن يكون الوقوف في أرض عرفات تمهيد يشترط أن يكون الوقوف في أرض عرفات لا في غيرها، وعرفة كلها موقف (¬1). الدليل: أولا: من السنة: 1 - فعله صلى الله عليه وسلم، وقوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2). 2 - حديث جابر وفيه: (( ... وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف)) (¬3). ثانيا: فعل الصحابة رضي الله عنهم، ولم يثبت أن أحدًا منهم وقف خارج عرفات. المطلب الأول: ما هي حدود عرفات؟ لعرفات أربعة حدود: أحدها: ينتهي إلى حافة طريق المشرق. والثاني: إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات. والثالث: إلى البساتين التي تلي قرية عرفات، وهذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وَقَفَ بأرضِ عرفات. والرابع: ينتهي إلى وادي عرنة. (¬4). وقد وُضِعَت الآن علاماتٌ حول أرض عرفة تبين حدودها، ويجب على الحاج أن يتنبه لها؛ لئلا يقع وقوفه خارج عرفة، فيفوته الحج (¬5). المطلب الثاني: حكم الوقوف بوادي عرنة (¬6). لا يصح الوقوف بوادي عرنة، ولا المسجد المسمَّى: مسجد إبراهيم (¬7)، ويقال له أيضاً: مسجد عرنة، بل هذه المواضع خارجة عن عرفات، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬8)، والمالكية في المشهور (¬9)، والشافعية (¬10) والحنابلة (¬11) وحكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬12)، والقاضي عياض (¬13)، وسند (¬14)، والزيلعي (¬15). الدليل: ¬

(¬1) قال النووي: (يصح الوقوف في أي جزءٍ كان من أرض عرفات بإجماع العلماء) ((المجموع)) (8/ 105). (¬2) رواه مسلم (1297) (¬3) رواه مسلم (1218) (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 107). (¬5) ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (مادة: ع ر ف)، و ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ع ر ف)، ((المجموع)) للنووي (8/ 105 - 111)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492) , ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (30/ 61). (¬6) وادي عرنة: واد بحذاء عرفات بين العلمين اللذين على حد الحرم. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (مادة: عرن)، ((لسان العرب)) (مادة: عرن)، ((حاشية العدوي)) (1/ 539). (¬7) المراد بإبراهيم: ابن محمد العباسي، وقد بُني المسجد في في الدولة العباسية علامة على الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم عرفة، وقد تم وضع علامات لتحديد ماهو من عرفة وما هو من عرنة. جامع المسائل لابن تيمية - عزير شمس (4/ 160)، وينظر: ((مرقاة المفاتيح)) (5/ 1771). (¬8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 125). (¬9) قال الحطاب: (فتحصل في بطن عرنة ثلاثة أقوال الصحيح أنه ليس من عرفة ولا من الحرم) ((مواهب الجليل)) (4/ 135، 136)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 539)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 120 - 122). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 107). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367). (¬12) قال ابن عبدالبر: (ليس المسجد موضع وقوف؛ لأنه فيما أحسب من بطن عرنة الذي أمر الواقف بعرفة أن يرتفع عنه؛ وهذا كله أمرٌ مجتمعٌ عليه لا موضع للقول فيه) ((التمهيد)) (13/ 158). وقال أيضاً: (أجمع الفقهاء على أن من وقف به لا يجزئه) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 428). (¬13) قال القاضي عياض: ((اتفق العلماء على أنه لا موقف فيه [يعني بطن عرنة])) ((إكمال المعلم)) (4/ 154). (¬14) قال الحطاب: (حكى سند الاتفاق على أن بطن عرنة ليس من عرفة ولا يجزئ الوقوف به) ((مواهب الجليل)) (4/ 136)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 120 - 122). (¬15) قال الزيلعي: (عرفات كلها موقف إلا بطن عرنة) ... وعليه إجماع المسلمين فيكون حجةً على مالك في تجويز الوقوف ببطن عرنة وإيجاب الدم عليه) ((تبيين الحقائق)) (2/ 25).

حديث: ((ارفعوا عن بطن عرنة)) (¬1)، فلا يجزيه أن يقف بمكان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقف به (¬2). المطلب الثالث: هل نمرة من عرفة؟ نَمِرة (¬3) ليست من عرفة، ولا من الحرم، وإنما يُستحبُّ النزول بها بعد طلوع الشمس قبل النزول بعرفة (¬4). الدليل: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس)) (¬5). وجه الدلالة: أن فيه استحباب النزول بنمرة اذا ذهبوا من منى؛ لأن السنة أن لا يدخلوا عرفات، إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعاً (¬6). مسألة: مسجد نمرة والذي كان يسمى مسجد إبراهيم، يقع مقدمته في عرنة خارج عرفات، والتي فيها محل الخطبة والصلاة، ويقع آخره في عرفة، وقد ميز بينهما بعلامات، وقد كان قديما يميز بينهما بصخراتٍ كبارٍ فرشت هناك (¬7). المطلب الرابع: حكم من وقف بعرفة وهو لا يعلم أنه عرفة ¬

(¬1) رواه أحمد (1/ 219) (1896)، وابن خزيمة (4/ 254) (2816)، والحاكم (1/ 633)، والبيهقي (5/ 115) (9731). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الحاكم: (صحيحٌ على شرط مسلم)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (435)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (903). قال الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم ارتفعوا عن بطن عرنة يحتمل معنيين: أحدهما أن تكون عرنة من جملة ما يقع عليه اسم عرفة فيكون ذلك استثناء مما عممه بقوله عرفة كلها موقف، فكأنه قال صلى الله عليه وسلم عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة ... ويؤيد هذا التأويل أنه لم يمد عرفة من غير جهة عرنة واقتصر على أن يكون الموقف يختص بالموضع الذي يتناوله هذا الاسم، فدل ذلك على أنه احتاج إلى استثنائها كما لم يستثن ما ليس من عرفة من سائر الجهات، وإن كنا نعلم أنه لا يجوز الوقوف به، ويحتمل أن تكون عرنة ليست من عرفة ولا يتناولها اسمها فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم وارتفعوا عن بطن عرنة على معنى قصر هذا الحكم على عرفة وما قرب منها؛ ولذلك قال ارتفعوا عن بطن عرنة مع قربه من عرفة) ((شرح الموطأ)) (2/ 319). (¬2) ((الإشراف)) لابن المنذر 3/ 311، و ((التمهيد)) لابن عبدالبر 24/ 420. (¬3) نَمِرة: موضعٌ معروفٌ بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات، وعليه أنصاب الحرم، وفيها كان ينزل خلفاؤه الراشدون، وبها الأسواق وقضاء الحاجة والأكل ونحو ذلك. ((المجموع)) للنووي (8/ 81)، ((مجموع الفتاوى)) (26/ 161). (¬4) قال النووي: (أما نمرة فليست أيضاً من عرفات بل بقربها، هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي في مختصر الحج الأوسط وفي غيره وصرح به أبو علي البندنيجي والأصحاب ونقله الرافعي عن الأكثرين، وقال صاحب الشامل وطائفة: هي من عرفات. وهذا الذي نقله غريبٌ ليس بمعروفٍ ولا هو في الشامل ولا هو صحيح، بل إنكار للحس ولما تطابقت عليه كتب العلماء) ((المجموع)) للنووي (8/ 85)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 129، 130، 161)، ((حاشية العدوي)) (1/ 538)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: نمر). (¬5) رواه مسلم (1218) (¬6) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 180)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 468). (¬7) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 296))، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 862).

من وقف بعرفة محرماً في زمن الوقوف وهو لا يعلم أنه بعرفة، فإنه يجزئه باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((وقد أتى عرفات، قبل ذلك ليلاً أو نهاراً)) (¬5) ثانياً: أنه لا تشترط النية لصحة الوقوف بعرفة (¬6). ثالثاً: أن الركن قد حصل وهو الوقوف ولا يمتنع ذلك بالإغماء والنوم كركن الصوم (¬7). رابعاً: أنه وقف بها في زمن الوقوف وهو مكلف، فأشبه إذا علم أنها عرفة (¬8). المطلب الخامس: حكم من وقف بغير أرض عرفات: إن غلط الناس فوقفوا في غير أرض عرفات، يظنونها عرفات لم يجزئهم، ويلزمهم القضاء سواء كانوا جمعاً كثيراً أو قليلاً. الأدلة: أولاً: الإجماع: نقله النووي (¬9). ثانياً: أن الوقوف بأرض عرفات شرطٌ من شروط صحة الوقوف. ثالثاً: لتفريطهم (¬10). المبحث الثاني: أن يكون الوقوف في زمان الوقوف تمهيد: يشترط لصحة الوقوف بعرفة أن يكون في وقت الوقوف الأدلة: أولا: من السنة: وقوفه صلى الله عليه وسلم في زمن الوقوف، وقوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬11). ثانياً: الإجماع: نقله ابن حزم (¬12). المطلب الأول: أول وقت الوقوف بعرفة: ¬

(¬1) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 151)، و ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 50). (¬2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (4/ 286). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 94،119). (¬4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 494). (¬5) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬6) قال النووي: (لو وقف بعرفة ناسياً أجزأه بالإجماع) ((المجموع)) للنووي (8/ 17)، وينظر: ((كشاف القناع)) البهوتي (2/ 494)، ((المجموع)) للنووي (8/ 17) (¬7) ((الهداية)) للمرغياني (1/ 151). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة 3/ 372. (¬9) قال النووي: (إن غلطوا في المكان فوقفوا في غير أرض عرفات يظنونها عرفات لم يجزهم بلا خلاف) ((المجموع)) (8/ 292)، وانظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (19/ 155). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 292). (¬11) رواه مسلم (1297) (¬12) قال ابن حزم: (فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقتٍ لا يختلف اثنان في أنه لا يجزيه فيه) ((المحلى)) (7/ 191رقم 858) ..

يبدأ الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم التاسع من ذي الحجة، وهو قول الجمهور (¬1) من الحنفية (¬2) والمالكية (¬3) والشافعية (¬4) ورواية عن أحمد (¬5). وحكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬6)، وابن حزم (¬7)، والقرطبي (¬8). الأدلة: أولا: من السنة: 1 - فعله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: «فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس» (¬9)، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬10). ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال، وكذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم إلى اليوم، وما نُقِلَ أن أحدًا وقف قبل الزوال (¬11). المطلب الثاني: آخر وقت الوقوف بعرفة: ينتهي الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم النحر، فمن أتى إلى عرفة بعد فجر يوم النحر فقد فاته الحج الأدلة: أولا من السنة: 1 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) (¬12). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) قال القاضي أبو الطيب والعبدري: (هو قول العلماء كافة إلا أحمد فإنه قال: وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم النحر) ((المجموع)) للنووي (8/ 120)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 259). (¬2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 125). (¬3) ((الكافي)) لابن عبدالبر 1/ 359، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 37). (¬4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 97). (¬5) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29). (¬6) قال ابن عبدالبر: (ولا يجزئ الوقوف بالنهار قبل الزوال بإجماع، ولا حكم له، وإنما أول وقت الوقوف بعد جمع الصلاتين: الظهر والعصر في أول وقت الظهر) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) (1/ 359). (¬7) قال ابن حزم: (فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف في وقتٍ لا يختلف اثنان في أنه لا يجزيه فيه. وقد تيقن الإجماع من الصغير, والكبير, والخالف, والسالف: أن من وقف بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد طلوع الفجر من الليلة الحادية عشرة من ذي الحجة فلا حج له) ((المحلى)) (7/ 191رقم 858). وقال أيضاً: (وأجمعوا أن وقت الوقوف ليس قبل الظهر في التاسع من ذي الحجة) ((مراتب الإجماع)) (42). وتعقبه شيخ الإسلام قائلا: قلت: (أحد القولين بل أشهرهما في مذهب أحمد أنه يجزئ الوقوف قبل الزوال وإن أفاض قبل الزوال لكن عليه دم كما لو أفاض قبل الغروب) ((مراتب الإجماع)) (ص: 42) (¬8) وقال القرطبي: (أجمع أهل العلم على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال، ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يُعتدُّ بوقوفه ذلك قبل الزوال) ((تفسير القرطبي)) (2/ 415). (¬9) رواه مسلم (1218) (¬10) رواه مسلم (1297) (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 120). (¬12) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسنٌ صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيحٌ ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252).

نقله ابن المنذر (¬1)، وابن حزم (¬2)،وابن عبدالبر (¬3)، وابن قدامة (¬4). المسألة الأولى: ما هو قدر الوقوف المجزئ؟ من وقف بعرفة ولو لحظة من زوال شمس يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، قائمًا كان أو جالسًا أو راكبًا فإنه يجزئه، وهو مذهب الجمهور: الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). الدليل: عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) (¬8). ثانياً: أنه إذا وقف لحظةً في زمن الوقوف صدق عليه أنه وقف بعرفات. المسألة الثانية: إلى متى يجب الوقوف بعرفة لمن وافاها نهارا؟ ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص 57). (¬2) قال ابن حزم: (قد تيقن الإجماع من الصغير, والكبير, والخالف, والسالف: أن من وقف بها قبل الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة أو بعد طلوع الفجر من الليلة الحادية عشرة من ذي الحجة فلا حج له) ((المحلى)) (7/ 191رقم 858). ملاحظة: لعل قول ابن حزم: (من الليلة الحادية عشر) سبق قلم، ولعل الصواب من الليلة العاشرة. (¬3) قال ابن عبدالبر: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة أبي أيوب إذ فاته الحج، وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود إذ فاته الحج أيضاً، فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحدٍ منهما أن يحل بعمل عمرة ثم يحج من قابل ويهدي، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعةٍ إذا رجع، وهذا أمرٌ مجتمعٌ عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة إلا يوم النحر) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 201). (¬4) قال ابن قدامة: (آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذٍ فاته الحج، لانعلم فيه خلافًا) ((المغني)) (3/ 454)، الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (3/ 433). (¬5) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 126). (¬6) ((المجموع)) للنووي (8/ 103) (¬7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 494). (¬8) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252).

يجب الوقوف بعرفة لمن وافاها نهارًا إلى غروب الشمس، ولا يجوز له الدفع قبل الغروب، فإن دفع أجزأه الوقوف وعليه دم، وهذا مذهب الحنفية (¬1) والحنابلة (¬2) وهو قول للمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، واختاره اللخمي وابن العربي، ومال إليه ابن عبدالبر (¬5) وهو اختيار ابن باز (¬6) واستحسنه ابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: حديث جابر: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء. فرحلت له. فأتي بطن الوادي. فخطب الناس ... ثم أذن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر. ولم يصل بينهما شيئاً. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أتى الموقف)) (¬8) وجه الدلالة: أن مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى الغروب مع كون الدفع بالنهار أرفق بالناس يدل على وجوبه لأنه لو كان جائزاً لاختاره النبي صلى الله عليه وسلم فإنه: ((ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)) (¬9). ثانياً: أن تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الدفع إلى ما بعد غروب الشمس، ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب مع أن وقت المغرب قد دخل يدل على أنه لا بد من البقاء إلى هذا الوقت (¬10). ثالثاً: أن في الدفع قبل الغروب مشابهة لأهل الجاهلية حيث يدفعون قبل غروب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال، كعمائم الرجال على رؤوس الرجال (¬11). رابعاً: أنه لو كان جائزًا لرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل الغروب. المسألة الثالثة: حكم من دفع قبل غروب شمس التاسع ثم عاد قبل فجر العاشر ¬

(¬1) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 478)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 366). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 370). (¬3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132)، (¬4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 97)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (3/ 299). (¬5) قال ابن عبدالبر: (لا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك، ولا روينا عن أحد من السلف، وقال سائر العلماء: كل من وقف بعرفة بعد الزوال أو في ليلة النحر فقد أدرك الحج) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 21)، وينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132). (¬6) قال ابن باز: (من وقف بعد الزوال أجزأه فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعد إلى عرفة ليلا ًأعني ليلة النحر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 142). (¬7) قال ابن عثيمين: (ولو قيل بالقول الثالث الذي يلزمه الدم إذا دفع قبل الغروب مطلقاً، إلا إذا كان جاهلاً ثم نبه فرجع ولو بعد الغروب فلا دم عليه، لكان له وجه؛ وذلك لأنه إذا دفع قبل الغروب فقد تعمد المخالفة فيلزمه الدم بالمخالفة، ورجوعه بعد أن لزمه الدم بالمخالفة لا يؤثر شيئاً، أما إذا كان جاهلاً ودفع قبل الغروب، ثم قيل له: إن هذا لا يجوز فرجع ولو بعد الغروب، فإنه ليس عليه دم، وهذا أقرب إلى القواعد مما ذهب إليه المؤلف) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 301). (¬8) رواه مسلم (1218) (¬9) رواه البخاري (6786)، انظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 387، 388). (¬10) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 388، 389). (¬11) ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 477)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 388).

من دفع قبل غروب شمس يوم التاسع ثم عاد قبل فجر يوم النحر أجزأه الوقوف, هولا شيء عليه، وهو قول الجمهور من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو قول للحنفية (¬4)، واختاره الكمال ابن الهمام (¬5). وذلك للآتي: أولا: أنه استدرك ما فاته وأتى بما عليه, لأن الواجب عليه الإفاضة بعد غروب الشمس, وقد أتى به فيسقط عنه الدم كمن جاوز الميقات حلالاً ثم عاد إلى الميقات وأحرم (¬6). ثانياً: أنه لو وقف بها ليلاً دون النهار لم يجب عليه دم (¬7). ثالثاً: أنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الليل والنهار (¬8). المسألة الرابعة: حكم من وقف بعرفة ليلا فقط من لم يقف بعرفة إلا ليلة العاشر من ذي الحجة فإنه يجزئه ولا يلزمه شيء، ولكن فاتته الفضيلة. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر مناديا فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)) (¬9). 2 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) (¬10). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 422)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 132). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 174)، ((المجموع)) للنووي (8/ 119). (¬3) ((الإنصاف)) للماوردي (4/ 24)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 495). (¬4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 50، 51). (¬5) قال الكمال ابن الهمام: (الواجب مقصود النفر بعد الغروب ووجوب المد ليقع النفر كذلك فهو لغيره، وقد وجد المقصود فسقط ما وجب له كالسعي للجمعة في حق من في المسجد. وغاية الأمر فيه أن يهدر ما وقفه قبل دفعه في حق الركن، ويعتبر عوده الكائن في الوقت ابتداء وقوفه، أليس بذلك يحصل الركن من غير لزوم دم). ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 478). (¬6) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51). (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 174). (¬8) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 495). (¬9) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا) وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). (¬10) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252).

نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬1) , وابن عبدالبر (¬2)، وابن قدامة (¬3) , النووي (¬4). المسألة الخامسة: الخطأ في زمن الوقوف أولاً: الخطأ في زمن الوقوف بالتقديم إذا كان الخطأ في التقديم: بأن أخطأ الناس جميعاً فوقفوا يوم الثامن يوم التروية وأمكن أن يقفوا في التاسع فإنه لا يجزئ، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬5) , والمالكية في المشهور (¬6)، والشافعية (¬7)، وذلك لأن التدارك ممكن في الجملة بأن يزول الاشتباه في يوم عرفة (¬8). ثانياً: الخطأ في زمن الوقوف بالتأخير إذا كان الخطأ في التأخير بأن أخطأ الناس فوقفوا يوم النحر وكان الخطأ من الجميع أو الأكثر فحجهم صحيح باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12).نقل النووي الاتفاق على ذلك (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: حديث: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) (¬14) ثانياً: أن الهلال هو اسم لما اشتهر عند الناس وعملوا به لا لما يطلع في السماء (¬15). ثالثاً: أن في القول بعد الإجزاء حرج شديد؛ لعموم البلوى به، وتعذر الاحتراز عنه، والتدارك غير ممكن، وفي الأمر بقضاء الحجيج كلهم حرج بين، فوجب أن يكتفى به عند الاشتباه (¬16). رابعاً: أنهم فعلوا ما أمروا به، ومن فعل ما أمر به على وجه ما أمر به فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأننا لو ألزمناه بالقضاء لأوجبنا عليه العبادة مرتين (¬17). المبحث الثالث: أن يكون الواقف أهلاً للحج ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على من وقف بها من ليل، أو نهار بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج، وانفرد مالك، فقال: عليه الحج من قابل). ((الإجماع)) لابن المنذر (57). ملاحظة: انفراد مالك هو في قوله بعدم الإجزاء في الوقوف نهارا بعد الزوال، لأن الركن عنده الوقوف بالليل. (¬2) قال ابن عبدالبر: (أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلاً يجزئ عن الوقوف بالنهار). ((الإجماع)) لابن عبدالبر (169). (¬3) قال ابن قدامة: (من لم يدرك جزءاً من النهار، ولا جاء عرفة، حتى غابت الشمس، فوقف ليلاً، فلا شيء عليه، وحجه تام. لا نعلم فيه مخالفاً) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 371)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 436). (¬4) قال النووي: (أما من لم يحضر عرفات إلا في ليلة النحر فحصل فيها قبل الفجر- وقيل بالمذهب إنه يصح وقوفه – فلا دم عليه بلا خلاف، وإنما الخلاف فيمن وقف نهاراً ثم انصرف قبل الغروب لأنه مقصر بالاعراض وقطع الوقوف والله أعلم) ((المجموع)) للنووي (8/ 102). (¬5) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618). (¬6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 259)، ((التاج والإكليل)) للعبدري (3/ 95). (¬7) ((المجموع)) للنووي (8/ 293). (¬8) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618). (¬9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618). (¬10) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 37). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 292). (¬12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 513)، و ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 66). (¬13) قال النووي: (اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع كثير على العادة أجزأهم). ((المجموع)) للنووي (8/ 293). (¬14) رواه الترمذي (697)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 164). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 159)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 280)، وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (6/ 283). (¬15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 525)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 414). (¬16) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 618). (¬17) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 414، 415).

يشترط في صحة الوقوف بعرفة أن يكون الواقف أهلاً للحج، وذلك كما يلي: أولاً: أن يكون مسلماً؛ لأن غير المسلم لا يصح منه الحج (¬1). ثانياً: أن يكون محرماً؛ لأن غير المحرم ليس أهلاً للحج، ولم يكن في إحرام حتى يصح منه الوقوف (¬2). ثالثاً: أن يكون عاقلاً؛ لأن المجنون لا يصح وقوفه إذ إنه فاقد لعقله الذي هو مناط التكليف (¬3). المبحث الرابع: حكم من وقف بعرفة على غير طهارة يجزئ الوقوف بعرفة على غير طهارة، ولا شيء عليه ولكن يستحب له أن يكون على طهارة (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((اصنعي كل ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) (¬5) .. وجه الدلالة: أن استثناء الطواف من عمل الحائض في الحج حتى تطهر، يدل على عدم اشتراط الطهارة لغيره من أعمال الحاج، ومن جملة ذلك الوقوف بعرفة. 2 - عن عروة بن مضرس الطائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارا ًفقد تم حجه وقضى تفثه)) (¬6). وجه الدلالة: أن هذا الحديث وغيره من أحاديث الوقوف بعرفة مطلق عن شرط الطهارة (¬7). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬8)، وابن قدامة (¬9). المبحث الخامس: هل يشترط ستر العورة واستقبال القبلة للوقوف بعرفة؟ لا يشترط للواقف بعرفة أن يستر عورته أو أن يستقبل القبلة، وحكاه ابن قدامة إجماعًا (¬10). المبحث السادس: حكم وقوف النائم من وقف بعرفة وهو نائم فقد أدرك الحج باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14). وذلك للآتي: أولاً: أنه أتى بالقدر المفروض، وهو حصوله كائنا بعرفة (¬15). ثانياً: أنه نسك غير متعلق بالبيت فلا تشترط له الطهارة، كرمي الجمار (¬16). ثالثاً: أن النائم في حكم المستيقظ فهو من أهل العبادات، لذا فإنه إن نام في جميع النهار صح صومه (¬17). المبحث السابع: حكم وقوف المغمى عليه ¬

(¬1) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298). (¬2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298). (¬3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 298). (¬4) قال الإمام أحمد: (يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء). انظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 435). (¬5) رواه مسلم (1211). (¬6) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127). (¬8) (57) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنه من وقف بعرفات على غير طهارة، أنه مدرك للحج ولا شيء عليه). ((الإجماع)) لابن المنذر (57) (¬9) قال ابن قدامة: (ولا يشترط للوقوف طهارة ولا ستارة ولا استقبال ولا نية ولا نعلم في ذلك خلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372). (¬10) قال ابن قدامة: (ولا يشترط للوقوف طهارة ولا ستارة ولا استقبال ولا نية ولا نعلم في ذلك خلافاً). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372). (¬11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127). (¬12) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 133). (¬13) ((المجموع)) للنووي (8/ 94). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372). (¬15) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127). (¬16) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127). (¬17) انظر: ((المجموع)) للنووي (8/ 94).

من وقف بعرفة وهو مغمى عليه فإنه يجزئه الوقوف، وهو مذهب الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، ووجه عند الشافعية (¬3)، وتوقف فيه أحمد (¬4)، واختاره الشنقيطي (¬5) , وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عروة بن مضرس الطائي قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالموقف - يعني بجمع - فقلت: يا رسول الله, أهلكت مطيتي, واتعبت نفسي, والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه, فهل لي من حج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى قبل ذلك عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)) (¬7). وجه الدلالة: أن من وقف بعرفة وهو مغمى عليه فقد أتى بالقدر المفروض، وهو حصوله كائناً بعرفة، فحصل الركن، ولا يمتنع ذلك بالإغماء والنوم كركن الصوم (¬8). ثانياً: أن الوقوف ليس بعبادة مقصودة ولهذا لا يتنفل به، فوجود النية في أصل العبادة وهو الإحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف (¬9). ثالثاً: أن الوقفوف بعرفة لا يعتبر له نية ولا طهارة، ويصح من النائم، فصح من المغمى عليه، كالمبيت بمزدلفة (¬10). ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 51)، و ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 151). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 133). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 104). (¬4) قال ابن قدامة: (وقد توقف أحمد - رحمه الله - في هذه المسألة، وقال: الحسن يقول بطل حجه، وعطاء يرخص فيه). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372). (¬5) قال الشنقيطي: (ليس في وقوف المغمى عليه نص من كتاب ولا سنة يدل على صحته أو عدمها، وأظهر القولين عندي قول من قال بصحته لما قدمنا من أنه لا يشترط له نية تخصه، وإذا سلمنا صحته بدون النية، كما قدمنا أنه هو الصواب فلا مانع من صحته من المغمى عليه، كما يصح من النائم). ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439). (¬6) قال ابن عثيمين: (وقوفه صحيح؛ لأن عقله باق لم يزل وهذا هو الراجح). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 299). (¬7) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): صحيح ثابت، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 127)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 151)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 257). (¬9) ((البحرالرائق)) لابن نجيم (2/ 379). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 372).

الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة

الفصل الخامس: سنن ومستحبات الوقوف بعرفة المبحث الأول: الغسل للوقوف بعرفة يستحب الاغتسال للوقوف بعرفة، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , الشافعية (¬3) , والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر. (¬5) ثانياً: عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة. (¬6) ثالثاً: أنه قربة يجتمع لها الخلق في موضع واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيدين. المبحث الثاني: السير من منى إلى عرفة صباحاً بعد طلوع شمس يوم عرفة. يسن السير من منى إلى عرفة صباحًا بعد طلوع شمس يوم عرفة. الدليل: عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة)) (¬7). المبحث الثالث: خطبة عرفة المطلب الأول: تُسن خطبة عرفة يسن للإمام أن يخطب بعرفة بعد الزوال قبل الصلاة، باتفاق المذاهب الأربعة (¬8): الحنفية (¬9) , والمالكية (¬10) , والشافعية (¬11) , والحنابلة (¬12). الدليل: عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا ... )) (¬13). المطلب الثاني: هل خطبة عرفة خطبتان أو خطبة واحدة؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين: القول الأول: أن خطبة عرفة خطبتان يفصل بينهما بجلسة خفيفة، وهو قول الجمهور من: الحنفية (¬14) , والمالكية (¬15) , والشافعية (¬16). ودليل ذلك: القياس على خطبة الجمعة. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 35)، و ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 17). (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/ 378)، و ((حاشية العدوي)) (2/ 533). (¬3) ((الأم)) للشافعي (1/ 265)،و ((المجموع)) للنووي (7/ 211). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 427)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 151). (¬5) رواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/ 119)، والبيهقي (3/ 278) (6343). وحسنه ابن الأثير في ((شرح مسند الشافعي)) (2/ 175)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (1/ 177). (¬6) ((موطأ مالك)). (¬7) رواه مسلم (1218) (¬8) قال النووي: (وهو سنة باتفاق جماهير العلماء). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 182). (¬9) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 504). (¬10) ((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 416). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) (1/ 495). (¬12) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491). (¬13) رواه مسلم (1218) (¬14) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 504). (¬15) ((المدونة)) للإمام مالك (1/ 231)، و ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 416). (¬16) ((المجموع)) للنووي (8/ 86)، و ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 495).

القول الثاني: أن خطبة عرفة خطبة واحدة، وهذا مذهب الحنابلة (¬1)، واختاره ابن القيم (¬2)، وابن عثيمين (¬3). الدليل: عن جابر عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا ... )) (¬4). وجه الدلالة: أنه ليس فيه إلا خطبة واحدة (¬5). المبحث الرابع: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة المطلب الأول: الجمع بين الصلاتين يوم عرفة يسن للحاج الجمع بين الظهر والعصر بعرفة تقديمًا في وقت الظهر. الدليل: فعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر، وفيه: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا)) (¬6). عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم، أن الحجاج بن يوسف، عام نزل بابن الزبير رضي الله عنهما، سأل عبدالله رضي الله عنه، كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: ((إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبدالله بن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة، فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل تتبعون في ذلك إلا سنته)) (¬7). الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬8)، وابن عبدالبر (¬9)، والنووي (¬10)،وابن دقيق العيد (¬11)، وابن تيمية (¬12). المطلب الثاني: سبب الجمع بعرفة والمزدلفة اختلف أهلُ العلم في سبب الجمع بعرفة والمزدلفة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن سبب الجمع بعرفة والمزدلفة السفر، فلا يجمع من كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14) (¬15). الأدلة: ¬

(¬1) ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 387)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491). (¬2) قال ابن القيم: (خطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين، جلس بينهما). ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 234). (¬3) قال ابن عثيمين: ((حديث جابر ليس فيه إلا خطبة واحدة)). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11). (¬4) رواه مسلم (1218) (¬5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/ 11). (¬6) رواه مسلم (1218) (¬7) رواه البخاري (1662) (¬8) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة يوم عرفة، كذلك من صلى وحده). ((الإجماع)) لابن المنذر (57). (¬9) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا أن الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة مع الإمام سنة مجتمع عليها). ((الاستذكار)) لابن المنذر (4/ 325). (¬10) قال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الامام). ((المجموع)) للنووي (8/ 92)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 184، 185). (¬11) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220). (¬12) قال ابن تيمية: (النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه) ((جامع المسائل لابن تيمية)) لعزير شمس (6/ 336). (¬13) قال النووي: (قال أكثر أصحاب الشافعي هو بسبب السفر فمن كان حاضرا أو مسافرا دون مرحلتين كأهل مكة لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر). ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 185،187)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396). (¬14) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 298). (¬15) وبه قال طائفة من السلف، منهم: سالم بن عبدالله، الأوزاعي، وأبو يوسف، وأشهب، وفقهاء أصحاب الحديث. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 187).

أولاً: نصوص جمع النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، ومنها: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: ((جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء)) (¬1). ثانياً: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة والمزدلفة: عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (¬2). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، وهو مسافر، وهو وصف مناسبٌ ومعهود للجمع، ولا أثر للنسك في ذلك، بدليل عدم الجمع في منى (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم (706) (¬2) رواه مسلم (1218) (¬3) قال ابن عبدالبر: (روى مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبدالله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟). قال ابن عبدالبر: (فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا وهو أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة, ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين للمسافر رخصة وتوسعة, ولو كان الجمع على ما قال ابن القاسم والعراقيون من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر لكان ذلك أشد ضيقاً وأكثر حرجاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها لأن وقت كل صلاة أوسع ومراعاته أمكن من مراعاة طرفي الوقتين ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا وبالله توفيقنا). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 176)، ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220).

القول الثاني: أن سبب ذلك النسك، فيجوز الجمع للحاج حتى لمن كان دون مسافة قصر، كأهل مكة، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، وهو وجهٌ للشافعية (¬3)، وقول للحنابلة (¬4)، واختاره الطبري (¬5)، وابن قدامة (¬6) (¬7) , وابن باز (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (¬9). وجه الدلالة: ¬

(¬1) قال ابن نجيم: (هذا الجمع لا يختص بالمسافر لأنه جمع بسبب النسك فيجوز لأهل مكة ومزدلفة ومنى وغيرهم). ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 366)، وينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 16)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 24). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 332). (¬3) ((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396). (¬4) قال ابن تيمية: (الجمع بين الصلاتين قد يقال إنه لأجل النسك كما تقوله الحنفية وطائفة من أصحاب أحمد، وهو مقتضى نصه؛ فإنه يمنع المكي من القصر بعرفة ولم يمنعه من الجمع). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 45). (¬5) قال الطبري: ((جمعه - صلى الله عليه وسلم - بالناس بعرفة دليل على جواز الجمع في السفر القصير، إذ لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم -، فإن الجمع بعلة النسك)). ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 28). (¬6) قال ابن قدامة: (يجوز الجمع لكل من بعرفة، من مكي وغيره ... وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً، إلحاقاً له بالقصر، وليس بصحيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال: (أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخطأ. وقد كان عثمان يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، ولم يترك الجمع. وروي نحو ذلك عن ابن الزبير. قال ابن أبي مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك. فذكر أنه قال: إذا أفاض، فلا صلاة إلا بجمع. رواه الأثرم. وكان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367). (¬7) وبه قال بعض السلف منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، ومكحول، والنخعي. ((المجموع)) للنووي (4/ 371). (¬8) قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصرا، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصرا في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209). (¬9) رواه مسلم (1218)

أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم، ولم يأمرهم بترك الجمع، كما أمرهم بترك القصر حين قال: (أتموا، فإنا سفر)، ولو حرم الجمع لبينه لهم، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يقر النبي صلى الله عليه وسلم على الخطأ، كما أنه لم ينقل عن أحد من أهل مكة التخلف عن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم (¬1). ثانياً: أن عثمان رضي الله عنه مع كونه أتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً، إلا أنه لم يترك الجمع (¬2). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على سنية الجمع بعرفة والمزدلفة جماعة من أهل العلم مما يدل على أن سبب الجمع النسك لا السفر: وممن نقله ابن المنذر (¬3)، وابن عبدالبر (¬4)، وابن رشد (¬5)، وابن قدامة (¬6)، وابن دقيق العيد (¬7)، وابن تيمية (¬8)، وابن جزي (¬9). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (السنة المعلومة يقينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر أحداً من الحجاج معه من أهل مكة أن يؤخروا العصر إلى وقتها المختص ولا يعجلوا المغرب قبل الوصول إلى مزدلفة فيصلوها إما بعرفة وإما قريباً من المأزمين هذا مما هو معلوم يقيناً ولا قال هذا أحد بل كلامه ونصوصه تقتضي أنه يجمع بين الصلاتين ويؤخر المغرب جميع أهل الموسم كما جاءت به السنة). ((مجموع الفتاوى)) (22/ 89)، وينظر: ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 28). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366). (¬4) قال ابن عبدالبر: (قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على أن الجمع بين الصلاتين بعرفة الظهر والعصر في أول وقت الظهر والمغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء وذلك سفر مجتمع عليه وعلى ما ذكرنا فيه فكل ما اختلف فيه من مثله فمردود إليه). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 203)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/ 206). (¬5) أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في وقت العشاء سنة أيضا. واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين. ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 170). (¬6) قال ابن قدامة: (كان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين. ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه، فلا يعرج على غيره). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366،367). (¬7) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف في جواز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة). ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 220). (¬8) قال ابن تيمية: (النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بعرفة في وقت الأولى، وهذا الجمع ثابت بالسنة المتواترة وباتفاق المسلمين عليه) ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 336). (¬9) قال ابن جزي: (يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لأسباب وهي بعرفة والمزدلفة اتفاقاً) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 57).

القول الثالث: أن سبب ذلك الحاجة ورفع الحرج، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن (¬1)، واختاره ابن تيمية (¬2)، وابن عثيمين (¬3). وذلك للآتي: أولا أن الجمع بين الصلاتين لم يعلق بمجرد السفر في شيء من النصوص، بل النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلا بعرفة والمزدلفة، وكان بمنى يقصر ولا يجمع، وكذلك في سائر سفر حجته، ولا يجمع لمجرد النسك، فإنه لو كان للنسك لجمع من حين أحرم (¬4). ¬

(¬1) فقد ذهبا إلى أن جواز الجمع للحاجة إلى امتداد الوقوف بدليل أنه لا جمع على من ليس عليه الوقوف، وأن الحاج يحتاج إلى الدعاء في وقت الوقوف، فشرع الجمع لئلا يشتغل عن الدعاء. ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 24)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470). (¬2) قال ابن تيمية: ((معلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر ولا لسفر أيضاً, فإنه لو كان جمعه للسفر لجمع في الطريق ولجمع بمكة كما كان يقصر بها, ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, ولم يجمع بمنى قبل التعريف, ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى, بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب, ويصليها في وقتها ولا جمعه أيضا ًكان للنسك فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم فإنه من حينئذ صار محرماً فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر فهكذا جمعه بالمدينة الذي رواه ابن عباس وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا)). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 77). وقال أيضاً: (الصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر كما قصر للسفر؛ بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة وكان جمع عرفة لأجل العبادة وجمع مزدلفة لأجل السير الذي جد فيه وهو سيره إلى مزدلفة وكذلك كان يصنع في سفره: كان إذا جد به السير أخر الأولى إلى وقت الثانية ثم ينزل فيصليهما جميعاً كما فعل بمزدلفة. وليس في شريعته ما هو خارج عن القياس؛ بل الجمع الذي جمعه هناك يشرع أن يفعل نظيره كما يقوله الأكثرون). ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 45، 46). (¬3) قال ابن عثيمين في سياق ذكره للأقوال في سبب الجمع: (وقيل: المصلحة والحاجة وهو الأقرب فجمع عرفة لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، ولأن الناس يتفرقون في الموقف فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلي الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلي تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وهذا عين الصواب والمصلحة لجمعه بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 256). (¬4) مجموع الفتاوى (24/ 77)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 330)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 255).

ثانيا: أن الجمع بعرفة كان لمصلحة طول زمن الوقوف والدعاء، لأن الناس يتفرقون في الموقف, فإن اجتمعوا للصلاة شق عليهم، وإن صلوا متفرقين فاتت مصلحة كثرة الجمع، أما في مزدلفة فهم أحوج إلى الجمع، لأن الناس يدفعون من عرفة بعد الغروب فلو حبسوا لصلاة المغرب فيها لصلوها من غير خشوع, ولو أوقفوا لصلاتها في الطريق لكان ذلك أشق فكانت الحاجة داعية إلى تأخير المغرب لتجمع مع العشاء هناك، وفي هذا مصلحة في الجمع بين المحافظة على الخشوع في الصلاة ومراعاة أحوال العباد (¬1). المطلب الثالث: هل يقصر المكي في عرفة والمزدلفة؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: القول الأول: لا يقصر المكي، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬2)، والشافعية في الأصح (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال جمهور السلف (¬5)، واختاره داود الظاهري (¬6). ودليل ذلك: أن المكي غير مسافر، فحكمه حكم المقيم، فيتم الصلاة، ولا يقصر، وإنما يقصر من كان سفره سفراً تقصر في مثله الصلاة، والمعروف أن عرفة، وهي أبعد المشاعر عن مكة ليست كذلك (¬7). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (ومعلوم أنه قد كان يمكنه أن يترك العصر فيصليها في وقتها المختص، لكن عدل عن ذلك إلى أن قدمها مع الظهر لمصلحة تكميل الوقوف، لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأن اتصال الوقوف إلى المغرب بغير قطع له بصلاة العصر في أثنائه أحب إلى الله من أن يصلي العصر في وقتها الخاص، ولو أخر مؤخر العصر وصلاها في الوقت الخاص وقطع الوقوف لأجزأه ذلك فيما ذكره العلماء من غير نزاع أعلمه، ولكن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، فإنه لو قطع الدعاء والذكر لبعض أعماله المباحة ووقف إلى المغرب لم يبطل بذلك حجه، فأن لا يبطل بترك ذلك لصلاة العصر أولى وأحرى. ودلت هذه السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن الجمع يكون للحاجة والمصلحة الشرعية، فلما لم يكن لمجرد السفر فلم يكن لمجرد النسك). ((جامع المسائل)) لابن تيمية (6/ 336، 337).وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/ 256). (¬2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 44). (¬3) ((المجموع)) للنووي (4/ 371)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 496). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 5). (¬5) منهم: عطاء، ومجاهد، والزهري، وابن جريج، والثوري، الثوري, ويحيى القطان، وأبو ثور, وإسحاق، وابن المنذر. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440). (¬6) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14). (¬7) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61).

القول الثاني: يقصر أهل مكة، وهذا مذهب المالكية (¬1)، وقولٌ للشافعية (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4)، واختاره أبو الخطاب (¬5)، وابن تيمية (¬6)، وابن القيم (¬7)، والشنقيطي (¬8)، ¬

(¬1) قال مالك: (يصلي أهل مكة ومنى بعرفة ركعتين ركعتين ما أقاموا يقصرون بالصلاة حتى يرجعوا إلى أهليهم وأمير الحاج أيضاً كذلك إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى قال وعلى ذلك الأمر عندنا). ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13). والضابط عند المالكية: أن الحاج يقصر حتى أهل مكة، إلا أهل كل موضع كأهل عرفة في عرفة، وأهل المزدلفة في المزدلفة وأهل منى في منى فإن هؤلاء فقط يتمون لأنهم في أهليهم، وذكروا أن القصر لغيرهم إنما هو للسنة، وإلا فهو ليس بمسافة قصر في حق المكي وأهل المزدلفة ونحوهم. ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 13، 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 170، 171)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 539). (¬2) ((المجموع)) للنووي (4/ 371). ((روضة الطالبين)) للنووي (1/ 396). (¬3) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481). (¬4) منهم: القاسم بن محمد، وسالم، والأوزاعي. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439). (¬5) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) ابن القيم (1/ 481). (¬6) قال ابن تيمية: (أما القصر فلا ريب أنه من خصائص السفر ولا تعلق لا بالنسك ولا مسوغ لقصر أهل مكة بعرفة وغيرها إلا أنهم بسفر وعرفة عن المسجد بريد كما ذكره الذين مسحوا ذلك وذكره الأزرقي في ((أخبار مكة))، فهذا قصر في سفر قدره بريد وهم لما رجعوا إلى منى كانوا في الرجوع من السفر, وإنما كان غاية قصدهم بريداً, وأي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة وبين سفر سائر المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم, والله لم يرخص في الصلاة ركعتين إلا لمسافر فعلم أنهم كانوا مسافرين). مجموع الفتاوى (24/ 47)، وانظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 481). (¬7) قال ابن القيم: (فلما أتمها - يعني الخطبة - يوم عرفة، أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة وكان يوم الجمعة، فدل على أن المسافر لا يصلي جمعة، ثم أقام، فصلى العصر ركعتين أيضاً، ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم: ((أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر))، فقد غلط عليه غلطا بيناً، ووهم وهماً قبيحاً، وإنما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين، ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن أهل مكة يقصرون، ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة، ولا تأثير للنسك في قصر الصلاة البتة، وإنما التأثير لما جعله الله سببا، وهو السفر. هذا مقتضى السنة ولا وجه لما ذهب إليه المحددون). ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (2/ 234). (¬8) قال الشنقيطي: (أظهر قولي أهل العلم عندي: أن جميع الحجاج يجمعون الظهر والعصر، ويقصرون، وكذلك في جمع التأخير في مزدلفة يقصرون العشاء، وأن أهل مكة وغيرهم في ذلك سواء، وأن حديث: ((أتموا فإنا قوم سفر))، إنما قاله لهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لا في عرفة ولا في مزدلفة). ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 439) ..

وابن باز (¬1)، وابن عثيمين (¬2). الأدلة: أولاً: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً ... حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً)) (¬3). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع من معه جمعوا وقصروا، ولم يثبت شيء يدل على أنهم أتموا صلاتهم بعد سلامه في منى، ولا مزدلفة، ولا عرفة، وسائر الأمراء هكذا لا يصلون إلا ركعتين فعلم أن ذلك سنة الموضع (¬4). ¬

(¬1) قال ابن باز: (ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا أفقيين أو من أهل مكة وما حولها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا، وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصراً، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره، ولم يقل لأهل مكة أتموا، لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة. ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصراً في المسجد الحرام، وفي السند مقال، لكن يتأيد بالأصل، وهو أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين، والقصر يختص بالمسافرين، والله ولى التوفيق). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/ 207 - 209). (¬2) قال ابن عثيمين: (الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة ومزدلفة، ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج وتأهب واستعد لهذا الخروج، وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر، وبناء على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم – كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقل: يا أهل مكة أتموا. وهذا القول هو القول الراجح). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 61، 62). (¬3) رواه مسلم (1218) (¬4) قال ابن تيمية: (ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة وفي أيام منى, وكذلك أبو بكر وعمر بعده, وكان يصلي خلفهم أهل مكة, ولم يأمروهم بإتمام الصلاة ولا نقل أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مكة - لما صلى بالمسلمين ببطن عرنة الظهر ركعتين قصراً وجمعاً: ثم العصر ركعتين - يا أهل مكة أتموا صلاتكم. ولا أمرهم بتأخير صلاة العصر ولا نقل أحد أن أحدا من الحجيج لا أهل مكة ولا غيرهم صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما صلى بجمهور المسلمين أو نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر قال في هذا اليوم: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر فقد غلط وإنما نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في جوف مكة لأهل مكة عام الفتح) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 42)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 14)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171). ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440).

ثانياً: أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعاً وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمنى أيام منى لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة؛ بل لو أخروا صلاة العصر ثم قاموا دون سائر الحجاج فصلوها قصراً لنقل ذلك فكيف إذا أتموا الظهر أربعاً دون سائر المسلمين, وأيضاً فإنهم إذا أخذوا في إتمام الظهر والنبي صلى الله عليه وسلم قد شرع في العصر لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام, وإما أن يفوتهم معه بعض العصر بل أكثرها؛ فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات؟ (¬1). ثالثاً: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((أنه لما قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم انصرف فقال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر)) (¬2). وجه الدلالة: أنه صلى بهم بعد ذلك بمنى ركعتين ولم يرو عنه أنه قال لأهل مكة شيئاً (¬3). رابعاً: أن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم (¬4). خامساً: أن في تكرار مشاعر الحج ومناسكه مقدار المسافة التي فيها قصر الصلاة عند الجميع؛ فإن عمل الحج إنما يتم في أكثر من يوم وليلة مع لزوم الانتقال من محل لآخر فلفق بينها ما يحصل به مسافة القصر سواء كان التحديد بالمسافة أو بالزمن (¬5). سادساً: أنها منازل السفر وإن لم تكن سفراً, تقصر فيه الصلاة، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بمكة إلى يوم التروية وذلك أربع ليال ثم خرج فقصر بمنى (¬6). سابعاً: أن كل ما يطلق عليه اسم السفر لغة تقصر فيه الصلاة، أما تحديد مسافة القصر لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم (¬7). ثامناً: أنه لو كان سبب الجمع والقصر النسك لكانوا إذا حلوا التحلل الثاني لم يحل لهم أن يقصروا في منى، ولو كان سببه النسك، لكانوا إذا أحرموا في مكة بحج أو عمرة جاز لهم الجمع والقصر (¬8). المطلب الرابع: هل يجمع ويقصر من صلى وحده؟ ¬

(¬1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43). (¬2) رواه مالك في ((الموطأ)) (1/ 149)، والبيهقي (3/ 126) , قال النووي في ((المجموع)) (8/ 92): (إسناده صحيح)، وصححه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (24/ 125) (¬3) قال ابن تيمية: (وقد ثبت أن عمر بن الخطاب قاله لأهل مكة لما صلى في جوف مكة) وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/ 43)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 439). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 367). (¬5) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 171). (¬6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 173). (¬7) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 440). (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 285).

من صلى الظهر والعصر منفردًا يجوز له أن يجمع ويقصر، وهو قول الجمهور (¬1) من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة (¬5)، واختاره الطحاوي (¬6) (¬7). الأدلة: أولاً: عن نافع قال: ((أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الإمام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله)). (¬8) وجه الدلالة: ابن عمر رضي الله عنهما هو أحد من روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين, وكان مع ذلك يجمع وحده, فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام (¬9). ثانياً: أن الجمع بين الصلاتين يوم عرفة إنما كان للحاجة إلى امتداد الوقوف ليتفرغوا للدعاء لأنه موقف يقصد إليه من أطراف الأرض، فشرع الجمع لئلا يشتغل عن الدعاء، والمنفرد وغيره في هذه الحاجة, سواء فيستويان في جواز الجمع (¬10). ثالثاً: أن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردًا؛ فإن الجماعة ليست شرطاً في الجمع. (¬11). المطلب الخامس: صفة الأذان والإقامة للصلاتين تكون الصلاة بأذان واحد وإقامتين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14)، وروي عن مالك (¬15)، واختاره الطبري (¬16)، وابن تيمية (¬17) (¬18). الدليل: ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد وإسحاق جائز أن يجمع بينهما من المسافرين من صلى مع الإمام ومن صلى وحده إذا كان مسافرًا) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326) وقال ابن قدامة: (المنفرد يجمع كما يجمع مع الإمام، فعله ابن عمر، وبه قال عطاء، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وصاحبا أبي حنيفة). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366). وقال النووي: (أجمعت الأمة على أن للحاج أن يجمع بين الظهر والعصر إذا صلى مع الإمام فلو فات بعضهم الصلاة مع الإمام جاز له أن يصليهما منفرداً جامعاً بينهما عندنا وبه قال أحمد وجمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ووافقنا على أن الامام لو حضر ولم يحضر معه للصلاة أحد جاز له الجمع وعلى أن المأموم لو فاته الصلاتان بالمزدلفة مع الامام جاز له أن يصليهما منفرداً جامعاً فاحتج أصحابنا عليه بما وافق عليه والله أعلم). ((المجموع)) للنووي (8/ 92). (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 92). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366). (¬5) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 24)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470). (¬6) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513). (¬7) وبه قال أبو ثور وإسحاق. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326). (¬8) ذكره البخاري تعليقا في كتاب الحج باب الجمع بين الصلاتين بعرفة. (¬9) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 513). (¬10) ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (4/ 339)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 470، 471). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 366)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492). (¬12) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 152)، و ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143). (¬13) ((المجموع)) للنووي (8/ 92). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 365)، و ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491). (¬15) وإن كان المشهور عنه أنه بأذانين وإقامتين. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44). (¬16) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326). (¬17) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 131). (¬18) وبه قال الثوري وأبو ثور وأبو عبيد. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 326).

حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين, وفيه: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر)) (¬1). مسألة: هل يكون الأذان قبل الخطبة أو بعدها؟ الأمر في هذا واسع (¬2)، لكن السنة أن يكون الأذان بعد الخطبة، وهو ظاهر مذهب الحنابلة (¬3)، وقول للمالكية (¬4)، وروي عن أبي يوسف (¬5)، واختاره الشوكاني (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فأتى بطن الوادي، فخطب الناس .... ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)) (¬8). المطلب السادس: هل يجهر بالقراءة أم يسر؟ يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات، حتى لو وافق يوم الجمعة. الأدلة: أولاً: من السنة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً)) (¬9). وجه الدلالة أنه نص أنه صلى الظهر، وصلاة الظهر لا يجهر فيها بالقراءة، ويتأيد هذا بأنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر فيها، فظاهر الحال الإسرار (¬10). ثانياً: الإجماع نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬11)، وابن عبدالبر (¬12)، وابن رشد (¬13). المبحث الخامس: الإكثار من عمل الخير يوم عرفة يستحب في يوم عرفة الإكثار من أعمال الخير بأنواعها. الدليل: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه)). قالوا: ولا الجهاد قال: ((ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) (¬14). ¬

(¬1) رواه مسلم (1218) (¬2) سئل مالك عن المؤذن متى يؤذن يوم عرفة أبعد فراغ الإمام من خطبته أو وهو يخطب؟ قال: (ذلك واسع إن شاء والإمام يخطب وإن شاء بعد أن يفرغ من خطبته). ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 429). وقال ابن قدامة: (وكيفما فعل فحسن). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 365). (¬3) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 157، 158)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 492). (¬4) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 336، 539)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325)، ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/ 44). (¬5) قال بعض الشارحين: (وهذا أصح عندي وإن كان على خلاف ظاهر الرواية لما صح من حديث جابر). ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 469). (¬6) قال الشوكاني: (وهو أصح، ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة). ((نيل الأوطار)) (باب المسير من منى إلى عرفة) (¬7) قال ابن عثيمين معلقاً على حديث جابر رضي الله عنه: (أمره أن يؤذن بعد الخطبة، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 486). (¬8) رواه مسلم (1218). (¬9) رواه مسلم (1218). (¬10) المجموع للنووي (8/ 87). (¬11) قال النووي: (يسن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظهر والعصر بعرفات ونقل ابن المنذر إجماع العلماء عليه قال [ابن المنذر]: وممن حفظ ذلك عنه طاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة)). ((المجموع)) للنووي (8/ 92). (¬12) قال ابن عبدالبر: ((أجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى بعرفة صلاة المسافر لا صلاة جمعة ولم يجهر بالقراءة)). ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 325). (¬13) قال ابن رشد: ((أجمعوا أن القراءة في هذه الصلاة سرًّا)). ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/ 113). (¬14) رواه البخاري (969)

المبحث السادس: الإكثار من الدعاء والذكر والتلبية يوم عرفة يستحب في يوم عرفة الإكثار من الدعاء, والذكر, والتلبية (¬1). الدليل: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس)) (¬2). المبحث السابع: الدفع إلى مزدلفة بعد غروب الشمس، وعليه السكينة والوقار يسن أن يدفع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار، فإذا وجد فجوة أسرع (¬3). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه في حديثه: ((فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص, فأردف أسامة خلفه, ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة)) أخرجه مسلم (¬4). وقال أسامة رضي الله عنه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص - يعني أسرع - قال هشام: النص فوق العنق)) أخرجه البخاري ومسلم (¬5). ثانياً: أن هذا مشي إلى الصلاة لأنهم يأتون مزدلفة ليصلوا بها المغرب والعشاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة)) أخرجه مسلم (¬6). المبحث الثامن: أن يدفع ملبياً ذاكراً لله عز وجل يستحب للحاج أن يدفع من عرفة ملبيا ذاكرا لله تعالى. الأدلة: أولاً: من القرآن قول الله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [البقرة: 198] ثانياً: من السنة: عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة) (¬7). ثالثاً: أن ذكر الله مستحب في كل الأوقات وهو في هذا الوقت أشد تأكيدًا. رابعاً: أنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى, والتلبس بعبادته, والسعي إلى شعائره، فناسب أن يكون مقروناً بذكر الله عز وجل. ¬

(¬1) قال النووي: (السنة أن يكثر من الدعاء, والتهليل, والتلبية, والاستغفار, والتضرع, وقراءة القرآن فهذه وظيفة هذا اليوم, ولا يقصر في ذلك وهو معظم الحج ومطلوبه. وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) فينبغي أن لا يقصر في الاهتمام بذلك واستفراغ الوسع فيه). ((المجموع)) للنووي (8/ 113) (¬2) رواه مسلم (1218) (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 437). (¬4) رواه مسلم (1218). (¬5) رواه البخاري (1666)، (2999) ومسلم (3166). (¬6) روه مسلم (3166). (¬7) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281)

الفصل السادس: ما يكره للحاج يوم عرفة

الفصل السادس: ما يكره للحاج يوم عرفة المبحث الأول: صوم يوم عرفة يكره صيام يوم عرفة للحاج، ويستحب له الإفطار، وهو قول جمهور العلماء منهم: المالكية (¬1) , والشافعية (¬2) , والحنابلة (¬3) (¬4). الأدلة: أولاً: من السنة: عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها: (أن أناساً اختلفوا عندها في يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب) (¬5). ثانياً: أن الدعاء في هذا اليوم يعظم ثوابه والصوم يضعفه فكان الفطر أفضل. (¬6). المبحث الثاني: الإسراع في السير راكباً أو ماشياً إسراعاً يؤدي إلى الإيذاء يكره الإسراع في السير راكباً, أو ماشياً, إسراعاً يؤدي إلى الإيذاء. الدليل: أولاً: من السنة: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالسكينة)) (¬7). ثانياً: أنه لا يجوز إيذاء المسلمين. المبحث الثالث: التطوع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة يكره التطوع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬8) , والمالكية (¬9) , والشافعية (¬10) , والحنابلة (¬11). الدليل: من السنة: حديث جابر رضي الله عنه، وفيه: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً) (¬12). ¬

(¬1) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 235)، و ((حاشية العدوي)) (2/ 532). (¬2) ((المجموع)) للنووي (6/ 379)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 207). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417)، ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 88). (¬4) وكره صيامه الحنفية إن كان يضعفه. ((شرح فتح القدير)) لابن الهمام (2/ 350)، و ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 278). (¬5) رواه البخاري (5636)، ومسلم (1123) (¬6) ((المجموع)) للنووي (6/ 379). (¬7) رواه البخاري (1671) (¬8) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 143)، و ((الفتاوى الهندية)) (1/ 228). (¬9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 259). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 88 - 89). (¬11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 579) (¬12) رواه مسلم (1218)

الباب العاشر الوقوف بالمزدلفة

الفصل الأول: أسماء مزدلفة 1 - مزدلفة: يقال: زلف إليه وازدلف وتزلف، أي: دنا منه، وأزلف الشيء: قربه، ومزدلفة والمزدلفة: موضع بمكة (¬1). سبب التسمية بمزدلفة: أ - لأنهم يقربون فيها من منى، والازدلاف التقريب، ومنه قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] أي قربت (¬2). ب - لأن الناس يجتمعون بها، والاجتماع الازدلاف، ومنه قوله تعالى: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64] (¬3). 2 - المشعر الحرام: سمى الله المزدلفة بالمشعر الحرام، قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة: 198] والمشعر الحرام المذكور في القرآن هو جميع المزدلفة، وبه قال جمهور المفسرين وأصحاب الحديث والسير (¬4). 3 - جمع: أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على مزدلفة (جمع) فقال: ((ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف)) (¬5). سبب التسمية بـ (جمع): سميت جمعاً؛ لأنها يجمع فيها بين الصلاتين، وقيل: وصفت بفعل أهلها؛ لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون إلى الله أي: يتقربون إليه بالوقوف فيها (¬6). ¬

(¬1) انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: زلف). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 432). (¬3) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 165)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 432). (¬4) ((المجموع للنووي)) (8/ 152)، وقال ابن تيمية: (ومزدلفة كلها يقال لها المشعر الحرام وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 134)، وقال ابن عثيمين: (المشعر الحرام هو مكان في مزدلفة، لكن قد يطلق على مزدلفة كلها أنها المشعر الحرام؛ لأنها مكان نسك) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 54). (¬5) رواه مسلم (1218). (¬6) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 523)

الفصل الثاني: حد المزدلفة

الفصل الثاني: حد المزدلفة حد المزدلفة: مابين المأزمين ووادي محسر، وليس الحدان منها (¬1)، ويحصل المبيت بالمزدلفة بالحضور في أية بقعة منها (¬2). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر، فانحروا فى رحالكم، ووقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا، وجمع كلها موقف)) (¬3). ثانياً: أن كل ما بين المأزمين ووادي محسر يصدق عليه اسم مزدلفة (¬4). ¬

(¬1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441) قال النووي: (حد المزدلفة ما بين وادى محسر وما زمى عرفة وليس الحدان منها ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب القوابل والظواهر والجبال الداخلة في الحد المذكور) ((المجموع)) (8/ 128). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 136). (¬3) رواه مسلم (1218) (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 136).

الفصل الثالث: حكم الوقوف بالمزدلفة

الفصل الثالث: حكم الوقوف بالمزدلفة الوقوف بالمزدلفة واجب من واجبات الحج، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: (¬1) الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية في الأصح (¬4) والحنابلة (¬5). وهو قول طائفة من السلف (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 199] وجه الدلالة: الأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب (¬7) ثانياً: من السنة: 1 - عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله! ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبلُ ليلاً أو نهاراً، فقد أتم حجه وقضى تفثه)) (¬8) 2 - حديث جابر رضي الله عنه: ((حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ... )) (¬9). ¬

(¬1) قال النووي: (وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف) ((المجموع)) للنووي (8/ 150). (¬2) ينبه إلى أن البيتوتة عند الحنفية ليست بواجبة إنما الواجب هو الوقوف، والأفضل أن يكون وقوفه بعد الصلاة فيصلي صلاة الفجر بغلس، ثم يقف عند المشعر الحرام. انظر: ((بدائع الصنائع)) (2/ 136). (¬3) ((الشرح الكبير)) للدرديري (2/ 44)، ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/ 169). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 134)، ((مغني المحتاج)) (1/ 499). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 376) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441). (¬6) قال ابن قدامة: (هذا قول عطاء والزهري وقتادة والثوري والشافعي واسحاق وأبي عبيد) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 441). (¬7) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 51) (¬8) رواه أبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (5/ 263)، وأحمد (4/ 15) (16253). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 208)، وأبو أحمد الحاكم ((المدخل)) (52)، وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 221): (صحيح ثابت)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 97)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 240)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/ 252). (¬9) رواه مسلم (1218)

الفصل الرابع: حكم من فاته الوقوف الواجب في مزدلفة

الفصل الرابع: حكم من فاته الوقوف الواجب في مزدلفة من فاته الوقوف الواجب بالمزدلفة صح حجه، وعليه دم (¬1) إلا إن تركه لعذر (¬2) فلا شيء عليه، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، الدليل على وجوب الدم: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من نسي شيئا من نسكه، أو تركه فليهرق دماً)) (¬7). وجه الدلالة: أن مثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولا مخالف له من الصحابة رضي الله عنهم، وعليه انعقدت فتاوى التابعين، وعامة الأمة (¬8). الأدلة على سقوط الدم عمن ترك المبيت بالمزدلفة لعذر: أولاً: من السنة: 1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للرعاة في ترك المبيت؛ لحديث عدي رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى)) (¬9). 2 - أن العباس بن عبدالمطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له (¬10). وجه الدلالة: أن العذر في المزدلفة كالعذر في منى من مشقة المبيت لأهل الأعذار. ثانياً: أنها ليلة يرمى في غدها، فكان لهم ترك المبيت فيها، كليالي منى (¬11). ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم، وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها) ((الاستذكار)) (4/ 290). (¬2) من الأعذار التي كثرت في الآونة الأخيرة تعطل السير بسبب الزحام، انظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 215 - 216). (¬3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 423)، (¬4) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 169 - 170)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 263). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 136)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 499 - 500). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 437)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 497). (¬7) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً). (¬8) قال الشنقيطي: (إذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) (4/ 473)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 152)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 367). (¬9) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (2481)، وأحمد (5/ 450) (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 598)، والدارمي (2/ 86) (1897)، والحاكم (1/ 652)، والبيهقي (5/ 150) (9955). قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 651)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1975). (¬10) رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315) (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 437).

الفصل الخامس: صلاتا المغرب والعشاء في المزدلفة

الفصل الخامس: صلاتا المغرب والعشاء في المزدلفة المبحث الأول: الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في المزدلفة يسن للحاج أن يجمع في مزدلفة بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير (¬1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية في المشهور (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وبه قال أبو يوسف من الحنفية (¬5)، وهو قول طائفة من السلف (¬6). وحكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬7)، وابن عبدالبر (¬8)، وابن رشد (¬9) الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: ((جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما)) (¬10). 2 - عن أبي أيوب الأنصاري: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة)) (¬11). 3 - عن كريب عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سمعه يقول: ((دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة؟ فقال (الصلاة أمامك). فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما)) (¬12). المبحث الثاني: الجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ¬

(¬1) قال ابن حزم: (واتفقوا على أن جمع صلاتي الظهر والعصر بعرفة ... وعلى أن جمع صلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة بعد غروب الشمس) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 45). وقال ابن تيمية: (اتفق المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة؛ لأن جمع هاتين الصلاتين في حجة الوداع دون غيرهما مما صلاه بالمسلمين بمنى، أو بمكة هو من المنقول نقلاً عاما متواترا مستفيضاً) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 85). (¬2) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (22/ 202)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 44)، ((حاشية الدسوقي)) لمحمد بن أحمد الدسوقي (2/ 44)، (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 133)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 176). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (أن السنة لمن دفع من عرفة) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 437). (¬5) ((بدائع الصنائع)) (2/ 155). (¬6) قال ابن قدامة: (وهو قول عطاء وعروة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير، واختاره إسحاق وأبو ثور) ((الشرح الكبير)) لشمس الدينابن قدامة (3/ 439). (¬7) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن السنة أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 57). (¬8) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة بالناس بعدما غربت الشمس يوم عرفة فأفاض إلى المزدلفة وأنه عليه السلام أخر حينئذ صلاة المغرب فلم يصلها حتى أتى المزدلفة فصلى بها بالناس بالمغرب والعشاء جميعا بعدما غاب الشفق ودخل وقت العشاء الآخرة وأجمعوا أن ذلك سنة الحاج في ذلك الموضع) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 269). (¬9) قال ابن رشد: (أجمعوا على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سنة وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة أيضا في وقت العشاء سنة أيضا. واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين) ((بداية المجتهد)) (1/ 170). (¬10) رواه البخاري (1673)، ومسلم (703) (¬11) رواه البخاري (1674)، ومسلم (1287) (¬12) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280)

يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، وهذا مذهب الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2)، وبه قال زفر (¬3) والطحاوي (¬4) من الحنفية، وعبدالملك ابن الماجشون من المالكية (¬5)،واختاره ابن المنذر (¬6)، وابن حزم (¬7)، وابن القيم (¬8)، والشوكاني (¬9)، والشنقيطي (¬10)، وابن باز (¬11)، وابن عثيمين (¬12). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر)) (¬13). 2 - عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: ((دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضأ فقلت له: الصلاة يا رسول الله، قال: الصلاة أمامك. فركب فلما جاء مزدلفة نزل، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى، ولم يصل بينهما)) (¬14). ثانياً: الاعتبار بالجمع بعرفة (¬15). المبحث الثالث: صلاة الفجر في مزدلفة تصلى في أوَّل وقتها ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (8/ 134)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 135). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 374) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 491). (¬3) ((الهداية شرح البداية)) للمرغيناني (1/ 145)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 27). (¬4) قال الطحاوي بعدما ذكر الخلاف في المسألة: (فلما اختلفوا في ذلك على ما ذكرنا , وكانت الصلاتان يجمع بينهما بمزدلفة , وهما المغرب والعشاء , كما يجمع بين الصلاتين بعرفة , وهما الظهر والعصر , فكان هذا الجمع في هذين الموطنين جميعا لا يكون إلا لمحرم في حرمة الحج , فلا يكون لحلال ولا لمعتمر غير حاج , وكانت الصلاتان بعرفة تصلى أحدهما في إثر صاحبتها , ولا يعمل بينهما عمل , وكانتا يؤذن لهما أذانا واحدا , ويقام لهما إقامتين كما يفعل بعرفة سواء. هذا هو النظر في هذا الباب وهو خلاف قول أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد) ((شرح معاني الآثار)) (2/ 214)، وانظر ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 27). و ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (1/ 391). (¬5) ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 424)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (9/ 266). (¬6) رجح ابن المنذر بعدما ذكر الخلاف في المسألة القول بأذان واحد وإقامتين، انظر ((الإشراف)) (3/ 316). (¬7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 129). (¬8) قال ابن القيم: (والصحيح: أنه صلاهما بأذان وإقامتين، كما فعل بعرفة) ((زاد المعاد)) (2/ 247). (¬9) قال الشوكاني بعد أن ذكر الأقوال: (والحق ما قاله الأولون؛ لأن حديث جابر مشتمل على زيادة الأذان، وهي زيادة غير منافية فيتعين قبولها) ((نيل الأوطار)) (3/ 221). (¬10) قال الشنقيطي: (فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم نزل في الطريق، فبال وتوضأ وضوءا خفيفا وأخبرهم بأن الصلاة أمامهم ثم أتى المزدلفة فأسبغ وضوءه وصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) ((أضواء البيان)) (4/ 442). (¬11) قال ابن باز: (المشروع لجميع الحجاج المبادرة بصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل حط الرحال) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 243). (¬12) قال ابن عثيمين: (وقوله: ((بأذان واحد وإقامتين))، وهذا هو الصحيح في الجمع أنه أذان واحد للصلاتين جميعاً وإقامتان، لكل صلاة إقامة) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 491). (¬13) رواه مسلم (1218) (¬14) رواه البخاري (139)، ومسلم (1280) (¬15) ((شرح معاني الآثار)) (2/ 214)، و ((الهداية شرح البداية)) (1/ 145).

يُشرع للحاج بعد بياته بمزدلفة أن يصلي صلاة الفجر في أوَّل وقتها، ويأتي المشعر الحرام (جبل قزح) ويقف عنده فيدعو الله سبحانه وتعالى (¬1)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وفيه: ((حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله تعالى وكبره وهلله، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس)) (¬6). 2 - عن عبدالله قال ((ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها)) (¬7). ثانياً: أنه يستحب الدعاء بعدها، فاستحب تقديمها ليكثر الدعاء. ثالثاً: ليتسع الوقت لوظائف هذا اليوم من المناسك فإنها كثيرة في هذا اليوم، فليس في أيام الحج أكثر عملاً منه (¬8). ¬

(¬1) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن النبي عليه السلام وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس) ((الاستذكار)) (4/ 292). (¬2) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 33)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156). (¬3) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 374)، ((التاج والإكليل)) لمحمد بن يوسف العبدري (3/ 478) (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 125). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 375 - 376). (¬6) رواه مسلم (1218) (¬7) رواه البخاري (1682)، ومسلم (1289). (¬8) ((المجموع)) للنووي (8/ 141).

الفصل السادس: الدفع من مزدلفة

الفصل السادس: الدفع من مزدلفة المبحث الأول: الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس يستحب أن يدفع الحاج من مزدلفة قبل طلوع الشمس. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر وفيه: ((حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله تعالى وكبره وهلله، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس)) (¬1). 2 - عن أبي إسحاق سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر، رضي الله عنه، صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس (¬2). ثانياً: الإجماع: ونقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬3)، وابن قدامة (¬4). المبحث الثاني: تقديم النساء والضعفة من مزدلفة إلى منى لا بأس بتقديم الضعفة والنساء قبل طلوع الفجر وبعد نصف الليل، وهو مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6)، وهو قول طائفة من السلف (¬7)، واختاره ابن باز (¬8)، وابن عثيمين (¬9)، وحكى ابن قدامة الإجماع على جواز تقديم ضعفة أهله في الجملة (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) رواه مسلم (1218) (¬2) رواه البخاري (1684) (¬3) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء على أن النبي عليه السلام وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس) ((الاستذكار)) (4/ 292). (¬4) قال ابن قدامة: (لا نعلم خلافا في أن السنة الدفع قبل طلوع الشمس، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) ((المغني)) (3/ 377). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 139،151). (¬6) ((مغنى المحتاج)) للشربيني (1/ 500)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 442، 443). (¬7) قال ابن المنذر: (وممن كان يقدم ضعفة أهله من جمع بليل عبدالرحمن بن عوف، وعائشة أم المؤمنين، وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) ((الإشراف)) (3/ 319). وقال ابن قدامة: (وممن كان يقدم ضعفة أهله عبدالرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 377). (¬8) قال ابن باز: (يجوز للحاج الخروج من مزدلفة في النصف الأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء والضعفة ومن معهم في ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 284). (¬9) قال ابن عثيمين: (يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي، أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت. وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل، لأنه هو الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الموافق للقواعد، وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة بمقدار صلاة المغرب والعشاء، ولو قبل منتصف الليل، قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما فعله، وفيما أذن فيه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 52). (¬10) قال ابن قدامة: (وممن كان يقدم ضعفة أهله عبدالرحمن بن عوف وعائشة، وبه قال عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافا) ((المغني)) (3/ 377).

1 - حديث عائشة قالت: ((استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفع قبله وقبل خطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة فأذن لها)) (¬1) 2 - عن ابن عباس قال: ((أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله)) (¬2) 3 - عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول ((أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬3). 4 - عن عبدالله مولى أسماء ((أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلى فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني، هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن)) (¬4) 5 - عن أم حبيبة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل)) (¬5) ثانياً: أن فيه رفقاً بهم، ودفعاً لمشقة الزحام عنهم، واقتداء بفعل نبيهم صلى الله عليه وسلم (¬6). المبحث الرابع: الإسراع في وادي محسر يُشرع الإسراع في وادي محسر، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬7)،والمالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وبه عمل طائفة من السلف (¬11). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه قال: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر ... )) (¬12) ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن المسور بن مخرمة: ((أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يوضع ويقول: إليك تعدو قلقاً وضينها مخالف دين النصارى دينها)) (¬13). 2 - عن نافع: ((أن عبدالله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر)) (¬14). ¬

(¬1) رواه البخاري (1681)، ومسلم (1290) (¬2) رواه البخاري (1678)، ومسلم (1293) (¬3) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295) (¬4) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291) (¬5) رواه مسلم (1292) (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 377). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 368). (¬8) ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 138) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 297). (¬9) ((المجموع)) للنووي (8/ 125)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 100). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 378)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 444). (¬11) قال ابن المنذر: (وممن كان يوضع في بطن وادي محسر ابن معسود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وتبعهم عليه كثير من أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 320). (¬12) رواه أبو داود (1944)، والترمذي (886)، والنسائي (5/ 258)، وابن ماجه (2467)، وأحمد (3/ 332) (14593)، والدارمي (2/ 86) (1899). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 79): (معناه عند مسلم)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (¬13) رواه البيهقي (5/ 126) (9799) وصححه ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (5/ 164) (¬14) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 576)، والبيهقي (5/ 126) (9800) قال النووي في ((المجموع)) (8/ 146): صحيح عن ابن عمر.

الباب الحادي عشر: أعمال يوم النحر بمنى

المبحث الأول: معنى رمي الجمار الجمار: جمع جمرة، وهي الحجار الصغار، وتطلق على المواضع التي يرمي فيها حصيات الجمار في مني، إما لأنها ترمى بالجمار، وإما لأنها مجمع الحصى التي يرمى بها، وإما لاجتماع الحجيج عندها (¬1) (¬2). ورمي الجمار في عرف الشرع: القذف بالحصى في زمان مخصوص، ومكان مخصوص، وعدد مخصوص (¬3). ¬

(¬1) قال الشنقيطي: (اعلم أن العلماء اختلفوا في المعنى الذي منه الجمرة، فقال بعض أهل العلم: الجمرة في اللغة: الحصاة، وسميت الجمرة التي هي موضع الرمي بذلك، لأنها المحل الذي يرمى فيه بالحصى، وعلى هذا فهو من تسمية الشيء باسم ما يحل فيه، وقال بعض أهل العلم: أصل الجمرة من التجمر بمعنى التجمع، تقول العرب: تجمر القوم، إذا اجتمعوا، وانضم بعضهم إلى بعض، وعلى هذا فاشتقاق الجمرة: من التجمر بمعنى التجمع; لاجتماع الحجيج عندها يرمونها، وقيل: لأن الحصى يتجمع فيها) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (باختصار 4/ 466، 467)، وينظر: ((لسان العرب)) (4/ 144). (¬2) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (مادة: جمر)، ((فتح الباري)) لابن حجر (مادة: جمر). (¬3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 137).

المبحث الثاني: أنواع الجمرات

المبحث الثاني: أنواع الجمرات الجمرات التي ترمى ثلاثة، وهي: الجمرة الأولى: وتسمى الصغرى، أو الدنيا، وهي أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، سميت " دنيا " من الدنو؛ لأنها أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف. الجمرة الثانية: وتسمى الوسطى، بعد الجمرة الأولى، وقبل جمرة العقبة. جمرة العقبة: وتسمى أيضاً (الجمرة الكبرى) وتقع في آخر منى تجاه مكة، وليست من منى (¬1). ¬

(¬1) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 150)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (81/ 145).

المبحث الثالث: حكمة الرمي

المبحث الثالث: حكمة الرمي أولاً: إقامة ذكر الله عز وجل: حكمة الرمي في الجملة هي طاعة الله، فيما أمر به، وذكره بامتثال أمره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (¬1). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ [البقرة: 203]. وجه الدلالة: أنه يدخل في الذكر المأمور به: رمي الجمار بدليل قوله بعده: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]، فإن ذلك يدل على أن الرمي شرع لإقامة ذكر الله (¬2). ثانياً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) (¬3). ثانياً: الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان، ورميه، وعدم الانقياد إليه (¬4): دليل ذلك: ¬

(¬1) قال النووي: (أصل العبادة الطاعة، وكل عبادة فلها معنى قطعاً; لأن الشرع لا يأمر بالعبث، ثم معنى العبادة قد يفهمه المكلف، وقد لا يفهمه، فالحكمة في الصلاة: التواضع، والخضوع، وإظهار الافتقار إلى الله تعالى، والحكمة في الصوم كسر النفس وقمع الشهوات، والحكمة في الزكاة: مواساة المحتاج، وفي الحج: إقبال العبد أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيت فضله الله كإقبال العبدالى مولاه ذليلاً، ومن العبادات التي لا يفهم معناها: السعي والرمي، فكلف العبد بهما ليتم انقياده، فإن هذا النوع لا حظ للنفس فيه، ولا للعقل، ولا يحمل عليه إلا مجرد امتثال الأمر، وكمال الانقياد، فهذه إشارة مختصرة تعرف بها الحكمة في جميع العبادات) ((المجموع)) للنووي (8/ 243). وقال الشنقيطي: (ما ذكره الشيخ النووي رحمه الله: من أن حكمة السعي والرمي غير معقولة المعنى غير صحيح فيما يظهر لي والله تعالى أعلم، بل حكمة الرمي، والسعي معقولة، وقد دل بعض النصوص على أنها معقولة) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 489 - 481). وقال ابن عثيمين: (الحكمة من رمي الجمرات: إقامة ذكر الله عز وجل، ولهذا يشرع أن يكبر عند رمي كل حصاة من أجل أدق يعظم الله تعالى بلسانه كما هو معظم له بقلبه، لأن رمي الجمرات على هذا المكان أظهر ما فيه من المعنى المعقول هو التعبد لله، وهذا كمال الانقياد، إذ إن الإنسان لا يعرف معنى معقولاً واضحاً في رمي هذه الحصى في هذا المكان سوى أنه يتعبد لله عز وجل بأمر، وِإن كان لا يعقل معناه على وجه التمام تعبداً لله تعالى وتذللاً له، وهذا هو كمال الخضوع لله عز وجل. ولهذا كان في رمي الجمار تعظيم لله باللسان وبالقلب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 499، 500). وقال أيضاً: (الحكمة من رمي الجمرات هو كمال التعبد لله تعالى، والتعظيم لأمره. ولهذا يحصل ذكر الله بالقلب واللسان) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 501). (¬2) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479). (¬3) رواه أبو داود (1888)، الترمذي (902)، وأحمد (6/ 64) (24396)، وابن خزيمة (4/ 222) (2738)، والحاكم (1/ 630). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال النووي في ((المجموع)) (8/ 56): (إسناده كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً)، وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن الترمذي)) (902) (¬4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).

عن ابن عباس مرفوعاً قال: ((لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون)) (¬1) (¬2). ¬

(¬1) رواه الحاكم (1/ 638)، والبيهقي (5/ 153) (9975). قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1156) (¬2) قال الغزالي: (أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر إظهاراً للرق والعبودية وانتهاضاً لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه) ((إحياء علوم الدين)) (1/ 270). وقال الشنقيطي: فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في قوله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً، وقوله تعالى: أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو، ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة. ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 479).

المبحث الرابع: حكم رمي الجمار

المبحث الرابع: حكم رمي الجمار رمي الجمار واجبٌ في الحج. الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي)) (¬1). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في هذا الحديث وفي أحاديث كثيرة أنه رمى الجمرة، والأصل في أفعاله في الحج الوجوب، لأن أفعاله فيها وقع بياناً لمجمل الكتاب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬2) (¬3). 1 - عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج)) (¬4). وجه الدلالة: أنه أمر بالرمي، وظاهر الأمر يقتضي الوجوب (¬5). ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من ترك شيئا من نسكه فليهرق دماً)) (¬6) (¬7). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على وجوب الرمي: الكاساني (¬8)، والنووي (¬9)، وابن تيمية (¬10)، والشنقيطي (¬11). ¬

(¬1) رواه البخاري (1218) (¬2) رواه مسلم (1297) (¬3) قال الشوكاني: (قد صح من قبله صلى الله عليه وسلم على الصفة الثابتة في الأحاديث المشتملة على بيان حجه صلى الله عليه وسلم فكان رميها منسكاً من مناسك الحج لما قدمنا من أن فعله صلى الله عليه وسلم لبيان مجمل الكتاب والسنة ومن جملة ذلك ما في حديث جابر الثابت في الصحيح قال: ((رمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس))). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) للشوكاني (ص: 328)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136). (¬4) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306). (¬5) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136). (¬6) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال محمد الأمين الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه)، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً). (¬7) قال الشنقيطي: (فإذا علمت أن الأثر المذكور ثابت بإسناد صحيح، عن ابن عباس، فاعلم أن وجه استدلال الفقهاء به على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين. الأول: أن يكون له حكم الرفع، بناء على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابي جليل لم يعلم لها مخالف من الصحابة، وهم رضي الله عنهم خير أسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 473). (¬8) قال الكاساني: (إن الأمة أجمعت على وجوبه) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 136) (¬9) قال النووي: (رمي جمرة العقبة واجب بلا خلاف) ((المجموع)) للنووي (8/ 162)، ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42). (¬10) قال ابن تيمية: (وعليه أيضا رمي الجمار أيام منى باتفاق المسلمين) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/ 460). (¬11) قال الشنقيطي: (إذا عرفتَ أقوالَ أهل العلم في حكم من أخل بشيء من الرمي، حتى فات وقته، فاعلم أن دليلهم في إجماعهم على أن من ترك الرمي كله وجب عليه دم، هو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من نسي من نسكه شيئا، أو تركه، فليهرق دما، وهذا صح عن ابن عباس موقوفا عليه، وجاء عنه مرفوعا ولم يثبت) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 472).

المبحث الخامس: شروط الرمي

المبحث الخامس: شروط الرمي الشرط الأول: أن يكون المرمي حَجَراً؛ فيجزئ المرمي بكل ما يسمى حصى، وهي الحجارة الصغار، ولا يصح الرمي بالطين، والمعادن، والتراب عند الجمهور من المالكية (¬1) , والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) (¬4). الأدلة: 1 - ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر يصف رمي جمرة العقبة: ((فرماها بسبع حصيات - يكبر مع كل حصاة منها - مثل حصى الخذف)) (¬5). 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمي بمثل حصى الخذف فلا يتناول غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه فلا يجوز تخصيص بغير دليل ولا إلحاق غيره به (¬6). 4 - أنه أحوط. الشرط الثاني: العدد المخصوص: أن يكون عدد الحصيات سبعاً لكل جمرة وهو قول المذاهب الأربعة من الحنفية (¬7) والمالكية (¬8) والشافعية (¬9) والحنابلة (¬10). الأدلة: 1. حديث جابر وفيه: ((ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى لمنحر)) (¬11) 2. عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله)) (¬12). مسألة: لو ترك شيئاً من الحصى وفاته أن يتداركها ¬

(¬1) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 339) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812). (¬2) ((الأم)) للشافعي (2/ 234) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 179). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 451). (¬4) قال النووي: (فأمر صلى الله عليه وسلم بالحصى، فلا يجوز العدول عنه، والأحاديث المطلقة محمولة على هذا المعنى) ((المجموع)) للنووي (8/ 186) , وقال الكمال بن الهمام: (إن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية، لا يشتغل بالمعنى فيها - أي بالعلة - والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي، أو مع الاستهانة، أو خصوص ما وقع منه عليه الصلاة والسلام، والأول يستلزم الجواز بالجواهر، والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها، والثالث بالحجر خصوصا، فليكن هذا أولى، لكونه أسلم، ولكونه الأصل في أعمال هذه المواطن، إلا ما قام دليل على عدم تعيينه) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 489). (¬5) رواه مسلم (1218) (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 451). (¬7) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 485). (¬8) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815). (¬9) ((الأم)) للشافعي (2/ 234) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 196). (¬10) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 509 - 510). (¬11) رواه مسلم (1218). (¬12) رواه البخاري (1751).

يجب استيفاء عدد حصيات الرمي السبع في كل جمرة، وهو المذهب عند المالكية (¬1) , ورواية عند أحمد (¬2) وبه قال الأوزاعي (¬3) , والليث (¬4) , وهو قول الشنقيطي (¬5) وابن باز (¬6) وابن عثيمين (¬7) الأدلة: 1. حديث جابر وفيه: ((فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة)) (¬8). 2. حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ... )) (¬9). وجه الدلالة: أن الروايات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرمي الجمار بسبع حصيات. مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) فلا ينبغي العدول عن ذلك; لوضوح دليله وصحته، ولأن مقابله لم يقم عليه دليل يقارب دليله (¬10). الشرط الثالث: أن يرمي الجمرة بالحصيات السبع متفرقات واحدة فواحدة فلو رمى حصاتين معاً أو السبع جملة، فهي حصاة واحدة، ويلزمه أن يرمي بست سواها، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬11) , والمالكية (¬12) , والشافعية (¬13) , والحنابلة (¬14). الأدلة: أن المنصوص عليه تفريق الأفعال فيتقيد بالتفريق الوارد في السنة (¬15). الشرط الرابع: وقوع الحصى في الجمرة التي يجتمع فيها الحصى، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬16)، والشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18). الشرط الخامس: ¬

(¬1) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 410)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 265). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 522). (¬3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 581). (¬4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 357). (¬5) قال الشنقيطي: (اعلم: أن التحقيق في عدد الحصيات التي ترمى بها كل جمرة: سبع حصيات، وأحوط الأقوال في ذلك قول مالك وأصحابه، ومن وافقهم: أن من ترك حصاة واحدة كمن ترك رمي الجميع) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 475). (¬6) قال ابن باز: (فالجمرات تتداخل إذا تركه كله أو ترك رمي يوم من أيام التشريق غير اليوم الثالث، بأن ترك رمي الحادي عشر أو الثاني عشر, أو ترك جمرة واحدة يعني سبع حصيات, أو أربع حصيات, أو خمس حصيات, أو ثلاث حصيات فإن عليه دم. ويلاحظ في مسألة الرمي، أن الدم إنما يجب عند فوات الوقت, أما ما دام الوقت موجوداً فإنه يكمل.) ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). (¬7) سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله تعالى-: حاج رمى جمرة العقبة في آخر يوم بثلاث حصيات فقط والباقي نفدت دون سقوط في الحوض، أو ضربت في العمود ثم خرجت ولم يأخذ حصاة ولم يرم فماذا يلزمه؟ فأجاب- رحمه الله- بقوله: ( .... أما بالنسبة للسائل فأنا: أقول- وعلى ذمة القائلين من العلماء بذلك- إنه يجب عليه أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجباً). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 266). (¬8) رواه مسلم (1218) (¬9) رواه البخاري (1751) (¬10) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 475). (¬11) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30). (¬12) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815). (¬13) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 176) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 312). (¬14) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 448) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 26). (¬15) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30). (¬16) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 50). (¬17) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 176) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 508). (¬18) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501) , ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456).

أن يقصد المرمى ويقع الحصى فيه بفعله فلو ضرب شخص يده فطارت الحصاة إلى المرمى وأصابته لم يصح وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , والشافعية (¬3) , والحنابلة (¬4). الأدلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) (¬5). الشرط السادس: أن يرمي الحصيات رمياً ولا يكتفي بوضعها وضعاً، وهذا هو قول اتفق عليه أصحاب المذاهب الأربعة من الحنفية (¬6) , والمالكية (¬7) , والشافعية (¬8) , والحنابلة (¬9). الأدلة: 1. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرات, وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬10) 2. لأنه مأمور بالرمي فاشترط فيه ما يقع عليه اسم الرمي. الشرط السابع: ترتيب الجمرات في رمي أيام التشريق يشترط أن يرمي الجمار الثلاث على الترتيب: يرمي أولاً الجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم يرمي جمرة العقبة، وهو مذهب الجمهور من المالكية (¬11) , والشافعية (¬12) , والحنابلة (¬13). الأدلة: 1. أن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في الرمي وقال ((لتأخذوا مناسككم)) (¬14). 2. ولأنه نسك متكرر فاشترط الترتيب فيه كالسعي الشرط الثامن: أن يكون الرمي في زمن الرمي ¬

(¬1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 513). (¬2) ((المدونة الكبرى)) لمالك (1/ 436) , ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 276). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 155). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456). (¬5) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية). (¬6) ((بدائع الصنائع)) (2/ 137) , ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 369). (¬7) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377) , ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 133). (¬8) ((المجموع)) للنووي (8/ 173). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 450). (¬10) رواه مسلم (1297) (¬11) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 340). (¬12) ((المجموع)) للنووي (8/ 239) , ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 312). (¬13) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 477) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 509). (¬14) رواه مسلم (1297)

المبحث السادس: سنن الرمي

المبحث السادس: سنن الرمي المطلب الأول: أن يقف في بطن الوادي عند رمي جمرة العقبة وتكون منى عن يمينه ومكة عن يساره الأفضل في موقف الرامي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي وتكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، وهو مذهب جماهير أهل العلم من الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , والصحيح عند الشافعية (¬3) , وقول جماعة من السلف (¬4) , واختاره ابن تيمية (¬5) , وابن القيم (¬6) , والشنقيطي (¬7) , وابن باز (¬8) , وابن عثيمين (¬9). الأدلة: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فعن عبدالرحمن بن يزيد: ((أنه حجَّ مع عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات يُكبِّر مع كل حصاة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: ((هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة))، وفي لفظ: ((أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة)) (¬10). فرع: رمي جمرة العقبة من الجهات الأخرى ¬

(¬1) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 233) , ((مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر)) لشيخي زاده (1/ 412). (¬2) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 341) , ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812). (¬3) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 163) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 501). (¬4) قال النووي: ( ... وبهذا قال جمهور العلماء منهم ابن مسعود وجابر والقاسم بن محمد وسالم وعطاء ونافع والثوري ومالك وأحمد) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 184). (¬5) قال ابن تيمية: (ولا يرمي يوم النحر غيرها, يرميها مستقبلاً لها يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 135). (¬6) قال ابن القيم: (فأتى جمرة العقبة، فوقف في أسفل الوادي، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة، وهو على راحلته فرماها راكباً بعد طلوع الشمس) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن القيم (2/ 237). (¬7) قال الشنقيطي: (اعلم أن الأفضل في موقف من أراد رمي جمرة العقبة أن يقف في بطن الوادي، وتكون منى عن يمينه، ومكة عن يساره كما دلت الأحاديث الصحيحة، على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك.) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 458). (¬8) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 77). (¬9) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 301). (¬10) رواه البخاري (1750) ومسلم (1296).

يجوز رمي جمرة العقبة من أي جهة كانت، من فوقها أو من أسفل منها، من أمامها، أو من خلفها، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية في الأظهر (¬2)، والحنابلة (¬3)، ونصَّ عليه الشافعي (¬4)، واختاره ابن بطال (¬5)، وابن عبدالبر (¬6)، والكمال ابن الهمام (¬7)، واختاره ابن باز (¬8)، وابن عثيمين (¬9). وحكى الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر (¬10)، وابن رشد (¬11)، والنووي (¬12). الأدلة: ¬

(¬1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (2/ 485)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 30). (¬2) قال خليل: (وفي إجزاء ما وقف بالبناء تردد. قال الحطاب: الظاهر الإجزاء والله أعلم) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 191). وقال في النوادر: (قال مالك ورميها من أسفلها فإن لم يصل لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها وقد فعله عمر لزحام ثم رجع مالك فقال لا يرميها إلا من أسفلها فإن فعل فليستغفر الله) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 179)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 812). (¬3) قال ابن قدامة: (وإن رماها من فوقها جاز؛ لأن عمر - رضي الله عنه - جاء والزحام عند الجمرة، فصعد فرماها من فوقها) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 381)، وينظر أيضاً: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501). (¬4) قال الشافعي: (ومن حيث رماها أجزأه) ((الأم)) للشافعي (2/ 235)، بينما نقل المتأخرون من الشافعية عن بعض المتأخرين: أن جمرة العقبة ليس لها إلا وجه واحد ورمي كثيرين من أعلاها باطل، ولم يتعقبوه. ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 508)، ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج)) لابن حجر للهيتمي و ((حواشي الشرواني والعبادي)) (4/ 132) (¬5) قال ابن بطال: (رمي جمرة العقبة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو أعلاها أو وسطها، كل ذلك واسع) ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 182). (¬6) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 351)، وينظر: ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 374). (¬7) قال الكمال ابن الهمام: (فعله - عليه الصلاة والسلام - من أسفلها سنة لا لأنه المتعين) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485). (¬8) قال ابن باز: (يستحب أن يرميها من بطن الوادي، ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 77). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 325)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 502). (¬10) قال ابن عبدالبر: (سُئلَ عبدالرحمن بن القاسم: من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟ فقال: من حيث تيسر)، قال أبو عمر: (يعني من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو من أعلاها أو وسطها كل ذلك واسع، وقد أجمعوا أنه إن رماها من فوق الوادي أو أسفله أو ما فوقه أو أمامه فقد جزى عنه) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 351). (¬11) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن جملة ما يرميه الحاج سبعون حصاة, منها في يوم النحر جمرة العقبة بسبع, وأن رمي هذه الجمرة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو من أعلاها أو من وسطها كل ذلك واسع) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 352). (¬12) قال النووي: (وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها, أو جعلها عن يمينه, أو عن يساره, أو رماها من فوقها, أو أسفلها, أو وقف في وسطها ورماها) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42).

أولاً: أنه ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها، ولم يأمروهم بالإعادة، ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس (¬1). ثانياً: أن رميه صلى الله عليه وسلم من أسفلها سنة، لا أنه المتعين، وكان وجه اختيار الرمي من الأسفل هو توقع الأذى إذا رموا من أعلاها لمن أسفلها فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم الحصى، وقد انعدم هذا التخوف بإزالة الجبل الذي كان ملاصقاً للجمرة من الخلف، وصار الجميع يرمي في مستوى واحد (¬2). ثالثا: أن ما حولها موضع النسك؛ فلو رماها من أي جهة أجزأه (¬3). المطلب الثاني: أن يكون الرمي بمثل حصى الخذف وهو قول الجمهور من الحنفية (¬4) ,والمالكية (¬5) , والشافعية (¬6) , والحنابلة (¬7)،وبه قال جماعة من السلف (¬8) , الأدلة: 1. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) (¬9). 2. حديث جابر رضي الله عنه وفيه: ((حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها ضحى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف)) (¬10) المطلب الثالث: الموالاة بين الرميات السبع الموالاة بين الرميات السبع مستحب وليس بشرط وهو قول الجمهور من الحنفية (¬11) , والحنابلة (¬12) ,والصحيح عند المالكية (¬13) , والشافعية (¬14) , واختاره ابن عثيمين (¬15). المطلب الرابع: ألا يكون الحصى مما رمي به ¬

(¬1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485)، وروي ذلك عن عمر، فعن الأسود قال: ((رأيت عمر رمى جمرة العقبة من فوقها)). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 265)، ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (3/ 256)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 580)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للمباركفوري (9/ 183)، ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (4/ 458). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 195)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 485)، ((مجلة المجمع الفقهي)) (العدد الثالث: 3/ 1591)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 324، 325). (¬3) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 30). (¬4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 30) , ((المبسوط)) للشيباني (2/ 429). (¬5) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 375). (¬6) ((المجموع)) النووي (8/ 183) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 313). (¬7) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 446) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499). (¬8) قال النووي: (وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف منهم ابن عمر, وجابر, وابن عباس, وابن الزبير, وطاوس, وعطاء, وسعيد بن جبير, وأبو حنيفة, وأبو ثور .. ) ((المجموع)) النووي (8/ 183). (¬9) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637). وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268) (¬10) رواه مسلم (1218) (¬11) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 514) , ((حاشية رد المختار على الدر المختار)) لابن عابد (2/ 514). (¬12) ((الفروع)) للمرداوي (6/ 53). (¬13) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 334) , ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 134). (¬14) ((المجموع)) للنووي (8/ 240) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 507). (¬15) قال ابن عثيمين: (لأن الموالاة في الرمي ليست بشرط عند كثير من العلماء) اللقاء الشهري.

يُفَضَّل ألا يكون الحجر مما رمي به فإن رمى بالحجر المستعمل أجزأه, وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , والشافعية (¬3) , وقول عن الحنابلة (¬4). الأدلة: 1. لأن اشتراط عدم الاستعمال ليس عليه دليل والأصل عدمه. 2. لأن العبرة هي الرمي بحجر وقد وجد. 3. قياساً على الثوب في ستر العورة فإنه يجوز أن يصلي في الثوب الواحد صلوات. المطلب الخامس: طهارة الحصيات يستحب أن يرمي بحصى طاهرة, وهو قول الجمهور من الحنفية (¬5) , والمالكية (¬6) , والشافعية (¬7) , ووجه عند الحنابلة (¬8). الأدلة: 1. لصدق اسم الرمي على الرمي بالحجر النجس 2. ولعدم النص على اشتراط طهارة الحصى مسألة: هل يستحب غسل حصى الرمي لا يستحب غسل الحصى إلا إذا رأى فيها نجاسة ظاهرة ولم يجد غيرها، فتغسل النجاسة؛ لئلا تتنجس اليد أو الثياب, وهو المذهب عند المالكية (¬9) , والصحيح عند الحنابلة (¬10) , وهو قول جماعة من أهل العلم (¬11) , وقول ابن المنذر (¬12) , واختاره الشنقيطي (¬13) , وابن باز (¬14) , وابن عثيمين (¬15) , والألباني (¬16). الأدلة: 1. إن النبي صلى الله عليه وسلم لما لقطت له الحصى وهو راكب على بعيره جعل يقبضهن في يده لم يغسلهن (¬17). 2. أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغلسهن. 3. أنه لا يوجد معنى يقتضي غسله. المطلب السادس: التكبير مع كل حصاة يستحب أن يكبر مع كل حصاة, وهو قول كافة فقهاء المذاهب الأربعة من الحنفية (¬18) , والمالكية (¬19) , والشافعية (¬20) , والحنابلة (¬21). الأدلة: ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156). (¬2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 200) , ((كفاية الطالب)) لأبي الحسن المالكي (1/ 682). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 155) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 500). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 28). (¬5) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 233). (¬6) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377). (¬7) ((الأم)) للشافعي (2/ 235 - 236) , ((المجموع)) للنووي (8/ 172). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 28). (¬9) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 180). (¬10) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 446 - 447) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499). (¬11) قال ابن المنذر: (وكان عطاء، ومالك، والأوزاعي، وكثير من أهل العلم لا يرون غسله) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 327). (¬12) قال ابن المنذر: (ولا يعلم في شيء من الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غسل الحصى، ولا أمر بغسله، ولا معنى لغسل الحصى) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 327). (¬13) قال الشنقيطي: (والأقرب أنه لا يلزم غسل الحصى لعدم الدليل على ذلك) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 465). (¬14) قال ابن باز: (ولا يستحب غسل الحصى، بل يرمي به من غير غسيل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 76). (¬15) قال ابن عثيمين: (والصحيح أن غسله بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يغسله)) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 318). (¬16) قال الألباني: (بدع الرمي .... غسل الحصيات قبل الرمي .. ) ((مناسك الحج والعمرة)) للألباني (1/ 54). (¬17) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (3/ 380)، ولعله يعني حديث ابن عباس لكن ليس فيه أنه لم يغسلهن. (¬18) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 231 - 232) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 35, 40). (¬19) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 374, 377) , ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 334, 336). (¬20) ((المجموع)) للنووي (8/ 154 , 239). (¬21) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456 , 483) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 501 , 509).

1. حديث جابر رضي الله عنه وفيه: ((حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف رمي من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر)) رواه مسلم (¬1) 2. لما روت عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: ((أفاض النبي - صلى الله عليه وسلم - من يومه حين صلى الظهر, ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمار إذا زالت الشمس, كل جمرة بسبع حصيات, يكبر مع كل حصاة, ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها)) (¬2). مسألة: إذا ترك التكبير عند رمي الجمار فليس عليه شيء بالإجماع, وممن نقل الإجماع على ذلك النووي نقله عن القاضي (¬3) , وابن حجر (¬4). المطلب السابع: قطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة يوم النحر يستحب أن يقطع التلبية عند أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬5) , والشافعية (¬6) , والحنابلة (¬7).وقول جماعة من السلف (¬8) الأدلة: عن الفضل بن عباس رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) (¬9). وجه الدلالة: 1 - أن الفضل بن عباس رضي الله عنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وهو أعلم بحاله من غيره. 2 - في بعض ألفاظ حديث الفضل رضي الله عنه: ((حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة)). المطلب الثامن: الدعاء الطويل عقب رمي الجمرة الصغرى والوسطى يستحب الوقوف للدعاء إثر كل رمي بعده رمي آخر، فيقف للدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى وقوفاً طويلاً يقدر بمدة ثلاثة أرباع الجزء من القرآن، وأدناه قدر عشرين آية, وهذا الدعاء مستحب باتفاق المذاهب الأربعة من الحنفية (¬10) , والمالكية (¬11) , والشافعية (¬12) , والحنابلة (¬13). الأدلة: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله)) (¬14). ¬

(¬1) رواه مسلم (1218) (¬2) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر. (¬3) قال النووي: (قال القاضي وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 42). (¬4) قال ابن حجر: (وأجمعوا على أن من لم يكبر فلا شيء عليه) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 582). (¬5) ((البحر الرائق شرح كنز الدقائق)) لابن نجيم (2/ 371) , ((حاشية رد المختار)) لابن عابد (2/ 513). (¬6) ((المجموع)) للنووي (8/ 154) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 501). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 461) , ((الإنصاف)) للمررداوي (4/ 27). (¬8) قال ابن قدامة: (وممن قال: يلبي حتى يرمي الجمرة ابن مسعود, وابن عباس, وميمونة, وبه قال عطاء, وطاوس, وسعيد بن جبير, والنخعي, والثوري, والشافعي, وأصحاب الرأي) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 461). (¬9) رواه البخاري (1685)، ومسلم (1281) (¬10) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 232) , ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 34). (¬11) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 134). (¬12) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 239) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 195). (¬13) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 474) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 508 - 509). (¬14) رواه البخاري (1751).

المبحث السادس: الرمي يوم النحر

المبحث السادس: الرمي يوم النحر لا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة. الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي)) (¬1). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع ابن المنذر (¬2)، وابن عبدالبر (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم (1218) (¬2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنه لا يرمى في يوم النحر غير جمرة العقبة. الإجماع لابن المنذر) (ص: 58). (¬3) قال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم، وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم من الجمرات يوم جمرة العقبة) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 268).

المبحث السابع: زمن الرمي يوم النحر

المبحث السابع: زمن الرمي يوم النحر يبدأ وقت رمي جمرة العقبة من منتصف ليلة النحر، ويسن أن يكون بعد طلوع الشمس (¬1)، وهذا مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن باز (¬4) (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال)) (¬6). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أَرْسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمة ليلة النحر، فرمتْ الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت)) (¬7) وجه الاستدلال: أن هذا لا يكون إلا وقد رمت قبل الفجر بساعة (¬8). 3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة، أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة، فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة، أحب إلي من مفروح به)) (¬9). 4 - عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر قال: ((دخلنا مع أسماء من جمع لما غاب القمر، وأتينا منى ورمينا وصلت الصبح في دارها، فقلت يا هنتاه رمينا قبل الفجر، فقالت: هكذا كنا نفعل أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (¬10). 5 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يقدِّم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم)) رواه البخاري ومسلم (¬11) ثانياً: أن النصوص علقت الرمي بما قبل الفجر، وهو تعبير صالح لجميع الليل، فجعل النصف ضابطاً له؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبل النصف (¬12). ثالثاً: أن ما بعد نصف الليل من توابع النهار المستقبل، فوجب أن يكون حكمه في الرمي حكم النهار المستقبل (¬13). رابعاً: أنه وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتاً للرمي، كبعد طلوع الشمس (¬14). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر جمرة العقبة بعد طلوع الشمس) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 58). وقال أيضاً: (أجمعوا على أن من رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الشمس أجزأه) ((المجموع)) للنووي (8/ 181). وقال ابن عبدالبر: (أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم. وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم من الجمرات يوم جمرة العقبة وأجمعوا على أن من رماها من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 268). وقال ابن قدامة: (كان رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع، وكان أولى) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 180)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) الرملي (3/ 302) (¬3) قال ابن قدامة: (لرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس ... وأما وقت الجواز، فأوله نصف الليل من ليلة النحر) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 381، 382)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 584). (¬4) قال ابن باز: (الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم، ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ((لأنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس))). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143، 17/ 295، 296). (¬5) وهو قول أسماء بنت أبى بكر, وابن أبى مليكة, وعكرمة بن خالد, وعطاء, وابن أبي ليلى. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (72/ 314). (¬6) رواه مسلم (1218) (¬7) رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 641)، والبيهقي (5/ 133) (9846). أورده ابن حزم في ((حجة الوداع)) (184): وهو عنده إسناده متصل صحيح وقال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 250)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (215): (إسناده على شرط مسلم)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 146)، والعظيم آبادي في ((عون المعبود)) (5/ 219): رجاله رجال الصحيح .. (¬8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 23)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 156). (¬9) رواه البخاري (1681)، ومسلم (1290) (¬10) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291) (¬11) رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295) (¬12) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/ 157). (¬13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 185). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382).

المبحث الثامن: رمي الجمار في الليل

المبحث الثامن: رمي الجمار في الليل يجوز الرمي ليلاً لمن لم يرم نهاراً، فيمتد وقت جواز رمي كل يوم إلى فجر اليوم التالي، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، وهو وجهٌ للشافعية (¬2)،واختاره ابن المنذر (¬3)، والنووي (¬4)، وابن باز (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ فقال: اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعدما أمسيت؟ فقال: لا حرج)) (¬7). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صرّح بأن مَنْ رمى بعدما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به؛ لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار، وجزء من الليل (¬8). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أيام منى؟ فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال: لا حرج، فقال رجل: رميت بعدما أمسيت؟ قال: لا حرج)) (¬9). وجه الدلالة: أن قوله في هذا الحديث الصحيح: أيام منى بصيغة الجمع صادق بأكثر من يوم واحد، فهو صادق بحسب وضع اللغة، ببعض أيام التشريق، والسؤال عن الرمي بعد المساء فيها لا ينصرف إلا إلى الليل، لأن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال، وهو معلوم، فلا يسأل عنه صحابي، فتعين أن يكون السؤال عن الرمي في الليل (¬10). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن نافع مولى ابن عمر: ((أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبدالله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئاً)) (¬11). وجه الدلالة: أن ابن عمر رضي الله عنهما أمر زوجته صفية بنت أبي عبيد وابنة أخيها برمي الجمرة بعد الغروب، ورأى أنه لا شيء عليهما في ذلك، وذلك يدل على أنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم: أن الرمي ليلاً جائز (¬12). 2 - عن ابن جريج عن عمرو قال: ((أخبرني من رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ترمي غربت الشمس أو لم تغرب)) (¬13) ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي وسكت عن آخره، والأصل بقاء الوقت، وليس هناك سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والليل يمكن أن يكون تابعاً للنهار كما في وقوف عرفة (¬14). رابعاً: أنه إذا رخص في رميها في اليوم الثاني فالرمي بالليل أولى (¬15). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35، 62)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 137). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 239)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 107). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 382). (¬4) ((المجموع)) النووي (8/ 239). (¬5) قال ابن باز: (لم يثبت دليلٌ على منع الرمي ليلاً، والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهاراً في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده، فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهاراً في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 144). (¬6) قال ابن عثيمين: (الذي أرى أن القول بأنه يمتد إلى الفجر أقرب إلى الصواب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 289 - 291). (¬7) رواه البخاري (1735)، بلفظه، ومسلم (1307). (¬8) قال الفيومي: (المساء إلى آخر نصف الليل. وقال ابن القوطية: المساء ما بين الظهر إلى المغرب) ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (مادة: ص ب ح، مادة: م س و). وقال ابن منظور: (المَساء بعذ الظهر إِلى صلاة المغرب وقال بعضهم: إِلى نصف الليل) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: مسا). وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 569)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 282)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 32،33)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 285). (¬9) رواه البخاري (1735) (¬10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 284)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 33). (¬11) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 600) (¬12) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 285). (¬13) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 30) (¬14) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 229،285، 288). (¬15) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (5/ 42).

المبحث التاسع: لقط حصيات الرجم

المبحث التاسع: لقط حصيات الرجم لا خلاف أنه يجزئه أخذ الحصيات من حيث كان لان الاسم يقع عليه (¬1) (¬2). واختلفوا في موضع استحبابه على قولين: القول الأول: يستحب للحاج أخذ حصى الجمار من مزدلفة، وهو مذهب المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وبه قال بعض السلف (¬5). الأدلة: 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف ... )) (¬6) 2. أن من السنة إذا أتى الحاج إلى منى أن لا يعرج على غير الرمي، فسن له أن يأخذ الحصى من مزدلفة حتى لا يشغله عنه، لأن الرمية تحية له كما أن الطواف تحية المسجد الحرام (¬7). القول الثاني: يأخذه من مزدلفة أو من طريقه وحيث شاء، وهو مذهب الحنفية (¬8) , والحنابلة (¬9)، ونص عليه مالك في المدونة (¬10)، وبه قال عطاء واختاره ابن المنذر وصححه ابن قدامة (¬11). الأدلة: 1. أن ابن عباس قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته ((القط لي حصى)) فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه ويقول: ((أمثال هؤلاء فارموا)) ثم قال: أيها الناس ((إياكم والغلو في الدين فانما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) (¬12) وجه الدلالة: أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس بلقط الحصى كان بمنى (¬13). 2. أن عليه فعل المسلمين، وهو أحد نوعي الإجماع (¬14). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (8/ 124)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 445). (¬2) قال ابن المنذر: (لا أعلم خلافا بينهم أنه من حيث أخذ أجزأه). ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 322). (¬3) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 377). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 124 , 182). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 124 , 182). (¬6) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637). وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268) (¬7) ((المجموع)) للنووي (8/ 124). (¬8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 487). (¬9) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 499). (¬10) ((المدونة الكبرى)) لمالك بن أنس (1/ 437). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 445)، ((المجموع)) للنووي (8/ 182). (¬12) رواه النسائي (5/ 268)، وابن ماجه (2473)، وأحمد (1/ 215) (1851)، وابن حبان (9/ 183) (3871)، والحاكم (1/ 637)، صححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/ 428)، وصحح إسناده على شرط مسلم النووي في ((المجموع)) (8/ 171)، وابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/ 327)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5/ 268). (¬13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 446). (¬14) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 156)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 487).

المبحث العاشر: النيابة (التوكيل) في الرمي

المبحث العاشر: النيابة (التوكيل) في الرمي المطلب الأول: حكم التوكيل في الرمي للمعذور من كان لا يستطيع الرمي بعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي فإنه يجب عليه أن يستنيب من يرمي عنه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وأفتت به اللجنة الدائمة (¬4)، واختاره الشنقيطي (¬5)،وابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]. وجه الدلالة: أن الاستنابة في الرمي، هي غاية ما يقدر عليه (¬8). ثانياً: أنه لما جازت النيابة عنه في أصل الحج فجوازها في أبعاضه أولى (¬9). رابعاً: أن زمن الرمي مضيق ويفوت ولا يشرع قضاؤه، فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف الطواف والسعي فإنهما لا يفوتان فلا تشرع النيابة فيهما (¬10). المطلب الثاني: هل يشترط أن يكون النائب (الوكيل) قد رمى عن نفسه؟ اختلف أهل العلم في اشتراط أن يكون النائب قد رمى عن نفسه على قولين: القول الأول: يشترط أن يكون النائب قد رمى عن نفسه الجمرات الثلاث، ثم يرمي عن موكله، وهذا مذهب الشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)،وهو قول للمالكية (¬13)، وبه أفتت اللجنة الدائمة (¬14). وذلك للآتي: 1 - أن الأصل عدم تداخل الأعمال البدنية. 2 - لا يجوز أن ينوب عن الغير وعليه فرض نفسه. ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 63)، ((بدائع الصنائع)) (2/ 137). (¬2) ((الحاوي الكبير)) الماوردي (4/ 204) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 115). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 427)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590). (¬4) في فتاوى اللجنة الدائمة: (تجوز النيابة في رمي الجمار عن العاجز الذي لا يقوى على مباشرة الرمي بنفسه؛ كالصبي والمريض وكبير السن، إذا كان النائب من الحجاج ذلك العام، وقد رمى عن نفسه) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 76). (¬5) قال الشنقيطي: (إذا عجز الحاج عن الرمي، فله أن يستنيب من يرمي عنه، وبه قال كثير من أهل العلم، وهو الظاهر) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 473، 474). (¬6) قال ابن باز: (يجوز للعاجز عن الرمي لمرض, أو كبر سن, أو حمل, أن يوكل من يرمي عنه؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ *التغابن: 16* وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات, وزمن الرمي يفوت ولا يشرع قضاؤه، فجاز لهم أن يوكلوا بخلاف غيره من المناسك فلا ينبغي للمحرم أن يستنيب من يؤديه عنه ولو كان حجه نافلة؛ لأن من أحرم بالحج أو العمرة - ولو كانا نفلين - لزمه إتمامهما؛ لقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ *البقرة: 196* وزمن الطواف والسعي لا يفوت بخلاف زمن الرمي) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 85، 86، 146). (¬7) قال ابن عثيمين: (أما من يشق عليه الرمي بنفسه، كالمريض، والكبير، والمرأة الحامل ونحوهم، فإنه يجوز أن يوكل من يرمي عنه سواء كان حجه فرضاً أم نفلاً، وسواء لقط الحصى وأعطاها الوكيل، أو لقطها الوكيل بنفسه، فكل ذلك جائز) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 407). (¬8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 474). (¬9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204)، ((المجموع)) للنووي (8/ 245). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 243)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 85، 86، 146). (¬11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 115)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 381). (¬13) ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 484)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52). (¬14) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 76).

3 - أنه لو رمى عن غيره قبل أن يرمي عن نفسه فإنه يقع عن نفسه كأصل الحج (¬1). القول الثاني: لا يشترط ذلك، وهذا مذهب المالكية (¬2)،وهو وجهٌ للشافعية (¬3)، واختاره ابن عثيمين (¬4). وذلك للآتي: أولاً: أن حكم الرمي أخف من سائر أركان الحج، فجاز أن يفعله عن المريض قبل فعله عن نفسه (¬5). ثانياً: أن غاية الأمر أنه ترك التتابع بين الجمرات الثلاث وهو مندوب فقط، ثم إنه تفريق يسير (¬6). المطلب الثالث: حكم سفر المعذور قبل رمي وكيله ¬

(¬1) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 298)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 484)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 242). (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 410)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204). (¬4) قال ابن عثيمين: (يجوز أن يرمي عنه وعن نفسه وعن موكله في موقف واحد، لأن ظاهر فعل الصحابة وهو قولهم: (لبَّينا عن الصبيان ورمينا عنهم) أنهم كانوا يرمون عن الصبي وعن أنفسهم في موقف واحد، وإذا لم يحق هناك دليل واضح على أنه لابد أن تكمل عن نفسك ثم عن موكلك، فإنه لا ينبغي أن يلزم الناس بذلك مع كثرة الجمع والزحام والمشقة)) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 231). وقال أيضاً: (ويبدأ الوكيل بالرمي عن نفسه ثم عن موكله لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ابدأ بنفسك))، وقوله: ((حُجَّ عن نفسك ثم حُجَّ عن شبرمة))، ويجوز أن يرمي عن نفسه، ثم عن موكله في موقف واحد. فيرمي الجمرة الأولى بسبع عن نفسه، ثم بسبع عن موكله، وهكذا الثانية والثالثة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 407). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 204). (¬6) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 52).

من وكَّل على الرمي بعذرٍ شرعيٍّ، فلا يجوز له أن يسافر قبل رمي الوكيل، فإن نفر يوم النحر (أي لم يبت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر)، فعليه مع التوبة ثلاثة دماء: دم عن تركه المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات، ودم عن تركه طواف الوداع ولو طاف بالبيت قبل مغادرته؛ وذلك لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة (¬1)، وابن باز (¬2) (¬3). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله [البقرة: 196]. ثانياً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬4) وقال: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) (¬5). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينفر من منى حتى رمى الجمار، ثم طاف للوداع. ثالثاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً)) (¬6). رابعاً: أنهم في حكم من لم يرم؛ لنفرهم قبل الرمي، وفي حكم من لم يودع؛ لوقوع طواف الوداع قبل إكمال مناسكهم (¬7). ¬

(¬1) قالت اللجنة الدائمة: (ومن وكل في رمي جمراته أيام التشريق أو أحد أيام التشريق ونفر يوم النحر يعتبر مخطئاً مستهتراً بشعائر الله، ومن يوكل في رمي الجمرات اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر من أيام التشريق ويطوف طواف الوداع ليتعجل بالسفر فقد خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أمر به في أداء المناسك وترتيبها، وعليه التوبة والاستغفار من ذلك، ويلزم من فعل ذلك دم عن ترك المبيت بمنى، ودم عن تركه رمي الجمرات التي وكل فيها ونفر، ودم ثالث عن طواف الوداع وإن كان طاف بالبيت لدى مغادرته؛ لوقوع طوافه في غير وقته؛ لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (11/ 289). (¬2) قال ابن باز: (إذا كان معذوراً لمرض أو كبر سن فلا بأس. والنائب يرمي عنه وعن موكله في موقف واحد الجمرات كلها هذا هو الصواب. وكذلك إن سافر قبل طواف الوداع فهذا أيضاً منكر ثان لا يجوز؛ لأن طواف الوداع بعد انتهاء الرمي وبعد فراغ وكيله من الرمي إذا كان عاجزاً، وكونه يسافر قبل طواف الوداع وقبل مضي أيام منى هذا فيه شيء من التلاعب فلا يجوز هذا الأمر، بل عليه دمان: دم عن ترك الرمي يذبح في مكة، ودم عن ترك طواف الوداع يذبح في مكة أيضاً، ولو طاف في نفس يوم العيد لا يجزئه ولا يسمى وداعاً؛ لأن طواف الوداع يكون بعد رمي الجمار فلا يطاف للوداع قبل الرمي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت))، ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)) متفق على صحته. وعلى المذكور دم ثالث عن ترك المبيت بمنى ليلة أحد عشر وليلة اثني عشر مع التوبة إلى الله من فعله المذكور) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 306 - 307). (¬3) أما من وكَّل على الرمي بعذر شرعي، وسافر قبل رمي الوكيل لكنه بات ليلة الحادي عشر، فعليه دمان: دم عن تركه رمي الجمرات، ودم عن تركه طواف الوداع، ولو طافه؛ وذلك لأنه طافه في غير وقته، وعليه أن يتصدق عن عدم مبيته الليلة الثانية. (¬4) رواه مسلم (1297) (¬5) رواه مسلم (1718). (¬6) رواه مالك (3/ 615)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 244)، والبيهقي (5/ 30) (9191). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 99): (إسناده صحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه لا مرفوعاً)، وصحح إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 314)، وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 330): (صح عن ابن عباس موقوفاً عليه، وجاء عنه مرفوعاً ولم يثبت)، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (1100): (ضعيف مرفوعاً وثبت موقوفاً). (¬7) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 292).

الفصل الثاني: ذبح الهدي

المبحث الأول: ما هو الهدي؟ الهدي شاة، أو سُبْع بدنة، أو سُبْع بقرة، فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة، فقد زاد خيراً، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن اسم الهدي يقع على الشاة, والبقرة, والبدنة (¬5). ثانياً: من السنة: عن أبي جمرة قال: ((سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها جزور, أو بقرة, أو شاة, أو شرك في دم)) (¬6). ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 185). (¬2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 515). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 421). (¬4) منهم: الأوزاعي, وسفيان الثوري, وإسحاق, وأبو ثور، وداود الظاهري. ((المحلى)) (7/ 149، 150). (¬5) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 149)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223). (¬6) رواه البخاري (1688)، ومسلم (1242)

المبحث الثاني: حكم الاشتراك في الهدي

المبحث الثاني: حكم الاشتراك في الهدي يجوز الاشتراك في الهدي في الإبل والبقر إلى حد سبعة أشخاص، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الأدلة: أولا: الدليل من الكتاب: قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن (من) للتبعيض، فجاز الاشتراك في الهدي بظاهر الآية (¬4). ثانياً: الدليل من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة, والبقرة عن سبعة)) (¬5). عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((فنحر عليه السلام ثلاثاً وستين, فأعطى علياً فنحر ما غبر, وأشركه في هديه)) (¬6). عن أبي جمرة قال: ((سألت ابن عباس رضي الله عنهما، عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور, أو بقرة, أو شاة, أو شرك في دم)) (¬7). ثالثاً: أنه ورد ذلك عن طائفة كبيرة من الصحابة رضي الله عنهم: منهم علي، وابن مسعود، وعائشة، وأنس، وإليه رجع ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين (¬8). رابعاً: القياس على اشتراك أهل البيت في الأضحية (¬9). مسألة: لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن الله جل وعلا أوجب على المتمتع الهدي في حال القدرة عليه، فإذا لم يجد هدياً أو ثمنه، فإنه ينتقل إلى الصيام، ولم يجعل الله واسطة بين الهدي والصيام، ولا بدلا عن الصيام عند العجز عنه (¬10). ثانياً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثم ليهل بالحج ويهدي, فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬11). ثالثاً: الإجماع: أخذ الصحابة, والتابعون, ومن بعدهم من المجتهدين بما دل عليه القرآن, ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن, فإذا لم يجد هدياً أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (¬12). رابعاً: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37]، وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول (¬13). خامساً: أن النسك عبادة مبنية على التوقيت، فلا يجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي موجب للعدول عنه, وكل تشريع مبني على التوقيت فإنه لا يدخله الاجتهاد, ومنه القول بالمصلحة المدعاة هنا (¬14). ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 223)، ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 185). (¬2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 52)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 515). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 240)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 421). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 154). (¬5) رواه مسلم (1318) (¬6) رواه مسلم (1218) (¬7) رواه البخاري (1688)، ومسلم (1242) (¬8) قال ابن حزم: (فصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إجماع من الصحابة)) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 151). (¬9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 354). (¬10) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 208). (¬11) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) (¬12) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 208). (¬13) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 209). (¬14) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 210).

المبحث الثالث: زمن الذبح

المبحث الثالث: زمن الذبح المطلب الأول: أول زمن الذبح يبتدئ وقت ذبح الهدي يوم النحر، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)،والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال سفيان الثوري (¬4)، واختاره ابن باز (¬5)، وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أنه جاء في الآية الكريمة أن الحلق لا يكون إلا بعد أن يبلغ الهدي محله، ومعلوم أن الحلق لا يكون إلا يوم النحر (¬7). قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا [الحج: 27 - 28]. وجه الدلالة: أن قضاء التفث يختص بيوم النحر، وقد جاء مرتباً على النحر والأكل منه (¬8). ثانياً: من السنة: عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله، ما بال الناس حلوا من عمرتهم ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)) (¬9). وجه الدلالة: أنه علق الحل على النحر، ومعلوم أن الحل لا يكون إلا يوم النحر. أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا في عشر ذي الحجة، وقد بقيت الغنم والإبل التي معهم موقوفة حتى جاء يوم النحر، فلو كان ذبحها جائزاً قبل ذلك لبادر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إليه في الأيام الأربعة التي أقاموها قبل خروجهم إلى عرفات؛ لأن الناس بحاجة إلى اللحوم في ذلك الوقت، فلما لم يفعل ذلك على عدم الإجزاء، وأن الذي ذبح قبل يوم النحر قد خالف السنة وأتى بشرع جديد فلا يجزئ؛ كمن صلى أو صام قبل الوقت (¬10). أنه لو كان ذبح الهدي جائزًا قبل يوم العيد لفعله النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أن يحلوا من العمرة من لم يكن معه هدي، لأجل أن يطمئن أصحابه في التحلل من العمرة، فدل امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم من ذبح هديه قبل يوم النحر مع دعاء الحاجة إليه على أنه لا يجوز (¬11). ثالثاً: أنه دم نسك، فلا يجوز قبل يوم النحر، كالأضحية (¬12). المطلب الثاني: آخر زمن الذبح اختلف أهل العلم في آخر زمن الذبح على أقوال، أشهرها قولان: ¬

(¬1) لكن يجوز عند الحنفية: ذبح دم التطوع قبل يوم النحر؛ لأنها هدايا وذلك يتحقق بتبليغها إلى الحرم، وإن كان ذبحها في أيام النحر أفضل؛ لأن معنى القربة في إراقة الدم فيها أظهر. ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (4/ 73)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162). (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243)، ((مواهب الجليل)) الحطاب (4/ 273). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 245)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 456). (¬4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 244). (¬5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 29). (¬6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90). (¬7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 187، 195). (¬8) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 186). (¬9) رواه البخاري (4398)، ومسلم (1229) (¬10) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 192)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 29). (¬11) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90). (¬12) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 186)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 192).

القول الأول: أن زمن الذبح يستمر إلى يومين بعد يوم النحر، فيكون مجموع أيام النحر ثلاثة أيام، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وبه قال طائفة من السلف (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28] وجه الدلالة: أن الأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده، ويدل على ذلك أن لفظ: (المعلومات) جمع قلة، والمتيقن منه الثلاثة، وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به (¬5). ثانياً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث)) (¬6). وجه الدلالة: أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح، ولو كان اليوم الرابع منها لكان قد حرم على من ذبح في ذلك اليوم أن يأكل من أضحيته، وليس هناك فرق بين الأضحية والهدي بالنسبة لزمن الذبح (¬7). ثالثاً: أنه وَرَدَ عن الصحابة رضي الله عنهم تخصيصه بالعيد ويومين بعده، منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف, ومثل هذا لا يقال بالرأي (¬8). رابعاً: أنه قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ ولو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر (¬9). القول الثاني: أن وقت الذبح ينتهي بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهذا مذهب الشافعي (¬10)، وقولٌ للحنابلة (¬11)، وبه قال طائفة من السلف (¬12)، واختاره ابن المنذر (¬13)،وابن تيمية (¬14)، وابن القيم (¬15)، وابن باز (¬16)، وابن عثيمين (¬17)، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء (¬18). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28]. ثانياً: من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه يوم النحر وجه الدلالة ما ذكره الشافعي بقوله: فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقاً لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما (¬19). ¬

(¬1) ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (4/ 73)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162). (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 273). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 245)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63). (¬4) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 244). (¬5) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 436)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 201). (¬6) رواه البخاري (5574)، ومسلم (1970) واللفظ له. (¬7) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 201). (¬8) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (5/ 243). (¬9) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 202). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 380). (¬11) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63). (¬12) منهم: الحسن، وعطاء، والأوزاعي. ((زاد المعاد)) (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204). (¬13) ((زاد المعاد)) (2/ 319). (¬14) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 63). (¬15) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 318). (¬16) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 78). (¬17) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 90). (¬18) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 213). (¬19) ((الأم)) (2/ 248).

عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح)) (¬1). وجه الدلالة: أن الحديث نص في الدلالة على أن كل أيام منى أيام نحر (¬2). ثالثاً: أن الثلاثة أيام تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، وأيام تكبير وإفطار، ويحرم صيامها، فهى إخوة فى هذه الأحكام، فكيف تفترق فى جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟ (¬3). مسألة: السنة في وقت النحر أن يكون يوم العيد بعد أن يفرغ من الرمي وقبل الحلق أو التقصير. الأدلة: أولاً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى سبع حصيات من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر)) (¬4). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر (¬5) وابنُ رشد (¬6)، وابنُ حجر (¬7). المبحث الرابع: مكان الذبح يجب أن يكون ذبح الهدي في الحرم ولا يختص بمنى وإن كان الأفضل أن يكون بمنى، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬8)،والشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، واختاره ابن حزم (¬11)، والشوكاني (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن محل الهدي الحرم عند القدرة على إيصاله (¬14). قال الله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 33]. ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 82) (16797)، وابن حبان (9/ 166) (3854)، والطبراني (2/ 138) (1583)، والبيهقي (5/ 239) (10525). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/ 291): روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 27): رجاله ثقات، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 211): له شاهد، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6331)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 203). (¬3) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204). (¬4) رواه مسلم (1218). (¬5) قال ابن عبدالبر: (وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 394)، وقال أيضاً: (فلا خلاف بين العلماء أن سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر, ثم ينحر هدياً إن كان معه ثم يحلق رأسه) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (7/ 267). (¬6) قال ابن رشد: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى في حجته الجمرة يوم النحر، ثم نحر بدنه، ثم حلق رأسه، ثم طاف طواف الإفاضة، وأجمع العلماء على أن هذا سنة الحج) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 352). (¬7) قال ابن حجر: (قد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، إلا أن ابن الجهم المالكي استثنى القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف، كأنه لاحظ أنه في عمل العمرة والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف، ورد عليه النووي بالإجماع، ونازعه ابن دقيق العيد في ذلك) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 571). (¬8) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224). (¬9) ((المجموع)) للنووي (8/ 187، 191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 187). (¬10) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 416). (¬11) قال ابن حزم: (لا يجزئه أن يهديه, وينحره إلا بمنى أو بمكة) ((المحلى)) (7/ 155 رقم 836). (¬12) قال الشوكاني: (مكان جميع الدماء مني وفجاج مكة) ((السيل الجرار)) ص 348. (¬13) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226). (¬14) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 207).

وجه الدلالة: أن النص جاء بأن شعائر الله تعالى محلها إلى البيت العتيق، وهذا عام في الهدايا (¬1). قال تعالى في جزاء الصيد: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنه لو جاز ذبحه في غير الحرم لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى، وهذا الحكم وإن كان في كفارة الصيد إلا أنه صار أصلاً في دماء النسك (¬2). ثانياً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد نحرت هنا، ومنى كلها منحر)) (¬3). وجه الدلالة: يدل على أنه حيثما نحرت البدن, والإهداء من فجاج مكة ومنى والحرم كله فقد أصاب الناحر (¬4). 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في منى وقال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬5) (¬6). ثالثاً: أن الهدي اسم لما يهدى إلى مكان الهدايا، ومكان الهدايا الحرم، وإضافة الهدايا إلى الحرم ثابتة بالإجماع (¬7). رابعاً: أن هذا دم يجب للنسك، فوجب أن يكون في مكانه، وهو الحرم (¬8). المبحث الخامس: الهدي على القارن يجب الهدي على القارن إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام، واتفقت عليه المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)، وبه قال طائفة من السلف (¬13)، واختاره أكثر الفقهاء (¬14). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن القارن متمتع بالعمرة إلى الحج بدليل فهم الصحابة رضي الله عنهم، يدل على ذلك ما يلي: عن علي رضي الله عنه: ((أنه لما سمع عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة: أهل بالعمرة والحج ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه)) (¬15). ثانياً: أن الهدي إذا كان واجباً على المتمتع بنص القرآن والسنة والإجماع فإن القارن أولى لأمرين: الأول: أن فعل المتمتع أكثر من فعل القارن فإذا لزمه الدم فالقارن أولى (¬16). الثاني: أنه إذا وجب على التمتع لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى (¬17) .. ¬

(¬1) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 156 رقم 836)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 207). (¬2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186). (¬3) رواه مسلم (1218) (¬4) ((المحلى)) (7/ 156 رقم 836). (¬5) رواه مسلم (1297) (¬6) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 163). (¬8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226). (¬9) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 174). (¬10) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 384)، ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 84). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246). (¬13) منهم: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم. ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 165)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190). (¬14) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 93). (¬15) رواه البخاري (1563)، ومسلم (1223) (¬16) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬17) قال ابن عبدالبر: (من معنى التمتع أيضا القران عند جماعة من الفقهاء لأن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني من بلده كما صنع المتمتع في عمرته إذا حج من عامه ولم ينصرف إلى بلده، فالتمتع والقران يتفقان في هذا المعنى) ((الاستذكار)) (4/ 93)، ((المجموع)) للنووي (7/ 190)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 246).

رابعاً: أن إيجاب الهدي على القارن هو إجماع من يعتد به من أهل العلم، نقله الشنقيطي (¬1)، ووصف ابن حجر قول ابن حزم بعدم الوجوب بالشذوذ (¬2). المبحث السادس: التطوع في الهدي يسن التطوع بالهدي للمفرد والمتمتع والقارن وللحاج ولغير الحاج: الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها)) (¬3). وجه الدلالة: أنه معلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع (¬4). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مرة غنما)) (¬5) 3 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((فتلت قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها، أو قلدتها ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حل)) (¬6) ثانياً: الإجماع: نقل القرافي الإجماع على ذلك (¬7). المبحث السابع: الأكل من الهدي المطلب الأول: الأكل من هدي التطوع يسن لمن أهدى هديا تطوعاً أن يأكل منه إذا بلغ محله في الحرم. الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قال الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27]. 2 - وقال عز وجل: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج: 36]. وجه الدلالة من الآيتين: أن فيهما الأمر بالأكل من الهدي وأقل أحوال الأمر الاستحباب (¬8). ثانياً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا، فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها)) (¬9). وجه الدلالة: أنه معلوم أن ما زاد على الواحدة منها تطوع، وقد أكل منها وشرب من مرقها جميعا (¬10). 2 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا)) (¬11). ثالثاً: الإجماع: ¬

(¬1) قال الشنقيطي: (أجمع من يعتد به من أهل العلم أن القارن يلزمه ما يلزم المتمتع من الهدي، والصوم عند العجز عن الهدي، وهذا مذهب عامة العلماء، منهم الأئمة الأربعة، إلا من شذ شذوذا لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له وجه من النظر، إلا من شذ شذوذا لا عبرة به، وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له وجه من النظر) ((أضواء البيان)) باختصار (5/ 128). (¬2) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 7). (¬3) رواه مسلم (1218) (¬4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113). (¬5) رواه البخاري (1701)، ومسلم (1321) (¬6) رواه البخاري (1699)، ومسلم (1321) (¬7) قال القرافي: (لا أعلم في التطوع بالهدي خلافا، وقد بعث النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالهدايا تطوعا مع ناجية الأسلمي ومع غيره، وما زال السلف على ذلك) ((الذخيرة)) (3/ 354). (¬8) قال ابن عبدالبر: ((في قول الله عز وجل ما يغني عن قول كل قائل إلا أني أقول الأكل من الهدي بالقرآن ومن الضحية بالسنة)) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (10/ 267)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579). (¬9) رواه مسلم (1218) (¬10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197)، وينظر: ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113). (¬11) رواه البخاري (1719)، ومسلم (1972)

الإجماع على جواز الأكل من هدي التطوع، نقله النووي (¬1)، وابن عبدالبر (¬2)، وابن حجر (¬3)، والشنقيطي (¬4). رابعاً: أنه دم نسك، ولا يتعين صرفه إلى الفقراء، والقاعدة أن ما لم يجب صرفه على الفقراء جاز الأكل منه (¬5). المطلب الثاني: الأكل من هدي التمتع والقران يستحب الأكل من هدي التمتع والقران، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وبه قال عطاء (¬9)، واختاره الشوكاني (¬10)، والشنقيطي (¬11). الأدلة: أولاً: من الكتاب قال الله عز وجل: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28]. وجه الدلالة: أنه سبحانه أمر بالأكل من الهدي، فعم ولم يخص واجباً من تطوع، وهي من شعائر الله فلا يجب أن يمتنع من أكل شيء منها إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع (¬12). ثانياً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذَبَحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه)) (¬13). وجه الدلالة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنهن صلى الله عليه وسلم بقراً ودخل عليهن بلحمه وهن متمتعات، وعائشة منهن قارنة وقد أكلن جميعا مما ذبح عنهن في تمتعهن وقرانهن بأمره صلى الله عليه وسلم، وهو نص صحيح صريح في جواز الأكل من هدي التمتع والقران (¬14). ثالثاً: أنه دم نسك وشكران وسببه غير محظور ولم يسم للمساكين ولا مدخل للإطعام فيه فأشبه هدي التطوع (¬15). المطلب الثالث: الأكل من الهدي الذي وجب لترك نسك أو تأخيره، أو كان بسبب فسخ النسك لا يجوز الأكل من الهدي الذي وجب لترك نسك أو تأخير، أو كان بسبب فسخ النسك، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحفية (¬16)، والشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18). وذلك للآتي: أنها دماء كفارات، يجب التصدق بها على الفقراء، وفي الأكل منها تفويت لحقهم. ¬

(¬1) قال النووي: (أجمع العلماء على أن الأكل من هدى التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 192). (¬2) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على جواز الأكل من التطوع إذا بلغ محله) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113). (¬3) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 556). (¬4) قال الشنقيطي: (الأكل من هدي التطوع لا خلاف فيه بين العلماء بعد بلوغه محله، وإنما خلافهم في استحباب الأكل منه، أو وجوبه) ((أضواء البيان)) (5/ 197). (¬5) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 162). (¬6) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161). (¬7) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 89)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 855). (¬8) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 75). (¬9) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 255)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 557). (¬10) ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 200). (¬11) قال الشنقيطي: (الذي يرجحه الدليل في هذه المسألة: هو جواز الأكل من هدي التطوع وهدي التمتع والقران دون غير ذلك). ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197). (¬12) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (2/ 113). (¬13) رواه البخاري (1709)، ومسلم (1211) (¬14) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 197). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 465). (¬16) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161). (¬17) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 221)، ((المجموع)) للنووي (8/ 417). (¬18) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 579)، ((الإنصاف)) (4/ 75).

أنها غرم جناية، فإذا أكل منها لم يغرم (¬1). المطلب الرابع: الأكل من هدي الكفارات لا يجوز الأكل من هدي الكفارات الذي وجب لفعل محظور، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5) (¬6). وذلك للآتي: - أنها دماء كفارات، يجب التصدق بها على الفقراء، وفي الأكل منها تفويت لحقهم (¬7). - أنها عوض عن الترفه، فالجمع بين الأكل منها والترفه، كالجمع بين العوض والمعوض (¬8). المبحث الثامن: من لم يقدر على الهدي المطلب الأول: حكم من لم يقدر على الهدي إذا لم يقدر المتمتع والقارن على الهدي بأن لم يجد هدياً في السوق، أو وجده لكن لم يجد معه ثمنه، فإنه يصوم عشرة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة: 196]. ثانياً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، ثم ليهل بالحج ويهدي، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬10). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: ابنُ المنذر (¬11) وابن قدامة (¬12). المطلب الثاني: وقت صيام الثلاثة أيام في الحج لمن لم يجد الهدي من لم يجد الهدي فإنه يبتدئ الصيام من زمن إحرامه، سواءً كان بإحرامه بالعمرة إذا كان متمتعاً، أو كان بإحرامه بالحج والعمرة إذا كان قارناً، وهذا مذهب الحنفية (¬13)، والحنابلة (¬14)، واختاره ابن عثيمين (¬15). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: ¬

(¬1) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 196). (¬2) ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 161، 162). (¬3) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 89)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 855). (¬4) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 221)، ((المجموع)) للنووي (8/ 417) .. (¬5) ((الشرح الكبير لابن قدامة)) (3/ 579)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 75). (¬6) منهم: عطاء، وطاووس، ومجاهد. ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 255)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 557). (¬7) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 196). (¬8) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 89). (¬9) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 516)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 176). (¬10) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) (¬11) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق، وقدم مكة ففرغ منها، فأقام بها فحج من عامه أنه متمتع، وعليه الهديُ إذا وجد، وإلا فالصيام) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 56). (¬12) قال ابن قدامة: (لا نعلم بين أهل العلم خلافا، في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي، ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417). (¬13) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 327)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 157). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 453). (¬15) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 42).

أنه جَعَلَ الحجَّ ظرفا للصوم، وأفعال الحج لا يصام فيها، وإنما يصام في أشهرها أو وقتها، فعرفنا أن المراد به وقت الحج، كما قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] (¬1). ثانياً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دخلت العمرة في الحج)) (¬2). وجه الدلالة: أنَّه يدل على جواز الصيام من الإحرام بالعمرة؛ وذلاك لأن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة (¬3) ثالثاً: أنَّه لا بد من الحكم بجواز الصوم بعد الإحرام العمرة، وقبل الشروع في الحج إذ لو كان لا يجوز إلا بعد إحرامه بالحج لما أمكنه صيام الثلاثة أيَّام لأنه إنما يشرع له الإحرام بالحج يوم التروية فلا يتبق له ما يسع الصيام (¬4). رابعاً: أنَّ صيام المتمتع قبل إحرامه بالحج هو من باب تقديم الواجب على وقت وجوبه إذا وجد سببه، وهو جائز كتقديم الكفارة على الحنث بعد اليمين (¬5). خامساً: أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع، فجاز الصوم بعده كإحرام الحج (¬6). مسألة: الأفضل أن يقدم صيام الثلاثة أيَّام على يوم عرفة، ليكون يوم عرفة مفطراً، وهذا مذهب الشافعية (¬7)، وروي عن مالك (¬8)، وهو قول للحنابلة (¬9)، وبه قال طائفة من السلف (¬10)، واختاره ابن باز (¬11)، وابن عثيمين (¬12). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة، وأرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب)) (¬13) ثانياً: أن الفطر في هذا اليوم أقوى على العبادة، وأنشط له على الذكر والدعاء (¬14). المطلب الثالث: صيام أيَّام التشريق لمن لم يجد الهدي ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 327)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418). (¬2) رواه البخاري (1785)، ومسلم (1218) (¬3) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 42). (¬4) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 172). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 453). (¬6) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 352، 352). (¬7) ((المجموع)) للنووي (7/ 185)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬8) ((تفسير القرطبي)) (2/ 399). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417). (¬10) روي ذلك عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 417). (¬11) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88). (¬12) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 376). (¬13) رواه الترمذي (750)، وأحمد (1/ 217) (1870)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/ 153) (2815)، وابن حبان (8/ 370) (3605)، والبيهقي (4/ 284) (8648). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه الطبري في ((مسند عمر)) (1/ 350)، وابن دقيق في ((الاقتراح)) (106)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (¬14) ((تفسير القرطبي)) (2/ 399)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88).

يجوز صوم أيَّام التشريق (¬1) لمن لم يجد الهدي، ولم يكن قد صامها قبل يوم النحر، وهذا مذهب المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وقولٌ للشافعية (¬4)،وبه قال طائفة من السلف (¬5)، واختاره البخاري (¬6)، وابن عبدالبر (¬7)، وابن حجر (¬8)، وابن باز (¬9)، والألباني (¬10)، وابن عثيمين (¬11). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن عموم قوله: فِي الْحَجِّ يعم ما قبل يوم النحر وما بعده، فيدخل أيام التشريق. ثانياً: من السنة: عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: ((لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لا يجد الهدي)) (¬12). وجه الدلالة: أن قول الصحابي لم يرخص أو رخص لنا، أو ما أشبه ذلك يعتبر مرفوعاً حكماً (¬13). ثالثاً: أن صومها في أيام التشريق صوم لها في أيام الحج؛ لأن أيام التشريق أيام للحج، ففيها رمي الجمرات في الحادي عشر والثاني عشر وكذلك الثالث عشر (¬14). المطلب الرابع: من لم يصم الهدي قبل عرفة هل يسقط عنه أو يبقى في ذمته؟ من لم يصم الثلاثة أيام في الحج فإنه لا يسقط الصيام عنه، ويلزمه بعد ذلك القضاء، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬15)، والشافعية (¬16)، والحنابلة (¬17). المطلب الخامس: من أخر صيام ثلاثة أيام التي في الحج حتى انتهى حجه، فهل تلزمه الفدية؟ ¬

(¬1) أيام التشريق: (هي أيام منى الثلاثة التي تلى يوم النحر). قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أن أيام التشريق هي الأيام المعدودات، وهي أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر كل هذه الأسماء واقعة على هذه الأيام ولم يختلفوا في ذلك). ((التمهيد)) (12/ 129)، ((فتح الباري)) (4/ 243). (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 346)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 558). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 111)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 249). (¬4) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/ 455)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬5) فهو قول: (ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهما، والزهري، وعروة، والأوزاعي، وإسحاق) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (12/ 128)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 434). (¬6) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 242). (¬7) قال ابن عبدالبر في صيامها لمن لم يجد الهدي: (وهو الأولى لأنها من أيام الحج وقد قال الله عز وجل: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 347). (¬8) قال ابن حجر: (تعارض عموم الآية المشعر بالإذن، وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفي كونه مرفوعا نظر؟ فعلى هذا يترجح القول بالجواز، وإلى هذا جنح البخاري. والله أعلم) ((فتح الباري)) (4/ 243). (¬9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 88). (¬10) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) للألباني (12/ 382 رقم 5664). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481). (¬12) رواه البخاري (1997، 1998) (¬13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (6/ 481، 7/ 179). (¬14) ((الاستذكار)) للنووي (4/ 414)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمن (7/ 179). (¬15) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 351)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 84). (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 186)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬17) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 364)، ((الإقناع)) لابن قدامة (1/ 369).

من أخر صيام ثلاثة الأيام التي في الحج حتى انتهى حجه، فلا تلزمه الفدية، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، واختاره ابن عثيمين (¬3). وذلك للآتي: - أنه لما عدم الهدي صار الصيام واجبا في حقه، فإذا تأخر عن أدائه فإنه يقضى كرمضان (¬4). - أن الصوم بدل عن الهدي، فلو وجب الدم لاجتمع البدل والمبدل معه، وهو خلاف الأصل (¬5). المطلب السادس: حكم صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج يجوز صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج، وإن كان الأفضل تأخيره إلى أن يرجع إلى أهله، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والحنابلة (¬8)، وهو قولٌ للشافعي (¬9). الأدلة: أولاً: أدلة جواز الصيام بعد فراغه من الحج قوله تعالى: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 197]. وجه الدلالة: أن المراد من الرجوع الفراغ من الحج؛ لأن الفراغ منه سبب الرجوع إلى أهله، فكان الأداء بعد حصول السبب، فيجوز (¬10). أن كل صوم لزمه، وجاز في وطنه، جاز قبل ذلك، كسائر الفروض (¬11). أنه صومٌ وجد من أهله بعد وجود سببه، فأجزأه، كصوم المسافر والمريض (¬12). ثانياً: أدلة أفضلية الصيام بعد رجوعه إلى أهله: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬13). وجه الدلالة: أنه يدل أن الأصل في الصيام أن يكون بعد رجوعه إلى أهله، وفيه تفسير للآية الكريمة. احتياطاً؛ لأنه اختلف في جوازه قبل ذلك، فيفعله على الوجه المجمع عليه أحسن (¬14). المطلب السابع: هل يشترط أن يكون صيام الأيام متتابعة؟ يجوز صوم الثلاثة أيام في الحج، والسبعة إذا رجع إلى أهله متتابعة ومتفرقة باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬15)، والمالكية (¬16)، والشافعية (¬17)، والحنابلة (¬18)، وحكي في ذلك الإجماع (¬19). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] (¬20). ثانيا: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬21). وجه الدلالة من الدليلين: أنَّ الشارع أطلق الصيام ولم يشترط فيه التتابع، والواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله (¬22). ¬

(¬1) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 351)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 84). (¬2) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 53)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬3) ((الشرح الممتع)) (7/ 180). (¬4) ((الشرح الممتع)) (7/ 180). (¬5) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 352). (¬6) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 173)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 155). (¬7) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 270)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/ 85). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 454). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 187)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 54). (¬10) ((لهداية شرح البداية)) للميرغيناني (1/ 155). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418). (¬13) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227). (¬14) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 270). (¬15) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 76). (¬16) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 267)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 413). (¬17) ((المجموع)) للنووي (7/ 189)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 517). (¬18) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 336)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 365). (¬19) قال ابن قدامة: (لا يجب التتابع، وذلك لا يقتضي جمعا ولا تفريقا. وهذا قول الثوري، وإسحاق، وغيرهما. ولا نعلم فيه مخالفا). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 418). (¬20) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148). (¬21) رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227) (¬22) ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 148)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 376).

الفصل الثالث: الحلق والتقصير

الفصل الثالث: الحلق والتقصير المبحث الأول: حكم الحلق والتقصير: حلق شعر الرأس أو تقصيره واجبٌ من واجبات الحج والعمرة، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة (¬3). الأدلة: أولا: من الكتاب: قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]. وجه الدلالة: أنَّ الله تعالى جعل الحلق والتقصير وصفاً للحج والعمرة، والقاعدة أنه إذا عبر بجزءٍ من العبادة عن العبادة، كان دليلاً على وجوبه فيها (¬4). ثانياً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية)). أخرجه البخاري (¬5). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع)) أخرجه البخاري ومسلم (¬6)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬7)، مع كون فعله وقع بياناً لمجمل الكتاب. المبحث الثاني: القدر الواجب حلقه أو تقصيره الواجب حلق جميع الرأس (¬8)، أو تقصيره كله، وهذا مذهب المالكية (¬9)، والحنابلة (¬10)، واختاره ابن عبدالبر (¬11)، وابن باز (¬12)، وابن عثيمين (¬13) وبه أفتت اللجنة الدائمة (¬14). الأدلة: أولاً: من الكتاب: عموم قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]. وجه الدلالة: أنه عامٌّ في جميع شعر الرأس، فالرأس اسمٌ لجميعه (¬15). ثانياً: من السنة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع (¬16). وجه الدلالة: أنه عامٌّ في جميع شعر الرأس؛ لأن الرأس اسمٌ لجميعه؛ فوجب الرجوع إليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((لتأخذوا مناسككم)) (¬17)، والأصل في الأمر الوجوب. المبحث الثالث: الأفضل في حلق الرأس ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 140)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 468). (¬2) ((حاشية العدوي)) (1/ 683)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 819). (¬3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 521)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 396). (¬4) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 396). (¬5) رواه البخاري (4252). (¬6) رواه البخاري (4410)، ومسلم (1304). (¬7) رواه مسلم (1297). (¬8) الحلق يكون بالموسى، ولا يكون بالماكينة، حتى ولو كانت على أدنى درجة؛ فإن ذلك لا يعتبر حلقاً، وإنما يكون تقصيراً. ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 328). (¬9) ((حاشية العدوي)) (1/ 683،689). (¬10) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502). (¬11) قال ابن عبدالبر: (ويجب حلاق جميع الرأس أو تقصير جميعه) ((التمهيد)) (15/ 238). (¬12) قال ابن باز: (ولا يكفي أخذ بعض الرأس، بل لا بد من تقصيره كله كالحلق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 147). (¬13) قال ابن عثيمين: (الصواب ما ذكره المؤلف، وهو أنه لا بد أن يقصر من جميع شعره) ((الشرح الممتع)) (7/ 328 - 329). (¬14) نص فتوى اللجنة الدائمة: (الواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) - المجموعة الأولى (11/ 218). (¬15) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141). (¬16) رواه البخاري (4410) ومسلم (1304). (¬17) رواه مسلم (1297)

حلق جميع الرأس أفضل من تقصيره (¬1) الأدلة: أولاً: من الكتاب: ظاهر قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]. وجه الدلالة: أنَّ الله عز وجل بدأ بالحلق، والعرب إنما تبدأ بالأهم والأفضل (¬2). ثانياً: من السنة: 1 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: والمقصرين)) (¬3) 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته)) أخرجه البخاري (¬4). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬5)، والنووي (¬6). المبحث الرابع: هل يجزئ التقصير عن الحلق؟ يجزئ التقصير عن الحلق. الأدلة: أولاً: من الكتاب: ظاهر قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]. ثانياً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم ارحم المحلقين. قال في الرابعة: والمقصرين)) (¬7). ثالثاً: الإجماع: فقد نقل ابن المنذر (¬8)، والنووي (¬9) وابن حجر (¬10) الإجماع على ذلك (¬11). المبحث الخامس: الحلق والتقصير للمرأة المطلب الأول: حلق المرأة رأسها لا تؤمر المرأة بالحلق بل تقصر. الأدلة: أولا: من السنة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على النساء حلق، وإنما عليهن التقصير)) (¬12). ثانياً: الإجماع: ¬

(¬1) قال ابن حجر: (وفيه أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنه أبلغ في العبادة، وأبين للخضوع والذلة، وأدل على صدق النية، والذي يقصر يبقي على نفسه شيئاً مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارة إلى التجرد) ((فتح الباري)) (3/ 564). (¬2) قال النووي: (والإجماع على أن الحلق أفضل) ((المجموع)) (8/ 199). (¬3) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301). (¬4) رواه البخاري (1726). (¬5) قال ابن عبدالبر: ((وأجمعوا أن الحلاق أفضل من التقصير)) ((التمهيد)) (7/ 267). (¬6) قال النووي: (والإجماع على أن الحلق أفضل) ((المجموع)) (8/ 199). (¬7) رواه البخاري (1727)، ومسلم (1301). (¬8) قال ابن المنذر: (وقد أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ) ((الإشراف)) (3/ 355). (¬9) قال النووي: (الحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة والإجماع، وكل واحدٍ منهما يجزئ بالإجماع) ((المجموع)) (8/ 199). (¬10) قال ابن حجر: (في حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق، وهو مجمعٌ عليه) ((فتح الباري)) (3/ 564). (¬11) لكن يتعين الحلق في عدة مواضع لدى بعض المالكية، انظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 181). (¬12) رواه أبو داود (1984)، والبيهقي (5/ 104) (9187). والحديث حسن إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 197)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/ 894)، وقال: (قواه أبو حاتم في العلل والبخاري في التاريخ وأعله ابن القطان، ورد عليه ابن المواق فأصاب). وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان)) (5/ 642): (أقل درجاته الحسن)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

فقد نقل ابن المنذر (¬1)، وابن عبدالبر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، والنووي (¬4) الإجماع على ذلك. ثالثاً: أنَّ الحلق في حق النساء فيه مثلة (¬5)؛ ولهذا لم تفعله نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: أن المرأة محتاجة إلى التجمل والتزين، والشعر جمال وزينة، ولذا شرع في حقهن التقصير فقط (¬6). المطلب الثاني: مقدار تقصير شعر المرأة تقصر المرأة من شعرها، قدر أنملة الأصبع -وهي مفصل الإصبع- فتمسك ضفائر رأسها، إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة (¬7)، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وإنما كان الواجب بقدر الأنملة لئلا يجحف برأسها (¬12). المبحث السادس: إمرار الموسى على من ليس على رأسه شعر إذا لم يكن على رأسه شعر – كالأقرع ومن برأسه قروح – فقد اختلف أهل العلم فيه على أقوال، ومنها: القول الأول: أنه يستحب له إمرار الموسى على رأسه، وهو مذهب الشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14)، وهو قولٌ للحنفية (¬15). الأدلة: أولاً: أنه عبادة تتعلق بالشعر، فتنتقل للبشرة عند عدمه، كالمسح في الوضوء (¬16). ثانياً: الإجماع على ذلك، وقد نقله ابن المنذر (¬17). القول الثاني: أنه يجب إمرار الموسى، وهذا مذهب المالكية (¬18)، والحنفية في الأصح (¬19). وذلك لأنها عبادة تتعلق بالشعر، فتنتقل للبشرة عند تعذره، كالمسح في الوضوء (¬20). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (وأجمع أهل العلم على القول به في محفوظ ذلك عن ابن عمر، وعطاء، وعمرة، وحفصة بنت سيرين، وعطاء الخرساني، ومالك، والثوري، وسائر أهل الكوفة من أصحاب الرأي، وغيرهم، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وسائر أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 359). (¬2) قال ابن عبدالبر: (وأجمعوا أن سنة المرأة التقصير لا الحلاق) ((الاستذكار)) (4/ 317). (¬3) قال ابن قدامة: (والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق، لا خلاف في ذلك) ((المغني)) (3/ 226). (¬4) قال النووي: (أجمع العلماء على أنه لا تؤمر المرأة بالحلق، بل وظيفتها التقصير من شعر رأسها) ((المجموع)) (8/ 204). (¬5) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 35)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141)، ((حاشية العدوي)) (1/ 683)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502). (¬6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329). (¬7) ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329). (¬8) ((المبسوط)) للشيباني (2/ 430)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 141). (¬9) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 335)، ((حاشية العدوي)) (1/ 683). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 204)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 502). (¬11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502). (¬12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 329). (¬13) ((المجموع)) للنووي (8/ 193،194). (¬14) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502). (¬15) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 372). (¬16) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 46). (¬17) قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الأصلع يمر على رأسه الموسى وقت الحلق، روينا ذلك عن علي، وابن عمر، وبه قال مسروق، وسعيد بن جبير، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي) الإشراف (2/ 357 - 358) (¬18) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 440)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 46). (¬19) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 372). (¬20) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270).

القول الثالث: لا يستحب له إمرار الموسى على رأسه، وهو مرويٌّ عن أبي بكر ابن داود (¬1)، ومال إليه المرداوي (¬2)، واختاره ابن عثيمين (¬3). وذلك للآتي: 1 - أن الحلق محله الشعر فسقط بعدمه، كما سقط وجوب غسل العضو في الوضوء بفقده. 2 - أن القاعدة المتفق عليها أن الوسائل يسقط اعتبارها عند تعذر المقاصد، وإمرار الموسى وسيلةٌ لإزالة الشعر، وليست مقصودة بذاتها (¬4). المبحث السابع: حكم التيامن في حلق الرأس المطلب الأول: حكم التيامن في حلق الرأس يستحب التيامن في حلق الرأس، فيقدم الشق الأيمن، ثم الشق الأيسر، فإن لم يفعل أجزأه، وحكي الإجماع على ذلك (¬5). المطلب الثاني: بم يحصل التيامن في حلق الرأس؟ العبرة في التيامن في الحلق بيمين المحلوق، فيبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الشق الأيسر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8)، واختاره ابن الهمام من الحنفية (¬9). الأدلة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، والحجام جالس. وقال بيده عن رأسه، فحلق شقه الأيمن فقسمه فيمن يليه، ثم قال: احلق الشق الآخر، فقال: أين أبو طلحة؟ فأعطاه إياه)) أخرجه مسلم (¬10). وفي روايةٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما رمى- أي النبي عليه الصلاة والسلام- الجمرة ونحر نسكه وحلق، ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق: فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس)) (¬11). ¬

(¬1) قال النووي: (وحكى أصحابنا عن أبي بكر بن داود أنه قال: لا يستحب إمراره) ((المجموع)) (8/ 212). (¬2) قال المرداوي: (لو عدم الشعر استحب له إمرار الموسى، قاله الأصحاب وقاله أبو حكيم في ختانه، قلت: وفي النفس من ذلك شيء، وهو قريبٌ من العبث) ((الإنصاف)) (4/ 30). (¬3) قال ابن عثيمين: (ومثل ما لو أن أحداً أصلع ليس له شعر اعتمر أو حج، والحج والعمرة يجب فيهما الحلق أو التقصير، فما نقول له: احلق؛ لأنه ما له شعر، وليس عليه أن يمر الموسى على رأسه، كما قاله بعض العلماء؛ فإن هذا عبث) ((الشرح الممتع)) (13/ 412). (¬4) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/ 32)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 270)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 457). (¬5) قال شمس الدين ابن قدامة: (السنة أن يبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر لهذا الخبر، فإن لم يفعل أجزأه، لا نعلم فيه خلافاً) ((الشرح الكبير)) (3/ 456). (¬6) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 182)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 335). (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 162)، ((المجموع)) للنووي (8/ 203). (¬8) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 29)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 502). (¬9) قال ابن الهمام: ( ... ثم قال للحلاق: "خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس" وهذا يفيد أن السنة في الحلق البداءة بيمين المحلوق رأسه وهو خلاف ما ذكر في المذهب وهذا الصواب) ((فتح القدير)) (2/ 489). (¬10) رواه مسلم (1305). (¬11) رواه مسلم (1305).

الفصل الرابع: طواف الإفاضة

الفصل الرابع: طواف الإفاضة المبحث الأول: تعريف طواف الإفاضة الإفاضة لغة: الإفاضة: الزحف والدفع في السير بكثرة، ولا يكون إلا عن تفرق وجمع. وأصل الإفاضة الصب فاستعيرت للدفع في السير ... ومنه طواف الإفاضة يوم النحر، يفيض من منى إلى مكة فيطوف ثم يرجع (¬1). أسماء طواف الإفاضة سمي طواف الإفاضة بعدة أسماء منها: 1. طواف الإفاضة: وسمي بذلك لأنه يأتي بعد إفاضته من منى إلى مكة. 2. طواف الزيارة: وذلك لأن الحاج يأتي من منى لزيارة البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى. 3. طواف الصَّدَر: لأنه يفعل بعد الرجوع, والصدر يطلق أيضاً على طواف الوداع. 4. طواف الواجب وطواف الركن وطواف الفرض: وذلك باعتبار الحكم (¬2). المبحث الثاني: حكم طواف الإفاضة طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، ولا ينوب عنه شيء. الأدلة: أولاً: من الكتاب: يقول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: اتفق أهل التفسير أن المراد بالطواف المأمور به في هذه الآية هو طواف الإفاضة (¬3). ثانياً: من السنة: أن صفية بنت حيي، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا. وفي رواية لمسلم: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة. فقال: عقرى! حلقي! إنك لحابستنا. ثم قال لها: أكنت أفضت يوم النحر؟ قالت: نعم. قال: فانفري)) (¬4) وجه الدلالة: أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحابستنا هي؟)) يدل على أن هذا الطواف لا بد من الإتيان به, وأن عدم الإتيان به موجبٌ للحبس (¬5). الإجماع: ¬

(¬1) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور مادة (فيض) , و ((تاج العروس)) للزبيدي مادة (فيض). (¬2) ((المجموع شرح المهذب)) (8/ 12)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 505). (¬3) قال ابن جرير: (وعني بالطواف الذي أمر جل ثناؤه حاج بيته العتيق به في هذه الآية طواف الإفاضة الذي يطاف به بعد التعريف، إما يوم النحر وإما بعده، لا خلاف بين أهل التأويل في ذلك). ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (18/ 615). (¬4) رواه البخاري (5329)، ومسلم (1211) (¬5) قال البغوي: (ثبت بهذا الحديث أن من لم يطف يوم النحر طواف الإفاضة لا يجوز أن ينفر) ((معالم التنزيل)) (5/ 382) , وقال ابن دقيق العيد: (فإن سياقه يدل على أن عدم طواف الإفاضة موجب للحبس) ((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) (1/ 333).

نقل الإجماع على ركنية طواف الإفاضة: ابن المنذر (¬1) ,وابن حزم (¬2) ,وابن عبدالبر (¬3) ,وابن رشد (¬4) , وابن قدامة (¬5) , والنووي (¬6) , وابن تيمية (¬7) وغيرهم. المبحث الثالث: شروط طواف الإفاضة يشترط لطواف الإفاضة شروط خاصة به سوى الشروط العامة للطواف وهذه الشروط الخاصة هي: المطلب الأول: أن يسبقه الإحرام يشترط أن يكون مسبوقاً بالإحرام، وذلك لأن جميع أعمال الحج يتوقف احتسابها على الإحرام (¬8). المطلب الثاني: أن يسبقه الوقوف بعرفة يشترط أن يسبقه الوقوف بعرفة, فلو طاف للإفاضة قبل الوقوف بعرفة لا يسقط به فرض الطواف (¬9). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: أنه لا يمكن قضاء التفث والوفاء بالنذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة. ثانياً: من السنة: 1 - عن جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم حاكياً عمله بعد الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة والرمي: ((ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر)) (¬10). 2 - عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى)) قال نافع: ((فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (¬11). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن تيمية (¬12). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة). ((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 58). (¬2) قال ابن حزم: (وأجمعوا أن الطواف الآخر المسمى طواف الإفاضة بالبيت والوقوف بعرفة فرض). ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (1/ 42). (¬3) قال ابن عبدالبر: (أن الطواف الحابس للحائض الذي لا بد منه هو طواف الإفاضة، وكذلك يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة، ويسميه أهل العراق طواف الزيارة .... وهو واجب فرضاً عند الجميع، لا ينوب عنه دم، ولا بد من الإتيان به) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 267). (¬4) قال ابن رشد: (وأجمعوا على أن الواجب منها الذي يفوت الحج بفواته هو طواف الإفاضة). ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 343). (¬5) قال ابن قدامة: (يسمى طواف الإفاضة لأنه يأتي به عند إفاضته من منى إلى مكة، وهو ركن للحج لا يتم إلا به لا نعلم فيه خلافا). ((المغني)) (3/ 390). (¬6) قال النووي: (وهذا الطواف - أي طواف الإفاضة - ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به بإجماع الأمة). ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 220). (¬7) قال ابن تيمية: (لا بد بعد الوقوف من طواف الإفاضة، وإن لم يطف بالبيت لم يتم حجه باتفاق الأمة) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 302). (¬8) ينظر ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517). (¬9) قال الشافعي: (ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف بالبيت سبعاً) ((الأم)) (2/ 237). وقال النووي: (وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات، حتى لو طاف للإفاضة بعد نصف ليلة النحر قبل الوقوف ثم أسرع إلى عرفات، فوقف قبل الفجر لم يصح طوافه؛ لأنه قدمه على الوقوف) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 193). وينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517) , ((حاشية الدسوقي)) (2/ 34) , ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 266) , ((كشاف القناع)) (2/ 505). (¬10) رواه مسلم (1218) (¬11) رواه مسلم (1308) (¬12) قال ابن تيمية: (وأما تقديم طواف الفرض على الوقوف فلا يجزي مع العمد بلا نزاع) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 231). وقال: (وفيه أيضا تقديم الطواف قبل وقته الثابت بالكتاب والسنة والإجماع. والمناسك قبل وقتها لا تجزئ) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 203).

المبحث الرابع: وقت طواف الإفاضة المطلب الأول: متى يسن طواف الإفاضة؟ يسن أن يكون طواف الإفاضة في يوم النحر أول النهار، بعد الرمي والنحر، والحلق. وهو أفضل وقت لبدايته (¬1). الأدلة: أولاً: من السنة: 1. حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى المنحر فنحر هديه, ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر)) (¬2). 2. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى. قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى. ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله)) (¬3). ثانياً الإجماع: نقل النووي الإجماع على ذلك (¬4). المطلب الثاني: متى يبتدئ وقت جواز طواف الإفاضة؟ اختلف العلماء في تحديده على قولين: القول الأول: أن أول وقت طواف الإفاضة بعد منتصف ليلة النحر لمن وقف بعرفة قبله، وهذا مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6) , واختاره ابن باز (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني عندها)) (¬8) 2 - ما روى عن أسماء رضي الله عنها أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلى، فصلت ساعة، ثم قالت: ((يا بنى هل غاب القمر قلت لا. فصلت ساعة، ثم قالت هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا، ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح فى منزلها. فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بنى، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن)) (¬9) وجه الدلالة من الحديثين: أن ظاهر النص جواز الدفع من المزدلفة قبل منتصف الليل والرمي؛ لأن أم سلمة وأسماء رضي الله عنهما رمتا الجمرة قبل الصبح؛ فهذا دليل على جواز الرمي قبل الفجر، فإذا جاز رمي الجمرة قبل الفجر؛ جاز فعل بقية أعمال يوم التشريق؛ لأنها مترابطة. ¬

(¬1) قال الشنقيطي: (الظاهر أن أول وقته أول يوم النحر بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه طاف طواف الإفاضة يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، وقال: «خذوا عني مناسككم» ((أضواء البيان)) (4/ 406). (¬2) رواه مسلم (1218) (¬3) رواه مسلم (1308) (¬4) قال النووي: (واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58). (¬5) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 221) , ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 307). (¬6) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466). (¬7) قال ابن باز: (لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذا طواف الإفاضة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143). (¬8) رواه أبو داود (1942)، والدارقطني (2/ 276)، والحاكم (1/ 641)، والبيهقي (5/ 133) (9846). وأورده ابن حزم في ((حجة الوداع)) (184): وهو عنده إسناده متصل صحيح. وقال محمد بن عبدالهادي في ((المحرر)) (265): رجاله رجال مسلم، وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 250)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (215): إسناده على شرط مسلم، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 146)، والعظيم آبادي في ((عون المعبود)) (5/ 219): (رجاله رجال الصحيح). (¬9) رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)

ثانياً: قياس الطواف على الرمي بجامع أنهما من أسباب التحلل، فإنه بالرمي للجمار والذبح والحلق يحصل التحلل الأول، وبالطواف يحصل التحلل الأكبر، فكما أن وقت الرمي يبدأ عندهم بعد نصف الليل، فكذا وقت طواف الإفاضة. القول الثاني: يبتدئ من طلوع الفجر الثاني يوم النحر، وهذا مذهب الحنفية (¬1) , والمالكية (¬2) , وهو رواية عن أحمد (¬3). الأدلة: أولا: من السنة: 1 - فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬4)؛ فقد طاف طواف الإفاضة يوم النحر. 2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بنى عبدالمطلب على حُمُرات فجعل يلطح (¬5) أفخاذنا ويقول «أبيني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) (¬6). وجه الدلالة: أنه إذا نُهي الضعفة عن رمي الجمار قبل طلوع الشمس، فأولى ألا يجوز الإفاضة قبل ذلك؛ لأن الأصل في فعل طواف الإفاضة أن يكون بعد رمي الجمار والنحر والحلق. ثانياً: أن ما قبل الفجر من الليل وقت الوقوف بعرفة، والطواف مرتب عليه، فلا يصح أن يتقدم ويشغل شيئاً من وقت الوقوف، فالوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين. مسألة: أداء طواف الإفاضة أيام التشريق إذا أخر طواف الإفاضة عن يوم النحر وأداه في أيام التشريق صح طوافه ولا شيء عليه بالإجماع, وقد نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬7) والنووي (¬8) المطلب الثالث: آخر وقت طواف الإفاضة ليس لآخره حد معين لأدائه فرضاً (¬9)، بل جميع الأيام والليالي وقته إجماعاً، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬10). وأما وقته الواجب فقد اختلف فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجب أداؤه في أيام النحر، فلو أخره حتى أداه بعدها صح، ووجب عليه دم جزاء تأخيره عنها، وهذا مذهب الحنفية (¬11). الأدلة: 1 - أن الله تعالى عطف الطواف على الذبح في الحج، فقال: فَكُلُوا مِنْهَا، ثم قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]، فكان وقتهما واحدا، فيكره تأخير الطواف عن أيام النحر، وينجبر بالدم. ¬

(¬1) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) , ((الهداية شرح البداية)) للمرغياني (1/ 148). (¬2) ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 814). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 33). (¬4) رواه نسلم (1218) (¬5) يلطح: بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة. قال الجوهري: اللطح: الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى. أي يضرب بيده ضربا خفيفا، وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم. ((عون المعبود)) للمباركفوري (5/ 415). (¬6) رواه أبو داود (1940)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (2469)، وأحمد (1/ 234) (2082)، وابن حبان (9/ 181) (3869)، والبيهقي (5/ 132) (9840). والحديث صححه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (9/ 122)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1940) (¬7) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن من أخر الطواف عن يوم النحر، فطافه في أيام التشريق أنه مؤد للفرض الذي أوجبه الله عليه، ولا شيء عليه في تأخيره) ((الإجماع)) لابن المنذر (1/ 59). (¬8) قال النووي: (فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم عليه بالإجماع) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 58). (¬9) ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518) , ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588). (¬10) قال ابن قدامة: (الصحيح أن آخر وقته غير محدود؛ فإنه متى أتى به صح بغير خلاف) ((المغني)) (3/ 391). (¬11) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 25 - 26) , ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 518 - 519).

2 - أن الطواف نسك يفعل في الحج فكان آخره محدد؛ كالوقوف والرمي (¬1). 3 - أنه أدخل نقصاناً بتأخير الطواف عن وقته، فيجبر بدم كتأخير أركان الصلاة. القول الثاني: يجب أداؤه قبل خروج شهر ذي الحجة، فإذا خرج لزمه دم، وهذا مذهب المالكية (¬2) (¬3). الأدلة: 1. قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [البقرة: 197] , وجه الدلالة: في الآية دليل على أن الحج مؤقت بأشهر محددة لا يجوز تأخيره عنها, وتأخير الطواف إلى محرم، فعل للركن في غير أشهر الحج. القول الثالث: لا يلزمه شيء بالتأخير أبداً، وهذا مذهب الشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5)، وبه قال طائفة من السلف (¬6)، واختاره ابن المنذر (¬7) , وابن باز (¬8). الدليل: أن الله أمر بالطواف أمراً مطلقاً، ولم يرد دليل يؤقت طواف الإفاضة كغيره من الأعمال، والأصل في ذلك براءة الذمة، وعدم التحديد. المطلب الرابع: الشرب من ماء زمزم والتضلع منه بعد الطواف يشرع (¬9) الشرب من ماء زمزم والتضلع منه عند الفراغ من طواف الإفاضة (¬10). الأدلة: 1. عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط من الحجر، وصلى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر، ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها، وصبَّ على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن ... )) (¬11). 2 - عن يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: ((لما حجَّ معاوية رضي الله عنه حججنا معه، فلما طاف بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم مرَّ بزمزم وهو خارج إلى الصفا، فقال: انزع لي منها دلواً يا غلام، فنزع له منها دلواً، فأتي به فشرب منه، وصب على وجهه ورأسه، وهو يقول: زمزم شفاء، وهي لما شرب له)) (¬12). ¬

(¬1) قال ابن قدامة: (وأما آخر وقته فاحتج بأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدودا، كالوقوف والرمي) ((المغني)) (3/ 391). (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 376) , ((مواهب الجليل)) (4/ 22). (¬3) وافق الشيخ ابن عثيمن المالكية في عدم جواز تأخير طواف الإفاضة إلى خروج ذي الحجة, إلا أنه لم يذكر وجوب الدم على من فعل ذلك، ويقول في ذلك: (يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج لآخر يوم من شهر ذي الحجة، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك) ((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (21/ 379). (¬4) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224). (¬5) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لابن قدامة (3/ 466) , ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 588) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 503). (¬6) منهم: عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور. ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 224). (¬7) قال ابن المنذر: (أحب أن لا يؤخر عن يوم النحر، فإن أخره وطاف بعد أيام التشريق أجزأه ولا شيء عليه) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 362). (¬8) قال ابن باز: (لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 148). (¬9) قال ابن عثيمين: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف طواف الإفاضة يوم العيد شرب من ماء زمزم، ولهذا استحب العلماء أن يشرب من ماء زمزم بعد طواف الإفاضة) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 218). وقال أيضا: (اختلف العلماء رحمهم الله هل الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو محتاجاً للشرب، هذا محل تردد عندي، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، فما دامت المسألة مشكوك هل هي عبادة، أو طبيعة فلا نقول: إنه يشرع إلا لو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طاف احتاج إلى الشرب، ولهذا لم يبلغني أنه عليه الصلاة والسلام شرب حين طاف للعمرة: عمرة الجعرانة، وعمرة القضاء، وصلى الله عليه وسلم هذا ففيه احتمال قوي جدًّا أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون أنه مشروع، وإنما احتاج الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشرب فشرب) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 220). (¬10) وقد أشار الشافعية والحنابلة إلى أنه يكون بعد طواف الإفاضة. ((مغني المحتاج)) (1/ 503)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 506) وهذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عابدين: (وقال هنا ولم يذكر في كثير من الكتب إتيان زمزم والملتزم فيما بين الصلاة والتوجه إلى الصفا ولعله لعدم تأكده) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 500). (¬11) رواه أحمد (3/ 394) (15280). والحديث جود إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (11/ 459)، والعيني في ((عمدة القاري)) (9/ 398)، وقال شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق مسند أحمد)): إسناده صحيح على شرط مسلم. (¬12) رواه الفاكهي في ((أخبار مكة)) (1096). قال ابن حجر في ((ماء زمزم)) (32): (إسناده حسن مع كونه موقوفاً، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه هذا الحديث).

الفصل الخامس: التحلل الأول

الفصل الخامس: التحلل الأول المبحث الأول: تعريف التحلل التحلل لغة: يقال حلّ المحرم يحلُّ حلالًا وحلًّا، إذا حلّ له ما يحرم عليه من محظورات الحج، ورجلٌ حلال: أي غير محرم ولا متلبّس بأسباب الحج، وأحلَّ الرجل إذا خرج إلى الحلّ عن الحرم (¬1). التحلل اصطلاحاً: الخروج من الإحرام، وحل ما كان محظورا عليه وهو محرم (¬2). المبحث الثاني: بم يحصل التحلل الأول: اختلف أهل العلم في التحلل الأول بم يحصل على أقوال ثلاثة: القول الأول: أنه يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهي: الرمي، والحلق، والطواف. وإلى هذا ذهب الشافعي (¬3)، وأحمد (¬4) في المشهور عنهما, واختاره ابن حجر (¬5) , وابن باز (¬6). الأدلة: 1. عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها)) (¬7) وجه الدلالة: إخبار عائشة رضي الله عنها بأنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم حين أحل قبل أن يطوف، دليل على أن التحلل الأصغر حصل قبل الطواف، أي بعد الرمي والحلق (¬8). ثانيا: أن الرمي والحلق نسكان يتعقبهما الحل، فكان حاصلاً بهما، كالطواف والسعي في العمرة (¬9). القول الثاني: أنه يحصل برمي جمرة العقبة؛ وهو مذهب المالكية (¬10)،ووجه للشافعية (¬11)، ورواية عن أحمد (¬12)، وبه قال عطاء وأبو ثور، واختاره ابن قدامة (¬13) , والألباني (¬14). الأدلة: 1. حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء)) (¬15). ¬

(¬1) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير مادة (حلل) , وانظر ((لسان العرب)) لابن منظور مادة ((حلل)). (¬2) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 175). (¬3) ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/ 229) , ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 505). (¬4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 31) , ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 503). (¬5) قال ابن حجر: (التحلل الأول يقع بأمرين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/ 585). (¬6) قال ابن باز: (الأحوط للمؤمن ألا يحل حتى يفعل اثنين من ثلاثة: يرمي ويحلق أو يقصر، أو يرمي ويطوف، أو يطوف ويحلق، إذا فعل اثنين من ثلاثة حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/ 233). (¬7) رواه البخاري (1754)، ومسلم (1189) (¬8) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (50/ 278). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390). (¬10) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 269) , ((الفواكه الدواني)) (2/ 813). (¬11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 103 - 104). (¬12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 31). (¬13) قال ابن قدامة: (وعن أحمد: إذا رمى الجمرة، فقد حل، وإذا وطئ بعد جمرة العقبة، فعليه دم. ولم يذكر الحلق. وهذا يدل على أن الحل بدون الحلق. وهذا قول عطاء، ومالك، وأبي ثور. وهو الصحيح، إن شاء الله تعالى). ((المغني)) لابن قدامة (3/ 390). (¬14) قال الألباني: (أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم يحلق) ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) للألباني (1/ 78). (¬15) رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/ 295) (26573)، وابن خزيمة (4/ 312) (2958)، والحاكم (1/ 665)، والبيهقي (5/ 137) (9879). قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 264): في إسناده ابن إسحاق ولكن صرح بالتحديث، وقال ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (5/ 480): محفوظ، وقال الألباني ((حسن صحيح))

2. حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت)) (¬1). وجه الدلالة: تعليق النبي صلى الله عليه وسلم الإحلال من الإحرام برمي جمرة العقبة، دليل على أن التحلل الأصغر يحصل برميها دون التوقف على أشياء أخر. وقد أبان عن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم، كما أخبرت به عائشة رضي الله عنه، وأن تطييبها إياه كان عقب جمرة العقبة (¬2). القول الثالث: يحصل بالحلق بعد الرمي، ولا يحل له بالرمي قبل الحلق شيء. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة (¬3)، وهو اختيار الشنقيطي (¬4)، وابن عثيمين (¬5). الأدلة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) (¬6). وجه الدلالة: أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق، لقالت عائشة: ولحله قبل أن يحلق، فلما قالت: ((قبل أن يطوف)) عُلم أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق (¬7). 2 - أن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق (¬8). المبحث الثالث: ما يترتب على التحلل الأول ¬

(¬1) رواه البخاري (5930)، ومسلم (1189) (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (50/ 277). (¬3) ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 517) , ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142). (¬4) قال الشنقيطي: (اعلم أنهم اختلفوا في الحلق، هل هو نسك كما قدمنا في سورة البقرة؟ فمن قال: هو نسك قال: إن التحلل الأول لا يكون إلا بعد الرمي، والحلق معا، ومن قال: إن الحلق غير نسك قال: يتحلل التحلل الأول بمجرد انتهائه من رمي جمرة العقبة يوم النحر) ((أضواء البيان)) (4/ 459). (¬5) قال ابن عثيمين: (الصواب أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت))، ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق، لقالت؟ ولحله قبل أن يحلق، فلما قالت: ((قبل أن يطوف)) علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق، وأيضاً فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق، فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170). (¬6) رواه البخاري (1539)، ومسلم (1189) (¬7) قال النووي: (وقولها في الرواية الأخرى (ولحله حين حل قبل أن يطوف بالبيت) فيه تصريح بأن التحلل الأول يحصل بعد رمي جمرة العقبة والحلق قبل الطواف وهذا متفق عليه) ((شرح مسلم)) للنووي (8/ 99). وينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170). (¬8) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 170).

من تحلل التحلل الأول حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء, وذهب إليه الجمهور من الحنفية (¬1) , والشافعية (¬2) , والحنابلة (¬3) , وبه قال طائفة من السلف (¬4)،واختاره ابن تيمية (¬5) , والشوكاني (¬6) , والشنقيطي (¬7) , وابن باز (¬8) والألباني (¬9)، وابن عثيمين (¬10). الأدلة: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل، قبل أن يطوف، وبسطت يديها)) (¬11). وجه الدلالة: أخبرت عائشة رضي الله عنها أنها طيبت الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أحل قبل أن يطوف، وفي هذا دلالة واضحة ونص صريح في إباحة الطيب بالتحلل الأول. 2 - حديث أم سلمة رضي عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة قبل أن تحلوا - يعني من كل ما حرمتم منه - إلا النساء)) (¬12). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من رمى الجمرة تحلل إلا من النساء, وهذا يدل على أن التحلل الأصغر يحل به كل شيء إلا النساء. ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142) , ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 38). (¬2) ((الأم)) للشافعي (2/ 242) , ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 471) , ((المجموع)) للنووي (8/ 225). (¬3) ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 458) , ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 30). (¬4) ((الإشراف)) لابن المنذر (3/ 359). (¬5) قال ابن تيمية: (ويحل للمحرم بعد التحلل كل شيء حتى عقد النكاح، هذا منصوص أحمد إلا النساء) ((الاختيارات الفقهية)) لابن تيمية (1/ 467). (¬6) قال الشوكاني: ( ... ويحلق رأسه أو يقصره، فيحل له كل شيء إلا النساء) ((الدراري المضية)) للشوكاني (2/ 195). (¬7) قال الشنقيطي: (اعلم أنه إذا رمى الجمرة يوم النحر وحلق فقد تحلل التحلل الأول، وبه يحل كل شيء كان محظورا بالإحرام إلا النساء) ((أضواء البيان)) (4/ 458). (¬8) قال ابن باز: (وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 78). (¬9) قال الألباني: (فإذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم ينحر أو يحلق فيلبس ثيابه ويتطيب). ((مناسك الحج والعمرة)) (1/ 32). (¬10) قال ابن عثيمين: (وبذلك يحل التحلل الأول، ولا يبقى عليه من محظورات الإحرام إلا النساء فقط) ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء 178). (¬11) رواه البخاري (1754)، ومسلم (1189) (¬12) رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/ 295) (26573)، وابن خزيمة (4/ 312) (2958)، والحاكم (1/ 665)، والبيهقي (5/ 137) (9879). قال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 264): (في إسناده ابن إسحاق ولكن صرح بالتحديث)، وقال ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (5/ 480): محفوظ، وقال الألباني ((حسن صحيح))

الباب الثاني عشر: المبيت بمنى ورمي الجمار أيام التشريق

الفصل الأول المبيت بمنى ليالي أيام التشريق المبحث الأول: المبيت بمنى ليالي التشريق وما يلزم من تركه المطلب الأول: حكم المبيت بمنى ليالي التشريق المبيت بمنى في ليالي أيام التشريق (¬1) واجب، وهو مذهب جمهور الفقهاء (¬2) من المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الأدلة: 1 - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بات في منى، وقد قال: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬6). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أفاض رسول الله من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق)) (¬7) 3 - أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((رخص لعمه العباس أن يبيت في مكة ليالي التشريق من أجل السقاية)) (¬8). وجه الدلالة: أن كلمة (رخص) تدل على أن الأصل الوجوب؛ لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمر واجب وعزيمة (¬9). 4 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: ((لا يبيتن أحد من الحاج من وراء العقبة وكان يوكل بذلك رجالا لا يتركون أحدا من الحاج يبيت من وراء العقبة إلا أدخلوه)) (¬10) (¬11). مسألة: حكم المبيت بمنى ليلة الثالث عشر للمتعجِّل ¬

(¬1) [2788])) أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، قال ابن عبدالبر: (فأيام منى ثلاثة بإجماع، وهي أيام التشريق وهي الأيام المعدودات، فقف على ذلك) ((التمهيد)) (21/ 233)، وانظر: (12/ 129). (¬2) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم أحدا أرخص في المبيت عن منى ليالي منى للحاج إلا الحسن البصري، ورواية رواها عكرمة عن ابن عباس) ((التمهيد)) (17/ 262). وقال: (أجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رخص لهم ليالي منى بمنى من شعائر الحج ونسكه) ((التمهيد)) (17/ 263). وقال القرطبي: (ولا تجوز البيتوتة بمكة وغيرها عن منى ليالي التشريق، فإن ذلك غير جائز عند الجميع إلا للرعاء ولمن ولي السقاية من آل العباس) ((الجامع لأحكام القرآن)) (3/ 7). (¬3) [2790])) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 375 - 376)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (1/ 138). (¬4) [2791])) ((المجموع)) للنووي (8/ 247)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 505). (¬5) [2792])) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 35،44)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 510،521). (¬6) رواه مسلم (1297) (¬7) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر. (¬8) رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315) (¬9) [2796])) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 389 - 390)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 241). (¬10) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 595)، والبيهقي (5/ 153) (9972). قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (17/ 263): (أحسن ما في هذا الباب)، وقال ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 185): (صح هذا عنه رضي الله عنه، وعن ابن عباس مثل هذا)، وصحح إسناده ابن حجر في ((الدراية)) (2/ 29). (¬11) [2798])) قال ابن عبدالبر: (والنظر يوجب على كل مسقط لنسكه دماً؛ قياساً على سائر شعائر الحج ونسكه، وأحسن ما في هذا الباب ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لا يبيتن أحد من الحاج من وراء العقبة، وكان يوكل بذلك رجالاً لا يتركون أحداً من الحاج يبيت من وراء العقبة إلا أدخلوه. وهذا يدل على أن المبيت من مؤكدات أمور الحج والله أعلم) ((التمهيد)) (17/ 263).

من تعجَّل فليس عليه سوى مبيت ليلتين فقط، ويسقط عنه المبيت ورمي الجمرة لليوم الثالث عشر. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ (¬1) فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة: 203]. ثانياً: من السنة: عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام منى ثلاثة: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه)) (¬2). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك الماوردي (¬3)، وابن قدامة (¬4). المطلب الثاني: حكم المتعجل إذا غربت عليه الشمس ثاني أيام التشريق ¬

(¬1) [2799])) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف بين العلماء أن أيام منى هي الأيام المعدودات التي ذكر الله عز وجل في قوله وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ *البقرة: 203* وهي أيام التشريق وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها ... وأيام منى هي أيام رمي الجمار بمنى، وهي واقعة بإجماع على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر) ((التمهيد)) (21/ 233). قال النووي: (وكذا نقل القاضي أبو الطيب والعبدري وخلائق، إجماع العلماء على أن المعدودات هي أيام التشريق) ((المجموع)) (8/ 381). وقال الجصاص: (لا خلاف بين أهل العلم، أن المعدودات أيام التشريق) ((أحكام القرآن)) (1/ 393). وقال ابن كثير: (والقول الأول هو المشهور، وعليه دل ظاهر الآية الكريمة، حيث قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 203* فدلَّ على ثلاثة بعد النحر) ((تفسير القرآن العظيم)) (1/ 561). قال ابن العربي: (ولو كان يوم النحر معدوداً منها لاقتضى مطلق هذا القول لمن نفر في يوم ثاني النحر أن ذلك جائز، ولا خلاف أن ذلك ليس له، فتبين أنه غير معدود فيها لا قرآناً ولا سنة، وهذا منتهى بديع) ((أحكام القرآن)) (1/ 270). (¬2) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309) (18795)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، وابن حبان (9/ 203) (3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350). (¬3) قال الماوردي: (فإن نفر في اليوم الأول كان جائزا وسقط عنه المبيت بمنى في ليلته، وسقط عنه رمي الجمار من غده، وأصل ذلك الكتاب والسنة، وإجماع الأمة) ((الحاوي الكبير)) (4/ 199). (¬4) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن من أراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم، غير مقيم بمكة، أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 401). قال شمس الدين ابن قدامة: (والمذهب جواز النفر في النفر الأول لكل أحد، وهو قول عامة العلماء؛ لقول الوله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) قال عطاء: (هي للناس عامة) ((الشرح الكبير)) (3/ 483).

إذا غربت الشمس على المتعجل وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو رواية عن أبي حنيفة (¬4)، وبه قال أكثر أهل العلم (¬5)، واختاره ابن المنذر (¬6)، وابن تيمية (¬7)، والشنقيطي (¬8)، وابن باز (¬9) (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203]. وجه الدلالة: أن اليوم اسم للنهار دون الليل، فيكون من أدركه الليل لم يتعجل في يومين فإن في للظرفية، ولا بد أن يكون أوسع من المظروف، وعليه فلا بد أن يكون الخروج في نفس اليومين (¬11). ثانياً: عن عبدالرحمن بن يعمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)) (¬12). ثالثاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:: 1 - عن عمر رضي الله عنه قال: ((من أدركه المساء في اليوم الثاني بمنى فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس)) (¬13). ¬

(¬1) لكن الشرط عند المالكية هو نية الخروج من منى قبل الغروب، وفي ذلك يقول الدسوقي: (الحاصل أن المقتضي لوجوب بيات الليلة الثالثة وعدم وجوب بياتها قصد التعجيل وعدم قصده فإن قصد التعجيل فلا يلزمه بيات بها، وإن لم يقصد التعجيل لزمه البيات بها) ((مواهب الجليل)) (4/ 188)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 49)، وينظر: ((الذخيرة)) (3/ 281)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (12/ 224). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 283).نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 310). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 401)، ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 591). (¬4) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 34). (¬5) ومنهم: عمر، وابن عمر وأبو الشعثاء وعطاء وطاوس وأبان بن عثمان والنخعي وأهل المدينة والثوري وأهل العراق وإسحاق. ((المجموع)) للنووي (8/ 283)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 401)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 476). (¬6) ((المجموع)) للنووي (8/ 283). (¬7) قال ابن تيمية: (إن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس. كما قال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 203*، فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمي مع الناس في اليوم الثالث) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 140، 141). (¬8) قال الشنقيطي: (الأظهر عندي حجة الجمهور; لأن الله تعالى قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، ولم يقل في يومين وليلة) ((أضواء البيان)) (4/ 476). (¬9) قال ابن باز: (من غربت عليه الشمس في هذا اليوم وهو في منى لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث عشر، وهذا هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 386). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 283). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 283)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 591)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 361). (¬12) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309) (18795)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، وابن حبان (9/ 203) (3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350). (¬13) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (3/ 401)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 284). وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 310)

2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: ((من غربت عليه الشمس في أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد)) (¬1). مسألة: إذا غربت الشمس قبل انفصاله من منى: إذا غربت الشمس على المتعجل من منى وهو سائر فيها قبل انفصاله منها، فإنه يجوز له التعجل، نص على هذا فقهاء الشافعية (¬2)، واختاره ابن عثيمين إذا حبسه المسير (¬3)، لأن ذلك وقع بغير اختياره، ولما في تكليفه من حل الرحل والمتاع من المشقة عليه (¬4). المطلب الثالث: بم يحصل المبيت؟ القدر الواجب لمبيت الحاج بمنى، هو أن يمكث أكثر الليل، وهو مذهب المالكية (¬5)، والشافعية في الأصح (¬6)، وذلك لأن مسمَّى المبيت لا يحصل إلا بمعظم الليل، كما لو حلف لا يبيت بمكان لم يحنث إلا بمعظم الليل (¬7). المطلب الرابع: ما يلزم من ترك المبيت بمنى من غير أصحاب الأعذار ¬

(¬1) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (3/ 596)؛ والبيهقي (5/ 152). قال النووي في ((المجموع)) (8/ 284): (ثابت عن عمر). (¬2) قال النووي: (لو رحل فغربت الشمس وهو سائر في منى قبل انفصاله منها فله الاستمرار في السير، ولا يلزمه المبيت ولا الرمي، هذا هو المذهب، وبه قطع الجماهير) ((المجموع)) للنووي (8/ 250، 249)، ((مغني المحتاج)) (1/ 506). (¬3) قال ابن عثيمين: (لو أن جماعة حلوا الخيام وحملوا العفش وركبوا، ولكن حبسهم المسير؛ لكثرة السيارات فغربت عليهم الشمس قبل الخروج من منى، فلهم أن يستمروا في الخروج، لأن هؤلاء حبسوا بغير اختيار منهم) ((الشرح الممتع)) (7/ 361)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 296). (¬4) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 310)، ((الشرح الممتع)) (7/ 361). (¬5) [2820])) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 49)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815). (¬6) [2821])) ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 505)، ((المجموع)) للنووي (8/ 247). (¬7) [2822])) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 309)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 163).

من بات ليلة واحدة في منى، وترك بقية الليالي منى فعليه أن يتصدق بما تيسَّر، وإن ترك مبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر فعليه دم، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد (¬1)، واختيار ابن باز (¬2)، وابن عثيمين (¬3). المطلب الخامس: سقوط المبيت عن أصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل يسقط المبيت عن أصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). الأدلة: ابن عمر أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له (¬7). ¬

(¬1) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 36)، (3/ 323). (¬2) قال ابن باز: (أمَّا تركه المبيت في منى ليلة الثاني عشر فعليه عن ذلك صدقة بما يتيسر مع التوبة والاستغفار عما حصل منه من الخلل والتعجل في غير وقته، وإن فدى عن ذلك كان أحوط لما فيه من الخروج من الخلاف؛ لأن بعض أهل العلم يرى عليه دما بترك ليلة واحدة من ليلتي الحادي عشر والثاني عشر بغير عذر شرعي) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 386). وقال أيضاً: (من ترك المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر بلا عذر فعليه دم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 150). (¬3) سُئل ابن عثيمين: والدتي عجوز ووكلتني برمي الجمار ولم تبت بمنى البارحة واليوم هي موجودة بمنى فهل عليها شيء لعدم مبيتها البارحة؟ فأجاب بقوله: (ليس عليها إلا أن تتصدق بأقل ما يسمَّى صدقة يعني بعشرة ريالات أو ثلاثة ريالات؛ لأنها لم تترك النسك كله فهي تركت ليلة من ليلتين هذا هو القول الراجح، وبعض العلماء يقول: عليها فدية، شاةٌ تُذبح وتوزع على الفقراء، لكن لا وجه لهذا) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 239). وقال أيضاً: (وأن تتصدقوا عن ترك المبيت ليلة الثاني عشر بمنى، ويكون ذلك بمكة يوزع على الفقراء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 245). وقال ابن عثيمين أيضاً: (المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب، والواجب في تركه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 245). (¬4) [2826])) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 49)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 815). (¬5) [2827])) ((المجموع)) للنووي (8/ 247)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 506). (¬6) [2828])) ((الفروع)) لابن مفلح (6/ 61)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 497). (¬7) رواه البخاري (1634)، ومسلم (1315)

وحديث مالك: رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر (¬1) (¬2) المطلب السادس: حكم المبيت خارج منى بسب أعذار أخرى غير أصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل ¬

(¬1) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (2481)، وأحمد (5/ 450) (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 598)، والدارمي (2/ 86) (1897)، والحاكم (1/ 652)، والبيهقي (5/ 150) (9955). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 651)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1975) (¬2) [2831])) قال ابن عبدالبر: (فغير جائز عند الجميع إلا للرعاء على ما في حديث أبي البداح هذا عن أبيه ولمن ولي السقاية من آل العباس، ولا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في حجته المبيت بمنى ليالي التشريق، وكذلك قال جماعة من أهل العلم، منهم مالك وغيره أن الرخصة في المبيت عن منى ليالي منى إنما ذلك للرعاء وللعباس وولده خاصة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاهم عليها وأذن لهم في المبيت بمكة من أجل شغلهم في السقاية، وكان العباس ينظر في السقاية ويقوم بأمرها ويسقي الحاج شرابها أيام الموسم، فلذلك أرخص له في المبيت عن منى بمكة، كما أرخص لرعاء الإبل في المبيت عن منى أيام منى في إبلهم من أجل حاجتهم إلى رعي الإبل وضرورتهم إلى الخروج بها نحو المراعي التي تبعد عن منى، فلا يجوز لأحد غيرهم ذلك من سائر الحاج) ((التمهيد)) (17/ 259).

يجوز المبيت خارج منى، لمن كان له عذر آخر غير السقاية والرعي، وتسقط عنه الفدية، والإثم، وذهب إلى ذلك الشافعية (¬1)، وبعض الحنابلة (¬2)، وهو اختيار ابن باز (¬3)، وابن عثيمين (¬4). وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل تنبيها على غيرهم, أو نقول: نص عليه لمعنى وُجِد في غيرهم , فوجب إلحاقه بهم (¬5). المطلب السابع: حكم المبيت لمن لم يجد مكاناً مناسباً في منى ¬

(¬1) [2832])) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 199)، ((المجموع)) للنووي (8/ 246 - 248). (¬2) [2833])) ((الفروع)) لابن مفلح (6/ 61)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 510). (¬3) [2834])) قال ابن باز: (المبيت في منى يسقط عن أصحاب الأعذار كالسقاة والمريض الذي يشق عليه المبيت في منى، لكن يشرع لهم أن يحرصوا في بقية الأوقات على المكث بمنى مع الحجاج؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إذا تيسر ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 149). وقال أيضا: (يُرخَّص للسقاة والرعاة والعاملين على مصلحة الحجاج أن يتركوا المبيت في منى، ويؤخروا الرمي لليوم الثالث إلا يوم النحر، فالمشروع للجميع فعله وعدم تأخيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 149). (¬4) [2835])) قال ابن عثيمين: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى؛ لأنهم يرعون رواحل الحجيج، ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت؛ لأن الناس في حاجة إليهم. وأما من بهم عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه، ذلك فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولين للعلماء: فمن العلماء من يقول: إنهم يُلحقون لوجود العذر. ومن العلماء من يقول: إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص، وعذر أولئك عام. والذي يظهر لي أن أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء كمثل إنسان مريض احتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشرة واثنتي عشرة فلا حرج عليه، ولا فدية لأن هذا عذر، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص للعباس رضي الله عنهما مع إمكانه أن ينيب أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف، يعني ليس وجوبها بذلك الوجوب المحتَّم، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية عليه، وإنما يتصدق بشيء يعني عشرة ريالات أو خمسة ريالات حسب الحال) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 237 - 238). وقال أيضاً: (أهل السقاية أي: سقاية الحجاج من زمزم، والرعاية رعاية إبل الحجاج، وذلك أن الناس فيما سبق يحجون على الإبل، فإذا نزلوا في منى احتاجوا إلى من يرعى إبلهم؛ لأن بقاءها في منى فيه تضييق، وربما لا يتوفر لها العلف الكافي؛ لهذا يذهب بها الرعاة إلى محلات أخرى من أجل الرعي، وقد رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يدعوا المبيت بمنى ليالي منى لاشتغالهم برعاية الإبل) ((الشرح الممتع)) (7/ 390 - 391). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 256).

من لم يجد مكاناً مناسباً (¬1) للمبيت في منى، اختلف فيه أهل العلم على قولين: القول الأول: يجب عليه أن يبيت في أقرب مكان يلي منى، وهو قول ابن عثيمين (¬2). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]. 2 - قوله سبحانه: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] ثانياً: القياس: قياس امتلاء منى على امتلاء المسجد، فإن المسجد إذا امتلأ وجب على الناس أن يصلوا حوله لتتصل الصفوف حتى يكونوا جماعة واحدة والمبيت نظير هذا (¬3). ثالثاً: المقصود من المبيت أن يكون الناس مجتمعين أمة واحدة، فالواجب أن يكون الإنسان عند آخر خيمة حتى يكون مع الحجيج (¬4). القول الثاني: له أن يبيت خارج منى في مزدلفة أو العزيزية أو غيرهما، ولا شيء عليه، وهو قول ابن باز (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (¬6) [التغابن: 16] ثانياً: من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (¬7). والحاج إذا اجتهد في التماس مكان في منى ليبيت فيه ليالي منى فلم يجد شيئاً، فلا حرج عليه أن ينزل في خارجها (¬8). المبحث الثاني: ذكر الله عز وجل في أيام منى يُسنُّ ذكر الله عز وجل في أيام منى. الدليل: عن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)) (¬9). ¬

(¬1) على الحاج أن يجتهد في إيجاد مكان للمبيت في منى، فإن لم يجد مكاناً فلا يلزمه المبيت على الأرصفة والشوارع. قال ابن باز: (إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه ليالي منى فلم يجد شيئاً، فلا حرج عليه أن ينزل في خارجها؛ لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ *التغابن: 16* ولا فدية عليه من جهة ترك المبيت في منى؛ لعدم قدرته عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 362). وسئل عن المكان الذي يُجلس فيه، هل يكون على الأرصفة أو السيارة؟ فقال: (لا يجلس في مكان خطر، إن تيسر المكان المناسب وإلا يخرج) ((من شرح ابن باز لبلوغ المرام – منقول من كتاب النوزل في الحج)) لعلي الشلعان (ص: 460). وقال ابن عثيمين: (فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل في مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة، ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يدور فيها بسيارته معظم الليل أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تجد مكاناً في منى، فاجلس في مزدلفة، عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء مادمت بحثت عن مكان ولم تجد، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 241). (¬2) قال ابن عثيمين: (إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكاناً فإن الواجب أن يبيت فيها) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 240). وقال أيضا: (سئلت عن الحاج لا يجد مكاناً في منى هل يجزئه أن يبيت خارج منى؟ فأجبت: بأنه لا حرج عليه أن يبيت خارج منى، لكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقوله: (يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولكن يكون منزله متصلاً بمنازل الحجاج، كالجماعة إذا امتلأ المسجد يصفون عند نهاية الصفوف، ويكون لهم حكم المصلين داخل المسجد) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 240). (¬3) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 254). (¬4) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 254). (¬5) قال ابن باز: (المبيت في منى واجب من واجبات الحج، على كل حاج مع القدرة إلا السقاة والرعاة ومن في حكمهما، فمن عجز عن ذلك فلا شيء عليه؛ لقوله الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ *التغابن: 16* وبذلك يعلم أن من لم يجد مكاناً في منى فله أن ينزل خارجها في مزدلفة والعزيزية أو غيرهما) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 363). (¬6) قال ابن باز: (إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه ليالي منى فلم يجد شيئاً، فلا حرج عليه أن ينزل في خارجها؛ لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ *التغابن: 16* ولا فدية عليه من جهة ترك المبيت في منى؛ لعدم قدرته عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 362). (¬7) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337) (¬8) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 362). (¬9) [2845])) رواه مسلم (1141)

الفصل الثاني: رمي الجمار أيام التشريق

الفصل الثاني: رمي الجمار أيام التشريق تمهيد يرمي الحاجُ في أيام التشريق: الجمرة الصغرى، ثم الجمرى الوسطى، ثم الجمرى الكبرى، كل جمرة بسبع حصيات، وذلك في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر. الأدلة: أولاً: من السنة: - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس)) (¬1). - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق، يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمى الثالثة ولا يقف عندها)) (¬2). ثانياً: الإجماع: نقله ابن عبدالبر (¬3)، وابن رشد (¬4). المبحث الأول: وقت الرمي في أيام التشريق المطلب الأول أول وقت الرمي في أيام التشريق: ¬

(¬1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1746)، ومسلم (1299). (¬2) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح إلا قوله: (حين صلى الظهر) فهو منكر. (¬3) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على أن أيام التشريق كلها أيام رمي وهي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر) ((التمهيد)) (17/ 254). (¬4) قال ابن رشد: (أجمعوا على أنه يعيد الرمي إذا لم تقع الحصاة في العقبة وأنه يرمي في كل يوم من أيام التشريق ثلاث جمار بواحد وعشرين حصاة كل جمرة منها بسبع) ((بداية المجتهد)) (1/ 353).

لا يصح الرمي في أيام التشريق قبل زوال الشمس (¬1)، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وهو ظاهر المروي عن أبي حنفية في غير يوم النفر (¬5)، واختاره الكمال ابن الهمام (¬6)، والشنقيطي (¬7)، ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن من رمي الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس أن ذلك يجزئه) ((الإجماع)) (ص: 58). وقال ابن حزم: (اتفقوا أن ثلاثة أيام بعد يوم النحر هي أيام رمي الجمار، وأن من رماها فيها بعد الزوال أجزأه) ((مراتب الإجماع)) (ص: 46). وقال ابن عبدالبر: (وأما الجمار التي ترمى في أيام منى بعد يوم النحر فأجمع علماء المسلمين أن وقت الرمي في غير يوم النحر بعد زوال الشمس) وقال أيضاً: (أجمعوا أن وقت رمي الجمرات في أيام التشريق الثلاثة التي هي أيام منى بعد يوم النحر وقت الرمي فيما بعد زوال الشمس إلى غروب الشمس) ((التمهيد)) (17/ 254). وينظر (7/ 272)، ((الاستذكار)) (4/ 353). (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 376)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 545). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 194)، ((المجموع)) للنووي (8/ 235). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 399)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 589). (¬5) الرواية الظاهرة عن أبي حنيفة أنه لا يجوز عنده الرمي قبل الزوال إلا من تعجل يوم النفر، فيكره له ذلك، وخالفه صاحباه، فلا يجوز الرمي عندهما إلا بعد الزوال في جميع الأيام. ((بدائع الصنائع)) (2/ 137)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35). (¬6) قال الكمال ابن الهمام: (لا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله - عليه الصلاة والسلام - وكذلك مع أنه غير معقول، فلا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه عليه الصلاة والسلام، وإنما رمى عليه الصلاة والسلام في الرابع بعد الزوال فلا يرمي قبله، وبهذا الوجه يندفع المذكور لأبي حنيفة لو قرر بطريق القياس على اليوم الأول لا إذا قرر بطريق الدلالة، والله سبحانه وتعالى أعلم) ((فتح القدير)) (2/ 499). (¬7) قال الشنقيطي: (بهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن قول عطاء، وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه، كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله: ((لتأخذوا عني مناسككم))، ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد، وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب الله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 464) ..

وابن باز (¬1)، وابن عثيمين (¬2) (¬3). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((رمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال)) (¬4). وجه الدلالة: أن في الرمي قبل الزوال مخالفة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، والذي اعتضد بقوله: ((لتأخذوا مناسككم)) (¬5)، كما أن فعله صلى الله عليه وسلم في المناسك وقع بياناً لمجمل الكتاب فيكون واجباً، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل (¬6). 2 - عن عائشة قالت: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالى أيام التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمى الثالثة ولا يقف عندها)) (¬7). وجه الدلالة: أن هذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقاباً تامًّا، فبادر من حين زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر (¬8). 3 - عن وبرة، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما، متى أرمي الجمار؟ قال: ((إذا رمى إمامك، فارمه))، فأعدت عليه المسألة، قال: ((كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا)) (¬9). وجه الدلالة: أنه أعلم السائل بما كانوا يفعلونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يتحينون ذلك مما يدل على تحتمه ولزومه (¬10). ¬

(¬1) قال ابن باز: (لا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة قبل الزوال ليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر عند أكثر أهل العلم، وهو الحق الذي لا شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني مناسككم))، فالواجب على المسلمين اتباعه في ذلك كما يلزم اتباعه في كل ما شرع الله وفي ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا *الحشر: 7*، وقوله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ *الممتحنة: 6*، والآيات في هذا المعنى كثيرة) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 300، 372). وقال أيضاً: (لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن لم يتعجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، ولأن العبادات توقيفية، لا يجوز فيها إلا ما أقره الشرع المطهر .. ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 143، 144). (¬2) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147). (¬3) روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه وبه قال والأوزاعي والثوري وأبو ثور. ((التمهيد)) (7/ 272)، ((الاستذكار)) (4/ 353)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 476). (¬4) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1746)، ومسلم (1299). (¬5) رواه مسلم (1297) (¬6) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 464). (¬7) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): (صحيح إلا قوله: "حين صلى الظهر" فهو منكر). (¬8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147). (¬9) رواه البخاري (1746) (¬10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 463).

ثانياً: عن عبدالله بن عمر كان يقول: ((لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس)) (¬1) (¬2). ثالثاً: أنه لو كان الرمي جائزاً قبل زوال الشمس لفعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، لما فيه مِنْ فعل العبادة في أول وقتها، ولما فيه من التيسير على العباد؛ فإن الرمي في الصباح أيسر على الأمة؛ لأنه بعد الزوال يشتد الحر، ويشق على الناس، فلا يمكن أن يختار النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأشد ويدع الأخف، فإنه ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً (¬3). رابعاً: أن هذا بابٌ لا يعرف بالقياس، بل بالتوقيت من الشارع، فلا يجوز العدول عنه (¬4). رابعاً: أنه كما لا يجزئ فعلُ الرمي في غير المكان الذي رمى فيه عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يجزئ كذلك في غير الوقت الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم (¬5). المطلب الثاني تأخير الرمي: يصح تأخير رمي كل يوم إلى اليوم الثاني إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وكذا تأخير الرمي كله إلى اليوم الثالث عشر، ويرميه مرتبا: رمي اليوم الأول، ثم رمي اليوم الثاني، وهكذا، وهذا مذهب الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، واختاره الشنقيطي (¬8)، وابن باز (¬9). الأدلة: أولاً من السنة: عن عاصم بن عدي العجلاني رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل، أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً)) وفي لفظ: ((رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغداة، ومن بعد الغداة ليومين، ثم يرمون يوم النفر)) (¬10). وجه الدلالة: أن إذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في وقت دليل على أن ذلك الوقت من أجزاء وقت تلك العبادة الموقتة; لأنه ليس من المعقول أن تكون هذه العبادة موقتة بوقت معين ينتهي بالإجماع في وقت معروف، ويأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها في زمن ليس من أجزاء وقتها المعين لها (¬11). ¬

(¬1) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 598) (¬2) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 353). (¬3) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (23/ 147)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 353). (¬4) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (/138)، ((حاشية الشلبي)) (2/ 35). (¬5) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 499)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 545). (¬6) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 108)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315). (¬7) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 510). (¬8) قال الشنقيطي: (التحقيق في هذه المسألة أن أيام التشريق كاليوم الواحد بالنسبة إلى الرمي، فمن رمى عن يوم منها في يوم آخر منها أجزأه، ولا شيء عليه، كما هو مذهب أحمد، ومشهور مذهب الشافعي، ومن وافقهما). وقال أيضاً: (التحقيق أن أيام الرمي كلها كاليوم الواحد، وأن من رمى عن يوم في الذي بعده، لا شيء عليه لإذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء في ذلك، ولكن لا يجوز تأخير يوم إلى يوم آخر إلا لعذر، فهو وقت له، ولكنه كالوقت الضروري) ((أضواء البيان)) (4/ 468،470). (¬9) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 145). (¬10) رواه أبو داود (1975)، والترمذي (955)، وابن ماجه (2481)، وأحمد (5/ 450) (23826)، ومالك في ((الموطأ)) (3/ 598)، والدارمي (2/ 86) (1897)، والحاكم (1/ 652)، والبيهقي (5/ 150) (9955). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وصححه ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 651)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (¬11) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 469).

ثانياً: أن أيام التشريق كلها وقت للرمي فإذا أخره عن أول وقته إلى آخره أجزأه، كتأخير وقوف بعرفة إلى آخر وقته (¬1). ثالثاً: أنه لو كانت بقية الأيام غير صالحة للرمي لم يفترق الحال فيها بين المعذور وغيره كما في الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة (¬2). رابعاً: القياس على الصلاة فإن فعلها في آخر وقتها الضروري هو أداء، أما القضاء في اصطلاح الفقهاء والأصوليين: فإنه لا يطلق إلا على ما فات وقته بالكلية (¬3). المطلب الثالث: نهاية وقت الرمي: ينتهي وقت الرمي أداء وقضاء بغروب شمس آخر يوم من أيام التشريق. دليل ذلك: الإجماع: نقله ابن عبدالبر (¬4)، وابن رشد (¬5)، والنووي (¬6)، والقرطبي (¬7)، وابن تيمية (¬8)، وحكاه أبو العباس السروجي عن الأئمة (¬9). المبحث الثاني: النفر الأول إذا رمى الجمار ثاني أيام التشريق إذا رمى الحاجُ الجمارَ ثاني أيام التشريق (¬10)، فيجوز له أن ينفر إن أحب التعجل في الانصراف من منى، هذا هو النفر الأول، وبذلك يسقط عنه المبيت ورمي اليوم الأخير. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة: 203]. ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 590). (¬2) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) للرملي (3/ 315). (¬3) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 469). (¬4) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على أن من فاته رمي ما أمر برميه من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها، وذلك اليوم الرابع من يوم النحر وهو الثالث من أيام التشريق، فقد فاته وقت الرمي، ولا سبيل له إلى الرمي أبداً، ولكن يجبره بالدم أو بالطعام على حسب ما للعلماء في ذلك من الأقاويل) ((التمهيد)) (17/ 255). (¬5) قال ابن رشد: (أجمعوا على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد) ((بداية المجتهد)) (1/ 353). (¬6) ((المجموع)) للنووي (8/ 239). (¬7) قال القرطبي: (لا سبيل عند الجميع إلى رمى ما فاته من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها، وذلك اليوم الرابع من يوم النحر، وهو الثالث من أيام التشريق) ((تفسير القرطبي)) (3/ 7). (¬8) قال ابن تيمية: (أما رمي الجمار فلا يجوز بعد أيام التشريق، لا نزاع نعلمه، بل على من تركها دم، ولا يجزئ رميُها بعد ذلك) ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 293). (¬9) قال أبو العباس السروجي في ((الغاية)): (ويفوت الرمي بخروج أيام التشريق عند الأئمة وعن عطاء: يرميها ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع عشر فإن طلع الفجر، ولم يرق أراق دماً، كقول الجماعة، وفي الإسبيجابي: لا يرمي ليلة الرابع عشر لانقضاء وقته بغروب الشمس) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 35). (¬10) وهو يوافق ثالث أيام منى؛ فإن المراد باليومين اللذين أباح الله جل وعلا للمتعجل الانصراف من منى بعد انقضائهما هما ثاني وثالث العيد؛ لأن يوم العيد يوم الحج الأكبر، وأيام التشريق هي ثلاثة أيام تلي يوم العيد،، وبه يظهر خطأ بعض الناس في تعجلهم يوم الحادي عشر. ((مجلة البحوث الإسلامية)) (13/ 88)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 386).

عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام منى ثلاثة: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)) (¬1). ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬2)، والماوردي (¬3). المبحث الثالث: النفر الثاني إذا رمى الجمار ثالث أيام التشريق: التأخير إلى ثالث أيام التشريق أفضل، فإذا رمى الحاج الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق بعد الزوال انصرف من منى إلى مكة، ويسمى النفر الثاني، وهو آخر أيام التشريق، وبه تنتهي مناسك منى. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة: 203]. ثانياً: من السنة: 1 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة، إذا زالت الشمس)) (¬4). 2 - عن عبدالرحمن بن يعمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال: ((أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)) (¬5). 3 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ((صلى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت، فطاف به)) (¬6). 4 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى حتى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مر بذي طوى، وبات بها حتى يصبح. وكان يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)) (¬7). وجه الدلالة من الحديثين: ¬

(¬1) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309) (18795)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، وابن حبان (9/ 203) (3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: ((حسن صحيح))، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350). (¬2) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن من أراد الخروج من منى شاخصاً عن الحرم، غير مقيم بمكة، أن ينفر بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق.) ((المغني)) (3/ 401). (¬3) قال الماوردي: (فإن نفر في اليوم الأول كان جائزاً وسقط عنه المبيت بمنى في ليلته، وسقط عنه رمي الجمار من غده، وأصل ذلك الكتاب والسنة، وإجماع الأمة) ((الحاوي الكبير)) (4/ 199). (¬4) رواه أبو داود (1973)، وأحمد (6/ 90) (24636)، والدارقطني في ((السنن)) (2/ 274)، وابن حبان (9/ 180) (3868)، والحاكم (1/ 651)، والبيهقي (5/ 148) (9941). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/ 141)، وجود إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 342)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): (صحيح إلا قوله: "حين صلى الظهر" فهو منكر). (¬5) رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (5/ 264)، وابن ماجه (2459)، وأحمد (4/ 309) (18795)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، وابن حبان (9/ 203) (3892)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 209)، والنووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وابن كثير في ((تفسير القرآن)) (1/ 350). (¬6) رواه البخاري (1764) (¬7) رواه البخاري (1573)، ومسلم (1259)

أن ذلك إنما كان في ليلة الحصبة بعد النفر من منى. ثالثاً: الإجماع: نقله الماوردي (¬1)، وابن حزم (¬2)، وابن عبدالبر (¬3)، والنووي (¬4). رابعاً: أن المقام مقام كمال؛ أما التعجيل فهو رخصة، وفيه ترفه بترك بعض الأعمال (¬5). ¬

(¬1) قال الماوردي: (أصل ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة). ((الحاوي الكبير)) (4/ 199). (¬2) قال ابن حزم: (الأيام المعدودات والمعلومات واحدة, وهي يوم النحر, وثلاثة أيام بعده لقول الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 1203*، والتعجيل المذكور والتأخير المذكور إنما هو بلا خلاف من أحد في أيام رمي الجمار) ((المحلى)) (7/ 275 رقم 914). (¬3) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف أن أيام منى ثلاثة أيام، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم) ((الاستذكار)) (4/ 339). (¬4) قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق، ويجوز في الثالث، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ *البقرة: 203*) ((المجموع)) للنووي (8/ 249). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 199).

الباب الثالث عشر: طواف الوداع

تمهيد طواف الوداع أسماؤه وسبب تسميته أولا: أسماء طواف الوداع 1 - طواف الوداع. 2 - طواف الصدر. 3 - طواف آخر العهد (¬1). ثانيا: سبب التسمية سمي طواف الوداع لأنه يودع به البيت، وسمي بطواف الصدر لأنه يصدر به عن البيت (¬2). ¬

(¬1) ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/ 523). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 404).

الفصل الأول: حكم طواف الوداع للحاج

الفصل الأول: حكم طواف الوداع للحاج طواف الوداع واجب عند الانتهاء من النسك، وقبل الخروج من مكة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، والشافعية في الأظهر (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، والشنقيطي (¬5)، وابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: 1 - عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض)) (¬8). 2 - عن ابن عباس: ((قال كان الناس ينصرفون فى كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)) (¬9). ¬

(¬1) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 61)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغناني (1/ 151). (¬2) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 45)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 485). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 284) (¬4) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 204)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (4/ 203). (¬5) قال الشنقيطي بعد ذكره للخلاف في المسألة: (قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له -: أظهر القولين في طواف الوداع دليلاً: أنه واجب) ((أضواء البيان)) (4/ 405) (¬6) قال ابن باز: (طواف الوداع في وجوبه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه واجب في حق الحاج ومستحب في حق المعتمر) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 389). (¬7) قال ابن عثيمين: (فالصواب أن طواف الوداع واجب) ((الشرح الممتع)) (7/ 362). (¬8) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328) (¬9) رواه مسلم (1327)

الفصل الثاني شروط طواف الوداع

الفصل الثاني شروط طواف الوداع المبحث الأول: أن يكون من أهل الآفاق يشترط أن يكون الحاج من أهل الآفاق، فلا يجب على المكي، ومن نوى الإقامة بمكة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، لأن الطواف وجب توديعاً للبيت، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة؛ لأنهم في وطنهم. المبحث الثاني: الطهارة من الحيض والنفاس يشترط الطهارة من الحيض والنفاس؛ فلا يجب طواف الوداع على الحائض والنفساء، ولا يجب عليهما دم بتركه وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (¬5): الحنفية (¬6)، والمالكية (¬7)، والشافعية (¬8)، والحنابلة (¬9). الأدلة: 1 - عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض)) (¬10). 2 - حديث عائشة: ((أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت في حجة الوداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحابستنا هي؟ فقلت: إنها قد أفاضت يا رسول الله وطافت بالبيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتنفر)) (¬11). فرع: الحكم في النفساء كالحكم في الحائض؛ لأن أحكام النفاس كأحكام الحيض، فيما يوجب ويسقط (¬12). فرع: إذا طهرت الحائض أو النفساء بعد أن نفرت وقبل مفارقة بنيان مكة يلزمها الرجوع، أما إذا تجاوزت مكة فلا يلزمها الرجوع (¬13). الدليل: عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض)) (¬14). المبحث الثالث وقت طواف الوداع: وقت طواف الوداع هو بعد فراغ المرء من جميع أموره؛ ليكون آخر عهده بالبيت، وهو قول الجمهور من المالكية (¬15)، والشافعية (¬16)، والحنابلة (¬17). الدليل: ¬

(¬1) الحنفية اشترطوا أن ينوي الإقامة قبل النفر، أما إذا نوى الإقامة بعد النفر فعليه الوداع، انظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142)، ((حاشية رد المحتار)) لابن عابدين (2/ 523)، (¬2) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 493). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 254) (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 403)، ((الإنصاف)) للماوردي (4/ 39) (¬5) قال البغوي: (إلا المرأة الحائض أو النفساء يجوز لها أن تنفر، وتترك طواف الوداع، ولا دم عليها، وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي) ((شرح السنة)) للبغوي (7/ 235) وقال ابن قدامة: (والمرأة إذا حاضت قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية؛ هذا قول عامة فقهاء الأمصار) ((المغني)) (3/ 406) وقال النووي: (هذا دليل لوجوب طواف الوداع على غير الحائض وسقوطه عنها ولا يلزمها دم بتركه هذا مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والعلماء كافة) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (9/ 79) (¬6) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 61)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 142). (¬7) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (17/ 268)، (¬8) ((المجموع)) للنووي (8/ 284)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 116). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (3/ 487). (¬10) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328) (¬11) رواه البخاري (1757)، ومسلم (1211) (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 406). (¬13) ((المجموع)) للنووي (8/ 255)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 116) ((المغني)) لابن قدامة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 489)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 366). (¬14) رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328) (¬15) ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/ 158)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/ 687). (¬16) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 509)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 116). (¬17) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 403).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت)) (¬1). فرع: يغتفر له أن يشتغل بعد طواف الوداع بأسباب السفر، كشراء الزاد، وحمل الأمتعة أو انتظار رفقة ونحو ذلك ولا يعيده، وهذا مذهب الجمهور من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، واختاره ابن باز (¬5) وابن عثيمين (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة عن أم سلمة، قالت: ((شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي قال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور)) (¬7). وجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام صلى الفجر، وكان قد طاف للوداع قبل ذلك، ولم يكن ذلك مبطلاً لوداعه، فدل أن ما كان مثل ذلك لا يقطع طواف الوداع. (¬8). ثانياً: أن ما كان مثل ذلك ليس بإقامة حتى يقطع طواف الوداع (¬9). المبحث الرابع: هل يجزئ طواف الإفاضة عن طواف الوداع، إذا كان عند الخروج؟ يجزئ طواف الإفاضة عن طواف الوداع، إذا جعله الإنسان عند خروجه، وهذا مذهب المالكية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وحكاه ابن رشد عن جمهور الفقهاء (¬12)، واختاره ابن باز (¬13) وابن عثيمين (¬14). وذلك للآتي: أولاً: أن طواف الوداع ليس مقصوداً لذاته بل ليكون آخر عهده من البيت الطواف، وقد حصل بطواف الإفاضة، فيكون مجزئاً عن طواف الوداع (¬15). ثانياً: أن ما شرع لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه، كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة (¬16). ¬

(¬1) رواه مسلم (1327) (¬2) ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/ 492) ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/ 197). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 253) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 117). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 486) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 512) (¬5) قال ابن باز: (من طاف للوداع واحتاج شراء شيء ولو لتجارة جاز، ما دامت المدة قصيرة، فإن طالت المدة عرفا أعاد الطواف) ((مجموع فتاوى بن باز)) (16/ 151) (¬6) قال ابن عثيمين: (ويجعل طواف الوداع آخر عهده بالبيت إذا أراد أن يرتحل للسفر، فإن بقي بعد الوداع لانتظار رفقة، أو تحميل رحله، أو اشترى حاجة في طريقه فلا حرج عليه، ولا يعيد الطواف) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 387). (¬7) رواه البخاري (464)، ومسلم (1276) (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 365). (¬9) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 181). (¬10) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 283)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 53). (¬11) بشرط أن ينوي طواف الإفاضة. ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 38)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 592). (¬12) قال ابن رشد: (جمهور العلماء على أن طواف الوداع يجزئ عن طواف الإفاضة، إن لم يكن طاف طواف الإفاضة) ((بداية المجتهد)) (1/ 343). (¬13) قال ابن باز في جوابه عن حكم جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع: (لا حرج في ذلك، لو أن إنساناً أخر طواف الإفاضة، فلما عزم على السفر طاف عند سفره بعدما رمى الجمار وانتهى من كل شيء، فإن طواف الإفاضة يجزئه عن طواف الوداع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 332). (¬14) قال ابن عثيمين: (وطواف الإفاضة مجزئ عن طواف الوداع، إذا جعله الإنسان عند خروجه) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (22/ 438). (¬15) ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 53)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 369، 370). (¬16) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 404)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 283).

الباب الرابع عشر: باب النيابة في الحج

الفصل الأول: النيابة عن الحي المبحث الأول: النيابة في الفرض عن القادر. القادر على الحج لا يجوز أن يستنيب من يحج عنه حجة الفريضة (¬1). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. ثانياً: الإجماع: نقله ابن المنذر (¬2)، وابن قدامة (¬3)، وابن حجر (¬4). ثالثاً: أن على القادر الحج ببدنه، فلا ينتقل الفرض إلى غيره إلا فيما وردت فيه الرخصة وهو إذا عجز عنه، أو كان ميتاً، وبقي فيما سواهما على الأصل، فلا تجوز النيابة عنه فيه (¬5). المبحث الثاني: النيابة في الفرض عن غير القادر: ¬

(¬1) قال سند: (اتفق أرباب المذاهب أن الصحيح لا تجوز استنابته في فرض الحج) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 2). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمعوا أن من عليه حجة الإسلام، وهو قادر لا يجزئ إلا أن يحج بنفسه، ولا يجزئ أن يحج عنه غيره) ((الإجماع)) (ص: 59)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 180). (¬3) قال ابن قدامة: (لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب إجماعاً) ((المغني)) (3/ 223). (¬4) قال ابن حجر: (اتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه والله أعلم) ((فتح الباري)) (4/ 70). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 112).

يجب على من أعجزه كبر، أو مرض لا يرجى برؤه (¬1) أن يقيم من يحج عنه إن كان له مال، وهذا مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، وهو رواية عن أبي حنيفة (¬4)، وقول صاحبيه (¬5)، وذهب إليه طائفة من السلف (¬6)، واختاره الكمال ابن الهمام (¬7)، وابن حزم (¬8)، وابن باز (¬9)، وابن عثيمين (¬10). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران: 97]. وجه الدلالة: عموم الآية، فمن استطاع الحج ببدنه وماله فقد وجب الحج في حقه، فإن كان عاجزاً عن الحج ببدنه، مستطيعاً بماله، فإنه يلزمه أن يقيم غيره مقامه. ثانياً: من السنة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (¬11) (¬12). وجه الدلالة: ¬

(¬1) يشترط أن يكون العذر مستمرًّا، كالهرم، أو مرض مزمن، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه. ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 179). ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 94)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 31). (¬4) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 275). (¬5) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 85)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416). (¬6) منهم علي بن أبي طالب والحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن المبارك وأحمد وإسحاق. ((المجموع)) للنووي (7/ 100)، ((تفسير القرطبي)) 4/ 151. (¬7) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/ 416). (¬8) قال ابن حزم: (من لا مال له، ولا قوة جسم إلا أنه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها; فوجدنا اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في أنه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا, ولنصب المنجنيق عليه وإن كان مريضاً مثبتاً؛ لأنه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له, وكان ذلك داخلاً في نص الآية) ((المحلى)) (7/ 56). (¬9) قال ابن باز: (العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإنه يلزمه أن ينيب من يؤدي عنه الحج المفروض والعمرة والمفروضة، إذا كان يستطيع ذلك بماله؛ لعموم قول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا *آل عمران: 97*) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122). (¬10) قال ابن عثيمين: (إن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه ينيب من يحج عنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج، شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: (نعم)، وذلك في حجة الوداع، ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 15). (¬11) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) (¬12) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله ابن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57).

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة على وصف الحج عن أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يقرها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يقر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب (¬1). ثالثاً: أن هذه عبادة تجب بإفسادها الكفارة، فجاز أن يقوم غيرُ فعله فيها مقامَ فعله، كالصوم إذا عجز عنه افتدى (¬2). المبحث الثالث: إذا استناب للفريضة ثم برئ: من استناب للحج ثم برئ قبل الموت فهل يجب الحج عليه أو يسقط عنه؟ فيه قولان لأهل العلم: القول الأول: يجزئ عنه، ويسقط عنه الفرض، وهذا مذهب الحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، وبه قال إسحاق ابن راهويه (¬5).وذلك للآتي: 1. أن المنيب أتى بما أُمِر به من إقامة غيره مقامه، ومن أتى بما أُمِر به برئت ذمته، وخرج من العهدة كما لو لم يبرأ (¬6). 2. أنه فَعَلَ عبادة في وقت وجوبها يظن أنها الواجبة عليه فتجزئه، ولو تبين بعد ذلك أن الواجب كان غيرها (¬7). 3. أن إيجاب الحج عليه يُفضي إلى إيجاب حجتين عليه، ولم يوجب الله عليه إلا حجة واحدة (¬8). 4. القياس على المتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي فإنه يجزئ عنه (¬9). القول الثاني: لا يجزئه عن حج الفريضة، وعليه الحج بنفسه، وهذا مذهب الحنفية (¬10)، والشافعية في الأصح (¬11)، واختاره ابن المنذر (¬12) (¬13). وذلك للآتي: 1. أن هذا الحج بدل إياس، فإذا برأ تبين أنه لم يكن مأيوساً منه، فلزمه الأصل (¬14). 2. قياساً على الآيسة من الحيض إذا اعتدت بالشهور، ثم حاضت لا يجزئها تلك العدة (¬15). 3. أن جواز الحج عن الغير ثبت بخلاف القياس، لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله، فيتقيد الجواز به (¬16). ¬

(¬1) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 57)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 11). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 145)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 287)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391). (¬4) قال ابن حزم: قال أصحابنا: ليس عليه أن يحج بعد. وقال أيضاً: (إذا أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكباً ولا ماشياً، وأخبر أنه دين الله يقضى عنه؛ فقد تأدى الدين بلا شك وأجزأ عنه، سقط وتأدى، فلا يجوز أن يعود فرضه بذلك؛ إلا بنص ولا نص هاهنا أصلاً بعودته - ولو كان ذلك عائداً لبين عليه السلام ذلك؛ إذ قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب؛ فإذ لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديه عنه) ((المحلى)) (7/ 62 رقم 816). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 102)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391). (¬7) ((قواعد ابن رجب)) (ص: 7). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 70). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 391). (¬10) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 455). (¬11) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 13، 14)، ((المجموع)) للنووي (7/ 102). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬13) لم يُذكر قول المالكية في الخلاف في المسألة؛ لأن المسألة لا تتصور عندهم بسبب أن العاجز عندهم لا فريضة عليه. ((مواهب الجليل)) (4/ 3)، وينظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 69). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 222). (¬16) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 335).

الفصل الثاني: النيابة عن الميت

الفصل الثاني: النيابة عن الميت المبحث الأول: من مات وعليه حج واجب: من مات وعليه حجٌّ واجبٌ، بقي الحج في ذمته، ووَجَبَ الإحجاج عنه من رأس ماله (¬1)، سواء أوصى به أم لا، وهذا مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، وقال به طائفة من السلف (¬5) واختاره الشنقيطي (¬6)، وابن باز (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى في المواريث: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11]. وجه الدلالة: أنه عمَّ في الآية الديون كلها، ومن مات وبقي حج في ذمته؛ فإنه دين عليه، يجب قضاؤه عنه من ماله قبل قسمة التركة (¬8). ثانياً: من السنة: 1. عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: ((بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت قال: فقال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها)) أخرجه مسلم (¬9). 2. عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) (¬10) (¬11). وجه الدلالة: أن هذا الحديث وإن كان في نذر الحج، إلا أنه يدل على فريضة الحج من باب أولى؛ لأن وجوب حج الفريضة أعظم من وجوب الحج بالنذر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم شبهها بدين الآدمي، والدين لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحكم (¬12). ثالثاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: ¬

(¬1) يجب من رأس المال؛ لأنه دين واجب، والدين الواجب يخرج من رأس المال، فوجب مساواته له. ((المجموع)) للنووي (7/ 109)، ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 39). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 98) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 14). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 519). (¬4) قال ابن حزم: (من مات وهو مستطيع بأحد الوجوه التي قدمنا حج عنه من رأس ماله واعتمر ولا بد مقدماً على ديون الناس إن لم يوجد من يحج عنه تطوعاً سواء أوصى بذلك أو لم يوص بذلك). وقال أيضاً: (وهو قول من ذكرنا، وأحد قولي الشافعي، وقول جميع أصحابنا) ((المحلى)) (7/ 62 - 65 رقم 818). (¬5) وبه قال ابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهما والحسن وطاووس، والأوزاعي، والثوري، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وأبو ثور، وإسحاق، وأضافه ابن حزم إلى جمهور السلف. ((المحلى)) لابن حزم (7/ 62، 64)، ((المجموع)) للنووي (7/ 112، 116). (¬6) قال الشنقيطي: (الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن المعضوب والميت، والأظهر عندنا وجوب الحج فوراً، وعليه فلو فرط، وهو قادر على الحج حتى مات مفرطاً مع القدرة، أنه يحج عنه من رأس ماله، إن ترك مالاً؛ لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته، فكانت ديناً عليه، وقضاء دين الله صرح النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة بأحقيته حيث قال: فدين الله أحق أن يقضى). ((أضواء البيان)) (4/ 327). (¬7) قال ابن باز: (من مات ولم يحج وهو يستطيع الحج وجب الحج عنه من التركة، أوصى بذلك أو لم يوص) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 122). (¬8) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 62). (¬9) رواه مسلم (1149) (¬10) رواه مسلم (1852) (¬11) قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها) ((المحلى)) (7/ 63). (¬12) ((الحاوي الكبير)) (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 324).

عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة أتته فقالت: إن أمي ماتت وعليها حجة، أفأحج عنها؟ فقال ابن عباس: هل كان على أمك دين؟ قالت: نعم؛ قال: فما صنعت؟ قالت قضيته عنها. قال ابن عباس: فالله خير غرمائك، حجي عن أمك)) (¬1) (¬2). رابعاً: أنه حقٌّ تدخله النيابة، لزمه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت، كدين الآدمي (¬3). المبحث الثاني: التبرع بالحج عن الميت: يجوز التبرع بالحج عن الميت، سواء من الوارث أو من الأجنبي، وسواء أذن له الوارث أم لا (¬4)، وهو مذهب الشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). واختيار ابن باز (¬7) وبه أفتت اللجنة الدائمة (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقض الله فهو أحق بالقضاء)) (¬9). وجه الدلالة: تشبيهه صلى الله عليه وسلم له بالدين، ثم إنه لم يستفصله أوارثه أو لا، فدل على صحة الحج عن الميت، وقد تقرر في الأصول: أن عدم الاستفصال من النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينزل منزلة العموم القولي (¬10). ثانياً: القياس على جواز أن يتبرع بقضاء دينه بغير إذن الوارث، ويبرأ الميت به (¬11). ثالثاً: القياس على صحة الصدقة عنه (¬12). الفرع الأول: من مات، ولم يكن له تركة لم يلزم أحدا أن يحج عنه، لكن يستحب لوارثه أن يحج عنه (¬13). الفرع الثاني: العمرة كالحج في القضاء (¬14). ¬

(¬1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 843). (¬2) انظر: ((المحلى)) لابن حزم (7/ 63). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 17)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 323). (¬4) لأنه بموته خرج خرج عن أن يكون من أهل الاذن. ((المجموع)) للنووي (7/ 110). (¬5) ((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 469). (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 183)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 519). (¬7) قال ابن باز عندما سئل عن رجل مات ولم يوص أحدا بالحج عنه، فهل تسقط عنه الفريضة إذا حج عنه ابنه؟ فأجاب: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن نفسه سقطت عنه الفريضة بذلك، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمين الذين قد حجوا عن أنفسهم ((مجموع فتاوى ابن باز)) - (16/ 404) (¬8) ونص فتوى اللجنة الدائمة: (يجوز للمسلم الذي قد أدى حج الفريضة عن نفسه أن يحج عن غيره إذا كان ذلك الغير لا يستطيع الحج بنفسه لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه أو لكونه ميتا؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (11/ 51). (¬9) رواه البخاري (6699) (¬10) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/ 323). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 110). (¬12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 397). (¬13) ((المجموع)) للنووي (7/ 110)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 42). (¬14) قال الشنقيطي: (قاس العلماء العمرة على الحج في ذلك، وهو قياس ظاهر، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 329)، وانظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 406).

الفصل الثالث: النيابة في حج النفل

الفصل الثالث: النيابة في حج النفل اختلف أهلُ العلم في مشروعية النيابة في حج النفل على أقوال، أرجحها: القول الأول: لا تجوز الاستنابة في حج النفل إلا عن الميت والحي المعضوب (¬1)، وهذا مذهب الشافعية على الأصح (¬2)، وهو رواية عن أحمد (¬3)، واختاره الشنقيطي (¬4)، وابن باز (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (¬6) (¬7). عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) (¬8) (¬9). وجه الدلالة من الحديثين: أن النيابة في الحج إنما شرعت للميت أو العاجز عن الحج، فما ثبت في الفرض ثبت في النفل (¬10). ثانياً: أنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في الفرض، فإذا جازت النيابة في الفرض فلأن تجوز في النفل أولى (¬11). ثالثاً: أنها حجة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها (¬12). رابعاً: أن حج النفل لم يجب عليه ببدنه ولا بماله، فإذا كان له تركهما كان له أن يتحمل إحداهما تقرباً إلى ربه عز وجل (¬13). خامساً: أن النفل كالفرض، فلم يجز أن يستنيب فيه القادر على الحج بنفسه (¬14). القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً، وهذا قولٌ للمالكية (¬15)، وقول عند الشافعية (¬16)، واختاره ابن عثيمين (¬17). وذلك لأنه إنما جاز الاستنابة في الفرض للضرورة، ولا ضرورة في غيره، فلم تجز الاستنابة فيه، كالصحيح (¬18). ¬

(¬1) المعضوب: وهو من كان عاجزا عجزا لا يرجى زواله، وأصله الزمن الذي لا حراك به؛ كأنه قطع عن كمال الحركة والتصرف ويقال له أيضا: المعصوب؛ كأنه قطع عصبه أو ضرب عصبه. النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: عضب)، ((المجموع)) للنووي (7/ 93، 94). (¬2) لكن قيدوا الحج عن الميت بأن يكون قد أوصى بذلك. ((المجموع)) للنووي (7/ 114)، ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (3/ 254). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224)، ((الإنصاف)) (3/ 296). والمذهب عند الحنابلة الجواز مطلقاً، ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 397)، وذهب إلى ذلك الحنفية، ينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146). (¬4) قال الشنقيطي: ((الأحاديث التي ذكرنا تدل قطعا على مشروعية الحج عن المعضوب والميت)) ((أضواء البيان)) (4/ 327). (¬5) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 405). (¬6) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) (¬7) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57). (¬8) رواه مسلم (1852) (¬9) قال ابن حزم: (فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها) ((المحلى)) (7/ 63). (¬10) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/ 275). (¬11) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/ 77). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224). (¬13) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 146). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224). (¬15) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 3)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 18). ومذهب المالكية الكراهة، ينظر: ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 3) (¬16) ((المجموع)) للنووي (7/ 114). (¬17) قال ابن عثيمين: (الأقرب للصواب بلا شك عندي أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 141). وقال أيضاً: (أما الاستنابة في النفل ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله إحداهما: أن ذلك جائز، والثانية: أن ذلك ليس بجائز، وفرق بينها وبين الفريضة، بأن الفريضة لابد من فعلها: إما بنفس الإنسان أو بنائبه، وأما النافلة فلا، فتهاون الناس الآن في النيابة في الحج أمر ليس من عادة السلف) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (21/ 142). (¬18) ((المجموع)) للنووي (7/ 114).

الفصل الرابع: الاستئجار على الحج

الفصل الرابع: الاستئجار على الحج يجوز الاستئجار على الحج، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، ورواية عن أحمد (¬3)، واختاره ابن باز (¬4) وابن عثيمين (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» رواه البخاري (¬6). 1. عن أبي سعيد رضي الله عنه: ((أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم)) (¬7). وجه الدلالة: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخذوا الجُعْل على الرقية بكتاب الله، وأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فصوبهم فيه، فدل على جوزا مثل ذلك، وأولى منه القرب التي تدخلها النيابة كالحج والعمرة (¬8). ثانياً: أنه يجوز أخذ النفقة على النيابة في الحج، فجاز الاستئجار عليه، كبناء المساجد والقناطر (¬9). ثالثاً: أن عليه عمل الناس، ولا يسعهم إلا القول به؛ لأن القول بمنعه يفضي إلى سد باب النيابة نهائيا؛ لندور النيابة على سبيل التبرع (¬10). ¬

(¬1) يجوز عند المالكية مع الكراهة، ولهذا فالمنصوص عن مالك كراهة إجارة الإنسان نفسه في عمل لله تعالى، حجًّا أو غيره؛ لأنه من باب أكل الدنيا بعمل الآخرة، ويقول في ذلك: (لأن يؤاجر الرجل نفسه في عمل اللبن وقطع الحطب وسوق الإبل أحب إلي من أن يعمل عملاً لله بأجرة). ((مواهب الجليل)) (4/ 4)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 18). (¬2) يصح عند الشافعية: الاستئجار على ما لا تجب له نية كالأذان، ولا يصح الاستئجار لعبادة يجب لها نية، كإجارة مسلم لجهاد أو لإمامة ولو لنفل؛ لأنه حصل لنفسه، واستثنوا من ذلك الاستئجار للحج والعمرة، فيجوز الاستئجار لهما أو لأحدهما عن عاجز أو ميت. ((الحاوي الكبير)) (4/ 257)، ((المجموع)) للنووي (7/ 120، 139). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 18). (¬4) قال ابن باز لما سئل: هل يجوز أن أستأجر من يقوم بأداء الحج لوالدي، علماً بأنني لم أقض فريضة الحج بعد؛ لعدم وجود محرم لدي، أو إذا لم يكن ذلك جائزاً، فهل يجوز أن أقوم بذلك العمل في نفس العام الذي سوف أحج فيه إن شاء الله؟ فقال: (لا حرج عليك أن تستأجري من يحج عن أبيك، وإن كنت لم تحجي عن نفسك، أما أنت فليس لك الحج عن أبيك إلا بعد أن تحجي عن نفسك، ولا مانع أن يحج عن أبيك من قد حج عن نفسه في السنة التي تحجين فيها عن نفسك. والله الموفق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 412) وقال أيضا لما سئل: هل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي. فقال: (إن حججت عنهما بنفسك، واجتهدت في إكمال حجك على الوجه الشرعي فهو الأفضل، وإن استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة فلا بأس) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/ 407). (¬5) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/ 57، 58). (¬6) رواه البخاري (5737) (¬7) رواه البخاري (5749)، ومسلم (2201) (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 224). (¬10) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 14)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/ 57، 58).

الفصل الخامس: ما يشترط في النائب

الفصل الخامس: ما يشترط في النائب مبحث: أن يكون النائب قد حج عن نفسه حج الفريضة يشترط في النائب أن يكون قد حج حجة الإسلام عن نفسه أولا، وإلا كانت الحجة عن نفسه، ولم تجزئ عن الأصيل، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وهو قول طائفة من السلف (¬3)، واختاره الشنقيطي (¬4)، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة (¬5) الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شُبْرُمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة))، وفي بعض ألفاظ الحديث: ((هذه عنك وحج عن شبرمة)) (¬6). ثانياً: أن النظر يقتضي أن يقدم الإنسان نفسه على غيره؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((ابدأ بنفسك)) (¬7)، ونفسك أحق من غيرك (¬8). مسألة: نيابة المرأة في الحج: تجوز النيابة في الحج سواء كان النائب رجلاً أو امرأة عند عامة أهل العلم (¬9). الدليل ¬

(¬1) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 20، 21)، ((المجموع)) للنووي (7/ 117). (¬2) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 43)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 520). (¬3) منهم ابن عباس والأوزاعي وإسحاق بن راهويه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 21)، ((المجموع)) للنووي (7/ 118). (¬4) قال الشنقيطي: (فتحصل من هذا كله: أن الحديث صالح للاحتجاج، وفيه دليل على أن النائب في الحج لا بد أن يكون قد حج عن نفسه). وقال أيضاً: (الأظهر تقديم الحديث الخاص الذي فيه قصة شبرمة ; لأنه لا يتعارض عام وخاص، فلا يحج أحد عن أحد حتى يحج عن نفسه حجة الإسلام، والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/ 329). (¬5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 50). (¬6) رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه 2364)، وابن خزيمة (4/ 345) (3039)، وابن حبان (9/ 299) (3988)، والطبراني (12/ 42) (12419)، والبيهقي (4/ 336) (8936). صححه الدارقطني في ((السنن)) (2/ 517)، وقال البيهقي: (إسناده صحيح)، ليس في هذا الباب أصح منه، وقال النووي في ((المجموع)) (7/ 117): (إسناده على شرط مسلم)، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 45): (إسناده صحيح على شرط مسلم)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 307): (الصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما رواه الحفاظ)، وصححه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 356)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). (¬7) رواه مسلم (997). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. (¬8) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 32). (¬9) قال ابن قدامة: (يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن الرجل والمرأة، في الحج، في قول عامة أهل العلم. لا نعلم فيه مخالفا، إلا الحسن بن صالح، فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال ابن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحج عن أبيها، وعليه؛ يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره وفي الباب حديث أبي رزين، وأحاديث سواه) ((المغني)) (3/ 226). وقال ابن تيمية: (يجوز للمرأة أن تحج عن امرأة أخرى باتفاق العلماء، سواء كانت بنتها أو غير بنتها، وكذلك يجوز أن تحج المرأة عن الرجل عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 13). وقال الشنقيطي: (دلت الأحاديث المذكورة على جواز حج الرجل عن المرأة وعكسه، وعليه عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا الحسن بن صالح ابن حي، والأحاديث المذكورة حجة عليه) ((أضواء البيان)) (4/ 327).

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه جاءته امرأة من خثعم تستفتيه، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم)) (¬1) (¬2). وجه الدلالة: أنه أذن للمرأة أن تحج عن أبيها مع أن إحرام الرجل أكمل من إحرام المرأة (¬3). فائدة: ينبغي لمن أراد أن ينيب في الحج أن يتحرى في من يستنيبه أن يكون من أهل الدين والأمانة؛ حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب (¬4). فائدة: الأفضل أن يحج عن نفسه؛ لأنه الأصل، ويدعو لنفسه ولغيره من الأقارب وسائر المسلمين، إلا إذا كان أحد والديه أو كلاهما لم يحج الفريضة فله أن يحج عنهما بعد حجه عن نفسه، برًّا بهما وإحسانًا إليهما عند العجز أو الموت، على أن يحج أو يعتمر عن كل واحد على حدة، وليس له جمعهما بعمرة ولا حج (¬5). فائدة: إذا كان مستحسناً أن يحج الإنسان عن أقاربه الأموات، فإنه يبدأ بأمه ثم أبيه، وإن كان أحدهما حج الفريضة فليبدأ بمن لم يحج منهما، ثم الأقرب فالأقرب؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك) (¬6) (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) (¬2) قال ابن حزم: (هذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح، عن خمسة من الصحابة، رضي الله عنهم، الفضل, وعبدالله, وعبيد الله ابن العباس بن عبدالمطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/ 57). (¬3) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 13). (¬4) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 53). (¬5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 66). (¬6) رواه البخاري (5971)، ومسلم (2548) (¬7) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) المجموعة الأولى (11/ 66).

الباب الخامس عشر: الفوات والإحصار

الفصل الأول: الفوات تمهيد معنى الفوات لغة واصطلاحاً الفوات لغة: مصدر فاته يفوته فواتا وفوتا، أي ذهب عنه، وخرج وقت فعله (¬1) الفوات اصطلاحاً: خروج العمل المطلوب شرعاً عن وقته المحدد له شرعاً (¬2) المبحث الأول: فوات الحج من فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج. الأدلة: أولاً: من السنة: عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي: ((أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر منادياً فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج)). (¬3). ثانيا: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬4)، وابن عبدالبر (¬5)، وابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7). المبحث الثاني: فوات العمرة العمرة لا يتصور فواتها باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11) وذلك لأن جميع الزمان وقت لها (¬12). المبحث الثالث: كيفية تحلل من فاته الحج. من فاته الحج لزمه الطواف والسعي وحلق الرأس أو تقصيره، وبذلك يتحلل من الحج، وهو مذهب الحنفية (¬13)، والمالكية (¬14)، والشافعية (¬15)، والحنابلة (¬16) وقول طائفة من السلف (¬17)، وحكى ابن قدامة الإجماع في ذلك (¬18). الدليل: ¬

(¬1) ((لسان العرب)) لابن منظور (فوت)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (فوت)، ((المصباح المنير)) للفيومي (فوت). (¬2) ((موسوعة الفقه الكويتية)) (32/ 211). (¬3) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: (صحيح ولم يخرجاه)، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (¬4) قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الوقوف بعرفة فرض، ولا حج لمن فاته الوقوف بها) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 57). (¬5) قال ابن عبدالبر: (وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة أبي أيوب إذ فاته الحج وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود إذ فاته الحج أيضاً، فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحد منهما أن يحل بعمل عمرة، ثم يحج من قابل ويهدي، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، وهذا أمر مجتمع عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة إلا يوم النحر) ((التمهيد)) (15/ 201). (¬6) قال ابن قدامة: (أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج. لا نعلم فيه خلافاً) ((المغني)) (3/ 454). (¬7) قال النووي: (فإذا أحرم بالحج فلم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج بالإجماع) ((المجموع)) (8/ 285). (¬8) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 62). (¬9) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 288). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455). (¬12) ((المجموع)) للنووي (8/ 288). (¬13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 220). (¬14) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 96). (¬15) ((المجموع)) للنووي (8/ 287). (¬16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 523)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 507). (¬17) قال النووي: (وهو مذهب عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس) ((المجموع)) (8/ 287). وقال ابن قدامة: (روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان بن الحكم) ((المغني)) (3/ 454). (¬18) قال ابن قدامة: (ولنا قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفاً؛ فكان إجماعاً) ((المغني)) (3/ 454).

عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬1). المبحث الرابع: حكم التحلل من فاته الحج فله الخيار إن شاء بقي على إحرامه للعام القابل، وإن شاء تحلل، والتحلل أفضل، وهو قول المالكية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره ابن عثيمين (¬4). لأن تطاول المدة بين الإحرام وفعل النسك لا يمنع إتمامه، كالعمرة، والمحرم بالحج في غير أشهره (¬5). المبحث الخامس: ما يلزم من فاته الحج المطلب الأول: القضاء الفرع الأول: حكم قضاء الحج الواجب من فاته الحج الواجب لزمه القضاء. الأدلة: أولاً: الإجماع: نقله الجصاص (¬6)، وابن رشد (¬7)، وبرهان الدين ابن مفلح (¬8)، وابن نجيم (¬9). ثانياً: أنه فرض ولم يأت به على وجهه، فلم يكن بد من الإتيان به ليخرج عن عهدته، وتسميته قضاء باعتبار الظاهر (¬10). مسألة: إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة بالإجماع (¬11). الفرع الثاني: حكم قضاء الحج النفل: ¬

(¬1) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290) (¬2) ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبدالبر (1/ 401)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95). ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 295) (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456). (¬4) قال ابن عثيمين: (إذا فاته الوقوف وطلع الفجر قبل أن يصل إلى عرفة تحلل بعمرة، أي: بقلب نية الحج إلى العمرة. فطاف وسعى وحلق أو قصر، وإن شاء أن يبقى على إحرامه إلى الحج القادم فله ذلك، ولكن سيختار الأول بلا شك، ... ولكن يقال: الأولى أن يتحلل؛ لأن ذلك أيسر وأسهل) ((الشرح الممتع)) (7/ 412). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 456). (¬6) قال الجصاص: (اتفاق الجميع أن على المريض القضاء إذا فاته الحج وإن كان معذورا في الفوات، كما يلزمه لو قصد إلى الفوات من غير عذر) ((أحكام القرآن)) (1/ 348). (¬7) قال ابن رشد: (لا خلاف أن من فاته الحج بعد أن شرع فيه إما بفوت ركن من أركانه وإما من قبل غلطه في الزمان أو من قبل جهله أو نسيانه أو إتيانه في الحج فعلاً مفسداً له، فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا) ((بداية المجتهد)) (1/ 370). (¬8) ((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191). (¬9) قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذرا أو تطوعا، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها الإجماع) ((البحر الرائق)) (3/ 61). (¬10) (المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح (3/ 191). (¬11) قال ابن قدامة: (إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة، لا نعلم في هذا خلافا؛ لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه، فكذلك قضاؤها؛ لأن القضاء يقوم مقام الأداء) ((المغني)) (3/ 455).

من فاته الحج النفل لزمه القضاء، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وحُكيَ فيه الإجماع (¬5). الأدلة: أولاً: من الكتاب: 1 - قال الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن الآية تقتضي إيجاب النسك بالدخول فيه، فيلزمه القضاء بالخروج منه قبل إتمامه (¬6). 2 - قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]. وجه الدلالة: أنه لما شرع وأحرم بالنسك صار ذلك واجباً، كأنما نذره نذرا، وهذا هو معنى قوله: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: 29] (¬7). ثانياً: إجماع الصحابة (¬8)، نقله الماوردي (¬9)، وابن قدامة (¬10). ومما ورد في الباب من الآثار: 1 - عن الأسود بن يزيد: ((أن رجلاً فاته الحج , فأمره عمر بن الخطاب أن يحل بعمرة , وعليه الحج من قابل)) (¬11)، وفي رواية: ((قال الأسود: مكثت عشرين سنة ثم سألت زيد بن ثابت عن ذلك؟ فقال: مثل قول عمر)). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬12). وجه الدلالة من هذه الآثار: أن عمومها يشمل الفرض والنفل (¬13). ثالثاً: أن الحج يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات (¬14). ¬

(¬1) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (2/ 82)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61). (¬2) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 96). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 285). (¬4) هذا المذهب، وعن أحمد رواية: (أنه لا قضاء عليه، بل إن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت. وروي هذا عن عطاء، وهو إحدى الروايتين عن مالك؛ لأنه لو وجب القضاء لكان الحج واجباً أكثر من مرة، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه، فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولأنها عبادة تطوع، فلم يجب قضاؤها، كسائر التطوعات) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 47)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524). (¬5) قال ابن نجيم: (لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذراً أو تطوعاً، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة، فدليلها الإجماع) ((البحر الرائق)) (3/ 61). ووصفه ابن رشد القول بعدم الوجوب بالشذوذ فقال: (شذ قوم فقالوا: لا هدي أصلاً ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب) ((بداية المجتهد)) (1/ 370). (¬6) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 348). (¬7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 413). (¬8) روي ذلك عن عمر، وابنه، وزيد، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم. ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 510). (¬9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455). (¬11) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3/ 633)، والبيهقي (5/ 175) (10107). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 346) (¬12) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290) (¬13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524). (¬14) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 455)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524).

رابعاً: أن المانع من إجزاء الحج شيئان: فوات وفساد، فلما كان الفساد موجباً للقضاء وجب أن يكون الفوات موجباً للقضاء (¬1). خامساً: أن الوقوف له وقت محدود يمكن في العادة أن لا يتأخر عنه، فتأخره يكون لجهله بالطريق أو بما بقي من الوقت أو لترك السير المعتاد، وكل ذلك تفريط منه، فيجب عليه القضاء لتفريطه (¬2). المطلب الثاني: الهدي من فاته الحج يلزمه هدي، وهو مذهب جمهور الفقهاء من: المالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة (¬5). الدليل: عن ابن عمر أنه قال ((من لم يدرك عرفة حتى طلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعاً، وليطوَّف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج من قابل فليحجج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)) (¬6). 3 - قول عمر لأبي أيوب لما فاته الحج: ((اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت، فإن أدركت الحج قابلاً فحج، وأهد ما تيسر من الهدي)) (¬7) ¬

(¬1) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 239). (¬2) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (26/ 229). (¬3) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 301). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 285). (¬5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 524). (¬6) رواه البيهقي (5/ 174) (10104) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 290) (¬7) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 562)، والبيهقي (5/ 174) (10105). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 291) وابن حجر في ((الدراية)) (2/ 46) وقال: إلا أنه اختلف فيه على سليمان بن يسار، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 428).

الفصل الثاني: الإحصار

الفصل الثاني: الإحصار تمهيد معنى الإحصار لغة واصطلاحاً: الإحصار في اللغة: المنع والحبس (¬1). وفي الاصطلاح: هو منع المحرم من إتمام أركان الحج أو العمرة (¬2) المبحث الأول: ما يكون به الإحصار المطلب الأول: الإحصار بالعدو الإحصار يحصل بالعدو: الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أن سبب نزول الآية هو صد المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت، وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص. كذلك فإن قوله تعالى بعد هذا: (فإذا أمنتم) يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو المحرم (¬3). ثانياً: من السنة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين أحصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلوا (¬4) ثالثاً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة (¬5)، وابن تيمية (¬6). المطلب الثاني: الإحصار بالمرض وغيره الإحصار يكون بالمرض وذهاب النفقة وغير ذلك، وهو مذهب الحنفية (¬7) ورواية عن أحمد (¬8)، وقول طائفة من السلف (¬9)، وهو قول ابن حزم (¬10) واختيار ابن تيمية (¬11) وابن القيم (¬12)، وابن باز (¬13) , وابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أنَّ لفظ الإحصار عام يدخل فيه العدو والمرض ونحوه. ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حصر) (¬2) ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 362). (¬3) انظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 75) (¬4) رواه البخاري (2731) بلفظ: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا +% D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%85%D8%A9+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85)) (¬5) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين، أو غيرهم، فمنعوه الوصول إلى البيت، ولم يجد طريقا آمنا، فله التحلل) ((المغني)) (3/ 326). (¬6) قال ابن تيمية: (فالمحصر بعدو له أن يتحلل باتفاق العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/ 227). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 175)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 58). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 331)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52). (¬9) قال ابن قدامة: (روي عن ابن مسعود، وهو قول عطاء، والنخعي، والثوري، وأبي ثور) ((المغني)) (3/ 331) (¬10) قال ابن حزم: (وأما الإحصار فإن كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته, قارناً كان, أو متمتعاً, من عدو, أو مرض, أو كسر, أو خطأ طريق, أو خطأ في رؤية الهلال, أو سجن, أو أي شيء كان: فهو مُحصَر) ((المحلى)) (7/ 203). (¬11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52). (¬12) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (5/ 317). (¬13) قال ابن باز: (أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو كالمرض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7). (¬14) قال ابن عثيمين: (والصحيح في هذه المسألة أنه إذا حصر بغير عدو فكما لو حصر بعدو؛ لعموم قول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ *البقرة: 196* أي عن إتمامهما، ولم يقيد الله تعالى الحصر بعدو) ((الشرح الممتع)) (7/ 418).

عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل)). قال عكرمة: سألت بن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق (¬1) ثالثا: أن المعنى الذي لأجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود كذلك في المرض (¬2). المبحث الثاني: أنواع الإحصار المطلب الأول: الإحصار عن الوقوف بعرفة اختلف الفقهاء فيمن أحصر عن الوقوف بعرفة دون البيت إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه ليس بمحصر، وهو مذهب الحنفية (¬3). ورواية عن أحمد (¬4)؛ لأنه إن قدر على الطواف له أن يتحلل به، فلا حاجة إلى التحلل بالهدي كفائت الحج (¬5). القول الثاني: يعتبر محصراً، ويتحلل بأعمال العمرة، وهو مذهب المالكية (¬6)، والشافعية (¬7). لأنه لما جاز أن يتحلل عن جميع الأركان كان إحلاله من بعضها أولى (¬8). القول الثالث: يتحلل بعمرة، ولا شيء عليه إن كان قبل فوات وقت الوقوف، وهو مذهب الحنابلة (¬9)، واختاره ابن عثيمين (¬10). لأنه يجوز لمن أحرم بالحج أن يجعله عمرة ولو بلا حصر، ما لم يقف بعرفة (¬11). المطلب الثاني: الإحصار عن طواف الإفاضة اختلف الفقهاء فيمن وقف بعرفة ثم أحصر عن البيت على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يكون محصرًا، وعليه القيام بأعمال الحج، ويظل محرماً في حق النساء حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا مذهب الحنفية (¬12)، والمالكية (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عبدالرحمن بن يعمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الحج عرفة)) (¬14). وجه الدلالة: ¬

(¬1) رواه أبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (5/ 198)، وابن ماجه (2515)، وأحمد (3/ 450) (15769)، والدارمي (2/ 85) (1894)، والحاكم (1/ 657)، والبيهقى (5/ 220) (10391). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/ 347): (صحيح ثابت)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 309)، وصححه ابن دقيق في ((الاقتراح)) (102)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2515)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (301) (¬2) ((المبسوط)) للسرخسي 4/ 193. (¬3) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 61)، ((الهداية شرح البداية)) للميرغناني (1/ 182)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329) .. (¬5) ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/ 454). (¬6) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 95)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95). (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349). (¬8) والفرق بين هذا القول والذي قبله- وإن تشابهت الصورة بينهما- أن النتيجة تختلف، فالحنفية يعتبرونه تحلل فائت حج، فلا يوجبون عليه دمًا، بينما يعتبره المالكية والشافعية تحلل إحصار، فعليه دم. ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 200). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 400). (¬10) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417). (¬11) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 417). (¬12) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/ 134). (¬13) ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 199)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) للدردير (2/ 95). (¬14) رواه الترمذي (889)، وابن خزيمة (4/ 257) (2822)، والحاكم (2/ 305). قال الترمذي: (حسن صحيح)، وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (3/ 638): (لا أشرف ولا أحسن من هذا)، وصححه النووي في ((المجموع)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))

أن المراد بكون الحج عرفة أنه الركن الذي إذا أدركه فقد أدرك الركن الذي يفوت الحج بفواته، ويسقط به الفرض (¬1). ثانياً: أنه لما وقف بعرفة فقد فعل ما له حكم الكل، وأمكنه التحلل بالحلق يوم النحر عن كل محظور سوى النساء، فلم يلزم امتداد الإحرام الموجب للحرج، ولم يبق عليه إلا الإفاضة التي يصح الإتيان بها في أي وقت من الزمان، ولا يعجز المحصر عن ساعة من ليل أو نهار يجد بها فرصة قدر الطواف مختفياً في زمان قدر شهر، والمنع من النساء في هذا المقدار لا يستلزم حرجاً يبيح الإحلال مطلقاً بغير الطريق الأصلي (¬2). القول الثاني: أنه يكون محصراً، ويتحلل، وهذا مذهب الشافعية في الأظهر (¬3). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196.] وجه الدلالة: أن عموم الآية يشمل من أحصر عن عرفة أو أحصر عن البيت (¬4). ثانياً: أنه إحرام تام، فجاز له التحلل منه قياساً على ما قبل الوقوف بعرفة (¬5). ثالثا: أنه لما جاز أن يتحلل بالإحصار من جميع الأركان، كان تحلله من بعضها أولى (¬6). القول الثالث: أنه إن أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة قبل رمي الجمرة فله التحلل، وإن أحصر عن طواف الإفاضة بعد رمي الجمرة فليس له أن يتحلل، وهذا مذهب الحنابلة (¬7). ودليلهم في التفريق: أن الإحصار كما يفيد عن جميع أعمال الحج فإنه يفيد عن بعض أركانه، لكن لم يحصل الإحصار بعد رمي جمرة؛ لأن إحرامه بعد الرمي إنما هو عن النساء، والشرع إنما ورد بالتحلل من الإحرام التام، الذي يحرم جميع محظوراته، فلا يثبت بما ليس مثله، فمتى ما زال الحصر أتى بالطواف، وقد تم حجه (¬8). المطلب الثالث: الإحصار عن واجب من واجبات الحج إذا أحصر عن واجب فلا يتحلل، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11)، والحنابلة (¬12)؛ لأنه يمكن جبره بالدم. المطلب الرابع: الإحصار عن العمرة يجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار، وهو مذهب الحنفية (¬13)، والشافعية (¬14)، والحنابلة (¬15)، وبعض المالكية (¬16). وحكى النووي الإجماع على ذلك (¬17). الأدلة: أولاً: من القرآن: - قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196] عقيب قوله عز وجل وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة: 196] فكان المراد منه فإن أحصرتم عن إتمامهما فما استيسر من الهدي (¬18). ثانياً: من السنة: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم حصروا بالحديبية، فحال كفار قريش بينهم وبين البيت، وكانوا معتمرين فنحروا هديهم وحلقوا رؤوسهم (¬19) ثالثاً: أن التحلل بالهدي في الحج لمعنى هو موجود في العمرة، وهو التضرر بامتداد الإحرام (¬20). ¬

(¬1) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 95). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 134)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60). (¬3) يعتبر محصراً، فيجب عليه أن يقف بعرفة ثم يتحلل، ويحصل تحلله بما يتحلل به المحصر، وهو الذبح والحلق بنية التحلل فيهما ولا قضاء عليه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349)، ((مغني المحتاج)) للرملي (1/ 533). (¬4) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349). (¬6) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 349). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329)، (الإنصاف) للمرداوي (4/ 50). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 329). (¬9) ((حاشية بن عابدين)) (2/ 593)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 60). (¬10) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 297). (¬11) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 533). (¬12) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 528). (¬13) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177). (¬14) ((المجموع)) للنووي (8/ 294)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 344). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 327). (¬16) كابن القاسم وابن الماجشون. ينظر ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 294). (¬17) قال النووي: (ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الاحصار بلا خلاف ودليل التحلل واحصار العدو نص القرآن والاحاديث الصحيحة المشهورة في تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وكانوا محرمين بعمرة وإجماع المسلمين على ذلك) ((المجموع)) للنووي (8/ 294). (¬18) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177). (¬19) رواه البخاري (2731) (¬20) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 177).

الفصل الثالث: التحلل من الإحصار

الفصل الثالث: التحلل من الإحصار تمهيد: حكمة مشروعية التحلل شرع الله التحلل لحاجة المحصر إليه، ورفعاً للحرج والضرر عنه، حتى لا يظل محرما إلى أن يندفع عنه المانع من إتمام الحج أو العمرة (¬1). المبحث الأول: كيفية تحلل المحصر المطلب الأول: نية التحلل اختلف الفقهاء في نية التحلل للمحصر إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: تشترط نية التحلل عند ذبح الهدي وهو مذهب الشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الأدلة: أولاً: من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬4). ثانياً: لأنه يريد الخروج من العبادة قبل إكمالها، فافتقر إلى قصده، ولأن الذبح قد يكون لغير الحل، فلم يتخصص إلا بقصده (¬5). القول الثاني: نية التحلل وحدها هي ركن التحلل، وهو مذهب المالكية (¬6). القول الثالث: التحلل معلق ببعث الهدي إلى الحرم وذبحه على إرادة التحلل، وهو مذهب الحنفية (¬7). الدليل: قوله تعالى وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: منعه الإحلال مع وجود الإحصار إلى وقت بلوغ الهدى محله، وهو ذبحه في الحرم (¬8). المطلب الثاني: ذبح هدي الإحصار الفرع الأول: مكان ذبح هدي الإحصار المحصر يذبح الهدي في المكان الذي أحصر فيه، سواء كان في الحل أو في الحرم، وهو مذهب المالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، ورواية عند الحنابلة (¬11)، وهو قول أكثر أهل العلم (¬12)، واختيار ابن باز (¬13)، وابن عثيمين (¬14). الأدلة: أولاً: من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية حيث أحصر، وهي خارج الحرم. ثانياً: لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل، لتعذر وصول الهدي إلى محله (¬15). الفرع الثاني: زمان ذبح هدي الإحصار ¬

(¬1) قال الشافعي في حكمة مشروعية التحلل: (جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة وجعل التحلل للمحصر رخصة) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 3). وقال الكاساني: (المحصر محتاج إلى التحلل لأنه منع عن المضي في موجب لإحرام على وجه لا يمكنه الدفع، فلو لم يجز له التحلل لبقي محرماً لا يحل له ما حظره الإحرام إلى أن يزول المانع، فيمضي في موجب الإحرام، وفيه من الضرر والحرج ما لا يخفى، فمست الحاجة إلى التحلل والخروج من الإحرام دفعاً للضرر والحرج، وسواء كان الإحصار عن الحج أو عن العمرة أو عنهما عند عامة العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/ 177). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 304)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534). (¬3) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 307)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330). (¬4) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية). (¬5) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330). (¬6) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 94). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 178). (¬8) ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 336). (¬9) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 294)، ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 195). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 298 - 299). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 327). (¬12) قال البغوي: (والهدايا كلها يختص ذبحها بالحرم، إلا هدي المحصر، فإن محل ذبحه حيث يحصر عند اكثر أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/ 285). (¬13) قال ابن باز: (يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه، سواء كان في الحرم أو في الحل، ويعطيها للفقراء في محله ولو كان خارج الحرم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7). (¬14) قال ابن عثيمين: (يذبحه عند الإحصار، وفي مكان الإحصار، ودليل ذلك قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ *البقرة: 196*) ((الشرح الممتع)) (7/ 182). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 328).

زمان ذبح الهدي هو مطلق الوقت، ولا يتوقت بيوم النحر، بل أي وقت شاء المحصر ذبح هديه، وهو مذهب جمهور الفقهاء من: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). الدليل: قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]. وجه الدلالة: أنه أطلق عندما ذكر الهدي ولم يوقته بزمان، والتقييد بالزمان نسخ أو تخصيص لنص الكتاب القطعي، وهذا لا يجوز إلا بدليل، وأيضا قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196] والمراد بمحله للعمرة هو الحرم دون الوقت، فصار كالمنطوق به فيه، فاقتضى ذلك جواز ذبحه في الحرم أي وقت شاء في العمرة، فكذلك هو للحج. (¬4) الفرع الثالث: العجز عن الهدي اختلف الفقهاء فيما إذا عجز المحصر عن الهدي هل عليه بدل، إلى أقوال، منها: القول الأول: أن من لم يجد الهدي ليس عليه بدل، وله أن يتحلل، وهو قول عند الشافعية (¬5)، واختاره ابن عثيمين (¬6). وذلك للآتي: أولا: لما سكت الله عزّ وجل عن الصيام في الإحصار، وأوجبه في التمتع لمن عدم الهدي، دل على أن من لم يجد الهدي من المحصرين ليس عليه شيء، فيحل بدون شيء. ثانيا: أن الظاهر من حال كثير من الصحابة رضي الله عنهم أنهم فقراء، ولم ينقل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالصيام، والأصل براءة الذمة (¬7). القول الثاني: من لم يجد الهدي يلزمه أن يصوم عشرة أيام ثم يحل، وهو مذهب الحنابلة (¬8)، وأشهب من المالكية (¬9)، وقول عند الشافعية (¬10)، واختاره ابن باز (¬11). الدليل: أولاً: القياس: لأنه دم واجب للإحرام، فكان له بدل، كدم التمتع والطيب واللباس، ويتعين الانتقال إلى صيام عشرة أيام، كبدل هدي التمتع (¬12). ثانياً: المحصر ليس له أن يتحلل إلا بعد الصيام، كما لا يتحلل واجد الهدي إلا بنحره (¬13). الفرع الرابع: ما يجب من الهدي على المحصر القارن اختلف الفقهاء فيما يجب على المحصر القارن من الهدي إلى قولين: القول الأول: يجب على المحصر القارن هدي واحد، وهو مذهب الشافعية (¬14)، والحنابلة (¬15). وذلك لأنه محرم بإحرام واحد ويدخل إحرام العمرة في الحجة، فيكفيه دم واحد (¬16). القول الثاني: المحصر القارن عليه هديان، وهو مذهب الحنفية (¬17)،وذلك لأنه محرم بإحرامين فلا يحل إلا بهديين (¬18). المطلب الثالث: الحلق أو التقصير ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 180)، وهذا قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: (إن المحصر عن الحج لا يذبح عنه إلا في أيام النحر). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 304). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 328). (¬4) (أحكام القرآن)) للجصاص (1/ 342). (¬5) ((المجموع)) للنووي (8/ 299). (¬6) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 184). (¬7) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 184). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455). (¬9) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 189). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 299). (¬11) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 7). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 455). (¬13) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330). (¬14) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534). (¬15) ((الإقناع)) للحجاوي (1/ 399). (¬16) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179). (¬17) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179). (¬18) ((بدائع الصنائع)) (2/ 179).

الحلق أو التقصير واجب لتحلل المحصر من الإحرام، وهو مذهب المالكية (¬1)، والأظهر عند الشافعية (¬2)، وقول عند الحنابلة (¬3)، ورواية عن أبي يوسف (¬4) واختاره الطحاوي (¬5)، والشنقيطي (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الدليل: فعله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فإنه حلق، وأمر أصحابه أن يحلقوا (¬9) المبحث الثاني: اشتراط التحلل من الإحصار المطلب الأول: ما يلزم المحصر إذا اشترط من اشترط قبل حجه وعمرته فإن أحصر تحلل ولم يلزمه شيء مطلقاً، وهو مذهب الحنابلة (¬10)، والأصح من مذهب الشافعية (¬11)، واختيار ابن باز (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني)) (¬14). وجه الدلالة: أنه لما أمرها بالاشتراط أفاد شيئين: أحدهما، أنه إذا عاقها عائق من عدو، أو مرض، أو ذهاب نفقة، ونحو ذلك، أن لها التحلل. والثاني، أنه متى حلت بذلك، فلا دم عليها ولا صوم (¬15). ثانياً: الآثار عن السلف: ¬

(¬1) ((المدونة)) لسحنون (1/ 398)، ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 313). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 286)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 534). (¬3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 526)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330). (¬4) ((شرح مختصر الطحاوي)) (2/ 577 - 578). (¬5) قال الطحاوي: (وإذا كان حكمه في وقت الحلق عليه , وهو محصر , كحكمه في وجوبه عليه , وهو غير محصر , كان تركه إياه أيضا وهو محصر, كتركه إياه وهو غير محصر. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ما قد دل على أن حكم الحلق باق على المحصرين , كما هو على من وصل إلى البيت) ((شرح معاني الآثار)) (2/ 252). (¬6) قال الشنقيطي: (الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل: هو ما ذهب إليه مالك وأصحابه من لزوم الحلق). ((أضواء البيان)) (1/ 86). (¬7) قال ابن باز: (والصواب أن الإحصار يكون بالعدو، ويكون بغير العدو كالمرض، فيهدي ثم يحلق أو يقصر ويتحلل، هذا هو حكم المحصر) ((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) (18/ 7). (¬8) قال ابن عثيمين بعد ذكره للحديث: (ففي هذا الحديث دليل على وجوب الحلق، وإن لم يكن مذكوراً في القرآن، لكن جاءت به السنة، والسنة تكمل القرآن) ((الشرح الممتع)) (7/ 183). (¬9) الحديث رواه البخاري (2731) بلفظ: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا +% D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%8A%D8%A9+-+%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%A9+-+%D9%85%D9%86+%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%88%D8%B1+%D8%A8%D9%86+%D9%85%D8%AE%D8%B1%D9%85%D8%A9+%D9%88+%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%86+%D8%A8%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85)) (¬10) (( المغني)) (3/ 265). (¬11) ((المجموع)) (8/ 310). (¬12) قال ابن باز: (لكن إذا كان المحصر قد قال في إحرامه: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني حل، ولم يكن عليه شيء لا هدي ولا غيره) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 10). (¬13) قال ابن عثيمين: (فإذا كان قد اشترط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك، قلنا له: حلَّ بلا شيء) ((الشرح الممتع)) (7/ 73). (¬14) رواه البخاري (5089)، ومسلم (1207) (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 265) ..

1 - عن سويد بن غفلة قال: ((قال لي عمر: يا أبا أمية، حج واشترط، فإن لك ما شرطت، ولله عليك ما اشترطت)) (¬1). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة: ((هل تستثني إذا حججت؟ فقال: ماذا أقول؟ قالت: قل: اللهم الحج أردت وله عمدت، فإن يسرته فهو الحج، وإن حبسني حابس فهو عمرة)) (¬2) المطلب الثاني: حكم المحصر إذا وقع في بعض محظورات الإحرام قبل التحلل: إذا لم يتحلل المحصر، ووقع في بعض محظورات الإحرام فإنه يجب عليه من الجزاء ما يجب على المحرم غير المحصر، باتفاق المذاهب الأربعة: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). الدليل: عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: ((أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم. قال: فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)) (¬7). وكان ذلك بعد الإحصار. المطلب الثالث: القضاء على من أحصر من تحلل بالإحصار فليس عليه القضاء (¬8)، وهو مذهب المالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، واختاره ابن باز (¬12)، وابن عثيمين (¬13). الأدلة: أولاً: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [] البقرة: 196 [] وجه الدلالة: أن الله تعالى ذكر الهدي والحلق ولم يذكر شيئاً سوى ذلك؛ فدل على أنه لا قضاء على المحصر (¬14). ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين أحصروا في غزوة الحديبية أن يقضوا تلك العمرة التي أحصروا عنها (¬15). ¬

(¬1) رواه الشافعي في ((الأم)) (7/ 200)، والبيهقي (5/ 222) (10411) وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (8/ 309) (¬2) رواه البيهقي (5/ 223) (10414). (¬3) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 178). (¬4) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 304 - 305). (¬5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 356). (¬6) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 330)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 527). (¬7) رواه البخاري (4190)، ومسلم (1201) (¬8) لكن يبقى وجوب أداء الحج في ذمته؛ إن لم يكن حج حجة الإسلام، ويؤديها على الفور حال استطاعته. (¬9) ((التمهيد)) لابن عبدالبر (15/ 195). (¬10) ((المجموع)) للنووي (8/ 306). (¬11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 52)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 523). (¬12) قال ابن باز: (الذي أحرم بالحج أو العمرة ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي يبقى على إحرامه إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريبا ... وإن لم يتيسر ذلك وشق عليه المقام تحلل من هذه العمرة أو الحج إن كان حاجًّا، ولا شيء عليه سوى التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية، ثم الحلق أو التقصير كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الحديبية، وبذلك يتحلل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 9)، وقال في موضع آخر: (لا يلزم القضاء للمحصر) نقلاً عن كتاب ((اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية)) لخالد بن مفلح (2/ 1070). (¬13) قال ابن عثيمين: (إن كانت هذه الحجة هي الفريضة، أداها فيما بعد بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول الراجح) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 356). (¬14) قال ابن عثيمين: (إن كانت هذه الحجة هي الفريضة، أداها فيما بعد بالخطاب الأول لا قضاء، وإن كانت غير الفريضة فإنه لا شيء عليه على القول الراجح) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (24/ 356). (¬15) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/ 434).

الباب السادس عشر: أحكام الأضحية

الفصل الأول: تعريف الأضحية ومشروعيتها وفضلها وحكمتها المبحث الأول: تعريف الأضحية الأضحية لغةً: اسمٌ لما يضحَّى بها أي: يذبح أيام عيد الأضحى، وجمعها: الأضاحي (¬1). الأضحية اصطلاحاً: ما يذبح من بهيمة الأنعام في يوم الأضحى إلى آخر أيام التشريق تقربا إلى الله تعالى (¬2). المبحث الثاني: مشروعية الأضحية أجمع أهل العلم على مشروعيتها، ونقل ذلك: ابن قدامة (¬3)، وابن دقيق العيد (¬4)، وابن حجر (¬5)، والشوكاني (¬6)، والشنقيطي (¬7)، وابن عثيمين (¬8). المبحث الثالث: فضل الأضحية أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]. وجه الدلالة: ¬

(¬1) أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: 103). قال ابن فارس: (الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على بُروز الشيء. فالضَّحَاء: امتداد النَّهار، وذلك هو الوقت البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطعام الذي يُؤكل في ذلك الوقت ضَحاء ... ويقال ضحِي الرَّجلُ يَضْحَى، إذا تعرَّضَ للشَّمْس، وضَحَى مثلُهُ. ويقال اضْحَ يا زيد، أي ابرُزْ للشَّمْس ... وإِنما سُمِّيت بذلك لأنَّ الذّبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلاَّ في وقت إشراق الشَّمس. ويقال ليلَةٌ إِضحيَانةٌ وضَحْيَاءُ، أي مضيئةٌ لا غيمَ فيها) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: ضحي). وقال الخطيب الشربيني: (مشتقةٌ من الضحوة؛ وسميت بأول زمان فعلها، وهو الضحى) ((مغني المحتاج)) (4/ 282). (¬2) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 505)، ((مغني المحتاج)) (4/ 282)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 530). (¬3) قال ابن قدامة: (أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية). ((المغني)) لابن قدامة (9/ 435). (¬4) قال ابن دقيق العيد: (لا خلاف أن الأضحية من شعائر الدين)). ((إحكام الأحكام)) (ص: 482). (¬5) قال ابن حجر: (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين)). ((فتح الباري لابن حجر)) (10/ 3). (¬6) قال الشوكاني: (لا خلاف في مشروعية الأضحية وأنها قربة عظيمة وسنة مؤكدة). ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 715). (¬7) قال الشنقيطي: (أجمع جميع المسلمين على مشروعية الأضحية). ((أضواء البيان)) (5/ 198). (¬8) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 194).

أن الأضحية من شعائر الله تعالى ومعالمه (¬1). ثانياً: من السنة: عن البراء رضي الله عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين)) (¬2). ثالثاً: أن الذبح لله تعالى والتقرب إليه بالقرابين من أعظم العبادات، وأجل الطاعات، وقد قرن الله عز وجل الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه العظيم لبيان عظمه وكبير شأنه وعلو منزلته (¬3). المبحث الرابع: حكمة مشروعيتها شكر لله تعالى على نعمة الحياة. إحياء سنة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز اسمه بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر، وأن يتذكر المؤمن أن صبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارهما طاعة الله ومحبته على محبة النفس والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء، فإذا تذكر المؤمن ذلك اقتدى بهما في الصبر على طاعة الله وتقديم محبته عز وجل على هوى النفس وشهوتها. أن في ذلك وسيلة للتوسعة على النفس وأهل البيت، وإكرام الجار والضيف، والتصدق على الفقير، وهذه كلها مظاهر للفرح والسرور بما أنعم الله به على الإنسان، وهذا تحدث بنعمة الله تعالى كما قال عز اسمه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11]. أن في الإراقة مبالغة في تصديق ما أخبر به الله عز وجل من أنه خلق الأنعام لنفع الإنسان، وأذن في ذبحها ونحرها لتكون طعاما له (¬4). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: إنها من أعظم شعائر الإسلام وهي النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون بالصلاة في قوله: إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الأنعام: 162* وقد قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *الكوثر: 2*. فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة. وقد قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ *الحج: 34* وقال: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *الحج: 36* لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ *الحج: 37* وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته وبها يذكر قصة الذبيح فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين. وقد قالوا إن الحج كل عام فرض على الكفاية؛ لأنه من شعائر الإسلام والضحايا في عيد النحر كذلك بل هذه تفعل في كل بلد هي والصلاة فيظهر بها عبادة الله وذكره والذبح له والنسك له ما لا يظهر بالحج كما يظهر ذكر الله بالتكبير في الأعياد. ((مجموع الفتاوى)) (23/ 162، 163). (¬2) رواه البخاري (5556)، ومسلم (1961). (¬3) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (69/ 211). (¬4) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/ 76).

الفصل الثاني: حكم الأضحية، وطريقة تعيينها

الفصل الثاني: حكم الأضحية، وطريقة تعيينها المبحث الأول: حكم الأضحية اختلف أهل العلم في حكم الأضحية على قولين: القول الأول: الأضحية سنة مؤكدة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: المالكية في المشهور (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف (¬5)، واختارهابن المنذر (¬6)، والصنعاني (¬7)، وابن باز (¬8)، واللجنة الدائمة (¬9)، وبه قال أكثر أهل العلم (¬10). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا)) (¬11). وجه الدلالة: أنه علق الأضحية بالإرادة، والواجب لا يعلق بالإرادة (¬12). ¬

(¬1) ((الكافي)) لابن عبدالبر (1/ 418)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/ 459)، ((مواهب الجليل)) (4/ 362). (¬2) ((الحاوي الكبير)) (15/ 161)، ((المجموع)) للنووي (8/ 382). (¬3) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 435)، ((كشاف القناع)) (3/ 21). (¬4) ((المحلى)) (7/ 355، 358 رقم 973)، ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110). (¬5) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 2)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 506). (¬6) ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 435). (¬7) قال الصنعاني: ( ... الروايات عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة دالة على أنها سنة) ((سبل السلام)) (4/ 92). (¬8) قال ابن باز: (الأضحية سنة مؤكدة إلا إذا كانت وصية، فإنه يجب تنفيذها) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 41). (¬9) قالت اللجنة الدائمة: (تسن الأضحية بالنسبة للمكلف المستطيع) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/ 394). (¬10) قال الترمذي: (العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يعمل بها، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك). ((سنن الترمذي)) (4/ 92) وقال ابن حزم: (صح أن الأضحية ليست واجبة عن سعيد بن المسيب والشعبي وأنه قال: (لأن أتصدق بثلاثة دراهم أحب إلي من أن أضحي)، وعن سعيد بن جبير, وعن عطاء, وعن الحسن, وعن طاووس, وعن أبي الشعثاء جابر بن زيد وروي أيضا، عن علقمة, ومحمد بن علي بن الحسين، وهو قول سفيان, وعبيد الله بن الحسن, والشافعي, وأحمد بن حنبل, وإسحاق, وأبي سليمان، وهذا مما خالف فيه الحنفيون جمهور العلماء. ((المحلى)) (7/ 358 رقم 973). وقال ابن قدامة: (روي ذلك عن أبي بكر وعمر وبلال وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 435). وقال النووي: (فقال جمهورهم: هي سنة فى حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم ولم يلزمه القضاء وممن قال بهذا أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدرى وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف واسحاق وأبو ثور والمزنى وابن المنذر وداود وغيرهم). ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110). (¬11) رواه مسلم (1977). (¬12) قال الشافعي: في هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأراد أحدكم أن يضحي)) ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول: فلا يمس من شعره حتى يضحي. ((معرفة السنن والآثار)) (14/ 15)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) (15/ 72)، ((المحلى)) (7/ 355 رقم 973)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 436).

2 - عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به ليضحي به. فقال لها: يا عائشة هلمي المدية. ثم قال: اشحذيها بحجر. ففعلت: ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: باسم الله. اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد. ثم ضحى به)) (¬1). وجه الدلالة: أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله تجزئ عن كل من لم يضح، سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن (¬2). ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: عن حذيفة بن أسيد قال: ((لقد رأيت أبا بكر وعمر رضى الله عنهما وما يضحيان عن أهلهما خشية أن يستن بهما فلما جئت بلدكم هذا حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت السنة)) (¬3) (¬4). قال عكرمة: ((كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما، ويقول: من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس)) (¬5). عن تميم بن حويص يعنى المصري قال: (اشتريت شاة بمنى أضحية فضلت فسألت ابن عباس رضى الله عنهما عن ذلك فقال: لا يضرك) (¬6) عن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي) (¬7) وفي رواية: ((لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب)) (¬8). عن سويد بن غفلة قال: ((قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك, ولأنْ آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مقتر فهو أحب إلي من أن أضحي)) (¬9). ثالثاً: أنها أضحية لا تجب على المسافر فلم تجب على الحاضر (¬10). رابعاً: أنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة، كالعقيقة (¬11). ¬

(¬1) رواه مسلم (1967). (¬2) ((الدراري المضية شرح الدرر البهية)) (2/ 344)،أضواء البيان (5/ 204). (¬3) قال ابن عبدالبر: (وهذا أيضا محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها للمواظبة عليها أنها واجبة فرضا وكانوا أئمة يقتدى بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم)). ((التمهيد)) (23/ 194، 195)، ((تفسير القرطبي)) (15/ 108). (¬4) رواه الطبراني (3/ 182) (3058)، والبيهقي (9/ 265) (19508) واللفظ له. وجوّد إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 352)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 21): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 355). (¬5) رواه البيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (14/ 15)، وقال: قال الشافعي: (وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة، وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر، ولا يعدو القول في الضحايا هذا، أو أن تكون واجبة فهي على كل أحد لا تجزئ غير شاة عن كل أحد). (¬6) رواه البيهقي (9/ 289) (19670) (¬7) رواه البيهقي (9/ 265) (19511)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 355). (¬8) رواه البيهقي (9/ 265) (19512). (¬9) رواه عبدالرزاق (4/ 385) (¬10) ((الحاوي الكبير)) (15/ 72). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 436).

القول الثاني: أن الأضحية واجبة على الموسر وهذا مذهب الحنفية (¬1)، وهو قول للمالكية (¬2)،وقول مخرج في مذهب الحنابلة (¬3)،وبه قال طائفة من السلف (¬4) واختاره ابن تيمية (¬5) والشوكاني (¬6)، واستظهره ابن عثيمين (¬7) الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله عز وجل فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]. وجه الدلالة: أن المراد بالنحر ذبح الأضحية (¬8)، والأصل في الأمر الوجوب، ومتى وجب على النبي عليه الصلاة والسلام يجب على الأمة لأنه قدوة للأمة (¬9). أحكام القرآن لابن العربي (ص120). ثانياً: من السنة: 1 - عن جندب بن سفيان البجلي قال: ((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحية ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله)) (¬10). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الذبح، ولولا أنه واجبٌ لما أمر بذلك (¬11). 2 - عن البراء بن عازب، قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، فقال: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب سنة المسلمين، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت، وأكلت، وأطعمت أهلي، وجيراني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم قال: فإن عندي عناق جذعة هي خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك)) (¬12). وجه الدلالة: أن قوله: ((ولن تجزي عن أحد بعدك)) أي لن تقضي، والقضاء لا يكون إلا عن واجب فقد اقتضى ذلك الوجوب (¬13). المبحث الثاني: حكم الأضحية المنذورة ¬

(¬1) ((العناية شرح الهداية)) (9/ 506)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 506). (¬2) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/ 459)، ((تفسير القرطبي)) (15/ 109). (¬3) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 163). (¬4) قال ابن حزم: ((وممن روينا عنه إيجاب الأضحية: مجاهد, ومكحول. وعن الشعبي: لم يكونوا يرخصون في ترك الأضحية إلا لحاج, أو مسافر)). ((المحلى)) (7/ 358). وقال ابن قدامة: (وقال ربيعة ... والثوري والأوزاعي والليث ... هي واجبة) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 435). (¬5) قال ابن تيمية: (وأما الأضحية فالأظهر وجوبها أيضا فإنها من أعظم شعائر الإسلام وهي النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون بالصلاة) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/ 162). (¬6) قال الشوكاني: (ويعرف أن الحق ما قاله الأقلون من كونها واجبة ولكن هذا الوجوب مقيد بالسعة فمن لا سعة له لا أضحية عليه). ((السيل الجرار)) للنووي (8/ 383). (¬7) قال ابن عثيمين: (فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة) ((الشرح الممتع)) (7/ 422). (¬8) فهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وعطاء، ومجاهد، قال ابن كثير: (المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا كانرسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه، ويقول: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له»).تفسير ابن كثير (8/ 503)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (69/ 218). (¬9) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 62). (¬10) رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960). (¬11) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 3)، ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (ص: 715) .. (¬12) رواه البخاري (5556)، ومسلم (1961). (¬13) ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/ 87).

من نذر أن يضحي، فإنه يجب عليه الوفاء بنذره سواء كان النذر لأضحية معينة أو غير معينة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الدليل: عن عائشة، رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)) (¬5). وجه الدلالة: أن التضحية قربة لله تعالى فتلزم بالنذر كسائر القرب. هل تتعين الأضحية بالنية مع الشراء أو بالقول أو بالذبح؟ المبحث الثالث: بم يحصل تعيين الأضحية؟ اختلف الفقهاء في السبب الذي يحصل به تعيين الأضحية على ثلاثة أقوال: القول الأول: تتعين الأضحية بالقول كأن يقول هذه أضحية، وهذا مذهب الشافعية (¬6)، والحنابلة (¬7)، واختاره ابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا تؤثر فيه النية المقارنة للشراء كالعتق والوقف (¬9). ثانياً: أن الشراء موجب للملك وكونها أضحية مزيل للملك، ولا يصح أن يكون الشيء الواحد في حالة واحدة موجبا لثبوت الملك وإزالته، فلما أفاد الشراء ثبوت الملك امتنع أن يزول به الملك (¬10). القول الثاني: تتعين الأضحية بشراء الأضحية مع أالنية، وهو مذهب الحنفية (¬11)،وقول للحنابلة (¬12)، وبه قال ابن القاسم من للمالكية (¬13)، واختاره ابن تيمية (¬14)، واللجنة الدائمة (¬15). الأدلة: أولاً: من السنة: 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى)) (¬16). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 199). (¬2) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 125)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 354). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 423)، ((روضة الطالبين)) (3/ 208)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 283). (¬4) (مطالب أولي النهى)) (2/ 480)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 444). (¬5) رواه البخاري (6696). (¬6) ((الأم)) للشافعي (2/ 223)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 99)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 283). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 10)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 64)، (¬8) يفرق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بين الهدي والأضحية: فالهدي عنده يتعين بالقول وبالفعل مع النية، أما الأضحية فتتعين بالقول فقط؛ لأنه لا فعل خاص بها من الإشعار والتقليد. ((الشرح الممتع)) (7/ 467،468). (¬9) فلو اشترى إنسان عبدا ليعتقه في كفارة أو غيرها فإنه لا يعتق بمجرد الشراء، وكذا لو اشترى بيتا ليوقفه فإنه لا يكون وقفا بمجرد الشراء حتى يفعل ما يختص بهذا الشيء. ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (5/ 117)، ((الشرح الممتع)) (7/ 468). (¬10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 100). (¬11) من الحنفية من من يخص الفقير بحصول التعيين بالشراء مع النية؛ لأنها لا تجب عليه شرعا فتعينت بالشراء مع النية، فهو كالنذر بالتضحية، ومنهم من يسوي في ذلك بين الغني والفقير. ((المبسوط)) للسرخسي (12/ 12)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 68)، الهداية شرح البداية (4/ 74)، ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 6). (¬12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 559)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 65). (¬13) ((أحكام القرآن)) لابن العربي (4/ 459). (¬14) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 65). (¬15) نص فتوى اللجنة الدائمة: (الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها، فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعا لها). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (11/ 402). (¬16) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية).

2 - عن أبي حصين أن ابن الزبير رأى هدياً له فيه ناقة عوراء فقال: إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها. ثانياً: أن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود كمن بنى مسجدا، وأذن في الصلاة (¬1). ثالثاً: أنه مأمور بشراء أضحية، فإذا اشتراها بالنية وقعت عنه كالوكيل (¬2). القول الثالث: لا تتعين الأضحية إلا بالذبح، وهذا مذهب المالكية في المشهور (¬3)، واختاره الشوكاني (¬4). دليل ذلك: أنه ليس في اعتبار تعيين الأضحية بمجرد الشراء بالنية دليل يقوم به الحجة، والظاهر أنه إذا ذبحه بنية الأضحية وفى بما عليه وصار فاعلاً لما شرعه الله تعالى لعباده من الضحايا (¬5). ¬

(¬1) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 559). (¬2) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 559). (¬3) ((القوانين الفقهية)) (ص: 127)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 574) (¬4) قال الشوكاني: (ليس في مصير الأضحية أضحية بمجرد الشراء بالنية دليل يقوم به الحجة، ويجب المصير إليه والعمل به، قال: والظاهر أنه إذا ذبحه بنية الأضحية وفى بما عليه وصار فاعلاً لما شرعه الله تعالى لعباده من الضحايا). ((السيل الجرار المتدفق)) (ص: 719، 720) , ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (5/ 117). (¬5) ((السيل الجرار المتدفق)) (ص: 719، 720) , ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (5/ 117).

الفصل الثالث: شروط صحة الأضحية

الفصل الثالث: شروط صحة الأضحية المبحث الأول: الشرط الأول: أن تكون من الأنعام؛ وهي الإبل والبقر والغنم يشترط أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام؛ وهي الإبل والبقر والغنم. الأدلة: أولاً: من القرآن: قال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28] ثانياً: من السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه سلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويسمي ويكبر ويضع رجله على صفاحهما)) (¬1). عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة (¬2) إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) (¬3) .. ثالثاً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬4)، وابن رشد (¬5)، والنووي (¬6)،والصنعاني (¬7). المبحث الثاني: الشرط الثاني: أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعا يشترط في الأضحية أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعا، فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن، ولا بما دون الجذعة من الضأن. الأدلة: عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) (¬8). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك: ابن عبدالبر (¬9)،والنووي (¬10)، والشنقيطي (¬11)، وحكاه ابن حزم في إجزاء الثني من المعز (¬12)، والترمذي في إجزاء الضأن من الجذع (¬13). مطلب: معنى الثني من الإبل والبقر والغنم، والجذع من الضأن ¬

(¬1) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966). (¬2) المسنة: هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها. ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 114)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/ 113). (¬3) رواه مسلم (1963). (¬4) قال ابن عبدالبر: (والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر) ((التمهيد)) (23/ 188). (¬5) قال ابن رشد: (أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام، واختلفوا في الأفضل من ذلك) ((بداية المجتهد)) (1/ 430). (¬6) قال النووي: (فشرط المجزئ في الأاضحية أن يكون من الانعام وهي الإبل والبقر والغنم سواء في ذلك جميع أنواع الإبل من البخاتي والعراب وجميع أنواع البقر من الجواميس والعراب والدربانية وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما) ((المجموع)) للنووي (8/ 393). (¬7) قال الصنعاني: (أجمع العلماء على جواز التضحية من جميع بهيمة الأنعام) ((سبل السلام)) (4/ 95). (¬8) رواه مسلم (1963). (¬9) قال ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافا أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعدا ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة) ((التمهيد)) (23/ 188). وقال: (وأما الأضحية بالجذع من الضأن فمجتمع عليها عند جماعة الفقهاء) ((التمهيد)) (23/ 188). (¬10) قال النووي: (أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز الا الثني ولا من الضأن الا الجذع) ((المجموع)) (8/ 394). (¬11) قال الشنقيطي: (الأضحية لا تكون إلا بمسنة، وأنها إن تعسرت فجذعة من الضأن، فمن ضحى بمسنة، أو بجذعة من الضأن عند تعسرها فضحيته مجزئة إجماعا) ((أضواء البيان)) (5/ 209). (¬12) قال ابن حزم: (اتفقوا أن الثني من الضأن فصاعداً إذا كان سليما من كل عيب ونقص مذ سمي للتضحية إلى أن يتم موته بالذبح أنه يجزىء في الأضحية) ((مراتب الإجماع)) (ص 153). (¬13) قال أبو عيسى الترمذي: (العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزي في الأضحية) (سنن الترمذي) (4/ 87).

الثني من الإبل ما أتم خمس سنين، ومن البقر ما أتم سنتين، ومن المعز ما أتم سنة، والجذع من الضأن ما أتم ستة أشهر، نص على هذا التفصيل: فقهاء الحنفية (¬1) والحنابلة (¬2)، واختاره ابن عثيمين (¬3)، وأفتت به اللجنة الدائمة (¬4). المبحث الثالث: الشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء يشترط في الأضحية السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، فلا تجزئ التضحية بالعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) (5/ 70)، ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 7). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 440). (¬3) ((الشرح الممتع)) (7/ 425). (¬4) قالت اللجنة الدائمة: (لا يجزئ من الضأن في الأضحية إلا ماكان سنه ستة أشهر ... ولا يجزئ من المعز والبقر والإبل إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكرا أم أنثى، وهي من المعز ما بلغت سنة، ودخلت في الثانية، ومن البقر ما أتمت سنتين ودخلت في الثالثة، ومن الإبل ما أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة) ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى)) (11/ 414 - 415). (¬5) فائدة: قال ابن عثيمين: (تقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما دلت السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، أما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية. الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولا أو شق عرضا، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة؛ لوجود الحديث الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف. الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره التضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيبا، مثل العوراء التي عورها غير بين، ومثل مكسورة السن في غير الثنايا وما أشبه ذلك، ومثل العرجاء عرجا يسيرا، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة). ((الشرح الممتع)) (7/ 440).

عن البراء بن عازب قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بأصابعه وأصابعي أقصر من أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه يقول: لا يجوز من الضحايا العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء (¬1) التي لا تُنْقي (¬2))) (¬3). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬4)، وابن رشد (¬5)،وابن قدامة (¬6)، والنووي (¬7) وابن حزم (¬8). المبحث الرابع: الشرط الرابع: أن تكون التضحية في وقت الذبح (ينظر أول وقت التضحية وآخر وقتها) المبحث الخامس: الشرط الخامس: نية التضحية يشترط على المضحي أن ينوي بها التضحية، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬9)، والمالكية (¬10)، والشافعية (¬11) والحنابلة (¬12). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬13). ثانياً: أن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة والفعل لا يقع قربه بدون النية (¬14). ¬

(¬1) العجفاء: المهزولة لسان العرب (مادة: حدبر، صفر)، ((مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (5/ 98). (¬2) لا تُنْقي: أي لا نقي لعظامها، وهو المخ من الضعف والهزال. ((شرح السنة)) للبغوي (4/ 340)، مشكلات موطأ مالك بن أنس (ص: 148)، النهاية في غريب الحديث والأثر (مادة: نقا)، ((فتح الباري لابن حجر)) (1/ 198). (¬3) رواه أبو داود (2802)، والترمذي بعد حديث (1497)، والنسائي (7/ 215)، وأحمد (4/ 301) (18697)، ومالك (3/ 687)، والدارمي (2/ 105) (1949)، وابن خزيمة (4/ 292) (2912)، وابن حبان (13/ 240) (5919)،. قال الإمام أحمد كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقن (2/ 379): ما أحسنه من حديث، وصححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/ 168)، وابن حبان في ((بلوغ المرام)) (405)، ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (121)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (9/ 285)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2802)، وحسنه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (20/ 164)، وقال البغوي ((شرح السنة)) (2/ 621): حسن صحيح، لا يعرف إلا من حديث عبيد بن فيروز، عن البراء .. (¬4) قال ابن عبدالبر: (أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين) ((التمهيد)) (20/ 168). (¬5) قال ابن رشد: (أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجها في الضحايا والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي) ((بداية المجتهد)) (1/ 430). (¬6) قال ابن قدامة: (أما العيوب الأربعة الأول، فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 441). (¬7) قال النووي: (أجمعوا على ان العمياء لا تجزئ وكذا العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريض البين مرضها والعجفاء) ((المجموع)) (8/ 404). (¬8) قال ابن حزم: (اتفقوا أن العوراء البين عورها والعمياء البينة العمى والعرجاء البينة العرج التي لا تدرك السرح والمريضة البينة المرض والعجفاء التي لا مخ لها أنها لا تجزىء في الأضاحي) ((مراتب الإجماع)) (ص 153). (¬9) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 71). (¬10) ((التاج والإكليل)) (3/ 252). (¬11) ((المجموع)) للنووي (8/ 405)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 200). (¬12) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 61). (¬13) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) بلفظ: (إنما الأعمال بالنية). (¬14) ((بدائع الصنائع)) (5/ 71).

الفصل الرابع: وقت الأضحية

الفصل الرابع: وقت الأضحية المبحث الأول: أول وقت التضحية المطلب الأول: ذبح الأضحية قبل طلوع الفجر يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية قبل طلوع الفجر في يوم النحر. الأدلة: عن البراء بن عازب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ((إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) (¬1). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬2)، وابن عبدالبر (¬3)، والقرطبي (¬4). المطلب الثاني: ذبح الأضحية قبل الصلاة لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد. الأدلة: أولاً: من السنة: - عن البراء بن عازب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ((إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) (¬5). 2 - عن جندب بن سفيان البجلي قال: ((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحية ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله)) (¬6). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬7) والنووي (¬8)، وابن رشد (¬9). المطلب الثالث: أول وقت الأضحية يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد، وهذا مذهب الحنفية (¬10)، والحنابلة (¬11)، واختاره الطحاوي (¬12)، والشوكاني (¬13)، وابن عثيمين (¬14). الأدلة: 1 - عن البراء بن عازب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: ((إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) (¬15). ¬

(¬1) رواه البخاري (965)، ومسلم (1961). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن الضحايا لا يجوز ذبحها قبل طلوع الفجر من يوم النحر) ((الإجماع)) (1/ 60). (¬3) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أنه لا يكون أضحى قبل طلوع الفجر من يوم النحر لا لحضري ولا لبدوي) ((التمهيد)) (23/ 196). (¬4) قال القرطبي: (لا خلاف أنه لا يجزي ذبح الأضحية قبل طلوع الفجر من يوم النحر) ((الجامع لأحكام القرآن)) (12/ 43). (¬5) رواه البخاري (965)، ومسلم (1961). (¬6) رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960). (¬7) قال ابن عبدالبر: (أجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة) ((الاستذكار)) (5/ 224). (¬8) قال النووي: (وأما وقت الأضحية فينبغى أن يذبحها بعد صلاته مع الامام وحينئذ تجزيه بالاجماع) ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 110). (¬9) قال ابن رشد: (اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام: من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم) ((بداية المجتهد)) (1/ 435). (¬10) شرح معاني الآثار (4/ 174)، ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 4). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 452) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 552،554). (¬12) شرح معاني الآثار (4/ 174). (¬13) قال الشوكاني: (ووقتها بعد صلاة النحر إلى آخر أيام التشريق) ((الدراري المضية)) (2/ 343). (¬14) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 459). (¬15) رواه البخاري (965)، ومسلم (1961).

2 - عن جندب بن سفيان البجلي قال: ((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحية ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله)) (¬1). وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن من ذبح بعد الصلاة فله نسك، سواء انتهت الخطبة أو لم تنته، وسواء ذبح الإمام أم لم يذبح، وأن من ذبح قبل الصلاة فعليه أن يذبح أخرى مكانها (¬2). عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ ذَبَحَ قبل الصلاة فليعد)) (¬3) .. المطلب الرابع: وقت الأضحية في غير أهل الأمصار يبدأ وقت الأضحية لمن كان بمحل لا تصلى فيها صلاة العيد كأهل البوادي: بعد قدر فعل صلاة العيد بعد طلوع الشمس قيد رمح، وهذا مذهب الحنابلة (¬4)، واختاره ابن عثيمين (¬5)؛ وذلك لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها (¬6). زمن التضحية: المبحث الثاني: آخر وقت التضحية اختلف الفقهاء في زمن التضحية على قولين: القول الأول: أيام التضحية ثلاثة: يوم العيد واليومان الأولان من أيام التشريق، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9). الأدلة: أولاً: من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث)) (¬10) .. وجه الدلالة: أنه نهى عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، ولو كان اليوم الرابع يوم ذبح، لكان الذبح مشروعا في وقت يحرم فيه الأكل، ثم نسخ بعد ذلك تحريم الأكل، وبقي وقت الذبح بحاله (¬11). ثانياً: أنه وَرَدَ عن الصحابة رضي الله عنهم تخصيصه بالعيد ويومين بعده، منهم عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس، رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف, ومثل هذا لا يقال بالرأي (¬12). ثالثاً: أنه قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ ولو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر (¬13). ¬

(¬1) رواه البخاري (5500)، ومسلم (1960). (¬2) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 459). (¬3) رواه البخاري (5549)، ومسلم (1962). (¬4) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 605)، ((كشاف القناع)) (3/ 9). (¬5) ((الشرح الممتع)) (7/ 459). (¬6) ((كشاف القناع)) (3/ 9). (¬7) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 65)، ((المبسوط)) للسرخسي (8/ 200). (¬8) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 273)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 86). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 384)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 530). (¬10) (¬11) ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 385)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 201). (¬12) قال ابن قدامة: (وهذ قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس رضي الله عنهم) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 453)، وينظر: ((المحلى)) (7/ 377، 378 رقم 982)، ((الاستذكار)) (5/ 243). (¬13) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 202).

القول الثاني: يبقى وقت التضحية إلى آخر أيام التشريق وهو مذهب الشافعية (¬1)، وقول للحنابلة (¬2)، وهو قول طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، وابن القيم (¬5) والشوكاني (¬6)، وابن باز (¬7)، وابن عثيمين (¬8). الأدلة: أولاً: من السنة: عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) (¬9) (¬10). وجه الدلالة: أن الحديث نص في الدلالة على أن كل أيام منى أيام نحر (¬11). عن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)) (¬12). ثانياً: أن الثلاثة أيام تختص بكونها أيام منى، وأيام الرمى، وأيام التشريق، وأيام تكبير وإفطار، ويحرم صيامها، فهى إخوة فى هذه الأحكام، فكيف تفترق فى جواز الذبح بغير نص ولا إجماع؟ (¬13). المبحث الثالث: التضحية في ليالي أيام النحر (ليلتا يومي التشريق) اختلف الفقهاء في حكم التضحية في الليل إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: لا تجزئ التضحية في الليل، وهذا مذهب المالكية (¬14)،وقول للحنابلة (¬15). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قول الله تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28] وجه الدلالة: أن الله خصصه بلفظ الأيام في قوله: فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ، وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك (¬16). ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (8/ 387)، ((روضة الطالبين)) (3/ 200). (¬2) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385). (¬3) قال ابن قدامة: (ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيام النحر يوم الضحى، وثلاثة أيام بعده. وبه قال الحسن، وعطاء، والأوزاعي ... وابن المنذر) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 385). (¬4) قال ابن تيمية: (وآخر وقت ذبح الأضحية آخر أيام التشريق) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/ 385). (¬5) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319). (¬6) قال الشوكاني: (ووقتها بعد صلاة النحر إلى آخر أيام التشريق) (الدراري المضية)) (2/ 343). (¬7) قال ابن باز: (ووقتها يوم النحر وأيام التشريق) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 38). (¬8) قال ابن عثيمين: (أصح الأقوال: أن أيام الذبح أربعة، يوم العيد، وثلاثة أيام بعده) ((الشرح الممتع)) (7/ 460). (¬9) رواه أحمد (4/ 82) (16797)، وابن حبان (9/ 166) (3854)، والطبراني (2/ 138) (1583)، والبيهقي (5/ 239) (10525). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/ 291): روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 27): رجاله ثقات، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 211): له شاهد، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6331)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). (¬10) رواه مسلم (1141). (¬11) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 203). (¬12) رواه مسلم (1141). (¬13) قال الشافعي: (فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما). ((الأم)) للشافعي (دار المعرفة 2/ 248). وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 555)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 319)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 204)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 461). (¬14) قال خليل: والنهار شرط. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 121)، ((الفواكه الدواني)) (2/ 849 - 850). (¬15) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 454). (¬16) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 120).

عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ((كل أيام التشريق ذبح)) (¬1). ثالثاً: أن الشرع ورد بالذبح في زمن مخصوص وطريق تعلق النحر والذبح بالأوقات الشرع لا طريق له غير ذلك فإذا ورد الشرع بتعلقه بوقت مخصوص، وقد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته نهارا علمنا جواز ذلك نهارا ولم يجز أن نعديه إلى الليل إلا بدليل (¬2). رابعاً: أنه ليل يوم يجوز الذبح فيه، فأشبه ليلة يوم النحر (¬3). خامساً: أن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود (¬4). القول الثاني: إن التضحية في الليل تجزئ مع الكراهة، وهو مذهب الحنفية (¬5) والشافعية (¬6)، وقول للحنابلة (¬7). الأدلة: أدلة إجزاء التضحية ليلاً أولاً: من القرآن: قول الله تعالى وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28]. وجه الدلالة: أن الأيام تطلق لغة على ما يشمل الليالي (¬8). ثانياً: من السنة: 1 - عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ((كل أيام التشريق ذبح)) (¬9). وجه الدلالة: ذكر الأيام في الحديث وإن دل على إخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق (¬10). ثالثاً: أن الليل زمن يصح فيه الرمي، وداخل في مدة الذبح، فجاز فيه كالأيام (¬11). أدلة كراهة التضحية ليلاً: أولاً: أن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، فلا يفرق طريا، فيفوت بعض المقصود (¬12). ¬

(¬1) رواه أحمد (4/ 82) (16797)، وابن حبان (9/ 166) (3854)، والطبراني (2/ 138) (1583)، والبيهقي (5/ 239) (10525). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/ 291): روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 27): رجاله ثقات، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 211): له شاهد، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6331)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). (¬2) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 205). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 556). (¬4) ((مجلة البحوث الإسلامية)) (4/ 206). (¬5) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 174 - 175)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 513) .. (¬6) قال الشافعي: ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين فسواء. ((الأم)) للشافعي (2/ 239). وينظر: ((المجموع)) (8/ 388)، ((روضة الطالبين)) (3/ 200). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 454)، ((كشاف القناع)) (3/ 10). (¬8) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 120). (¬9) رواه أحمد (4/ 82) (16797)، وابن حبان (9/ 166) (3854)، والطبراني (2/ 138) (1583)، والبيهقي (5/ 239) (10525). قال البيهقي: مرسل، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/ 291): روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 27): رجاله ثقات، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (3/ 211): له شاهد، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6331)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4537). (¬10) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/ 126). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 454)، ((كشاف القناع)) (3/ 10). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 454).

ثانياً: احتمال الغلط في ظلمة الليل (¬1). ثالثا: الخروج من الخلاف (¬2). رابعاً: أن في الذبح نهارا مطابقة للفظ القرآن وذبح النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الذبح ليلاً (¬3). القول الثالث: جواز الذبح ليلا من غير كراهة، وهذا قول للحنابلة (¬4)، وهو اختار ابن حزم (¬5) والصنعاني (¬6)، والشوكاني (¬7)،وابن عثيمين (¬8). أدلة الجواز: سبق ذكرها في أدلة القول السابق. أدلة عدم الكراهة: أولاً: أن الله قد أباح ذبح الحيوان في أي وقت (¬9). ثانياً: أن القول بالكراهية يحتاج إلى دليل (¬10). المبحث الرابع: المبادرة إلى التضحية يستحب المبادرة في ذبح الأضحية بعد دخول وقتها، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬11)، والمالكية (¬12)، والشافعية (¬13)، والحنابلة (¬14). الأدلة: أولاً: ما فيه من المبادرة إلى الخير، والخروج من الخلاف (¬15). ثانياً: أن الله جل شأنه أضاف عباده في هذه الأيام بلحوم القرابين فكانت التضحية في أول الوقت من باب سرعة الإجابة إلى ضيافة الله جل شأنه (¬16). ¬

(¬1) قال شيخي زاده: (في المنح الظاهر أن هذه الكراهة للتنزيه ومرجعها إلى خلاف الأولى إذ احتمال الغلط لا يصلح دليلا على كراهة التحريم التي نسبتها إلى الحرام). ((مجمع الأنهر)) (4/ 170)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (9/ 513). (¬2) ((كشاف القناع)) (3/ 10). (¬3) قال الشنقيطي: (وتخصيصه بالأيام أحوط، لمطابقة لفظ القرآن والعلم عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 120). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 454)، ((كشاف القناع)) (3/ 10). (¬5) قال ابن حزم: (والتضحية ليلا ونهارا جائز) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 377). وقال أيضاً: ما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا. ((المحلى)) (7/ 379). (¬6) قال الصنعاني: (لا حظر في الذبح بل قد أباح الله ذبح الحيوان في أي وقت) ((سبل السلام)) للصنعاني (4/ 93). (¬7) قال الشوكاني: (لا يخفى أن القول بعدم الاجزاء وبالكراهية يحتاج إلى دليل ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وان دل على إخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق) ((نيل الأوطار)) (5/ 126). (¬8) قال ابن عثيمين: (الصواب أن الذبح في ليلتهما لا يكره إلا أن يخل ذلك بما ينبغي في الأضحية فيكره من هذه الناحية، لا من كونه ذبحا في الليل) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 464). (¬9) ((سبل السلام)) للصنعاني (4/ 93). (¬10) ((نيل الأوطار)) (5/ 126). (¬11) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 80). (¬12) ((الذخيرة)) للقرافي (4/ 150) ((الفواكه الدواني)) (2/ 850). (¬13) ((مغني المحتاج)) (4/ 288). (¬14) ((كشاف القناع)) (3/ 9). (¬15) ((كشاف القناع)) (3/ 9). (¬16) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 80).

الفصل الخامس: من آداب التضحية وسننها

الفصل الخامس: من آداب التضحية وسننها المبحث الأول: حكم حلق الشعر وتقليم الأظفار لمن أراد أن يضحي اختلف الفقهاء في حكم حلق الشعر وتقليم الأظفار لمن أراد أن يضحي على قولين: القول الأول: الجواز، وهذا مذهب الحنفية (¬1)، وقول للمالكية (¬2)، وبه قال الليث بن سعد (¬3)، واختاره ابن عبدالبر (¬4)، وحكاه عن سائر فقهاء المدينة والكوفة (¬5). الأدلة: أولاً: من السنة: عن عائشة قالت: ((أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء مما أحله الله حتى نحر الهدي)) (¬6). وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم عليه شيء يبعثه بهديه، والبعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل ما نهى عنه (¬7). ثانياً: أن إرادة التضحية إذا كانت لا تمنع من الجماع، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام, كانت أحرى أن لا تمنع مما دون ذلك (¬8). ثالثاً: أنه لا يصح قياسه على المحرم، فإنه لا يحرم عليه الوطء واللباس والطيب، فلا يكره له حلق الشعر، وتقليم الأظفار (¬9). ¬

(¬1) شرح معاني الآثار (4/ 182)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437). (¬2) عن عمران بن أنس: (أنه سأل مالكا عن حديث أم سلمة هذا، فقال: ليس من حديثي، قال: فقلت لجلسائه: قد رواه عنه شعبة وحدث به عنه وهو يقول ليس من حديثي، فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال فيه: ليس من حديثي). ((التمهيد)) (17/ 237). (¬3) قال الليث بن سعد وقد ذكر له حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أهل عليه منكم هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي))، فقال الليث: (قد روي هذا والناس على غير هذا). ((التمهيد)) (17/ 235). (¬4) ((التمهيد)) (17/ 235). (¬5) ((التمهيد)) (17/ 235). (¬6) رواه البخاري (1700)، ومسلم (1321). (¬7) ((المجموع)) للنووي (8/ 392)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437). (¬8) عن سعيد بن المسيب قال: ((من أراد أن يضحي فدخلت أيام العشر، فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره))، فذكرته لعكرمة فقال: ((ألا يعتزل النساء، والطيب)) سنن النسائي (/)، وينظر: ((شرح معاني الآثار)) (4/ 182)، وينظر: ((سبل السلام)) (4/ 96). (¬9) ((شرح معاني الآثار)) (4/ 182)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437).

القول الثاني: يحرم لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ويقلم أظفاره حتى يضحي، وهو مذهب الحنابلة (¬1)، ووجهٌ للشافعية (¬2)، وهو قول طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن حزم (¬4)، وابن القيم (¬5)، وابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من السنة: عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان عنده ذبح يريد أن يذبحه فرأى هلال ذي الحجة فلا يمس من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي)) (¬8). وجه الدلالة: أن مقتضى النهي التحريم، وهو خاص يجب تقديمه على عموم غيره (¬9). القول الثالث: يكره لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ويقلم أظفاره حتى يضحي، وهذامذهب المالكية (¬10)، والشافعية (¬11) وهو قولٌ للحنابلة (¬12). دليل الكراهة: الجمع بين نصوص الباب، بحمل نصوص النهي على الكراهة، ونصوص الإباحة على عدم التحريم (¬13). مطلب: حكم الفدية لمن أراد أن يضحي فأخذ من شعره أو قلم أظفاره لا فدية على من حلق شعره أو قلم أظفاره لمن أراد أن يضحي بالإجماع، نقله ابن قدامة (¬14)، والمرداوي (¬15). المبحث الثاني: استقبال القبلة عند الذبح ¬

(¬1) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 436)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 79)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 23)، (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 391 - 392). (¬3) قال البغوي: (وإليه ذهب سعيد بن المسيب، وبه قال ربيعة، وأحمد، وإسحاق) ((شرح السنة)) (4/ 348). (¬4) قال ابن حزم: (من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي, لا بحلق, ولا بقص، ولا بنورة، ولا بغير ذلك, ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك). ((المحلى)) (7/ 355 رقم 973). (¬5) قال ابن القيم في معرض رده على من استدل بحديث عائشة وقال بعدم التحريم: (وأسعد الناس بهذاالحديث - يعني حديث أم سلمة - من قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه) ((عون المعبود – مع حاشية ابن القيم)) (7/ 491). (¬6) قال ابن باز: (لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 39). (¬7) قال ابن عثيمين: (الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكد النهي بقوله: «فلا يأخذن»، والنون هذه للتوكيد) ((الشرح الممتع)) (7/ 486). (¬8) رواه مسلم (1977). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437). (¬10) ((الذخيرة)) للقرافي (4/ 141)، ((التاج والإكليل)) (4/ 380). (¬11) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 74). ((المجموع)) للنووي (8/ 391). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 436)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 79). (¬13) ((مواهب الجليل)) (4/ 372). (¬14) قال ابن قدامة: (فإن فعل استغفر الله تعالى. ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا أو نسيانا). ((المغني)) لابن قدامة (9/ 437). (¬15) قال المرداوي: (لو خالف وفعل فليس عليه إلا التوبة ولا فدية عليه إجماعا). ((الإنصاف)) (4/ 80).

يستحب أن يكون الذابح مستقبل القبلة، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) (¬5)، وحُكِي فيه الإجماع (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته)) (¬7). وجه الدلالة: أنه أفرد ذكر استقبال القبلة بعد قوله: ((من صلى صلاتنا)) مع كونه داخلا فيها، لأنه من شرائطها، وذلك للتنبيه على تعظيم شأن القبلة وعظم فضل استقبالها، وهو غير مقتصر على حالة الصلاة، بل أعم من ذلك، ويدخل في ذلك الذبيحة (¬8). ثانياً: عن نافع: ((أن ابن عمر كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحه لغير القبلة)) (¬9). وجه الدلالة: أنه قول صحابي ولا مخالف له منهم (¬10). ثالثاً: أنه لابد للذبح من جهة فكانت جهة القبلة أولى؛ لأنها أفضل الجهات، وهو مستحب في القربات التي يراد بها الله عز وجل تبركا بذلك (¬11). رابعاً: أن أهل الجاهلية ربما كانوا يستقبلون بذبائحهم الأصنام فأمرنا باستقبال القبلة لتعظيم جهة القبلة (¬12). المبحث الثالث: إحداد الشفرة قبل إضجاع الشاة يستحب إحداد الشفرة قبل إضجاع الشاة، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬13) والمالكية (¬14) والشافعية (¬15)، والحنابلة (¬16). دليل ذلك من السنة: عن شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (¬17). نحر البعير وذبح الشاة والبقر يسن أن تنحر الإبل وتذبح الشاةويخير بين الذبح والنحر في البقر. الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2] وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [البقرة: 67]. ثانياً: من السنة: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة, والبقرة عن سبعة)) (¬18). ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 194) ((الهداية شرح البداية)) (4/ 66). (¬2) ((المدونة الكبرى)) (1/ 543، 544)، ((التاج والإكليل)) (3/ 220). (¬3) ((المجموع)) للنووي (9/ 83)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 204). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 210). (¬5) (روي ذلك عن ابن عمر وابن سيرين وعطاء والثوري) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60). (¬6) نقله صاحب كفاية الطالب الرباني عن ابن المنذر. ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 574). (¬7) رواه البخاري (391). (¬8) ((الاستذكار)) (4/ 246)، ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (4/ 124، 125). (¬9) مصنف عبدالرزاق (4/ 489). (¬10) وصح ذلك من التابعين: عن ابن سيرين وجابر بن زيد. ينظر: ((الاستذكار)) (4/ 246)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60). (¬11) ((الاستذكار)) (4/ 246)، ((مواهب الجليل)) (4/ 331)، ((المجموع)) للنووي (9/ 83، 86). (¬12) ((المبسوط)) للسرخسي (12/ 4). (¬13) ((الهداية شرح البداية)) (4/ 66)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 194) (¬14) ((التاج والإكليل)) (3/ 220)، ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و ((حاشية الدسوقي)) (2/ 107). (¬15) ((المجموع)) للنووي (9/ 80)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 204). (¬16) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 60)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 210). (¬17) رواه مسلم (1955). (¬18) رواه مسلم (1318).

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((فنحر عليه السلام ثلاثا وستين, فأعطى عليا فنحر ما غبر, وأشركه في هديه)) (¬1). وجه الدلالة: أنه ثبت في هذه النصوص وغيره أن هدي النبي صلى الله عليه كان نحر الإبل، وذبح الغنم. ثالثاً: الإجماع: حكى الإجماععلى النحر في الإبل، والذبح في الغنم: ابن حزم (¬2)، وابن رشد (¬3)، والقرطبي (¬4)،وابن قدامة (¬5)، والنووي (¬6)،وحكى الإجماع على التخيير في البقر: ابن رشد (¬7)، والقرطبي (¬8). المبحث الرابع: التكبير عند الذبح يستحب عند الذبح أن يكبر بعد التسمية. الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج: 36]. وقال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [الحج: 37]. ثانياً: من السنة: عن أنس رضي الله عنه، قال: ((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (¬9). ثالثاً: الإجماع: أجمع أهل العلم على استحباب التكبير بعد التسمية، حكاه ابن قدامة (¬10)، والقاري (¬11)، وحكى عمل الناس عليه: الترمذي (¬12)، وجماعة من المالكية (¬13). رابعاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم: ¬

(¬1) جزء من حديث رواه مسلم (1218). (¬2) قال ابن حزم: (واتفقوا أنه إن ذبحت الغنم كما قدمنا حل أكلها، واتفقوا أنه إن نحرت الإبل كما ذكرنا في اللبة أنها تؤكل) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص 147). (¬3) قال ابن رشد: (واتفقوا على أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح وأن من سنة الغنم والطير الذبح وأن من سنة الإبل النحر) ((بداية المجتهد)) (1/ 444). (¬4) قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل) ((الجامع لأحكام القرآن)) (1/ 445). (¬5) قال ابن قدامة: (لا خلاف بين أهل العلم، في أن المستحب نحر الإبل، وذبح ما سواها) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 397). (¬6) قال النووي: (وأجمعوا أن السنة في الإبل النحر وفي الغنم الذبح) ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 124). (¬7) قال ابن رشد: (واتفقوا على أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح ... وأن البقرة يجوز فيها الذبح والنحر) ((بداية المجتهد)) (1/ 444). (¬8) قال القرطبي: (لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتخير في البقر) ((الجامع لأحكام القرآن)) (1/ 445). (¬9) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966). (¬10) قال ابن قدامة: (يقول عند الذبح: بسم الله، والله أكبر ... ولا نعلم في استحباب هذا خلافا، ولا في أن التسمية مجزئة). ((المغني)) لابن قدامة (9/ 456). (¬11) وقال القاري: (اعلم أن التسمية شرط عندنا، والتكبير مستحب عند الكل). ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (3/ 1078). (¬12) قال الترمذي: (العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن يقول الرجل إذا ذبح: بسم الله والله أكبر). ((سنن الترمذي)) (4/ 100). (¬13) قال خليل: ((ما مضى عليه الناس أحسن وهو بسم الله والله أكبر)). ((مواهب الجليل)) (4/ 328). وقال أبو الحسن علي المنوفي: (الجمع بين التسمية والتكبير هو الذي مضى عليه عمل الناس). ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 574).

عن حنش بن المعتمر، قال: ((صلى علي رضي الله عنه العيد في الجبانة ثم استقبل القبلة بكبشين ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، بسم الله، والله أكبر، ثم ذبحهما وقال: اللهم منك ولك اللهم تقبل)). عن نافع: ((أن عبدالله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر)). عن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما أنه قال: ((يقول الله تبارك وتعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج: 36] قال: «قياما على ثلاث قوائم معقولة بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك)) (¬1). المبحث الخامس: أن يذبح بنفسه إذا استطاع يستحب أن يذبح بنفسه إذا استطاع. الأدلة: أولاً: من السنة: عن أنس رضي الله عنه، قال: ((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)) (¬2). ثانياً: الإجماع: حكى الإجماع على ذلك النووي (¬3). ثالثاً: أنها قربة، وفعل القربة أولى من استنابته فيها (¬4). المبحث السادس: الأكل والإطعام والإدخار من الأضحية يجوز للمضحي أن يأكل من أضحيته ويطعم ويدخر، وهذاباتفاق المذاهب الفقهية: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، والحنابلة (¬8). الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 27]. ثانياً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: كلوا، وتزودوا، وادخروا)) (¬9). عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته)) (¬10). المبحث السابع: الاستنابة في ذبح الأضحية ¬

(¬1) رواه الحاكم (4/ 260)، والبيهقي (5/ 237) (10515)، قال ابن حجر في ((الدراية)) (2/ 206): رجاله ثقات. (¬2) رواه البخاري (5565)، ومسلم (1966). (¬3) ((شرح النووي على مسلم)) (13/ 116). (¬4) قال ابن عبدالبر: (من الفقه أن يتولى الرجل نحر هديه بيده وذلك عند أهل العلم مستحب مستحسن لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيده ولأنها قربة إلى الله عز وجل فمباشرتها أولى وجائز أن ينحر الهدى [غير] صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته) ((التمهيد)) (2/ 107) ((الاستذكار)) (4/ 308). (¬5) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 203)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/ 79). (¬6) ((الذخيرة)) للقرافي (8/ 203)، الفواكه الدواني (1/ 53)، (¬7) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/ 75)، ((المجموع)) للنووي (8/ 419). (¬8) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 448)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 22). (¬9) رواه النسائي (7/ 170)، وابن ماجه (2575)، وأحمد (5/ 76) (20748). وصححه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (7/ 170)، وصحح إسناده على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في ((تحقيق المسند)) (5/ 76). (¬10) رواه أحمد (2/ 391) (9067). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 28): رجاله رجال الصحيح، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 29): رجاله ثقات، وأورده الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3563).

يجوز للمضحي أن يستنيب في ذبح أضحيته إذا كان النائب مسلما، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬1). والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3). والحنابلة (¬4)، وحُكِيَ فيه الإجماع (¬5). دليل ذلك من السنة: عن جابر رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بدنة ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر منها)) (¬6). المبحث الثامن: أيهما أفضل ذبح الأضحية أو التصدق بثمنها؟ ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها، نص على هذا فقهاء الحنفية (¬7)، والمالكية (¬8)، والحنابلة (¬9)، واختاره ابن باز (¬10)، وابن عثيمين (¬11). الأدلة: أولاً: أن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬12). ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى والخلفاء بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها (¬13). ثالثاً: أن الأضاحبي واجبة عند طائفة من الفقهاء، أما التصدق بثمنها فهو تطوع محض (¬14). رابعاً: أن الأضاحي تفوت بفوات وقتها خلاف الصدقة بثمنها فإنه لا يفوت، نظير الطواف للآفاقي فإنه أفضل له من الصلاة لأن الطواف في حقه يفوت بخلاف المكي (¬15). خامساً: أن فيها جمعاً بين التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم والتصدق، ولا شك أن الجمع بين القريتين أفضل (¬16). المبحث التاسع: إعطاء الجزار من الأضحية ثمناً لذبحه لا يجوز إعطاء الذابح من الأضحية ثمنا لذبحه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬17)، والمالكية (¬18)، والشافعية (¬19)، والحنابلة (¬20). الأدلة: أولاً: من السنة: ¬

(¬1) ((بدائع الصنائع)) (5/ 79)، ((البحر الرائق)) (8/ 203). (¬2) إلا أن المالكية يرون الكراهة. ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 121)، ((مواهب الجليل)) (4/ 373). (¬3) ((المجموع)) للنووي (8/ 405). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 455)، (كشاف القناع) للبهوتي (3/ 8). (¬5) قال ابن عبدالبر: (جائز أن ينحر الهدى [غير] صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته) ((التمهيد)) (2/ 107)، ((الاستذكار)) (4/ 308). (¬6) جزء من حديث رواه مسلم (1218). (¬7) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 200). (¬8) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 121)، ((التاج والإكليل)) (3/ 244). (¬9) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/ 77)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582). (¬10) قال ابن باز: (ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 41). (¬11) قال ابن عثيمين: (ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها حتى إنك لو ملأت جلدها بالدراهم وتصدقت بهذه الدراهم لكان ذبحها أفضل من ذلك، وليس الحكمة من الأضحية حصول اللحم وأكل اللحم، ولكن الحكمة التقرب إلى الله تعالى بذبحها، قال تعالى: لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ *الحج: 37*، فظن بعض الناس أنه المقصود من ذلك الآكل، والانتفاع باللحم، وهذا فهم قاصر، فالأهم أن تتعبد لله عز وجل بذبحها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/ 194، 195). (¬12) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582). (¬13) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 582). (¬14) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 5). (¬15) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (6/ 5). (¬16) ((العناية شرح الهداية)) (9/ 513). (¬17) ((البحر الرائق)) (8/ 203)، ((بدائع الصنائع)) (5/ 79). (¬18) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 124). (¬19) ((الحاوي الكبير)) (15/ 120). (¬20) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 450).

عن علي رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها، قال: نحن نعطيه من عندنا)) (¬1). ثانياً: أن ما يدفعه إلى الجزار أجرة عوض عن عمله وجزارته، ولا تجوز المعاوضة بشيء منها (¬2). المبحث العاشر: الأضحية عن الميت استقلالاً لا تشرع الأضحية عن الميت استقلالاً، وهو مذهب الشافعية (¬3)، واختاره ابن عثيمين (¬4)، وكرهها المالكية (¬5). الأدلة: أولاً: من القرآن: قوله تعالى: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى [النجم: 39]. ثانياً: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أحد من السلف أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا (¬6). ثالثاً: أنها عبادة، والأصل أن لا تفعل عن الغير إلا ما خرج بدليل لا سيما مع عدم الإذن (¬7). رابعاً: أن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة (¬8). ¬

(¬1) رواه مسلم (1317). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 450). (¬3) إلا أن تكون بإذنه كوصية. ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 292)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 144). (¬4) قال ابن عثيمين: (لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما أعلم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات له أولاد من بنين أو بنات في حياته، ومات له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضح عن واحد منهم، فلم يضح عن عمه حمزة ولا عن زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أولاده ـ رضي الله عنهم ـ، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قولا أو فعلا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته) ((الشرح الممتع)) (7/ 423). ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (17/ 171). (¬5) ((مواهب الجليل)) لحطاب (4/ 377)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 122 - 123). (¬6) ((مواهب الجليل)) (4/ 377)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 423). (¬7) ((مغني المحتاج)) (4/ 292). (¬8) ((مواهب الجليل)) (4/ 377).

الفصل السادس: من شروط الذكاة

الفصل السادس: من شروط الذكاة المبحث الأول: التسمية اختلف أهل العلم في اشتراط التسمية في الذكاة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن التسمية شرط، لا تحل الذكاة بدونه، عمدا كان أو نسياناً، وهذا مذهب الظاهرية (¬1)،، وهو رواية عن أحمد (¬2)، وبه قال طائفة من السلف (¬3)، واختاره ابن تيمية (¬4)، وابن عثيمين (¬5) الأدلة: أولاً من الكتاب: قال الله تعاالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]. وجه الدلالة: أن النهي يقتضي التحريم لاسيما مع وصف الفسق؛ فإن الذي يسمى فسقا في الشرع لابد أن يكون حراما. ثانياً: من السنة: عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكل)) (¬6). وجه الدلالة: أنه علق الحل فيه بشرطين: بإنهار الدم، وذكر اسم الله على المذكى. عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما صدتَ من كلبك المعلم فذكرتَ اسم الله عليه فكل)) (¬7). وجه الدلالة: أنه وقف الإذن بالأكل على التسمية. عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل)) (¬8). ثالثاً: أنا أمرنا بالتسمية عند الذبح مخالفة للمشركين؛ لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح، ومخالفتهم واجبة علينا، فالتسمية عند الذبح تكون واجبة أيضا (¬9). القول الثاني: أنها واجبة مع الذكر وتسقط بالنسيان، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية (¬10)، والمالكية (¬11)، والحنابلة (¬12)، واختارته اللجنة الدائمة (¬13). الأدلة: أولاً: أدلة الوجوب: سبق في أدلة القول السابق. ثانياً: أدلة سقوط الوجوب بالنسيان: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: ((ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإنه لفسق)). وجه الدلاالة: أن الناسي لا يسمى فاسقاً. 2 - قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]. ¬

(¬1) ((المحلى)) (7/ 412 رقم 1003)، ((بداية المجتهد)) (1/ 448)، ((المجموع)) للنووي (8/ 411). (¬2) ((الإنصاف)) (10/ 302). (¬3) منهم: ابن عمر والشعبي وابن سيرين. ((بداية المجتهد)) (1/ 448). (¬4) قال ابن تيمية: هذا أظهر الأقوال فإن الكتاب والسنة قد علق الحل بذكر اسم الله في غير موضع كقوله: فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ *المائدة: 4*، وقوله: فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ *الأنعام: 118*، وقوله: وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ *الأنعام: 119*، وقوله: وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ *الأنعام: 121*، وفي الصحيحين أنه قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)). ((مجموع الفتاوى)) (35/ 239). (¬5) قال ابن عثيمين: (الحاصل أنك كلما تأملت هذه المسألة وجدت أن الصواب ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وأن التسمية لا تسقط لا سهوا، ولا جهلا، كما لا تسقط عمدا). ((الشرح الممتع)) (15/ 86). (¬6) رواه البخاري (3075)، ومسلم (1968) (¬7) رواه البخاري (5478)، ومسلم (1930). (¬8) رواه البخاري (175)، ومسلم (1929). (¬9) ((المبسوط)) للسرخسي (11/ 202). (¬10) ((المبسوط)) للسرخسي (11/ 202). (¬11) ((الاستذكار)) (5/ 250)، ((بداية المجتهد)) (1/ 448). (¬12) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 389)، ((الإنصاف)) (10/ 302). (¬13) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (22/ 363).

ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إذا نسي أحدكم أن يُسمي على الذبيحة فليُسم وليأكل)) (¬1). ثالثاً: أن النسيان يسقط المؤاخذة، والجاهل مؤاخذ، ولذلك يفطر الجاهل بالأكل في الصوم دون الناسي (¬2). رابعاً: أن إسقاط التسيمة في حال النسيان عليه إجماع السلف (¬3). القول الثالث: أنها سنة مؤكدة، وهذا مذهب الشافعية (¬4)،وهو رواية عن أحمد (¬5)،وبه قال طائفة من السلف (¬6)، واختاره ابن عبدالبر (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب: قال الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة: 3]. وجه الدلالة: أنه أباح المذكَّى ولم يذكر التسمية (¬8). الآية الثانية: قال الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5]. وجه الدلالة: أن الله تعالى أباح ذبائحهم ولم يشترط التسمية (¬9). ثانياً: من السنة: عن عائشة رضي الله عنها: ((أن قوما قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا الله عليه وكلوه)) (¬10). وجه الدلالة: أنه لو كان وجود التسمية شرطا لما رخص لهم بالأكل عند وقوع الشك فيها، كما في شرط حصول الذكاة، وكأنه قيل لهم: لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا (¬11). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (¬12). ثالثاً: أن التسمية لو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض (¬13). رابعاً: إجماعهم في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل وإن لم يسم الله عليها إذا لم يسم عليها غير الله، وإجماعهم كذلك: أن المجوسي والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته، وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال لأنه ذبح بدينه (¬14). المبحث الثاني: إنهار الدم ¬

(¬1) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (4/ 479). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (9/ 389). (¬3) ذكره بن جرير إجماعا في سقوطها سهوا، ولم يلتفت إلى خلاف الظاهرية ومن وافقهم. ينظر: ((الإنصاف)) (10/ 301). (¬4) ((المجموع)) للنووي (8/ 410)، ((مغني المحتاج)) (4/ 272). (¬5) ((الإنصاف)) (10/ 302). (¬6) قال ابن عبدالبر: وهو قول بن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد وعكرمة وعطاء وابي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي وعبدالرحمن بن أبي ليلى وقتادة. ((الاستذكار)) (5/ 250). (¬7) قال ابن عبدالبر: التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة ولو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض إلا أنها عندي من مؤكدات السنن وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل. ((الاستذكار)) (5/ 249). (¬8) ((المجموع)) للنووي (8/ 411). (¬9) ((المجموع)) (8/ 388). (¬10) رواه البخاري (2057). (¬11) ((فتح الباري لابن حجر)) (9/ 636). (¬12) رواه ابن ماجه (2045)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 356). قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (39)، وقال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (232): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/ 281)، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 461): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045) .. (¬13) ((الاستذكار)) (5/ 249). (¬14) ((الاستذكار)) (5/ 250، 251).

أجمع أهل العلم على أن إنهار الدم يحصل بقطع أربعة أشياء: المرئ (¬1)، والحلقوم (¬2)، والودجين (¬3)، نقل الإجماع على ذلك: ابن المنذر (¬4)، وابن قدامة (¬5)، وابن باز (¬6)، وابن عثيمين (¬7). المبحث الثالث: ما هو القدر الواجب الذي يكتفى به في حصول التذكية؟ اختلف الفقهاء في القدر الذي يشترط في حصول الذكاة به على أقوال كثيرة نذكر منها ما يلي: القول الأول: يشترط قطع الجميع: الحلقوم والمرئ والودجين، وهذا قول للمالكية (¬8)، ورواية عن أحمد (¬9)، وبه قال الليث بن سعد (¬10)،واختاره ابن ابن المنذر (¬11)، وذلك لأنه لولا اشتراط قطع الأربع لما جاز له قطعها إذ كان فيه زيادة ألم بما ليس هو شرطا في صحة الذكاة، فثبت بذلك أن عليه قطع هذه الأربع (¬12). القول الثاني: يشترط الودجين والحلقوم، وهو مذهب المالكية (¬13)، ورواية عن أحمد (¬14)، وذلك لأنه بالودجين يحصل إنهار الدم، ولا يوصل إلى قطع الودجين في الغالب إلا بعد قطعه الحلقوم لأنه قبلهما، أما المري فهو مجرى الطعام والشراب وهو وراء ذلك ملتصق بعظم القفا (¬15). ¬

(¬1) المريء: وهو مجرى الطعام والشراب، وفي قطعه منع وصول الغذاء إلى الحيوان من طريقه المعتاد. ((المجموع)) للنووي (9/ 86)، ((أحكام الأضحية والذكاة)) (2/ 272). (¬2) الحلقوم: مجرى النفس خروجا ودخولا. ((المجموع)) للنووي (9/ 86). (¬3) الودجان: عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي قطعهما تفريغ الدم الذي به بقاء الحيوان حيا وتنقية الحيوان من انحباس الدم الضار فيه بعد الموت. ((المجموع)) للنووي (9/ 86)، ((أحكام الأضحية والذكاة)) (2/ 272). (¬4) قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم على أنه إذا قطع بما يجوز الذبج به وسمى وقطع الحلقوم والمرئ والودجين وأسال الدم حصلت الذكاة وحلت الذبيحة). ((المجموع)) للنووي (9/ 90). (¬5) قال ابن قدامة: (لا خلاف في أن الأكمل قطع الاربعة الحلقوم والمرئ والودجين فالحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والشراب والودجان هما عرقان محيطان بالحلقوم لأنه أسرع لخروج روح الحيوان فيخف عليه ويخرج من الخلاف فيكون أولى). ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 51). (¬6) قال ابن باز: (التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين وهما العرقان المحيطان بالعنق، وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه، فالحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام والشراب، والودجان عرقان يحيطان بالعنق إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجا، فإذا قطعت هذه الأربعة فالذبح حلال عند جميع العلماء). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 26). (¬7) قال ابن عثيمين: (متى قطعت هذه الأشياء الأربعة؛ حلت المذكاة بإجماع أهل العلم). ((أحكام الأضحية والذكاة)) (2/ 272). (¬8) ((القوانين الفقهية)) (ص: 123). (¬9) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 51)، ((الإنصاف)) (10/ 295). (¬10) ((المجموع)) للنووي (9/ 90). (¬11) ((المجموع)) للنووي (9/ 90). (¬12) ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/ 301). (¬13) ((بداية المجتهد)) (1/ 445) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/ 577). (¬14) ((الإنصاف)) (10/ 295) (¬15) ((القوانين الفقهية)) (ص: 123).

القول الثالث: الواجب قطع الحلقوم والمرئ، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختاره ابن باز (¬3). الأدلة: أولاً: أن مقصود الذكاة الإزهاق بما يوحى ولا يعذب، والغالب أن الودجين يقطعان بقطع الحلقوم والمرئ (¬4). ثانياً: أنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة مع قطعه فأشبه ما لو قطع الأربعة (¬5). القول الرابع: يجب قطع ثلاثة من أربعة بدون تعيين، وهذا المشهور من مذهب الحنفية (¬6)، ووجه للحنابلة (¬7)، واختاره ابن تيمية (¬8). الأدلة: أولاً: أن ما هو المقصود منه يحصل به وهو إنهار الدم المسفوح، والتوحية في إخراج الروح لأنه لا يحيا بعد قطع المريء والحلقوم ويخرج الدم بقطع أحد الودجين (¬9). ثانياً: أن الأكثر يقوم مقام الكل وأي ثلاث منها قطع فقد قطع الأكثر، ولا معنى لاشتراط الكل (¬10). القول الخامس: الواجب قطع الودجين، وهذا وجه للحنابلة (¬11)، واختاره ابن عثيمين (¬12). الأدلة: أولاً: من السنة: عن رافع بن خديج رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) (¬13) وجه الدلالة: أنه علق الحكم على إنهار الدم، ومن المعلوم أن أبلغ ما يكون به الإنهار قطع الودجين، فبقطعهما يخرج الدم. ثانياً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كل ما أفرى الأوداج غير مترد)) (¬14). ثالثاً: أنه لو قطع الحلقوم والمريء ولم يقطع الودجين، فإن الدم سوف يكون باقيا لا يخرج؛ لأن الدم الذي يخرج من الحلقوم والمريء سيكون ضعيفا، ولا يخرج إلا كما يخرج من أي عرق يكون في اليد أو في الرجل، أو ما أشبه ذلك (¬15). ¬

(¬1) ((المجموع)) للنووي (9/ 86). (¬2) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 51)، الإنصاف (10/ 295). (¬3) قال ابن باز: (الحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين وهو أيضا صحيح، وقال به جمع من أهل العلم، ودليلهم قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر))، وهذا هو المختار في هذه المسألة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (18/ 26). (¬4) ((المجموع)) للنووي (9/ 86). (¬5) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 51). (¬6) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (5/ 290). (¬7) ((الإنصاف)) (10/ 295): (¬8) قال ابن تيمية: (إن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم، وسئل عمن ذبح شاة فقطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة فأجاب هذه المسألة فيها نزاع والصحيح أنها تحل). ((الإنصاف)) (10/ 295). (¬9) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (5/ 291). (¬10) ((تبيين الحقائق)) و ((حاشية الشلبي)) (5/ 291). (¬11) قال في الرعاية والكافي: (يكفي قطع الأوداج فقطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل، قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله). ((الإنصاف)) (10/ 295): (¬12) قال ابن عثيمين: (وعلى هذا فيشترط لحل الذبيحة بالزكاة قطع الودجين، فلو ذبحها ولم يقطعهما لم تحل، ولو قطعهما حلت وإن لم يقطع الحلقوم أو المريء). ((أحكام الأضحية والذكاة)) (2/ 274). (¬13) رواه البخاري (2507)، ومسلم (1968) (¬14) رواه عبدالرزاق (4/ 497)، والبيهقي (9/ 282) (19625). (¬15) ((الشرح الممتع)) (7/ 448).

الباب السابع عشر: الصيد

المبحث الأول: حكم قتل الصيد للمحرم قتل الصيد من محظورات الإحرام. الأدلة: أولاً: من الكتاب 1 - قوله تعالى: يا أيُّها الذين آمنوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنتم حُرُم [المائدة: 95]. 2 - قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة: 96]. 3 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]. ثانياً: من السنة 1 - عن الصَّعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه: ((أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيًّا، فَرَدَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنَّا لم نردُّه عليك إلا أنَّا حرم)) (¬1). 2 - عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنا المحرم، ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئاً، فنظرت، فإذا حمار وحشٍ يعني وقع سوطه، فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته، فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمةٍ فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا، فسألته، فقال: كلوه، حلال)) (¬2). ثالثا: الإجماع نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬3)، وابن رشد (¬4)، وابن قدامة (¬5)، والنووي (¬6)، وشمس الدين ابن مفلح (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193). (¬2) رواه البخاري (1823)، ومسلم (1196). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم ممنوعٌ من قتل الصيد) ((الإجماع)) (باختصار - ص: 52). (¬4) قال ابن رشد: (أجمعوا على أنه لا يجوز له صيده ولا أكل ما صاد هو منه) ((بداية المجتهد)) (1/ 330). (¬5) قال ابن قدامة: ((لا خلاف بين أهل العلم، في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم) ((المغني)) (3/ 288)، و ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 284). (¬6) قال النووي: (أجمعت الأمة على تحريم الصيد في الإحرام) ((المجموع)) (7/ 296). (¬7) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 467).

المبحث الثاني: ضابط الصيد المحرم

المبحث الثاني: ضابط الصيد المحرَّم الصيد الذي يحظر على المحرِم، هو الحيوان البري المتوحش المأكول اللحم، وهذا مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وهو قول ابن عثيمين (¬3). الأدلة: أولاً: من الكتاب 1 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1]. وجه الدلالة: أنَّ معنى الآية أنه أحل أكل بهيمة الأنعام الوحشية إلا الصيد في حال الإحرام؛ فدلَّ على أن المحظور على المحرم من الصيد هو ما كان وحشيًّا مأكولاً (¬4). 2 - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنَّ معنى الآية: لا تقتلوا الصيد، الذي بينتُ لكم، وهو صيد البر دون صيد البحر، وأنتم محرمون بحجٍّ أو عمرة (¬5). 3 - قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة: 96]. وجه الدلالة: أنه نصَّ على تحريم الصيد البري على المحرم. ¬

(¬1) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 524)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 343). (¬2) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 467)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 431). (¬3) قال ابن عثيمين: (من محظورات الإحرام: قتل الصيد، والصيد: كل حيوانٍ بريٍّ حلالٍ متوحشٍ طبعاً، كالظباء والأرانب والحمام) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 277). وقال أيضاً: (قتل الصيد، وهو الحيوان الحلال البري المتوحش) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (24/ 391). (¬4) ((تفسير الطبري)) (9/ 459)، ((تفسير ابن كثير)) (2/ 9). (¬5) ((تفسير الطبري)) (10/ 7).

المبحث الثالث: ما يباح للمحرم

المبحث الثالث: ما يباح للمحرم المطلب الأول: ذبح بهيمة الأنعام ونحوها يجوز للمحرم ذبح بهيمة الأنعام والدجاج ونحوها. الدليل: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن حزم (¬1)، وابن قدامة (¬2). المطلب الثاني: صيد البحر يجوز للمحرم اصطياد الحيوان البحري وأكله. الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَة وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [المائدة: 96]. ثانياَ: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬3)، وابن قدامة (¬4). ¬

(¬1) قال ابن حزم: (اتَّفقوا أنَّ له أن يذبح من الأنعام والدجاج الإنسي ما أحب، مما يملك، أو يأمر مالكه وهو محرمٌ في الحرم) ((مراتب الإجماع)) (ص: 44). (¬2) قال ابن قدامة: (ما ليس بوحشيٍّ لا يحرم على المحرم ذبحه ولا أكله، كبهيمة الأنعام كلها، والخيل، والدجاج، ونحوها، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً) ((المغني)) (3/ 440). (¬3) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن صيد البحر للمحرم مباحٌ اصطياده، وأكله، وبيعه، وشرؤاه) ((الإجماع)) (ص: 54). (¬4) قال ابن قدامة: (أجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباحٌ للمحرم اصطياده، وأكله وبيعه وشراؤه) ((المغني)) (3/ 316).

الفصل الثاني: أحكام الفدية والكفارة في الصيد

المبحث الأول: كفارة قتل المحرم للصيد المطلب الأول: حكم كفارة قتل الصيد يجب الجزاء في قتل الصيد في الجملة. الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95]. ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك في الجملة، ابن المنذر (¬1)، وابن رشد (¬2)، وابن قدامة (¬3). المطلب الثاني: كفارة قتل الصيد يُخيَّر المحرم إذا قتل صيداً بين ذبح مثله، والتصدُّق به على المساكين، وبين أن يقوَّم الصيد، ويشتري بقيمته طعاماً لهم، وبين أن يصوم عن إطعام كل مدٍّ يوماً، أما إذا قتل المحرم ما لا يشبه شيئاً من النَّعم، فإنه يُخيَّر بين الإطعام والصيام، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، والحنابلة (¬6). الدليل: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95]. المطلب الثالث: مكان ذبح الهدي في جزاء الصيد ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن المحرم إذا قتل صيداً، عامداً لقتله، ذاكراً لإحرامه، أن عليه الجزاء) ((الإجماع)) (ص: 53). (¬2) قال ابن رشد: (أجمع العلماء على أن المحرم إذا قتل الصيد أن عليه الجزاء؛ للنص في ذلك) ((بداية المجتهد)) (1/ 359). (¬3) قال ابن قدامة: (وجوب الجزاء على المحرم بقتل الصيد في الجملة، وأجمع أهل العلم على وجوبه) ((المغني)) (3/ 437). (¬4) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 82)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 835). (¬5) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156)، ((المجموع)) للنووي (7/ 423). (¬6) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 361)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452).

يجب أن يكون ذبح الهدي الواجب في جزاء الصيد، في الحرم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره الطبري (¬4)، وابن حزم (¬5)، والشنقيطي (¬6)، وابن عثيمين (¬7). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى في جزاء الصيد: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنه لو جاز ذبحه في غير الحرم؛ لم يكن لذكر بلوغه الكعبة معنى (¬8). ثانياً: من السنة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نحرت ها هنا، ومنى كلها منحر)) (¬9)، وعنه أيضاً مرفوعاً: ((هذا المنحر, وفجاج مكة كلها منحر)) (¬10). وجه الدلالة: أنه حيثما نُحِرَت البدن, والإهداء من فجاج مكة ومنى والحرم كله، فقد أصاب الناحر (¬11). ثالثاً: أن الهدي اسمٌ لما يهدى إلى مكان الهدايا، ومكان الهدايا الحرم؛ وإضافة الهدايا إلى الحرم ثابتةٌ بالإجماع (¬12). رابعاً: أن هذا دمٌ يجب للنسك؛ فوجب أن يكون في مكانه وهو الحرم (¬13). المطلب الرابع: توزيع الصدقة على مساكين الحرم ¬

(¬1) ((الهداية)) للميرغيناني (1/ 186)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224). (¬2) ((المجموع)) للنووي (8/ 187،191)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 187). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 376)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 416). (¬4) قال الطبري: (يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران، وجزاء الصيد، فإنهما لا ينحران إلا بالحرم) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 378). (¬5) قال ابن حزم: (لا يجوز نحر البدن والهدي في غير الحرم، إلا ما خصَّه النص من هدي المحصر, وهدي التطوع إذا عطب قبل بلوغه مكة) ((المحلى)) (7/ 156). (¬6) قال الشنقيطي: (إن اختار جزاءً بالمثل من النعم، وجب ذبحه في الحرم خاصة; لأنه حق لمساكين الحرم، ولا يجزئ في غيره، كما نصَّ عليه تعالى بقوله: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ *المائدة: 95*، والمراد الحرم كله، كقوله: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ*الحج: 33*، مع أن المنحر الأكبر منى) ((أضواء البيان)) (1/ 443). (¬7) قال ابن عثيمين: (ويستثنى من فعل المحظور جزاء الصيد، فإن جزاء الصيد لا بد أن يبلغ إلى الحرم؛ لقول الله تعالى: فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ*المائدة: 95*، إلى أن قال: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ*المائدة: 95*، وهل المراد في الحرم ذبحاً وتفريقاً أو ذبحاً فقط، أو تفريقاً فقط؟ الجواب: المراد ذبحاً وتفريقاً، فما وجب في الحرم، وجب أن يُذبح في الحرم، وأن يُفرَّق ما يجب تفريقه منه في الحرم) ((الشرح الممتع)) (7/ 207). (¬8) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((الهداية)) للميرغيناني (1/ 186). (¬9) رواه مسلم (1218) (¬10) رواه أبو داود (1937)، وابن ماجه (2491)، وأحمد (3/ 326) (146538)، والدارمي (2/ 79) (1879)، وابن خزيمة (4/ 242) (2787)، والحاكم (1/ 631)، والبيهقي (5/ 122) (9775). صححه ابن الملقن في البدر المنير (6/ 427)، وحسنه الزيلعي في ((نصب الراية)) (3/ 162)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1937): حسن صحيح. (¬11) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 156 رقم 836). (¬12) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 224)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 163). (¬13) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/ 226).

يُشتَرَط أن توزَّع الصدقة على مساكين الحرم، وهو مذهب الشافعية (¬1)، والحنابلة (¬2)، واختاره الشنقيطي (¬3)، وابن باز (¬4)، وابن عثيمين (¬5). (¬6) الدليل: قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنَّ في حكم الهدي ما كان بدلاً عنه من الإطعام؛ فيجب أن يكون مثله كذلك، بالغ الكعبة (¬7). المطلب الخامس: موضع الصيام يجوز الصيام في أي موضع (¬8). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنه أطلق الصيام، ولم يقيده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (¬9). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن عبدالبر (¬10)، وابن قدامة (¬11). ثالثاً: أن الصيام لا يتعدى نفعه إلى أحد، فلا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف الهدي والإطعام، فإن نفعه يتعدى إلى من يُعطاه (¬12). رابعاً: أن الصوم عبادةٌ تختص بالصائم لا حق فيها لمخلوق؛ فله فعلها في أي موضعٍ شاء (¬13). المطلب السادس: اشتراط التتابع في الصيام لا يشترط التتابع في الصيام (¬14). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنه أطلق الصيام، ولم يقيِّده بشيء، والواجب البقاء على إطلاقات النصوص، وعدم التصرف بتقييدها من غير دليل (¬15). ثانياً: الإجماع نقل النووي الإجماع على ذلك (¬16). ¬

(¬1) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 156) (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 449)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452، 46). (¬3) قال الشنقيطي: (ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يطعم إلا في الحرم، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم في موضع إصابة الصيد، وذهب بعضهم إلى أنه يطعم حيث شاء، وأظهرها أنه حقٌّ لمساكين الحرم; لأنه بدلٌ عن الهدي، أو نظيرٌ له، وهو حقٌّ لهم إجماعاً، كما صرح به تعالى بقوله: هدياً بالغ الكعبة) ((أضواء البيان)) (1/ 445). (¬4) قال ابن باز: (وهكذا الصيد يكون جزاؤه في الحرم، إذا كان جزاؤه غير الصيام، كالذبح والطعام يكون لمساكين الحرم) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/ 128). (¬5) قال ابن عثيمين: (ولو ذبحه في منى، وفرَّقه في عرفة، والطائف، والشرائع، أو غيرها من الحل، لم يجزئ؛ لأنه لا بد أن يكون لمساكين الحرم؛ وعلى هذا فيضمن اللحم بمثله لمساكين الحرم. وذهب بعض العلماء إلى أنه لو ذبحه خارج الحرم، وفرقه في الحرم أجزأه؛ لأن المقصود نفع فقراء الحرم وقد حصل، وهذا وجهٌ للشافعية، ولا ينبغي الإفتاء به إلا عند الضرورة، كما لو فعل ذلك أناسٌ يجهلون الحكم، ثم جاءوا يسألون بعد فوات وقت الذبح، أو كانوا فقراء؛ فحينئذٍ ربما يسع الإنسان أن يفتي بهذا القول) ((الشرح الممتع)) (7/ 207). (¬6) فائدة: قال ابن عثيمين: (مساكين الحرم: من كان داخل الحرم من الفقراء، سواء كان داخل مكة، أو خارج مكة، لكنه داخل حدود الحرم، ولا فرق بين أن يكون المساكين من أهل مكة، أو من الآفاقيين، فلو أننا وجدنا حجاجاً فقراء، وذبحنا ما يجب علينا من الهدي وأعطيناه إياهم فلا بأس، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا أن يتصدق بلحم الإبل التي أهداها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستثن أحداً، فدل هذا على أن الآفاقي مثل أهل مكة؛ ولأنهم أهلٌ أن يُصرف لهم، وهل المراد بالمساكين، الفقراء والمساكين، أو المساكين فقط؟ الجواب: المراد الفقراء والمساكين؛ لأنه إذا جاء لفظ المساكين وحده، أو لفظ الفقراء وحده، فكل واحد منهما يشمل الآخر، وأما إذا جاء لفظ المساكين ولفظ الفقراء، فالفقراء أشد حاجةً من المساكين، كما بينَّا ذلك في كتاب الزكاة) ((الشرح الممتع)) (7/ 204 - 205). (¬7) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 460). (¬8) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452). (¬10) قال ابن عبدالبر: (لا خلاف في الصيام أن يصوم حيث شاء) ((الاستذكار)) (4/ 272). (¬11) قال ابن قدامة: (أما الصيام فيجزئه بكل مكان لا نعلم في هذا خلافا، كذلك قال ابن عباس، وعطاء، والنخعي، وغيرهم) ((المغني)) (3/ 471). (¬12) ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (4/ 272)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 471). (¬13) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 445). (¬14) ((المبسوط)) للسرخسي (4/ 179)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 334)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 180)، ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452). (¬15) ((المجموع)) للنووي (7/ 438)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 452). (¬16) قال النووي: (الصوم الواجب هنا يجوز متفرقاً ومتتابعاً، نصَّ عليه الشافعي، ونقله عنه ابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافاً) ((المجموع)) (7/ 438).

المبحث الثاني: الجزاء في الصيد

المبحث الثاني: الجزاء في الصيد المطلب الأول: تعريف المثلي المثلي ما كان له مِثْلٌ من النعم، أي مشابهٌ في الخِلْقة والصورة للإبل، أو البقر، أو الغنم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء (¬1) من المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أن الذي يُتصوَّر أن يكون هدياً، هو ما كان مثل المقتول من النعم، فأما القيمة فلا يُتصور أن تكون هدياٌ، ولا جرى لها ذكرٌ في نفس الآية (¬5). ثانياً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه قال: ((جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشاً)) (¬6). وجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم في الضبع بكبش, علمنا من ذلك أنَّ المماثلة إنما هي في القَدِّ وهيئة الجسم؛ لأن الكبش أشبه النعم بالضبع (¬7). المطلب الثاني: ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم من المِثْلي ما قضى به الصحابة رضي الله عنهم من المثلي، فإنه يجب الأخذ به (¬8)، وما لا نقل فيه عنهم، فإنه يحكم بمثله عدلان من أهل الخبرة، وهذا مذهب الشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬11)، وهو اختيار ابن عثيمين (¬12). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنَّ ما تقدم فيه حكمٌ من عدلين من الصحابة، أو ممَّن بعدهم، فإنه يتبع حكمهم، ولا حاجة إلى نظر عدلين وحكمهما; لأن الله تعالى قال: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ، وقد حكما بأن هذا مثلٌ لهذا، وعدالتهم أوكد من عدالتنا؛ فوجب الأخذ بحكمهم (¬13). ثانياً: من السنة: ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (ومذهب أهل المدينة ومن وافقهم كالشافعي وأحمد في جزاء الصيد: أنه يضمن بالمثل في الصورة، كما مضت بذلك السنة وأقضية الصحابة) ((مجموع الفتاوى)) (20/ 352). (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 331)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/ 179). (¬3) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 157)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 526). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 350)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 463). (¬5) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 443). (¬6) رواه ابن ماجه (2522)، وابن خزيمة (4/ 182) (2646)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 164)، والدارقطني (2/ 246) (48)، والحاكم (1/ 622). وصححه البخاري كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/ 920)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2522)، وقال ابن كثير ((إرشاد الفقيه)) (1/ 326): إسناده على شرط مسلم، وله متابع من حديث ابن عباس مرفوعاً، وإسناده لا بأس به .. (¬7) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 227). (¬8) قال ابن قدامة: (وأجمع الصحابة على إيجاب المثل) ((المغني)) (3/ 441). (¬9) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((المجموع)) للنووي (7/ 439). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 380). (¬11) منهم: عطاء، وإسحاق، وداود. ((المجموع)) للنووي (7/ 439)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351). (¬12) قال ابن عثيمين: (والنوع الذي له مثل نوعان أيضا: نوعٌ قضت الصحابة به، فيرجع إلى ما قضوا به، وليس لنا أن نعدل عما قضوا به، ونوعٌ لم تقض به الصحابة، فيحكم فيه ذوا عدلٍ من أهل الخبرة، ويحكمان بما يكون مماثلاً) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 211). (¬13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 446).

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ)) (¬1). ثالثاً: أن الصحابة رضي الله عنهم إذا حكموا بشيءٍ، أو حكم بعضهم به، وسكت باقوهم عليه، صار إجماعاً، وما انعقد الإجماع عليه فلا يجوز الاجتهاد فيه؛ ولأن العدول عما قضوا به يؤدي إلى تخطئتهم (¬2). رابعاً: أن الصحابة رضي الله عنهم شاهدوا الوحي، وحضروا التنزيل والتأويل، وهم أقرب إلى الصواب، وأبصر بالعلم، وأعرف بمواقع الخطاب؛ فكان حكمهم حجةً على غيرهم كالعالم مع العامِّي (¬3). المطلب الثالث: ما يجب في صيد الدواب والطيور من الجزاء الفرع الأول: ما يجب في صيد الدواب في النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحمار الوحش بقرةٌ إنسية، وفي الضبع كبش (¬4)، وفي الغزال عنز (¬5)، وفي الأرنب عناق (¬6)، وفي اليربوع (¬7) جفرة (¬8)، وفي الضبِّ جدي (¬9)، وما لا مثل له، فإنه يحكم بمثله حكمان عدلان، وهذا مذهب الشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11). ¬

(¬1) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (4/ 126) (17184)، وابن حبان (1/ 178)، والطبراني (18/ 245)، والحاكم (1/ 176). والحديث صححه الترمذي، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1164)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (20/ 309)، والشوكاني في ((إرشاد الفحول)) (1/ 160)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (42)، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (1/ 181) (¬2) ((الذخيرة)) للقرافي (3/ 331)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291). (¬3) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 291)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، (¬4) الكبش: فحل الضأن. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: كبش). (¬5) العنز: الماعزة، وهى الأنثى من المعز. ((الصحاح)) للجوهري (مادة: عنز). (¬6) العناق: أنثى المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنة. ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: عنق). (¬7) اليربوع: حيوانٌ يشبه الفأرة، لكنه أطول منها رجلاً، وله ذنبٌ طويل، وفي طرفه شعرٌ كثير. ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 295)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 213). (¬8) الجفرة: أنثى المعز إذا بلغت أربعة أشهر، وفصلت عن أمها. ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (مادة: عنق)، وينظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 526). (¬9) الجدي: الذكر من أولاد المعز. ((المصباح المنير)) للفيومي (مادة: ج د ي)، ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: جدا). (¬10) ((المجموع)) للنووي (7/ 431)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 526). (¬11) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 351)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 385).

الأدلة (¬1): أدلة أن في النعامة بدنة أولاً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، قالوا في النعامة قتلها المحرم، بدنةٌ من الإبل)) (¬2). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((إن قتل نعامةً فعليه بدنةٌ من الإبل)). 3 - عن عطاء: ((أن ابن عباس, ومعاوية, قالا: في النعامة بدنة يعني من الإبل)) (¬3). ثانياً: أنه لا شيء أشبه بالنعامة من الناقة في طول العنق, والهيئة والصورة (¬4). أدلة أن في بقرة الوحش وحمار الوحش بقرة: أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((وفي البقرة بقرة، وفي الحمار بقرة)) (¬5). ثانياً: أن حمار الوحش وبقرة الوحش أشبه بالبقرة؛ لأنهما ذوا شعرٍ وذنبٍ سابغ؛ وليس لهما سنام؛ فوجب الحكم بالبقرة لقوة المماثلة، أما الناقة فليست كذلك؛ فهي ذات وبرٍ وذنبٍ قصيرٍ وسنام (¬6). أدلة أن في الضبع كبش: أولاً: من السنة: عن جابر رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا أصابه المحرم)) (¬7)، وفي رواية: ((جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشاً)) (¬8). ¬

(¬1) قال ابن تيمية: (وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، أنهم قضوا في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش وبقرة الأيل والتبتل والوعل ببقرة، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي اليربوع بجفرة، وإنما حكموا بذلك للماثلة في الخلقة، لا على جهة القيمة؛ لوجوه أحدها أن ذلك مبين في قصصهم كما سيأتي بعضه إن شاء الله، الثاني أن كل واحدٍ من هذه القضايا تعددت في أمكنةٍ وأزمنةٍ مختلفة، فلو كان المحكوم به قيمته؛ لاختلفت باختلاف الأوقات والبقاع، فلما قضوا به على وجهٍ واحدٍ عُلِمَ أنهم لم يعتبروا القيمة) ((شرح العمدة)) (3/ 283). قال ابن عثيمين: (فهذا كله قضى به الصحابة، منه ما روي عن واحدٍ من الصحابة، ومنه ما روي عن أكثر من واحد، فإذا وجدنا شيئاً من الصيود لم تحكم به الصحابة، أقمنا حكمين عدلين خبيرين، وقلنا ما الذي يشبه هذا من بهيمة الأنعام؟ فإذا قالوا: كذا وكذا، حكمنا به، وإذا لم نجد شيئاً محكوماً به من قبل الصحابة، ولا وجدنا شبهاً له من النعم، فيكون من الذي لا مثل له، وفيه قيمة الصيد قلَّت أم كثُرت) ((الشرح الممتع)) (7/ 214). (¬2) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (4/ 398) (¬3) رواه البيهقي (5/ 182) (10150). (¬4) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 227). (¬5) رواه الدارقطني (2/ 247) (51)، والبيهقي (5/ 182) (10151). ضعف إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 241). وانظر: المحلى (7/ 228)، الحاوي الكبير (4/ 292)، المجموع للنووي (7/ 425)، المغني لابن قدامة (3/ 442). (¬6) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 228). (¬7) رواه أبو داود (3801)، والدارمي (2/ 102) (1941)، وابن خزيمة (4/ 183) (2648)، وابن حبان (9/ 277) (3964)، والحاكم (1/ 623). وصححه النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (125)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3801)، والوادعي في ((الصحيح المسند)). (¬8) رواه ابن ماجه (2522)، وابن خزيمة (4/ 182) (2646)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2/ 164)، والدارقطني (2/ 246) (48)، والحاكم (1/ 622). وصححه البخاري كما في ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (3/ 920)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2522)، وقال ابن كثير ((إرشاد الفقيه)) (1/ 326): إسناده على شرط مسلم، وله متابع من حديث ابن عباس مرفوعاً، وإسناده لا بأس به.

ثانياً: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش)) (¬1). 2 - عن علي بن أبي طالب: ((في الضبع كبش)) (¬2). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((في الضبع كبش)) (¬3). 4 - وبه قضى: وابن عمر, وجابر, وقد بلغ ابن الزبير قول عمر فلم يخالفه، رضي الله عنهم جميعاً (¬4). أدلة أن في الظبي عنز: 1 - عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفى الغزال بعنز)) (¬5). 2 - عن محمد بن سيرين: ((أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجريت أنا وصاحبٌ لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبياً ونحن محرمان، فماذا ترى؟ فقال عمر لرجلٍ إلى جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت، قال فحكما عليه بعنز، فولَّى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلاً يحكم معه، فسمع عمر قول الرجل فدعاه، فسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ فقال: لا، فقال: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة؛ لأوجعتك ضرباً، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]. وهذا عبدالرحمن بن عوف))، وفي روايةٍ عن عمر رضي الله عنه: ((أنه حكم هو وعبدالرحمن بن عوف في ظبيٍ بعنز)) (¬6). 3 - عن جابر رضي الله عنه: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز)) (¬7). أدلة أن في الأرنب عناق: 1 - عن جابر رضي الله عنهما: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق)) (¬8) .. ¬

(¬1) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245) (¬2) رواه الشافعي (7/ 180)، وابن أبي شيبة (3/ 675). وانظر: المحلى (7/ 227). (¬3) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وعبدالرزاق (4/ 403)، والبيهقي (5/ 184) (10167) (7/ 426): إسناده صحيح أو حسن، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 244) إذا كان ابن جريج سمعه من عطاء ولم يدلسه. (¬4) المحلى (7/ 227)، الحاوي الكبير (4/ 292)، المغني لابن قدامة (3/ 442). (¬5) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245). (¬6) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 608)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 254)، والبيهقي (5/ 180) (10142). قال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 323): منقطع إلا أنه يستأنس به في هذا، ومثله يشتهر عن أمير المؤمنين عمر .. (¬7) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245). (¬8) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245).

2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه قضى في الأرنب بعناق، وقال: هي تمشي على أربع، والعناق كذلك، وهي تأكل الشجر، والعناق كذلك، وهي تجتر، والعناق كذلك)) (¬1). 3 - وجاء أيضاً: عن عبدالله بن عمرو بن العاص, وعمرو بن حبشي، وعطاء (¬2). أدلة أن في اليربوع جفرة: 1 - عن جابر: ((أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة)) (¬3). 2 - عن ابن مسعود رضي الله عنه: ((أنه قضى في اليربوع بجفرٍ أو جفرة)) (¬4). 3 - وجاء ذلك أيضاً: عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء (¬5). دليل أن في الضب جدي: عن طارق قال: ((خرجنا حجاجاً، فأوطأ رجلٌ يُقال له أربد، ضبًّا ففزر ظهره، فقدمنا على عمر، فسأله أربد فقال عمر: احكم يا أربد، فقال أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر: إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن تزكيني، فقال أربد: أرى فيه جدياً قد جمع الماء والشجر، فقال عمر بذلك فيه)) (¬6). الفرع الثاني: ما يجب في صيد الطيور في أنواع الحمام (¬7) شاةٌ، عند أكثر أهل العلم (¬8)، وما عداه فإنَّه تجب فيه القيمة، سواء كان أصغر منه أو أكبر، وهو مذهب الشافعية (¬9)، والحنابلة (¬10). أدلة أنَّ في أنواع الحمامة شاة: أولاً: آثار الصحابة رضي الله عنهم: 1 - عن عمر رضي الله عنه: ((أنه حكم في الحمامة شاة)) (¬11). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((في حمامة الحرم شاة)) (¬12). 3 - وجاء ذلك: عن عثمان وابن عمر ونافع بن عبدالحرث رضي الله عنهم، وبه قال عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وقتادة (¬13). أدلة أن ما كان أكبر أو أصغر من الحمام فإن فيه قيمته: أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((في كل طيرٍ دون الحمام قيمته)) (¬14). ثالثاً: أن ما كان أصغر من الحمام أو أكبر فيضمن بالقيمة؛ لأنه لا مثل له من النعم (¬15). ¬

(¬1) رواه البيهقي (5/ 184) (10170) (¬2) ((المحلى)) (7/ 228)، ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 443). (¬3) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 211)، وابن أبي شيبة (4/ 76)، والبيهقي (5/ 183) (10163). صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 426)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 395) على شرط مسلم، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (5/ 85)، والألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 245). (¬4) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 227)، والبيهقي (5/ 184) (10173). وصححه ابن حزم في ((الحيرة والالتباس)) (2/ 750)، وقال البيهقي: مرسل (¬5) ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 443). (¬6) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 212)، والبيهقي (5/ 182) (10149). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 425)، وصححه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/ 401). وينظر: ((الحاوي الكبير)) (4/ 292)، ((المغني)) لابن قدامة (3/ 443). (¬7) الحمام: ما عب وهدر، أي شرب الماء بلا مص ولا رجع صوت، كاليمام والقمري. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: عبب). (¬8) قال ابن المنذر: (أجمعوا أن في حمام الحرم شاة، وانفرد النعمان، فقال: فيه قيمته) ((الإجماع)) (ص: 54). (¬9) ((روضة الطالبين)) للنووي (3/ 158)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 526). (¬10) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 352، 354)، ((الإقناع)) للبهوتي (1/ 373). (¬11) رواه الشافعي في ((الأم)) (2/ 214)، قال ابن حجر في ((التلخيص)) (2/ 285): (إسناده حسن). (¬12) رواه بمعناه الدارقطني (2/ 247) (51)، البيهقي (5/ 182) (10151) وصححه ابن حزم في ((الإعراب عن الحيرة والالتباس)) (2/ 750)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/ 247) (¬13) ((المحلى)) لابن حزم (7/ 229)، ((المجموع)) للنووي (7/ 424، 440). (¬14) رواه البيهقي (5/ 206)، وانظر: ((المجموع)) للنووي (7/ 441). (¬15) ((المجموع)) للنووي (7/ 424).

المبحث الثالث: صيد الحرم

المبحث الثالث: صيد الحرم يحرم الصيد في الحرم على المحرم، وعلى الحلال. الأدلة: أولاً: من السنة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحدٍ قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يُختلى خلاها)) (¬1). ثانياً: الإجماع: نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذر (¬2)، والنووي (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري (3189)، ومسلم (1353). (¬2) قال ابن المنذر: (أجمعوا على أن صيد الحرم حرامٌ على الحلال والمحرم، وأجمعوا على تحريم قطع شجرها) ((الإجماع)) (ص:60). (¬3) قال النووي: (أما صيد الحرم فحرامٌ بالإجماع على الحلال والمحرم، فإن قتله فعليه الجزاء عند العلماء كافةً، إلا داود فقال يأثم ولا جزاء عليه) ((شرح النووي على مسلم)) (9/ 125).

المبحث الرابع: ما لا يدخل في الصيد

المبحث الرابع: ما لا يدخل في الصيد المطلب الأول: الهوام والحشرات لا تدخل الهوام والحشرات، في تحريم الصيد عند جمهور الفقهاء، من الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3). وذلك للآتي: أولاً: أنه لم يأت في تحريم صيدها على المحرم شيء. ثانياً: أن أصلها لا يُضمن لا بمثلها ولا بقيمتها (¬4). المطلب الثاني: قتل الفواسق الخمس للمحرم قتل الفواسق الخمس: الحدأة (¬5)، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، في الحل والحرم. الأدلة: أولاً: من السنة 1 - عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خمس فواسق، يُقتلنَ في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب العقور)) (¬6). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قالت حفصة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمسٌ من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور)) (¬7). ثانياً: من الإجماع: ¬

(¬1) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 251) ((الفتاوى الهندية)) (5/ 416). (¬2) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 341)، ((المجموع)) للنووي (7/ 316). (¬3) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 284، 303)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 439). (¬4) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 303). (¬5) الحدَأَةُ: طائرٌ يَصِيدُ الجِرْذان. ((لسان العرب)) لابن منظور (مادة: حدأ). (¬6) رواه البخاري (3314)، ومسلم (1198) (¬7) رواه البخاري (3315)، ومسلم (1199). وقال أيضاً: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام، فذكر الفارة. وروينا إباحة ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال عطاء في الجرذ الوحشي: ليس بصيد فاقتله، ومنع النخعي المحرم من قتل الفأرة، وهذا لا معنى له، لأنه خلاف السنة، وقول أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 254 - 255).

نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬1)، والبغوي (¬2)، وحكاه ابن عبدالبر في الجملة (¬3). (¬4) المطلب الثالث: قتل المؤذيات للمحرم قتل كل ما آذاه، سواء كان من طبعه الأذى أو لم يكن. الأدلة: أولاً: من السنة عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((خمس فواسق، يُقتلنَ في الحرم: الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب العقور)) (¬5). وجه الدلالة: أن الخبر نصَّ من كل جنسٍ على صورة من أدناه، تنبيهاً على ما هو أعلى منها، ودلالةً على ما كان في معناها، فنصه على الحدأة والغراب تنبيهٌ على البازي ونحوه، وعلى الفأرة تنبيهٌ على ما يؤذي من الحشرات، وعلى العقرب تنبيهٌ على الحية، وعلى الكلب العقور تنبيهٌ على السباع التي هي أعلى منه (¬6). ثانيا: الإجماع: نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر (¬7)، وابن حزم (¬8). ثالثا: أن كل مدفوعٍ لأذاه فلا حرمة له (¬9). ¬

(¬1) قال ابن المنذر: (أجمعوا على ما ثبت من خبر النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم من قتل التي يقتلها المحرم، وانفرد النخعي فمنع من قتل الفأرة) ((الإجماع)) (ص: 54). وقال أيضاً: (ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمس لا جناح على من قتلهن في الإحرام، فذكر الفارة. وروينا إباحة ذلك عن أبي سعيد الخدري، وبه قال مالك، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم، وقال عطاء في الجرذ الوحشي: ليس بصيد فاقتله، ومنع النخعي المحرم من قتل الفأرة، وهذا لا معنى له، لأنه خلاف السنة، وقول أهل العلم) ((الإشراف)) (3/ 254 - 255). (¬2) قال البغوي: (قال الإمام: اتفق أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل هذه الأعيان المذكورة في الخبر، ولا شيء عليه في قتلها إلا ما حكي عن النخعي أنه قال لا يقتل المحرم الفأرة، ولم يذكر عنه فيه فدية، وهو خلاف النص، وأقاويل أهل العلم) ((شرح السنة)) (7/ 267 - 268). (¬3) قال ابن عبدالبر: (أجمع العلماء على القول بجملة معنى أحاديث هذا الباب، واختلفوا في تفصيلها) ((الاستذكار)) (4/ 151). (¬4) قال ابن دقيق العيد: (الجمهور على جواز قتل هذه المذكورة في الحديث، والحديث دليلٌ على ذلك) ((إحكام الأحكام)) (1/ 312). وقال النووي: (واتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن وما يكون في معناهن) ((شرح النووي على مسلم)) (8/ 113). وقال ابن قدامة: (وله أن يقتل الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، وكل ما عدا عليه، أو آذاه، ولا فداء عليه، هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وحكي عن النخعي أنه منع قتل الفأرة، والحديث صريحٌ في حلِّ قتلها، فلا يُعوَّل على ما خالفه) ((المغني)) (3/ 314). (¬5) رواه البخاري (3314)، ومسلم (1198) (¬6) ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/ 303). (¬7) قال ابنُ المنذر: (أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم، على أن السبع إذا بدأ المحرم، فقتله، لا شيء عليه) ((الإجماع)) (ص: 54). (¬8) قال ابن حزم: (أجمعوا أن المحرم يقتل ما عدا عليه من الكلاب الكبار والحديان الكبار، وأنه لا جزاء عليه فيما قتله من ذلك) ((مراتب الإجماع)) (ص: 43). (¬9) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 146).

المبحث الخامس: أحكام الأكل من الصيد، والدلالة عليه

المبحث الخامس: أحكام الأكل من الصيد، والدلالة عليه المطلب الأول: من صيد لأجله من صيد لأجله، فإنه يحرم عليه أكله، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، واختاره داود الظاهري (¬4)، وبه قال بعض السلف (¬5). الأدلة: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن الصعب بن جثامة الليثي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشيًّا، وهو بالأبواء أو بودَّان، فردَّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم)) (¬6). 2 - عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: ((رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه بالعرج في يومٍ صائف، وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أُتيَ بلحم صيدٍ، فقال لأصحابه: كلوا، قالوا: ألا تأكل أنت؟ قال: إني لست كهيأتكم، إنما صيد من أجلي)) (¬7). المطلب الثاني: إذا صاد المحل صيدا وأطعمه المحرم، فهل يكون حلالا للمحرم؟ إذا صاد المحل صيداً، وأطعمه المحرم دون أن يعينه بشيءٍ على صيده، فإنه يحل للمحرم أكله، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (¬8)، والمالكية (¬9)، والشافعية (¬10)، والحنابلة (¬11)، وحكاه الكاساني عن عامَّة العلماء (¬12). الأدلة: أولاً: من الكتاب قوله تعالى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة: 96]. وجه الدلالة: أن كلمة: صيد، مصدر، أي: حُرِّم عليكم أن تصيدوا صيد البر، وليس بمعنى مصيد (¬13). ثانياً: من السنة 1 - عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومنا المحرم، ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت، فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه، فقالوا: لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته، فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة، فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا، فسألته، فقال: كلوه، حلال)) (¬14). ثالثاً: أن المحرِم ليس له أثرٌ في هذا الصيد، لا دلالة، ولا إعانة، ولا مشاركة، ولا استقلالاً، ولا صيد من أجله؛ فلم يُمنع منه. المطلب الثالث: الدلالة على الصيد ¬

(¬1) ((حاشية الدسوقي)) (2/ 78 - 79). (¬2) ((المجموع)) للنووي (7/ 324). (¬3) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 338). (¬4) ((المجموع)) للنووي (7/ 324). (¬5) قال ابن المنذر: (وقال عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يأكله إلا ما صيد من أجله، وروى بمعناه عن عثمان بن عفان) ((الإشراف)) (3/ 249). وقال شمس الدين ابن قدامة: (وإن صيد من أجله حرم عليه أكله، يروى ذلك عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وبه قال مالك والشافعي) ((الشرح الكبير)) (3/ 289). (¬6) رواه البخاري (1825)، ومسلم (1193). (¬7) رواه مالك (3/ 514) (1290)، والشافعي في ((الأم)) (7/ 241)، والبيهقي (5/ 191) (9705). وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (7/ 268)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 941). (¬8) ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (2/ 565)، ((تبيين الحقائق وحاشية الشلبي)) (2/ 68). (¬9) ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 372). (¬10) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 779). (¬11) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 291)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/ 436). (¬12) قال الكاساني: (ويحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه، عند عامة العلماء) ((بدائع الصنائع)) (2/ 205). (¬13) قال ابن كثير: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا أي: في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد؛ ففيه دلالةٌ على تحريم ذلك) ((تفسير ابن كثير)) (3/ 200). (¬14) رواه البخاري (1823)، ومسلم (1196).

الفرع الأول: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ فقتله: اختلف الفقهاء فيما إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ فقتله، على قولين: القول الأول: إذا دلَّ المحرم حلالاً على صيدٍ فقتله، يلزم المحرم جزاؤه، وهو مذهب الحنفية (¬1)، والحنابلة (¬2)، وبه قال طائفةٌ من السلف (¬3)، وهو اختيار ابن تيمية (¬4)، والشنقيطي (¬5)، وحُكيَ فيه الإجماع (¬6). الأدلة: أولاً: من السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب أبي قتادة رضي الله عنهم: ((هل منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟)) (¬7). وجه الدلالة: أنه علَّق الحلَّ على عدم الإشارة؛ فأحرى أن لا يحل إذا دلَّه باللفظ، فقال هناك صيدٌ ونحوه (¬8). ثانياً: أنَّه قول عليٍّ وابن عباس رضي الله عنهما، ولا يُعرَف لهما مخالفٌ من الصحابة رضي الله عنهم (¬9). ثالثاً: أنَّه سببٌ يُتوصَّلُ به إلى إتلاف الصيد؛ فتعلَّق به الضمان؛ فإنَّ تحريم الشيء تحريمٌ لأسبابه (¬10). القول الثاني: إذا دلَّ المحرمُ حلالاً على صيدٍ، فإنه يكون مُسيئاً، ولا جزاء عليه، وهو مذهب المالكية (¬11)، والشافعية (¬12). الأدلة: أولاً: من الكتاب ظاهر قوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أنَّه علَّق الجزاء بالقتل؛ فاقتضى ألا يجب الجزاء بعدم القتل (¬13). ثانياً: أنها نفسٌ مضمونةٌ بالجناية؛ فوجب ألاَّ تُضمنَ بالدلالة كالآدمي. ثالثاً: أنَّ الصيد لا يُضمَن إلا بأحد ثلاثة أشياء: إما باليد، أو بالمباشرة، أو بالتسبب، فاليد أن يأخذ صيداً فيموت في يده فيضمن، والمباشرة أن يباشر قتله فيضمنه، والتسبُّب أن يحفر بئراً، فيقع فيها الصيد فيضمن، والدلالة ليست يداً ولا مباشرةً ولا سبباً (¬14). ¬

(¬1) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 68)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 28). (¬2) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 336). (¬3) قال ابن قدامة: (ويضمن الصيد بالدلالة، فإذا دلَّ المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه، فالجزاء كله على المحرم، روي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء ومجاهد وبكر المزني، وإسحاق، وأصحاب الرأي) ((المغني)) (3/ 288). (¬4) قال ابن تيمية: (وكما يحرم قتل الصيد تحرم الإعانة عليه بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلةٍ لصيده أو لذبحه، وإذا أعان على قتله بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلةٍ ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فإن كان المعان حلالاً، فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حراماً اشتركا فيه) ((شرح عمدة الفقه)) (3/ 182). (¬5) قال الشنقيطي: (فذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة إلى أن المحرم الدال يلزمه جزاؤه كاملاً ... وهذا القول هو الأظهر) ((أضواء البيان)) (1/ 440 - 441). (¬6) قال عطاء: (أجمع الناس على أن على الدال الجزاء) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 70). قال الطحاوي: (ولم يُروَ عن أحدٍ من الصحابة خلاف ذلك؛ فصار ذلك إجماعاً) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 70). (¬7) جزء من حديث رواه البخاري (1824)، ومسلم (1196). (¬8) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (3/ 70). (¬9) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288). (¬10) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 288)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 197). (¬11) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 258)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 77). (¬12) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 306). (¬13) ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (3/ 69)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 307). (¬14) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/ 307).

رابعاً: أنَّ القاتل انفرد بقتله باختياره، مع انفصال الدال عنه، فصار كمن دل محرماً أو صائماً على امرأة فوطئها، فإنه يأثم بالدلالة، ولا تلزمه كفارة، ولا يفطر بذلك (¬1). الفرع الثاني: إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيدٍ فقتله: اختلف الفقهاء فيما إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيدٍ فقتله، على ثلاثة أقوال: القول الأول: إذا دلَّ المحرم محرماً على صيدٍ فقتله، فعلى كل واحدٍ منهما جزاءٌ كامل، وهو مذهب الحنفية (¬2)، وقول طائفةٍ من السلف (¬3)؛ وذلك لأنَّ الدلالة من محظورات الإحرام، فتوجب ما يوجبه القتل. القول الثاني: إذا دلَّ المحرم محرماً على صيدٍ فقتله، فالجزاء بينهما، وهو مذهب الحنابلة (¬4)، وهو قول بعض السلف (¬5)، واختاره ابن تيمية (¬6)؛ وذلك لأن الواجب جزاء المتلف، وهو واحد؛ فيكون الجزاء واحداً (¬7). القول الثالث: إذا دلَّ المحرمُ محرماً على صيد فقتله فالدال مسيء ولا جزاء عليه، وهو قول المالكية (¬8)، والشافعية (¬9)، واختاره الشنقيطي (¬10). الدليل: ظاهر قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]. وجه الدلالة: أوجب الجزاء على القاتل وحده، فلا يجب على غيره، ولا يُلحَق به غيره؛ لأنه ليس في معناه (¬11). ¬

(¬1) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 29). (¬2) ((الفتاوى الهندية)) (1/ 250). (¬3) قال ابن قدامة: (وبه قال الشعبي، وسعيد بن جبير، والحارث العكلي) ((المغني)) (3/ 289). (¬4) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 289)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 543). (¬5) قال ابن قدامة: (وبه قال عطاء، وحماد بن أبي سليمان) ((المغني)) (3/ 289). (¬6) قال ابن تيمية: (وإذا أعان على قتله بدلالةٍ أو إشارةٍ أو إعارة آلةٍ ونحو ذلك، فهو كما لو شرك في قتله، فإن كان المعان حلالاً، فالجزاء جميعه على المحرم، وإن كان حراماً اشتركا فيه) ((شرح عمدة الفقه)) (3/ 182). (¬7) ((المغني)) لابن قدامة (3/ 289). (¬8) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 258)، ((حاشية الدسوقي)) (2/ 77). (¬9) ((المجموع)) للنووي (7/ 330). (¬10) قال الشنقيطي: (وأما إذا دلَّ المحرم محرماً آخر على الصيد ... قال بعض العلماء الجزاء كله على المحرم المباشر، وليس على المحرم الدال شيء، وهذا قول الشافعي، ومالك، وهو الجاري على قاعدة تقديم المباشر على المتسبب في الضمان، والمباشر هنا يمكن تضمينه; لأنه محرم، وهذا هو الأظهر) ((أضواء البيان)) (1/ 441). (¬11) ((المجموع)) للنووي (7/ 330).

المعاملات

المعاملات • 1 - البيع. • 2 - الخيار. • 3 - السلم. • 4 - الربا. • 5 - القرض. • 6 - الرهن. • 7 - الضمان والكفالة. • 8 - الحوالة. • 9 - الصلح. • 10 - الحجر. • 11 - الوكالة. • 12 - الشركة. • 13 - المساقاة والمزارعة. • 14 - الإجارة. • 15 - السبق. . • 16 - العارية. • 17 - الغصب. • 18 - الشفعة والشفاعة. • 19 - الوديعة. • 20 - إحياء الموات. • 21 - الجعالة. • 22 - اللقطة واللقيط. • 23 - الوقف. • 24 - الهبة والصدقة. • 25 - الوصية. • 26 - العتق.

1 - البيع

1 - البيع • * أقسام العقود ثلاثة:. • * حكمة مشروعية البيع:. • * شروط صحة البيع:. • * ينعقد البيع بإحدى صفتين:. • * فضل الورع في المعاملات:. • * فضل الكسب الحلال:. • * فضل السماحة في البيع والشراء:. • * خطر كثرة الحلف في البيع:. • مفاتيح الرزق وأسبابه:. • * التبكير في طلب الرزق:. • * تقوى الله عز وجل:. • * اجتناب المعاصي:. • * التوكل على الله عز وجل:. • * التفرغ لعبادة الله عز وجل:. • * المتابعة بين الحج والعمرة:. • * الإنفاق في سبيل الله تعالى:. • * الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي:. • * صلة الرحم:. • * إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:. • * الهجرة في سبيل الله:. • * المحرمات في الشرع نوعان:. • * صور من البيوع المحرمة:. • * حكم التأمين التجاري:. • * حكم بيع التقسيط:. • * حكم المحاقلة:. • * حكم المزابنة:. • * بيوع الغرر تجر مفسدتين كبيرتين:.

* أقسام العقود ثلاثة:

* أقسام العقود ثلاثة: 1 - عقد معاوضة محضة كالبيع، والإجارة والشركة ونحوها. 2 - عقد تبرع محض، كالهبة والصدقة والعارية والضمان ونحوها. 3 - عقد تبرع ومعاوضة معاً كالقرض، فهو تبرع؛ لأنه في معنى الصدقة، ومعاوضة حيث إنه يرد مثله. * البيع: مبادلة مال بمال من أجل التملك. * المسلم يعمل في أي عمل كسبي لإقامة أمر الله في ذلك العمل، وإرضاء الرب بامتثال أوامره، وإحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك العمل، وفعل الأسباب المأمور بها، ثم يرزقه الله رزقاً حسناً ويوفقه لأن يصرفه في مصرف حسن.

* حكمة مشروعية البيع:

* حكمة مشروعية البيع: لما كانت النقود والسلع والعروض موزعة بين الناس كلهم، وحاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه وهو لا يبذله بغير عوض. وفي إباحة البيع قضاء لحاجته ووصول إلى غرضه، وإلا لجأ الناس إلى النهب والسرقة والحيل والمقاتلة. لذا أحل الله البيع لتحقيق تلك المصالح وإطفاء تلك الشرور، وهو جائز بالإجماع، قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة/275).

* شروط صحة البيع:

* شروط صحة البيع: 1 - التراضي من البائع والمشتري إلا من أكره بحق. 2 - أن يكون العاقد جائز التصرف بأن يكون كل منهما حراً مكلفاً رشيداً. 3 - أن يكون المبيع مما يباح الانتفاع به مطلقاً، فلا يجوز بيع ما لا نفع فيه كالبعوض والصراصير، ولا ما نفعه محرم كالخمر والخنزير، ولا ما فيه منفعة لا تباح إلا حال الحاجة والاضطرار كالكلب، والميتة، إلا السمك والجراد. 4 - أن يكون المبيع مملوكاً للبائع، أو مأذوناً له في بيعه وقت العقد. 5 - أن يكون المبيع معلوماً للمتعاقدين برؤية أو صفة. 6 - أن يكون الثمن معلوماً. 7 - أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، فلا يصح بيع السمك في البحر، أو الطير في الهواء ونحوهما؛ لوجود الغرر، وهذه الشروط لدفع الظلم والغرر والربا عن الطرفين.

* ينعقد البيع بإحدى صفتين:

* ينعقد البيع بإحدى صفتين: 1 - قولية: بأن يقول البائع: بعتك أو ملكتك أو نحوهما، ويقول المشتري: اشتريت، أو قبلت، ونحوهما مما جرى به العرف. 2 - فعلية: وهي المعاطاة كأن يقول: أعطني بعشرة ريالات لحماً فيعطيه بلا قول، ونحو ذلك مما جرى به العرف إذا حصل التراضي.

* فضل الورع في المعاملات:

* فضل الورع في المعاملات: يجب على كل مسلم أن يكون بيعه وشراؤه، وطعامه وشرابه، وسائر معاملاته على السنة، فيأخذ الحلال البيّن ويتعامل به، ويجتنب الحرام البيّن ولا يتعامل به، أما المشتبه فينبغي تركه حماية لدينه وعرضه، ولئلا يقع في الحرام. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بيّن، وإن الحرام بيّن، وبينهما مُشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). متفق عليه (¬1). * المشتبهات من الأموال ينبغي صرفها في الأبعد عن المنفعة فالأبعد، فأقربها ما دخل في البطن، ثم ما ولي الظاهر من اللباس، ثم ما عرض من المراكب كالخيل والسيارة ونحوهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599)، واللفظ له.

* فضل الكسب الحلال:

* فضل الكسب الحلال: 1 - قال الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/10). 2 - عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)). أخرجه البخاري (¬1). * وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبايعون، ويتَّجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله عز وجل لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله تعالى. * المكاسب تختلف باختلاف الناس، والأفضل لكل أحد ما يناسب حاله من زراعة أو صناعة أو تجارة بشروطها الشرعية. * يجب على الإنسان أن يجتهد في طلب الرزق الحلال؛ ليأكل وينفق على أهله وفي سبيل الله، ويستعف عن سؤال الناس، وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2072). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1470)، واللفظ له، ومسلم برقم (1042).

* فضل السماحة في البيع والشراء:

* فضل السماحة في البيع والشراء: ينبغي أن يكون الإنسان في معاملته سهلاً سمحاً حتى ينال رحمة الله. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2076).

* خطر كثرة الحلف في البيع:

* خطر كثرة الحلف في البيع: الحلف في البيع منفقة للسلعة، ممحقة للربح، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق)). أخرجه مسلم (¬1). * الصدق في البيع والشراء سبب لحصول البركة، والكذب سبب لمحق البركة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1607).

مفاتيح الرزق وأسبابه:

مفاتيح الرزق وأسبابه: أهم مفاتيح الرزق وأسبابه التي يُستنزل بها الرزق من الله عز وجل: * الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل من الذنوب: 1 - قال الله تعالى عن نوح صلى الله عليه وسلم: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح/10 - 12). 2 - قال الله تعالى عن هود صلى الله عليه وسلم: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود/52).

* التبكير في طلب الرزق:

* التبكير في طلب الرزق: ينبغي التبكير في طلب الرزق، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأُمتي في بكورها)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2606)، صحيح سنن أبي داود رقم (2270). وأخرجه الترمذي برقم (1212)، صحيح سنن الترمذي رقم (968).

* تقوى الله عز وجل:

* تقوى الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/2 - 3). 2 - قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف/96).

* اجتناب المعاصي:

* اجتناب المعاصي: قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم/41).

* التوكل على الله عز وجل:

* التوكل على الله عز وجل: ومعناه: اعتماد القلب على الوكيل وحده سبحانه، وطلب الرزق بالبدن. 1 - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق/3). 2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً)). أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2344) صحيح سنن الترمذي رقم (1911). وأخرجه ابن ماجه برقم (4164)، وهذا لفظه، صحيح سن ابن ماجه رقم (3359).

* التفرغ لعبادة الله عز وجل:

* التفرغ لعبادة الله عز وجل: ومعناه: حضور القلب وخشوعه وخضوعه لله عز وجل أثناء العبادة. عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن ادم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً، يا ابن ادم لا تَبَاعدْ مني فأملأ قلبك فقراً وأملأ يديك شغلاً)). أخرجه الحاكم (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الحاكم برقم (7926)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1359).

* المتابعة بين الحج والعمرة:

* المتابعة بين الحج والعمرة: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة)). أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (810)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (650). وأخرجه النسائي برقم (2631)، صحيح سنن النسائي رقم (2468).

* الإنفاق في سبيل الله تعالى:

* الإنفاق في سبيل الله تعالى: 1 - قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ/39). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تبارك وتعالى: يا ابن ادم أَنفق أُنفق عليك)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (993).

* الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي:

* الإنفاق على من تفرغ لطلب العلم الشرعي: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لعلك تُرزقُ به)). أخرجه الترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2345)، صحيح سنن الترمذي رقم (1912).

* صلة الرحم:

* صلة الرحم: وهي إيصال ما أمكن من الخير إلى الأقارب ودفع الشر عنهم والإحسان إليهم. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2067)، واللفظ له، ومسلم برقم (2557).

* إكرام الضعفاء والإحسان إليهم:

* إكرام الضعفاء والإحسان إليهم: 1 - عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً عمن دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟)). أخرجه البخاري (¬1). 2 - وفي لفظ: ((إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم)). أخرجه النسائي (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2896). (¬2) صحيح / أخرجه النسائي برقم (3178)، صحيح سنن النسائي رقم (2978).

* الهجرة في سبيل الله:

* الهجرة في سبيل الله: قال الله تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء/100).

* المحرمات في الشرع نوعان:

* المحرمات في الشرع نوعان: 1 - المحرمات من الأعيان: كالميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث والنجاسات ونحوها. 2 - المحرمات من التصرفات: كالربا والميسر والقمار والاحتكار والغش وبيوع الغرر ونحو ذلك مما فيه ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل. فالأول تعافه النفس، والثاني تشتهيه فاحتاج إلى رادع وزاجر وعقوبة تمنع من الوقوع فيه.

* صور من البيوع المحرمة:

* صور من البيوع المحرمة: أباح الإسلام كل شيء يجلب الخير والبركة والنفع المباح، وحرم بعض البيوع والأصناف؛ لما في بعضها من الجهالة والغرر، أو الإضرار بأهل السوق، أو إيغار الصدور، أو الغش والكذب، أو ضرر على البدن والعقل ونحوها مما يسبب الأحقاد والتشاحن والتناحر والأضرار. فتحرم تلك البيوع ولا تصح، ومنها: 1 - بيع الملامسة: كأن يقول البائع للمشتري مثلاً: أي ثوب لمسته فهو لك بعشرة، وهذا البيع فاسد؛ لوجود الجهالة والغرر. 2 - بيع المنابذة: كأن يقول المشتري للبائع: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، وهذا البيع فاسد؛ لوجود الجهالة والغرر. 3 - بيع الحصاة: كأن يقول البائع: ارم هذه الحصاة فعلى أي سلعة وقعت فهي لك بكذا، وهذا البيع فاسد، لوجود الجهالة والغرر. 4 - بيع النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه تغريراً بالمشترين الآخرين وخداعاً لهم. 5 - بيع الحاضر للبادي: وهو السمسار الذي يبيع السلعة بأغلى من سعر يومها، وهذا البيع غير صحيح؛ لما فيه من الضرر والتضييق على الناس لكن إن جاء إليه البادي وطلب منه أن يبيع أو يشتري له فلا بأس. 6 - بيع السلعة قبل قبضها لا يجوز؛ لأنه يفضي إلى الخصام والفسخ خاصة إذا رأى أن المشتري سيربح فيها. 7 - بيع العينة: وهو أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من قيمتها نقداً، فاجتمع فيه بيعتان في بيعة، وهذا البيع حرام وباطل؛ لأنه ذريعة إلى الربا، فإن اشتراها بعد قبض ثمنها، أو بعد تغير صفتها، أو من غير مشتريها جاز. 8 - بيع الرجل على بيع أخيه: كأن يشتري رجل سلعة بعشرة وقبل إنهاء البيع يجيء آخر ويقول: أنا أبيعك مثلها بتسعة أو أقل مما اشتريت به، ومثله الشراء، كأن يقول لمن باع سلعة بعشرة أنا أشتريها منك بخمسة عشر ليترك الأول ويدفعها له، وهذا البيع والشراء حرام؛ لما فيه من الإضرار بالمسلمين، وإيغار صدور بعضهم على بعض. 9 - البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة محرم لا يصح، وكذا سائر العقود. 10 - كل ما كان حراماً، كالخمر والخنزير والتماثيل أو وسيلة إلى محرم كآلات اللهو فبيعه وشراؤه حرام. * ومن البيوع المحرمة: بيع حبل الحبلة، وبيع الملاقيح وهو ما في بطون الأمهات، وبيع المضامين وهو ما في أصلاب الفحول، وضراب الجمل وعسب الفحل، ويحرم ثمن الكلب والسنور ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وبيع المجهول، وبيع الغرر، وبيع ما يعجز عن تسليمه كالطيور في الهواء، وبيع التمار قبل بدو صلاحها ونحو ذلك. * إذا باع مشاعاً بينه وبين غيره صح في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار إن جهل الحال. * المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار، فماء السماء وماء العيون لا يملك ولا يصح بيعه ما لم تحزه في قربته أو بركته أو نحوهما، والكلأ سواء كان رطباً أو يابساً ما دام في أرضه لا يجوز بيعه، والنار سواء وقودها كالحطب أو جذوتها كالقبس لا يجوز بيعها، فهذه من الأمور التي أشاعها الله بين خلقه، فيجب بذلها لمحتاجها، ويحرم منع أحد منها. * إذا باع شخص داراً تناول البيع أرضها وأعلاها وأسفلها وكل ما فيها، وإن كانت المباعة أرضاً شمل البيع كل ما فيها ما لم يستثن منها. * إذا باع داراً على أنها مائة متر فبانت أقل أو أكثر صح البيع، والزيادة للبائع، والنقص عليه، ولمن جهله وفات غرضه الخيار. * إذا جمع بين بيع وإجارة فقال: بعتك هذا البيت بمائة ألف، وأجرتك هذا البيت بعشرة آلاف، فقال الآخر قبلت صح البيع والإجارة، وكذا لو قال: بعتك هذا البيت، وأجرتك هذا البيت بمائة ألف صح، ويقسط العوض عليهما عند الحاجة. * الهدايا والجوائز المقدمة من المحلات التجارية لمن يشتري من بضائعهما المعروضة محرمة، وهي من القمار، إذ فيها إغراء للناس على الشراء منهم دون غيرهم، وشراء ما لا يحتاج أو يحرم طمعاً في الجائزة، وإضرار بالتجار الآخرين، والجائزة التي يأخذها منهم محرمة؛ لكونها من الميسر المحرم شرعاً. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/90) * المجلات والصحف الخليعة التي تدعو إلى التهتك والفجور، وأشرطة الفيديو والكاسيت التي تحمل الأغاني وأصوات المعازف، والتي تظهر فيها صور النساء سافرات غناء وتمثيلاً، وكل ما يحمل الكلام الساقط، والغزل الفاحش، ويدعو إلى الرذيلة فذلك كله يحرم بيعه وشراؤه، وسماعه، والنظر إليه، والتجارة فيه، والمال الذي منه بيعاً أو شراء أو تأجيراً كله سحت حرام لا يحل لصاحبه.

* حكم التأمين التجاري:

* حكم التأمين التجاري: التأمين التجاري عقد يلزم فيه المؤمن أن يدفع للمؤمن له عوضاً مادياً يتفق عليه عند وقوع خطر أو خسارة مقابل رسم يؤديه المؤمن له، وهو محرم لما فيه من الغرر والجهالة، وهو ضرب من الميسر، وأكل لأموال الناس بالباطل سواء كان على النفس أو على البضائع أو الآلات أو غيرها. * لا يجوز بيع عصير ممن يتخذه خمراً، ولا سلاح في فتنة، ولا بيع حي بميت. * كل بيع معلق على شرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً فهو صحيح كأن يشترط البائع سكنى الدار شهراً، أو يشترط المشتري حمل الحطب، وتكسيره ونحو ذلك. * أرض منى ومزدلفة وعرفات مشاعر كالمساجد لعموم المسلمين، فلا يجوز بيعها أو تأجيرها، ومن فعل ذلك فهو عاص آثم ظالم والأجرة عليه حرام.

* حكم بيع التقسيط:

* حكم بيع التقسيط: بيع التقسيط صورة من بيع النسيئة وهو جائز، فبيع النسيئة مؤجل لأجل واحد، وبيع التقسيط مؤجل لآجال متعددة. * تجوز الزيادة في ثمن السلعة لأجل التأجيل أو التقسيط كأن يبيعه سلعة قيمتها مائة حالة بمائة وعشرين مؤجلة لأجل واحد أو آجال محددة، بشرط أن لا تكون الزيادة فاحشة، أو يستغل المضطرين. * البيع إلى أجل أو بالتقسيط يكون مستحباً إذا قصد به الرفق بالمشتري فلا يزيد في الثمن لأجل الأجل وبذلك يثاب فيه البائع على إحسانه، ويكون مباحاً إذا قصد به الربح والمعاوضة فيزيد في الثمن لأجل الأجل، ويسدد على أقساط معلومة لآجال معلومة. * لا يجوز للبائع أن يأخذ من المشتري زيادة على الدين إذا تأخر في دفع الأقساط، لأن ذلك من الربا، لكن له رهن المبيع حتى يستوفي دينه من المشتري. * إذا باع أرضاً فيها نخل أو شجر، فإن كان النخل قد أُبِّر (لقح)، والشجر ثمره باد فهو للبائع إلا أن- يشترطه المشتري فهو له، وإن كان النخل لم يؤبر، والشجر لم يظهر طلعه فهو للمشتري. * لا يصح بيع ثمر النخيل أو غيرها من الأشجار حتى يبدو صلاحها، ولا يصح بيع الزرع قبل اشتداد حبه، وإذا باع الثمر قبل بدو صلاحه مع أصوله، أو باع الزرع الأخضر مع الأرض جاز ذلك. * إذا اشترى أحد تمرة وتركها إلى الحصاد أو الجذاذ بلا تأخير ولا تفريط، ثم أصابتها آفة سماوية كالريح والبرد ونحوهما فأتلفتها فللمشتري أن يرجع بالثمن على البائع. وإن أتلفها آدمي خيّر مشتر بين الفسخ أو الإمضاء، ومطالبة من أتلقها ببدله.

* حكم المحاقلة:

* حكم المحاقلة: هي بيع الحب المشتد في سنبله بحب من جنسه، وهي لا تجوز؛ لأنها جمعت محذورين: الجهالة في المقدار والجودة، والربا لعدم انضباط التساوي.

* حكم المزابنة:

* حكم المزابنة: المزابنة هي أن يباع ثمر النخل بالتمر كيلاً، وهي لا تجوز كالمحاقلة. * لا يجوز شراء التمر بالرطب على رؤوس النخل؛ لما فيه من الغرر والربا، إلا أنه رخص في بيع العرايا للحاجة بأن يخرُص الرطب في النخل، ثم يعطيه قدره من التمر القديم، بشرط أن لا تزيد على خمسة أوسق مع التقابض في مجلس العقد. * لا يجوز بيع العضو أو الجزء من الإنسان قبل الموت أو بعده، وإن لم يحصل عليه المضطر إلا بثمن جاز الدفع للضرورة وحرم على الآخذ، وإن وهبه بعد الموت للمضطر وأعطي مكافأة قبل الموت فلا بأس بأخذها. * لا يجوز بيع الدم لعلاج ولا غيره، فإن احتاجه لعلاج ولم يحصل عليه إلا بعوض جاز له أخذه بعوض وحرم أخذ العوض على باذله. * الغرر: هو ما طوي عن الإنسان علمه، وخفي عليه باطنه من معدوم أو مجهول أو معجوز عنه أو غير مقدور عليه. * الغرر والميسر والقمار من المعاملات الخطرة المدمرة المحرمة، أفقرت بيوتاً تجارية كبرى، وسببت ثراء قوم بلا جهد، وفقر آخرين بالباطل فكان الانتحار والعداوة والبغضاء وهذا كله من عمل الشيطان. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) (المائدة/91).

* بيوع الغرر تجر مفسدتين كبيرتين:

* بيوع الغرر تجر مفسدتين كبيرتين: 1 - الأولى: أكل أموال الناس بالباطل، فأحدهما إما غارم بلا غنم، أو غانم بلا غرم؛ لأنها رهان ومقامرة. 2 - الثانية: العداوة والبغضاء بين المتبايعين إلى جانب الحقد والتناحر.

2 - الخيار

* حكمة مشروعية الخيار: الخيار في البيع من محاسن الإسلام، إذ قد يقع البيع بغتة من غير تفكير ولا تأمل ولا نظر في القيمة فيندم المتبايعان أو أحدهما، من أجل ذلك أعطى الإسلام فرصة للتروي تسمى الخيار يتمكن المتبايعان أثناءها من اختيار ما تناسب كلا منهما من إمضاء البيع أو فسخه. عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار ما لما يتفرقا، أو قال: حتى يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2079)، واللفظ له، ومسلم برقم (1532).

* أقسام الخيار:

* أقسام الخيار: للخيار عدة أقسام ومنها: 1 - خيار المجلس: ويثبت في البيع والصلح والإجارة وغيرها من المعاوضات التي يقصد منها المال، وهو حق للمتبايعين معاً، ومدته من حين العقد إلى التفرق بالأبدان، وإن أسقطاه سقط، وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر، فإذا تفرقا لزم البيع، وتحرم الفرقة من المجلس خشية أن يستقيله. 2 - خيار الشرط: بأن يشترط المتبايعان أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة فيصح ولو طالت، ومدته من حين العقد إلى أن تنتهي المدة المشروطة، وإذا مضت مدة الخيار ولم يفسخ المشترط المبيع لزم البيع، وإن قطعا الخيار أثناء المدة بطل؛ لأن الحق لهما. 3 - خيار اختلاف المتبايعين: كما لو اختلفا في قدر الثمن، أو عين البيع، أو صفته، ولم تكن بينة فالقول قول البائع مع يمينه، ويخير المشتري بين القبول أو الفسخ. 4 - خيار العيب: وهو ما ينقص قيمة المبيع، فإذا اشترى سلعة ووجد بها عيباً فهو بالخيار، إما أن يردها ويأخذ الثمن، أو يمسكها ويأخذ أرش العيب، فتقوّم السلعة سليمة ثم تقوّم معيبة ويأخذ الفرق بينهما، وإن اختلفا عند من حدث العيب كعرج، وفساد طعام فقول بائع مع يمينه، أو يترادان. 5 - خيار الغبن: وهو أن يغبن البائع أو المشتري في السلعة غبناً يخرج عن العادة والعرف، وهو محرم، فإذا غُبن فهو بالخيار بين الإمساك والفسخ، كمن انخدع بمن يتلقى الركبان، أو بزيادة الناجش الذي لا يريد الشراء، أو كان يجهل القيمة ولا يحسن المماكسة في البيع فله الخيار. 6 - خيار التدليس: وهو أن يظهر البائع السلعة بمظهر مرغوب فيه وهي خالية منه، مثل إبقاء اللبن في الضرع عند البيع ليوهمه بكثرة اللبن ونحو ذلك، وهذا الفعل محرم، فإذا وقع ذلك فهو بالخيار بين الإمساك أو الفسخ، فإذا حلبها ثم ردها، رد معها صاعاً من تمر عوضاً عن اللبن. 7 - خيار الإخبار بالثمن متى بان خلاف الواقع أو بان أقل مما أخبر به، فللمشتري الخيار بين الإمساك وأخذ الفرق، أو الفسخ، كما لو اشترى قلماً بمائة، فجاءه رجل وقال: بعنيه برأس ماله، فقال: رأس ماله مائة وخمسون، فباعه عليه، ثم تبين كذب البائع فللمشتري الخيار، ويثبت هذا الخيار في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة، ولا بد في جميعها من معرفة البائع والمشتري رأس المال. 8 - إذا ظهر أن المشتري معسر أو مماطل فللبائع الفسخ إن شاء حفاظاً على ماله.

* خطر الغش:

* خطر الغش: الغش محرم في كل شيء، ومع كل أحد، وفي أي معاملة، فهو محرم في المعاملات كلها، ومحرم في الأعمال المهنية، ومحرم في الصناعات، ومحرم في العقود والبيوع وغيرها؛ لما فيه من الكذب والخداع، ولما يسببه من التشاحن والتناحر. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)). أخرجه مسلم (¬1). * الإقالة: هي فسخ العقد ورجوع كل من المتعاقدين بما كان له، وتجوز بأقل أو أكثر منه. * الإقالة سنة للنادم من بائع ومشتر، وهي سنة في حق المقيل، مباحة في حق المستقيل، وتشرع إذا ندم أحد المتبايعين، أو زالت حاجته بالسلعة، أو لم يقدر على الثمن ونحو ذلك. * الإقالة من معروف المسلم على أخيه إذا احتاج إليها، رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (102). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3460)، صحيح سنن أبي داود رقم (2954). وأخرجه ابن ماجه برقم (2199)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1786).

3 - السلم

3 - السلم • * شروط صحة السلم:. • * مسائل تتعلق بالبيع والشراء:. • 4 - بيع العربون:.

* شروط صحة السلم:

* شروط صحة السلم: يشترط له شروط زائدة على شروط البيع لضبطه وهي: العلم بالمسلم به، والعلم بالثمن، وقبضه في مجلس العقد، وأن يكون المسلم فيه في الذمة، وصفه صفة تنفي عنه الجهالة، ذكر أجله ومكان حلوله.

* مسائل تتعلق بالبيع والشراء:

* مسائل تتعلق بالبيع والشراء: 1 - التسعير: هو وضع ثمن محدد للسلع، بحيث لا يظلم المالك ولا يرهق المشتري. * يحرم التسعير إذا تضمن ظلم الناس، أو إكراههم بغير حق بشيء لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم. * يجوز التسعير إذا كانت لا تتم مصلحة الناس إلا به كأن يمتنع أصحاب السلع من بيعها إلا بزيادة مع حاجة الناس إليها، فتسعر بقيمة المثل لا ضرر ولا ضرار. 2 - الاحتكار: هو شراء السلع وحبسها لتقل بين الناس فيرتفع سعرها. * الاحتكار حرام؛ لما فيه من الجشع والطمع والتضييق على الناس، ومن احتكر فهو خاطئ. 3 - التورق: إذا احتاج الإنسان إلى نقد ولم يجد من يقرضه فيجوز أن يشتري سلعة إلى أجل ثم يبيعها على غير الأول وينتفع بثمنها.

4 - بيع العربون:

4 - بيع العربون: هو بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من ثمنها، وإن تركها فالمبلغ المدفوع للبائع الذي هو العربون، وهذا البيع جائز إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدد.

4 - الربا

4 - الربا • * حكم الربا:. • * عقوبة الربا:. • * أقسام الربا:. • * أحكام ربا الفضل:. • * كيف يتخلص من الأموال الربوية:. • * حكم بيع الصرف والأوراق المالية:.

* حكم الربا:

* حكم الربا: 1 - الربا من كبائر الذنوب، وهو محرم في جميع الأديان السماوية؛ لما فيه من الضرر العظيم، فهو يسبب العداوة بين الناس، ويؤدي إلى تضخم المال على حساب سلب مال الفقير، وفيه ظلم للمحتاج، وتسلط الغني على الفقير، وإغلاق باب الصدقة والإحسان، وقتل مشاعر الشفقة في الإنسان. 2 - والربا أكل لأموال الناس بالباطل، وفيه تعطيل للمكاسب والتجارة والصناعات التي يحتاجها الناس، فالمرابي يزيد ماله بدون تعب، فيترك التجارة والمصالح التي ينتفع بها الناس، وما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة، والربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه.

* عقوبة الربا:

* عقوبة الربا: الربا من أعظم الذنوب، وقد أعلن الله عز وجل الحرب على آكل الربا وموكله من بين سائر الذنوب: 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة/278 - 279). 2 - عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. أخرجه مسلم (¬1). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1598). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766)، واللفظ له، ومسلم برقم (89).

* أقسام الربا:

* أقسام الربا: 1 - ربا النسيئة: وهو الزيادة التي يأخذها البائع من المشتري مقابل التأجيل كأن يعطيه ألفاً نقداً على أن يرده عليه بعد سنة ألفاً ومائة مثلاً. * ومنه قلب الدين على المعسر، بأن يكون له مال مؤجل على رجل، فإذا حل الأجل قال له: أتقضي أم تربي، فإن وفاه وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد هذا في المال، فيتضاعف المال في ذمة المدين، وهذا هو أصل الربا في الجاهلية، فحرمه الله عز وجل، وأوجب إنظار المعسر، وهو أخطر أنواع الربا، لعظيم ضرره، وقد اجتمع فيه الربا بأنواعه: ربا النسيئة، وربا الفضل، وربا القرض. 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران/130). 2 - قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/280). * ومنه ما كان في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، مع تأخير قبضهما، أو قبض أحدهما، كبيع الذهب بالذهب، والبر بالبر ونحوهما، وكذا بيع جنس بآخر من هذه الأجناس مؤجلاً. 2 - ربا الفضل: وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيادة، وهو محرم، وقد نص الشرع على تحريمه في ستة أشياء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)). أخرجه مسلم (¬1). * يقاس على هذه الأصناف الستة كل ما وافقها في العلة: في الذهب والفضة (الثمنية)، وفي الأربعة الباقية (الكيل والطعم) (أو الوزن والطعم). * المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان أهل مكة، وما لم يوجد فيهما يرجع فيه إلى العرف، وكل شيء حرم فيه ربا الفضل حرم فيه ربا النسيئة. 3 - ربا القرض: وصفته أن يقرض الإنسان أحداً شيئاً ويشترط عليه أن يرد أفضل منه، أو يشترط عليه نفعاً ما، نحو أن يسكنه داره شهراً مثلاً، وهو حرام، فإن لم يشترط وبذل المقترض النفع أو الزيادة بنفسه جاز وأُجر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1587).

* أحكام ربا الفضل:

* أحكام ربا الفضل: 1 - إذا كان البيع في جنس واحد ربوي حرم فيه التفاضل والنساء كأن يبيع أحد ذهباً بذهب، أو براً ببر ونحوهما، فيشترط لصحة هذا البيع التساوي في الكمية، والقبض في الحال؛ لاتفاق البدلين في الجنس والعلة. 2 - إذا كان البيع في جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، واختلفا في الجنس حرم النساء وجاز التفاضل كأن يبيع ذهباً بفضة، أو براً بشعير ونحوهما، فيجوز البيع مع التفاضل إذا كان القبض في الحال يداً بيد؛ لأنهما اختلفا في الجنس، واتحدا في العلة. 3 - إذا كان البيع بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة جاز الفضل والنساء كأن يبيع طعاماً بفضة، أو طعاماً بذهب ونحوهما، فيجوز التفاضل والتأجيل؟ لاختلاف البدلين في الجنس والعلة. 4 - إذا كان البيع بين جنسين ليسا ربويين جاز الفضل والنسيئة كأن يبيع بعيراً ببعيرين، أو ثوباً بثوبين ونحوهما فيجوز التفاضل والتأجيل. * لا يجوز بيع أحد نوعي جنس بالآخر إلا أن يكونا في مستوى واحد في الصفة، فلا يباع الرطب بالتمر؛ لأن الرطب ينقص إذا جف، فيحصل التفاضل المحرم. * لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه متفاضلاً؛ لأجل الصنعة في أحد العوضين، لكن يبيع ما معه بالدراهم ثم يشتري المصوغ. * الفوائد التي تأخذها البنوك اليوم على القروض من الربا المحرم، والفوائد التي تدفعها البنوك مقابل الإيداع ربا لا يحل لأحد أن ينتفع به بل يتخلص منه. * يجب على المسلمين إذا احتاجوا الإيداع والتحويل بواسطة البنوك الإسلامية، فإن لم توجد جاز للضرورة الإيداع في غيرها لكن بدون فائدة، والتحويل من غيرها ما لم يخالف الشرع. * يحرم على المسلمين العمل في أي بنك أو مؤسسة تأخذ أو تعطي الربا، والمال الذي يأخذه العامل فيه سحت يعاقب عليه.

* كيف يتخلص من الأموال الربوية:

* كيف يتخلص من الأموال الربوية: الربا من أعظم الذنوب، وإذا منّ الله على المرابي وتاب إلى الله عز وجل وله وعنده أموال مجتمعة من الربا ويريد التخلص منها فلا يخلو من حالين: 1 - أن يكون الربا له في ذمم الناس لم يقبضه فهنا يأخذ رأس ماله ويترك ما زاد عليه من الربا. 2 - أن تكون أموال الربا مقبوضة عنده فلا يردها على أصحابها ولا يأكلها؛ لأنها كسب خبيث، ولكن يتخلص منها بالتبرع بها، أو جعلها في مشاريع خيرية تخلصاً منها. * لا ربا في الحيوان ما دام حياً، وكذا كل معدود، فيجوز بيع البعير بالبعيرين والثلاثة، فإذا صار موزوناً أو مكيلاً جرى فيه الربا، فلا يجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم الغنم، ويجوز بيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر؛ لاختلاف الجنس إذا حصل التقابض في الحال. * يجوز شراء الذهب للقنية، أو لقصد الربح كأن يشتريه حينما ينخفض سعره، ويبيعه عندما يزيد سعره.

* حكم بيع الصرف والأوراق المالية:

* حكم بيع الصرف والأوراق المالية: الصرف: هو بيع نقد بنقد سواء اتحد الجنس أو اختلف، وسواء كان النقد من الذهب والفضة، أو من الأوراق النقدية المتعامل بها الآن فهي تأخذ حكم الذهب والفضة لاشتراكهما في الثمنية. * إذا باع نقداً بجنسه كذهب بذهب، أو ورق نقدي بجنسه كريال بريال ورقي أو معدني وجب التساوي في المقدار والتقابض في المجلس. * وإن باع نقداً بنقد من غير جنسه كذهب بفضة، أو ريالات ورقية سعودية بدولارات أمريكية مثلاً جاز التفاضل في المقدار، ووجب التقابض في المجلس. * إذا افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض صح العقد فيما قبض وبطل فيما لم يقبض كأن يعطيه ديناراً ليصرفه بعشرة دراهم، فلم يجد إلا خمسة دراهم فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع.

5 - القرض

5 - القرض • * حكمة مشروعية القرض:. • * فضل القرض:. • * فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه:. • * المدين له أربع حالات:.

* حكمة مشروعية القرض:

* حكمة مشروعية القرض: القرض قربة مندوب إليه، لما فيه من الإحسان إلى المحتاجين وقضاء حاجتهم، وكلما كانت الحاجة أشد، والعمل أخلص لله تعالى كان الثواب أعظم، والسلف يجري مجرى شطر الصدقة.

* فضل القرض:

* فضل القرض: 1 - قال الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة/245). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفّس عن مُؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)). أخرجه مسلم (¬1). * القرض مستحب للمقرض، ومباح للمقترض، وكل ما صح بيعه صح قرضه إذا كان معلوماً والمقرض ممن يصح تبرعه، وعلى المقترض أن يرد بدل ما اقترضه، المثل في المثليات، والقيمة في غيرها. * كل قرض جر نفعاً فهو من الربا المحرم كأن يقرضه شيئاً ويشترط أن يسكن داره، أو يقرضه مالاً بفائدة كأن يقرضه ألفاً بألف ومائتين بعد سنة. * الإحسان في القرض مستحب إن لم يكن شرطاً كأن يقرضه من الإبل بكراً فيعطيه بدله رباعياً؛ لأن هذا من حسن القضاء ومكارم الأخلاق، ومن أقرض مسلماً مرتين فكأنما تصدق عليه مرة. عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: ((أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء)). أخرجه مسلم (¬2). * يجوز الحط من الدين المؤجل لأجل تعجيله سواء كان بطلب من الدائن أو المدين، ومن أدى عن غيره واجباً عليه من دين أو نفقة رجع عليه به إن شاء. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2699). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1600).

* فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه:

* فضل إنظار المعسر والتجاوز عنه: إنظار المعسر من مكارم الأخلاق، وأفضل منه التجاوز عنه. 1 - قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/280). 2 - عن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أنظر معسراً أو وضع عنه، أظله الله في ظله)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (3006).

* المدين له أربع حالات:

* المدين له أربع حالات: 1 - أن لا يكون عنده شيء مطلقاً، فهذا يجب إنظاره وترك ملازمته. 2 - أن يكون ماله أكثر من دينه فهذا يجوز طلبه، ويلزم بالقضاء. 3 - أن يكون ماله بقدر دينه فيلزم بالوفاء. 4 - أن يكون ماله أقل من دينه فهذا مفلس يحجر عليه بطلب الغرماء أو بعضهم، ويقسم ماله بين الغرماء حسب النسب. * يجب على من اقترض مالاً أن يعزم على أدائه وإلا أتلفه الله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2387).

6 - الرهن

* العقود ثلاثة أقسام: 1 - عقود لازمة من الطرفين كالبيع والإجارة ونحوهما. 2 - عقود جائزة من الطرفين لكل منهما فسخها كالوكالة ونحوها. 3 - عقود جائزة من أحدهما دون الآخر كالرهن جائز من قبل المرتهن، لازم من قبل الراهن ونحو ذلك مما يكون الحق فيه لواحد على الآخر. * الرهن: هو توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها إن تعذر الاستيفاء من ذمة المدين.

* حكمة مشروعية الرهن:

* حكمة مشروعية الرهن: الرهن مشروع لحفظ المال لئلا يضيع حق الدائن، فإذا حل الأجل لزم الراهن الوفاء، فإن امتنع عن الوفاء فإن كان الراهن أذن للمرتهن في بيعه باعه ووفى الدين، وإلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم ووفّى دينه. 1 - قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة/283). 2 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد. متفق عليه (¬1). * الرهن أمانة في يد المرتهن أو أمينه، لا يضمنه إلا أن يتعدى أو يفرط. * مؤنة الرهن على الراهن، وما يحتاج إلى مؤنة، فللمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته. * لا يصح بيع الراهن للرهن إلا بإذن المرتهن، فإن باعه وأجازه المرتهن صح البيع، وإن لم يجزه فالعقد فاسد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2068)، ومسلم برقم (1603).

7 - الضمان والكفالة

7 - الضمان والكفالة * الضمان: هو التزام ما وجب على غيره مع بقائه على مضمون عنه وما قد يجب. * حكم الضمان: جائز والمصلحة تقتضيه، بل قد تدعو الحاجة إليه، وهو من التعاون على البر والتقوى، وفيه قضاء لحاجة المسلم، وتنفيس لكربته. * يشترط لصحة الضمان: أن يكون الضامن جائز التصرف، راضياً غير مكره. * يصح الضمان بكل لفظ يدل عليه كضمنته أو تحملت عنه أو نحو ذلك. * يصح الضمان لكل مال معلوم كألف مثلاً، أو مجهول كأن يقول: أنا ضامن لك مالك على فلان، أو ما يقضى به عليه حياً كان المضمون عنه أو ميتاً. * إذا ضمن الدين ضامن لم يبرأ المدين، وصار الدين عليهما جميعاً، وللدائن مطالبة أيهما شاء. * يبرأ الضامن إذا استوفى الدائن من المضمون عنه أو أبرأه. * الكفالة: هي التزام رشيد برضاه إحضار من عليه حق مالي لربه. * حكمة مشروعيتها: حفظ الحقوق واستحصالها. * حكم الكفالة: جائزة، وهي من التعاون على البر والتقوى. * إذا كفل إنسان إحضار مدين فلم يحضره، غرم ما عليه. * يبرأ الكفيل بما يلي: موت المكفول، أو إذا سلم المكفول نفسه لرب الحق، أو تلفت العين المكفولة بفعل الله تعالى. * من أراد سفراً وعليه حق يستحق قبل مدة سفره فلصاحب الحق منعه، فإن أقام ضميناً مليئاً أو دفع رهناً يفي بالدين عند الحلول فله السفر لزوال الضرر. * خطاب الضمان الذي تصدره البنوك: إذا كان له غطاء كامل، أو كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف فيجوز أخذ الأجرة عليه مقابل الخدمة، وإن كان خطاب الضمان غير مغطى فلا يجوز للبنك إصداره وأخذ الأجرة عليه.

8 - الحوالة

8 - الحوالة • * حكمة مشروعية الحوالة:. • * فضل التجاوز عن المعسر:.

* حكمة مشروعية الحوالة:

* حكمة مشروعية الحوالة: شرع الله الحوالة تأميناً للأموال، وقضاء لحاجة الإنسان، فقد يحتاج إلى إبراء ذمته من حق لغريم، أو استيفاء حقه من مدين له، وقد يحتاج لنقل ماله من بلد إلى آخر، ويكون نقل هذا المال غير متيسر، إما لمشقة حمله، أو لبعد المسافة، أو لكون الطريق غير مأمون فشرع الله الحوالة لتحقيق هذه المصالح. * إذا أحال المدين دائنه على مليء لزمه أن يحتال، وإن أحاله على مفلس ولم يعلم رجع بحقه على المحيل، وإن علم ورضي بالحوالة عليه فلا رجوع له، ومماطلة الغني حرام لما فيها من الظلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليَتَّبع)). متفق عليه (¬1). * إذا تمت الحوالة انتقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبرأت ذمة المحيل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2287)، واللفظ له، ومسلم برقم (1564).

* فضل التجاوز عن المعسر:

* فضل التجاوز عن المعسر: إذا تمت الحوالة ثم أفلس المحال عليه استحب إنظاره أو التجاوز عنه وهو الأفضل. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2078)، واللفظ له، ومسلم برقم (1562).

9 - الصلح

9 - الصلح • * حكمة مشروعية الصلح:. • * فضل الإصلاح بين الناس:. • * الصلح في المال على قسمين: 1 - صلح على إقرار:. • 2 - صلح على إنكار:.

* حكمة مشروعية الصلح:

* حكمة مشروعية الصلح: شرع الله الصلح للتوفيق بين المتخاصمين وإزالة الشقاق بينهما، وبذلك تصفو النفوس، وتزول الأحقاد، والإصلاح بين الناس من أجل القربات وأعظم الطاعات إذا قام به ابتغاء لمرضاة الله تعالى.

* فضل الإصلاح بين الناس:

* فضل الإصلاح بين الناس: 1 - قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء/114). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة)). متفق عليه (¬1). * الصلح مشروع بين المسلمين والكفار، وبين أهل العدل والبغي، وبين الزوجين عند الشقاق، وبين الجيران والأقارب والأصدقاء، وبين المتخاصمين في غير مال، وبين المتخاصمين في المال. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707)، واللفظ له، ومسلم برقم (1009).

* الصلح في المال على قسمين:

* الصلح في المال على قسمين: 1 - صلح على إقرار: كأن يكون لأحد على آخر عين أو دين لا يعلمان مقداره وأقر به، فصالحه على شيء صح، وإن كان له عليه دين حال وأقرَّ به فوضع بعضه وأجل باقيه صح الإسقاط والتأجيل، وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً صح، وإنما يصح هذا الصلح إذا لم يكن مشروطاً في الإقرار كأن يقول: أقر لك بشرط أن تعطيني كذا، ولا يمنعه حقه بدونه.

2 - صلح على إنكار:

2 - صلح على إنكار: بأن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه فينكره، فإذا اصطلحا على شيء صح الصلح، لكن إن كذب أحدهما لم يصح الصلح في حقه باطناً وما أخذه حرام. * المسلمون على شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً. والصلح الجائز هو العادل الذي أمر الله ورسوله به، وهو ما يقصد به رضا الله تعالى عنه، ثم رضا الخصمين، وقد مدحه الله تعالى بقوله: ( .. وَالصُّلْحُ خَيْرٌ .. ) (النساء/128). * الصلح العادل له شروط أهمها: أهلية المتصالحين بأن تصح منهما التصرفات الشرعية، وأن لا يشتمل الصلح على تحريم حلال أو تحليل حرام، وأن لا يكون أحد المتصالحين كاذباً في دعواه، وأن يكون المصلح تقياً عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب، قاصداً العدل. * يحرم على المالك أن يحدث بملكه ما يضر بجاره من ماكينة قوية، أو فرن ونحوهما، فإن لم يضر فلا بأس، وللجار على جاره حقوق كثيرة أهمها: صلته وبره والإحسان إليه وكف الأذى عنه، والصبر على أذاه ونحو ذلك مما يجب على المسلم. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى طننت أنه سيورثه)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6015)، ومسلم برقم (2625).

10 - الحجر

10 - الحجر • * حكمة مشروعية الحجر:. • * الحجر نوعان:. • * فضل إنظار المعسر:. • * يزول الحجر عن الصغير بأمرين:.

* حكمة مشروعية الحجر:

* حكمة مشروعية الحجر: أمر الله بحفظ المال وجعل من وسائل ذلك الحجر على من لا يحسن التصرف في ماله كالمجنون، أو في تصرفه وجه إضاعة كالصبي، أو في تصرفه وجه تبذير كالسفيه، أو يتصرف بما في يده تصرفاً يضر بحق الغير كالمفلس الذي أثقلته الديون، فشرع الله الحجر حفظاً لأموال هؤلاء.

* الحجر نوعان:

* الحجر نوعان: 1 - حجر لحظ غيره: كالحجر على المفلس لحظ الغرماء. 2 - حجر لحظ نفسه: كالحجر على الصغير والسفيه والمجنون لحفظ ماله. * المفلس: هو من دينه أكثر من ماله، ويحجر عليه من الحاكم بطلب غرمائه، أو بعضهم، ويحرم عليه التصرف بما يضر غرماءه، ولا ينفذ تصرفه ذلك ولو لم يحجر عليه. * من ماله قدر دينه أو أكثر لم يحجر عليه ويؤمر بوفائه، فإن أبى حبس بطلب صاحبه، فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه. * من كان ماله أقل مما عليه من الدين الحال فهو مفلس يجب الحجر عليه وإعلام الناس به لئلا يغتروا به، ويحجر عليه بطلب غرمائه أو بعضهم. * إذا تم الحجر على المفلس انقطع الطلب عنه، وليس له التصرف بماله، فيبيع الحاكم ماله ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالة، فإن لم يبق عليه شيء انفك الحجر عنه لزوال موجبه. * إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه انقطعت المطالبة عنه، ولا تجوز ملازمته ولا حبسه بهذا الدين، بل يخلي سبيله ويمهل إلى أن يرزقه الله ويسدد ما بقي لغرمائه. * من لم يقدر على وفاء دينه لم يطالب به، وحرم حبسه، ويجب إنظاره، وإبراؤه مستحب؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/280).

* فضل إنظار المعسر:

* فضل إنظار المعسر: إنظار المعسر إذا حل الدين فيه ثواب عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم: (( ... من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة)). أخرجه أحمد (¬1). * من أدرك متاعه بعينه عند إنسان مفلس فهو أحق به إذا لم يقبض من ثمنه شيئاً، وكان المفلس حياً، وكان المتاع بصفته في ملكه لم يتغير. * الحجر على السفيه والصغير والمجنون لا يحتاج لحاكم، ووليهم الأب إن كان عدلاً رشيداً، ثم الوصي، ثم الحاكم، وعلى الولي التصرف بالأحظ لهم. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (23434)، انظر إرواء الغليل رقم (1438).

* يزول الحجر عن الصغير بأمرين:

* يزول الحجر عن الصغير بأمرين: 1 - البلوغ كما سبق. 2 - الرشد: وهو حسن التصرف في المال، بأن يُعطى مالاً ويُمتحن بالبيع والشراء حتى يُعلم حسن تصرفه. قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء/6). * إذا عقل المجنون ورشد، أو رشد السفيه بأن يحسن التصرف في المال فلا يغبن ولا يصرفه في حرام أو في غير فائدة زال الحجر عنهما وردت إليهما أموالهما. * ليُّ الواجد ظلم يُحِلُّ عرضه وعقوبته، فيشرع حبس المدين الموسر المماطل تأديباً له، أما المعسر فله حق الإنظار، والعفو خير وأحسن.

11 - الوكالة

11 - الوكالة • * حكمة مشروعية الوكالة:. • * الحقوق ثلاثة أنواع:. • * حالات الوكالة:. • * تبطل الوكالة بما يلي:.

* حكمة مشروعية الوكالة:

* حكمة مشروعية الوكالة: الوكالة من محاسن الإسلام، فكل أحد بحكم ارتباطه بغيره قد تكون له حقوق أو تكون عليه حقوق، فإما أن يباشرها بنفسه أخذاً وعطاءً، أو يتولاها عنه غيره، وليس كل إنسان قادراً على مباشرة أموره بنفسه، ومن هنا أجاز له الإسلام توكيل غيره ليقوم بها نيابة عنه. * الوكالة: عقد جائز، يجوز لكل من الوكيل والموكل فسخها في أي وقت. * الوكالة تنعقد بكل ما يدل عليها من قول أو فعل.

* الحقوق ثلاثة أنواع:

* الحقوق ثلاثة أنواع: 1 - نوع تصح الوكالة فيه مطلقاً، وهو ما تدخله النيابة كالعقود، والفسوخ، والحدود ونحوها. 2 - ونوع لا تصح الوكالة فيه مطلقاً وهو العبادات البدنية المحضة كالطهارة، والصلاة ونحوهما. 3 - ونوع تصح فيه الوكالة مع العجز كحج فرض وعمرته. * تصح الوكالة من جائز التصرف لنفسه، ويصح التوكيل في كل ما تجوز فيه النيابة من العقود كالبيع، والشراء، والإجارة ونحوها، ومن الفسوخ كالطلاق، والعتق، والإقالة ونحوها، وفي الحدود في إثباتها واستيفائها ونحو ذلك.

* حالات الوكالة:

* حالات الوكالة: الوكالة: تصح مؤقتة كأن يقول أنت وكيلي شهراً، وتصح معلقة بشرط كأن يقول: إذا تمت إجارة داري فبعها، وتصح منجزة كأن يقول أنت وكيلي الآن، ويصح قبولها على الفور والتراخي. * ليس للوكيل أن يوكل فيما وُكِّل فيه إلا إذا أذن له الموكِّل بذلك، فإن عجز فله التوكيل إلا في الأمور المالية، فلا بد من إذن الموكل.

* تبطل الوكالة بما يلي:

* تبطل الوكالة بما يلي: 1 - فسخ أحدهما لها. 2 - عزل الموكل للوكيل. 3 - موت أحدهما أو جنونه. 4 - حجر السفه على أحدهما. * يجوز التوكيل بأجر أو بغير أجر، والوكيل أمين فيما وُكِّل فيه لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط، فإن تعدى أو فرط ضمن، ويقبل قوله في نفي التفريط مع يمينه. * من علم من نفسه الكفاءة والأمانة ولم يخش من نفسه الخيانة ولم تشغله الوكالة عما هو أهم فهي مستحبة في حقه؛ لما فيها من الأجر والثواب، حتى لو كانت بأجرة مع حسن الإخلاص وإتمام العمل.

12 - الشركة

12 - الشركة • * حكمة مشروعية الشركة:. • * الشركة نوعان:.

* حكمة مشروعية الشركة:

* حكمة مشروعية الشركة: الشركة من محاسن الإسلام، وهي سبب لحصول البركة ونماء المال إذا قامت على الصدق والأمانة، والأمة بحاجة إليها خاصة في المشاريع الكبرى التي لا يستطيعها الشخص بمفرده كالمشاريع الصناعية، والعمرانية، والتجارية، والزراعية ونحوها. * الشركة عقد جائز مع المسلم وغيره، فتجوز مشاركة الكافر بشرط أن لا ينفرد الكافر بالتصرف من دون المسلم فيتعامل بما حرم الله كالربا، والغش والتجارة فيما حرم الله من خمر وخنزير وأصنام ونحو ذلك.

* الشركة نوعان:

* الشركة نوعان: 1 - شركة أملاك: وهي اشتراك اثنين فأكثر في استحقاق مالي كالاشتراك في تملك عقار، أو تملك مصنع، أو تملك سيارات ونحو ذلك، ولا يجوز لأحدهما أن يتصرف إلا بإذن صاحبه، فإن تصرف نفذ في نصيبه فقط إلا أن يجيزه صاحبه فينفذ في الكل. 2 - شركة عقود: وهي الاشتراك في التصرف كالبيع والشراء والتأجير ونحو ذلك، وهي أقسام: 1 - شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر ببدنيهما وماليهما المعلوم ولو متفاوتاً ليعملا فيه ببدنيهما، أو يعمل فيه أحدهما ويكون له من الربح أكثر من الآخر، ويشترط أن يكون رأس المال معلوماً من النقود أو العروض المقدرة بها، ويكون الربح والخسارة على قدر مال كل واحد منهما من المال المشترك حسب الاشتراط والتراضي. 2 - شركة المضاربة: وهي أن يدفع أحد الشريكين إلى الآخر مالاً فيَتَّجر به، بجزء معلوم مشاع من ربحه كالنصف أو الثلث ونحوهما، وعلى أي ذلك حصل التراضي صح، والباقي للآخر، وإن خسر المال بعد التصرف جُبر من الربح وليس على العامل شيء، وإن تلف المال بغير تعد ولا تفريط لم يضمنه العامل المضارب، والمضارب أمين في قبض المال، ووكيل في التصرف، وأجير في العمل، وشريك في الربح. * التعدي: فعل ما لا يجوز من التصرفات، والتفريط: ترك ما يجب فعله. 3 - شركة الوجوه: أن يشتريا في ذمتيهما بجاههما دون أن يكون لهما رأس مال اعتمادا على ثقة التجار بهما، فما ربحا فبينهما، وكل واحد منهما وكيل صاحبه، وكفيل عنه، والملك بينهما على ما شرطاه، والخسارة على قدر ملكيهما، والربح على ما شرطاه حسب الاتفاق والتراضي. 4 - شركة الأبدان: أن يشترك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح كالاحتطاب، وسائر الحرف والمهن وما رزق الله فهو بينهما حسب الاتفاق والتراضي. 5 - شركة المفاوضة: وهي أن يفوض كل من الشركاء إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة بيعاً وشراء في الذمة، وهي الجمع بين الشركات الأربع السابقة، والربح بينهما حسب الشرط، والخسارة على قدر ملك كل واحد منهم من الشركة. * شركة العنان والمضاربة والوجوه والأبدان خير وسيلة لتنمية المال، ونفع الأمة، وتحقيق العدل. فالعنان مال وعمل من الطرفين سوياً، والمضاربة مال من أحدهما وعمل من الآخر، والأبدان عمل منهما معاً، والوجوه بما يأخذان بجاههما من الناس. * بمثل هذه الشركات والمعاملات يُستغنى عن الربا الذي هو ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل، وتتسع دائرة الاكتساب في حدود المباح، فقد أباحت شريعة الإسلام للإنسان الاكتساب منفرداً أو مشتركاً مع غيره حسب ما ورد في الشرع. * إذا اتفقت إحدى الشركات الأجنبية مع مواطن تستخدم اسمه ووجاهته ولا تطالبه بمال ولا عمل وتعطيه مقابل ذلك مبلغاً معيناً من المال أو نسبة من الربح فهذا العمل غير جائز، والعقد غير صحيح؛ لما فيه من الكذب والخداع والغرر والضرر، وفي الشركات السابقة غنية عنه.

13 - المساقاة والمزارعة

13 - المساقاة والمزارعة • * فضل المساقاة والمزارعة:. • * حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة:.

* فضل المساقاة والمزارعة:

* فضل المساقاة والمزارعة: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320)، ومسلم برقم (1553).

* حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة:

* حكمة مشروعية المساقاة والمزارعة: من الناس من يملك الأرض والشجر أو يملك الأرض والحب ولكن لا يستطيع سقيها والعناية بها، إما لعدم معرفته، أو لانشغاله، ومن الناس من يملك القدرة على العمل لكن ليس في ملكه شجر ولا أرض، فلمصلحة الطرفين أباح الإسلام المساقاة والمزارعة؛ عمارة للأرض، وتنمية للثروة، وتشغيلاً للأيدي العاملة التي تملك القدرة على العمل ولا تملك المال والشجر. * المساقاة والمزارعة عقد لازم، ولا يجوز فسخها إلا برضى الآخر، ويشترط لها مدة معلومة ولو طالت، وأن تكون برضى الطرفين. * يجوز الجمع بين المساقاة والمزارعة في بستان واحد، بأن يساقيه على الشجر بجزء معلوم مشاع من الثمرة، وبزرعه الأرض بجزء معلوم مشاع من المزروع. عن ابن عُمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامَلَ خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. متفق عليه (¬1). * المخابرة: أن يجعل المزارع لصاحب الأرض ما على الجداول والسواقي أو يجعل له جانباً معيناً من الزرع، وهي محرمة؛ لأن في ذلك غرراً وجهالة وخطراً، فقد يسلم هذا ويهلك هذا فتقع الخصومة. * تجوز إجارة الأرض بالنقود وبجزء معلوم مشاع مما يخرج منها كالنصف أو الثلث ونحوهما. * تجوز معاملة الكفار في الزراعة والصناعة والتجارة والبناء ونحو ذلك بما لا يتنافى مع الشرع. * يحرم على المسلم اقتناء الكلاب إلا ما فيه مصلحة، ككلب صيد، أو ماشية، أو زرع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض، فإنه يَنْقُصُ أجره قيراطان كل يوم)). متفق عليه (¬2). * من أوقد النار في ملكه لغرض صحيح فطيرتها الريح فأحرقت مال غيره ولا يملك ردها فلا يضمنه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2328)، واللفظ له، ومسلم برقم (1551). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2322)، ومسلم برقم (1575)، واللفظ له.

14 - الإجارة

14 - الإجارة • * حكم الإجارة:. • * حكمة مشروعية الإجارة:. • * الإجارة نوعان:. • * شروط الإجارة:. • * حكم تأجير أهل المحرمات:. • * حكم الشرط الجزائي:.

* حكم الإجارة:

* حكم الإجارة: الإجارة عقد لازم من الطرفين، وتنعقد بكل لفظ يدل عليها كأجرتك وأكريتك ونحو ذلك مما جرى به العرف.

* حكمة مشروعية الإجارة:

* حكمة مشروعية الإجارة: الإجارة فيها تبادل المنافع بين الناس بعضهم بعضاً، فهم يحتاجون أرباب الحرف للعمل، والبيوت للسكنى، والدواب والسيارات والآلات ونحوها للحمل والركوب والانتفاع، لذا أباح الله الإجارة تيسيراً على الناس، وقضاء لحاجاتهم بيسير من المال مع انتفاع الطرفين، فلله الحمد والمنة.

* الإجارة نوعان:

* الإجارة نوعان: 1 - أن تكون على عين معلومة كأجرتك هذه الدار أو السيارة بكذا. 2 - أن تكون على عمل معلوم كأن يستأجر شخصاً لبناء جدار أو حرث أرض ونحوهما.

* شروط الإجارة:

* شروط الإجارة: 1 - أن تكون من جائز التصرف. 2 - معرفة المنفعة كسكنى الدار، أو خدمة الآدمي. 3 - معرفة الأجرة. 4 - أن تكون المنفعة مباحة كدار للسكن، فلا تصح على نفع محرّم كأن يؤجر داراً أو محلاً لبيع الخمر، ودوراً للبغي، وجعل داره كنيسة أو لبيع المحرمات. * يشترط في العين المؤجرة معرفتها برؤية أو صفة، وأن يعقد على نفعها دون أجزائها، وأن يقدر على تسليمها، وأن تشتمل على المنفعة المباحة، وأن تكون مملوكة للمؤجر أو مأذوناً له فيها. * يجوز للمستأجر أن ينتفع بالعين المؤجرة بنفسه، وله إجارتها لمن يقوم مقامه بما شاء إن كان مثله أو أقل منه لا بأكثر منه ضرراً. * إن ركب طائرة أو سيارة أو سفينة، أو أعطى ثوبه خياطاً، أو استأجر حمالاً بلا عقد صح ذلك كله بأجرة العادة. * تصح إجارة الوقف، فإن مات المؤجر وانتقل إلى من بعده، لم تنفسخ، وللثاني حصته من الأجرة. * كل ما حرم بيعه حرمت إجارته إلا الوقف، والحر، وأم الولد. * تجب الأجرة بالعقد، ويجب تسليم الأجرة بعد مضي المدة، وإن تراضيا على التأجيل، أو التعجيل، أو التقسيط جاز، ويستحق الأجير أجرته إذا قضى عمله متقناً تاماً، فيعطى أجرته قبل أن يجف عرقه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)). أخرجه البخاري (¬1). * يجوز بيع العين المؤجرة كالدار والسيارة ونحوهما، ويأخذها المشتري بعد استيفاء المستأجر منفعته وانتهاء مدة إجارته. * لا يضمن الأجير ما تلف بيده، ما لم يفرط أو يتعد، ولا يجوز للمرأة تأجير نفسها لعمل أو رضاع إلا بإذن زوجها. * يجوز أخذ الأجرة على التعليم، وبناء المساجد ونحوها. * يجوز أن يأخذ الإمام أو المؤذن أو المعلم للقرآن رزقاً من بيت المال، ومن عمل منهما لله تعالى أثيب، وما يأخذه من بيت المال إعانة على الطاعة لا عوضاً أو أجرة على عمله. * يجوز أن يستأجر المسلم كافراً عند الضرورة كأن لم يجد مسلماً، ولا يجوز للمسلم خدمة الكافر بإجارة ولا غيرها، فإن كان في غير خدمة نفسه كحداد أو نجار جاز ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2270).

* حكم تأجير أهل المحرمات:

* حكم تأجير أهل المحرمات: لا يجوز تأجير البيوت والمحلات على من يبيع حراماً كآلات اللهو المحرمة، والأفلام الخليعة، والصور الفاتنة، وكذا من يتعاطى المعاملات المحرمة كالبنوك الربوية، ومن يتخذ البيت معملاً للخمر، أو مأوى لأهل الملاهي والزنى ونحو ذلك كمحلات بيع الدخان، وحلق اللحى، وأشرطة الفيديو والغناء؛ لأن في تأجير ذلك إعانة على المحرم، وقد نهى الله عنه. قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/2). * قد يكون السكن أو الدكان في مكان مرغوب مطلوب، وهنا يجوز دفع بدل الخلو للمستأجر أثناء مدة الإجارة مقابل تخليه عن بقية مدة الإجارة ولو زاد عن الأجرة الدورية لا بعد انقضاء المدة.

* حكم الشرط الجزائي:

* حكم الشرط الجزائي: الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود بين الناس شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، فهو جائز لإتمام العقد في وقته، وفيه سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق العباد ما لم يكن هناك عذر شرعي فيكون العذر مسقطاً لوجوبه، وإن كان الشرط كثيراً عرفاً فيجب الرجوع إلى العدل والإنصاف حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة عند الحاكم. ومثاله: كأن يتفق رجل مع آخر على أن يبني له بيتاً خلال سنة بمائة ألف، وإذا تأخر عن السنة فعليه أن يدفع عن كل شهر ألف ريال، فتأخر عن السنة أربعة أشهر بلا عذر، فيلزمه أن يدفع أربعة آلاف ريال لصاحب الدار.

15 - السبق.

15 - السبق. • * حكمة مشروعية المسابقة:. • * شروط صحة المسابقة:. • * أخذ العوض في المسابقات له ثلاث حالات:. • * يحرم القمار، والميسر، واللعب بالنرد:. • * حكم اللعب بالكرة المعاصرة:.

* حكمة مشروعية المسابقة:

* حكمة مشروعية المسابقة: المسابقة والمصارعة من محاسن الإسلام، وهما مشروعتان؛ لما فيهما من المرونة والتدريب على الفنون العسكرية، والكر والفر، وتقوية الأجسام، والصبر والجلد، وتهيئة الأعضاء والأبدان للجهاد في سبيل الله تعالى. * المسابقة: تكون بالعدو بين الأشخاص، وتكون بالرمي بالسهام والأسلحة، وتكون بالخيل والإبل.

* شروط صحة المسابقة:

* شروط صحة المسابقة: 1 - أن يكون المركوب أو الآلة التي يرمي بها من نوع واحد. 2 - تحديد المسافة ومدى الرمي. 3 - أن يكون العوض معلوماً مباحاً. 4 - تعيين المركوبين أو الراميين. * تباح المصارعة والسباحة وكل ما يقوي الجسم ويبعث على الصبر والجلد إذا لم يشغل عن واجب أو عن ما هو أهم منه أو يكون فيه ارتكاب محظور. * الملاكمة والمصارعة الحرة التي تمارس اليوم في حلبات الرياضة محرمة لا تجوز؛ لما فيها من الخطر والضرر وكشف العورات. * لا يجوز التحريش بين البهائم وإغراء بعضهما ببعض، ولا يجوز اتخاذها غرضاً للرمي. * لا تصح المسابقة بعوض إلا في إبل، أو خيل، أو رمي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا سبق إلا في نَصلٍ أو خُفٍ أو حافرٍ)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2574)، صحيح سنن أبي داود رقم (2244). وأخرجه الترمذي برقم (1700)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (1390).

* أخذ العوض في المسابقات له ثلاث حالات:

* أخذ العوض في المسابقات له ثلاث حالات: 1 - يجوز بعوض وهو المسابقة في الإبل أو الخيل أو الرمي. 2 - لا يجوز بعوض ولا بغير عوض كالنرد والشطرنج والقمار ونحوها. 3 - يجوز بلا عوض ولا يجوز بعوض وهذا هو الأصل والأغلب كالمسابقة على الأقدام والسفن والمصارعة ونحوها، لكن يجوز أن يعطى الفائز تشجيعاً له جائزة أو عوضاً غير محدد ولا مسمى.

* يحرم القمار، والميسر، واللعب بالنرد:

* يحرم القمار، والميسر، واللعب بالنرد: 1 - قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (المائدة/90). 2 - عن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لعب بالنَّردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزيرٍ ودَمِه)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2260).

* حكم اللعب بالكرة المعاصرة:

* حكم اللعب بالكرة المعاصرة: اللعب بالكرة المعاصرة من اللهو الباطل، واللعب بها لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بالكفار، والتحاكم إلى الطاغوت والقانون عند الإصابة وغيرها، وضياع الأوقات في اللهو واللعب، وإضاعة الأموال، وكشف العورات والأفخاذ، والفتنة بالمردان، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة تركاً أو تأخيراً، وإيقاع الفرقة والعداوة والبغضاء بين اللاعبين والمشجعين خاصة عند المباريات، وإثارة الفتن والتحزبات، وحصول السب والشتم من بعضهم لبعض، والإشغال عن طلب العلم والدعوة إلى الله، ولما تسببه غالباً من التصادم والكسور بين اللاعبين، فهي من اللهو الباطل الذي شغل الأعداء به الناس عما خلقوا من أجله وهو العبادة والدعوة، نسأل الله السلامة والعافية، فإن خلت من تلك المحاذير أبيحت. * الهدايا والجوائز التي تقدم في الأسواق على كمية المبيعات، وفي المسابقات والعروض والمهرجانات الرياضية والتجارية والفنية ومسابقات الرسم والتصوير لذوات الأرواح ومسابقات عرض الأزياء ومسابقات ملكات الجمال ونحو ذلك مما يوقع فيما حرم الله، كل ذلك من اللعب بعقول الأمة، وأكل أموالها بالباطل، وإضاعة أوقاتها، وإفساد دينها وأخلاقها، واشتغالها بذلك عما خلقت من أجله، فعلى المسلم الحذر من ذلك.

16 - العارية

16 - العارية • * حكمة مشروعيتها:.

* حكمة مشروعيتها:

* حكمة مشروعيتها: قد يحتاج الإنسان إلى الانتفاع بعين من الأعيان وهو لا يستطيع أن يتملكها، ولا يملك مالاً فيدفع أجرتها، وبعض الناس قد لا تقوى نفسه على الصدقة أو الهبة، ومن هنا شرع الإسلام العارية قضاء لحاجة المستعير، مع حصول الأجر والثواب للمعير ببذل المنفعة لأخيه مع بقاء العين له. * العارية سنة مندوب إليها؛ لما فيها من الإحسان، وقضاء الحاجات، وجلب المودة والمحبة، وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها. * شروط صحة العارية: أن تكون العين منتفعاً بها مع بقائها، وأن يكون النفع مباحاً، وأن يكون المعير أهلاً للتبرع، ومالكاً لما يعيره. * يباح إعارة كل ذي نفع مباح كالدار، والدابة، والسيارة، والآلة ونحوها. * يحرم إعارة ما فيه معصية لله تعالى كالأواني لشرب الخمر، والدور للبغاء ونحوها. * يجب على المستعير المحافظة على العارية وردها سليمة إلى صاحبها، ولا يجوز للمستعير أن يعير العارية لغيره إلا بإذن مالكها. * تضمن العارية إن تلفت بيد المستعير إن فرط أو تعدى، فإن تلفت بغير تعد ولا تفريط فلا ضمان على المستعير.

17 - الغصب

17 - الغصب • * أقسام الظلم:. • * حكم الغصب:.

* أقسام الظلم:

* أقسام الظلم: الظلم ثلاثة: ظلم لا يتركه الله، وظلم يُغفر، وظلم لا يُغفر. فأما الظلم الذي لا يُغفر فالشرك لا يغفره الله. وأما الظلم الذي يُغفر فظلم العبد فيما بينه وبين ربه. وأما الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد يقتص الله لبعضهم من بعض.

* حكم الغصب:

* حكم الغصب: الغصب حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ من غيره شيئاً مهما كان إلا بطيبة من نفسه. 1 - قال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/188). 2 - عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذ شبراً من الأرض ظلماً فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)). متفق عليه (¬1). * إذا غصب أرضاً فغرسها أو بنى فيها لزمه القلع وإزالة البناء وضمان النقص والتسوية إن طالبه المالك بذلك، وإن تراضيا على القيمة جاز. * إذا زرع الغاصب الأرض وردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب وعليه أجرة الأرض لمالكها، وإن كان الزرع قائماً فيها، خُيِّر ربها بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله، وبين أخذه بنفقته. * يجب على الغاصب رد ما غصبه على صاحبه ولو غرم أضعافه لأنه حق غيره فوجب رده، وإن اتجر في المغصوب فالربح بينهما مناصفة، وإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب رده وأجرة مثله مدة بقائه في يده. * إذا نسج الغاصب الغزل أو قصر الثوب أو نجر الخشب ونحو ذلك لزمه رده لمالكه وأرش نقصه ولا شيء للغاصب. * إذا خلط الغاصب ما أخذه بما لا يتميز كزيت بمثله، أو أرز بمثله ونحوهما، فإن لم تنقص القيمة ولم تزد فهما شريكان بقدر ماليهما، وإن نقصت ضمنها الغاصب، وإن زادت قيمة أحدهما فلصاحبه. * ما تلف أو تعيب من مغصوب مثلي غرم مثله، وإلا يكن مثلي فقيمته يوم تعذر المثل. * تصرفات الغاصب من بيع ونكاح وحج ونحو ذلك موقوفة على إجازة المالك، فإن أجازها وإلا بطلت. * القول في قيمة التالف أو قدره أو صفته قول الغاصب مع يمينه ما لم تكن بينة للمالك، والقول في رده وعدم عيبه قول المالك ما لم تكن بينة. * إذا فتح قفصاً أو باباً أو حل وكاءً أو رباطاً أو قيداً فذهب ما فيه أو تلف ضمنه، سواء كان مكلفاً أو غير مكلف؛ لأنه فوّته عليه. * إذا أتلفت البهائم شيئاً من الزروع ونحوها ليلاً ضمنه صاحبها؛ لأن عليه حفظها ليلاً، وما أتلفته نهاراً لم يضمنه؛ لأن على أهل المزارع حفظها نهاراً إلا إن فرط صاحبها فيضمن ما أتلفته. * من اقتنى كلباً عقوراً أو أسداً أو ذئباً فأطلقه، أو طيراً جارحاً فأتلف شيئاً ضمنه. * إذا أراد رد المغصوب وجهل صاحبه سلمه الحاكم إن كان عدلاً، أو تصدق به عنه، ويضمنه إن لم يجزه صاحبه فيما بعد. * إذا كانت بيد الغاصب أموال مغصوبة، وسرقات، وأمانات، وودائع للناس، ورهون ونحوها، ولم يعرف أصحابها فله الصدقة بها، وله صرفها في مصالح المسلمين ويبرأ من عهدتها. * من كسب مالاً حراماً كثمن خمر ثم تاب، فإن كان لم يعلم بالتحريم ثم علم جاز له أكله، وإن كان يعلم بالتحريم ثم تاب فإنه يتخلص منه فينفقه في وجوه البر ولا يأكله. * لا ضمان في إتلاف آلات اللهو، والصلبان، وأواني الخمر، وكتب الضلال والمجون، وآلات السحر ونحوها؛ لأنها محرمة لا يجوز بيعها، لكن يكون إتلافها بأمر الحاكم ورقابته؛ ضماناً للمصلحة، ودفعاً للمفسدة. * من أجج ناراً بملكه فتعدت إلى ملك غيره بتفريطه فأتلفت شيئاً ضمنه، لا إن طرأت ريح فلا ضمان عليه؛ لأنه ليس من فعله ولا بتفريطه. * البهائم إذا اعترضت الطرق العامة المعبدة بالإسفلت ونحوه فضربتها سيارة فهلكت فهي هدر لا ضمان على من أتلفها إن لم يفرط أو يتعد، وصاحبها آثم بتركها وإهمالها. * يحرم على الغاصب الانتفاع بالمغصوب ويجب عليه رده، وكذا سائر المظالم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه)). أخرجه البخاري (¬2). * يجوز للإنسان الدفاع عن نفسه وماله إذا قصده آخر لقتله، أو أخذ ماله. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: ((فلا تعطه مالك)) قال أرأيت إن قاتلني؟ قال: ((قاتله)) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((فأنت شهيد)) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: ((هو في النار)). أخرجه مسلم (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3198)، واللفظ له، ومسلم برقم (1610). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2449). (¬3) أخرجه مسلم برقم (140).

18 - الشفعة والشفاعة

18 - الشفعة والشفاعة • * حكمه مشروعية الشفعة:.

* حكمه مشروعية الشفعة:

* حكمه مشروعية الشفعة: الشفعة من محاسن الإسلام، شرعت لدفع الضرر عن الشريك؛ لأنه ربما يشتري نصيب شريكه عدو له، أو ذو أخلاق سيئة فيحدث بسبب ذلك التباغض، ويتأذى الجار، وفي ثبوت الشفعة دفع للأذى والضرر. * تثبت الشفعة في كل شيء لم يقسم من أرض، أو دار، أو حائط، ويحرم التحيّل لإسقاطها؛ لأنها شرعت لإزالة الضرر عن الشريك. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة. متفق عليه (¬1). * الشفعة حق للشريك متى علم بالبيع، فإن أخرها بطلت شفعته إلا أن يكون غائباً أو معذوراً فيكون على شفعته متى قدر عليها، وإن أمكنه الإشهاد على المطالبة بها ولم يشهد بطلت شفعته. * إذا مات الشفيع ثبتت الشفعة لورثته، ويأخذ الشفيع المبيع بكل الثمن، فإن عجز عن بعضه سقطت. * لا يجوز للشريك أن يبيع نصيبه حتى يؤذن شريكه، فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به، وإن أذن له وقال لا غرض لي فيه لم يكن له المطالبة به بعد البيع. * الجار أحق بشفعة جاره، فإذا كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة لكل منهما لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الجار أحق بشفعة جاره يُنْتَظَرُ بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)). أخرجه أبوداود وابن ماجه (2). * الشفاعة: هي طلب العون للغير. * الشفاعة قسمان: حسنة وسيئة. 1 - الشفاعة الحسنة: هي ما كانت فيما استحسنه الشرع، كأن يشفع لإزالة ضرر، أو جرَّ منفعة إلى مستحق، أو رفع مظلمة عن مظلوم، فهذه محمودة، وصاحبها مأجور. 2 - الشفاعة السيئة: هي ما كانت فيما حرَّمه أو كَرِهه الشرع، كأن يشفع في إسقاط حد، أو هضم حق، أو إعطائه لغير مستحقه، فهذه مذمومة، وصاحبها مأزور غير مأجور. قال الله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (النساء/85) ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2257)، واللفظ له، ومسلم برقم (1608). (2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3518)، صحيح سنن أبي داود رقم (3004). وأخرجه ابن ماجه برقم (2494)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2023).

19 - الوديعة

19 - الوديعة • * حكمة مشروعيتها:.

* حكمة مشروعيتها:

* حكمة مشروعيتها: قد تطرأ على الإنسان أحوال يكون فيها غير قادر على حفظ ماله، إما لفقد المكان أو لعدم الإمكان، ويكون عند غيره من إخوانه القدرة على حفظ ماله، ومن هنا أباح الإسلام الوديعة لحفظ المال من جهة، وكسب الأجر من جهة المودع، وفي حفظها ثواب جزيل، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. * الوديعة عقد جائز، إن طلبها صاحبها وجب ردها إليه، وإن ردها المستودَع لزم صاحبها قبولها. * يستحب قبول الوديعة لمن علم أنه قادر على حفظها؛ لأنه من التعاون على البر والتقوى، وفيها ثواب جزيل، وتكون من جائز التصرف لمثله. * إذا تلفت الوديعة من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط لم يضمن، ويلزم حفظها في حرز مثلها. * إذا حصل خوف وأراد المودع أن يسافر فإنه يجب عليه رد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله، فإن لم يمكن دَفَعها إلى الحاكم إن كان عدلاً، فإن لم يمكن أودعها عند ثقة ليردها إلى صاحبها. * من أودع دابة فركبها لغير نفعها، أو دراهم فأخرجها من حرزها أو خلطها بغير متميز فضاع الكل أو تلف ضمن. * المودَع أمين لا يضمن إلا إن تعدى أو فرط، ويُقبل قول المودَع مع يمينه في رد الوديعة وتلفها وعدم التفريط ما لم يكن بينة. * الوديعة مالاً كانت أو غيره أمانة عند المودَع، يجب ردها عندما يطلبها صاحبها، فإن لم يردها بعد طلب صاحبها من غير عذر فتلفت ضمنها. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء/58). * إذا طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل، أو موزون، أو معدود ينقسم أُعطي إياه.

20 - إحياء الموات

20 - إحياء الموات • * حكمة مشروعيته:. • * فضل إحياء الموات لمن حسنت نيته:. • * حكم أحياء الموات:. • * كيفية إحياء الأرض الموات: يحصل إحياء الأرض بما يلي:. • * حكم التعدي على حق الغير:.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: إحياء الموات فيه اتساع دائرة الرزق، وانتفاع المسلمين بما يخرج منها من طعام وغيره، ومن زكاة تُفَرَّق على المستحقين.

* فضل إحياء الموات لمن حسنت نيته:

* فضل إحياء الموات لمن حسنت نيته: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مُسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320)، واللفظ له، ومسلم برقم (1553).

* حكم أحياء الموات:

* حكم أحياء الموات: من أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد فهي له، من مسلم وذمي، بإذن الإمام وعدمه، في دار الإسلام وغيرها، ما لم تتعلق بمصالح المسلمين كالمقبرة ومحل الاحتطاب وموات الحرم وعرفات فلا يملك بالإحياء. عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أعمرَ أرضاً ليست لأحد فهو أحق)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2335).

* كيفية إحياء الأرض الموات: يحصل إحياء الأرض بما يلي:

* كيفية إحياء الأرض الموات: يحصل إحياء الأرض بما يلي: إما بحائط منيع مما جرت به العادة، أو بإجراء الماء، أو حفر بئر فيها، أو غرس شجر، ويُرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس إحياءً فإنه تملك به الأرض الموات، فمن أحياها إحياء شرعياً ملكها بجميع ما فيها كبيرة كانت أو صغيرة، وإن عجز فللإمام أخذها وإعطاؤها لمن يقدر على إحيائها. * الأرض الواقعة في البلد أو القريبة منه لا تملك إلا بإذن الإمام، فقد يحتاجها المسلمون لمقبرة أو بناء مسجد أو مدرسة أو نحوها، وامتلاكها يفوت هذه المصالح العامة. * الأرض الموات التي تنحدر سيلها إلى أرض مملوكة فهي تبع لها على وجه الاختصاص لا يسوغ إحياؤها ولا إقطاعها لغير أهل الأرض المملوكة إلا بإذنهم. * يجوز للإمام إقطاع موات لمن يحييه، وإقطاع الجلوس في الطرقات الواسعة للبيع والشراء ما لم يضيق على الناس، ومن غير إقطاع يجوز الجلوس فيها لمن سبق، فإن سبقا معاً اقترعا، وإذا اختلف الناس في الطريق جُعل سبعة أذرع. * التحجر لا يفيد التملك وإنما يفيد الاختصاص والأحقية من غيره كأن يحيط الأرض بجدار ليس بمنيع أو بشبك أو خندق أو حاجز ترابي أو يحفر بئراً ولا يصل إلى الماء، فيضرب له ولي الأمر مدة لإحيائها، فإن أحياها إحياء شرعياً وإلا نزعها من يده وسلمها لمتشوِّف لإحيائها. * يجوز لمن في أعلى الماء المباح كماء النهر والوادي السقي وحبس الماء إلى الكعبين، ثم يرسله إلى من تحته. * يجوز للإمام دون غيره حمى مرعىً للدواب والخيل التي تتبع بيت مال المسلمين كخيل الجهاد وإبل الصدقة ونحوهما ما لم يضر بالمسلمين. * من سبق إلى مباح وحازه فهو له كصيد، وعنبر، وحطب ونحو ذلك. * المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار، ولا يجوز الحمى إلا لمصالح المسلمين العامة.

* حكم التعدي على حق الغير:

* حكم التعدي على حق الغير: يحرم على المسلم الاعتداء على حق غيره من مال أو عقار وغيرهما. 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خُسِفَ به يوم القيامة إلى سبع أرضين)). أخرجه البخاري (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2453)، واللفظ له، ومسلم برقم (1612). (¬2) أخرجه البخاري برقم (2454).

21 - الجعالة

21 - الجعالة • * صفة الجعالة:.

* صفة الجعالة:

* صفة الجعالة: أن يقول الإنسان مثلاً: من بنى لي هذا الجدار، أو خاط هذا الثوب، أو رَدَّ هذا الفرس فله كذا مالاً، فمن فعله استحق الجعل. * يجوز فسخ الجعالة، فإن كان الفسخ من العامل لم يستحق شيئاً. وإن كان الفسخ من الجاعل: فإن كان قبل الشروع في العمل لم يستحق العامل شيئاً. وإن كان بعده فللعامل أجرة عمله. * من رد لقطة أو ضالة أو نحوهما من غير جعل لم يستحق عوضاً، ويستحب إعطاؤه ما تيسر. * من استنقذ مال غيره من الهلكة ورده إلى صاحبه استحق أجرة المثل ولو بغير شرط.

22 - اللقطة واللقيط

22 - اللقطة واللقيط • * المال الضائع على ثلاثة أقسام:. • * حكم لقطة الحرم:. • * حكم إنشاد الضالة في المسجد:. • * حضانة اللقيط:.

* المال الضائع على ثلاثة أقسام:

* المال الضائع على ثلاثة أقسام: 1 - ما لا تتبعه همة أوساط الناس كالسوط والعصا والرغيف والثمرة ونحوها، فهذا يُملك بأخذه إن لم يجد صاحبه، ولا يجب تعريفه، والأفضل أن يتصدق به. 2 - الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والضبا والطيور ونحوها فهذه لا تلتقط، ومن أخذها لزمه ضمانها وتعريفها أبداً. 3 - سائر الأموال كالنقود والأمتعة والحقائب والحيوانات التي لا تمتنع بنفسها من السباع كالغنم والفصلان ونحوها، فهذه يجوز أخذها إن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها، فَيُشهد عليها عدلين، ويحفظ عفاصها ووكاءها، ثم يعرفها سنة كاملة في المجتمعات العامة كالأسواق، وأبواب المساجد، ونحوها من وسائل الإعلام المباحة. * إذا عَرَّف اللقطة سنة كاملة، فإن وجد صاحبها سلمها إليه بلا بينة ولا يمين، وإن لم يجده عَرَف صفاتها وقدرها ثم تصرف فيها وتَمَلَّكها، ومتى جاء صاحبها فوصفها دفعها إليه أو مثلها إن كانت قد تلفت. * إن هلكت اللقطة أو تلفت في حول التعريف بغير تعدٍّ منه ولا تفريط فلا ضمان عليه. * إن كانت اللقطة شاة أو فصيلاً أو نحوهما أو ما يُخشى فساده فللملتقط أن يفعل الأحظ لمالكه من أكله وعليه قيمته، أو بيعه وحفظ ثمنه، أو حفظه مدة التعريف، ويرجع بما أنفق عليه على مالكه. عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة، الذهب، أو الوَرِق؟ فقال: ((اعْرِفْ وكاءَها وعِفاصَها ثم عرِّفها سنة فإن لم تَعرِفْ فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدِّها إليه)). وسأله عن ضالة الإبل فقال: ((ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها)). وسأله عن الشاة فقال: ((خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)). متفق عليه (¬1). * السفيه والصغير يُعرِّف لقطتهما وليهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (91)، ومسلم برقم (1722)، واللفظ له.

* حكم لقطة الحرم:

* حكم لقطة الحرم: لقطة الحرم لا يجوز أخذها إلا إذا خاف عليها التلف أو الضياع، ويجب على آخذها تعريفها ما دام في مكة. وإذا أراد الخروج سلمها لجهات الاختصاص من حاكم أو نائبه، أو من ينوب عنه، ولا يجوز تملك لقطة مكة بحال، ولا يجوز أخذها إلا لمن يُعرِّفها أبداً، أما لقطة الحاج فيحرم التقاطها سواء كانت في الحل أو الحرم.

* حكم إنشاد الضالة في المسجد:

* حكم إنشاد الضالة في المسجد: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: ((لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا)). أخرجه مسلم (¬1). * اللقيط: هو طفل لا يُعرف نسبه ولا رِقّه نُبذ في مكان أو ضل الطريق. * حكم التقاطه: فرض كفاية، ولمن أخذه ورباه أجر عظيم. * اللقيط إذا وُجد في دار الإسلام حُكم بإسلامه، ويُحكم بحريته أينما وجد؛ لأنها الأصل ما لم يتبين خلاف ذلك. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (568).

* حضانة اللقيط:

* حضانة اللقيط: حضانة اللقيط لواجده إن كان مكلفا أميناً عدلاً، ونفقته على بيت مال المسلمين، وإن وُجد معه شيء أُنفق عليه منه. * ميراث اللقيط وديته لبيت المال إن لم يخلِّف وارثاً، ووليه في قتل العمد الإمام، يخير فيه بين القصاص والدية لبيت المال. * إن أقر رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده لحق به، وإن ادعاه جماعة قُدِّم ذو البينة، فإن لم تكن بينة فمن ألحقته القافة به لحقه.

23 - الوقف

23 - الوقف • * حكمة مشروعية الوقف:. • * حكم الوقف:. • * شروط صحة الوقف:. • * كيف يُكتب الوقف:. • * أفضل أبواب الوقف:.

* حكمة مشروعية الوقف:

* حكمة مشروعية الوقف: يرغب من وسع الله عليهم من ذوي الغنى واليسار أن يتزودوا من الطاعات، ويكثروا من القربات فيجعلوا شيئاً من أموالهم العينية مما يبقى أصله وتستمر منفعته وقفاً؛ خشية أن يؤول بعد الموت إلى من لا يحفظه ولا يصونه، لذا شرع الله الوقف.

* حكم الوقف:

* حكم الوقف: الوقف مستحب، وهو من أفضل الصدقات التي حث الله تعالى عليها، وأجل أعمال القُرَب والبر والإحسان وأعمها وأكثرها فائدة، وهو من الأعمال التي لا تنقطع بعد الموت. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعُو له)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1631).

* شروط صحة الوقف:

* شروط صحة الوقف: 1 - أن يكون في عين معلومة يُنتفع بها مع بقاء عينها. 2 - أن يكون على بر كالمساجد، والقناطر، والأقارب، والفقراء. 3 - أن يقف على معين من جهة كمسجد كذا، أو شخص كزيد مثلاً، أو صنف كالفقراء. 4 - أن يكون مُنَجَّزاً غير مؤقت ولا معلق إلا إذا علقه بموته. 5 - أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه. * ينعقد الوقف بالقول كأن يقول: وَقَّفت، وحَبَّست، وسَبَّلت ونحوها. ويصح بالفعل كمن بنى مسجداً وأذن للناس بالصلاة فيه، أو مقبرة وأذن للناس بالدفن فيها. * يجب العمل بشرط الواقف في جمع، وتقديم، وترتيب ونحوها ما لم يخالف الشرع، فإن أطلق ولم يشترط عُمل بالعادة والعرف ما لم يخالف الشرع، وإلا فهم سواء في الاستحقاق. * يشترط في العين الموقوفة المنفعة دائماً من عقار، وحيوان، وبستان، وسلاح، وأثاث ونحوها، ويستحب أن يكون الوقف من أطيب المال وأحسنه.

* كيف يكتب الوقف:

* كيف يُكتب الوقف: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال: ((إن شئت حبَّست أصلها وتصدقت بها)) فتصدق عمر أنه لا يُباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه. متفق عليه (¬1). * إذا وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم، والتساوي بينهم، فإن لم يمكن جاز التفضيل والاقتصار على بعضهم. * إذا وقف على أولاده، ثم على المساكين، فهو لأولاده الذكور والإناث وأولادهم وإن نزلوا للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كان لبعضهم عيال، أو به حاجة، أو عاجزاً عن الكسب، أو خص ذا الدين والصلاح بالوقف فلا بأس. * إذا قال: هذا الوقف وقف على أبنائي أو بني فلان اختص بالذكور دون الإناث إلا أن يكون الموقوف عليهم قبيلة كبني هاشم ونحوها فيدخل النساء مع الرجال. * الوقف عقد لازم لا يجوز فسخه، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ولا يرهن، فإن تعطلت منافعه بخراب أو غيره، أو عند ظهور مصلحة، جاز بيعه ويصرف ثمنه في مثله كالمسجد تتعطل منافعه يباع وينقل لمسجد آخر حفظاً لمصلحة الوقف، ما لم يترتب على ذلك مفسدة أو مضرة لأحد. * يجوز تغيير صورة الوقف للمصلحة كجعل الدور حوانيت، والبساتين دوراً، ونفقة الوقف من غلته ما لم يشترط من غيرها. * إذا لم يعين الواقف ناظراً للوقف، فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معيناً، وإن كان على جهة كالمساجد، أو من لا يمكن حصرهم كالمساكين، فالنظر على الوقف للحاكم. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772)، واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

* أفضل أبواب الوقف:

* أفضل أبواب الوقف: ما عمت منفعته المسلمين في كل زمان ومكان، كالوقف على المساجد، وطلبة العلم، والمجاهدين في سبيل الله عز وجل، والأقارب، وفقراء المسلمين وضعفائهم ونحوهم. * الوقف أصل ثابت يجوز دفعه إلى آخر يقوم بتعميره من ماله بنسبة معينة من الريع.

24 - الهبة والصدقة

* المواساة بالمال على ثلاث مراتب: 1 - الأولى: أن تُنزِّل المحتاج منزلة عبدك فتعطيه ابتداء ولا تحوجه إلى السؤال وهي أدناها. 2 - الثانية: أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك. 3 - الثالثة: وهي أعلاها أن تُؤثره على نفسك، وهذه مرتبة الصِّدِّيقين. * الهبة: هي تمليك المال في الحياة لغيره بغير عوض، وفي معناها الهدية والعطية. * الصدقة: هي ما يعطى للفقراء والمحتاجين من مال طلباً للثواب من الله تعالى. * الهبة والصدقة كلاهما مستحب، وقد حث الإسلام على الهبة والهدية والعطية والصدقة؛ لما فيها من تأليف القلوب، وتوثيق عرى المحبة بين الناس، وتطهير النفوس من رذيلة البخل والشح والطمع، وجَعَلَ لمن فعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى الأجر الجزيل والثواب العظيم.

* هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق:

* هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق: الله جواد كريم، يحب الجود والسخاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان يقبل الهدية ويثيب عليها، ويدعو إلى قبولها، ويرغب فيها، وكان أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، لا يسأله أحد شيئا إلا أعطاه قليلاً كان أو كثيراً، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه. وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه منه، إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، وكان ينوع في أصناف عطائه وصدقته، تارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة يشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، وتارة يقترض الشيء فيرد أكثر منه، وتارة يشتري الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعاً، ولذلك كان أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً فصلوات الله وسلامه عليه.

* فضل الجود والإحسان:

* فضل الجود والإحسان: 1 - قال الله تعالى (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (البقرة/272). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ حتى تكون مثل الجبل)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1410)، واللفظ له، ومسلم برقم (1014).

* حكم أخذ العطاء:

* حكم أخذ العطاء: من جاءه مال أو شيء من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه، فإن شاء تموله وإن شاء تصدق به. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء فيقول له عُمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تُتبِعه نفسك)). متفق عليه (¬1). * تجوز الصدقة على المسلم وغيره من أهل الأديان. * تنعقد الهبة بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض كوهبتك أو أهديتك أو أعطيتك، وبكل معاطاة دالة عليها، وتجوز هبة كل عين يصح بيعها، ويكره ردها وإن قلت. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7164)، ومسلم برقم (1045)، واللفظ له.

* كيف يعطي الإنسان أولاده:

* كيف يعطي الإنسان أولاده: 1 - يجوز للإنسان أن يعطي أولاده حال حياته، ويجب عليه التسوية بينهم على حسب ميراثهم، فإن فضّل بعضهم على بعض سُوِّي برجوع أو زيادة. 2 - إذا أعطى الإنسان أحد أولاده لمعنى فيه من حاجة، أو زمانه، أو كثرة أولاد، أو مرض، أو لاشتغاله بالعلم ونحوه جاز التخصيص من أجل ذلك، ويحرم ذلك على سبيل الأثرة. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكُلَّ ولدك نَحَلْتَه مثل هذا؟)) فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فارجِعه)). متفق عليه (¬1). * لا يجوز لواهب أن يرجع في هبته المقبوضة إلا الأب، ويجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه إلا بنفقته الواجبة عليه. * يستحب قبول الهدية والإثابة عليها مقابلة للجميل بمثله أو أفضل منه، فإن لم يجد دعا له، وتجوز الهدية للمشرك وقبولها منه؛ تأليفاً لقلبه، وطمعاً في إسلامه. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صُنِعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء)). أخرجه الترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2586)، ومسلم برقم (1623)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2035)، صحيح سنن الترمذي رقم (1657).

* أفضل الصدقة:

* أفضل الصدقة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يارسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تَصدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمُل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان)). متفق عليه (¬1). * من مرضه مخوف كالطاعون وذات الجَنْب ونحوهما فلا يلزم تبرعه لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة بعد الموت، كما لا يلزم تبرعه بما فوق الثلث لغير وارث إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت. * من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا. * يجوز رد الهدية لسبب كأن يعلم أن المهدي صاحب منة، أو يعيِّرك بها، أو يتحدث بها ونحو ذلك، ويجب رد الهدية إذا كانت مسروقة أو مغصوبة. * من أهدى هدية لولي أمر ليفعل معه ما لا يجوز كان حراماً على المهدي والمهدى إليه، وهي من الرشوة الملعون آخذها ومعطيها، وإن أهداه هدية ليكف ظلمه عنه، أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراماً على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه اتقاء لشره، وحفظاً لحق الدافع. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1419)، واللفظ له، ومسلم برقم (1032).

* الأولى بأخذ الصدقة:

* الأولى بأخذ الصدقة: خير الصدقة وأفضلها ما كان عن ظهر غنى، وأن يبدأ بمن يعول، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فَضَلَ عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فَضَلَ عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)). يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك. أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (997).

* فضل النفقة في وجوه البر:

* فضل النفقة في وجوه البر: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والنفقة في سبيل الله بسبعمائة حسنة، والله يضاعف لمن يشاء، ويتفاوت ذلك بحسب حال المنفق ونيته، وإيمانه، وإخلاصه، وإحسانه، وانشراح صدره، وسروره بذلك، وبحسب قدر النفقة، ونفعها، ووقوعها موقعها، وبحسب طيب المنفَق منه، وسلامته، وطهارته، وكيفية إنفاقه. 1 - قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/261). 2 - قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/274). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (42)، ومسلم برقم (129)، واللفظ له.

25 - الوصية

25 - الوصية • * حكمة مشروعية الوصية:. • * حكم الوصية:. • * وجوه الوصية:. • * نص الوصية:. • * تبطل الوصية بما يلي:.

* حكمة مشروعية الوصية:

* حكمة مشروعية الوصية: شرع الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الوصية لطفاً بعباده ورحمة بهم حينما جعل للمسلم نصيباً من ماله يفرضه قبل وفاته في أعمال البر التي تعود على الفقراء والمحتاجين بالخير والفضل، ويعود على الموصي بالثواب والأجر في وقت حيل بينه وبين العمل. قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة/180).

* حكم الوصية:

* حكم الوصية: 1 - الوصية مستحبة لمن له مال كثير ووارثه غير محتاج، فيوصي بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث يُصرف في وجوه البر والإحسان ليصل إليه ثوابه بعد موته. 2 - وتجب الوصية على من في ذمته دين لله تعالى، أو لآدمي، أو عنده أمانة لغيره فيكتبها ويبينها؛ لئلا تضيع الحقوق، أو ترك مالاً كثيراً فيلزمه أن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما لا يزيد على الثلث. 3 - الوصية المحرمة كأن يوصي لأحد الورثة كابنه الأكبر أو زوجته بمال من بين سائر الورثة. * تسن الوصية لمن له وارث بالخمس أو الربع إن ترك خيراً وهو المال الكثير عرفاً، والخمس أفضل، وتجوز الوصية بالثلث لغير وارث، وتكره وصية فقير ورثته محتاجون، وتجوز الوصية بالكل لمن لا وارث له، ولا تجوز الوصية لأجنبي لمن له وارث بأكثر من الثلث، ولا تجوز الوصية لوارث، وإن أوصى لأمه وأبيه وأخيه ونحوهم بحجة أو أضحية وهم أحياء جاز؛ لأن هذا من باب البر والإحسان إليهم بالثواب لا من باب الوصية التي يقصد بها التمليك. * يشترط في الموصى إليه بالتصرف أن يكون مسلماً، عاقلاً، مميزاً، حسن التصرف فيما أوصي إليه فيه رجلاً كان أو امرأة. * تصح الوصية من البالغ الرشيد، ومن الصبي العاقل، والسفيه بالمال ونحوهم. * تصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي، أو خطه، ويستحب أن يكتب وصيته، ويُشهد عليها؛ قطعاً للنزاع. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)). متفق عليه (¬1). * يجوز الرجوع في الوصية ونقصها وزيادتها، فإذا مات استقرت. * تصح الوصية لمن يصح تملكه من مسلم وكافر معين بكل شيء فيه نفع مباح، وتصح للمساجد، والقناطر، ودور العلم ونحو ذلك. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2738)، واللفظ له، ومسلم برقم (1627).

* وجوه الوصية:

* وجوه الوصية: الوصية تكون بالتصرف المعلوم بعد الموت كأن يزوج بناته وينظر لصغاره، أو يفرق ثلثه، وهي مندوب إليها وقربة يثاب عليها من قدر عليها. وتكون الوصية بالتبرع بالمال كأن يوصي بخمس ماله للفقراء أو أهل العلم أو المجاهدين في سبيل الله، أو لبناء مسجد، أو حفر بئر ماء للشرب ونحو ذلك. * تستحب الوصية للوالدين اللذين لا يرثان، وللأقارب الفقراء الذين لا يرثون؛ لأنها عليهم صدقة وصلة. * يجب أن تكون الوصية بالمعروف، فإن قصد الموصي مضارة الوارث حرم عليه ذلك وهو آثم، ويحرم على الموصى إليه وغيره تبديل الوصية العادلة، ويسن لمن علم أن في الوصية جنفاً أو إثماً أن ينصح الموصي بالأحسن والأعدل، وينهاه عن الجور والظلم، فإن لم يستجب أصلح بين الموصى إليهم ليحصل العدل والتراضي وبراءة ذمة الميت. قال الله تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/181 - 182). * لا تصح الوصية ولا تجوز على جهة معصية، كالوصية لبناء الكنائس، وعمارة الأضرحة، سواء كان الموصي مسلماً أو كافراً. * الاعتبار بصحة الوصية وعدم صحتها بحال الموت، فلو أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث، كأخ حُجب بابن تجدد صحت الوصية، ولو أوصى لغير وارث فصار عند الموت وارثاً، كما لو أوصى لأخيه مع وجود ابنه حال الوصية ثم مات ابنه فإنها تبطل الوصية إن لم تجزها الورثة. * إذا مات الإنسان يخرج من تركته الدين، ثم الوصية، ثم الميراث. * يجوز أن يكون الموصى إليه واحداً أو أكثر، فإذا تعدد الأوصياء وحُدد لكل واحد اختصاصه صح فيما خصه به، وإن أوصى إلى وصيين في شيء واحد كالنظر في أمر أولاده، أو أمواله فليس لأحدهما التصرف منفرداً. * يصح قبول الموصى إليه الوصية في حياة الموصي، وبعد موته، فإن امتنع عنها قبل الموت أو بعده سقط حقه؛ لعدم قبوله. * إذا أوصى الموصي بأن قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني أو أي وارث فله مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة، وإن أوصى بجزء أو حظ أعطاه الورثة ما شاؤوا. * إذا مات الإنسان بموضع لا حاكم فيه ولا وصي كالمفاوز والقفار، جاز لمن حوله من المسلمين حوز تركته والتصرف فيها بما يحقق المصلحة.

* نص الوصية:

* نص الوصية: يستحب أن يكتب في صدر الوصية ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: هذا ما أوصى به فلان ابن فلان، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك بعده من أهله أن يتقوا الله حق تقاته، وأن يصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة/132). ثم يذكر ما يريد أن يوصي به. أخرجه البيهقي والدارقطني (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البيهقي برقم (12463)، وأخرجه الدارقطني (4/ 154) انظر إرواء الغليل رقم (1647).

* تبطل الوصية بما يلي:

* تبطل الوصية بما يلي: 1 - إذا جُنَّ الموصَى له بالتصرف. 2 - إذا تلف الموصى به. 3 - إذا رجع الموصي عن الوصية. 4 - إذا ردها الموصى له. 5 - إذا مات الموصى له قبل موت الموصي. 6 - إذا قتل الموصى له الموصي. 7 - إذا انتهت مدة الوصية، أو انتهى العمل الذي عُهد إلى الوصي القيام به.

26 - العتق

26 - العتق • * حكمة مشروعيته:. • * فضل العتق:.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: العتق من أعظم القرب المندوب إليها؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل وغيره من الذنوب، ولما فيه من تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وتمكينه من التصرف في نفسه وماله حسب اختياره، وأفضل الرقاب أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها. * يقع العتق من الجاد والهازل بكل لفظ يدل عليه كأنت حر، أو عتيق ونحوهما، ومن ملك ذا رحم محرّم عَتُق عليه بالملك كأمه وأبيه ونحوهما، وأيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته.

* فضل العتق:

* فضل العتق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل أعتق امرءاً مسلماً استنقذ اللهُ بكل عضو منه عُضوا من النار)). متفق عليه (¬1). * المكاتبة: بيع السيد رقيقه نفسه بمال في ذمته، وتجب إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور/33). * يجب على السيد أن يعين المكاتب بشيء من ماله كالربع، أو يضع عنه قدره ونحوه، ويجوز بيع المكاتب، ومشتريه يقوم مقام مكاتبه، فإن أدى ما عليه عتق، وإن عجز عاد رقيقاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2517)، واللفظ له، ومسلم برقم (1509).

الفرائض

* أهمية علم الفرائض: علم الفرائض من أجلّ العلوم خطراً، وأرفعها قدراً، وأعظمها أجراً، ولأهميته فقد تولى الله سبحانه تقدير الفرائض بنفسه، فبيّن ما لكل وارث من الميراث، وفصّلها غالباً في آيات معلومة، إذ الأموال وقسمتها محط أطماع الناس، والميراث غالباً بين رجال ونساء، وكبار وصغار، وضعفاء وأقوياء، ولئلا يكون فيها مجال للآراء والأهواء. لذا تولى الله عز وجل قسمتها بنفسه وفصلها في كتابه، وسوّاها بين الورثة على مقتضى العدل والمصلحة التي يعلمها سبحانه. * للإنسان حالتان: حالة حياة، وحالة موت، وفي علم الفرائض معظم الأحكام المتعلقة بالموت، فالفرائض نصف العلم، والناس كلهم محتاجون إليه. * كان أهل الجاهلية يورثون الكبار دون الصغار، والرجال دون النساء، والجاهلية المعاصرة أعطت المرأة ما لا تستحقه من المناصب والأعمال والأموال فزاد الشر، وانتشر الفساد، أما الإسلام فقد أنصف المرأة وأكرمها وأعطاها حقها اللائق بها كغيرها. * علم الفرائض: هو علم يُعرف به من يرث ومن لا يرث، ومقدار ما لكل وارث. * موضوعه: التركات، وهي ما يتركه الميت من الأموال والأشياء. * ثمرته: إيصال الحقوق إلى مستحقيها من الورثة. * الفريضة: هي النصيب المقدر شرعاً لكل وارث كالثلث والربع ونحوهما. * الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة، تنفذ مرتبة إن وجدت كما يلي: 1 - تُخرج من التركة مؤونة تجهيز الميت من كفن ونحوه. 2 - ثم الحقوق المتعلقة بعين التركة كدين برهن ونحوه. 3 - ثم الديون المطلقة، سواء كانت لله تعالى كالزكاة والكفارة ونحوهما، أو كانت لآدمي. 4 - ثم الوصية. 5 - ثم الإرث- وهو المقصود هنا-.

* أركان الإرث ثلاثة:

* أركان الإرث ثلاثة: 1 - المورِّث، وهو الميت. 2 - الوارث، وهو الحي بعد موت المورث. 3 - الحق الموروث، وهو التركة.

* أسباب الإرث ثلاثة:

* أسباب الإرث ثلاثة: 1 - النكاح بعقد الزوجية الصحيح، فيرث به الزوج زوجته، والزوجة من زوجها بمجرد العقد. 2 - النسب، وهو القرابة من الأصول كالوالدين، والفروع كالأولاد، والحواشي كالإخوة، والعمومة، وبنوهم. 3 - الولاء، وهو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيرثه إن لم يكن له وارث من عصبة النسب أو أصحاب الفروض.

* موانع الإرث ثلاثة:

* موانع الإرث ثلاثة: 1 - الرِّقّ: فلا يرث الرقيق ولا يورث؛ لأنه مملوك لسيده. 2 - القتل بغير حق: فلا يرث القاتل المقتول. 3 - اختلاف الدين: فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)). متفق عليه (¬1). * الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً يثبت التوارث بينها وبين زوجها ما دامت في العدة. * الزوجة إذا طلقها زوجها طلاقاً بائناً، فإن كان في حال الصحة فلا توارث، وإن كان في حال المرض أو الخوف ولم يتهم بقصد حرمانها فإنها لا ترث كذلك، فإن اتُّهم بقصد حرمانها ورثته. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764)، ومسلم برقم (1614).

* أقسام الإرث:

* أقسام الإرث: 1 - إرث بالفرض: وهو أن يكون للوارث نصيب مقدر كالنصف والربع مثلاً. 2 - إرث بالتعصيب: وهو أن يكون للوارث نصيب غير مقدر. * الفروض الواردة في القرآن ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس، أما ثلث الباقي فثابت بالاجتهاد.

* الوارثون من الرجال على سبيل التفصيل خمسة عشر، وهم:

* الوارثون من الرجال على سبيل التفصيل خمسة عشر، وهم: الابن وابنه وإن سفل بمحض الذكور، والأب والجد وإن علا بمحض الذكور، والأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم، وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب وإن نزلا بمحض الذكور، والزوج، والعم الشقيق وإن علا، والعم لأب وإن علا، وابن العم الشقيق وابن العم لأب وإن نزلا بمحض الذكور، والمعتق وعصبته. كل ما عدا هؤلاء من الذكور فمن ذوي الأرحام كالأخوال، وابن الأخ لأم، والعم لأم، وابن العم لأم ونحوهم.

* الوارثات من النساء على سبيل التفصيل إحدى عشرة، وهن:

* الوارثات من النساء على سبيل التفصيل إحدى عشرة، وهن: البنت، وبنت الابن وإذ سفل أبوها بمحض الذكور، والأم، والجدة من قِبَل الأم وإن علت بمحض الإناث، والجدة التي هي أم الأب وإن علت بمحض الإناث، والجدة التي هي أم أب الأب، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والزوجة، والمعتقة. كل ماعدا هؤلاء من الإناث فمن ذوي الأرحام كالخالات ونحوهن. قال الله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (النساء / 7).

1 - أصحاب الفروض

1 - أصحاب الفروض • 1 - ميراث الزوج. • 2 - ميراث الزوجة. • 3 - ميراث الأم. • 4 - ميراث الأب. • 5 - ميراث الجد. • 6 - ميراث الجدة. • 7 - ميراث البنات:. • 8 - ميراث بنات الابن. • 9 - ميراث الأخوات الشقيقات. • 10 - ميراث الأخوات لأب. • 11 - ميراث الإخوة لأم. • مسائل أهل الفروض * مسائل الفرائض بالنسبة لما فيها من الفروض على ثلاثة أقسام:.

1 - ميراث الزوج

1 - ميراث الزوج 1 - يرث الزوج من زوجته النصف إن لم يكن لها فرع وارث، والفرع الوارث هم: ((الأولاد بنون أو بنات، وأولاد الأبناء وإن نزلوا)) أما أولاد البنات فهم فروع غير وارثين. 2 - يرث الزوج من زوجته الربع إذا كان لزوجته فرع وارث سواء كان منه أو من غيره. قال الله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ .. ) (النساء/12).

2 - ميراث الزوجة

2 - ميراث الزوجة 1 - ترث الزوجة من زوجها الربع إن لم يكن له فرع وارث. 2 - ترث الزوجة من زوجها الثمن إن كان له فرع وارث منها أو من غيرها. * تشترك الزوجات في الربع أو الثمن إن كن أكثر من واحدة. قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ .. ) (النساء/12).

3 - ميراث الأم

3 - ميراث الأم 1 - ترث الأم الثلث بثلاثة شروط: عدم الفرع الوارث، عدم الجمع من الإخوة والأخوات، ألا تكون المسألة إحدى العمريتين. 2 - ترث الأم السدس: إذا كان للميت فرع وارث، أو كان له جمع من الإخوة أو الأخوات. 3 - ترث الأم ثلث الباقي في العمريتين، وتسمى الغراوين، وهما: 1 - زوجة وأم وأب: المسألة من أربعة: للزوجة الربع واحد، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب. 2 - زوج وأم وأب: المسألة من ستة: للزوج النصف ثلاثة، وللأم ثلث الباقي واحد، والباقي اثنان للأب. * أعطيت الأم ثلث الباقي؛ لئلا تزيد على نصيب الأب وهما في درجة واحدة من الميت، وليكون للذكر مثل حظ الأُنثيين. قال الله تعالى: ( ... وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ .. ) (النساء/ 11).

4 - ميراث الأب

4 - ميراث الأب 1 - يرث الأب السدس فرضاً بشرط وجود الفرع الوارث من الذكور كالابن أو ابن الابن وإن نزل. 2 - يرث الأب بالتعصيب إذا لم يكن للميت فرع وارث. 3 - يرث الأب بالفرض والتعصيب معاً مع وجود الفرع الوارث من الإناث كالبنت أو بنت الابن، فله السدس فرضاً، والباقي تعصيباً كما سبق. * الإخوة الأشقاء أو لأب أو لأم جميعهم يسقطون بالأب والجد.

5 - ميراث الجد

5 - ميراث الجد * الجد الوارث هو من ليس بينه وبين الميت أنثى كأب الأب، وميراثه كميراث الأب إلا في العمريتين، فإن للأم فيهما مع الجد ثلث جميع المال، ومع الأب ثلث الباقي بعد فرض الزوجية كما سبق. 1 - يرث الجد السدس فرضاً بشرطين: وجود الفرع الوارث، عدم الأب. 2 - يرث الجد بالتعصيب إذا لم يكن للميت فرع وارث، عدم الأب. 3 - يرث الجد بالفرض والتعصيب معاً مع وجود الفرع الوارث من الإناث كالبنت وبنت الابن.

6 - ميراث الجدة

6 - ميراث الجدة * الجدة الوارثة: هي أم الأم، وأم الأب، وأم الجد وإن علون بمحض الإناث، اثنتان من قبل الأب، وواحدة من قِبَل الأم. * لا إرث للجدات مطلقاً مع وجود الأم، كما لا إرث للجد مطلقاً مع وجود الأب. * ميراث الجدة فأكثر السدس مطلقاً بشرط عدم الأم.

7 - ميراث البنات:

7 - ميراث البنات: 1 - ترث البنت فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن أخوهن، للذكر مثل حظ الأنثيين. 2 - ترث البنت النصف بشرط عدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم المشاركة لها وهي أختها. 3 - ترث البنتان فأكثر الثلثين بشرط أن يَكنَّ اثنتين فأكثر، عدم المعصب لهن وهو أخوهن. * قال الله تعالى: (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ .. ). (النساء / 11).

8 - ميراث بنات الابن

8 - ميراث بنات الابن 1 - ترث بنت الابن فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أخ لها في درجتها وهو ابن الابن. 2 - ترث بنت الابن النصف بشرط عدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم المشاركة لها وهي أختها، عدم الفرع الوارث الأعلى منها كالابن، والبنت. 3 - ترث بنتا الابن فأكثر الثلثين بشرط أن يكن اثنتين فأكثر، عدم المعصب لهن وهو أخوهن، عدم الفرع الوارث الأعلى منهن. 4 - ترث بنت الابن فأكثر السدس بشرط عدم المعصب لهن وهو أخوهن، عدم الفرع الوارث الأعلى منهن إلا البنت صاحبة النصف، فإنها لا ترث السدس إلا معها، وكذا حكم بنت ابن ابن مع بنت ابن وهكذا.

9 - ميراث الأخوات الشقيقات

9 - ميراث الأخوات الشقيقات 1 - ترث الأخت الشقيقة النصف بشرط عدم المشاركة لها وهي أختها، وعدم المعصب لها وهو أخوها، وعدم الأصل الوارث وهو الأب أو الجد، وعدم الفرع الوارث. 2 - ترث الأخوات الشقيقات الثلثين بشرط أن يكن اثنتين فأكثر، عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم المعصب لهن وهو أخوهن. 3 - ترث الأخت الشقيقة فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن المعصب لهن وهو أخوهن للذكر مثل حظ الأنثيين، أو كن مع الفرع الوارث من الإناث كالبنات. قال الله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ .. ) (النساء / 176).

10 - ميراث الأخوات لأب

10 - ميراث الأخوات لأب 1 - ترث الأخت لأب النصف بشرط عدم المشاركة لها وهي أختها، عدم المعصب لها وهو أخوها، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم الفرع الوارث، عدم الإخوة الأشقاء والشقائق. 2 - ترث الأخوات لأب الثلثين بشرط أن يكن اثنتين فأكثر، عدم المعصب لهن وهو أخوها، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم الفرع الوارث، عدم الأشقاء والشقائق. 3 - ترث الأخت لأب فأكثر السدس بشرط أن تكون مع أخت واحدة شقيقة وارثة بالفرض، عدم المعصب لها، عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور، عدم الأخ الشقيق فأكثر. 4 - ترث الأخت لأب فأكثر بالتعصيب إذا كان معها أو معهن المعصب لهن وهو أخوهن فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين، أو كن مع الفرع الوارث من الإناث كالبنات.

11 - ميراث الإخوة لأم

11 - ميراث الإخوة لأم * الإخوة لأم لا يفضل ذكرهم على أنثاهم، وذكرهم لا يعصب أنثاهم، فيرثون بالسوية. 1 - يرث الأخ لأم ذكراً كان أو أنثى السدس بشرط عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور، أن يكون منفرداً. 2 - يرث الإخوة لأم ذكوراً كانوا أم إناثاً الثلث بشرط أن يكونوا اثنين فصاعداً، عدم الفرع الوارث، عدم الأصل الوارث من الذكور. قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (النساء / 12).

مسائل أهل الفروض * مسائل الفرائض بالنسبة لما فيها من الفروض على ثلاثة أقسام:

مسائل أهل الفروض * مسائل الفرائض بالنسبة لما فيها من الفروض على ثلاثة أقسام: 1 - ما كانت السهام فيها مساوية لأصل المسألة وتسمى بالعادلة. مثالها: زوج وأخت، المسألة من اثنين، للزوج النصف واحد، وللأخت النصف واحد. 2 - ما كانت السهام فيها أقل من أصل المسألة وتسمى بالناقصة، فيرد الباقي على أصحاب الفروض ما عدا الزوجين، فإذا لم تستغرق الفروض التركة ولم يكن عاصب فهم أحق به يأخذونه حسب فروضهم. مثالها: زوجة وبنت، المسألة من ثمانية، للزوجة الثمن: واحد، وللبنت سبعة فرضاً ورداً. 3 - ما كانت السهام فيها زائدة عن أصل المسألة وتسمى بالعائلة. مثالها: زوج وأختين لغير أم، فإن أُعطي الزوج النصف، لم يبق للأختين حقهما وهو الثلثان، فأصل المسألة من ستة وتعول إلى سبعة، للزوج النصف ثلاثة، وللأختين الثلثان أربعة، فيدخل النقص على الجميع حسب فروضهم.

2 - العصبة

2 - العصبة • * العصبة قسمان:. 1 - عصبة بالنسب. 2 - عصبة بالسبب. • 1 - تنقسم العصبة بالنسب إلى ثلاثة أقسام: 1 - عصبة بالنفس:. • * إذا اجتمع عاصبان فأكثر فلهم حالات:. • 2 - عصبة بالغير:. • 3 - عصبة مع الغير:.

* العصبة قسمان:

* العصبة قسمان: 1 - عصبة بالنسب. 2 - عصبة بالسبب.

1 - تنقسم العصبة بالنسب إلى ثلاثة أقسام: 1 - عصبة بالنفس:

1 - تنقسم العصبة بالنسب إلى ثلاثة أقسام: 1 - عصبة بالنفس: وهم كل وارث من الذكور إلا (الزوج، والأخ لأم، والمعتق) وهم: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأب، والجد وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ الشقيق وإن نزل، وابن الأخ لأب وإن نزل، والعم الشقيق، والعم لأب، وابن العم الشقيق وإن نزل، وابن العم لأب وإن نزل. * من انفرد من هؤلاء أخذ جميع المال، وإذا اجتمع مع أصحاب الفروض أخذ ما أبقت الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقط. * جهات التعصيب بعضها أقرب من بعض وهي خمس على الترتيب: البنوة، ثم الأبوة، ثم الإخوة وبنوهم، ثم الأعمام وبنوهم، ثم الولاء.

* إذا اجتمع عاصبان فأكثر فلهم حالات:

* إذا اجتمع عاصبان فأكثر فلهم حالات: 1 - الحالة الأولى: أن يتحدا في الجهة والدرجة والقوة كابنين، أو أخوين، أو عمين، ففي هذه الحالة يشتركان في المال بالسوية. 2 - الحالة الثانية: أن يتحدا في الجهة والدرجة ويختلفا في القوة كما لو اجتمع عم شقيق وعم لأب فيقدم بالقوة فيرث العم الشقيق دون العم لأب. 3 - الحالة الثالثة: أن يتحدا في الجهة ويختلفا في الدرجة كما لو اجتمع ابن، وابن ابن، فيقدم بقرب الدرجة فيكون المال للابن. 4 - الحالة الرابعة: أن يختلفا في الجهة فيقدم في الميراث الأقرب جهة وإن كان بعيداً في الدرجة على الأبعد جهة وإن كان قريباً في الدرجة، فابن الابن مقدم على الأب.

2 - عصبة بالغير:

2 - عصبة بالغير: وهن أربع: البنت فأكثر بالابن فأكثر، بنت الابن فأكثر بابن الابن فأكثر، الأخت الشقيقة فأكثر بالأخ الشقيق فأكثر، الأخت لأب فأكثر بالأخ لأب فأكثر، فيرثون للذكر مثل حظ الأنثيين، ولهم ما أبقت الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقطوا.

3 - عصبة مع الغير:

3 - عصبة مع الغير: وهم صنفان: الأخت الشقيقة فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر أو هما معاً، والأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر أو هما معاً، فالأخوات دائماً مع البنات أو بنات الابن وإن نزلن عصبات، فلهن ما أبقت الفروض، وإن استغرقت الفروض التركة سقطن. 2 - العصبة بالسبب: وهم المعتق ذكراً كان أو أنثى وعصبته المتعصبون بأنفسهم. 1 - قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النساء / 176). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6732)، ومسلم برقم (1615).

3 - الحجب

3 - الحجب • * الورثة إذا اجتمعوا فلهم ثلاثة أحوال:. • أقسام الحجب * ينقسم الحجب إلى قسمين:. • * قواعد حجب الحرمان بالشخص:.

* الورثة إذا اجتمعوا فلهم ثلاثة أحوال:

* الورثة إذا اجتمعوا فلهم ثلاثة أحوال: 1 - إذا اجتمع كل الذكور ورث منهم ثلاثة فقط: الأب، والابن، والزوج. ومسألتهم من اثني عشر: للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي سبعة للابن تعصيباً. 2 - إذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس فقط: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة، ويسقط الباقي. ومسألتهن من أربعة وعشرين: للزوجة الثمن ثلاثة، وللأم السدس أربعة، وللبنت النصف اثنا عشر، والباقي واحد للأخت الشقيقة تعصيباً. 3 - إذا اجتمع كل الذكور والإناث ورث منهم خمسة فقط: الأم، والأب، والابن، والبنت، وأحد الزوجين. 1 - فإن كان معهم الزوجة فالمسألة من أربعة وعشرين: للأب السدس أربعة، وللأم السدس أربعة، وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي للابن والبنت تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين. 2 - وإن كان معهم الزوج فالمسألة من اثني عشر: للأب السدس اثنان، وللأم السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي للابن والبنت تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين.

أقسام الحجب * ينقسم الحجب إلى قسمين:

أقسام الحجب * ينقسم الحجب إلى قسمين: 1 - الحجب بالوصف: وهو أن يتصف الوارث بمانع من موانع الإرث، وهو الرق، أو القتل، أو اختلاف الدين، وهو يدخل على جميع الورثة، فمن اتصف بأحد هذه الأوصاف لم يرث، ووجوده كعدمه. 2 - الحجب بالشخص: -وهو المراد هنا- وهو أن يكون بعض الورثة محجوباً بشخص آخر، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين: حجب نقصان، وحجب حرمان، وبيانها كما يلي: 1 - حجب النقصان: وهو منع الشخص الوارث أوفر حظّيه، بأن ينقص ميراث المحجوب بسبب الحاجب، وهو سبعة أنواع: أربعة بالانتقال، وثلاثة بالازدحام، فالانتقال: 1 - أن ينتقل المحجوب من فرض إلى فرض أقل منه، وهم خمسة: الزوجان، الأم، بنت الابن، الأخت لأب، كانتقال الزوج من النصف إلى الربع مثلاً. 2 - أن ينتقل من تعصيب إلى فرض أقل منه، وهذا في حق الأب والجد فقط. 3 - أن ينتقل من فرض إلى تعصيب أقل منه، وهذا في حق ذوات النصف: البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب إذا كان مع كل واحدة أخوها. 4 - أن ينتقل من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، وهذا يكون في حق العصبة مع الغير، فللأخت الشقيقة أو لأب مع البنت أو بنت الابن الباقي وهو النصف، ولو كان معها أخوها كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. 5 - أما الازدحام فيكون في الفرض، وهذا يكون في حق سبعة من الورثة وهم: الجد، والزوجة، والعدد من البنات وبنات الابن، والأخوات الشقائق، والأخوات لأب، والإخوة لأم. 6 - وازدحام في التعصيب: وهذا يكون في حق كل عاصب كالأبناء، والإخوة، والأعمام ونحوهم. 7 - وازدحام في العول: وهذا يكون في حق أصحاب الفروض إذا تزاحموا. 2 - حجب الحرمان: وهو أن يُسقط الشخص غيره من الإرث بالكلية، ويأتي على جميع الورثة ما عدا ستة: الأب، والأم، والزوج، والزوجة، والابن، والبنت.

* قواعد حجب الحرمان بالشخص:

* قواعد حجب الحرمان بالشخص: 1 - كل وارث من الأصول يحجب من فوقه إذا كان من جنسه، فالأب يحجب الأجداد، والأم تحجب الجدات وهكذا. 2 - كل ذكر وارث من الفروع يحجب من تحته، سواء كان من جنسه أم لا، فالابن يحجب أبناء الابن، وبنات الابن، والأنثى من الفروع لا تحجب إلا من تحتها إذا استغرقن الثلثين فيسقط من تحتهن من الإناث إلا أن يُعصَّبنَ بذكر، فلهم الباقي تعصيباً. 3 - كل وارث من الأصول والفروع فإنه يحجب الحواشي الذكور منهم والإناث بلا استثناء. والحواشي: هم الإخوة أو الأخوات الأشقاء أو لأب، وأبناؤهم، والإخوة لأم، والأعمام الأشقاء أو لأب، وأبناؤهم، وأما الإناث من الأصول أو الفروع فلا يحجبن الحواشي إلا إناث الفروع وهن: البنات، وبنات الابن فيحجبن الإخوة لأم. 4 - الحواشي بعضهم مع بعض، فكل من يرث منهم بالتعصيب فإنه يحجب من دونه في الجهة، أو القرب، أو القوة. فالأخ لأب يسقط بالأخ الشقيق والأخت الشقيقة العاصبة مع الغير، وابن الأخ الشقيق يسقط بالأخ الشقيق، والأخت الشقيقة العاصبة مع الغير وبالأخ لأب وبالأخت لأب العاصبة مع الغير، وابن الأخ لأب يسقط بالأربعة المتقدمة وابن الأخ الشقيق. والعم الشقيق يسقط بالخمسة المتقدمة وابن الأخ لأب، والعم لأب يسقط بالستة المتقدمة وبالعم الشقيق، وابن العم الشقيق يسقط بالسبعة المتقدمة وبالعم لأب، وابن العم لأب يسقط بالثمانية المتقدمة وبابن العم الشقيق، وأما الإخوة لأم فيسقطون بالفرع الوارث والأصل الوارث من الذكور. 5 - الأصول لا يحجبهم إلا أصول، والفروع لا يحجبهم إلا فروع كما سبق، والحواشي يحجبهم أصول وفروع وحواشي- كما سبق-. 6 - الورثة بالنسبة لحجب الحرمان ينقسمون إلى أربعة أقسام: قسم يَحجبون ولا يُحجبون وهم الأبوان والولدان، وقسم يُحجبون ولا يَحجبون وهم الإخوة لأم، وقسم لا يَحجبون ولا يُحجبون وهم الزوجان، وقسم يَحجبون ويُحجبون وهم بقية الورثة. 7 - يسقط المعتق والمعتقة بكل عاصب من القرابة.

4 - تأصيل المسائل

4 - تأصيل المسائل * أصل كل مسألة يختلف باختلاف الورثة، فإن كانوا عصبة فقط فأصل المسألة من عدد رؤوسهم للذكر مثل حظ الأنثيين، كمن مات عن ابن وبنت، المسألة من ثلاثة، للابن اثنان، وللبنت واحد. * وإن كان في المسألة صاحب فرض واحد وعصبة فأصلها من مخرج ذلك الفرض، كمن مات عن زوجة وابن، المسألة من ثمانية، للزوجة الثمن واحد فرضاً، وللابن الباقي تعصيباً. * وإن كان في المسألة أصحاب فروض فقط، أو معهم عصبة، فإنه يُنظر بين مخارج الفروض بالنسب الأربع وهن (المماثلة، والمداخلة، والموافقة، والمباينة) والناتج يكون أصلاً للمسألة، والفروض كالنصف، والربع، والسدس، والثلث، والثمن، والثلثين، فالمتماثلان يُكتفى بأحدهما، والمتداخلان يُكتفى بأكبرهما، والمتوافقان يُضرب وفق أحدهما بكامل الآخر، والمتباينان: يُضرب كامل أحدهما في كامل الآخر، كما يلي: المماثلة (1/ 3،1/ 3) المداخلة (1/ 6،1/ 2) الموافقة (1/ 8،1/ 6) المباينة (2/ 3،1/ 4) وهكذا. * أصول مسائل ذوي الفروض سبعة وهي: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربعة وعشرون. * إن بقي بعد أصحاب الفروض شيء ولا عصبة رُدَّ على كل فرض بقدره عدا الزوجين، كزوج وبنت، المسألة من أربعة: للزوج الربع واحد، والباقي للبنت فرضاً ورداً .. وهكذا.

5 - قسمة التركة

5 - قسمة التركة • * تقسم التركة على الورثة بإحدى الطرق الآتية:.

* تقسم التركة على الورثة بإحدى الطرق الآتية:

* تقسم التركة على الورثة بإحدى الطرق الآتية: 1 - طريق النسبة: وهي أن تنسب سهم كل وارث من المسألة إليها وتعطيه من التركة بمثل ذلك، فلو هلك هالك عن (زوجة وأم وعم) والتركة مائة وعشرون، فالمسألة من اثني عشر، للزوجة الربع ثلاثة، وللأم الثلث أربعة، وللعم الباقي خمسة، فنسبة ثلاثة الزوجة إلى المسألة ربعها، فتأخذ ربع التركة ثلاثين، ونسبة أربعة الأم إلى المسألة ثلثها، فتأخذ ثلث التركة أربعين، ونسبة خمسة العم إلى المسألة ربعها وسدسها، فيأخذ ربع التركة وسدسها خمسين. 2 - وإن شئت ضربت نصبب كل وارث في التركة، ثم تقسم الحاصل على مصح المسألة فيخرج نصيبه من التركة، فللزوجة في المسألة السابقة الربع ثلاثة، تضربه في التركة (120) والناتج (360) تقسمه على أصل المسألة (12) يكون نصيبها من التركة (30) وهكذا. 3 - وإن شئت قسمت التركة على مصح المسألة، وحاصل القسمة تضرب به نصيب الوارث من المسألة، والناتج هو نصيبه من التركة. ففي المسألة السابقة تقسم التركة (120) على أصل المسألة (12) يكون الناتج (10)، تضرب به نصيب كل وارث، فنصيب الأم في المسألة السابقة الثلث أربعة، نضربه في عشرة (10×4=40) هو نصيبها من التركة وهكذا. * إذا حضر قسمة الميراث أقارب الميت الذين لا يرثون، أو اليتامى، أو من لا مال لهم فيستحب إعطاؤهم شيئاً من المال قبل قسمة التركة. قال الله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء/8).

6 - ميراث ذوي الأرحام

6 - ميراث ذوي الأرحام * ذوو الأرحام: هم كل قريب لا يرث بفرض ولا تعصيب. * يرث ذوو الأرحام بشرطين: عدم وجود أهل الفروض غير الزوجين، عدم وجود العصبة. * ميراث ذوي الأرحام يكون بالتنزيل، فَيُنزَّل كل واحد من ذوي الأرحام منزلة من أدلى به، ثم يقسم المال بين المدلى بهم، فما صار لكل واحد أخذه المدلي كما يلي: 1 - ولد البنات، وولد بنات البنين بمنزلة أمهاتهم. 2 - بنات الإخوة وبنات بنيهم بمنزلة آبائهن، وأولاد الإخوة لأم بمنزلة الإخوة لأم، وأولاد الأخوات مطلقاً بمنزلة أمهاتهم. 3 - الأخوال والخالات وأبو الأم كالأم. 4 - العمات والعم لأم كالأب. 5 - الجدات الساقطات من جهة الأم أو الأب، كأم أب الأم، وأم أب الجد فالأولى بمنزلة الجدة لأم، والثانية بمنزلة الجدة لأب. 6 - الأجداد الساقطون من جهة الأب أو الأم، كأم الأب، وأب أم الأب، فالأول بمنزلة الأم، والثاني بمنزلة أم الأب. 7 - كل من أدلى بواحد من هذه الأصناف فهو بمنزلة من أدلى به كعمة العمة، وخالة الخالة ونحوها. * جهات ذوي الأرحام ثلاث: البنوة، الأبوة، الأمومة.

7 - ميراث الحمل

7 - ميراث الحمل • * من خلف ورثة فيهم حمل فلهم حالتان:.

* من خلف ورثة فيهم حمل فلهم حالتان:

* من خلف ورثة فيهم حمل فلهم حالتان: 1 - إما أن ينتظروا حتى تلد الحامل ويتبين الحمل ثم يقسم المال. 2 - وإما أن يطلبوا القسمة قبل الولادة، فهنا يوقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو انثيين، فإذا ولد أخذ حقه وما بقي لمستحقه، ومن لا يحجبه الحمل أخذ إرثه كالجدة، ومن ينقصه أخذ الأقل كالزوجة والأم، ومن سقط به لم يعط شيئاً كالإخوة.

8 - ميراث الخنثى المشكل

8 - ميراث الخنثى المشكل • * يتضح أمر الخنثى بأمور:.

* يتضح أمر الخنثى بأمور:

* يتضح أمر الخنثى بأمور: البول أو المني من إحدى الآلتين، فإن بال منهما اعتبر الأسبق، فإن استويا اعتبر الأكثر، الميول الجنسي، ظهور اللحية، والحيض، والحبل، وتفلّك الثديين، ونزول اللبن من الثديين ونحو ذلك.

9 - ميراث المفقود

9 - ميراث المفقود • * أحوال المفقود:.

* أحوال المفقود:

* أحوال المفقود: 1 - إذا كان المفقود مورثاً، فإذا مضت مدة انتظاره ولم يتبين أمره فإنه يُحكم بموته، ويُقسم ماله الخاص، وما وُقِفَ له من مال مورثه إن كان على ورثته الموجودين حين الحكم بموته، دون من مات في مدة الانتظار. 2 - وإن كان المفقود وارثاً ولا مزاحم له وُقِفَ المال له إلى أن يتبين أمره، أو تمضي مدة الانتظار، وإن كان له مزاحم من الورثة وطلبوا القسمة فيعامل الورثة بالأضر، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمره، فإن كان حياً أخذ نصيبه وإلا رُدَّ على أهله. فتقسم المسألة على اعتبار المفقود حياً، ثم تقسم على اعتباره ميتاً، فمن كان يرث في المسألتين متفاضلاً أعطي الأقل، ومن ترث فيهما متساوياً يعطى نصيبه كاملاً، ومن يرث في إحدى المسألتين فقط لا يعطى شيئاً، ويوقف الباقي إلى أن يتبين أمر المفقود.

10 - ميراث الغرقى والهدمى ونحوهم

10 - ميراث الغرقى والهدمى ونحوهم • * أحوالهم: لهم خمس حالات:.

* أحوالهم: لهم خمس حالات:

* أحوالهم: لهم خمس حالات: 1 - أن يُعلم المتأخر منهم بعينه فيرث من المتقدم ولا عكس. 2 - أن يُعلم موتهم جميعاً دفعة واحدة فلا توارث بينهم. 3 - أن يُجهل كيف وقع الموت، هل كان مرتباً؟ أو دفعة واحدة؟ فلا توارث بينهم. 4 - أن يُعلم أن موتهم مرتب، ولكن لا نعلم عين المتأخر منهم فلا توارث بينهم. 5 - أن يُعلم المتأخر ثم يُنسى فلا توارث بينهم. ففي هذه المسائل الأربع الأخيرة لا توارث بينهم، وعليه فيكون مال كل واحد منهم لورثته الأحياء فقط دون من مات معه.

11 - ميراث القاتل

11 - ميراث القاتل * من انفرد بقتل مورثه أو شارك فيه مباشرة أو سبباً بلا حق لم يرثه، والقتل بغير حق: هو المضمون بقود، أو دية، أو كفارة كالعمد وشبه العمد والخطأ وما جرى مجرى الخطأ كالقتل بالسبب وقتل الصبي والنائم والمجنون. فالقاتل عمداً لا يرث، والحكمة فيه: الاستعجال للميراث، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، وإن كان القتل غير عمد فَمَنْعه من الإرث سداً للذرائع صيانة للدماء؛ لئلا يكون الطمع سبباً لسفكها. * إن كان القتل قصاصاً أو حداً أو دفاعاً عن النفس ونحو ذلك فلا يمنع الإرث. * المرتد لا يرث أحداً ولا يورث، فإن مات على ردته فماله لبيت مال المسلمين.

12 - ميراث أهل الملل

12 - ميراث أهل الملل * لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم؛ لاختلاف دينهما، والكافر ميت لا يرث الميت. * الكفار يرث بعضهم بعضاً مع اتفاق أديانهم لا مع اختلافها، وهم ملل شتى، فاليهود ملة، والنصارى ملة، والمجوس ملة وهكذا. * يتوارث اليهود فيما بينهم، والنصارى فيما بينهم، والمجوس فيما بينهم، وبقية الملل فيما بينهما، ولا يرث اليهودي النصراني وهكذا البقية.

13 - ميراث المرأة

* أكرم الإسلام المرأة وقدرها وأعطاها ما يناسب حالها من الميراث كما يلي: 1 - فتارة تأخذ مثل نصيب الذكر كما في الإخوة والأخوات لأم إذا اجتمعوا يرثون بالسوية. 2 - وتارة يكون نصيبها مثله، أو أقل منه كما في الأم مع الأب إن كان معهما أولاد ذكور، أو ذكور وإناث فلكل من الأم والأب السدس، وإن كان معهما أولاد إناث فللأم السدس، وللأب السدس والباقي إن لم يكن عصبة. 3 - وتارة تأخذ نصف ما يأخذه الذكر وهذا هو الأغلب. والسبب: أن الإسلام يُلزم الرجل بأعباء وواجبات مالية لا تُلزَم بمثلها المرأة كالمهر، والسكن، والإنفاق على الزوجة والأولاد والديات في العاقلة، أما المرأة فليس عليها شيء من النفقة، لا على نفسها ولا على أولادها. وبذلك أكرمها الإسلام حين طرح عنها تلك الأعباء وألقاها على الرجل، ثم أعطاها نصف ما يأخذ الرجل، فمالها يزداد، ومال الرجل ينقص بالنفقة عليه وعلى زوجته وأولاده، فهذا هو العدل والإنصاف بين الجنسين، وما ربك بظلام للعبيد، والله عليم حكيم. 1 - قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ... ) (النساء/34). 2 - قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/90).

النكاح وتوابعه

النكاح وتوابعه • * فضل الزواج:. • * حكمة مشروعية الزواج:. • * حكم النكاح:. • * اختيار الزوجة:. • * أفضل النساء:. • * حكمة تعدد الزوجات:. • * خطبة المرأة:. • * أركان عقد النكاح ثلاثة:. • * حكم استئذان المرأة في الزواج:. • * خطبة النكاح:. • * حكم التهنئة بالنكاح:. • * شروط النكاح:. • * مقاصد الجماع:. • * ما يفعله الزوج إذا دخل على زوجته:. • المحرمات في النكاح. • * المحرمات من النساء قسمان: 1 - محرمات إلى الأبد وهن ثلاثة أقسام:. • * ضابط المحرمات من النسب:. • 2 - محرمات إلى أمد محدد، وهن:. • الشروط الفاسدة في النكاح * الشروط الفاسدة في النكاح نوعان: الأول: شروط فاسدة تبطل العقد، ومنها:. • الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها:. • العيوب في النكاح * العيوب في النكاح نوعان:. • نكاح الكفار. • * الكفار يُقَرُّونَ على أنكحتهم الفاسدة بشرطين:. • * صفة عقد نكاح الكفار:. • * الحكم إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين:. • * حكم النكاح إذا ارتد أحد الزوجين:. • الصداق. • * مقدار صداق المرأة:. • وليمة العرس. • * حكم إجابة دعوة العرس:. • * ما يقوله من حضر الوليمة:. • * ما يفعله إذا رأى امرأة فأعجبته:. • * إعلان النكاح:. • * حكم التصوير:. • الحقوق الزوجية. • * حقوق الزوجة على زوجها:. • * حقوق الزوج على زوجته:. • * فضل طاعة الزوجة لزوجها في غير معصية الله تعالى:. • * صفة العدل بين الزوجات:. • * حكم مصافحة المرأة الأجنبية:. • * حكم سفر المرأة بلا محرم:. • * صفة الحجاب الشرعي:. • * حكم تناول ما يمنع الحمل:. • * حكم الإنجاب بالتلقيح:. • * حمل المرأة:. • النشوز وعلاجه. • * صفة علاج المرأة الناشز:.

* فضل الزواج:

* فضل الزواج: النكاح من آكد سنن المرسلين، ومن السنن التي رغّب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم. 1 - قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/21). 2 - قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً .. ) (الرعد/38). 3 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)). متفق عليه (¬1). * النكاح: هو عقد شرعي يقتضي حِلّ استمتاع كل من الزوجين بالآخر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066)، واللفظ له، ومسلم برقم (1400).

* حكمة مشروعية الزواج:

* حكمة مشروعية الزواج: 1 - الزواج بيئة صالحة تؤدي إلى بناء وترابط الأسرة، وإعفاف النفس، وصيانتها عن الحرام، وهو سكن وطمأنينة؛ لما يحصل به من الألفة والمودة والانبساط بين الزوجين. 2 - الزواج خير وسيلة لإنجاب الأولاد، وتكثير النسل مع المحافظة على الأنساب التي يحصل بها التعارف والتعاون والتآلف والتناصر. 3 - الزواج أحسن وسيلة لإرواء الغريزة الجنسية، وقضاء الوطر مع السلامة من الأمراض. 4 - والزواج يحصل به تكوين الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع، فالزوج يكد ويكتسب وينفق ويعول، والزوجة تربي الأطفال وتدبر المنزل وتنظم المعيشة، وبهذا تستقيم أحوال المجتمع. 5 - وفي الزواج إشباع لغريزة الأبوة والأمومة التي تنمو بوجود الأطفال.

* حكم النكاح:

* حكم النكاح: 1 - النكاح سنة لمن له شهوة ولا يخاف الزنى؛ لاشتماله على مصالح كثيرة للرجال والنساء والأمة جمعاء. 2 - يجب النكاح على من يخاف على نفسه الوقوع في الزنى إذا لم يتزوج، وينبغي للزوجين أن ينويا بنكاحهما إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عز وجل، فتكتب مباضعتهما صدقة لهما.

* اختيار الزوجة:

* اختيار الزوجة: يسن لمن أراد الزواج أن يتزوج المرأة الودود الولود البكر، ذات الدين والعفاف. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5090)، واللفظ له، ومسلم برقم (1466).

* أفضل النساء:

* أفضل النساء: أفضل النساء المرأة الصالحة التي تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره، وتفعل ما أمرها الله به، وتجتنب ما نهى الله عنه. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1467).

* حكمة تعدد الزوجات:

* حكمة تعدد الزوجات: 1 - أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بأربع نساء لا يزيد عليها، بشرط أن يكون عنده قدرة بدنية، وقدرة مالية، وقدرة على العدل بينهن، لما في ذلك من المصالح الكثيرة من عفة فرجه، وإعفاف من يتزوجهن، والإحسان إليهن، وتكثير النسل الذي تكثر به الأمة، ويكثر به من يعبد الله وحده، فإن خاف أن لا يعدل بينهن فليس له أن يتزوج إلا واحدة، أو ما ملكت يمينه، وملك اليمين لا يجب عليه القسم لها. قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) (النساء/3). 2 - ولما أباح العليم الحكيم تعدد الزوجات نهى أن يكون ذلك بين الأقارب الذين تجمعهم نسب قريبة جداً كالجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها أو خالتها لما يجر من قطيعة الرحم ويولد العداوة بين الأقارب، فإن الغيرة بين الضرات شديدة جداً.

* خطبة المرأة:

* خطبة المرأة: يستحب لمن أراد خطبة امرأة أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها بلا خلوة، ولا يصافحها، أو يمس بدنها، ولا ينشر ما رأى منها، وللمرأة أن تنظر إلى خطيبها كذلك، فإن لم يتيسر له النظر إليها بعث امرأة ثقة تنظر إليها ثم تصفها له. * المرأة إذا توفي عنها زوجها ثم تزوجت بعده فهي لآخر أزواجها يوم القيامة. * يحرم تبادل الصور في الخطبة وغيرها، ويحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه حتى يترك أو يأذن له أو يُرد الأول، فإن خطب على خطبة الأول صح العقد لكنه آثم وعاصٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. * يجب على ولي المرأة أن يتحرى لنكاحها الرجل الصالح، ولا، بأس أن يعرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير والصلاح بقصد الزواج. * يحرم التصريح بخطبة المعتدة من وفاة، والمبانة، ويجوز التعريض كقوله: إني في مثلك راغب، وتجيبه: ما يُرغب عنك ونحو ذلك. * يباح التصريح والتعريض في خطبة المعتدة لزوجها الذي طلقها طلاقاً بائناً دون الثلاث كرجعية، ويحرم التصريح والتعريض من غير زوج لمطلقة رجعة في عدتها.

* أركان عقد النكاح ثلاثة:

* أركان عقد النكاح ثلاثة: 1 - وجود الزوجين الخاليين من الموانع التي تمنع صحة النكاح كالرضاع، واختلاف الدين ونحوهما. 2 - حصول الإيجاب وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه بأن يقول زوجتك أو أنكحتك أو ملَّكتك فلانة ونحوه. 3 - حصول القبول، وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه، بأن يقول: قبلت هذا النكاح ونحوه، فإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد النكاح.

* حكم استئذان المرأة في الزواج:

* حكم استئذان المرأة في الزواج: يجب على ولي المرأة المكلفة أن يستأذنها قبل الزواج بكراً كانت أو ثيباً، ولا يجوز له إجبارها على من تَكرَه، فإن عقد عليها وهي غير راضية فلها فسخ العقد. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُنكح الأيِّم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن)) قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)). متفق عليه (¬1). 2 - عن خنساء بنت خدام الأنصارية رضي الله عنها: أن أباها زوَّجها وهي ثيّب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّ نكاحَه. أخرجه البخاري (¬2). * يجوز للأب تزويج من دون تسع سنين بكفئها ولو بلا إذنها ولا رضاها. * يحرم على الرجل لبس خاتم الذهب الذي يسمى خاتم الخطبة، فهذا مع كونه تشبهاً بالكفار فهو محرم شرعاً. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5136)، ومسلم برقم (1419). (¬2) أخرجه البخاري برقم (5138).

* خطبة النكاح:

* خطبة النكاح: يستحب أن يخطب العاقد قبل العقد بخطبة الحاجة كما تقدم في خطبة الجمعة وهي في النكاح وغيره ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه ... الخ)) ثم يتلو الآيات الواردة، ثم يعقد بينهما ويشهد على ذلك رجلين.

* حكم التهنئة بالنكاح:

* حكم التهنئة بالنكاح: تستحب التهنئة بالنكاح، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفّأ قال: ((بارك الله لكم، وبارك عليكم، وجمع بينكما في خير)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * يجوز للإنسان بعد العقد أن يجتمع بزوجته ويخلو بها ويستمتع بها؛ لأنها زوجته، ويحرم ذلك قبل العقد ولو بعد الخطبة. * يجوز عقد النكاح على المرأة في حال الطهر وحال الحيض، أما الطلاق فيحرم حال الحيض ويجوز حال الطهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (2130)، صحيح سنن أبي داود رقم (1866). وأخرجه ابن ماجه برقم (1905)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1546).

* شروط النكاح:

* شروط النكاح: 1 - تعيين الزوجين. 2 - رضا الزوجين. 3 - الولي، فلا يجوز نكاح امرأة إلا بولي. ويشترط أن يكون الولي ذكراً، حراً، بالغاً عاقلاً، رشيداً، ويشترط الاتفاق في الدين، وللسلطان تزويج كافرة لا ولي لها، والولي: هو أبو المرأة، وهو أحق بتزويجها، ثم وصيُّه في النكاح، ثم جدها لأب، ثم ابنها، ثم أخوها، ثم عمها، ثم أقرب العصبة نسباً، ثم السلطان. 4 - الشهادة على عقد النكاح، فلا تصح إلا بشاهدين عدلين، ذكرين، مكلفين. 5 - خلو الزوجين من الموانع بأن لا يكون بهما أو بأحدهما ما يمنع التزويج من نسب، أو سبب كرضاع واختلاف دين ونحوهما. * إذا عضل الأقرب من الأولياء، أو لم يكن أهلاً، أو غاب ولم تمكن مراجعته إلا بمشقة زَوَّج من بعده في الولاية. * النكاح بدون ولي فاسد يجب فسخه عند حاكم، أو الطلاق من الزوج، وإن وطئها بنكاح فاسد فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها. * الكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي في الدين والحرية، فإذا زَوَّج الولي عفيفة بفاجر، أو حرة بعبد فالنكاح صحيح، وللمرأة الخيار في البقاء أو فسخ النكاح.

* مقاصد الجماع:

* مقاصد الجماع: مقاصد الجماع ثلاثة، وهي: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه، وقضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة، وهذه الأخيرة تنفرد وتبلغ كمالها في الجنة.

* ما يفعله الزوج إذا دخل على زوجته:

* ما يفعله الزوج إذا دخل على زوجته: يسن للرجل إذا دخل على زوجته أن يلاطفها، كأن يقدم إليها شيئاً من الشراب كلبن ونحوه، ويضع يده على مقدمة رأسها ويسمي الله تعالى، ويدعو بالبركة، ثم يقول: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جَبلْتها عليه، وأعوذ بك من شرِّها ومن شرِّ ما جَبَلتها عليه)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * ثم يسن أن يصليا ركعتين معاً، وتكون الزوجة وراءه، ثم يدعو: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهما فيَّ ونحوه. * وتسن التسمية عند الوطء وقول ما ورد: ((باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقَدَّر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً)). متفق عليه (¬2). * يجوز للزوج أن يأتي زوجته في قبلها من أي جهة شاء، من أمامها أو من خلفها، ويحرم إتيانها في دبرها. * إذا وطئ الرجل زوجته وأراد العَود سن له أن يتوضأ وضوءه للصلاة فهو أنشط للعَوْد، والغسل أفضل، ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه في حمام في دارهما. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في القدح، وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو في الإناء الواحد، قال قتيبة: قال سفيان: والفرق ثلاثة آصع. متفق عليه (¬3). * ويستحب أن لا يناما جنبين، إلا إذا توضئا. ¬

(¬1) حسن / أخرجه أبو داود برقم (2160) وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1892). وأخرجه ابن ماجه برقم (2252) صحيح سنن ابن ماجه رقم (1825). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6388)، واللفظ له، ومسلم برقم (1434). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (250)، ومسلم برقم (319)، واللفظ له.

المحرمات في النكاح

المحرمات في النكاح * يشترط في المرأة التي يريد الزوج أن يعقد عليها أن تكون غير محرَّمة عليه.

* المحرمات من النساء قسمان: 1 - محرمات إلى الأبد وهن ثلاثة أقسام:

* المحرمات من النساء قسمان: 1 - محرمات إلى الأبد وهن ثلاثة أقسام: 1 - محرمات بالنسب وهن: الأم وإن علت، والبنت وإن سفلت، والأخت، والخالة، والعمة، وبنت الأخ، وبنت الأخت. 2 - محرمات بالرضاع، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فكل امرأة حَرُمت من النسب حَرُمَ مثلها من الرضاع إلا أم أخيه وأخت ابنه من الرضاع فلا تحرم. والرضاع المحرِّم: خمس رضعات فأكثر إذا كانت في الحولين. 3 - محرمات بالمصاهرة، وهن: أم الزوجة، وبنت الزوجة من غيره إذا دخل بأمها، وزوجة الأب، وزوجة الابن. فالمحرمات بالنسب سبع، والمحرمات بالرضاع سبع مثلهن، والمحرمات بالمصاهرة أربع. قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء/23). * أسباب التحريم المؤبد هي: النسب، والرضاع، والمصاهرة.

* ضابط المحرمات من النسب:

* ضابط المحرمات من النسب: جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه إلا بنات أعمامه، وبنات عماته، وبنات أخواله، وبنات خالاته، فهذه الأربع حلال له.

2 - محرمات إلى أمد محدد، وهن:

2 - محرمات إلى أمد محدد، وهن: 1 - يحرم الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع، فإذا ماتت أو طُلِّقت حَلَّت الأخرى. 2 - المعتدة حتى تخرج من العدة. 3 - مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره. 4 - المُحْرِمَةُ حتى تَحِلّ. 5 - تحرم المسلمة على الكافر حتى يسلم. 6 - تحرم الكافرة غير الكتابية على المسلم حتى تسلم. 7 - زوجة الغير ومعتدته إلا ما ملكت يمينه. 8 - تحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب وتنقضي عدتها. * إذا تزوج عبد بغير إذن مواليه فهو زانٍ، يجب التفريق بينهما، ويقام عليه الحد. * يحرم على الرجل أن يتزوج ابنته من الزنى، ويحرم على الأم تزوج ابنها من الزنى. * لا ينكح عبد سيدته، ولا سيد أمته؛ لأنه يملكها بملك اليمين، ومن حَرُمَ وطؤها بعقد حَرُمَ بملك يمين إلا أمة كتابية فلا يجوز نكاحها، ويجوز وطؤها بملك اليمين، ولا يجوز وطء امرأة في الشرع إلا بنكاح، أو ملك يمين. * أم الولد هي الأَمَة التي حملت من سيدها وولدت له، يجوز وطؤها وخدمتها وتأجيرها كالأمة، ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها كالحرة، وتعتد بحيضة واحدة يُعلم بها براءة رحمها. * إذا شرطت المرأة أو وليها أن لا يتزوج عليها، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو زيادة في مهرها ونحو ذلك مما لا ينافي العقد صح الشرط، فإن خالفه فلها الفسخ إن شاءت. * إذا تزوجت امرأة المفقود، فقدم الأول قبل وطء الثاني فهي للأول، وبعد الوطء له أخذها زوجة بالعقد الأول بدون طلاق الثاني، ويطؤها بعد إكمال عدتها، وله تركها معه ويأخذ قدر الصداق الذي أعطاها من الثاني. * إذا كان زوج المرأة لا يصلي فلا يحل لها أن تبقى معه، ويحرم عليه وطؤها؛ لأن ترك الصلاة كفر، ولا ولاية لكافر على مسلمة، فإن تركتها هي وجب فراقها إن لم تتب إلى الله تعالى؛ لأنها كافرة. * إذا كانت الزوجة والزوج لا يصليان حين العقد فالعقد صحيح، أما إن كانت الزوجة تصلي حين العقد وزوجها لا يصلي، أو كانت الزوجة لا تصلي وزوجها يصلي وتزوجا ثم اهتديا فالواجب تجديد عقد النكاح؛ لأن أحدهما حين العقد كافر. * نكاح المرأة في عدة أختها إن كان الطلاق رجعياً فباطل، وإن كانت العدة من طلاق بائن فهو محرم.

الشروط الفاسدة في النكاح * الشروط الفاسدة في النكاح نوعان: الأول: شروط فاسدة تبطل العقد، ومنها:

الشروط الفاسدة في النكاح * الشروط الفاسدة في النكاح نوعان: الأول: شروط فاسدة تبطل العقد، ومنها: 1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ونحو ذلك، وهذا النكاح فاسد ومحرم، سواء سمُيِّ فيه مهر أو لم يسم فيه شيء. * إذا وقع مثل هذا النكاح فعلى كل واحد تجديد العقد دون شرط الأخرى، ويتم العقد بمهر جديد، وعقد جديد، وولي، وشاهدي عدل، والأخرى كذلك ولا حاجة إلى الطلاق. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِّغَار. متفق عليه (¬1). 2 - نكاح المحلل: وهو أن يتزوج الرجل المطلقة ثلاثاً بشرط أنه متى حلّلها للأول طلقها، أو نوى التحليل بقلبه، أو اتفقا عليه قبل العقد. وهذا النكاح فاسد ومحرم، ومن فعله فهو ملعون، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). 3 - نكاح المتعة: وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوماً أو أسبوعاً أو شهراً أو سنة أو أقل أو أكثر ويدفع لها مهراً فإذا انتهت المدة فارقها. وهذا النكاح فاسد لا يجوز؛ لأنه يضر بالمرأة ويجعلها سلعة تنتقل من يد إلى يد، ويضر بالأولاد كذلك، حيث لا يجدون بيتاً يستقرون ويتربّون فيه، فالمقصود به قضاء الشهوة لا النسل والتربية، وقد أُحلّ في أول الإسلام لفترة ثم حُرّم إلى الأبد. عن سبرة الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليُخَلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)). أخرجه مسلم (¬3). * من تزوج بأربع نساء ثم عقد على خامسة فالعقد عليها فاسد، والنكاح باطل يجب إنهاؤه. * يحرم زواج المسلمة بغير المسلم، سواء كان من أهل الكتاب أو غيرهم؛ لأنها أعلى منه بتوحيدها وإيمانها وعفتها، وإذا وقع هذا الزواج فهو فاسد ومحرم يجب إنهاؤه؛ لأنه لا ولاية لكافر على مسلم أو مسلمة. قال الله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) (البقرة/221). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5112)، واللفظ له، ومسلم برقم (1415). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2076)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (1827). وأخرجه الترمذي برقم (1119)، صحيح سنن الترمذي رقم (894). (¬3) أخرجه مسلم برقم (1406).

الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها:

الثاني: شروط فاسدة لا تبطل عقد النكاح، ومنها: 1 - إذا شرط الزوج في عقد النكاح إسقاط حق من حقوق المرأة كأن شرط أن لا مهر لها، أو لا نفقة لها، أو أن يقسم لها أقل من ضرتها، أو أكثر، أو شرطت طلاق ضرتها فالنكاح صحيح والشرط باطل. 2 - إذا شرطها الزوج مسلمة فبانت كتابية، أو شرطها بكراً فبانت ثيباً، أو شرط نفي عيب لا ينفسخ به النكاح كالعمى، والخرس ونحوهما فبانت بخلاف ما ذكر فالنكاح صحيح، وله الفسخ إن شاء. 3 - إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة فله الخيار إن كانت ممن تحل له، وإذا تزوجت المرأة رجلاً حراً فبان عبداً فلها الخيار في البقاء أو الفسخ.

العيوب في النكاح * العيوب في النكاح نوعان:

العيوب في النكاح * العيوب في النكاح نوعان: 1 - عيوب تمنع الوطء، ففي الرجل جَبّ ذكره، وقطع خصيتيه، وعِنَّته، وفي المرأة الرَّتْق والقَرن والعَفَل. 2 - عيوب لا تمنع الاستمتاع ولكنها منفِّرة أو معدية في الرجل أو المرأة كالبرص والجنون والجذام والباسور والناسور وقروح سيّالة في الفرج ونحو ذلك. * من وجدت زوجها مجبوباً، أو بقي له ما لا يطأ به فلها الفسخ، فإن علمت ورضيت به قبل العقد أو رضيت به بعد الدخول سقط حقها في الفسخ. * كل عيب ينفِّر الزوج الآخر منه كالبرص، والخرس، وعيوب في الفرج، وقروح سيالة، وجنون، وجذام، واستطلاق بول، وخصاء، وسل، وبخر الفم، وريح منكرة ونحوها يثبت لكل واحد من الزوجين الفسخ إن شاء، ومن رضي بالعيب وعقد النكاح فلا خيار له، وإن حدث العيب بعد العقد فللآخر الخيار. * إذا تم الفسخ لأجل أحد هذه العيوب السابقة ونحوها، فإن كان الفسخ قبل الدخول، فلا مهر للمرأة، وإن كان الفسخ بعد الدخول فلها المهر المسمى في العقد، ويرجع الزوج ليأخذ المهر ممن غرّه، ولا يصح نكاح خنثى مشكل قبل تَبيُّن أمره. * إذا بان الزوج عقيماً ثبت الخيار للمرأة، لأن لها حقاً في الولد. * العنين: هو العاجز عن الإيلاج، ومن وجدت زوجها عنيناً أُجِّل سنة منذ تحاكمه، فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ، وإن رضيت به عنيناً قبل الدخول أو بعده سقط خيارها.

نكاح الكفار

نكاح الكفار * نكاح الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حكمه كنكاح المسلمين فيما يجب به من مهر ونفقة ووقوع طلاق ونحوها، ويحرم عليهم من النساء من تحرم علينا.

* الكفار يقرون على أنكحتهم الفاسدة بشرطين:

* الكفار يُقَرُّونَ على أنكحتهم الفاسدة بشرطين: 1 - أن يعتقدوا صحتها في دينهم. 2 - أن لا يترافعوا إلينا، فإن ترافعوا إلينا حكمنا عليهم بما أنزل الله علينا.

* صفة عقد نكاح الكفار:

* صفة عقد نكاح الكفار: إذا جاءنا الكفار قبل عقد النكاح بينهم عقدناه على حكمنا، بإيجاب، وقبول، وولي، وشاهدي عدل منا، وإن جاؤوا بعد عقد النكاح بينهم، فإن كانت المرأة خالية من موانع النكاح أقررناهم عليه، وإن كان بالمرأة مانع من موانع النكاح فرَّقنا بينهما. * مهر الكافرة: إن كانت قد سُمِّي لها مهر وقبضته، استقر صحيحاً كان أو فاسداً كخمر وخنزير، وإن لم تقبضه: فإن كان صحيحاً أخذته، وإن كان فاسداً أو لم يفرض لها مهر فلها مهر المثل صحيحاً. * إذا أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج كتابية بقيا على نكاحهما. * إن أسلم زوج غير كتابية قبل الدخول بها بطل النكاح. * إذا أسلمت المرأة الكافرة قبل دخول الكافر بها بطل النكاح؛ لأن المسلمة لا تحل لكافر.

* الحكم إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين:

* الحكم إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين: إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين بعد الدخول فالنكاح موقوف: فإذا أسلم الرجل، فإن أسلمت المرأة قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن أسلمت هي وانقضت عدتها ولم يسلم هو فلها أن تنكح زوجاً غيره، وإن أحبت انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته من غير تجديد نكاح ولا عقد ولا مهر، ولا تمكنه من نفسها حتى يسلم.

* حكم النكاح إذا ارتد أحد الزوجين:

* حكم النكاح إذا ارتد أحد الزوجين: إذا ارتد الزوجان أو أحدهما عن الإسلام، فإن كان قبل الدخول بطل النكاح، وإن كان بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة، فإن تاب فيها من ارتد فعلى نكاحهما، وإن لم يتب انفسخ النكاح بعد انقضاء العدة منذ وقت الردة. * إذا أسلم الزوج، فإن كان تحته كتابية فالنكاح باق، وإن كان تحته كافرة غير كتابية فإن أسلمت وإلا فارقها. * إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن، أو كن كتابيات، اختار أربعاً وفارق الباقي. * إذا أسلم الكافر وتحته أختان اختار منهما واحدة، وإن جمع بين امرأة وعمتها أو خالتها اختار واحدة، وكل من أسلم تجري عليه أحكام الإسلام في النكاح وغيره. قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/85).

الصداق

الصداق * رفع الإسلام مكانة المرأة وأعطاها حقها في التملك، وفرض لها المهر إذا تزوجت، وجعله حقاً لها على الرجل يكرمها به؛ جبراً لخاطرها، وإشعاراً بقدرها، وعوضاً عن الاستمتاع، يطيّب نفسها، ويرضيها بقوامة الرجل عليها. قال الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء/4). * المهر حق للمرأة، يجب على الرجل دفعه لها بما استحل من فرجها، ولا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها، ولأبيها خاصة أن يأخذ من صداقها ما لا يضرها ولا تحتاج إليه ولو لم تأذن.

* مقدار صداق المرأة:

* مقدار صداق المرأة: يسن تخفيض مهر المرأة، وتيسير صداقها، وخير الصداق أيسره، وكثرة الصداق قد يكون سبباً في بُغض الزوج لزوجته، ويحرم إذا بلغ حد الإسراف والمباهاة وأثقل كاهل الزوج بالديون والمسألة. عن أبي سلمة رضي الله عنه أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشّاً، قالت: أتدري ما النّشُّ؟ قال: قلت: لا. قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. أخرجه مسلم (¬1). * كانت مهور نساء النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة درهم، تعادل اليوم (140) ريالاً سعودياً تقريباً، ومهور بناته أربعمائة درهم، تعادل اليوم (110) ريالات سعودية تقريباً، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. * كل ما صح ثمناً صح مهراً وإن قل، ولا حد لأكثره، وإن كان معسراً جاز أن يجعل صداقها منفعة كتعليم قرآن أو خدمة ونحوهما، ويجوز أن يعتق الرجل أمته ويجعل عتقها صداقاً لها وتكون زوجته. * يستحب تعجيل الصداق، ويجوز تأجيله، أو تعجيل البعض وتأجيل البعض الآخر، وإذا لم يُسمَّ المهر في العقد صح العقد ووجب مهر المثل، وإن تراضيا ولو على قليل صح. * إذا زوج رجل ابنته بمهر مثلها، أو أقل، أو أكثر صح، وتملك المرأة صداقها بالعقد، ويستقر كاملاً بالدخول والخلوة. * إذا توفي الزوج بعد العقد وقبل الدخول ولم يفرض لها صداقاً فلها مثل صداق نسائها، وعليها العدة، ولها الميراث. * يجب مهر المثل لمن وُطِئت في نكاح باطل كالخامسة، والمعتدة، والموطوءة بشبهة ونحو ذلك. * إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق أو عينه فقول الزوج مع يمينه، وإن اختلفا في قبضه فقول الزوجة ما لم تكن بينة لأحدهما. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1426).

وليمة العرس

وليمة العرس * وليمة العرس: هي طعام العرس خاصة لاجتماع الزوجين. * وقتها: تكون الوليمة عند العقد، أو بعده، أو عند الدخول، أو بعده، حسب أعراف الناس وعاداتهم. * حكمها: تجب الوليمة للعرس على الزوج، وتُسن بشاة أو أكثر، حسب اليسر والعسر، ويحرم الإسراف في الوليمة وغيرها. * يسن أن يدعو للوليمة الصالحين فقراء كانوا أم أغنياء، وأن يجعل الوليمة ثلاثة أيام بعد الدخول، وتجوز بأي طعام حلال، ويحرم أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء. * يستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة بأموالهم في إعداد الوليمة للعرس.

* حكم إجابة دعوة العرس:

* حكم إجابة دعوة العرس: تجب إجابة الدعوة إذا كان الداعي مسلماً، وإذا عيَّنه بالدعوة، وكان في اليوم الأول، ولم يكن له عذر، ولم يكن ثَمّ منكر لا يقدر على تغييره. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دُعِيَ أحدُكم فليُجب، فإن كان صائماً فليصلِّ، وإن كان مفطراً فليَطعَم)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1431).

* ما يقوله من حضر الوليمة:

* ما يقوله من حضر الوليمة: يستحب لمن حضر الوليمة وأجاب الدعوة أن يدعو لصاحبها عند الفراغ بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: 1 - ((اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - ((اللهم أطعم من أطعمني وأسق من سقاني)). أخرجه مسلم (¬2). 3 - ((أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصَلَّت عليكم الملائكة)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬3). * يستحب للزوج صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل فيسلمون عليه ويدعون له. * يستحب الأكل من طعام الوليمة ولا يجب، ومن صومه واجب حضر ودعا وانصرف، والمتنفل في الصيام إذا دُعي يستحب أن يفطر لجبر قلب أخيه المسلم وإدخال السرور عليه. * إذا دخل المسلم على قوم سلَّم عليهم، وجلس حيث ينتهي به المجلس، وسيد المجالس قبالة القبلة، فإذا أراد أن يخرج سلم. * إذ علم أن في الوليمة منكراً يقدر على تغييره حضر وغيره، وإن لم يقدر فلا يلزمه الحضور، وإن حضر ثم علم به أزاله، وإلا يقدر انصرف، وإن علم بالمنكر ولم يره أو يسمعه خُيِّر بين البقاء والانصراف. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2042). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2055). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3854)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3263). وأخرجه ابن ماجه برقم (1747)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1418).

* ما يفعله إذا رأى امرأة فأعجبته:

* ما يفعله إذا رأى امرأة فأعجبته: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تَمعسُ مَنيئةً لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: ((إن المرأة تُقبِل في صُورة شيطان، وتُدبِر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتِ أهله، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه)). أخرجه مسلم (¬1). * ويحرم في الزواج وغيره الإسراف في الطعام والشراب واللباس، واستعمال آلات الطرب، وَلَيَبيتَنَّ قومٌ من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو، فيصبحوا قد مُسخوا قردة وخنازير نسأل الله السلامة. عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في هذه الأمة خَسفٌ ومسْخٌ وقذفٌ)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: ((إذا ظهرت القَينَات والمعازف وشُربت الخمور)). أخرجه الترمذي (¬2). * يجوز أن تقوم العروس بخدمة المدعوين إذا كانت متسترة، وأُمنت الفتنة. عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أُسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عُرسه، وكانت امرأتة يومئذ خادمهم وهي العَروس، قال سهل: تدرون ما سَقَت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل فلما أكل سقته إياه. متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1403). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (2212)، صحيح سنن الترمذي رقم (1801). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5176)، واللفظ له، ومسلم برقم (2006).

* إعلان النكاح:

* إعلان النكاح: يسن إعلان النكاح، ويجوز للنساء إعلان النكاح في العرس بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال والمفاتن وذكر الفجور ونحوه. * لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج وغيرها، ولا يجوز دخول الزوج على زوجته بين النساء السافرات وغيرهن. * لا يجوز الغناء الذي يصف مفاتن النساء وشعورهن، ويحرم استعمال آلات اللهو كعود ومزمار وموسيقى في الزواج وغيره، ويحرم استئجار مغنين ومغنيات للغناء في الزواج وغيره. عن أبي عامر الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)). أخرجه البخاري وأبو داود (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه البخاري معلقاً برقم (5590) واللفظ له، انظر السلسلة الصحيحة رقم (91). ووصله أبو داود برقم (4039)، صحيح سنن أبي داود رقم (3407).

* حكم التصوير:

* حكم التصوير: يحرم التصوير لكل ذي روح، وتعليق الصور على الجدران مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل أو لا ظل لها، يدوية أو فوتغرافية، ولا يجوز من التصوير إلا ما كان لضرورة كالطب والتعرف على المجرمين ونحو ذلك، فيجوز للحاجة. * يحرم تصوير حفل الزفاف رجالاً أو نساء أو كلاهما، وأشد منه وأقبح تصويره بالفيديو، وأقبح منه بيعه في الأسواق وعرضه على الناس. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)). متفق عليه (¬1). * يحرم على النساء نتف الحواجب ولبس الباروكة ووصل الشعر والوشم، ووشر الأسنان، ورقص النساء مع الرجال، وإطالة الأظفار أكثر من أربعين يوماً؛ لمخالفتها الفطرة، ولبس ملابس الرجال، وثياب الشهرة والاختيال، وما فيه إسراف. * يجوز للرجل إزالة شعر جسده من الظهر والصدر والساقين والفخذين إذا لم يضر بدنه ولم يقصد التشبه بالنساء. * يجوز للنساء لبس الذهب والحرير، ويحرم ذلك على الرجال، ويجوز صبغ أظافر النساء بما لا يمنع وصول الماء كالحناء ونحوه، ويحرم التشبه بالكافرات، ومن تشبه بقوم فهو منهم. * لا يجوز للمرأة لبس البنطلون ولو كانت أمام النساء؛ لأنه يبين تفاصيل البدن، ولما فيه من التشبه بالرجال والكافرات، ويحرم عليها صبغ الشعر بالأحمر أو الأصفر أو الأزرق؛ لما فيه من التشبه بالكافرات وحصول الفتنة، أما صبغ الشيب فيجوز بالحناء والكتم، ولبس الكعب العالي محرم؛ لأنه من التبرج الذي نهى الله عنه، وتُمنع المرأة من النقاب والبرقع؛ لأن ذلك ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز وقد حصل. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5951)، واللفظ له، ومسلم برقم (2108).

الحقوق الزوجية

الحقوق الزوجية * للزواج آداب وحقوق على الطرفين: وهي أن يقوم كل واحد من الزوجين بما لصاحبه من حقوق، ويراعي ما له من واجبات، لتتحقق السعادة، ويصفو العيش، وتهنأ الأسرة. قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/228).

* حقوق الزوجة على زوجها:

* حقوق الزوجة على زوجها: على الزوج القيام بالإنفاق على زوجته وأولاده، وما يتبعه من كسوة ومسكن بالمعروف، وأن يكون طيب النفس، حسن العشرة، حسن الصحبة، يعاشر زوجته باللطف واللين والبشاشة، يحلم إذا غضبت، ويرضيها إن سخطت، يتحمل الأذى منها، ويعتني بعلاجها إن مرضت، ويعينها في خدمة بيتها، ويأمرها بفعل الواجبات، وترك المحرمات، يعلمها الدين إن جهلت أو أهملت، ولا يكلفها ما لا تطيق، ولا يحرمها ما تطلب من الممكن المباح، ويحفظ كرامة أهلها ولا يمنعها عنهما. * وله أن يستمتع بزوجته الاستمتاع المباح في أي وقت، وعلى أي حال ما لم يضرّ بها الاستمتاع أو يشغلها عن واجب. وعليه أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يُقَبِّح، ولا يهجر إلا في الفراش. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( .. واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خُلِقْن من ضِلَعٍ، وإن أعوج شيء في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذَهَبتَ تُقيمُهُ كسرتَه، وإن تَركتَه لم يزل أعوج، فاستوصُوا بالنساء خيراً)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5186)، واللفظ له، ومسلم برقم (1468).

* حقوق الزوج على زوجته:

* حقوق الزوج على زوجته: على الزوجة أن تقوم بخدمة زوجها، وإصلاح بيته، وتدبير منزله، وتربية أولاده، والنصح له، وأن تحفظ زوجها في نفسها وماله وبيته، وأن تقابله بالطلاقة والبشاشة، وتتزين له، وأن تجلَّه وتوقره وتعاشره بالحسنى، وتهيئ له أسباب الراحة، وتدخل على نفسه السرور ليجد في بيته السعادة والانشراح. وأن تطيعه في غير معصية الله، وتتجنب ما يغضبه، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تفشي له سراً، ولا تتصرف في ماله إلا بإذنه، ولا تدخل بيته إلا من تحب، وأن تحافظ على كرامة أهله، وتعينه ما أمكن عند مرضه أو عجزه. * وبهذا نعلم أن المرأة في بيتها تؤدي لزوجها ومجتمعها أعمالاً كبيرة لا تقل عن عمل الرجل خارج البيت، فالذين يريدون إخراجها من بيتها ومكان عملها لتشارك الرجال في أعمالهم وتزاحمهم قد ضلوا عن معرفة مصالح الدين والدنيا ضلالاً بعيداً، وأضلوا غيرهم ففسدت مجتمعاتهم.

* فضل طاعة الزوجة لزوجها في غير معصية الله تعالى:

* فضل طاعة الزوجة لزوجها في غير معصية الله تعالى: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)). أخرجه أحمد (¬1). * يحرم مطل كل واحد من الزوجين بما يلزمه للآخر، والتكره لبذله، والمن والأذى. * يحرم على الرجل وطء المرأة وهي حائض حتى تطهر، فإن وطئها في أول الحيض فعليه دينار، وإن وطئها عند انقطاع الدم فعليه نصف دينار (الدينار= 4.25 جراماً من الذهب). * يحرم وطء المرأة في الدبر، ولا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها، والدبر: محل الأذى والقذر. * إذا طهرت المرأة من الحيض وانقطع الدم عنها جاز لزوجها وطؤها بعد أن تغتسل. قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/222). * للزوج إجبار زوجته على غسل حيض، ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره. * إذا جامع الرجل زوجته، فإن سبق ماؤه كان الشبه له، وإن سبق ماؤها كان الشبه لها. وإن علا ماء الرجل ماء المرأة أَذْكَر بإذن الله تعالى، وإن علا ماء المرأة أَنْثَى بإذن الله تعالى. * يجوز للرجل أن يعزل ماءه عن المرأة، وترك العزل أولى؛ لأنه يُفوت لذة المرأة، ويُفوت تكثير النسل وهو من مقاصد النكاح. * يباح لعذر أو حاجة إلقاء النطفة قبل أربعين يوماً بدواء مباح، بشرط إذن الزوج، وعدم تضرر الزوجة ولا يجوز إسقاطه خوفاً من كثرة الأولاد أو عجزاً عن معيشته أو تربيته. * يحرم على الزوج جمع زوجتين فأكثر في منزل واحد إلا برضاهما، وليس له السفر بإحداهن إلا بقرعة، ومن كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (1661)، انظر آداب الزفاف للألباني ص (182)، وانظر صحيح الجامع رقم (660).

* صفة العدل بين الزوجات:

* صفة العدل بين الزوجات: يجب على الزوج العدل بين زوجاته في القسم، وفي المبيت، والنفقة، والسكن، أما الجماع فلا يجب، فإن أمكن فهو المستحب، ولا جناح عليه في الميل القلبي؛ لأنه لا يملكه. * السنة إذا تزوج الرجل بكراً وعنده غيرها أن يقيم عندها سبعاً ثم يقسم، وإن تزوج ثيباً أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، وإن أحبت سبعاً فعل وقضى مثله للبواقي، ثم قسم بعد ذلك ليلة لكل واحدة. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً وقال: ((إنه ليس بِكِ على أِهلِكِ هَوانٌ، إن شئتِ سَبَّعتُ لكِ، وإن سبَّعت لكِ سبَّعتُ لنِسائي)). أخرجه مسلم (¬1). * الزوجة البكر غريبة على الزوج، وغريبة على فراق أهلها فاحتاجت لزيادة الإيناس وإزالة الوحشة بخلاف الثيّب. * من وهبت يومها لضرتها بإذن زوجها أو له فجعله لأخرى جاز. * يجوز لمن له عدة زوجات أن يدخل على المرأة التي ليس لها ذلك اليوم ويدنو منها لكن بدون جماع ويتفقد أحوالها، فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة فخصها بالليل. * إذا سافرت المرأة بلا إذن زوجها، أو أبت السفر معه، أو المبيت عنده في فراشه فلا قَسْم لها ولا نفقة؛ لأنها عاصية كالناشز. * يسن للزوج الغائب أن لا يفاجئ أهله بقدومه، بل يعلمهم بوقت قدومه لتستقبله زوجته على أحسن هيئة، وتمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1460).

* حكم مصافحة المرأة الأجنبية:

* حكم مصافحة المرأة الأجنبية: المرأة الأجنبية التي تحرم مصافحتها أو الخلوة بها هي من ليست زوجة ولا محرماً له. والمَحْرم: من يحرم نكاحها على التأبيد إما بالقرابة أو بالرضاع أو بالمصاهرة. * لا يجوز لإخوان الزوج أو أعمامه أو أخواله أو بني عمه أن يصافحوا زوجات إخوانهم، أو أعمامهم، أو أخوالهم، أو بني عمهم كسائر الأجنبيات؛ لأن الأخ ليس محرماً لزوجة أخيه وكذا من سبق. *لا يجوز لأحد أن يصافح أجنبية منه، وأشد منه أن يُقَبِّلها، سواء كانت شابة أو عجوزاً، وسواء كان المصافح شاباً أو شيخاً كبيراً بحائل أو بغير حائل لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إني لا أصافح النساء)). أخرجه النسائي وابن ماجه (¬1). * يحرم على المرأة المسلمة مصافحة الأجانب عنها، ويحرم ركوبها في السيارة وحدها مع الأجنبي وحده كالسائق. * يحرم على الزوجين الوطء بمرأى أحد، وإفشاء الأسرار الزوجية المتعلقة بالوقاع بينهما، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجلُ يفضي إلى امرأته، وتُفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)). أخرجه مسلم (¬2). * يحرم على المرأة إذا دعاها زوجها إلى الفراش أن تمتنع منه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبانَ عليها، لَعَنَتْها الملائكة حتى تُصبح)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4181)، صحيح سنن النسائي رقم (3897). وأخرجه ابن ماجه برقم (2874)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2323). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1437). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3237)، ومسلم برقم (1436)، واللفظ له.

* حكم سفر المرأة بلا محرم:

* حكم سفر المرأة بلا محرم: يحرم على المرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كانت في سيارة أو طائرة أو سفينة أو قطار أو غير ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم: ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1862)، واللفظ له، ومسلم برقم 1341).

* صفة الحجاب الشرعي:

* صفة الحجاب الشرعي: 1 - الحجاب الشرعي واجب على كل مسلمة بالغة، وهو أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه كالوجه، والكفين، والشعر، والعنق، والقدم، والساق، والذراع ونحو ذلك، لقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب/53). 2 - لا يجوز للمرأة أن تختلط بالرجال الأجانب في الوظائف والمدارس والمستشفيات وغيرها، كما يحرم عليها التبرج وإظهار مفاتنها وإبراز محاسنها لغير زوجها؛ لما في ذلك من أسباب الفتنة. 3 - يجب على المرأة أن تحتجب ممن ليس بمحرم لها كزوج أختها، وأبناء عمها، وأبناء خالها ونحوهم؛ لأنهم ليسوا بمحارم لها.

* حكم تناول ما يمنع الحمل:

* حكم تناول ما يمنع الحمل: 1 - النسل نعمة كبرى منّ الله بها على عباده، حث الإسلام عليها ورغّب فيها، فلا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق. قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) (الإسراء/31). 2 - يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل والمرأة، وهو ما يعرف بالإعقام إلا لضرر محقق. 3 - يجوز للمرأة برضا زوجها تناول ما يمنع الحمل لضرر محقق كأن تكون المرأة لا تلد ولادة عادية، أو مريضة يضرها أن تحمل كل سنة، فلا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره إذا رضي الزوجان بذلك وكان بوسيلة مشروعة لا ضرر فيها على المرأة، وقرر ذلك طبيب ثقة.

* حكم الإنجاب بالتلقيح:

* حكم الإنجاب بالتلقيح: 1 - إذا حملت الزوجة من مائين أجنبيين، أو من بيضتها وماء أجنبي فهذا حمل سفاح محرم شرعاً. 2 - إذا حملت الزوجة من ماء زوجها بعد انتهاء عقد الزوجية بوفاة أو طلاق فهذا محرم. 3 - إذا كان الماء من الزوجين، والرحم أجنبي مستعار فهذا محرم أيضاً. 4 - إذا كان الماء من الزوجين في رحم زوجة له أخرى بتلقيح داخلي أو خارجي فهذا محرم. 5 - إذا كان الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البويضة بتلقيح داخلي أو خارجي في أنبوب ثم ينقل إلى رحم الزوجة نفسها، فهذا يَحُفُّ به عدد من المخاطر والمحاذير فيباح للمضطر، والضرورة تقدَّر بقدرها، وعلى المكلف إذا ابتلي بهذا سؤال من يثق بدينه وعلمه. * الذكر والأنثى إذا كملت أعضاء خلقهما لا يحل تحويل أحدهما إلى النوع الآخر، ومحاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقاب؛ لأنها تغيير لخلق الله وهو محرم. * من اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال فينظر فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في أنوثته بالجراحة أو الهرمونات.

* حمل المرأة:

* حمل المرأة: 1 - تفرز المرأة بأمر الله كل شهر بيضة، فإذا جاء موعد القدر ولقح الحيوان المنوي تلك البيضة اتحدت النطفتان وحملت المرأة وهي نطفة الأمشاج. 2 - أكثر ما تلد النساء مولوداً واحداً كل سنة، وقد تلد توأمين ذكرين أو أنثيين أو ذكراً وأنثى، وقد تلد ثلاثة أو أكثر، والتوائم نوعان: أحدهما: يحدث من حيوان منوي واحد وبيضتين يكون منهما توأمان متشابهان تمام التشابه. والثاني: توأم غير متشابه وذلك يحدث بأمر الله من حيوانين منويين يلقحان بيضتين كل واحد يلقح بيضة والله أعلم. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان/2). 2 - قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران/6). 3 - قال الله تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى/49 - 50).

النشوز وعلاجه

النشوز وعلاجه * النشوز: هو معصية الزوجة لزوجها فيما يجب عليها. * النفوس مجبولة على عدم الرغبة في بذل ما عليها، والحرص على الحق الذي لها، ومما يسهِّل الصلح قلع هذا الخلق الدنيء واستبداله بضده وهو السماحة ببذل الحق الذي عليك، والقناعة ببعض الحق الذي لك، وبذلك تصلح الأمور.

* صفة علاج المرأة الناشز:

* صفة علاج المرأة الناشز: إذا ظهر من المرأة أمارات النشوز كأن لا تجيبه إلى الفراش، أو الاستمتاع، أو تجيبه متبرّمة، أو متكرِّهة وعظها وخوَّفها بالله عز وجل وأدبها بالأسهل فالأسهل. فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثة أيام. فإن أصرت ضربها ضرباً غير مبرح عشرة أسواط فأقل، ولا يضرب الوجه، ولا يُقبِّح فإن حصل المقصود بما سبق وأطاعت المرأة ترك معاتبتها على ما مضى. قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (النساء/34). * إذا ادعى كل من الزوجين ظلم الآخر له، وأصرت المرأة على نشوزها وترفعها وسوء عشرتها، وتعذر الإصلاح بينهما بعث الحاكم حكماً من أهلها وحكماً من أهل الزوج، ويفعلان الأصلح من جمع أو تفريق، بعوض أو بدون عوض. * فإن لم يتفق الحكمان أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما، وفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً بعوض أو بدون عوض. قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء/35). * إذا أحست المرأة من زوجها نفوراً أو إعراضاً وخافت أن يفارقها فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من مبيت أو نفقة أو كسوة أو غيرها، وله أن يقبل منها ذلك ولا جناح عليهما، وهذا أفضل من الفرقة والمنازعة والمخاصمة كل يوم. قال الله تعالى: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء/128).

2 - الطلاق

2 - الطلاق • * حكمة مشروعيته:. • * من يملك الطلاق:. • * حكم الطلاق:. • * يقع الطلاق من جاد وهازل:. • * صور الطلاق:. • الطلاق السني والبدعي. • الطلاق الرجعي والبائن. • * متى يجوز للمرأة طلب الطلاق؟.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: شرع الله النكاح لإقامة الحياة الزوجية المستقرة، المبنية على المحبة والمودة بين الزوجين، وإعفاف كل منهما صاحبه، وتحصيل النسل، وقضاء الوطر. وإذا اختلت هذه المصالح وفسدت النوايا بسبب سوء خلق أحد الزوجين، أو تنافرت الطباع، أو ساءت العشرة بينهما أو نحوها من الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق المستمر الذي تصعب معه العشرة الزوجية، فإذا وصل الأمر إلى هذه الحال فقد شرع الله عز وجل رحمة بالزوجين فرجاً بالطلاق. قال الله تعالى: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) (الطلاق/1).

* من يملك الطلاق:

* من يملك الطلاق: 1 - الطلاق من حق الرجل وحده؛ لأنه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها المال، وهو أكثر تريثاً وصبراً وتفكيراً بعقله لا بعواطفه. 2 - أما المرأة فهي أسرع غضباً، وأقل احتمالاً، وأقصر رؤيةً، وليس عليها من تبعات الطلاق مثل ما على الزوج، ولو كان الطلاق بيد كل من الزوجين، لتضاعفت حالات الطلاق لأتفه الأسباب. 3 - الطلاق بيد الرجال، فالحر يملك ثلاث تطليقات سواء كانت زوجته حرة أو أمة، والعبد يملك تطليقتين. * يقع الطلاق من كل بالغ عاقل مختار، ولا يقع الطلاق من مكره، ولا سكران لا يعقل ما يقول، ولا غضبان لا يدري ما يقول، كما لا يقع الطلاق من المخطئ، والغافل، والناسي، والمجنون ونحوهم.

* حكم الطلاق:

* حكم الطلاق: يُباح الطلاق للحاجة كسوء خلق المرأة، وسوء عشرتها، ويحرم الطلاق لغير حاجة، بأن كانت حياة الزوجين مستقرة، ويستحب الطلاق للضرورة كما لو تضررت الزوجة في البقاء معه، أو كرهت زوجها ونحو ذلك. * يجب الطلاق على الزوج إذا كانت امرأته لا تصلي، أو كانت غير نزيهة في عرضها ما لم تتب وتقبل النصح. * يحرم على الزوج أن يطلق زوجته حال الحيض والنفاس، وفي طهر جامعها فيه ولما يتبين حملها، وأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد أو بمجلس واحد. * يصح وقوع الطلاق من الزوج أو وكيله، ويطلق الوكيل واحدة ومتى شاء إلا أن يعين له وقتاً وعدداً. * صيغ الطلاق: ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى قسمين: 1 - الطلاق الصريح: ويكون بالألفاظ التي لا تحتمل إلا الطلاق ولا تحتمل غيره كطلقتك، أو أنت طالق، أو أنت مطلقة، أو عليّ الطلاق ونحو ذلك. 2 - الطلاق بالكناية: وهو اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره كقوله: أنت بائن، أو الحقي بأهلك ونحوها. * يقع الطلاق باللفظ الصريح لظهور معناه، أما الكناية فلا يقع بها الطلاق إلا بنية مقارنة للفظ. * إذا قال لزوجته (أنت علي حرام) فليس التحريم طلاقاً وإنما يكون يميناً فيها كفارة يمين.

* يقع الطلاق من جاد وهازل:

* يقع الطلاق من جاد وهازل: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث جِدُّهُن جِدٌّ، وهَزْلُهُنّ جِدٌّ: النكاح، والطلاق، والرَّجعة)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). ¬

(¬1) حسن بطرقه/ أخرجه أبو داود برقم (2194) صحيح سنن أبي داود رقم (1920). وأخرجه ابن ماجه برقم (2039) صحيح سنن ابن ماجه رقم (1658). انظر الإرواء رقم (1826).

* صور الطلاق:

* صور الطلاق: الطلاق إما أن يكون مُنَجَّزاً، أو مضافاً، أو معلقاً كما يلي: 1 - الطلاق المنجز: أن يقول للزوجة أنت طالق، أو طلقتك ونحوها، وهذا الطلاق يقع في الحال؛ لأنه لم يقيد بشيء. 2 - الطلاق المضاف: أن يقول لزوجته مثلاً أنت طالق غداً، أو رأس الشهر، وهذا الطلاق لا يقع إلا بعد حلول الأجل الذي حدده. 3 - الطلاق المعلق: وهو ما جعل الزوج حصول الطلاق فيه معلقاً على شرط وهو قسمان: 1 - إن كان يقصد بطلاقه الحمل على الفعل أو الترك، أو الحظ أو المنع، أو تأكيد الخبر ونحو ذلك كقوله: إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق، يقصد منعها فهذا لا يقع، ويجب فيه كفارة يمين إذا خالفت. والكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام. 2 - أن يقصد إيقاع الطلاق عند حصول الشرط كقوله: إن أعطيتني كذا، فأنت طالق مثلاً، وهذا الطلاق يقع عند حصول المعلق عليه. * إذا طُلِّقت من لم يسم لها مهر قبل الدخول وجبت المتعة على الزوج، على الموسر قدره وعلى المقتر قدره، وإن طُلِّقت من لم يسم لها مهر بعد الدخول فلها مهر المثل من غير متعة. قال الله تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/236). * إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول أو الخلوة وقد فرض لها صداقاً فلها نصفه إلا أن تعفو أو يعفو وليها، وإن كانت الفرقة من قِبَلها سقط حقها كله. قال الله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/237). * إذا افترق الزوجان في نكاح فاسد قبل الدخول فلا مهر ولا متعة، وبعد الدخول يجب لها المهر المسمى بما استحل من فرجها.

الطلاق السني والبدعي

الطلاق السني والبدعي 1 - الطلاق السني: هو أن يطلق الزوج امرأته المدخول بها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وهي ثلاثة قروء. فإذا انقضت العدة ولم يراجعها طلُقت، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، وإن راجعها في العدة فهي زوجته. * وإن طلقها ثانية فيطلقها كالطلقة الأولى، فإن راجعها في العدة فهي زوجته، وإن لم يراجعها طَلُقَت، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين. * ثم إن طلقها الثالثة كما سبق بانت منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، وهذا الطلاق بهذه الصفة وهذا الترتيب سُنِّي من جهة العدد، وسُنِّي من جهة الوقت. * ومن الطلاق السني: أن يطلق الزوج زوجته بعدما يتبين حملها طلقة واحدة. * قال الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... ) ثم قال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (البقرة/229 - 230). * فإذا تم الطلاق وحصلت الفرقة فيسن للزوج أن يمتعها بما يناسب حاله وحالها جبراً لخاطرها، وأداء لبعض حقوقها كما قال سبحانه: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة/241). 2 - الطلاق البدعي: هو الطلاق المخالف للشرع، وهو نوعان: 1 - بدعي في الوقت: كأن يطلقها في حيض، أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها، وهذا الطلاق حرام ويقع، وفاعله آثم، ويجب عليه أن يراجعها منه إن لم تكن الثالثة. وإذا راجع الحائض أو النفساء أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها، ومن طلقها في طهر جامعها فيه أمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها. 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((مُرْهُ فليراجعها، ثم لْيُطلِّقها طاهراً أو حاملاً)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((مُرْهُ فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر ثم يُطلِّق بعدُ أو يمسك)). متفق عليه (¬2). 2 - بدعي في العدد: كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. وهذا الطلاق محرم ويقع، وفاعله آثم، لكن الطلاق ثلاثاً بكلمة أو كلمات في طهر واحد لا يقع إلا واحدة مع الإثم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1471). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (525)، وأخرجه مسلم برقم (1471)، واللفظ له.

الطلاق الرجعي والبائن

الطلاق الرجعي والبائن 1 - الطلاق الرجعي: هو أن يطلق الزوج امرأته المدخول بها طلقة واحدة، وله مراجعتها إن رغب ما دامت في العدة، فإن راجعها ثم طلقها الثانية فله مراجعتها ما دامت في العدة، وهي في الحالتين زوجته ما دامت في العدة، يرثها وترثه، ولها النفقة والسكنى. * يجب على المطلقة طلاقاً رجعياً وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين، بعد الدخول أو الخلوة أن تبقى وتعتد في بيت زوجها لعله يراجعها، ويستحب لها أن تتزين له ترغيباً له في مراجعتها، ولا يجوز للزوج إخراجها من بيتها إن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها. 2 - الطلاق البائن: هو الطلاق الذي تنفصل به الزوجة عن زوجها نهائياً، وهو قسمان: 1 - بائن بينونة صغرى: وهو لطلاق دون الثلاث، فإذا طلق زوجته كما سبق طلقة واحدة ثم انتهت عدتها ولم يراجعها فهذا يسمى طلاقاً بائناً بينونة صغرى. ومن حقه كغيره أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين ولو لم تنكح زوجاً غيره، وكذا لو طلقها الطلقة الثانية ولم يراجعها في العدة بانت منه، وله نكاحها بعقد ومهر جديدين ولو لم تنكح زوجاً غيره. 2 - بائن بينونة كبرى: وهو الطلاق المكمل للثلاث، فإذا طلقها الطلقة الثالثة انفصلت عنه نهائياً، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً بنية الدوام، ودخل الثاني بها ووطئها بعد العدة، فإن طلقها الثاني وفرغت من العدة جاز لزوجها الأول نكاحها بعقد ومهر جديدين كغيره. * المطلقة ثلاثاً تعتد في بيت أهلها؛ لأنها لا تحل لزوجها، ولا نفقة لها ولا سكنى، ولا تخرج من بيت أهلها إلا لحاجة. * إذا شك الزوج في الطلاق أو شرطه فالأصل بقاء النكاح حتى يجزم بزواله. * إذا قال الزوج لزوجته (أمرك بيدك) ملكت طلاق نفسها ثلاثاً على السنة إلا أن ينوي الزوج واحدة.

* متى يجوز للمرأة طلب الطلاق؟

* متى يجوز للمرأة طلب الطلاق؟ يجوز للمرأة طلب الطلاق أمام القاضي إذا تضررت تضرراً لا تستطيع الحياة في ظله، كما في هذه الصور: 1 - إذا قَصَّر الزوج في النفقة 2 - إذا أضر الزوج بزوجته إضراراً لا تستطيع معه دوام العشرة مثل سبها، أو ضربها، أو إيذائها بما لا تطيقه، أو إكراهها على منكر ونحو ذلك. 3 - إذا تضررت بغيبة زوجها وخافت على نفسها الفتنة. 4 - إذا حُبس زوجها مدة طويلة وتضررت بفراقه. 5 - إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو مرضاً خطيراً منفّراً ونحو ذلك. * يحرم على المرأة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها لتنفرد به. * إذا قال لزوجته إن حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض متيقن. * يقع الطلاق بائناً إذا كان على عوض أو كان قبل الدخول، أو كان مكملاً للثلاث. * إذا قال لزوجته إن ولدت ذكراً فأنت طالق طلقة وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين فولدت ذكراً ثم أنثى طلقت بالأول ثم بانت بالثاني، ولا عدة عليها.

3 - الرجعة

3 - الرجعة • * حكمة مشروعية الرجعة:. • * شروط صحة الرجعة:.

* حكمة مشروعية الرجعة:

* حكمة مشروعية الرجعة: قد يقع الطلاق في حالة غضب واندفاع، وقد يصدر بدون تدبر وتَرَوٍّ وتصور لعاقبة الطلاق وما يترتب عليه من المضار والمفاسد، لذا شرع الله تعالى الرجعة للحياة الزوجية، وهي حق من حقوق الزوج وحده كالطلاق. * من محاسن الإسلام جواز الطلاق، وجواز الرجعة، فإذا تنافرت النفوس، واستحالت الحياة الزوجية جاز الطلاق، وإذا تحسنت العلاقات، وعادت المياه إلى مجاريها جازت الرجعة، فلله الحمد والمنة. قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) (البقرة/228).

* شروط صحة الرجعة:

* شروط صحة الرجعة: 1 - أن تكون المطلقة مدخولاً بها. 2 - أن يكون الطلاق دون ما يملك من العدد كالطلاق دون الثلاث. 3 - أن يكون بلا عوض، فإن كان على عوض فهي بائن. 4 - أن تكون الرجعة في العدة من نكاح صحيح. * تحصل الرجعة بالقول كقوله: راجعت امرأتي، أو أمسكتها ونحوهما، وتحصل بالفعل كالوطء إذا نوى به الرجعة. * يسن الإشهاد على الطلاق وعلى الرجعة بشاهدين، ويصح الطلاق والرجعة من غير إشهاد، والمطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة، وينتهي وقت الرجعة بانتهاء العدة. * لا تفتقر الرجعة إلى ولي، ولا صداق، ولا رضا المرأة، ولا علمها.

4 - الخلع

4 - الخلع • * حكمة مشروعيته:. • * موجبات الخلع:.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: إذا عدمت المحبة بين الزوجين، وحل محلها الكراهة والبغضاء، ووجدت المشاكل، وظهرت العيوب من الزوجين أو من أحدهما، فإن الله عز وجل جعل للخروج من ذلك سبيلاً ومخرجاً. فإن كان ذلك من قِبَل الزوج فقد جعل الله بيده الطلاق، وإن كان من قِبَل المرأة فقد أباح الله لها الخلع، بأن تعطي الزوج ما أخذت منه، أو أقل، أو أكثر؛ ليفارقها. 1 - قال الله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة/229). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَتَردّين عليه حديقته؟)) قالت: نعم، قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقبل الحديقة وطَلِّقها تطليقة)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5273).

* موجبات الخلع:

* موجبات الخلع: 1 - يباح الخلع إذا كرهت المرأة زوجها إما لسوء عشرته، أو سوء خُلقه، أو خَلقه، أو خافت إثماً بترك حقه، ويستحب للزوج إجابتها إلى الخلع حيث أبيح. 2 - إذا كرهت الزوجة زوجها لنقص دينه كترك الصلاة، أو ترك العفة، فإذا لم يمكن تقويمه وجب عليها أن تسعى لمفارقته، وإذا فعل بعض المحرمات ولم يجبرها على فعل محرم فلا يجب عليها أن تختلع، وأيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة. * يحرم على الزوج عضل زوجته ليأخذ منها الصداق إلا إذا أتت بفاحشة مبينة فلا يحرم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء/19). * الخلع فسخ سواء وقع بلفظ (الخلع أو الفسخ أو الفداء)، وإن وقع بلفظ الطلاق أو كنايته مع نيته فهو طلاق، ولا يملك رجعتها بعده، وله أن يتزوجها بعقد ومهر جديدين بعد العدة إذا لم يسبقه من عدد الطلاق ما يصير به ثلاثاً. * يجوز الخلع في كل وقت في الطهر والحيض، وتعتد المختلعة بحيضة واحدة، ويجوز للزوج أن يتزوج من خالعها برضاها بعقد ومهر جديدين بعد العدة. * كل ما جاز أن يكون صداقاً جاز أن يكون عوضاً في الخلع، فإذا قالت اخلعني بألف ففعل بانت واستحق الألف، ولا ينبغي أن يأخذ منها أكثر مما أصدقها.

5 - الإيلاء

5 - الإيلاء • * حكمة إباحة الإيلاء وحُكمه:. • * صفة الإيلاء:.

* حكمة إباحة الإيلاء وحكمه:

* حكمة إباحة الإيلاء وحُكمه: الإيلاء فيه تأديب للنساء العاصيات الناشزات على أزواجهن، فأبيح منه بقدر الحاجة وهو أربعة أشهر فما دونها، وأما ما زاد على ذلك فهو حرام وظلم وجور؛ لأنه حلف على ترك واجب عليه. * كان الرجل في الجاهلية إذا كان لا يحب امرأته ولا يريد أن يتزوج بها غيره يحلف أن لا يمس امرأته أبداً أو السنة والسنتين بقصد الإضرار بها، فيتركها معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة فأراد الله عز وجل أن يضع حداً لهذا الجور، فحدده بأربعة أشهر وأبطل ما فوقها دفعاً للضرر.

* صفة الإيلاء:

* صفة الإيلاء: إذا حلف أن لا يقرب زوجته أبداً أو أكثر من أربعة أشهر صار مولياً، فإن وطئها في الأربعة أشهر انتهى الإيلاء ولزمته كفارة يمين (إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يستطع صام ثلاثة أيام)، وإن مضت الأربعة أشهر ولم يجامعها فللزوجة أن تطالبه بالوطء، فإن وطئ فلا شيء عليه إلا كفارة يمين. فإن أبى طالبته بالطلاق، فإن أبى طلق عليه الحاكم طلقة واحدة منعاً للضرر عن الزوجة. قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/226 - 227). * عدة الزوجة المولى منها كالمطلقة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

6 - الظهار

6 - الظهار • * صور الظهار:. • * كفارة الظهار تجب بالترتيب الآتي:.

* صور الظهار:

* صور الظهار: 1 - يكون الظهار مُنَجَّزاً كقوله: (أنتِ عليّ كظهر أمي). 2 - ويكون معلقاً كقوله: (إذا دخل رمضان فأنتِِ عليّ كظهر أمي). 3 - ويكون مؤقتاً كقوله: (أنت علي كظهر أمي في شهر شعبان مثلاً) فإن خرج الشهر ولم يطأها فيه زال الظهار، وإن وطئها في شعبان فعليه كفارة الظهار. * إذا ظاهر الزوج من زوجته أخرج الكفارة قبل الوطء، فإن وطئ قبل إخراجها أثم وعليه إخراجها.

* كفارة الظهار تجب بالترتيب الآتي:

* كفارة الظهار تجب بالترتيب الآتي: 1 - عتق رقبة مؤمنة. 2 - فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، ولا يقطع التتابع الفطر في العيدين، والحيض ونحوهما. 3 - فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا من قوت بلده، كل مسكين نصف صاع (كيلو وعشرين جراما) تقريبا، وإن غدى المساكين أو عشاهم كفى. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة/3 - 4). * الله رؤوف بعباده حيث جعل إطعام الفقراء والمساكين كفارات للذنوب وماحية للآثام. * إذا قال لزوجته: إذا ذهبت إلى مكان كذا فأنت علي كظهر أمي. فإن قصد بذلك تحريمها عليه فهو مظاهر، ولا يقربها حتى يكفر كفارة الظهار. وإن قصد به منعها من هذا الفعل ولم يقصد تحريمها فلا تحرم عليه، ويجب عليه كفارة يمين ثم ينحل يمينه. * إذا ظاهر من نسائه بكلمة واحدة لزمه كفارة واحدة، وإن ظاهر منهن بكلمات لزمه لكل واحدة كفارة.

7 - اللعان

7 - اللعان • * حكمة مشروعيته:. • * شروط اللعان:. • * صفة اللعان:. • * إذا تم اللعان ثبتت خمسة أحكام:.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: إذا رأى الرجل امرأته تزني ولم يمكنه إقامة البينة، أو قذفها بالزنى ولم تقر هي بذلك، وحتى لا يلحقه العار بزناها ويفسد فراشه، أو يلحقه ولد غيره شرع الله عز وجل اللعان حلاًّ لمشكلته وإزالة للحرج عنه، ويستحب وعظهما وتخويفهما بالله قبل اللعان. * إذا نكل الزوج وامتنع عن الأيمان فعليه حد القذف ثمانين جلدة، وإذا نكلت الزوجة وأقرت بالزنى أقيم عليها الحد وهو الرجم. * من قذف غير زوجته بفعل الفاحشة ولم يستطع إقامة البينة (أربعة شهود) يشهدون بصحة ما قال وجب جلده ثمانين جلدة، ويعتبر فاسقاً لا تقبل شهادته إلا إن تاب وأصلح. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور/4 - 5).

* شروط اللعان:

* شروط اللعان: 1 - أن يكون بين زوجين مكلفين، عند الإمام أو نائبه. 2 - أن يتقدمه قذف الزوج امرأته بالزنى. 3 - أن تكذبه الزوجة وتستمر في تكذيبه إلى انقضاء اللعان.

* صفة اللعان:

* صفة اللعان: إذا قذف الرجل زوجته بالزنى ولم يقم البينة فعليه حد القذف ولا يسقط عنه حد القذف إلا باللعان، وصفته: 1 - يبدأ الزوج فيقول أربع مرات: (أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنى) يشير إليها إن كانت حاضرة، ويسميها إن كانت غائبة، ثم يزيد في الخامسة: (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) (النور/7). 2 - ثم تقول الزوجة أربعاً: (أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى) ثم تزيد في الخامسة: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) (النور/9). * يُسن وعظ كل واحد من المتلاعنين عند الشروع في اللعان، ووضع اليد على فم الرجل عند الخامسة، ويقال له: (اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب) وكذلك يفعل مع المرأة، لكن لا يضع يده على فمها، والسنة أن يكون اللعان بحضرة الإمام أو نائبه، وأن يتلاعنان قياماً بحضرة جماعة من الناس. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) (النور/6 - 9).

* إذا تم اللعان ثبتت خمسة أحكام:

* إذا تم اللعان ثبتت خمسة أحكام: 1 - سقوط حد القذف عن الزوج. 2 - سقوط حد الرجم عن الزوجة. 3 - الفرقة بين المتلاعنين. 4 - التحريم المؤبد بينهما. 5 - انتفاء الولد إن وجد عن الزوج ولحوقه بالمرأة. * المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة نفقة ولا سكنى.

8 - العدة

8 - العدة • * حكم العدة:. • * حكمة مشروعيتها:. • * أصناف المعتدات:. • * حكم الإحداد:. • * مكان العدة:.

* حكم العدة:

* حكم العدة: العدة واجبة على كل امرأة فارقها زوجها أو مات عنها بعد خلوته بها، سواء كانت الفرقة بطلاق، أو خلع، أو فسخ؛ لتعرف براءة رحمها بوضع حمل، أو مضي أقراء، أو أشهر.

* حكمة مشروعيتها:

* حكمة مشروعيتها: 1 - التأكد من براءة الرحم حتى لا تختلط الأنساب. 2 - إتاحة الفرصة للمطلق أن يراجع امرأته إذا ندم كما في الطلاق الرجعي. 3 - تعظيم شأن النكاح وأنه لا ينعقد إلا بشروط، ولا ينفك إلا بانتظار وتريُّث. 4 - احترام المعاشرة بين الزوجين، فلا تنتقل لآخر إلا بعد انتظار وإمهال. 5 - صيانة حق الحمل إذا كانت المفارقة حاملاً. ففي العدة أربعة حقوق: حق الله، وحق الزوج، وحق الزوجة، وحق الولد. * المرأة إذا طُلقت قبل الدخول فلا عدة عليها، وإن طُلقت بعد الدخول فعليها العدة، أما المتوفى عنها زوجها قبل الدخول أو بعده فعليها العدة أربعة أشهر وعشرا، وفاء للزوج ومراعاة لحقه، ولها الميراث. 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) (الأحزاب/49). 2 - قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة/234).

* أصناف المعتدات:

* أصناف المعتدات: 1 - الحامل: وعدتها من موت، أو طلاق، أو فسخ إلى وضع الحمل الذي تبين فيه خلق إنسان، وأقل مدة الحمل ستة أشهر منذ نكاحها، وغالبه تسعة أشهر. قال الله تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق/4). 2 - المتوفَّى عنها زوجها: إن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل، وإن لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وفي هذه المدة يتبين الحمل من عدمه. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة/ 234). 3 - المفارقة لزوجها في الحياة بطلاق بلا حمل وهي ذات الأقراء وهي الحيض فعدتها ثلاثة قروء كاملة، أما المفارقة لزوجها بخلع أو فسخ فتعتد بحيضة واحدة، قال الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة/228). 4 - من فارقها زوجها حياً ولم تحض لصغر، أو إياس فعدتها ثلاثة أشهر. قال الله تعالى: (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ) (الطلاق/4). 5 - من ارتفع حيضها ولم تدر ما سبب رفعه فعدتها سنة، تسعة أشهر للحمل، وثلاثة للعدة. 6 - امرأة المفقود: وهو من انقطع خبره، فلم تعلم حياته ولا موته، فتنتظر زوجته قدومه أو تَبَيُّن أمره في مدة يضربها الحاكم للاحتياط في شأنه، فإذا تمت تلك المدة ولم يأت حكم الحاكم بوفاته، ثم اعتدت زوجته أربعة أشهر وعشراً عدة وفاة من وقت الحكم، ولها أن تتزوج بعد العدة إن شاءت. * عدة الأمة المطلقة ذات الحيض قرءان، والآيسة والصغيرة شهران، والحامل بوضع الحمل. * إذا ملك الرجل أمة توطأ فلا يحل له أن يجامعها حتى يستبرئها، إن كانت حاملاً بوضع الحمل، والتي تحيض بحيضة، والآيسة والصغيرة بمضي شهر. * الموطوءة بشبهة، أو زنى، أو بنكاح فاسد، أو مختلعة تعتد بحيضة واحدة لمعرفة براءة رحمها، وإذا مات زوج رجعية في عدة طلاق سقطت وابتدأت عدة وفاة منذ مات.

* حكم الإحداد:

* حكم الإحداد: يلزم الإحداد مدة العدة كل متوفَّى عنها زوجها. الإحداد: لزوم بيت زوجها واجتناب ما يدعو إلى جماعها من الزينة والطيب، ولباس زينة، وحناء، وحلي، وكحل ونحوه، وإن تركت الإحداد أثمت وتستغقر الله وتتوب إليه. عن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُحِدُّ امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عَصْبٍ ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نُبذةً من قُسطٍ أو أظفار)). متفق عليه (¬1). * يجوز الإحداد على غير زوج ثلاثة أيام، أما الإحداد على الزوج المتوفي عنها فإنه تابع للعدة أربعة أشهر وعشراً، وأما الحامل المتوفى عنها زوجها فإذا وضعت حملها سقط وجوب الإحداد عنها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5342)، ومسلم في كتاب الطلاق برقم (938)، واللفظ له.

* مكان العدة:

* مكان العدة: 1 - تجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، فإن تحولت خوفاً، أو قهراً، أو بحق انتقلت حيث شاءت، ولها الخروج من بيتها إن احتاجت لذلك، وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت. 2 - المعتدة من طلاق رجعي تكون في بيت زوجها، ولها النفقة والسكنى؛ لأنها زوجة، ولا يجوز إخراجها من بيت زوجها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة من أقوال أو أفعال يتضرر بها أهل البيت. 3 - المعتدة من طلاق بائن لها النفقة إن كانت حاملاً حتى تضع حملها، وإن كانت غيرحامل فلا نفقة لها ولا سكنى. وتعتد المطلقة البائن والمفسوخة والمختلعة في بيت أهلها.

9 - الرضاع

9 - الرضاع • * المحرم من الرضاع خمس رضعات في الحولين:. • * حد الرضعة:. • * حكم إرضاع الكبير:.

* المحرم من الرضاع خمس رضعات في الحولين:

* المحرم من الرضاع خمس رضعات في الحولين: فإذا أرضعت المرأة الطفل خمس رضعات قبل استكمال الحولين صار ولدها وولد زوجها، ومحارم الزوج محارمه، ومحارم المرضعة محارم للمرتضع، وأولادهما إخوانه، أما أبوي المرتضع وأصولهما وفروعهما فلا تنتشر الحرمة عليهم، فيجوز لإخوته من الرضاع أن يتزوجوا بأخواته من النسب وبالعكس.

* حد الرضعة:

* حد الرضعة: أن يمص الثدي ثم يتركه باختياره من غير عارض فذلك رضعة، أو انتقل من ثدي لآخر فذلك رضعة، فإن عاد فثنتان، ويُرجع في ذلك إلى العرف، والأفضل أن ترضعه حسنة الخَلق والخُلق والدين. * يثبت الرضاع بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بشهادة امرأة واحدة مرضية في دينها سواء كانت المرضعة أو غيرها. * إذا أرضعت امرأة طفلاً سواء كانت بكراً أو ثيباً صار ولدها في تحريم النكاح، وإباحة النظر، والخلوة، وفي المحرمية، دون وجوب النفقة والولاية والإرث. * لبن البهيمة لا يحرِّم كلبن المرأة، فلو رضع طفلان من بهيمة لم ينشر الحرمة بينهما، ونقل الدم من رجل إلى امرأة أو العكس ليس برضاع، فلا ينشر الحرمة بينهما. * إذا شك أحد في وجود الرضاع، أو شك في كماله خمس رضعات، وليس هناك بينة فلا تحريم؛ لأن الأصل عدم الرضاع.

* حكم إرضاع الكبير:

* حكم إرضاع الكبير: الرضاع المحرِّم خمس رضعات فأكثر في الحولين، فإن دعت الحاجة إلى إرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله البيت ويشق الاحتجاب عنه جاز. عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أرى في وجه أبي حُذيفة من دخولِ سالمٍ (وهو حَليفُهُ). فقال النبي: صلى الله عليه وسلم ((أرضعيه)). قالت: وكيف أرضعه؟ وهو رجلٌ كبير، فتبسم رسول الله؟ وقال: ((قد عَلمتُ أنه رجلٌ كبير)). زاد عمرو في حديثه: وكان قد شهد بدراً. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4000)، ومسلم برقم (1453)، واللفظ له.

10 - الحضانة

10 - الحضانة • * الولاية على الطفل نوعان:. • * الأحق بالحضانة:.

* الولاية على الطفل نوعان:

* الولاية على الطفل نوعان: نوع يقدم فيه الأب على الأم، وهي ولاية المال والنكاح. ونوع تقدم فيه الأم على الأب، وهي ولاية الحضانة والرضاع.

* الأحق بالحضانة:

* الأحق بالحضانة: الحضانة من محاسن الإسلام وعنايته بالأطفال، فإذا افترق الأبوان وبينهما ولد فالأحق بالحضانة الأم؛ لأنها أرفق بالصغير وأصبر عليه وأرحم به، وأعرف بتربيته وحمله وتنويمه، ثم أمهاتها القربى فالقربى، ثم الخالة، ثم الأب، ثم أمهاته كذلك، ثم الجد، ثم أمهاته كذلك، ثم الأخت لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، ثم العمة كذلك وهكذا. * إذا امتنع من له الحضانة، أو كان غير أهل، أو لم تتحقق مصلحة الطفل انتقلت إلى من بعده، وإذا تزوجت الأم سقط حقها في الحضانة وانتقل إلى من بعدها إلا أن يرضى زوجها بالحضانة. * إذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلاً خُيِّر بين أبويه فكان مع من اختار منهما، ولا يُقر محضون بيد من لا يصونه ولا يصلحه، ولا حضانة لكافر على مسلم. * أب الأنثى أحق بها بعد السبع إن تحققت مصلحة المحضونة، ولما ينلها ضرر من ضرة أمها وإلا عادت الحضانة لأمها. * يكون الذكر بعد رشده حيث شاء، والأنثى عند أبيها حتى يتسلمها زوجها، وليس له منعها من زيارة أمها، أو زيارة أمها لها.

11 - النفقات

11 - النفقات • * فضل النفقة:. • * أحوال الإنفاق على الزوجة:. • * النفقة على الآباء والأولاد والأقارب:. • * أحوال المنفق:.

* فضل النفقة:

* فضل النفقة: 1 - قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/274). 2 - عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)). متفق عليه (¬1). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5351)، واللفظ له، ومسلم برقم (1002). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5353)، واللفظ له، ومسلم برقم (2982).

* أحوال الإنفاق على الزوجة:

* أحوال الإنفاق على الزوجة: 1 - نفقة الزوجة واجبة على زوجها من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن ونحو ذلك بما يصلح لمثلها، وذلك يختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة، وحال الزوجين وعاداتهما. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ... - وفيه- ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ... ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)). أخرجه مسلم (¬1). 2 - يجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها، لكن لا قسم لها. 3 - الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً فلا نفقة لها ولا سكنى. 4 - لا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها زوجها، فإن كانت حاملاً وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن فعلى وارثه الموسر. 5 - إذا نشزت المرأة أو حُبست عنه سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملاً. * إذا غاب الزوج ولم ينفق على زوجته لزمته نفقة ما مضى. * إذا أعسر الزوج بالنفقة، أو الكسوة، أو السكن، أو غاب ولم يدع للزوجة نفقة وتعذَّر أخذها من ماله فلها الفسخ إن شاءت بإذن الحاكم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1218).

* النفقة على الآباء والأولاد والأقارب:

* النفقة على الآباء والأولاد والأقارب: تجب النفقة لأبويه وإن علوا حتى ذوي الأرحام منهم، وتقدم الأم على الأب في البر والنفقة، وتجب لولده وإن سفل، حتى ذوي الأرحام منهم إن كان المنفق غنياً والمنفَق عليه فقيراً، والوالد تجب عليه نفقة ولده كاملة ينفرد بها. 1 - قال الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/233). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك)). متفق عليه (¬1). * تجب النفقة على كل من يرثه المنفق بفرض أو تعصيب. * يشترط لوجوب النفقة على القريب من غير الأصول والفروع أن يكون المنفق وارثاً للمنفق عليه، فقر المنفق عليه، غنى المنفق، عدم اختلاف الدين. * يجب على السيد نفقة رقيقه المملوك، وإن طلب نكاحاً زوجه سيده أو باعه، وإن طلبته أمة خُيِّر سيدها بين وطئها، أو تزويجها، أو بيعها. * تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من البهائم والطيور ونحوها، فيقوم بإطعامها وسقيها وما يصلحها، ولا يحمِّلها ما تعجز عنه، فإن عجز عن نفقتها أجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل، ولا يجوز ذبحها للإراحة كالمريضة والكبيرة ونحوها، وعليه أن يقوم بما يلزمها. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5971)، ومسلم برقم (2548)، واللفظ له.

* أحوال المنفق:

* أحوال المنفق: إن كان المنفق قليل المال وجب عليه أن يبدأ بالنفقات الواجبة من الزوجة، والفروع، والأصول، والمماليك فيبدأ بنفسه أولا، ثم من تجب نفقتهم مع العسر واليسر وهم: الزوجة، والمماليك، والبهائم. ثم من تجب نفقتهما ولو لم يرثهم المنفق من الأصول، كالأم والأب، والفروع كالأولاد، ثم نفقة الحواشي إن كان المنفق يرثهم بفرض أو تعصيب، أما إن كان المنفق غنياً فينفق على الجميع.

الأطعمة والأشربة والذكاة والصيد

الأطعمة والأشربة والذكاة والصيد 1 - الأطعمة والأشربة • * الأطعمة والأشربة الأصل فيها الحل:. • * المحرم من الحيوانات والطيور:. • * الحلال من الحيوانات والطيور:. • * ما يحرم أكله من الأطعمة:. • * حكم أكل الجَلاَّلة:. • * حكم الخمر:. • * عقوبة شارب الخمر:. • * الملعونون في الخمر:. • * السنة إذا وقع الذباب في الإناء:.

* الأطعمة والأشربة الأصل فيها الحل:

* الأطعمة والأشربة الأصل فيها الحل: فيباح كل طعام أو شراب طاهر لا مضرة فيه من لحم، وحب، وثمر، وعسل، ولبن، وتمر ونحوها. ولا يحل نجس كالميتة والدم المسفوح، ولا ما فيه مضرة كالسم، والخمر، والحشيش، والمخدرات، والتبغ، والقات ونحوها؛ لأنها خبيثة مضرة بدنياً، ومالياً، وعقلياً. * السنة إذا دخل المسلم على أخيه المسلم فأطعمه من طعامه فليأكل ولا يسأله عنه، وإن سقاه من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه. * المتباريان وهما المتفاخران في الضيافة رياء وسمعة وفخراً لا يجابان ولا يؤكل طعامهما. * التمر من أجود الأغذية، وبيت لا تمر فيه جياع أهله، وهو حرز من السم والسحر، وأفضله تمر المدينة، خاصة العجوة. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصبَّح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحر)). متفق عليه (¬1). * التمر مقو للكبد، ملين للطبع، خافض للضغظ، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن، غني بالمواد السكرية، وأكله على الريق يقتل الدود، فهو فاكهة وغذاء ودواء وحلوى. * من أكل تمراً عتيقاً فله أن يفتشه ويخرج السوس منه. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5445)، واللفظ له، ومسلم برقم (2047).

* المحرم من الحيوانات والطيور:

* المحرم من الحيوانات والطيور: هو ما نص الشرع على خبثه كالحمار الأهلي والخنزير، أو نص على حده ككل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، أو كان خبثه معروفاً كالفأرة والحشرات، أو كان خبثه عارضاً كالجَلاَّلة التي تتغذى بالنجاسة، أو أمر الشارع بقتله كالحية والعقرب، أو نهى عن قتله كالهدهد والصُّرَد والضفدع والنملة والنحلة ونحوها، أو كان معروفاً بأكل الجيف كالنسر والرَّخم والغراب، أو كان متولداً بين حلال وحرام كالبغل فهو من أنثى خيل نزا عليها حمار، أو لكونه ميتةً أو فسقاً وهو ما لم يذكر اسم الله عليه، أو لم يأذن الشرع في تناوله كالمغصوب والمسروق. * يحرم أكل كل ما له ناب من السباع يفترس به كالأسد، والنمر، والذئب، والفيل، والفهد، والكلب، والثعلب، والخنزير، وابن آوى، والسنور، والتمساح، والسلحفاة والقنفذ والقرد ونحوها، إلا الضبع فحلال. * يحرم أكل كل ذي مخلب من الطير يصيد به كالعقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والباشق، والحدأة، والبومة ونحوها، ويحرم ما يأكل الجيف والزبل من الطيور كالنسر، والغراب، والرخم، والهدهد، والخطاف ونحوها.

* الحلال من الحيوانات والطيور:

* الحلال من الحيوانات والطيور: 1 - حيوانات البر كلها مباحة إلا ما سبق ونحوه مما يلحق به، فيجوز أكل بهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم، ويجوز أكل الحمر الوحشية، والخيل، والضبع، والضب، والبقر الوحشي، والظباء والريم، والأرانب، والزرافة، وسائر الوحش إلا ما له ناب يفترس به فيحرم. 2 - والطيور كلها مباحة إلا ما سبق ونحوه فيجوز أكلها كالدجاج، والبط، والأوز، والحمام، والنعام، والعصفور، والبلبل والطاووس واليمام ونحوها. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير. أخرجه مسلم (¬1). 3 - حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في البحر كلها مباحة، صغيرها وكبيرها ولا يستثنى منها شيء فكلها حلال؛ لقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) (المائدة/96). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1934).

* ما يحرم أكله من الأطعمة:

* ما يحرم أكله من الأطعمة: 1 - قال الله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (الأنعام/121). 2 - قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ) (المائدة/3). * ما قُطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة لا يجوز أكله. * الميتة والدم المسفوح كلاهما حرام لا يجوز أكله، ويستثنى منهما ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حِلُّه بقوله: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال)). أخرجه أحمد وابن ماجه (¬1). * الأدهان والجيلاتين المضافة إلى الأغذية والحلويات ونحوها إن كانت من نبات فهي حلال ما لم تختلط بنجاسة، وإن كانت من حيوان محرم كالخنزير والميتة فهي حرام، وإن كانت من حيوان مباح فإن كانت ذكاته شرعية، ولم تختلط بنجاسة فهي حلال. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (5723)، وهذا لفظه، انظر السلسلة الصحيحة رقم (1118). وأخرجه ابن ماجه برقم (3218)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2607).

* حكم أكل الجلالة:

* حكم أكل الجَلاَّلة: الجلالة من بهيمة الأنعام أو الدجاج ونحوها هي التي أكثر علفها النجاسات، فيحرم ركوبها، وأكل لحمها، وشرب لبنها، وأكل بيضها، حتى تحبس، وتعلف الطاهر، ويغلب على الظن طهارتها. * من اضطر إلى محرم غير السم حل له منه ما يسد رمقه. قال الله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/173).

* حكم الخمر:

* حكم الخمر: 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر خمر، وكل مُسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر)). أخرجه أحمد والترمذي (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575)، ومسلم برقم (2003)، واللفظ له. (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (125)، وهذا لفظه، أنظر إرواء الغليل رقم (1949). وأخرجه الترمذي برقم (2801)، صحيح سنن الترمذي رقم (2246).

* عقوبة شارب الخمر:

* عقوبة شارب الخمر: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)) قالوا: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: ((عَرَقُ أهل النار، أو عصارة أهل النار)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (2002).

* الملعونون في الخمر:

* الملعونون في الخمر: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لعن رسُول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرةً: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له. أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). * النبيذ هو الماء يلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو به الماء وتذهب ملوحته، وهو مباح يجوز شربه ما لم يغل أو تأتي عليه ثلاثة أيام. * إذا مر محتاج بثمر بستان في شجر أو متساقط عنه ولا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه مجاناً من غير حمل، ومن أخذ من غير حاجة فعليه غرامة مثليه والعقوبة. * يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة أو المطلية بهما على الرجال والنساء على حد سواء، ولا يدخل الجنة جسد غُذِّي بالحرام. ¬

(¬1) حسن صحيح/ أخرجه البخاري برقم (1295)، وهدا لفظه: صحيح سنن الترمذي رقم (1041). وأخرجه ابن ماجه برقم (3380)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2725).

* السنة إذا وقع الذباب في الإناء:

* السنة إذا وقع الذباب في الإناء: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الآخر داء)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (5782).

2 - الذكاة

2 - الذكاة • * كيفية الذكاة:. • * شروط صحة الذكاة:. • * صفة الإحسان في القتل والذبح:.

* كيفية الذكاة:

* كيفية الذكاة: السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، بأن يطعنها بمحدد في لبتها، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، وذبح البقر والغنم ونحوهما بسكين مضجعة على جانبها الأيسر، ويحرم اتخاذ البهائم غرضاً للرمي. * ذكاة الجنين ذكاة أمه، فإن خرج حياً لم يحل أكله إلا بذبحه.

* شروط صحة الذكاة:

* شروط صحة الذكاة: 1 - أهلية المذكي: بأن يكون عاقلاً مسلماً أو كتابياً، رجلاً كان أو امرأة، فلا تباح ذكاة سكران، ومجنون، وكافر غير كتابي. 2 - الآلة: فتباح الذكاة بكل محدد يهريق الدم إلا السن والظفر. 3 - إنهار الدم بقطع الحلقوم والمريء، وتمام الذبح: بقطعهما مع الودجين. 4 - أن يقول: ((باسم الله)) عند الذبح، فإن تركها سهواً أبيحت لا عمداً. 5 - أن لا يكون الصيد محرماً لحق الله كالصيد في الحرم، والصيد للمحرم. * كل ما مات بالخنق، أو بضرب الرأس، أو بالصعق الكهربائي، أو بالتغطيس في الماء الحار، أو بالغاز الخانق فهو حرام لا يجوز أكله، فإن الدم في هذه الحالات يحتقن باللحم فيضر الإنسان أكله، وأُزهقت روحه على خلاف السنة. * ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى حلال يجوز أكلها لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (المائدة/5). * إذا علم المسلم أن ذبائح أهل الكتاب ذبحت بغير الوجه الشرعي كالخنق، أو الصعق الكهربائي فلا يجوز أكلها، أما ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب فلا يجوز أكلها مطلقاً. * ذكاة ما عجز عنه من الصيد أو الحيوان بجرحه في أي موضع كان من بدنه، وقتل الحيوان بغير حق ولا انتفاع حرام. * إذا علم المسلم أن الكتابي ذكر اسم الله على الذبيحة جاز أكلها، وإن علم أنه لم يذكر اسم الله عليها فلا يحل له أكلها، وإن جهل الحال جاز أكلها؛ لأن الأصل حلها، ولا يجب أن يسأل أو يبحث كيف ذبحت، بل الأفضل عدم السؤال، وعدم البحث. * لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة إلا الجراد والسمك، وكل ما لا يعيش إلا في الماء فيؤكل بلا ذكاة. * لا يجوز أكل حيوانات البر والطيور المباحة إلا، بشرطين: ذكاتها، وذكر اسم الله عليها. * من ذبح حيواناً مأكولاً من بهيمة الأنعام أو غيرها وتصدق به عن شخص ميت ليكون ثوابه للميت فلا بأس، وإن ذبحه تعظيماً لهذا الميت وتقرباً له كان مشركاً شركاً أكبر، ولا يحل له ولا لغيره أكله.

* صفة الإحسان في القتل والذبح:

* صفة الإحسان في القتل والذبح: أن يذبح بآلة حادة ولا يذبح بآلة كالَّة فيعذب الحيوان، وأن لا يذبح الحيوان وأليفه يراه فيرتاع الحيوان، وأن لا يحد السكين بحضرة الحيوان، ولا يكسر عنق المذبوح أو يسلخه أو يقطع منه عضواً قبل أن تزهق روحه، وأن ينحر الإبل نحراً ويذبح غيرها من الحيوان. عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته)). أخرجه مسلم (¬1). * يستحب أن يوجه الذبيحة نحو القبلة، وأن يضيف التكبير إلى التسمية فيقول: ((باسم الله والله أكبر)) ثم يذبح. أخرجه أبو داود والترمذي (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1955). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2810)، صحيح سنن أبي داود رقم (2436). وأخرجه الترمذي برقم (1521)، صحيح سنن الترمذي رقم (1228).

3 - الصيد

3 - الصيد • * الصيد بعد إصابته وإمساكه له حالتان:. • * شروط الصيد الحلال:.

* الصيد بعد إصابته وإمساكه له حالتان:

* الصيد بعد إصابته وإمساكه له حالتان: الأولى: أن يدركه حياً حياة مستقرة فهذا لا بد من ذكاته الذكاة الشرعية. الثانية: أن يدركه مقتولاً، بالاصطياد أو حياً حياة غير مستقرة، فهذا يحل بشروط الصيد.

* شروط الصيد الحلال:

* شروط الصيد الحلال: 1 - أن يكون الصائد من أهل الذكاة مسلماً أو كتابياً، بالغاً أو مميزاً. 2 - الآلة، وهي نوعان: الأول: محدد يُسيل الدم غير السن والظفر، والثاني: الجارحة من الكلاب أو الطيور فيباح ما قتلته إن كانت مُعَلَّمة كالكلب والصقر. 3 - أن يرسل الجارحة من كلب أو صقر قاصداً الصيد. 4 - التسمية عند الرمي أو إرسال الجارحة، فإن تركها سهواً أبيحت لا عمداً. 5 - أن يكون الصيد مأذوناً في صيده شرعاً، فصيد المحرم وصيد الحرم لا يحل بالاصطياد. * يحرم اقتناء الكلب؛ لما يسببه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة، ولما فيه من النجاسة والقذارة، ونقص أجر مقتنيه كل يوم قيراطاً إلا كلب صيد أو ماشية أو زرع فيجوز للحاجة والمصلحة. * إذا رمى بالمعراض كعصاً ونحوه فإن خزق الصيد جاز أكله، وإن أصابه بعرضه فمات فهو وقيذ لا يجوز أكله. * صيد الصيد لهواً وعبثاً كأن يصيده ويتركه لا يستفيد هو منه ولا غيره حرام؛ لما فيه من إضاعة المال. * الدم المسفوح الذي ينزف من الطيور أو الحيوانات عند صيدها أو ذبحها قبل أن تزهق روحها نجس. * ما صيد بآلة مسروقة أو مغصوبة حلال لكن الصائد آثم. * لا يجوز أكل صيد أو ذبيحة تارك الصلاة مطلقاً؛ لأنه كافر. * صيد الصيد أو أخذه من أجل أن يتسلى به الصغار جائز، لكن يجب مراقبة الصبي حتى لا يؤذي هذا الصيد. * تحرم الإشارة بالسلاح نحو آدمي معصوم من جاد ومازح.

القصاص

القصاص • * حكمة مشروعية القصاص:. • * الضروريات الخمس:. • * الحقوق قسمان:. • * حكم قتل النفس:.

* حكمة مشروعية القصاص:

* حكمة مشروعية القصاص: خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وكرَّمه على سائر المخلوقات، وجعله خليفة في الأرض لأمر عظيم، وهو أن يقوم بعبادة ربه وحده لا شريك له، وجعل البشرية كلها من نسله، وأرسل الله إليهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنزل عليهم الكتب، ليقوم الناس بعبادة الله وحده، ووعد من آمن وامتثل ما أمر الله به بالجنة، وتوعد من كفر بالله وفعل ما نهى الله عنه بالنار. وفي الناس من لا يستجيب لداعي الإيمان لضعف عقيدته، أو يستهين بالحاكم لضعف في عقله، فيقوى عنده داعي ارتكاب المحظورات، فيحصل منه تعد على الآخرين في أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم. فشرعت العقوبة في الدنيا لتمنع الناس من اقتراف هذه الجرائم؛ لأن مجرد الأمر والنهي لا يكفي عند بعض الناس على الوقوف عند حدود الله، ولولا هذه العقوبات لاجترأ كثير من الناس على ارتكاب الجرائم والمحرمات، والتساهل في المأمورات. وفي إقامة الحدود حفظ حياة ومصلحة البشرية، وزجر النفوس الباغية، وردع القلوب القاسية الخالية من الرحمة والشفقة. وإن في تنفيذ القصاص كفاً للقتل، وزجراً عن العدوان، وصيانة للمجتمع، وحياة للأمة، وحقناً للدماء، وشفاء لما في صدور أولياء المقتول، وتحقيقاً للعدل والأمن، وحفظاً للأمة من وحشي يقتل الأبرياء، ويبث الرعب في البلد، ويتسبب في ترميل النساء، وتيتيم الأطفال. قال الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/179). * الدنيا ليست دار جزاء وإنما دار الجزاء هي الآخرة، ولكن شرع الله من العقوبات في الدنيا ما يحقق الأمن ويمنع الفساد والعدوان والظلم.

* الضروريات الخمس:

* الضروريات الخمس: اعتنى الإسلام بحفظ الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على حفظها، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، واعتبر التعدي عليها جناية وجريمة تستلزم عقاباً مناسباً، وبحفظ هذه الضروريات يسعد المجتمع، ويطمئن كل فرد فيه.

* الحقوق قسمان:

* الحقوق قسمان: 1 - حقوق بين العبد وربه، وأعظمها بعد التوحيد والإيمان الصلاة. 2 - حقوق بين العبد وغيره من الخلق، وأعظمها الدماء. فأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة صلاته، وأول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء.

* حكم قتل النفس:

* حكم قتل النفس: قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، وهو ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء/93). 2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعُقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور)). متفق عليه (¬1). 3 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسُول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة)). متفق عليه (¬2). * المؤمنون تتكافأ دماؤهم، فهم متساوون في الدية والقصاص، فليس أحد أفضل من أحد، لا في النسب ولا في اللون ولا في الجنس. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/13). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6871)، واللفظ له، ومسلم برقم (88). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6878)، ومسلم برقم (1676)، واللفظ له.

2 - أقسام القتل

* القتل ثلاثة أقسام: 1 - قتل العمد. 2 - قتل شبه العمد. 3 - قتل الخطأ.

1 - قتل العمد

1 - قتل العمد * قتل العمد: هو أن يقصد الجاني من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله بما يغلب على الظن موته به.

* صور قتل العمد:

* صور قتل العمد: لقتل العمد صور، منها: 1 - أن يجرحه بما له نفوذ في البدن كسكين وحربة وبندقية ونحوها فيموت بسبب ذلك. 2 - أن يضربه بمثقل كبير كحجر كبير وعصا غليظة، أو يدهسه بسيارة، أو يلقي عليه حائطاً ونحوها فيموت بسبب ذلك. 3 - أن يلقيه بما لا يمكنه التخلص منه، كأن يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، أو سجن ويمنعه الطعام والشراب، فيموت بسبب ذلك. 4 - أن يخنقه بحبل أو غيره، أو يسد فمه فيموت. 5 - أن يلقيه بزبية أسد ونحوه، أو يُنهشه حية، أو كلباً فيموت. 6 - أن يسقيه سماً لا يعلم به شاربه فيموت. 7 - أن يقتله بسحر يقتل غالباً. 8 - أن يَشهد عليه رجلان بما يوجب قتله فيُقتل، ثم يقولان عمدنا قتله، أو تكذب البينة فيقاد بذلك، ونحو ذلك من الصور. * يجب بالقتل العمد (القصاص): وهو قتل القاتل، ولولي الدم أن يقتص، أو يأخذ الدية، أو يعفو وهو الأفضل. 1 - قال الله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/237). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( .. ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يُفدى، وإما أن يُقتل ... )). متفق عليه (¬1). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)). أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6880)، ومسلم برقم (1355)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (2588).

* شروط القصاص في النفس:

* شروط القصاص في النفس: 1 - عصمة المقتول: فلو قتل المسلم حربياً أو مرتداً أو زانياً محصناً فلا قصاص عليه ولا دية، لكن يعزر؛ لافتياته على الحاكم. 2 - أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً متعمداً، فلا قصاص على صغير، ومجنون، ومخطئ، وإنما تجب عليهم الدية. 3 - أن يكون المقتول مكافئاً للقاتل حال الجناية، وهي أن يساويه في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر، وعكسه يقتل، ويُقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر. 4 - أن لا يكون المقتول ولداً للقاتل، فلا يُقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل ذكراً كان أو أنثى، ويُقتل الولد إن قَتَل أحد أبويه إلا أن يعفو ولي الدم. * إذا اختل شرط من الشروط السابقة سقط القصاص وتعينت الدية المغلظة.

* شروط استيفاء القصاص:

* شروط استيفاء القصاص: 1 - أن يكون ولي الدم بالغاً عاقلاً، فإن كان صغيراً، أو مجنوناً، أو غائباً، حُبس الجاني حتى يبلغ الصغير، ويعقل المجنون، ويقدم الغائب، ثم إن شاء اقتص، أو أخذ الدية، أو عفا وهو الأفضل. 2 - اتفاق جميع أولياء الدم على استيفائه، فليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض، وإذا عفا أحد الأولياء سقط القصاص وتعينت الدية مغلظة. 3 - أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل، فإذا وجب القصاص على امرأة حامل لم يقتص منها حتى تضع ولدها وتسقيه اللَّبأ، فإن وُجِد من يرضعه وإلا أُمهلت حتى تفطمه. * إذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص، فإن لم تتحقق فلا قصاص. * إذا قتل الصغير أو المجنون فلا قصاص عليهما، وتجب الكفارة في مالهما، والدية على عاقلتهما، ومن أمر صغيراً أو مجنوناً بقتل شخص فَقَتَله وجب القصاص على الآمر وحده؛ لأن المأمور آلة للآمر. * إذا أمسك إنسان آخر فقتله ثالث عمداً فيقتل القاتل، أما الممسك فإن علم أن الجاني سيقتل الممسوك قُتلا جميعاً، وإن لم يعلم أنه سيقتله فيعاقب الممسك بالسجن بما يراه الحاكم تأديباً له. * من أكره أحداً على قتل معصوم فقتله فالقصاص عليهما معاً. قال الله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/179). * كثير من الدول الكافرة جعلت عقوبة القاتل السجن تمدُّناً ورحمة به، ولم ترحم المقتول الذي فقد حياته، ولم ترحم أهله وأولاده الذين فقدوا راعيهم وعمدتهم، ولم ترحم البشرية التي أضحت خائفة على دمائها وأعراضها وأموالها من هؤلاء المجرمين، فزاد الشر، وكثر القتل، وتنوعت الجرائم. قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة/50)

* يثبت القصاص بما يلي:

* يثبت القصاص بما يلي: 1 - اعتراف القاتل بالقتل. 2 - أو شهادة عدلين على القتل، أو القسامة وستأتي إن شاء الله تعالى.

* تنفيذ القصاص:

* تنفيذ القصاص: إقامة القصاص إذا ثبت واجبة على الإمام أو نائبه إذا طلب أولياء القتيل ذلك من الإمام، ولا يُستوفى القصاص إلا بحضرة سلطان أو نائبه، ولا يُستوفى إلا بآلة ماضية من سيف ونحوه يُضرب به عنقه، أو يقتل بمثل ما قتل به، كأن يَرُضَّ رأسه بحجر فَيُرَضَّ رأس الجاني بالحجارة حتى يموت. * ولي الدم الذي له أن يقتص أو يعفو: هم ورثة المقتول جميعاً من الرجال والنساء، كبارهم وصغارهم، فإن اختاروا القصاص جميعاً وجب القصاص، وإن عفوا جميعاً سقط القصاص، وإذ عفا أحدهم سقط القصاص أيضاً ولو لم يعف الباقون، فإن كثر التحيل لإسقاط القصاص وخيف اختلال الأمن بكثرة العفو اختص العفو بالعصبة من الرجال دون النساء. * إذا عفا ولي الدم من القصاص إلى الدية وجبت الدية مغلظة من مال الجاني، وهي مائة من الإبل، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قتل مؤمناً متعمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قَتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حِقّة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفَة، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل)). أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬1). * الدية التي يأخذها أولياء القتيل في قتل العمد ليست الدية الواجبة بالقتل، وإنما هي بدل عن القصاص، وللأولياء أن يصالحوا عليها، أو أكثر منها، أو أقل، والعفو أفضل. * المعمول به في دية الرجل المسلم في بلاد الحرمين الآن: (مائة وعشرة آلاف ريال سعودي) في دية قتل العمد، ونصفها للأنثى، وللأولياء أن يطلبوا أقل، أو أكثر، أو يعفون. * تُقتل الجماعة بالواحد، وإن سقط القود أدَّوا دية واحدة، وإن أمر بالقتل غير مكلف، أو مكلفاً يجهل تحريمه فَقَتَل فالقود أو الدية على الآمر، وإن قتل المأمور المكلف عالماً بتحريم القتل فالضمان عليه دون الآمر. * إذا اشترك اثنان في قتل لا يجب القصاص على أحدهما لو انفرد، كأب وأجنبي، أو مسلم وكافر في قتل كافر، وجب القصاص على شريك الأب وعلى الكافر، ويعزر الآخران، فإن عدل إلى الدية فعلى شريك الأب نصف الدية، وعلى الكافر النصف أيضاً. * إذا قتل القاتل من يرثه سقط حقه من الميراث إن كان القتل عمداً. * القسامة: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. * تشرع القسامة في القتيل إذا وجد ولم يُعلم قاتله، واتُّهم به شخص ولم تكن بينة، وقامت القرائن على صدق المدعي. ¬

(¬1) حسن/ أخرجه الترمذي برقم (1387)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (1121). وأخرجه ابن ماجه برقم (2626)، صحيح سنن ابن ماجة رقم (2125).

* شروط القسامة:

* شروط القسامة: وجود العداوة، أو كون المتهم من المعروفين بالقتل، أو السبب البيِّن، كالتفرق عن قتل، واللطخ: وهو التكلم في عرضه، وأن يتفق الأولياء في الدعوى.

* صفة القسامة:

* صفة القسامة: إذا توفرت شروطها يُبدأ بالمدعين فيحلف خمسون رجلاً خمسين يميناً، توزع عليهم (أن فلاناً هو الذي قتله) فيثبت به القصاص، فإن امتنعوا عن الحلف أو لم يكملوا الخمسين، حلف المدعى عليهم خمسين يميناً إن رضوا، فإذا حلفوا برئ، وإن امتنع الورثة عن الأيمان ولم يرضوا بأيمان المدعى عليهم، فدى الإمام القتيل بالدية من بيت المال؛ لئلا يضيع دم المعصوم هدراً. * ويحرم أن يقتل الإنسان نفسه بأي وسيلة، ومن قتل نفسه متعمداً فعقوبته الخلود في النار. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردى من جبل فَقَتَلَ نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سُماً فقتل نفسه، فسُمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5778)، واللفظ له، ومسلم برقم (109).

* توبة القاتل عمدا:

* توبة القاتل عمداً: القاتل عمداً إذا تاب تاب الله عليه، ولكن لا تعفيه توبته من عقوبة القصاص؛ لأنه حق للمخلوق، فالقتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل، وحق للمقتول، وحق للولي. فإذا سَلَّم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي، نادماً على ما فعل، وخوفاً من الله، وتوبة نصوحاً، سقط حق الله بالتوبة، وسقط حق الولي بالاستيفاء أو الصلح أو العفو، وبقي حق المقتول، وشرط التوبة منه استحلاله وهو هنا متعذر، فيبقى تحت مشيئة الله سبحانه، ورحمته وسعت كل شيء.

2 - قتل شبه العمد

2 - قتل شبه العمد * قتل شبه العمد: هو أن يقصد بجناية لا تقتل غالباً إنساناً معصوم الدم ولم يجرحه بها فيموت بها المجني عليه، كمن ضربه في غير مقتل بسوط، أو عصا صغيرة، أو لكزه ونحو ذلك. فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، فسمي شبه عمد، ولا قصاص فيه. * حكم قتل شبه العمد: محرم؛ لأنه اعتداء على آدمي معصوم. * تجب الدية في قتل شبه العمد والخطأ مع الكفارة، أما قتل العمد العدوان فلا كفارة فيه؛ لأن إثمه لا يرتفع بالكفارة لعظمه وشدته. * يجب في قتل شبه العمد: الدية المغلظة والكفارة، كما يلي: 1 - الدية المغلظة: مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (( .. ألا إن دية الخطأ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادُها)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * تتحمل العاقلة هذه الدية أو قيمتها كما سبق، وتكون هذه الدية مؤجلة على ثلاث سنين. 2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وتجب الكفارة من مال الجاني خاصة؛ لمحو الإثم الذي ارتكبه. * لم يجب القصاص في شبه العمد؛ لأن الجاني لم يقصد القتل، ووجبت الدية؛ لضمان النفس المتلفة، وجُعلت مغلظة؛ لوجود قصد الاعتداء، وجعلت الدية على العاقلة؛ لأنهم أهل الرحمة والنصرة، ولزمت الكفارة الجاني عتقاً أو صياماً؛ لمحو الإثم. * يستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، فإن عفوا سقطت، أما الكفارة فهي لازمة للجاني. * يجوز تشريح الميت عند الضرورة لكشف الجريمة، ومعرفة سبب الوفاة باعتداء؛ صيانة لحق الميت، وصيانة لحق الجماعة من داء الاعتداء. كما يجوز عند الضرورة تشريح جثث الموتى من الكفار لكشف المرض، والتعلم والتعليم في مجال الطب. * قتل الغِيْلة: هو ما كان عمداً وعدواناً على وجه الحيلة والخداع، أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل، كمن يخدع إنساناً ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد ثم يقتله، أو يأخذ ماله قهراً ثم يقتله؛ لئلا يطالبه أو يفضحه ونحو ذلك، فهذا القتل غيلة يُقتل فيه القاتل مسلماً كان أو كافراً حداً لا قصاصاً، ولا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد، ولا خِيرة فيه لأولياء الدم. * من خلص نفسه من يد ظالم له فتلفت نفس الظالم أو شيء من أطرافه بذلك فلا دية له. ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4547)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3807). وأخرجه ابن ماجه برقم (2628)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2127). وانظر الإرواء رقم (2197).

3 - قتل الخطأ

3 - قتل الخطأ * قتل الخطأ: هو أن يفعل ما له فعله، مثل أن يرمي صيداً أو غرضاً فيصيب آدمياً معصوماً لم يقصده فيقتله، ويلحق به: عمد الصبي، والمجنون، والقتل بالتسبب.

* قتل الخطأ ينقسم إلى قسمين:

* قتل الخطأ ينقسم إلى قسمين: 1 - قسم فيه الكفارة على القاتل، والدية على العاقلة، وهو قتل المؤمن خطأ في غير صف القتال، أو كان القتيل من قوم بيننا وبينهم ميثاق، فتجب الدية المخففة على العاقلة، والكفارة على الجاني كما يلي: 1 - الدية المخففة: مائة من الإبل، لما روى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشْرة بني لبونٍ ذكرٍ. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * تتحمل العاقلة هذه الدية أو قيمتها حسب كل عصر، والمعمول به الآن في بلاد الحرمين في دية قتل الخطأ (مائة ألف ريال سعودي) ونصفها للأنثى، وتكون هذه الدية مؤجلة على ثلاث سنين. 2 - الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، وتجب الكفارة في مال الجاني خاصة؛ لمحو الإثم الذي ارتكبه. * يستحب لأولياء القتيل العفو عن الدية، ولهم الأجر من الله عز وجل، فإن عفوا سقطت، أما الكفارة فهي لازمة للجاني. 2 - وقسم تجب فيه الكفارة فقط، وهو المؤمن الذي يقتله المسلمون بين الكفار في بلادهم يظنونه كافراً، فلا دية على قاتله بل عليه الكفارة: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء/92). ¬

(¬1) حسن / أخرجه أبو داود برقم (4541)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3805). وأخرجه ابن ماجه برقم (2630)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2128).

* حكم قضاء الصيام عن الميت:

* حكم قضاء الصيام عن الميت: من مات وعليه صيام واجب كرمضان أو صوم شهرين متتابعين كفارة أو صوم نذر فلا يخلو من حالين: 1 - إما أن يكون قادراً على الصيام فلم يصم فيصوم عنه وليّه أو أولياؤه يتقاسمون الأيام بشرط التتابع يصوم الأول ثم الثاني وهكذا حتى تنتهي الأيام. 2 - وإن كان معذوراً بمرض ونحوه فلا يلزم عنه القضاء ولا الإطعام. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1952)، ومسلم برقم (1147).

* عاقلة الإنسان:

* عاقلة الإنسان: في قتل شبه العمد وقتل الخطأ تكون الدية على العاقلة، والكفارة على القاتل، وعاقلة الإنسان هم: الذكور من عصبته كلهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، يبدأ بالأقرب فالأقرب، ويدخل فيهم أصول الرجل دون فروعه، وتحمل العاقلة ما فوق الثلث من الدية. ولا تحمل العاقلة دية العمد، ولا دية العبد جانياً أو مجنياً عليه، ولا ما دون ثلث الدية، ولا الصلح، ولا الاعتراف. ولا عقل على غير مكلف، ولا على أنثى، ولا على فقير، ولا على مخالف لدين الجاني.

3 - القصاص فيما دون النفس

3 - القصاص فيما دون النفس • * إذا كانت الجناية عمداً، فالقصاص فيما دون النفس نوعان:. • * شروط القصاص في الأطراف:. • * شروط استيفاء القصاص في الأطراف:.

* إذا كانت الجناية عمدا، فالقصاص فيما دون النفس نوعان:

* إذا كانت الجناية عمداً، فالقصاص فيما دون النفس نوعان: 1 - الأول: في الأطراف: فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والذكر، والخصية ونحوها، كل واحد من ذلك بمثله. قال الله تعالى في بيان ذلك: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (المائدة/45).

* شروط القصاص في الأطراف:

* شروط القصاص في الأطراف: أن يكون المجني عليه معصوماً، وأن يكون مكافئاً للجاني في الدين، فلا يقتص من مسلم لكافر، وأن يكون الجاني مكلفاً، والمجني عليه غير ولد للجاني، وكانت الجناية عمداً، فإذا تحققت هذه الشروط وجب استيفاء القصاص إذا توفرت الشروط الآتية:

* شروط استيفاء القصاص في الأطراف:

* شروط استيفاء القصاص في الأطراف: 1 - الأمن من الحيف: وذلك بأن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إليه. 2 - المماثلة في الاسم والموضع: فتؤخذ العين بالعين مثلاً، ولا تؤخذ يمين بيسار، ولا خنصر ببنصر وهكذا. 3 - الاستواء في الصحة والكمال: فلا تؤخذ يد أو رجل صحيحة بشلاء، ولا عين صحيحة بعين لا تبصر، ويؤخذ عكسه ولا أرش. * إذا تحققت هذه الشروط جاز استيفاء القصاص، وإن لم تتحقق سقط القصاص وتعينت الدية. 2 - الثاني: في الجروح: فإذا جرحه عمداً فعليه القصاص. * يشترط لوجوب القصاص في الجروح ما يشترط لوجوب القصاص في النفس، مع إمكان استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة، وذلك بأن يكون الجرح منتهياً إلى عظم كالموضحة: وهي كل جرح ينتهي إلى عظم في سائر البدن كالرأس، والفخذ، والساق ونحوها. * إذا لم يمكن استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة سقط القصاص وتعينت الدية. * يستحب العفو عن القصاص في الأطراف والجروح إلى الدية، وأفضل من ذلك العفو مجاناً، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، ويستحب طلبه ممن يملكه. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رُفع إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم شيء فيه القصاص، إلا أمر فيه بالعفو. أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * سراية الجناية مضمونة بقود أو دية في النفس وما دونها، فلو قطع أصبعاً فتآكلت حتى سقطت اليد وجب القود في اليد، وإن سرت الجناية إلى النفس فمات المجني عليه وجب القصاص. * من مات في حد كالجلد والسرقة ونحوهما، أو في قصاص في الأطراف والجراح فديته من بيت المال. * لا يقتص من طرف أو عضو أو جرح قبل برئه؛ لاحتمال سراية الجناية في البدن، كما لا يطلب له دية حتى يبرأ؛ لاحتمال السراية إلى غيره. * من ضرب غيره بيده، أو بعصا، أو سوط، أو لطمه اقتص منه، وفُعل بالجاني عليه كما فُعل به، فلطمة بلطمة، وضربة بضربة في محلها، بالآلة التي لطمه بها أو مثلها إلا أن يعفو. * من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية له ولا قصاص. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ((لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)). متفق عليه (¬2). * نقل الدم من إنسان إلى آخر يجوز عند الضرورة، وعدم وجود بديل له مباح، إذا قام به طبيب ماهر، وغلب على الظن نفع التغذية به، ورضي المأخوذ منه مع عدم تضرره، فتجوز التغذية به بقدر ما ينقذ المريض من الهلكة. * يجوز جمع الدم في (بنوك الدم)، تحسُّباً لوجود المضطر، ومفاجأة الأحوال كالحوادث، وحالات الولادة، وغير ذلك من حالات نزيف الدم. ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4497)، صحيح سنن أبي داود رقم (3774). وأخرجه ابن ماجه برقم (2692)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2180). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6902)، واللفظ له، ومسلم برقم (2158).

4 - دية النفس

4 - دية النفس • * دية المسلم مائة من الإبل، فإن غلت الإبل أخذ بدلها:. • * دية أهل الكتاب:. • * يتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية:.

* دية المسلم مائة من الإبل، فإن غلت الإبل أخذ بدلها:

* دية المسلم مائة من الإبل، فإن غلت الإبل أخذ بدلها: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قام خطيباً فقال: .. ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحُلل مائتي حُلّة قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية. أخرجه أبو داود والبيهقي (¬1). * الأصل في الدية الإبل، والأجناس الأخرى أبدال عنها. * ألف دينار من الذهب= 4250 جراماً. * دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل. * تجب الدية على كل من أتلف إنساناً، سواء كان التالف مسلماً، أو ذمياً مستأمناً أو معاهداً، فإن كانت الجناية عمداً وجبت الدية حالَّة من مال الجاني، وإن كانت الجناية شبه عمد أو خطأ وجبت الدية على عاقلة الجاني مؤجلة ثلاث سنين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3166).

* دية أهل الكتاب:

* دية أهل الكتاب: الرجل منهم ديته نصف دية المسلم، والمرأة منهما نصف دية المرأة المسلمة، سواء كانت دية النفس، أو الأطراف، أو الجراح، وسواء كان القتل عمداً أو خطأ. * دية المشرك والوثني والمجوسي ثلثي عشر دية المسلم، ونساؤهم على النصف. * دية الجنين إذا سقط ميتاً بجناية على أمه غُرَّة عبد أو أمة، قيمتها خمس من الإبل، عُشر دية أمه، ودية الرقيق قيمته قلت أو كثرت. * إذا انقلبت سيارة، أو اصطدمت مع غيرها، وكان ذلك ناتجاً عن تعد أو تفريط من السائق فإنه يضمن كل ما نتج عن ذلك، وإن مات أحد لزمته الدية والكفارة، وإن وقع الحادث بغير تعد منه ولا تفريط، كما لو كانت عجلة السيارة سليمة ثم انفجرت فلا دية عليه ولا كفارة.

* يتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية:

* يتحمل بيت المال الديون والديات في الأحوال الآتية: 1 - إذا مات أحد المسلمين وعليه دين ولم يخلف وفاء، فعلى ولي الأمر قضاؤه من بيت المال. 2 - إذا قتل أحد خطأ أو شبه عمد، ولم تكن له عاقلة موسرة، فالدية تؤخذ من الجاني، فإن كان معسراً أخذت من بيت المال. 3 - كل مقتول لم يُعلم قاتله كمن مات في زحام، أو طواف، أو نحوهما، فديته من بيت المال. 4 - إذا حكم القاضي بالقسامة ونكل الورثة عن حلف الأيمان ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال. * إذا أدب السلطان رعيته، أو أدب الرجل ولده، أو معلماً صبيه، ولم يسرف، لم يضمن ما تلف به. * من استأجر شخصاً مكلفاً ليحفر له بئراً، أو يصعد شجرة ونحوها، ففعل فهلك بسبب ذلك لم يضمنه الآمر. * يحرم قتل الذمي مستأمناً أو معاهداً، ومن قتله فقد ارتكب إثماً عظيماً، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قتل معاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)). أخرجه البخاري (2).

5 - الدية فيما دون النفس

5 - الدية فيما دون النفس • * الدية فيما دون النفس من الأطراف والجراح تنقسم إلى ثلاثة أقسام. 1 - القسم الأول: دية الأعضاء ومنافعها:. • 2 - القسم الثاني: دية الشجاج والجروح:. • فالخمس التي فيها حكومة هي:. • وأما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي:. • 3 - القسم الثالث: دية العظام:.

* الدية فيما دون النفس من الأطراف والجراح تنقسم إلى ثلاثة أقسام. 1 - القسم الأول: دية الأعضاء ومنافعها:

* الدية فيما دون النفس من الأطراف والجراح تنقسم إلى ثلاثة أقسام. 1 - القسم الأول: دية الأعضاء ومنافعها: 1 - ما كان في الإنسان منه شيء واحد: ففيه دية النفس كالأنف، واللسان، والذكر، واللحية، ومثلها ذهاب السمع، والبصر، والكلام، والعقل، والصُّلب ونحوها. 2 - ما كان في الإنسان منه شيئان: كالعينين، والأذنين، والشفتين، والبيضتين واليدين، والرجلين، واللحيين ونحوها ففي كل واحد منهما نصف الدية، وفيهما معاً الدية كاملة، فإن ذهبت منفعة أحدهما ففيه نصف الدية، وإن ذهبت منفعتهما معاً فالدية كاملة، وفي عين الأعور الصحيحة إذا ذهبت الدية كاملة. 3 - ما كان في الإنسان منه أربعة أشياء: كأجفان العينين الأربعة، ففي كل واحد ربع الدية، وفي جميعها الدية كاملة. 4 - ما كان في الإنسان منه عشرة: كأصابع اليدين والرجلين، ففي كل أصبع عشر الدية، وفي العشرة جميعاً الدية، وفي أنملة كل أصبع ثلث دية الأصبع، وفي أنملة الإبهام نصف ديته، وإن ذهبت منفعة أصبع ففيه عُشر الدية، وإن ذهبت منافع الأصابع ففيها الدية كاملة. 5 - الأسنان: أسنان الإنسان اثنان وثلاثون، أربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربعة أنياب وعشرون ضرساً في كل جانب عشرة، ويجب في كل واحد من الأسنان خمس من الإبل. * تجب الدية كاملة في كل واحد من الشعور الأربعة إذا ذهبت، وهي: شعر الرأس، وشعر اللحية، وشعر الحاجبين، وأهداب العينين، وفي الحاجب الواحد نصف الدية، وفي الهدب الواحد ربع الدية. وفي اليد الشلاء، والعين التي لا تبصر، والسن السوداء، في كل واحدة إذا ذهبت ثلث ديتها.

2 - القسم الثاني: دية الشجاج والجروح:

2 - القسم الثاني: دية الشجاج والجروح: * الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة، والشجاج عشر: خمس فيها حكومة، وخمس فيها مقدر شرعي من الدية.

فالخمس التي فيها حكومة هي:

فالخمس التي فيها حكومة هي: 1 - الحارصة: وهي تحرص الجلد وتشقه ولا تظهر منه دم. 2 - البازلة: وهي التي يسيل منها الدم القليل. 3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم. 4 - المتلاحمة: وهي الغائصة في اللحم. 5 - السمحاق: وهي التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة تسمى السمحاق. * هذه الشجاج الخمس المتقدمة ليس فيها دية مقدرة بل فيها حكومة. والحكومة: أن يقوّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوّم وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية، ويجتهد الحاكم في تقديرها.

وأما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي:

وأما الخمس التي فيها مقدر شرعي فهي: 6 - الموضحة: وهي التي وصلت إلى العظم وأوضحته، وديتها المقدرة شرعاً: خمس من الإبل. 7 - الهاشمة: وهي التي توضح العظم وتهشمه، وفيها عشر من الإبل. 8 - المُنَقِّلَة: وهي التي توضح العظم وتهشمه وتنقله، وفيها خمس عشرة من الإبل. 9 - المأمومة: وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية. 10 - الدامغة: وهي التي تخرق جلدة الدماغ، وفيها ثلث الدية أيضاً. * إذا كان الجرح في سائر البدن، فإن بلغ الجوف ففيه ثلث الدية، وإن لم يبلغ الجوف ففيه خصومة. * الجائفة: هي الجرح الذي يصل إلى باطن الجوف، أو الظهر، أو الصدر، أو الحلق ونحوها، وفيها ثلث الدية.

3 - القسم الثالث: دية العظام:

3 - القسم الثالث: دية العظام: * الضلع إذا كُسر ثم جُبر مستقيماً ففيه بعير. * الترقوة إذا كسرت ثم جبرت مستقيمة ففيها بعير، وفي الترقوتين بعيران. * وفي كسر الذراع، أو العضد، أو الفخذ، أو الساق إذا جبر مستقيماً بعيران. * إذا لم تجبر العظام السابقة مستقيمة ففيها حكومة، والصُّلب إذا كسر فلم ينجبر ففيه الدية. * بقية العظام ليس فيها شيء مقدر بل فيها حكومة. * وفي أحكام ما سبق روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات: وفيه: (( ... وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أُوعب جدعُه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرِّجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمُومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشْرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرَّجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار)). أخرجه النسائي والدارمي (¬1). * دية المرأة إذا قُتلت خطأ نصف دية الرجل، وكذلك دية أطرافها وجراحاتها على النصف من دية الرجل وجراحاته. عن شريح قال: أتاني عُروة البارقي من عند عُمر أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السن والموضحة، وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل. أخرجه ابن أبي شيبة (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (4853)، صحيح سنن النسائي رقم (4513). وأخرجه الدارمي برقم (2277)، انظر إرواء الغليل رقم (2212). وانظر نصب الراية (2/ 342). (¬2) صحيح / أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (27487). انظر إرواء الغليل رقم (2250).

الحدود

الحدود • * أقسام الحدود:. • * حكمة مشروعية الحدود:. • * حدود الله:. • * الفرق بين القصاص والحدود:. • * من يقام عليه الحد:. • * فضل الستر على النفس والغير:. • * حكم الشفاعة في الحدود:. • * حكم الصلاة على المقتول:. • 1 - حد الزنى. • 2 - حد القذف. • 3 - حد الخمر. • 4 - حد السرقة. • 5 - حد قطاع الطريق. • 6 - حد أهل البغي.

* أقسام الحدود:

* أقسام الحدود: الحدود في الإسلام ستة، وهي: حد الزنى، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، وقطاع الطريق، وأهل البغي، ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة محددة شرعاً.

* حكمة مشروعية الحدود:

* حكمة مشروعية الحدود: أمر الله عز وجل بعبادته وطاعته، وفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وحدَّ حدوداً لمصالح عباده، ووعد على الالتزام بشرعه الجنة، وعلى مخالفته النار، فإذا جمحت نفس الإنسان وقارفت الذنب فتح الله لها باب التوبة والاستغفار. لكنها إذا أصرت على معصية الله وأبت إلا أن تغشى حماه، وتتجاوز حدوده كالتعدي على أموال الناس وأعراضهم فلا بد من كبح جماحها بإقامة حدود الله تعالى؛ ليتحقق للأمة الأمن والطمأنينة، والحدود كلها رحمة من الله تعالى، ونعمة على الجميع. * حياة الإنسان قوامها حفظ الضرورات الخمس، وإقامة الحدود تحمي تلك الضرورات، وتحافظ عليها، فبالقصاص تُصان الأنفس، وبإقامة حد السرقة تُصان الأموال، وبإقامة حد الزنى والقذف تُصان الأعراض، وبإقامة حد السكر تُصان العقول، وبإقامة حد الحرابة يُصان الأمن والمال والأنفس والأعراض، وبإقامة الحدود كلها يصان الدين كله. * الحدود زواجر عن المعاصي، وجوابر لمن أقيمت عليه، تطهره من دنس الجريمة وإثمها، وتردع غيره عن الوقوع فيما وقع فيه.

* حدود الله:

* حدود الله: هي محارمه التي منع من ارتكابها وانتهاكها كالزنى، والسرقة ونحوهما، وحدوده ما حدَّه وقدَّره كالمواريث، والحدود المقدرة الرادعة عن محارم الله كحد الزنى والقذف ونحوهما مما حده الشرع لا تجوز فيه الزيادة ولا النقصان.

* الفرق بين القصاص والحدود:

* الفرق بين القصاص والحدود: جرائم القصاص الحق فيها لأولياء القتيل، والمجني عليه نفسه إن كان حياً من حيث استيفاء القصاص، أو العفو، والإمام منفذ لطلبهم. أما الحدود: فأمرها إلى الحاكم، فلا يجوز إسقاطها بعد أن تصل إليه، وكذلك جرائم القصاص قد يعفى عنها ببدل كالدية، أو يُعفى عنها بلا مقابل، أما الحدود فلا يجوز العفو عنها ولا الشفاعة فيها مطلقاً بعوض أو بدون عوض.

* من يقام عليه الحد:

* من يقام عليه الحد: لا يقام الحد إلا على بالغ، عاقل، متعمد، ذاكر، عالم بالتحريم، ملتزم لأحكام الإسلام من مسلم وذمي. 1 - عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)). أخرجه أحمد وأبو داود (¬1). 2 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)). أخرجه ابن ماجه (¬2). 3 - ولما نزلت: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة/286)، قال الله: (قد فعلت). أخرجه مسلم (¬3). * يجوز تأخير إقامة الحد لعارض يترتب عليه مصلحة للإسلام كما في الغزو، أو يترتب عليه مصلحة للمحدود ذاته كما في تأخيره عنه لحر أو برد، أو مرض، أو لمصلحة من تعلق به كالحمل والرضيع ونحوهما. * يتولى إقامة الحد إمام المسلمين، أو من ينيبه، بحضرة طائفة من المؤمنين، في مجامع الناس، ولا تقام الحدود في المساجد. * يجوز إقامة الحدود والقصاص في مكة فالحرم لا يعيذ جانياً، فمن وجب عليه حد من حدود الله تعالى سواء كان جلداً أو حبساً أو قتلاً أقيم عليه الحد في الحرم وغيره. * يكون الجلد بسوط لا جديد ولا خَلِق، ولا يُجرَّد المضروب من ملابسه، ويُفرَّق الضرب على بدنه، ويَتقي الوجه، والرأس، والفرج، والمقاتل، وتُشد على المرأة ثيابها. * إذا اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد بأن زنى مراراً، أو سرق مراراً تداخلت، فلا يُحد إلا مرة واحدة، وإن كانت من أجناس كبكر زنى وسرق وشرب الخمر فلا تتداخل، ويبدأ بالأخف، فيُجلد للشرب، ثم للزنى، ثم يُقطع. * أشد الجلد في الحدود جلد الزنى، ثم جلد القذف، ثم جلد الشرب. * من أقر بحد عند الإمام ولم يبينه فالسنة أن يستر عليه ولا يسأله عنه. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبحت حداً، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: ((أليس قد صليت معنا؟)). قال: نعم، قال: ((فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك)). متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940)، انظر الإرواء رقم (297). وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (3703). (¬2) صحيح/ أخرجه ابن ماجه برقم (2043)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1662). (¬3) أخرجه مسلم برقم (126). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6823)، واللفظ له، ومسلم برقم (2764).

* فضل الستر على النفس والغير:

* فضل الستر على النفس والغير: يستحب لمن أتى ذنباً أن يستر نفسه ويتوب إلى الله، ويستحب لمن علم به أن يستر عليه ما لم يعلن بفجوره حتى لا تشيع الفاحشة في الأمة. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل أمتي مُعافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نَفَّس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسْلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)). أخرجه مسلم (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6069)، واللفظ له، ومسلم برقم (2990). (¬2) أخرجه مسلم برقم (2699).

* حكم الشفاعة في الحدود:

* حكم الشفاعة في الحدود: يجب إقامة الحد على القريب والبعيد، والشريف والوضيع، وإذا بلغت الحدود الحاكم حَرُم أن يشفع في إسقاطها أحد، أو يعمل على تعطيلها، ويحرم على الحاكم قبول الشفاعة، ويجب عليه إقامة الحد إذا بلغه، ولا يجوز أخذ المال من الجاني ليسقط عنه الحد. ومن أخذ المال من الزاني أو السارق أو الشارب ونحوهم ليعطل حدود الله فقد جمع بين فسادين عظيمين: تعطيل الحد، وأكل السحت، وترك الواجب، وفعل المحرم. عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟)) ثم قام فخطب فقال: ((يا أيها الناس إنما ضَلَّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788)، واللفظ له، ومسلم برقم (1688).

* حكم الصلاة على المقتول:

* حكم الصلاة على المقتول: المقتول قصاصاً أو حداً أو تعزيراً إن كان مسلماً يُغسَّل ويُصلى عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين، والمقتول مرتداً كافر لا يُغسَّل ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، فيحفر له حفرة ويوارى فيها كالكافر. * الجرائم لا يحسمها ويقي المجتمع من شرها إلا إقامة الحدود الشرعية على مرتكبيها، أما أخذ الغرامة المالية، أو سجنهم ونحو ذلك من العقوبات الوضعية فهو ظلم وضياع وزيادة شر.

1 - حد الزنى

1 - حد الزنى • * حكم الزنى:. • * أضرار الزنى:. • * سبل الوقاية من الزنى:. • * زنى الجوارح:. • * عقوبة الزاني:. • * يشترط لوجوب الحد في الزنى ثلاثة شروط:. • * حكم من زنى بذات محرم:. • * عمل قوم لوط:. • * حكم عمل قوم لوط:.

* حكم الزنى:

* حكم الزنى: الزنى محرم، وهو من أعظم الجرائم، وأكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وهو يتفاوت في الشناعة والقبح، فالزنى بذات زوج، والزنى بذات المحرم، والزنى بحليلة الجار من أعظم أنواعه.

* أضرار الزنى:

* أضرار الزنى: مفسدة الزنى من أعظم المفاسد، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الفروج، وحفظ الحرمات، والزنى يجمع خلال الشر كلها، ويفتح على العبد أبواباً من المعاصي، ويولِّد الأمراض النفسية والقلبية، ويورث الفقر والمسكنة، ونفور العباد من الزناة، وسقوطهم من أعينهم، ويولد سيماء الفساد في وجه فاعله، ووحشته من الناس. وللزنى عقوبة شديدة، فعقوبته في الدنيا: الحد الصارم بالرجم للمحصن، والجلد والتغريب لغير المحصن، وعقوبته في الآخرة إن لم يتب: الوعيد الشديد، حيث يُحشر الزناة والزواني عراة في تنور في نار جهنم. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان/68 - 70). * المحصن: هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح وهما حران مكلفان.

* سبل الوقاية من الزنى:

* سبل الوقاية من الزنى: نظم الإسلام بالنكاح الشرعي أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية وحفظ النسل، ومَنَعَ أي تصرف في غير هذا الطريق المشروع فأمر بالحجاب، وغض البصر، ونهى عن ضرب النساء بالأرجل، والتبرج، والاختلاط، وإبداء الزينة، وخلو الرجل بالأجنبية، أو مصافحتها، كما نهى عن سفر المرأة بغير محرم، وذلك كله لئلا يقع كل من الرجل والمرأة في فاحشة الزنى.

* زنى الجوارح:

* زنى الجوارح: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْلُ زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6243)، ومسلم برقم (2657)، واللفظ له.

* عقوبة الزاني:

* عقوبة الزاني: 1 - عقوبة الزاني المحصن: هي أن يرجم بالحجارة حتى يموت رجلاً كان أو امرأة، مسلماً أو كافراً. 2 - عقوبة الزاني غير المحصن: هي أن يُجلد مائة جلدة، ويغرَّب سنة رجلاً كان أو امرأة، والرقيق يُجلد خمسين جلدة، ولا يغرَّب رجلاً كان أو امرأة. * إذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد فإنها تحد إن لم تَدَّع شبهة أو إكراهاً. ومن استكره امرأة على الزنى فعليه الحد دونها؛ لأنها معذورة ولها المهر.

* يشترط لوجوب الحد في الزنى ثلاثة شروط:

* يشترط لوجوب الحد في الزنى ثلاثة شروط: 1 - تغييب حشفة أصلية كلها في قُبل امرأة حية. 2 - انتفاء الشبهة، فلا حد على من وطئ امرأة ظنها زوجته ونحوه. 3 - ثبوت الزنى: 1 - إما بالإقرار: بأن يُقر به من عُرف بالعقل مرة واحدة، ويقر به أربع مرات من كان متهماً في ضعف عقله، وفي كليهما يصرح بحقيقة الوطء، ويستمر على إقراره إلى إقامة الحد عليه. 2 - وإما بالشهادة: بأن يشهد عليه بالزنى أربعة رجال عدول مسلمين. * يقام حد الزنى على الزاني مسلماً كان أو كافراً؛ لأنه حد ترتب على الزنى فوجب على الكافر كوجوب القود في القتل والقطع في السرقة. * إذا زنى المحصن بغير المحصنة، فلكلٍّ حده من رجم، أو جلد وتغريب. * إذا زنى الحر بأمة وعكسه بأن زنت حرة بعبد فلكل واحد حكمه في الحد. * يقام الحد على الزاني إذا كان مكلفاً، مختاراً، عالماً بالتحريم، بعد ثبوته عند الحاكم بإقرار أو شهادة، مع انتفاء الشبهة. * لا يحفر للمرجوم في الزنى رجلاً كان أو امرأة، لكن المرأة تُشد عليها ثيابها؛ لئلا تنكشف. * أيما امرأة حبلت من الزنى، أو اعترفت به فالإمام أول من يرجم، ثم الناس، فإن ثبت حد الزنى بشهادة أربعة شهود فهم أول من يرجم، ثم الإمام، ثم الناس. * الجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، أما الجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام فهذا عذر، فمن يعلم أن الزنى حرام ولا يعلم أن حده الرجم أو الجلد فهذا لا يعذر بجهله، بل يقام عليه الحد وهكذا. * إذا زنى رجل وهو متزوج فلا تحرم عليه زوجته، وكذا لو زنت المرأة لا تحرم على زوجها، لكنهما ارتكبا إثماً عظيماً، فعليهما التوبة والاستغفار. 1 - قال الله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء/32). 2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعل لله ندَّاً وهو خَلَقَك)) قال: قلت له إن ذلك لعظيم، قال قلت ثم أيّ؟ قال: ((ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك)) قلت ثم أيّ؟ قال: ((ثم أن تزاني حليلة جارك)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6811)، ومسلم برقم (86)، واللفظ له.

* حكم من زنى بذات محرم:

* حكم من زنى بذات محرم: من زنى بذات محرم كأخته وبنته وامرأة أبيه ونحوهم وهو عالم بتحريم ذلك وجب قتله. عن البراء رضي الله عنه قال: أصبت عمي ومعه رايةٌ فقلت أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله. أخرجه الترمذي والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح، أخرجه الترمذي برقم (1362)، صحيح سنن الترمذي رقم (1098). وأخرجه النسائي برقم (3332)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (3124).

* عمل قوم لوط:

* عمل قوم لوط: هو فعل الفاحشة في الدبر، والاستغناء بالرجال عن النساء، وهو من أكبر الجرائم المفسدة للخُلُق والفطرة، وعقوبته أغلظ من عقوبة الزنى؛ لغلظ حرمته، وهو شذوذ جنسي خطير يسبب الأمراض النفسية والبدنية الخطيرة، وقد خسف الله بمن فعله، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، ولهم النار يوم القيامة. قال الله تعالى (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (الأعراف/80 - 84).

* حكم عمل قوم لوط:

* حكم عمل قوم لوط: عمل قوم لوط محرم، وعقوبته: أن يقتل الفاعل والمفعول به محصناً أو غير محصن بما يراه الإمام من قتل بالسيف، أو رجم بالحجارة ونحوهما لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). * السحاق: هو إتيان المرأة المرأة، وهو محرم، وفيه التعزير. * الاستمناء باليد أو نحوها حرام، وفي الصوم وقاية منه. 1 - قال الله تعالى مبيناً ما يباح للإنسان: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (¬2) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ) (المؤمنون/5 - 7). 2 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسُول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). متفق عليه (5). * من وقع على بهيمة عُزِّر بما يراه الإمام، وتُذبح البهيمة. ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (4462)، صحيح سنن أبي داود رقم (3745). وأخرجه الترمذي برقم (1456)، صحيح سنن الترمذي رقم (1177). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5066)، ومسلم برقم (1400)، واللفظ له.

2 - حد القذف

2 - حد القذف • * حكمة مشروعية حد القذف:. • * حكم القذف:. • * ألفاظ القذف:. • * يشترط لوجوب حد القذف ما يلي:.

* حكمة مشروعية حد القذف:

* حكمة مشروعية حد القذف: حث الإسلام على حفظ الأعراض عما يدنسها ويشينها، وأمر بالكف عن أعراض الأبرياء، وحرم الوقوع في أعراضهم بغير حق؛ صيانة للأعراض وحماية لها من التلوث. وبعض النفوس تُقدِم على ما حَرَّم الله من قذف، وتدنيس أعراض المسلمين لنوايا مختلفة، ولما كانت النوايا من الأمور الخفية كُلِّفَ القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف ثمانين جلدة.

* حكم القذف:

* حكم القذف: القذف محرم، وهو من الكبائر، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات غليظة في الدنيا والآخرة. 1 - قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) (النور/4). 2 - قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور/23). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)). متفق عليه (¬1). * حد القذف: ثمانون جلدة للحر، وأربعون جلدة للعبد. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766)، واللفظ له، ومسلم برقم (89).

* ألفاظ القذف:

* ألفاظ القذف: 1 - القذف الصريح: كأن يقول: يا زاني، يا لوطي، يا عاهر، يا منيوكة ونحوها. 2 - الكناية: أن يقول ما يحتمل القذف وغيره، كقوله: يا قحبة، يا فاجرة ونحوهما، فإن قصد الرمي بالزنى حد للقذف، وإن لم يقصده لم يحد وعُزر.

* يشترط لوجوب حد القذف ما يلي:

* يشترط لوجوب حد القذف ما يلي: 1 - أن يكون القاذف مكلفاً مختاراً ليس والداً للمقذوف. 2 - أن يكون المقذوف مسلماً مكلفاً حراً عفيفاً يجامع مثله. 3 - أن يطالب المقذوف بالحد. 4 - أن يقذفه بالزنى الموجب للحد، ولم يثبت قذفه. * يثبت حد القذف إذا أقر القاذف على نفسه، أو شهد عليه رجلان عدلان بالقذف. * يسقط حد القذف إذا اعترف المقذوف بالزنى، أو قامت عليه البينة بالزنى، أو قذف الرجل زوجته ولاعنها. * إذا ثبت حد القذف ترتب عليه: الجلد، عدم قبول شهادة القاذف إلا بعد التوبة، الحكم عليه بالفسق حتى يتوب. * إذا قذف غيره بغير الزنى أو اللواط وهو كاذب فقد ارتكب محرماً، ولا يحد حد القذف، ولكن يعزر بما يراه الحاكم ملائماً لما حصل منه. * مثال القذف بغير الزنى: أن يرميه بالكفر، أو النفاق، أو السكر، أو السرقة، أو الخيانة ونحو ذلك. * تحصل توبة القاذف بالاستغفار، والندم، والعزم على أن لا يعود، وأن يكذب نفسه فيما رمى غيره به.

3 - حد الخمر

3 - حد الخمر • * حكمة تحريم الخمر:. • * يثبت حد الخمر بأحد أمرين:. • * عقوبة شارب الخمر:. • * حكم المخدرات. • * حكم المفترات:.

* حكمة تحريم الخمر:

* حكمة تحريم الخمر: الخمر أم الخبائث، ويحرم تعاطيها بأي صورة كانت، شرباً، أو بيعاً، أو شراء، أو تصنيعاً، أو أي خدمة تؤدي إلى شربها، وهي تغطي عقل شاربها فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح، والمال والولد، والعرض والشرف، والفرد والمجتمع، وهي تزيد في ضغط الدم، وتسبب له ولأولاده البله والجنون والشلل والميل إلى الإجرام. والسكر لذة ونشوة يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، ومن أجل ذلك حرمها الإسلام وشرع عقوبة رادعة لمتعاطيها. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) (المائدة/90 - 91). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مُؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6772)، واللفظ له، ومسلم برقم (57).

* يثبت حد الخمر بأحد أمرين:

* يثبت حد الخمر بأحد أمرين: 1 - إقرار شاربها بأنه شرب الخمر. 2 - شهادة شاهدين عدلين.

* عقوبة شارب الخمر:

* عقوبة شارب الخمر: 1 - إذا شرب المسلم الخمر مختاراً عالماً أن كثيره يسكر فعليه الحد أربعون جلدة، وللإمام أن يبلغ به الثمانين تعزيراً إن رأى انهماك الناس في الشراب. 2 - من شرب الخمر في المرة الأولى جُلد حد الخمر، فإن شرب ثانية جُلد، فإن شرب ثالثة جُلد، فإن شرب رابعة فللإمام حبسه أو قتله تعزيراً؛ صيانة للعباد، وردعاً للفساد. 3 - من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن أُدخل الجنة، ولا يدخل الجنة مدمن خمر، ومن شربها وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، ومن كرر شربها سقاه الله يوم القيامة من عصارة أهل النار. * يجوز للإمام التعزير بكسر أواني الخمر وتحريق أمكنة الخمارين بحسب المصلحة فيما يراه رادعاً وزاجراً عن شربها.

* حكم المخدرات

* حكم المخدرات المخدرات داء عضال تسبب الشرور والأمراض، ويحرم تعاطيها، وتهريبها وترويجها، والتجارة فيها، وللإمام عقوبة من فعل ذلك بما يحقق المصلحة من قتل، أو جلد، أو سجن، أو غرامة؛ قطعا لدابر الشر والفساد، وحفظاً للأنفس والأموال والأعراض والعقول. * ولخطر المخدرات العظيم، وضررها المهلك، أفتى بعض كبار العلماء بما يلي: 1 - مهرب المخدرات عقوبته القتل؛ لعظيم ضرره وشره. 2 - مروج المخدرات بالبيع، والشراء، أو التصنيع، أو الاستيراد، أو الإهداء في المرة الأولى يعزر تعزيراً بليغاً بالحبس، أو الجلد، أو المال، أو بها كلها حسب رأي الحاكم، وإن تكرر منه ذلك فيعزر بما يقطع شره عن الأمة حتى ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا من المفسدين في الأرض.

* حكم المفترات:

* حكم المفترات: المفترات تسبب الفتور والخدر في البدن كالدخان، والجراك، والقات، ونحوها مما لا يصل إلى حد الإسكار، ولا يغيب العقل، وهي محرمة لا يجوز تعاطيها لضررها الصحي، والبدني، والمالي، والعقلي. * عقوبة تعاطي المفترات عقوبة تعزيرية يقدرها الحاكم حسب ما يحقق المصلحة.

4 - حد السرقة

4 - حد السرقة • * حكمة مشروعية حد السرقة:. • * عقوبة السارق:. • * حد السرقة:. • * نصاب السرقة:.

* حكمة مشروعية حد السرقة:

* حكمة مشروعية حد السرقة: صان الله الأموال بإيجاب قطع يد السارق، فإن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، وفي قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بسرقة أموال الناس، وتطهير للسارق من ذنبه، وإرساء لقواعد الأمن والطمأنينة في المجتمع، وحفظ لأموال الأمة.

* عقوبة السارق:

* عقوبة السارق: 1 - قال الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/38 - 39). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده)). متفق عليه (¬1). * يجب القطع في حد السرقة إذا توفرت الشروط الآتية: 1 - أن يكون السارق مكلفاً (وهو البالغ العاقل)، مختاراً، مسلماً كان أو ذمياً. 2 - أن يكون المسروق مالاً محترماً، فلا قطع بسرقة آلة لهو أو خمر ونحوهما. 3 - أن يبلغ المال المسروق نصاباً، وهو ربع دينار من الذهب فصاعداً، أو عرض قيمته ربع دينار فصاعداً. 4 - أن يكون أخذ المال على وجه الخفية والاستتار، فإن لم يكن كذلك فلا قطع كالاختلاس والاغتصاب والانتهاب ونحوها، ففيها التعزير. 5 - أن يأخذ المال من حرزه ويخرجه منه. والحرز: ما تحفظ فيه الأموال، وتختلف بحسب العادة والعرف، وحرز كل مال بحسبه، فحرز الأموال في الدور والبنوك والدكاكين، والمراح للغنم وهكذا. 6 - انتفاء الشبهة عن السارق، فلا يُقطع بالسرقة من مال والديه وإن علوا، ولا من مال ولده وإن سفل، ولا يُقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر، وكذا من سرق في مجاعة. 7 - مطالبة المسروق منه بماله. 8 - ثبوت السرقة بأحد أمرين: 1 - الإقرار بالسرقة على نفسه مرتين. 2 - الشهادة، بأن يشهد عليه رجلان عدلان بأنه سرق. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6799)، واللفظ له، ومسلم برقم (1687).

* حد السرقة:

* حد السرقة: 1 - السارق عليه حقان: حق خاص، وهو المسروق إن وجد، أو مثله أو قيمته إن كان تالفاً، وعليه حق عام هو حق الله تعالى، وهو قطع يده إن كملت الشروط، أو تعزيره إن لم تكمل الشروط. 2 - إذا وجب القطع قُطعت يده اليمنى من مفصل الكف، وحسمت بغمسها بزيت مغلي أو بما يقطع الدم، وعليه رد ما أخذ من مال أو بدله لمالكه، وتحرم الشفاعة في حد السرقة بعد بلوغه الحاكم. 3 - إذا عاد السارق مرة أخرى قُطعت رجله اليسرى من منتصف ظهر القدم، فإن عاد حبس وعزر حتى يتوب ولا يُقطع. * تقطع يد الطَّرَّار وهو الذي يبطُّ الجيب أو غيره، ويأخذ منه المال خفية إن بلغ ما أخذه نصاباً؛ لأنه سارق. من حرز.

* نصاب السرقة:

* نصاب السرقة: ربع دينار من الذهب فصاعداً، أو عَرض يساويه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)). متفق عليه (¬1). * إذا اعترف السارق بالسرقة ولم توجد معه فيشرع للقاضي تلقينه الرجوع عن اعترافه، فإن أصر ولم يرجع عن إقراره قطع، وإذا اعترف السارق بالسرقة ثم رجع فلا قطع؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات. * من سرق من بيت المال فإنه يُعزر وتغرم غرامة مثلية ولا يُقطع، ومثله من سرق من الغنيمة أو الخمس. * ويجب القطع على جاحد العارية إذ هو داخل في اسم السرقة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها .... أخرجه مسلم (¬2). * من تمام توبة السارق ضمان المسروق لربه إذا كان تالفاً، فإن كان موسراً دفعه لصاحبه، وإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة، وإن كانت العين المسروقة موجودة بعينها فردها لصاحبها شرط لصحة توبته. * من وجب عليه حد سرقة أو زنى أو شرب خمر فتاب منه قبل ثبوته عند حاكم سقط عنه، ولا يشرع له كشف نفسه بعد أن ستره الله، لكن عليه رد ما أخذ من مال ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6789)، واللفظ له، ومسلم برقم (1684). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1688).

5 - حد قطاع الطريق

5 - حد قطاع الطريق • * حكم الحرابة:. • * عقوبة قطاع الطريق:. • * يشترط لوجوب الحد على قطع الطريق ما يلي:. • * حكم الزنديق:.

* حكم الحرابة:

* حكم الحرابة: الحرابة من أعظم الجرائم، ولذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.

* عقوبة قطاع الطريق:

* عقوبة قطاع الطريق: 1 - إذا قَتلوا وأخذوا المال قُتلوا وصُلِبوا. 2 - إذا قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ولم يُصلبوا. 3 - إذا أخذوا المال ولم يَقتلوا قُطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى. 4 - إذا لم يقتلوا ولم يأخذوا المال لكن أخافوا السبيل نُفوا من الأرض، وللإمام أن يجتهد في شأنهم بما يراه رادعاً لهم ولغيرهم؛ قطعاً لدابر الشر والفساد. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/33 - 34). 2 - عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عُكْلٍ، فأسلموا، فاجتَوَوا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدّوا وقتلوا رُعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم، فأُتي بهم، فقَطَعَ أيديهم وأرجلهم، وسَمَلَ أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802)، واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

* يشترط لوجوب الحد على قطع الطريق ما يلي:

* يشترط لوجوب الحد على قطع الطريق ما يلي: 1 - أن يكون قاطع الطريق- ويسمى المحارب- مكلفاً، مسلماً أو ذمياً، ذكراً أو أنثى. 2 - أن يكون المال الذي أخذه محترماً. 3 - أن يأخذ المال من حرز قليلاً كان أو كثيراً. 4 - ثبوت قطع الطريق منه بإقرار أو شاهدي عدل. 5 - انتفاء الشبهة كما ذكر في السرقة. * من تاب من قطاع الطريق قبل أن يُقدر عليه سقط عنه ما كان لله من نفي، وقطع، وصلب، وتحتُّم قتل، وأُخذ بما للآدميين من نفس، وطرف، ومال إلا أن يعفى له عنها، وإن قُبض عليه قبل التوبة أُقيم عليه حد الحرابة. * من صال على نفسه أو أهله أو ماله آدمي أو بهيمة دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه، فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك، ولا ضمان عليه، فإن قتل المعتدى عليه فهو شهيد. * الزنديق: هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر.

* حكم الزنديق:

* حكم الزنديق: الزنديق محارب لله ورسوله، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه، فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان، فإن تاب قبل القُدرة عليه فتقبل توبته ويحقن دمه، وأما بعد القدرة عليه فلا تقبل توبته بل يقتل حداً من غير استتابة.

6 - حد أهل البغي

6 - حد أهل البغي • * كيفية معاملة البغاة:. • * حكم الخروج على إمام المسلمين:. • * ما يجب على إمام المسلمين:. • * يجب على الأمة طاعة الإمام في غير معصية الله عز وجل:. • * توبة من ارتكب جريمة توجب حداً:.

* كيفية معاملة البغاة:

* كيفية معاملة البغاة: 1 - إذا خرج البغاة على الإمام فعليه أن يراسلهم، ويسألهم ما تنقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها. فإن رجعوا وإلا وعظهم وخَوَّفهم القتال، فإن أصروا قاتلهم، وعلى رعيته معونته حتى يندفع شرهم وتطفأ فتنتهم. 2 - إذا قاتلهم الإمام فلا يقتلهم بما يعم كالقذائف المدمرة، ولا يجوز قتل ذريتهم ومُدبِرهم وجريحهم ومن ترك القتال منهم. ومن أُسِر منهم حُبس حتى تخمد الفتنة، ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم. 3 - بعد انقضاء القتال وخمود الفتنة ما تلف من أموالهم حال الحرب فهو هدر، ومن قتل منهم فهو غير مضمون، وهم لا يضمنون مالاً ولا أنفساً تلفت حال القتال. * إذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو رئاسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى. 1 - قال الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات/9). 2 - عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أتاكم وأمرُكُم جميعٌ، على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852).

* حكم الخروج على إمام المسلمين:

* حكم الخروج على إمام المسلمين: 1 - نصب الإمام من أعظم واجبات الدين، وتحرم معصيته والخروج عليه ولو جار وظلم، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، سواء ثبتت إمامته بإجماع المسلمين، أو بعهد من الإمام الذي قبله، أو باجتهاد أهل الحل والعقد، أو بقهره للناس حتى أذعنوا له ودعوه إماماً، ولا يُعزل بفسقه، ما لم يرتكب كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان. 2 - الخارجون عن طاعة الإمام إما أن يكونوا قطاع طريق، أو يكونوا بغاة، أو يكونوا خوارج وهم الذي يُكفِّرون بالذنب، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم، وهؤلاء فسقة يجوز قتالهم ابتداء. فهؤلاء الثلاثة خارجون عن طاعة الإمام، من مات منهم مات على طريق أهل الجاهلية.

* ما يجب على إمام المسلمين:

* ما يجب على إمام المسلمين: 1 - إمام المسلمين يجب أن يكون من الرجال لا من النساء، فلن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة. ويلزم الإمام حماية بلاد الإسلام، وحفظ الدين، وتنفيذ أحكام الله، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجباية الصدقات، والحكم بالعدل، وجهاد الأعداء، والدعوة إلى الله، ونشر الإسلام. 2 - يجب على الإمام أن ينصح لرعيته، ولا يشق عليهم، وأن يرفق بهم في سائر أحوالهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7151)، ومسلم برقم (142)، واللفظ له.

* يجب على الأمة طاعة الإمام في غير معصية الله عز وجل:

* يجب على الأمة طاعة الإمام في غير معصية الله عز وجل: 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء/59). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2955)، ومسلم برقم (1839)، واللفظ له.

* توبة من ارتكب جريمة توجب حدا:

* توبة من ارتكب جريمة توجب حداً: إن كانت توبته بعد القدرة عليه فهذه التوبة لا تسقط الحد. وإن كانت توبة مرتكب الجريمة الحديَّة قبل القدرة عليه فتقبل توبته، وتُسقط عنه الحد، رحمة من رب العالمين برفع العقاب عن المذنبين التائبين. 1 - قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/33 - 34). 2 - قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأعراف/153).

التعزير والردة والأيمان والنذور

التعزير والردة والأيمان والنذور • * العقوبة على المعاصي ثلاثة أنواع:. • * حكمة مشروعيته:. • * حكم التعزير:. • * أقسام التعزير:. • * كيفية التعزير:. • * كفارة من قَبَّل امرأة لا تحل له وجاء نادماً:.

* العقوبة على المعاصي ثلاثة أنواع:

* العقوبة على المعاصي ثلاثة أنواع: 1 - ما فيه حد مقدر كالزنى، والسرقة، والقتل عمداً، فهذا لا كفارة فيه ولا تعزير. 2 - ما فيه كفارة ولا حد فيه كالجماع حال الإحرام، وفي نهار رمضان، والقتل خطأ. 3 - ما ليس فيه حد ولا كفارة، فهذا فيه التعزير.

* حكمة مشروعيته:

* حكمة مشروعيته: شرع الله عز وجل عقوبات مقدرة لا يزاد عليها ولا ينقص منها على الجرائم المخلة بمقومات الأمة من حفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، وشرع لذلك حدوداً زاجرة، وهي جواهر لا يمكن للأمة أن تعيش إلا بالمحافظة عليها بإقامة الحدود. ولهذه الحدود شروط وضوابط، قد لا يثبت بعضها، فتتحول العقوبة من عقوبة محددة إلى عقوبة غير محددة يراها الإمام، وهي التعزير، وكل معصية لم يجعل الله حدها مقدراً، بل جعله غير مقدر.

* حكم التعزير:

* حكم التعزير: واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، سواء كانت فعلاً للمحرمات، أو تركاً للواجبات، كاستمتاع لا حد فيه، وسرقة لا قطع فيها، وجناية لا قود فيها، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنى ونحوها. ومن ارتكب معصية لا حد فيها ثم جاء تائباً نادماً فإنه لا يعزر.

* أقسام التعزير:

* أقسام التعزير: 1 - تعزير على التأديب والتربية: كتأديب الوالد لولده، والزوج لزوجته، والسيد لخادمه، في غير معصية، فهذا لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)). متفق عليه (¬1). 2 - تعزير على المعاصي: فهذا تجوز فيه الزيادة للحاكم بحسب المصلحة والحاجة، وحجم المعصية، وكثرتها وقلتها، وليس لها حد معين، لكن إن كانت المعصية في عقوبتها مقدرة من الشارع كالزنى والسرقة ونحوها، فلا يبلغ بالتعزير الحد المقدر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6850)، واللفظ له، ومسلم برقم (1708).

* كيفية التعزير:

* كيفية التعزير: التعزير مجموعة من العقوبات تبدأ بالنصح والوعظ، والهجر، والتوبيخ، والتهديد، والإنذار، والعزل عن الولاية، وتنتهي بأشد العقوبات كالحبس والجلد، وقد تصل إلى القتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة كقتل الجاسوس، والمبتدع، وصاحب الجرائم الخطيرة. وقد يكون التعزير بالتشهير، أو الغرامة المالية، أو النفي. * عقوبة التعزير غير مقدرة، وللحاكم اختيار العقوبة التي تلائم الجاني كما سبق بشرط أن لا تخرج عما أمر الله به، أو نهى الله عنه، وذلك يختلف باختلاف الأماكن، والأزمان، والأشخاص، والمعاصي، والأحوال.

* كفارة من قبل امرأة لا تحل له وجاء نادما:

* كفارة من قَبَّل امرأة لا تحل له وجاء نادماً: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود/114). قال الرجل: يا رسُول الله ألي هذا؟ قال: ((لجميع أمتي كلِّهم)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (526)، واللفظ له، ومسلم برقم (2763).

2 - الردة

2 - الردة • * حكم المرتد:. • * حكمة مشروعية قتل المرتد:. • * أقسام الردة: تنقسم الردة إلى ثلاثة أقسام:. • * حكمه:.

* حكم المرتد:

* حكم المرتد: المرتد أغلظ كفراً من الكافر الأصلي، والمرتد إن لم يتب فحكمه في الدنيا القتل، ولا يرث ولا يورث، وإذا مات فماله لبيت مال المسلمين، وحكمه في الآخرة الخلود في النار. 1 - قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة/217). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3017).

* حكمة مشروعية قتل المرتد:

* حكمة مشروعية قتل المرتد: الإسلام منهج كامل للحياة، ونظام شامل لكل ما يحتاجه البشر، موافق للفطرة والعقل، قائم على الدليل والبرهان، وهو من أكبر النعم، وبه تتحقق سعادة الدنيا والآخرة، ومن دخل فيه ثم ارتد عنه فقد انحط إلى أسفل الدركات، ورد ما رضيه الله لنا من الدين، وخان الله ورسوله، فيجب قتله؛ لأنه أنكر الحق الذي لا تستقيم الدنيا والآخرة إلا به.

* أقسام الردة: تنقسم الردة إلى ثلاثة أقسام:

* أقسام الردة: تنقسم الردة إلى ثلاثة أقسام: الردة بالاعتقاد: كأن يعتقد الإنسان وجود شريك مع الله في ربوبيته، أو ألوهيته، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفة من صفاته، أو يعتقد تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو جحد الكتب المنزلة، أو ينكر البعث، أو الجنة، أو النار، أو يبغض شيئاً من الدين ولو عمل به. أو يعتقد أن الزنى أو الخمر ونحوهما من محرمات الدين الظاهرة حلال، أو جحد وجوب الصلاة، أو الزكاة، أو نحوهما من واجبات الدين الظاهرة ومثله لا يجهله، فإن جهله لم يكفر، فإن عرف حكمه وأصر على اعتقاده كفر، أو شك في شيء من واجبات الدين ومثله لا يجهله كالصلاة. 2 - الردة بالقول: كأن يسب الله، أو رسله، أو ملائكته، أو كتبه المنزلة، أو ادعى النبوة، أو دعا مع الله غيره، أو قال إن لله ولداً أو زوجة، أو أنكر تحريم شيء من المحرمات الظاهرة كالزنى والربا والخمر ونحوها، أو استهزأ بالدين أو شيء منه كوعد الله، أو وعيده، أو سب الصحابة أو أحداً منهم ونحو ذلك. 3 - الردة بالفعل: كأن يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يترك الصلاة، أو يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، أو يظاهر المشركين ويعاونهم على المسلمين ونحو ذلك. * من ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل مختار دعي إليه ورغب فيه، وعرضت عليه التوبة لعله يتوب، فإن تاب فهو مسلم، وإن لم يتب وأصر على ردته قتل بالسيف كفراً لا حداً. عن أبي موسى رضي الله عنه أن رجلا أسلم ثم تهود، فأتى معاذ بن جبل وهو عند أبي موسى، فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود، قال: لا أجلس حتى أقتله، قضاء الله ورسوله؟. متفق عليه (¬1). * من كانت ردته بجحد شيء من الدين فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به. * الردة كفر مخرج من الملة، وموجب للخلود في النار إن لم يتب قبل الموت، وإذا قُتل المرتد أو مات ولم يتب فهو كافر لا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين. * إذا ارتد الزوج فلا تحل له زوجته، وله مراجعتها بعد التوبة ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة ولم يراجعها ملكت نفسها، فلم تحل إلا برضاها بعقد ومهر جديدين. * السحر: عُقَد ورُقَى تؤثر في بدن المسحور وعقله. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7157)، واللفظ له، ومسلم برقم (1824) في كتاب الإمارة.

* حكمه:

* حكمه: السحر يحرم تعلمه، وتعليمه، وفعله، والدلالة عليه، وحكمه: 1 - إن كان السحر بواسطة الشياطين فإنه يكفر الساحر، ويقتل إن لم يتب قتل ردة. 2 - وإن كان السحر بالأدوية والعقاقير فقط فليس هذا كفراً، بل معصية من الكبائر، يُقتل قتل الصائل إن لم يتب حسب اجتهاد الحاكم. 1 - قال الله تعالى: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) (البقرة/102). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا يا رسُول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله والسحر ... الحديث)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2766)، واللفظ له، ومسلم برقم (89).

3 - الأيمان

3 - الأيمان • * حكم الحلف بغير الله:. • * أقسام اليمين ثلاثة:. • * كفارة الحلف بغير الله:. • * أحكام اليمين:. • * شروط وجوب كفارة اليمين:. • * كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين:.

* حكم الحلف بغير الله:

* حكم الحلف بغير الله: 1 - الحلف بغير الله محرم وهو شرك أصغر؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، والتعظيم لا يكون إلا لله عز وجل. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). 2 - يحرم الحلف بغير الله كأن يقول: (والنبي، وحياتك، والأمانة، والكعبة، والآباء ونحو ذلك). قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)). متفق عليه (¬2). * يجب حفظ الأيمان وعدم الاستهانة بها، وشأنها عظيم، فلا يجوز التساهل باليمين ولا الاحتيال للتخلص من حكمه، ويجوز القسم على الأمر المهم شرعاً. ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (3251)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (2787). وأخرجه البخاري برقم (1535)، صحيح سنن الترمذي برقم (1241). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2679)، مسلم برقم (1646)، واللفظ له.

* أقسام اليمين ثلاثة:

* أقسام اليمين ثلاثة: 1 - اليمين المنعقدة: وهي كما سبق تنعقد، وفيها الكفارة إن حنث. 2 - اليمين الغموس: وهي محرمة، وصفتها أن يحلف على أمر ماضٍ كاذباً عالماً، وهي التي تهضم بها الحقوق، أو يقصد بها الفسق والخيانة، وهي من أكبر الكبائر، وسميت غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، ولا كفارة فيها، ولا تنعقد، وتجب المبادرة بالتوبة منها. 3 - اليمين اللغو: وهي الحلف من غير قصد اليمين مما يجري على اللسان كقوله: ألا والله، وبلى والله، أو والله لتأكلن، أو لتشربن ونحو ذلك، أو حلف على أمر ماضٍ يظن صدق نفسه فبان بخلافه. وهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة فيها، ولا يؤاخذ بها الحالف، لقوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ) (المائدة/89). * إذا استثنى في يمينه فقال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله لم يحنث إذا لم يفعله.

* كفارة الحلف بغير الله:

* كفارة الحلف بغير الله: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق)). متفق عليه (¬1). 2 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه حلف باللات والعزى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل لا إله إلا الله وحده ثلاثاً، واتفل عن شمالك ثلاثاً، وتعوذ بالله من الشيطان، ولا تعُد)). أخرجه أحمد وابن ماجه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4860)، واللفظ له، ومسلم برقم (1647). (¬2) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (1622)، وهذا لفظه، وقال الأرنؤوط: سنده صحيح. وأخرجه ابن ماجه برقم (2097).

* أحكام اليمين:

* أحكام اليمين: 1 - يمين واجبة: وهي التي ينقذ بها إنساناً معصوماً من هلكة. 2 - مندوبة: كالحلف عند الإصلاح بين الناس. 3 - مباحة: كالحلف على فعل مباح أو تركه، أو توكيد أمر ونحو ذلك. 4 - مكروهة: كالحلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، والحلف في البيع والشراء. 5 - محرمة: كمن حلف كاذباً متعمداً، أو حلف على فعل معصية أو ترك واجب. * يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير ويكفر عن يمينه، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه)). أخرجه مسلم (¬1). * يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم كمن حلف ليشربن الخمر، فيجب نقض اليمين، ويكفر عنها. * ويباح نقض اليمين كما إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفر عن يمينه. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1650).

* شروط وجوب كفارة اليمين:

* شروط وجوب كفارة اليمين: 1 - أن تكون اليمين منعقدة من مكلف على أمر مستقبل ممكن، كمن حلف لا يدخل دار فلان. 2 - أن يحلف مختاراً، فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه. 3 - أن يكون قاصداً لليمين، فلا تنعقد بلا قصد، كمن يجري على لسانه (لا والله، وبلى والله) في حديثه. 4 - الحنث في يمينه، بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختاراً ذاكراً.

* كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين:

* كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين: 1 - إطعام عشرة مساكين نصف صاع من قوت البلد لكل واحد من بر أو تمر أو أرز ونحوها، وإن غدَّى المساكين العشرة أو عشَّاهم جاز. 2 - كسوة عشرة مساكين ما يُجزئ في الصلاة. 3 - عتق رقبة مؤمنة. وهو مخير في هذه الثلاثة السابقة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام إلا عند العجز عن الثلاثة السابقة. * يجوز تقديم الكفارة على الحنث، ويجوز تأخيرها عنه، فإن قدمها كانت محللة لليمين، وإن أخرها كانت مكفرة له. قال الله تعالى في بيان كفارة اليمين: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/89). * من حق المسلم على أخيه إبرار قسمه إذا أقسم عليه إذا لم يكن في معصية. * إذا حلف لا يفعل هذا الشيء ففعله ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً أنه المحلوف عليه لما يحنث، ولا كفارة عليه، ويمينه باقية. * إذا حلف على إنسان قاصداً إكرامه لا يحنث مطلقاً، فإن كان قاصداً إلزامه ولم يفعل فإنه يحنث. * الأعمال بالنيات، فمن حلف على شيء وَوَرَّى بغيره فالعبرة بنيته لا بلفظه. * اليمين تكون على نية المستحلف، فإذا حلَّفه القاضي في الدعوى أو غيرها، فيجب أن تكون على نية المحلف لا على نية الحالف، وإذا حلف بدون استحلاف فعلى نية الحالف. * من حرم على نفسه حلالاً سوى زوجته من طعام أو غيره لم يحرم عليه، وعليه إن فعله كفارة يمين، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (التحريم/1 - 2). * من حلف لا يفعل الخير فلا يجوز له الإصرار على يمينه، بل يكفر عن يمينه ويفعل الخير، لقوله سبحانه: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/224).

4 - النذر

4 - النذر • * حكم النذر:. • * أقسام النذر:. • 6 - نذر الطاعة: سواء كان مطلقاً كفعل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والاعتكاف ونحوها بقصد التقرب إلى الله تعالى فيجب الوفاء به. . • * من نذر فعل طاعة ومات قبل فعلها فعلها عنه وليه. ومن نذر فعل طاعة ثم عجز عن الوفاء بما نذر فعليه كفارة يمين. . • * مصرف النذر:. • * حكم من نذر أن يصوم أياماً فوافق النحر أو الفطر:.

* حكم النذر:

* حكم النذر: النذر مشروع في حق من يعلم من نفسه القدرة على الوفاء به، ومكروه في حق من يعلم من نفسه عدم القدرة على الوفاء به، فالنذر لا تحمد عقباه، وقد يتعذر الوفاء به فيلحقه الإثم، والناذر يشارط الله تعالى ويعاوضه على أنه إن حصل مطلوبه قام بما نذر، وإلا لم يقم، والله غني عن العباد وطاعاتهم. * النذر نوع من العبادة، لا يجوز صرفه لغير الله تعالى؛ لأنه يتضمن تعظيم المنذور له، والتقرب إليه بذلك، فمن نذر لغير الله تعالى من قبر، أو ملك، أو نبي، أو ولي فقد أشرك بالله الشرك الأكبر، وهو باطل يحرم الوفاء به. * لا يصح النذر إلا من بالغ عاقل مختار مسلماً كان أو كافراً.

* أقسام النذر:

* أقسام النذر: 1 - النذر المطلق: كقوله: لله عليّ نذر إن فعلت كذا وفعله فيلزمه كفارة يمين. 2 - نذر اللجاج أو الغضب: وهو تعليق نذره بشرطٍ بقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كقوله: إن كلمتك فعلي الحج مثلاً، فيخير بين فعل ما نذره، وبين كفارة يمين. 3 - نذر فعل مباح: مثل أن ينذر أن يلبس ثوبه أو يركب دابته ونحوهما، فيخير بين فعله وكفارة يمين. 4 - النذر المكروه: كنذر الطلاق ونحوه فيسن أن يكفر عن يمينه ولا يفعله. 5 - نذر المعصية: مثل أن ينذر أن يقتل أحداً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو أن يصوم يوم العيد، وهذا النذر لا يصح، ويحرم الوفاء به، وعليه كفارة يمين، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3290)، صحيح سنن أبي داود رقم (2816). وأخرجه الترمذي برقم (1524)، صحيح سنن الترمذي رقم (1231).

6 - نذر الطاعة: سواء كان مطلقا كفعل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والاعتكاف ونحوها بقصد التقرب إلى الله تعالى فيجب الوفاء به.

6 - نذر الطاعة: سواء كان مطلقاً كفعل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والاعتكاف ونحوها بقصد التقرب إلى الله تعالى فيجب الوفاء به. أو كان معلقاً كقوله: إن شفى الله مرضي أو ربح مالي فلله عليَّ كذا من صدقة أو صوم ونحوها، فإذا وجد الشرط لزمه الوفاء به، فالوفاء بالنذر عبادة يجب أداؤها، وقد مدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بالنذر. 1 - قال الله تعالى في صفة الأبرار: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الإنسان/7). 2 - قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) (البقرة/270). 3 - عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6696).

* من نذر فعل طاعة ومات قبل فعلها فعلها عنه وليه. ومن نذر فعل طاعة ثم عجز عن الوفاء بما نذر فعليه كفارة يمين.

* من نذر فعل طاعة ومات قبل فعلها فعلها عنه وليه. ومن نذر فعل طاعة ثم عجز عن الوفاء بما نذر فعليه كفارة يمين. ويكره له النذر، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: ((إنه لا يرد شيئاً ولكنه يستخرج به من البخيل)). متفق عليه (¬1). * يكره النذر في كل ما يشق على العبد من الأعمال والطاعات. فمن نذر نذراً لا يطيقه ويلحقه به مشقة كبيرة كمن نذر أن يقوم الليل كله، أو يصوم الدهر كله، أو يتصدق بماله كله، أو يحج أو يعتمر ماشياً لم يجب الوفاء بهذا النذر، وعليه كفارة يمين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6693)، واللفظ له، ومسلم برقم (1639).

* مصرف النذر:

* مصرف النذر: مصرف نذر الطاعة على ما نواه به صاحبه في حدود الشريعة المطهرة، فإن نوى بالمنذور من لحم أو غيره الفقراء فلا يجوز أن يأكل منه. وإن نوى بنذره أهل بيته، أو رفقته، أو أصحابه جاز له أن يأكل كواحد منهم. * من خلط في نذره طاعة بمعصية لزمه فعل الطاعة، وترك المعصية. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مُرْهُ فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (6704).

* حكم من نذر أن يصوم أياما فوافق النحر أو الفطر:

* حكم من نذر أن يصوم أياماً فوافق النحر أو الفطر: عن زياد بن جبير قال: كنت مع ابن عُمر، فسأله رجل فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشت، فوافقت هذا اليوم يوم النحر، فقال: أمر الله بوفاء النذر، ونهينا أن نصوم يوم النحر، فأعاد عليه، فقال مثله، لا يزيد عليه. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6706) واللفظ له، ومسلم برقم (1139).

القضاء

القضاء 1 - معنى القضاء وحكمه • حكمة مشروعية القضاء:. • حكم القضاء:.

حكمة مشروعية القضاء:

حكمة مشروعية القضاء: شرع الله القضاء لحفظ الحقوق، وإقامة العدل، وصيانة الأنفس والأموال والأعراض، والله خلق الناس وجعل بعضهم محتاجاً لبعض في القيام بالأعمال كالبيع والشراء، وسائر الحرف، والنكاح، والطلاق، والإجارة، والنفقات ونحوها من ضروريات الحياة، ووضع الشرع لذلك قواعداً وشروطاً تحكم التعامل بين الناس فيسود العدل والأمن. ولكن قد تحدث بعض المخالفات لتلك الشروط والقواعد إما عمداً، أو جهلاً، فتحدث المشاكل، ويحصل النزاع والشقاق، والعداوة والبغضاء، وقد تصل الحال إلى نهب الأموال، وإزهاق الأرواح، وتخريب الديار، فشرع الله العليم بمصالح عباده القضاء بشرع الله لإزالة تلك الخصومات، وحل المشكلات، والقضاء بين العباد بالحق والعدل. قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ) (المائدة/48).

حكم القضاء:

حكم القضاء: القضاء فرض كفاية، ويجب على الإمام أن ينصب للناس قاضياً أو أكثر في كل إقليم أو بلد حسب الحاجة؛ لفصل الخصومات، وإقامة الحدود، والحكم بالحق والعدل، ورد الحقوق، وإنصاف المظلوم، والنظر في مصالح المسلمين ونحو ذلك. * يجب على الإمام أن يختار لمنصب القضاء الأفضل علماً وورعاً، ويأمره بتقوى الله وتحري العدل. * يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، سميعاً، حراً.

2 - فضل القضاء

2 - فضل القضاء * للقضاء بين الناس فضل عظيم لمن قوي عليه وأمن على نفسه من الظلم والحيف، وهو من أفضل القربات؛ لما فيه من الإصلاح بين الناس، وإنصاف المظلوم، ورد الظالم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وأداء الحقوق إلى أهلها، وهو وظيفة الأنبياء عليهما الصلاة والسلام، فلهذه الأمور العظيمة جعل الله فيه أجراً مع الخطأ، وأسقط عن القاضي حكم الخطأ إذا وقع باجتهاد، فإن أصاب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وهو أجر الاجتهاد ولا إثم عليه. 1 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلِّمها)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرّحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلّوا)). أخرجه مسلم (¬2). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: إمام عَدْل، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبُه معلقٌ في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)). متفق عليه (¬3). 4 - عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر)). متفق عليه (¬4). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73)، ومسلم برقم (816)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1827). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352)، ومسلم برقم (1716).

3 - خطر القضاء

3 - خطر القضاء • * أقسام القضاة وأعمالهم:. • * حكم طلب القضاء:.

* أقسام القضاة وأعمالهم:

* أقسام القضاة وأعمالهم: 1 - قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص/26). 2 - عن بريدة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القضاة ثلاثة، اثنان في النار، وواحد في الجنة، رجل عَلِمَ الحقَّ فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جارَ في الحكم فهو في النار)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جُعل قاضياً بين الناس فقد ذُبح بغير سكين)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬2). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3573)، صحيح سنن أبي داود رقم (3051). وأخرجه ابن ماجه برقم (2315)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1873). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3572)، صحيح سنن أبي داود رقم (3050). وأخرجه ابن ماجه برقم (2308)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (1868).

* حكم طلب القضاء:

* حكم طلب القضاء: لا ينبغي طلب القضاء أو الحرص عليه، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإن أُعطيتها عن مسألة وُكِلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7147)، واللفظ له، ومسلم برقم (1652).

4 - آداب القاضي

4 - آداب القاضي • * فضل الإصلاح بين الناس ورحمتهم:. • * خطر الحكم بغير ما أنزل الله:.

* فضل الإصلاح بين الناس ورحمتهم:

* فضل الإصلاح بين الناس ورحمتهم: يستحب للقاضي أن يصلح بين المتخاصمين، ويرغبهم في العفو والتسامح ما لم يتضح الحكم الشرعي فيحكم به. 1 - قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء/114). 2 - قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/10). 3 - قال الله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/29). 4 - عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)). متفق عليه (¬1). * يستحب للقاضي موعظة الخصوم قبل الحكم. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)). متفق عليه (¬2). * لا ينفذ حكم القاضي لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له كعمودي نسبه، والزوجية ونحوهما. * إذا حَكَّم اثنان فأكثر بينهما شخصاً صالحاً للقضاء نفذ حكمه بينهما. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7376)، واللفظ له، ومسلم برقم (2319). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7169)، واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

* خطر الحكم بغير ما أنزل الله:

* خطر الحكم بغير ما أنزل الله: يجب على القاضي أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، ولا يجوز لأحد أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله مهما كانت الأحوال فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر. ولما كانت الشريعة الإسلامية كفيلة بإصلاح أحوال البشرية في جميع المجالات، فيجب على القاضي النظر في كل ما يرد إليه من القضايا مهما كانت والحكم فيها بما أنزل الله، فدين الله كامل كافٍ شافٍ. 1 - قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) (المائدة/44). 2 - قال الله تعالى: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (المائدة/49). * القاضي له ثلاثة صفات، فهو من جهة الإثبات شاهد، ومن جهة بيان الحكم مفتٍ، ومن جهة الإلزام بالحكم ذو سلطان، والفرق بين القاضي والمفتي، أن القاضي يبين الحكم الشرعي ويلزم به، والمفتي يبينه فقط.

5 - صفة الحكم

5 - صفة الحكم * إذا حضر عند القاضي خصمان قال: أيكما المدعي؟ وله أن يسكت حتى يبدأ أحدهما، فمن سبق بالدعوى قدّمه، فإن أقر له خصمه حكم له عليه. * وإن أنكر الخصم قال القاضي للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها، فإن أحضرها سمعها وحكم بها، ولا يحكم بعلمه إلا في حالات خاصة كما سبق. * وإن قال المدعي ليس لي بينة، أعلمه القاضي أن له اليمين على خصمه، فإن طلب المدعي إِحلاف خصمه أحلفه القاضي وخلَّى سبيله. * وإن نكل المدعى عليه عن اليمين وأبى أن يحلف قضى عليه بالنكول وهو السكوت؛ لأنه قرينة ظاهرة على صدق المدعي. وللقاضي أن يرد اليمين على المدعي إذا امتنع عنها المدعى عليه لا سيما إذا قوي جانب المدعي، فإذا حلف قضى له. * وإن حلف المنكِر وخلَّى القاضي سبيله ثم أحضر المدعي بينة حكم بها؛ لأن يمين المنكِر مزيلة للخصومة لا مزيلة للحق. ولا يُنقض حكم القاضي إلا إذا خالف الكتاب أو السنة، أو إجماعاً قطعياً.

6 - الدعاوى والبينات

6 - الدعاوى والبيِّنات • * شروط صحة الدعوى:. • * أحوال البينة:. • * الناس في التهم ثلاثة أصناف:. • * المدعي والمدعى عليه إذا تداعيا عيناً فلا تخلو من ست حالات:. • * خطر اليمين الكاذبة:.

* شروط صحة الدعوى:

* شروط صحة الدعوى: لا تصح الدعوى إلا محرَّرة مفصَّلة؛ لأن الحكم مرتب عليها، وأن تكون معلومة المدَّعى به، وأن يصرح المدعي بطلبه، وأن يكون المدعى به حالاًّ إن كان دَيْنَاً.

* أحوال البينة:

* أحوال البينة: البينة تارة تكون بشاهدين، وتارة برجل وامرأتين، وتارة بأربعة شهداء، وتارة بثلاثة شهداء، وتارة بشاهد ويمين المدعي كما سيأتي إن شاء الله تعالى. * يشترط في الشهادة عدالة البينة، ويحكم بها القاضي، فإن علم خلاف ما شهدت به لم يجز له الحكم بها، ومن جُهلت عدالته سأل عنه، وإن جَرح الخصم الشهود كُلِّف البينة به، وأُنظر ثلاثاً، فإن لم يأت ببينة حكم عليه.

* الناس في التهم ثلاثة أصناف:

* الناس في التهم ثلاثة أصناف: 1 - صنف معروف عند الناس بالدين والورع وأنه ليس من أهل التهم، فهذا لا يحبس ولا يضرب، ويؤدب من يتهمه. 2 - أن يكون المتَّهم مجهول الحال لا يُعرف ببر ولا فجور، فهذا يُحبس حتى يكشف عن حاله؛ حفظاً للحقوق. 3 - أن يكون المتهم معروفاً بالفجور والإجرام، ومثله يقع في الاتهام، وهذا أشد من القسم الثاني، فهذا يمتحن بالضرب والحبس حتى يقر؛ حفظاً لحقوق العباد. * إذا علم القاضي عدالة البينة حكم بها ولم يحتج إلى التزكية، وإن علم عدم عدالتها لم يحكم بها، وإن جهل حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم بشاهدين عدلين. * حكم القاضي لا يُحِل حراماً ولا يُحرِّم حلالاً، فإن كانت البينة صادقة حَلَّ للمدعي أخذ الحق، وإن كانت البينة كاذبة كشهادة الزور وحكم له القاضي فلا يحل له أخذه. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذه)). متفق عليه (¬1). * يجوز الحكم على الغائب إذا ثبت عليه الحق بالبينة، وكان في حقوق الآدميين لا في حق الله، والغائب بعيد مسافة قصر فأكثر، وتعذَّر حضوره، فإن حضر الغائب فهو على حجته. * تقام الدعوى في بلد المدعى عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته، فإن هرب، أو ماطل، أو تأخر عن الحضور من غير عذر لزم تأديبه. * لا يُقبل في التزكية والجرح والرسالة إلا قول عدلين، ويُقبل في الترجمة قول واحد عدل، والاثنان إن أمكن أولى. * يُقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق لآدمي كالبيع، والإجارة، والوصية، والنكاح، والطلاق، والجناية، والقصاص ونحوها، ولا ينبغي أن يكتب القاضي إلى القاضي في حدود الله كالزنى، والسكر ونحوها؛ لأنها مبنية على الستر، والدرء بالشبهات. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2680)، واللفظ له، ومسلم برقم (1713).

* المدعي والمدعى عليه إذا تداعيا عينا فلا تخلو من ست حالات:

* المدعي والمدعى عليه إذا تداعيا عيناً فلا تخلو من ست حالات: 1 - إن كانت العين في يد أحدهما فهي له مع يمينه إن لم يكن للخصم بينة، فإن أقام كل منهما بينة فهي لمن هي في يده مع يمينه. 2 - أن تكون العين في يديهما ولا بينة فيتحالفان، وتقسم بينهما. 3 - أن تكون العين بيد غيرهما ولا بينة فيقترعان عليها، فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها. 4 - أن لا تكون العين بيد أحد ولا بينة لأحدهما، فيتحالفان ويتناصفاها. 5 - أن يكون لكل واحد بينة وليست في يد واحد منهما، فهي بينهما على السوية. 6 - إذا تنازعا دابة أو سيارة وأحدهما راكب والآخر آخذ بزمامها فهي للأول بيمينه إن لم تكن بينة.

* خطر اليمين الكاذبة:

* خطر اليمين الكاذبة: يحرم أن يحلف يميناً فاجرة يقتطع بها مال أخيه بغير حق، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من اقتطع حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة)) فقال له رجل وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله قال: ((وإن قضيباً من أراك)). أخرجه مسلم (¬1). * لا تجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا برضا الشركاء، وما لا ضرر فيه ولا رد عوض في قسمته، فإذا طلب الشريك قسمتها أجبر الآخر عليها، وللشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم، أو بقاسم يختارونه، أو يسألون الحاكم نصبه وأجرته على قدر الأملاك، فإذا اقتسموا أو اقترعوا لزمت القسمة. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (137).

7 - إثبات الدعوى:

7 - إثبات الدعوى: • 1 - الإقرار. • * حكم الإقرار:. • 2 - الشهادة. • * شروط من تُقبل شهادته:. • موانع الشهادة * موانع الشهادة ثمانية، وهي:. • أقسام المشهود به وعدد الشهود * ينقسم ذلك إلى سبعة أقسام:. • 3 - اليمين. • * مشروعية اليمين:. • * تغليظ اليمين:. • * شر الناس:.

1 - الإقرار

1 - الإقرار * الإقرار: هو إظهار مكلف مختار ما وجب عليه. * يصح الإقرار من كل بالغ عاقل مختار غير محجور عليه، والإقرار سيد الأدلة.

* حكم الإقرار:

* حكم الإقرار: الإقرار واجب إذا كان في ذمة الإنسان حق لله كالزكاة ونحوها، أو حق لآدمي، كالدين ونحوه. * يجوز الإقرار إذا كان على المكلف حد من حدود الله تعالى كالزنى، والستر على نفسه والتوبة من ذلك أولى. * إذا صح الإقرار وثبت، فإن كان متعلقاً بحق من حقوق الآدميين فلا يجوز الرجوع عنه ولا يُقبل. وإن كان متعلقاً بحق من حقوق الله كحد الزنى، أو الخمر، أو السرقة ونحوها فإنه تجوز الرجوع عنه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

2 - الشهادة

2 - الشهادة * الشهادة: هي الإخبار بما علمه بلفظ أشهد، أو رأيت، أو سمعت، أو نحو ذلك، شرعها الله لإثبات الحقوق. قال الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق/2). * شروط وجوب أداء الشهادة: أن يدعى لذلك، وأن يقدر عليه، وأن لا يترتب على أدائه لها ضرر يلحقه في بدنه، أو عرضه، أو ماله، أو أهله. * تَحمُّل الشهادة فرض كفاية إذا كانت في حقوق الآدميين، وأداؤها فرض عين على من تَحَمَّلها إن كانت في حقوق الآدميين، لقوله تعالى: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة/283). * أداء الشهادة في حق الله تعالى كمن شهد بحد من حدود الله كالزنى ونحوه فأداؤها مباح، وتركها أولى؛ لوجوب ستر المسلم إلا إن كان مجاهراً معروفاً بالفساد فأداؤها أفضل؛ لقطع دابر الفساد والمفسدين. * لا يحل لأحد أن يشهد إلا بعلم، والعلم يحصل بالرؤية، أو السماع، أو الاستفاضة: وهي الشهرة، كزواج أحد أو موته ونحوهما. * شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب فهي سبب في أكل أموال الناس بالباطل، وسبب لإضاعة الحقوق، وسبب لإضلال الحكام ليحكموا بغير ما أنزل الله.

* شروط من تقبل شهادته:

* شروط من تُقبل شهادته: 1 - أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا تقبل شهادة الصبيان إلا فيما بينهم. 2 - الكلام، فلا تقبل شهادة الأخرس إلا إذا أداها بخطه. 3 - الإسلام: فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا في الوصية أثناء السفر إن لم يوجد مسلم، وتجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض. 4 - الحفظ: فلا تقبل من مغفل. 5 - العدالة: وهي في كل زمان ومكان بحسبها، ويعتبر لها شيئان: 1 - الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض، واجتناب المحرمات. 2 - استعمال المروءة: وهي فعل ما يجمله كالكرم وحسن الخلق ونحوهما، واجتناب ما يدنسه كالقمار والشعوذة والشهرة بالرذائل ونحو ذلك. 6 - نفي التهمة. * تُقبل الشهادة على الشهادة في كل شيء إلا في الحدود، فإذا تعذَّرت شهادة الأصل بموت، أو مرض، أو غَيْبة قَبِل الحاكم شهادة الفرع إذا أنابه كقوله: اشهد على شهادتي ونحوه.

موانع الشهادة * موانع الشهادة ثمانية، وهي:

موانع الشهادة * موانع الشهادة ثمانية، وهي: 1 - قرابة الولادة: وهما الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض؛ للتهمة بقوة القرابة، وتقبل عليهم، وأما بقية القرابة كالإخوة والأعمام ونحوهما، فتقبل لهم وعليهم. 2 - الزوجية: فلا تقبل شهادة الزوج لزوجته، ولا الزوجة لزوجها، وتقبل عليهم. 3 - من يجر إلى نفسه نفعاً كشهادته لشريكه أو رقيقه. 4 - من يدفع عن نفسه ضرراً بتلك الشهادة. 5 - العداوة الدنيوية، فمن سره مساءة شخص، أو غمه فرحه فهو عدوه. 6 - من شهد عند حاكم ثم رُدَّت شهادته لخيانة ونحوها. 7 - العصبية، فلا شهادة لمن عُرف بالتعصب. 8 - إذا كان المشهود له مالكاً للشاهد أو خادماً عنده.

أقسام المشهود به وعدد الشهود * ينقسم ذلك إلى سبعة أقسام:

أقسام المشهود به وعدد الشهود * ينقسم ذلك إلى سبعة أقسام: 1 - الزنى وعمل قوم لوط، فلا بد فيه من شهادة أربعة رجال عدول، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ*) (النور/4). 2 - إذا ادعى من عُرف بالغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة فلا بد من شهادة ثلاثة رجال عدول. 3 - ما أوجب قصاصاً أو حداً غير الزنى أو تعزيراً فلا بد فيه من شهادة رجلين عدلين. 4 - قضايا الأموال كالبيع، والقرض، والإجارة ونحوها، والحقوق كالنكاح، والطلاق، والرجعة ونحوها، وكل ما سوى الحدود والقصاص فيقبل فيه شهادة رجلين، أو رجل وامرأتان، ويُقبل في الأموال خاصة رجل ويمين المدعي إذ تعذر إتمام الشهود. 1 - قال الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة/282). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد. أخرجه مسلم (¬1). 5 - ما لا يطلع عليه الرجال غالباً كالرضاع، والولادة، والحيض ونحو ذلك مما لا يحضره الرجال فيُقبل فيه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، ويجوز من امرأة عدل، والأحوط اثنتان، أو رجل عدل، والأكمل كما سبق. 6 - ما يُقبل فيه قول واحد عدل، وهو رؤية هلال رمضان أو غيره. 7 - داء دابة، وموضحة، وهاشمة ونحوها يُقبل فيه قول طبيب، وبيطار واحد لعدم غيره، فإن لم يتعذر فاثنان. * يجوز للقاضي الحكم بشهادة الرجل الواحد مع يمين المدعي في غير الحدود والقصاص إذا ظهر صدقه. * إذا حكم القاضي بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم الشاهد المال كله. * إذا رجع شهود المال بعد الحكم لم يُنقض، ويلزمهم الضمان دون من زكاهم، وإن رجع الشهود عن الشهادة قبل الحكم أُلغي، لا حكم ولا ضمان. ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1712).

3 - اليمين

3 - اليمين * اليمين: هي الحلف بالله أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته.

* مشروعية اليمين:

* مشروعية اليمين: تُشرع اليمين في دعوى حقوق الآدميين خاصة، فهي التي يُستحلف فيها، أما حقوق الله كالعبادات والحدود فلا يُستحلف فيها، فلا يستحلف إذا قال دفعت زكاة مالي، ولا يستحلف منكر لحد من حدود الله كالزنى والسرقة؛ لأنه يستحب سترها، والتعريض بالرجوع عنها. * إذا عجز المدعي بحق على آخر عن البينة وأنكر المدعى عليه فليس له إلا يمين المدعى عليه، وهذا خاص بالأموال ونحوها، ولا يجوز في دعوى القصاص والحدود. * اليمين تقطع الخصومة ولا تُسقط الحق، والبينة على المدعي، واليمين عدى من أنكر. 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المُدَّعى عليه)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيِّنةُ على المدعي، واليمين على المُدَّعى عليه)). أخرجه الترمذي (¬2). * يجوز للقاضي أن يُحلِّف المدعي، أو يحلِّف المُدَّعى عليه حسب ما يراه، وهي مشروعة في أقوى الجانبين؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا ببينة، فإذا لم تكن اكتفى منه باليمين. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4552)، ومسلم برقم (1711)، واللفظ له. (¬2) صحيح / أخرجه الترمذي برقم (1341)، صحيح سنن الترمذي رقم (1078).

* تغليظ اليمين:

* تغليظ اليمين: يجوز للقاضي تغليظ اليمين فيما له خطر كجناية لا توجب قوداً، ومال كثير ونحوهما إذا طلبها من توجهت له اليمين. والتغليظ في الزمان بعد العصر، وفي المكان في المسجد عند المنبر، وإن رأى القاضي ترك التغليظ كان مصيباً، ومن أبى التغليظ لما يكن ناكلاً عن اليمين، ومن حُلف له بالله فليرض. * تشرع اليمين في حق كل مدعى عليه، سواء كان مسلماً، أو من أهل الكتاب، فيحلف بالله إن لم تكن للمدعي بينة، ويَستحلف أهل الكتاب، فيقول لليهود مثلاً: ((أُذَكِّرُكُم بالله الذي نجاكم من آل فرعون، وأَقطَعَكم البحر، وظلل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المن والسلوى، وأنزل عليكم التوراة على موسى ... )). أخرجه أبو داود (¬1). ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبو داود برقم (3626)، صحيح سنن أبي داود رقم (3085).

* شر الناس:

* شر الناس: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن شرَّ الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)). متفق عليه (¬1). 2 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الرجال إلى الله الألَدُّ الخَصِم)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7179)، واللفظ له، ومسلم برقم (2526). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7188)، واللفظ له، ومسلم برقم (2668).

الجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله • * المجاهد في سبيل الله:. • * حكمة مشروعية الجهاد:. • * حكم الجهاد في سبيل الله:. • * يجب الجهاد على كل مستطيع في الحالات الآتية:. • * فضل الجهاد في سبيل الله:. • * فضل من جهز غازياً أو خَلَفَهُ بخير:. • * عقوبة من ترك الجهاد في سبيل الله:. • * الرباط:. • * فضل الرباط في سبيل الله:. • * فضل الغدوة والروحة في سبيل الله:.

* المجاهد في سبيل الله:

* المجاهد في سبيل الله: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: الرجل يقاتل للمَغنم، والرجل يقاتل للذِّكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانُه، فمن في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2810)، واللفظ له، ومسلم برقم (1904).

* حكمة مشروعية الجهاد:

* حكمة مشروعية الجهاد: 1 - شرع الله الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونشر الإسلام، وإقامة العدل، ومنع الظلم والفساد، وحماية المسلمين، ورد كيد الأعداء وقمعهم. 2 - شرع الله الجهاد ابتلاء واختباراً لعباده؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، وليعلم المجاهد والصابر، وليس قتال الكفار لإلزامهم بالإسلام، ولكن لإلزامهم بالخضوع لأحكام الإسلام حتى يكون الدين كله لله. 3 - والجهاد في سبيل الله باب من أبواب الخير، يذهب الله به الهم والغم، وتنال به الدرجات العلى في الجنة. * الهدف من القتال في الإسلام إزالة الكفر والشرك، وإخراج الناس من ظلمات الكفر والشرك والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وقمع المعتدين، وإزالة الفتن، وإعلاء كلمة الله، وإبلاغ دين الله، وإزاحة من يقوم في وجه تبليغه ونشره، فإذا حصل ذلك بدون قتال لم يحتج إلى القتال، ولا يكون قتال من لم تبلغه الدعوة إلا بعد الدعوة إلى الإسلام، فإن أبوا أمرهم الإمام بدفع الجزية، فإن أبوا استعان بالله وقاتلهم. فإن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداء، فالله خلق بني آدم لعبادته، فلا يجوز قتل أحد منهم إلا من عاند وأصر على الكفر، أو ارتد، أو ظلم، أو اعتدى، أو منع الناس من الدخول في الإسلام، أو آذى المسلمين، وما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم إلى الإسلام.

* حكم الجهاد في سبيل الله:

* حكم الجهاد في سبيل الله: الجهاد في سبيل الله فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.

* يجب الجهاد على كل مستطيع في الحالات الآتية:

* يجب الجهاد على كل مستطيع في الحالات الآتية: 1 - إذا حضر صف القتال. 2 - إذا استنفر الإمام الناس استنفاراً عاماً. 3 - إذا حَصَر بلده عدو. 4 - إذا احتيج إليه نفسه في القتال كطبيب وطيار ونحوهما. قال الله تعالى: (انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة/41). * الجهاد في سبيل الله: تارة يكون واجباً بالنفس والمال في حال القادر مالياً وبدنياً، وتارة يكون واجباً بالنفس دون المال في حال من لا مال له، وتارة يكون واجباً بالمال دون النفس في حال من لا يقدر على الجهاد ببدنه. 1 - قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة/193). 2 - عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)). أخرجه أبو داود والنسائي (¬1). ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2504)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (2186). وأخرجه النسائي برقم (3096)، صحيح سنن النسائي رقم (2900).

* فضل الجهاد في سبيل الله:

* فضل الجهاد في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة/20 - 22). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم، وتوكَّل اللهُ للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)). متفق عليه (¬1). 3 - عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة على ميقاتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2787)، واللفظ له، ومسلم برقم (1876). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2782)، واللفظ له، ومسلم برقم (85).

* فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير:

* فضل من جهز غازياً أو خَلَفَهُ بخير: عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2843)، واللفظ له، ومسلم برقم (1895).

* عقوبة من ترك الجهاد في سبيل الله:

* عقوبة من ترك الجهاد في سبيل الله: عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلُف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)). أخرجه أبو داود وابن ماجه (¬1). * شروط وجوب الجهاد في سبيل الله: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورية، والسلامة من الضرر، كالمرض والعمى والعرج، ووجود النفقة. * لا يجاهد المسلم تطوعاً إلا بإذن والديه المسلمين؛ لأن الجهاد فرض كفاية إلا في حالات، وبر الوالدين فرض عين في كل حال، أما إذا وجب الجهاد فيجاهد بلا إذنهما. * كل تطوع فيه منفعة للإنسان ولا ضرر على والديه فيه فلا يحتاج إلى إذنهما فيه كقيام الليل، وصيام التطوع ونحوهما، فإن كان فيه ضرر على الوالدين، أو أحدهما فلهما منعه، وعليه أن يمتنع؛ لأن طاعة الوالدين واجبة، والتطوع ليس بواجب. ¬

(¬1) حسن / أخرجه أبو داود برقم (2503)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (2185). وأخرجه ابن ماجه برقم (2762)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2231).

* الرباط:

* الرباط: هو لزوم الثغر بين المسلمين والكفار. * يجب على المسلمين أن يحفظوا حدودهم من الكفار، إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال، حسب ما تقتضيه الحال.

* فضل الرباط في سبيل الله:

* فضل الرباط في سبيل الله: عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ... )). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2892).

* فضل الغدوة والروحة في سبيل الله:

* فضل الغدوة والروحة في سبيل الله: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2792)، ومسلم برقم (1880).

2 - أقسام الجهاد

* أقسام الجهاد أربعة: 1 - جهاد النفس: وهو جهاد النفس على تعلم الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه. 2 - جهاد الشيطان: وهو جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشهوات. 3 - جهاد أصحاب الظلم والبدع والمنكرات: ويكون باليد إذا قدر، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب، حسب الحال والمصلحة. 4 - جهاد الكفار والمنافقين: ويكون بالقلب، واللسان، والمال، والنفس- وهو المقصود هنا-.

* درجات المجاهدين في سبيل الله في الجنة:

* درجات المجاهدين في سبيل الله في الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ... إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2790).

* للجهاد في سبيل الله أربع حالات:

* للجهاد في سبيل الله أربع حالات: 1 - جهاد ضد الكفار والمشركين: وهو أمر لازم لحفظ المسلمين من شرهم، ولنشر الإسلام بينهم، ويُخيرون فيه على الترتيب بين الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال. 2 - جهاد ضد المرتدين عن الإسلام: ويُخيرون على الترتيب بين العودة إلى الإسلام، أو القتال. 3 - جهاد ضد البغاة: وهم الذين يخرجون على إمام المسلمين ويثيرون الفتنة، فإن رجعوا وإلا قُتلوا. 4 - جهاد ضد قطاع الطريق: ويُخير الإمام فيهم بين قتلهم، أو صلبهم، أو تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو نفيهم من الأرض، وعقوبتهم حسب جريمتهم، حسب ما يراه الإمام.

* يجوز للضرورة غزو النساء مع الرجال للخدمة.

* يجوز للضرورة غزو النساء مع الرجال للخدمة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأُم سُليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى. متفق عليه (¬1). * يستحب تشييع الغزاة والدعاء لهم، والخروج لاستقبالهم عند العودة من الغزو. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3811)، ومسلم برقم (1810)، اللفظ له.

3 - آداب الجهاد في الإسلام

3 - آداب الجهاد في الإسلام • * واجبات الإمام في الجهاد:. • * وقت القتال:. • * متى ينزل نصر الله؟. • * إذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين:. • * فضل الشهادة في سبيل الله:. • * أسرى الحرب قسمان:. • * فضل الإنفاق في سبيل الله:. • * فضل الغبار والصيام في سبيل الله:. • * فضل من احتبس فرساً في سبيل الله:. • * قسمة الغنيمة:. • * الشهداء في سبيل الله:.

* واجبات الإمام في الجهاد:

* واجبات الإمام في الجهاد: يجب على الإمام أو من ينوب عنه أن يتفقد جيشه وأسلحته عند المسير إلى العدو، ويمنع المخذِّل والمرجف، وكل من لا يصلح للجهاد، ولا يستعين بكافر إلا لضرورة، ويُعد الزاد، ويسير بالجيش برفق، ويطلب لهم أحسن المنازل، ويمنع الجيش من الفساد والمعاصي، ويحدثهم بما يقوي نفوسهم ويرغبهم في الشهادة. ويأمرهم بالصبر والاحتساب، ويقسم الجيش، ويُعيّن عليهم العرفاء والحراس، ويبث العيون على العدو، ويُنفِّل من يرى من الجيش أو السرية كالربع بعد الخمس في الذهاب، والثلث بعد الخمس في الرجوع، ويشاور في أمر الجهاد أهل الدين والرأي. * يلزم الجيش طاعة الإمام أو نائبه في غير معصية الله، والصبر معه، ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يفاجئهم عدو يخافون شرَّه وأذاه فلهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وإن دعا كافر إلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، ومن خرج مجاهداً في سبيل الله فمات بسلاحه فله أجره مرتين. * إذا أراد الإمام غزو بلدة أو قبيلة في الشمال مثلاً أظهر أنه يريد جهة الجنوب مثلاً، فالحرب خدعة، وفي هذا فائدتان: الأولى: أن خسائر الأرواح والأموال تقل بين الطرفين فتحل الرحمة محل القسوة. والثانية: توفير طاقة جيش المسلمين من رجال وعتاد لمعركة لا تجدي فيها الخدعة. عن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّما يريد غزوة يغزوها إلا وَرَّى بغيرها. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2948)، واللفظ له، ومسلم برقم (2769).

* وقت القتال:

* وقت القتال: عن النعمان بن مقرِّن رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل من أول النهار أخَّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر. أخرجه أبو داود والترمذي (¬1). * إذا فاجأ العدو المسلمين وأغار عليهم فيجب رده وصده في أي وقت أغار فيه. ¬

(¬1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2655)، وهذا لفظه، صحيح سنن أبي داود رقم (2313). وأخرجه الترمذي برقم (1613)، صحيح سنن الترمذي رقم (1313).

* متى ينزل نصر الله؟

* متى ينزل نصر الله؟ كتب الله على نفسه النصر لأوليائه، ولكنه ربط هذا النصر بأمور: 1 - كمال حقيقة الإيمان في قلوبهم: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم/47). 2 - استيفاء مقتضيات الإيمان، وهي الأعمال الصالحة في حياتهم: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج/40 - 41). 3 - استكمال العدة التي في طاقتهم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال/60). 4 - بذل الجهد الذي في وسعهم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/69). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/45 - 46). وبذلك تكون معهم معية الله، وينزل عليهم نصر الله كما نزل على الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في غزواتهم. * إذا قام المسلم بالحق، وكان قيامه بالله ولله، لم يقم له شيء، ولو كادته السماوات والأرض ومن فيهن لكفاه الله مؤنتها، وإنما يؤتى العبد من تفريطه أو تقصيره في هذه الأمور الثلاثة أو في بعضها. فمن قام في باطل لم يُنصر، وإن نُصر فلا عاقبة له، وهو مذموم مخذول. وإن قام في حق لكن لم يقم لله، وإنما قام لطلب الحمد والشكر من الناس فهذا لا ينصر؛ لأن النصر لمن جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، وإن نُصر فبحسب ما معه من الصبر والحق، فالصبر منصور أبدا، فإن كان الصابر محقاً كانت له العاقبة، وإن كان مبطلاً لم تكن له عاقبة.

* إذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين:

* إذا التقى الجيشان فيحرم الفرار من الزحف إلا في حالتين: قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال/15 - 16).

* فضل الشهادة في سبيل الله:

* فضل الشهادة في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران/169). 2 - عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)). متفق عليه (¬1). 3 - أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، وللشهيد عند الله ست خصال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشهيد عند الله سِتُّ خصال: يَغفر له في أول دُفعة من دمه، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر،، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحلّى حلة الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه)). أخرجه الترمذي وابن ماجه (¬2). * من جُرح جرحاً في سبيل الله جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك، عليه طابع الشهداء، والشهادة في سبيل الله تعالى تكفر الذنوب كلها إلا الدَّين. * من خشي الأسر من المسلمين ولا طاقة له بعدوه فله أن يسلم نفسه، وله أن يقاتل حتى يُقتل أو يغلب. * من ألقى نفسه في أرض العدو، أو اقتحم في جيوش الكفار المعتدين بقصد التنكيل بالأعداء، وزرع الرعب في قلوبهم خاصة مع اليهود المعتدين، ثم قُتل، فقد نال أجر الشهداء الصابرين، والمجاهدين الصادقين، وهو أقل خسارة، وأكثر نكاية بالأعداء. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2817)، واللفظ له، ومسلم برقم (1877). (¬2) صحيح/ أخرجه الترمذي برقم (1663)، صحيح سنن الترمذي رقم (1358). وأخرجه ابن ماجه برقم (2799)، وهذا لفظه، صحيح سنن ابن ماجه رقم (2257).

* أسرى الحرب قسمان:

* أسرى الحرب قسمان: 1 - النساء والأطفال: يسترقون بمجرد السبي. 2 - الرجال المقاتلون: يخيَّر الإمام فيهم بين إطلاقهم بلا فداء، أو مفاداتهم، أو قتلهم، أو استرقاقهم حسب المصلحة.

* فضل الإنفاق في سبيل الله:

* فضل الإنفاق في سبيل الله: 1 - قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/261). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فُلُ هَلمّ .. )). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2841)، ومسلم برقم (1027).

* فضل الغبار والصيام في سبيل الله:

* فضل الغبار والصيام في سبيل الله: 1 - عن أبي عبس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار)). أخرجه البخاري (¬1). 2 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (907). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2840)، واللفظ له، ومسلم برقم (1153).

* فضل من احتبس فرسا في سبيل الله:

* فضل من احتبس فرساً في سبيل الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله، وتصديقاً بوعده، فإنّ شِبَعَه وَرِيَّهُ، وَرَوَثَهُ، وبولَه في ميزانِه يوم القيامة)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (2853).

* قسمة الغنيمة:

* قسمة الغنيمة: الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال، فيُخرج الخمس ويُقسم: سهم لله ولرسوله يُصرف في مصالح المسلمين، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. ثم باقي الغنيمة وهو أربعة أخماس يقسم بين الغانمين، (للراجل) سهم، (وللفارس) ثلاثة أسهم، ويحرم الغلول من الغنيمة، وللإمام تأديب الغال حسب المصلحة بما يناسب، وما أُخذ من مال مشرك بغير قتال كجزية وخراج ونحوهما ففيء يصرف في مصالح المسلمين. والفيء: هو ما أُخذ من مال الكفار بحق من غير قتال. - قال الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال/41). 2 - قال الله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر/ 7). * يجوز لأمير الجيش أن ينفِّل بعض المجاهدين بشيء من الغنيمة إن رأى فيه مصلحة تنفع المسلمين، وإن لم ير مصلحة لم ينفِّل. * يشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم، ومن قتل قتيلاً في حالة الحرب فله سَلَبه، وسلبه ما عليه من لباس وما معه من سلاح ومركب ومال. * لا يُسهم من الغنيمة إلا لمن فيه أربعة شروط: البلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، فإن اختل شرط رضخ له ولم يُسهم. * النساء المسبيات ينفسخ نكاحهن بمجرد السبي، ولا يجوز وطؤهن حتى تُستبرأ الحامل بوضع الحمل، وغير ذات الحمل بحيضة. * إذا غنم المسلمون أرضاً من عدوهم عنوة خيِّر الإمام بين قسمها على المسلمين، أو وقفها عليهم، ويضرب عليها خراجاً مستمراً ممن هي في يده. * تجوز مكافأة الكافر على إحسانه للمسلمين بما تيسر؛ وفاءً لجميله.

* الشهداء في سبيل الله:

* الشهداء في سبيل الله: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)). متفق عليه (¬1). 2 - عن جابر بن عتيك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ... الشهادة سبعٌ سوى القتل في سبيل الله عز وجل: المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجُمْعٍ شهيدة)). أخرجه أبوداود والنسائي (¬2). 3 - عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد)). أخرجه أبو داود والترمذي (¬3). * إذا احتاج حي من مجاهد وغيره إلى نقل عضو أو جزء من إنسان حي، فإن كان النقل يؤدي إلى ضرر بالغ بتفويت أصل الانتفاع أو جله كقطع يد، أو رجل، أو كِلْية فهذا محرم؛ لأنه تهديد لحياة متيقنة بعملية ظنية موهومة، وإن كان النقل يؤدي إلى الموت كنزع القلب، أو الرئة فهذا قتل للنفس، وهو من أشد المحرمات. * نقل عضو أو جزء من إنسان ميت إلى حي، فإن كانت مصلحة الحي ضرورية تتوقف حياته عليها كنقل القلب، أو الرئة، أو الكلية فهذا يجوز عند الضرورة إذا أذن الميت قبل وفاته، ورضي المنقول إليه، وانحصر التداوي به، وقام بذلك طبيب ماهر. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2829)، واللفظ له، ومسلم برقم (1914). (¬2) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3111)، صحيح سنن أبي داود رقم (2668). وأخرجه النسائي برقم (1846)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (1742). (¬3) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4772)، صحيح سنن أبي داود رقم (3993). وأخرجه الترمذي برقم (1421)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (1148).

4 - عقد الذمة

4 - عقد الذمة • * فضل من أسلم من أهل الكتاب:. • * عقد الأمان:. • * إثم من قتل معاهداً بغير جرم:.

* فضل من أسلم من أهل الكتاب:

* فضل من أسلم من أهل الكتاب: عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله تعالى، وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران)). متفق عليه (¬1). * يجب على الإمام أخذ أهل الذمة بحكم الإسلام في النفس، والمال، والعرض، وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه كالزنى، لا فيما يعتقدون حله كالخمر والخنزير فلا يعاقبون عليه، لكن يمنعون من إظهاره. * يلزم أهل الذمة التميز عن المسلمين في الحياة وفي الممات؛ لئلا يغتر بهم الناس، فيلبسون ويركبون الأدنى ليتميزوا، ويجوز دخولهم المسجد إن رُجي إسلامهم إلا المسجد الحرام فلا يدخله مشرك. * لا يجوز تصدير أهل الذمة، في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بُداءتهم بالسلام، فإن سلموا وجب الرد بقولنا (وعليكم)، ولا يجوز تهنئتهم بأعيادهم، ويمنعون من بناء الكنائس والبِيَع والمعابد، ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس، وجهر بكتابهم، ومن تعلية بنيان على مسلم ونحو ذلك. * يجوز القيام للمسلم القادم إجلالاً له وإكراماً، أو إعانة، ويجوز القيام إليه بالمشي خطوات إجلالاً وإكراماً له، أما القيام على الشخص وهو جالس فلا يجوز إلا إذا كان في ذلك حماية له، وإغاظة للمشركين كما فعل المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه حين قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش تراسله في صلح الحديبية. * ينتقض عهد الذمي ويحل دمه وماله إذا أبى دفع الجزية، أو لم يلتزم أحكام الإسلام، أو تعدى على مسلم بقتل، أو زنى، أو قطع طريق، أو تجسس على المسلمين، أو ذكر الله أو ذكر رسوله أو كتابه أو شريعته بسوء. * إذا انتقض عهد الذمي بما سبق صار حربياً، يُخير فيه الإمام بين القتل، أو الاسترقاق، أو المنّ بدون شيء، أو الفداء حسب المصلحة. ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (97)، واللفظ له، ومسلم برقم (154).

* عقد الأمان:

* عقد الأمان: يجوز تأمين الكافر لمدة محدودة حتى يبيع تجارته، أو يسمع كلام الله ويرجع ونحو ذلك من كل مسلم بالغ عاقل مختار ما لم يخش ضرره، ويصح من الإمام لجميع المشركين، فإذا أعطي العهد حرم قتله وأسره وأذيته. قال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة/6). * لا يجوز إقرار اليهود والنصارى وسائر الكفار في جزيرة العرب للسكنى، أما على وجه العمل فيجوز للضرورة بشرط أن نأمن شرهم كأصحاب السفارات والعمال والتجار ونحوهم. * لا يجوز للكفار دخول حرم مكة لقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/28). * لا يجوز للكفار دخول مساجد الحل إلا بإذن مسلم لحاجة أو مصلحة.

* إثم من قتل معاهدا بغير جرم:

* إثم من قتل معاهداً بغير جرم: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)). أخرجه البخاري (¬1). * المساجد بيوت الإيمان، والكنائس والبِيَع بيوت الشرك والكفر، والأرض لله عز وجل، وقد أمر الله ببناء المساجد وإقامة العبادة فيها لله، ونهى عن كل ما يعبد فيه غير الله. ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (3166).

5 - عقد الهدنة

5 - عقد الهدنة * الهدنة: عقد الإمام أو نائبه على ترك قتال العدو مدة معلومة ولو طالت بقدر الحاجة، وهي لازمة، ويجوز عقدها للمصلحة، حيث جاز تأخير الجهاد لعذر كضعف المسلمين ولو بمال منا، ويجوز عقدها بعوض وبغير عوض. * يؤخذ المعاهدون بجنايتهم على مسلم من مال وقود وجلد. * يجب الوفاء بالعهد، ولا يجوز نقضه إلا إذا نقض العدو العهد، أو لم يستقيموا لنا، أو خفنا منهم خيانة، فهنا انتقض العهد ولا يلزمنا البقاء عليه، ولنا إذا خفنا منهم خيانة أن نقاتلهم بعد إعلامهم بنبذ العهد. 1 - قال الله تعالى: ( .. وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) (الإسراء/34). 1 - قال الله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (الأنفال/58).

6 - الخلافة والإمارة

* حكم نصب الخليفة: 1 - نصب الإمام للمسلمين واجب لحماية بيضة الإسلام، وتدبير أحوال المسلمين، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والحكم بما أنزل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.

2 - تثبت ولاية الإمام بواحد مما يلي:

2 - تثبت ولاية الإمام بواحد مما يلي: 1 - أن يختار بإجماع المسلمين، ويتم نصبه بمبايعة أهل العقد له من العلماء والصالحين ووجوه الناس وأعيانهم. 2 - أن تكون ولايته بنص الإمام الذي قبله. 3 - أن يُجعل الأمر شورى في عدد معين محصور من الأتقياء، ثم يتفقون على أحدهم. 4 - أن يتولى على الناس قهراً بقوته حتى يذعنوا له ويدعوه إماماً فيلزم الرعية طاعته في غير معصية الله.

* الخلافة في الأرض تنال بالإيمان والأعمال الصالحة:

* الخلافة في الأرض تُنال بالإيمان والأعمال الصالحة: قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) (النور/55).

* الخلافة في قريش، والناس تبع لقريش:

* الخلافة في قريش، والناس تبع لقريش: 1 - عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا الأمر في قريش، لا يُعاديهم أحد إلا كبَّه الله في النار على وجهه ما أقامُوا الدين)). أخرجه البخاري (¬1). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)). متفق عليه (¬2). 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تَبَعٌ لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7139). (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3501)، واللفظ له، ومسلم برقم (1820). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3495)، ومسلم برقم (1818).

* النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها:

* النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها: 1 - عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدالرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإن أُعطيتها عن مسألة وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنتَ عليها .. )). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنِعْم المرضعة وبِئْست الفاطمة)). أخرجه البخاري (¬2). 3 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي فقال أحد الرجلين: أمِّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله، فقال: ((إنا لا نوليِّ هذا من سأله ولا من حرص عليه)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7147)، واللفظ له، ومسلم برقم (1652). (¬2) أخرجه البخاري برقم (7148). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7149)، واللفظ له، ومسلم ((في كتاب الإمارة)) برقم (1733)

* اجتناب الولايات، خاصة لمن كان فيه ضعف عن القيام بحقوقها:

* اجتناب الولايات، خاصة لمن كان فيه ضعف عن القيام بحقوقها: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: ((يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1825).

* فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر:

* فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر: 1 - قال الله تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات/9). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله .. )). متفق عليه (¬1). 3 - عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا)). أخرجه مسلم (¬2). 4 - عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1423)، واللفظ له، ومسلم برقم (1031). (¬2) أخرجه مسلم برقم (1827). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7150)، ومسلم برقم (142)، واللفظ له.

* الخلافة والإمامة للرجال دون النساء:

* الخلافة والإمامة للرجال دون النساء: عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارساً ملَّكوا ابنة كسرى قال: ((لن يُفلح قوم وَلَّوا أمرهم امرأة)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7099).

* وظيفة الخليفة:

* وظيفة الخليفة: 1 - قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (المائدة/49). 2 - قال الله تعالى لنبيه داود صلى الله عليه وسلم: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص/26).

* كيف يبايع الناس الإمام:

* كيف يبايع الناس الإمام: 1 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثَرَةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائمٍ- وفي رواية بعد أن لا نُنازع الأمر أهله- قال: ((إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)). متفق عليه (¬1). 2 - عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقَّنني فيما استطعت، والنصح لكل مسلم. متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7056)، ومسلم في ((كتاب الإمارة)) برقم (1709) واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7204)، واللفظ له، ومسلم برقم (56).

* لزوم الصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم:

* لزوم الصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم: 1 - عن أسيد بن حُضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تستعملُني كما استعملت فلاناً؟ فقال: ((إنكم ستلقون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)). متفق عليه (¬1). 2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)). متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3792)، ومسلم برقم (1845)، واللفظ له. (¬2) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7053)، واللفظ له، ومسلم برقم (1849).

* طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق:

* طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمُرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1846).

* وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن وفي كل حال:

* وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن وفي كل حال: 1 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسُول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: ((نعم)) فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟. قال: ((نعم وفيه دَخَن)) قلت: وما دَخَنُه؟ قال: ((قوم يستنُّون بغير سنَّتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتُنكر)) فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟. قال: ((نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، فقلت: يا رسول الله صِفهم لنا، فقال: ((نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) قلت: يا رسُول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟. قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟. قال: ((فاعتزِل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك)). متفق عليه (¬1). 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصُرُ عصبةً، فقتل، فقِتْلَةٌ جاهلية. ومن خرج على أمتي، يضرب برَّها وفاجرَها، ولا يتحاشَ من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ عهده فليس مني ولست منه)). أخرجه مسلم (¬2). 3 - عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية)). متفق عليه (¬3). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3606)، ومسلم برقم (1847)، واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم برقم (1848). (¬3) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7054)، واللفظ له، ومسلم برقم (1849).

* وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا:

* وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلَّوا: عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنه يُستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتُنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلِم، ولكن من رضي وتابع)) قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: ((لا. ما صلَّوا)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1854).

* حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع:

* حكم من فَرَّق أمر المسلمين وهو مجتمع: عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1852).

* الحكم إذا بويع لخليفتين:

* الحكم إذا بويع لخليفتين: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1853).

* خيار الأئمة وشرارهم.

* خيار الأئمة وشرارهم. عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم، وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)) قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ((لا. ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزِعوا يداً من طاعة)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (1855).

* بطانة الإمام وأهل مشورته:

* بطانة الإمام وأهل مشورته: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمُره بالمعروف، وتحضه عليه، وبطانة تأمُرة بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى)). أخرجه البخاري (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري برقم (7198).

* واجبات الخليفة:

* واجبات الخليفة: 1 - إقامة الدين، وذلك بحفظه، والدعوة إليه، ودفع الشبه عنه، وتنفيذ أحكامه وحدوده بالحكم بما أنزل الله بين الناس، والجهاد في سبيل الله. قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء/58).

2 - اختيار الأكفاء للمناصب والولايات.

2 - اختيار الأكفاء للمناصب والولايات. قال الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص/26).

3 - محاسبة الإمام عماله:

3 - محاسبة الإمام عماله: عن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبيَّة على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أُهدي لي قال: ((فهلا جلس في بيت أبيه، أو بيت أمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تَيْعَر)) ثم رفع بيده حتى رأينا عُفرة إبطيه: ((اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت)) ثلاثاً. متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2597)، واللفظ له، ومسلم برقم (1832).

4 - تفقد أحوال الرعية وتدبير أمورها.

4 - تفقد أحوال الرعية وتدبير أمورها. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ... )). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (893)، ومسلم برقم (1829)، واللفظ له.

5 - الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم.

5 - الرفق بالرعية والنصح لهم وعدم تتبع عوراتهم. عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (142).

6 - أن يكون قدوة حسنة لرعيته.

6 - أن يكون قدوة حسنة لرعيته. 1 - قال الله تعالى: ( ... وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان/74) 2 - قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة/24).

* حقوق الخليفة: 1 - طاعته في غير معصية الله:

* حقوق الخليفة: 1 - طاعته في غير معصية الله: 1 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء/59). 2 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يُؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)). متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7144)، ومسلم برقم (1839)، واللفظ له.

2 - المناصحة:

2 - المناصحة: عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة)) قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)). أخرجه مسلم (¬1). ¬

(¬1) أخرجه مسلم برقم (55).

3 - نصرته ومؤازرته:

3 - نصرته ومؤازرته: قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/2).

4 - أن يأخذ من مال بيت المسلمين ما يكفيه ومن يعول.

4 - أن يأخذ من مال بيت المسلمين ما يكفيه ومن يعول. عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحل للخليفة إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يُطعمها)). أخرجه ابن أبي الدنيا (¬1). ¬

(¬1) صحيح / أخرجه أبن أبي الدنيا في الورع برقم (128). انظر السلسلة الصحيحة رقم (362).

§1/1